دلائل النبوة للبيهقي محققا
البيهقي، أبو بكر
المجلد الأول
[المدخل إلى دلائل النبوة] السفر الأول من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة يشمل: 1- التقدمة وترجمة المصنف ونسخ الكتاب المخطوطة. 2- المدخل إلى دلائل النبوة. 3- جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أقوال العلماء في الإمام البيهقي
أقوال العلماء في الإمام البيهقي قال ابن ناصر: «كان واحد زمانه، وفرد أقرانه حفظا وإتقانا وثقة، وهو شيخ خراسان» . قال إمام الحرمين: «ما من شافعيّ إلا وللشافعيّ فضل عليه غير البيهقي، فإنّ له المنة والفضل على الشافعيّ لكثرة تصانيفه في نصرة مذهبه، وبسط موجزه، وتأييد آرائه» . قال ابن خلكان: «الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور، واحد زمانه، وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله البيع في الحديث، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم» . قال ابن الجوزي: «كان واحد زمانه في الحفظ والإتقان، وحسن التصنيف وجمع علم الحديث، والفقه، والأصول، وهو من كبار أصحاب الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، ومنه تخرج، وسافر، وجمع الكثير، وله التصانيف الكثيرة الحسنة» . قال الذهبي: «لو شاء الذهبي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف» . قال السبكي: «كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة
المؤمنين، والداعي إلى حبل الله المتين، فقيه، جليل، حافظ، كبير، أصولي، نحرير، زاهد، ورع قانت لله، قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا، جبل من جبال العلم» . قال ابن تيمية: «البيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث، وأنصرهم للشافعي» . قال ابن كثير: «كان أوحد زمانه في الإتقان، والحديث، والفقه، والتصنيف، وكان فقيها محدثا، أصوليا.. وجمع أشياء كثيرة نافعة، لم يسبق إلى مثلها، ولا يدرك فيها، وكان فاضلا من أهل الحديث، مرضي الطريقة» .
أقوال العلماء في"دلائل النبوة"
أقوال العلماء في «دلائل النبوة» قال تاج الدين السبكي: أما كتاب «دلائل النبوة» وكتاب «شعب الإيمان» وكتاب «مناقب الشافعي» فأقسم ما لواحد منها نظير» . قال الحافظ ابن كثير: «دلائل النبوة لأبي بكر البيهقي من عيون ما صنّف في السيرة والشمائل» .
التقدمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ التّقدمة إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. (33: الأحزاب: 56) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. (9: التوبة: 33 و 48: الفتح: 28 و 61 الصف: 9) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. (48: الفتح: 29) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ. (47: محمد: 2) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. (33: الأحزاب: 40) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. (21: الأنبياء: 107) اللهم صَلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. وبعد، لم تعد مسألة إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بالمشكلة الدينية فوجود الله مركوز في الفطرة الإنسانية، واطراد التقدم العلمي يزيده إثباتا كل يوم. سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت- 53] وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات- 21] . بيد أن المسألة الأساسية في الدين هي إثبات رسالة الرسول، ويعنينا هنا إثبات نبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم. فالإيمان بالنبوة- أو الصلة بين الله تعالى ومجتمع الإنسان عن طريق الأنبياء- من خصائص هذا الدين، والنبي هو الإنسان الذي يختاره الله ليقوم بأداء رسالة معينة، وقد وجدت مذاهب تؤمن بالله وتنكر النبوّات، وتزعم أنه لا حاجة لوجود النّبيّ، لأنّ ما أتى به الأنبياء موافق للعقل، ففي العقل غنى عنه، أو مخالف له فلا حاجة لنا به، فالعقل طريق الاستدلال ولكننا لا نستطيع بالمنطق التجريبي، والرياضي التوصل إلى حقائق ما وراء المادة، فالعلم الصحيح بذات الله، وصفاته، وحساب الآخرة، من ثواب وعقاب، وكل ما يتعلق بعالم الغيب، كل ذلك لا يعرف إلا عن طريق الأنبياء. وقد تمت الصلة بين الله والأنبياء بوسائل متعددة، وقد قصّ علينا القرآن
الكريم طرفا من ذلك. ففي أمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، قالَ: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، فَانْظُرْ ماذا تَرى، قالَ: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات- 102] فهذه الرؤية الصادقة. وقد يكون الاتصال بأن يكلم الله تعالى النبي مباشرة كما حصل لموسى- عليه السلام- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص- 30] . والواسطة العادية في حصول الوحي أن يكون عن طريق جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء- (163- 165) ] . وأحيانا كان جبريل ينزل مجسدا يراه المسلمون كما حصل في حديث أركان الإيمان والإسلام والإحسان، وأشراط الساعة، الذي روي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وفي ختامه: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» . وحين يدعي إنسان أنه يتصل بالله ويحمل منه إلى الناس رسالة ترتّب عليهم تكاليف وواجبات، فإن من الطبيعي أن يطالبه الناس بالدليل على صدقه، ولم ير القرآن في هذا أمرا خارجا عن المعقول، فالتساؤل حتى للتعليم مطلوب وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى؟ قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى، وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة- 260] . ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ما يثبت النبوة.
طرق في إثبات النبوة
طرق في إثبات النبوة طريقة القرآن في إثبات النبوة: الطريقة القرآنية في إثبات النبوة هي إيراد أدلة كثيرة تتكاتف لتؤدي إلى اليقين. فالقرآن الكريم تحدى العرب والعجم، والإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... [البقرة- 23] وقد بعث رسول صلى الله عليه وسلم فيهم أربعين عاما، فلم يحدثهم بنبوة ولا برسالة! فهذا الأمر يخضع لمشيئة الله فقط. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس- 16] . فهذا النبي صلى الله عليه وسلّم قد نشأ بينهم، وترعرع على مرأى ومسمع منهم بل كانوا يعرفونه بالصدق والأمانة، ورجاحة العقل، ولم يعهدوا عليه كذبا، قال تعالى: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سبأ- 46] . فلم الشك في أمره مع أنه قد تجرد عن كل مطمع دنيوي. قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [سبأ- 47] . ولم الشك في أمره وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يمكن أن يستمدّ من كتاب. وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ
1 - طريقة الغزالي في اثبات النبوة:
الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت- 48] . 1- طريقة الغزالي في اثبات النبوة: وللإمام الغزالي في منقذه من الضلال طريقة في إثبات النبوة، قال: «فإذا وقع لك شك في شخص معين: أنه نبي أم لا؟ فلا يحصل اليقين إلا بمعرفة أحواله: إما بالمشاهدة، أو بالتواتر، والتسامع. فإنك إذا عرفت الطب، والفقه، يمكنك أن تعرف الفقهاء، والأطباء، بمشاهدة أحوالهم، وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم. ولا تعجز أيضا عن معرفة كون «الشافعي» - رحمه الله- فقيها وكون «وجالينوس» طبيبا، معرفة بالحقيقة لا بالتقليد عن الغير، بل بأن تتعلم شيئا من الفقه والطب، وتطالع كتبهما وتصانيفهما، فيحصل لك علم ضروري بحالهما. فكذلك إذا فهمت معنى النبوة، فأكثرت النظر في القرآن، والأخبار يحصل لك العلم الضروري بكونه صلى الله عليه وسلم، على أعلى درجات النبوة واعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات، وتأثيرها في تصفية القلوب وكيف صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» . وكيف صدق في قوله: «من أعان ظالما سلطه الله عليه» . وكيف صدق في قوله:
2 - طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة:
«من أصبح وهمومه هم واحد، كفاه الله تعالى هموم الدنيا والآخرة فإذا جرّبت في ألف، وألفين، وآلاف حصل لك علم ضروري لا تتمارى فيه. فمن هذا الطريق: اطلب اليقين بالنبوة، لا من قلب العصا ثعبانا، وشق القمر، فإن ذلك إذا نظرت إليه وحده، ولم تنضم إليه القرائن الكثيرة الخارجة عن الحصر، ربما ظننت أنه سحر وتخييل وأنه من الله إضلال، فإن الله تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ. وترد عليك أسئلة المعجزات، فإن كان مستندا إيمانك إلى كلام منظوم في وجه دلالة المعجزة، فينخرم إيمانك بكلام مرتب في وجوه الأشكال والشبهة عليها. فليكن مثل الخوارق، إحدى الدلائل والقرائن في مجلة نظرك حتى يحصل لك علم ضروري لا يمكنك ذكر مستنده على التعيين كالذي يخبره جماعة بخبر متواتر لا يمكنه أن يذكر أن اليقين مستفاد من قول واحد معين، بل من حيث لا يدري، ولا يخرج عن جملة ذلك ولا بتعيين الآحاد ... فهذا هو الإيمان القوي العملي» أ. هـ. 2- طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة: قال ابن خلدون في المقدمة: «اعلم أن الله- سبحانه- اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده: يعرفونهم بمصالحهم، ويحرضونهم على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلّونهم على طريق النجاة. وكان- فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار- الكائنات، المغيبة عن البشر التي لا سبيل الى معرفتها، إلا من على
ألسنتهم من الله بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم.. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: «ألّا وإنّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِيَ الله» . واعلم أن خبرهم في ذلك، من خاصيّته وضرورته الصدق، لما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة. وعلامة هذا الصنف من البشر: أن توجد لهم- في حال الوحي- غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين، وليست منهما في شيء، وإنما هي- في الحقيقة- استغراق في لقاء الملك الروحاني: بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل الى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ الله. ثم تنجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم، وقد سئل عن الوحي: «أحيانا يأتيني مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ. وأحيانا يتمثّل إليّ الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» . ويدركه أثناء ذلك، من الشدة والغطّ ما لا يعبّر عنه. ففي الحديث: «كان مما يعالج من التنزيل شدة» . وقالت عائشة: كان يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عرقا» وقال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. ولأجل هذه الحالة في تنزّل الوحي، كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون له رئي، أو تابع من الجن.. وإنما لبّس عليهم، بما شاهدوه من مظاهر تلك الأحوال:
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ*. ومن علاماتهم أيضا: أنه يوجد لهم- قبل الوحي- خلق الخير والزكاة، ومجانبة المذمومات والرجس أجمع. وهذا هو معنى العصمة. وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها. وكأنها منافية لجبلّته. وفي الصحيح: أنه حمل الحجارة وهو غلام، مع عمه العباس، لبناء الكعبة، فجعلها في إزاره، فانكشف، فسقط مغشيا عليه، حتى استتر بإزاره، ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب. فأصابه غشي النوم إلى أن طلعت الشمس، ولم يحضر شيئا من شأنهم، بل نزّهه الله عن ذلك كله، حتى إنه- بجبلّته- يتنزه عن المطعومات المستكرهة. فقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لا يقرب البصل والثوم، فقيل له في ذلك، فقال: «إني أناجي من لا تناجون» . وانظر، لمّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، بحال الوحي أول ما فجأه وأراد اختباره. فقالت: اجعلني بينك وبين ثوبك، فلما فعل ذلك، ذهب عنه. فقالت: إنه ملك، وليس بشيطان، ومعناه: أنه لا يقرب النساء. وكذلك سألته عن أحبّ الثياب إليه أن يأتيه فيها. فقال البياض والخضرة. فقالت: إنه الملك. يعني: أن البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة. والسواد من ألوان الشر والشياطين، وأمثال ذلك.
ومن علاماتهم أيضا: دعاؤهم إلى الدين والعبادة من: الصلاة والصدقة والعفاف. وقد استدلت خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، على صدقه صلى الله عليه وسلم بذلك، وكذلك أبو بكر، ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه. وفي الصحيح أن هرقل- حين جاءه كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الإسلام- أحضر من وجد ببلده من قريش، وفيهم أبو سفيان، ليسألهم عن حاله. فكان- فيما سأل- أن قال: بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ، إلى آخر ما سأل. فأجابه فقال: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حقا فهو نبي، وسيملك مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ» . والعفاف الذي أشار إليه أبو سفيان، هو العصمة. فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة نبوته، ولم يحتج إلى معجزة، فدل على أن ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ!! ومن علاماتهم أيضا: أن يكونوا ذوي حسب في قومهم. وفي الصحيح: «ما بعث الله نبيا، إلا فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ» . وفي رواية أخرى: «في ثروة من قومه» . استدركه الحاكم على الصحيحين. وفي مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال: «كيف هو فيكم» ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «هُوَ فينا ذو حسب» . فقال هرقل: «والرسل تبعث في أحساب قومها» .
3 - دلائل النبوة في إسلام خديجة - رضي الله عنها -:
ومعناه: أن تكون له عصبة وشوكة تمنعه عن أذى الكفار، حتى يبلغ رسالة ربه، ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته. 3- دلائل النبوة في إسلام خَدِيجَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ويتحدث ابن خلدون عن إسلام خديجة بنت خويلد، وعن إسلام أبي بكر الصديق، ويتعرض لإسلام ورقة بن نوفل وإسلام غيرهم مستدلا بيقينهم على دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم. فكيف أسلمت خديجة؟ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يدعها إلى الإسلام! إنه قصّ عليها قصة الوحي، وهو يقول: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. وهذه صورة لم تشهدها خديجة- من قبل- عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم ولقد عرفته شابا يعمل في مالها متاجرا به. ومن هذه العلاقة- عرفت فيه الصدق والأمانة، والخصال الإنسانية الكاملة، والمثل الأعلى ... ولقد سمعت من ميسرة حديثا يبعث شجون النفس، والإعجاب. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شريفة لبيبة، ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُ لَهُمْ منه، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ، فعرضت أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غيره، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ له: «ميسرة» . فلما أخبرها «مَيْسَرَةُ» عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إظلال الملكين إياه في حرّ الهاجرة، وسموّ صحبته، وحسن خلقه، وصدق حديثه
تبلورت فكرة الزواج بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم في ذهنها. وقد ذهبت إلى ورقة بن نوفل- ابن عمها- وذكرت له ما سمعته وما لاحظته من صفات محمد صلى الله عليه وسلّم وأحواله، فَقَالَ وَرَقَةُ: «لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةَ إنّ محمدا لنبيّ هذه الأمة، وقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ يُنْتَظَرُ ... هَذَا زمانه» . فعادت خديجة من عند ورقة وقد اختمرت في ذهنها فكرة الزواج بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصبحت الفكرة أكثر جاذبية وإشراقا. ولم تكن الجاذبية هدف خديجة في زواجها، وإن كان محمد أحسن الناس خلقا، ولا الثروة، فلم يكن محمد صاحب ثروة إنما صاحب سمات خلقية كريمة، وروحانية شفافة ظاهرة، واشراق أخاذ وسمو كريم. وقد نقل ابن حجر عن الفاكهي في كتاب مكة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم كان عند أبي طالب فاستأذنه ان يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية يقال لها: نبعة، فقال: انظري ما تقول له خديجة. قالت نبعة: فرأيت عجبا، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سمعت به خديجة، فخرجت إلى الباب، وكان مما قالت: أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي، وادع الإله الذي يبعثك لي. فقال لها: «والله لئن كنت أنا هو، قد اصطفت عندي ما لا أخيّبه أبدا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيّعك أبدا» . لقد أصبحت الفكرة جد متبلورة في عقل خديجة ولم يكن هناك إلا تنفيذها. فأرسلت نفيسة بنت منبه دسيسا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم بعد عودته من الشام.
قالت: يا محمد! ما يمنعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به. قالت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قالت: خديجة. قال: وكيف لي ذلك؟ قالت: عليّ. قال: فأنا أفعل. قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: «أنا أعلم الناس بتزويج النبي صلى الله عليه وسلّم خديجة، إِنِّي كُنْتُ لَهُ تِرْبًا وَكُنْتُ لَهُ إِلْفًا وَخِدْنًا، وَإِنِّي خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَزْوَرَةِ- سوق مكة- أَجَزْنَا عَلَى أُخْتِ خَدِيجَةَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى أُدُمٍ تَبِيعُهَا، فَنَادَتْنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهَا، وَوَقَفَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: «أَمَا لِصَاحِبِكَ هَذَا مِنْ حَاجَةٍ فِي تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ؟» . قَالَ عَمَّارٌ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: بَلَى، لعمري. قال عمار: فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ: اغْدُوَا عَلَيْنَا إذا أصبحنا. وجاء آل عبد المطلب وعلى رأسهم حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأبو طالب إلى بيت خديجة، وكان في استقبالهم عم خديجة: عمرو بن أسد، وابن عمها: ورقة بن نوفل. وقام أبو طالب خطيبا، فكان مما قَالَ:
أما بعد، فإن محمدا ممن لا يوزن به فتى من قريش، إلا رجح به: شرفا ونبلا، وفضلا وعقلا، وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظل زائل، وعاريه مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك» . ورضي عمرو، وقال: «هو الفحل لا يقدع أنفه» . وعند ما رجع إليها من غار حراء، وهو يقول: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: «يَا خَدِيجَةُ! مَالِي، فَأَخْبَرَهَا الخبر» . كان هذا شأنا جديدا عليه وتغيرا محسوسا، وعند ما سألته عن جلية الخبر، قال: «لقد خشيت على نفسي!» . قالت له: «كلا، والله ما يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وتحمل الكلّ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» . لقد غمرت خديجة قوة نورانية عجيبة، وثقه واضحة جلية، واتجهت إلى زوجها بقوة المسؤولية، وأخذت تمسح عن وجهه، وتقول: «أبشر، فو الله لقد كنت أعلم أنّ الله لن يفعل بك إلا خيرا، وأشهد أنك نبيّ هذه الأمة الذي تنتظره اليهود، قد أخبرني به ناصح غلامي، وبحيرى الراهب» . ولم تزل بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم حتى طعم وشرب وضحك. فلما ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت من مكانها فأتت غلاما لقيه رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَدَّاسٌ، أُذَكِّرُكَ بِاللهِ، إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي: هَلْ عِنْدَكَ عَلِمٌ مِنْ جبريل؟
فقال: قُدُّوسٌ!! قُدُّوسٌ!! مَا شَأْنُ جِبْرِيلَ يُذْكَرُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَهْلُهَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ. فقالت: أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكِ فِيهِ. قَالَ: إنه أَمِينُ اللهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ.. وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وعيسى عليهما السلام. ثم ذهبت إلى راهب بجوار مكة، فلما دنت منه وعرفها، قال: مالك يا سيدة نساء قريش؟. فقالت: أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل. فقال: سبحان الله! ربنا القدوس: ما بال جبريل يذكر في هذه البلاد التي يعبد أهلها الأوثان، جبريل أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله.. وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وَعِيسَى. فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ مِنْ عِنْدِهِ، فَجَاءَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ كَرِهَ عبادة الأوثان، فسألته عن جبريل، فقال لها مثل ذلك، ثم سألها، ما الخبر؟ فأحلفته أن يكتم ما تقول له، فحلف لها، فقالت: إن محمدا ذكر لي- وهو صادق- أحلف بالله ما كذب ولا كذب- أنه نزل عليه جبريل بحراء، وأنه أخبره أنه نبيّ هذه الأمة، وأقرأه آيات أرسل بها. قال: فذعر ورقة لذلك، وقال: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، وَالَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ إِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ. ولكن يا خديجة أرسلي إليّ ابن عبد الله أسأله وأسمع من قوله، فإني أخاف أن يكون غير جبريل، فإن بعض الشياطين يتشبه به، ليفسد بعض بني آدم، حتى يصير الرجل بعد العقل مدلها.
فقامت من عنده، وهي واثقة أن لا يفعل بصاحبها إلا خيرا. وانطلقت خديجة بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى ورقة، فقالت له خديجة: يا ابن عم! اسمع من ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ ورقة: يا ابن أخي! ماذا ترى؟. فَقَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خبره ... فقال له وَرَقَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيَأْتِيكَ النَّامُوسُ [1] الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وإنك نبي هذه الأمة، ولتؤذينّ، وَلَتُقَاتَلَنَّ، وَلَتُنْصَرَنَّ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ اللهُ. ثُمَّ أَدْنَى إِلَيْهِ رَأْسَهُ فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انصرف إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقَدْ زَادَهُ الله مِنْ قَوْلِ وَرَقَةَ ثَبَاتًا، وَخَفَّفَ عَنْهُ بَعْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْهَمِّ. أما ورقة، فقد قال: وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ وَمِيكَالُ مَعْهُمَا ... مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلُ أما خديجة فقد أحبت أن تضع جبريل موضع الاختبار، لتتبين أمره في وضوح ، فقالت خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تُثَبِّتُهُ- فِيمَا أَكْرَمَهُ اللهُ به في نُبُوَّتِهِ: يَا ابْنَ عَمٍّ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: إِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي. فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ! هَذَا جِبْرِيلُ. فَقَالَتْ: أَتُرَاهُ الآن؟ قال: نعم.
4 - دلائل النبوة في إسلام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -
قَالَتْ: فَاجْلِسْ إِلَى شِقِّي الْأَيْمَنِ، فَتَحَوَّلَ فَجَلَسَ، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي. فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَجَلَسَ. فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَتَحَسَّرَتْ رَأْسَهَا، فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا، وَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: لَا. قَالَتْ: مَا هَذَا شَيْطَانٌ، إِنَّ هَذَا لَمَلَكٌ يَا ابْنَ عَمٍّ، فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ، ثُمَّ آمَنَتْ بِهِ، وَشَهِدَتْ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَقَّ» . قَالَ البيهقي (2: 152) بعد أن سرد الخبر: «هذا شيء كانت خديجة تَصْنَعُهُ تَسْتَثْبِتُ بِهِ الْأَمْرَ احْتِيَاطًا لِدِينِهَا وَتَصْدِيقِهَا، فَأَمَّا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ قَدْ وَثِقَ بِمَا قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ وَأَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ» أ. هـ. هكذا أسلمت خديجة، فكانت أول من اعتنق الإسلام بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يدعها رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ولم تكن لتحتاج إلى دليل خارج عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخلقه. 4- دلائل النبوة في إسلام أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ ابن خلدون في المقدمة عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حال إسلامه. «لم يحتاج في أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى دليل خارج عن حاله وخلقه» أ. هـ. فكيف أسلم أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ؟
دلائل النبوة في إسلام أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -
قال البيهقي (2: 163- 164) : «ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ قُرَيْشٌ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَرْكِكَ آلِهَتَنَا، وَتَسْفِيهِكَ عُقُولَنَا، وَتَكْفِيرِكَ آبَاءَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: بَلَى، إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَنَبِيُّهُ، بَعَثَنِي لِأُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ وَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ بِالْحَقِّ، فو الله إِنَّهُ لَلْحَقُّ، أَدْعُوكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ، وَالْمُوَالَاةَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ القرآن. فَأَسْلَمَ وَكَفَرَ بِالْأَصْنَامِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ، وَآمَنَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مؤمن مصدق. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ منه كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أبا بكر ما تردّد فيه» . قال البيهقي: «وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى دَلَائِلَ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُ آثَارَهُ، قَبْلَ دَعْوَتِهِ، فَحِينَ دَعَاهُ كَانَ قَدْ سَبَقَ فيه تفكره ونظره وما تردد فيه» . دلائل النبوة في إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أخرج مسلم في الصحيح، في فضائل أبي ذر، ونقله البيهقي (2: 208) قال أبو ذر: كُنْتُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَأَنَا الرابع، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، فَرَأَيْتُ الِاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. وحديث إسلام أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللهُ عنه، حديث مستفيض جليل: روته كتب السنة الموثوق بها، أمثال البخاري ومسلم، وغيرهما. ولقد روته هذه الكتب في زواياه المختلفة، الثرية بالعبر والمواعظ: وذلك: أنه لما بلغ أبا ذر مَبْعَثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأخيه أنيس:
«اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل: الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله، ثم ائتني. فانطلق «أنيس» إلى مكة وسمع من كلام الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أبي ذر فقال له: «رأيته يأمر بمكارم الأخلاق» . فقال له أبو ذر: مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قال: يقولون: إنه شاعر، وساحر- وكان أنيس شاعرا- وتابع أنيس حديثه قال: لقد سمعت الكهان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أنواع الشعر، فو الله ما يلتئم لسان أحد أنه شعر، وو الله إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ... فقال أبو ذر لأخيه: هل أنت كافيّ حتى أنطلق؟ قال: نَعَمْ، وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شنعوا له، وتجمعوا له. فتزود وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يعرفه، واتبع نصيحة أخيه في أن لا يسأل عنه، وأن يحذر أهل مكة، حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع لينام، فرآه سيدنا علي فعرف أنّه غريب، فدعاه إلى المبيت عنده، فتبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، فلم ير النبي صلى الله عليه وسلّم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟ وسار به إلى المنزل: لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، ومرّ اليوم الثالث على هذه الكيفية. فلما كان في البيت، سأله علي رضي الله عنه قائلا: ألا تحدثني بالذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا ليرشدنّني، ففعلت ... ففعل، فأخبره.
دلائل النبوة في إسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
وفي الصباح ذهبا- على حذر- إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ أبو ذر يستمع إلى القرآن الكريم، فأسلم في جلسته،. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فَقَالَ: «وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأصرخنّ بها بين ظهرانيهم.. فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله ... فقام إليه الحاضرون فاشتبكوا معه في معركة، حامية، واستمروا به حتى رموه أرضا، فأتى العباس وأنقذه منهم ... ولكنه عاد في الغد إلى مثلها، وعادوا إلى مثل ما فعلوا، وأنقذه من جديد العباس، وعاد أبو ذر إلى أخيه، وأعلن إسلامه، فأسلم أخوه، وذهبا إلى أمهما فأعلنت إسلامها، وأخذ أبو ذر يبشر الإسلام في قومه. رضي الله عنه. دلائل النبوة في إسلام طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: «حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ هَذَا الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: قُلْتُ نَعَمْ أَنَا. فَقَالَ: هَلْ ظهر أحمد. قُلْتُ: وَمَنْ أَحْمَدُ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ. قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قال، فخرجت مسرعا حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟
دلائل النبوة في إسلام النجاشي الأصحم.
قَالُوا: نَعَمْ، مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله تَنَبَّأَ، وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ. فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ، أَخَذَهُمَا نوفل بن خويلد بن الْعَدَوِيَّةِ فَشَدَّهُمَا فِي حَبَلٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمَا بَنُو تميم، وَكَانَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُدْعَى: أَسَدَ قُرَيْشٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: «القرينين» . دلائل النبوة في إسلام النجاشي الأصحم. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عن أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بن المغيرة، زَوْجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «لَمَّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار: النجاشي، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى: لا نؤذي ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم: أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هذايا مما يستطرف من متاع مكة، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما: ادفعا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قبل أن تكلما النجاشي فيهم، ثم قدّما إلى النجاشي هداياه، ثم أسألاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجا حتى قدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند خير جار. فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، قبل أن يكلّما النجاشي، وقالا لكل
بطريق منهم: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يدخلوا في دينكم وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نعرفه نحن ولا أنتم. وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قدّما هداياهما إلى النجاشي، فقبلها منهما، ثمّ كلّماه فقالا له: أيها الملك، إنه قد ضوى الى بلدك منا غلمان سفهاء: فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه، قالت: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي ربيعة وعمرو بن العاص مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النجاشي، فقالت بطارقته حوله: صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليردّوهم إلى بلادهم وقومهم، قالت: فغضب النجاشي، ثم قال: الله!! إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني، ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم، فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى الله عليه وسلّم كائنا. ذلك ما هو كائن. فلما جاءوا- وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم، فقال لهم:
مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قد فارقتم فيه قَوْمِكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟ قالت: فكان الذي كلمه جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات. وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد أمور الإسلام- فصدقناه وآمنّا به، واتّبعناه عَلَيَّ مَا جَاءَ بِهِ من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله تعالى، وأن نستحلّ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قالت: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فقال النجاشي فاقرأه علي، قالت: فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ «كهيعص» قالت:
فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ، حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى، ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون. قالت: فلما خرجا من عنده، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: والله لأتينه غدا عنهم بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ. قالت: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وكان أتقى الرجلين فينا- لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرته أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد الله، قالت: ثم غدا عليه من الغد. فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فسلهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. فقالت: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قط، فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول: - والله- (فيه) ما قال الله، وما جاءنا به ننهينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. قالت: فلما دخلوا عليه قال لهم: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم؟ قالت: فقال له جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نقول فيه الذي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هُوَ عبد الله ورسوله، وروحه، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي بيده إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عودا ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا عدا عيسى بن مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العود، قالت:
فتناحرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم، والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي- والشيوم: الْآمِنُونَ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثم قال: مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قال: من سبكم غرم، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي ديرا من ذهب، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ. قال ابن هشام: ويقال دبري من ذهب، ويقال: فأنتم شيوم، والدبر بلسان الحبشة الجبل- رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، قالت: فخرجا من عنده مَقْبُوحَيْنِ، مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. قالت: فو الله، إنا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ به رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ في ملكه، قالت: فو الله، ما علمتنا حُزْنًا حَزِنَّا قَطُّ، كَانَ أشدّ علينا من حزن حزنّاه عند ذلك، تخوّفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتي رجل لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت: وسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل (النيل الأزرق) . قالت: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم، ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا.. قالوا فأنت- وكان من أحدث القوم سنا- قالت: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، قالت:
دلائل النبوة في إسلام زيد بن سعنة:
فو الله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن، إذ طلع الزبير، وهي يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي، أهلك الله عدوه، ومكّن له في بلاده. قالت: فو الله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها. قالت: ورجع النجاشي وقد أهلك الله عدوّه، ومكّن له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ في مكة. دلائل النبوة في إسلام زيد بن سعنة: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سلام: إن الله عز وجل، لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ، قَالَ زَيْدُ بن سعنة: إنه لم يبق من عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ، إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا. فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ، لِأَنْ أُخَالِطَهُ فاعرف حلمه وجهله. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بن أبي طالب، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إن قَرْيَةُ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فكنت حدثتهم: أنهم- إِنْ أَسْلَمُوا- أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وشدة وقحوط من الغيث. وإني أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينَهُمْ به؟ قال فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إليه، فقلت له يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تُبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا يَا يَهُودِيُّ، ولكن أُبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ، قال فقلت نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا. مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فأعطى الرجل،
وقال: اعجل عليهم، وأغثهم بمال زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ. فَلَمَّا كَانَ قِبَلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بيومين أو ثلاثة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعثمان، في نفر في أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الجنازة ودنا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ إِلَيْهِ، أتيته فأخذت بجوامع قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بوجه غليظ، وقلت: ألا تقضيني يا محمد حقي. فو الله، ما علمتكم يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلا لمطلق، وقد كان لي بخالطتكم علم. قال فنظر إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعيناه تدوران في وجهه كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ. ثُمَّ رَمَانِي بطرفه وقال: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ؟ وتفعل به ما أرى؟ فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَوْلَا مَا أحاذر قوته، لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ. ثم قال: أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ الى غير هذا منك يا عمر» أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وتأمره بحسن التقاضي. اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فاقضه حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مَكَانَ مَا رُعْتَهُ. قَالَ زَيْدٌ فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فقضاني حَقِّي، وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ مَا هَذِهِ الزيادة؟ فَقَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْ أُزِيدَكَ، مَكَانَ مَا رُعْتُكَ. فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أنت؟ فقلت: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ. قَالَ: الْحَبْرُ. قُلْتُ: الْحَبْرُ. قال فما دعاك أن تقول لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتِ، وتفعل به ما فعلت؟ قلت يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفت فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إلا حلما. فقد أخبرتهما. فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وبمحمد نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مالي- فإني أكثرها مَالًا- صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم. قال: فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، فآمن بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، مشاهد كثيرة. ثم قتل في غزاة
دلائل النبوة في إسلام الطبيب ضماد:
تبوك: شهيدا مقبلا غير مدبر رحمه الله. دلائل النبوة في إسلام الطبيب ضماد: أتى صماد بن ثعلبة مكة معتمرا، فسمع كفار قريش، يقولون. محمد مجنون. فقال: لو أتيت هذا الرجل فداويته، فجاءه فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أداوي من الريح فإن شئت داويتك لعلّ الله ينفعك، فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وحمد الله وتكلّم بكلمات فأعجب ذلك ضمادا فقال: أعدها عليّ فأعادها عليه فقال: لم أسمع مثل هذا الكلام قط، لقد سمعت كلام الكهنة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل هذا قط، لقد بلغ قاموس البحر، فأسلّم وبايع على نفسه وعلى قومه. دلائل النبوة في إسلام الحبر: عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، وَعَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَهَيْئَتَهُ، والذي كنا نتوقف لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعْمَلُ فِيهَا، وَعَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةً. فَلَمَّا سَمِعَتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِيَ: لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا زاد؟ قَالَ قُلْتُ: لَهَا أَيْ عَمَّةُ، هُوَ وَاللهِ أَخُو موسى ابن عِمْرَانَ وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ، قَالَ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ بِهِ. أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ بَعْثِ السَّاعَةِ قَالَ: قُلْتُ لَهَا نَعَمْ. قَالَتْ فَذَاكَ إِذًا ... قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِي فَأَمَرْتُهُمْ، فَأَسْلَمُوا، وَكَتَمْتُ إِسْلَامِي مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقُلْتُ:
إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمُ بُهْتٍ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ: تُغَيِّبُنِي عنهم، ثم تسألهم عنّي، فيخبرونك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ، بَهَتُونِي وَعَابُونِي، قَالَ: فَأَدْخَلَنِي بَعْضَ بُيُوتِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ، وسألوه، قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا، وَابْنُ سيدنا، وحبرنا وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ، خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللهَ وَاقْبَلُوا ما جاءكم به، فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ في التوراة، اسمه وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رسول الله، وأؤمن بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِفُهُ، قَالُوا: كَذَبْتَ.. ثُمَّ وَقَعُوا فِيَّ. قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ؟ أَهْلُ غَدْرٍ، وَكَذِبٍ، وَفُجُورٍ؟ قَالَ: فَأَظْهَرْتُ إِسْلَامِي وَإِسْلَامَ أَهْلَ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي ابْنَةُ الْحَارِثِ فحسن إسلامها» . وهذه رواية أخرى عن إسلام عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ لا تناقض الأولى وإنما تؤيدها وتفسرها. سمع به (بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَبْدَ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ مِنْهُ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ التي يحترف فِيهَا، فَجَاءَ، وَهِيَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي. فَقَالَ: اذهب فهيء لَنَا مَقِيلًا. فَذَهَبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ فَقِيلَا. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ:
سلمان الفارسي يبحث عن الحقيقة:
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ، وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ، فَأَرْسَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَيْلَكُمُ اتقوا الله، فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، أَسْلِمُوا!!! قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ. فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا، وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قالوا: حاش الله، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ: يَا ابْنَ سَلَامٍ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ! فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَيْلَكُمُ، اتقوا الله، فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ. فَقَالُوا: «كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» . وعن الترمذي وابن نافع وغيرهما بأسانيدهم: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سلام قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم المدينة، جئته لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وَجْهُهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. سلمان الفارسي يبحث عن الحقيقة: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ ابن لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قال: كنت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: «جَيُّ» وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ. وَكَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا شَدِيدًا، لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَا وَلَدِهِ. فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حبسني في بيت كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قاطن النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو
سَاعَةً. فَكُنْتُ كَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ. حَتَّى بَنَى أَبِي بُنْيَانًا لَهُ، وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ مِنِ اطِّلَاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا، فمرهم بكذا وكذا، ولا تحتبس عَنِّي، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي، شَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا هَؤُلَاءِ النَّصَارَى يُصَلُّونَ. فَدَخَلْتُ أَنْظُرُ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِمْ، فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كل وجه حَتَّى جِئْتُهُ حِينَ أَمْسَيْتُ، وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى ضَيْعَتِهِ، فَقَالَ أَبِي: أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ لا تحتبس عني، فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُقَالُ لَهُمُ: النَّصَارَى، فأعجبني صلاتهم وَدُعَاؤُهُمْ فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ. فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللهَ، وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا، وَحَبَسَنِي فِي بَيْتٍ عِنْدَهُ، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: بِالشَّامِ. فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فأذنوني. فقالوا: نَفْعَلُ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ من تجارهم، فَبَعَثُوا إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا تُجَّارٌ مِنْ تُجَّارِنَا فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وأرادوا فأذنوني الخروج فَقَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَوْا حَوَائِجَهَمْ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ، بَعَثُوا إِلَيَّ بِذَلِكَ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ الَّذِي فِي رِجْلَيَّ، وَلَحِقْتُ بِهِمْ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا سألت: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا
الدِّينِ؟ فَقَالُوا: الْأَسْقُفُّ صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ، فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدُ الله فيها مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ الْخَيْرَ. قَالَ: فَكُنْ مَعِي. قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، ويرغبهم فيها، فإذا جمعها إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ، وكان يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، حَتَّى إِذَا جَمَعْتُمُوهَا إِلَيْهِ، اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ، فَقَالُوا: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ لَكُمْ كنزها، فَقَالُوا: فَهَاتِهِ، فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَالُوا: وَاللهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا.. فَصَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَرَمَوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ فَلَا وَاللهِ- يَا ابْنَ عَبَّاسٍ- مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لا يصلي الخمس. رأى أنه أفضل منه وأشد اجتهادا ولا زهادة فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبَ ليلا ونَهَارًا مِنْهُ، مَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ. فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ قَدْ حَضَرَكَ، مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ وَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ فقال لِي: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا بالموصل فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي، فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ، لَحِقْتُ بِالْمَوْصِلِ فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقُلْتُ لَهُ: إن فلانا أوصى بي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ وَأَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضر لك مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قال: وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَيْ بني، إلا رجلا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ، فَلَمَّا دَفَنَّاهُ لَحِقْتُ بِالْآخَرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فلان، إن فلانا أوصى بي إلى فلان وفلان أوصى بي إِلَيْكَ. قَالَ: فَأَقِمْ يَا بُنَيَّ؟. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ،
إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، وقد كان فلان أوصى بي إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إليك، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إلا رجلا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا وَارَيْتُهُ خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى صَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي غُنَيْمَةٌ وَبَقَرَاتٌ. ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا (كان) أوصى بي إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَيْكَ، وقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ (تَعَالَى) فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ، آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهَ. وَلَكِنَّهُ قَدْ أظلك زمانه نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مهاجره بين حراثين إِلَى أَرْضٍ سَبِخَةٍ ذَاتِ نَخِيلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلَامَاتٍ لَا تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ. فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ بي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ. فَقُلْتُ لَهُمْ تحملونني معكم إلى أَرْضَ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ غَنِيمَتِي هَذِهِ وَبَقَرَاتِي؟ قَالُوا نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى، ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ بِوَادِي القرى. فو الله، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ وَطَمِعْتُ أن يكون الْبَلَدُ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي. وَمَا حَقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قريظة من وَادِيَ الْقُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي الَّذِي كُنْتُ عِنْدَهُ، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمَ بِي الْمَدِينَةَ، فو الله، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رأيتها فعرفت نعتها، فأقمت في رقي مَعَ صَاحِبِي، وَبَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، لَا يَذْكُرُ لي شيء مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي في نخلة له، فو الله رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فقر لهما، فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بين يدي، فَفَقَّرْتُهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي. يَقُولُ: حَفَرْتُ لَهَا حَيْثُ تُوضَعُ- حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا فَخَرَجَ مَعِي حَتَّى جَاءَهَا، وَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَيْهِ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهَا، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فأديت النخل وَبَقِيَتْ عَلَيَّ الدَّرَاهِمُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْفَارِسِيُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَاتَبُ، فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: هَذِهِ يَا سَلْمَانُ، فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُؤَدِّي بها عنك، فو الذي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، لَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فأديتها إليهم، وَكَانَ الرِّقُّ قَدْ حَبَسَنِي، حَتَّى فَاتَنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم «بدر» و «أحد» ثُمَّ عُتِقْتُ فَشَهِدْتُ، الْخَنْدَقَ ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مشهد» . وقال النضر بن الحرث لقريش: قد كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ به، قُلْتُمْ: سَاحِرٌ. لَا وَاللهِ ما هو بساحر. أخرج الواحدي، عن مقاتل، قال: كان الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يكذب النبي صلى الله عليه وسلّم في العلانية، فإذا خلا مع أهل بيته، قال: ما محمد صلى الله عليه وسلّم من أهل الكذب، ولا أحسبه إلا صادقا، فأنزل الله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال: «بينما نحن جلوس مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ.. فقال له الرجل: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم: قد أجبتك. فقال الرجل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: إني سائلك، فمشدد عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تجد علي في نفسك.
فقال سل عَمَّا بَدَا لَكَ.. فَقَالَ: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ .. فَقَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ.. قَالَ: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ .. قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ .. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُمَّ نَعَمْ. فقال الرجل: آمنت بما جئت به وأنا رسول، من ورائي قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة: أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر» . من هذه المقتطفات التي توسعنا في نقلها عن إسلام بعض الصحابة الكبار، وكانت علامات الرسالة المحمدية الصادقة واضطلاع النبي صلى الله عليه وسلّم بأمانتها في أوانها، وقد تجمعت عندهم هذه العلامات، أضف إليها حياة محمد صلى الله عليه وسلّم وما بلغته من سمو وكمال، دفعت الصحابة الأوائل إلى الإسلام.. لقد كانت طوالع النبوة، وشواهد ظهور النبي- عليه السلام- مكتوبة قبل أوان ظهوره. نقل الأستاذ عباس محمود العقاد ما كتبه المؤرخ الهندي «مولانا عبد الحق فديارتي» في كتابه «محمد في الأسفار الدينية العالمية» كما ينقل عن الجماعة الاحمدية الهندية، ثم عن كتاب «فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام لمؤلفيه الأستاذين: أحمد ترجمان ومحمد حبيب، فيقول في مطلع النور: يقول الأستاذ عبد الحق ان اسم الرسول العربي «أحمد» مكتوب بلفظه العربي في السامافيدا SamaVida من كتب البراهمة، وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ونصها ان «أحمد» تلقى الشريعة من
ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست منه النور كما يقبس من الشمس» . ولا يخفى المؤرخ وجوه الاعتراض التي قد تأتي من جانب المفسرين البرهميين، بل ينقل عن أحدهم «سينا اشاريا» SynaAcharya أنه وقف عند كلمة «أحمد» فالتمس لها معنى هنديا وركب منها ثلاثة مقاطع وهي «أهم» و «آت» و «هي» ... وحاول أن يجعلها تفيد «انني وحدي تلقيت الحكمة من أبي» .. قال الأستاذ عبد الحق ما فحواه أن العبارة منسوبة الى البرهمي «فاتزا كانفا» Kanva من أسرة كانفا، ولا يصدق عليه القول بأنه هو وحده تلقى الحكمة من أبيه. ويزيد الأستاذ عبد الحق على ذلك أن وصف الكعبة المعظمة ثابت في كتاب الأثارفا فيدا AtharvaVida حيث يسميها الكتاب بيت الملائكة ويذكر من أوصافه أنه ذو جوانب ثمانية وذو أبواب تسعة. والمؤلف يفسر الأبواب التسعة بالأبواب المؤدية إلى الكعبة وهي باب ابراهيم وباب الوداع وباب الصفا وباب علي وباب عباس وباب النبي وباب السلام وباب الزيارة وباب حرم، ويسرد أسماء الجوانب الثمانية حيث ملتقى الجبال، وهي في قوله: جبل خليج وجبل قعيقعان وجبل هندي وجبل لعلع وجبل كدا، وجبل أبي حديد وجبل أبي قبيس وجبل عمر. ويضرب المؤلف صفحا عن تفسير البرهميين لمعنى البيت هنا بأنه جسم الإنسان ومنافذه، ولا يذكره لأنه- على ما يظهر- يخالف وصف القداسة الروحية في البرهمية، ولا يأتي بتفسير الجوانب الثمانية عند تفسيره للأبواب بذلك المعنى. وفي مواضع كثيرة من الكتب البرهمية يرى المؤلف ان النبي محمدا مذكور بوصفه الذي يعني الحمد الكثير والسمعة البعيدة، ومن أسمائه الوصفية اسم سشرافا Sushrava الذي ورد في كتاب الأثارفا فيدا AtharvaVida حيث يشار
الى حرب أهل مكة وهزيمة «العشرين والستين ألفا مع تسعة وتسعين» وهم على تقدير المؤلف عدة أهل مكة وزعماء القبائل الكبار ووكلائهم الصغار كما كانوا يوم قاتلوا النبي صلوات الله عليه. وللمؤلف صبر طويل على توفيق هذه العلامات وأشباهها يستخرج منها الطالع بعد الطالع والنبوءة الى جانب النبوءة مما يغنى المثل عليه عن استقصاء جميع موافقاته وعلاماته. وكذلك صنع بكتب زرادشت التي اشتهرت باسم الكتب المجوسية فاستخرج من كتاب زندافستا ZendAvesta نبوءة عن رسول يوصف بأنه رحمة للعالمين «سوشيانت» Soeshyant ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة أبا لهب AngraMainyu، ويدعو الى اله واحد لم يكن له كفؤا أحد (هيچ چيز باونمار) وليس لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ ولا ضريع ولا قريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا صاحبة ولا ولد ولا ابن ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة. «جز آخاز وانجاز وانباز ودشمن ومانند ويار وبدر ومادر وزن وفرزند وحاي سوي وتن آسا وتناني ورنگ وبوي است» . وهذه هي جملة الصفات التي يوصف بها الله سبحانه في الإسلام: أحد صمد، ليس كمثله شيء، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، ولم يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا. ويشفع ذلك بمقتبسات كثيرة من كتب الزردشتية، تنبئ عن دعوة الحي التي يجيء بها النبي الموعود وفيها اشارة الى البادية العربية، ومترجم نبذة منها الى اللغة الانجليزية معناها بغير تصرف «أن أمة زردشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة ابراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين وسادة
لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزردشتيين ومن جاورهم وان نبيهم ليكونن فصيحا يتحدث بالمعجزات» . وقد أشار المؤلف بعد الديانات الآسيوية الكبرى الى فقرات من كتب العهد القديم والعهد الجديد فقال: ان النبي عليه السلام هو المقصود بما جاء في الاصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: «جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس ومن يمينه نار شريعة لهم» . وجاء بالنص العبري كما يلي: «ويومر يهووه مسينائي به وزارع مسعير لامو هو فيع مهر باران واتا مر ببوث قودش ميميفوايش داث لامو» . فترجمه هكذا: «وقال ان الرب جاء من سيناء ونهض من سعير لهم وسطع من جبل فاران وجاء مع عشرة آلاف قديس، وخرج من يمينه نار شريعة لهم» . وقال ان الشواهد القديمة جميعا تنبئ عن وجود فاران في مكة، وقد قال المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس Eusebius «ان فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام الى الشرق من ايلة» . ونقل عن ترجمة التوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851، ان إسماعيل «سكن برية فاران بالحجاز، وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر» ، ثم قال ان سفر العدد من العهد القديم يفرق بين سيناء وفاران إذ جاء فيه ان بني إسرائيل ارتحلوا «من برية سيناء، فحلت السحابة في برية فاران» ... ولم يسكن أبناء إسماعيل قط في غرب سيناء فيقال ان جبل فاران واقع الى غربها. وفي الاصحاح الثالث من كتاب حبقوق ان «الله جاء من تيمان والقدوس من
جبل فاران» فهو اذن الى الجنوب حيث تقع تيمان بموضعها الذي تقع فيه اليمن مرادفتها بالعربية. ولم يحدث قط أن نبيا سار بقيادته عشرة آلاف قديس غير النبي محمد عليه السلام، وقوديش تترجم بقديس في رأي المؤلف الذي يناقش ترجمتها بالملائكة في الترجمات الأخيرة. كذلك لم يحدث قط أن نبيا غيره جاء بشريعة بعد موسى الكليم، فقول موسى الكليم «ان نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم أبناء إبراهيم» يصدق على النبي العربي صاحب الشريعة ولا يصدق على نبي من أبناء إبراهيم تقدمه في الزمن، ويرجح المؤلف أن المدينة التي تعلم فيها موسى عليه السلام في صحبة يثرون- أي شعيب- لم تكن هي مديان الأولى التي تخربت بالزلزال كما جاء في القرآن الكريم، ولكنها كانت «مدينة» الحجاز التي سميت يثرب على اسم يثرون، ومما يعزز ذلك ان بطليموس الجغرافي يقول بوجود موضعين باسم مديان وان كان قد أخطأ على رأي المؤلف في تعيين الموضعين. وقد جاء في سفر التكوين ان مديان بن إبراهيم الذي سميت مديان الأولى باسمه كان له أخ اسمه عفار، وهو الذي يقول نوبل Knoble شارح التوراة ان ذريته كانت تنزل في عهد البعثة الاسلامية الى جوار يثرب، ولعل موسى تلقى اسمه في ذلك الجوار. إذ كانت تسميته العربية أرجح من تسميته المصرية او العبرية، فإن ابنة فرعون لا تسميه بالعبرية ولا يسميه بها من يريد خلاصه من مصير المولودين العبريين، وصحيح ان كلمة ميسو Messu بالمصرية معناها الطفل كما يقول بعض الشراح المحدثين، ولكن اليهود لا يرتضون لنبيهم ومخرجهم من أرض مصر اسما مستعارا من المصريين. ومن الجماعات التي عنيت عناية خاصة بهذه النبوءات جماعة الاحمدية الهندية التي ترجمت القرآن الكريم الى اللغة الانجليزية فإنها أفردت للنبوءات والطوالع عن ظهور محمد عليه السلام بحثا مسهبا في مقدمة الترجمة، شرحت فيه بعض ما تقدم شرحا مستفيضا، وزادت عليه ان نبوءة موسى الكليم تشتمل
على ثلاثة أجزاء: وهي التجلي من سيناء وقد حصل في زمانه والتجلي من سعير أو جبل أشعر وقد تجلى في زمن السيد المسيح، لأن هذا الجبل- على قول الجماعة الاحمدية- واقع حيث يقيم أبناء يعقوب الذين اشتهروا بعد ذلك بأبناء أشعر، واما التجلي الثالث فمن أرض فاران وهي أرض التلال التي بين المدينة ومكة، وقد جاء في كتاب فصل الخطاب ان الأطفال يحيون الحجاج في تلك الأرض بالرياحين من «برية فاران» .. وقد أصبح أبناء إسماعيل أمة كبيرة كما جاء في وعد إبراهيم فلا يسعهم شريط من الأرض على تخوم كنعان، ولا وجه لانكار مقامهم حيث أقام العرب المنتسبون الى إسماعيل ولا باعث لهم على انتحال هذا النسب والرجوع به الى جارية مطروة من بيت سيدها. وقد جاء في التوراة اسماء ذرية إسماعيل الذين عاشوا في بلاد العرب، وأولهم نبايوت أو نبات أبو قبائل قريش، الذي يقرر الشارح كاتربكاري Katripikari أنه أقام بذريته بين فلسطين وينبع ميناء يثرب، ويقرر بطليموس وبليني ان أبناء قدور- وهو قيدار الابن الثاني لإسماعيل- قد سكنوا الحجاز، ويضيف المؤرخ اليهودي يوسفيوس إليهم أبناء ادبيل الابن الثالث في ترتيب العهد القديم، ولا حاجة الى البحث الطويل عن مقام أبناء دومة وتيماء وقدامة وأكثر إخوتهم الباقين فإن الأماكن التي تنسب إليهم لا تزال معروفة بأسمائها الى الآن، ومن نبوءة اشعيا التي سبقت مولد السيد المسيح بسبعمائة سنة يظهر جليا أن أبناء إسماعيل كانوا يقيمون بالحجاز، ففي هذه النبوءة يقول النبي اشعيا من الاصحاح الحادي والعشرين: «وحي من جهة بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين. هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء.. وافوا الهارب بخبزه فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب. فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار» . ويعود المترجمون من الجماعة الأحمدية فيفسرون هزيمة قيدار بهزيمة
المكيين في وقعة بدر، وهي الهزيمة التي حلت بهم بعد هجرة النبي الى المدينة بنحو سنة كسنة الأجير. ويقرنون هذه النبوءة بنبوءة أخرى من الاصحاح الخامس في سفر اشعيا يقول فيها: «ويرفع راية الأمم من بعيد ويصفر لهم من أقصى الأرض فإذا هم بالعجلة يأتون.. ليس فيهم رازح ولا عاثر، لا ينعسون ولا ينامون ولا تنحل حزم احقائهم ولا تنقطع سيور أحذيتهم، سهامهم مسنونة وجميع قسيهم ممدودة. حوافر خيلهم كأنها الصوان وبكراتهم كالزوبعة..» . وهذه نبوءة عن رسول يأتي من غير أرض فلسطين لم تصدق على احد غير رسول الإسلام. وتلحق بهذه النبوءة نبوءة أخرى من الاصحاح الثامن في سفر اشعيا جاء فيها ان الرب أنذره أن لا يسلك في طريق هذا الشعب قائلا: «لا تقولوا فتنة لكل ما يقول له هذا الشعب فتنة ولا تخافوا خوفه ولا ترهبوا. قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم، ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبيتي إسرائيل وفخا وشركا لسكان أورشليم فيعثر بها كثيرون ويسقطون فينكسرون ويعلقون فيلقطون.. صرّ الشهادة. اختم الشريعة بتلاميذي. فاصطبر للرب الساتر وجهه عن بيت يعقوب وانتظره» . فهذه النبوءة عن الرسول الذي يختم الشريعة تصدق على نبي الإسلام ولا تصدق على رسول جاء قبله ولا بعده. وتلحق بهذه النبوءة أيضا نبوءة من الاصحاح التاسع عشر في سفر اشعيا يذكر فيها ايمان مصر بالرسول المنتظر «وفي ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر وعمود للرب عند تخمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود
في أرض مصر لأنهم يصرخون الى الرب بسبب المضايقين، فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم فيعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرا ويوفون به، ويضرب الرب مصر ضاربا فشافيا، فيرجعون الى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم. وفي ذلك اليوم تكون سكة من مصر الى اشور فيجيء الاشوريون الى مصر والمصريون الى اشور ويعبد المصريون مع الأشوريين. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولأشور بركة في الأرض. بها يبارك رب الجنود قائلا: مبارك شعبي مصر وعمل يدي اشور وميراثي إسرائيل» . فالذي حدث من قدوم أهل العراق الى مصر وذهاب أهل مصر الى العراق انما حدث في ظل الدعوة الاسلامية، ولم تتوحد العبادة بينهم قبل تلك الدعوة، وإن النبوءة ستتم غدا على غير ما يهواه بنو إسرائيل، إذ تكون البركة لمصر واشور ولا تكون إسرائيل الا لاحقة بكلتا الأمتين. ثم ينتقلون بالنبوءات الى سفر دانيال حيث جاء في الاصحاح الثاني «أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم. هذا التمثال العظيم البهي جدا وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه من حديد، وقدماه بعضها من حديد والبعض من خزف، كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح، فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا، وملأ الأرض كلها» ..
ويلي ذلك تفسير النبي دانيال لهذا الحلم إذ يقول: «أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها، فأنت هذا الرأس من ذهب، وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة وتكون فيها قوة كالحديد ومن حيث انك رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين وأصابع القدمين بعضها من حديد وبعضها من خزف فبعض المملكة يكون قويا والبعض قصما، وبما رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف، وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت الى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب ... الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين» . وتعود الجماعة الأحمدية الى التاريخ لتستمد منه التعليق على تعبير النبي دانيال لتلك الرؤيا، فن كلام النبي دانيال يفهم أن الرأس الذهبي هو ملك بابل، وان الصدر والذراعين من الفضة تعبر عن مملكة فارس وميدية التي ارتفعت بعد دولة بابل، وان الرجلين من النحاس تعبران عن الدولة الاغريقية في ظل الإسكندر، لقيامها بعد زوال حكم الفارسيين والميديين، وان القدمين من الحديد تعبران عن الدولة الرومانية التي ارتفعت بعد ذهاب ملك الإسكندر، وتقول الرؤيا عن هذه الدولة الاخيرة ان قدما من قدميها خزف والأخرى حديد، وهو وصف يشير الى جزء من الدولة في القارة الأوروبية وجزء منها في القارة
الاسيوية، فالقدم الحديد هي سيطرة الأمة الواحدة والعقيدة الواحدة وهذه السيطرة تستولي على أقطار شاسعة وموارد غزيرة ولكنها تنطوي على الضعف الكامن من جراء التفكك بين أوصال الشعوب، والرؤيا صريحة في وشك انحلال الدولة الرومانية في السنوات الأخيرة لهذا السبب، وتستطرد من ثم إلى أمور أهم وأخطر إذ تقول: «انك كنت تنظر الى ان قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فالمسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا وملأ الأرض كلها..» . تقول الجماعة: «فهذه نبوءة بظهور الإسلام. فقد اصطدم الإسلام في صدر الدعوة بدولة الرومان ثم بدولة فارس، وكانت دولة الرومان يومئذ قد بسطت سلطانها على ملك الاغريق الاسكندري فبلغت من المنعة غايتها، وكانت دولة فارس قد بسطت سلطانها على بابل، ثم ضربتهما قوة الإسلام فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف، وهكذا ينبئ ترتيب الحوادث وتعبيرها في رؤيا دانيال أنباء لا ريب في معناه.. إذ كنا نعلم أن بابل خلفتها فارس وميدية وان سطوة فارس وميدية كسرتها سطوة الإسكندر، وان ملك الإسكندر خلفته الدولة الرومانية التي أقامت من عاصمتها القسطنطينية أركان مملكة أوروبية أسيوية، ثم انهزمت هذه المملكة وأدال منها الفتح الاسلامي وغزوات النبي والصحابة» . وهذا الحجر الذي جاء في رؤيا دانيال يذكره اشعيا والحواري متى، ففي الاصحاح الثامن من سفر اشعيا انه «يكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لكل من بيتي إسرائيل، وفخا وشركا لسكان أورشليم، ويعثر بهما كثيرون
ويسقطون ويعلقون فيلقطون» . وفي الاصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى يقول: «لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه» . كذلك يذكره المزمور الثامن عشر بعد المائة إذ يقول: «ان الحجر الذي رفضه البناءون قد أصبح عقد البناء وركن الزاوية» . ويتبين من كلام السيد المسيح في الاصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى المتقدم ذكره ان هذه النبوءة تنبئ عن زمن غير زمن السيد المسيح، إذ يقول عليه السلام: «أما قرأتم قط في الكتب ان الحجر الذي يرفضه البناءون قد صار رأس الزاوية. فمن قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا» . ثم تفضي النبوءة- نبوءة النبي دانيال- الى عقباها، فيصبح الحجر جبلا عظيما ويملأ الأرض كلها. فإن هذا هو الذي حدث بعد انتشار الدعوة المحمدية. فإن الرسول الكريم وصحابته هزموا قيصر وكسرى وأصبح المسلمون سادة للعالم المعمور كله في ذلك العصر، وصار الحجر جبلا عظيما فظل زمام العالم في أيدي اتباع محمد ألف سنة. ثم تتم نبوءات العهد القديم بنبوءات العهد الجديد، ويستشهد جماعة الأحمدية بالاصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى حيث يقول السيد المسيح: «اسمعوا مثلا آخر. كان انسان رب بيت غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلمه إلى كرامين وسافر ولما قرب وقت الاثمار أرسل عبيده الى الكرامين ليأخذ أثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا، ثم أرسل إليهم ابنه أخيرا قائلا انهم يهابون ابني.
فأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه، فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه، فمتى جاء صاحب الكرم فماذا يفعل بأولئك الكرامين؟ .. قالوا له انه يهلك أولئك الأردياء هلاكا رديئا ويسلم الكرم الى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها.. قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب ان الحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأس الزاوية؟ .. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا.. لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه. ولما سمع الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم، وإذ كانوا يريدون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي» . هذا المثل يبحثه كتاب المقدمة لترجمة القرآن فيقولون ان السيد المسيح قد لخص به تاريخ الأنبياء والرسل أجمعين. فالكرم هو الدنيا والكرامون العاملون فيه هم الجنس البشري الكادح في دنياه، والثمرات التي يريد صاحب الكرم أن يحصلها هي ثمرات الفضيلة والخير والتقوى، والخدم الموفدون من صاحب الكرم الى الكرامين هم الرسل والأنبياء، ولما جاءهم السيد المسيح بعد اعراضهم عن الرسل والأنبياء فغدروا به وأنكروه عوقبوا بتسليم الكرم الى كرامين آخرين ونزع ملكوت الله منهم لتعطاه الأمة الأخرى الموعودة بالبركة مع أمة إسحاق، وهي أمة إسماعيل ونبيها العظيم محمد عليه السلام، وهو الذي يصدق عليه وعلى قومه أنهم كانوا الحجر المرفوض فأصبح هذا الحجر زاوية البناء من سقط عليه رضه ومن أصيب به فهو كذلك مرضوض. وتتلو هذه النبوءة في إنجيل متى نبوءة متممة من الإنجيل نفسه حيث جاء في الاصحاح الثالث والعشرين منه خطابا لبني إسرائيل «هو ذا بيتكم يترك لكم
خرابا، لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب» . وفي الاصحاح الأول من إنجيل يوحنا نبأ يحيى المغتسل أو يوحنا المعمدان مع الكهنة واللاويين «إذ سألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر. وقال اني لست أنا المسيح. فسألوه: اذن ماذا؟ .. أأنت إيليا؟ .. فقال لا.. قالوا: أأنت النبي؟ .. فأجاب: لا.. فقالوا له: من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا؟ ..ماذا تقول عن نفسك؟ .. قال: أنا صوت صارخ في البرية، قوّموا طريق الرب كما قال أشعيا النبي» . ويعقب أصحاب المقدمة للترجمة القرآنية على هذه النبوءات فيقولون انها كانت ثلاثا في عصر الميلاد المسيحي كما هو واضح من الاسئلة والأجوبة: نبوءة عن عودة إيليا، ونبوءة عن مولد السيد المسيح، ونبوءة عن نبي موعود غير إيليا والسيد المسيح. ولقد أعلن السيد المسيح كما جاء في الاصحاح الحادي عشر من إنجيل متى: «ان جميع الأنبياء والناموس الى يوحنا تنبئوا، وان أردتم أن تقبلوا فهذا- أي يحيى المغتسل- هو إيليا المزمع أن يأتي» . وواضح من الاصحاح الأول من إنجيل لوقا ان الملك بشر زكريا بأن امرأته ستلد له ولدا وتسميه يوحنا.. «وانه يكون عظيما أمام الرب لا يشرب خمرا ولا مسكرا، ويمتلئ من بطن أمه بالروح القدس، ويرد كثيرين من بني إسرائيل الى الرب إلههم، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء الى الأبناء» . وفي الاصحاح التاسع من إنجيل مرقس يقول السيد المسيح: «ان إيليا أيضا قد أتى وعملوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنه» .
ويتكرر ذلك في إنجيل متى إذ يقول: «ان إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا» . فالنبي إيليا قد تقدم اذن في عصر الميلاد، وقد جاء فيه المسيح أيضا ثم بقي ذلك النبي الموعود. ولم يظهر بعد السيد المسيح نبي صدقت عليه الصفات الموعودة غير محمد عليه السلام، وكلام السيد المسيح في الاصحاح السادس عشر من إنجيل يوحنا يبين للتلاميذ «انه خير لكم أن أنطلق لأنه ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن ان ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطيئة وعلى بر وعلى دينونة. فأما على خطيئة فلأنهم لا يؤمنون بي، واما على بر فلأني ذاهب الى أبي ولا ترونني أيضا، واما على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين، وان لدي أمورا كثيرة أقولها لكم ولكن لا تستطيعون ان تحتملوها الآن، واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى الحق جميعه، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية، وذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم، وكل ما للأب فهو لي. لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم وبعد قليل لا تبصرونني..» . وقد جاء نبي الإسلام ممجدا للسيد المسيح يسميه روح الله ويجدد رسالته لأنها رسالة الله. وبعد تأويلات شتى من قبيل ما تقدم تختتم الجماعة الأحمدية بحثها بالاشارة إلى ما جاء في الاصحاح الثالث من أعمال الرسل الذي ينبئ عن تتابع النبوءات من صمويل الى السيد المسيح بظهور نبي كموسى الكليم صاحب شريعة يحقق الوعد لأبناء إبراهيم ويبارك جميع قبائل الأرض، ويكون هذا النبي من اخوة بني إسرائيل لا منهم. فهو من ذرية إسماعيل لا من ذرية إسحاق. ان أبناء الهند وأبناء فارس- كما قدمنا- قد توفروا على هذا الدأب في
استخراج خفايا الكلمات والحروف والمقابلة بين المضامين والتأويلات وإتمام أجزاء منها بأجزاء متفرقة في شتى المصادر والروايات، ولكنهم لم ينفردوا بالبحث في هذه النبوءات وهذه الطوالع خاصة وجاراهم فيها الباحثون من سائر الأمم واجتمعت في كتاب «فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام» متفرقات لم ترد فيما أسلفناه من البحوث الهندية، أو وردت عن منهج غير منهجها، نلخص بعضه فيما يلي ولا مستقصيه لأنه يقع في أكثر من مائتين وستين صفحة. يعتمد المؤلفان على الاصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين إذ جاء فيه ان أبناء إسماعيل سكنوا «من حويلة الى شور التي أمام مصر حينما تجيء نحو أشور» فهم اذن سكان الحجاز لأن الحجاز هو الأرض التي بين شور وحويلة إذ كانت حويلة في اليمن كما جاء في الاصحاح العاشر «ان يقطان ولد الموداد، وشالف، وحضرموت، ويارح، وهدورام، وأوزال، ودقلة، وعوبال، وابيمايل، وشبا، واوفير، وحويلة، ويوباب- جميع هؤلاء بنو يقطان» سكان الأرض اليمانية. ويعتمدان كذلك على وعد إبراهيم الخليل في سفر التكوين «لأنه بإسحاق يدعى لك نسل وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك» .. وانما شرط الوعد لأبناء إسحاق باتباع وصايا الرب وأن لا يعبدوا إلها غيره وإلا فهم يبدون سريعا عن الأرض الجيدة كما جاء في الاصحاح الحادي عشر من سفر التثنية. وقد عبد القوم أربابا غير الله واتخذوا الأصنام والأوثان كما جاء في مواضع كثيرة من كتب العهد القديم. ومما اعتمد عليه المؤلفان رؤيا النبي دانيال ... وفي الاصحاح التاسع منها يقول: «سبعون أسبوعا مقضية على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى
بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها الى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة، والى النهاية حرب وخراب.. وعلى جناح الأرجاس» . وهذه الخاتمة هي التي تتم كما جاء في سفر اشعيا «على يد شعب بعيد من أقصى الأرض» أو كما جاء في سفر التثنية «ان الرب يجلب أمة من بعيد من أقصى الأرض ... ثم يردهم الى مصر في سفن» . وقد تم ذلك حين استدعى الرومان حاكم بريطانيا الكبرى ومعه جيش نكل باليهود وحمل طائفة منهم اسرى إلى مصر وطائفة إلى روما من طريق البحر سنة 132. فلم تنته حرب الرومان سنة 70 ميلادية بل جاءت بعدها تلك الحرب التالية مصدقة لنبوءة الدمار على يد القادم من بعيد ونبوءة النقل على السفن الى الديار المصرية وما وراءها. يقول المؤلفان، ويعتمدان في ذلك على اجماع الشراح، ان اليوم من أسابيع دانيال سنة، واننا إذا أضفنا أربعمائة وتسعين سنة الى 132 فتلك سنة 622 التي هاجر فيها النبي عليه السلام الى مدينة يثرب، وبعد أربع عشرة سنة دخل جيش الإسلام القدس الشريف وبنى المسجد الأقصى في مكان الهيكل، وكان الفرس قد ملكوا فلسطين أربع عشرة سنة أباحوا فيها لليهود اقامة شعائرهم ثم عاد الرومان وتلاهم المسلمون.. فكانت السنون التي مضت بعد الهجرة النبوية مقابلة لتلك السنين التي ارتفع فيها الحجز عن اليهود، على عهد الدولة الفارسية [1] ..
هذه العلامات إنما هي نماذج لأضعاف أضعافها، وتتعاضد دلائل النبوة الأخرى التي قامت عليها الدعوة المحمدية ومن أهم هذه الدلائل: معجزة القرآن. لقد كان أهل مكة يطلبون إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم أن يجري ربه على يديه المعجزات إذا أرادهم ان يصدقوه، ولم يرد في القرآن الكريم ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف عصورهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم إلا القرآن الكريم، هذا مع انه ذكر المعجزات التي جرت بإذن الله على أيدي من سبق محمدا من الرسل. القرآن الكريم هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلّم الدائمة إلى يوم الدين وأهم دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم. وقد فرض القرآن الكريم اعجازه على كل من سمعه على تفاوت مراتبهم في البلاغة، وقد تحير المشركون في وصفه وحرصوا على أن يصدوا العرب عن سماعه، عن يقين بأنه ما من عربي يخطئه ان يميز بين هذا القرآن، وقول البشر. وقد أعجز الخلق في أسلوبه ونظمه، وفي علومه وحكمه، وفي تأثير هدايته وفي كشفه الحجب عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وفي كل باب من هذه الأبواب للاعجاز فصول، وفي كل فصل منها فروع ترجع الى أصول، وقد تحدى العرب بإعجازه، ونقل العرب هذا التحدي الى كل الأمم فظهر عجزها. وقد نقل بعض أهل التصانيف عن بعض الموصوفين بالبلاغة في القول أنهم تصدوا لمعارضة القرآن في بلاغته، ومحاكاته في فصاحته دون هدايته، ولكنهم على ضعف رواية الناقلين عنهم لم يأتوا بشيء تقرّ به، أعين الملاحدة والزنادقة فيحفظوه عنهم، ويحتجوا به لإلحادهم وزندقتهم.
ويظل اعجاز القرآن مطروحا ما دامت السموات والأرض تتعاقبه الأجيال كلما تقدمت العلوم فكشفت عن أسرار الله الكونية، وكلما حسب جيل أنه بلغ منه الغاية، امتدّ القرآن عاليا سامقا. قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [1] . ولو أن أمّة غير مسلمة آمنت اليوم بهذا الدين ولم تحتج الى التصديق بمعجزة غير القرآن لتؤمن لما طعن ذلك في إيمانها، ولا نقص في إسلامها، وقد حمل القرآن كثيرا من المهتدين إلى أن يهتدوا، قديما في بدء الدعوة، وحديثا في العصر الذي نعيش فيه على اختلاف مشاربهم، وتباين تخصصاتهم، فقد استطاعوا أن ينهلوا من فيضه، ويقبسوا من نوره، ويرى كل واحد منهم به سرا من أسراره. يقول ابن خلدون في علامات الأنبياء: ومن علاماتهم أيضا، وقوع الخوارق لهم، شاهدة بصدقهم. وهي أفعال يعجز البشر عن مثلها، فسميت بذلك معجزة، وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم. وإذا تقرر ذلك، فاعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها، وأوضحها دلالة: القرآن الكريم، المنزل على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم فإن الخوارق- في الغالب- تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي، ويأتي بالمعجزة شاهدة مصدقة. والقرآن هو بنفسه الوحي المدعي، وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر الى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه.
وهذا معنى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . يشير إلى ان المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوة الدلالة، وهو كونها نفس الوحي، كان التصديق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق المؤمن، وهو التابع والأمة.. ويقول صاحب الشفاء: وعن أبي هريرة، عَنْهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ من الأنبياء إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الذي أوتيت وحيا أوحى اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القيامة» . معنى هذا عند المحققين: بقاء معجزته ما بقيت الدنيا، وسائر معجزات الأنبياء ذهبت للحين، ولم يشاهدها إلا الحاضر لها. ومعجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن إلى يوم القيامة.. وفي هذا المقام يمكن ان أوجز أوجه اعجاز القرآن الكثيرة فيما يلي: 1- ما يشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في الإيجاز والاطالة، فتارة يأتي بالقصة باللفظ الطويل، ثم يعيدها باللفظ الوجيز، فلا يخلّ بمقصود الأولى. 2- مقارنته لأساليب الكلام، وأوزان الأشعار، وبهذين المعنيين تحدثت العرب، فعجزوا وتحيروا، وأقروا بفضله. 3- ما تضمنه من أخبار الأمم السالفة، وسير الأنبياء التي عرفها أهل الكتاب مع كون الآتي بها أميا لا يكتب ولا يقرأ، ولا علم بمجالسة الأحبار والكهان. 4- إخباره عن الغيوب المستقبلة الدالة على صدقه قطعا، والكوائن في مستقبل
الزمان نحو قوله سبحانه: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ. وقوله سبحانه وتعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، ثم قوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً. وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وغلبوا. وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ودخلوا. 5- أنه محفوظ من الاختلاف والتناقض. «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا» .. وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. قال ابن عقيل: حفظ جميعه. وآياته وسوره التي لا يدخل عليها تبديل، من حيث عجز الخلائق عن مثلها، فكان القرآن حافظ نفسه من حيث عجز الخلائق عن مثله ... قال أبو الوفا علي بن عقيل: «إذا أردت أن تعلم أن القرآن ليس مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وإنما هو ملتقى اليه، فانظر إلى كلامه كيف هو إلى القرآن، وتلمّح ما بين الكلامين والأسلوبين، ومعلوم ان كلام الإنسان يتشابه، وما لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم كلمة تشاكل نمط القرآن.. قال ابن عقيل: ومن إعجاز القرآن، أنه لا يمكن لأحد أن يستخرج منه آية قد أخذ معناها من كلام قد سبق، فإنه ما زال الناس يكشف بعضهم عن بعض، فيقال: «المتنبي أخذ من البحتري» ..
ويقول صاحب الوفا، عن إعجاز القرآن: وقد استخرجت معنيين عجيبين: أحدهما: أن معجزات الأنبياء ذهبت بموتهم، فلو قال ملحد اليوم: أي دليل على صدق محمد وموسى؟ .. فقيل له: محمد شق له القمر، وموسى شق له البحر.. لقال: هذا محال.. فجعل الله سبحانه هذا القرآن معجزا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم يبقى أبدا.. ليظهر دليل صدقه بعد وفاته، وجعله دليلا على صدق الأنبياء، إذ هو مصدّق لهم ومخبر عن حالهم. والثاني: أنه أخبر أهل الكتاب بأن صفة محمد صلى الله عليه وسلّم مكتوبة عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وشهد لحاطب بالإيمان، ولعائشة بالبراءة، وهذه شهادات على غيب.. فلو لم يكن في التوراة والإنجيل صفته، كان ذلك منفرا لهم عن الإيمان به ولو علم حاطب وعائشة من أنفسهما خلاف ما شهد لهما به، نفرا عن الإيمان. وعن إعجاز القرآن يقول الأستاذ المهتدي «أتيين دينيه» الكاتب الفرنسي الذي أسلم وحجّ وكتب الكثير عن الإسلام، من كتابه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، إن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمدا كانت في الواقع معجزات وقتية، وبالتالي معرضة للنسيان السريع، بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآية القرآنية.. «المعجزة الخالدة» .. ذلك أن تأثيرها دائم، ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان، أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة كتاب الله.. وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون، لأنهم يجهلون القرآن، أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة، فضلا عن أنها غير دقيقة.. إن الجاذبية الساحرة التي يمتاز بها هذا الكتاب، الفريد بين أمهات الكتب
العالمية، لا تحتاج منا- نحن المسلمين- الى تعليل- ذلك أننا نؤمن بأنه كلام الله أنزله على رسوله، ولكننا نرى من الطريف أن نورد هنا رأيين لمستشرقيين ذاعت شهرتهما عن جدارة.. يقول «سفري» - وهو أول من ترجم القرآن الى الفرنسية: «كان محمد عليما بلغته، وهي لغة لا نجد على ظهر البسيطة ما يضارعها غنى وانسجاما- إنها بتركيب أفعالها، يمكنها أن تتابع الفكر في طيرانه البعيد، وتصفه في دقة دقيقة.. وهي بما فيها من نغم موسيقي تحاكي أصوات الحيوانات المختلفة، وخرير المياه المنسابة، وهزيم الرعد، وقصف الرياح. كان محمد عليما- كما قلت- بتلك اللغة الأزلية التي تزينت بروائع كثير من الشعراء، فاجتهد محمد أن يحلي تعاليمه بكل ما في البلاغة من جمال وسحر.. ولقد كان الشعراء في الجزيرة العربية يتمتعون من التقدير بأسمى مكانة.. ولقد علق لبيد بن ربيعة، الشاعر المشهور، إحدى قصائده على باب الكعبة، وحالت شهرته وقدرته الشاعرية دون أن ينبري له المنافسون، ولم يتقدم احد لينازعه الجائزة.. وذات يوم علق بجانب قصيدته السورة الثانية من القرآن (وقيل السورة الخامسة والخمسين) فأعجب بها لبيد أيما إعجاب، رغم أنه مشرك، واعترف بمجرد قراءة الآيات الأولى بأنه قد هزم، ولم يلبث أن أسلم.. وفي ذات يوم سأله المعجبون به عن أشعاره، يريدون جمعها في ديوان، فأجاب: «لم أعد أتذكر شيئا من شعري، إذ أن روعة الآيات المنزلة لم نترك لغيرها مكانا في ذاكرتي» .
دلائل النبوة في سمو حياته صلى الله عليه وسلم وجهاده:
ويقول استانلي لين بول: «إن أسلوب القرآن في كل سورة من سوره لأسلوب أبيّ يفيض عاطفة وحياة.. ان الألفاظ ألفاظ رجل مخلص للدعوة، وإنها لا تزال حتى الآن تحمل طابع الحماسة والقوة، وفي ثناياها تلك الجذوة التي ألقيت بها.. دلائل النبوة في سمو حياته صلى الله عليه وسلم وجهاده: بلغت حياة النبي صلى الله عليه وسلم من السمو غاية ما يستطيع انسان ان يبلغ، وكانت حياته قبل الرسالة مضرب المثل في الصدق والكرامة والأمانة، كما كانت بعد الرسالة كلها تضحية، وصبر، وجهاد في سبيل الله، تضحية استهدفت حياته للموت مرات، ولولا صدق محمد في تبليغ رسالة ربه، وإيمانه بما ابتعثه الله به ويقينه المطلق برسالته، لرأينا الحياة على كر الدهور تنفي مما قال شيئا. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لما أنزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» فقالت قريش: محمد على الصّفا يهتف، فأقبلوا واجتمعوا فقالوا: مالك يا محمد؟ قال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ تصدقوني» ؟ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متهم، وما جرّبنا عليك كذبا قط. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يا بني زهرة، حتى عدد الأفخاذ من قريش: «إن الله أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأقربين. وإني لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدنيا منفعة، ولا من الآخرة نصيبا، إلا أن تقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ من الله شيئا، ويا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لا أغني عنك من الله شيئا. ويَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» . تتحدث كتب السيرة عن سعي قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، لينهى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم عن الاستمرار في الدعوة. ولما التقى القرشيون به، قالوا: يا أبا طالب، ان ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه- فإنك عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عليه من خلافه- فنكفيكه؟ قال لهم أبو طالب، قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه. وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، على ما هو عليه: «يظهر دين الله، ويدعو اليه. ثم شرى الأمر بينه وبينهم، حتى تباعد الرجال، وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا، فتذامروا فيه، وحضّ بعضهم بعضا عليه، ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا. وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله، لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنا، أو تنازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه. فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم ولا خذلانه.
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:
فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جاءُونِي، فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فَأَبْقِ عَلَيَّ، وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنَ الْأَمْرِ ما لا أطيق. فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ فدو، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عم، والله، لو وضعوا الشَّمْسُ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرُ في يساري، على أن أترك هَذَا الْأَمْرَ- حَتَّى يُظْهِرَهُ الله أو أهلك فيه- ما تركته» . قال: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فبكى، ثم قام. فلما ولّى، ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا ابن أخي، قال: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله، لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا. الرسول صلى الله عليه وسلّم في الطائف: لما توفي أبو طالب، اجترأت قريش علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ونالت منه. فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، وذلك في ليال بقية من شوال سنة عشر من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه. ومحمد دعاهم إلى الإسلام أخوة ثلاثة، وهم سادة ثقيف وأشرافهم، وهم عبد يا ليل، ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف. فجلس إليهم فدعاهم إلى الله، وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو- يعني نفسه- بمرط ثياب الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللهُ أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا أرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله، لا أكلمك أبدا ... لئن كنت رسولا من الله- كما تقول- لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام. وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى الله، ما ينبغي لي أن أكلمك.
فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من عندهم، وقد يئس من خير ثقيف ... وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم: يسبونه ويصيحون به. حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه الى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه. فعمد الى ظل حبلة من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران اليه، ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف. فلما اطمأن قال فيما ذكر: «اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. ولكنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بك» . فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقى، دعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له: عدّاس فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في ذلك الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى وضعه بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما وضع رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، قال: بسم الله، ثم أكل. فنظر عدّاس الى وَجْهُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، إِنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلد. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ومن أي البلاد أنت؟ وما دينك؟ قال: أنا نصراني، وأنا رجل مِنْ أَهْلِ نِينَوَى. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: من قرية الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ متّى؟
دلائل النبوة في خصائص التصور الإسلامي:
قال: ذاك أخي، كان نبيا، وأنا نبيّ. فأكب عدّاس علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ رأسه ويديه ورجليه. قال: يقول ابنا ربيعة: أحدهما لصاحبه: أما غلامك، فقد أفسده عليك. فلما جاءهم عدّاس قالا له: ويلك يا عدّاس، مالك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل. لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي. دلائل النبوة في خصائص التصور الإسلامي: لا يدرك الإنسان ضرورة الرسالة النبوية إلا عند ما يستعرض أحوال العالم قبل ظهور الإسلام، وكيف كانت البشرية تائهة في ظلمات الضلالات السائدة، والتصورات الوثنية، واللوثات القومية على السواء. ولقد جاءت رسل بني إسرائيل بالتوحيد الخالص، ولكنهم انحرفوا على مدى الزمن وهبطوا الى مستوى الوثنيات وانتكسوا، بعد موسى وقبل موسى. وقل ذلك عن النصرانية، فقد دخلتها الوثنية والشرك بتأثير المنافقين وفي هذا يقول الكاتب الامريكي درابر في كتابه «الدين والعلم» : «دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين، الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومانية، بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين. ولم يخلصوا له يوما من الأيام. وكذلك كان قسطنطين.. فقد قضى عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إلا قليلا في آخر عمره سنة 337 ميلادية. «إن الجماعة النصرانية، وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت
قسطنطين الملك ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية، وتقتلع جرثومتها. وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد، تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء.. هنالك يختلف الإسلام عن النصرانية، إذ قضى على منافسه (الوثنية) قضاء باتا، ونشر عقائده خالصة بغير غش. «وإن هذا الامبراطور الذي كان عبدا للدنيا، والذي لم تكن عقائده الدينية تساوي شيئا، رأى لمصلحته الشخصية، ولمصلحة الحزبين المتنافسين- النصراني والوثني- أن يوحدهما ويؤلف بينهما. حتى أن النصارى الراسخين أيضا لم ينكروا عليه هذه الخطة. ولعلهم كانوا يعتقدون ان الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ونقحت بالعقائد الوثنية القديمة، وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها» . يقول الباحث الاسلامي الكبير الأستاذ سيد قطب في خصائص التصور الاسلامي: وقد وقع الانقسام في عقيدة النصارى، فقالت فرقة: ان المسيح انسان محض، وقالت فرقة: ان الأب والابن وروح القدس. إن هي إلا صور مختلفة أعلن الله بها نفسه للناس. فالله- بزعمهم- مركب من أقانيم ثلاثة: الأب والابن وروح القدس (والابن هو المسيح) فانحدر الله، الذي هو الأب، في صورة روح القدس وتجسد في مريم إنسانا، وولد منها في صورة يسوع. وفرقة قالت: ان الابن ليس أزليا كالأب بل هو مخلوق من قبل العالم، ولذلك هو دون الأب وخاضع له. وفرقة أنكرت كون روح القدس أقنوما.. وقرر مجمع نيقية سنة 325 ميلادية، ومجمع القسطنطينية سنة 381 ان الابن وروح القدس مساويان للأب في وحدة اللاهوت، وأن الابن قد ولد منذ الأزل من الأب، وأن روح القدس منبثق من الأب.. وقرر مجمع طليطلة سنة 589 بأن روح القدس منبثق من الابن أيضا. فاختلفت الكنيسة
الشرقية والكنيسة الغربية عند هذه النقطة وظلتا مختلفتين.. كذلك ألّهت جماعة منهم مريم كما ألهوا المسيح عليه السلام.. ويقول الدكتور ألفرد بتلر في كتابه: «فتح العرب لمصر. ترجمة الأستاذ محمد فريد أبو حديد» . «إن ذينك القرنين- الخامس والسادس- كانا عهد نضال متصل بين المصريين والرومانيين. نضال يذكيه اختلاف في الجنس، واختلاف في الدين. وكان اختلاف الدين أشد من اختلاف الجنس. إذ كانت علة العلل في ذلك الوقت تلك العداوة بين الملكانية والمنوفيسية، وكانت الطائفة الأولى- كما يدل عليه اسمها- حزب مذهب الدولة الامبراطورية وحزب الملك والبلاد. وكانت تعتقد العقيدة السنية الموروثة- وهي ازدواج طبيعة المسيح- على حين أن الطائفة الأخرى- وهي حزب القبط المنوفيسيين- أهل مصر- كانت تستبشع تلك العقيدة وتستفظعها، وتحاربها حربا عنيفة. في حماسة هوجاء، يصعب علينا أن نتصورها، أو نعرف كنهها في قوم يعقلون بل يؤمنون بالإنجيل» !. ويقول «سيرت. و. أرنولد» في كتابه: «الدعوة إلى الإسلام» عن هذا الخلاف، ومحاولة هرقل لتسويته بمذهب وسط: «ولقد أفلح جستنيان Justinian قبل الفتح الاسلامي بمئة عام في أن يكسب الامبراطورية الرومانية مظهرا من مظاهر الوحدة. ولكنها سرعان ما تصدعت بعد موته، وأصبحت في حاجة ماسة الى شعور قومي مشترك، يربط بين الولايات وحاضرة الدولة. أما هرقل فقد بذل جهودا لم تصادف نجاحا كاملا في اعادة ربط الشام بالحكومة المركزية. ولكن ما اتخذه من وسائل عامة في سبيل التوفيق قد أدى لسوء الحظ الى زيادة الانقسام بدلا من القضاء عليه. ولم يكن ثمة ما يقوم مقام الشعور بالقومية سوى العواطف الدينية. فحاول بتفسيره العقيدة تفسيرا يستعين به على تهدئة النفوس، أن يقف كل ما يمكن أن يشجر
بعد ذلك بين الطوائف المتناحرة من خصومات، وأن يوحد بين الخارجين على الدين وبين الكنيسة الأرثوذكسية، وبينهم وبين الحكومة المركزية. «وكان مجمع خلقيدونة قد أعلن في سنة 451 م «أن المسيح ينبغي أن يعترف بأنه يتمثل في طبيعتين، لا اختلاط بينهما، ولا تغير، ولا تجزؤ، ولا انفصال. ولا يمكن أن ينتفي اختلافهما بسبب اتحادهما. بل الأحرى ان تحتفظ كل طبيعة منهما بخصائصها، وتجتمع في أقنوم واحد، وجسد واحد، لا كما لو كانت متجزئة أو منفصلة في أقنومين، بل مجتمعة في أقنوم واحد: هو ذلك الابن الواحد والله والكلمة. «وقد رفض اليعاقبة هذا المجمع. وكانوا لا يعترفون في المسيح الا بطبيعة واحدة. وقالوا: إنه مركب الأقانيم، له كل الصفات الإلهية والبشرية. ولكن المادة التي تحمل هذه الصفات لم تعد ثنائية، بل أصبحت وحدة مركبة الأقانيم. «وكان الجدل قد احتدم قرابة قرنين من الزمان بين طائفة الأرثوذكس وبين اليعاقبة الذين ازدهروا بوجه خاص في مصر والشام، والبلاد الخارجة عن نطاق الامبراطورية البيزنطية، في الوقت الذي سعى فيه هرقل في إصلاح ذات البين عن طريق المذهب القائل بأن للمسيح مشيئة واحدة «Monotheletism» ففي الوقت الذي نجد هذا المذهب يعترف بوجود الطبيعتين إذا به يتمسك بوحدة الأقنوم في حياة المسيح البشرية. وذلك بإنكاره وجود نوعين من الحياة في أقنوم واحد. فالمسيح الواحد الذي هو ابن الله، يحقق الجانب الإنساني، والجانب الإلهي. بقوة إلهية انسانية واحدة. ومعنى ذلك انه لا يوجد سوى إرادة واحدة في الكلمة المتجسدة. «لكن هرقل قد لقى المصير الذي انتهى اليه كثيرون جدا، ممن كانوا يأملون أن يقيموا دعائم السلام، ذلك أن الجدل لم يحتدم مرة أخرى كأعنف ما
يكون الاحتدام فحسب. بل إن هرقل نفسه قد وصم بالإلحاد، وجرّ على نفسه سخط الطائفتين سواء» ! وقد ورد في القرآن الكريم بعض الإشارات الى هذه الانحرافات، ونهى لأهل الكتاب عنها، وتصحيح حاسم لها، وبيان لأصل العقيدة النصرانية كما جاءت من عند الله، قبل التحريف والتأويل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. وَقالَ الْمَسِيحُ: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَأْواهُ النَّارُ، وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا.. إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ. وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ. انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ، ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. قُلْ: أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً؟ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ، وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، وَأَضَلُّوا كَثِيراً، وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ ... [المائدة: 72- 77] . وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ، يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ* قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.. [التوبة 30] . وَإِذْ قالَ اللَّهُ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ! ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ* وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ* فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنْ
تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ... [المائدة: 116- 118] . وهكذا نرى مدى الانحراف الذي دخل على النصرانية، من جراء تلك الملابسات التاريخية، حتى انتهت الى تلك التصورات الوثنية الاسطورية، التي دارت عليها الخلافات والمذابح عدة قرون! أما الجزيرة العربية التي نزل فيها القرآن، فقد كانت تعج بركام العقائد والتصورات. ومن بينها ما نقلته من الفرس وما تسرب إليها من اليهودية والمسيحية في صورتهما المنحرفة ... مضافا إلى وثنيتها الخاصة المتخلفة من الانحرافات في ملة إبراهيم التي ورثها العرب صحيحة ثم حرفوها ذلك التحريف. والقرآن يشير إلى ذلك الركام كله بوضوح. زعموا أن الملائكة بنات الله- مع كراهيتهم هم للبنات! - ثم عبدوا الملائكة- أو تماثيلها الأصنام- معتقدين أن لها عند الله شفاعة لا ترد، وأنهم يتقربون بها إليه سبحانه: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً* إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ. أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ؟ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ؟! وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ- الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ- إِناثاً* أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ* وَقالُوا: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ* ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ... [الزخرف: 15- 20] . أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ* لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ* سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ... [الزمر: 3، 4] . وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ، وَيَقُولُونَ: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ* قُلْ: أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ؟ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ... [يونس: 18] وزعموا أن بين الله- سبحانه- وبين الجنة نسبا. وأن له- سبحانه- منهم صاحبة. ولدت له الملائكة! وعبدوا الجن أيضا.. قال الكلبي في كتاب الأصنام: «كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن» . وجاء في القرآن الكريم عن هذه الأسطورة: فَاسْتَفْتِهِمْ: أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ؟ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ: وَلَدَ اللَّهُ* وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ؟ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ... [الصافات: 149- 159] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟ قالُوا: سُبْحانَكَ! أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ* بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ... [سبأ: 40، 41] وشاعت بينهم عبادة الأصنام إما بوصفها تماثيل للملائكة، وإما بوصفها تماثيل للأجداد، وإما لذاتها. وكانت الكعبة، التي بنيت لعبادة الله الواحد، تعج بالأصنام، إذ كانت تحتوي على ثلاثمائة وستين صنما. غير الأصنام الكبرى في جهات متفرقة. ومنها ما ذكر في القرآن بالاسم كاللات والعزى
ومناة. ومنها هبل الذي نادى أبو سفيان باسمه يوم «أحد» قائلا: اعل هبل! ومما يدل على أن اللات والعزى ومناة كانت تماثيل للملائكة ما جاء في القرآن في سورة النجم: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى؟ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى؟ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى! إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى. أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى؟ فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً، إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى. إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى * وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ... [النجم: 19- 28] وانحطت عبادة الأصنام فيهم حتى كانوا يعبدون جنس الحجر! روى البخاري عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قال: «كنا نعبد الحجر. فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر! فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جمعنا حثوة مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بالشاة فحلبنا عليه، ثم طفنا به» . وقال الكلبي في كتاب الأصنام: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار. فنظر إلى أحسنها، فجعله ربا، وجعل ثلاث أثافيّ لقدره. وإذا ارتحل تركه» . وعرفوا عبادة الكواكب- كما عرفها الفرس من بين عباداتهم- قال صاعد: كانت حمير تعبد الشمس. وكنانة القمر. وتميم الدبران. ولخم وجذام المشتري. وطيء سهيلا وقيس الشعرى العبور. وأسد عطارد» . وقد جاء عن هذا في سورة فصلت:
لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ* وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ... [فصلت: 37] . وجاء في سورة النجم: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ... [النجم: 49] . وكثرت الإشارات إلى خلق النجوم والكواكب وربوبية الله سبحانه لها كبقية خلائقه. وذلك لنفي ألوهية الكواكب وعبادتها ... وعلى العموم فقد تغلغلت عقائد الشرك في حياتهم. فقامت على أساسها الشعائر الفاسدة، التي أشار إليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة ... ومن ذلك جعلهم بعض ثمار الزروع، وبعض نتاج الأنعام خاصا بهذه الآلهة المدعاة، لا نصيب فيه لله- سبحانه- وأحيانا يحرمونها على أنفسهم. أو يحرمون بعضها على إناثهم دون ذكورهم. أو يمنعون ظهور بعض الأنعام على الركوب أو الذبح. وأحيانا يقدمون أبناءهم ذبائح لهذه الآلهة في نذر. كالذي روى عن نذر عبد المطلب أن يذبح ابنه العاشر، إن وهب عشرة أبناء يحمونه. فكان العاشر عبد الله ... ثم افتداه من الآلهة بمئة ناقة! .. وكان أمر الفتوى في هذه الشعائر كلها للكواهن والكهان! وفي هذا يقول القرآن الكريم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً. فَقالُوا: هذا لِلَّهِ- بِزَعْمِهِمْ- وَهذا لِشُرَكائِنا. فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ* وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ* ساءَ ما يَحْكُمُونَ! وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ، لِيُرْدُوهُمْ، وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ* وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ* فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ* وَقالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ، لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ- بِزَعْمِهِمْ- وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها* وَأَنْعامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا-
افْتِراءً عَلَيْهِ- سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ. وَقالُوا: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا. * وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ* سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ* قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ.. [الأنعام: 136- 140] وكانت فكرة التوحيد الخالص هي أشد الأفكار غرابة عندهم، هي وفكرة البعث سواء. ذلك مع اعترافهم بوجود الله- سبحانه- وأنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما. ولكنهم ما كانوا يريدون أن يعترفوا بمقتضى الوحدانية هذه وهو أن يكون الحكم لله وحده في حياتهم وشؤونهم، وأن يتلقوا منه وحده الحلال والحرام، وأن يكون إليه وحده مرد أمرهم كله في الدنيا والآخرة. وأن يتحاكموا في كل شيء إلى شريعته ومنهجه وحده.. الأمر الذي لا يكون بغيره دين ولا إيمان. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا حكاه القرآن الكريم من معارضتهم الشديدة لهاتين الحقيقتين: وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ* وَقالَ الْكافِرُونَ: هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ... [ص: 4- 7] . وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ- إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ- إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ.. [سبأ: 7، 8] .
هذه هي الصورة الشائعة للتصورات في الجزيرة العربية نضيفها إلى ذلك الركام من بقايا العقائد السماوية المنحرفة، التي كانت سائدة في الشرق والغرب، يوم جاء الإسلام، فتتجمع منها صورة مكتملة لذلك الركام الثقيل، الذي كان يجثم على ضمير البشرية في كل مكان، والذي كانت تنبثق منه أنظمتهم وأوضاعهم وآدابهم وأخلاقهم كذلك. ومن ثم كانت عناية الإسلام الكبرى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة، وتحديد الصورة الصحيحة التي يستقر عليها الضمير البشري في حقيقة الألوهية، وعلاقتها بالخلق، وعلاقة الخلق بها.. فتستقر عليها نظمهم وأوضاعهم، وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وآدابهم وأخلاقهم كذلك. فما يمكن أن تستقر هذه الأمور كلها، إلا أن تستقر حقيقة الألوهية، وتتبين خصائصها واختصاصاتها. وعنى الإسلام عناية خاصة بإيضاح طبيعة الخصائص والصفات الإلهية المتعلقة بالخلق والإرادة والهيمنة والتدبير.. ثم بحقيقة الصلة بين الله والإنسان.. فلقد كان معظم الركام في ذلك التيه الذي تخبط فيه العقائد والفلسفات، مما يتعلق بهذا الأمر الخطير الأثر في الضمير البشري وفي الحياة الإنسانية كلها. ولقد جاء الإسلام- وهذا ما يستحق الانتباه والتأمل- بما يعد تصحيحا لجميع أنواع البلبلة، التي وقعت فيها الديانات المحرفة، والفلسفات الخابطة في الظلام. وما يعد ردا على جميع الانحرافات والأخطاء التي وقعت فيها تلك الديانات والفلسفات.. سواء ما كان منها قبل الإسلام وما جدّ بعده كذلك.. فكانت هذه الظاهرة العجيبة إحدى الدلائل على مصدر هذا الدين.. المصدر الذي يحيط بكل ما هجس في خاطر البشرية وكل ما يهجس، ثم يتناوله بالتصحيح والتنقيح!
والذي يراجع ذلك الجهد المتطاول الذي بذله الإسلام لتقرير كلمة الفصل في ذات الله- سبحانه- وفي صفاته. وفي علاقته بالخلق وعلاقة الخلق به.. ذلك الجهد الذي تمثله النصوص الكثيرة- كثرة ملحوظة- في القرآن المكي بصفة خاصة، وفي القرآن كله على وجه العموم.. الذي يراجع ذلك الجهد المتطاول، دون أن يراجع ذلك الركام الثقيل، في ذلك التيه الشامل، الذي كانت البشرية كلها تخبط فيه، والذي ظلت تخبط فيه أيضا كلما انحرفت عن منهج الله أو صدت عنه، واتبعت السبل، فتفرقت بها عن سبيله الواحد المستقيم.. الذي يراجع ذلك الجهد، دون أن يراجع ذلك الركام، قد لا يدرك مدى الحاجة إلى كل هذا البيان المؤكد المكرر في القرآن، وإلى كل هذا التدقيق الذي يتتبع كل مسالك الضمير وكل مسالك الحياة. ولكن مراجعة ذلك الركام تكشف عن ضرورة ذلك الجهد، كما تكشف عن عظمة الدور الذي جاءت هذه العقيدة لتؤديه في تحرير الضمير البشري وإعتاقه، وفي تحرير الفكر البشري وإطلاقه، وفي تحرير الحياة. والحياة تقوم على أساس التصور الاعتقادي كيفما كان. عندئذ ندرك قيمة هذا التحرر في إقامة الحياة على منهج سليم قويم، يستقيم به أمر الحياة البشرية، وتنجو به من الفساد والتخبط ومن الظلم أو الاستذلال ... وندرك قيمة قول عمر- رضي الله عنه- «ينقض الإسلام عروة عروة من نشأ في الإسلام ولم يعرف الجاهلية» .. فالذي يعرف الجاهلية هو الذي يدرك قيمة الإسلام، ويعرف كيف يحرص على رحمة الله المتمثلة فيه، ونعمة الله المتحققة به. إن جمال هذه العقيدة وكمالها وتناسقها، وبساطة الحقيقة الكبيرة التي تمثلها.. إن هذا كله لا يتجلى للقلب والعقل، كما يتجلى من مراجعة ركام
التوحيد معجزة الإسلام:
الجاهلية- السابقة للإسلام واللاحقة- عندئذ تبدو هذه العقيدة رحمة.. رحمة حقيقية.. رحمة للقلب والعقل. ورحمة بالحياة والأحياء. رحمة بما فيها من جمال وبساطة، ووضوح وتناسق، وقرب وأنس، وتجاوب مع الفطرة مباشر عميق.. وصدق الله العظيم: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى؟ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟ [ (1) ] . التوحيد معجزة الإسلام: «الله- الرسول- القرآن- الكعبة» . إن التصور الإسلامي هو التصور الوحيد الذي بقي قائما على أساس التوحيد الكامل الخالص، وإن التوحيد خاصية من خصائص هذا التصور، تفرده وتميزه بين سائر المعتقدات السائدة في الأرض كلها على العموم. لقد انحسرت كل التصورات والفلسفات والمذاهب التي وجدت والتي قام عليها الفكر الغربي والتي جعلت الإنسان يتخبط في هذه الحياة بناء على تصوراتهم الضحلة التي تميل تارة ناحية المادة، وتارة ناحية الروح، وتارة ناحية القوة دون إدراك لطبيعة الإنسان وأشواقه ويقف التصور الإسلامي راسخا في شمولية تدرك خصائص الإنسان. وتضع له مناهج الحياة الثابتة حتى يعيش عيشة كريمة هانئة، يبني الحياة، ويبني الروح، ويوائم الفطرة، فلا يكلفها عنتا، ولا يفرقها مزقا. من هنا تنادى كثير من المفكرين، ودرسوا الإسلام، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلّم،
وسجلوا وكلماتهم بعد دراسة عميقة لقواعد هذا الدين، وأسلم أكثرهم، وصاروا يدعون إلى هذا الدين حتى بدأت أوربا تستعين به في حل مشاكلها. يقول (برناردشو) بعد أن درس الإسلام: «إني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثل محمد حكم العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة والطمأنينة التي هو في أشد الحاجة إليها» . «لقد أفاد الإسلام التمدن أكثر من النصرانية، ونشر راية المساواة والأخوة. وهذه الأدلة نذكرها نقلا عن تقارير الموظفين الإنجليز، وعما كتبه أغلب السياح من النتائج الحسنة التي نتجت من الدين الإسلامي، وظهرت آياتها منه، فإنه عند ما تتدين به أمة من الأمم السودانية تختفي بينها- في الحال- عبادة الأوثان، واتباع الشيطان، والإشراك بالعزيز الرحمن، وتحرم أكل لحم الإنسان، وقتل الرجال ووأد الأطفال، وتضرب عن الكهانة، ويأخذ أهلها بأسباب الإصلاح وحب الطهارة، واجتناب الخبائث والرجس والسعي نحو إحراز المعالي، وشرف النفس. ويصبح عندهم قرى الضيف من الواجبات الدينية. وشرب الخمر من الأمور البغيضة، ولعب الميسر والأزلام محرما. والرقص القبيح، ومخالطة النساء- اختلاطا دون تميز- بغيضا. ويحسبون عفة المرأة من الفضائل، ويتمسكون بحسن الشمائل. أما الغلو في الحرية والتهتك وراء الشهوات البهيمية- فلا تجيزه الشريعة الإسلامية. والدين الإسلامي، هو الدين الذي يعمّم النظام بين الورى، ويقمع النفس عن الهوى، ويحرم إراقة الدماء، والقسوة في معاملة الحيوان والأرقاء، ويوصي بالإنسانية، ويحض على الخيرات والأخوة.
ويقول بالاعتدال في تعدد الزوجات، وكبح جماح الشهوات» . أما الفيلسوف الروسي المنصف فعند ما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الإسلامي هزّته الغيرة على الحق فوضع كتابا عن بني الإسلام، قال فيه: «ولد نبيّ الإسلام في بلاد العرب من أبوين فقيرين. وكان- في حداثة سنه- راعيا يميل إلى العزلة والانفراد في البراري والصحارى، متأملا في الله خالق الكون.. لقد عبد العرب المعاصرون له أربابا كثيرة، وبالغوا في التقرب إليها واسترضائها، وأقاموا لها العبادات، وقدموا لها الضحايا المختلفة. وكان- كلما تقدم به العمر- ازداد اعتقادا بفساد تلك الأرباب، وأن هناك إلها واحدا حقيقيا، لجميع الناس والشعوب. وقد ازداد إيمان محمد بهذه الفكرة. فقام يدعو أمته وأهله إلى فكرته، معلنا: أن الله اصطفاه لهدايتهم، وعهد إليه إنارة بصائرهم، وهدم دياناتهم وعباداتهم الباطلة. وراح يعلن عن عقيدته وديانته. وخلاصة هذه الديانة التي نادى بها هذا الرسول: هو أن الله واحد- لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ- ولذلك لا يجوز عبادة غيره، وأن الله عادل ورحيم بعباده، وأن مصير الإنسان النهائي، متوقف عليه وحده، فمن آمن به، فإن الله يؤجره في الآخرة أجرا حسنا. وإذا ما خالف شريعة الله، وسار على هواه، فإنه يعاقب في الآخرة عقابا أليما، وأن الله تعالى يأمر الناس بمحبته ومحبة بعضهم بعضا. ومحبة الله تكون بالصلاة، ومحبة الناس تكون بمشاركتهم في السراء والضراء. وإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ينبغي عليهم أن يبذلوا وسعهم لإيعاد كل ما من شأنه إثارة الشهوات النفسية، والابتعاد عن الملذات الدنيوية، وإنه يتحتم عليهم ألا
يخدموا الجسد ويعبدوه» بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذّبوها. ومحمد لم يقل عن نفسه إنه نبي الله الوحيد. بل اعتقد أيضا، بنبوة موسى وعيسى. وقال: إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم. وفي سنيّ دعوته الأولى، احتمل كثيرا من اضطهادات أصحاب الديانات القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق. ولكنّ هذه الاضطهادات لا تثن من عزمه، بل ثابر على دعوة أمته. وقد امتاز المؤمنون كثيرا عن العرب: بتواضعهم وزهدهم في الدنيا، وحب العمل والقناعة، وبذلوا جهدهم في مساعدة إخوانهم في الدين: عند حلول المصائب بهم. ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل، حتى أصبح الناس المحيطون بهم: يحترمونهم احتراما عظيما، ويعظمون قدرهم، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوما بعد يوم!! ومن فضائل الدين الإسلامي: أنه أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم. فقد أمر بحسن معاملتهم. وقد بلغ من حسن معاملته لهم: أنه سمح لأتباعه بالتزوج من أهل الديانات الأخرى. ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية، ما في هذا من التسامح العظيم» ثم ختم كلمته قائلا: «لا ريب أن هذا النبيّ، من كبار الرجال المصلحين: الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة. ويكفيه فخرا: أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء، وتقديم الضحايا. ويكفيه فخرا: أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم. وهذا عمل عظيم: لا يفوز به شخص أوتي قوة وحكمة وعلما. ورجل مثله، جدير بالإجلال والاحترام» . ويستعرض الدكتور: «موريس بوكاي» عظمة القرآن، ويستدل على أَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم نبي مرسل بسؤاله: كيف امتلك هذا القدر من المعارف العلمية الهائلة في القرن السابع من العصر المسيحي في وقت تفشي الجهل وعمومه، هذا القدر من المعارف العلمية التي سبقت بأكثر من أربعة عشر قرنا الثقافة العلمية المعاصرة. استمع إليه وهو يقول: «لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية. فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع، ومطابقة تماما للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة. وإذا كان هناك تأثير ما قد مورس فهو بالتأكيد تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الغالبية تتحدث عن المسلمين وإنما المحمديين لتأكيد الإشارة إلى أن المعنى به دين أسسه رجل وبالتالي فهو دين عديم القيمة تماما إزاء الله. وككثيرين كان يمكن أن أظل محتفظا بتلك الأفكار الخاطئة عن الإسلام، وهي على درجة من الانتشار بحيث إنني أدهش دائما حين ألتقي خارج المتخصصين، بمحدثين مستنيرين في هذه النقاط أعترف إذن بأنني كنت جاهلا قبل أن تعطى لي عن الإسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيناها في الغرب.» . «وعند ما استطعت قياس المسافة التي تفصل واقع الإسلام عن الصورة التي اختلقناها عنه في بلادنا الغربية شعرت بالحاجة الملحة لتعلم اللغة العربية التي لم أكن أعرفها، ذلك حتى أكون قادرا على التقدم في دراسة هذا الدين الذي يجهله الكثيرون. كان هدفي الأول هو قراءة القرآن ودراسة نصه جملة جملة مستعينا بمختلف التعليقات اللازمة للدراسة النقدية: وتناولت القرآن منتبها بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية.
لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي، أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات والتي لم يكن ممكنا لأي إنسان في عصر محمد صلى الله عليه وسلّم أن يكوّن عنها أدنى فكرة ... » . «إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه مثل هذا النص لأول مرة هو ثراء الموضوعات المعالجة، فهناك الخلق وعلم الفلك وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان وعالم النبات، والتناسل الإنسان، وعلى حين نكتشف في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكتشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل: لو كان كاتب القرآن إنسانا، كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟ ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلا نفس النص الأول. ما التعليل، إذ ليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان شبه الجزيرة العربية في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجويير استطاع أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالى عشرة قرون ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات» . «ومن الثابت فعلا أن في فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاما تقريبا قبل وبعد عام الهجرة (622 م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقا لنهاية تنزيل القرآن. إن الجهل وحده بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي يسمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت بعضهم يصوغونه أحيانا والذي يقول: إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصرهم وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم بالتالي قد استلهم دراساتهم. إن من يعرف، ولو يسيرا، تاريخ
الإسلام ويعرف أيضا أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحق لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم لن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية فلا محل لأفكار من هذا النوع وخاصة أن معظم الأمور العلمية الموحى بها أو المصاغة بشكل بين تماما في القرآن لم تتلق التأييد إلا في العصر الحديث» . «من هنا ندرك كيف أن مفسري القرآن (بما في ذلك عصر الحضارة الإسلامية العظيم) قد أخطئوا حتما وطيلة قرون، في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق. إن ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكنا إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا. ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي وحدها لفهم هذه الآيات القرآنية. بل يجب، بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع. إن دراسة كهذه هي دراسة انسيكلوبيدية تقع على عاتق تخصصات عدة. وسندرك- كلما تقدمنا- في عرض المسائل المثارة، تنوع المعارف العلمية اللازمة لفهم معنى بعض آيات القرآن، ومع ذلك فليس القرآن كتابا يهدف إلى عرض بعض القوانين التي تتحكم في الكون. ان له هدفا دينيا جوهريا» . وهكذا، فإدراك هذا السر البديع، والأدلة الساطعة لا يتسنّى إلا لمن تعمق في دراسة هذا الدين، فالجاهل بالسيء من المستحيل أن يدرك كنهه، وهذا نفس ما ذكرناه في أول التقدمة وطريقة الغزالي في إثبات دلائل النبوّة. وبعد، فما هي طريقة البيهقي في إثبات دلائل النبوة؟. يستعرض المصنف (أولا) معجزات الأنبياء السابقين في مدخل الكتاب
كمعجزات موسى- عليه السّلام- ومعجزات داود، وعيسى بن مريم، ثم يقول: فأما النبي المصطفى، والرسول المجتبى، المبعوث بالحق إلى كافة الخلق من الجن والإنس، أبو الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب خاتم النبيين، ورسول رب العالمين صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آله الطيبين الطاهرين فإنه أكثر الرسل آيات وبينات، وذكر بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أعلام نبوته تبلغ ألفا. ثم يقول المصنف: «فأما العلم الذي اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أمته بعد وفاته فهو القرآن العظيم، المعجم المبين، وحبل الله المتين» . ثم بعد أن يستعرض وجوه إعجاز القرآن يقول: «ثم إن لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وراء القرآن من الآيات الباهرة، والمعجزات الظاهرة ما لا يخفى، وأكثر من أن يحصى» . ثم يستعرض المعجزات إجمالا، فهو إذن يستند إلى المعجزات في كتابة (أولا) معجزة القرآن الكريم، (ثانيا) معجزات الرسول صلى الله عليه وسلّم التي هي دلائل نبوته، فيقول: فمن دلائل نبوته التي استدل بها أهل الكتاب على صحة نبوته ما وجدوا في التوراة والإنجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته وخروجه بأرض العرب، وإن كان كثير منهم حرفوها عن مواضعها. ومن دلائل نبوته ما حدث بين أيام مولده ومبعثه صلى الله عليه وسلم من الأمور الغريبة والأكوان العجيبة القادحة في سلطان أئمة الكفر والموهية لكلمتهم، المؤيدة لسان العرب، المنوهة بذكرهم كأمر الفيل وما أحل الله بحزبه من العقوبة والنكال. ومنها خمود نار فارس وسقوط شرفات إيوان كسرى وغيض ماء بحيرة ساوة
شرط البيهقي في كتابه وخصائص مصنفه:
ورؤيا الموبذان وغير ذلك. ومنها ما سمعوه من الهواتف الصاخرة بنعوته وأوصافه والرموز المتضمنة لبيان شأنه وما وجد من الكهنة والجن في تصديقه وإشارتهم على أوليائهم من الإنس بالإيمان به. ومنها انتكاس الأصنام المعبودة وخرورها لوجوهها من غير دافع لها عن أمكنتها، تومي إلى سَائِرُ مَا رَوَى فِي الأخبار المشهورة من ظهور العجائب في ولادته وأيام حضانته وبعدها إلى أن بعث نبيا وبعد ما بعث. ثم إن له من وراء هذه الآيات المعجزات انشقاق القمر، وحنين الجذع وخروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى توضأ منه ناس كثير وتسبيح الطعام، وإجابة الشجرة إياه حين دعاها، وتكليم الذراع المسمومة إياه، وشهادة الذئب والضب والرضيع والميت له بالرسالة، وازدياد الطعام والماء بدعائه حتى أصاب منه ناس كثير، وما كان من حلبه الشاة التي لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ ونزول اللبن لها، وما كان من أخباره عن الكوائن فوجد تصديقه في زمانه وبعده، وغير ذلك مما قد ذكر ودوّن في الكتب. شرط البيهقي في كتابه وخصائص مصنّفه: يشرح البيهقي شرطه في إخراج الأحاديث والأخبار فيقول في المدخل: «وعادتي في كتبي المصنفة في الأصول والفروع- الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، فلا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الاخبار مغمزا فيما اعتمد عليه اهل السنة من الآثار» . لذا فنرى المصنف يتعرض في مدخل الدلائل الى قبول الاخبار، والحجة
في تثبيت الخبر الواحد، وعقد فصلا فيمن يقبل خبره، ويتكلم عن أنواع الأخبار، والمراسيل، واختلاف الحديث، والناسخ والمنسوخ من الأحاديث، ثم يخلص من ذلك إلى قوله أنه صنّف هذا الكتاب، وأورد فيه ما يشير إلى صحة كل حديث، أما الذي تركه مبهما فهو مقبول في مثل ما أخرجه، أما ما عساه أورده بإسناد ضعيف فقد أشار إلى ضعفه، وجعل الاعتماد على غيره، وذلك كقوله بعد قصة المعراج وقد رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا أَحَادِيثُ بِأَسَانِيدَ ضِعَافٍ وَفِيمَا ثبت غنية» . ويعتمد البيهقي أساسا على الصحيحين، وينقل منهما كثيرا ويشير الى ذلك، ثم ينقل عن سنن أبي داود ولا يشير الى ذلك، وبعض الأحاديث رأيت أنه نقلها من سنن الترمذي وقد خرجتها كلها في الحواشي، كما ينقل من مسند الإمام أحمد، وموطأ مالك، وسنن ابن ماجة، وسنن النسائي الكبرى وسنن الدارمي. ويأخذ عن مستدرك الحاكم، وعن شيخ الحاكم ابن حبان. كما يأخذ عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ولم يصل إلينا منها الا نقول في كتب، كما يأخذ عن مغازي الواقدي، ويكثر من الأخذ من سيرة ابن إسحاق. ويوجد عنده اخبار لم ترد إلا في كتابه، وإسنادها معول عليه كأبيات الشعر «طلع البدر علينا» وبعض الأخبار الأخرى الواردة فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ، وقوم تبع، وحفر زمزم، وغيرها، وعنه نقلها المصنفون بعده. وقد يكرر في كتابه بعض الأخبار أو قد يسردها مختصرة في مكان، ومطولة في مكان آخر من كتابه، كتكراره قصة أصحاب الفيل، وتكراره لحنين الجذع فقد أوردها مرة في المنبر بعد الهجرة، وأعادها في الدلائل، وحديث أم معبد ساقه مرة فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، ومرة في هجرته صلى الله عليه وسلم، وغيرها. هذه الدقة في تمحيص الأخبار، وشرطه أن لا يورد من الأحاديث الا
المصنفات في دلائل النبوة ومنهج المصنف:
الصحيح لأن الاعتماد لا ينبغي إلا على هذا الصحيح، من هنا حظي كتابه بتقدير العلماء، واتفقت كلمتهم على أنه أشمل كتاب في موضوعه من حيث الصحة والدقة والتهذيب والترتيب، فصار مصدرا أصيلا، اعتمده العلماء، وصاروا يكثرون من النقل منه، أو العزو عنه، فمنهم الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» التي شحنها نقلا عن هذا الكتاب، والسيوطي في «الخصائص الكبرى» ، «والدر المنثور» . المصنفات في دلائل النبوة ومنهج المصنف: لقد ألف في دلائل النبوة مؤلفون كثيرون من قبل عصر البيهقي، وبعده، ولعل أول من جمعها في باب واحد هو: 1- البخاري في كتاب المناقب، أفرد بابا كبيرا أسماه: «علامات النبوة في الإسلام» جمع فيه ستين حديثا من دلائل النبوة وعلاماتها، ثم أتبعه بباب بقية أحاديث علامات النبوة في الإسلام، فكان أول من جمع هذه الأحاديث في موضع واحد، وكذا صنع مسلم في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلّم. 2- دلائل النبوة لأبي داود السجستاني المتوفي (275) على ما ذكره الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» . 3- أعلام النبوة لابن قتيبة الدينوري المتوفى (276) . 4- دلائل النبوة لأبي بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا المتوفى (281) . 5- دلائل النبوة للإمام أبي إسحاق إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ المتوفى (285) . 6- دلائل النبوة لأبي إسحاق- إبراهيم بن حماد البغدادي المالكي المتوفي (320) 7- دلائل النبوة لأبي أحمد العسال المتوفى (349) .
8- الإحكام لسياق آيات النبي- عليه السّلام- لأبي الحسن القطان، المتوفى (359) . 9- دلائل النبوة لأبي الشيخ ابن حيان المتوفى (369) . 10- دلائل النبوة لأبي عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَهْ، المتوفى (395) . 11- دلائل النبوة لأبي سعيد الخركوشي المتوفى (407) ، وله ترجمة في شيوخ البيهقي، وستأتي بعد قليل. 12- تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار الهمداني، الشافعي قاضي الري، المتوفى (415) . 13- إثبات نبوة النبي لأحمد بن الحسين الزيدي المتوفى (421) . 14- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى (430) . 15- دلائل النبوة لأبي العباس جعفر بن محمد المعروف بالمستغفري النسفي الحنفي المتوفى (432) جعل فيه الدلائل سبعة أبواب قبل البعثة والمعجزات عشرة أبواب على ما في كشف الظنون. 16- دلائل النبوة لأبي ذر الهروي، المتوفى (434) . 17- أعلام النبوة لأبي الحسن الماوردي، المتوفى (450) . 18- دلائل النبوة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني الطلحي الملقب بقوام السنة المتوفى (535) . 19- دلائل النبوة لأبي بكر محمد بن حسن النقاش الموصلي المتوفى (851) . 20- الحافظ ابن كثير سرد هذه الدلائل كلها في كتابه البداية والنهاية. 21- جمعها السيوطي في «الخصائص الكبرى» . 22- اختصر كتاب البيهقي ابن الملقن (723- 804) في كتاب: «غاية السول في خصائص الرسول» .
حياة البيهقي ومكانته العلمية:
23- اختصره أيضا عالم مجهول في كتاب عنوانه «بغية السائل عما حواه كتاب الدلائل» يوجد الجزء الثاني منه في الظاهرية بدمشق. أما منهج المصنف في الاستدلال على النبوة فهو أن يسرد الأخبار النبوية، وأحوال صاحب الشريعة، ويستنبط منها هذه الدلائل، وواضح هذا في عناوين الأبواب. ثم جاء وأفرد الدلائل كلها مجتمعة في موضع واحد أفردناه في السفر السادس من طبعتنا هذه. وبالإضافة الى أن فيه نصوصا كثيرة لم يسبق نشرها، وأنه نقل من كتب اخرى لم تصل إلينا، فهو خير كتاب صنف في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم، ودلائل نبوته من خلال الأحاديث الصحيحة، والأخبار الوثيقة. حياة البيهقي ومكانته العلمية: هو الإمام الحافظ العلامة، شيخ خراسان، الفقيه الجليل، والأصولي النّحرير الزاهد، القانت الورع، صاحب التصانيف القائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا، «أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسين البيهقي النيسابوري» ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. ولد في خسرو جرد (من قرى بيهق بنيسابور) ، ونشأ في بيهق [ (1) ] ، تعلم
من شيوخه في سنة (399) وكان قد بلغ خمسة عشر عاما. وعلى عادة المحدثين في الرحلة في طلب العلم، فقد مضى البيهقي الى بلاد شتى، رحل الى العراق، والحجاز، وسمع في نوقان، واسفرايين، وطوس، والمهرجان، وأسدآباد، وهمدان، والدامغان، وأصبهان، والري، والطبران، ونيسابور، وروذبار، وبغداد، والكوفة ومكة، وطوّف الآفاق. وكان في كل ذلك يصدر عن نفس خاشعة ورعة، ترقب الله، وتطلب العلم لوجه العلم، راض صابر على بأساء الحياة، لا يشكو قلة ولا عوزا، فإن همته العالية، ونفسه السامية لا ترى فوق العلم مطلبا أنفس منه، وهو سبب القوة الوثيق، ونسبها العريق، وبه تسمو النفس، وهو الحقيقة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلّم مثل العلماء الأعلى، وأقرّها في أنفسهم بجميع أخلاقه وأعماله، وما العالم بفضائله الا امتداد من أثر النبوة تعيش حوله أمته كلها، لا إنسان ضيق مجتمع حول نفسه بمنافع الدنيا، ولن يكون الإسلام صحيحا تاما حتى يجعل حامله من نبيه مثله الكامل، يقهر نفسه، ولا يضطرب، ولا يخشى مخلوقا. هذه الأخلاق السامية العليا التي اقتبسها البيهقي وتمكن منها بنزاهة قصده، وخلوص نيته، ومراقبته لله، وتقلله من أعباء الدنيا، وإيثاره الصيام ثلاثين سنة ليسمو بروحه، صقلت مواهبه، وبكرت بنبوغه، وسددت خطاه. وكان لشيوخه الذين زاد عددهم على مائة شيخ الفضل الكبير خلفا من
شيوخ البيهقي:
بعدهم في تصنيف العلم، وتحرير الكتب التي تشرح اصول الإسلام وقواعد الإيمان. شيوخ البيهقي: 1- الحاكم [ (2) ] الحافظ الكبير أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الضبي الطهماني النيسابوري (321- 405) إمام أهل الحديث في عصره، وصاحب كتاب «المستدرك على الصحيحين» «وعلوم الحديث» ، و «التاريخ» ، «والمدخل الى معرفة الإكليل» ، «ومناقب الشافعي» وغيرها. قال الذهبي: «كان عند البيهقي منه وقر بعير» . قال ابن قاضي شهبة في ترجمته للحاكم في طبقات الشافعية (1: 190) : «أخذ عنه أبو بكر البيهقي، فأكثر عنه، وبكتبه تفقه وتخرج، ومن بحره استمد، وعلى منواله مشى» . 2- أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الحسين العلوي الحسني النيسابوري [ (3) ] ، شيخ الاشراف، كان سيدا نبيلا، صالحا، وقد امتدحه الحاكم، وقال: «شيخ شيوخ الأشراف، ذو الهمة العالية، والعبادة الظاهرة، والسجايا الطاهرة، وكان يعد في مجلسه ألف محبرة، وقد انتقيت عليه ألف حديث» . وقد حدث عنه الحاكم، وأبو بكر البيهقي. وهو أكبر شيخ للبيهقي ومات فجأة في جمادى الآخرة سنة احدى وأربع مائة.
3- أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ [ (4) ] : الحافظ العالم الزاهد، شيخ الصوفية المشهور مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ موسى الأزدي النيسابوري (303- 412) ، وهو مؤلف كتاب «طبقات الصوفية» وشيخ خراسان، وكبير الصوفية، وصاحب التصانيف، ورث التصوف عن أبيه وجده، وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه حتى بلغ فهرس كتبه المائة ذكره الخطيب البغدادي، فقال: «محلّه كبير، وكان مع ذلك صاحب تصانيف مجّودا، جمع شيوخا، وتراجم وأبوابا، وعمل ديورة للصوفية، وصنّف سننا وتفسيرا» . 4- أَبُو سَعْدٍ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الخركوشي النيسابوري [ (5) ] الواعظ: وخركوش: سكة بنيسابور، حدّث عنه الحاكم وهو أكبر منه، والحسن بن محمد الخلال، والبيهقي، وغيرهم. قال الخطيب: «كان ثقة ورعا صالحا» . وقال الحاكم: «إني لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا الى الله وإلى الزهد، زاده الله توفيقا، وأسعدنا بأيامه، وقد سارت مصنفاته. له تفسير كبير، وكتاب «دلائل النبوة» وكتاب «الزهد» . وتوفي في جمادى الأولى سنة سبع وأربعمائة
5- أبو إسحاق الطوسي: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم [ (6) ] ، أحد الأكابر المناظرين، كانت له ثروة زائدة وجاه وافر، تفقه على أبي الوليد النيسابوري، وعلى أبي سهل الصعلوكي، نقل عنه الرافعي، وفاته في رجب سنة احدى عشرة وأربعمائة. 6- عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ [ (7) ] : كان من كبار الصوفية، وثقات المحدثين (315- 409) أكثر عنه البيهقي. 7- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ النيسابوري [ (8) ] : الرئيس الأوحد، الثقة المسند، أبو محمد المزكيّ، حدث عن الأصم، وعن أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ القطان، وهو آخر أصحاب القطان موتا، وحدث عنه البيهقي، وأبو صالح المؤذن، ومحمد بن يحيى المزكي، وآخرون، وكان ثقة، وجيها، نبيلا توفي فجأة في شعبان سنة عشر واربعمائة وكان يملي في داره. 8- عبد الله بن يوسف، أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين: [ (9) ] شيخ الشافعية، الفقيه المدقق المحقق، النحوي المفسر، تصدّر للفتوى سنة سبع وأربعمائة وكان مجتهدا في العبادة، مهيبا بين التلامذة، صاحب جد ووقار وسكينة، وكان يلقب بركن الإسلام.
وله من التآليف: «التبصرة» في الفقه، وكتاب «التذكرة» ، وكتاب «التفسير الكبير» ، وغيرها. وفاته في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. 9- الإمام المحدث، مقرئ العراق، أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حفص بن الحمامي البغدادي [ (10) ] (328- 417) . سمع من أبي سهل القطان، وابن قانع، ومحمد بن جعفر الأدمي، وتلا على النقاش، وهبة الله بن جعفر، وابن أبي هاشم وغيرهم حدث عنه الخطيب، والبيهقي، وعبد الواحد بن فهد، وغيرهم، قال الخطيب: «كان صدوقا ديّنا فاضلا، تفرد بأسانيد القراءات وعلوّها في وقته» . 10- الحافظ أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بْنُ أحمد المسعودي الهذلي النيسابوري الأعرج [ (11) ] العبدوي ابن المحدث أبي الحسن. سمع إسماعيل بن نجيد وأبا بكر الإسماعيلي، وأبا الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ، وأبا أحمد الحاكم، وطبقتهم. وقال الخطيب: «لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين: أبو نعيم، وأبو حازم العبدوي» . وقال أيضا: «كان أبو حازم ثقة صادقا حافظا عارفا» وفاته يوم عيد الفطر سنة سبع عشرة وأربعمائة.
11- أبو طاهر الزيّادي: محمد بن محمد بن محمش [ (12) ] (317- 410) النيسابوري: الفقيه العلامة القدوة شيخ خراسان، كان والده من العابدين. سمع من مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، وعبد اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، وأبي العباس الأصم، وأبي علي الميداني، وعليّ بن حمشاذ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وغيرهم. وكان إماما في المذهب، متبحرا في علم الشروط، بعصيرا في العربية، كبير الشأن، وكان إمام أصحاب الحديث ومسندهم ومفتيهم. روى عنه أبو بكر البيهقي، وعبد الجبار بن عبد الله بن برزة، والقاسم بن الفضل الثقفي، وقد روى عنه من أقرانه الحاكم. 12- الإمام الشريف أبو الفتح ناصر بن الحسين العمري: [ (13) ] الفقيه، شيخ الشافعية، ينتهي نسبه إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر بن الخطاب. سمع أبا العباس السرخسي، وأبا محمد المخلدي، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابن عبد الوهاب الرازي، وتفقّه على أبي بكر القفّال، وابن محمش الزيّادي. وبرع في المذهب، ودرّس في أيام مشايخه، وتفقّه به اهل نيسابور، وكان مدار الفتوى والمناظرة عليه. أخذ عنه ابو بكر البيهقي، ومسعود بن ناصر السّجزي، وأبو صالح المؤذن، وآخرون.
وكان خيّرا متواضعا فقيرا، متعففا قانعا باليسير، كبير القدر ومات بنيسابور في ذي القعدة سنة اربع وأربعين وأربعمائة. 13- العلامة أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ بن أيوب النيسابوري [ (14) ] : المفسر الواعظ صاحب كتاب «عقلاء المجانين» ، وصنّف في التفسير والأدب سمع أبا العباس الأصم، ومحمد بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، وابن حبان وغيرهم وتوفي فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ستّ وأربعمائة. 14- أَبُو عُمَرَ، مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بن أحمد البسطامي: [ (15) ] الفقيه، الأديب، المحدث، كان يقرئ العربية، وثقفه على أبي سعيد الصعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، وفاته في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة. 15- هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر الحفّار [ (16) ] : أبو الفتح، الشيخ الصدوق (322- 414) سمع من إسماعيل الصفّار، وعثمان بن أحمد الدقاق، وإسماعيل ابن علي الخزاعي، وغيرهم وحدث عنه الخطيب، والبيهقي، وأبو نصر السّجزي، وخلق سواهم قال الخطيب: «كان صدوقا، مات في صفر سنة اربع عشرة واربعمائة» . 16- أَبُو الْحَسَنِ، عَلِيُّ بْنُ الحسن المصري: [ (17) ] القاضي، الفقيه، الشافعي: سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس، وأبا سعد الماليني، وانتهى إليه
علو الإسناد بمصر، وله تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوما، واستعفى، وانزوى. 17- أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الجبار البغدادي السكري [ (18) ] : الشيخ المعمر الثقة، سمع من إسماعيل الصفّار عدة أجزاء انفرد بعلوّ إسنادها، وسمع من جعفر الخلدي، وأبي بكر النّجاد، وجماعة. روى عنه الخطيب، والبيهقي، والحسين بن علي البسري قال الخطيب: «كتبنا عنه، وكان صدوقا» . وفاته في صفر سنة سبع عشرة وأربعمائة. 18- أحمد بن أبي علي الحسن بن الحافظ أبي عمرو أحمد بن محمد ابن حفص بن مسلم الحرشي الحيريّ النيسابوري الشافعي [ (19) ] : الإمام المحدث العالم، مسند خراسان، قاضي القضاة (325- 417) . حدّث عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، وأبي أحمد بن عدي، وحاجب بن أحمد الطوسي، وأبي محمد الفاكهي، وغيرهم. وتفقه على أبي الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدِ، ودرس الكلام والأصول على أصحاب أبي الحسن الأشتري، وكان فقيها، بصيرا بالمذهب. حدث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وأبو محمد الجويني، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو بكر الخطيب، والحسن بن محمد الصفّار، وغيرهم. أثنى عليه الحاكم، وفخمّ أمره، وصنّف في الأصول والحديث.
19- أبو الحسن: علي محمد الواعظ المصري [ (20) ]-: هو بغدادي، أقام بمصر مدة، روى عن أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ ناصح، وأبي يزيد القراطيسي، وطبقتهما، وكان صاحب حديث، وله مصنفات كثيرة في علم الحديث والزهد، وكان مقدم زمانه في الوعظ. وفاته في ذي القعدة سنة (438) . 20- أَبُو عَلِيٍّ، الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بن علي بن حاتم الرّوذباري الطّوسيّ: [ (21) ] راوي سنن أبي داود، عن ابن داسة، حدث بها بنيسابور، وسمع إسماعيل الصفّار، وعبد الله بن عمر بن شوذب، والحسين بن الحسن الطوسي وحدث عنه الحاكم وهو في أقرانه، وأبو بكر البيهقي، وأبو الفتح: نصر بن علي الطوسي، وفاطمة بنت أبي علي الدقاق، وعدد كثير نيّف على الثمانين. وفاته فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثلاث واربعمائة. 21- أبو إسحاق الإسفراييني: [ (22) ] الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مهران الاسفراييني الأصولي الشافعي، ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة. ارتحل في الحديث، وسمع من دعلج السّجزي، وعبد الخالق بن روبا، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، ومحمد بن يزداد، وغيرهم، حدث عنه ابو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو الطيب،
الطبري، وغيرهم. قال الحكم: «أبو إسحاق الأصولي الفقيه المتكلم المتقدم في هذه العلوم، انصرف من العراق، وقد أقرّ له العلماء بالتقدم، وبني له بنيسابور المدرسة التي لم يبن بنيسابور مثلها قبلها، فدرّس فيها. وفاته في سنة ثماني عشرة وأربعمائة. 22- أبو ذر الهروي: [ (23) ] الحافظ الإمام المجوّد العلامة، شيخ الحرم، أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بن عبد الله الأنصاري المالكي، صاحب التصانيف، وراوي الصحيح عن الثلاثة: «المستملي والحموي، والكشمهيني» . ولد سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة. وسمع أبا الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ، وبشر بن محمد المزني، وأبا الحسن الدارقطني، والدينوري، وغيرهم وألف معجما لشيوخه، وحدّث بخراسان، وبغداد، والحرم. كان ثقة، ضابطا، ديّنا، توفي في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. 23- ابن فورك شيخ المتكلمين: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ الأصبهاني [ (24) ] : هو الإمام الجليل: والحبر المهيب، العالم التقي الورع، الواعظ اللغوي
النحوي، رافض الدنيا وزخرفها، المقبل على الله سيرا وعلانية، صاحب التصانيف المشحونة علما، والمؤلفات الضافية حكمة، الأستاذ الذي لا يبارى، والفيلسوف الذي لا يجارى: محمد بن الحسن ابن فورك أبو بكر، الأنصاري الاصبهاني، ولد حوالي سنة 332 هـ. درس بالعراق- أول الأمر- مذهب الاشعرية على أبي الحسن الباهلي، ثم رحل الى نيسابور، فحقق مجدا وشهرة، وبنى له بها دارا ومدرسة، فحدث بها، وأحيا به الله تعالى أنواعا من العلوم، وظهرت بركته على أهل الفقه. سمع ابن فورك مِنْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ جعفر الاصبهاني جميع مسند الطيالسي، وسمع من ابن خرزاذ الأهوازي، وروى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو بكر بن علي بن خلف. ثم دعى الى مدينة غزنة بالهند، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، وذهب إليها، وناصر الحق، واستفاد الناس منه. وكان- رحمه الله- فقيها، مفسرا، أصوليا، واعظا، أديبا نحويا، لغويا، عارفا بالرجال. توفي عام: 406، وقد ذكر أنه مات مسموما على يد ابن سبكتكين، ذلك أنه كان قائما في نصرة الدين، وقد رد على المشبهة الكرامية، بسهام لا قبل لهم بها، فتحزبوا عليه. 24- أبو بكر الطوسي: محمد بن أبي بكر الطوسي النوقاني: [ (25) ] تفقه بنيسابور على الماسرجي، وببغداد على أبي محمد البافي الخوارزمي وكان إمام اصحاب الشافعي بنيسابور له الدرس والأصحاب ومجلس النظر وكان ورعا
زاهدا، ترك طلب الجاه والدخول على السلاطين، وقبول الولايات، وكان حسن الخلق، تفقه به خلق كثير وظهرت بركته عليهم منهم أبو القاسم القشيري، وتوفى بنوقان سنة عشرين وأربعمائة. 25- أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ المعدّل [ (26) ] : (328- 415) سمع من أبي جعفر البختري، وإسماعيل الصفّار، وعثمان بن السّماك، وغيرهم. حدث عنه البيهقي، والخطيب، والرئيس أبو عبد الله الثقفي، وغيرهم قال الخطيب: «كان تام المروءة، ظاهر الدّيانة، صدوقا ثبتا» . 26- أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَافِظُ: [ (27) ] قَالَ الذهبي: «هو مصنف السنن الذي يكثر البيهقي من التخريج منه في سننه، وقال الخطيب: «روى عنه الدارقطني، وكان ثقة، ثبتا، صنّف المسند وجوّده» . 27- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ: [ (28) ] الشيخ المحدث الصدوق، الثقة، المشهور توفي بخراسان (415) . 28- أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ: [ (29) ] الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد بن حليم البخاري الشافعي القاضي العلامة، رئيس المحدثين والمتكلمين بما وراء النهر، أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب.
أخذ عن القفّال، والإمام أبي بكر الأودني، وأبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن خنب، والدّخميسي، وغيرهم. وله مصنفات نفيسة. حدث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وعبد الرحيم البخاري، وللحفاظ البيهقي اعتناء بكلام الحليمي، لا سيما في «شعب الإيمان» . وتوفي سنة ثلاث وأربعمائة. 29- أبو سعد الماليني [ (30) ] : الإمام المحدث الصادق، الزاهد، الجوّال أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الهروي الماليني، الصوفي، الملقب بطاووس الفقراء. جال في طلب العلم ولقاء المشايخ إلى نيسابور، وأصبهان، وبغداد، والشام، والحرمين، وجمع، وصنّف. وحدث عنه الخطيب، والبيهقي، وأبو نصر السجزي، وغيرهم. كان ذا صدق وورع، وإتقان، حصّل المسانيد الكبار. وتوفي سنة تسع وأربعمائة. 30- أبو سعيد الصيرفي: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الفضل [ (31) ] المتوفي (421) شيخ، ثقة، مأمون، وهو من كبار تلاميذ الأصم، وقد روى عنه البيهقي كتب الشافعي. 31- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ [ (32) ] صاحب المدرسة:
كان إماما محدثا قانتا، وأنشأ مدرسة في نيسابور. 32- أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بن فضل بْنِ نَظِيفٍ الْفَرَّاءُ الْمِصْرِيُّ [ (33) ] المتوفي (431) وهو مسند الديار المصرية، سمع منه بمكة. 33- أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الصعلوكي النيسابوري [ (34) ] : سمع من الأصم، وأبي علي الرفاء، وطائفة، وقال الحاكم: هو من أنظر من رأينا، وحدث عنه الحاكم، وهو أكبر منه، والبيهقي، وكان بعض العلماء يعده المجدد لهذه الأمة دينها على رأس الأربعمائة، وبعدهم عدّ ابن الباقلاني. 34- أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن غالب الخوارزمي البرقاني [ (35) ] : الإمام العلامة الفقيه، الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، قال الخطيب: كان ثقة ورعا ثبتا فهما لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، صنف مسندا ضمّنه ما اشتمل عليه «صحيح» البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر ... وغيرهم، ولم يقطع التصنيف حتى مات، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمة إليه» . وقال الخطيب: «أنا ما رأيت شيخا أثبت منه» . ولادته سنة (336) ، وفاته (425) . 35- أبو منصور البغدادي: عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ بن محمد التميمي [ (36) ] :
العلامة البارع، المتفنن الأستاذ، صاحب التصانيف البديعة، وأحد أعلام الشافعية. حدث عنه أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وخلق وكان من أئمة الأصول. 36- أبو عبد الله الغضائري: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد المخزومي البغدادي [ (37) ] : الإمام الصالح، الثقة، أبو عبد الله، سمع محمد بن يحيى الصولي، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وأبا جعفر البختري، وغيرهم. وحدث عنه أبو بكر البيهقي، وأبو بكر الخطيب، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وآخرون. قال الخطيب: «كان ثقة فاضلا، مات في المحرم سنة أربع عشرة وأربعمائة» . 37- أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بن محمد بن فنجويه [ (38) ] : الدينوري، المحدث المفيد، بقية المشايخ، حدث عن هارون العطار، وأبي بكر بن السني وأبي بكر القطيعي. قال شيرويه في تاريخه: كان ثقة صدوقا، كثير الرواية للمناكير، حسن الخط، كثير التصانيف. مات بنيسابور في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وأربعمائة. 38- ابن البقال: عبيد الله بن عمر بن علي المقري [ (39) ] المتوفى ببغداد
سنة (415) ، كان من الفقهاء الثقات، روى عنه الخطيب البغدادي. 39- محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الزرهاجي (341- 426) [ (40) ] : العلامة المحدث، الأديب، الفقيه، الشافعي، تلميذ أبي سهل الصعلوكي، وسمع أبا بكر الإسماعيلي، وأبا أحمد بن عدي، وأبا أحمد الحاكم. حدّث عنه أبو بكر البيهقي، والرئيس الثقفي، وعلي بن محمد الفقاعي وغيرهم. 40- الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبِسْطَامِيُّ [ (41) ] : شيخ الشافعية، قاضي نيسابور، له رحلة واسعة، وفضائل، وولي القضاء، وروى عنه: الحاكم، والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم. 41- أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم بن منجويه اليزدي الأصبهاني [ (42) ] : من الحفاظ الأثبات، ارتحل الى بخارى، وسمرقند، وهراة، وجرجان، وحدث عنه أبو بكر البيهقي، والخطيب، وسعيد البقال، وغيرهم. صنف على الصحيحين مستخرجا، وعلى جامع أبي عيسى، وسنن أبي داود، وفاته (428) . 42- أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ القطان البغدادي [ (43) ] : (334- 415) الشيخ العالم الثقة، مجمع على ثقته، حدّث
تلاميذ البيهقي:
عنه البيهقي والخطيب، واللالكائي، وأبو عبد الله الثقفي ... وغيرهم. تلاميذ البيهقي: قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (3: 1133- 1134) : «روى عنه خلق كثير» وقرأ كتبه على تلاميذه الكثيرين الذين نشروها في الأمصار، أما أشهر تلاميذه الذين نقلوا عنه العلم، وكثرت ملازمتهم له، وكان لهم به صلة وثيقة، منهم: 1- أبو عبد الله الفراوي: محمد بن الفضل [ (44) ] : (441- 530) تفرد برواية صحيح مسلم، وكان يعرف بفقيه الحرم، لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة ينشر العلم ويسمع الحديث وكان بارعا في الفقه والأصول، حافظا لقواعده، كما تفرد برواية «دلائل النبوة» والأسماء والصفات. قال ابن السمعاني: هو إمام ثبت، مناظر، واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، جواد، مكرم للغرباء، ما رأيت في شيوخنا مثله. 2- أبو محمد: عبد الجبار بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ البيهقي الخواري [ (45) ] : وكان إماما فاضلا مفتيا متواضعا، كتب عنه السمعاني الكثير بنيسابور، وقرأ عليه الكتب وفاته (533) . 3- أبو نصر علي بن مسعود بن محمد الشجاعي: وقد روى عن البيهقي رسالته إلى أبي محمد الجويني [ (46) ] .
4- زاهر بن طاهر بن محمد [ (47) ] : أبو القاسم المستملي الشحامي المعدل، روى عنه كتاب الزهد، ورواه ابن عساكر عن المستملي. 5- أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ أبي مسعود الصاعدي [ (48) ] : روى عنه ابن عساكر كما في تبيين كذب المفتري. 6- أبو المعالي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ محمد بن الحسين الفارسي النيسابوري [ (49) ] : راوي السنن الكبير عن البيهقي، وفاته (539) . 7- القاضي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بن علي بن فطيمة البيهقي قاضي خسروجرد [ (50) ] : المتوفي بها. 8- إسماعيل بن أحمد البيهقي [ (51) ] ابن المصنف (428- 507) سمع من أبيه، ورحل في طلب العلم، وتوفي «ببيهق» وكان فاضلا مرضي الطريقة. 9- حفيد البيهقي: أبو الحسن، عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد [ (52) ] ، وهو راوي كتاب «دلائل النبوة، ومعرفة أحوال صاحب الشريعة» ، كما روى عن جده عدة كتب، وكانت وفاته سنة (523) وله أربع وسبعون سنة. 10- الحافظ أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ عبد الوهاب بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بن مندة العبدي الأصبهاني المتوفي (511) ، وهو صاحب التاريخ، سمع من البيهقي في نيسابور، وقال السمعاني: «كان جليل القدر، وافر الفضل، واسع
مصنفاته:
الرواية، حافظ، ثقة، مكثر، صدوق، كثير التصانيف» . مصنفاته: 1- السنن الكبرى الذي قال عنه الذهبي: «ليس لأحد مثله» . 2- السنن الصغرى، قال صاحب كشف الظنون: «السنن الكبيرة، والصغيرة كتابان لأبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي البيهقي، وهما على ترتيب «مختصر المزني» لم يصنف مثلهما في الإسلام. 3- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة وهو درة تصانيف البيهقي، ومن أنفس وأشمل ما صنف في هذا الموضوع. 4- أحكام القرآن: جمعه من كلام الشافعي. 5- كتاب الاعتقاد. 6- كتاب «القراءة خلف الإمام» . 6- حياة الأنبياء في قبورهم. 7- مناقب الشافعي. 8- كتاب الزهد الكبير. 9- المدخل إلى السنن. 10- البعث والنشور. 11- كتاب «القدر» . 12- كتاب «الآداب» . 13- كتاب «الترغيب والترهيب» . 14- كتاب «فضائل الصحابة» . 15- كتاب «الأربعين الكبرى» . 16- كتاب «مناقب الإمام أحمد» .
17- كتاب «شعب الإيمان» ، أو المصنف الجامع في شعب الإيمان. 18- كتاب «الدعوات الكبير» . 19- كتاب «الدعوات الصغير» . 20- رسالة في حديث الجويباري. 21- رسالة أبي محمد الجويني. 22- جامع أبواب قراءة القرآن. 23- كتاب الأسرى. 24- كتاب الانتقاد عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الشافعي. 25- ينابيع الأصول. 26- كتاب «أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ» ذكره عند ما أتى على خبر من أخبار مسيلمة، في السفر الخامس من دلائل النبوة، وقال: «سنأتي عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وهو جزء قتل مسيلمة» . ولا نتعجب من كثرة تصانيف البيهقي الكثيرة، فالرجل عاش أربعا وسبعين سنة، وكان أول سماعه للعلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وارتحل الى بلاد كثيرة، وسمع من شيوخها، حتى أربى عدد شيوخه عن المائة، وأفنى عمره في التصنيف والتأليف، وألف مؤلفات لم يسبق إليها وكان أول تصنيفه في سنة ست وأربعمائة [ (53) ] . وكانت مصنفاته تتسم بسعتها وشمولها، وصحة ما جاء فيها لعدم اعتماده على الروايات المرجوحة والضعيفة مما جعلها تنتشر في الآفاق، ويقبل عليها طلاب الحديث.
قال السبكي في طبقات الشافعية (4: 9) عن مصنفاته: * أما «السنن الكبير» فما صنف في علم الحديث مثله، تهذيبا وترتيبا وجودة. * وأما معرفة السنن والآثار» فلا يستغني عنه فقيه شافعي وسمعت الشيخ الإمام- رحمه الله- يقول: «مراده معرفة الشافعي بالسنن والآثار» . * وأما المبسوط في نصوص الشافعي، فما صنّف في نوعه مثله. * وأما كتاب «الأسماء والصفات» فلا أعرف له نظيرا. * وأما كتاب «الاعتقاد وكتاب «دلائل النبوة» ، وكتاب «شعب الإيمان» وكتاب «مناقب الشافعي» وكتاب «الدعوات الكبير» فأقسم ما لواحد منها نظير. * وأما كتاب «الخلافيات» فلم يسبق الى نوعه، ولم يصنّف مثله وهو طريقة مستقلة حديثية، لا يقدر عليها الا مبرّز في الفقه والحديث، قيّم بالنصوص. * وله أيضا كتاب «مناقب الإمام أحمد» ، وكتاب «أحكام القرآن للشافعي» وكتاب «الدعوات الصغير» وكتاب «البعث والنشور» ، وكتاب «الزهد الكبير» وكتاب «الاعتقاد» وكتاب «الآداب» ، وكتاب «الأسرى» وكتاب «السنن الصغير» ، وكتاب «الأربعين» ، وكتاب «فضائل الأوقات» ، وغير ذلك. وكلها مصنفات نظاف مليحة الترتيب والتهذيب، كثيرة الفائدة، يشهد من يراها من العارفين بأنها لم تتهيأ لأحد من السابقين. وهذا التصنيف الجيد الباهر، الكثير الفائدة هو الذي دعا إمام الحرمين لأن يقول: «ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منّة، إلا البيهقي فإنّ له على الشافعي منّة، لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله» .
شهادة العلماء بفضله وعلمه:
وقال ابنه شيخ القضاة «أبو علي» : «حدثني والدي، قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب، يعني- معرفة السنن والآثار- وفرغت من تهذيب أجزاء منه. سمعت الفقيه أبا محمد: أحمد بن علي، يقول: وهو من صالحي أصحابي، وأكثرهم تلاوة، وأصدقهم لهجة، يقول: «رأيت الشافعي في المنام وفي يده أجزاء من هذا الكتاب، وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء، أو قال: قرأتها» . قال: «وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني يعرف بعمر بن محمد في منامه الشافعيّ قاعدا على سرير في مسجد الجامع بخسروجرد، وهو يقول: «استفدت اليوم من كتاب الفقيه أحمد كذا وكذا» . قال شيخ القضاة: «وحدثنا والدي، قال: سمعت الفقيه أبا محمد الحسين بن أحمد السّمرقندي الحافظ، يقول: «سمعت الفقيه أبا بكر محمد ابن عبد العزيز المروزي الجنوجردي، يقول: «رأيت كأنّ تابوتا علا في السماء يعلوه نور، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟، فَقِيلَ: تصانيف البيهقي» شهادة العلماء بفضله وعلمه: قال ياقوت الحموي: «هو الإمام الحافظ الفقيه في أصول الدين الورع، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان مع الدين المتين، من أجلّ أصحاب ابن عبد الله الحاكم، والمكثرين عنه، ثم فاقه في فنون من العلم وتفرد بها» . وقال ابن ناصر: «كان واحد زمانه، وفرد أقرانه حفظا وإتقانا وثقة، وهو شيخ خراسان [ (54) ] . وقال ابن الجوزي: «كان واحد زمانه في الحفظ والإتقان، وحسن
التصنيف، وجمع علوم الحديث والفقه والأصول، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله، ومنه تخرج، وسافر، وجمع الكثير، وله التصانيف الكثيرة الحسنة» [ (55) ] . قال الذهبي: لو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومه ومعرفته بالاختلاف» [ (56) ] . وقال ابن خلكان: «الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور واحد زمانه، وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله البيع في الحديث، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم» [ (57) ] . وقال السمعاني: «كان إماما فقيها، حافظا، جمع بين معرفة الحديث وفقهه» [ (58) ] . قال ابن الأثير: «كان إماما في الحديث، وتفقه على مذهب الشافعي» [ (59) ] . قال عبد الفاخر في «ذيل تاريخ نيسابور» [ (60) ] «أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي الدّين الورع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم ويزيد عليه بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه، وتفقه وبرع، وأخذ في الأصول، وارتحل إلى العراق، والجبال، والحجاز، ثم صنف، وتآليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه
ورعه وزهده:
أحد، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمة الانتقال من الناحية الى نيسابور لسماع الكتب، فأتى في سنة إحدى وأربعين، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة، وحضره الأئمة، وكان على سيرة العلماء قانعا باليسير» . وقال السبكي في ترجمته: كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة المؤمنين، والدّعاة، إلى حبل الله المتين، فقيه جليل، حافظ كبير، أصولي نحرير، زاهد ورع، قانت الله، قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا، جبل من جبال العلم» [ (61) ] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «البيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي» [ (62) ] . وقال الملا على القاري: «هو الإمام الجليل، الحافظ الفقيه، الأصولي الزاهد، الورع، وهو أكبر أصحاب الحاكم أبي عبد الله» [ (63) ] . ورعه وزهده: كان الإمام من العلماء العاملين، الذين يقتدون بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، ويسيرون على نهجه، وعلى سيرة الصحابة، وقد تأسى البيهقي بزهد النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة، فسار على منوالهم، فكان زاهدا متقللا من الدنيا، كثير العبادة والورع، ومراقبة الله في كل صغيرة وكبيرة. قال عبد الغافر: «كان على سيرة العلماء، قانعا من الدنيا باليسير،
أشعاره:
متجملا في زهده وورعه» [ (64) ] . وقال الذهبي: «سرد الصوم ثلاثين سنة» [ (65) ] . وقال ابن خلكان: «كان زاهدا متقللا من الدنيا بالقليل، كثير العبادة والورع، على طريقة السلف» [ (66) ] . وقال ابن عساكر: «كان رحمه الله على سيرة العلماء، قانعا من الدنيا باليسير، متجملا في زهده وورعه، وبقي كذلك إلى ان توفي رحمه الله بنيسابور» [ (67) ] . وقال ابن كثير: «كان زاهدا، متقللا من الدنيا، كثير العبادة والورع» [ (68) ] . وقال ابن الأثير: «كان عفيفا زاهدا» [ (69) ] . وقال القاري: «كان له غاية الإنصاف في المناظرة والمباحثة، وكان على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير، متجملا في زهده وورعه، صائم الدهر، قيل: «ثلاثين سنة» [ (70) ] . أشعاره: قال الشيخ عبد العزيز الدهلوي: «كان أحيانا يقرض الأشعار وينظمها ومنها:
وفاته:
من اعتزّ بالمولى فذاك جليل ... ومن رام عزا من سواه ذليل ولو أن نفسي مذ برأها مليكها ... مضى عمرها في سجدة لقليل أحب مناجاة الحبيب بأوجه ... لكن لسان المذنبين كليل [ (71) ] وفاته: قال ابن خلكان: «طلب إلى نيسابور لنشر العلم، فأجاب وانتقل إليها» [ (72) ] . وقال ياقوت الحموي: «استدعي إلى نيسابور لسماع «كتاب المعرفة» مفاد إليها في سنة (441) ، ثم عاد إلى ناحيته، فأقام بها الى ان مات فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سنة (458) » [ (73) ] . وقال الذهبي: توفي في عاشر جمادى الأولى في نيسابور، ونقل تابوته إلى بيهق، وعاش أربعا وسبعين سنة» [ (74) ] . وقال الذهبي أيضا: «حضر في أواخر عمره من بيهق إلى نيسابور، وحدث بكتبه، ثم حضره الأجل في عاشر جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثمان وخمسين وأربعمائة، فنقل في تابوت، فدفن ببيهق» [ (75) ] . رثاؤه: قال أبو القاسم الزرهي البيهقي في الإمام أحمد من قصيدة مطلعها
يا أحمد بن الحسين البيهقي لقد ... دوخت أرض المساعي أي تدويخ [ (76) ] والعقب منه شيخ القضاة إسماعيل، وتقدمت ترجمته في تلاميذ البيهقي، وكان قاضي خوارزم [ (77) ] .
وصف النسخ المعتمدة في نشر الدلائل
وصف النسخ المعتمدة في نشر الدلائل 1- النسخة الأم الأولى: (ح) وهي نسخة المكتبة العثمانية بحلب، والمكتبة الأحمدية بحلب وتتكون من قسمين: القسم الأول ويبلغ ثمان وثلاثين ومائة (138) لوحة وهي النسخة العثمانية، وتشمل المقدمة، والمدخل، وأبواب ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسمائه، وكنيته.... إلى غزوة بدر العظمى، وتقف في منتصف بَابُ مَا ظَهَرَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ من دلائل النبوة بنزول الملائكة وغيرها، وهي بخط: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عثمان بن سابق بن إسماعيل الدميري المالكي، وله ترجمة في الضوء اللامع (9: 125) وكان حيا (895) أما القسم الثاني فيشتمل على جزأين: 1- الجزء الاول وبدايته من بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ خُبَيْبًا، وَانقِلَابِ الْخَشَبِ فِي يَدِ مَنْ أَعْطَاهُ سيفا وينتهي هذا الجزء في بَابُ مَا جَاءَ فِي عمرة القضية، وعدد لوحات هذا الجزء (302) لوحة، وعند اللوحة مائتان وخمس وستون (265) يتغير شكل الخط، فتبدو النسخة بخط آخر أجمل من سابقه، وتستمر هكذا الى نهاية الجزء الثاني. 2- الجزء الثاني: ويتكون من (265) لوحة وتبدأ بباب ما يستدل عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ هَذِهِ العمرة بالقضاء والقضية، إلى نهاية الكتاب وقد جاء في نهاية هذا المجلد:
2 - النسخة الأم الثانية (أ)
«كمل الخبر المبارك وبتمامه نجز كتاب دلائل النبوة للإمام العالم العلامة البحر الفهامة، الحافظ المدقق الزاهد: أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي سقى الله ثراه من سحائب الرحمة والرضوان، رواية ولد ولده الشيخ السديد: أبي الحسن، عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي رحمه الله ورضي عنه، على يد الحقير المفتقر أحمد بن حسن شهاب الدين الخطيب المنياوي المالكي عفى عنه آمين، والحمد لله وحده. ومرقوم عليه في أوله: «وقف المدرسة الأحمدية. وهذه النسخة الأم تتميز بأنها أكمل النسخ، فقد اعتبرتها نسخة واحدة ورمزت لها بالحرف (ح) ، وعلى هذا النسخة ثم توثيق أبواب الكتاب بالنسبة للتقديم والتأخير، ولا تخلو هذه النسخة من سقط في بعض جملها وتعابيرها، فعبارات كثيرة سقطت منها. أشرب إلى ذلك في موضعه أثناء عملية المقابلة مع النسخ الأخرى، ولكنها بكمال جميع موضوعاتها تبقى النسخة الأم الأولى من ناحية الترتيب والتنسيق، والأجزاء الأولى. 2- النسخة الأم الثانية (أ) هذه النسخة من النسخ الجيدة، وقد جزّأ ناسخها الكتاب كله الى تسعة أجزاء، والموجود منها من الرابع إلى التاسع فقط وبه ينتهي الكتاب، وبها إجازة رواية من الإمام الحافظ «محمد بن عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، وقرئت النسخة أيضا على الشيخ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي القاسم الميدومي، قرأها عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الحكم السعدي الشافعي، وصحح ذلك وكتب: محمد ابن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي. وعلى سبيل المثال فقد جاء في طرة السفر السابع ما يلي: السفر السابع من كتاب «دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة» أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ رب العزة، والمصطفى من جميع البرية صَلَّى اللهِ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ وأصحابه الطاهرين، وسلم تسليما. تأليف الشيخ الإمام الزاهد أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي- رحمه الله ورضي عنه- رواية ولد ولده الشيخ السديد: أبي الحسن عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي، رواية الشيخ الإمام الحافظ أبي محمد المبارك بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ البغدادي المعروف بابن الطباخ- رحمه الله- رواية الإمام الحافظ أبي نزار بن الحسين اليماني عنه إجازة، رواية الإمام الحافظ زين الدين أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري عنه، رواية محمد بن محمد بن أبي القاسم الميدومي رواية العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن عبد الحكم السعدي الشافعي عفا الله عنه ولطف به عنه. وفي آخر هذا السفر جاء ما يلي: قرأت جميع هذا السفر السابع مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ على الشيخ الحافظ الفقيه الإمام المحدث المقرئ النحو شرف الدين أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٍ بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي أمتع الله المسلمين ببقائه، بسنده المقدم في أول الكتاب، وأذن لي- رضي الله عنه- أن أرويه عنه وأن أروي عنه جميع ما يجوز له روايته بشرطه، وصحّ ذلك وثبت في مجالس آخرها يوم الأحد العاشر مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أربع وستين وستمائة. كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن عبد الحكم السعدي الشافعي- عفا الله عنه ولطف به- والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا. صحح ذلك، وكتب: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي القاسم الميدومي لطف الله به، وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين برحمته. وعلى هذه الصفحة الأخيرة قراءات للكتاب، وتملكات، واختام. وهذه النسخة التي رمزت لها بالحرف (أ) هي أقدم النسخ الواضحة كتابتها، وكتبت بخط نسخ كبير واضح، ولا يزيد السطر عن ست كلمات فقط،
نسخة كوبريللي: ورمزها (ك) :
وفي كل صفحة (21) سطرا، وقد ميزت أبواب الكتاب بخط نسخ أكبر متميز ويبلغ تعداد لوحاتها في كل الأجزاء من الرابع إلى التاسع وهو الأخير (1136) لوحة ولا يعلم أين الأجزاء الأولى منها، أما بدايتها في الجزء الرابع: «بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ دُعَائِهِ خُبَيْبًا وَانقِلَابِ الْخَشَبِ فِي يَدِ مَنْ أَعْطَاهُ سَيْفًا» . وقد نسخت منها من هذا البداية حتى نهاية الكتاب، واعتمدته أصلا، وبينت بدايات ونهايات أجزاء هذا الكتاب في مواطنها في حواشي الكتاب أثناء قيد التعليقات. وتاريخ نهاية نسخ هذه النسخة (666) هجرية، فهي اقدم من النسخة (ح) نسخة الأحمدية بحلب، وعليها إسناد رواية الكتاب، خاصة منها رواية الإمام المنذري المتوفي (656) . وشيء آخر رأيت التنبيه إليه وهو التآكل الواضح بهذه النسخة خاصة في اللوحات الأولى والأخيرة من كل جزء منها، هذا استكملته من النسخ الأخرى. نسخة كوبريللي: ورمزها (ك) : تاريخ كتابة هذه النسخة سنة (471) فهي أقدم النسخ طرّا. وتقع هذه النسخة في (337) لوحة، وتبدأ بوفود هوازن إلى نهاية الكتاب، وكتبت بخط نسخ مستعجل، غير واضح المعالم في بعض الأحيان، وعدد أسطر كل صفحة (21) سطرا، ومتوسط عدد كلمات كل سطر (12) كلمة، وقد ميزت أبواب الكتاب بمداد أسود قاتم، وخط مبسوط، وفي بعض لوحاتها حواشي، هذه الحواشي إما عبارات ناقصة من المتن، ومستدركة على الهامش، أو سماعات وإجازات للكتاب، أو شرح لبعض الكلمات الغامضة. وجاء في نهاية الكتاب ما يلي: تم الكتاب بحمد الله والصلاة على رسوله محمد
سماعات النسخة (ك) :
المصطفى وآله أجمعين، وفرغ من كتابته: الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن أحمد الأنصاري في التاسع من جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه غفور رحيم» . سماعات النسخة (ك) : «سمع الكتاب مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ من مصنفه وهو الشيخ الإمام الحافظ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ- رضي الله عنه- بقراءة الفقيه المظفر بن منصور الرازي أبو الحسين جامع بن الحسن الفارسي، ومسعود بن أبي العباس المهراني، وعلي بن أبي نصر التستري، ومحمد بن أبي الفوارس الجيلي، وصاحب النسخة «أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ علي الدباغ» ، وصح سماعهم منه في «جمادى الأولى» سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، ونقل السماع إلى هذه النسخة في رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة» . «عارضت به نسخة الشيخ أبي الحسن المرادي من نسخة الوقف بالنظامية بنيسابور، وعارض بها نسخة الشيخ أبي سعد بن السمعاني وهما النسختان اللتان قرأنا منهما على الشيخ أبي عبد الله القزويني بقراءة الشيخ أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن الخضر القرشي على (مجالس) آخرها الخامس من جمادى الأولى سنة () وأربعين وخمسمائة، كتب عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هبة الله الشافعي، ولله الحمد. سمع هذا المجلد مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ من لفظ الشيخ الأجل الإمام الحافظ الثقة العالم سعد الدين جمال () شمس الحفاظ أبي القاسم علي بن هبة الله أيده الله، قراءة الشيخ أبو محمد القاسم، والشيخ الفقيه الإمام أبو الحزم علي بن الحسن العراقي، وأبو النضر....... ... وذلك في مدة آخرها التاسع والعشرين من شهر رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ
نسخة دار الكتب المصرية (212) حديث المرموز لها بالحرف (ص)
وثمانين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق. ثم يليها سماعات بعد ذلك استغرقت لوحتين بخط دقيق باهت وتواريخ لاحقة. هذا وقد قابلت ما جاء في هذه النسخة على النسخة (أ) وبينت الاختلافات وحتى نهاية الكتاب كما هو واضح في الحواشي من أول وفود هوازن إلى نهاية الكتاب. نسخة دار الكتب المصرية (212) حديث المرموز لها بالحرف (ص) تقع هذه النسخة في مجلد واحد يشتمل على (471) لوحة وجاء في اللوحة الأولى منه: «المجلد الأول من دلائل النبوة للبيهقي» من كتب الحديث. قد وقف هذا الكتاب السيد محمد بن السيد سليمان الأنطاكي على أن يستعمل في إسلامبول، ويكون الناظر مفتي داره، ثم أولاده. وجاء من أوله «المدخل إلى دلائل النبوة» وكتب بخط نسخ جيد دقيق، وبه بعض الحركات، وقد ميزت أوائل الفقرات كقوله «أخبرنا» و «حدثنا» وكذا عناوين الأبواب وحرف (ح) الدال على انتقال سند الحديث بالمداد الأحمر. وعدد أسطر كل صفحة (21) سطرا، ومتوسط كلمات كل سطر (15) كلمة، مقاسه 8 x 5، 15 سم، وينتهي بباب مَا جَرَى بَعْدَ الْفَتْحِ- فتح خيبر- فِي الْكَنْزِ الَّذِي كَتَمُوهُ، وَقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْخُمْسِ عَلَى طريق الاختصار. وقد ساعدتني هذه النسخة لوضوحها في المقابلة من أول الكتاب إلى نهايتها- خاصة- أن نسخة العثمانية سقيمة الخط في أولها.
نسخة الهيثمي المرموز لها بالحرف (هـ)
نسخة الهيثمي المرموز لها بالحرف (هـ) تحمل هذه النسخة الرقم (701) حديث بدار الكتب المصرية وكان الفراغ من كتابتها يوم الخميس ثمان عشر من شهر شوال سنة ست وخمسين وثمانمائة على يد أبي الجود خليل بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن الدمياطي القرشي نسبا، صحح ذلك وكتب عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الهيثمي الطنباوي. وتقع هذه النسخة في ثلاثة مجلدات ويبدأ من أول الكتاب وينتهي في أبواب غزوة أحد. وجاء في نهاية المجلد الثالث: آخر الجزء الثالث من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ رب العزة والمصطفى من جميع البرية صلى الله عليه وسلم تصنيف الشيخ الإمام الحافظ الفقيه أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي بن موسى البيهقي رضي الله عنه وأرضاه يتلوه إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى في الجزء الرابع بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَعَدَدِ الْمُشْرِكِينَ وحسبنا الله ونعم الوكيل. وكان الفراغ من تعليقه يوم الجمعة ثالث عشر صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى أبي الجود خليل بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن إبراهيم الدمياطي منشأ المنهاجي لقبا القرشي نسبا غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. وتحتوي كل صفحة من هذه النسخة على واحد وعشرين سطرا، وكتبت بخط نسخ جيد، ومتوسط عدد الكلمات بالسطر ثمانية، وميزت أوائل الفقرات بمداد أحمر، وكذا الأبواب، وعلق عليها بعض حواشي لاستكمال نقص، أو تصويب كلمة، أو توضيح معنى.
سماعات النسخة (هـ)
سماعات النسخة (هـ) (السماعات) بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد. يقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو الجود خليل بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن إبراهيم بن علي [الدمياطي] منشأ المنهاجي لقبا القرشي نسبا غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. قرأت جميع هذا الجزء وهو الثاني من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وسلّم جمع الإمام الحافظ أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي البيهقي رحمه الله مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ على الشيخ الإمام العالم العامل المسلك المربي سيدي نور الدين أبي الحسن علي بن الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين يوسف بن الفقيه المحقق شهاب الدين أحمد الهيثمي ثم الطبناوي فسح الله في مدته ونفع المسلمين ببركته وبركة علومه آمين. في عشرة مجالس، فسمع المجلس الأول: الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد الأسيوطي والفقيه ناصر الدين بن محمد الغزولي والمعلم محمد بن محمد بن حجول المصري وولده نور الدين علي وأحمد بن جمعه البريدي وموسى بن أبي بكر المؤذن وعلي بن حسن الأرميوني وحوّاس بن محمود المسعودي. والمجلس الثاني: الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد [الأميوطي] وناصر الدين بن محمد الغزولي ومحمد بن محمد المصري ومحمد بن زيادة المؤذن وخضير بن محمد بن خضير الخزعلي السنبسي وعمر بن زين الدين السرسناوي. والثالث: الفقيه عبد الواحد بن الفقيه شهاب الدين أحمد بن الشيخ برهان الدين البانوبي وناصر الدين بن محمد الغزولي والمعلم محمد بن محمد
المصري وسيدي محمد بن ولي الدين من شبرا بسيون وحواس بن محمود المسعودي. والرابع: الفقيه علي بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ العوام السخاوي العدل الرضي والمعلم أحمد بن محمد النحراوي وولده علي وموسى بن أبي بكر المؤذن والمعلم محمد بن محمد المصري والحاج أحمد بن عبد الغفار السفطي. والخامس: الأمير جمال الدين جميل بن الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير زين الدين عميرة بن يوسف أمير عربان السخاوية عامله الله بلطفه والقاضي أبو السعادات بن القاضي قطب الدين بن القماح قاضي الناحية بإقليم السخاوية والفقيه عبد الله الأميوطي وموسى المؤذن والفقيه ناصر الدين بن محمد الغزولي والمعلم محمد المصري وسيدي محمد بن ولي الدين من شبرا بسيون والمعلم أحمد بن محمد البيطار وولده علي وعلي بن ناصر السخاوي وأحمد بن الفقيه شمس الدين محمد السخاوي وجماعة لم تضبط أسماءهم. والسادس والسابع: الفقيه عبد الله الأميوطي والمعلم محمد المصري وناصر الدين الغزولي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم وعلي بن سالم العمي وعبد الله بن زين الدين السرسناوي وموسى المؤذن وولد خليل وعلي بن حامد السخاوي. والثامن: الفقيه ناصر الدين الغزولي وموسى المؤذن والأمير مجد الدين إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عمر الخزعلي السنبسي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم وسيدي محمد بن ولي الدين البسيوني. والتاسع: موسى المؤذن وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم وبدر الدين محمد بن خضير الخزعلي وسيدي محمد البسيوني والفقيه جمال الدين يوسف بن الفقيه علي القليبي وعلي بن عبد الله القليبي وناصر الدين الغزولي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم المصري.
النسخة (215) حديث دار الكتب المصرية، المرموز لها بالحرف (ف) .
والعاشر: وهو الأخير الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد الأميوطي والفقيه ناصر الدين بن محمد الغزولي والفقيه محمد بن عوّاض الطيبي وموسى بن أبي بكر المؤذن والمعلم محمد بن محمد بن حجول المصري وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المصري وعلي بن عبد الله التونسي. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وصح ذلك وثبت يوم الجمعة تاسع عشري ذي القعدة الحرام ثلاث [؟] ست وخمسين وثمانمائة أحسن الله عاقبتها. وأحار المسمع المذكور أعلاه لكاتبه ولمن سمعه أو سمع شيئا منه أن يروى عنه جميع الكتاب وأن يروي عنه ما يجوز له وعنه روايته بشرطه عند أهله مسؤولا في ذلك متلفظا به وحسبنا الله ونعم الوكيل. صحح [صحيح] ذلك وكتب على محمد بن أحمد الهيثمي، ثم الطنبادي. النسخة (215) حديث دار الكتب المصرية، المرموز لها بالحرف (ف) . تقع هذه النسخة في مائة وخمس وسبعين لوحة، وكتبت سنة (731) وهي بِخَطِّ «أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأنصاري البهنسي الشافعي» بالقاهرة المعزية. وقياس الأوراق 17 x 25 سم، وكتبت بخط نسخ متمهل جيد، وعدد سطور الصفحة (29) سطرا، ومتوسط عدد الكلمات بكل سطر خمس عشرة كلمة، ورقم عليها أنها المجلد الثالث، وقد اشتمل هذا المجلد من أول بَابُ قِصَّةِ مُزَيْنَةَ وَمَسْأَلَتِهِمْ ... إلى نهاية الكتاب. وقد جاء في أوله: «الجزء الثالث من كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة
محمد بن عبد الله رسول رب العزة والمصطفى من جميع البرية، صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطيبين الطاهرين وسلم تسليما. تأليف الإمام الحافظ المكثر الزاهد العالم العامل أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَعَنْ والديه، وجميع المسلمين آمين. رواية ولد ولده الشيخ السديد أبي الحسن عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد عنه. * رواية الإمام الحافظ أبي محمد المبارك بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ البغدادي- يعرف- بابن الطباخ، عنه. * رواية الشيخ المسند الصالح أبي الكرم لا حق بن عبد المنعم الأرتاحي. * رواية الشيخ الصالح المسند نجم الدين بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عبد العظيم المندري. - عرف بابن الصياح، والشيخ الصالح المسند به، والد أبي المحاسن يوسف بن أبي حفص عمر بن الحسين الصوفي الحنفي، مجيزي الشيخ الإمام تاج الدين أبي الحسن علي بن محمد التبريزي الشافعي على النسخة المنقول منها هذه النسخة (الثلاثة أجزاء) نسخ العبد الفقير أبي بكر كاتب هذه النسخة. تاريخ إجازة السماع آخر الجزء رابع ذي الحجة عام ست وعشرين وسبعمائة، قرئ على بدر الدين الصوفي الحنفي، والشيخ المنذري المذكورين بالقاهرة المعزية عمرها الله تعالى بمنه وكرمه آمين. وجاء في آخر هذه النسخة: «وهذا آخر الجزء السادس المنقول منه نسخة الأصل المنقول منها هذه النسخة، وآخر الثالث من نسخة الأصل ومن هذه النسخة من كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة وبتمامه تم جميع الكتاب بحمد الله وفضله وكرمه ومنه وعونه على يد كاتبه لنفسه العبد الفقير الى الله تعالى: أبي بكر بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأنصاري البهنسي الشافعي بالقاهرة المعزية صانها الله تعالى- ووافق
النسخة (م) بالمكتبة المحمودية بمكتبة المدينة المنورة العامة (9) سيرة نبوية:
الفراغ من نسخة في الرابع والعشرين من شهر شوال المبارك من شهور سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ثم تأتي سماعات للكتاب تستغرق بقية اللوحة، وحاشيتها، مكتوبة بخط نسخ مستعجل. النسخة (م) بالمكتبة المحمودية بمكتبة المدينة المنورة العامة (9) سيرة نبوية: تتكون هذه النسخة من مائة وثمان وثمانين لوحة خمسة عشر سطرا بالصفحة مقاسها 18 x 25 سم ومرقوم عليها: الجزء الثاني. أول هذه النسخة: بَابُ ذِكْرِ اجْتِهَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَوْفِهِ مِنْهُ، على طريق الاختصار. وآخر النسخة مبتور ينتهي أثناء بَابُ ذِكْرِ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ بِدُعَائِهِ عَلَى سَبْعَةٍ مِنْهُمْ، وآخر الموجود من هذه النسخة: عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ: أَوَّلُ شَهِيدٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أُمُّ عَمَّارٍ، سُمَيَّةُ، طَعَنَهَا أَبُو جَهْلٍ بِحَرْبَةٍ. نسخة بقلم نسخي جيد، من خطوط القرن الثامن، وعلى حواشي النسخة سماعات، وقراءات كثيرة، بعضها سنة (188) ، وبعضها على الحافظ ابن حجر العسقلاني. وصف النسختين (ب) و (د) : النسخة (ب) تحمل الرقم (213) حديث دار الكتب المصرية، وتتكون من (170) لوحة، وهي الجزء الثاني من تجزئة ثلاثة أجزاء ويشتمل الباب
الأخير منها على وفد دوس، ويبدو أنها قطعة من النسخة (ف) ، وقد ضم إليها جزءا من نسخة (1012) حديث، وهي التي رمزنا لها بالرمز (د) . وهذه النسخة المرموز لها بالرمز (د) ليست إلا قطعة مفصولة عن نسخة (ص) أساسا. وهناك النسخة (ن) ، وتحمل الرقم (214) حديث وهي نسخة متآكلة، وبها خرم كبير ولم نتمكن من الاستعانة بها. هذا كتاب «دلائل النبوة» .. أحمد الله أن يسّر على إنجازه، نفع الله به المسلمين، وأجزل لي ثوابه، وآخر دعوانا. أن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ولله الفضل والحمد. والأمر مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. وكتبه الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي غرة صفر الخير 1405
جريدة المصادر والمراجع التي جرى العزو إلى أرقام صفحاتها وإلى أجزائها، وتاريخ طبعاتها أثناء تحقيق كتاب دلائل النبوة
جريدة المصادر والمراجع التي جرى العزو إلى أرقام صفحاتها وإلى أجزائها، وتاريخ طبعاتها أثناء تحقيق كتاب دلائل النبوة
المصادر، وجريدة المراجع التي جرى العزو إلى صفحاتها وإلى أجزائها وطبعاتها- الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم. الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة. - الأدب المفرد للبخاري. - أسد الغابة لابن الأثير. دار الشعب القاهرة. - الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار لابن قدامة المقدسي. ط. بيروت. - الإصابة لابن حجر وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البر. ط. مصر. - أصول الحديث: محمد عجاج الخطيب. دار الفكر بدمشق. - الاعتبار في ناسخ الحديث ومنسوخه للحازمي. دار الوعي. حلب. - إعجاز القرآن للرافعي ط. المكتبة التجارية الكبرى. - اعجاز القرآن لبنت الشاطئ. ط. دار المعارف. - أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيّم. - الأغاني للأصفهاني. دار الكتب بالقاهرة. - الإكمال لابن ماكولا. ط. الهند. - إنجاء الوطن عن الازدراء بإمام الزمن. كراتشي 1387.
- الأنساب للسمعاني. ط. بيروت. - إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون لبرهان الدين الحلبي. ط. القاهرة 1320. - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لأحمد شاكر. - البداية والنهاية لابن كثير. السعادة بمصر 1351. - البرهان في علوم القرآن عيسى الحلبي 4 أجزاء. - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي. - تاريخ الأمم والملوك للطبري ط. دار المعارف بمصر. - تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي. القاهرة 1307. - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. السعادة 1349. - التاريخ لابن معين. تحقيق أحمد محمد نور سيف. ط الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1979. - تاريخ التراث العربي: الجزء الأول والثاني- طبع الهيئة العامة للكتاب. - التاريخ الصغير للبخاري. تحقيق محمود إبراهيم زايد. دار الوعي. حلب. - التاريخ الكبير للبخاري. ط. الهند. - تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الأندلسي. ط. حسام الدين القدسي. - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف. للمزي. ط. الهند. - تذكرة الحفاظ للذهبي. ط. الهند. - ترتيب ثقات العجلي: تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي. دار الكتب العلمية- بيروت. - تعجيل المنفعة بزوائد الأئمة الأربعة لابن حجر العسقلاني. ط. الهند.
- تفسير الفخر الرازي. - تفسير ابن كثير. ط. عيسى الحلبي. - تقريب التهذيب. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. - تنزيه الشريعة لابن عراق. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. - تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني. ط. الهند. - تهذيب تاريخ دمشق الكبير لعبد القادر بدران. - تهذيب الآثار. لأبي جعفر الطبري. تحقيق محمود شاكر. - تهذيب الأسماء واللغات للنووي. ط. منير الدمشقي بالقاهرة. - تيسير الوصول الى جامع الأصول. ط. مصر. - الثقات لابن حبان. ط. الهند. صدر الجزء الثامن 1402. - جامع بين العلم وفضله لابن عبد البر- المنيرية 1346. - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- دار الكتب المصرية. - الجرح والتعديل للرازي. ط. الهند. - الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي. ط. الهند. - جوامع السيرة لابن حزم. ط. دار المعارف. - حياة محمد لهيكل. ط. دار المعارف. - خصائص التصور الاسلامي. سيد قطب. عيسى البابي الحلبي بالقاهرة. - الخصائص الكبرى للسيوطي تصوير دار الكتب العلمية- بيروت. - حلية الأولياء لأبي نعيم. السعادة بمصر. - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي. ط. حلب. - الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر تحقيق شوقي ضيف. دار المعارف. - دلائل النبوة تأليف عبد الحليم محمود. دار الإنسان. القاهرة.
- دلائل النبوة لأبي نعيم. ط. الهند. - ديوان حسان بن ثابت. الهيئة العامة للكتاب. مصر. - الرسالة للشافعي- تحقيق أحمد شاكر دار التراث. القاهرة. - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة. - الرفع والتكميل في الجرح والتعديل. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ط. حلب. - الروض الأنف للسهيلي. - الزهد الكبير للبيهقي: دار القلم: الكويت. - سبل الهدى والرشاد في هدي خير العباد (1: 6) . ط. المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية القاهرة. - سنن ابن ماجة. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. البابي الحلبي. - سنن أبي داود. مطبعة مصطفى محمد 1354. - سنن النسائي ومعها شرح السيوطي والسندي. المصرية 1348. - سنن الترمذي تحقيق أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي البابي الحلبي. - سنن الدارمي. القاهرة 1386. - السّنن الكبرى للبيهقي. الهند 1344. - السّنة قبل التدوين. محمد عجاج الخطيب. - سيرة ابن هشام. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. ط. المكتبة التجارية بمصر 1937. - سير أعلام النبلاء للذهبي مكتبة الرسالة- بيروت. - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. طبع القدسي. - شرح النووي على صحيح مسلم المصرية 1347.
- شروط الأئمة الخمسة للحازمي. بتعليق الكوثري. مكتبة القدسي 1357. - شمائل الرسول للترمذي. ط. عيسى الحلبي بالقاهرة. - الشفا في حقوق المصطفى للقاضي عياض الازهرية 1327. - صبح الأعشى للقلقشندي دار الكتب بالقاهرة. - صحيح ابن حبان. صدر منه الجزء الأول، والثاني تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي. حلب. - صحيح البخاري. 9 أجزاء. طبعة بولاق. - صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عيسى البابي الحلبي. - صحيح مسلم بشرح النووي في 18 جزءا القاهرة 1349. - ضحى الإسلام. لأحمد أمين- لجنة التأليف والترجمة. - الضعفاء الصغير. البخاري. دار الوعي. حلب. - الضعفاء الكبير للعقيلي تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي دار الكتب العلمية- بيروت. - الطب النبوي لابن قيم الجوزية. تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي. - طبقات الشافعية الكبرى- عيسى البابي الحلبي- القاهرة. - الطبقات الكبرى لابن سعد ط. بيروت. - طوالع البعثة المحمدية عباس العقاد دار الهلال. - العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي. لجنة التأليف والترجمة والنشر. - العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية للخزرجي القاهرة 1911. - علل الحديث ومعرفة الرجال. لعلي بن المديني. تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي- دار الوعي- حلب. - علوم الحديث لابن الصلاح. تحقيق الدكتورة/ عائشة عبد الرحمن.
- علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي. ط. السلفية. - عمدة القاري شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين العيني. - عيون الأثر في فنون المغازي والسير. ط. بيروت. - الفائق في غريب الحديث للزمخشري عيسى الحلبي القاهرة. - فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه. تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي. حلب. - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني. ط السلفية. بترتيب محمد فؤاد عبد الباقي. - الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. تأليف أحمد عبد الرحمن البنا. ط. مصر. - فتح الملهم بشرح صحيح مسلم، شبير أحمد العثماني، مكتبة الحجاز كراتشي. - الفهرست لابن النديم. التجارية الكبرى بمصر. - فوات الوفيات لابن شاكر. النهضة المصرية القاهرة 1953. - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. للشوكاني. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. - فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 6 أجزاء. ط. مصر. - قواعد التحديث. تأليف محمد جمال الدين القاسمي. ط عيسى البابي الحلبي. - قواعد في علوم الحديث للتهانوي. تحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ/ عبد الفتاح أبو غدة. حلب 1392. - الكامل في التاريخ لابن الأثير بولاق 1290.
- كشف الأستار عن زوائد البزّار للهيثمي. تحقيق عبد الرحمن الأعظمي. ط. مؤسسة الرسالة. - كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني. ط. القدسي. - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات. دار المأمون للتراث. دمشق. - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي. المكتبة التجارية بمصر. - لسان العرب لابن منظور. ط. دار المعارف بمصر. - لسان الميزان لابن حجر العسقلاني. ط. الهند. - لمحات في أصول الحديث. تأليف الدكتور/ محمد أديب صالح. المكتب الاسلامي في دمشق. - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لعبد الباقي. عيسى الحلبي. القاهرة. - المبتكر الجامع لكتابي المختصر في علوم الأثر. تأليف عبد الوهاب عبد اللطيف. - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. لابن حبان. تحقيق محمود إبراهيم زائد. دار الوعي. حلب. - مجمع الزوائد للهيثمي. ط. حسام الدين القدسي. - مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي لمحمد حميد الله لجنة التأليف القاهرة 1941. - محاسن البلقيني على مقدمة ابن الصلاح. تحقيق الدكتورة/ عائشة عبد الرحمن.
- مرآة الجنان لليافعي. - المستدرك على الصحيحين في الحديث. للحاكم، وفي ذيله تلخيص المستدرك للذهبي. ط. الهند. - مسند الإمام أحمد. ط. الميمنية 6 أجزاء. - مسند الامام أحمد بتحقيق احمد محمد شاكر. دار المعارف. مصر. - المشتبه في الرجال للذهبي. عيسى الحلبي القاهرة 1963. - مشكل الحديث، وبيانه لابن فورك/ تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي. - معالم السنن للخطابي، نشر راغب الطباخ- حلب. - معجم ما استعجم للبكري لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة. - معجم البلدان لياقوت. القاهرة 1906. - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث. - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن. وضع محمد فؤاد عبد الباقي. - المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. القاهرة. - معرفة السنن والآثار للبيهقي. تحقيق السيد صقر. الجزء الأول. - المغازي للواقدي. ط. دار المعارف بمصر. - المغازي الأولى ومؤلفوها بقلم هوروفتز ترجمة حسين نصار القاهرة 1949. - المغرب في ترتيب المعرب للمطّرزي. ط. الهند. 1328. - مفتاح كنوز السنة. محمد فؤاد عبد الباقي. - مفتاح السنة. تأليف محمد عبد العزيز الخولي. - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للسخاوي. - مقدمة ابن خلدون.
- مناقب علي والحسنين. وأمهما فاطمة الزهراء. وضع الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي- حلب. - المنقذ من الضلال للغزالي. - الموضوعات لابن الجوزي. - المواهب اللدنية للقسطلاني مع شرح الزرقاني. الأزهرية. - ميزان الاعتدال للذهبي. ط. عيسى البابي الحلبي. - موطأ مالك تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي. - نصب الراية لأحاديث الهداية. للزيلعي. ادارة المجلس العلمي بالهند. - نهاية الأرب للنويري دار الكتب بالقاهرة. - النهاية في غريب الحديث لابن الأثير. عيسى البابي الحلبي. - هدي الساري لابن حجر العسقلاني. ط. السلفية. - وفاء الوفا للسمهودي. القاهرة 1326. - وفيات الأعيان لابن خلكان. ميمنية القاهرة 1310.
الجزء الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين. أخبرنا الشيخ الإمام السديد [ (1) ] ، أبو الحسن: عُبَيْدُ اللهِ [ (2) ] بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي، قراءة عليه وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ، قال: حدثنا الشيخ الإمام [ (3) ] ، أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ- رحمه الله- قال: الحمد لله الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، القديم الموجود لم يزل، الدّائم الباقي بلا زوال، المتوحّد بالفردانيّة، المنفرد بالإلهيّة، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (4) ]
العليم القدير، العليّ الكبير، الوليّ الحميد، العزيز المجيد، المبدئ المعيد، الفعّال لما يريد، له الخلق والأمر، وبه النّفع والضّر، وله [ (5) ] الحكم والتقدير، وله الملك والتّدبير، ليس له في صفاته شبيه ولا نظير، ولا له في إلهيّته شريك ولا ظهير، ولا له في ملكه عديل ولا وزير، ولا له [ (6) ] في سلطانه وليّ ولا نصير، فهو المتفرد بالملك والقدرة، والسلطان والعظمة، لا اعتراض عليه في ملكه ولا عتاب عليه في تدبيره، ولا لوم في تقديره. ونشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، إلها واحدا أحدا، سيدا صمدا، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا ولدا. ونشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ونبيّه وصفيّه، ونجيّه ووليّه ورضيّه، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وسلّم تسليما كثيرا. والحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته، وجنّسهم بإرادته وجعلهم دليلا على إلهيّته، فكلّ مفطور شاهد بوحدانيته، وكلّ مخلوق دالّ على ربوبيّته. وخلق الجنّ والإنس ليأمرهم بعبادته من غير حاجة له إليهم، ولا إلى أحد من بريّته، وركّب فيهم العقل الذي به يدرك دلائل قدمه ووجوده، وتوحيده وتمجيده، وحدوث غيره بإبداعه واختراعه، وإحداثه وإيجاده. وبعث فيهم الرسل كما قال جل ثناؤه: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ
وَسُلَيْمانَ. وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [ (7) ] يعني- والله أعلم- لئلا يقولوا: نحن وإن علمنا بعقولنا أنّ لنا صانعا ومدبّرا، فلم نعلم وجوب عبادته علينا ولا كيفيّتها، ولا إذا عبدناه ما يكون لنا، وإذا لم نعبده ما يكون. فقطع حجّتهم وبعث فيهم رسلا يأمرونهم بعبادته، ويبيّنون لهم كيفيتها، ويبشرون بالجنة من أطاعه، وينذرون بالنار من عصاه، وهذا كقوله: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى [ (8) ] . وأيّد كلّ واحد من رسله بما دلّ على صدقه من الآيات والمعجزات التي باينوا بها من سواهم مع استوائهم في عين ما أيّدوا به. ومعجزات الرسل كانت أجناسا كثيرة: وقد أخبر اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ أعطى «موسى» - عليه السّلام- تسع آيات: العصا، واليد، والدّم، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والطّمس [ (9) ] ، والبحر.
فأما (العصا) : فكانت حجّته [ (10) ] على الملحدين والسحرة جميعا، وكان السحر في ذلك الوقت فاشيا، فلما انقلبت عصاه حيّة تسعى، وتلقّفت حبال السّحرة وعصيّهم- علموا أن حركتها عن حياة حادثة فيها بالحقيقة، وليست من جنس ما يتخيّل [ (11) ] بالحيل. فجمع ذلك الدّلالة على الصانع وعلى نبوته جميعا.
وأما (سائر الآيات) التي لم يحتج إليها مع السحرة فكانت دلالته على فرعون وقومه القائلين بالدّهر، فأظهر الله بها صحّة ما أخبرهم به موسى من أن له ولهم ربا وخالقا. وألان الله الحديد «لداود» [ (12) ] ، وسخّر له الجبال والطير، فكانت تسبّح معه [ (13) ] بالعشيّ والإشراق. وأقدر «عيسى بن مريم» على الكلام في المهد. فكان يتكلّم كلام الحكماء، وكان يحيى له الموتى، ويبرئ- بدعائه أو بيده إذا مسح- الأكمه والأبرص، وجعل له أن يجعل مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طائرا بإذن الله [ (14) ] . ثم إنه رفعه من بين اليهود لمّا أرادوا قتله وصلبه [ (15) ] ، فعصمه الله بذلك
من أن يخلص ألم القتل والصّلب إلى بدنه، وكان الطبّ عامّا غالبا في زمانه، فأظهر الله تعالى بما أجراه على يده، وعجز الحذّاق من الأطبّاء عما هو أقلّ من ذلك بدرجات كثيرة- أنّ التعويل على الطبائع وإنكار ما خرج عنها باطل، وأنّ للعالم خالقا ومدبّرا، ودلّ بإظهاره ذلك له، وبدعائه على صدقه، وبالله التوفيق. فأمّا النبي المصطفى، والرسول المجتبى، المبعوث بالحقّ إلى كافة الخلق من الجنّ والإنس، أبو الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب، خاتم النبيين، ورسول ربّ العالمين، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آله الطيبين الطاهرين- فإنه أكثر الرسل آيات وبينات وذكر بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أعلام نبوته تبلغ ألفا. فأما (العلم) الذي اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أمته بعد وفاته- فهو «القرآن» العظيم، المعجز المبين، وحبل الله المتين، الذي هو كما وصفه به من أنزله فقال: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ (16) ] . وقال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (17) ] . وقال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (18) ] . وقال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [ (19) ] .
وقال: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (20) ] . وقال: إِنَّها تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ [ (21) ] . وقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (22) ] . فأبان جلّ جلاله أنه أنزله على وصف مباين لأوصاف كلام البشر، لأنه منظوم وليس بمنثور، ونظمه ليس نظم الرسائل، ولا نظم الخطب، ولا نظم الأشعار، ولا هو كأسجاع الكهّان. وأعلم أنّ أحدا لا يستطيع أن يأتي بمثله. ثم أمره أن يتحداهم على الإتيان به إن ادّعوا أنهم يقدرون عليه أو ظنوه. فقال: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (23) ] ثم نقصهم تسعا فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (24) ] . فكان من الأمر ما يصفه. غير أن من قبل ذلك دلالة، وهي أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ غَيْرَ مدفوع عند الموافق والمخالف عن الحصافة والمتانة وقوّة العقل والرأي. ومن كان بهذه المنزلة، وكان مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه- لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس: ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن ولن تستطيعوه، فطن أتيتم به فأنا كاذب وهو يعلم من نفسه أن القرآن منزل
عليه، ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه، وأن ذلك- إن كان- يبطل [ (25) ] دعوته. فهذا إلى أن يذكر ما بعده [ (26) ]- دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب ائتوا بمثله إن استطعتموه ولن تستطيعوه، إلا وهو واثق متحقّق أنهم لا يستطيعونه، ولا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربّه الذي أوحى إليه به، فوثق بخبره. وبالله التوفيق. وأما ما بعد هذا فهو: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قال لهم: ائتوني [ (27) ] بسورة من مثله إن كنتم صادقين. فطالت المهلة والنّظرة لهم في ذلك، وتواترت الوقائع والحروب بينه وبينهم فقتلت صناديدهم، وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وانتهبت أموالهم، ولم يتعرض أحد لمعارضته، فلو قدروا عليها لافتدوا بها أنفسهم وأولادهم وأهاليهم وأموالهم. ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم، إذ كانوا أهل لسان وفصاحة، وشعر وخطابة. فلما لم يأتوا بذلك ولا ادّعوه صحّ أنهم كانوا عاجزين عنه. وفي ظهور عجزهم بيان أنّه في العجز مثلهم، إذ كان بشرا مثلهم لسانه لسانهم، وعاداته عاداتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإذا كان كذلك وقد جاء بالقرآن- وجب القطع بأنّه مِنْ عِنْدِ اللهِ، تَعَالَى جدّه، لا من عند غيره. وبالله التوفيق. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الحسين بن الحسن الحليمي [ (28) ]- رحمه الله: فإن
ذكروا «سجع مسيلمة» فكل ما جاء به مسيلمة لا يعدو أن يكون بعضه محاكاة [ (29) ] وسرقة، وبعضه كأساجيع الكهان، وأراجيز العرب وقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا هو أحسن لفظا، وأقوم معنى وأبين فائدة، ثم لم تقل له العرب: ما أنت! تتحدّانا على الإتيان بمثل القرآن وتزعم أنّ الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه، ثم قد جئت بمثله مقرّا [ (30) ]- إنه ليس من عند الله وذلك قوله: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ [ (31) ]
وقوله: تَالَلَّهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا [ (32) ] فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا وقوله: اللهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةْ ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ [ (33) ]
وقوله: «تعس عبد الدينار والدرهم، وعبد الخميصة [ (34) ] ، إن أعطى منها رضي وإن لم يعط سخط: تعس وانتكس [ (35) ] ، وإن شيك [ (36) ] فلا انتقش [ (37) ] . فلم يدّع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه [ (38) ] القرآن وأن فيه كسرا [ (39) ] لقوله. وحكى الأستاذ أَبُو مَنْصُورٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الحسين بن أبي أيوب [ (40) ] فيما كتب إليّ عن بعض أصحابنا أنه قال: يجوز أن يكون هذا النظم قد كان فيما بينهم فعجزوا عنه عند التحدي،
فصار معجزة، لأن إخراج ما في العادة عن العادة نقض للعادة، كما أن إدخال ما ليس في العادة في الفعل نقض للعادة. وبسط الكلام في شرحه. وأيّهما كان فقد ظهرت بذلك معجزته، واعترفت العرب بقصورهم عنه، وعجزهم عن الإتيان بمثله. وفيما حكى الشيخ «أبو سليمان: حمد [ (41) ] بن محمد الخطّابي» [ (42) ] عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الذي أورده الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على العرب من الكلام الذي أعجزهم عن الإتيان بمثله- أعجب في الآية، وأوضح في الدلالة من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، لأنّه أتى أهل البلاغة، وأرباب الفصاحة، ورؤساء البيان والمتقدمين في الألسن [ (43) ] ، بكلام مفهوم المعنى عندهم، فكان عجزهم أعجب من عجز من شاهد المسيح عن إحياء الموتى، لأنهم لم يكونوا يطيقون فيه ولا في إبراء الأكمه والأبرص، ولا يتعاطون علمه، وقريش
كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة. فدلّ أن العجز عنه إنما كان لأن يصير علما على رسالته وصحّة نبوته. وهذا حجّة قاطعة، وبرهان واضح. قلنا: وفي القرآن وجهان آخران من الإعجاز. (أحدهما) : ما فيه من الخبر عن الغيب، وذلك فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (44) ] وقوله: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (45) ] وقوله في الروم: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (46) ] وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه وبعده، ثم كان كما أخبر. ومعلوم أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم كان لا يعلم النجوم ولا الكهانة ولا يجالس أهلها. (والآخر) : ما فيه الخبر عن قصص الأولين من غير خلاف ادّعى عليه فيما وقع الخبر عنه مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تلك الكتب. ومعلوم أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم كان أمّيا لا يقرأ كتابا ولا يخطّه. ولا يجالس أهل الكتب للأخذ عنهم. وحين زعم بعضهم أنما يعلمه بشر- ردّ الله ذلك عليهم فقال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [ (47) ] فزعم أهل التفسير أنه كان لابن الحضرميّ غلامان نصرانيان يقرآن كتابا لهما بالرومية، وقيل بالعبرانية. فكان صلى الله عليه وسلم يأتيهما فيحدثهما ويعلّمهما، فقال المشركون: إنما يتعلّم محمد منهما، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية [ (48) ] .
قال «الحليمي» : من تعلّق بمثل هذا الضعيف لم يسكت عن شيء يتهمه به. فدل على انه لو اتهموه بشيء مما نفيناه عنه لذكروه ولم يسكتوا عنه. وبالله التوفيق. قلنا: ومن وقف على ما أخذه العلماء من القرآن على إيجازه من أنواع العلوم، واستنبطوه من معانيه، وكتبوه ودونوه في كتب لعلها تزيد على ألف مجلدة- علم أنّ كلام البشر لا يفيد ما أفاد القرآن، وعلم أنه كلام رب العزة. فهذا بيّن واضح لمن هدي إلى صراط مستقيم. ثم إن لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وراء القرآن من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة ما لا يخفى، وأكثر من أن يحصى. فمن دلائل نبوته التي استدل بها أهل الكتاب على صحة نبوته: ما وجدوا في التوراة والإنجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته، وخروجه بأرض العرب، وإن كان كثير منهم حرّفوها عن مواضعها. ومن دلائل نبوته: ما حدث بين أيام مولده ومبعثه، صلى الله عليه وسلم، من الأمور الغريبة والأكوان العجيبة القادحة في سلطان أئمة الكفر والموهية لكلمتهم، المؤيّدة لشأن العرب، المنوّهة بذكرهم كأمر الفيل وما أحلّ الله بحزبه من العقوبة والنّكال. ومنها خمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وغيض ماء بحيرة
ساوة، ورؤيا الموبذان وغير ذلك. ومنها: ما سمعوه من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه والرّموز المتضمنة لبيان شأنه، وما وجد من الكهنة والجن في تصديقه، وإشارتهم على أوليائهم من الإنس بالإيمان به. ومنها: انتكاس الأصنام المعبودة، وخرورها لوجوهها من غير دافع لها عن أمكنتها تومئ- إلى سَائِرُ مَا رَوَى فِي الأخبار المشهورة من ظهور العجائب في ولادته وأيام حضانته، وبعدها- إلى أن بعث نبيا وبعد ما بعث. ثم إن له من وراء هذه الآيات المعجزات: انشقاق القمر، وحنين الجذع، وخروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى توضّأ منه ناس كثير. وتسبيح الطعام، وإجابة الشجرة إيّاه حين دعاها، وتكليم الذراع المسمومة إياه، وشهادة الذئب والضبّ والرضيع والميّت له بالرسالة، وازدياد الطعام والماء بدعائه حتى أصاب منه ناس كثير، وما كان من حلبه الشاة التي لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، ونزول اللبن لها، وما كان من إخباره عن الكوائن، فوجد تصديقه في زمانه وبعده، وغير ذلك مما قد ذكر، ودوّن في الكتب. وقد ذكرناها بأسانيد في كتاب «دلائل النبوة» الذي هذا «مدخله» وفي الواحد منها كفاية. غير أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا جمع له بين أمرين: أحدهما بعثه إلى الجن والإنس عامة، والآخر: ختمه النبوة به- ظاهر له من الحجج حتى إن شذّت واحدة عن فريق بلغتهم أخرى، وإن لم تنجع واحدة، نجعت أخرى، وإن درست على الأيام واحدة بقيت أخرى، وفيه في كل حال، الحجة البالغة، وله الحمد على نظره لخلقه، ورحمته لهم كما يستحقه.
فصل في قبول الأخبار
فصل في قبول الأخبار أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: [] د وضع اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جلّ ثناؤه [] جعله علما لدينه، بما افترض من طاعته وحرّم من معصيته، وأبان من فضيلته بما قرن بين [ (49) ] الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (50) ] وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (51) ] فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله. قال الشافعي: «أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ «مُجَاهِدٍ» فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (52) ] قَالَ: «لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ: أَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» [ (53) ] . قال الشافعي: وفرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله فقال في كتابه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (54) ] مع آي سواها ذكر فيهنّ الكتاب والحكمة [ (55) ] . قال الشافعي: فذكر الله الكتاب وهو: القرآن، وذكر الحكمة: فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (56) ] . وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (57) ] فقال بعض أهل العلم: أولوا الأمر: أمراء سَرَايَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ يعني اختلفتم في شيء. يعني- والله أعلم- هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يعني- والله أعلم- إلى ما قاله الله والرسول. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فأعلمهم أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم طاعته، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (58) ] .
واحتجّ أيضا في فرض اتّباع أمره بقوله عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (59) ] . وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (60) ] وغيرها من الآيات التي دلّت على اتباع أمره، ولزوم طاعته. قال الشافعيّ: وكان فرضه- جل ثناؤه- على من عاين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن بعده إلى يوم القيامة- واحدا، من أنّ على كلّ طاعته ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلم أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بالخبر عنه. والخبر عنه خبران: خبر عامة، عن عامة، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بجمل ما فرض الله سبحانه على العباد أن يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم، ويؤتوه من أنفسهم وأموالهم. وهذا ما لا يسع جهله وما يكاد أهل العلم والعوام أن يستووا فيه، لأن كلا كلّفه، كعدد الصلاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وتحريم الفواحش، وأن لله عليهم حقّا في أموالهم. وما كان في معنى هذا. وخبر خاصة في خاص الأحكام لم يأت أكثره كما جاء الأول لم يكلّفه العامة، وكلّف علم ذلك من فيه الكفاية للقيام به دون العامة. وهذا مثل ما يكون منهم في الصلاة من سهو يجب به سجود أو لا يجب، وما يفسد الحج أو لا يفسده، وما تجب به الفدية وما لا تجب مما يفعله وغير ذلك. وهو الذي على العلماء فيه عندنا قبول خبر الصادق على صدقه، لا يسعهم ردّه بفرض الله طاعة نبيّه.
قال الشيخ الإمام، رحمه الله، ونوّر قبره: ولولا ثبوت الحجة بالخبر- لما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبة- بعد تعليم من شهد أمر دينهم-: أَلَا فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغائب، فربّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ [ (61) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ محمد، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قال: أخبرنا- هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فأدّاه كما سمعه، وربّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» [ (62) ] . قال الشافعي: فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى استماع مقالته وأدائها امرءا يؤدّيها- والإمرء [ (63) ] واحد- دلّ على أنه لا يأمر أن يؤدّى عنه إلّا ما تقوم الحجة به
على من أدّى إليه [ (64) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أبو العباس، حدثنا الربيع، حدثنا الشافعي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قال: أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، يقول: لا أدري، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ الله اتبعناه» [ (65) ] . قال سفيان: وأخبرني ابن المنكدر مرسلا، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم. قال الشيخ: وروينا في حديث المقدام بن معد يكرب: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، حرّم أشياء يوم خيبر، منها الحمار الأهلي [ (66) ] وغيره [ (67) ] . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدّث بحديثي فيقول: بيني
وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرّمناه، وإن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما حرّم الله عزّ وجلّ» [ (68) ] . وهذا خبر مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يكون بعده من ردّ المبتدعة حديثه فوجد تصديقه فيما بعده: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ حَدَّثَنَا محمد بن عالية الأنصاري، قال: حدثني صرد بن أبي المنازل، قال: سمعت شبيب بن أبي فضالة المالكي، قال: لما بني هذا المسجد- مسجد الجامع- إذا «عمران بن حصين» جالس، فذكروا عند عمران الشفاعة، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يا أبا النّجيد، إنكم لتحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلا في القرآن؟ قال: فغضب عمران وقال لرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل وجدت صلاة العشاء أربعا، ووجدت المغرب ثلاثا، والغداة ركعتين، والظهر أربعا، والعصر أربعا؟! قال: لا، قال: فعمّن أخذتم هذا الشأن؟ ألستم عنا أخذتموه، وأخذنا عن نبي الله، صلى الله عليه وسلّم، ووجدتم في كل أربعين درهما درهما، وفي كل كذا شاة، وفي كل كذا بعيرا كذا؟ أوجدتم في القرآن هذا؟ قال: لا. قال: فعمّن أخذتم هذا؟ أخذناه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم وأخذتموه عنا. وقال: وجدتم في القرآن: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ (69) ] أوجدتم: فطوفوا سبعا، واركعوا ركعتين من خلف المقام؟ أوجدتم هذا في القرآن؟ فعمّن أخذتموه؟ ألستم أخذتموه عنا، وأخذناه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، وأخذتموه عنا؟ قالوا: بلى.
قال: أوجدتم في القرآن لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ ولا شغار في الإسلام؟ أوجدتم هذا في القرآن؟ قالوا: لا، قال عمران: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ ولا شغار في الإسلام» [ (70) ] . قال: سمعتم الله تعالى قال في كتابه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (71) ] قال عمران: فقد أخذنا عن نبي الله، صلى الله عليه وسلّم أشياء ليس لكم بها علم. قال: ثم ذكر الشفاعة، فقال: هل سمعتم الله تعالى يقول لأقوام: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [ (72) ] قال شبيب: فأنا سمعت عمران يقول: الشفاعة نافعة دون ما تسمعون.
قال الشيخ: والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل [ (73) ] لا يصح، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن. والحجج في تثبيت الخبر الواحد كثيرة، وهي في كتبي المبسوطة مدونة. وفيما احتجّ به الشافعي في تثبيته ما انتشر واشتهر من بُعِثَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلّم عمّاله واحدا واحدا، ورسله واحدا واحدا، وإنما بعث عماله ليخبروا الناس بما أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرائع دينهم، ويأخذوا منهم ما أوجب الله عليهم، ويعطوهم ما لهم، ويقيموا عليهم الحدود، وينفذوا فيهم الأحكام. ولو لم تقم الحجة عليهم بهم- إذ كانوا من كل ناحية وجّهوهم إليها، أهل صدق عندهم- ما بعثهم إن شاء الله. وساق الكلام في بعث أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عنه، واليا على الحج، وبعث علي، رضي الله عنه، بأوّل سورة براءة، وبعث مُعَاذٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِلَى اليمن. وبسط الكلام فيه [ (74) ] ، ثم قال:
فإن زعم- يعني من ردّ الحديث- أن «من جاءه معاذ» وأمراء سراياه محجوج بخبرهم، فقد زعم أنّ الحجة تقوم بخبر الواحد. وإن زعم أن لم تقم عليهم الحجة فقد أعظم القول. وإن قال: لم يكن هذا أنكر خبر العامة عمن وصفت، وصار إلى طرح خبر الخاصة والعامة.
فصل فيمن يقبل خبره
فصل فيمن يقبل خبره أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ [ (75) ] ، رَحِمَهُ الله: ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها: أن يكون من حدّث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ. وأن يكون ممن يؤدّي الحديث بحروفه كما سمعه، ولا يحدّث به على المعنى، لأنه إذا حدّث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه- لم يدر لعلّه يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أدّاه [ (76) ] بحروفه لم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث. حافظا إن حدّث [به] [ (77) ] من حفظه، حافظا لكتابه إن حدّث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم.
بريّا من أن يكون مدلّسا: يحدّث عمن لقي ما لم يسمع منه، أو يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا يحدّث الثقات خلافه. ويكون هكذا من فوقه ممن حدّثه حتى ينتهى بالحديث موصولا إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، أو إلى من انتهي به إليه دونه، لانّ كلّ واحد منهم مثبت لمن حدّثه، ومثبت على من حدّث عنه. قال [ (78) ] : ومن كثر غلطه من المحدّثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح- لم يقبل حديثه. كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تقبل شهادته. قال الشيخ: وأسامى من وجدت فيه هذه الشرائط، ومن قصّر عنهم ومن رمي بالكذب في الحديث، واتهم بالوضع- مكتوبة في التواريخ، معلومة عند أهل العلم بها. قال الشافعي: ولا يستدلّ على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاصّ القليل من الحديث. وهذا الذي استثناه الشافعي لا يقف عليه إلا الحذّاق من أهل الحفظ، فقد يزلّ الصّدوق فيما يكتبه فيدخل له حديث في حديث، فيصير حديث روي بإسناد ضعيف مركّبا على إسناد صحيح. وقد يزلّ القلم، ويخطئ السمع ويخون الحفظ، فيروي الشاذ من الحديث عن غير قصد، فيعرفه أهل الصنعة الذين قيّضهم الله تعالى لحفظ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، على عباده بكثرة سماعه وطول مجالسته أهل العلم به ومذاكرته إياهم.
وهو كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي دعلج بن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأبّار، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الترمذي، حَدَّثَنَا «نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ» قال: قلت «لعبد الرحمن بن مهدي» [ (79) ] : كيف تعرف صحيح الحديث من خطائه؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن جنيد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البخاري، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عبد الله [ (80) ] ، يقول: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى «عَبْدِ الرحمن بن مهدي» فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إنك تقول للشيء هذا صحيح، وهذا لم يثبت، فعمّ تقول ذلك؟. قال عبد الرحمن: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال. هذا جيد وهذا ستّوق وهذا بهرج، أكنت تسأل عمّ ذلك؟ أو كنت تسلّم للأمر؟ قال: بل كنت أسلّم الأمر إليه. قال: فهذا كذلك، لطول المجالسة، أو المناظرة، والخبرة [ (81) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو بْنِ الْعَلَاءِ الْجُرْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا «يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ» ، قال: لولا الجهابذة لكثرت السّتّوقة والزّيوف في رواية الشريعة، فمتى أحببت فهلمّ ما سمعت حتى أعزل لك منه نقد بيت المال، أما تحفظ قول شريح: إنّ للأثر جهابذة كجهابذة الورق.
فصل
فصل ومما يجب معرفته في هذا الباب أن تعلم: أنّ الأخبار الخاصة المروية على ثلاثة أنواع: نوع اتفق أهل العلم بالحديث على صحته، وهذا على ضربين: أحدهما: أن يكون مرويّا من أوجه كثيرة، وطرق شتى حتى دخل في حد الاشتهار، وبعد من توهّم الخطأ فيه، أو تواطؤ الرواية على الكذب فيه. فهذا (الضرب من الحديث) يحصل به العلم المكتسب، وذلك مثل الأحاديث التي رويت في القدر، والرؤية، والحوض، وعذاب القبر، وبعض ما روى في المعجزات، والفضائل، والأحكام، فقد روي بعض أحاديثها من أوجه كثيرة. (والضرب الثاني) : أن يكون مرويا من جهة الآحاد، ويكون مستعملا في الدعوات، والترغيب والترهيب، وفي الأحكام كما يكون شهادة الشاهدين مستعملة في الأحكام عند الحكّام، وإن كان يجوز عليها وعلى المخبر الخطأ والنسيان، لورود نصّ الكتاب بقبول شهادة الشاهدين إذا كانا عدلين، وورود السّنة بقبول خبر الواحد إذا كان عدلا مستجمعا لشرائط القبول فيما يوجب العمل.
وأما في (المعجزات وفي فضائل واحد من الصحابة) ، وقد رويت فيهما أخبار آحاد في ذكر أسبابها إلا أنها مجتمعة في إثبات معنى واحد وهو ظهور المعجزات على شخص واحد، وإثبات فضيلة شخص واحد، فيحصل بمجموعها العلم المكتسب. بل إذا جمع بينها وبين الأخبار المستفيضة في المعجزات والآيات التي ظهرت على سيدنا الْمُصْطَفَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- دخلت في حد التواتر الذي يوجب العلم الضروري فثبت بذلك خروج رجل من العرب يقال له: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ادّعى أنه رسول رب العالمين، وظهرت عليه الآيات وأورد على الناس من المعجزات التي باين بها من سواه بما آمن عليه من أنعم الله عليه بالهداية، مع ما بقي في أمته من القرآن المعجز. وهذا كما أنّ أسباب ما اشتهر بها «حاتم طي» بالسّخاوة إنما علمت بأخبار الآحاد، غير أنها إذا جمعت أثبتت معنى واحدا هو السّخاوة، فدخلت في حد التواتر في إثبات سخاوة حاتم. وبالله التوفيق. وأما النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها. وهذا النوع على ضربين: (ضرب) رواه من كان معروفا بوضع الحديث والكذب فيه. فهذا الضرب لا يكون مستعملا في شيء من أمور الدين إلا على وجه التّليين. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إياس: حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ
الرحمن بن أبي يعلى، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «من روى عنّي حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» [ (82) ] . قال: وحَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن ميمون بن أبي شبيب، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكر مثله. وضرب لا يكون روايه متهما بالوضع، غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط، في رواياته، أو يكون مجهولا لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول. فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملا في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكّام. وقد يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب، والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم. سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحافظ، يقول: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: سمعت أبا الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ يقول: كان أبي يحكي عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مهدي» أنه قال: إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ- بِمَرْوَ- أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: سمعت أبا قدامة، يقول: قال (يحي بن سعيد- يعني القطّان) : تساهلوا في التفسير عن قوم لا يوثّقونهم في الحديث. ثم ذكر لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ [ (83) ] . وجويبر بن سعيد [ (84) ] ، والضحّاك [ (85) ] ،
محمد بن السائب [ (86) ]- يعني الكلبي، وقال: هؤلاء يحمد حديثهم ويكتب
التفسير عنهم. قال الشيخ: وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم، لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: سمعت العباس بن محمد يقول: سمعت «أحمد ابن حنبل» وسئل وهو على باب أبي النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، فقيل لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ما تقول في «موسى بن عبيدة» وفي «محمد بن إسحاق» ؟ قال: «أما موسى بن عبيدة» [ (87) ] فلم يكن به بأس، ولكنه حدّث أحاديث مناكير عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم. وأما «محمد بن إسحاق» [ (88) ] فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث- كأنه
يعني المغازي ونحوها- فأما إذا جاءك الحلال والحرام أردنا قوما هكذا، وقبض أبو الفضل- يعني العباس- أصابع يده الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام. وأما النوع الثالث، من الأحاديث فهو حديث قد اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته: فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته خفى ذلك عن غيره، أو لم يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره، وقد وقف عليه غيره، أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحا، أو وقف على انقطاعه أو انقطاع بعض ألفاظه، أو إدراج بعض رواته قول رواته في متنه. أو دخول إسناد حديث في حديث خفى ذلك على غيره. فهذا الذي يجب على أهل العلم بالحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم، ويجتهدوا في معرفة [ (89) ] معانيهم في القبول والردّ، ثم يختاروا من أقاويلهم أصحّها. وبالله التوفيق.
فصل في المراسيل
فصل في المراسيل كل حديث أرسله واحد من التابعين أو الأتباع، فرواه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ من حمله عنه، فهو على ضربين: (أحدهما) : أن يكون الذي أرسله من كبار التابعين الذين إذا ذكروا من سمعوا منه ذكروا قوما عدولا يوثق بخبرهم. فهذا إذا أرسل حديثا نظر في مرسله، فإن انضم إليه ما يؤكده من مرسل غيره، أو قول واحد من الصحابة، أو إليه ذهب عوامّ من أهل العلم- فإنّا نقبل مرسله في الأحكام [ (90) ] .
(والآخر) : أن يكون الذي أرسله من متأخري التابعين الذين يعرفون بالأخذ عن كل أحد، وظهر لأهل العلم بالحديث ضعف مخارج ما أرسلوه- فهذا النوع من المراسيل لا يقبل في الأحكام، ويقبل فما لا يتعلق به حكم من الدّعوات وفضائل الأعمال والمغازي، وما أشبهها.
فصل في اختلاف الأحاديث
فصل في اختلاف الأحاديث أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حدثنا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كلّما احتمل حديثان أنّ يستعملا معا، استعملا معا، ولم يعطّل واحد منهما الآخر. فإذا لم يحتمل الحديثان إلا الاختلاف، فالاختلاف فيهما وجهان: (أحدهما) : أن يكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ [ (91) ]
(والآخر) : أن يختلفا ولا دلالة على أيهما ناسخ ولا أيهما منسوخ- فلا يذهب إلى واحد منهما دون غيره إلا بسبب يدلّ على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تركنا. وذلك أن يكون أحد الحديثين أثبت من الآخر، فنذهب إلى الأثبت، أو يكون أشبه بكتاب الله، أو سنة رسوله، صلى الله عليه وسلّم، فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته، أو أولى بما يعرف أهل العلم، أو أصح في القياس، أو الذي عليه الأكثر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وإذا كان الحديث مجهولا أو مرغوبا عمن حمله، كان كما لم يأت، لأنه ليس بثابت.
فصل
فصل ومما يحق معرفته في الباب، أن تعلم أن الله تعالى بعث رسوله، صلى الله عليه وسلّم، بالحق، وأنزل عليه كتابه الكريم، وضمن حفظه كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (92) ] . ووضع رسوله، صلى الله عليه وسلّم من دينه وكتابه موضع الإبانة عنه، كما قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ (93) ] . وترك نبيه في أمته حتى يبيّن لأمته ما بعث به، ثم قبضه الله تعالى إلى رحمته. وقد تركهم على الواضحة، فلا تنزل بالمسلمين نازلة إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ وسنة رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُهَا: نَصًّا أو دلالة [ (94) ] . وجعل في أمته في كل عصر من الأعصار أئمة يقومون ببيان شريعته وحفظها على أمته وردّ البدعة عنها. كما أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بن محمد الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حدثنا معان [ (95) ] بن
رفاعة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» [ (96) ] . ورواه «الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ» عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عن الثقة من أشياخهم، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم. وقد وجد تصديق هذا الخبر في زمان الصّحابة، ثم في كلّ عصر من الأعصار إلى يومنا هذا. وقام بمعرفة رواة السنة في كلّ عصر من الأعصار جماعة وقفوا على أحوالهم في التعديل والجرح وبيّنوها ودوّنوها في الكتب حتى من أراد الوقوف على معرفتها وجد السبيل إليها. وقد تكلّم فقهاء الأمصار في الجرح والتعديل فمن سواهم من علماء الْحَدِيثَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، حدثنا أبو سعيد الخلّال، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ المروزي، قال: حدثني الحمّاني عن «أبي حنيفة» قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أكذب من جابر الجعفيّ [ (97) ] ، ولا أفضل من عطاء [ (98) ] .
قال: وحدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: سمعت أبا سعد الصّغاني قام إلى أبي حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة، ما تقول في الأخذ عن «الثوري» ؟ فقال: اكتب عنه، فإنه ثقة ما خلا أحاديث «أبي إسحاق» عن «الحارث» ، وحديث «جابر الجعفي» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، قال: سمعت حرملة يقول: قال الشافعي: «الرواية عن حرام بن عثمان حرام» [ (99) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْغَضَائِرِيُّ ببغداد، حدثنا أحمد ابن سَلْمَانَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ محمد الصائغ، حدثنا عفّان: قال: حدثني يحيى ابن سعيد القطان، قال: سألت شعبة، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ الرجل يتهم في الحديث ولا يحفظ؟ فقالوا: بيّن أمره للناس. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ بْنِ خَلَفٍ القاضي، قال: حدثني أبو سعد الهروي، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خلّاد، قال: قيل «ليحيى بن سعيد» : أما تخشى أن يكون الذين تركت حديثهم خصماؤك عند الله؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي عند الله أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يكون خصمي
رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقول: لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب؟ أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ [ (100) ] الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: «لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وكان يجيء إلى الرجل فيقول: لا تحدث وإلا استعديت عليك السلطان. فعلى هذه الجملة كان ذبّهم عن حريم السنّة. وشواهد ما ذكرنا كثيرة، وفيما ذكرنا عن التطويل غنية. وهذه مقدمة لكتاب «دلائل النبوة» وبيان ما جرى عليه أحوال صاحب الشريعة، صلوات الله عليه- أشار بها عليّ الشيخ أبو الحسن: حمزة بن محمد البيهقيّ، رحمه الله، بحسن عقيدته، وجميل نيته في معرفة معجزات النبي والرسول المرتضى محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وما جرى عليه أحواله ليتوصّل بها إلى معرفة ما أوردته فيه من الأحاديث، مع ذكر تراجمه في الجزء الذي يليه. ويعلم أن كلّ حديث أوردته فيه قد أردفته بما يشير إلى صحته، أو تركته مبهما وهو مقبول في مثل ما أخرجته. وما عسى أوردته بإسناد فيه ضعف أشرت إلى ضعفه، وجعلت الاعتماد على غيره. وقد صنف جماعة من المتأخرين في المعجزات وغيرها كتبا [ (101) ] ، وأوردوا فيها
أخبارا كثيرة من غير تمييز منهم صحيحها من سقيمها، ولا مشهورها من غريبها، ولا مرويّها من موضوعها، حتى أنزلها من حسنت نيته في قبول الأخبار منزلة واحدة في القبول، وأنزلها من ساءت عقيدته في قبولها منزلة واحدة في الردّ. وعادتي- في كتبي المصنّفة في الأصول والفروع- الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار. ومن أنعم النظر في اجتهاد أهل الحفظ في معرفة أحوال الرواة، وما يقبل من الأخبار، وما يردّ- علم أنهم لم يألوا جهدا في ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الابن يقدح في أبيه إذا عثر منه على ما يوجب ردّ خبره، والأب في ولده، والأخ في أخيه، لا تأخذه فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، ولا تمنعه في ذلك شجنة رحم ولا صلة مال. والحكايات عنهم في ذلك كثيرة، وهي في كتبي المصنّفة في ذلك مكتوبة. ومن وقف على تمييزي في كتبي بين صحيح الأخبار وسقيمها، وساعده التوفيق- علم صدقي فيما ذكرته. ومن لم ينعم النّظر في ذلك، ولم يساعده التوفيق- فلا يغنيه شرحي لذلك، وإن أكثرت، ولا إيضاحي له، وإن بلغت، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وجل: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [ (102) ] .
جماع ذكر الأبواب والتراجم التي اشتمل [103] عليها كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة محمد بن عبد الله خير البرية ورسول رب العزة صلى الله عليه وعلى آله وسلم [104]
جماع ذكر الأبواب والتراجم التي اشتمل [ (103) ] عليها كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة محمد بن عبد الله خير البرية ورسول رب العزة صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم [ (104) ] أبواب في ميلاد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، وتاريخه وما يتصل به من الأبواب في نذر جدّه عبد المطلب، والآثار الَّتِي ظَهَرَتْ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وقبلها وبعدها، وكيف فعل ربنا بأصحاب الفيل في الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أمر تبّع، وما جَاءَ فِي ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ شُرَفِهِ، وَرُؤْيَا الموبذان، وخمود النيران ليلة ولد. باب في رَضَاعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُرْضِعَتِهِ وَحَاضِنَتِهِ وما ظهر عليه من الآيات عندها. باب في أسمائه. باب في كنيته. باب في شرف أصله ونسبه. باب في وفاة أبيه وأمه، ووفاة جدّه. باب في صفته من قرنه [ (105) ] إلى قدمه.
باب في صفة خاتم النبوة. باب جامع في صفته. باب في أخلاقه [وشمائله] [ (106) ] . باب [ (107) ] فِي زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا واختياره الفقر على الغنى وجلوسه مع الفقراء وكونه أجزأ [ (108) ] الناس باليد، واجتهاده في طاعة ربه. باب في مثله ومثل الأنبياء قبله، وأنه خاتم النبيين. باب فِي مَثَلِهِ وَمَثَلِ أُمَّتِهِ ومثل الْهَدْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ. باب في صفته فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ. باب ما وجد في صورته وصورة الأنبياء قبله بالشام. جماع أبواب ما ظهر علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الآيات قبل ولادته، وبعد مبعثه، وما كان تجري عليه أحواله حتى بعث نبيا، صلى الله عليه وسلم. فمن ذلك: مَا جَاءَ فِي شَقِّ بطنه. ومن ذلك إِخْبَارِ سَيْفِ بْنِ ذِي يزن بحاله. ومن ذلك استسقاء عبد المطلب، وشفقته عليه، وتوصيته به، وإحساسه بأمره. ومن ذلك خروجه مع أبي طالب، ورؤية بحيرا الراهب من صفته ما
اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ فِي كتبهم. ومن ذلك حفظ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَنِ أقذار الجاهلية. باب في بناء الكعبة وما ظهر فيه عليه من الآيات. باب في ذكر ما كان يستغل به قبل تزويجه خديجة، ثم في تزوجه بها، والآثار التي كانت تظهر عليه. وأبواب فِي إِخْبَارِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ بما كانوا يجدون فِي كُتُبِهِمْ مِنْ خُرُوجِهِ وصدقه في رسالته. وفيها قصّة إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وحديث قس بن ساعدة الإيادي وغيره ممن أخبر به، وحديث زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وإخبارهما به. جماع أبواب المبعث: فمن ذلك: الْوَقْتُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ نبيا. ثم في ذكر سنه حين بعث نبيا. ثم في ذكر الشهر وَالْيَوْمِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فيه، وما ظهر من مبتدأ البعث والتنزيل من الآيات مِنْ تَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عليه، وفي أول سورة نزلت عليه، وفيمن تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وما ظهر لبعضهم من الآيات العجيبة. ثم في مبتدأ الفرض عليه ثم على الناس، وفيما أمر به من تبليغ الرسالة، وَمَا جَاءَ فِي عِصْمَةِ الله إِيَّاهُ حَتَّى بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وما ظهر عليه عند ذلك من الآيات في اعْتِرَافِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الإعجاز.
ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الغفاري، ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. ثُمَّ في ذكر إسلام ضماد، ثم في إِسْلَامِ الْجِنِّ، وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ واحد مما ذكرنا من الآيات. ثم في بَيَانِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يخرج عليه قول الكهان حقا، والبيان أن ذلك أو أكثره انْقَطَعَ بِظُهُورِ نَبِيِّنَا، صَلَّى الله عليه وسلم. ثم في إِعْلَامِ الْجِنِّيِّ صَاحِبَهُ بِخُرُوجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَمَا [ (109) ] سُمِعَ مِنَ العجل الذي ذبح بخروجه، وحديث سواد بن قارب، وسبب إسلام مازن الطّائي، وخفاف بن نضلة، وغيره. ثم سُؤَالِ [ (110) ] الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بِمَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. ثم في ذكر أسئلتهم إياه وهو بمكة. ثم في ذِكْرِ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أخرجهم إلى الهجرة، وإخباره فيما بين ذلك بإتمام أمره ووجود صدقه فيه، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ في ذلك. ثم باب في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثُمَّ الثَّانِيَةِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَتَصْدِيقِ النجاشي ومن تبعه إياه.
ثم باب في دُخُولِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. ثم في ذكر المستهزئين الذين كفاه الله أمرهم، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من الآيات. ثم في ذكر دعائه عَلَى مَنِ اسْتَعْصَى مِنْ قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ. ثم في ذكر آيَةِ الرُّومِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ تصديقه. ثم في دعائه عَلَى سَبْعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ عَلَى ابْنِ أَبِي لهب، وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ. ثم باب في وفاة أبي طالب. ثم باب في وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. ثُمَّ باب في الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى. ثم في العروج به إلى السماء، وما ظهر عليه من الآيات في معراجه وإخباره بما رأى، وبفرض الصلوات الخمس. ثم باب فِي تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعَائِشَةَ بنت الصديق، وسودة بنت زمعة. ثم في عَرْضِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفْسَهُ عَلَى قبائل العرب، حتى أَكْرَمَ اللهُ بِهِ الْأَنْصَارَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وفيه حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، وإياس بن معاذ، وأبان بْنِ عَبْدِ اللهِ
البجليّ، وسعد بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَا سُمِعَ مِنَ الهاتف بمكة. باب في ذكر العقبة الأولى، وبيعة مَنْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ مِنَ الأنصار على الإسلام. وباب في ذِكْرِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ مَنْ حضر من الأنصار. ثم في هجرة بعض الاصحاب إلى المدينة. ثم في مَكَرِ الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وعصمة الله إياه. ثم فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِلَى الْغَارِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من الآثار. ثم في اتِّبَاعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جعثم، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من دلائل النبوة. ثم في اجتيازه بخيمتي أمّ معبد، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من الدلائل، وفي غير ذلك من هجرته إلى المدينة. ثم في استقبال من استقبله من أصحابه. ثم في الأنصار، ودخوله المدينة، وَنُزُولِهِ، وَفَرَحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَجِيئِهِ، والآثار الَّتِي ظَهَرَتْ فِي نُزُولِهِ، وخروج صهيب في أثره، وما ظهر من إعجاز القرآن بالخبر عن شأنه. ثم في ذكر خطبته بالمدينة. ثم فِي دُخُولِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ عليه وإسلامه، وإسلام أصحابه، وشهادتهم بأنه النَّبِيُّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.
باب فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، بالمدينة، وذكر المسجد الذي أسس على التقوى، وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، عند بنائه مسجده بما وجد تصديقه بعده من قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وآخر شراب يشربه. وباب في ذكر اتخاذ المنبر، وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ وَضْعِهِ وجلوسه عليه من دلائل النبوة بحنين الجذع الذي كان يخطب عنده. وباب فيما لقي أصحابه مِنْ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمُوهَا، وَعِصْمَةِ اللهِ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عنها. ثم دعائه بنقل وبائها عنها، ثم تحريمه المدينة. ثم باب في تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ. ثم باب في الإذن بالقتال. ثم جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَرَايَاهُ. فأول سراياه: بعث عمه حمزة، وعبيد بن الحارث، وسعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَغَزْوَةُ الأبواء. وغزوة رضوى والعشيرة، وبدر الأولى، وسرية عبد الله ابن جحش. باب غزوة بدر العظمى. وهي تشتمل على أبواب كثيرة. وفيها ما ظهر عليه في تلك الغزوة من دلائل النبوة بنزول الملائكة وغيرها. ثم باب في قصة ابنته زينب وهجرتها.
ثم باب في تزوجه بحفصة بنت عمر، ثُمَّ بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ وَتَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ من عثمان بَعْدَ وَفَاةِ ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ. ثم تزويجه فاطمة من عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. ثم في خروجه ومرجعه من بدر إلى بني سليم. ثم غزوة ذات السّويق. ثم غزوة غطفان، وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ آثار النبوة. ثم في غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ. ثُمَّ في غَزْوَةِ قُرَيْشٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ. ثم في غزوة بني قينقاع. ثم في غزوة بني النّضير في قول من زعم أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ، وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ آثار النبوة. باب فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأشرف وكفاية الله شرّه. باب في غزوة أحد. وهذا الباب يشتمل على أبواب. وفيها: ذكر ما ظهر عليه في الشهداء وغيرهم من دلائل النبوة. ثم في خروجه إلى حمراء الأسد. ثم سريّة أبي سلمة. ثم غَزْوَةِ الرَّجِيعِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ دلائل النبوة. ثم في سَرِيَّةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ. ثم غزوة بئر معونة. ثم في غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ الدلائل. ثم في دَعْوَةِ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْيَهُودِيِّ إِلَى الْإِسْلَامِ، واعترافه ومن تبعه مِنَ الْيَهُودِ بِوُجُودِ صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ ثم في غزوة بني لحيان.
ثم فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وعصمة اللهِ تَعَالَى رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا هَمَّ بِهِ المشركون، ولحوق بركته بَعِيرِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. وَغَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةُ. وَغَزْوَةُ دومة الجندل الأولى. باب غزوة الخندق. وهذا الباب يشتمل على أبواب. وفيها: ذكر ما ظهر عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ دَلَائِلِ النبوة. باب فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سفيان، وبأم سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وبزينب بنت جحش. باب فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمَا ظَهَرَ فِي رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى مِنَ الصَّحَابَةِ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ دلائل النبوة، وغير ذلك من دعاء سعد ابن معاذ، وإسلام ابني سعية. ثم في قتل ابن أبي الحقيق. ثم في قَتْلِ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ، وما فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ مِنْ دلائل النبوة. بَابُ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ دلائل النبوة. وفيه ذكر حديث الإفك. ثم سريّة نجد. ثم ذِكْرِ السَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ في هذه السنة. باب عمرة الحديبية. وهذا الباب يشتمل على أبواب.
وفيها: ذكر ما ظهر في بئر الحديبية وغيرها من دلائل النبوة. وفي خروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم. وفي البيعة تحت الشجرة وكيفية الصلح. ونزول سورة الفتح، وما فيها من وعد الله فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ الحرام، وغير ذلك، وظهور الصدق في جميع ذلك. ثم في إسلام أم كلثوم، ثُمَّ مَا جَاءَ فِي أمر أَبِي بَصِيرٍ الثَّقَفِيِّ وَأَصْحَابِهِ. ثم في غزوة ذي قرد. باب في غزوة خيبر. - وهذا الباب مشتمل على أبواب- وَمَا ظَهَرَ فِيهَا عَلَى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من دلائل النبوة في دعائه وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ. وإخبار ذراع الشاة إياه بأنها مسمومة. وقدوم جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَشْعَرِيِّينَ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، بِخَيْبَرَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ. ثم في انصرافه مِنْ خَيْبَرَ وَتَوَجُّهِهِ إِلَى وادي القرى. ثم فِي نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الطريق من الآثار. ثم في حديث أبي قتادة في أمر الميضأة. ثم في ذِكْرِ السَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَبْلَ عمرة القضيّة. ثُمَّ مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ القضية، ثم في ذكر تزوجه بميمونة بنت الحارث، ثم فِي خُرُوجِ ابْنَةِ حَمْزَةَ من مكة. ثم في ذِكْرِ سَرِيَّةِ ابْنِ أَبِي العوجاء. ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ العاص وخالد بن الوليد.
ثم في ذكر سرايا كانت بعد ذلك. ثم في غزوة مؤتة، وإخباره بوقعتهم قبل مجيء خبرهم. ثم فِي كِتَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الجبارين يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثم في كتابه إلى قيصر وَمَا فِي قِصَّتِهِ مِنْ دلائل النبوة. ثم في كتابه إلى كسرى ودعائه عليه، وإخباره بهلاكه وفتح كنوزه. ثم في كتابه إلى المقوقس. ثم فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ. ثم في سرية أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ. ثم في نعيه النجاشي إلى الناس. باب فتح مكة: وهذا الباب يشتمل على أبواب. وفيها: ذكر تصديق الله تعالى لِرَسُولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم. وفيها ذكر إسلام أبي قحافة أبي أبي بكر. وقصة صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وإسلام من أسلم من الفتحيين، ثم في بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة. بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصدق. ثم في مسيره إلى الطائف. ثم في رجوعه إلى الجعرانة وقسمه الغنيمة بها. ثم في وفود وفد هوازن، وما جرى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ فِي عمرته من الجعرّانة.
ثم فِي قُدُومِ كَعْبِ بْنِ زهير إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا رجع إلى المدينة. باب غزوة تبوك: وهذا الباب يشتمل على أبواب. وفيها: ذكر ما ظهر عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. وفيها: بِعْثِهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلى أكيدر دومة. وفيها: رجوعه من تبوك، وعصمة الله إياه من مكر المنافقين. ثم في تلقيه الناس وما جرى في مسجد الضّرار، وَمَا قَالَ فِي الْمُخَلَّفِينَ عنه. وفيه، حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وصاحبيه وتوبة الله تعالى عليهم. ثم في ذكر مرض عبد الله بن أبي المنافق، وقصة ثعلبة بن حاطب. باب في حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وقراءة عليّ أوّل سورة براءة في هذه الحجّة على الناس. ثم باب في ذكر قُدُومِ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَهُمْ أهل الطائف. ثم باب في وُفُودِ الْعَرَبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، وَدُخُولِ النَّاسَ فِي دِينِ اللهِ أفواجا، ثم في بعثه أمراءه إلى النواحي. ثم فِي قُدُومِ هَامَةَ بْنِ هَيْمَ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِسْلَامِهِ. ثم فيما روى في إلياس ووصى عيسى بن مريم، عليهما السلام. ثم في وفاة إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَابُ حجة الوداع:
ثم أبواب في عدد حجاته، وغزواته، وسراياه. ثم باب فيما خص الله به نبيه وتحدّثه بنعمة ربه. ثم في مَا جَاءَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. جماع أبواب دلائل النبوة سوى ما مضى ذكره في الأوقات التي ظهرت فيها. بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِنَبِيِّنَا، عليه السلام، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الخبر مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بين أصابعه، ومشي العذق الذي دعاه إِلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُجُوعِهِ إِلَى مكانه بإذنه. ثم في سجود الجمل له. ثم في ذِكْرِ الْوَحْشِ الَّذِي كَانَ يتواضع إليه والحمّرة التي شكت إليه حاله، والظبية التي شهدت له بالرسالة، والضب والذئب اللذين شهدا له بالرسالة. ثم في الأسد الذي احترم مولاه سفينة. ثم في المجاهد الَّذِي بُعِثَ حِمَارُهُ بَعْدَ ما نفق. ثم في المهاجرة التي أحيا الله بدعائها ولدها وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الخبر من قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. ثم في شهادة الذئب لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، بالرسالة، ثم فِي شَهَادَةِ الرَّضِيعِ وَالْأَبْكَمِ. ثم فِي تَسْبِيحِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فِي تسبيح
الحصيات في كفه وكف بعض أصحابه. ثم في حنين الجذع. ثم فِي وُجُودِ رَائِحَةِ الطِّيبِ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ يسلكه. ثم في سجود الشجر والحجر له. ثم فِي تَأْمِينِ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ وحوائط البيت على دعائه. ثم في رؤيته أصحابه من وراء ظهره. ثم فِي الْبَرْقَةِ الَّتِي بَرَقَتْ لابني ابنته. ثم في إضاءة عصا الرجلين والرجل من أصحابه، وإضاءة أصابع بعضهم في الليلة المظلمة. وغير ذلك من الآثار. ثم في أبواب دعواته الْمُسْتَجَابَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وغيرها، ودعواته بالشفاء وغيرها، وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ في جميعها، وظهور بركاته فيما دعا فيه. وذكر تراجمها يطول في هذا الموضع لكثرتها. ثم دعواته على من دعا عليه من الكفار وإجابة الله إياه. ثم أبواب في أَسْئِلَةِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتِبْرَائِهِمْ عن أحواله وصفاته وإسلام من أسلم منهم. ثم أبواب فِي إِخْبَارُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا كان قبل وصول الخبر إليه من جهة الآدميين. ثم أبواب فِي إِخْبَارُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْكَوَائِنِ بعده، وتصديق اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي جميع ذلك، فمنها ما وجد تصديقه في عصره، ومنها ما وجد تصديقه في زمان خلفائه، ومنها ما وجد تصديقه بعدهم. ثم أبواب فيمن رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، أو
سمعه من قبر أو غيره. ثم أبواب في كَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظُهُورِ آثَارِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ رَأَى جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ أصحابه أو غيره من الملائكة. ثم باب في الرّقية بكتاب الله والتحرز بذكره. ثم فيمن رأى الشيطان من أصحابه، وما ذكر في التّحرّز عنه. ثم فيما ظَهَرَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي وقته من النّكال. ثم باب فيما أعطى نبينا، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، مِنَ الْآيَةِ الْكُبْرَى الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا قَوْمُهُ. ثم أبواب في نزول القرآن وتأليفه. جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَوَفَاتِهِ، وَمَا ظَهَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ ودلالات الصدق، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين. ثُمَّ مَا جَاءَ فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ودفنه، وعظم الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ بوفاته، وتعزية الملائكة إياهم على المصيبة به. ثم في معرفة أهل الكتاب وفاته قَبْلَ وُقُوعِ الْخَبَرِ إِلَيْهِمْ بما كانوا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التوراة والإنجيل، ثُمَّ مَا جَاءَ فِي تركته (و) في ذكر أزواجه وأولاده، صلوات الله عليه وعليهم، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عن ذكره الغافلون. قال الشيخ رحمه الله: هذا آخر عهدي فيما أشار الشيخ الرئيس من
«المدخل إلى كتاب دلائل النبوة» فإن وقع بمراده فبتوفيق الله جل ثناؤه، ثم بجميل نيته، وحسن اعتقاده. وإن رأى فيه خللا أو تقصيرا فلضعف بدني، وكلال عيني، بكثرة أحزاني بسبب أولادي، واعتمادي بعد فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ على المعهود من كرمه في إحسانه إليهم وتقديم العناية والرعاية في جميع ما ينوبهم، ودعائي لهم ولأعزته بالخير الدائم، وثنائي عليه بالجميل الواجب، والله يستجيب فيه وفي ذويه صالح الدعوات، ويقيه ويقيهم من جميع المكاره والآفات، بفضله وجوده، والسلام عليه ورحمته وبركاته. [والحمد لله وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وصلواته على محمد خير خلقه أجمعين، وآله الطيبين الطاهرين، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وصلّى الله على سيدنا محمد وسلّم. وحسبنا الله ونعم الوكيل] [ (111) ] .
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة
تقدمة المصنف للكتاب
[تقدمة المصنف للكتاب] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله [وصحبه. قال الإمام الحافظ أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ، مصنف هذا الكتاب، رحمه الله، ونفع بعلومه] [ (1) ] : الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السّموات وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، وَابْتَدَعَ الْجَوَاهِرَ وَالْأَعْرَاضَ، وَرَكَّبَ الصُّوَرَ وَالْأَجْسَادَ، وَقَضَى الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، وَقَدَّرَ الْمَعَاشَ وَالْمَعَادَ، وَأَعْطَى مَنْ شَاءَ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْمَعْرِفَةَ وَالْعَقْلَ وَالنَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْهِدَايَةَ وَالرَّشَادَ، وَبَعَثَ [ (2) ] الرُّسُلَ بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، مُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ [ (3) ] مَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرِينَ بِالنَّارِ [ (4) ] مَنْ عَصَاهُ، وَأَيَّدَهُمْ بِدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَاتِ الصِّدْقِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَخَصَّنَا بِالنَّبِيِّ الْمَكِينِ، وَالرَّسُولِ الْأَمِينِ، سيّد المرسلمين، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، أَبِي الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَفْضَلِ خَلْقِهِ نَفْسًا، وَأَجْمَعِهِمْ لِكُلِّ خُلُقٍ رَضِيٍّ فِي دِينٍ ودنيا، وخيرهم نسبا،
وأشرفهم دار، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، إِلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْخَلْقِ. فَتَحَ بِهِ رَحْمَتَهُ، وَخَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ، وَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ، وَاجْتَبَاهُ لِبَيَانِ شَرِيعَتِهِ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ مَعَ ذِكْرِهِ. وَأَنْزَلَ مَعَهُ كِتَابًا عَزِيزًا، وَقُرْآنًا كَرِيمًا، مُبَارَكًا مَجِيدًا، دَلِيلًا مُبِينًا، وَحَبْلًا مَتِينًا، وَعِلْمًا زَاهِرًا، وَمُعْجِزًا بَاهِرًا، اقْتَرَنَ بِدَعْوَتِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَنْ يَدْعُوَ مُخَالِفِيهِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ- وَالْعَرَبِيَّةُ طَبِيعَتُهُمْ، وَالْفَصَاحَةُ جِبِلَّتُهُمْ، وَنَظْمُ الْكَلَامِ صَنْعَتُهُمْ- فَعَجَزُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ، وَعَدَلُوا عَنْهَا إِلَى الْمُسَايَفَةِ الَّتِي هِيَ أَصْعَبُ مِمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَتَحَدَّاهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ، - عَزَّ وَجَلَّ-: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (5) ] مَعَ سَائِرِ مَا آتَاهُ اللهُ وَحَبَاهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَاتِ، وَالْبَيِّنَاتِ الْبَاهِرَاتِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ (6) ] . فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى النَّصِيحَةَ، وَأَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَأَنَارَ الطَّرِيقَ، وَبَيَّنَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ. فَصَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَزْكَاهَا، وَأَطْيَبَهَا وَأَنْمَاهَا. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَمَّا فَرَغْتُ- بِعَوْنِ اللهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ- مِنْ تَخْرِيجِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ [ (7) ] ، وَالرُّؤْيَةِ [ (8) ] ، وَالْإِيمَانِ [ (9) ] ، وَالْقَدَرِ وَعَذَابِ
الْقَبْرِ [ (10) ] ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ [ (11) ] ، وَالْمِيزَانِ، وَالْحِسَابِ، وَالصِّرَاطِ، والخوض، وَالشَّفَاعَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ وَتَمْيِيزِهَا [ (12) ] ، لِيَكُونَ عَوْنًا لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَاسْتَشْهَدَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْهَا فَلَمْ يَعْرِفْ حَالَهَا [ (13) ] ، وَمَا يُقْبَلُ وَمَا يُرَدُّ [ (14) ] مِنْهَا- أَرَدْتُ، وَالْمَشِيئَةُ لِلَّهِ، تَعَالَى، أَنْ أَجْمَعَ بَعْضَ مَا بَلَغَنَا مِنْ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ. فَاسْتَخَرْتُ اللهَ، تَعَالَى، فِي الِابْتِدَاءِ، بِمَا أَرَدْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فِي إِتْمَامِ مَا قَصَدْتُهُ، مَعَ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنْ شَرَفِ أَصْلِهِ، وَطَهَارَةِ مَوْلِدِهِ، وَبَيَانِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَدْرِ حَيَاتِهِ، وَوَقْتِ وَفَاتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى نَحْوِ مَا شَرَطْتُهُ فِي مُصَنَّفَاتِي، مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّحِيحِ مِنَ السَّقِيمِ، وَالِاجْتِزَاءِ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْغَرِيبِ [ (15) ] إِلَّا فِيمَا لَا يَتَّضِحُ الْمُرَادُ مِنَ الصَّحِيحِ أَوِ الْمَعْرُوفِ دُونَهُ، فَأُورِدُهُ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الصَّحِيحِ، أَوِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالتَّوَارِيخِ. وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ حَسْبِي فِي أُمُورِي، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
جماع أبواب مولد النبي [16] صلى الله عليه وسلم، [17]
جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ [ (16) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، [ (17) ] باب بيان [ (18) ] اليوم الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ [ (19) ] ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، [ (20) ] قَالَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ معبد الزماني، عن أبي قتادة:
أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ [ (22) ] ؟ فَقَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» [ (23) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (24) ] أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [ (25) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَرِيرٍ- وَهُوَ غَيْلَانُ. (ح) [ (26) ] وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا [ (27) ] عَمْرُو بْنُ السَّمَّاكِ، بِبَغْدَادَ، وَالْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، بِنَيْسَابُورَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ معبد الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأنصاري:.
أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ، فَقَالَ: «ذَاكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» [ (28) ] أَخْرَجَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ: مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، وَأَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْمَخْزُومِيُّ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الاثنين. [ (29) ]
باب الشهر الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ [ (30) ] بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، عَامَ الْفِيلِ، [ (31) ] ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
باب العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم [32]
بَابُ الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (32) ] * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفِيلِ [ (33) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (34) ] أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمَ الْفِيلِ» [ (35) ] . * قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قال: حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، يَعْنِي ابْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- قَالَ: وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفِيلِ، كُنَّا لِدَيْنِ. [ (36) ] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ عُكَاظَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ [ (37) ] : مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ المروزي،
الْفَقِيهُ، قَالَ [ (38) ] : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ الْفِيلِ. [ (39) ] قَالَ: وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ، أَخَا بَنِي يَعْمَرَ بْنِ لَيْثٍ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَوْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ. وَرَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ أَخْضَرَ مُحِيلًا [ (40) ] . وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، فَقَالَ: خَذْقَ الطَّيْرِ أَخْضَرَ مُحِيلًا. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (41) ] أَحْمَدُ بْنُ علي المقري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. فَذَكَرَهُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْجِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (42) ] عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي
ثَابِتٍ- مَدِينِيٌّ- قَالَ: حَدَّثَنَا [ (43) ] الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بن مروان، يَقُولُ لِقُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ الكناني، ثُمَّ اللَّيْثِيِّ: يَا قُبَاثُ! أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَامَ الْفِيلِ، وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ. وَتُنُبِّئَ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ [ (44) ] . * حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، عَامَ الْفِيلِ، وَكَانَتْ عُكَاظُ بَعْدَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُنِيَ الْبَيْتُ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [ (45) ] مِنَ الْفِيلِ، وَتُنُبِّئَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ [ (46) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُنْذِرِ ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ بَيْنَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْفِيلِ سَبْعُونَ سنة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا وَهْمٌ، وَالَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنَّ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ، وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (47) ] أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ [ (48) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ. قَالَ يَعْقُوبُ: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: أَنَا لِدَةُ [ (49) ] رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وُلِدْتُ عَامَ الْفِيلِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَصْغَرُ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم، بسنتين [ (50) ] .
باب ذكر مولد المصطفى، صلى الله عليه وسلم، والآيات التي ظهرت عند ولادته وقبلها وبعدها
بَابُ ذِكْرِ مَوْلِدِ الْمُصْطَفَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَالْآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشام [ (51) ] .
وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ. وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ» يُرِيدُ بِهِ [ (52) ] : أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي قَضَاءِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْبَشَرِ، وَأَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: «وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ: [عَلَيْهِ السَّلَامُ» يُرِيدُ بِهِ] [ (53) ] : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا أَخَذَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، دَعَا اللهَ، تَعَالَى جَدُّهُ، أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْبَلَدَ آمِنًا، وَيَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَيَرْزُقَهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ والطيبات، ثم قال: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (54) ] فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ فِي نَبِيِّنَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَهُ الرَّسُولَ الَّذِي سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَدَعَاهُ أَنْ يَبْعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى، لَمَّا قَضَى أَنْ يَجْعَلَ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ- أَنْجَزَ هَذَا الْقَضَاءَ بِأَنْ قَيَّضَ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلدُّعَاءِ الَّذِي ذَكَرْنَا، لِيَكُونَ إِرْسَالُهُ إِيَّاهُ بِدُعَائِهِ كَمَا يَكُونُ تَقَلُّبُهُ [ (55) ] مِنْ صُلْبِهِ إِلَى أَصْلَابِ أَوْلَادِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي» فَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى، أَمَرَ عِيسَى، عليه
السَّلَامُ، فَبَشَّرَ بِهِ قَوْمَهُ، فَعَرَفَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ» فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ-: مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَكَانَتْ [ (56) ] آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلى [ (57) ] الأرض فقولي: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ ... مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ مِنْ كُلِّ بِرِّ عَاهِدْ ... وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدْ يَرُودُ [ (58) ] غَيْرَ رَائِدْ فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَاجِدْ ... حَتَّى أَرَاهُ [ (59) ] قَدْ أَتَى الْمَشَاهِدْ [ (60) ] قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يملأ قصور بصرى من أَرْضِ الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ: أَحْمَدُ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَاسْمَهُ فِي الْإِنْجِيلِ: أَحْمَدُ [ (61) ] ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأرض،
وَاسْمَهُ فِي الْفُرْقَانِ: مُحَمَّدٌ. فَسَمَّيْتُهُ [ (62) ] بِذَلِكَ. * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، إملاء وَقِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (63) ] أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ: حَدَّثَكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي عِنْدَ اللهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ [ (64) ] الشَّامِ. قَصَّرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بِإِسْنَادِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عبد الأعلى بن هلال، وَقَصَّرَ بِمَتْنِهِ، فَجَعَلَ الرُّؤْيَا بِخُرُوجِ [ (65) ] النُّورِ مِنْهَا وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. فَقَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أضاءت له
بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ [ (66) ] . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ. (ح) [ (67) ] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وبشرى عيسى بن مَرْيَمَ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ [ (68) ] . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: [ (69) ] خَرَجَ مِنِّي. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سنان العوقي [ (70) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ الفجر، قال:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى كُتِبْتَ [ (71) ] نَبِيًّا؟ قَالَ: وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ [ (72) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ [ (73) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ التَّمِيمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بُنْدَارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الضَّبِّيُّ، الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَأَجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللهِ أَبْتَغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ. فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَيْتِ، وقال: لا همّ [ (74) ] إِنَّ الْمَرْءَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَكَ وَذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا فِي الْحَرَمِ حَتَّى أَهْلَكَ اللهُ، تَعَالَى، الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ فِيهِمْ، لِصَبْرِهِ [ (75) ] وَتَعْظِيمِهِ مَحَارِمَ اللهِ تَعَالَى. فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَهُ أَكْبَرُ بَنِيهِ- قَدْ أَدْرَكَ- وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمْ، خَبِيَّةَ الشَّيْخِ الْأَعْظَمْ. فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: اللهُمَّ بَيِّنْ لِي. فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى: احْفِرْ تُكْتَمَ بَيْنَ الفرث
وَالدَّمِ، فِي مَبْحَثِ الْغُرَابِ، فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ [ (76) ] مُسْتَقْبِلَةً الْأَنْصَابَ الْحُمْرَ. فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَمْشِي حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْتَظِرُ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَنُحِرَتْ بَقَرَةٌ بِالْحَزْوَرَةِ [ (77) ] فَانْفَلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهَا، حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ. فَنُحِرَتْ تِلْكَ الْبَقَرَةُ فِي مَكَانِهَا حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ، فَبَحَثَ عَنْ قَرْيَةِ النَّمْلِ. فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَحَفَرَ هُنَالِكَ. فَجَاءَتْهُ [ (78) ] قُرَيْشٌ، فَقَالَتْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصَّنِيعُ؟ إِنَّا لَمْ نَكُنْ نَزُنُّكَ [ (79) ] بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحْفِرُ فِي مَسْجِدِنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ البئر، ومجاهد من ضدّني عَنْهَا. فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَتَسَفَّهَ عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَازَعُوهُمَا وَقَاتَلُوهُمَا [ (80) ] . وَتَنَاهَى عَنْهُ أُنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصِدْقِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ [ (81) ] يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، نَذَرَ إِنْ وُفِّيَ [ (82) ] لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يَنْحَرُ أَحَدَهُمْ. ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ حَيْثُ [ (83) ] دُفِنَتْ. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ، قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَحْذِنَا [ (84) ] مِمَّا وَجَدْتَ. فَقَالَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ: إِنَّمَا هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ اللهِ. فَحَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ [ (85) ] الْمَاءَ، فَخَرَقَهَا فِي الْقَرَارِ، ثُمَّ بَحَّرَهَا حَتَّى لَا تُنْزَفَ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا. فَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ، فَيَمْلَآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسِرَهُ أُنَاسٌ حَسَدَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، فَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا إِفْسَادَهُ [ (86) ] دَعَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلِ: اللهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كُفِيتَهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ حَوْضَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رُمِيَ فِي جَسَدِهِ بِدَاءٍ، حَتَّى تَرَكُوا حَوْضَهُ وَسِقَايَتَهُ. ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ، فَوُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ رَهْطٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ، وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ. فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عبد المطلب، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: اللهُمَّ أَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؟ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِائَةِ، فَكَانَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبْدِ اللهِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ أَحْسَنَ من رؤي فِي قُرَيْشٍ قَطُّ [ (87) ] ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ، أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ هَذَا الْفَتَى فَتَصْطَادَ [ (88) ] النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ؟ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا. قَالَ: فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَامَعَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ، فَتُوُفِّيَ بِهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ [ (89) ] فِي حِجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ سُوقَ عُكَاظَ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ عُكَاظَ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا. فَزَاغَتْ [ (90) ] بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَأَنْجَاهُ اللهُ تَعَالَى. ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ تَحْضِنُهُ، جَاءَتْ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّتَاهُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي الْقُرَشِيَّ آنِفًا فَشَقُّوا بَطْنَهُ. فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً حَتَّى تَأْتِيَهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعٌ لَوْنُهُ لَا تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا. فَارْتَحَلَتْ بِهِ [ (91) ] حَتَّى أَقْدَمَتْهُ [ (92) ] عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا: اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: لَا وَاللهِ، مَا بِابْنِي مِمَّا تَخَافِينَ [ (93) ] ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، فَيَتِمَ فِي حِجْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَكَانَ وَهُوَ غُلَامٌ يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ، وَقَدْ كَبِرَ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُ جَدَّهُ: انْزِلْ عَنْ وِسَادَةِ جَدِّكَ. فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي، فَإِنَّهُ يحسّ بخير.
قَالَ: فَتُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، غُلَامٌ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ- وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ- فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ، فَلَمَّا نَزَلَ تَيْمَاءَ رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ [ (94) ] فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: هُوَ ابْنُ أَخِي. قَالَ: أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فو الله لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ الشَّامَ لَا تَصِلُ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا، لَتَقْتُلَنَّهُ الْيَهُودُ، إِنَّ هَذَا عَدُوُّهُمْ. فَرَجَعَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، الْحُلُمَ، أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شررة مِنْ مِجْمَرَتِهَا [ (95) ] فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ، فَاحْتَرَقَتْ، فَوَهَى [ (96) ] الْبَيْتُ لِلْحَرِيقِ الَّذِي أَصَابَهُ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَهَابُوا هَدْمَهَا، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَتُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا الْإِصْلَاحَ؟ أَمْ تُرِيدُونَ الْإِسَاءَةَ؟ فَقَالُوا: بَلْ نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى، لَا يُهْلِكُ الْمُصْلِحَ. وَقَالَتْ: فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْلُوهَا فَيَهْدِمَهَا؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَعْلُوهَا فَأَهْدِمُهَا. فَارْتَقَى الْوَلِيدُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَمَعَهُ الْفَأْسُ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّا لَا نُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ. ثُمَّ هَدَمَ. فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدْ هَدَمَ مِنْهَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا يَخَافُونَ مِنَ الْعَذَابِ هَدَمُوهَا مَعَهُ. حَتَّى إِذَا ابْتَنَوْا، فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ: أَيُّ الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ، حَتَّى كَادَ يُشْجَرُ بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمْ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ [ (97) ] هَذِهِ السِّكَّةِ. فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ غُلَامٌ، عَلَيْهِ وِشَاحُ [ (98) ] نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ، فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثم
أَمَرَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ، وَأَمَرَهُمْ [ (99) ] أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَيْهِ. فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ. ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ فِيهِمْ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رَضًا، حَتَّى سَمَّوْهُ الْأَمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. قَالَ: وَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا لِلْبَيْعِ إِلَّا دَعَوْهُ لِيَدْعُوَ لَهُمْ فِيهَا. فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ، اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ، وَهُوَ سُوقٌ بِتِهَامَةَ، وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةٍ أَجْيَدَ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تَخْبَؤُهُ [ (100) ] لَنَا. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سُوقِ حُبَاشَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُ لِصَاحِبِي: انْطَلِقْ بِنَا نَتَحَدَّثْ مَعًا [ (101) ] عِنْدَ خَدِيجَةَ، فَجِئْنَاهَا. فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهَا إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا مُنْشِيَةٌ مِنْ مُوَلِّدَاتِ قُرَيْشٍ- وَفِي رِوَايَةٍ مُسْتَنْشِيَةٌ [ (102) ] ، وَهِيَ الْكَاهِنَةُ مِنْ مُوَلِّدَاتِ قُرَيْشٍ- فَقَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا. قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، قَالَ لِي: أَمِنْ خِطْبَةِ خَدِيجَةَ تستحي؟ فو الله مَا مِنْ قُرَشِيَّةٍ إِلَّا تَرَاكَ [ (103) ] لَهَا كُفُؤًا. قَالَ: فَرَجَعْتُ أَنَا وَصَاحِبِي مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا تِلْكَ الْمُنْشِيَةُ، فقالت:
أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا فَقُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ: أَجَلْ. قَالَ: فَلَمْ تَعْصِنِي [ (104) ] خَدِيجَةُ وَلَا أُخْتُهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا: خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ، فَقَالَتْ لَهُ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب يَخْطُبُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ. فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ، فَأَنْكَحَهُ. قَالَ: فَخَلَّقَتْ [ (105) ] خَدِيجَةُ أَبَاهَا، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِهَا رَسُولُ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صَحَا [ (106) ] الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ، قَالَ: مَا هَذَا الْخَلُوقُ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَتْ أُخْتُ خَدِيجَةَ: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاكَهَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا. فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ. ثُمَّ صَارَ إِلَى أَنْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَاسْتَحْيَا. قَالَ: فَطَفِقَتْ رُجَّازٌ [ (107) ] مِنْ رُجَّازِ قُرَيْشٍ، تَقُولُ: لَا تَزْهَدِي خَدِيجُ فِي مُحَمَّدِ ... جَلْدٌ يُضِيءُ كَإِضَاءِ الْفَرْقَدِ فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ، وَكَانَ لَهُ وَلَهَا: الْقَاسِمُ. وَقَدْ زَعَمَ «بَعْضُ الْعُلَمَاءِ» أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا يُسَمَّى: الطاهر. وقال «بَعْضُهُمْ» : مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ غُلَامًا [ (108) ] إِلَّا الْقَاسِمَ، وَوَلَدَتْ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ: زَيْنَبَ، وَفَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كلثوم.
وَطَفِقَ [ (109) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا وَلَدَتْ بَعْضَ بَنَاتِهِ يُحَبَّبُ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ-[رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ] [ (110) ]- يَجْمَعُ بَيَانَ أَحْوَالٍ مِنْ أَحْوَالِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ تَقَدُّمِ عَامِ الْفِيلِ عَلَى وِلَادَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْرِهِ: أَنَّ وِلَادَةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ عَامَ الْفِيلِ، فَسَبِيلُنَا أَنْ نَبْدَأَ فِي شَوَاهِدِ مَا رَوَيْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِحَدِيثِ زَمْزَمَ:
باب ما جاء في حفر [111] زمزم، على طريق الاختصار
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَفْرِ [ (111) ] زَمْزَمَ، عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ وَهُوَ يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ، قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ أُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ بَرَّةً، فَقَالَ: وَمَا بَرَّةُ؟ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ نَامَ فِي مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرِ الْمَضْنُونَةَ، قَالَ: [ (112) ] وَمَا مَضْنُونَةُ؟ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ عَادَ [ (113) ] فَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ ذَلِكَ فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ طَيْبَةَ، فَقَالَ: وَمَا طَيْبَةُ [ (114) ] ؟ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ عَادَ فَنَامَ بِمَضْجَعِهِ، فأتي، فقيل
لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، فَقَالَ: وَمَا زَمْزَمُ؟ فَقَالَ: لَا تُنْزَفُ وَلَا تُذَمُّ [ (115) ] ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَوْضِعَهَا. فَقَامَ يَحْفِرُ حَيْثُ نُعِتَ لَهُ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: مَا هَذَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ: أُمِرْتُ بِحَفْرِ زَمْزَمَ. فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُ وَبَصُرُوا بِالظَّبْيِ، قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ لَنَا حَقًّا فِيهَا مَعَكَ، إِنَّهَا لَبِئْرُ [ (116) ] أَبِينَا إِسْمَاعِيلَ. فَقَالَ: مَا هِيَ لَكُمْ، لَقَدْ خُصِصْتُ بِهَا دُونَكُمْ، قَالُوا: فَحَاكِمْنَا [ (117) ] ، قَالَ [ (118) ] : نَعَمْ. قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ- وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ- قَالَ: فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي أَبِيهِ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ أَفْنَاءِ قُرَيْشٍ نَفَرٌ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ إِذْ ذَاكَ مَفَاوِزَ فِيمَا بَيْنَ الشَّامِ وَالْحِجَازِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِمَفَازَةٍ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوَا [ (119) ] الْقَوْمَ، قَالُوا: مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَسْقِيَكُمْ، وَإِنَّا لَنَخَافُ [ (120) ] مِثْلَ الَّذِي أَصَابَكُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إِلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَقَالَ: إِنِّي [ (121) ] أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ [ (122) ] حُفْرَةً [ (123) ] بِمَا بَقِيَ مِنْ قُوَّتِهِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ يَدْفَعُهُ صَاحِبُهُ، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ أَهْوَنُ مِنْ ضَيْعَةِ جَمِيعِكُمْ. فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا لِلْمَوْتِ- لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَنَبْتَغِي لَعَلَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَسْقِيَنَا- عَجْزٌ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ارْتَحِلُوا، قَالَ: فَارْتَحَلُوا وَارْتَحَلَ، فلما جلس
عَلَى نَاقَتِهِ فَانْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ عَيْنٌ [ (124) ] مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا بِمَاءٍ [ (125) ] عَذْبٍ، فَأَنَاخَ وَأَنَاخَ أَصْحَابُهُ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَاسْتَقَوْا، ثُمَّ دَعَوْا أَصْحَابَهُمْ: هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللهُ، تَعَالَى، فَجَاءُوا وَاسْتَقَوْا وَسَقَوْا، ثُمَّ قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ وَاللهِ قُضِيَ لَكَ، إِنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا [ (126) ] الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، انْطَلِقْ فَهِيَ لَكَ، فَمَا نَحْنُ بِمُخَاصِمِيكَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَانْصَرَفُوا، وَمَضَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَحَفَرَ، فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ كَانَتْ جُرْهُمٌ [ (127) ] دَفَنَتْ فِيهَا حِينَ أُخْرِجَتْ مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ بِئْرُ [ (128) ] إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، الَّذِي سَقَاهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حِينَ ظمئ وهو صغير.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَوَجَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَسْيَافًا مَعَ الْغَزَالَيْنِ [ (129) ] ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ شِرْكٌ وَحَقٌّ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَلُمُّوا إِلَى أَمْرٍ نَصَفٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ. فَقَالُوا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: اجْعَلُوا لِلْكَعْبَةِ قَدَحَيْنِ، وَلَكُمْ قَدَحَيْنِ، وَلِي قَدَحَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ شَيْءٌ كَانَ لَهُ. فَقَالُوا لَهُ [ (130) ] : قَدْ أَنْصَفْتَ، وَقَدْ رَضِينَا. فَجَعَلَ قد حين أصفرين للكعبة، وقد حين أسودين لعبد المطلب [ (131) ] ، وقد حين أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشٍ، ثُمَّ أَعْطَوْهَا الَّذِي يَضْرِبُ بِالْقِدَاحِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ويقول: لا همّ أَنْتَ الْمَلِكُ الْمَحْمُودْ ... رَبِّي وَأَنْتَ [ (132) ] الْمُبْدِئُ الْمُعِيدْ وَمُمْسِكُ الرَّاسِيَةِ الْجُلْمُودْ ... مِنْ عِنْدِكَ الطَّارِفُ وَالتَّلِيدْ إِنْ شِئْتَ أَلْهَمْتَ لِمَا تُرِيدْ ... لِمَوْضِعِ الْحِلْيَةِ وَالْحَدِيدْ فَبَيِّنِ الْيَوْمَ لِمَا تُرِيدْ ... إِنِّي نَذَرْتُ عَاهِدَ [ (133) ] الْعُهُودْ اجْعَلْهُ رَبِّ لِي وَلَا [ (134) ] أَعُودْ وَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ، فَخَرَجَ الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ لِلْكَعْبَةِ، فَضَرَبَهُمَا، عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي بَابِ الْكَعْبَةِ، فَكَانَا أَوَّلَ ذَهَبٍ حُلِّيَتْهُ. وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى السُّيُوفِ وَالْأَدْرَاعِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَهَا. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا اجْتَهَدُوا فِي الدُّعَاءِ سَجَعُوا، فَأَلَّفُوا الكلام،
وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَلَّمَا تُرَدُّ إِذَا دَعَا بِهَا دَاعٍ [ (135) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ، وَدَلَّهُ اللهُ عَلَيْهَا، وَخَصَّهُ بِهَا، زَادَهُ اللهُ، تَعَالَى، بِهَا شَرَفًا وَخَطَرًا فِي قَوْمِهِ، وَعُطِّلَتْ كُلُّ سِقَايَةٍ كَانَتْ بِمَكَّةَ حِينَ ظَهَرَتْ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهَا الْتِمَاسَ بَرَكَتِهَا، وَمَعْرِفَةِ فَضْلِهَا، لِمَكَانِهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهَا سُقْيَا اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لإسماعيل [ (136) ] عليه السلام.
باب نذر عبد المطلب
بَابُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (137) ] ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، فِيمَا يَذْكُرُونَ [ (138) ] ، قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ مَا لَقِيَ: لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ، ثُمَّ [ (139) ] بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يَمْنَعُوهُ- لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً: الْحَارِثُ، وَالزُّبَيْرُ، وَحَجْلٌ، وَضِرَارٌ، وَالْمُقَوَّمُ، وَأَبُو لَهَبٍ، وَالْعَبَّاسُ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ- جَمْعُهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْوَفَاءِ لِلَّهِ، تعالى [ (140) ] ، بذلك [ (141) ] ، فأطاعوا
لَهُ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا، فَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ، ثُمَّ تَأْتُونِي. فَفَعَلُوا ثُمَّ أَتَوْهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي دُخُولِهِ عَلَى هُبَلَ: عَظِيمِ أَصْنَامِهِمْ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، وَكَانَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بن عائد بن عبد الله بن عمر ابن مَخْزُومٍ، وَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (142) ] إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ القداح القداح [ (143) ] ، لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ، يَدْعُو: أَلَّا يَخْرُجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشِّفْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إِلَى إِسَافٍ وَنَائِلَةَ- الْوَثَنَيْنِ اللَّذَيْنِ تَنْحَرُ قُرَيْشٌ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهُمْ- لِيَذْبَحَهُ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا: مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: أَذْبَحُهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَكَرُوا [ (144) ] أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اجْتَرَّهُ مِنْ تَحْتِ رِجْلِ أَبِيهِ حَتَّى خَدَشَ وَجْهَ عَبْدِ اللهِ [ (145) ] خَدْشًا لَمْ يَزَلْ فِي وَجْهِهِ حَتَّى مَاتَ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ حَتَّى نُعْذَرَ فِيهِ، وَلَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ رَجُلٌ مِنَّا يَأْتِي ابْنَهُ [ (146) ] حَتَّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ؟! وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ- وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ-: وَاللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى نُعْذَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فداء فديناه بأموالنا.
وَذَكَرَ أَشْعَارَهُمْ فِي ذَلِكَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ إِلَى الْحِجَازِ، فَإِنِّ بِهِ عَرَّافَةً يُقَالُ لَهَا: سَجَاحُ، لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقُوا حَتَّى جَاءُوهَا، وَهِيَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، بِخَيْبَرَ، فَسَأَلُوهَا، فَقَالَتِ: ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي، فَأَسْأَلَهُ. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ. قَالَ [ (147) ] : ثُمَّ غَدَوْا إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ قَدْ جَاءَنِي تَابِعِي بِالْخَبَرِ، فَكَمِ الدِّيَةُ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: عَشْرٌ [ (148) ] مِنَ الْإِبِلِ- وَكَانَتْ كَذَلِكَ- قَالَتْ: فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، فَقَدِّمُوا صَاحِبَكُمْ، وَقَدِّمُوا عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقِدَاحُ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنَ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ، فَإِذَا خَرَجَتِ الْقِدَاحُ عَلَى الْإِبِلِ فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ، فَانْحَرُوهَا، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ. فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ وَفَعَلُوا. وَذَكَرَ [ (149) ] الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي سَجْعِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ودَعَوَاتِهِ، وَخُرُوجِ السَّهْمِ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَزِيَادَةِ عَشْرٍ عَشْرٍ، مِنَ الْإِبِلِ كُلَّمَا خَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ، حَتَّى بَلَغَتِ الْإِبِلُ مِائَةً. وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ تَعَالَى [ (150) ] ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى الْإِبِلِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَهُ: قَدِ انْتَهَى رِضَا [ (151) ] رَبِّكَ، وَخَلُصَ لك
ابْنُكَ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: لَا وَاللهِ حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَضَرَبُوا [ (152) ] ، فَخَرَجَ عَلَى الْإِبِلِ فِي الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا أحد [ (153) ] .
باب تزوج عبد الله بن عبد المطلب: أبي [154] النبي صلى الله عليه وسلم بآمنة بنت وهب، وحملها برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووضعها إياه
بَابُ تَزَوُّجِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَبِي [ (154) ] النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَحَمْلِهَا بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضْعِهَا إِيَّاهُ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللهِ، فَمَرَّ بِهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهِيَ [ (155) ] عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللهِ؟ فَقَالَ: مَعَ أَبِي. قَالَتْ: لَكَ عِنْدِي مِنَ الْإِبِلِ مِثْلُ الَّتِي [ (156) ] نُحِرَتْ عَنْكَ، وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ. فَقَالَ لَهَا: إِنَّ مَعِيَ أَبِي الْآنَ، لَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ وَلَا فِرَاقَهُ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَعْصِيَهُ شَيْئًا. فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ- وَوَهْبٌ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا- فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ امْرَأَةٍ فِي [ (157) ] قُرَيْشٍ نَسَبًا وموضعا.
وَهِيَ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدار بن قصي. وَأُمُّ بَرَّةَ: أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. وَأُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدٍ: لِبَرَّةَ بنت عوف ابن عُبَيْدٍ- يَعْنِي [ (158) ] ابْنَ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ: وَذَكَرُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ مَلَكَهَا مَكَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا حَتَّى أَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي قَالَتْ لَهُ مَا قَالَتْ- وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى- وَهِيَ فِي مَجْلِسِهَا، فَجَلَسَ إليها، وقال [ (159) ] لها: مالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِثْلَ الَّذِي عَرَضْتِ أَمْسِ؟ فَقَالَتْ [ (160) ] قَدْ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ فِيكَ، فَلَيْسَ لِي بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ. وَكَانَتْ فِيمَا زَعَمُوا تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَكَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ [ (161) ] . فَقَالَتْ فِي ذَلِكَ شِعْرًا، وَاسْمُهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ نوفل بن أسد: آلْآنَ وَقَدْ ضَيَّعْتَ مَا كُنْتَ قَادِرًا ... عَلَيْهِ وَفَارَقَكَ الَّذِي كَانَ جَاءَكَا غَدَوْتَ عَلَيَّ حَافِلًا قَدْ بَذَلْتَهُ ... هُنَاكَ لِغَيْرِي فَالْحَقَنَّ بِشَانِكَا وَلَا تَحْسَبَنِّي الْيَوْمَ خِلْوًا وَلَيْتَنِي ... أَصَبْتُ جَنِينًا [ (162) ] مِنْكَ يَا عَبْدَ دَارِكَا وَلَكِنَّ ذَاكُمْ صَارَ فِي آلِ زُهْرَةٍ ... بِهِ يَدْعَمُ اللهُ الْبَرِيَّةَ نَاسِكَا وَقَالَتْ أَيْضًا: عَلَيْكَ بِآلِ زُهْرَةَ حَيْثُ كَانُوا ... وَآمَنَةَ الَّتِي حَمَلَتْ غُلَامَا تَرَى الْمَهْدِيَّ حِينَ تَرَى عَلَيْهِ ... وَنُورًا قَدْ تقدّمه أماما
وَذَكَرَتْ أَبْيَاتًا، وَقَالَتْ فِيهَا: فَكُلُّ الْخَلْقِ يَرْجُوهُ جَمِيعًا ... يَسُودُ النَّاسَ مُهْتَدِيًا [ (163) ] إِمَامَا بَرَاهُ اللهُ مِنْ نُورٍ صَفَاءً ... فَأَذْهَبَ نُورُهُ عَنَّا الظَّلَامَا وَذَلِكَ صُنْعُ [ (164) ] رَبِّكَ إِذْ حَبَاهُ ... إِذَا مَا سَارَ يَوْمًا أَوْ أَقَامَا فَيَهْدِي أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ كُفْرٍ ... وَيَفْرِضُ بَعْدَ ذَلِكُمُ الصِّيَامَا قُلْتُ: [ (165) ] وَهَذَا الشَّيْءُ قَدْ [ (166) ] سَمِعَتْهُ مِنْ أَخِيهَا فِي صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ كَانَتْ أَيْضًا امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ مَعَ آمنة [ (167) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ امْرَأَةٌ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مناف، فَمَرَّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ وَقَدْ أَصَابَهُ أَثَرٌ مِنْ طِينٍ عمل به، فدعا [ها] [ (168) ] إِلَى نَفْسِهِ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ، فَدَخَلَ، فَغَسَلَ عَنْهُ أَثَرَ الطِّينِ، ثُمَّ دَخَلَ عَامِدًا إِلَى آمِنَةَ، ثُمَّ دَعَتْهُ صَاحِبَتُهُ الَّتِي كَانَ أَرَادَ إِلَى نَفْسِهَا، فَأَبَى لِلَّذِي صَنَعَتْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَدَعَاهَا إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِكَ، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ، فرجوت أن أصيبها
مِنْكَ، فَلَمَّا دَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ ذَهَبَتْ بِهَا مِنْكَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تَقُولُ: لَمَرَّ [ (169) ] بِي وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لَنُورًا مِثْلَ الْغُرَّةِ، وَدَعَوْتُهُ [ (170) ] لَهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لِي، فَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْرَزِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَمِيلٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبَ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ [ (171) ] . (ح) وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: قَدِمْتُ الْيَمَنَ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ، فَنَزَلْتُ عَلَى حَبْرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الزَّبُورِ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى بَدَنِكَ؟ [فَقُلْتُ: انْظُرْ] [ (172) ] مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةٌ. قَالَ: فَفَتَحَ إِحْدَى مِنْخَرَيَّ فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي الْآخَرِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فِيَ إِحْدَى يَدَيْكَ مُلْكًا، وَفِي الْأُخْرَى نُبُوَّةً، وَأَرَى ذَلِكَ فِي بَنِي زُهْرَةَ، فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ شَاعَةٍ [ (173) ] ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: زوجة. قلت:
أَمَّا الْيَوْمَ فَلَا. قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ فَتَزَوَّجْ فِيهِنَّ، فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَكَّةَ، فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بِنْتَ وَهْبِ [ (174) ] بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ: حَمْزَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ تَزَوَّجَ عَبْدُ اللهِ آمِنَةَ: فَلَجَ [ (175) ] عَبْدُ اللهِ عَلَى أَبِيهِ [ (176) ] . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ [ (177) ] بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَعْرِضُ نَفْسَهَا فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ، وَكَانَ مَعَهَا أَدَمٌ تَطُوفُ بها كأنها تَبِيعُهَا، فَأَتَتْ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب، فَأَظُنُّ أَنَّهُ أَعْجَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللهِ مَا أَطُوفُ بِهَذَا الْأَدَمِ وَمَا لِي [ (178) ] إِلَى ثَمَنِهَا حَاجَةٌ، وَإِنَّمَا أَتَوَسَّمُ الرَّجُلَ هَلْ أَجِدُ كُفُؤًا، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ فَقُمْ. فَقَالَ لَهَا: مَكَانَكِ حَتَّى [ (179) ] أَرْجِعَ إِلَيْكِ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَحْلِهِ،
فَبَدَأَ فَوَاقَعَ أَهْلَهُ، فَحَمَلَتْ بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهَا، قَالَ: أَلَا أَرَاكِ هَهُنَا؟ قَالَتْ: وَمَنْ كُنْتَ؟ قَالَ: الَّذِي وَاعَدْتُكِ. قَالَتْ: لَا، مَا أَنْتَ هُوَ، وَلَئِنْ كُنْتَ هُوَ لَقَدْ رَأَيْتُ بَيْنَ عَيْنَيْكَ نُورًا مَا أَرَاهُ الْآنَ [ (180) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ يَهُودِيٌّ قَدْ سَكَنَ مَكَّةَ يَتَّجِرُ بِهَا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللهِ مَا نَعْلَمُهُ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، أَمَا إِذْ أَخْطَأَكُمْ فَلَا بَأْسَ، انْظُرُوا وَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ: وُلِدَ فِيكُمْ [ (181) ] هَذِهِ اللَّيْلَةَ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَخِيرَةِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَامَةٌ فِيهَا شَعْرَاتٌ مُتَوَاتِرَاتٌ كَأَنَّهُنَّ عُرْفُ فَرَسٍ، لَا يَرْضَعُ لَيْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ عِفْرِيتًا [ (182) ] مِنَ الْجِنِّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ فَمَنَعَهُ الرَّضَاعَ. فَتَصَدَّعَ الْقَوْمُ مِنْ مَجْلِسِهِمْ وَهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ، فَلَمَّا صَارُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ أَخْبَرَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمُ أَهْلَهُ، فَقَالُوا: لَقَدْ وُلِدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلَامٌ سَمَّوْهُ مُحَمَّدًا. فَالْتَقَى الْقَوْمُ، فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتُمْ حَدِيثَ هَذَا الْيَهُودِيِّ؟ بَلَغَكُمْ مَوْلِدُ هَذَا الْغُلَامِ؟ فَانْطَلَقُوا حَتَّى جَاءُوا الْيَهُودِيَّ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ. قَالَ: فَاذْهَبُوا مَعِيَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَخَرَجُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ عَلَى آمِنَةَ، فَقَالَ: أَخْرِجِي إِلَيْنَا ابْنَكِ، فَأَخْرَجَتْهُ [ (183) ] ، وَكَشَفُوا لَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَأَى تلك الشّامة،
فَوَقَعَ الْيَهُودِيُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالُوا: وَيْلَكَ مالك؟ قَالَ: ذَهَبَتْ وَاللهِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَفَرِحْتُمْ بِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ أَمَا وَاللهِ لَيَسْطُوَنَّ بِكُمْ سَطْوَةً يَخْرُجُ خَبَرُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وَكَانَ فِي النَّفْرِ الَّذِي قَالَ لَهُمُ الْيَهُودِيُّ مَا قَالَ: هِشَامٌ، وَالْوَلِيدُ ابْنَا الْمُغِيرَةِ، وَمُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَعُبَيْدَةُ بن الحارث، وعقبة بْنُ رَبِيعَةَ- شَابٌّ فَوْقَ الْمُحْتَلِمِ- فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ [ (184) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ: مُحَمَّدِ بْنِ يحيى ابن عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكِنَانِيِّ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى. (ح) [ (185) ] قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عن
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (186) ] بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ [ (187) ] مِنْ رِجَالِ قَوْمِي مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كلّما [ (188) ] رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ. قَالُوا: ويلك مالك؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي [ (189) ] هَذِهِ اللَّيْلَةِ [ (190) ] . وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ الَّذِي يُبْعَثُ فِيهِ. وَهُوَ غَلَطٌ. زَادَ الْقَطَّانُ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ: ابْنُ كَمْ كَانَ حَسَّانُ مَقْدَمَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَسَمِعَ حَسَّانُ مَا سَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. * وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ [ (191) ] بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (192) ] مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو [بِشْرٍ] [ (193) ] مُبَشِّرُ ابن الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
ابن عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي: أَنَّهَا شَهِدَتْ وِلَادَةَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لَيْلَةَ وَلَدَتْهُ. قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْتِ إِلَّا نُورٌ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدْنُو حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: لَيَقَعْنَ عَلَيَّ [ (194) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ: أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ على الأرض فقولي. أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ ... مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ [ (195) ] وَذَكَرَ سَائِرَ الْأَبْيَاتِ كَمَا مَضَى [ (196) ] . وَقَالَ: فَإِنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يملأ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل: أحمد،
يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ [ (197) ] ، وَاسْمُهُ فِي الْقُرْآنِ [ (198) ] : مُحَمَّدٌ. فَسَمَّتْهُ بِذَلِكَ. فَلَمَّا وَضَعَتْهُ بَعَثَتْ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَارِيَتَهَا- وَقَدْ هَلَكَ أَبُوهُ عَبْدُ اللهِ وَهِيَ حُبْلَى، وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ابن ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، فَاللهُ أَعْلَمُ [ (199) ] أَيُّ ذَلِكَ كَانَ- فَقَالَتْ، قَدْ وُلِدَ لَكَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَانْظُرْ إِلَيْهِ. فَلَمَّا جَاءَهَا خَبَّرَتْهُ خَبَرَهُ، وَحَدَّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ، وَمَا أُمِرَتْ أَنْ تُسَمِّيَهُ. فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ ويتشكّر اللهَ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (200) ] ، الَّذِي أَعْطَاهُ إيّاه، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِي ... هٌّذا الْغُلَامَ الطَّيِّبَ الْأَرْدَانِ قَدْ سَادَ فِي الْمَهْدِ عَلَى الْغِلْمَانِ ... أُعِيذُهُ بِالْبَيْتِ ذِي الْأَرْكَانِ حَتَّى يَكُونَ بُلْغَةَ الْفِتْيَانِ ... حَتَّى أَرَاهُ بَالِغَ الْبُنْيَانِ أُعِيذُهُ مِنْ كُلِّ ذِي شَنَآنِ ... مِنْ حَاسِدٍ مُضْطَرِبِ الْجَنَانِ [ (201) ] ذِي هِمَّةٍ لَيْسَتْ [ (202) ] لَهُ عَيْنَانِ ... حَتَّى أَرَاهُ رَافِعَ اللِّسَانِ أَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ فِي الْفُرْقَانِ ... فِي كُتُبٍ ثَابِتَةِ الْمَبَانِي أَحْمَدَ مَكْتُوبٌ عَلَى اللسان [ (203) ]
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، شَفَاهًا: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيَّ حَدَّثَهُمْ [ (204) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ، قَالَ: كَانَ الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ مِنْ [ (205) ] قُرَيْشٍ دَفَعُوهُ إِلَى نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الصُّبْحِ، فَيَكْفِينَ [ (206) ] عَلَيْهِ بُرْمَةً. فَلَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، دَفَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى نِسْوَةٍ يَكْفِينَ عَلَيْهِ بُرْمَةً، فَلَمَّا أَصْبَحْنَ أَتَيْنَ، فَوَجَدْنَ [ (207) ] الْبُرْمَةَ قَدِ انْفَلَقَتْ عَلَيْهِ بِاثْنَتَيْنِ، فَوَجَدْنَهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَتَاهُنَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْنَ لَهُ: مَا رَأَيْنَا مَوْلُودًا مِثْلَهُ: وَجَدْنَاهُ قَدِ انْفَلَقَتْ عَنْهُ الْبُرْمَةُ، وَوَجَدْنَاهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ [ (208) ] ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ: احْفَظْنَهُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُصِيبَ خَيْرًا. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ [ (209) ] ذَبَحَ عَنْهُ، وَدَعَا لَهُ قُرَيْشًا، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَرَأَيْتَ ابْنَكَ هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا عَلَى وَجْهِهِ، مَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا. قَالُوا: فَلِمَ [ (210) ] رَغِبْتَ بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللهُ، تَعَالَى، فِي السَّمَاءِ، وَخَلْقُهُ في الأرض [ (211) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ [ (212) ] بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الدَّارَبْجِرْدِيُّ، بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ: سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ [ (213) ] عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ [ (214) ] ، بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، مَخْتُونًا مَسْرُورًا. قَالَ: فَأُعْجِبَ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ. فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ [ (215) ] .
باب كيف فعل ربك بأصحاب الفيل في السنة التي ولد فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما كان قبله من أمر تبع، على سبيل الاختصار
بَابُ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَمْرِ تُبَّعٍ، عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ تُبَّعًا أَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ بِوَادِي قُبَاءَ، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، فَهِيَ الْيَوْمَ تُدْعَى: بِئْرَ الْمَلِكِ. قَالَ: وَبِالْمَدِينَةِ إِذْ ذَاكَ يَهُودُ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَنَصَبُوا لَهُ، فَقَاتَلُوهُ، فَجَعَلُوا يقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا أَمْسَى أَرْسَلُوا إِلَيْهِ [ (216) ] بِالضِّيَافَةِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ لَيَالِيَ [ (217) ] اسْتَحْيَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُرِيدُ صُلْحَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَوْسِ يُقَالُ لَهُ: أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ يَهُودَ بِنْيَامِينُ الْقُرَظِيُّ، فَقَالَ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، نَحْنُ قَوْمُكَ. وَقَالَ بِنْيَامِينُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذِهِ بَلْدَةٌ لَا تَقْدِرُ [ (218) ] أَنْ تَدْخُلَهَا لَوْ جَهِدْتَ بِجَمِيعِ جهدك. قال: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا مَنْزِلُ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، يَبْعَثُهُ
اللهُ، تَعَالَى، مِنْ قُرَيْشٍ. وَجَاءَ تُبَّعًا مُخْبِرٌ أَخْبَرَهُ عَنِ الْيَمَنِ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهَا نَارٌ تَحْرِقُ كُلَّ مَا مَرَّتْ بِهِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا، وَخَرَجَ مَعَهُ نَفَرٌ [ (219) ] مِنْ يَهُودَ، فِيهِمْ بِنْيَامِينُ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ [ (220) ] شِعْرًا، وَقَالَ فيه: أَلْقَى إِلَيَّ نَصِيحَةً كَيْ أَزْدَجِرْ ... عَنْ قَرْيَةٍ مَحْجُوزَةٍ بِمُحَمَّدِ [ (221) ] قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالدُّفِّ مِنْ جُمْدَانَ-[مِنْ مَكَّةَ-] [ (222) ] عَلَى لَيْلَتَيْنِ، أَتَاهُ أُنَاسٌ مِنْ هُذَيْلِ بْنِ [ (223) ] مُدْرِكَةَ- وَتِلْكَ مَنَازِلُهُمْ- فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ مَمْلُوءٍ ذَهَبًا وَيَاقُوتًا وَزَبَرْجَدًا، تُصِيبُهُ وَتُعْطِينَا مِنْهُ؟ قَالَ: بَلَى. فَقَالُوا: هُوَ بَيْتٌ بِمَكَّةَ. فَرَاحَ تُبَّعٌ وَهُوَ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، فَبَعَثَ اللهُ، تَعَالَى، عَلَيْهِ رِيحًا فَقَفَّعَتْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَشَنَّجَتْ جَسَدَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ. مَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنِي؟ فَقَالُوا: أَحْدَثْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَمَا أَحْدَثْتُ؟ فَقَالُوا: أَحَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَذَكَرَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْمِ الْبَيْتِ وَإِصَابَةِ مَا فِيهِ. قَالُوا: ذَلِكَ بَيْتُ اللهِ الْحَرَامِ، وَمَنْ أَرَادَهُ هَلَكَ. قَالَ: وَيْحَكُمْ، وَمَا الْمَخْرَجُ مِمَّا دَخَلْتُ فِيهِ؟ قَالُوا: تُحَدِّثُ نَفْسَكَ أَنْ تَطُوفَ بِهِ وَتَكْسُوَهُ وَتُهْدِيَ لَهُ. فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، فَأَطْلَقَهُ اللهُ، تَعَالَى. ثُمَّ سَارَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ، فَكَسَاهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي نَحْرِهِ بِمَكَّةَ، وَإِطْعَامِهِ النَّاسَ، ثُمَّ رُجُوعِهِ إِلَى الْيَمَنِ، وَقَتْلِهِ، وَخُرُوجِ ابْنِهِ دَوْسٍ إِلَى قَيْصَرَ، وَاسْتِغَاثَتِهِ [ (224) ] بِهِ فِيمَا فَعَلَ قَوْمُهُ بأبيه،
وَأَنَّ قَيْصَرَ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ مَعَهُ سِتِّينَ أَلْفًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَوْزَبَةَ حَتَّى قَاتَلُوا حِمْيَرَ قَتَلَةَ أَبِيهِ، وَدَخَلُوا صَنْعَاءَ، فَمَلَكُوهَا، وَمَلَكُوا الْيَمَنَ. وَكَانَ فِي أَصْحَابِ رَوْزَبَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبْرَهَةُ بْنُ الْأَشْرَمِ، وَهُوَ أَبُو يَكْسُومَ. فَقَالَ لِرَوْزَبَةَ: أَنَا أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ، وَقَتَلَهُ مَكْرًا، وَأَرْضَى النَّجَاشِيَّ. ثُمَّ إِنَّهُ بَنَى كَعْبَةً بِالْيَمَنِ، وَجَعَلَ فِيهَا قِبَابًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَمَرَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ بِالْحَجِّ بِهَا، يُضَاهِي بِذَلِكَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَلْكَانَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ مِنَ الْحُمْسِ، خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَدَخَلَهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَعَدَ فِيهَا- يَعْنِي لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ- فَدَخَلَهَا أَبْرَهَةُ، فَوَجَدَ تِلْكَ الْعَذِرَةَ فِيهَا، فَقَالَ: مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيَّ بِهَذَا [ (225) ] ؟ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحُجُّهُ الْعَرَبُ. قَالَ: فَعَلَيَّ اجْتَرَأَ بِهَذَا؟! وَنَصْرَانِيَّتِي لَأَهْدِمَنَّ ذَلِكَ الْبَيْتَ، وَلَنُخَرِّبَنَّهُ حَتَّى لَا يَحُجَّهُ حَاجٌّ أَبَدًا. فَدَعَا بِالْفِيلِ. وَأَذَّنَ فِي قَوْمِهِ بِالْخُرُوجِ، وَرَحَلَ [ (226) ] وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ تَبِعَهُ مِنْهُمْ: عَكٌّ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَخَثْعَمٌ، فَخَرَجُوا يرتجزون: إِنَّ الْبَلَدَ لَبَلَدٌ مَأْكُولُ ... تَأْكُلُهُ عَكٌّ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَالْفِيلُ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِهِ، بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ الَّذِي بَنَاهُ، فَتَلَقَّاهُ أَيْضًا رَجُلٌ مِنَ الْحُمْسِ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَتَلَهُ، فَازْدَادَ بِذَلِكَ- لَمَّا بَلَغَهُ- حَنَقًا وَجُرْأَةً [ (227) ] ، وأحثّ السير
وَالِانْطِلَاقَ وَطَلَبَ [ (228) ] مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ دَلِيلًا، فَبَعَثُوا مَعَهُ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ [ (229) ] يُقَالُ لَهُ: نُفَيْلٌ، فَخَرَجَ بِهِمْ يَهْدِيهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمُغَمَّسِ [نَزَلُوا الْمُغَمَّسَ] [ (230) ] مِنْ مَكَّةَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، فَبَعَثُوا مُقَدِّمَاتِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُتَفَرِّقِينَ [ (231) ] عَبَادِيدَ فِي رؤوس الْجِبَالِ، وَقَالُوا: لَا طَاقَةَ لَنَا بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. فَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ إِلَّا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، أَقَامَ عَلَى سِقَايَتِهِ، وغير شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، أَقَامَ عَلَى حِجَابَةِ الْبَيْتِ. فَجَعَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَأْخُذُ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ، ثم يقول: لا هم [ (232) ] إِنَّ الْعَبْدَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ [ (233) ] فَامْنَعْ حِلَالَكْ [ (234) ] لَا يَغْلِبُوا بِصَلِيبِهِمْ ... وَمِحَالِهِمْ [ (235) ] عَدْوًا [ (236) ] محالك
إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْ ... بَتَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ [ (237) ] يَقُولُ، أَيُّ شَيْءٍ مَا بَدَا لَكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ بِنَا [ (238) ] . ثُمَّ إِنَّ مُقَدَّمَاتِ أَبْرَهَةَ أَصَابَتْ نَعَمًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَتْ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ خَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ، وَكَانَ حَاجِبُ [ (239) ] أَبْرَهَةَ رَجُلًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَكَانَتْ لَهُ بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعْرِفَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَسْتَأْذِنَ لِي عَلَى الْمَلِكِ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ حَاجِبُهُ، فَقَالَ: لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ، جَاءَكَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ الَّذِي يُطْعِمُ إِنْسَهَا فِي السَّهْلِ، وَوَحْشَهَا [ (240) ] فِي الْجَبَلِ. فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ. وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَنْ رَآهُ أَبُو يَكْسُومَ [ (241) ] أَعْظَمَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ [ (242) ] مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَنَزَلَ مِنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَجْلَسَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي مِائَتَا بَعِيرٍ أَصَابَتْهَا لِي مُقَدَّمَتُكَ. فَقَالَ أَبُو يَكْسُومَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ فَأَعْجَبْتَنِي، ثُمَّ تَكَلَّمْتَ فَزَهِدْتُ فِيكَ. فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ قَالَ: لِأَنِّي جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ مَنَعَتُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَفَضْلُكُمْ فِي النَّاسِ، وَشَرَفُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَدِينُكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَ، فَجِئْتُ لِأَكْسِرَهُ، وَأُصِيبَتْ لَكَ مِائَتَا بَعِيرٍ، فَسَأَلْتُكَ عَنْ حَاجَتِكَ، فَكَلَّمْتَنِي في إبلك،
وَلَمْ تَطْلُبْ إِلَيَّ فِي بَيْتِكُمْ! فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّمَا أُكَلِّمُكَ فِي مَالِي، وَلِهَذَا الْبَيْتِ رَبٌّ هُوَ يَمْنَعُهُ، لَسْتُ أَنَا مِنْهُ فِي شَيْءٍ. فَرَاعَ ذَلِكَ أَبَا يَكْسُومَ وَأَمَرَ بِرَدِّ [ (243) ] إِبِلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ. ثُمَّ رَجَعَ وأمسك لَيْلَتُهُمْ تِلْكَ لَيْلَةً كَالِحَةً نُجُومُهَا، كَأَنَّهَا تُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا لِاقْتِرَابِهَا مِنْهُمْ، فَأَحَسَّتْ أَنْفُسُهُمْ بِالْعَذَابِ، وَخَرَجَ دَلِيلُهُمْ حَتَّى دخل [ (244) ] الحرم وتركهم، وقام الْأَشْعَرِيُّونَ وَخَثْعَمٌ، فَكَسَرُوا رِمَاحَهُمْ وَسُيُوفَهُمْ، وَبَرِئُوا إِلَى اللهِ، تَعَالَى، أَنْ يُعِينُوا عَلَى هَدْمِ الْبَيْتِ، فَبَاتُوا كَذَلِكَ بِأَخْبَثِ لَيْلَةٍ، ثُمَّ أَدْلَجُوا بِسَحَرٍ، فَبَعَثُوا فِيلَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُصْبِحُوا بِمَكَّةَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ، فَرَبَضَ، فَضَرَبُوهُ، فَتَمَرَّغَ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ [ (245) ] حَتَّى كَادُوا أَنْ يُصْبِحُوا. ثُمَّ إِنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الْفِيلِ، فَقَالُوا: لَكَ اللهُ، أَلَا يُوَجِّهُكَ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يُقْسِمُونَ لَهُ، ويُحَرِّكُ أُذُنَيْهِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ انْبَعَثَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ رَاجِعًا، فَتَوَجَّهَ يُهَرْوِلُ، فَعَطَفُوهُ حِينَ رَأَوْهُ مُنْطَلِقًا، حَتَّى إِذَا رَدُّوهُ إِلَى مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، رَبَضَ، وَتَمَرَّغَ. فَلَمَّا رَأَوْا [ (246) ] ذَلِكَ أَقْسَمُوا لَهُ، وَجَعَلَ يُحَرِّكُ أُذُنَيْهِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا، انْبَعَثَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَتَوَجَّهَ [ (247) ] يُهَرْوِلُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ رَدُّوهُ، فَرَجَعَ بِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، رَبَضَ، فَضَرَبُوهُ، فَتَمَرَّغَ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ يُعَالِجُوهُ حَتَّى كَانَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الطَّيْرُ مَعَهَا، وَطَلَعَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالُ الْيَحَامِيمِ سُودٌ، فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ، وَكُلُّ طَائِرٍ فِي مِنْقَارِهِ حجر، وفي رجليه
حَجَرَانِ، فَإِذَا رَمَتْ بِتِلْكَ مَضَتْ، وَطَلَعَتْ أُخْرَى. فَلَا يَقَعُ حَجَرٌ مِنْ حِجَارَتِهِمْ تِلْكَ عَلَى بَطْنٍ إِلَّا خَرَقَهُ، وَلَا عَظْمٍ إِلَّا أَوْهَاهُ وَثَقَبَهُ [ (248) ] . وَثَابَ أَبُو يَكْسُومَ رَاجِعًا قَدْ أَصَابَتْهُ بَعْضُ الْحِجَارَةِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَدِمَ أَرْضًا انْقَطَعَ مِنْهُ فِيهَا إِرْبٌ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْيَمَنِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بَادُّهُ، فَلَمَّا قَدِمَهَا انْصَدَعَ صَدْرُهُ، وَانْشَقَّ بَطْنُهُ، وَهَلَكَ [ (249) ] . وَلَمْ يُصَبْ مِنْ خَثْعَمٍ وَالْأَشْعَرِيِّينَ أَحَدٌ. وَذَكَرَ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ، قَالَ [ (250) ] : وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَدْعُو على الحبشة، ويقول: يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا ... يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا ... إِنَّهُمُ لَنْ يَقْهَرُوا قُوَاكَا قُلْتُ [ (251) ] : كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (252) ] فِي شَأْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبْرَهَةَ. وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ [ (253) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عباس، قال:
أَقْبَلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لِمَلِكِهِمْ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَيْنَا؟ أَلَا بَعَثْتَ فَنَأْتِيَكَ بِكُلِّ شَيْءٍ أَرَدْتَ؟ فَقَالَ: أُخْبِرْتُ بِهَذَا الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَمِنَ، فَجِئْتُ أُخِيفُ أَهْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّا نَأْتِيكَ بِكُلِّ شَيْءٍ تُرِيدُ، فَارْجِعْ. فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ، وَانْطَلَقَ يَسِيرُ نَحْوَهُ، وَتَخَلَّفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَامَ عَلَى جَبَلٍ، فَقَالَ: لَا أَشْهَدُ مَهْلِكَ هَذَا الْبَيْتِ وَأَهْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ! إِنَّ لِكُلِّ إِلَهٍ ... حِلَالًا فَامْنَعْ حِلَالَكْ لَا يَغْلِبَنَّ مِحَالُهُمْ ... أَبَدًا [ (254) ] مِحَالَكْ اللهُمَّ! فَإِنْ فَعَلْتَ ... فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ فَأَقْبَلَتْ مِثْلُ السَّحَابَةِ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ حَتَّى أَظَلَّتْهُمْ طَيْرٌ أَبَابِيلُ الَّتِي قَالَ اللهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قَالَ: فَجَعَلَ الْفِيلُ يَعُجُّ عَجًّا فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [ (255) ] . وَعِنْدِي فِي هَذَا قِصَّةٌ أُخْرَى طَوِيلَةٌ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَصَدْنَاهُ [ (256) ] كِفَايَةٌ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ قال: طيرا لها خراطيم كخراطيم
الطَّيْرِ، وَأَكُفُّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: طَيْراً أَبابِيلَ يَقُولُ: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفَى قَوْلِهِ: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ يَقُولُ: التِّبْنُ. * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: طَيْراً أَبابِيلَ قَالَ: فِرَقٌ. * أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ [ (257) ] بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ النَّضْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: طَيْراً أَبابِيلَ يَقُولُ: كَانَتْ طَيْرًا نَشَأَتْ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ لَهَا مثل رؤوس السِّبَاعِ، لَمْ تُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، فَأَثَّرَتْ [فِي] [ (258) ] جُلُودِهِمْ أَمْثَالَ الْجُدَرِيِّ، فَإِنَّهُ لأوّل ما رؤي الْجُدَرِيُّ. قَالَ: وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُهْلِكَ أَصْحَابَ الْفِيلِ بَعَثَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا نشأت
مِنَ الْبَحْرِ كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيفُ، بُلْقٌ، كُلُّ طَيْرٍ مِنْهَا [ (259) ] مَعَهُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ مُجَزَّعَةٍ، فِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَتْ حَتَّى صَفَّتْ عَلَى رؤوسهم، ثُمَّ صَاحَتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِي أَرْجُلِهَا وَمَنَاقِيرِهَا، فَمَا مِنْ حَجَرٍ وَقَعَ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ إِلَّا خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ: إِنْ وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ خَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. قَالَ: وَبَعَثَ اللهُ رِيحًا شَدِيدَةً، فَضَرَبَتْ أَرْجُلَهَا، فَزَادَهَا شِدَّةً، فَأُهْلِكُوا جَمِيعًا [ (260) ] . * وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَصْحَابُ الْفِيلِ حَتَّى نَزَلُوا الصِّفَاحَ [ (261) ] ، فَجَاءَهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، جَدُّ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا بَيْتُ اللهِ، تَعَالَى، لَمْ يُسَلِّطِ اللهُ عَلَيْهِ أَحَدًا. قَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَهْدِمَهُ. قَالَ: وَكَانُوا لَا يُقَدِّمُونَ فِيلَهُمْ إِلَّا تَأَخَّرَ. فَدَعَا اللهُ الطَّيْرَ الْأَبَابِيلَ، فَأَعْطَاهَا حِجَارَةً سُودًا عَلَيْهَا الطِّينُ، فَلَمَّا حَاذَتْهُمْ [ (262) ] رَمَتْهُمْ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْهُ الْحِكَّةُ، فَكَانَ لَا يَحُكُّ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ جِلْدَهُ إِلَّا تَسَاقَطَ لَحْمُهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (263) ] أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ حَسَنٍ الْمِصْرِيُّ [ (264) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ [ (265) ] ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا سَمَّى اللهُ الْبَيْتَ: الْعَتِيقَ، لِأَنَّ اللهَ، تَعَالَى، أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ» [ (266) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ [ (267) ] ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ أَعْمَيَيْنِ مقعدين، يستطعمان بمكة [ (268) ] .
باب ما جاء في ارتجاس ايوان كسرى وسقوط شرفه، ورؤيا الموبذان، وخمود النيران، وغير ذلك من الآيات، ليلة ولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ شُرَفِهِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، لَيْلَةَ وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [ (269) ] : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ (ح) [ (270) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى، ومحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، وَإِبْرَاهِيمُ ابن مُحَمَّدٍ النَّصْرَابَاذِيُّ- وَاللَّفْظُ لِلْحُسَيْنِ- قَالُوا: حَدَّثَنَا [ (271) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ [ (272) ] الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ: يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ- مِنْ وَلَدِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ- قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ- وَأَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً- قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً [ (273) ] . وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذلك
بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَتَصَبَّرَ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَنْ لَا يَدَّخِرَ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ حِينَ عِيلَ صَبْرُهُ، فَجَمَعَهُمْ، وَلَبِسَ تَاجَهُ، وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ فِيمَا بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ؟ قَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الملك بذلك. فبيناهم كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ كِتَابٌ بِخُمُودِ نَارِ فَارِسَ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا هَالَهُ. فَقَالَ الْمُوبَذَانُ: وَأَنَا- أَصْلَحَ اللهُ الْمَلِكَ- قَدْ رَأَيْتُ فِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الْإِبِلِ. قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ- وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ- قَالَ: حَدَثٌ [يَكُونُ] [ (274) ] مِنْ نَاحِيَةِ الْعَرَبِ. فَكَتَبَ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ: «مِنْ مَلَكِ الْمُلُوكِ كِسْرَى إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. أَمَّا بَعْدُ: فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ» فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ [ (275) ] الْغَسَّانِيِّ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: يَسْأَلُنِي، أَوْ يُخْبِرُنِي، الْمَلِكُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ أَخْبَرْتُهُ، وَإِلَّا دَلَلْتُهُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُهُ. قَالَ: فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى. قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: سَطِيحٌ. قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ وَائْتِنِي بِتَأْوِيلِ مَا عِنْدَهُ. فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ، فَلَمْ يُحِرْ [ (276) ] جَوَابًا، فَأَنْشَدَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:
أَصَمَّ [ (277) ] أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ [ (278) ] الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ [ (279) ] بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ [ (280) ] يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ عَنْ وَجْهٍ غَضِنْ [ (281) ] أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ ... وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ أَزْرَقُ بَهْمُ النَّابِ صَوَّارُ [ (282) ] الْأُذُنْ ... أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يَسْرِي بِالرَّسَنْ [ (283) ] ... لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَنْ تَجُوبُ بِيَ الْأَرْضُ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ ... تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ حَتَّى أَتَى عَارِي الْجَآجِي [ (284) ] وَالْقَطَنْ ... تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ [ (285) ] الدِّمَنْ كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ قَالَ: فَفَتَحَ سَطِيحٌ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ [ (286) ] ، عَلَى جَمَلٍ مُسِيحٍ، إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الصَّرِيحِ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا. يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةُ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ- فَلَيْسَ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَامًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتْ،
عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ، فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رحله وهو يقول: شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمِّ شِمِّيرُ ... لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ إِنْ يُمْسِ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ ... فَإِنَّ ذَلِكَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ [ (287) ] فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ ... يَهَابُ صَوْلَتَهَا الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ [ (288) ] مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامٌ وَإِخْوَتُهُ ... وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا ... أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ [ (289) ] وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ، أَمَّا إِنْ رَأَوْا نَشَبًا ... فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ ... وَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى كِسْرَى فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ سَطِيحٍ، فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا كَانَتْ أُمُورٌ وَأُمُورٌ. فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْبَاقُونَ إِلَى أَنْ قُتِلَ [عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ] [ (290) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [ (291) ] . قُلْتُ: وَلِسَطِيحٍ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي إِخْبَارِهِ، حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، مَنْ لَقِيَهُ مِنْ قُرَيْشٍ- مِنْهُمْ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيٍّ- بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُلَفَائِهِ بَعْدَهُ.
وَلَهُ قِصَّةٌ أُخْرَى. وَلِشِقٍّ فِي تَأْوِيلِ رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ اللَّخْمِيِّ [ (292) ] .
باب ذكر رضاع النبي، صلى الله عليه وسلم، ومرضعته وحاضنته [293]
بَابُ ذِكْرِ رَضَاعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَمُرْضِعَتِهِ وَحَاضِنَتِهِ [ (293) ] * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَدُفِعَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أُمِّهِ، وَالْتُمِسَ لَهُ الرُّضَعَاءُ، وَاسْتُرْضِعَ لَهُ مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أبي ذويب. وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ [ (294) ] بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ. وَاسْمُ أَبِي رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي أَرْضَعَهُ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ مَلَّانَ [ (295) ] بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ. وَإِخْوَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ: عبد الله بن الحارث، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَحُذَافَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ- وَهِيَ الشَّيْمَاءُ، غَلَبَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إِلَّا بِهِ. وَهِيَ لِحَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أُمِّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (296) ] . وَذَكَرُوا [ (297) ] أَنَّ الشَّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضِنُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، مَعَ أُمِّهِ إِذْ [ (298) ] كَانَ عِنْدَهُمْ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إسحاق، قال:
حَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ- مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، كَانَتْ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ، فَكَانَ يُقَالُ: مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ- قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبَى طَالِبٍ، يَقُولُ: حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [ (299) ] ، أُمِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، أَنَّهَا قَالَتْ [ (300) ] : قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، أَلْتَمِسُ [ (301) ] بِهَا الرُّضَعَاءَ [ (302) ] ، وَفِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ [ (303) ] ، فَقَدِمْتُ عَلَى أَتَانٍ [ (304) ] لِيَ قَمْرَاءَ كَانَتْ أَذَمَّتْ [ (305) ] بِالرَّكْبِ، وَمَعِيَ صَبِيٌّ لَنَا، وَشَارِفٌ لَنَا، وَاللهِ مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا ذَلِكَ أَجْمَعَ مَعَ صَبِيِّنَا ذَاكَ، مَا يَجِدُ فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَلَا فِي شَارِفِنَا [ (306) ] مَا يُغَذِّيهِ، فقدمنا مكّة، فو الله مَا عُلِمَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَأْبَاهُ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَتِيمٌ تَرَكْنَاهُ، قُلْنَا: مَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا أُمُّهُ؟ إِنَّمَا نَرْجُو المعروف من أب الْوَلِيدِ، وَأَمَّا أُمُّهُ فَمَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا. فو الله مَا بَقِيَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي. فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ رَضِيعًا غَيْرَهُ قُلْتُ لِزَوْجِيَ الحارث بن عبد العزى: وَاللهِ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أرجع
مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي لَيْسَ مَعِي رَضِيعٌ، لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ. فَقَالَ: لَا عَلَيْكِ. فَذَهَبْتُ فَأَخَذْتُهُ، فو الله مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَخَذْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي [ (307) ] ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ، وَقَامَ صَاحِبِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إِنَّهَا لَحَافِلٌ [ (308) ] ، فَحَلَبَ مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِينَا. فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ، فَقَالَ صَاحِبِي: يَا حَلِيمَةُ! وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاكَ قَدْ أَخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، أَلَمْ تَرَيْ مَا بِتْنَا [ (309) ] بِهِ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ حِينَ أَخَذْنَاهُ؟ فَلَمْ يَزَلِ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يَزِيدُنَا خَيْرًا حَتَّى خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِنَا، فو الله لَقَطَعَتْ أَتَانِي بِالرَّكْبِ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِمَارٌ، حَتَّى إِنَّ صَوَاحِبَاتِي يَقُلْنَ: وَيْلَكِ يَا ابْنَةَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أَهَذِهِ أَتَانُكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا مَعَنَا؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنَّهَا لَهِيَ. فَيَقُلْنَ: وَاللهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا. حَتَّى قَدِمْنَا أَرْضَ بَنِي سَعْدٍ، وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللهِ، تَعَالَى، أَجْدَبَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمِي لَتَسْرَحُ، ثُمَّ تَرُوحُ شِبَاعًا لَبَنًا [ (310) ] ، فَنَحْلُبُ مَا شِئْنَا، وَمَا حَوْلَنَا أَحَدٌ تَبِضُّ لَهُ شَاةٌ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَإِنَّ أَغْنَامَهُمْ لَتَرُوحُ جِيَاعًا، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ [ (311) ] : وَيْحَكُمْ!! انْظُرُوا حَيْثُ تَسْرَحُ غَنَمُ ابْنَةِ [ (312) ] أَبِي ذُؤَيْبٍ، فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ. فَيَسْرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ، فَيُرِيحُونَ أَغْنَامَهُمْ جِيَاعًا مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لَبَنًا نَحْلُبُ مَا شِئْنَا [ (313) ] . فَلَمْ يَزَلِ اللهُ، تَعَالَى، يُرِينَا الْبَرَكَةَ وَنتَعَرَّفُهَا حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْهِ، فَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا يشبّه
الغلمان، فو الله مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا [ (314) ] ، فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ. فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ، قُلْنَا لَهَا: يَا ظِئْرُ [ (315) ] ، دَعِينَا نَرْجِعُ بِبُنَيِّنَا هَذِهِ السَّنَةَ الْأُخْرَى، فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وباء مكة، فو الله مَا زِلْنَا بِهَا حَتَّى قَالَتْ: فَنَعَمْ، فَسَرَّحَتْهُ مَعَنَا، فَأَقَمْنَا بِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَبَيْنَا هُوَ خَلْفَ بُيُوتِنَا مَعَ أَخٍ لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فِي بَهْمٍ [ (316) ] لَنَا، جَاءَنَا أَخُوهُ ذَلِكَ [ (317) ] يَشْتَدُّ، فَقَالَ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ، قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَنَجِدُهُ قَائِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ [ (318) ] جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَانِيَ، فَشَقَّا بَطْنِيَ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ شَيْئًا، فَطَرَحَاهُ، ثُمَّ رَدَّاهَ كَمَا كَانَ. فَرَجَعْنَا بِهِ مَعَنَا، فَقَالَ أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي بِنَا، فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ مَا نَتَخَوَّفُ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَلَمْ تُرَعْ أُمُّهُ إِلَّا بِهِ قَدْ قَدِمْنَا بِهِ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا رَدَّكُمَا بِهِ؟ فَقَدْ كُنْتُمَا عَلَيْهِ حَرِيصَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: لَا وَاللهِ يَا ظِئْرُ، إِلَّا أَنَّ اللهَ، تَعَالَى، قَدْ أَدَّى عَنَّا، وَقَضَيْنَا الَّذِي عَلَيْنَا، فَقُلْنَا [ (319) ] نَخْشَى الْإِتْلَافَ وَالْأَحْدَاثَ نَرُدُّهُ عَلَى [ (320) ] أَهْلِهِ، قَالَتْ: مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَاصْدُقَانِيَ شَأْنَكُمَا، فَلَمْ تَدَعْنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ. قَالَتْ: أَخِشِيتُمَا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟ كَلَّا، وَاللهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنَّهُ لَكَائِنٌ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ، أَلَا أُخْبِرُكُمَا
خَبَرَهُ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَتْ: حَمَلْتُ بِهِ، فَمَا حَمَلْتُ حَمْلًا قَطُّ أَخَفَّ مِنْهُ، فَأُرِيتُ فِي الْمَنَامِ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، ثُمَّ وَقَعَ حِينَ وَلَدَتْهُ وُقُوعًا مَا يَقَعُهُ الْمَوْلُودُ، مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَدَعَاهُ عنكما [ (321) ] .
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ [ (322) ] بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ حَلِيمَةَ، هَذِهِ الْقِصَّةَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ لِي مَسْمُوعَةٌ، إِلَّا أَنَّ «مُحَمَّدَ بْنَ زَكَرِيَّا» هَذَا مُتَّهَمٌ [بِالْوَضْعِ] [ (323) ] فَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَوْلَى. وَاللهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ إِنِّي اسْتَخَرْتُ اللهَ، تَعَالَى، فِي إِيرَادِهَا، فَوَقَعَتِ الْخِيَرَةُ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ نَقْلِ أَهْلِ الْمَغَازِي، لِشُهْرَتِهِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ [ (324) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ: سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الَّتِي أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ أَنَّهَا لَمَّا فَطَمَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَكَلَّمُ، قَالَتْ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلَامًا عَجِيبًا: سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ كَانَ يَخْرُجُ فَيَنْظُرُ إِلَى الصِّبْيَانِ يَلْعَبُونَ فَيَجْتَنِبُهُمْ. فَقَالَ لِي يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ: يا أماه! مالي لَا أَرَى إِخْوَتِي بِالنَّهَارِ؟ قُلْتُ: فَدَتْكَ نَفْسِي، يَرْعَوْنَ غَنَمًا لَنَا فَيَرُوحُونَ مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ. فَأَسْبَلَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى، فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، فَمَا أَصْنَعُ هَهُنَا وَحْدِي؟ ابْعَثِينِيَ مَعَهُمْ. قُلْتُ: أو تحب ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَصْبَحَ دَهَنْتُهُ، وَكَحَّلْتُهُ، وَقَمَّصْتُهُ، وَعَمَدْتُ إِلَى خَرَزَةِ جَزْعٍ يَمَانِيَّةٍ فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ مِنَ الْعَيْنِ. وَأَخَذَ عَصًا وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ، فَكَانَ يَخْرُجُ مَسْرُورًا وَيَرْجِعُ مَسْرُورًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ خَرَجُوا يَرْعَوْنَ بَهْمًا لَنَا حَوْلَ بُيُوتِنَا، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ إِذَا أَنَا بِابْنِي «ضَمْرَةَ» يَعْدُو فَزِعًا، وَجَبِينُهُ يَرْشَحُ قَدْ عَلَاهُ الْبُهْرُ بَاكِيًا يُنَادِي: يَا أَبَتِ [ (325) ] يَا أَبَهْ وَيَا أُمَّهْ، الْحَقَا أَخِي مُحَمَّدًا فَمَا تَلْحَقَاهُ إِلَّا مَيِّتًا. قُلْتُ: وَمَا قِصَّتُهُ؟ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ قِيَامٌ نَتَرَامَى [ (326) ] وَنَلْعَبُ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَاخْتَطَفَهُ مِنْ أَوْسَاطِنَا، وَعَلَا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى شَقَّ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى عَانَتِهِ، وَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَ بِهِ، وَلَا أَظُنُّكُمَا تَلْحَقَاهِ أَبَدًا إِلَّا مَيِّتًا. قَالَتْ: فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأَبُوهُ- تَعْنِي زَوْجَهَا- نَسْعَى سَعْيًا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ قَاعِدًا عَلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَتَبَسَّمُ وَيَضْحَكُ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقُلْتُ: فَدَتْكَ نَفْسِي، مَا الَّذِي دَهَاكَ؟ قَالَ: خَيْرًا يَا أُمَّاهُ، بَيْنَا أَنَا السَّاعَةَ قَائِمٌ عَلَى [ (327) ] إِخْوَتِي، إِذْ أَتَانِيَ رَهْطٌ ثَلَاثَةٌ، بِيَدِ أَحَدِهِمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَفِي يَدِ الثَّانِي طَسْتٌ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مِلْؤُهَا ثَلْجٌ، فَأَخَذُونِي، فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ، فَأَضْجَعُونِي عَلَى الْجَبَلِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مِنْ صَدْرِي إِلَى عَانَتِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حِسًّا وَلَا أَلَمًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ في
جَوْفِي، فَأَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي، فَغَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا. وَقَامَ الثَّانِي فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: تَنَحَّ،! فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا أَمَرَكَ اللهُ [بِهِ] [ (328) ] فَدَنَا مِنِّي، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي، فَانْتَزَعَ قَلْبِي وَشَقَّهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ مَمْلُوءَةً بِالدَّمِ، فَرَمَى بِهَا، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ يَا حَبِيبَ اللهِ، ثُمَّ حَشَاهُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ، وَرَدَّهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ خَتْمَهُ بِخَاتَمٍ مِنْ نُورٍ، فَأَنَا السَّاعَةَ أَجِدُ بَرْدَ الْخَاتَمِ فِي عُرُوقِي وَمَفَاصِلِي. وَقَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ: تَنَحَّيَا، فَقَدْ أَنْجَزْتُمَا مَا أَمَرَ [ (329) ] اللهُ فِيهِ، ثُمَّ دَنَا الثَّالِثُ مِنِّي، فَأَمَرَّ يَدَهُ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، قَالَ الْمَلَكُ: زِنُوهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنُونِي فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: دَعُوهُ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَ بِهِمْ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا، فَأَكَبُّوا عَلَيَّ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَقَالُوا: يَا حَبِيبَ اللهِ، إِنَّكَ لَنْ تُرَاعَ [ (330) ] ، وَلَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ. وَتَرَكُونِي قَاعِدًا فِي مَكَانِي هَذَا، ثُمَّ جَعَلُوا يَطِيرُونَ حَتَّى دَخَلُوا حِيَالَ السَّمَاءِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَلَوْ شِئْتُ لَأَرَيْتُكِ مَوْضِعَ دُخُولِهِمَا. قَالَتْ: فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ [ (331) ] بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَالَ لِيَ النَّاسُ: اذْهَبِي بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيدَاوِيَهُ. فَقَالَ: مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُونَ، وَإِنِّي أَرَى نَفْسِي سَلِيمَةً، وَفُؤَادِيَ صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللهِ. فَقَالَ النَّاسُ: أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ. قَالَتْ: فَغَلَبُونِي عَلَى رَأْيِي، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. قَالَ: دَعِينِي أَنَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْغُلَامَ أَبْصَرُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ، تَكَلَّمْ يَا غُلَامُ، قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَقَصَّ ابْنِي مُحَمَّدٌ قِصَّتَهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَوَثَبَ الْكَاهِنُ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ الْعَرَبِ، يَا آلَ
الْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبْ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ لَيُسَفِّهَنَّ أَحْلَامَكُمْ، وَلَيُكَذِّبَنَّ أَدْيَانَكُمْ، وَلَيَدْعُوَنَّكُمْ إِلَى رَبٍّ لَا تَعْرِفُونَهُ، وَدِينٍ تُنْكِرُونَهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ انْتَزَعْتُهُ مِنْ يَدِهِ، وَقُلْتُ: لَأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ، اطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا لَا نَقْتُلُ مُحَمَّدًا. فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلِي، فَمَا أَتَيْتُ- يَعْلَمُ اللهُ- مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَّا وَقَدْ شَمَمْنَا مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، وَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَبْيَضَانِ، فَيَغِيبَانِ فِي ثِيَابِهِ وَلَا يَظْهَرَانِ. فَقَالَ النَّاسُ: رُدِّيهِ يَا حَلِيمَةُ عَلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخْرِجِيهِ مِنْ أَمَانَتِكِ. قَالَتْ: فَعَزَمْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ، الْيَوْمَ يُرَدُّ [ (332) ] عَلَيْكِ النُّورُ، وَالدِّينُ، وَالْبَهَاءُ، وَالْكَمَالُ، فَقَدْ أَمِنْتِ أَنْ تُخْذَلِينَ أَوْ تَحْزَنِينَ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ. قَالَتْ: فَرَكِبْتُ أَتَانِيَ، وَحَمَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، بَيْنَ يَدَيَّ، أَسِيرُ حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ أَبْوَابِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَوَضَعْتُهُ لِأَقْضِيَ حَاجَةً وَأُصْلِحَ شَأْنِي، فَسَمِعْتُ [ (333) ] هَدَّةً شَدِيدَةً، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ قَالُوا: أَيُّ الصبيان؟ قلت: محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الَّذِي نَضَّرَ اللهُ بِهِ وَجْهِي، وَأَغْنَى عَيْلَتِي، وَأَشْبَعَ جَوْعَتِي، رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكْتُ بِهِ سُرُورِي وَأَمَلِي، أَتَيْتُ بِهِ أَرُدُّهُ وَأَخْرُجُ مِنْ أَمَانَتِي، فَاخْتُلِسَ مِنْ يَدَيَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ قَدَمَيْهِ الْأَرْضُ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ أَرَهُ لَأَرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ شَاهِقِ هَذَا الْجَبَلِ، وَلَأَتَقَطَّعَنَّ إِرْبًا إِرْبًا. فَقَالَ النَّاسُ [إِنَّا] [ (334) ] لَنَرَاكِ غَائِبَةً عَنِ الرُّكْبَانِ، مَا مَعَكِ مُحَمَّدٌ. قَالَتْ: قُلْتُ: السَّاعَةَ
كَانَ [ (335) ] بَيْنَ أَيْدِيكُمْ. قَالُوا: مَا رَأَيْنَا شَيْئًا. فَلَمَّا آيَسُونِي وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى رَأْسِي، فَقُلْتُ: وا محمّداه وا ولداه!! أَبْكَيْتُ الْجَوَارِيَ الْأَبْكَارَ [ (336) ] لِبُكَائِي، وَضَجَّ النَّاسُ مَعِي بِالْبُكَاءِ حُرْقَهً لِي، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَالْفَانِي مُتَوَكِّئًا عَلَى عُكَّازٍ [ (337) ] لَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ لي: مالي أراك أيها السَّعْدِيَّةُ تَبْكِينَ [ (338) ] وَتَضِجِّينَ؟!! قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَقَدْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ: لَا تَبْكِيَنَّ، أَنَا أَدُلُّكِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ فَعَلَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: دُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ: الصَّنَمُ الْأَعْظَمُ. قَالَتْ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟! كَأَنَّكَ لَمْ تَرَ مَا نَزَلَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى [فِي] [ (339) ] اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَتَهْذِينَ وَلَا تَدْرِينَ مَا تَقُولِينَ، أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَدَخَلَ وَأَنَا أَنْظُرُ، فَطَافَ بِهُبَلَ أُسْبُوعًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَنَادَى: يَا سَيِّدَاهُ، لَمْ تَزَلْ مُنْعِمًا عَلَى قُرَيْشٍ، وَهَذِهِ السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ضَلَّ. قَالَ: فَانْكَبَّ هُبَلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَتَسَاقَطَتِ الْأَصْنَامُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَنَطَقَتْ- أَوْ نَطَقَ مِنْهَا- وَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّمَا هَلَاكُنَا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ. قَالَتْ: فَأَقْبَلَ الشَّيْخُ لِأَسْنَانِهِ اصْتِكَاكٌ [ (340) ] ، ولركبتيه ارتعادا، وَقَدْ أَلْقَى عُكَّازَهُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا حَلِيمَةُ لَا تَبْكِي، فَإِنَّ لِابْنِكِ رَبًّا لَا يُضَيِّعُهُ، فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ. قَالَتْ: فَخِفْتُ
أَنْ يَبْلُغَ الْخَبَرُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَبْلِي، فَقَصَدْتُ قَصْدَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ. قَالَ: أَسَعْدٌ نَزَلَ بِكِ أَمْ نُحُوسٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلْ نَحْسُ الْأَكْبَرِ. فَفَهِمَهَا مِنِّي، وَقَالَ: لَعَلَّ ابْنَكِ قَدْ ضَلَّ مِنْكِ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، بَعْضُ قُرَيْشٍ اغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ. فَسَلَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَيْفَهُ وَغَضِبَ- وَكَانَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ- فَنَادَى بِأَعْلَى [ (341) ] صَوْتِهِ: يَا يَسِيلُ [ (342) ]- وَكَانَتْ دَعْوَتَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ-[قَالَ] : [ (343) ] فَأَجَابَتْهُ قُرَيْشٌ بِأَجْمَعِهَا، فَقَالَتْ: مَا قِصَّتُكَ يَا أَبَا الْحَارِثِ؟ فَقَالَ: فُقِدَ ابْنِي مُحَمَّدٌ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: ارْكَبْ نَرْكَبْ مَعَكَ، فَإِنْ سَبَّقْتَ خَيْلًا سَبَّقْنَا مَعَكَ، وَإِنْ خُضْتَ بَحْرًا خُضْنَا مَعَكَ. قَالَ: فَرَكِبَ، وَرَكِبَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ، فَأَخَذَ عَلَى أَعْلَى مَكَّةَ، وَانْحَدَرَ عَلَى أَسْفَلِهَا. فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا تَرَكَ النَّاسَ وَاتَّشَحَ بِثَوْبٍ، وَارْتَدَى بِآخَرَ [ (344) ] ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَطَافَ أُسْبُوعًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول: يَا رَبِّ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوجَدْ ... فَجَمِيعُ [ (345) ] قَوْمِي كُلُّهُمْ مُتَرَدِّدْ فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ جَوِّ الْهَوَاءِ: مَعَاشِرَ الْقَوْمِ [ (346) ] ، لَا تَصِيِحُوا [ (347) ] ، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ رَبًّا لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ، مَنْ لَنَا بِهِ؟ قَالُوا [ (348) ] : بِوَادِي تِهَامَةَ عِنْدَ شَجَرَةِ الْيُمْنَى. فَأَقْبَلَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَلَقَّاهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، فَصَارَا جَمِيعًا يَسِيرَانِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَجْذِبُ أَغْصَانَهَا، وَيَعْبَثُ بِالْوَرَقِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: فَدَتْكَ نَفْسِي، وَأَنَا جَدُّكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ احْتَمَلَهُ، وَعَانَقَهُ [ (349) ] ، وَلَثَمَهُ، وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَجَعَلَ يَبْكِي، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ، وَرَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ، فَاطْمَأَنَّتْ قُرَيْشٌ فَلَمَّا اطْمَأَنَّ النَّاسُ نَحَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِشْرِينَ جَزُورًا، وَذَبَحَ الشَّاءَ [ (350) ] وَالْبَقَرَ، وَجَعَلَ طَعَامًا، وَأَطْعَمَ أَهْلَ مَكَّةَ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: ثُمَّ جَهَّزَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ وَصَرَفَنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَأَنَا بِكُلِّ خَيْرِ دُنْيَا، لَا أُحْسِنُ وَصْفَ كُنْهِ خَيْرِي. وَصَارَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ جَدِّهِ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: وَحَدَّثْتُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى، وَقَالَ: يَا حَلِيمَةُ، إن لا بني شَأْنًا، وَدِدْتُ أَنِّي أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ [ (351) ] ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. فَذَكَرَ الحديث. قال:
وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي فِي بَهْمٍ لَنَا، أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ [ (352) ] ، مَعَهُمَا طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٌ ثَلْجًا، فَأَضْجَعَانِي، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَأَلْقَيَاهَا [ (353) ] ، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ، حَتَّى إِذَا أَنْقَيَا ثُمَّ رَدَّاهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِعَشَرَةٍ، فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِمِائَةٍ، فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِأَلْفٍ، فَوَزَنْتُهُمْ. فَقَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهُمْ [ (354) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مَلَكَيْنِ جَاءَانِي فِي صُورَةِ كُرْكِيَّيْنِ، مَعَهُمَا ثَلْجٌ وَبَرَدٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ، فَشَرَحَ أَحَدُهُمَا صَدْرِي، وَمَجَّ الْآخَرُ بِمِنْقَارِهِ فِيهِ فَغَسَلَهُ. هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الشَّقِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْصُولٍ: * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هاني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عن أنس بن مالك.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ. فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ- يَعْنِي ظِئْرَهُ- فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ [ (355) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ. وَهُوَ يُوَافِقُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي. * وَقَدْ أَخْبَرَنَا [أَبُو الْحَسَنِ] : عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ [ (356) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى- هَوُ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ- قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِيتُ وَأَنَا فِي أَهْلِي، فَانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي، ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئَةً إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحُشِيَ بِهَا صَدْرِي- قَالَ أَنَسٌ: وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، يُرِينَا أَثَرَهُ- فَعَرَجَ بِيَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ الْمَلَكُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (357) ] مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ. وقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً حِينَ كَانَ عِنْدَ مُرْضِعَتِهِ حَلِيمَةَ، وَمَرَّةً حين كان بمكة، بعد ما بُعِثَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ [ (358) ] . وَاللهُ أَعْلَمُ. وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ، مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (359) ] ، أَرْضَعَتْ أَيْضًا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ- وَأُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي، ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي: أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرَكَنِي فِي خَيْرٍ- أُخْتِي. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ: ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: والله لو
أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ: ثُوَيْبَةُ. فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ: مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتْ رَسُولَ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، وَأَشَارَ إِلَى النَّقِيرِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي يَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (360) ] . وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَتَهُ حَتَّى كَبِرَ: * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وهب.. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَذَكَرَ الحديث، وفيه: قال:
وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أَعْطَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِذَاقًا لَهَا، فَأَعْطَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمَّ أَيْمَنَ، وَهِيَ مَوْلَاتُهُ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضِنُهُ حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ [ (361) ] .
باب ذكر اسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ ذِكْرِ أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (362) ] وَقَالَ: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (363) ] . * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، لَفْظًا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هند، عن العباس ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: يَا رَبِّ رُدَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... يَا رَبِّ رُدَّهْ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا - وَقَالَ غَيْرُهُ: «رَدَّهُ رَبِّ» - فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، بَعَثَ بِابْنِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ فِي حَاجَةٍ إِلَّا أَنْجَحَ فِيهَا، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ مُحَمَّدٌ وَالْإِبِلُ، فَاعْتَنَقَهُ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ جَزِعْتُ عَلَيْكَ جَزَعًا لَمْ أَجْزَعْهُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَاللهِ لَا أَبْعَثُكَ في
حاجة أبدا، ولا تُفَارِقُنِي بَعْدَ هَذَا أَبَدًا [ (364) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟ يَسُبُّونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ [ (365) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، يقال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ لِي أسماء: أنا محمد، وأنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ، الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أحد [ (366) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ. و [أَخْرَجَهُ] [ (367) ] مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ [بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ] [ (368) ] بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ لِي أَسْمَاءً: أَنَا أَحْمَدُ [ (369) ] وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ. قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي ليس بعده النبي [ (370) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عن عبد الرّزّاق.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: «وَأَنَا الْعَاقِبُ، الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ تَعَالَى، رَءُوفًا رَحِيمًا» * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شهاب. فَذَكَرَهُ، وقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُ الْعَاقِبِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، كَمَا بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ. وَقَوْلُهُ: «وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ، تَعَالَى: رَءُوفًا رَحِيمًا» مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَاللهُ أَعْلَمُ. * حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دُلَّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ، تَعَالَى، بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا العاقب. يعني الخاتم [ (371) ] .
وَرَوَاهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَعَدَّهُنَّ مَعَ الْخَاتَمِ، سِتَّةً: [ (372) ] . * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي، وَالْخَاتَمُ، وَالْعَاقِبُ» [ (373) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عن عقبة بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَتُحْصِي أسماء رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ سِتَّةٌ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَخَاتَمٌ، وَحَاشِرٌ، وَعَاقِبٌ، وَمَاحِي. فَأَمَّا الْحَاشِرُ [ (374) ] : فَبُعِثَ مَعَ السَّاعَةِ نَذِيرًا لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، وَأَمَّا عَاقِبٌ: فَإِنَّهُ عَقِبُ [ (375) ] الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا مَاحِي: فَإِنَّ اللهَ، تَعَالَى، مَحَا بِهِ [ (376) ] سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّى لَنَا نَفْسَهُ [ (377) ] ، فَقَالَ: أَنَا محمد،
وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفَّى، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْمَلْحَمَةِ [ (378) ] . لَفْظُ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ. وَفِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ، قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفْسَهُ أَسْمَاءً، مِنْهَا مَا حَفِظْنَا، ثُمَّ ذَكَرَهُنَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» [ (379) ] . هَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرُوِيَ مَوْصُولًا. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ. (ح) [ (380) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ [ (381) ] بْنِ سختويه الإسفرايني الْمُجَاوِرُ، بِمَكَّةَ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الطِّرَازِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، وَأَبُو عَلِيٍّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بن
الْحَسَنِ الْحَافِظُ، وَأَبُو النَّضْرِ: شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَوَانَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْهِزَّانِيُّ، بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ: زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» . لفظ حديث الإسفرايني. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» . * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [ (382) ] ، عَنْ [محمد] [ (383) ] بن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: يس [ (384) ] قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ [ (385) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (386) ] يَا رَجُلُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَهِيَ لُغَةٌ لِعَكٍّ، إِنْ قُلْتَ لِعَكِّيٍّ: يَا رَجُلُ، لَمْ يَلْتَفِتْ، وَإِذَا قُلْتَ لَهُ: طه، الْتَفَتَ إِلَيْكَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ «الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ» : خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذَوُو [ (387) ] اسْمَيْنِ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، نَبِيُّنَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعِيسَى، وَالْمَسِيحُ، صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَإِسْرَائِيلُ، وَيَعْقُوبُ، صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَيُونُسُ، وَذُو النُّونِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ. وَإِلْيَاسُ، وَذُو الْكِفْلِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَلِنَبِيِّنَا، صلى الله عليه وسلم، خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ فِي الْقُرْآنِ: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَطه، وَيس. قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي ذِكْرِ محمد، صلى الله عليه وَسَلَّمَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (388) ] وَقَالَ: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (389) ] وَقَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي ذِكْرِ عَبْدِ اللهِ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ. يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةَ الْجِنِّ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [ (390) ] . وَإِنَّمَا كَانُوا يَقَعُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا أَنَّ الّلبد يتّخذ من
الصُّوفِ، فَيُوضَعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَيَصِيرُ لِبَدًا. وَقَالَ: عَزَّ وَجَلَّ: طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (391) ] وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ، عَزَّ وَجَلَّ: يس [ (392) ] يَعْنِي يَا إِنْسَانُ، وَالْإِنْسَانُ هَاهُنَا: الْعَاقِلُ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ، صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (393) ] . قُلْتُ: وَزَادَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ: سَمَّاهُ اللهُ، تَعَالَى: فِي الْقُرْآنِ: «رَسُولًا، نَبِيًّا، أُمِّيًّا، وَسَمَّاهُ: شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى الله بإذنه، وسراجا مُنِيرًا، وَسَمَّاهُ: رَءُوفًا رَحِيمًا، وَسَمَّاهُ: نَذِيرًا مُبِينًا، وَسَمَّاهُ: مُذَكِّرًا، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً، وَنِعْمَةً، وَهَادِيًا، وَسَمَّاهُ: عَبْدًا. صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا. * وأَخْبَرَنَا [ (394) ] أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ- وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا المسيب بن رافع، قال: قَالَ كَعْبٌ: قَالَ اللهُ، تَعَالَى، لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدِي [سَمَّيْتُكَ] [ (395) ] الْمُتَوَكِّلَ الْمُخْتَارَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ
الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اجْتَمَعُوا، فَتَذَاكَرُوا أَيُّ بَيْتٍ [ (396) ] أَحْسَنُ فِيمَا قَالَتْهُ الْعَرَبُ؟ قَالُوا: الَّذِي قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ كَيْ يُجِلَّهُ* فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ وَرَوَاهُ الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ [ (397) ] ، عَنْ سفيان، وقال: «ليجلّه» .
باب ذكر كنية رسول الله، صلى الله عليه وسلم
بَابُ ذِكْرِ كُنْيَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى: زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» [ (398) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: لَا تَجْمَعُوا اسْمِي وَكُنْيَتِي، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، اللهُ يَرْزُقُ، وَأَنَا أَقْسِمُ» [ (399) ] . وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعَيدٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبَى عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «اللهُ يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ» [ (400) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ. (ح) [ (401) ] وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَعُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أنس ابن مالك:
أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ مَارِيَةَ جَارِيَتِهِ، كَانَ [ (402) ] يَقَعُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ [ (403) ] . وَفِي رِوَايَةِ الْفَقِيهِ: «يا أبا إبراهيم» [ (404) ] .
باب ذكر شرف أصل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسبه
بَابُ ذِكْرِ شَرَفِ أَصْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَسَبِهِ وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ: شَدَّادٌ، عن واثلة ابن الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، اصْطَفَى بَنِي كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هاشم» [ (405) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ سَعِيدٍ [ (406) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ابْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ: شَدَّادٍ: أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ. وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ: * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حدثنا عبد الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، اخْتَارَ: فَاخْتَارَ الْعَرَبَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ كِنَانَةَ، أَوِ النَّضْرِ بْنَ كِنَانَةَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ قُرَيْشًا، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ [ (407) ] آخَرَ فِي مَعْنَاهُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (408) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ [ (409) ] ، إِنَّ قُرَيْشًا إِذَا الْتَقَوْا، لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْبَشَاشَةِ، وَإِذَا لَقَوْنَا، لَقَوْنَا بِوُجُوهٍ لَا نَعْرِفُهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يحبّكم الله
وَرَسُولِهِ» [ (410) ] فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا تَذَاكَرُوا [ (411) ] أَحْسَابَهُمْ، فَجَعَلُوا مَثَلَكَ: مِثْلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ [ (412) ] : يَوْمَ خَلَقَ الْخَلْقَ جَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ، ثُمَّ حِينَ فَرَّقَهُمْ جَعَلَنِي فِي خَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ حِينَ جَعَلَ الْقَبَائِلَ جَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، ثُمَّ حِينَ جَعَلَ الْبُيُوتَ جَعَلَنِي فِي خَيْرِ بُيوتِهِمْ، فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَسَبًا [ (413) ] ، وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا» [ (414) ] . * وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [ (415) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد، قَالَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، أَنَّ قَوْمًا نَالُوا مِنْهُ، وَقَالُوا لَهُ [ (416) ] : إِنَّمَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ: كَمِثْلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كُنَاسٍ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، خَلَقَ خَلْقَهُ، فَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ [ (417) ] ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ
الْفَرِيقَيْنِ [ (418) ] ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلًا، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا خَيْرُكُمْ قَبِيلًا، وَخَيْرُكُمْ بَيْتًا» [ (419) ] : كَذَا قَالَ: عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَابْنُ رَبِيعَةَ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَدْ قِيلَ: عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ: * أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُوحٍ- مِنْ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ- بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عَزْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (420) ] الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ، وَبَلَغَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ [لَهُ] [ (421) ] . (ح) [ (422) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ- وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَلَغَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فصعد المنبر،
فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَنْ أَنَا» ؟ قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَجَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا، وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا» [ (423) ] صلى الله عليه وسلم. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَسَمَ الْخَلْقَ قِسْمَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا قِسْمًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ [ (424) ] وأَصْحابُ الشِّمالِ [ (425) ] فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَنَا خَيْرُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. ثُمَّ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ أَثْلَاثًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا ثُلُثًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى [ (426) ] : فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [ (427) ] وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [ (428) ] . فَأَنَا مِنَ السَّابِقِينَ، وَأَنَا خَيْرُ السَّابِقِينَ. ثُمَّ جَعَلَ الْأَثْلَاثَ: قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا قَبِيلَةً، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ (429) ] وَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ وَلَا فخر. ثم
جَعَلَ الْقَبَائِلَ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (430) ] فَأَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي مُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ» [ (431) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَوَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ- خَالِ وَلَدِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ- قَالَ أَبُو وَهْبٍ: فَلَا أَحْسِبُ مُحَمَّدًا إِلَّا حَدَّثَنِي بِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّا لَقُعُودٌ بِفِنَاءِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ مَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذِهِ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَثَلُ مُحَمَّدٍ فِي بَنِي هَاشِمٍ: مَثَلُ الرَّيْحَانَةَ فِي وَسَطِ النَّتْنِ. فَانْطَلَقَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَخْبَرَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَالٍ تَبْلُغُنِي عَنْ أَقْوَامٍ؟! إِنَّ اللهَ، عَزَّ وجل، خلق السموات سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا،
فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنِي آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بَنِي آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشًا، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ، فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ [ (432) ] . لَفْظُ حَدِيثِ أَبَى عَبْدِ اللهِ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ- خَالِ وَلَدِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ- فَذَكَرَهُ بإسناده نحوه.
* أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى: مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا رَبِيبَةُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ- وَلَا أَعْلَمُهَا إِلَّا زَيْنَبَ- قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ [ (433) ] . قَالَ: وَأُرَاهُ ذَكَرَ النَّقِيرَ. قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّنْ كَانَ [ (434) ] مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ [ (435) ] كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ [ (436) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، [قَالَ] : أَخْبَرَنَا [ (437) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بن هيضم، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّا مِنْكُمْ أَوْ أَنَّكُمْ مِنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، ولا نقفوا أمّنا» . قال:
فَقَالَ الْأَشْعَثُ: لَا أَجِدُ أحدا- أولا نُؤْتَى [ (438) ] بِأَحَدٍ- نَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ [ (439) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [ (440) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى: بَكَّارُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ- إِمْلَاءً- سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقَلَانِسِيُّ [ (441) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَا: بَلَغَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، أَنَّ رِجَالًا مِنْ كِنْدَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَقُولُ ذَاكَ: الْعَبَّاسُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، إِذَا قَدِمَا الْمَدِينَةَ لِيَأْمَنَا [ (442) ] بِذَلِكَ، وَإِنَّا لَنْ نَنْتَفِيَ مِنْ آبَائِنَا، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ» . قَالَ: وَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ، بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ هاشم، بن عبد مناف، ابن قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فهر، ابن مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارٍ» . وَمَا افْتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنِي اللهُ فِي خَيْرِهِمَا. فَأُخْرِجْتُ مِنْ بَيْنِ أَبَوَيْنِ، فَلَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ مِنْ عُهْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَخَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي وَأُمِّي، فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَفْسًا،
وَخَيْرُكُمْ أَبًا [ (443) ] » . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ الرَّازِيُّ، بِعَسْقَلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: «فَأُخْرِجْتُ» إِلَى قَوْلِهِ: «حَتَّى خَرَجْتُ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ، هَذَا وَلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَفْرَادٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُسْتِيُّ- الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْبَكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا، فَقَرْنًا، حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كنت فيه» [ (444) ] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمْرٍو. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَنْبٍ [ (445) ] [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ (ح) [ (446) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بُهْلُولُ بْنُ الْمُوَرِّقِ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَلَبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ [رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَقَلَبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ] [ (447) ] بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ [ (448) ] . [قَالَ أَحْمَدُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي رِوَايَتِهَا مَنْ لَا تَصِحُّ بِهِ، فَبَعْضُهَا يُؤَكِّدُ بَعْضًا، وَمَعْنَى جَمِيعِهَا يَرْجِعُ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَاللهُ أعلم] [ (449) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارَزْمِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ- يَعْنِي ابْنَ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيَّ- قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ، وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ وَقَدْ رَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ [ (450) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ أَمْلِ عَلَيَّ النَّسَبَ إِلَى آدَمَ. فَأَمْلَى عَلَيَّ: مُحَمَّدٌ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ هَاشِمِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ- مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي أَبُو الْحُوَيْرِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وسلم، قالت:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ، بْنِ أُدَدَ، بْنِ زَنْدِ [ (451) ] ، بْنِ يُرَى، بْنِ أَعْرَاقٍ» [ (452) ] . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَمَعَدٌّ: مَعَدٌّ، وَعَدْنَانُ: عَدْنَانُ، وَأُدَدُ: أُدَدُ، وَزَنْدٌ: هَمَيْسَعٌ، وَيُرَى: نَبْتٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَعْرَاقُ الثَّرَى [ (453) ] . قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَمْلَى عَلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ الطَّوِيلِ التَّيْمِيُّ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. مِثْلَهُ إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
ابن عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حبان بْنِ مُلَاعِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمِّهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدَ، بْنِ زند، ابن يُرَى، بْنِ أَعْرَاقِ الثَّرَى، قَالَتْ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى، وَثَمُودَ فَما أَبْقى [ (454) ] ، وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [ (455) ] لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ [ (456) ] . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَعْرَاقُ الثَّرَى: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَزَيْدٌ: هَمَيْسَعُ، وَيُرَى: نَبْتٌ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [ (457) ] ، قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ هاشم، ابن عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ، بن مدركة، ابن إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ، بْنِ مَعَدِّ، بْنِ عَدْنَانَ، بْنِ أُدَدَ، بْنِ المقوم، ابن نَاحُورَ، بْنِ تَارَحَ، بْنِ يَعْرُبَ، بْنِ يَشْجُبَ، بْنِ نَابِتِ، بْنِ إِسْمَاعِيلَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ آزَرَ. وَهُوَ فِي التَّوْرَاةِ: ابْنُ تَارِخِ، بْنِ نَاحُورَ، بْنِ أَرْغُوَى [ (458) ] ، بن
سارح، بن فالح، بْنِ عَابِرَ، بْنِ شَالِخَ، بْنِ أَرْفَخْشَذَ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لَمَكَ، بْنِ مُتُوشَلَخَ، بْنِ أَخْنُوخَ، بْنِ يَرْدَ، بْنِ مَهْلَايِيلَ [ (459) ] بْنِ قَيْنَانَ، بْنِ أَنوش [ (460) ] ، بْنِ شِيثَ، بْنِ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْبِيَاءِ اللهِ الطَّيِّبِينَ الْأَخْيَارِ [وَسَلَّمَ] [ (461) ] . وَرَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ [ (462) ] عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، وَقَالَ فيه: تارخ ابن نَاحُورَ، بْنِ عَوْرِ، بْنِ فَلَاحِ، بْنِ عَابِرِ، بْنِ شَالِخِ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ بْنِ لَامَكَ، بْنِ مُتُوشَلَخَ، بْنِ خَانُوخَ، بْنِ مَهْلِيلَ، بْنِ قَيْنَانَ [ (463) ] ، بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ. وَقَالَ: إِنَّ [ (464) ] أُدَدَ بْنَ الْمُقَوِّمِ. قُلْتُ: كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ. وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ النَّسَّابُونَ فِيهِ أَيْضًا. وَذِكْرُ اختلافهم هَهُنَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ وَلَيْسَ مِنْهُ [ (465) ] كَثِيرُ فَائِدَةٍ. وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللهُ، يَقُولُ: نِسْبَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَحِيحَةٌ إِلَى عَدْنَانَ، وَمَا وَرَاءَ عَدْنَانَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ النَّسَوِيُّ: أَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ
حدثهم، قالب: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ الْعَامِرِيِّ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: فَلِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ قَالَ: لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ، تَكُونُ أَعْظَمَ دَوَابِّهِ، يُقَالُ: لَهَا الْقِرْشُ [ (466) ] ، لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ [ (467) ] . قَالَ: فَأَنْشِدْنِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَأَنْشَدْتُهُ شِعْرَ الْجُمَحِيِّ إِذْ يَقُولُ: وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ البح ... - ر بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تت ... رك فِيهَا لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ... يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- هُوَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [ (468) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ: شَيْبَةُ. وَهَاشِمٌ: اسْمُهُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ. وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ. وَاسْمُ قُصَيٍّ: زَيْدُ، بْنُ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ بْنِ كنانة
[بْنِ خُزَيْمَةَ] [ (469) ] ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بن محمد بن يحيى الدَّارِمِيُّ- وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- هُوَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،] [ (470) ] قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَوَّلُ النَّاسِ يَلْقَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، بِالنَّسَبِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ فِي بَنِي هَاشِمٍ: عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَأَسَدًا: وَالِدَ فَاطِمَةَ أُمِّ عَلِيٍّ، وَنَضْلَةَ، وَأَبَا صَيْفِيَّ. قَالَ: وَيُقَالُ: وَصَيْفِيٌّ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي نَوْفَلٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أُمَّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمِنَةَ بِنْتَ وهب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. ثُمَّ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ. ثُمَّ [ذَكَرَ] [ (471) ] بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ بَنِي جُمَحٍ وَسَهْمٍ ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ [ (472) ] . ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَذَكَرَ أَسَامِيَ الْمَعْرُوفِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْقَبَائِلِ. وَنَحْنُ نَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى فِي «كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ» رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا كَبْشَةَ أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ الشِّعْرَى، وَخَالَفَ دِينَ قَوْمِهِ، فَلَمَّا خَالَفَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، دِينَ قُرَيْشٍ، وَجَاءَ بِالْحَنِيفِيَّةِ- شَبَّهُوهُ بِأَبِي كَبْشَةَ، وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: ابْنُ أبي كبشة.
وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ: خُزَاعَةَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ وَجْزُ بْنُ غالب ابن عَامِرِ [ (473) ] بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ أَبُو عَمْرَةَ بِنْتِ وَجْزٍ، وَعَمْرَةُ هِيَ أُمُّ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبِي آمنة: امم رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَشَبَّهُوهُ بِجَدِّهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَبِي كَبْشَةَ. وَاللهُ أَعْلَمُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ [ (474) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أُمُّ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي وَلَدَتْهُ: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ زُهْرَةَ، بْنِ كِلَابٍ، وَأُمُّهَا بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ، بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ. وَأُمُّهَا أُمُّ سُفْيَانَ بِنْتُ أَسَدِ، بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، بن قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ. وَأُمُّهَا بَرَّةُ بِنْتُ عَوْفِ، بْنِ عُبَيْدِ، بْنِ عُوَيْجٍ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ، بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ بن فهر [ (475) ] ، وَأُمُّهَا قِلَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ صَعْصَعَةَ مِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هُذَيْلٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ. وَأُمُّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، الَّتِي أَرْضَعَتْهُ حَتَّى شَبَّ: حَلِيمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ سِجْنَةَ [ (476) ] السَّعْدِيَّةُ. مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ عِكْرِمَةَ، بْنِ خَصَفَةَ، بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، بْنِ مُضَرَ.
وَزَوْجُ حَلِيمَةَ، الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى. فَفِي هَؤُلَاءِ نسب رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَذَا فِي كِتَابِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَدَلَ أُمِّ سُفْيَانَ: أُمُّ حَبِيبٍ، وَقَالَ بَدَلَ عُوَيْجٍ: عُرَيْجٌ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْضًا: ثويبة مولاة أبي لهب. وَاسْمُ أَبِي لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى. وَجَدَّةُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أُمُّ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو [ (477) ] ، بْنِ عَائِذِ، بْنِ عِمْرَانَ: بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّهَا صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدَةَ، بْنِ عِمْرَانَ، بْنِ مَخْزُومٍ. وَأُمُّهَا تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ. وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ عَامِرِ، بْنِ عَمِيرَةَ [ (478) ] : ابن وَدِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّهَا أُخْتُ بَنِي وَائِلَةَ بْنِ عَدْوَانَ بْنِ قَيْسٍ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [ (479) ] قَالَ: لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ قَرَابَةٌ. فَقَالَ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى. قَالَ: لَا تُؤْذُونِي فِي قَرَابَتِي. قَالَ: وَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [ (480) ] .
وأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (481) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الآية قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فَكَتَبْنَا إِلَى «ابْنِ عَبَّاسٍ» نَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، كَانَ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي قُرَيْشٍ، لَيْسَ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِهِمْ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَهُ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أَيْ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ لَا تُؤْذُونِي بِقَرَابَتِي مِنْكُمْ وَتَحْفَظُونِي لَهَا. قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنِي حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ. قُلْتُ قَدْ مَضَى فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ذِكْرُ أَسْمَاءِ أَعْمَامِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * فَأَمَّا عَمَّاتُهُ: فَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يقول:
عَمَّاتُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَنَاتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: عَاتِكَةُ، وَأُمُّ حَكِيمٍ، وهي البيضاء، وهي توأم عَبْدِ اللهِ، وَصَفِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ الزُّبَيْرِ، وَبَرَّةُ، وَأُمَيْمَةُ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنَاتِهِ: ابْكِينَ عَلَيَّ حَتَّى أَسْمَعَ. وَكُنَّ سِتَّ نِسْوَةٍ، وَهُنَّ: أُمَيْمَةُ، وَأُمُّ حَكِيمٍ، وَبَرَّةُ، وَعَاتِكَةُ، وَصَفِيَّةُ، وَأَرْوَى. عَمَّاتُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم [ (482) ] .
باب ذكر وفاة عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاة أمه آمنة بنت وهب ووفاة جده عبد المطلب بن هاشم
بَابُ ذِكْرِ وَفَاةِ عَبْدِ اللهِ أَبِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاةِ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَوَفَاةِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ [قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ] [ (483) ] قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ، فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ووَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنَ عَبْدِ اللهِ، فَكَانَ فِي حِجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: وَقَدْ هَلَكَ [أَبُوهُ] [ (484) ] عَبْدُ اللهِ وَهِيَ حُبْلَى [ (485) ] . قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ابْنُ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. وَاللهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كان.
قُلْتُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ [أَبُوهُ] [ (486) ] وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَدِمَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ [بْنِ] [ (487) ] النَّجَّارِ، الْمَدِينَةَ [ (488) ] ، ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالْأَبْوَاءِ هَلَكَتْ بِهَا، وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، ابْنُ سِتِّ سِنِينَ. قُلْتُ: وَهَذَا لِأَنَّ هَاشِمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَمَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَلَمْ [ (489) ] يَبْكِ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ بُكَاءَهُ. قَالَ: وَوَلِيَ زَمْزَمَ وَالسِّقَايَةَ مِنْ بَنِيهِ: الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ تَزَلْ إِلَيْهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِهِ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا مضى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ [ (490) ] : مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَى النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ فَجَلَسَ، وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ كَثِيرٌ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطِبِ. قَالَ: ثُمَّ بَكَى، فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَأَبَى عَلَيَّ، وَأَدْرَكَتْنِي رِقَّتُهَا فَبَكَيْتُ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ سَاعَةً أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. تَابَعَهُ مُحَارِبُ بْنُ دثار، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْظُرُ فِي الْمَقَابِرِ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَأَمَرَنَا، فَجَلَسْنَا، ثُمَّ تَخَطَّى الْقُبُورَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا، فَنَاجَاهُ طَوِيلًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَاكِيًا، فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَ إِلَيْنَا، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ [صَلَّى الله عَلَيْكَ] » [ (491) ] ، مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ لَقَدْ أَبْكَانَا وَأَفْزَعَنَا، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: أَفْزَعَكُمْ بُكَائِي؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ الْقَبْرَ الذي
رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِي فِيهِ- قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي فِيهِ، وَاسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فِيهِ، وَنَزَلَ عَلَيَّ مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [ (492) ] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [ (493) ] فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَةِ مِنَ الرِّقَةِ، فَذَلِكَ الَّذِي أَبْكَانِي [ (494) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ. (ح) [ (495) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي: يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، تُذَكِّرْكُمُ الْمَوْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (496) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي
شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ» . (ح) وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عن أنس. أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (497) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَضِيُّ، النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ النَّسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي النَّارِ. قَالَ: فَكَأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ وَجِدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ. قَالَ: فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، فَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، تَعَبًا، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ [ (498) ] . * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ [ (499) ] بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا، فَلَمَّا رَجَعْنَا وجاذبنا بَابَهُ إِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ لَا نَظُنُّهُ عَرَفَهَا، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، مِنْ أَيْنَ جِئْتِ؟ قَالَتْ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَهْلِ هَذَا الْمَيِّتِ، رَحِمْتُ إِلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ وَعَزَّيْتُهُمْ، قَالَ: فَلَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى؟ قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَبْلُغَ مَعَهُمُ الْكُدَى، وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَا تَذْكُرُ. قَالَ: لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ [ (500) ] . وَالْكُدَى: الْمَقَابِرُ. قُلْتُ: جَدُّ أَبِيهَا: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هاشم. وَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَبَوَاهُ وَجَدُّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْوَثَنَ حَتَّى مَاتُوا، وَلَمْ يَدِينُوا دين عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمْرُهُمْ لَا يَقْدَحُ فِي نَسَبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، أَلَا تَرَاهُمْ يُسْلِمُونَ مع
زَوْجَاتِهِمْ فَلَا يَلزَمُهُمْ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ، وَلَا مُفَارَقَتُهُنَّ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ. [وبالله التوفيق] [ (501) ] .
جماع أبواب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
جِمَاعُ أَبْوَابِ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَابُ صِفَةِ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاتِي، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ [ (502) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارٍ الْقَزْوِينِيُّ، الْمُجَاوِرُ بِمَكَّةَ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: أكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيدًا مِثْلَ السَّيْفِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ. * وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، [ (503) ] الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ: أَلَيْسَ كَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (504) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ. أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجْهُهُ مثل
السَّيْفِ؟ قَالَ جَابِرٌ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، مُسْتَدِيرًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (505) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ، الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ [ (506) ] وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهُوَ كَانَ فِي عَيْنَيَّ أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ [ (507) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ [ (508) ] ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أُمَاثِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَمَرِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ- وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بكير [ (509) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو [ (510) ] الْأَزْهَرِ: أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا مَسْرُورًا وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ. فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ وَرَأَى زَيْدًا وَأُسَامَةَ قَدْ غَطَّيَا رؤوسهما وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بعض [ (511) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ، سَمَّاهَا، قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، مَرَّاتٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ. يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ، تَكَادُ تَمَسُّ مَنْكِبَهُ، إِذَا مَرَّ بِالْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ بِالْمِحْجَنِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ فَيقَبِّلُهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ؟ قَالَتْ: كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صلى الله عليه وسلم [ (512) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ [الْقَطَّانُ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ. (ح) وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- إِمْلَاءً- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ [ (513) ] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مُوسَى التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: صِفِي لِيَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ [ (514) ] . لَفْظُ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَوْ رَأَيْتَهُ رأيت الشمس طالعة.
باب صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ صِفَةِ لَوْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (515) ] أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُوَ يَصِفُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ رَبْعَةً [ (516) ] مِنَ الْقَوْمِ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، أَمْهَقَ [ (517) ] ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ وَلَا آدَمَ [ (518) ] ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلَا بِالسَّبْطِ [ (519) ] رَجْلٌ، نَزَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ توفي هو ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً ببيضاء.
قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْمَرَّ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (520) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [ (521) ] الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ، الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا
أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَا: حَدَّثَنَا [ (522) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، رجل الشَّعْرِ، لَيْسَ بِالسَّبْطِ، وَلَا الْجَعْدِ [ (523) ] الْقَطَطِ، أَزْهَرَ، لَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَا الْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا الطَّوِيلِ الْبَائِنِ. بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ. أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَبِمَكَّةَ عَشْرًا. وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلَا فِي لِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (524) ] ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ: كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أسمر اللون [ (525) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ [قَالَ] [ (526) ] أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، [قَالَ] : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَ أَبْيَضَ بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْغَضَائِرِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو الطُّفَيْلِ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرِي. قَالَ: قُلْتُ: وَرَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ صِفَتُهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا [ (527) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ رَأَى غَيْرِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقُلْنَا
لَهُ: صِفْ لَنَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ [ (528) ] . * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ [ (529) ] .
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ- يَعْنِي ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَزْهَرَ اللَّوْنِ. * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (530) ] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبَ الْحُمْرَةِ [ (531) ] . وَرُوِيَ ذَلِكَ هَكَذَا مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ. وَيُقَالُ إِنَّ الْمُشْرَبَ مِنْهُ حُمْرَةً: وَمَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد بن
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، عَنْ عَمِّهِ: سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [ (532) ] بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، عَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سبيكة فضّة [ (533) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ [ (534) ] . * أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المبارك، قال: أخبرني
رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْهُ، كَأَنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنَجْتَهِدُ، وَإِنَّهُ غير مكترث [ (535) ] .
باب صفة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفاره وفمه
بَابُ صِفَةِ عَيْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَشْفَارِهِ وَفَمِهِ * أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَلِيعَ الْفَمِ [ (536) ] ، أَشْكَلَ العينين [ (537) ] منهوس العقبين [ (538) ] .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (539) ] . * وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: قَاسِمُ ابن الْقَاسِمِ [السَّيَّارِيُّ] [ (540) ] بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: باد أم جشم [ (541) ] . قُلْتُ: وَهَذَا [ (542) ] التَّفْسِيرُ مِنْ جِهَةِ سِمَاكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ: أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ: أَشْهَلُ الْعَيْنَيْنِ. * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سِمَاكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبِ، ضَلِيعَ الفم [ (543) ] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ [ (544) ] : الشُّكْلَةُ: كَهَيْئَةِ: الْحُمْرَةِ تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ. وَالشُّهْلَةُ: غَيْرُ الشُّكْلَةِ، وَهِيَ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا [ (545) ] . * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أبيض مشربا بياضه
حُمْرَةً. قَالَ: وَكَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ: قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ [بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله] [ (546) ] بن سلمة، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ- مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ- قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، وَآدَمُ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّهُ كَانَ يَنْعَتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ أَهْدَبَ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ.
باب صفة جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاجبيه وأنفه وفمه وأسنانه
بَابُ صِفَةِ جَبِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَحَاجِبَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَأَسْنَانِهِ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أخبرنا عبد الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ مُفَاضَ الْجَبِينِ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ [ (547) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ [ (548) ] لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خَالِهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ [ (549) ] ، سَوَابِغَ [ (550) ]
فِي غَيْرِ قَرَنٍ [ (551) ] ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ [ (552) ] أَقْنَى الْعِرْنِينِ [ (553) ] ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ أَشْنَبُ، مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ [ (554) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ [ (555) ] الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وكان إذا تكلم رؤي كالنور بين ثناياه [ (556) ] .
باب رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفة لحيته
بَابُ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَصِفَةِ لِحْيَتِهِ * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بن فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ [ (557) ] . * وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ ضَخْمَ الْهَامَةِ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، الْحُدَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنِ الرَّاسِبِيُّ:
أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ [ (558) ] ، أَغَرَّ أَبْلَجَ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ. * قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عبد الله ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَثَّ اللِّحْيَةِ [ (559) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حدثني عمرو ابن الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَسْوَدَ اللِّحْيَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ» . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ: أَبُو غَسَّانَ، عَنْ [جهضم بن الضحاك] [ (560) ] .
نَزَلْتُ بِالرُّخَيْخِ، فَقِيلَ لِي: هَهُنَا رَجُلٌ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ رَجُلًا مَرْبُوعًا، حَسَنَ السَّبَلَةِ. قَالَ: وَكَانَتِ اللِّحْيَةُ تُدْعَى فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سبلة [ (561) ] . والله أعلم.
باب صفة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ صِفَةِ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ زِيَادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجِلَ الشَّعْرِ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ [ (562) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ رَبِيعَةَ [ (563) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ شَعْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ شَعْرُهُ بَيْنَ الشَّعْرَيْنِ لَا سَبْطٌ وَلَا جَعْدٌ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وعاتقه.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ [ (564) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَتَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالُوا: حدثنا شيبان ابن فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَيْفَ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ كَانَ شَعْرًا رَجِلًا، لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (565) ] عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ محمد الكعبي،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ حَبَّانَ عَنْ هَمَّامٍ [ (566) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ [ (567) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ [ (568) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْكَرَابِيسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عليّة،
عَنْ حُمَيْدٍ. فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَبْلُغُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ: حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (569) ] . * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، قال:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، يَعْنِي أَحْسَنَ، مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، إِنَّ جُمَّتَهُ تَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِرَارًا، وما حدّث بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ: مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر ابن دَاسَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (570) ] أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ كَثِيرَ شعر الرأس رجله [ (571) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ شَعْرُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (572) ] ، فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ [ (573) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكَّةَ قَدْمَةً، وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. تَعْنِي ضَفَائِرَ [ (574) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عبيد الله ابن عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يفرقون رؤوسهم. فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ [ (575) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيِّ، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. * وأَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّابَرَانِيُّ، بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَدَلَ نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْدِلَ، ثم فرق بعد [ (576) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَنَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأْسَهُ، صَدَعْتُ فِرْقَهُ عَنْ يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ [ (577) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاللهُ أَعْلَمُ، أَذَلِكَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا» [ (578) ] أَمْ هِيَ سِيمَاءُ [ (579) ] كَانَ يَتَسَوَّمُ بِهَا. قَالَ: وَقَدْ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ فَقِيهًا مُسْلِمًا: مَا هِيَ إِلَّا سِيمَاءُ مِنْ سِيمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ تَمَسَّكَتْ بِهَا النَّصَارَى مِنْ بَيْنِ الناس.
* أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ هَدْيَهُ نَاوَلَ الْحَلَّاقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، فَنَاوَلَهُ أَبَا طَلْحَةَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ. [ (580) ] .
باب ذكر شيب النبي صلى الله عليه وسلم وما ورد في خضابه
بَابُ ذِكْرِ شَيْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَمَا وَرَدَ فِي خِضَابِهِ [ (581) ] * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: مِنَ الطِّيبِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ [ (582) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قال:
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخَضَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا [ (583) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ [ (584) ] الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَجَّاجٍ الشَّاعِرِ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ [ (585) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الفضل بْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- هُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ مَا يَخَضَّبَ، ولَوْ شِئْتُ، أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي لِحْيَتِهِ، وَلَكِنْ خَضَبَ أبو بكر بالحنّاء.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (586) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ. فَعَلْتُ: قَالَ: وَلَمْ يَخْتَضِبْ، وَقَدِ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [ (587) ] ، وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ [ (588) ] . * وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، أَنَّ [ (589) ] الْحَجَّاجَ بْنَ مِنْهَالٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثابت، قال،
قِيلَ لِأَنَسٍ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ شَابَ؟ فَقَالَ: مَا شَانَهُ اللهُ تَعَالَى بِالشَّيْبِ، مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانَ عَشْرَةَ شَعْرَةً [ (590) ] . لَفْظُ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُسْلِمٍ: قِيلَ لِأَنَسٍ: مَا كَانَ شَيْبُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم؟ ثُمَّ ذَكَرَهُ. * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ المقري الْإِسْفَرَايِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَخْتَضِبْ، إِنَّمَا كَانَ شَمِطَ عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ [ (591) ] يَسِيرًا، وَفِي الصُّدْغَيْنِ يَسِيرًا. [وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا] [ (592) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ. * أَخْبَرَنَا أبو محمد: عبد الله بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ [ (593) ] بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ
الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ [ (594) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ، وَوَضَعَ زُهَيْرٌ بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ. فَقِيلَ لَهُ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ: أَبْرِي النَّبْلَ وَأَرِيشُهَا. وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْفَهَانِيِّ: وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَنْفَقَتِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [ (595) ] . * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قِرَاءَةً، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، قال:
قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَمِيِّ: رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، أَكَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (596) ] ، عَنْ عِصَامِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ. * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، وَذَكَرَ شَمَطَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يُرَ، وَإِذَا لَمْ يَدَّهِنْ تَبَيَّنَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (597) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: مَا كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الشيب إلا شعرات
فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ إِذَا ادَّهَنَ وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ [ (598) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِذَا ادَّهَنَ وَمَشَطَهُ لَمْ يَسْتَبِنْ [ (599) ] . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَكَانَ إِذَا دَهَنَهُ وَمَشَطَهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ. زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَا جَمِيعًا فِي الْحَدِيثِ: وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ. فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَ وَجْهُهُ مِثْلَ السَّيْفِ؟ فَقَالَ: جَابِرٌ لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا، وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ عِنْدَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْقُرَشِيِّ، قال:
دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [ (600) ] . * وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا أُمُّ سَلَمَةَ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، مَخْضُوبًا. قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، دُونَ قَوْلِهِ: بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ جُلْجُلٌ مِنْ فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَصَابَ إِنْسَانًا الْحُمَّى بُعِثَ إِلَيْهَا فَخَضْخَضَتْهُ فِيهِ، ثُمَّ يَنْضَحُهُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي إِلَيْهَا فَأَخْرَجَتْهُ فَإِذَا هُوَ هَكَذَا، وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَكَانَ فِيهِ شَعَرَاتٌ حَمْرَاءُ [ (601) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ، إِسْرَائِيلَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ [ (602) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا أبو حمزة: عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ [ (603) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن إِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِيَادٌ بن أَبِي رِمْثَةَ. قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا لَا يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ [ (604) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. (ح) [ (605) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حمزة، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. زَادَ الْمُخَرِّمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: وَكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر ابن دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: السِّجِسْتَانِيُّ. قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ [ (606) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدم. (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ شَيْبُ رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ شَيْبَ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ. * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَقِيلٍ، قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ الَّذِي غيّر لونه [ (607) ] .
باب صفة بعد ما بين منكبي رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
بَابُ صِفَةِ بُعْدِ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَعْظَمَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ، جُمَّتُهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (608) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بن سالم،
عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ [ (609) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، كَأَنَّمَا صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ، عَظِيمَ مُشَاشِ الْمَنْكِبَيْنِ، يَطَأُ بِقَدَمِهِ جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أدبر جميعا.
باب صفة كفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقدميه، وإبطيه، وذراعيه، وساقيه، وصدره
بَابُ صِفَةِ كَفَّيْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَقَدَمَيْهِ، وِإِبْطَيْهِ، وَذِرَاعَيْهِ، وَسَاقَيْهِ، وَصَدْرِهِ * أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حدثنا مسلم ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعْرُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، رَجِلًا: لَا جَعْدٌ وَلَا سَبْطٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (610) ] عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ الْعَرَقِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (611) ] عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، إِلَّا أَنَّهُ قال: «ضخم الرأس
وَالْقَدَمَيْنِ، وَكَانَ بَسِيطُ الْكَفَّيْنِ [ (612) ] » وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَرَقَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ- هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ- قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- أَوْ عَنْ رَجُلٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (613) ] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ هَمَّامٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ هِشَامٌ [ (614) ] عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَثْنَ [ (615) ] الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ. * وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَمَّامِيِّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا يحيى ابن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» . * وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مَهْدِيُّ بْنُ أَبِي مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ. فَذَكَرَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّيْنِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. فَذَكَرَ مَعْنَى مَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ ابن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ- أَوْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ- كَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبِيهًا بِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْعَتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قَالَ: كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ، بَعِيدًا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَهْدَبَ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ [ (616) ] . * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طويل المسربة [ (617) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ. قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ. قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنَيْنِ. قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (618) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو ابن الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا، لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، ببغداد، قال: أخبرنا
أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ- وَهُوَ ابْنُ ضَبَّةَ- قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الْكُتَّابِ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَمَا نَسِيتُ طُولَ إِصْبَعِ قَدَمِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ [ (619) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ، ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَخَرَجَ بِلَالٌ فَنَادَى بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ [ (620) ] . * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ. مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ القرّاء، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. يَعْنِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ [ (621) ] . * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عيّاد بن القوام، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا، وَكَانَ في ساقيه حموشة،
وكُنْتُ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ [ (622) ] . * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ حَفْصٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، خِنْصَرَةٌ مِنْ رِجْلَيْهِ مُتَظَاهِرَةٌ [ (623) ] . * أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شُرَيْحٍ، صَاحِبُ الْخُلْقَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي رُؤْيَتِهِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجَبْهَةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ، وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ، وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ، فَدَنَا مِنِّي، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ [ (624) ] .
باب صفة قامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ صِفَةِ قَامَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [ (625) ] ، عَنِ اللَّيْثِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ. كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، ولا بالقصير.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ. مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابن مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِ إِسْنَادِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ [ (626) ] . * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (627) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا «عَلِيٌّ» النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرٌ وَلَا طويل. قال
فِيهِ: وَكَانَ يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي مِنْ صَبَبٍ [ (628) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرٌ وَلَا طَوِيلٌ، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ. قَالَ: وَكَانَ شَثْنَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ. قَالَ: وَكَانَ فِي صَدْرِهِ مَسْرُبَةٌ. قَالَ: وَكَانَ عَرَقُهُ لُؤْلُؤًا. إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ [ (629) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ [بْنُ مَنْصُورٍ] قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا، وَفَوْقَ الرَّبْعَةِ، إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، كَأَنَّ الْعَرَقَ فِي وَجْهِهِ اللُّؤْلُؤُ [ (630) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ ابن مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ رَجُلًا رَبْعَةً، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ. قَالَ فِيهِ: وَكَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا، وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
باب طيب رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرودة يده ولينها في يد من مسها، وصفة عرقه
بَابُ طِيبِ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَبُرُودَةِ يَدِهِ وَلِينِهَا فِي يَدِ مَنْ مَسَّهَا، وَصِفَةِ عَرَقِهِ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ، هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا مَسَسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (631) ] ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَحُسَيْنُ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ- وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِهِ هَذَا- قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ ابن هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: مَا شَمَمْتُ شَيْئًا قَطُّ: مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ: حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (632) ] ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، وَزُهَيْرٍ، عَنْ هَاشِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ بِخُسْرَوْجِرْدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَبُو سَلَمَةَ، وَالْعَيْشِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَمَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ [ (633) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْقَنَّادُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: المظفّر بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ دُحَيْمٍ، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ- يَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ الْقَنَّادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي. قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا وَرِيحًا، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ. لَفْظُ حَدِيثِ الْعَلَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (634) ] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحُرْفِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، قال: سمعت جابر ابن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمِنًى، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَاوِلْنِي
يَدَكَ، فَنَاوَلَنِيهَا، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَهْلِي، عَنْ أَبِي قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، ثُمَّ صَبَّ فِي الْبِئْرِ- أَوْ قَالَ: شَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الْبِئْرِ- فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رَائِحَةِ الْمِسْكِ [ (635) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ ضَبَّةَ، أَخْبَرَهُمْ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ، قَالَتْ: كُنْتُ رَدِيفَةَ أَبِي، فَلَقِيَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَقَبَضْتُ عَلَى رِجْلِهِ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَبْرَدَ مِنْهَا. كَذَا فِي كِتَابِي. قَالَتْ. فَقَبَضْتُ وَأَنَا أَظُنُّهُ. قَالَ: تَعْنِي أَبَاهَا، فَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ [ (636) ] . وَاللهُ أَعْلَمُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ [ (637) ] عِنْدَنَا فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بقارورة
فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقٌ نَجْعَلُهُ لِطِيبِنَا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (638) ] ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ. * وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْتِيهَا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا فَتَبْسُطُ لَهُ نِطَعًا فَيَقِيلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: عَرَقُكَ أَدُوفُ [ (639) ] بِهِ طِيبِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (640) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة.
باب صفة خاتم النبوة
بَابُ صِفَةِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُوَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِيَ خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ [ (641) ] بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زرّ الحجلة [ (642) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ ابن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بن سعيد [ (643) ] .
هَكَذَا الْمَعْرُوفُ زِرُّ الْحَجَلَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنِ حاتم: زرّ الْحَجَلَةِ. الرَّاءُ قَبْلَ الزَّايِ. وَحَكَى «أَبُو سُلَيْمَانَ» عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ رِزَّ الْحَجَلَةِ: بَيْضُ الْحَجَلِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو منصور: المظفر [ (644) ] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سماك: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: وَجْهُهُ مُسْتَدِيرًا مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ [بْنُ مُوسَى] وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ عِنْدَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ تُشْبِهُ [ (645) ] جَسَدَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ موسى [ (646) ] . * وأخبرنا أبو منصور: المظفر بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ
دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حسن ابن صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الْخَاتَمَ الَّذِي فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَّامِ [ (647) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (648) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ: هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا- أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا- قَالَ: فَقُلْتُ [ (649) ] : يَا رَسُولَ اللهِ، غَفَرَ اللهُ لَكَ، قَالَ: وَلَكَ، فَقُلْتُ: اسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكُمْ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (650) ] قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جَمْعًا، عَلَيْهِ خيلان كأمثال الثّآليل.
لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (651) ] ، عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيِّ، وَعَنْ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ حَمَّادٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: حدثنا عاصم الأحوال، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَرْجِسَ، يَقُولُ: تَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ- يَعْنِي نَفْسَهُ- رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ، وَرَأَيْتُ الْعَلَامَةَ الَّتِي فِيهِ وَهِيَ إِلَى أَصْلِ نُغْضِ كَتِفِهِ، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَهَيْئَةِ الثَّآلِيلِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ. فَقَالَ: أَدْخِلْ يَدَكَ، فَأَدْخَلْتُ يَدِيَ فِي جُرُبَّانِهِ، فَجَعَلْتُ أَلْمَسُ أَنْظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلَ الْبَيْضَةِ. فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ يَدْعُو لِي وَإِنَّ يَدِيَ لَفِي جُرُبَّانِهِ [ (652) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. فَذَكَرَهُ بإسناده ومعناه،
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ السِّلْعَةِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ [ (653) ] ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كَأَطَبِّ الرِّجَالِ، أَفَأُعَالِجُهَا لَكَ؟ قَالَ: لَا، طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا [ (654) ] . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِذَا خَلْفَ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ. وَقَالَ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ: فَإِذَا فِي نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ بَعْرَةِ الْبَعِيرِ أَوْ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَتَّابٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: الْخَتْمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَحْمَةٌ نَاتِئَةٌ. * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (655) ] أحمد بن عبيد
الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ، وقَالَ: يَا سَلْمَانُ! انْظُرْ إِلَى مَا أُمِرْتُ بِهِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ، رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ الله، صلى الله عليه وسلّم بمحص، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ، أَوْ قَرِيبًا، فَقُلْتُ: أَلَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: بَلَى، قَدِمَ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبُوكَ، فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِ هِرَقْلَ حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبٍ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا أَخَا تَنُوخَ. فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي حَتَّى كُنْتُ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَا هُنَا، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ. فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْمِحْجَمَةِ الضَّخْمَةِ [ (656) ] . * أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أُمِّ بَكْرٍ- وَهِيَ عَمَّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ: بِنْتُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ:
مَرَّ بِي يَهُودِيٌّ وَأَنَا قَائِمٌ خَلْفَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: ارْفَعْ ثَوْبَهُ عَنْ ظَهْرِهِ. فَذَهَبْتُ أَرْفَعُهُ، فَنَضَحَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ [ (657) ] . قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ بِصِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
باب جامع صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ جَامِعِ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: فِي حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ: عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. * (ح) [ (658) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَوْذَبٍ المقري الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ-[كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ]-[ (659) ] قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَكَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى يَمْشِي قَلْعًا، كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قبله ولا
بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (660) ] . * وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ [ (661) ] ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَذَكَرَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ. اخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي «عُثْمَانَ» كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ: فَبَعْضُهُمْ قَالَ: ابْنُ مُسْلِمٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ (ح) . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ- مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ- قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ. كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ. وكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ
الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِفِ- أَوْ قَالَ: الْكَتَدِ- أَجْرَدُ، ذَا مَسْرُبَةٍ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا. بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ. أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النَّاسِ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صلى الله عليه وسلم [ (662) ] . زاد المقري [ (663) ] فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ: وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ. قَالَ: وَأَرْحَبُ النَّاسِ صَدْرًا. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ إِذَا نَعَتَهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، لَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ ولا بالمكلثم، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا. لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلَا الْجَعْدِ الْقَطَطِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِيهِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ عُمَرَ، مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ إِذَا نَعَتَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: «كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ،
لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «كَانَ فِي عَيْنَيْهِ شُكْلَةٌ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ، وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ» يَقُولُ: لَيْسَ بِالْبَائِنِ الطَّوِيلِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. يَعْنِي قَدْ تَرَدَّدَ خَلْقُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهُوَ مُجْتَمِعٌ. لَيْسَ بِسَبْطِ الْخَلْقِ. يَقُولُ: فَلَيْسَ هُوَ كَذَاكَ وَلَكِنْ رَبْعَةً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَهَكَذَا صِفَتُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِنَّهُ كَانَ ضَرْبَ اللَّحْمِ، بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ» . وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالْمُطَهَّمِ» قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّامُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ. وَقَالَ: غَيْرُ الْأَصْمَعِيِّ: الْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ. يَقُولُ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ مَسْنُونٌ. وَقَوْلُهُ «مُشْرَبٌ» يَعْنِي: الَّذِي أُشْرِبَ حُمْرَةً. وَالْأَدْعَجُ الْعَيْنِ: الشَّدِيدُ سَوَّادِ الْعَيْنَيْنِ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الدَّعْجَةُ هِيَ: السَّوَادُ. قَالَ: وَالْجَلِيلُ الْمُشَاشِ: الْعَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ. وَقَوْلُهُ: الْكَتَدُ: هُوَ الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنْ جَسَدِهِ. وَقَوْلُهُ: شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ: يَعْنِي أَنَّهَا إِلَى الْغِلَظِ. وَقَوْلُهُ: «إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ» الصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ،
وَجَمْعُهُ أَصْبَابٌ. وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بالسبط ولا الجعد القطط» وَالْقَطَطُ: الشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ مِثْلُ أَشْعَارِ الْحَبَشِ. وَالسَّبْطُ: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَكَسُّرٌ. يَقُولُ فَهُوَ جَعْدٌ رَجِلٌ. وَقَوْلُهُ: «كَانَ أَزْهَرَ» الْأَزْهَرُ: الْأَبْيَضُ النَّيِّرُ الْبَيَاضِ، الَّذِي [ (664) ] لَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ. وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالْأَمْهَقِ: وَالْأَمْهَقُ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُمْرَةِ، وَلَيْسَ بِنَيِّرٍ وَلَكِنْ كَلَوْنِ الْجِصِّ أَوْ نَحْوِهِ. يَقُولُ: فَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «فِي عَيْنَيْهِ شُكْلَةٌ» فَالشُّكْلَةُ: كَهَيْئَةِ الْحُمْرَةِ تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ. وَالشُّهْلَةُ غَيْرُ الشُّكْلَةِ، وَهِيَ: حُمْرَةٌ فِي سَوَّادِ الْعَيْنِ. وَالْمُرْهَةُ: الْبَيَاضُ الذي [ (665) ] لا يخلطه غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: «أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ» يَعْنِي طَوِيلَ الْأَشْفَارِ. وَقَوْلُهُ: «شَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ» يَعْنِي: عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ عَرِيضُهُمَا. وَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدِقُّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ إِلَى السُّرَّةِ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن علي المقري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ، يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُمَّغِطُ: الذَّاهِبُ طُولًا، وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ فِي كَلَامِهِ: تَمَغَّطَ فِي نُشَّابَتِهِ، أَيْ مَدَّهَا مَدًّا شَدِيدًا. الْمُتَرَدِّدُ: الدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ قِصَرًا.
وَأَمَّا الْقَطَطُ: فَالشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ، وَالرَّجِلُ: الَّذِي فِي شَعْرِهِ حُجُونَةٌ أَيْ تَثَنٍّ [ (666) ] قَلِيلًا. وَأَمَّا الْمُطَهَّمُ: فَالْبَادِنُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ. وَالْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ. وَالْمُشْرَبُ: الَّذِي فِي بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ. وَالْأَدْعَجُ: الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ. وَالْأَهْدَبُ: الطَّوِيلُ الْأَشْفَارِ. وَالْكَتَدُ: مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ، وَهُوَ الْكَاهِلُ. وَالْمَسْرُبَةُ: هُوَ الشَّعْرُ الدَّقِيقُ الَّذِي هُوَ كَأَنَّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ. وَالشَّثْنُ: الْغَلِيظُ الْأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. وَالتَّقَلُّعُ: أَنْ يَمْشِيَ بِقُوَّةٍ. وَالصَّبَبُ: الْحُدُورُ، وَتَقُولُ: انْحَدَرْنَا فِي صَبُوبٍ وَصَبَبٍ. وَقَوْلُهُ: جَلِيلُ المشاش: يريد رؤوس الْمَنَاكِبِ. وَالْعِشْرَةُ: الصُّحْبَةُ. وَالْعَشِيرُ: الصاحب. والبديهة: المفاجأة، يقال: بَدَهْتُهُ بِأَمْرٍ فَجَأْتُهُ» . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شوذب المقري، الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيًّا، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ نَعْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: أَبْيَضَ اللَّوْنِ، مُشْرَبٌ حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، سَبْطُ الشَّعْرِ، ذُو وَفْرَةٍ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ. مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ يَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ. شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا. كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ. وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَلَا الْعَاجِزِ وَلَا اللَّئِيمِ. لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (667) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ! قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بِالْآدَمِ وَلَا الْأَبْيَضِ، شَدِيدُ الْبَيَاضِ، فَوْقَ الرَّبْعَةِ وَدُونَ الطَّوِيلِ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ رَأَيْتُهُ [ (668) ] مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى [ (669) ] ، وَأَطْيَبِهِ رِيحًا، وَأَلْيَنِهِ كَفًّا، لَيْسَ بِالْجَعْدِ الشَّدِيدِ الْجُعُودَةِ، وَكَانَ يُرْسِلُ شَعْرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنِهِ [ (670) ] ، وَكَانَ يَتَوَكَّأُ إِذَا مَشَى [ (671) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهري، قال:
سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَسِيلَ الْجَبِينِ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ أَهْدَبَ، إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا. لَيْسَ أَخْمَصَ. إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ. لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ [صَلَّى اللهُ عليه وسلم] [ (672) ] .
باب [1] حديث أم معبد [2] في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ [ (1) ] حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ [ (2) ] فِي صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، مِنْ أصل
كِتَابِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ ابن ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْخُزَاعِيُّ الْكَعْبِيُّ، بِقُدَيْدٍ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ جَدِّي أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامٍ، عَنْ جَدِّهِ: حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ. (ح) وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطرف، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الحكم ابن أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْخُزَاعِيُّ، بِقُدَيْدٍ، يُعْرَفُ بِأَبِي عَبْدِ الله ابن أَبِي هِشَامٍ الْقَافَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي: أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: هِشَامٍ، عَنْ جَدِّهِ: حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ، يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ محرز ابن مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: مُحْرِزُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ
حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ، يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ بِنْتِ خَالِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْأُرَيْقَطِ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ- وَكَانَتْ بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثَمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ فَسَأَلُوهَا لَحْمًا، وَتَمْرًا، لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ. فَقَالَتْ: وَاللهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزْنَاكُمْ نَحْرَهَا. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ: أَبِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِيَ أَنْ أَحْلِبَهَا. قالت: بأبي [ (3) ] وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلِبْهَا. فَدَعَا بِهَا رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ [ (4) ] . وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ بَايَعَهَا، وَارْتَحَلَ [ (5) ] عَنْهَا. فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ حتى جَاءَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يتساوكن [ (6) ] هزلا ضحا، مخّهنّ قليل.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ [ (7) ] ضُحًّا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ، وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ. قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ [ (8) ] صَعْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ- وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى: وَسِيمًا قَسِيمًا- فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ غَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ. إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ. حُلْوُ الْمِنْطِقِ، فصل، لا نزر ولا هزر. كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ ينحدرن. ربعة لَا يَأْسَ [ (9) ] مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ [ (10) ] عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنًا بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ [ (11) ]- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا. فَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وهو يقول: جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خير جزائه ... رَفِيقَيْنِ قَالَا [ (12) ] خَيْمَتَيْ أُمِّ معبد
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ [ (13) ] ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى الله عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا تُجَارَى وَسُؤْدُدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا بِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، شَاعِرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، شَبَّبَ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ، وَهُوَ يقول: لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيَّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي [ (14) ] تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَرْشُدِ وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتد وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ ... رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَا الْغَدِ لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ. مَنْ يُسْعِدِ اللهُ يَسْعَدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو نَصْرٍ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ مطرف: قال أبو جعفر بن محمد بن موسى: سألت مُكْرَمًا عَنِ اسْمِ أُمِّ مَعْبَدٍ؟ فَقَالَ: اسْمُهَا: عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدٍ. وَكُنْيَتُهَا: أُمُّ مَعْبَدٍ، وَأَبُو مَعْبَدٍ اسْمُهُ: أكثم بن أبي
الْجَوْنِ، وَيُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْعُزَّى. * وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَالِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، جَمِيعًا عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ بِنُقْصَانِ بَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ حَسَّانَ فِي آخِرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، عَنْ مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ، دُونَ الْأَشْعَارِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: مُحْرِزُ بْنُ الْمَهْدِيِّ. فذكره. * وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ (ح) قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْرَقِيُّ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْإِمَامُ، (ح) ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: ثُمَّ سَمِعْتُ الشَّيْخَ الصَّالِحَ: أَبَا بَكْرٍ: أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ، عَنْ آبَائِهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. فَقُلْتُ لِشَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ: سَمِعَهُ الشَّيْخُ مِنْ مُكْرَمٍ؟ فقال: إي وَاللهِ، حَجَّ بِي أَبِي وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. فَأَدْخَلَنِي عَلَى مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ. وَبَلَغَنِي عَنْ «أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُتَيْبِيِّ» - رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ مَا عَسَى
يُشْكِلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ: قَوْلُهُ: «بَرْزَةً» يُرِيدُ أَنَّهَا خَلَا لَهَا سِنٌّ [ (15) ] فَهِيَ تَبْرُزُ، لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ الْمَحْجُوبَةِ [ (16) ] . وَقَوْلُهُ: «مُرْمِلِينَ» يُرِيدُ قَدْ نَفِدَ زَادُهُمْ [ (17) ] . وَقَوْلُهُ: «مُشْتِينَ» يُرِيدُ دَاخِلِينَ فِي الشِّتَاءِ. وَيُرْوَى: «مُسْنِتِينَ» أَيْ دَاخِلِينَ فِي السَّنَةِ، وَهِيَ: الْجَدْبُ وَالْمَجَاعَةُ. وَقَوْلُهُ: «كِسْرُ الْخَيْمَةِ» يُرِيدُ جَانِبًا مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: «فَتَفَاجَّتْ» يُرِيدُ فَتَحَتْ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا لِلْحَلْبِ. وَقَوْلُهُ: «دَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ» أَيْ يَرْوِيهِمْ حَتَّى يُثْقَلُوا فَيُرْبَضُوا. وَالرَّهْطُ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ. وَقَوْلُهُ: «ثَجًّا» يُرِيدُ سَيْلًا. وَقَوْلُهُ: «حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ» يُرِيدُ عَلَا الْإِنَاءَ بَهَاءُ اللَّبَنِ، وَهُوَ وَبِيصُ رِغْوَتِهِ. يُرِيدُ أَنَّهُ مَلَأْهَا. قَوْلُهُ: «فَشَرِبُوا حَتَّى أَرَاضُوا» يُرِيدُ شَرِبُوا حَتَّى رَوُوا فَنَقِعُوا بِالرِّيِّ. وَقَوْلُهُ «تَشَارَكْنَ هزلا» [ (18) ] أَيْ عَمَّهُنَّ الْهُزَالُ، فَلَيْسَ فيهن مُنْقِيَةٌ وَلَا ذَاتُ طَرْقٍ، وهو من الاشتراك.
وَقَوْلُهُ: «وَالشَّاءُ عَازِبٌ» أَيْ بَعِيدٌ فِي الْمَرْعَى. وَقَوْلُهَا: «ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ» : قَالَ غَيْرُ الْقُتَيْبِيِّ: تُرِيدُ ظَاهِرَ الْجَمَالِ. قَالَ «الْقُتَيْبِيُّ: وَقَوْلُهَا: «أَبْلَجُ الْوَجْهِ» تُرِيدُ مُشْرِقُ الْوَجْهِ مُضِيئُهُ. وَقَوْلُهَا: «لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ» فَالنُّحْلُ: الدِّقَّةُ وَالضَّمَرُ. وقولها: «ولم تزريه صُقْلَةٌ» . فَالصُّقْلُ: مُنْقَطَعُ الْأَضْلَاعِ. وَالصُّقْلَةُ: الْخَاصِرَةُ. تُرِيدُ أَنَّهُ ضَرْبٌ لَيْسَ بِمُنْتَفِخٍ وَلَا نَاحِلٍ. وَيُرْوَى «لَمْ تَعِبْهُ ثجلة ولم تزريه صُعْلَةٌ» . وَالثُّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ وَاسْتِرْخَاءُ أَسْفَلِهِ. وَالصُّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ [ (19) ] . وَالْوَسِيمُ: الْحَسَنُ الْوَضِيءُ وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ. وَالدَّعَجُ: السَّوَادُ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهَا: «فِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ» قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ الرِّيَاشِيَّ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الْعَطَفَ. وَأَحْسَبُهُ غَطَفٌ- بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً- وَهُوَ أَنْ تَطُولَ الْأَشْفَارُ ثُمَّ تَنْعَطِفُ. وَالْعَطَفُ أَيْضًا- إِنْ كَانَ هُوَ الْمَحْفُوظُ- شَبِيهٌ بِذَلِكَ، وَهُوَ انْعِطَافُ الْأَشْفَارِ. وَرُوِيَ: «وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ» وَهُوَ الطُّولُ. وَقَوْلُهَا: «فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ» وَيُرْوَى «صَحَلٌ» أَيْ كَالْبُحَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ حَادًّا. وَقَوْلُهَا: «فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ» أَيْ طُولٌ. «إِنْ تَكَلَّمَ سما» . تريد عَلَا بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ.
وَقَوْلُهَا فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ: «فصل لا نزر وَلَا هَذْرٌ» تُرِيدُ أَنَّهُ وَسَطٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ. وَقَوْلُهَا: «لَا يَأْسَ مِنْ طُولٍ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الَّذِي يُؤْيِسُ مُبَارِيَهُ عَنْ مُطَاوَلَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا، وَأَحْسَبُهُ: «لَا بائن من طُولٍ» . وَقَوْلُهَا: «لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ» لَا تَحْتَقِرُهُ وَلَا تَزْدَرِيهِ. مَحْفُودٌ: أَيْ مَخْدُومٌ، مَحْشُودٌ: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ حَشَدْتُ لِفُلَانٍ فِي كَذَا: إِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ أَعْدَدْتَ لَهُ وَجَمَعْتَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَحْشُودُ: الْمَحْفُوفُ. وحشده أَصْحَابُهُ: أَطَافُوا بِهِ. وَقَوْلُهَا: «لَا عَابِسٌ» تُرِيدُ لَا عَابِسَ الْوَجْهِ وَلَا مُعْتَدٍ مِنَ الْعَدَاءِ وَهُوَ: الظُّلْمُ. وَقَوْلُ الْهَاتِفِ: «فَتَحَلَّبَتْ لَهُ بِصَرِيحٍ» وَالصَّرِيحُ: الْخَالِصُ. وَالضَّرَّةُ: لَحْمُ الضَّرْعِ. فَغَادَرَهَا رَهْنًا لديها لحالب» يُرِيدُ أَنَّهُ خَلَّفَ الشَّاةَ عِنْدَهَا مُرْتَهِنَةً بِأَنْ تَدِرَّ.
حديث هند بن أبي هالة [1] في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ [ (1) ] فِي صِفَةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، لَفْظًا وَقِرَاءَةً [عَلَيْهِ، وَقَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْعَقِيقِيُّ [ (3) ]- صَاحِبُ
«كِتَابِ النَّسَبِ» بِبَغْدَادَ- قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ، بِالْمَدِينَةِ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، [عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ] [ (4) ] ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ: عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَكَانَ وَصَّافًا [وَأَنَا] أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، [قَالَ: حَدَّثَنَا] [ (5) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَمَّادٍ، الْأَنْصَارِيُّ، الْمِصْرِيُّ، وَأَبُو غَسَّانَ: مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي: هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيَّ، وَكَانَ وَصَّافًا، عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجْلَ الشَّعْرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ [ (6) ] فَرَقَ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ- وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الجبين، أزجّ
الْحَوَاجِبِ، سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ. كَثَّ اللِّحْيَةِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: الْمَسْرُبَةِ. كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ، فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، بادن متماسك، سَوِيَّ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: فَسِيحَ الصَّدْرِ- بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ. عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ، مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. أَشَعْرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الرَّاحَةِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: [رَحْبَ الْجَبْهَةِ، سَبْطَ الْقَصَبِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. - لَمْ يَذْكُرِ الْعَلَوِيُّ] [ (7) ] الْقَدَمَيْنِ- سَائِلَ [ (8) ] الْأَطْرَافِ، خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمْعًا- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: جَمِيعًا- خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ. جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ [يَسُوقُ أَصْحَابَهُ] [ (9) ] . يَبْدُرُ- وفي رواية الْعَلَوِيِّ: يَبْدَأُ- مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ. قُلْتُ: صِفْ لِي مِنْطَقَهُ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: الْفِكْرِ- لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلَ السَّكْتَةِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: السُّكُوتِ- يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ [ (10) ] وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: الْكَلَامِ- فَصْلٌ: لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ. دَمِثٌ:
لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ. يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا. لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: لَمْ يَكُنْ ذَوَّاقًا وَلَا مُدَحَةً- لَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ الْحَقَّ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ- وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [ (11) ] : لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ- لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا. إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَطْنَ [ (12) ] إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ «فَيَضْرِبُ» [ (13) ] بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ الْيُسْرَى- وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ. قَالَ: [ (14) ] فَكَتَمْتُهَا «الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ» زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ. فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ «أَبَاهُ» عَنْ مَدْخَلِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَخْرَجِهِ، وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ «الْحُسَيْنُ» : سَأَلْتُ «أَبِي» عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى العامة والخاصّة ولا يذخره [ (15) ]- فَقَالَ أَبُو غَسَّانَ. أَوَ يَذَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَلَا يَدَّخِرُ عنهم شيئا.
وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ: إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ [ (16) ] عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ: (فَمِنْهُمْ) ذُو الْحَاجَةِ، (وَمِنْهُمْ) ذُو الْحَاجَتَيْنِ، (وَمِنْهُمْ) ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ. وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ [ (17) ] ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ- ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ. يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ رُوَّادًا. وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوْقٍ- وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً- زَادَ الْعَلَوِيُّ: يَعْنِي فُقَهَاءَ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ - وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ- قَالَ أَبُو غَسَّانَ: أَوْ يُفَرِّقُهُمْ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَلَا يُفَرِّقُهُمْ- وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ. يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ [ (18) ] . مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا. لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الحق ولا
يَحُوزُهُ. الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ. أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ- زَادَ الْعَلَوِيُّ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا. وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ. يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ، أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ [مِنْهُ] [ (19) ] . مَنْ جَالَسَهُ أو قاومه فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ. وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ. قَدْ وَسِعَ النَّاسُ مِنْهُ بَسْطَهُ وَخُلُقَهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ [ (20) ] وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَهُ [ (21) ] فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ مُتَقَارِبِينَ يَتَفَاضَلُونَ بِالتَّقْوَى. سَقَطَ مِنْهَا مَا بَيْنَهُمَا. ثُمَّ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَتَانِ: مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ. وَيَحْفَظُونَ- قَالَ أَبُو غَسَّانَ: أَوْ يُحِيطُونَ- الْغَرِيبَ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَيَرْحَمُونَ الْغَرِيبَ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ؟ - وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، ولا سخاب، وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ. يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يشتهي، ولا يويس مِنْهُ، وَلَا يُحَبِّبُ فِيهِ. قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعِنِيهِ. وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رُجِيَ ثَوَابُهُ. إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ- زَادَ الْعَلَوِيُّ: الْحَدِيثَ. مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ. حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَلْوِيَتِهِمْ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: أَوَّلُهُمْ- يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إذا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: فِي الْمِنْطِقِ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ [ (22) ] الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: بِانْتِهَاءٍ [ (23) ] أَوْ قِيَامٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفَكُّرِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَالتَّفْكِيرِ [ (24) ]- فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ. وَأَمَّا تَذُكُّرُهُ- أَوْ قَالَ: تَفَكُّرُهُ- قَالَ سَعِيدٌ: تَفَكُّرُهُ، وَلَمْ يَشُكَّ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ تَفْكِيرُهُ- ففيما يبقى ويفنى.
وَجُمِعَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحِلْمُ، وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ. وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخَذِهِ بِالْحُسْنَى- قَالَ سَعِيدٌ وَالْعَلَوِيُّ: بِالْحَسَنِ- لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ لِيُتَنَاهَى عَنْهُ- وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَالْقِيَامِ لَهُمْ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (25) ] . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ سَمَاعِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُ: حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ. قِيلَ لَهُ: مِنْ حِفْظِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: مَتَى مَاتَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ؟ قَالَ: سنة عشر ومائتين بعد ما حَدَّثَنَاهُ بِسَنَةٍ. قُلْتُ: وَبَلَغَنِي عَنِ «الْقُتَيْبِيِّ» وَغَيْرِهِ، فِي تَفْسِيرِ مَا عَسَى يُشْكِلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ: قَوْلُهُ: «كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا» أَيْ عَظِيمًا مُعَظَّمًا. وَقَوْلُهُ: «أَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ» الْمُشَذَّبُ: الطَّوِيلُ الْبَائِنُ. وَقَوْلُهُ: «إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ» . أَصْلُ الْعَقِيقَةِ: شَعْرُ الصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُحْلَقَ، فَإِذَا حُلِقَ وَنَبَتَ ثَانِيَةً فَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْعَقِيقَةِ. وَرُبَّمَا سمّى الشعر:
عَقِيقَةً بَعْدَ الْحَلْقِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ. يُرِيدُ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْرِقُ شَعْرَهُ إِلَّا أَنْ يَفْتَرِقَ هُوَ، وَكَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ فَرَقَ. قُلْتُ: وَقَالَ غَيْرُ الْقُتَيْبِيِّ، فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى «عَقِيصَتُهُ» قَالَ: الْعَقِيصَةُ: الشَّعْرُ [الْمَعْقُوصُ] . وَهُوَ [ (26) ] نَحْوٌ مِنَ الْمَضْفُورِ. قَالَ «الْقُتَيْبِيُّ» : وَقَوْلُهُ: «أَزْهَرُ اللَّوْنِ» يُرِيدُ أَبْيَضُ اللَّوْنِ مُشْرِقُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الزَّهْرَةُ لِشِدَّةِ ضَوْئِهَا. فَأَمَّا الْأَبْيَضُ غَيْرُ الْمَشْرِقِ فَهُوَ الْأَمْهَقُ. وَقَوْلُهُ: «أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ» الزَّجَجُ: طُولُ الْحَاجِبَيْنِ وَدِقَّتُهُمَا وَسُبُوغُهُمَا إِلَى مُؤَخَّرِ الْعَيْنَيْنِ. ثُمَّ وَصَفَ الْحَوَاجِبَ، فَقَالَ: «سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ» . وَالْقَرَنُ: أَنْ يَطُولَ الْحَاجِبَانِ حَتَّى يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا. وَهَذَا خِلَافُ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ أُمُّ مَعْبَدٍ، لِأَنَّهَا قَالَتْ فِي وَصْفِهِ: «أَزَجُّ أَقْرَنُ» وَلَا أُرَاهُ إِلَّا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْقَرَنَ، وَتَسْتَحِبُّ الْبَلَجَ. وَالْبَلَجُ: أَنْ يَنْقَطِعَ الْحَاجِبَانِ فَيَكُونَ مَا بَيْنَهُمَا نَقِيًّا. وَقَوْلُهُ: «أَقْنَى الْعِرْنِينِ» وَالْعِرْنِينُ: الْمَعْطِسُ وَهُوَ الْمَرْسِنُ. وَالْقَنَى فِيهِ: طُولُهُ وَدِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ وَحَدَبٌ فِي وَسَطِهِ. وَقَوْلُهُ: «يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ» فَالشَّمَمُ: ارْتِفَاعُ الْقَصَبَةِ وَحُسْنُهَا، وَاسْتِوَاءُ أَعْلَاهَا، وَإِشْرَافُ الْأَرْنَبَةِ قَلِيلًا. يَقُولُ: هُوَ لِحُسْنِ قَنَاءِ أَنْفِهِ وَاعْتِدَالِ ذَلِكَ يُحْسَبُ قبل التأمل أشمّ.
وَقَوْلُهُ: «ضَلِيعُ الْفَمِ» أَيْ عَظِيمُهُ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَذُمُّ صَغِيرَ الْفَمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّلِيعُ: الْمَهْزُولُ الذَّابِلُ. وَهُوَ فِي صِفَةِ فَمِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذُبُولُ شَفَتَيْهِ وَرِقَّتُهُمَا وَحُسْنُهُمَا. وَقَوْلُهُ: فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ: «إِنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ» وَذَلِكَ لِرُحْبِ شِدْقَيْهِ. وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا الجمال؟ فقال: غؤور الْعَيْنَيْنِ، وَإِشْرَافُ الْحَاجِبَيْنِ، وَرُحْبُ الشِّدْقَيْنِ. فَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْهُ، عَلَيْهِ السَلَّامُ، فِي الْمُتَشَادِقِينَ، فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الَّذِينَ يَتَشَادَقُونَ إِذَا تَكَلَّمُوا فَيَمِيلُونَ بِأَشْدَاقِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَيَتَنَطَّعُونَ فِي الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ: «أَشْنَبُ» مِنَ الشَّنَبِ فِي الْأَسْنَانِ، وَهُوَ: تَحَدُّدٌ أَطْرَافِهَا. وَقَوْلُهُ: «دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ» فَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدِقُّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ إِلَى السُّرَّةِ. وَقَوْلُهُ: «كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ» . الْجِيدُ: الْعُنُقُ. وَالدُّمْيَةُ: الصُّورَةُ شَبَّهَهَا فِي بَيَاضِهَا بِالْفِضَّةِ. وَقَوْلُهُ: «بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ» . الْبَادِنُ: الضَّخْمُ. يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ بَدَانَتِهِ مُتَمَاسِكُ اللَّحْمِ. وَقَوْلُهُ: «سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ» يُرِيدُ أَنَّ بَطْنَهُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ، فَهُوَ مُسَاوٍ لِصَدْرِهِ، وَصَدْرُهُ عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِبَطْنِهِ. ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ: يُرِيدُ الْأَعْضَاءَ. وَقَوْلُهُ: «أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ» وَالْمُتَجَرَّدُ: مَا جُرِّدَ عَنْهُ الثَّوْبُ مِنْ بَدَنِهِ، وَهُوَ الْمُجَرَّدُ أَيْضًا. وَأَنْورُ مِنَ النُّورِ: يُرِيدُ شِدَّةَ بَيَاضِهِ. وَقَوْلُهُ: «طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ» الزَّنْدُ مِنَ الذِّراعِ: مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ وَلِلزَّنْدِ رَأْسَانِ: الْكُوعُ، وَالْكُرْسُوعُ. فَالْكُرْسُوعُ: رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ،
وَالْكُوعُ: رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ. وَقَوْلُهُ: «رَحْبُ الرَّاحَةِ» يُرِيدُ وَاسِعَ الرَّاحَةِ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَمْدَحُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: «شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» يُرِيدُ أَنَّهَا إِلَى الْغِلَظِ. وَالْقِصَرِ. وَقَوْلُهُ: «سَائِلُ الْأَطْرَافِ» يُرِيدُ الْأَصَابِعَ أَنَّهَا طِوَالٌ لَيْسَتْ بِمُنْعَقِدَةٍ وَلَا مُتَغَضِّنَةٍ. وَقَوْلُهُ: «خَمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ» . الْأَخْمَصُ فِي الْقَدَمِ مِنْ تَحْتِهَا وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ فِي وَسَطِهَا. أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مُرْتَفِعٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَزَجَّ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِنُ قَدَمِهِ حَتَّى يَمَسَّ جَمِيعُهُ الْأَرْضَ. قُلْتُ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَصْفِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ. وَقَوْلُهُ: «مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ» : [يَعْنِي] [ (27) ] أَنَّهُ مَمْسُوحُ ظَاهِرِ الْقَدَمَيْنِ، فَالْمَاءُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَرَّ عَلَيْهَا مَرًّا سَرِيعًا، لِاسْتِوَائِهِمَا وَانْمِلَاسِهِمَا. وَقَوْلُهُ: «يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا» يُرِيدُ أَنَّهُ يَمِيدُ إِذَا خَطَا، وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ. وَقَوْلُهُ: «ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ» يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ هَذَا الرِّفْقِ سَرِيعُ الْمِشْيَةِ. وَقَوْلُهُ: «إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ» . الصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ. وَقَوْلُهُ: «يَسُوقُ أَصْحَابَهُ» يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا مَشَى مَعَ أَصْحَابِهِ قَدَّمَهُمْ بَيْنَ يديه ومشى وراءهم.
وَقَوْلُهُ: «دَمِثًا» يَعْنِي سَهْلًا لَيِّنًا. وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ» يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجْفُو النَّاسُ وَلَا يُهِينُهُمْ. وَيُرْوَى: «وَلَا الْمَهِينِ» ، فَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بِالْفَظِّ الْغَلِيظِ الْجَافِي، وَلَا الْحَقِيرِ الضَّعِيفِ. وَقَوْلُهُ: «وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ» يَقُولُ: لَا يَسْتَصْغِرُ شَيْئًا أُوتِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَا يَسْتَحْقِرُهُ. وَقَوْلُهُ: «لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ» يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصِفُ الطَّعَامَ بِطِيبٍ وَلَا بِفَسَادٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: «أَعْرَضَ وَأَشَاحَ» يُقَالُ: أَشَاحَ: إِذَا جَدَّ، وَيُقَالُ: أَشَاحَ إِذَا عَدَلَ بِوَجْهِهِ. وَهَذَا مَعْنَى الْحَرْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: «يَفْتَرُّ» أَيْ يَتَبَسَّمُ. وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ. شَبَّهَ ثَغْرَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: «فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ» يُرِيدُ أَنَّ الْعَامَّةَ كَانَتْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلَهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُوَصِّلُ إِلَيْهَا حَظَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِالْخَاصَّةِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِ، فَيُوَصِّلُهَا إِلَى الْعَامَّةِ. وَقَوْلُهُ: «يَدْخُلُونَ رُوَّادًا» يُرِيدُ طَالِبِينَ مَا عِنْدَهُ مِنَ النَّفْعِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَقَوْلُهُ: «وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ» الذَّوَاقُ: أَصْلُهُ: الطَّعْمُ هَهُنَا، وَلَكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثْلًا لِمَا يَنَالُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ: «يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ أَدِلَّةً» يُرِيدُ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ فَيَدُلُّونَ النَّاسَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: «لَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ» أَيْ لَا تُقْتَرَفُ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ» أَيْ لَا يُتَحَدَّثُ بِهَفْوَةٍ أَوْ زَلَّةٍ إِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ. يُقَالُ: نَثَوْتُ الْحَدِيثَ فَأَنَا أَنْثُوهُ: إِذَا أَذَعْتُهُ. وَالْفَلَتَاتُ: جَمَعَ فَلْتَةٍ، وَهُوَ هَهُنَا: الزَّلَّةُ وَالسَّقْطَةُ. وَقَوْلُهُ: «إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ» يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ وَلَا يَتَحَرَّكُونَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ. وَالطَّيْرُ لَا تَسْقُطُ إِلَّا عَلَى سَاكِنٍ. قَوْلُهُ: «لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مكاف» يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ابتدى بِمَدْحٍ كَرِهَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ مُثْنٍ وَشَكَرَهُ قبل ثناؤه. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ أَحَدٌ مِنْ إِنْعَامِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ فَيَكُونُ مُكَافِئًا بِثَنَائِهِ عَلَيْهِ مَا سَلَفَ مِنْ نِعْمَةِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ: إِلَّا مِنْ مُقَارِبٍ فِي مَدْحِهِ غَيْرِ مُجَاوِزٍ بِهِ حَدَّ مِثْلِهِ وَلَا مُقَصِّرٍ بِهِ عَمَّا رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ. أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَلَكِنْ قُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» [ (28) ] . فَإِذَا قِيلَ: نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهُ فَقَدِ وُصِفَ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ، فَهُوَ مَدْحٌ مُكَافِئٌ له.
قُلْتُ: وَقَدْ يُخَرَّجُ قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ صَحِيحًا، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَكَانَ لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ قَدِ اصْطَنَعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفًا عَلَى الْخُصُوصِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَرْغَانِيُّ- وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ [ (29) ] حَدِيثًا آخَرَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَأَدْرَجَ فِيهِ تَفْسِيرَ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ، وَلَمْ يبَيِّنْ قَائِلَ تَفْسِيرِهِ فِيمَا سَمِعْنَا، إِلَّا أَنَّهُ يُوَافِقُ جُمْلَةَ مَا رُوِّينَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَالْمَشْهُورَةِ، فرُوِّينَاهُ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا مَضَى: أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ [ (30) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ النَّسَوِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أحمد ابن زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَرْغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبيه، وهشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي قَامَتِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا الْمُشَذَّبِ الذَّاهِبِ، وَالْمُشَذَّبُ: الطُّولُ نَفْسُهُ إِلَّا أَنَّهُ الْمُخَفَّفُ. وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الرَّبْعَةِ. إِذَا مَشَى وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَالٍ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّوَلِ إِلَّا طَالَهُ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُبَّمَا [ (31) ] اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ الطَّوِيلَانِ فَيَطُولُهُمَا، فَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الرَّبْعَةِ، وَيَقُولُ: نُسِبَ الْخَيْرُ كُلُّهُ إِلَى الرَّبْعَةِ [ (32) ] .
وَكَانَ لَوْنُهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ: الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ [ (33) ] الَّذِي تَضْرِبُ بَيَاضَهُ الشُّهْبَةُ. وَلَمْ يَكُنْ بِالْآدَمِ. وَكَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. وَالْأَزْهَرُ: الْأَبْيَضُ النَّاصِعُ الْبَيَاضِ، الَّذِي لَا تَشُوبُهُ حُمْرَةٌ وَلَا صُفْرَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْأَلْوَانِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ كَثِيرًا مَا [ (34) ] يُنْشِدُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعْتَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِيَّاهُ فِي لَوْنِهِ حيث يقول: وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ [ (35) ] الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَيَقُولُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ: هَكَذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ نَعَتَهُ بَعْضُ مَنْ نَعَتَهُ بِأَنَّهُ كان مشرب حُمْرَةً. وَقَدْ صَدَقَ مَنْ نَعَتَهُ بِذَلِكَ. وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانَ الْمُشْرَبُ مِنْهُ حُمْرَةً مَا ضَحَا [ (36) ] لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ. فَقَدْ كَانَ بَيَاضُهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أُشْرِبَ حُمْرَةً، وَمَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ أَزْهَرُ، فَعَنَى مَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَقَدْ أَصَابَ. وَمَنْ نَعَتَ مَا ضَحَا لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ بِأَنَّهُ أَزْهَرُ مُشْرَبٌ حُمْرَةً فَقَدْ أَصَابَ. وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ: الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ، وَإِنَّمَا الْحُمْرَةُ مِنْ قِبَلِ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ. وَكَانَ عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، أَطْيَبَ مِنَ المسك الأذفر. وكان رجل
الشَّعْرِ حَسَنًا لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا الْجَعْدِ الْقَطَطِ، كَانَ إذا مشطه بِالْمُشْطِ كَأَنَّهُ حُبُكُ الرَّمْلِ، أَوْ كَأَنَّهُ الْمُتُونُ [ (37) ] الَّتِي تَكُونُ فِي الْغُدُرِ إِذَا سَفَتْهَا الرِّيَاحُ، فَإِذَا مَكَثَ [ (38) ] لَمْ يُرَجَّلْ أَخَذَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَتَحَلَّقَ حَتَّى يَكُونَ مُتَحَلِّقًا كَالْخَوَاتِمِ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَدْ سَدَلَ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، كَمَا تُسْدَلُ نَوَاصِي الْخَيْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْفَرْقِ فَفَرَقَ. كَانَ شَعْرُهُ فَوْقَ حَاجِبَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. وَكَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رُبَّمَا جَعَلَهُ غَدَائِرَ أَرْبَعًا، يُخْرِجُ الْأُذُنُ الْيُمْنَى [ (39) ] مِنْ بَيْنِ غَدِيرَتَيْنِ يَكْتَنِفَانِهَا، وَيُخْرِجُ الْأُذُنَ الْيُسْرَى مِنْ بَيْنِ غَدِيرَتَيْنِ يَكْتَنِفَانِهَا، وَتَخْرُجُ الْأُذُنَانِ بِبَيَاضِهِمَا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْغَدَائِرِ كَأَنَّهَا تَوَقُّدُ الْكَوَاكِبِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ سَوَادِ شَعْرِهِ. وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي الرَّأْسِ فِي فَوْدَيْ رَأْسِهِ. وَالْفُودَانِ: حَرْفَا الْفَرْقِ. وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي لِحْيَتِهِ فَوْقَ الذَّقْنِ. وَكَانَ شَيْبُهُ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الْفِضَّةِ يَتَلَأْلَأُ بَيْنَ ظَهْرَيْ سواد الشَّعْرِ الَّذِي مَعَهُ. وَإِذَا مَسَّ ذَلِكَ الشَّيْبَ الصُّفْرَةُ- وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُ- صَارَ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الذَّهَبِ يتلألأ بين ظهري سواد الشَّعْرِ الَّذِي مَعَهُ. وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا. وَأَنْوَرَهُمْ لَوْنًا. لَمْ يَصِفْهُ وَاصِفٌ قَطُّ بَلَغَتْنَا صِفَتُهُ. إِلَّا شَبَّهَ وَجْهَهُ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَلَقَدْ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يَقُولُ مِنْهُمْ: لَرُبَّمَا نَظَرْنَا إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَنَقُولُ: هُوَ أَحْسَنُ فِي أَعْيُنِنَا مِنَ الْقَمَرِ. أَزْهَرَ اللَّوْنِ: نَيِّرَ الْوَجْهِ. يَتَلَأْلَأُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ.
يُعْرَفُ رِضَاهُ وَغَضَبَهُ فِي سُرُورِهِ بِوَجْهِهِ، كَانَ إِذَا رَضِيَ أَوْ سُرَّ فَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْمِرْآةُ، وَكَأَنَّمَا الْجُدُرُ تُلَاحِكُ [ (40) ] وَجْهَهُ. وَإِذَا غَضِبَ تَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ. قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ، صلى الله عليه وسلم، كَمَا وَصَفَهُ صَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ الله عنه. أَمِينٌ مُصْطَفًى [ (41) ] لِلْخَيْرِ يَدْعُو ... كَضَوْءِ الْبَدْرِ زَايَلَهُ [ (42) ] الظَّلَامُ وَيَقُولُونَ: كَذَلِكَ كَانَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى حِينَ يَقُولُ لِهَرِمِ بْنِ سِنَانٍ: لَوْ كُنْتَ مِنْ شَيْءٍ سِوَى بَشَرٍ ... كُنْتَ الْمُضِيءَ لِلَيْلَةِ الْبَدْرِ [ (43) ] فَيَقُولُ عُمَرُ وَمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَتْ عَمَّتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بَعْدَ مَا سَارَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا فَجَزِعَتْ عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ فَانْبَعَثَتْ تقول: عَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ ... عَلَى الْمُرْتَضَى كَالْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ عَلَى الْمُرْتَضَى لِلْبِرِّ وَالْعَدْلِ وَالتُّقَى ... وَلِلدِّينِ والدنيا بهيم المعالم
عَلَى الصَّادِقِ الْمَيْمُونِ ذِي الْحِلْمِ وَالنُّهَى [ (44) ] ... وَذِي الْفَضْلِ وَالدَّاعِي لَخَيْرِ التَّرَاحُمِ فَشَبَّهَتْهُ [ (45) ] بِالْبَدْرِ وَنَعَتَتْهُ بِهَذَا النَّعْتِ، وَوَقَعَتْ فِي النُّفُوسِ لِمَا أَلْقَى اللهُ تَعَالَى مِنْهُ فِي الصُّدُورِ. وَلَقَدْ نَعَتَتْهُ وَإِنَّهَا لَعَلَى دِينِ قَوْمِهَا. وَكَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْلَى الْجَبِينِ، إِذَا طَلَعَ جَبِينُهُ مِنْ بَيْنِ الشَّعْرِ أَوِ اطَّلَعَ فِي فَلَقِ الصُّبْحِ أَوْ عِنْدَ طَفَلِ اللَّيْلِ أَوْ طَلَعَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ- تَرَاءَوْا [ (46) ] جَبِينَهُ كَأَنَّهُ ضَوْءُ السِّرَاجِ الْمُتَوَقِّدِ يَتَلَأْلَأُ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ شَاعِرُهُ حسّان بن ثابت: مَتَى يَبْدُ فِي الدَّاجِ الْبَهِيمِ جَبِينُهُ ... يَلُحْ مِثْلَ مِصْبَاحِ الدُّجَى الْمُتَوَقِّدِ فَمَنْ كَانَ أَوْ مَنْ قَدْ يَكُونُ كَأَحْمَدٍ ... نِظَامٌ لَحِقٍّ أَوْ نَكَالٌ لِمُلْحِدِ [ (47) ] ؟ وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَاسِعَ الْجَبْهَةِ، أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ سَابِغَهُمَا. وَالْحَاجِبَانِ الْأَزَجَّانِ [ (48) ] : هُمَا الْحَاجِبَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ اللَّذَانِ لَا تَعْدُو شَعْرَةٌ مِنْهُمَا [ (49) ] شَعْرَةً فِي النَّبَاتِ وَالِاسْتِوَاءِ من غير قرن بَيْنَهُمَا. وَكَانَ أَبْلَجَ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ حَتَّى كَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا الْفِضَّةُ الْمُخْلَصَةُ.
بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، لَا يُرَى ذَلِكَ الْعِرْقُ إِلَّا أَنْ يُدِرَّهُ الْغَضَبُ. وَالْأَبْلَجُ: النَّقِيُّ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ. وَكَانَتْ عَيْنَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، نجلاوان أَدْعَجَهُمَا. وَالْعَيْنُ النَّجْلَاءُ: الْوَاسِعَةُ الْحَسَنَةُ. وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ. لَا يَكُونُ الدَّعَجُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي سَوَادِ الْحَدَقِ. وَكَانَ فِي عينيه تَمَزُّجٌ مِنْ حُمْرَةٍ. وَكَانَ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ حَتَّى تَكَادُ تَلْتَبِسُ مِنْ كَثْرَتِهَا. أَقْنَى الْعِرْنِينِ. وَالْعِرْنِينُ: الْمُسْتَوِي الْأَنْفِ مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ الْأَشَمُّ. كَانَ أَفْلَجَ الْأَسْنَانِ أَشْنَبَهَا. قَالَ: وَالشَّنَبُ: أَنْ تَكُونَ الْأَسْنَانُ مُتَفَرِّقَةً، فِيهَا طَرَائِقُ مِثْلُ تَعَرُّضِ [ (50) ] الْمُشْطِ، إِلَّا أَنَّهَا حَدِيدَةُ الْأَطْرَافِ، وَهُوَ الْأَشَرُ الَّذِي يَكُونُ أَسْفَلَ الْأَسْنَانِ كَأَنَّهُ مَاءٌ يَقْطُرُ فِي تَفَتُّحِهِ ذَلِكَ وَطَرَائِقِهِ. وَكَانَ يَتَبَسَّمُ عَنْ مِثْلِ الْبَرَدِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ مُتُونِ الْغَمَامِ، فَإِذَا افْتَرَّ ضَاحِكًا افْتَرَّ عَنْ مِثْلِ سَنَاءِ الْبَرْقِ إِذَا تَلَأْلَأَ. وَكَانَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللهِ شَفَتَيْنِ، وَأَلْطَفَهُ خَتْمَ فَمٍ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ صَلْتَهُمَا، قَالَ: وَالصَّلْتُ الْخَدِّ: هُوَ الْأَسِيلُ الْخَدِّ، الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا يَفُوتُ بَعْضُ لَحْمِ بَعْضِهِ بَعْضًا. لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْوَجْهِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ. وَالْكَثُّ: الْكَثِيرُ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُلْتَفُّهَا. وَكَانَتْ عَنْفَقَتُهُ بَارِزَةً. فَنِيكَاهُ حَوْلَ الْعَنْفَقَةِ كَأَنَّهَا بَيَاضُ اللُّؤْلُؤِ، فِي أَسْفَلِ عَنْفَقَتِهِ شَعْرٌ مُنْقَادٌ حَتَّى يَقَعَ انْقِيَادُهَا عَلَى شَعْرِ اللِّحْيَةِ حَتَّى يَكُونَ كَأَنَّهُ مِنْهَا. وَالْفَنِيكَانِ: هُمَا مَوَاضِعُ الطَّعَامِ حَوْلَ الْعَنْفَقَةِ مِنْ جَانِبَيْهَا جميعا.
وَكَانَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللهِ عُنُقًا، لَا يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ وَلَا إِلَى الْقِصَرِ، مَا ظَهْرَ مِنْ عُنُقِهِ لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ فَكَأَنَّهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ يَشُوبُ ذَهَبًا يَتَلَأْلَأُ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُمْرَةِ الذَّهَبِ. وَمَا غَيَّبَ الثِّيَابُ مِنْ عُنُقِهِ مَا تَحْتَهَا فَكَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَكَانَ عَرِيضَ الصَّدْرِ مَمْسُوحَهُ كَأَنَّهُ الْمَرَايَا فِي شِدَّتِهَا وَاسْتِوَائِهَا، لَا يَعْدُو بَعْضُ لَحْمِهِ بَعْضًا، عَلَى بَيَاضِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. مَوْصُولَ مَا بَيْنَ لَبَّتِهِ إِلَى سرّته شعر [ (51) ] مُنْقَادٌ كَالْقَضِيبِ. لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ. وَكَانَ لَهُ، صلى الله عليه وسلم، عُكَنٌ: ثَلَاثٌ، يغَطِّي الْإِزَارُ مِنْهَا وَاحِدَةً، وَتَظْهَرُ ثِنْتَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يغَطِّي الْإِزَارُ مِنْهَا [ (52) ] ثِنْتَيْنِ، وَتَظْهَرُ وَاحِدَةٌ. تِلْكَ الْعُكَنُ أَبْيَضُ مِنَ الْقَبَاطِيِّ الْمُطْوَاةِ [ (53) ] ، وَأَلْيَنُ مَسًّا. وَكَانَ عَظِيمَ الْمَنْكِبَيْنِ أَشْعَرَهُمَا، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، وَالْكَرَادِيسُ: عِظَامُ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. وَكَانَ جَلِيلَ الْكَتَدِ. قَالَ: وَالْكَتَدُ: مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ وَالظَّهْرِ، وَاسِعَ الظَّهْرِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ [مِمَّا يَلِي] [ (54) ] مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فِيهِ شَامَةٌ سَوْدَاءُ تَضْرِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ، حَوْلَهَا شَعَرَاتٌ مُتَوَالِيَاتٌ كَأَنَّهُنَّ مِنْ عَرْفِ فَرَسٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَتْ شَامَةُ النُّبُوَّةِ بِأَسْفَلِ كَتِفِهِ، خَضْرَاءَ مُنْحَفِرَةً فِي اللَّحْمِ قَلِيلًا. وَكَانَ طَوِيلَ مَسْرُبَةِ الظَّهْرِ. وَالْمَسْرُبَةُ: الْفِقَارُ الَّذِي فِي الظَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَى أسفله.
وَكَانَ عَبْلَ الْعَضُدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، وَالزَّنْدَانِ: الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِي ظَاهَرِ السَّاعِدَيْنِ. وَكَانَ فَعْمَ الْأَوْصَالِ، ضَبْطَ الْقَصَبِ، شَثْنَ الْكَفِّ، رَحْبَ الرَّاحَةِ، سَائِلَ الْأَطْرَافِ، كَأَنَّ أَصَابِعَهُ قُضْبَانُ فِضَّةٍ، كَفُّهُ أَلْيَنُ مِنَ الْخَزِّ، وَكَأَنَّ كَفَّهُ كَفُّ عَطَّارٍ طِيبًا [ (55) ] ، مَسَّهَا بِطِيبٍ أَوْ لَمْ يَمَسَّهَا، يُصَافِحُهُ الْمُصَافِحُ فَيَظَلُّ يَوْمَهُ يَجِدُ رِيحَهَا وَيَضَعُهَا [ (56) ] عَلَى [رَأْسِ الصَّبِيِّ فَيُعْرَفُ مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ مِنْ رِيحِهَا عَلَى] [ (57) ] رَأْسِهِ. وَكَانَ عَبْلَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنَ الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقِ، شَثْنَ القدم غليظهما، ليس لهما خُمْصٌ [ (58) ] . مِنْهُمْ مَنْ [قَالَ] [ (59) ] : كَانَ فِي قَدَمِهِ شَيْءٌ مِنْ خَمَصٍ. يَطَأُ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ قَدَمَيْهِ. مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ. بَدَّنَ فِي آخَرِ زَمَانِهِ، وَكَانَ بِذَلِكَ الْبَدَنِ مُتَمَاسِكًا. وَكَادَ يَكُونُ عَلَى الْخَلْقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضُرَّهُ السِّنُّ. وَكَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا فِي جَسَدِهِ كُلِّهِ [إِذَا] [ (60) ] الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا. وَكَانَ فِيهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، شَيْءٌ مِنْ صَوَرٍ. وَالصَّوَرُ: الرَّجُلُ الَّذِي كَأَنَّهُ يَلْمَحُ الشَّيْءَ بِبَعْضِ وَجْهِهِ. وَإِذَا مَشَى فَكَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ فِي صَخْرٍ وَيَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، يخطو تكفّيّا،
وَيَمْشِي الْهُوَيْنَا بِغَيْرِ عَثَرٍ. وَالْهُوَيْنَا: تَقَارُبُ الْخُطَا، وَالْمَشْيُ عَلَى الْهَيْنَةِ يَبْدُرُ [ (61) ] الْقَوْمَ إِذَا سَارَعَ إِلَى خَيْرٍ أَوْ مَشَى إِلَيْهِ، وَيَسُوقُهُمْ إِذَا لَمْ يُسَارِعْ إِلَى شَيْءٍ بِمَشْيَةِ الْهُوَيْنَا وَتَرَفُّعِهِ فِيهَا. وَكَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَنَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِأَبِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا، صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ [ (62) ] اللهِ. * وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِيًا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [- رَحِمَهُ اللهُ-] [ (63) ] قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْمِصِّيصِيُّ، مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ [ (64) ] : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن أبيه، وهشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا الْمُشَذَّبِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وَسَاقَ الْحَدِيثَ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصُّرَيْفِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ،
فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِي ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِي وَعَلِيٌّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَتَبَسَّمُ، أَوْ يَضْحَكُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (65) ] ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شَوْذَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: [كَانَ] [ (66) ] الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، مَا كَانَ أَسْفَلَ من ذلك [ (67) ] .
باب ذكر أخبار رويت في شمائله وأخلاقه على طريق الاختصار [تشهد] [1] لما روينا في حديث هند بن أبي هالة بالصحة
بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي شَمَائِلِهِ وَأَخْلَاقِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ [تَشْهَدُ] [ (1) ] لِمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ (2) ] * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى [ (3) ] ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي [ (4) ] عَنْ خُلُقِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، كَانَ الْقُرْآنَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشر [ (5) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: [ (6) ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ، بِبُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أُنَيْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ: قُلْنَا لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقُرْآنَ. ثُمَّ قَالَتْ: تَقْرَأُ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ؟ اقْرَأْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْعَشْرِ حَتَّى بَلَغَ الْعَشْرَ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (7) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ القرآن:
يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ لِسَخَطَهِ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزَّعْفَرَانِيُّ- يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قَالَ: أَدَبُ الْقُرْآنِ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: خُذِ الْعَفْوَ [ (8) ] . قَالَ: أُمِرَ نَبِيُّ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ تَعَالَى.
زَادَ الْقَطَّانُ فِي رِوَايَتِهِ: فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسلمة الْقَعْنَبِيِّ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (9) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ: لَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا نيل منه شيء قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (10) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: حاجب بن أحمد،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَرَبَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا نيل مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ انْتَقَمَ لَهُ. وَلَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ إِلَّا أَخَذَ الَّذِي هُوَ أَيْسَرُ حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ [ (11) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ: هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ، فو الله مَا قَالَ لِيَ أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَ كَذَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وأَبِي الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادٍ [ (12) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ [ (13) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالَ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ [ (14) ]- أَحْسَبُهُ قَالَ: كَانَ فَطِيمًا- قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (15) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَسَعِيدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَمِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ، وَمِنْ أشجع الناس.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ [ (16) ] . * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ العوفي، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو حامد ابن بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عند المعتبة: ماله؟ تَرِبَتْ جَبِينُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (17) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نمير،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ [ (18) ] أَخْلَاقًا [ (19) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ [- رَحِمَهُ اللهُ-] [ (20) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيَّ، يَقُولُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ- أَوْ قَالَتْ: يَعْفُو وَيَغْفِرُ- شَكَّ أَبُو دَاوُدَ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، وَعَاصِمُ ابْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبي ذؤيب، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْعَتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، بِأَبِي وَأُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ. زَادَ آدَمُ: وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ بَعْدَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ [ (22) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عن بُنْدَارٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بن
حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلْمٌ [ (23) ] الْعَلَوِيُّ، عَنْ أَنَسٍ. أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، قَلَّمَا يُوَاجِهُ رَجُلًا فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ- فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ ذَا عَنْهُ [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، [حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ] [ (25) ] قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قالت:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا [ (26) ] . لَفْظُ حَدِيثِ عُثْمَانَ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ: إِذَا بَلَغَهُ الشَّيْءُ عَنِ الرَّجُلِ لَمْ يَقُلْ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ ذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِيَ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعطاء [ (27) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتَمِنُهُ [ (28) ] ، وَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ عُقَدًا فَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ، فَصَدَعَ [ (29) ] ذَلِكَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عُقَدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ بَنِي فُلَانٍ، وَلَقَدِ اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عُقَدِهِ. فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَخْرَجَ الْعُقَدَ فَوَجَدَ [ (30) ] الْمَاءَ قَدِ اصْفَرَّ فَحَلَّ الْعُقَدَ، وَنَامَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَ [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ [الْقَطَّانُ] [ (32) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ ابن زَيْدٍ، أَبُو يَحْيَى الْمُلَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، إِذَا صَافَحَ، أَوْ صَافَحَهُ الرَّجُلُ، لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ، وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمَا رُكْبَتَهُ [ (33) ] بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ [ (34) ] . أخبرنا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ. ومَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَيَتْرُكَ يده
حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ [ (35) ] . لَفْظُ حَدِيثِ الْأَصْبَهَانِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُوسُفَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا جَلَسَ يَتَحَدَّثُ كَثِيرًا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ [ (36) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: أَظُنُّ أَبَا حَازِمٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ» [ (37) ] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَجَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ ابن الْفَرَجِ، وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَطُّ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. زَادَ يَحْيَى بْنُ نَصْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! النَّاسُ إِذَا رَأَوَا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، قَالَ: يَا عَائِشَةُ، وَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ أَتَى قَوْمًا الْعَذَابُ. وَتَلَا رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا الْآيَةَ [ (38) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ
هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (39) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (40) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، وَقَيْسٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ: لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ
طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ. وَكَانَ أَصْحَابُهُ رُبَّمَا تَنَاشَدَوْا عِنْدَهُ الشِّعْرَ وَالشَّيْءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهُ فَأَكْتُبَ الْوَحْيَ، وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا. فَكُلُّ هَذَا نُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ [ (41) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَشَدَّ الناس بأسا [ (42) ] .
قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَرَكِبَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ عَرِيًّا [ (43) ] ، فَخَرَجَ النَّاسُ فَإِذَا هُمْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قد سبقهم إلى الصوت، قَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا. وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: لَقَدْ وَجَدْنَا بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ [ (44) ] . قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ، قَالَ: فَمَا سُبِقَ ذَلِكَ الْفَرَسُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، وَغَيْرِهِ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سفيان ابن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر، قال:
سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: لَا [ (45) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (46) ] يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَرَسُولُ اللهِ [ (47) ] ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الريح المرسلة [ (48) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدَانَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَعْطَاهُ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ. فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (49) ] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بن محمد أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ. قَالَ: يَعْنِي فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ. وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خرج إلى الصلاة.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (50) ] ، عَنْ آدَمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو ابن الْبَخْتَرِيِّ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ [ (51) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ،
وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ [كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ] [ (52) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْآدَمِيُّ الْقَارِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابن الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْعَبْدِ وَالْأَرْمَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُمْ مِنْ حَاجَاتِهِمْ [ (53) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ، بِالرَّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيَعْتَقِلُ الشَّاءَ، وَيَأْتِي مراعاة الضيف [ (54) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَعْوَرُ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ [ (55) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (56) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إسماعيل بن عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الطَّيِّبِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْحَنَّاطُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أنس ابن مَالِكٍ: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عليهم [ (57) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ [ (58) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ- هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ- عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهِ، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، وَغَيْرِهِ، [عَنْ أَبِي الْفَضْلِ] [ (59) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك. أَنَّ امْرَأَةً فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِيَ إِلَيْكَ حَاجَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتِ، قُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ، فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، يُنَاجِيهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ حَمَّادِ [ (60) ] .
باب ذكر أخبار رويت في زهده في الدنيا وصبره على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الآخرة، وما أعد الله تعالى له فيها، على الدنيا
بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَصَبْرِهِ عَلَى الْقُوتِ الشَّدِيدِ فِيهَا، وَاخْتِيَارِهِ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَمَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لَهُ فِيهَا، عَلَى الدُّنْيَا وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّهُ. قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا، فَاسْتَشَارَ فِيهِ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَوَاضَعَ، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ: حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ [ (2) ] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ: أَنَّ اللهَ، عز وجل، أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ الْمَلَكُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ يخبّرك بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا. فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تَوَاضَعْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا. قَالَ: فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَرْبِيُّ، فِي جَامِعِ الْحَرْبِيَّةِ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَدَّثَهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي اعْتِزَالِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نِسَاءَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خِزَانَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ، وَجَلَسَ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، وَقَلَّبْتُ عَيْنِيَّ فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا غَيْرُ قَبْضَتَيْنِ- أَوْ قَالَ قَبْضَةٍ- مِنْ شَعِيرٍ، وَقَبْضَةٍ مِنْ قرط نَحْوَ الصَّاعَيْنِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، أَوْ أَفِيقَانِ [ (4) ] . قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي، وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، وَهَذِهِ الْأَعْجَامُ: كِسْرَى وَقَيْصَرُ، فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ هَكَذَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ، فو الله مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا أُهُبٌ ثَلَاثَةٌ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللهَ. فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَقُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ. وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، حَتَّى عَاتَبَهُ اللهُ، عَزَّ وجل. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَدَأَ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، إِنَّكَ دَخَلْتَ عَلَيَّ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. قَالَتْ: ثُمَّ قَرَأَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (6) ] قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ والله، إن أبي لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن عبد الرزاق.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى الْبَجَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِالشَّرِيطِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْحَرَفَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، انْحِرَافَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عنه-: ومالي لَا أَبْكِي وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ يَعِيشَانِ فِيمَا يَعِيشَانِ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَرَى؟! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عُمَرُ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: هُوَ كَذَلِكَ [ (8) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: اضْطَجَعَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَأَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَذِنْتَنَا فَنَبْسُطَ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا وَالدُّنْيَا؟ إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرْكَهَا [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَحْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ الدَّبَّاسُ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ لِيَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا سَرَّنِي أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنِي. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (10) ] ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا [ (11) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ عُمَارَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، مُنْذُ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا، مِنْ خُبْزِ برّ
حَتَّى تُوُفِّيَ. [ (12) ] . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا يُوسُفُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ، نَحْوَهُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (13) ] ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. أَخْبَرَنَا أبو عبد الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ- إِمْلَاءً- قال:
أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عن عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا نُخْرِجُ الْكُرَاعَ [ (14) ] بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَنَأْكُلُهُ. فَقُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُونَ؟ فَضَحِكَتْ، وقَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ، عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (15) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، يَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، مَا نُوقِدُ بِنَارٍ لِلطَّعَامِ، إِلَّا أَنَّهُ التَّمْرُ، وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ حَوْلَنَا أَهْلُ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَيَبْعَثُ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ بِغَزِيرَةِ شَاتِهِمْ إِلَى رَسُولِ الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَسْقِينَا من ذلك اللبن.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (16) ] مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ- هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ- قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، فَقَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ [ (17) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن هُدْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وسلم، على خِوَانٍ وَلَا فِي سُكُرَّجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ عَلَى السّفر [ (18) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (19) ] مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَخْطُبُ، فَذَكَرَ مَا فُتِحَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَلْتَوِي يَوْمَهُ مِنَ الْجُوعِ، مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ [ (20) ] مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنس:
أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ [ (22) ] سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَأَخَذَ لِأَهْلِهِ شَعِيرًا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ [ (23) ] . قَالَ: وَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قال: أخبرنا هشام ابن عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَدَمٍ، وَحَشْوُهُ لِيفٌ [ (25) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ النّضر.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، فِي الْفَوَائِدِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ عمر ابن بَرْهَانَ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَبَاءَةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِفَرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فُلَانَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَرَأَتْ فِرَاشَكَ، فَذَهَبَتْ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ، بِهَذَا. فَقَالَ: رُدِّيهِ. قَالَتْ: فَلِمَ أَرُدُّهُ وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: رُدِّيهِ يا عائشة، فو الله لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللهُ، تَعَالَى [ (26) ] مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عبد الله بن يوسف الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَفَّانَ- يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ- قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خراش، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ. قَالَتْ: فَحَسِبْتُ ذَلِكَ فِي وَجَعٍ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مالي أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ؟ قَالَ: من
أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَتَتْنَا أَمْسِ، فَأَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهُنَّ، فَكُنَّ فِي خَمْلِ الْفِرَاشِ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَرَضٍ لَهُ؟ قَالَتْ: وَكَانَتْ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ- قَالَ مُوسَى: أَوْ سَبْعَةٌ- قَالَتْ: فَأَمَرَنِي نَبِيُّ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْ أُفَرِّقَهَا. قَالَتْ: فَشَغَلَنِي وَجَعُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، حَتَّى عَافَاهُ اللهُ تَعَالَى. قَالَتْ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَالَ: مَا فَعَلْتِ، أَكُنْتِ فَرَّقْتِ السِّتَّةَ الدَّنَانِيرَ أَوِ السَّبْعَةَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللهِ، لَقَدْ كَانَ شَغَلَنِي وَجَعُكَ. قَالَتْ: فَدَعَا بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ فَقَالَ: مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللهِ لَوْ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى وَهَذِهِ عِنْدَهُ [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ أحمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَزْهَرِ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَدَّخِرْ شَيْئًا لِغَدٍ [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ [ (31) ]- عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ [ (32) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: [ (33) ] أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ [ (34) ] قَالَ: حَدَّثَنَا [إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:] . أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبْرًا مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟ قَالَ: تَمْرًا أَدَّخِرهُ. قَالَ: وَيْحَكَ يَا بِلَالُ، أو ما تَخَافُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بُخَارٌ فِي النَّارِ؟ أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذي العرش إقلالا.
باب حديث نفقة رسول الله [1] صلى الله عليه وسلم، وما في ذلك من كفاية الله تعالى همه، وسعيه على الفقراء وابن السبيل
بَابُ حَدِيثِ نَفَقَةِ رَسُولِ اللهِ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى هَمَّهُ، وَسَعْيِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ: الربيع ابن نَافِعٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَبُو حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْهَوْزَنِيُّ- يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ الْهَوْزَنِيَّ، قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بِحَلَبَ [ (3) ] ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم؟
فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (4) ] ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ، فَرَآهُ عَارِيًا، يأمرني فأنطلق فأستعرض، وَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ وَالشَّيْءَ، فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي. فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ. قَالَ: قُلْتُ: يَا لَبَّيْهِ. فَتَجَهَّمَنِي وَقَالَ قَوْلًا غَلِيظًا، فَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، ولكن أعطيتك لتجب لِي عَبْدًا فَأَرُدَّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ، رَجَعَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي كُنْتُ أتَدَيَّنُ مِنْهُ قَدْ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي. فَأْذَنْ لِي آتِي بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي. فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ الْأُفُقَ. فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللهُ بِقَضَائِكَ. فَحَمِدْتُ اللهَ تَعَالَى. وَقَالَ: أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ لك
رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ. فَإِذَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ «فَدَكَ» فَاقْبِضْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اقصد دَيْنَكَ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمْ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ إِصْبُعي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ وَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ. فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي، وَأَعْرِضُ وَأَقْضِي، حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ، أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ [ (5) ] ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ؟ قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. فَقَالَ: فَضَلَ شَيْءٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، دِينَارَانِ. قَالَ: انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُمَا. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، جَاءَ رَاكِبَانِ فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا، فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللهُ مِنْهُ. فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَزْوَاجَهُ فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتَّى إِذَا أَتَى مَبِيتَهُ. فَهَذَا الَّذِي سألتني عنه [ (6) ] .
باب ما جاء في جلوسه مع الفقراء والمساكين أهل الصفة
بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُوسِهِ مَعَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّهُ وَنَهَاهُ عَنْ طَرْدِهِمْ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [ (1) ] وَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [ (2) ] . أخبرنا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، كُرْدُوسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى- يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ جَالِسًا مَعَهُمْ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ مَعَهُمْ نَفْسِيَ» . قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ بَيْنَنَا نَفْسَهُ فينا، ثم
قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ وَبَرَزَتْ وجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا عَرَفَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خُمْسُمِائَةِ عَامٍ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ: نَزَلَتْ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ قَالَ: كُنَّا ضُعَفَاءَ نَجْلِسُ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَالْخَيْرَ، وَكَانَ يُخَوِّفُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا يَنْفَعُنَا اللهُ بِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَجَاءَ الْأَقْرَعُ بن
حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِنَا، وَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَرَوْنَا مَعَهُمْ، فَاطْرُدْهُمْ إِذَا جَالَسُوكَ، فَنَزَلَتْ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يَقُولُ ابْتَلَيْنَا [ (4) ] . وَحَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ عَنْكَ فَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. وَكُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَرَجُلَانِ قَدْ نَسِيتُ اسْمَهُمَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا شَاءَ اللهُ وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ الْآيَةَ: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ (5) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] .
باب [1] ذكر اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في طاعة ربه، عز وجل، وخوفه منه، على طريق الاختصار
بَابُ [ (1) ] ذِكْرِ اجْتِهَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَخَوْفِهِ مِنْهُ، عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ، بِالطَّابَرَانِ [ (2) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ النَّجَاحِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة، عن زياد ابن عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] ، مِنْ حديث ابن
عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ [ (4) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (5) ] ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَطِيعُ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرٍ وَإِسْحَاقَ، عَنْ جَرِيرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مَنْصُورٍ [ (6) ] أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ. قَالُوا [ (7) ] : فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يا رسول الله!
قَالَ: إِنِّي لَسْتُ فِي ذَاكُمْ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ [ (8) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجْنَا [ (9) ] مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمْ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ [ (10) ] الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَيْمُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: اقْرَأْ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ. قَالَ: فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ فَلَمَّا بَلَغتُ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [ (12) ] قَالَ: حَسْبُكَ. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عيناه تذرفان.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (13) ] ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (14) ] أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْهِلَالِيِّ [ (15) ] ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ- هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ [ (16) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن مُكْرَمٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَا مِنَ الْبُكَاءِ [ (17) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (18) ] أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْحُصَيْرِيُّ [ (19) ] ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَيَّانَ التَّمَّارُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ شِبْتَ، قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ، والْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتِ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ (20) ] . وَحَدَّثَنَا الْإِمَامُ الطَّيِّبُّ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر ابن مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ، فَقَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ وَأَخَوَاتُهَا: الْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
باب ما يستدل به على أنه كان أجزى الناس باليد، وأصبرهم على الجوع، مع ما أكرمه الله [1] به من البركة فيما دعا فيه من الأطعمة
بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى الْجُوعِ، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللهُ [ (1) ] بِهِ مِنَ الْبَرَكَةِ فِيمَا دَعَا فِيهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، [قَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ كَانَ مُطْعِمُ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ لَأَطْلَقْتُهُمْ، يَعْنِي أُسَارَى بَدْرٍ [ (3) ] . قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَدٌ، وَكَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حازم، قال:
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (4) ] ، جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَعَمَدَ نَحْوَهُ فَوَقَفَ فَسَلَّمَ، فَرَدَّ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَأَلْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي. فَقَالَ عُمَرُ: أَخْرَجَنِي الْجُوعُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ، فَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ، فَطَلَعَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَعَمَدَ نَحْوَهُمَا حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمَ، فَرَدَّا عَلَيْهِ السَّلَامَ- فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَنَظَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ [ (5) ] صَاحِبُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجَ قَبْلِي وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ، فَسَأَلْتُهُ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي. فَقَالَ: أَخْرَجَنِي الْجُوعُ. فَقُلْتُ لَهُ: أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا فَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَعْلَمَانِ مِنْ أَحَدٍ نَضِيفُهُ الْيَوْمَ؟ قَالَا: نَعَمْ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، لَهُ أَعْذُقٌ وَجَدْيٌ، إِنْ جِئْنَاهُ نَجِدْ عِنْدَهُ فَضْلَ تَمْرٍ [ (6) ] . فَخَرَجَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَصَاحِبَاهُ حَتَّى دَخَلُوا الْحَائِطَ، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ أُمُّ الْهَيْثَمِ تَسْلِيمَهُ فَفَدَّتْ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَخْرَجَتْ حِلْسًا لَهَا مِنْ شَعَرٍ فَجَلَسُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَبُو الْهَيْثَمِ؟ فَقَالَتْ: ذَاكَ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. فَطَلَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِالْقِرْبَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَلَمَّا أَنْ رأى وضح
النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّخْلِ، أَسْنَدَهَا إِلَى جِذْعٍ وَأَقْبَلَ يُفَدِّي بِالْأَبِ وَالْأُمِّ. فَلَمَّا رَآهُمْ عَرَفَ الَّذِي بِهِمْ فَقَالَ لِأُمِّ الْهَيْثَمِ: هَلْ أَطْعَمْتِ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَاحِبَيْهِ شَيْئًا؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا جَلَسَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، السَّاعَةَ. قَالَ: فَمَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: عِنْدِي حَبَّاتٌ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: كَرْكِرِيهَا وَاعْجِنِي وَاخْبِزِي- إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْخَمِيرَ- قَالَ: وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، مُوَلِّيًا، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَذَاتَ الدَّرِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أُرِيدُ عُنَيِّقًا فِي الْغَنَمِ، فَذَبَحَ وَنَصَبَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَصَاحِبَاهُ فَشَبِعُوا، لَا عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهَا، فَمَا مَكَثَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَجَاءَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، تَشْكُو إِلَيْهِ الْعَمَلَ وَتُرِيهُ يَدَهَا وَتَسْأَلُهُ إِيَّاهُ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُعْطِيهِ أَبَا الْهَيْثَمِ، فَقَدْ رَأَيْتُهُ وَمَا لَقِيَ هُوَ وَمُرَيَّتُهُ يَوْمَ ضِفْنَاهُمْ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: [خُذْ] [ (7) ] هَذَا الْغُلَامَ يُعِينُكَ عَلَى حَائِطِكَ، وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا فَقَالَ [ (8) ] : فَمَكَثَ عِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ مُشْتَغِلًا [ (9) ] أَنَا وَصَاحِبَتِي بِحَائِطِنَا، فَاذْهَبْ فَلَا رَبَّ لَكَ إِلَّا اللهُ، [عَزَّ وَجَلَّ] [ (10) ] . فَخَرَجَ ذَلِكَ الْغُلَامُ إِلَى الشَّامِ وَرُزِقَ فِيهَا [ (11) ] . ورَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هُوَ عِلْمِي: بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عن
أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-] [ (12) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (13) ] أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حدّثنا زكريّا ابن يَحْيَى الْخَزَّانُ، أَبُو عَلِيٍّ، بِالْبَصْرَةِ فِي حَانُوتِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ: عَبْدُ الله ابن عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ الظَّهِيرَةِ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. فَكَانَ فِيمَا زَادَ: وَجَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ فَفَرِحَ بِهِمْ وَقَرَّتْ عَيْنَاهُ بِهِمْ، وَصَعِدَ نَخْلَةً فَصَرَمَ لَهُمْ أَعْذَاقًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَأْكُلُونَ مِنْ بُسْرِهِ [وَمِنْ] [ (14) ] رُطَبِهِ وَمَنْ تَذْنُوبِهِ [ (15) ]- ثُمَّ أَتَاهُمْ بِمَاءٍ فَشَرِبُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الْخَادِمِ [ (16) ] . وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ مُبَشِّرٍ، عَنْ أَبِي خَلَفٍ الْخَزَّازِ، دُونَ ذِكْرِ عُمَرَ فِي إِسْنَادِهِ. وَفِي الْبَابِ: عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَذَكَرَ قِصَّةَ الْخَادِمِ دُونَ ذِكْرِ فَاطِمَةَ. وَأَرْسَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ- قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ عَلَى حَجَرٍ- فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لِمَ عَصَبَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ- وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ- فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزِ وَتَمَرَاتٍ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (وَحْدَهُ) ] [ (17) ] ، أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ مَعَهُ بِأَحَدٍ قَلَّ عَنْهُمْ. فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا أَنَسُ فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ اتَّبِعْهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ فَقُلْ: أَبِي يَدْعُوكَ. فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَلَمَّا قُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ. قَالَ لِأَصْحَابِهِ: يَا هَؤُلَاءِ تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ بَيْتِنَا أَرْسَلَ يَدَيَّ، فَدَخَلْتُ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءِ بِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي قُلْتَ لِي، فَدَعَا أَصْحَابَهُ، فَقَدْ جَاءَكَ بِهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا يشبع مَا أَرَى [ (18) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ادْخُلْ، فَإِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ قَرِّبُوهُ. وَجَلَسَ [ (19) ] مَنْ مَعَهُ بِالسِّكَّةِ، فَقَرَّبْنَا مَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى حَصِيرِنَا، فَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ: يَدْخُلُ عَلَيَّ ثَمَانِيَةٌ، فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً، فَجَعَلَ كَفَّهُ فَوْقَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: كُلُوا وَسَمُّوا اللهَ [تَعَالَى] [ (20) ] ، فَأَكَلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَقَامَ الْأَوَّلُونَ، فَفَعَلْتُ، فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً. فَمَا زَالَ ذَلِكَ أَمْرَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا، كُلُّهُمْ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ. ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي وَأَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: كُلُوا. فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَيْنَ هَذَا مِنْ طَعَامِكِ حِينَ قَدَّمْتِيهِ؟ قَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ [ (21) ] ، لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ لَقُلْتُ: مَا نَقَصَ مِنْ طَعَامِنَا شَيْءٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (22) ] .
باب ما جاء في مثل نبينا صلى الله عليه وسلم، ومثل الأنبياء عليهم السلام، قبله، وإخباره بأنه خاتم النبيين فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَثَلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَثَلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَبْلَهُ، وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [ (1) ] : مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ مِينَا، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ [ (3) ] بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ مِينَا [ (4) ] ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى دَارًا- وَقَالَ يَزِيدُ: بَنَى دَارًا- فَأَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ هَذِهِ اللَّبِنَةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلّم: فأنا
مَوْضِعُ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ» [ (5) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَفَّانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (6) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وعليّ بن جحر [قَالَا] [ (7) ] ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، ويقولون: هذا وَضَعْتَ هَذِهِ اللَّبِنَةَ؟! فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصّحيح عن قتيبة [ (8) ] .
باب ما جاء في مثله ومثل أمته ومثلهم ومثل ما جاء به من الهدى والبيان، وأن عينيه، صلى الله عليه وسلم، كانتا تنامان والقلب يقظان
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَثَلِهِ وَمَثَلِ أُمَّتِهِ وَمَثَلِهِمْ وَمَثَلِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ، وَأَنَّ عَيْنَيْهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتَا تَنَامَانِ وَالْقَلْبُ يَقْظَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (1) ] : «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَالْجَنَادِبُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِيَّ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُلَيْمٍ. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ حَدَّثَنَا [ (4) ] أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ [ (5) ] أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (6) ] ، بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا. وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ [بِمَا] [ (7) ] بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ [ (8) ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ، [تَعَالَى] بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا [ (9) ] فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَأَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ [ (10) ] ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ [ (11) ] ، فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِيَ وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ [ (12) ] .
رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ: طَاهِرُ بْنُ يَحْيَى الْبَيْهَقِيُّ بِهَا [ (13) ] مِنْ أَصْلِ كِتَابِ خَالِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِي: الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ: مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ (14) ] . فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ: كَأَنَّ جِبْرِيلَ، [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (15) ] ، عِنْدَ رَأْسِي، وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا: فَقَالَ: اسْمَعْ، سَمِعَتْ، أُذُنُكَ، واعقل قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يدعوا النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِمْ، مِنْهُمْ مِنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ. فَاللهُ هُوَ: الْمَلِكُ. وَالدَّارُ: الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ: الْجَنَّةُ. وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ: الرَّسُولُ، مَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا» [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ [ (17) ] : صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ: فَقَالُوا: إِنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، فَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، مَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ [ (18) ] وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. قَالُوا: فَالدَّارُ: الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي: مُحَمَّدٌ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (19) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (20) ] ، أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنِيَّ
تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ [ (21) ] .
باب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، وصفة أمته
بَابُ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ، وَصِفَةِ أُمَّتِهِ قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِيمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (1) ] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، ببغداد، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ نَصْرٍ الْبَزَّازُ، دُوسْتُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ [ (3) ] بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ؟ فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ [ (4) ] : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ. أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ: الْمُتَوَكِّلَ. لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخِبٍ [ (5) ] بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ: أَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَفْتَحُ بِهِ أعينا عميا، وآذانا صما، وَقُلُوبًا غُلْفًا [ (6) ] . قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ [ (7) ] فَسَأَلْتُهُ، فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا [يَقُولُ] [ (8) ] : أَعْيُنًا عُمُويا، وَأَذَانًا صُمُومَى، وَقُلُوبًا غلوفى [ (9) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ. عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، كَانَ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [ (10) ] . هِيَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ: الْمُتَوَكِّلَ، لَسْتَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سخاب بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وَلَنْ نَقْبِضَهُ حَتَّى نُقِيمَ بِهِ [ (11) ] الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَنْفَتِحَ [ (12) ] بِهَا أَعْيُنًا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غُلْفًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ [ (13) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قِيلَ: هُوَ ابْنُ رَجَاءٍ. وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ صَالِحٍ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ رَجَاءٍ. وَاللهُ أعلم.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ سَلَامٍ. أَخْبَرَنَا [ (14) ] أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ. أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُهُ: الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، ولا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو [وَيَغْفِرُ] [ (15) ] وَيَتَجَاوَزُ. وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ [ (16) ] الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ [ (17) ] بِأَنْ يُشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، نَفْتَحُ [ (18) ] بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثِيُّ [ (19) ] : أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ:
قُلْتُ لِكَعْبٍ الْحَبْرِ: كَيْفَ تَجِدُونَ صِفَةَ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: نَجِدُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، اسْمُهُ: المتوكل، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ولا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ. أُعْطِيَ الْمَفَاتِيحَ لِيُبَصِّرَ اللهُ [تَعَالَى] [ (21) ] بِهِ أَعْيُنًا عُورًا، وَيُسْمِعَ بِهِ آذَانًا وُقْرًا، وَيُقِيمَ بِهِ أَلْسُنًا مُعْوَجَّةً حَتَّى يُشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. يُعِينُ الْمَظْلُومَ وَيَمْنَعُهُ [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ [الْقَطَّانُ] [ (23) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ- يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ- قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ: أَبُو إِسْحَاقَ، قال: حدثنا المسيب بْنُ رَافِعٍ [ (24) ] قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدِي الْمُتَوَكِّلُ الْمُخْتَارُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، ولا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ [ (25) ] ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ [ (26) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (27) ] . أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: لَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ
بالأسواق، ولا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا فَيْضٌ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: أَوْحَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى عيسى بن مَرْيَمَ: جِدَّ فِي أَمْرِي وَلَا تَهْزِلْ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ يَا ابْنَ الطَّاهِرِ الْبِكْرِ الْبَتُولِ: إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَجَعَلْتُكَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ. فَسِّرْ لِأَهْلِ سُورَانَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، بَلِّغْ مَنْ بَيْنَ يَدَيْكَ: أَنَّى أَنَا اللهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا أَزُولُ. صَدِّقُوا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الْعَرَبِيَّ صَاحِبَ الْجَمَلِ وَالْمِدْرَعَةِ وَالْعِمَامَةِ، وَهِيَ التَّاجُ، وَالنَّعْلَيْنِ، وَالْهِرَاوَةِ وَهِيَ الْقَضِيبُ. الْجَعْدُ الرَّأْسِ، الصَّلْتُ الْجَبِينِ، الْمَفْرُوقُ [ (29) ] الْحَاجِبَيْنِ، الْأَنْجَلُ الْعَيْنَيْنِ. الْأَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، الْأَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، الْأَقْنَى الْأَنْفِ، الْوَاضِحُ الْجَبِينِ. الْكَثُّ اللِّحْيَةِ، عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَأَنَّهُ اللُّؤْلُؤُ، رِيحُ الْمِسْكِ يَنْفَحُ مِنْهُ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَكَأَنَّ الذَّهَبَ يَجْرِي فِي تَرَاقِيهِ، لَهُ شَعَرَاتٌ [ (30) ] مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ تَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ عَلَى صَدْرِهِ وَلَا عَلَى بَطْنِهِ شَعَرٌ غَيْرُهُ. شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا جَاءَ مَعَ النَّاسِ غَمَرَهُمْ، وَإِذَا مشى كأنما يتقلع من الصَّخْرِ، وَيَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، ذو النّسل القليل [ (31) ] .
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الذُّكُورَ مِنْ صُلْبِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرِّ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُذَكِّرُ، وَأَبُو الحسن: علي ابن مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيُّ [ (32) ] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَذَكَرَ «وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ» إن الله، عز وجل، لَمَّا قَرَّبَ مُوسَى نَجِيًّا، قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً: خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ مِنَ الْأُمَمِ، السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ في صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كُتُبَهُمْ نَظَرًا وَلَا يَحْفَظُونَهَا، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ والآخر، ويقاتلون رؤوس الضَّلَالَةِ، حَتَّى يقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يَأْكُلُونَ صَدَقَاتِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ إِذَا أَخْرَجَ صَدَقَتَهُ بَعَثَ اللهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ لَمْ تَقْرَبْهَا النَّارُ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً وَإِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى مائة ضعف [ (33) ] ،
فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْمُسْتَجِيبُونَ وَالْمُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ [ (34) ] أَحْمَدَ. قَالَ: وَذَكَرَ «وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ» فِي قِصَّةِ دَاوُدَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الزَّبُورِ: يَا دَاوُدُ، إِنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكَ نَبِيٌّ يُسَمَّى: أَحْمَدَ وَمُحَمَّدًا، صَادِقًا سَيِّدًا، لَا أَغْضَبُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُغْضِبُنِي أَبَدًا، وَقَدْ غَفَرْتُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْصِيَنِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَأُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ، أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ النَّوَافِلِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ، وَافْتَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، حَتَّى يَأْتُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ مِثْلُ نُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، كَمَا افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ. وَأَمَرْتُهُمْ بِالْحَجِّ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْجِهَادِ كَمَا أَمَرْتُ الرُّسُلَ قَبْلَهُمْ. يَا دَاوُدُ، فَإِنِّي [ (35) ] فَضَّلْتُ مُحَمَّدًا وَأُمَّتَهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا: أَعْطَيْتُهُمْ سِتَّةَ خِصَالٍ لَمْ أُعْطِهَا غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ: لا أخذهم بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَكُلُّ ذَنْبٍ رَكِبُوهُ عَلَى [غَيْرِ] [ (36) ] عَمْدٍ إِذَا اسْتَغْفَرُونِي مِنْهُ غَفَرْتُهُ لَهُمْ، وَمَا قَدَّمُوا لِآخِرَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ عَجَّلْتُهُ لَهُمْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَلَهُمْ فِي الْمَدْخُورِ عِنْدِي أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَعْطَيْتُهُمْ، عَلَى الْمَصَائِبِ فِي الْبَلَايَا إِذَا صَبَرُوا وَقَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون- الصَّلَاةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْهُدَى إِلَى جنّات
النَّعِيمِ. فَإِنْ دَعَوْنِي اسْتَجَبْتُ لَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَرَوْهُ عَاجِلًا، وَإِمَّا أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُمْ سُوءًا، وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. يَا دَاوُدُ، مَنْ لَقِيَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي صَادِقًا بِهَا فَهُوَ مَعِي فِي جَنَّتِي وَكَرَامَتِي. وَمَنْ لَقِيَنِي وَقَدْ كَذَّبَ مُحَمَّدًا، وَكَذَّبَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَاسْتَهْزَأَ بِكِتَابِي صَبَبْتُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْعَذَابَ صَبًّا، وَضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ وَدُبُرَهُ عِنْدَ مَنْشَرِهِ مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ أُدْخِلُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا [ (38) ] الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ: عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ قَطَنِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نادينا) [ (39) ] قَالَ: نُودُوا: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اسْتَجَبْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي، وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي [ (40) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ: خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ [ (41) ] قَالَ: لَمَّا افْتَتَحْنَا «تُسْتَرَ» وَجَدْنَا فِي بَيْتِ مَالِ «الْهُرْمُزَانِ» سَرِيرًا عَلَيْهِ رَجُلٌ مَيِّتٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مُصْحَفٌ لَهُ، فَأَخَذْنَا الْمُصْحَفَ، فَحَمَلْنَاهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، [رضي الله
عَنْهُ] [ (42) ] ، فَدَعَا لَهُ كَعْبًا فَنَسَخَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَنَا أَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، قَرَأَهُ، قَرَأْتُهُ مِثْلَ مَا أَقْرَأُ الْقُرْآنَ هَذَا. فَقُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: مَا كَانَ فِيهِ؟ فَقَالَ: سِيرَتُكُمْ، وَأُمُورُكُمْ، وَدِينُكُمْ، وَلُحُونُ كَلَامِكُمْ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدُ. قُلْتُ: فَمَا صَنَعْتُمْ بِالرَّجُلِ؟ قَالَ حَفَرْنَا بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا مُتَفَرِّقَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ [ (43) ] دَفَنَّاهُ وَسَوَّيْنَا الْقُبُورَ كُلَّهَا، لِنُعَمِّيَهُ عَلَى النَّاسِ لَا يَنْبُشُونَهُ، فَقُلْتُ [ (44) ] وَمَا تَرْجُونَ مِنْهُ؟ قَالَ: كَانَتِ السَّمَاءُ إِذَا حُبِسَتْ عَلَيْهِمْ بَرَزُوا بِسَرِيرِهِ فَيُمْطَرُونَ. قُلْتُ: مَنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ الرَّجُلَ؟ قَالَ: رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: دَانْيَالُ فَقُلْتُ [ (45) ] مُذْ كَمْ وَجَدْتُمُوهُ مَاتَ؟ قَالَ: مُذْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. فَقُلْتُ [ (46) ] : مَا كان تغيّر شيئا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا شُعَيْرَاتٌ مِنْ قَفَاهُ، إِنَّ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تُبْلِيهَا الْأَرْضُ، وَلَا تَأْكُلُهَا السِّبَاعُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدٌ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ [ (47) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ عمر ابن الْحَكَمِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ وَهُوَ عَمُّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ- قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ عُمُومَتِي وَآبَائِي: أَنَّهُمْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَرَقَةٌ يَتَوَارَثُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى جاء
اللهُ- تَعَالَى- بِالْإِسْلَامِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، الْمَدِينَةَ، ذَكَرُوا لَهُ وَأَتَوْهُ بِهَا مَكْتُوبٌ فِيهَا: اسْمُ اللهِ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَقَوْلُ الظَّالِمِينَ فِي تَبَابٍ. هَذَا الذِّكْرُ لَأُمَّةٍ تَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُسْبِلُونَ أَطْرَافَهُمْ، وَيَأْتَزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَيَخُوضُونَ الْبُحُورَ إِلَى أَعْدَائِهِمْ، فِيهِمْ صَلَاةٌ لَوْ كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ مَا أُهْلِكُوا بِالطُّوفَانِ، وَفِي عَادٍ مَا أُهْلِكُوا بِالرِّيحِ، وَفِي ثَمُودَ مَا أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ. بِسْمِ اللهِ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَقَوْلُ الظَّالِمِينَ فِي تَبَابٍ. كَأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ قِصَّةً أُخْرَى. قَالَ: فَعَجِبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لما قُرِئَتْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهَا [ (48) ] .
باب ما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مقرونة بصورة الأنبياء قبله بالشام
بَابُ مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَقْرُونَةً بِصُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِالشَّامِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (1) ] ، مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ: أَبُو سَعِيدٍ الرَّبَعِيُّ، [قال:] [ (3) ] حدّثني محمّد، ابن عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى، فَقَالُوا لِي: أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: أَفَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ [ (4) ] فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا بِيَدِي فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ. قُلْتُ: لا أرى
صُورَتَهُ. فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ، وَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ صُورَتِهِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِصَفَةِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَالُوا لِي: هَلْ تَرَى صِفَتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: أَهُوَ هَذَا؟ وَأَشَارُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: اللهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ. قَالُوا: أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي أَخَذَ بعَقِبِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ [ (5) ] ، عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ هَذَا، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ رَجُلٌ يَتَنَبَّأُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: فِيمَا أَتَيْتُمْ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأَدْخَلَنِي مَنْزِلًا لَهُ، فَإِذَا فِيهِ صُوَرٌ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: هُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا هَذَا النَّبِيُّ [ (6) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. فَذَكَرَهُ. وَفِي كِتَابِي عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ: عَبْدَ اللهِ بْنَ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيَّ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الهيثم
الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ، قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى [هِرَقْلَ] [ (7) ] صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغُوطَةَ- يَعْنِي دِمَشْقَ- فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ [ (8) ] الْغَسَّانِيِّ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولٍ نُكَلِّمُهُ، فَقُلْنَا [لَهُ] [ (9) ] : وَاللهِ لَا نُكَلِّمُ رَسُولًا، إِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنْ أَذِنَ لَنَا كَلَّمْنَاهُ، وَإِلَّا لَمْ نُكَلِّمِ الرَّسُولَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. قَالَ: فَأَذِنَ لَنَا، فَقَالَ: تَكَلَّمُوا فَكَلَّمَهُ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابُ سَوَادٍ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: مَا هَذِهِ الَّتِي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَبِسْتُهَا وَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَنْزِعَهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ. قُلْنَا: وَمَجْلِسُكَ هَذَا فو الله لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ وَلَنَأْخُذَنَّ مُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ، إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (10) ] . أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نبينا، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُفْطِرُونَ بِاللَّيْلِ. فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَمُلأَ وَجْهُهُ سَوَادًا، فَقَالَ: قُومُوا. وَبَعَثَ مَعَنَا رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ [لَنَا] [ (11) ] الَّذِي مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِهِ لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ الْمَلِكِ، فَإِنْ شِئْتُمْ حَمَلْنَاكُمْ عَلَى بَرَاذِينَ وَبِغَالٍ، قُلْنَا: وَاللهِ لَا نَدْخُلُ إِلَّا عَلَيْهَا. فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ. فَدَخَلْنَا عَلَى رَوَاحِلِنَا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غُرْفَةٍ لَهُ، فَأَنَخْنَا فِي أَصْلِهَا، وهو ينظر
إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَفَّضَتِ الْغُرْفَةُ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا عِذْقٌ تُصَفِّقُهُ الرِّيَاحُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا عَلَيْنَا بِدِينِكُمْ. وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ، وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ مِنَ الرُّومِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي مَجْلِسِهِ أَحْمَرُ، وَمَا حَوْلَهُ حُمْرَةٌ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنَ الْحُمْرَةِ. فَدَنَوْا مِنْهُ فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكُمْ لَوْ حَيَّيْتُمُونِي بِتَحِيَّتِكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَإِذَا عِنْدَهُ، رَجُلٌ فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، كَثِيرُ الْكَلَامِ. فَقُلْنَا: إِنَّ تَحِيَّتَنَا فِيمَا بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتَكَ الَّتِي تُحَيَّا بِهَا لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُحَيِّيَكَ بِهَا. قَالَ: كَيْفَ تَحِيَّتُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟ فَقُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ. قَالَ: فَكَيْفَ تُحَيُّونَ مَلِكَكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا. قَالَ: وَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا. قَالَ: فَمَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ؟ قُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ. فَلَمَّا تَكَلَّمْنَا بِهَا قَالَ: وَاللهُ لَقَدْ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا. قَالَ: فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا حَيْثُ تَنَفَّضَتِ الْغُرْفَةُ كُلَّمَا قُلْتُمُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ تُنَفَّضُ بُيُوتُكُمْ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، مَا رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا قَطُّ إِلَّا عِنْدَكَ. قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ كُلَّمَا قُلْتُمْ تَنَفَّضَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْكُمْ، وَأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي، قُلْنَا: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَيْسَرَ لِشَأْنِهَا وَأَجْدَرَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حِيَلِ النَّاسِ. ثُمَّ سَأَلَنَا عَمَّا أَرَادَ، فَأَخْبَرْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ صَلَاتُكُمْ وَصَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ. فَقَالَ: قُومُوا. فَقُمْنَا، فَأَمَرَ لَنَا بِمَنْزِلٍ حَسَنٍ وَنُزُلٍ كَثِيرٍ، فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا لَيْلًا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَاسْتَعَادَ قَوْلَنَا فَأَعَدْنَاهُ، ثُمَّ دَعَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الرَّبَعَةِ الْعَظِيمَةِ مُذَهَّبَةٍ فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، فَفَتَحَ بَيْتًا وَقُفْلًا، وَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ ضَخْمُ الْعَيْنَيْنِ، عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَ طُولِ عُنُقِهِ، وَإِذَا لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، وَإِذَا لَهُ ضَفِيرَتَانِ، أَحْسَنُ مَا خَلَقَ اللهُ. قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِذَا هُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ شَعْرًا. ثُمَّ فَتَحَ لَنَا بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ
بَيْضَاءُ، وَإِذَا لَهُ شَعْرٌ كَشَعْرِ الْقِطَطِ، أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمُ الْهَامَةِ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فتح بابا آخر، فاستخرج مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، صَلْتُ الْجَبِينِ، طَوِيلُ الْخَدِّ، أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ يَتَبَسَّمُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ وَإِذَا، وَاللهِ، رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَبَكَيْنَا. قَالَ: وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ: وَاللهِ، إِنَّهُ لَهُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. إِنَّهُ لَهُوَ كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْبُيُوتِ وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ أَدْمَاءُ سَحْمَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، حَدِيدُ النَّظَرِ، عَابِسٌ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، مُقَلَّصُ الشَّفَةِ، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَى جَنْبِهِ صُورَةٌ تُشْبِهُهُ، إِلَّا أَنَّهُ مِدْهَانُ الرَّأْسِ، عَرِيضُ الْجَبِينِ، فِي عَيْنِهِ قَبَلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا: قَالَ: هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ آدَمَ، سَبْطٍ، رَبْعَةٍ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا: قَالَ: هَذَا لُوطٌ عَلَيْهِ السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، مُشْرَبٌ حُمْرَةٍ، أَقْنَى، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، فقال: هل
تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِسْحَاقُ، عَلَيْهِ السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ تُشْبِهُ إِسْحَاقَ إِلَّا إنَّهُ عَلَى شَفَتِهِ السُّفْلَى خَالٌ، فقال: هل تعرفون هذا؟ قُلْنَا: لَا: قَالَ: هَذَا يَعْقُوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخر، فاستخرج مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضُ، حَسَنُ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنُ الْقَامَةِ، يَعْلُو وَجْهَهُ نُورٌ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ كَأَنَّهَا صُورَةُ آدَمَ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الشَّمْسُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَحْمَرَ، حَمْشِ السَّاقَيْنِ، أَخْفَشَ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمِ الْبَطْنِ، رَبْعَةٍ، مُتَقَلِّدٍ سَيْفًا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا دَاوُدُ، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ ضَخْمِ الْأَلْيَتَيْنِ، طَوِيلِ الرِّجْلَيْنِ، رَاكِبٍ فَرَسٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثم فتح بابا آخر، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ وَإِذَا رَجُلٌ شَابٌّ، شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، كَثِيرُ الشَّعْرِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا عِيسَى بن مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ لَكَم هَذِهِ الصُّوَرُ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ،
عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، لِأَنَّا رَأَيْنَا صُورَةَ نَبِيِّنَا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، وَكَانَ فِي خِزَانَةِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي، وَإِنْ كُنْتُ عَبْدًا لَا يَتْرُكُ مُلْكَهُ حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ أَجَازَنَا فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا، وَسَرَّحَنَا. فَلَمَّا أَتَيْنَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَا، وَمَا قَالَ لَنَا، وَمَا أَجَازَنَا. قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مِسْكِينٌ، لَوْ أَرَادَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (12) ] بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُمْ وَالْيَهُودَ يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَهُمْ [ (13) ] . وَفِي كِتَابِي عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ الْقَاضِيَ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ فَتْحَ «تُسْتَرَ» مَعَ الْأَشْعَرِيِّ [ (14) ] ، فَأَصَبْنَا قَبْرَ دَانْيَالَ بِالسُّوسِ، وَكَانُوا إِذَا اسْتَسْقَوْا خَرَجُوا فَاسْتَسْقَوْا بِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيمَا وَجَدُوا فِيهِ، وَكَانَ فِيمَا وَجَدُوا فِيهِ رَبْعَةً فِيهَا كِتَابٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَجِيرٍ نَصْرَانِيٍّ يُسَمَّى: «نُعَيْمًا» وُهِبَ لَهُ الْكِتَابُ، ثُمَّ فِي إِسْلَامِهِ، ثُمَّ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ. وَإِذَا فِيهِ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (15) ] فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَبْرًا. وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ «مُعَاوِيَةَ» فَأَتْحَفَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ.
قَالَ هَمَّامٌ: فَزَعَمَ فَرْقَدٌ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو تَمِيمَةَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يُغَسِّلُوا دَانْيَالَ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ، وَأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يُوَلِّيَهُ إِلَّا الْمُسْلِمُونَ. قَالَ هَمَّامٌ: فَأَخْبَرَنِي بِسْطَامُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ قَالَ: تَذَاكَرْنَا الْكِتَابَ إِلَى مَا صَارَ فَمَرَّ عَلَيْنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، فَدَعَوْنَاهُ، فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتُمْ: إِنَّ الْكِتَابَ كَانَ عِنْدَ كَعْبٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قال: ألا رجل أتمته عَلَى أَمَانَةٍ يُؤَدِّيهَا. قَالَ شَهْرٌ: قَالَ ابْنُ عَمٍّ لِي يُكْنَى أَبَا لَبِيدٍ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَإِذَا بَلَغْتَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا فَاقْذِفْهُ فِيهِ- يُرِيدُ الْبَحْرَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خِلَافِ الرَّجُلِ وَعَلِمَ كَعْبٌ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ إِنَّهُ فَعَلَ، فَانْفَرَجَ الْمَاءُ فَقَذَفَهُ فِيهِ وَرَجَعَ إِلَى كَعْبٍ فَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ، فَقَالَ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ.
المجلد الثانى
الجزء الثاني السفر الثاني من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة جمّاع أبواب ما ظهر عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم من الآيات بعد ولادته، وقبل مبعثه وما كانت تجري عليه أحواله حتى بعث نبيا صلّى الله عليه وآله وسلّم. جماع أبواب المبعث من الْوَقْتُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم نبيا إلى الهجرة ومتبدأ الأمر بالقتال. جماع أبواب ما ظهر علي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، من الآيات بعد ولادته، وقبل مبعثه، وما كان، تجري عليه أحواله حتى بعث نبيّا، صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
باب ما جاء في شق صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستخراج حظ الشيطان من قلبه، سوى ما مضى في"باب" ذكر رضاعه
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِهِ، سِوَى مَا مَضَى فِي «بَابِ» ذِكْرِ رَضَاعِهِ قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ بِبُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَعْرُوفُ بِدُبَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، ثُمَّ شَقَّ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ [ (1) ] وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ. وَجَعَلَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ- يَعْنِي ظِئْرَهُ [ (2) ]- فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَجَاءُوا وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ [ (3) ] فِي صَدْرِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] عن شيبان، عن حمّاد.
وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ [ (5) ] قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، قَالَ:. سَأَلْتُ سَعِيدًا [ (6) ] عَنْ قَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (7) ] قال: فحدّثني
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِ صَدْرِهِ إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ، فَاسْتُخْرِجَ مِنْهُ قَلْبُهُ فَغُسِلَ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ مُلِئَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [ (8) ] ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعِيدٍ [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سعيد، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو [ (10) ] السُّلَمِيِّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ. أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، كَيْفَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا. فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا فَانْطَلَقَ أَخِي. وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ إِلَيَّ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي [ (11) ] فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فقال
أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ. فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ. فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي. ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذَرَّاهَا فِي قَلْبِي. ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ فَحَاصَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ. قَالَ أَبُو الْفَضْلِ: يَعْنِي يَحُصْهُ: يَخِيطُهُ، وَفِي رِوَايَةِ حَيْوَةَ: حُصْهُ [ (12) ] يَعْنِي خِطْهُ. وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ- فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ. فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أن يحزّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ. فَقَالَا: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ. ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي. وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا. ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، وَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتُبِسَ بِي. فَقَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللهِ. فَرَحَّلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَنِي عَلَى الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي. حَتَّى بَلَغْنَا أُمِّي، فَقَالَتْ أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي. وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ: خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قصور الشام [ (13) ] .
باب ما جاء في إخبار سيف بن ذي يزن عبد المطلب بن هاشم [1] بما يكون من أمر النبي، صلى الله عليه وآله وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ [ (1) ] بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرٍ، [ (2) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قَالَ: حَدَّثَني عَمِّي: أَحْمَدُ بْنُ حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُفَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي زُرْعَةُ بْنُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ عَلَى الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِسَنَتَيْنِ أَتَوْهُ [ (3) ] وُفُودُ الْعَرَبِ وأَشْرَافُهَا وَشُعَرَاؤُهَا لِتُهَنِّئَهُ، وَتَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْ بَلَائِهِ وَطَلَبِهِ بِثَأْرِ قَوْمِهِ. وَأَتَاهُ وَفْدُ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَأَسَدُ [ (4) ] بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَوَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَقُصَيُّ بْنُ عَبْدِ الدَّارِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ آذِنُهُ وَهُوَ فِي رَأْسِ قَصْرٍ يُقَالُ له: غمدان،
وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثّقفي [ (5) ] . اشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقَا ... فِي رَأْسِ غُمْدَانَ دَارًا مِنْكَ مِحْلَالَا [ (6) ] وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ... وَأَسْبِلِ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إِسْبَالَا [ (7) ] تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا- بَعْدُ- أَبْوَالَا [ (8) ] قَالَ: وَالْمَلِكُ مُتَضَمِّخٌ بِالْعَبِيرِ يَلْصِفُ وَبِيصُ [ (9) ] الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ مُرْتَدِيًا بِأَحَدِهِمَا مُتَّزِرًا بِالْآخَرِ، سَيْفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ الْمُلُوكُ وَالْمَقَاوِلُ، فَأُخْبِرَ بِمَكَانِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، [وَدَنَا] [ (10) ] مِنْهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُلُوكِ فَقَدْ أَذِنَّا لَكَ. فَقَالَ: إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَحَلَّكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَحَلًّا رَفِيعًا شَامِخًا بَاذِخًا مَنِيعًا وَأَنْبَتَكَ نَبَاتًا طَابَتْ أَرُومَتُهُ، وَعَظُمَتْ جُرثُومَتُهُ، وَثَبَتَ أَصْلُهُ وَبَسَقَ فَرْعُهُ، في
أَطْيَبِ مَوْضِعٍ وَأَكْرَمِ مَعْدِنٍ، وَأَنْتَ- أَبَيْتَ اللَّعْنَ- مَلِكُ الْعَرَبِ الَّذِي لَهُ تَنْقَادُ، وَعَمُودُهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَادُ، وَمعْقِلُهَا الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، سَلَفُكَ خَيْرُ سَلَفٍ، وَأَنْتَ لَنَا مِنْهُمْ خَيْرُ خَلَفٍ فَلَنْ يَهْلِكَ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ خَلْفُهُ، وَلَنْ يَخْمُلَ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ سَلَفُهُ. نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللهِ [تَعَالَى] [ (11) ] وَسَدَنَةُ بَيْتِ اللهِ، أَشْخَصَنَا إِلَيْكَ الَّذِي أَبْهَجَنَا مِنْ كَشْفِكَ الْكَرْبَ الَّذِي فَدَحَنَا، فَنَحْنُ وَفْدُ التَّهْنِئَةِ لَا وَفْدُ الْمَرْزَأَةِ. قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ: قَالَ: ابْنُ أُخْتِنَا. قَالَ: نَعَمْ. قال: أذنه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا- وَأَرْسَلَهَا مَثَلًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا- وَنَاقَةً وَرَحْلًا، وَمُسْتَنَاخًا سَهْلًا، وَمَلِكًا رِبَحْلًا: يُعْطِي عَطَاءً جَزْلًا، قَدْ سَمِعَ الْمَلِكُ مَقَالَتَكُمْ، وَعَرَفَ قَرَابَتَكُمْ، وَقَبِلَ وَسِيلَتَكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَكُمُ الْكَرَامَةُ مَا أَقَمْتُمْ، وَالْحِبَاءُ إِذَا ظَعَنْتُمْ. ثُمَّ أُنْهِضُوا إِلَى دَارِ الضِّيَافَةِ وَالْوُفُودِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمُ الْأَنْزَالُ فَأَقَامُوا بِذَلِكَ شَهْرًا لَا يَصِلُونَ إليه، ولا يؤذون لَهُمْ فِي الِانْصِرَافِ. ثُمَّ انْتَبَهَ لَهُمُ انْتِبَاهَةً، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنِّي مُفْضٍ إِلَيْكَ مِنْ سِرِّ عِلْمِي أَمْرًا لَوْ غَيْرُكَ يَكُونُ لَمْ أَبُحْ لَهُ بِهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكَ مَعْدِنَهُ فَأَطْلَعْتُكَ طَلْعَهُ، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَخْبِيًّا حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ، وَالْعِلْمِ الْمَخْزُونِ، الَّذِي ادَّخَرْنَاهُ لِأَنْفُسِنَا واحْتَجَبْنَاهُ دُونَ غَيْرِنَا- خَبَرًا [ (12) ] عَظِيمًا وَخَطَرًا جَسِيمًا. فِيهِ شَرَفُ الْحَيَاةِ، وَفَضِيلَةُ الْوَفَاةِ، لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَلِرَهْطِكَ كَافَّةً، وَلَكَ خَاصَّةً. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ [ (13) ] : مَثَلُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ سَرٌّ وَبَرٌّ، فَمَا هُوَ فداك أهل
الْوَبَرِ زُمَرًا بَعْدَ زُمَرٍ؟ قَالَ: إِذَا وُلِدَ بِتِهَامَةَ، غُلَامٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ. كَانَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَلَكُمْ بِهِ الزَّعَامَةُ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، [لَقَدْ] [ (14) ] أُبْتُ بِخَيْرٍ مَا آبَ بِمِثْلِهِ وَافِدُ قَوْمٍ. وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْمَلِكِ، وَإِجْلَالُهُ وَإِعْظَامُهُ، لَسَأَلْتُهُ من سراره [ (15) ] إياي ومَا ازْدَادَ سُرُورًا. قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هَذَا حِينُهُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ، أَوَقَدْ وُلِدَ، اسْمُهُ مُحَمَّدٌ: يَمُوتُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَيَكْفُلُهُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ، قَدْ وَلَدْنَاهُ مِرَارًا، وَاللهُ بَاعِثُهُ جِهَارًا، وَجَاعِلٌ لَهُ مِنَّا أَنْصَارًا، يُعِزُّ بِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ وَيُذِلُّ بِهِمْ أَعْدَاءَهُ، وَيَضْرِبُ بِهِمُ النَّاسَ عَنْ عُرُضٍ، وَيَسْتَفْتِحُ بِهِمْ كَرَائِمَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْبُدُ الرَّحْمَنَ، وَيَدْحَضُ- أَوْ يَدْحَرُ- الشَّيْطَانَ، وَيُخْمِدُ النِّيرَانَ، وَيَكْسِرُ الْأَوْثَانَ، قَوْلُهُ فَصْلٌ، وَحُكْمُهُ عَدْلٌ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُبْطِلُهُ. قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: عَزَّ جَدُّكَ، وَدَامَ مُلْكُكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، فَهَلِ الْمَلِكُ سَارَّنِي بِإِفْصَاحٍ، فَقَدْ وَضَّحَ لِي بَعْضَ الْإِيضَاحِ. قَالَ لَهُ الْمَلِكُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ: وَالْبَيْتِ ذِي الْحُجُبْ، وَالْعَلَامَاتِ عَلَى النُّقُبْ، إِنَّكَ لَجَدُّهُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبْ، غَيْرَ [ذِي] [ (16) ] كَذِبْ. قَالَ: فَخَرَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَاجِدًا [لَهُ] [ (17) ] ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ ذِي يَزَنَ: ارفع
رَأْسَكَ ثَلِجَ صَدْرُكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، فَهَلْ أَحْسَسْتَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ كَانَ لِي ابْنٌ، وَكُنْتُ بِهِ مُعْجَبًا، وَعَلَيْهِ رَفِيقًا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهُ كَرِيمَةً، مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِي: آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَكَفُلْتُهُ أَنَا وَعَمُّهُ. قَالَ لَهُ ابْنُ ذِي يَزَنَ: إِنَّ الَّذِي قُلْتُ لَكَ كَمَا قُلْتُ، فَاحْفَظْهُ [ (18) ] ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ لَهُ أَعْدَاءٌ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلًا وَاطْوِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ دُونَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ مَعَكَ، فَإِنِّي لَسْتُ آمَنُ أَنْ تَتَدَاخَلُهُمُ. النَّفَاسَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكُمُ الرِّئَاسَةُ فَيَنْصِبُونَ لَهُ الْحَبَائِلَ، وَيَبْغُونَ لَهُ الْغَوَائِلَ، وَإِنَّهُمْ [ (19) ] فَاعِلُونَ ذَلِكَ، أَوْ أَبْنَاؤُهُمْ غَيْرَ شَكٍّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُجْتَاحِي قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَسِرْتُ بِخَيْلِي وَرَجْلِي حَتَّى أُصَيِّرَ يَثْرِبَ [ (20) ] دَارَ مُلْكِي، فَإِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ النَّاطِقِ، وَالْعِلْمِ السَّابِقِ: أَنَّ يَثْرِبَ اسْتِحْكَامُ أَمْرِهِ، وَأَهْلُ نُصْرَتِهِ، وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أَقِيهِ الْآفَاتِ، وَأَحْذَرُ عَلَيْهِ الْعَاهَاتِ، لَأَعْلَنْتُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ أَمْرَهُ، وَلَأَوْطَأْتُ عَلَى أَسْنَانِ الْعَرَبِ كَعْبَهُ، وَلَكِنْ سَأَصْرِفُ ذَلِكَ إِلَيْكَ عَنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ بِمَنْ مَعَكَ. ثُمَّ دَعَا بِالْقَوْمِ، فَأَمَرَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ أَعْبُدٍ سُودٍ، وَعَشْرِ إِمَاءٍ سُودٍ، وَحُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَلِ الْبُرُودِ، وَخَمْسَةِ أَرْطَالٍ ذَهَبٍ، وَعَشَرَةِ أَرْطَالِ فِضَّةٍ، وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَكَرِشٍ مَمْلُوءٍ [ (21) ] عَنْبَرًا، وَأَمَرَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِعَشَرَةِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَأْتِنِي بِخَبَرِهِ [ (22) ] ، وَمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ.
قَالَ: فَمَاتَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَالَ: فَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ [ (23) ] عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا يَغْبِطُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ بِجَزِيلِ عَطَاءِ الْمَلِكِ وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ إِلَى نَفَادٍ، وَلَكِنْ يَغْبِطُنِي بِمَا يَبْقَى لِي وَلِعَقِبِي ذِكْرُهُ وَفَخْرُهُ. فَإِذَا قِيلَ: وَمَا هو؟ قال: سَيُعْلَمُ مَا أَقُولُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ. وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ فِي مَسِيرِهِمْ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ أَبْيَاتًا ذَكَرَهَا. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أيضا عن الكبي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (24) ] .
باب ما جاء في استسقاء عبد المطلب بن هاشم وما ظهر فيه من آيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِسْقَاءِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ آيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حُمَيْدُ [بْنُ] [ (2) ] الْخَلَّالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ حُويِّصَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ: رُقَيْقَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ [ (3) ] : تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ جَدْبَةٌ أَقْحَلَتِ الْجِلْدَ، وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ، قَالَتْ: فَبَيْنَا أَنَا وَمَعِي صِنْوِي أَصْغَرُ مِنِّي [ (4) ] مَعَنَا بَهْمَاتٌ لَنَا وَرُبًى [ (5) ] وَأَعْبُدٌ يَرُدُّونَ عَلَيَّ السِّجف، فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدةٌ اللهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ [ (6) ] إِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ صَيِّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ [ (7) ] يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ هَذَا النّبيّ مبعوث
مِنْكُمْ، وَهَذَا إِبَّانَ مَخْرَجِهِ، فَحَيْهَلَا [ (8) ] بِالْخَيْرِ وَالْخِصْبِ، أَلَا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلًا طُوَالًا عُظَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ [ (9) ] عَلَيْهِ، وَسُنَّةٌ تَهْدِي إِلَيْهِ، أَلَا، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ، وَلْيَدْلِفْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ. أَلَا فَلْيُسْقُوا مِنَ الْمَاءِ [ (10) ] ، وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، وَلْيَسْتَلِمُوا الرُّكْنَ، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ أَلَا وَفِيهِمُ الطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ لِذَاتِهِ، وَإِلَّا فَغِثْتُمْ إِذًا مَا شِئْتُمْ وَعِشْتُمْ. قَالَتْ: فَأَصْبَحْتُ- عَلِمَ الله- مفؤودة [ (11) ] مَذْعُورَةً، قَدْ قَفَّ جِلْدِي وَوَلِهَ عَقْلِي، فَاقْتَصَصْتُ رُؤْيَايَ، فَنِمْتُ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فو الحرمة وَالْحَرَمِ إِنْ بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيٌّ إِلَّا قَالَ: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ، هَذَا شَيْبَةُ. وَتَتَمَّتْ [ (12) ] عِنْدَهُ قُرَيْشٌ، وَانْقَضَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ فَشَنُّوا وَطَيَّبُوا واسْتَلَمُوا وَطَافُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفُّونَ [ (13) ] حَوْلَهُ مَا إِنْ يُدْرِكَ سَعْيُهُمْ مَهَلَهُ حَتَّى قَرَّ لِذِرْوَتِهِ، فَاسْتَكَنُّوا [ (14) ] جَنَابَيْهِ، وَمَعَهُمْ [ (15) ] رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ! وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ [ (16) ] ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُنَجَّلٍ [ (17) ] ، وَهَذِهِ عُبَدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ عَذِرَاتُ [ (18) ] حرمك، يشكون
إِلَيْكَ سَنَتَهُمُ الَّتِي قَدْ أَقْحَلَتِ الظِّلْفَ [ (19) ] وَالْخُفَّ. فَاسْمَعَنَّ اللهُمَّ وَأَمْطِرَنَّ غَيْثًا مَرِيعًا مُغْدِقًا. فَمَا رَامُوا الْبَيْتَ حَتَّى انْفَجَرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا. وَكَظَّ [ (20) ] الْوَادِي بِثَجِيجِهِ [ (21) ] ، فَلَسَمِعْتُ شِيخَانَ قُرَيْشٍ وَهِيَ تَقُولُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ هَنِيئًا. أَيْ بِكَ عَاشَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ. وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ رُقَيْقَةُ: بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنَا ... وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ [ (22) ] الْمَطَرُ فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ [ (23) ] لَهُ سُبُلٌ ... دَانٍ فَعَاشَتْ بِهِ الْأَمْصَارُ وَالشَّجَرُ سَيْلٌ مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ مُبَارَكُ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عَدْلٌ وَلَا خَطَرُ وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْبَكَّائِيُّ [ (24) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَحْرُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ، قَالَ: قَالَ عَمِّي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ أَبِي صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ: تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ أَقْحَلَتِ الضَّرْعَ، وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا قَائِمَةٌ اللهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ، إِذَا هَاتِفٌ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ، يَقُولُ: مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إن هذا
النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ مِنْكُمْ قَدْ أَظَلَّتْكُمْ [ (25) ] أَيَّامُهُ، وَهَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ فَحَيَّ هَلَا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ. أَلَا فَانْظُرُوا رَجُلًا مِنْكُمْ وَسِيطًا عُظَامًا جُسَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا، أَوْطَفَ الْأَهْدَابِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ عَلَيْهِ وَسُنَّةٌ، تَهْدِي [ (26) ] إِلَيْهِ، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ وَلْيَهْبِطْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَلْيَشُنُّوا مِنَ الْمَاءِ وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، ثُمَّ لِيَتَسَلَّمُوا الرُّكْنَ، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ، فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ، فَغِثْتُمْ [ (27) ] مَا شِئْتُمْ. فَأَصْبَحْتُ- عَلِمَ اللهُ- مَذْعُورَةً، قَدِ اقْشَعَرَّ جِلْدِي، وَوَلِهَ عقلي، واقتصصت [ (28) ] رؤياي، فو الحرمة وَالْحَرَمِ مَا بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيٌّ إِلَّا قَالُوا: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ. وَتَتَامَّتْ إِلَيْهِ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ، وَهَبَطَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَشَنُّوا وَمَسُّوا واسْتَلَمُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ، وَطَفِقُوا جَنَابَيْهِ مَا يَبْلُغُ سَعْيُهُمْ مَهَلَهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ فَقَالَ: اللهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ مُعَلِّمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُنَجَّلٍ [ (29) ] ، وَهَذِهِ عُبَدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ، بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ، يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ، أَذْهَبَتِ الْخُفَّ وَالظِّلْفَ اللهُمَّ فَأَمْطِرْنَا غيثا مغدقا مريعا. فو الكعبة مَا رَامُوا حَتَّى تَفَجَّرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَاكْتَظَّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ فَتَسَمَّعَتْ [ (30) ] شِيخَانُ قُرَيْشٍ وَجِلَّتُهَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَحَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، يَقُولُونَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ، أَيْ عَاشَ بِكَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مَا تَقُولُ رُقَيْقَةُ:
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ [ (31) ] أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنَا ... لَمَّا فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ لَهُ سَبَلٌ ... سَحًّا فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَامُ وَالشَّجَرُ مَنًّا مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ مُبَارَكُ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عدل ولا خطر [ (32) ]
باب ما جاء في شفقة عبد المطلب بن هاشم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتوصيته أبا طالب به عند وفاته لما كان يرى من آياته، ويسمع من الأحبار وغيرهم فيما يكون من أمره
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَفَقَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَتَوْصِيَتِهِ أَبَا طَالِبٍ بِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ آيَاتِهِ، وَيَسْمَعُ مِنَ الْأَحْبَارِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ الْفَرَّاءُ الْمِصْرِيُّ، بِمَكَّةَ- حَرَسَهَا اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَرُوفِ بْنِ كَامِلٍ الْمَدِينِيُّ، إِمْلَاءً، بِمِصْرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبَانُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ نَظِيفٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ محمود ابن أَحْمَدَ الشَّمْعِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، إِمْلَاءً بِمِصْرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أحمد [ (1) ] ابن يُونُسَ بْنِ مُوسَى السَّامِيُّ الْبَصْرِيُّ، إِمْلَاءً مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هند، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- هُوَ الْهَاشِمِيُّ- عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: رَبِّ رُدَّ إِلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... يَا رَبِّ رُدَّهْ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، بَعَثَ بِابْنٍ لَهُ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ وَلَمْ يَبْعَثْهُ فِي حَاجَةٍ قَطُّ إِلَّا نَجَحَ فِيهَا، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ. قَالَ: فلم
يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَالْإِبِلُ فَاعْتَنَقَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ جَزِعْتُ عَلَيْكَ جَزَعًا لَمْ أَجْزَعْهُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَاللهِ لَا بَعَثْتُكَ فِي حَاجَةٍ أَبَدًا، وَلَا تُفَارِقْنِي بَعْدَ [ (2) ] هَذَا أَبَدًا [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ: خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَرَابِيسِيُّ، بِبُخَارَى، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُفَسِّرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى الفنجار، قَالَ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قَالَ: خَرَجَ حَيْدَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُعْتَمِرًا، فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ عَلَيْهِ مُمَصَّرَتَانِ، وَهُوَ يَطُوفُ بالبيت وهو يقول: رَبِّ رُدَّ إِلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... رُدَّهْ عَلَيَّ واصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَابْنُ سَيِّدِهَا، هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قُلْتُ: فَمَا مُحَمَّدٌ هَذَا مِنْهُ؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ ابْنٍ لَهُ، وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَهُ إِبِلٌ كَثِيرَةٌ، فَإِذَا ضَلَّ مِنْهَا بَعَثَ فِيهَا بَنِيهِ يَطْلُبُونَهَا، وَإِذَا [ (4) ] أَعْيَا بَنُوهُ بَعَثَ ابْنَ ابْنِهِ، وَقَدْ بَعَثَهُ فِي ضَالَّةٍ أَعْيَا عَنْهَا بَنُوهُ، وَقَدِ احتبس عنه. فو الله مَا بَرِحْتُ الْبَلَدَ [ (5) ] حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ وَجَاءَ بِالْإِبِلِ. وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عن
محمد بن إسحاق بن يَسَارٍ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ: كَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، جَدِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالًا لَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَأْتِي حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبَ أَعْمَامُهُ يُؤَخِّرُونَهُ، فَيَقُولُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي. فَيَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ لِبُنَيَّ هَذَا لَشَأْنًا. فَتُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَرَسُولُ اللهِ [ (6) ] ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِيمَا يَزْعُمُونَ يُوصِي أَبَا طَالِبٍ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ وَأَبَا طَالِبٍ لِأُمٍّ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فِيمَا يُوصِيهِ بِهِ، وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مناف: أُوصِيكَ يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي ... بِمُوحَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ فَارَقَهُ وَهُوَ ضَجِيعُ الْمَهْدِ ... فَكُنْتُ كَالْأُمِّ لَهُ فِي الْوَجْدِ وَذَكَرَ أَبْيَاتًا أُخَرَ، وَقَالَ فِيهِنَّ: بَلْ أَحْمَدُ رَجَوْتُهُ [ (7) ] لِلرُّشْدِ ... قَدْ عَلِمَتْ عَلَّامُ أَهْلُ الْعَهْدِ أَنَّ الْفَتَى سَيِّدُ أَهْلِ نَجْدِ ... يَعْلُو عَلَى ذِي الْبَدَنِ الْأَشَدِّ وَقَالَ أَيْضًا: أَوْصَيْتُ مَنْ كَنَّيْتُهُ بِطَالِبِ ... عَبْدَ مَنَافٍ وَهْوَ ذُو تَجَارِبِ بِابْنِ الَّذِي قَدْ غَابَ غَيْرَ آئب
وَذَكَرَ أَبْيَاتًا أُخَرَ، وَقَالَ فِيهِنَّ: فَلَسْتُ بِالْآيِسِ غَيْرِ الرَّاغِبِ ... بِأَنْ يُحِقَّ اللهُ قَوْلَ الرَّاهِبِ [ (8) ] فِيهِ وَأَنْ يَفْضُلُ آلَ غَالِبِ ... إِنِّي سَمِعْتُ أَعْجَبَ الْعَجَائِبِ مِنْ كُلِّ حَبْرٍ عَالِمٍ وَكَاتِبِ ... هَذَا الَّذِي يُقْتَادُ كَالْجَنَائِبِ مَنْ حَلَّ بِالْأَبْطَحِ وَالْأَخَاشِبِ ... أيضا ومن تاب إِلَى الْمَثَاوِبِ مِنْ سَاكِنٍ لِلْحَرْمِ أَوْ مُجَانِبِ
باب ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أبي طالب حين أراد الخروج إلى الشام تاجرا، ورؤية بحيرى [1] الراهب من صفته وآياته ما استدل به على أنه هو النبي الموعود في كتبهم، [صلى الله عليه وآله وسلم] [2]
بَابُ مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَعَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا، وَرُؤْيَةِ بَحِيرَى [ (1) ] الرَّاهِبِ مِنْ صِفَتِهِ وَآيَاتِهِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ فِي كُتُبِهِمْ، [صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ، بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْآدَمِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ. ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بكر: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَادٌ، أَبُو نُوحٍ، [قَالَ] [ (3) ] : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ. وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ. قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، [هَذَا يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] [ (4) ] . فَقَالَ لَهُ
أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا يَسْجُدَانِ [ (5) ] إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فِي أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ. ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ [لَهُمْ] [ (6) ] طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ، وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ. فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ، عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا [ (7) ] بِهِ إِلَى الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَقَتَلُوهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِتِسْعَةٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْأَصَمِّ بِسَبْعَةِ- نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ، وَإِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا. فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: لَا. إِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَ طَرِيقِكَ هَذَا: قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَتَابَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ. قَالَ: فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ فَقَالُوا [ (8) ] : أَبُو طَالِبٍ. فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بِلَالًا، وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ والزيت [ (9) ] .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَخْلُوقٌ يُحَدِّثُ بِهِ غَيْرَ قُرَادٍ [ (10) ] . وَسَمِعَ هَذَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مِنْ قُرَادٍ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بِإِسْنَادِهِ هَذَا مَوْصُولًا. فَأَمَّا الْقِصَّةُ فَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي مَشْهُورَةٌ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ:
وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الَّذِي [يَلِي] [ (12) ] أَمْرَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بَعْدَ جَدِّهِ، كَانَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ فِي رَكْبٍ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا، فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِلرَّحِيلِ وَأَجْمَعَ السَّيْرَ ضَبَّ بِهِ [ (13) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ، وَقَالَ: يَا عَمِّ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ لَا أَبَ لِي وَلَا أُمَّ لِي؟! فَرَقَّ لَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَخْرُجَنَّ بِهِ مَعِي، وَلَا يُفَارِقُنِي وَلَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، أَوْ كَمَا قَالَ: قَالَ: فَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ: بَحِيرَاءُ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ قَطُّ رَاهِبٌ يَصِيرُ عِلْمُهُمْ عَنْ كِتَابٍ فِيهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَلَمَّا نَزَلُوا ذَلِكَ الْعَامَ بِبَحِيرَاءَ، وَكَانُوا كَثِيرًا مِمَّا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ، نَزَلُوا بِهِ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ فِي الرَّكْبِ حِينَ أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٌ بَيْضَاءُ تُظِلُّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ. ثُمَّ أَقْبَلُوا حَتَّى نَزَلُوا بِظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْهُ، فَنَظَرَ إِلَى الْغَمَامَةِ حَتَّى أَظَلَّتِ الشَّجَرَةَ وشَمَّرَتْ [ (14) ] أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَحِيرَاءُ، نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَصُنِعَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرُوا كُلُّكُمْ، صَغِيرُكُمْ وَكَبِيرُكُمْ، وَحُرُّكُمْ وعَبْدُكُمْ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ [ (15) ] يَا بَحِيرَاءُ، إِنَّ لَكَ الْيَوْمَ لَشَأْنًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا فِيمَا مَضَى وَقَدْ كُنَّا نَمُرُّ بِكَ كَثِيرًا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ؟ [ (16) ] فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ.
صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا تَأْكُلُونَ مِنْهُ كُلُّكُمْ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [مِنْ] [ (17) ] بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ فِي رِحَالِ الْقَوْمِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَاءُ فِي الْقَوْمِ وَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ [ (18) ] ، لَا يَتَخَلَّفُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي هَذَا. فَقَالُوا لَهُ [ (19) ] : يَا بَحِيرَى [ (20) ] ، مَا تَخَلَّفَ عَنْكَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إِلَّا غُلَامٌ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، تَخَلَّفَ فِي رِحَالِهِمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرَ هَذَا الطَّعَامَ مَعَكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ الْقَوْمِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، إِنْ هَذَا لَلُؤْمٌ بِنَا أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْنِنَا. قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ مَعَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَاءُ جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ فِي صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ وَتَفَرَّقُوا، قَامَ بَحِيرَاءُ فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ، أَسْأَلُكُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا. وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: لَا تَسَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى شَيْئًا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ. فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ: فبالله إلا ما أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. فَقَالَ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لكَ. فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حاله في نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَاءَ مِنْ صِفَتِهِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ، مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طالب، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: ابْنِي. فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا. قَالَ. فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي. قال: فما
فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ، وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عليه اليهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ، فَأَسْرِعْ بِهِ إِلَى بِلَادِهِ. فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ. فَزَعَمُوا فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ: أَنَّ زُبَيْرًا وَثَمَّامًا وَدَرِيسًا [ (21) ] ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَدْ كَانُوا رَأَوْا مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِي ذَلِكَ السَّفَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ أَشْيَاءَ، فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَاءُ، وَذَكَّرَهُمُ اللهَ، وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ أَجْمَعُوا بِمَا أَرَادُوا لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ وَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ مَسِيرَهُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا أَرَادَ مِنْهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ، وَمَا قَالَ لَهُمْ فِيهِ بَحِيرَاءُ [ (22) ] . وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثَلَاثَ قَصَائِدَ مِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ.
باب ما جاء في حفظ الله، تعالى [1] ، رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعايبها، لما يريد به من كرامته برسالته، حتى بعثه رسولا
بَابُ مَا جَاءَ فِي حِفْظِ اللهِ، تَعَالَى [ (1) ] ، رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فِي شَبِيبَتِهِ عَنْ أقذار الجاهلية ومعايبها، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ بِرِسَالَتِهِ، حَتَّى بَعَثَهُ رَسُولًا * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَشَبَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَكْلَؤُهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (2) ] وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أقذار الجاهلية ومعايبها، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ خُلُقًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الَّتِي تُدَنِّسُ الرِّجَالَ، تَنَزُّهًا وَتَكَرُّمًا، حَتَّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إِلَّا الْأَمِينُ، لِمَا جَمَعَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (3) ] ، فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ [ (4) ] . وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ يَحْفَظُهُ اللهُ، تَعَالَى، بِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِ، فَحَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ
رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَا يَذْكُرُ مِنْ حِفْظِ اللهِ إِيَّاهُ [ (5) ] : إِنِّي لَمَعَ غِلْمَانٍ هُمْ أَسْنَانِي قَدْ جَعَلْنَا أُزُرَنَا عَلَى أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا، نَلْعَبُ بِهَا، إِذْ لَكَمَنِي لَاكِمٌ لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَخْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أخبرنا رَوْحٌ. وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارَزْمِيُّ الْحَافِظُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ: مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ مَعَهُمْ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ، فَقَالَ [لَهُ] [ (7) ] الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ؟ قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ. مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رؤي بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا. لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عن مطر بن الفضل.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ [ (8) ] . وَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ ابن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ. فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِزَارِي فَشُدَّ عَلَيْهِ إِزَارُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (10) ] ، عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الخضرمي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قال:
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ. أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ فِي الْبَيْتِ حِينَ بَنَتْ قُرَيْشٌ الْبَيْتَ. قَالَ: وَأَفْرَدَتْ قُرَيْشٌ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ: الرِّجَالِ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ، وَكَانَتِ النِّسَاءُ تَنْقُلُ الشِّيدَ. قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَخِي. وَكُنَّا نَحْمِلُ عَلَى رِقَابِنَا وَأُزُرُنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ، فَإِذَا غَشِيَنَا النَّاسَ اتَّزَرْنَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [ (11) ] ، أَمَامِي، قَالَ: فَخَرَّ وانْبَطَحَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ: فَجِئْتُ أَسْعَى، وَأَلْقَيْتُ حَجَرِي وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ فَقَالَ [ (12) ] : نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا. فَكُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ، مَخَافَةَ أَنْ يقولوا مجنون. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَهُمُّونَ بِهِ مِنَ النساء إلا ليلتين كلتاهما عَصَمَنِي اللهُ، تَعَالَى [ (13) ] ، فِيهِمَا. قُلْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ فِتْيَانِ مَكَّةَ وَنَحْنُ فِي رِعَايَةِ غَنَمِ أَهْلِنَا، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَسْمُرَ فِيهَا كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ. فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَدَخَلْتُ حَتَّى إِذَا جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ عَزْفًا بِالْغَرابِيلِ وَالْمَزَامِيرِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ تَزَوَّجَ فُلَانٌ فُلَانَةَ. فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ، وَضَرَبَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (14) ] عَلَى أذنيّ، فو الله ما
أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا. ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهُ لَيْلَةً أُخْرَى: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ بِمَكَّةَ، فَفَعَلَ فَدَخَلْتُ فَلَمَّا جِئْتُ مَكَّةَ سَمِعْتُ مِثْلَ الَّذِي سَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ فُلَانٌ نَكَحَ فُلَانَةَ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ، وَضَرَبَ الله على أذنيّ، فو الله مَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ. ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الخبر، فو الله مَا هَمَمْتُ وَلَا عُدْتُ بَعْدَهَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِنُبُوَّتِهِ [ (15) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (16) ] الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ:. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، ويَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: كَانَ صَنَمٌ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُ: إِسَافٌ، أَوْ نَائِلَةُ، يَتَمَسَّحُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا. فَطَافَ رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَا تَمَسَّهُ! فَقَالَ زَيْدٌ: فَطُفْتُ [ (17) ] فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَأَمَسَّنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَلَمْ تُنْهَ؟ قُلْتُ: زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادِهِ: قال زيد: فو الذي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ بِالَّذِي أكرمه وأنزل عليه [ (18) ] .
وَرُوِّينَِا فِي قِصَّةِ بَحِيرَاءَ الرَّاهِبِ حِينَ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى مُتَابَعَةً لِقُرَيْشٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ،: لَا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ والعزّى شيئا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (19) ] أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَمَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. ح. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ [ (20) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَشْهَدُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ. قَالَ: فَسَمِعَ مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا حَتَّى نَقُومَ [ (21) ] خَلْفَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. قَالَ: كَيْفَ نَقُومُ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الْأَصْنَامِ قُبَيْلُ؟ قَالَ: فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ [ (22) ] .
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: تَفْسِيرُ قَوْلِ جَابِرٍ: وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الْأَصْنَامِ، يَعْنِي أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ مَنِ اسْتَلَمَ الْأَصْنَامَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (23) ] قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ يَدِينُ دِينَهَا وَهُمُ الْحُمْسُ [ (24) ] يَقِفُونَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ قُطَّنُ الْبَيْتِ [ (25) ] . وَكَانَتْ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَالْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [ (26) ] فَتَقَدَّمُوا، فَوَقَفُوا مَعَ النَّاسِ بعرفات [ (27) ] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هِشَامٍ [ (28) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (29) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ [بْنُ شَبِيبٍ] [ (30) ] عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بكر، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ [بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ] [ (31) ] ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَهُوَ يَقِفُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، بِعَرَفَاتٍ، مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، حَتَّى يَدْفَعَ مَعَهُمْ، تَوْفِيقًا مِنَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ [ (32) ] . قُلْتُ: قَوْلُهُ: «عَلَى دِينِ قَوْمِهِ» مَعْنَاهُ: عَلَى مَا كَانَ قَدْ بَقِيَ فِيهِمْ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، فِي حَجِّهِمْ وَمَنَاكِحِهِمْ وَبُيُوعِهِمْ، دُونَ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ قَطُّ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ بُغْضِهِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ [ (33) ] الْخَفَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَذْرَمِيُّ، قَالَ. حَدَّثَنَا [ (34) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي «حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ» فَمَا أُحِبُّ أَنْ أُنْكُثَهُ- أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ [ (35) ] وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (36) ] أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا شَهِدْتُ حِلْفًا لِقُرَيْشٍ إِلَّا حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي كُنْتُ نَقَضْتُهُ. قَالَ: وَالْمُطَّيِّبِينَ: هَاشِمٌ، وَأُمَيَّةُ، وَزُهْرَةُ، وَمَخْزُومٌ. كَذَا رُوِيَ هَذَا التَّفْسِيرُ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي قائله. [ (37) ] .
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ [ (38) ] أَنَّهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ [ (39) ] ، وأن النبي،
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، لَمْ يُدْرِكْ حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ. وَزَعَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ هَذَا الْحِلْفَ- يَعْنِي الْأَخِيرَ- الَّذِي عَقَدُوهُ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالْأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ- شَهِدَهُ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَبَنُو أَسَدٍ، وَبَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو تَيْمٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُفَسَّرًا فِي «كِتَابِ السُّنَنِ» [ (40) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] [ (41) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعَانِي إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِكَ أَمَارَةٌ لِنُبُّوتِكَ، رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ وَتُشِيرُ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِكَ، فَحَيْثُ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مَالَ. قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُنِي، وَيُلْهِينِي عَنِ الْبُكَاءِ، وَأَسْمَعُ وَجْبَتَهُ [حِينَ] [ (42) ] يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ [ (43) ] . تَفَرَّدَ بِهِ هَذَا الْحَلَبِيُّ بإسناده [ (44) ]
وهو مجهول [ (45) ] .
باب ما جاء في بناء الكعبة على طريق الاختصار، وما ظهر فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الآثار [1]
بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ عَلَى طَرِيقَ الِاخْتِصَارِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْآثَارِ [ (1) ] قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (3) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. قَالَ: قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ الصَّلَاةَ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ [ (4) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، قَالَ: كَانَ الْبَيْتُ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ [ (6) ] قَالَ: مِنْ تَحْتِهِ مَدًّا [ (7) ] . تَابَعَهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (8) ] يَحْيَى بْنُ [ (9) ] عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ [عن] [ (10) ] ،
أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (11) ] ، إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَقَالَ لَهُمَا: ابْنِيَا لِي بِنَاءً. فَخَطَّ لَهُمَا جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (12) ] ، فَجَعَلَ آدَمُ يَحْفِرُ وَحَوَّاءُ تَنْقِلُ حَتَّى أَجَابَهُ الْمَاءُ، نُودِيَ مِنْ تَحْتِهِ: حَسْبُكَ يَا آدَمُ. فَلَمَّا بَنَيَاهُ أَوْحَى اللهُ، تَعَالَى، [ (13) ] ، إِلَيْهِ: أَنْ يَطُوفَ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا أَوَّلُ بَيْتٍ. ثُمَّ تَنَاسَخَتِ الْقُرُونُ حَتَّى حَجَّهُ نُوحٌ، ثُمَّ تَنَاسَخَتِ الْقُرُونُ حَتَّى رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْهُ. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ هَكَذَا، مَرْفُوعًا [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (15) ] الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قالا: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: حَجَّ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَقَالُوا: بَرَّ نُسُكَكَ يَا آدَمُ [ (16) ] لَقَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ ... إِلَّا مَا كَانَ مِنْ هُودٍ وَصَالِحٍ وَلَقَدْ حَجَّهُ نُوحٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْأَرْضِ مَا كَانَ مِنَ الْغَرَقِ، أَصَابَ الْبَيْتُ مَا أَصَابَ الْأَرْضَ، وَكَانَ الْبَيْتُ رَبْوَةً حَمْرَاءَ، فَبَعَثَ اللهُ تَعَالَى [ (18) ] ، هُودًا، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى مَاتَ. ثُمَّ بَعَثَ اللهُ صَالِحًا، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا بَوَّأَ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (20) ] حَجَّهُ، لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ بَعْدَهُ إِلَّا حَجَّهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، [قَالَ] [ (22) ] أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَأَيُّوبَ [السَّخْتَيَانِيِّ] [ (23) ]- يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ [ (24) ]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال [ (25) ] :
كُنَّا عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، سَلُونِي، فَإِنِّي أَوْشَكْتُ أَنْ أَذْهَبَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ. فَأَكْثَرَ النَّاسُ مَسْأَلَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصْلَحَكَ اللهُ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَقَامَ أَهُوَ كَمَا نُحَدِّثُ [ (26) ] ؟ قَالَ: وَمَا كُنْتَ تُحَدِّثُ؟ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ [ (27) ] ، حِينَ جَاءَ، عَرَضَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ إِسْمَاعِيلَ النُّزُولَ، فَأَبَى أَنْ يَنْزِلَ، فَجَاءَتْ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعْتُهُ لَهُ. فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [ (28) ] : أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمَنَاطِقَ [ (29) ] مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (30) ] وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا [ (31) ] عِنْدَ الْبَيْتِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءُ. ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (32) ] ، مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ [ (33) ] : يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ قَالَتْ ذلك ثلاث مرار، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذًا لا
يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ. وَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ وَقَالَ: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي حَتَّى بَلَغَ: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ (34) ] فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَاعَ، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى- أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- قَالَ: فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ مِنَ الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتِ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، وَسَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا، فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ [سَعَى النَّاسُ] [ (35) ] بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ- تُرِيدُ نَفْسَهَا- ثُمَّ تَسَمَّعَتْ أَيْضًا فَسَمِعَتْ، فَقَالَتْ: قَدْ أُسْمِعْتُ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ يَبْحَثُ بِعَقِبِهِ- أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ [ (36) ] وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهِيَ تَفُورُ بِقَدْرِ مَا تَغْرِفُ. * قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ- أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا. فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، وَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافِي مِنَ الضَّيْعَةِ، فَإِنَّ
هَهُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ. فَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ-[أَوْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمِ] [ (37) ] مُقْبِلِينَ مِنْ كَدَاءَ [ (38) ] فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا [ (39) ] فَقَالُوا: إِنَّهُ لَيَدُورُ، وَلَعَهْدُنَا بِهَذَا، الْوَادِي مَا فِيهِ مَاءٌ! فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا [ (40) ] أَوْ جَرِيَّيْنِ فَرَجَعُوا، فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ. فَأَقْبَلُوا، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ. فَنَزَلُوا مَعَهَا حَتَّى كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ [ (41) ] ، مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ [ (42) ] وَأَعْجَبَهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ [ (43) ] . وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (44) ] ، أَنَّهُ قَالَ لِقُرَيْشٍ: إِنَّهِ كَانَ وُلَاةُ هَذَا الْبَيْتِ قَبْلَكُمْ- أَظُنُّهُ قَالَ طسم- وتهاونوا به [ (45) ] ،
ولم يُعَظِّمُوا حُرْمَتُهُ، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ، تَعَالَى [ (46) ] ثُمَّ وَلِيَتْهُ بَعْدَهُمْ جُرْهُمُ، فَتَهَاوَنُوا بِهِ، ولم يُعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ تَعَالَى. فَلَا تَهَاوَنُوا بِهِ، وَعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ. ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: فجاء إبراهيم [ (47) ] بعد ما تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلَ، لِيُطَالِعَ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ عَنْهُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا [ (48) ] ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ [ (49) ] . فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، وَنَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، وَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ [ (50) ] . فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا. قَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ، وَسَأَلَنَا عَنْ عَيْشِنَا. فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَلِكَ أَبِي [ (51) ] ، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، فَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَطَلَّقَهَا. وَتَزَوَّجَ [ (52) ] مِنْهُمْ أُخْرَى [ (53) ] . فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ، وَنَحْنُ فِي سَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى الله، فقال: ماذا
طَعَامُكُمْ، قَالَتِ: [ (54) ] اللَّحْمُ. قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ. قَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ والْمَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ [ (55) ] كَانَ لَهُمْ حَبٌّ دَعَا لَهُمْ فِيهِ. قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ، بِغَيْرِ مَكَّةَ، إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ [ (56) ] . قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ أَنْ يُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ. وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فسألني عنك فأخبرته، فسألنا كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: وَهَلْ [ (57) ] أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، يَقْرَأُ [ (58) ] عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكَ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ. فَلَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا، يَقُولُ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَأْتِي عَلَى الْبُرَاقِ. ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ سَعِيدٌ: فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ [ (59) ] ، قَالَ معاوية:
وَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: بَكَيَا حَتَّى أَجَابَتْهُمَا الطَّيْرُ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى [ (60) ] يَأْمُرُنِي بِأَمْرٍ [ (61) ] . قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ بِهِ. قَالَ أَفَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا هَا هُنَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ. قَالَ: فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، يَبْنِي، حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، [فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ] [ (62) ] جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ وَهُمَا يَدُورَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ (63) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (64) ] ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. * أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (65) ] أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ- يَعْنِي عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ
[قَالَ] [ (66) ] ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسَافِعٌ الْحَجَبِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّ الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا مَا مَسَّهُمَا مِنْ خَطَايَا بني آدم لأضاء مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَا مَسَّهُمَا مِنْ ذِي عَاهَةٍ وَلَا سَقِيمٍ إِلَّا شُفِيَ [ (67) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: خَرَجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ حَجَرٌ فِي يَدِهِ [ (68) ] ، وَوَرَقٌ فِي الْكَفِّ الْأُخْرَى، فَنَبَتَ [ (69) ] الْوَرَقُ فِي الْهِنْدِ فَمِنْهُ مَا تَرَوْنَ مِنَ الطِّيبِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ فَكَانَ يَاقُوتَةً بَيْضَاءَ يُسْتَضَاءُ بِهَا. فَلَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ فَبَلَغَ مَوْضِعَ الْحَجَرِ، قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ أَضَعُهُ هَهُنَا. فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَ: غَيْرُ هَذَا، فَرَدَّهُ مِرَارًا لَا يَرْضَى بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ [ (70) ] ، فَذَهَبَ مَرَّةً وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَجَرٍ [ (71) ] مِنَ الْهِنْدِ- الَّذِي خَرَجَ بِهِ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ- فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا جَاءَهُ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: مَنْ هو أنشط منك [ (72) ] .
* أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [ (73) ] قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيُّها النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمُ اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تحجوه. فاستجاب له سَمِعَهُ [ (74) ] مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَكَمَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ شَيْءٍ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الأعلى ابن حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا خَالِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَأْنِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْنِيَهَا قُرَيْشٌ. قَالَ: كَانَ بِرَضْمٍ [ (75) ] يابس ليس بمدر [ (76) ] يندوه الْعَنَاقُ، وَتُوضَعُ الْكِسْوَةُ عَلَى الْجُدُرِ، ثُمَّ تُدَلَّى. ثُمَّ إِنَّ سَفِينَةً لِلرُّومِ أَقْبَلَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالشُّعَيْبَةِ [ (77) ] انْكَسَرَتْ، فَسَمِعَتْ بِهَا قُرَيْشٌ، فَرَكِبُوا إِلَيْهَا، وَأَخَذُوا خَشَبَهَا، ورومي يُقَالُ لَهُ: بَلْقُومُ نَجَّارٌ باني. فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، قَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ. فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، ونقلوا
الْحِجَارَةَ مِنْ أَجْيَادِ [ (78) ] الضَّوَاحِي، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَنْقِلُهَا إِذِ انْكَشَفَتْ نَمِرَتُهُ [ (79) ] ، فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ، عَوْرَتَكَ. فَذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ. وَاللهُ أَعْلَمُ. فَمَا رؤيت لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدُ وَلَا قَبْلُ [ (80) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ بِمَروَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَيَّانَ بْنِ مُلَاعِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عن خالد بن عُرْعُرَةَ، [قَالَ] [ (81) ] : سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (82) ] ، عَنْ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا، هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ [ (83) ] فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتِ وُضِعَ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالْهُدَى، وَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمَنَّا. وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ كَيْفَ بِنَاؤُهُ: إِنَّ اللهَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ، [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (84) ] : أَنِ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ، فَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا، فَأَرْسَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَيْهِ السَّكِينَةَ، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ [ (85) ] لَهَا رَأْسٌ، فَاتَّبَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى انْتَهَتْ ثُمَّ تَطَوَّقَتْ إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ تَطَوُّقَ الْحَيَّةِ، فَبَنَى إبراهيم، فكان
يَبْنِي هُوَ سَاقًا كُلَّ يَوْمٍ [ (86) ] ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَكَانَ الْحَجَرِ، قَالَ لِابْنِهِ: ابْغِنِي حَجَرًا، فَالْتَمَسَ ثَمَّ حَجَرًا حَتَّى أَتَاهُ بِهِ، فَوَجَدَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ قَدْ رُكِّبَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَتَّكِلْ عَلَى بِنَائِكَ، جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ السَّمَاءِ فَأَتَمَّهُ [ (87) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (88) ] أَبُو الْحَسَنِ [مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ] [ (89) ] السَّرَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (90) ] أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ ابن عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ: سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (91) ] ، بِمَعْنَاهُ زَادَ: قَالَ فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ. قَالَ: فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ جُرْهُمُ، فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَبَنَتْهُ قريش، ورسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ اخْتَصَمُوا فِيهِ، فَقَالُوا: نُحَكِّمُ بَيْنَنَا أَوَّلَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ. فَقَضَى بَيْنَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي مِرْطٍ، ثُمَّ تَرْفَعُهُ جَمِيعُ الْقَبَائِلِ كُلُّهُمْ [ (92) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، [رحمه الله] [ (93) ] قال:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَيْسٌ، وَسَلَامٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أَنْ هُدِمَ الْبَيْتُ بَعْدَ جُرْهُمٍ، بَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا أَرَادُوا وَضْعَ الْحَجَرِ تَشَاجَرُوا مَنْ يَضَعْهُ، فَاتَّفَقُوا أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ فَوُضِعَ الْحَجَرُ فِي وَسَطِهِ، وَأَمَرَ كُلَّ فَخِذٍ أَنْ يَأْخُذُوا بِطَائِفَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَيَرْفَعُوهُ، وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَضَعَهُ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ [ (94) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ، وَطَارَتْ [ (95) ] شَرَارَةٌ مِنْ مجمرتها في ثياب الكعبة فَاحْتَرَقَتْ، فَهَدَمُوهَا، حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا، فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ: أَيُّ الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ؟ فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا. فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةً مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ، ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رِضًا [ (96) ] حَتَّى دَعَوْهُ الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عليه وحي. فَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا إِلَّا الْتَمَسُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فيها [ (97) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر: محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ: مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ الْفِجَارِ وَبَيْنَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ (98) ] . وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفِجَارُ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَيْسِ [ (99) ] عَيْلَانَ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ بِعُكَاظَ. قَالَ غَيْرُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ اسْتَحَلُّوا فِيهَا الْحُرُمَاتِ، وَفَجَرُوا فِيهَا. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ [ (100) ] : وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بُنْيَانِهَا أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا، مِنْ فَوْقِ الرَّدْمِ الَّذِي صَنَعُوهُ فَأَضَرَّ بِهِ، فَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا الْمَاءُ،
وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَلِيحٌ سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشُدُّوا بُنْيَانَهَا، وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ شَاءُوا، فَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالًا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَيْهَا، لِيَهْدِمُوهَا عَلَى شَفَقٍ وَحَذَرٍ أَنْ يَمْنَعَهُمُ اللهُ الَّذِي أَرَادُوا، فَكَانَ أَوَّلُ رَجُلٍ طَلَعَهَا وَهَدَمَ مِنْهَا شَيْئًا: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَوَا الَّذِي فَعَلَ الْوَلِيدُ تَتَابَعُوا فَوَضَعُوهَا، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا فِي بُنْيَانِهَا [ (101) ] أَحْضَرُوا عُمَّالَهُمْ فَلَمْ يَقْدِرْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْضِيَ أمامه مَوْضِعِ قَدَمِهِ. وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا حَيَّةً قَدْ أَحَاطَتْ بِالْبَيْتِ، رَأْسُهَا عِنْدَ ذَنَبِهَا، فَأَشْفَقُوا مِنْهَا شَفَقَةً شَدِيدَةً، وَخَشَوْا أَنْ يَكُونُوا قَدْ وَقَعُوا مِمَّا عَمِلُوا فِي هَلَكَةٍ. وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ حِرْزَهُمْ، وَمَنَعَتْهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَشَرَفًا لَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ- زَعَمُوا- الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ بِالَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ذَهَبَتِ الْحَيَّةُ فِي السَّمَاءِ وتغيبت منهم، أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: خَطَفَهَا طَائِرٌ فَأَلْقَاهَا نحو جياد. فَلَمَّا سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ- قَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي أَمْرٍ تَبْتَغُونَ بِهِ مَرْضَاةَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ؟ فَإِذَا اجْتَهَدْتُمْ رَأْيَكُمْ وَجَهَدْتُمْ جَهْدَكُمْ- نَظَرْتُمْ فَإِنْ خَلَّى الله [عَزَّ وَجَلَّ] [ (102) ] بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بُنْيَانِهَا [ (103) ] ، فَذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ كَانَ ذَلِكَ وَقَدِ اجْتَهَدْتُمْ [ثُمَّ] [ (104) ] قَالُوا: أَشِرْ عَلَيْنَا. قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ جَمَعْتُمْ لِنَفَقَةِ هَذَا الْبَيْتِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، وَإِنَّكُمْ قَدْ أَخَذْتُمْ فِي هَدْمِهِ، وَبُنْيَانِهِ، عَلَى تَحَاسُدٍ مِنْكُمْ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُقَسِّمُوا أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ عَلَى مَنَازلِكُمْ فِي الْآلِ وَالْأَرْحَامِ، ثُمَّ تُقَسِّمُوا البيت
عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وَلَا تَجْعَلُوا أَحَدَ جَوَانِبِ الْبَيْتِ كَامِلًا، لِكُلٍّ رُبْعٍ، وَلَكِنِ اقْسِمُوهُ نِصْفَيْنِ [ (105) ] [أَيْضًا فَإِنَّ] [ (106) ] كُلَّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْبَيْتِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَلْيُعَيِّنَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْكُمْ نَصِيبَهُ، وَلَا تَجْعَلُنَّ فِي نَفَقَةِ الْبَيْتِ شَيْئًا أَصَبْتُمُوهُ غَصْبًا، وَلَا قَطَعْتُمْ فِيهِ رَحِمًا، وَلَا انْتَهَكْتُمْ فِيهِ ذِمَّةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاقْتَرِعُوا بِفِنَاءِ الْبَيْتِ، وَلَا تَنَازَعُوا وَلَا تَنَافَسُوا، ولْيَصِيرَ [ (107) ] كُلُّ رُبْعٍ مِنْكُمْ مَوْضِعَ سَهْمِهِ، ثُمَّ انْطَلِقُوا بَعُمَّالِكُمْ، فَلَعَلَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَنْ تَخْلُصُوا إِلَيْهَا. فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ الْمُغِيرَةِ رَضُوا بِهِ، وانْتَهَوْا إِلَيْهِ، وَفَعَلُوا الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ. فَيَزْعُمُ عُلَمَاءُ أَوَّلِيَّةِ قُرَيْشٍ: أَنْ بَابَ الْكَعْبَةِ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالنِّصْفِ مِنْ جَانِبِهَا الَّذِي يَلِي الْيَمَنَ- صَارَ فِي سَهْمِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. فَلَمَّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ تَنَافَسُوا فِي رَفْعِهِ، وَتَحَاسَدُوا عَلَيْهِ، فَحَكَّمُوا فِيهِ أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَعَانُوهُ عَلَى رَفْعِهِ عَلَى إِصْلَاحٍ [ (108) ] مِنْهُمْ وَجَمَاعَةٍ. فَيَزْعُمُونَ أَنْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ وَسْطَ ثَوْبٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا بِزَوَايَاهُ وَجَوَانِبِهِ كُلِّهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَجَرَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ مَوْضِعَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ وَزَعَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ أَوَّلِيَّةَ قُرَيْشٍ [كَانُوا يُحَدِّثُونَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ] [ (109) ] لَمَّا اجْتَمَعُوا لِيَنْزَعُوا الْحِجَارَةَ، وانْتَهَوْا إِلَى تَأْسِيسِ إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] [ (110) ]- عَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى حَجَرٍ من الأساس
الْأَوَّلِ، فَرَفَعَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنَ الْأَسَاسِ الْأَوَّلِ، فَأَبْصَرَ الْقَوْمُ بَرْقَةً تَحْتَ الْحَجَرِ كَادَتْ تَلْتَمِعُ بَصَرَ الرَّجُلِ، وَنَزَلَ الْحَجَرُ مِنْ يَدِهِ فَوَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفَزِعَ الرَّجُلُ وَالْبُنَاةُ، فَلَمَّا سَتَرَ عَنْهُمُ الْحَجَرُ مَا تَحْتَهُ عَادُوا إِلَى بُنْيَانِهِمْ، وَقَالُوا: لَا تُحَرِّكُوا هَذَا الْحَجَرَ وَلَا شَيْئًا بِحِذَائِهِ. فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى أُسِّ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَجَدُوا فِي حَجَرٍ مِنْهَا- فَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ ذُكِرَ أَنْهُ فِي أَسْفَلِ الْمَقَامِ- كِتَابًا لَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ حَتَّى جَاءَهُمْ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ الْيَمَنِ فَنَظَرَ إِلَى الْكِتَابِ فَحَدَّثَهُمْ: أَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ، فَاسْتَحْلَفُوهُ: لَتُحَدِّثَنَّا بِمَا فِيهِ، وَلْتَصْدُقَنَّا عَنْهُ. فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ فِيهِ: أَنَا اللهُ ذُو بَكَّةَ، حَرَّمْتُهَا يَوْمَ خلقت السموات وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَيَوْمَ وَضَعْتُ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ، وَحَفَفْتُهُمَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حدثنا محمد ابن إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى، قَالَ: حَدَّثَني [ (111) ] وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، عَنْ أَبِيهِ. أَنَّهُمْ وَجَدُوا كِتَابًا أَسْفَلَ الْمَقَامِ، فَدَعَتْ قُرَيْشٌ رَجُلًا مِنْ حِمْيَرَ فَقَالَ: إِنَّ فِيهِ لَحَرْفًا لَوْ أُحُدِّثَكُمُوهُ لَقَتَلْتُمُونِي. فَظَنَنَّا أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ فَكَتَمْنَاهُ [ (112) ] . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنَ يَسَارٍ. فَذَكَرَ قِصَّةَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَيَنْحَلُونَ هَذَا الْكَلَامَ الْوَلِيدَِ بن
الْمُغِيرَةِ، وَقِيلَ: أَبُو وُهَيْبِ بْنُ عَمْروِ بْنِ عَائِذٍ. وَقَالَ فِي دُخُولِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، قَدْ رَضِينَا بِمَا قَضَى بَيْنَنَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ. وَزَعَمَ أَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْفِجَارِ. بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَرَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِذْ ذَاكَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ: زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كَانَ إِذْ ذَاكَ ابن خمس وعشرين سنة، وَذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ (113) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: مُجَاهِدٌ: بُنِيَ الْبَيْتُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قُلْتُ: وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وغيرهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الْمُقَامَ كَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ مُلْتَصِقًا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَخَّرَهُ عُمَرُ بن الخطاب، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] [ (114) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِي، ابْنُ أُخْتِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عباس: أنّ جبريل أرى إبراهيم، عليهما السّلام، موضع أَنْصَابِ الْحَرَمِ، فَنَصَبَهَا، ثُمَّ جدّدها إسماعيل، ثُمَّ جَدَّدَهَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، ثُمَّ جَدَّدَهَا رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعَثَ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَنَصَبُوا أنصاب الحرم [بموضع أنصاب الْحَرَمِ] [ (115) ] : مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلِ ابن أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأَزْهَرَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ، وَسَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَنَّهَا قَالَتْ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنْ إِسَافًا وَنَائِلَةَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ [ (116) ] .
باب ما كان يشتغل رسول الله [1] صلى الله عليه وآله وسلم، به قبل أن يتزوج خديجة لمعاشه، وما ظهر في ذلك من آياته، حتى رغبت خديجة في نكاحه
بَابُ مَا كَانَ يَشْتَغِلُ رَسُولُ اللهِ [ (1) ] صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ لِمَعَاشِهِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ، حَتَّى رَغِبَتْ خَدِيجَةُ فِي نِكَاحِهِ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ جَدِّهِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا بَعَثَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، نَبِيًّا إِلَّا رَاعِيَ غَنَمٍ. فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَنَا رَعَيْتُهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عمرو ابن يَحْيَى. * أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ سَهْلٍ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ، عن أبي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «آجَرْتُ نَفْسِي مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ» [ (3) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابن إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً، ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُ لَهُمْ مِنْهُ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَا بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ- بَعَثَتْ إِلَيْهِ، فعرضت أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنَ التُّجَّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ: مَيْسَرَةُ. فَقَبِلَهُ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَمَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ، حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، قَرِيبٍ مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ. فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إِلَّا نَبِيٌّ [ (4) ] .
ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، فَاشْتَرَى [ (5) ] مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلًا إِلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ، فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بمالها باعث مَا جَاءَ بِهِ، فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا. وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إِيَّاهُ. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (6) ] بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ. فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ عَمَّا أَخْبَرَهَا بِهِ، بَعَثَتْ إِلَى رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ: يَا ابْنَ عَمٍّ، إِنِّي قَدْ رَغِبَتُ فِيكَ، لِقَرابَتِكَ مِنِّي، وَشَرَفِكَ فِي قَوْمِكَ، وَوَسِيطَتِكَ [ (7) ] فِيهِمْ، وَأَمَانَتِكَ عِنْدَهُمْ، وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ. ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطَ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُمْ مَالًا، وَكُلُّ قَومِهَا قَدْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصي بن كلاب [ (8) ] .
باب ما جاء في تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة، رضي الله عنها
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَدِيجَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَبَلَغَ أَشَدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ- اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ [ (1) ] فَلَمَّا رَجَعَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ. فَلَبِثَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنِيهِ. وكان لَهُ مِنْهَا: الْقَاسِمُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا آخَرَ يُسَمَّى الطَّاهِرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا إِلَّا الْقَاسِمَ. وَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتِهِ أَرْبَعًا: فَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَزَيْنَبَ [ (2) ] . فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنِيهِ، يُحَبَّبُ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حدثنا
جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. تَزَوَّجَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَبُوهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ. فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: الْقَاسِمَ، بِهِ كَانَ يُكْنَى، وَالطَّاهِرَ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ. رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَلَدَهُ كُلَّهُمْ: زَيْنَبَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَرُقَيَّةَ، وَفَاطِمَةَ، وَالْقَاسِمَ، وَالطَّاهِرَ، وَالطَّيِّبَ، فَأَمَّا الْقَاسِمُ، وَالطَّاهِرُ، وَالطَّيِّبُ، فَهَلَكُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وبِالْقَاسِمِ كَانَ يُكْنَى. وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَأَدْرَكْنَ الْإِسْلَامَ، وَهَاجَرْنَ مَعَهُ، وَاتْبَعْنَهُ وَآمَنَّ بِهِ. كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (3) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَدْ بَلَغَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ، وَيَسِيرَ عَلَى النَّجِيبِ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ، [عَزَّ وَجَلَّ] [ (4) ] ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَقَدْ أَصْبَحَ مُحَمَّدٌ أَبْتَرَ مِنِ ابْنِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (5) ] عَلَى نبيه [صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (6) ] إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ
عوضا يا محمد بن نَصِيبَكَ بِالْقَاسِمِ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (7) ] . كَذَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. [وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِيهِ] [ (8) ] . وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي شَانِئُ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: مَنْ شَنَأَهُ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَهُوَ الْأَبْتَرُ [ (9) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَدَتْ خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، غُلَامَيْنِ، وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ. الْقَاسِمَ، وَعَبْدَ اللهِ، وَفَاطِمَةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: أَكْبَرُ وَلَدِ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، الْقَاسِمُ، ثُمَّ زَيْنَبُ، ثُمَّ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ رُقَيَّةُ. قَالَ مُصْعَبٌ: هُمْ هَكَذَا: الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، ثم
مَاتَ الْقَاسِمُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَيِّتٍ مِنْ وَلَدِهِ، مَاتَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ بَلَغَتْ خَدِيجَةُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَيُقَالُ خَمْسِينَ سَنَةً. وَهُوَ أَصَحُّ [ (10) ] . وَرُوِّينَا عَنْ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيِّ أَنَّ فَاطِمَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (11) ] ، وُلِدَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنْ مَوْلدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عمر ابن أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ ابن يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِقْسَمٍ: أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ. أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ إِذَا سَمِعَ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ عَنْ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، خَدِيجَةَ، وَمَا يُكْثِرُونَ فِيهِ، يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا. إِنِّي كُنْتُ لَهُ تِرْبًا، وَكُنْتُ لَهُ إِلْفًا وَخِدْنًا، وَإِنِّي خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ذَاتَ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَزْوَرَةِ [ (12) ] أَجَزْنَا عَلَى أُخْتِ خَدِيجَةَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى أُدُمٍ تَبِيعُهَا، فَنَادَتْنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهَا، وَوَقَفَ لِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَمَا لِصَاحِبِكَ هَذَا مِنْ حَاجَةٍ فِي تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ؟ قَالَ عَمَّارٌ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: بَلَى، لَعَمْرِي، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ: اغْدُوَا عَلَيْنَا إِذَا أَصْبَحْنَا. فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ ذَبَحُوا بَقَرَةً، وَأَلْبَسُوا أَبَا خَدِيجَةَ حُلَّةً، وَصُفِّرَتْ لِحْيَتُهُ، وَكَلَّمَتْ أَخَاهَا، فَكَلَّمَ أَبَاهُ وَقَدْ سُقِيَ خَمْرًا، فَذَكَرَ لَهُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَكَانَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يزوجه.
فَزَوَّجَهُ خَدِيجَةَ، وَصَنَعُوا مِنَ الْبَقَرَةِ طَعَامًا، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، وَنَامَ أَبُوهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ صاحيا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْحُلَّةُ، وَهَذِهِ النَّقِيعَةُ، وَهَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ الَّتِي كَانَتْ كَلَّمَتْ عَمَّارًا: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاهَا [ (13) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ خَتَنُكَ، وَبَقَرَةٌ أَهْدَاهَا لَكَ، فَذَبَحْنَاهَا حِينَ زَوَّجْتَهُ خَدِيجَةَ. فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهُ، وَخَرَجَ يَصِيحُ حَتَّى جَاءَ الْحِجْرَ، وَخَرَجَتْ بَنُو هَاشِمٍ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءُوهُ، فَكَلَّمُوهُ، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُكُمُ الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنِّي زَوَّجْتُهُ؟ فَبَرَزَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ زَوَّجْتُهُ فَسَبِيلُ ذَاكَ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ فَقَدْ زَوَّجْتُهُ. قال الموصلي: وَالْمُجْتَمَعُ أَنَّ عَمَّهَا عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ الَّذِي زَوَّجَهَا [ (14) ] . قَالَ وَفِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللهُ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، زُوِّجَ بِهَا وَهُوَ ابن خمس وعشرين سَنَةً، قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ نَبِيًّا بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ [قَالَ] [ (15) ] حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: وَفِيمَا كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُؤَمَّلِيُّ [ (16) ] : عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عَمَرَو بْنَ أَسَدٍ زَوَّجَ خَدِيجَةَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ. * وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ أَبَا خَدِيجَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ- أَظُنُّهُ قَالَ: - سكران [ (17) ] .
باب ما جاء في إخبار الأحبار والرهبان قبل أن يبعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسولا، بما يجدونه عندهم في كتبهم من خروجه، وصدقه في رسالته، واستفتاحهم به على أهل الشرك
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ رَسُولًا، بِمَا يَجِدُونَهُ عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ خُرُوجِهِ، وَصِدْقِهِ فِي رِسَالَتِهِ، واسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَتِ الْأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، هُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَبِزَمَانِهِ الَّذِي يُتَرَقَّبُ فِيهِ- مِنَ الْعَرَبِ، لِمَا يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَمَا أُثْبِتَ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنِ اسْمِهِ، وَبِمَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ لَهُ، فِي عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ وَكُتُبِهِمْ، فِي اتِّبَاعِهِ، فَيَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَيُخْبِرُونَهُمْ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ [ (1) ] بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْمُهُ: أَحْمَدُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَجِدُونَهُ كَذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ. يَقُولُ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (3) ] وقال:
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ كُلَّهَا [ (4) ] . وَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [ (5) ] الْآيَةَ كُلَّهَا. وَقَوْلُهُ: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [ (6) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ أُمِّيِّينَ لَا يَدْرُسُونَ كِتَابًا، وَلَا يَعْرِفُونَ مِنَ الرُّسُلِ عَهْدًا، وَلَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً، إِلَّا شَيْئًا يَسْمَعُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَثْبُتُ فِي صُدُورِهِمْ. فَكَانَ فِيمَا بَلَغَنَا مِنْ حَدِيثِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (7) ] بِزَمَانٍ. فَذَكَرَ [ (8) ] مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (9) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (10) ] أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ [بُكَيْرٍ] [ (11) ] ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي [الْأَشْيَاخُ] [ (12) ] مِنَّا، قَالُوا: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بِشَأْنِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِنَّا: كَانَ مَعَنَا يَهُوَدُ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَكُنَّا أَصْحَابَ وَثَنٍ، وَكُنَّا إِذَا بَلَغْنَا مِنْهُمْ مَا يكرهون،
قَالُوا: إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثًا الْآنَ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتَّبِعُهُ، فَنَقْتُلُكُمْ قَتْلَ عَادٍ وإِرَمَ. فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، رسوله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، اتَّبَعْنَاهُ وَكَفَرُوا بِهِ. فَفِينَا وَاللهِ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [ (13) ] الْآيَةَ كُلَّهَا [ (14) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: اللهُمَّ ابْعَثْ لَنَا هَذَا النَّبِيَّ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ، يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ: أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى النَّاسِ. * أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (15) ] عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ، بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ يَهُوَدُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ، فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُوَدُ خَيْبَرَ، فَعَاذَتِ الْيَهُودُ، بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَتِ: اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ- إِلَّا نَصَرَتْنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَهَزَمُوا غَطَفَانَ. فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كَفَرُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ يَعْنِي بِكَ يَا مُحَمَّدُ
عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى قَوْلِهِ: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [ (16) ] وَرُوِيَ مَعْنَاهُ أَيْضًا، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ:. أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِرُسُلِهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ. فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [ (17) ] وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِرُسُلِهِمْ، وَبِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ، [صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (18) ] آمَنُوا بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [ (19) ] .
ذكر خبر اليهودي من بني عبد الأشهل
ذِكْرُ خَبَرِ الْيَهُودِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ * أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا يَهُوَدِيٌّ، فَخَرَجَ عَلَى نَادِي قَوْمِهِ: بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ، فَقَالَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ وَثَنٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ مَوْتٍ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ- وَفِي رِوَايَةِ الْقَاضِي وَيْلَكَ يَا فُلَانُ- وَهَذَا كَائِنٌ: أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّيَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ: أَنْ تُوقِدُوا أَعْظَمُ تَنُّورٍ فِي دَارِكُمْ، فَتُحْمُونَهُ، ثُمَّ تَقْذِفُونِي فِيهِ، ثُمَّ تُطَيِّنُونَ عَلَيَّ، وَأَنِّي أَنْجُو مِنَ النَّارِ غَدًا. فَقِيلَ: يَا فُلَانُ، فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَاحِيَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ- قَالُوا: فَمَتَى تَرَاهُ؟ فَرَمَى بِطَرْفِهِ، فَرَآنِي وَأَنَا مُضْطَجِعٌ بِفِنَاءِ بَابِ أَهْلِي، وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِذْ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ
فَمَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَحَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَآمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. فَقُلْنَا لَهُ: يَا فُلَانُ، أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ مَا قُلْتَ وَأَخْبَرْتَنَا؟ قَالَ: لَيْسَ به [ (1) ] .
ذكر سبب إسلام ابني سعية
ذِكْرُ سَبَبِ إِسْلَامِ ابْنَيْ سَعْيَةَ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ [بْنِ قَتَادَةَ] [ (1) ] ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي عَمَّا كَانَ إِسْلَامِ أُسَيْدٍ، وَثَعْلَبَةَ، ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ [ (2) ] بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٌ مِنْ هَذْلٍ، لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ، كَانُوا فَوْقَ ذَاكَ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيَّبَانِ [ (3) ] ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ خَيْرًا مِنْهُ. فَقَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِسَنَتَيْنِ، فَكُنَّا إِذَا قَحِطْنَا، وَقَلَّ عَلَيْنَا الْمَطَرُ نَقُولُ: يَا ابْنَ الْهَيَّبَانِ، اخْرُجْ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ، حَتَّى تُقَدِّمُوا أَمَامَ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً. فَنَقُولُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ
شَعِيرٍ. فَنُخْرِجُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا، وَنَحْنُ معه، فيستسقي، فو الله مَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى تَمُرَّ الشِّعَابُ. قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ. فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنَّمَا أَخْرَجَنِي أَتَوَقَّعُ [ (4) ] خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ [ (5) ] ، هَذِهِ الْبِلَادُ مُهَاجَرُهُ، فَأَتَّبِعُهُ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ إِذَا خَرَجَ. يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ، بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ، فَلَا يَمْنَعُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ. ثُمَّ مَاتَ. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي فُتِحَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ، قَالَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاللهِ إِنَّهُ لَلَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ. فَقَالُوا: مَا هُوَ بِهِ. قَالُوا: بَلَى وَاللهِ، إِنَّهُ لَصِفَتُهُ [ (6) ] ثُمَّ نَزَلُوا، فَأَسْلَمُوا وَخَلُّوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَهَالِيهِمْ [ (7) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا فَتَحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
ذكر سبب إسلام سلمان الفارسي، رضي الله عنه
ذِكْرُ سَبَبِ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (1) ] فِي «زِيَادَاتِ الْفَوَائِدِ» قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَانَا صَدِيقَيْنِ لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَتَيَاهُ، أَنْ يُكَلِّمَ لَهُمَا سَلْمَانَ: أَنْ يُحَدِّثَهُمَا بِحَدِيثِهِ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلَامِهِ؟ فَأَقْبَلَا مَعَهُ حَتَّى لَقَوْا سَلْمَانَ، وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، أَمِيرًا [ (2) ] عَلَيْهَا، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ، وَإِذَا خُوصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَشُقُّهُ [ (3) ] . قَالَا: فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ هَذَيْنِ لِي صَدِيقَانِ [ (4) ] ، وَلَهُمَا إِخَاءٌ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إسلامك؟
قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ [ (5) ] ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِ [ (6) ] رَامَهُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ [يُعَلِّمُهُ] [ (7) ] ، فَلَزِمْتُهُ لِأَكُونَ فِي كَنَفِهِ. وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرَ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا فِي نَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلَامًا فَقِيرًا، فَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ الْجَبَلَ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّرًا، قَالَ: فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَلِمَ لَا تَذْهَبُ بِي مَعَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ غُلَامٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ، قَالَ: قُلْتُ: لَا تَخَفْ. قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلٍ [ (8) ] ، لَهُمْ عِبَادَةٌ وَلَهُمْ صَلَاحٌ، يَذْكُرُونَ اللهَ [تَعَالَى] [ (9) ] ، وَيَذْكُرُونَ الْآخِرَةَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيرَانِ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِينٍ، قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِمْ. قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُمْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ فَيَعْلَمَ أَبِي، فَيقْتُلَ الْقَوْمَ، فَيَجْرِيَ هَلَاكُهُمْ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: قُلْتُ: لَمْ يَظْهَرْ مِنِّي ذَلِكَ. فَاسْتَأْمَرَهُمْ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: عِنْدِي غُلَامٌ يَتِيمٌ [ (10) ] فَأَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُمْ وَيَسْمَعَ كَلَامَكُمْ، قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَجِيءَ مِنْهُ إِلَّا مَا أحب. قالوا: فجيء بِهِ. فَقَالَ لِي: قَدِ اسْتَأْذَنْتُ الْقَوْمَ أَنْ تَجِيءَ مَعِيَ، فَإِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي [ (11) ] رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيهَا فَأْتِنِي، وَلَا يَعْلَمُ بِكَ أَحَدٌ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ تَبِعْتُهُ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ، فانتهينا
فِيهِ إِلَيْهِمْ. فَإِذَا هُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأُرَاهُ قَالَ: هُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ. قَالَ: وَكَأَنَّ الرُّوحَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ: يَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ، يَأْكُلُونَ الشَّجَرَ وَمَا وَجَدُوا. فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ فَأَثْنَى ابْنُ الدِّهْقَانِ عَلَيَّ خَيْرًا. فَتَكَلَّمُوا فَحَمِدُوا اللهَ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ، فَقَالُوا: بَعَثَهُ اللهُ، وَوُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ، بَعَثَهُ اللهُ رَسُولًا، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ابْتَلَى بِهِ خَلْقَهُ، قَالَ: وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلَامُ، إِنَّ لَكَ رَبًّا، وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا إِلَيْهِمَا تَصِيرُ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالَةٍ، فَلَا يَرْضَى اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] ، بِمَا يَصْنَعُونَ، وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ. فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا الْغُلَامُ انْصَرَفَ. وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ. ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ. وَلَزِمْتُهُمْ فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ إِنَّكَ غُلَامٌ، وَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ مَا نَصْنَعُ، فَصَلِّ، وَنَمْ، وَكُلْ، وَاشْرَبْ. قَالَ: فَاطَّلَعَ الْمَلِكُ عَلَى صَنِيعِ ابْنِهِ، فَرَكِبَ فِي الْخَيْلِ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَدْ جَاوَرْتُمُونِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوْا مِنِّي سُوءًا فَعَمِدْتُمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدْتُمُوهُ عَلَيَّ، قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَدَرْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بِرْطِيلَكُمْ هَذَا، فَالْحَقُوا بِبِلَادِكُمْ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِنِّي إِلَيْكُمْ سُوءٌ، قَالُوا: نَعَمْ. مَا تَعَمَّدْنَا مَسَاءَتَكَ، وَلَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. فَكَفَّ ابْنُهُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ، فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللهِ، وَإِنَّ أَبَاكَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ، إِنَّمَا هُمْ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ، فَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ.
قَالَ: يَا سَلْمَانُ، هُوَ كَمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ عَنِ الْقَوْمِ بُقْيًا عَلَيْهِمْ: إِنْ تَبِعْتُ الْقَوْمَ طَلَبَني أَبِي فِي الْخَيْلِ، وَقَدْ جَزَعَ مِنْ إِتْيَانِي إِيَّاهُمْ حَتَّى طَرَدَهُمْ [ (13) ] ، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَيْدِيهِمْ، وقالت: أَنْتَ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَنَا مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِي فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ. فَأَتَيْتُهُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ فَكَانَ مَا رَأَيْتَ. اتَّقِ اللهَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ وَلَا يَذْكُرُونَهُ، فَلَا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا: نَحْنُ نَصُومُ النَّهَارَ، وَنَقُومُ اللَّيْلَ، وَنَأْكُلُ الشَّجَرَ وَمَا أَصَبْنَا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: لَا أُفَارِقُكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَدْ أَعْلَمْنَاكَ حَالَنَا، فَإِذَا أَتَيْتَ [ (14) ] فَاطْلُبْ حِذَاءً يَكُونُ مَعَكَ، وَاحْمِلْ مَعَكَ شَيْئًا تَأْكُلُهُ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَا نَسْتَطِيعُ نَحْنُ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَلَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَأَبَى، فَأَتَيْتُهُمْ فَتَحَمَّلُوا فَكَانُوا يَمْشُونَ وَأَمْشِي مَعَهُمْ، فَرَزَقَ اللهُ السَّلَامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَوْصِلَ، فَأَتَيْنَا بِيْعَةً بِالْمَوْصِلِ، فَلَمَّا دَخَلُوا حَفُّوا بِهِمْ وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اللهَ [تَعَالَى] [ (15) ] ، بِهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ [ (16) ] فَطَرَدُونَا، فَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالُوا: يَا سَلْمَانُ إِنَّ هَهُنَا قَوْمًا فِي هَذِهِ الْجِبَالِ هُمْ أَهْلُ دِينٍ، وَإِنَّا نُرِيدُ لِقَاءَهُمْ. فَكُنْ أَنْتَ هَهُنَا مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَسَتَرَى مِنْهُمْ مَا تُحِبُّ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ. قَالَ [ (17) ] : وَأَوْصُوا بِي أَهْلَ الْبِيعَةِ، فَقَالَ أَهْلُ الْبِيْعَةِ: أَقِمْ مَعَنَا يَا غُلَامُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ يَسَعُنَا. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ، فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُمْ، فَأَصْبَحْنَا بَيْنَ جِبَالٍ فإذا
صَخْرَةٌ وَمَاءٌ كَثِيرٌ فِي جِرَارٍ [ (18) ] وَخُبْزٌ كَثِيرٌ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْجِبَالِ، يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ، كَأَنَّ الْأَرْوَاحَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرُوا فَرَحَّبُوا بِهِمْ وَحَفُّوا، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ. لَمْ نَرَكُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى [ (19) ] ، فِيهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ، وَكُنَّا نَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى [ (20) ] فَطَرَدُونَا. فَقَالُوا: مَا هَذَا الْغُلَامُ؟ قَالَ: فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا. قال: فو الله إِنَّهُمْ لَكَذَا، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ رَجُلٌ طُوَالٌ، فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ، فَحَفُّوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ أَصْحَابِي الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ، وَأَحْدَقُوا بِهِ، فَقَالَ [ (21) ] لَهُمْ: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مَعَكُمْ؟ فَأَثْنَوْا عَلَيَّ خَيْرًا، وَأَخْبَرُوهُ بِاتِّبَاعِي إِيَّاهُمْ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ إِعْظَامِهِمْ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَرْسَلَ اللهُ، تَعَالَى، مِنْ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَمَا لَقَوْا وَمَا صُنِعَ بِهِمْ، حَتَّى ذَكَرَ مَوْلِدَ عيسى بن مَرْيَمَ وَأَنَّهُ وُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ [ (22) ] ، فَبَعَثَهُ رَسُولًا، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصَ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلَ، وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعْثَهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ. وَذَكَرَ بَعْضَ مَا لَقِيَ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَبْدًا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ [تعالى] [ (23) ] . وهو يعظمهم وَيَقُولُ: اتَّقُوا اللهَ، وَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (24) ] ، وَلَا تُخَالِفُوا فَيُخَالَفَ بِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ من هذا شيئا
فَلْيَأْخُذْ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُومُ فَيَأْخُذُ الْجَرَّةَ مِنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّيْءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِينَ جِئْتُ مَعَهُمْ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَظَّمُوهُ، فَقَالَ لَهُمُ: الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَفَرَّقُوا، وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا. فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، هَذَا دِينُ اللهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُولُهُ، وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْكُفْرُ. قَالَ: قُلْتُ: مَا أُفَارِقُكَ. قال: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعِي، إِنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلَّا كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَيْنُونَةِ مَعِي. قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: يَا غُلَامُ، إنَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: يَا غُلَامُ، فَإِنِّي أُعْلِمُكَ الْآنَ أَنِّي أَدْخُلُ هَذَا الْكَهْفَ، وَلَا أَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا [ (25) ] الْأَحَدَ الْآخَرَ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا فُلَانُ، هَذَا غُلَامٌ وَيُخَافُ عَلَيْهِ [ (26) ] قَالَ: قَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: إِنِّي لَا أُفَارِقُكَ. فَبَكَى أَصْحَابِي الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ عِنْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّايَ، فَقَالَ: خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا تَرَى أَنَّهُ يَكْفِيكَ إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ، وَخُذْ مِنْ هَذَا الْمَاءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ. فَفَعَلْتُ وَتَفَرَّقُوا، وَذَهَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ الْكَهْفَ فِي الْجَبَلِ، وَقَالَ: ضَعْ مَا مَعَكَ وَكُلْ وَاشْرَبْ. وَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ خَلْفَهُ أُصَلِّي، قَالَ: فَانْفَتَلَ إِلَيَّ وَقَالَ [ (27) ] : إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا، وَلَكِنْ صَلِّ وَنَمْ وَكُلْ وَاشْرَبْ. فَفَعَلْتُ فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا وَلَا طَاعِمًا، إِلَّا رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ: خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ وَانْطَلِقْ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ أَتَّبِعُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ، وَاجْتَمَعُوا إِلَى الصَّخْرَةِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَقَعَدُوا وَعَادَ فِي حَدِيثِهِ نَحْوَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَقَالَ: الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أنّ عيسى بن مريم كان عبدا
لِلَّهِ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَنِي. فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا فُلَانٍ، كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الْغُلَامَ؟ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَقَالَ خَيْرًا، فَحَمِدُوا اللهَ تَعَالَى، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيرٌ وَمَاءٌ، فَأَخَذُوا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ بِقَدْرِ مَا يَكْتَفِي بِهِ. فَفَعَلْتُ. وَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الْجِبَالِ وَرَجَعَ إِلَى كَهْفِهِ، وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ: يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمِ أَحَدٍ فَيَخْرُجُونَ مَعَهُ فَيَحُفُّونَ بِهِ [ (28) ] وَيوصِيهِمْ بِمَا كَانَ يُوصِيهِمْ بِهِ، فَخَرَجَ فِي أَحَدٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا حَمِدَ اللهَ وَوَعَظَهُمْ وَقَالَ مِثْلَ مَا كَانَ يَقُولُ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ آخِرَ ذَلِكَ: يَا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُ قَدْ كَبِرَ سِنِّي [ (29) ] ، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَإِنَّهُ لَا عَهْدَ لِي بِهَذَا الْبَيْتِ مُنْذُ كَذَا [ (30) ] وَلَا بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: فَجَزِعَ الْقَوْمُ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ جَزَعِهِمْ، وَقَالُوا: يَا أَبَا فُلَانٍ أَنْتَ كَبِيرٌ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُصِيبَكَ الشَّيْءُ، ولسنا وأَحْوَجُ مَا كُنَّا إِلَيْكَ. قَالَ: لَا تُرَاجِعُونِي، لَا بُدَّ لِي مِنْ إِتْيَانِهِ، وَلَكِنِ اسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا، وَافْعَلُوا وَافْعَلُوا. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، قَدْ رَأَيْتَ حَالِيَ وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، إِنَّمَا أَمْشِي، أَصُومُ النَّهَارَ، وَأَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَادًا وَلَا غَيْرَهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى هَذَا. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالُوا [ (31) ] : يَا أَبَا فُلَانٍ، إِنَّا نَخَافُ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ. قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ، قَدْ أَعْلَمْتُهُ الْحَالَ، وَقَدْ رَأَى مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا. فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ. قَالَ: فَبَكَوْا وَوَدَّعُوهُ، وَقَالَ لَهُمُ: اتَّقُوا اللهَ، وَكُونُوا عَلَى مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، فَإِنْ أَعِشْ فَلَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، وَقَالَ: لِي احمل معك من هذا الخبز
شَيْئًا تَأْكُلْهُ. فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ يَمْشِي وَأَتَّبِعُهُ، يَذْكُرُ اللهَ وَلَا يَلْتَفِتُ، وَلَا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى، قَالَ: يَا سَلْمَانُ، صَلِّ أَنْتَ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ. ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يُصَلِّي، إِلَى أَنِ انْتَهَيْنَا [ (32) ] إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِذَا أَمْسَى حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِذَا عَلَى الْبَابِ مُقْعَدٌ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، قَدْ تَرَى حَالِي فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ. فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ [ (33) ] أَمْكِنَةً مِنَ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، إِنِّي لَمْ أَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَجِدْ طَعْمَ نَوْمٍ، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ لِي أَنْ تُوقِظَنِي إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا- نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَإِلَّا لَمْ أَنَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، قَالَ: فَانْظُرْ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَيْقِظْنِي إِذَا غَلَبَتْنِي عَيْنِي. فَنَامَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، لَأَدَعَنَّهُ ينام حتى يشتفي مِنَ النَّوْمِ. وَكَانَ فِيمَا يَمْشِي، وَأَنَا مَعَهُ، يُقْبِلُ عَلَيَّ فَيَعِظُنِي وَيخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًّا، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ [ (34) ] جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا، وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُني نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ الْقَوْمَ يَوْمَ الْأَحَدِ، حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ- وَكَانَ رَجُلًا أَعْجَمِيًّا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ تِهَامَةَ ولا محمد- عَلَامَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، لايقبل الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ فَقَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَشَيْخٌ [ (35) ] كَبِيرٌ وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ. قُلْتُ: وإن أمرني بترك دينك وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَإِنْ أَمَرَكَ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ، وَرِضَا الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ. قَالَ:
فَلَمْ يَمْضِ إِلَّا يَسِيرًا [ (36) ] حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعًا يَذْكُرُ اللهَ، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ مَضَى الْفَيْءُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَلَمْ أَذْكُرِ اللهَ، أَيْنَ مَا جَعَلْتَ لِي عَلَى نَفْسِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُسْتَشْفَى [ (37) ] مِنَ النَّوْمِ. فَحَمِدَ اللهَ وَقَامَ فَخَرَجَ، فَتَبِعْتُهُ فَمَرَّ بِالْمُقْعَدِ، فَقَالَ الْمُقْعَدُ: يَا عَبْدَ اللهِ دخلت فسألتك فلمن تُعْطِنِي، وَخَرَجْتَ فَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي. فَقَامَ يَنْظُرُ هَلْ يَرَى أَحَدًا فَلَمْ يَرَهُ، فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ، فَقَالَ: قُمْ بِاسْمِ اللهِ فَقَامَ، كَأَنَّهُ نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، صَحِيحًا لَا عَيْبَ فِيهِ [ (38) ] فَخَلَّاهُ [ (39) ] عَنْ يَدِهِ فَانْطَلَقَ ذَاهِبًا، وَكَانَ لَا يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي الْمُقْعَدُ: يَا غُلَامُ احْمِلْ عَلَيَّ ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُبَشِّرَ أَهْلِي. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَانْطَلَقَ لَا يَلْوِي عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ أَطْلُبُهُ، وَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ قَالُوا: أَمَامَكَ، حَتَّى لَقِيَنِي الرَّكْبُ مِنْ كَلْبٍ فَسَأَلْتُهُمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا الفتى أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعِيرَهُ فَحَمَلَنِي خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَوْا بِي بِلَادَهُمْ. قَالَ: فَبَاعُونِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا. وَقَدْ مَرَّ [ (40) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأُخْبِرْتُ بِهِ، فَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ تَمْرِ حَائِطِي فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِلْقَوْمِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ. ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ، ثم أتيته
فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا قُلْتُ: هَدِيَّةٌ. قَالَ: بِسْمِ اللهِ. فَأَكَلَ وَأَكَلَ الْقَوْمُ. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ مِنْ آيَاتِهِ كَانَ صَاحِبِي رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَقُولَ: تِهَامَةُ، قَالَ: تُهْمَةُ. وَقَالَ: أَحْمَدُ. فَدُرْتُ خَلْفَهُ، فَفَطِنَ لِي فَأَرْخَى ثَوْبَهُ فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَتَبَيَّنْتُهُ، ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مَمْلُوكٌ. فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي وَحَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ، قَالَ: لِمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا. قَالَ: يَا أبابكر، قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: اشْتَرِهْ. فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَنِي، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَلْبَثَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَقُولُ فِي دِينِ النَّصَارَى؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَلَا فِي دِينِهِمْ. فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ وَرَأَيْتُ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ أَخَذَ بِيَدِ الْمُقْعَدِ، فَأَقَامَهُ اللهُ عَلَى يَدِهِ [ (41) ] ، لَا خَيْرَ فِي هَؤُلَاءِ وَلَا فِي دِينِهِمْ. فَانْصَرَفْتُ وَفِي نَفْسِي مَا شَاءَ اللهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [ (42) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: عَلَيَّ سَلْمَانُ. فَأَتَانِي الرَّسُولُ فَدَعَانِي وَأَنَا خَائِفٌ، فَجِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ [ (43) ] . فَقَالَ يَا سَلْمَانُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ كُنْتَ مَعَهُمْ وَصَاحِبُكَ لَمْ يَكُونُوا نَصَارَى، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَهُوَ أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: وَإِنْ أمرني بترك دينك وما أَنْتَ عَلَيْهِ فَأَتْرُكُهُ؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَاتْرُكْهُ، فَإِنَّ الْحَقَّ وَمَا يُحِبُّ اللهُ فِيمَا يَأْمُرُكَ بِهِ [ (44) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيُّ [ (45) ] ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ، وَكَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا شَدِيدًا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَا وَلَدِهِ، فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ. وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ [ (46) ] النَّارِ [الَّذِي يُوقِدُهَا] [ (47) ] وَلَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، فَكُنْتُ كَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ، حَتَّى بَنَى أبي بنيانا له،
وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ لِي مِنِ اطِّلَاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا فَأْمُرْهُمْ [ (48) ] بِكَذَا وَكَذَا وَلَا تَحْتَبِسَنَّ عَنِّي، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي شَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ النَّصَارَى يُصَلُّونَ. فَدَخَلْتُ أَنْظُرُ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِمْ. فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كُلِّ وِجْهَةٍ [ (49) ] حَتَّى جِئْتُهُ حِينَ أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى ضَيْعَتِهِ، فَقَالَ أَبِي: أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ؟ فَقُلْتُ [ (50) ] : يَا أَبَتَاهُ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُقَالُ لَهُمُ: النَّصَارَى، فَأَعْجَبَنِي صَلَوَاتُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ. فَقَالَ [ (51) ] : أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ. فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ. فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا، وَحَبَسَنِي فِي بَيْتٍ عِنْدَهُ، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: بِالشَّامِ. فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فَآذِنُونِي. قَالُوا: نَفْعَلُ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ فِي تِجَارَتِهِمْ. فَبَعَثُوا إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا تُجَّارٌ مِنْ تُجَّارِنَا. فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ فَآذِنُونِي. فَقَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَوْا حَوَائِجَهَمْ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ بَعَثُوا إِلَيَّ بِذَلِكَ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ الَّذِي فِي رِجْلَيَّ وَلَحِقْتُ بِهِمْ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ. فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ فَقَالُوا: الْأَسْقُفُّ [ (52) ] صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ. فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أن أكون
مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدُ اللهَ مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ الْخَيْرَ. قَالَ: فَكُنْ مَعِي. قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوهَا إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ. فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ، كَانَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، حَتَّى إِذَا جَمَعْتُمُوهَا إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ. فَقَالُوا: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ لَكُمْ كَنْزَهُ. فَقَالُوا: فَهَاتِهِ. فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: وَاللهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا. فَصَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَرَمَوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ [ (53) ] مَكَانَهُ. فَلَا وَاللهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَشَدَّ اجْتِهَادًا، وَلَا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا مِنْهُ. مَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ، قَبْلَهُ، حُبَّهُ. فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ، قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا، قَطُّ، حبّك، فماذا تأمرني؟ إلى مَنْ تُوصِينِي؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ فَائْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي. فَلَمَّا مَاتَ [وَغُيِّبَ] [ (54) ] لَحِقْتُ بِالْمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ وَأَكُونَ مَعَكَ. قَالَ: فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ وقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي [ (55) ] ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ، أَيْ بُنَيَّ، إِلَّا رَجُلٌ بِنَصِيبِينَ وَهُوَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ. فَلَمَّا دَفَنَّاهُ. لَحِقْتُ بِالْآخَرِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ أَوْصَانِي إِلَيْكَ. قَالَ: فَأَقِمْ يَا بُنَيَّ. فَأَقَمْتُ
عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، وَقَدْ كَانَ فُلَانٌ أَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَاني فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَاني فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ لِي [ (56) ] : أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَارَيْتُهُ، خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى صَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي غُنَيْمَةٌ وَبَقَرَاتٌ. ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَيْكَ، وقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، [تَعَالَى] [ (57) ] ، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهَ. وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ، إِلَى أَرْضٍ سَبِخَةٍ ذَاتِ نَخِيلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلَامَاتٍ لَا تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةِ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ. فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي مَعَكُمْ حَتَّى تَقْدَمُوا [ (58) ] بِي أَرْضَ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ غَنِيمَتِي هَذِهِ وَبَقَرَاتِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، وَحَمَلُونِي حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ، بِوَادِي الْقُرَى. فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي وَمَا حَقَّتْ عِنْدِي، حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، مِنْ يَهُودِ وَادِيَ الْقُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي الَّذِي كُنْتُ عِنْدَهُ، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمَ بِي الْمَدِينَةَ. فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُ نِعْمَتَهُ، فَأَقَمْتُ في رقّ مع
صَاحِبِي. وَبَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، بِمَكَّةَ لَا يَذْكُرُ لِي شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ [ (59) ] مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِي نَخْلَةٍ لَهُ. فو الله إِنِّي لَفِيهَا إِذْ جَاءَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ [ (60) ] قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ [ (61) ] ، وَاللهِ إِنَّهُمُ الْآنَ لَفِي قُبَاءَ مُجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ مِنْ مَكَّةَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُهَا، فَأَخَذَتْنِي «الْعُرَوَاءُ» [ (62) ]- يَقُولُ «الرَّعْدَةُ» - حَتَّى ظَنَنْتُ لَأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي. وَنَزَلْتُ أَقُولُ: مَا هَذَا الْخَبَرُ؟ مَا هُوَ؟ فَرَفَعَ مَوْلَايَ يَدَهُ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ قِبَلَ [ (63) ] عَمَلِكَ. فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ، إِنَّمَا سَمِعْتُ خَبَرًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ. فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ من طعام، فحلمته وَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ الْبِلَادِ [بِهِ] [ (64) ] فَهَا هُوَ ذَا فَكُلْ مِنْهُ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِيَدِهِ، وَقَالَ: لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ خَلَّةٌ مِمَّا وَصَفَ لِي صَاحِبِي. ثُمَّ رَجَعْتُ، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَمَعْتُ شَيْئًا كَانَ عِنْدِي ثُمَّ جئته به، فقلت: إن قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ وَكَرَامَةٌ لَيْسَتْ بِالصَّدَقَةِ. فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ. فَقُلْتُ: هَذِهِ خَلَّتَانِ. ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتْبَعُ جَنَازَةً وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ [ (65) ] لِي، وَهُوَ في
أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ بِهِ لَأَنْظُرَ إِلَى الْخَاتَمِ فِي ظَهْرِهِ. فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ شَيْئًا قَدْ وُصِفَ لِي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي. فَقَالَ: تَحَوَّلْ يَا سَلْمَانُ هَكَذَا. فَتَحَوَّلْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَحَبَّ أَنْ يُسْمِعَ أَصْحَابَهُ حَدِيثِي عَنْهُ. فَحَدَّثْتُهُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثْتُكَ. فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ. فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. وَأَعَانَنِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِالنَّخْلِ: ثَلَاثِينَ وَدِيَّةً [ (66) ] . وعشرين وديّة، وعشر، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا عِنْدَهُ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: فَقِّرْ لَهَا [ (67) ] فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي. فَفَقَّرْتُهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي- يَقُولُ حَفَرْتُ لَهَا حَيْثُ تُوضَعُ- حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا. ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا فَخَرَجَ مَعِي حَتَّى جَاءَهَا، وَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَيْهِ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ، وَيُسَوِّي عَلَيْهَا. فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَبَقِيَتْ عَلَيَّ الدَّرَاهِمُ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْفَارِسِيُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَاتَبُ؟ فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ يَا سَلْمَانُ، فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سيؤدي بها عنك. فو الذي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ لَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِمْ وَعُتِقَ سَلْمَانُ. وَكَانَ الرِّقُّ قَدْ حَبَسَنِي حَتَّى فَاتَنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بَدْرٌ وَأُحُدٌ، ثُمَّ عُتِقْتُ فَشَهِدْتُ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ [ (68) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِصَدَقَةٍ فَرَدَّهَا، وَأَتَيْتُهُ بِهَدِيَّةٍ فَقَبِلَهَا [ (69) ] . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: أَعْطَانِي النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِثْلَ هَذِهِ مِنْ ذَهَبٍ- وَحَلَّقَ شَرِيكٌ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى الْإِبْهَامِ مِثْلَ الدِّرْهَمِ. قَالَ: فَلَوْ وُضِعَ أُحُدٌ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ فِي أُخْرَى لَرَجَحَتْ بِهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: لَمَّا أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ذَلِكَ الذَّهَبَ فَقَالَ: اقْضِ بِهِ عَنْكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ فقلّبها رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَذَفَهَا إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهَا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى [ (70) ] سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ.
فَانْطَلَقْتُ فَوزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً [ (71) ] . * وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحَدَّثَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، فَقَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ صَاحِبَ عَمُّورِيَّةَ قَالَ لِسَلْمَانَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: ائْتِ غَيْضَتَيْنِ [ (72) ] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِنَّ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةً، يَعْتَرِضُهُ ذَوُو الْأَسْقَامِ، فَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ مِنْ مَرَضٍ إِلَّا شُفِيَ، فَسَلْهُ عَنْ هَذَا الدِّينِ الَّذِي تَسْأَلُنِي عَنْهُ: عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقَمْتُ بِهَا سَنَةً، حَتَّى خَرَجَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ إِحْدَى الْغَيْضَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى. وَإِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ مُسْتَجِيزًا [ (73) ] أَوْ مُسْتَخْفِيًا. فَخَرَجَ وَغَلَبَنِي عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى دَخَلَ فِي الْغَيْضَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا حَتَّى مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْكِبُهُ، فَأَخَذْتُ بِهِ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ، الْحَنِيفِيَّةُ دِينُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ بِهَذَا الْحَرَمِ، يُبْعَثُ بِذَلِكَ الدِّينِ. فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ لَقَدْ رأيت عيسى بن مَرْيَمَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [ (74) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوَارِبِيُّ، بِوَاسِطَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّهِيدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةُ عَشَرَ، مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ [ (75) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
ذكر حديث قس بن ساعدة الإيادي [1]
ذِكْرُ حَدِيثِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشُّعَيْثِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي طَاهِرٍ المحمّد أباذي، لَفْظًا، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو لُبَابَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيُّ» ؟ قَالُوا: هَلَكَ. قَالَ: «أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلَامًا مَا أَرَى أَنِّي أَحْفَظُهُ» . فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: نَحْنُ نَحْفَظُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: هَاتُوا. قَالَ: فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِنَّهُ وَقَفَ بِسُوقِ عُكَاظَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا وَعُوا: كُلُّ مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَكُلُّ من
مات فات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. لَيْلٌ داج، وسماء ذات أبراج، وَنُجُومٌ تَزْهَرُ، وَبِحَارٌ تَزْخَرُ، وَجِبَالٌ مُرْسَاةٌ، وَأَنْهَارٌ مُجْرَاةٌ. إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا. أَرَى النَّاسَ يَمُرُّونَ [ (2) ] وَلَا يَرْجِعُونَ، أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ، يُقْسِمُ قُسٌّ قَسَمًا بِاللهِ لَا إِثْمَ فِيهِ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى [ (3) ] دِينًا هُوَ أَرْضَى مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول: في الذاهبين الأولين من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ ... لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ ورأيت قومي نَحْوَهَا يَمْضِي الْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرْ ... أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ * [وحَدَّثَنَا] [ (4) ] أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرْضَخٍ الْإِخْمِيمِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ: سَعِيدُ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ، فَقَالُوا: هَلَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «لَقَدْ شَهِدْتُهُ فِي الْمَوْسِمِ بِعُكَاظَ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ- أَوْ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ- وَهُوَ يُنَادِي فِي النَّاسِ» : أَيُّهَا الناس، اجتمعوا واستمعوا وَعُوا، وَاتَّعِظُوا تَنْتَفِعُوا: مَنْ عاش مات،
وَمَنْ مَاتَ فَاتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا: نُجُومٌ تَغُورْ وَلَا تَغُورْ [ (5) ] ، وَبِحَارٌ تَفُورْ، وَلَا تَفُورْ [ (6) ] ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعْ، وَمِهَادٌ مَوْضُوعْ. وَأَنْهَارٌ مَنْبُوعْ. أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بِاللهِ لَا كَذِبًا وَلَا إِثْمًا: لَيَتْبَعَنَّ الْأَمْرَ سَخَطًا، وَلَئِنْ كَانَ [فِي] [ (7) ] بَعْضِهِ رِضًا، إِنَّ فِي بَعْضِهِ لَسَخَطًا [ (8) ] . وَمَا هَذَا بِاللَّعِبِ، وَإِنَّ مِنْ وَرَاءِ هَذَا لَلْعَجَبَ. أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بِاللهِ لَا كَذِبًا وَلَا إِثْمًا: إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى لَهُ مِنْ دِينٍ نَحْنُ عَلَيْهِ. مَا بَالُ النَّاسِ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «ثُمَّ أَنْشَدَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ لَمْ أَحْفَظْهَا عَنْهُ» . فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (9) ] ، فَقَالَ: أَنَا حَضَرْتُ ذَلِكَ الْمَقَامَ، وَحَفِظْتُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا هِيَ؟» فَقَالَ [لَهُ] [ (10) ] أَبُو بَكْرٍ: قَالَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ فِي آخر كلامه: في الذاهبين الأولين ... من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رأيت مواردا للمو ... ت لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا ... يَمْضِي الْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرْ لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا ... لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، عَلَى وَفْدِ إِيَادٍ، فَقَالَ: هَلْ وُجِدَ لِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَصِيَّةٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، وَجَدْنَا [ (11) ] لَهُ صَحِيفَةً تَحْتَ رَأْسِهِ مَكْتُوبٌ فِيهَا: يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْأَمْوَاتُ فِي جَدَثٍ ... عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا ثَوبِهِمْ خِرَقُ دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ ... كَمَا يُنَبَّهُ مِنْ نَوْمَاتِهِ الصَّعِقُ مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمَوْتَى فِي ثِيَابِهِمُ ... مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْأَوْرَقُ الْخَلَقُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ آمَنَ [ (12) ] قُسٌّ بِالْبَعْثِ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو أحمد ابن عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَاسِبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ، السَّمْتِيُّ [ (13) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوٍ مِنْ مَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يَرْوِي شِعْرَهُ؟ فأنشدوه. لم يذكر أبابكر الصديق [رضي الله عنه] [ (14) ] وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَصِيَّةَ. وَهَذَا يَتَفَرَّدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ مَتْرُوكٌ [ (15) ] .
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: الْوَلِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ عِيسَى الْفُسْطَاطِيُّ، بِمَكَّةَ، مِنْ حِفْظِهِ- وَزَعَمَ أَنَّ لَهُ خَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ- عَلَى بَابِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد ابن عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي: عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ الْجَارُودُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- وَكَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ، مُطَاعًا عَظِيمًا فِي عَشِيرَتِهِ: مُطَاعَ الْأَمْرِ [ (16) ] رَفِيعَ الْقَدْرِ، عَظِيمَ الْخَطَرِ، ظَاهِرَ الْأَدَبِ، شَامِخَ الْحَسَبِ، بَدِيعَ الْجَمَالِ، حَسَنَ الْفِعَالِ، ذَا مَنَعَةٍ وَمَالٍ- فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنْ ذَوِي الْأَخْطَارِ وَالْأَقْدَارِ، وَالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْفَصَاحَةِ وَالْبُرْهَانِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، عَلَى نَاقَةٍ كَالْفَحْلِ الْفَنِيقِ قَدْ جَنَّبُوا الْجِيَادَ، وَأَعَدُّوا لِلْجِلَادِ، مُجِدِّينَ فِي سَيْرِهِمْ، حَازِمِينَ فِي أَمْرِهِمْ، يَسِيرُونَ ذَمِيلًا، وَيَقْطَعُونَ مِيلًا فَمِيلًا، حَتَّى أَنَاخُوا عِنْدَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. فَأَقْبَلَ الْجَارُودُ عَلَى قومه والمشائخ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، هَذَا مُحَمَّدٌ الْأَغَرُّ، سَيِّدُ الْعَرَبِ، وَخَيْرُ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِذَا دَخَلْتُمْ عَلَيْهِ، وَوَقَفْتُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَحْسِنُوا عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَقِلُّوا عِنْدَهُ الْكَلَامَ. فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْهُمَامُ وَالْأَسَدُ الضِّرْغَامُ، لَنْ نَتَكَلَّمَ إِذَا حَضَرْتَ وَلَنْ [ (17) ] نُجَاوِزَ إِذَا أَمَرْتَ، فَقُلْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّا سَامِعُونَ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّا تَابِعُونَ. فَنَهَضَ الْجَارُودُ فِي كُلِّ كَمِيٍّ صِنْدِيدٍ، قَدْ دَوَّمُوا
الْعَمَائِمَ، وَتَرَدُّوا بِالصَّمَائِمِ [ (18) ] ، يَجُرُّونَ أَسْيَافَهُمْ وَيَسْحَبُونَ أَذْيَالَهُمْ، يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، وَيَتَذَاكَرُونَ مَنَاقِبَ الْأَخْيَارِ، لَا يَتَكَلَّمُونَ طَوِيلًا، وَلَا يَسْكُتُونَ عِيًّا: إِنْ أَمَرَهَمُ ائْتَمَرُوا، وَإِنْ زَجَرَهُمُ ازْدَجَرُوا، كَأَنَّهُمْ أُسْدُ غِيلٍ يَقْدِمُهَا ذُو لَبُؤَةٍ مَهُولٍ [ (19) ] ، حَتَّى مَثَلُوا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. فَلَمَّا دَخَلَ الْقَوْمُ الْمَسْجِدَ، وأَبْصَرَهُمْ أَهْلُ الْمَشْهَدِ، دَلَفَ الْجَارُودُ أَمَامَ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَحَسَرَ لِثَامَهُ وَأَحْسَنَ سَلَامَهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ الْهُدَى أَتَتْكَ رِجَالٌ ... قَطَعَتْ فَدْفَدًا وَآلًا فَآلَا وَطَوَتْ نَحْوَكَ الصَّحَاصِحَ طُرًّا ... لَا تَخَالُ الْكَلَالَ فِيكَ كَلَالَا كُلُّ دَهْمَاءَ يَقْصُرُ الطَّرْفُ عَنْهَا ... أَرْقَلَتْهَا قِلَاصُنَا إِرْقَالَا وَطَوَتْهَا الْجِيَادُ تَجْمَحُ فِيهَا ... بكُمَاةٍ كَأَنْجُمٍ تَتَلَالَا تَبْتَغِي دَفْعَ بَأْسِ يَوْمٍ عَبُوسٍ ... أَوْجَلَ الْقَلْبَ ذِكْرُهُ ثُمَّ هَالَا فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ذَلِكَ فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، وَرَفَعَ مَجْلِسَهُ وَحَبَاهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَقَالَ: يَا جَارُودُ، لَقَدْ تَأَخَّرَ بِكَ وَبِقَوْمِكَ الْمَوْعِدُ، وَطَالَ بِكُمُ الْأَمَدُ [ (20) ] . قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ أَخْطَأَكَ قَصْدُهُ، وَعَدِمَ رُشْدَهُ، وَتِلْكَ وَايْمُ اللهِ أَكْبَرُ خَيْبَةٍ، وَأَعْظَمُ حَوَبَةٍ، وَالرَّائِدُ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَلَا يَغُشُّ نَفْسَهُ. لَقَدْ جِئْتَ بِالْحَقِّ، وَنَطَقْتُ بِالصِّدْقِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا واخْتَارَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِيًّا، لَقَدْ وَجَدْتُ وَصْفَكَ فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَقَدْ بَشَّرَ بِكَ [ابْنُ] [ (21) ] الْبَتُولِ، وَطُولُ التَّحِيَّةِ لَكَ وَالشُّكْرُ لِمَنْ أَكْرَمَكَ وَأَرْسَلَكَ، لَا أَثَرَ بَعْدَ
عَيْنٍ، وَلَا شَكَّ بَعْدَ يَقِينٍ. مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: فَآمَنَ الْجَارُودُ، وَآمَنَ مِنْ قَوْمِهِ كُلُّ سَيِّدٍ، وَسُرَّ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِهِمْ سُرُورًا، وَابْتَهَجَ حُبُورًا، وَقَالَ: يَا جَارُودُ، هَلْ فِي جَمَاعَةِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مَنْ يَعْرِفُ لَنْا قُسًّا،؟ قَالَ: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْمِي كُنْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ وَأَطْلُبُ خَبَرَهُ: كَانَ قُسٌّ سِبْطًا مِنْ أَسْبَاطِ الْعَرَبِ، صَحِيحَ النَّسَبِ، فَصِيحًا إِذَا خَطَبَ، ذَا شَيْبَةٍ حَسَنَةٍ. عُمِّرَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، يَتَقَفَّرُ الْقِفَارَ، لَا تُكِنُّهُ دَارٌ، وَلَا يُقِرُّهُ قَرَارٌ، يَتَحَسَّى فِي تَقَفُّرِهِ بَيْضَ النَّعَامِ، وَيَأْنَسُ بِالْوَحْشِ وَالْهَوَامِّ، يَلْبَسُ الْمُسُوحَ وَيَتْبَعُ السُّيَّاحَ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ، لَا يَفْتُرُ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ، مُقِرٌّ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، تُضْرَبُ بِحِكْمَتِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُكْشَفُ بِهِ الْأَهْوَالُ، وَتَتْبَعُهُ الْأَبْدَالُ. أَدْرَكَ رَأْسَ الْحَوَارِيِّينَ سَمْعَانَ! فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَأَلَّهَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَعْبَدُ مَنْ تَعَبَّدَ فِي الْحِقَبِ، وَأَيْقَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَحَذَّرَ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ وَالْمَآبِ، وَوَعَظَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْفَوْتِ. الْحَسَنُ الْأَلْفَاظِ، الْخَاطِبُ بِسُوقِ عُكَاظَ، الْعَالِمُ بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ، وَيَابِسٍ وَرَطْبٍ، وَأُجَاجٍ وَعَذْبٍ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَالْعَرَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، يُقْسِمُ بِالرَّبِ الَّذِي هُوَ لَهُ لَيَبْلُغَنَّ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَلَيُوَفَّيَنَّ كُلُّ عَامَلٍ عَمَلَهُ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: هَاجَ لِلْقَلْبِ [ (22) ] مِنْ جَوَاهُ ادِّكَارُ ... وَلَيَالٍ خِلَالَهُنَّ نَهَارُ وَنُجُومٌ يَحُثُّهَا قَمَرُ اللَّيْلِ ... وَشَمْسٌ فِي كلّ يوم تدار ضوؤها يَطْمِسُ الْعُيُونَ وَرِعَادٌ [ (23) ] ... شَدِيدٌ فِي الْخَافِقَيْنِ مُطَارُ وَغُلَامٌ وَأَشْمَطٌ وَرَضِيعٌ ... كُلُّهُمْ فِي التراب يوما يزار
وَقُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ حَوَتِ الْخَيْرَ ... وَأُخْرَى خَلَتْ فَهُنَّ قِفَارُ وَكَثِيرٌ مِمَّا يُقَصِّرُ عَنْهُ ... جَوْسَةُ النَّاظِرِ الَّذِي لَا يَحَارُ وَالَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ دَلَّ عَلَى ... اللهِ نُفُوسًا لَهَا هُدًى وَاعْتِبَارُ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ،: عَلَى رِسْلِكَ يَا جَارُودُ، فَلَسْتُ أَنْسَاهُ بِسُوقِ عُكَاظَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَوْرَقَ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مُونَقٍ، مَا أَظُنُّ أَنِّي أَحْفَظُهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ يَحْفَظُ لَنَا مِنْهُ شَيْئًا؟ فَوَثَبَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَحْفَظُهُ، وَكُنْتُ حَاضِرًا ذَلِكَ الْيَوْمَ بِسُوقِ عُكَاظٍ حِينَ خَطَبَ فَأَطْنَبَ، وَرَغَّبَ وَرَهَّبَ، وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ، فَقَالَ [ (24) ] فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، فَإِذَا [ (25) ] وَعَيْتُمْ فَانْتَفِعُوا: إِنَّهُ مَنْ عَاشَ مَاتْ، وَمَنْ مَاتَ فَاتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ، مَطَرٌ وَنَبَاتْ، وَأَرْزَاقٌ وَأَقْوَاتْ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتْ، وَأَحْيَاءٌ وَأَمْوَاتْ، جَمِيعٌ وَأَشْتَاتْ، وَآيَاتٌ بَعْدَ آيَاتْ. إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، لَيْلٌ دَاجْ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجْ [وَأَرْضٌ ذَاتُ رِتَاجْ] [ (26) ] وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجْ. مَالِيَ أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا بِالْمُقَامِ فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا هُنَاكَ فَنَامُوا؟ أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا [حَقًّا] [ (27) ] لَا حَانِثًا فِيهِ وَلَا آثِمًا: إِنَّ الله تَعَالَى [ (28) ] دِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، ونَبِيًّا قَدْ حَانَ حِينُهُ، وَأَظَلَّكُمْ أَوَانُهُ، وَأَدْرَكَكُمْ إِبَّانُهُ، فَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِهِ فَهَدَاهُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ خَالَفَهُ وَعَصَاهُ. ثُمَّ قَالَ: تَبًّا لِأَرْبَابِ الْغَفْلَةِ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَالْقُرُونِ الماضية. يا
مَعْشَرَ إِيَادٍ، أَيْنَ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ؟ وَأَيْنَ الْمَرِيضُ وَالْعُوَّادُ؟ وَأَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟ أَيْنَ مَنْ بَنَى وَشَيَّدَ؟! وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ؟! وَغَرَّهُ الْمَالُ وَالْوَلَدُ؟! أَيْنَ مَنْ بَغَى وَطَغَى، وَجَمَعَ فَأَوْعَى، وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى؟! أَلَمْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْكُمْ أَمْوَالًا، وَأَبْعَدَ مِنْكُمْ آمَالًا، وَأَطْوَلَ مِنْكُمْ آجَالًا؟! طَحَنَهُمُ الثَّرَى بِكَلْكَلِهِ، وَمَزَّقَهُمْ بِتَطَاوُلِهِ، فَتِلْكَ عِظَامُهُمْ بَالِيَةٌ، وَبُيُوتُهُمْ خَالِيَةٌ، عَمَرَتْهَا الذِّئَابُ الْعَاوِيَةُ [ (29) ] ، كَلَّا، بَلْ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْمَعْبُودُ، لَيْسَ بِوَالدٍ وَلَا مَوْلُودٍ!! ثم أنشأ يقول: في الذاهبين الأولين ... من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رأيت مواردا للمو ... ت لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَا ... يَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا ... لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ. فَقَامَ [ (30) ] رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ جَبَلٍ، ذُو هَامَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَامَةٍ جَسِيمَةٍ، قَدْ دَوَّمَ عَمَامَتَهُ، وَأَرْخَى ذُؤَابَتَهُ، مُنِيفٌ أَنُوفٌ أَحْدَقُ [ (31) ] أَجَشُّ الصَّوْتِ، فَقَالَ: يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ قُسٍّ عَجَبًا، وَشَهِدْتُ مِنْهُ مَرْغَبًا. فَقَالَ: وَمَا الَّذِي رَأَيْتَهُ مِنْهُ وَحَفِظْتَهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي شَرَدَ مِنِّي كُنْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ [ (32) ] وَأَطْلُبُ خَبَرَهُ، فِي نَتَائِفَ حَقَائِفَ [ (33) ] ، ذَاتِ دَعَادِعَ وَزَعَازِعَ، لَيْسَ بِهَا لِلرَّكْبِ مَقِيلٌ، ولا لغير الجن [ (34) ]
سَبِيلٌ، وَإِذَا أَنَا بِمَوْئِلٍ مَهُولٍ فِي طَوْدٍ عَظِيمٍ لَيْسَ بِهِ إِلَّا الْبُومُ. وَأَدْرَكَنِي اللَّيْلُ فَوَلِجْتُهُ مَذْعُورًا لَا آمَنُ فِيهِ حَتْفِي، وَلَا أَرْكَنُ إِلَى غَيْرِ سَيْفِي. فَبِتُّ بِلَيْلٍ طَوِيلٍ، كَأَنَّهُ بِلَيْلٍ مَوْصُولٌ، أَرْقُبُ الْكَوْكَبَ، وَأَرْمُقُ الْغَيْهَبَ، حَتَّى إِذَا اللَّيْلُ عَسْعَسَ [ (35) ] ، وَكَادَ الصُّبْحُ أَنْ يَتَنَفَّسَ، هَتَفَ بِي هَاتِفٌ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الرَّاقِدُ فِي اللَّيْلِ الْأَحَمْ ... قَدْ بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا فِي الْحَرَمْ مِنْ هَاشِمٍ أَهْلِ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمْ ... يَجْلُو دُجُنَّاتِ الدَّيَاجِيَ وَالْبُهَمْ [ (36) ] قَالَ: فَأَدَرْتُ طَرْفِي فَمَا رَأَيْتُ لَهُ شَخْصًا وَلَا سَمِعْتُ لَهُ فَحْصًا، فأنشأت أقول: يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ فِي دَاجِي الظُّلَمْ ... أَهْلًا وَسَهْلًا بِكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمْ بَيِّنْ هَدَاكَ اللهُ فِي لَحْنِ الْكَلِمْ ... مَاذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يُغْتَنَمْ [ (37) ] ؟ قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِنَحْنَحَةٍ، وَقَائِلٍ يَقُولُ: ظَهَرَ النُّورُ، وَبَطَلَ الزور [و] بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْحُبُورِ، صَاحِبَ النَّجِيبِ الأحمر، والتّاج والمغفر، ذو الْوَجْهِ [ (38) ] الْأَزْهَرِ، وَالْحَاجِبِ الْأَقْمَرِ، وَالطَّرْفِ الْأَحْوَرِ، صَاحِبَ قَوْلِ شَهَادَةِ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَذَلِكَ [ (39) ] مُحَمَّدٌ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ، أَهْلِ الْمَدَرِ وَالْوَبَرِ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثْ ... لَمْ يُخْلِنَا [حِينًا] [ (40) ] سُدًى مِنْ بَعْدِ عِيسَى واكترث
أرسل فينا أحمدا خَيْرَ نَبِيٍّ قَدْ بُعِثْ ... صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا حَجَّ [ (41) ] لَهُ رَكْبٌ وَحَثَّ قَالَ: فَذُهِلْتُ عَنِ الْبَعِيرِ وَاكْتَنَفَنِي السُّرُورُ، وَلَاحَ الصَّبَاحُ، وَاتَّسَعَ الْإِيضَاحُ [ (42) ] ، فَتَرَكَتُ الْمَوْرَاءَ [ (43) ] ، وَأَخَذْتُ الْجَبَلَ، فَإِذَا أَنَا بِالْفَنِيقِ يَسْتَنْشِقُ [ (44) ] النُّوقَ، فَمَلَكْتُ خطامه، وعلوت سنامه، فمرج [ (45) ] طَاعَةً وَهَزَزْتُهُ سَاعَةً، حَتَّى إِذَا لَغَبَ وَذَلَّ مِنْهُ مَا صَعُبَ، وَحَمِيَتِ الْوِسَادَةُ، وَبَرَدَتِ الْمَزَادَةُ، فَإِذَا الزَّادُ قَدْ هَشَّ لَهُ الْفُؤَادُ! تَرَكْتُهُ فَتُرِكَ، وَأَذِنْتُ لَهُ فَبَرَكَ، فِي رَوْضَةٍ خَضِرَةٍ نَضِرَةٍ عَطِرَةٍ، ذَاتِ حَوْذَانَ وَقُرْبَانَ وَعُنْقُرَانَ [ (46) ] وَعَبَيْثَرَانَ وَجُلَّى وَأَقَاحٍ وَجَثْجَاثٍ وَبَرَارٍ، وَشَقَائِقَ وَنَهَارٍ [ (47) ] كَأَنَّمَا قَدْ بَاتَ الْجَوُّ بِهَا مَطِيرًا، وَبَاكَرَهَا الْمُزْنُ بُكُورًا، فَخِلَالُهَا شَجَرْ، وَقَرَارُهَا نَهَرْ، فَجَعَلَ يَرْتَعُ أَبًّا، وَأَصِيدُ ضَبًّا، حَتَّى إِذَا أَكَلْتُ وَأَكَلْ! وَنَهَلْتُ وَنَهَلْ، وَعَلَلْتُ وَعَلْ- حَلَلْتُ عِقَالَهُ، وَعَلَوْتُ جِلَالَهُ، وَأَوْسَعْتُ مَجَالَهُ، فَاغْتَنَمَ الْحَمْلَةَ وَمَرَّ كَالنَّبْلَةِ، يَسْبِقُ الرِّيحْ، وَيَقْطَعُ عَرْضَ الْفَسِيحْ، حَتَّى أَشْرَفَ بِي عَلَى وَادْ وَشَجَرٍ، مِنْ شَجَرِ عَادْ مُورِقَةٍ مُونِقَةٍ، قَدْ تَهَدَّلَ أَغْصَانُهَا كَأَنَّمَا بَرِيرُهَا حَبُّ فُلْفُلٍ، فَدَنَوْتُ فَإِذَا أَنَا بِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ بِيَدِهِ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ وَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِشِعْرٍ، وَهُوَ: يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْمَلْحُودِ [ (48) ] فِي جَدَثٍ ... عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا بَزِّهِمْ خِرَقُ
دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ ... فَهُمْ إِذَا أُنْبِهُوَا مِنْ نَوْمِهِمْ فَرِقُوا حَتَّى يَعُودُوا لِحَالٍ [ (49) ] غَيْرِ حَالِهِمُ ... خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا مِنْ قَبْلِهِ خُلِقُوا مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِمُ ... مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْمَنْهَجُ الْخَلَقُ قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، وَإِذَا بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ، فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ، وَمَسْجِدٍ بَيْنَ قَبْرَيْنِ، وَأَسَدَيْنِ عَظِيمَيْنِ يَلُوذَانِ بِهِ، وَيَتَمَسَّحَانِ بِأَثْوَابِهِ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْبِقُ صَاحِبَهُ إِلَى الْمَاءِ فَتَبِعَهُ الْآخَرُ وَطَلَبَ الْمَاءَ، فَضَرَبَهُ بِالْقَضِيبِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَقَالَ: ارْجِعْ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، حَتَّى يَشْرَبَ الَّذِي وَرَدَ قَبْلَكَ. فَرَجَعَ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ. فَقُلْتُ لَهُ: ما هذا الْقَبْرَانِ؟ فَقَالَ: هَذَانِ قَبْرَا أَخَوَيْنِ لِي كَانَا يَعْبُدَانِ اللهَ تَعَالَى [ (50) ] ، مَعِي فِي هَذَا الْمَكَانِ، لَا يُشْرِكَانِ بِاللهِ شَيْئًا، فَأَدْرَكَهُمَا الْمَوْتُ فَقَبَرْتُهُمَا، وها أنا بَيْنَ قَبْرَيْهِمَا، حَتَّى أَلْحَقَ بِهِمَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ بِالدِّمُوعِ، فَانْكَبَّ عليهما وجعل يقول: خَلِيلَيَّ هُبَّا طَالَمَا قَدْ رَقَدْتُمَا ... أَجَدَّكُمَا لَا تَقْضِيَانِ كَرَاكُمَا أَلَمْ تَرَيَا أَنِّي بِسَمْعَانَ مُفْرَدٌ ... وَمَالِيَ فِيهَا مِنْ خَلِيلٍ سُوَاكُمَا مُقِيمٌ عَلَى قَبْرَيْكُمَا لَسْتُ بَارِحًا ... طَوَالَ اللَّيَالِي أَوْ يُجِيبُ صَدَاكُمَا أُبَكِّيكُمَا طُولَ الْحَيَاةِ وَمَا الَّذِي ... يَرُدُّ عَلَى ذِي عَوْلَةٍ [ (51) ] إِنْ بَكَاكُمَا أَمِنْ طُولِ نَوْمٍ لَا تُجِيبَانِ دَاعِيًا ... كَأَنَّ الَّذِي يَسْقِي الْعَقَارَ سَقَاكُمَا كَأَنَّكُمَا وَالْمَوْتُ أَقْرَبُ غَايَةٍ ... بِرُوحِي فِي قَبْرَيْكُمَا قَدْ أَتَاكُمَا فَلَوْ جُعِلَتْ نَفْسٌ لِنَفْسٍ وِقَايَةً ... لَجُدْتُ بِنَفْسِي أَنْ تكون فداكما
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ قُسًّا، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ أُمَّةً وَحْدَهُ [ (52) ] . [وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مُنْقَطِعًا، وَرُوِيَ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَإِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ مِنْ أَوْجُهٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا ضَعِيفًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا والله أعلم] [ (53) ] .
حديث الديراني الذي أخبر من نزل بقربه من العرب - ببعثة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، واسمه، وحض على متابعته
حَدِيثُ الدَّيْرَانِيِّ الَّذِي أَخْبَرَ مَنْ نَزَلَ بِقُرْبِهِ مِنَ الْعَرَبِ- بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَاسْمِهِ، وَحَضَّ عَلَى مُتَابَعَتِهِ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: أَنَّ أَبَا أَحْمَدَ: الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَهُ [قَالَ] [ (1) ] : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، أَبُو الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ- وَقَالَ غَيْرُهُ: ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَلَمْ يُقِمْ شَيْخُنَا إِسْنَادَهُ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ [سُوَاءَةَ] [ (2) ] بْنِ جُشَمَ بْنِ سَعْدٍ: كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ [ (3) ] سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَالَ: خَرَجْتُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ [ (4) ] وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خِنْدِفَ، نُرِيدُ ابْنَ جَفْنَةَ الْغَسَّانِيَّ بِالشَّامِ، فَلَمَّا وَرَدْنَا الشَّامَ نَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ عَلَيْهِ شَجَرَاتٌ وَقُرْبُهُ قَائِمٌ لِدَيْرَانِيٍّ. فَقُلْنَا: لَوِ اغْتَسَلْنَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَادَّهَنَّا، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا
صَاحِبَنَا؟ فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا الدَّيْرَانِيُّ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَلُغةُ قَوْمٍ مَا هِيَ بِلُغَةِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ. فَقَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَضَائِرِ؟ فَقُلْنَا: مِنْ خِنْدِفَ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَوْفَ يُبْعَثُ مِنْكُمْ وَشِيكًا نَبِيٌّ [ (5) ] فَتَسَارَعُوا إِلَيْهِ، وَخُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنْهُ تَرْشُدُوا، فَإِنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ. فَقُلْنَا: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِ ابْنِ جَفْنَةَ وَصِرْنَا إِلَى أَهْلِنَا وُلِدَ لِكُلِّ [وَاحِدٍ] [ (6) ] مِنَّا غُلَامٌّ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا [ (7) ] . قُلْتُ: سَقَطَ مِنْ كِتَابِ شَيْخِنَا مِنْ إِسْنَادِهِ شَيْءٌ، وَالصَّوَابُ مَا قال فيه غيره.
ذكر حديث النصراني الذي أخبر أمية بن أبي الصلت ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ذِكْرُ حَدِيثِ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي أَخْبَرَ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ * أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِمْيَرِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (2) ] مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الطُّرَيْحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ إِلَى الشَّامِ، فَمَرَرْنَا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ فِيهَا نَصَارَى. فَلَمَّا رَأَوْا أُمَيَّةَ أَعْظَمُوهُ وَأَكْرَمُوهُ، وَأَرَادُوهُ عَلَى أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُمْ، فَقَالَ لِي أُمَيَّةُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ انْطَلِقْ مَعِي فَإِنَّكَ تَمْضِي إِلَى رَجُلٍ قَدِ انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُ النَّصْرَانِيَّةِ. فَقُلْتُ: لَسْتُ أَنْطَلِقُ مَعَكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُحَدِّثَنِي بِشَيْءٍ فَيُفْسِدَ عَلَيَّ قَلْبِي. فَذَهَبَ مَعَهُمْ، ثُمَّ عَادَ فَرَمَى بِثَوْبِهِ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ أسودين وانطلق، فو الله مَا جَاءَنِي حَتَّى ذَهَبَ هَدْأَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَجَاءَ فانْجَدَلَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَمَا نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَقَالَ: أَلَا تَرْحَلُ بِنَا؟ فَقِيلَ: وهل فيك من
رَحِيلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَارْتَحَلْنَا. قَالَ: أَلَا تُجَاوِزُ بِنَا الرِّكَابَ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَجَاوَزْنَا [ (3) ] الرِّكَابَ، فَقَالَ لِي: يَا صَخْرُ. قُلْتُ: قُلْ يَا أَبَا عُثْمَانَ. قَالَ: أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَشْرَفُ؟ قُلْتُ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. قَالَ: أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَكْثَرُ مَالًا وَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا؟ قُلْتُ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. قَالَ: إِنَّ الشَّرَفَ وَالْمَالَ أَزْرَيْنَ بِهِ. قُلْتُ: لَا، وَاللهِ، وَلَكِنْ زَادَهُ شَرَفًا. قَالَ: تَكْتُمْ عَلَيَّ مَا أُحَدِّثُكَ بِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: حَدَّثَنِي هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُ الْكِتَابِ أَنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ. فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ هُوَ. هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. قُلْتُ: فَانْسُبْهُ [ (4) ] قَالَ: هُوَ وَسَطٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَالَّذِي رَأَيْتَ مِنَ الْهَمِّ مَا صُرِفَ عَنِّي. قَالَ: وَقَالَ لِي: آيَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الشَّامَ قَدْ رَجَفَ [ (5) ] بَعْدَ عيسى بن مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثَمَانِينَ رَجْفَةً، وَبَقِيَتْ رَجْفَةٌ، يَدْخُلُ عَلَى الشَّامِ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ. فَلَمَّا صِرْنَا قَرِيبًا مِنْ ثَنِيَّةٍ إِذَا رَاكِبٌ [ (6) ] قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ. قَالَ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ [ (7) ] ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَجَفَتِ الشَّامُ رَجْفَةً، دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ شَرٌّ ومصيبة [ (8) ] .
ذكر حديث الجهني الذي أتى في إغمائه وأخبر بالإطلاق إن شكر لربه فآمن بالنبي المرسل وترك سبيل من أشرك فأضل
ذِكْرُ حَدِيثِ الْجُهَنِيِّ الَّذِي أُتِيَ فِي إِغْمَائِهِ وَأُخْبِرَ بِالِإِطْلَاقِ إِنْ شَكَرَ لِرَبِهِ فَآمَنَ بِالنَّبِيِّ الْمُرْسَلِ وَتَرَكَ سَبِيلَ مَنْ أَشْرَكَ فَأَضَلَّ * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى أَفْنِيَةِ جُهَيْنَةَ، فَإِذَا شَيْخٌ جَالِسٌ فِي بَعْضِ أَفْنِيَتِهِمْ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ اشْتَكَى، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَسَجَّيْنَاهُ وَظَنَنَّا أَنْهَ قَدْ مَاتَ، وَأَمَرْنَا بِحُفْرَتِهِ أَنْ تُحْفَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ جَلَسَ فَقَالَ: إِنِّي أُتِيتُ حَيْثُ رَأَيْتُمُونِي، أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ لِي: أُمُّكَ هَبِلْ. أَلَا تَرَى حُفْرَتَكَ تُنْتَثَلْ وَقَدْ كَادَتْ أُمُّكَ تُثْكَلْ. أَرَأَيْتَ إِنْ حَوَّلْنَاهَا عَنْكَ بِمَحْوَلْ، وَقَذَفْنَا فِيهَا الْقُصَلْ، الَّذِي مَشَى وَأَجْزَلْ. أَتَشْكُرُ لِرَبِّكَ وَتُصَلِّي وَتَدَعُ سَبِيلَ مَنْ أَشْرَكَ فَأَضَلْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأُطْلِقْتُ، فَانْظُرُوا مَا فَعَلَ الْقُصَلُ.
مَرَّ آنِفًا. فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ فَدُفِنَ فِي الْحُفْرَةِ، وَعَاشَ الرَّجُلُ حَتَّى أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ. * وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْجُهَنِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي وَيَسُبُّ الْأَوْثَانَ وَيَقَعُ فِيهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ. عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَرِضَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ حَتَّى ظَنَّ أَهْلُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَحُفِرَتْ حُفْرَتُهُ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَزَادَ فِي الشِّعْرِ: ثُمَّ قَذَفْنَا فِيهَا الْقُصَلْ ... ثُمَّ مَلَأْنَا عَلَيْهِ بِالْجَنْدَلْ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ نَفْعَلْ؟ قَالَ: وَزَادَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذَا الشِّعْرِ شَيْئًا آخَرَ: أَتُؤْمِنُ بِالنَّبِيِّ الْمُرْسَلْ؟
ذكر حديث زيد بن عمرو بن نفيل [1] وورقة بن نوفل [2] وما في [3] حديثهما من آثار رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم
ذِكْرُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ [ (1) ] وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ [ (2) ] وَمَا فِي [ (3) ] حَدِيثِهِمَا مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ [قَالَ] [ (4) ] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ [قَالَ] [ (5) ] ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (ح) . * وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ، الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن عبد الله بن يزيع. قَالَا: حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلَ بَلْدَحٍ [ (6) ] ، وذلك قبل
أَنْ يَنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، الْوَحْيُ. فَقُدِّمَتْ إِلَيْهِ سُفْرَةٌ فَأَبَى زَيْدٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَالَ زَيْدٌ: إِنَّا لَا نَأْكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ. وَلَا نَأْكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ تَعَالَى [ (7) ] ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ تَعَالَى [ (8) ] ؟ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ [قَالَ] [ (10) ] حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ: أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ عَبْدِ اللهِ- وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ ويَتَّبِعُهُ فَلَقِيَ عَالِمَ [ (11) ] الْيَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ بِدِينِكُمْ،
فَأَخْبِرُونِي [ (12) ] عَنْ دِينِكُمْ، وَقَالَ [ (13) ] لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضِبِ اللهِ، تَعَالَى [ (14) ] . قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَمَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَسْتَطِيعُ [ (15) ] فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا [ (16) ] . قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (17) ] ، لَمْ يَكُنْ يَهُوَدِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ فَسَأَلَ عَنْ عَالِمِ النَّصَارَى، فَقَالَ: لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ بِدِينِكُمْ، فَأَخْبِرُونِي عَنْ دِينِكُمْ. قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ، اللهِ فَقَالَ: لَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا. وَأَنَا أَسْتَطِيعُ [ (18) ] ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُوَدِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ رَضِيَ بِمَا أَخْبَرُوهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِ إِبْرَاهِيمَ. فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ، تَعَالَى [ (19) ] ، وَقَالَ: إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ [ (20) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (21) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حبيب،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ [ (22) ] سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ- عَدِيِّ قُرَيْشٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ زَيْدَ بن عمرو بن نفيل، وَوَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، خَرَجَا يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى رَاهِبٍ بِالْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا صَاحِبَ الْبَعِيرِ؟ قَالَ: مِنْ بَيْتِ [ (23) ] إِبْرَاهِيمَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (24) ] قَالَ: وَمَا تَلْتَمِسُ؟ قَالَ: أَلْتَمِسُ الدِّينَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَظْهَرَ الَّذِي تَطْلُبُ فِي أَرْضِكَ. فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ، وَأَمَّا زَيْدٌ فَعُرِضَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَلَمْ تُوَافِقْهُ فَرَجَعَ وهو يقول: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا ... تَعَبُّدًا وَرِقًّا الْبِرُّ أَبْغِي لَا الْخَالُ ... وَهَلْ مُهَجِّرٌ كَمَنْ قَالَ آمَنْتُ بِمَا آمَنَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنْفِي لَكَ عَانٍ رَاغِمُ ... مَهْمَا تُجَشِّمْنِي فَإِنِّي جَاشِمُ ثُمَّ يَخِرُّ فَيَسْجُدُ قَالَ: وَجَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا رَأَيْتَ وَكَمَا بَلَغَكَ فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ [ (25) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، ويَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ. [عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ] [ (26) ] ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُرْدِفِي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الْأَنْصَابِ فَذَبَحْنَا لَهُ شَاةً وَوَضَعْنَاهَا فِي التَّنُّورِ، حَتَّى إِذَا نَضِجَتِ اسْتَخْرَجْنَاهَا فَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَتِنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَسِيرُ وَهُوَ مُرْدِفِي فِي أَيَّامِ الْحَرِّ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا عَلَى [ (27) ] الْوَادِي لَقِيَ فِيهِ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَحَيَّا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنَفُوكَ [ (28) ] ؟ قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّ ذَلِكَ مِنِّي لِغَيْرِ ثَائِرَةٍ [ (29) ] كَانَتْ مِنِّي إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَرَاهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي هَذَا الدِّينَ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ يَثْرِبَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي. فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ [ (30) ] عَلَى أَحْبَارِ أَيْلَةَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي. فَقَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ: إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْبُدُ اللهَ بِهِ [ (31) ] إِلَّا شَيْخًا بِالْجَزِيرَةِ. فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي خَرَجْتُ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ كُلَّ مَنْ رَأَيْتَ فِي ضَلَالَةٍ، إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ دِينٍ هُوَ دِينُ اللهِ وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي أَرْضِكَ نَبِيٌّ أَوْ هُوَ خَارِجٌ، يَدْعُو إِلَيْهِ، ارْجِعْ إِلَيْهِ وَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ وَآمِنْ بِمَا جَاءَ بِهِ. فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَخْتَبِرْ شَيْئًا بَعْدُ. وَأَنَاخَ [ (32) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، الْبَعِيرَ الَّذِي كَانَ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَدَّمْنَا إِلَيْهِ السفرة التي
كَانَ فِيهَا [ (33) ] الشِّوَاءُ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَقُلْنَا: هَذِهِ شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: إِنِّي لَا آكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ [ (34) ] . قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ. * وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: [عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ] [ (35) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو [ (36) ] بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- يَعْنِي ابْنَ حَاطِبٍ- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَعْلَى الْوَادِي لَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ، مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ؟ فَقَالَ [ (37) ] : أَمَا وَاللهِ إِنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَائِرَةٍ كَانَتْ مِنِّي إِلَيْهِمْ [ (38) ] ، وَلَكِنِّي أَرَاهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي هَذَا الدِّينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى شَيْخٍ بِالْجَزِيرَةِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي خَرَجْتُ لَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مِنْ أَهْلِ الشَّوْكِ وَالْقَرَظَةِ [ (39) ] . قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَآمِنْ به.
قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ [ (40) ] . * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ [ (41) ] بِنْتُ خُوَيْلِدٍ قَدْ ذَكَرَتْ لِوَرَقَةَ بْنِ نوفل بن أسد- وَكَانَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، قَدْ تَبِعَ الْكُتُبَ، وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ- مَا ذَكَرَ لَهَا غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَمَا كَانَ رَأَى مِنْهُ إِذْ كَانَ الْمَلَكَانِ يُظِلَّانِهِ. فَقَالَ وَرَقَةُ: لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةَ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ لَنَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ [ (42) ] لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ يُنْتَظَرُ، هَذَا زَمَانُهُ. أَوْ كَمَا قَالَ: فَجَعَلَ وَرَقَةُ يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتَّى مَتَى؟ فَكَانَ فِيمَا يَذْكُرُونَ يَقُولُ أَشْعَارًا يَسْتَبْطِئُ فِيهَا خَبَرَ خَدِيجَةَ وَيَسْتَرْيِثُ [ (43) ] مَا ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ [ (44) ] فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: أَتُبْكِرُ أَمْ أَنْتَ الْعَشِيَّةَ رَائِحُ ... وَفِي الصَّدْرِ مِنْ إِضْمَارِكَ الْحُزْنُ فَادِحُ لِفُرْقَةِ قَوْمٍ لَا أُحِبُّ فِرَاقَهُمْ ... كَأَنَّكَ عَنْهُمْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ نَازِحُ وَأَخْبَارُ صِدْقٍ خُبِّرْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ ... يُخَبِّرْهُمَا عَنْهُ إِذَا غَابَ نَاصِحُ بِفَتَاكِ [ (45) ] الَّذِي وَجَّهْتِ يَا خَيْرَ حُرَّةٍ ... بِغَورٍ وَبِالنَّجْدَيْنِ حَيْثُ الصّحاصح
إِلَى سُوقِ بُصْرَى وَالرِّكَابِ الَّتِي غَدَتْ ... وَهُنَّ مِنَ الْأَحْمَالِ قُعْصٌ دَوَالِحُ [ (46) ] يُخْبِرُنَا عَنْ كُلِّ حَبْرٍ [ (47) ] بِعِلْمِهِ ... وَلِلِحَقِ أَبْوَابٌ لَهُنَّ مَفَاتِحُ كَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ مُرْسَلٌ ... إِلَى كُلِّ مَنْ ضُمَّتْ عَلَيْهِ الْأَبَاطِحُ وَظَنِي بِهِ أَنْ سَوْفَ يُبْعَثَ صَادِقًا ... كَمَا أُرْسِلَ الْعَبْدَانِ: هُودٌ وَصَالِحُ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ حَتَّى يُرَى لَهُ ... بِهَا، وَمَنْشُورٌ مِنَ الذِّكْرِ وَاضِحُ وَيَتْبَعُهُ حَيًّا لُؤَيٌّ جَمَاعَةٌ ... شَبَابُهُمْ وَالْأَشْيَبُونَ الْجَحَاجِحُ فَإِنْ أَبْقَ حَتَّى يُدْرِكَ النَّاسَ دَهْرُهُ ... فَإِنِّي بِهِ مُسْتَبْشِرُ الْوُدِّ فَارِحُ وَإِلَّا فَإِنِّي يَا خَدِيجَةَ فَاعْلَمِي ... عَنْ أَرْضِكِ فِي الْأَرْضِ العريضة [ (48) ] سائح [ (49) ]
جماع أبواب المبعث
جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْمَبْعَثِ بَابُ الْوَقْتُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ محمد صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نَبِيًّا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إسحق الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ. (ح) وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْعَنَزِيُّ [ (1) ] قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سنان العوقي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» [ (2) ] .
* وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: «كُتِبْتُ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَتَى وَجَبَتِ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفَخِ الرُّوحِ فِيهِ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ سَهْلٍ اللَّبَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَبِي مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ وَكَذَلِكَ أمهات [النبيين] [ (4) ] يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ثُمَّ تَلَا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (5) ] .
باب سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث نبيا
بَابُ سِنِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ بُعِثَ نَبِيًّا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بُعِثَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، لِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَمَاتَ نبي الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ [سَنَةً] [ (6) ] رَوَاهُ الْبُخَارِي فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ العزيز ابن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ يَقُولُ لِقُبَاثِ بْنِ أشيم الكناني ثم الليثي: «يَا قُبَاثُ أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، عَامَ الْفِيلِ، وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ وَتَنَبَّأَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ من الفيل» [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بن إسحق بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، هُوَ الْقَطَّانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ فَمَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ [ (9) ] عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ مُفَسَّرًا [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إسحق، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيِّ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ «نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ وَلَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ: عَشْرًا بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ، فَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ [صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم] [ (11) ] .
باب الشهر الذي أنزل عليه فيه واليوم الذي أنزل عليه فيه.
بَابُ الشَّهْرِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: وَالْحَجَّاجُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ الزِّمَّانِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، صَوْمُ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ. قَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ» [ (12) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: [فَابْتُدِئَ] [ (13) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْتَنْزِيلِ فِي رَمَضَانَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [ (14) ] وَقَالَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ (15) ] وَقَالَ حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [ (16) ] وَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [ (17) ] وذلك ملتقى [ملقى] رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ. [ (18) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: «أَنَّ رَسُولَ
الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبِيحَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَزْنٍ النَّصْرِيِّ، قَالَ: افْتَخَرَ أَصْحَابُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ [ (20) ] صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بُعِثَ دَاوُدُ وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثَ مُوسَى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثْتُ أَنَا وَأَنَا أَرْعَى غَنَمًا لِأَهْلِي [ (21) ] [بِجِيَادٍ] [ (22) ] . كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ [ (23) ] وَهُوَ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَحْمُودٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَسَمِعْتُ عَبْدَ بْنَ حَزْنٍ النَّصْرِيَّ وَكَذَا قَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شعبة، وقيل: نصر ابن حَزْنٍ، وَقِيلَ: عُبَيْدَةُ بْنُ حزن.
باب مبتدأ البعث والتنزيل وما ظهر عند ذلك من تسليم الحجر والشجر وتصديق ورقة بن نوفل إياه
بَابُ مُبْتَدَأِ الْبَعْثِ وَالتَّنْزِيلِ وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ وَتَصْدِيقِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ إِيَّاهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: [ (24) ] أَحْمَدُ، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ- وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ رَافِعٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بديء به رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ [ (25) ] فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِي ذَوَاتَ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا [ (26) ] حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: - مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ [ (27) ] . فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقال: اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ- حَتَّى بَلَغَ- مَا لَمْ يَعْلَمْ [ (28) ] فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ [ (29) ] حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ [ (30) ] فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ مَالِي، فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَيَّ فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا [ (31) ] ، أَبْشِرْ فو الله لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضعيف، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابن قُصَيِّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ ابْنِ أَخِي أَبِيهَا وكان امرءا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ [ (32) ] ، يَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (33) ] أَنْ يَكْتُبَ. وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ
عَمِّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنُ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا رَآهُ. فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: هَذَا النَّامُوسُ [ (34) ] الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى موسى. باليتني فِيهَا جَذَعًا [ (35) ] أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم: أو مخرجيّ هُمْ؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ [ (36) ] وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (37) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ [ (38) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ. [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (39) ] أَنَّهَا قَالَتْ: «أوّل ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من الوحي
الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَزَادَهُ فِي آخِرِهِ: وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا لِكَيْ يتردى من رؤوس شَوَاهِقِ الْجِبَالِ كُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِي نَفْسَهُ تَبَدَّا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ، يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقَرُّ نَفْسُهُ، وَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا مِثْلَ ذَلِكَ فَإِذَا أوفى بذورة جَبَلٍ تَبَدَّا لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ» [ (40) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى ومحمد بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [فَجُئِثْتُ] [ (41) ] مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (42) ] قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ- وهي الأوثان» [ (43) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ [ (44) ] وَكَانَ يَسْكُنُ دِمَشْقَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمَلَكَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ [قَالَ] [ (45) ] فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَعَادَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَعَادَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ [لِي] [ (46) ] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [ (47) ] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَسَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: قَالَتْ، عَائِشَةُ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: فَرَجَعَ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزُمِّلَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ لِخَدِيجَةَ، لَقَدْ أَشْفَقْتُ عَلَى نَفْسِي قَالَتْ خَدِيجَةُ أَبْشِرْ فو الله لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، انْطَلِقْ بِنَا فَانْطَلَقَتْ خَدِيجَةُ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَنَصَّرَ شَيْخًا أَعْمَى يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمٍّ [ (48) ] اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ
وَرَقَةُ: مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى، يا ليتني أكون حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا [ (49) ] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: [أَخْبَرَنِي] [ (50) ] جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِّي فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي كان [يجيبني] [ (51) ] قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [فَجُئِثْتُ] [ (52) ] مِنْهُ فَرَقًا حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي فَقُلْتُ لَهُمْ زَمِّلُونِي فَزَمَّلُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (53) ] . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ [ (54) ] : الرِّجز: الْأَوْثَانُ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ الْوَحْيُ بعد وتتابع» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (55) ] عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَزَادَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ عُرْوَةِ عَنْ عَائِشَةَ: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ. وَرَوَاهُ [ (56) ] مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ [ (57) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ» [ (58) ] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم أنها
قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» [ (59) ] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي مِثْلَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. «وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنَا أَوَّلُ مَا رَأَى أَنَّ اللهَ- عز وجل- أَرَاهُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَهَا رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِامْرَأَتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ فَعَصَمَهَا اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ التَّكْذِيبِ، وَشَرَحَ صَدْرَهَا بِالتَّصْدِيقِ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَصْنَعَ بِكَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ رَأَى بَطْنَهُ شُقَّ، ثُمَّ طُهِّرَ وَغُسِّلَ، ثُمَّ أُعِيدَ كَمَا كَانَ. قَالَتْ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ فَأَبْشِرْ [ (60) ] ، ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَجْلِسٍ كَرِيمٍ مُعْجَبٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجْلَسَنِي عَلَى بِسَاطٍ كَهَيْئَةِ الدَّرْنُوكِ [ (61) ] فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ فَبَشَّرَهُ بِرِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ [لَهُ] [ (62) ] جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (63) ] ، اقْرَأْ. فَقَالَ كَيْفَ أَقْرَأُ. قَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [ (64) ] وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (65) ] أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ [ (66) ] عَلَيْهِ وَاللهُ أَعْلَمُ. [ (67) ] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم قبل أن تقرض الصَّلَاةُ، قَالَ: وَقَبِلَ [ (68) ] الرَّسُولُ [صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (69) ] رِسَالَةَ رَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاتَّبَعَ الَّذِي جَاءَهُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا قَبِلَ الَّذِي جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى وَانْصَرَفَ مُنْقَلِبًا إِلَى بَيْتِهِ جَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى شَجَرَةٍ وَلَا صَخْرٍ [ (70) ] إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ مَسْرُورًا إِلَى أَهْلِهِ مُوقِنًا، قَدْ رَأَى أَمْرًا عَظِيمًا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ قَالَ أَرَأَيْتُكِ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكِ [ (71) ] أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَعْلَنَ لِي، أَرْسَلَهُ إليّ ربي وأخبرها [ (72) ] بِالَّذِي جَاءَهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [ (73) ] وَمَا سَمِعَ منه فقالت أبشر فو الله لَا يَفْعَلُ اللهُ بِكَ إِلَّا خَيْرًا، فَاقْبَلِ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ [عِنْدِ] اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (74) ] فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا. ثُمَّ انْطَلَقَتْ مَكَانَهَا حَتَّى أَتَتْ غُلَامًا لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ، فَقَالَتْ لَهُ يَا عَدَّاسٌ أُذَكِّرُكَ بِاللهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي هَلْ عِنْدَكَ عَلِمٌ مِنْ جِبْرِيلَ. فَقَالَ عَدَّاسٌ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، مَا شَأْنُ جِبْرِيلَ يُذْكَرُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَهْلُهَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ! أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكِ فِيهِ، قَالَ فَإِنَّهُ أَمِينُ [ (75) ] اللهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ مِنْ عِنْدِهِ فَجَاءَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ كَرِهَ عبادة الأوثان، وهو وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَ زَيْدٌ قَدْ حَرَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (76) ] مِنْ الدَّمِ وَالذَّبِيحَةِ عَلَى النُّصُبِ، وَمِنْ أَبْوَابِ الظُّلْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَمَدَ هُوَ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَلْتَمِسَانِ الْعِلْمَ حَتَّى وَقَفَا بِالشَّامِ فَعَرَضَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمَا دِينَهُمْ فَكَرِهَاهُ وسَأَلَا رُهْبَانَ النَّصْرَانِيَّةِ، فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَرِهَ النَّصْرَانِيَّةَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ الرُّهْبَانِ: إِنَّكَ تَلْتَمِسُ دِينًا لَيْسَ يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ! فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: أَيُّ دِينٍ ذَلِكَ؟ قَالَ الْقَائِلُ: دِينُ الْقَيِّمِ دِينُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ دِينِهِ؟ قَالَ: كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، فَلَمَّا وَصَفَ لَهُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (77) ] قَالَ زَيْدٌ أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا سَاجِدٌ نَحْوَ الْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَى إِبْرَاهِيمُ، فَسَجَدَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ زَيْدٌ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى: أَسْلَمْتُ [ (78) ] وَجْهِيَ لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ يَحْمِلْنَ عَذْبًا زُلَالَا ثُمَّ تُوُفِّيَ زَيْدٌ وَبَقِيَ وَرَقَةُ بَعْدَهُ كَمَا يَزْعُمُونَ سَنَتَيْنِ [ (79) ] فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَبْكِي زيد بن عمرو بن نفيل: رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حَامِيَا بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكِكَ جنّان الجبال كماهيا
تَقُولُ إِذَا جَاوَزْتَ أَرْضًا مَخُوفَةً ... بِاسْمِ الْإِلَهِ بِالْغَدَاةِ وَسَارِيًا تَقُولُ إِذَا صَلَّيْتَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ... حَنَانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيَّ الْأَعَادِيَا فَلَمَّا وَصَفَتْ خَدِيجَةُ لِوَرَقَةَ حِينَ جَاءَتْهُ شَأْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (80) ] وَذَكَرَتْ لَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ [ (81) ] لَهَا وَرَقَةُ: يَا بُنَيَّةَ أَخِي [ (82) ] مَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَكِ النَّبِيُّ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ كَانَ إِيَّاهُ ثُمَّ أَظْهَرَ دُعَاءَهُ [ (83) ] وَأَنَا حَيٌّ لَأُبْلِيَنَّ اللهَ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُؤَازَرَتِهِ الصَّبْرَ وَالنَّصْرَ. فَمَاتَ وَرَقَةُ [ (84) ] . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَزَادَ فِيهَا: «فَفَتَحَ جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (85) ] عَيْنًا مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم ينظر إليه وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ [ (86) ] وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مُوَاجَهَةَ الْبَيْتِ، فَفَعَلَ مُحَمَّدٌ كَمَا رَأَى جبريل يفعل» .
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِأَجْمَعِهَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ أَبِي عُلَاثَةَ: مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ شِعْرِ وَرَقَةَ إِلَّا الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي إِسْلَامِ خَدِيجَةَ وَالَّذِي ذُكِرَ [فِيهِ] [ (87) ] مِنْ شَقِّ بَطْنِهِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً مِنْهُ لِمَا صُنِعَ بِهِ فِي صِبَاهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شُقَّ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ مَرَّةً ثَالِثَةً حِينَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللهِ [ (88) ] بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ وَاعِيَةً [ (89) ] عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَرَامَتَهُ [وَابْتَدَأَهُ] لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَلَا يَرَى إِلَّا الشَّجَرُ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَهِيَ تُحَيِّيهِ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ [ (90) ] .
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءَ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَنْسُكُ فِيهِ، وَكَانَ مَنْ نَسَكَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَ مِنَ الْمَسَاكِينِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ مِنْ مُجَاوَرَتِهِ وَقَضَائِهِ [ (91) ] لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللهُ [تَعَالَى] [ (92) ] بِهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا، وَذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ بِأَهْلِهِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: فَجَاءَنِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَقْرَأُ؟ فَغَتَّنِي [ (93) ] حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ كَشَفَهُ عَنِّي، فقال: أقر: فَقُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَعَادَ لِي [ (94) ] بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ وَمَا أَقُولُهَا إِلَّا تَنَجِّيًا [ (95) ] أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [ (96) ] . ثُمَّ انْتَهَى، فَانْصَرَفَ عَنِّي وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي فَكَأَنَّمَا صَوَّرَ فِي قَلْبِي كِتَابًا وَلَمْ يَكُنْ فِي خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ شَاعِرٍ أَوْ مَجْنُونٍ فَكُنْتُ لَا أُطِيقُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: إِنَّ الْأَبْعَدَ يَعْنِي نَفْسَهُ لَشَاعِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ثُمَّ قلت لا تحدث
عَنِّي قُرَيْشٌ بِهَذَا أَبَدًا، لَأَعْمِدَنَّ إِلَى حَالِقٍ مِنَ الْجَبَلِ فَلَأَطْرَحَنَّ [ (97) ] نَفْسِي مِنْهُ فَلَأَقْتُلَنَّهَا فَلَأَسْتَرِيحَنَّ، فَخَرَجْتُ مَا أُرِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ فَبَيْنَا أَنَا عَامِدٌ لِذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، فَرَفَعْتُ، رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ انْظُرُ فَإِذَا جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (98) ] فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ فَرَفَعْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَشَغَلَنِي عَنْ ذَلِكَ وَعَمَّا أُرِيدُ فَوَقَفْتُ وَمَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَتَقَدَّمَ: وَلَا أَتَأَخَّرَ، وَمَا أَصْرِفُ وَجْهِي فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِيهَا، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ وَلَا أَتَأَخَّرُ حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ، وَرَجَعُوا فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَادَ النَّهَارُ يَتَحَوَّلُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إِلَيْهَا فَقَالَتْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! أَيْنَ كنت؟ فو الله لَقَدْ بَعَثْتُ رُسُلِي فِي طَلَبِكَ، حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ وَرَجَعُوا، فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ الْأَبْعَدَ لَشَاعِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. فَقَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللهِ تَعَالَى [ (99) ] مِنْ ذَلِكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كَانَ اللهُ لِيَفْعَلَ بِكَ ذَلِكَ مَعَ مَا أَعْلَمُ مِنْ صِدْقِ حَدِيثِكَ، وَعِظَمِ أَمَانَتِكَ، وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِلَةِ رَحِمِكَ. وَمَا ذَاكَ يَا ابْنَ عَمٍّ لَعَلَّكَ رَأَيْتَ شَيْئًا أَوْ سَمِعْتَهُ. فَأَخْبَرْتُهَا الْخَبَرَ. فَقَالَتْ: أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَمٍّ وَاثْبُتْ لَهُ فَوَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ ثِيَابَهَا عَلَيْهَا ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةِ بْنِ نوفل وهو ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَتَنَصَّرَ وَسَمِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَقَصَّتْ عَلَيْهِ مَا قَصَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ. فقال ورقة: قدوس
قُدُّوسٌ، وَالَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ لَئِنْ [ (100) ] كُنْتِ صَدَقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ، إِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (101) ] ، فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ. فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ مَا قَالَ لَهَا وَرَقَةُ فَسَهَّلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْضَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْهَمِّ بِمَا جَاءَهُ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جِوَارَهُ صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ: بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَخْبِرْنِي بِالَّذِي رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، فَقَالَ وَرَقَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيَأْتِيكَ النَّامُوسُ [ (102) ] الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَإِنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَتُؤْذَيَنَّ، وَلَتُكَذَّبَنَّ، وَلَتُقَاتَلَنَّ، وَلَتُنْصَرَنَّ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ اللهُ، ثُمَّ أَدْنَى إِلَيْهِ رَأْسَهُ فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَقَدْ زَادَهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (103) ] مِنْ قَوْلِ وَرَقَةَ ثَبَاتًا، وَخَفَّفَ عَنْهُ بَعْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْهَمِّ» [ (104) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: [مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ] [ (105) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ،، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس عن ابن إسحق، قَالَ: وَكَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ قَالَ فِيمَا ذَكَرَتْ لَهُ خَدِيجَةُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ
الله صلى الله عليه وآله وسلّم فيما يزعمون: فَإِنْ يَكُ [ (106) ] حَقًّا يَا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي ... حَدِيثَكِ إِيَّانَا فَأَحْمَدُ مُرْسَلُ وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ وَمِيكَالُ مَعْهُمَا ... مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلُ يَفُوزُ بِهِ مَنْ فَازَ فِيهَا بِتَوْبَةٍ ... وَيَشْقَى بِهِ الْعَاتِي الْغَوِيُّ الْمُضَلَّلُ [ (107) ] فَرِيقَانِ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ فِي جِنَانِهِ ... وَأُخْرَى بِإِخْوَانِ الْجَحِيمِ تُغَلَّلُ إِذَا مَا دُعُوا بِالْوَيْلِ فِيهَا تَتَابَعَتْ ... مَقَامِعُ فِي هَامَاتِهَا ثُمَّ تُشْعَلُ فَسُبْحَانَ مَنْ تَهْوِي الرِّيَاحُ بِأَمْرِهِ ... وَمَنْ هُوَ فِي الْأَيَّامِ مَا شَاءَ يَفْعَلُ وَمَنْ عَرْشُهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ كُلِّهَا ... وَأَقْضَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ لَا تُبَدَّلُ وَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نوفل في ذلك: يَا لِلرِّجَالِ وَصَرْفِ الدَّهْرِ وَالْقَدَرِ ... وَمَا لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللهُ مِنْ غِيَرِ حَتَّى خَدِيجَةُ تَدْعُونِي لِأُخبِرَهَا ... وَمَا لَهَا بَخَفِيِّ الْغَيْبِ مِنْ خَبَرِ جَاءَتْ لِتَسْأَلَنِي عَنْهُ لِأُخبِرَهَا ... أَمْرًا أُرَاهُ سَيَأْتِي النَّاسَ مِنْ أخر
فَخَبَّرَتْنِي بِأَمْرٍ قَدْ سَمِعْتُ بِهِ ... فِيمَا مَضَى مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ وَالْعُصُرِ بِأَنَّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ ... جِبْرِيلُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْبَشَرِ فَقُلْتُ علَّ الَّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ ... لَكِ الْإِلَهُ فَرَجِّي الْخَيْرَ وانْتَظِرِي وَأَرْسِلِيهِ إِلَيْنَا كَيْ نُسَائِلَهُ ... عَنْ أَمْرِهِ مَا يَرَى فِي النَّوْمِ وَالسَّهَرِ فَقَالَ حِينَ أَتَانَا مَنْطِقًا عَجَبًا ... يَقِفُّ مِنْهُ أَعَالِي الْجِلْدِ وَالشَّعَرُ إِنِّي رَأَيْتُ أَمِينَ اللهِ وَاجَهَنِي ... فِي صُورَةٍ أُكْمِلَتْ مِنْ أَهْيَبِ الصُّوَرِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَكَادَ الْخَوْفُ يَذْعُرُنِي ... مِمَّا يُسَلِّمُ مِنْ حَوْلِي مِنَ الشَّجَرِ فَقُلْتُ ظَنِّي وَمَا أَدْرِي أَيَصْدُقُنِي ... أَنْ سَوْفَ تُبْعَثَ تَتَلُو مُنْزَلَ السُّوَرِ وَسَوْفَ أُنْبِيكَ إِنْ أَعْلَنْتَ دَعْوَتَهُمْ ... مِنَ الْجِهَادِ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرِ [ (108) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَا تُثَبِّتُهُ- فِيمَا
أَكْرَمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (109) ] بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ- يَا ابْنَ عَمٍّ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي. فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ. فَقَالَتْ: أَتُرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَاجْلِسْ إِلَى شِقِّي الْأَيْمَنِ، فَتَحَوَّلَ فَجَلَسَ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَجَلَسَ. فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَتَحَسَّرَتْ رَأْسَهَا فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ لَا. قَالَتْ: مَا هَذَا شَيْطَانٌ إِنَّ هَذَا [لَمَلَكٌ] [ (110) ] يَا ابْنَ عَمٍّ، فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ، ثُمَّ آمَنَتْ بِهِ وَشَهِدَتْ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَقَّ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَسَنِ هَذَا [ (111) ] الْحَدِيثَ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ تُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ: «أَدْخَلَتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْتُ: وَهَذَا شَيْءٌ كَانَتْ خَدِيجَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَصْنَعُهُ تَسْتَثْبِتُ بِهِ الْأَمْرَ احْتِيَاطًا لِدِينِهَا وَتَصْدِيقِهَا، فَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ [قَدْ] [ (112) ] وَثِقَ بِمَا قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ وَأَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ تَسْلِيمِ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ إِجَابَةِ الشجر لدعائه وذلك بعد ما كَذَّبَهُ قَوْمُهُ وَشَكَاهُمْ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَرَادَ أَنْ يُطَيِّبَ قلبه» [ (113) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ [ (114) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (115) ] ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ. (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ. إِنِّي لَأَعْرِفُهُ إِذَا مَرَرْتُ عَلَيْهِ» [ (116) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْمَرْوَرُّوذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (117) ] عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَخَرَجَ فِي
بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرٌ وَلَا جَبَلٌ [ (118) ] إِلَّا قَالَ لَهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ» [ (119) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن نُصَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَنْبَسَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنَ، هُوَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (120) ] يَقُولُ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَدْخُلُ مَعَهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ- الْوَادِيَ فَلَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أَسْمَعُهُ» [ (121) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحق، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ قَدْ خَضَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ، قَالَ، مَالِكٌ قَالَ: خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا، قَالَ تُرِيدُ أَنْ أُرِيكَ آيَةً؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ فَدَعَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ قَالَ: ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ، فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم: حسبي» [ (122) ] .
باب أول سورة نزلت من القرآن
بَابٌ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (123) ] . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَدَ مَضَى مَعْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ [ (124) ] عَنْ مَعْمَرٍ وَعُقَيْلٍ وَكَذَلِكَ [ (125) ] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ- يَعْنِي ابْنَ مَزْيَدٍ- قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّ الْقُرْآنِ نَزَلَ قَبْلُ؟ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» قَالَ: قُلْتُ أَوِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؟ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قَالَ: قُلْتُ أَوِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ (126) ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ بَيْنَ يَدَيَّ وَخَلْفِي وعن
يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ، فَأَخَذَتْنِي وَحْشَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ- حَتَّى بَلَغَ- وَثِيَابَكَ فطهّر» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ [ (127) ] . وَقَدْ مَضَى فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ أَنَّ نُزُولَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ كَانَ بَعْدَ مَا فَتَرَ الْوَحْيُ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ. أَخْبَرَنَاهُ [ (128) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ ابن مُحَمَّدٍ الْمِهْرَجَانِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [بن أزدن] [ (129) ] بْنِ عُقَيْلٍ هُوَ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جابر
ابن عَبْدِ اللهِ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِّي فَتْرَةً فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ، [فَجُئِثْتُ] [ (130) ] مِنْهُ فَرَقًا، حَتَّى صِرْتُ [ (131) ] إِلَى الْأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الرُّجْزُ الْأَوْثَانُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شعيب، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ [ (132) ] ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ مَا قُلْنَاهُ [ (133) ] . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِي، ثُمَّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ «أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ أُنْزِلَتِ اقْرَأْ باسم ربك» [ (134) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الليث، قال: حدثني عقيل عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي [ (135) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ ابن جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ، يَقُولُ: «كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، إِلَى: عَلَّمَ الإنسان ما لم
يعلم [ (136) ] فَقَالُوا: هَذَا صَدْرُهَا الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ حِرَاءَ ثُمَّ أُنْزِلَ آخِرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ اللهُ» وَأَمَّا الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ إِنِّي إِذَا خَلَوتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً وَقَدْ وَاللهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا فَقَالَتْ مَعَاذَ اللهِ مَا كَانَ اللهُ لِيَفْعَلَ بِكَ فو الله إنك لتؤدّي الأمانة، او تصل الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثَمَّ ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ حَدِيثَهُ لَهُ وَقَالَتْ يَا عَتِيقُ اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى وَرَقَةَ، فَقَالَ: وَمَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: خَدِيجَةُ، فَانْطَلَقَا إِلَيْهِ، فَقَصَّا عَلَيْهِ، فَقَالَ إِذَا خَلَوتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً خَلْفِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْطَلِقُ هَارِبًا [ (137) ] فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِذَا [ (138) ] أَتَاكَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ [ (139) ] ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي، فَلَمَّا خَلَا نَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ قُلْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. حَتَّى بَلَغَ. وَلَا الضَّالِّينَ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَأَتَى وَرَقَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ أَبْشِرْ، ثُمَّ أَبْشِرْ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ ابْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ عَلَى مِثْلِ نَامُوسِ مُوسَى، وَأَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ [ (140) ] ، وَأَنَّكَ سَوْفَ تُؤْمَرُ [ (141) ] بِالْجِهَادِ بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا وَلَئِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ لَأُجَاهِدَنَّ مَعَكَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَرَقَةُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْقِسَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ ثِيَابُ الْحَرِيرِ، لِأَنَّهُ آمَنَ بِي
وَصَدَّقَنِي- يَعْنِي وَرَقَةَ، فَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَيا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ [ (142) ] .
باب من [تقدم إسلامه] [1] من الصحابة رضي الله عنهم، وما ظهر لأبي بكر من آياته، وما سمع طلحة من قول الراهب، وما ظهر لابن مسعود من آياته، وما رأى خالد بن سعيد في منامه، وغير ذلك
بَابُ مَنْ [تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ] [ (1) ] مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَا ظَهَرَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ آيَاتِهِ، وَمَا سَمِعَ طَلْحَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَمَا ظَهَرَ لِابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ آيَاتِهِ، وَمَا رَأَى خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِي مَنَامِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال: «وَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ افْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ» فَهَمَزَ [ (2) ] لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي فَانْفَجَرَتْ لَهُ عَيْنٌ مِنْ مَاءِ مُزْنٍ فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ثُمَّ صَلَّيَا [ (3) ] رَكْعَتَيْنِ وِسَجَدَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَدْ أَقَرَّ اللهُ عَيْنَهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَجَاءَهُ مَا يُحِبُّ مِنَ اللهِ فَأَخَذَ بِيَدِ خَدِيجَةَ حَتَّى أَتَى بِهَا الْعَيْنَ فَتَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأَ جِبْرِيلُ ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ هُوَ وَخَدِيجَةُ ثُمَّ كَانَ هُوَ وَخَدِيجَةُ يُصَلِّيَانِ سِرًّا [ (4) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [ثُمَّ] [ (5) ] إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (6) ] جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَوَجَدَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (7) ] مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَى لِنَفْسِهِ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ فَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَكُفْرٍ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ [بِهِ] [ (8) ] قَبْلَ الْيَوْمِ فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرًا حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ، وَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سَرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ [ (9) ] أَمْرُهُ فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ إِذَا [ (10) ] لَمْ تُسْلِمْ فَاكْتُمْ. فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [ثُمَّ إِنَّ اللهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (11) ] حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ: ماذا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَكْفُرُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَنْدَادِ، فَفَعَلَ عَلِيٌّ، وَأَسْلَمَ فَمَكَثَ عَلِيٌّ يَأْتِيهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَمَ عَلِيٌّ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ، وَأَسْلَمَ ابْنُ حَارِثَةَ، فَمَكَثَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، يَخْتَلِفُ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ» [ (12) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حدّثني سلمة
ابن الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بن [مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ] [ (13) ] قَالَ: وَكَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (14) ] مِمَّا صَنَعَ إِلَيْهِ وَأَرَادَ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، أَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ وَكَانَ أَيْسَرَ بَنِي هَاشِمٍ: يَا عَبَّاسُ إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ، مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فَانْطَلِقْ حَتَّى تُخِفِّفَ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا فَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ. قُلْتُ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي سِنِّهِ يَوْمَ أَسْلَمَ» [ (15) ] وَقَدْ مَضَتِ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَفِيفٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ مِنًى أَيَّامَ الْحَجِّ وَكَانَ الْعَبَّاسُ بن عبد المطلب امرءا تَاجِرًا فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ يُصَلِّي فَقَامَ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ؟ فَقَالَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] [ (17) ] أَرْسَلَهُ وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ستفتح عليه،
وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ قَالَ عَفِيفٌ: فَلَيْتَنِي كُنْتُ آمَنْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ فَكُنْتُ أَكُونُ ثَالِثًا [ (18) ] تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بن سعد عن محمد بن إسحق وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا رَآهَا قَدْ مَالَتْ قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ ذَكَرَ قِيَامَ خَدِيجَةَ خَلْفَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] عَبْدُ العزيز ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ، وَأَوَّلَ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ [الصِّدِّيقَ] [ (19) ] أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَكْتُمُ الْإِسْلَامَ فَرَقًا مِنْ أَبِيهِ حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتَ. قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَآزِرِ ابْنَ عَمِّكَ وَانْصُرْهُ وَقَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ [مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ] [ (21) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ قُرَيْشٌ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَرْكِكَ آلِهَتَنَا وَتَسْفِيهِكَ عُقُولَنَا وَتَكْفِيرِكَ آبَاءَنَا [ (22) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: بَلَى إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَنَبِيُّهُ، بَعَثَنِي لِأُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ وَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ بالحق، فو الله إِنَّهُ لَلْحَقُّ، أَدْعُوكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا تَعْبُدْ [ (23) ] غَيْرَهُ، وَالْمُوَالَاةَ عَلَى طَاعَتِهِ- وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ فَأَسْلَمَ وَكَفَرَ بِالْأَصْنَامِ وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ وَآمَنَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ مُصَدِّقٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مَا عَتَّمَ مِنْهُ [ (24) ] حِينَ ذَكَرْتُهُ وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ [ (25) ] . قُلْتُ: وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى دَلَائِلَ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُ [ (26) ] آثَارَهُ [ (27) ] قَبْلَ دَعْوَتِهِ فَحِينَ دَعَاهُ كَانَ [قَدْ] [ (28) ] سَبَقَ فِيهِ تَفَكُّرُهُ وَنَظَرُهُ فَأَسْلَمَ فِي الْحَالِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أبي إسحق، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَرَزَ سَمِعَ مَنْ يُنَادِيهِ: يَا محمد.
فَإِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا فَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ نَدِيمًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إسحق قَالَ: «كَانَ أَوَّلُ مَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَتُهُ ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَدَعَا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ مُحَبَّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ [بِمَا كَانَ فِيهَا] [ (29) ] مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ [ (30) ] . وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ جُلُّ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأَلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرِ لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، مَنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللهُ مِنَ الْكَرَامَةِ فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ» [ (31) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد
ابن بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ [ (32) ] بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، [حَدَّثَهُ] [ (33) ] عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: «حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ [هَذَا] [ (34) ] الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، قَالَ طَلْحَةُ: قُلْتُ نَعَمْ أَنَا. فَقَالَ: هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ [بَعْدُ] [ (35) ] ؟ قَالَ: قُلْتُ وَمَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ. قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ فَخَرَجْتُ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَمِينُ، تَنَبَّأَ [ (36) ] ، وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ وَأَخْبَرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ، أَخَذَهُمَا نوفل بن خويلد بن الْعَدَوِيَّةِ فَشَدَّهُمَا فِي حَبَلٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمَا بَنُو تَيْمٍ، وَكَانَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُدْعَى: أَسَدَ قُرَيْشٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: الْقَرِينَيْنِ» [ (37) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ
مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خُبَيْبٍ الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الطَّلْحِيُّ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُبَيْدُ الله بن إسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ، «وَكَانَ [ (38) ] نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ مِنْ أَشَدِّ قُرَيْشٍ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: الْقَرِينَيْنِ [ (39) ] وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ ابْنِ الْعَدَوِيَّةِ» [ (40) ] . قُلْتُ وَيُذْكَرُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ أَخَا طَلْحَةَ قَرَنَ طَلْحَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِيَحْبِسَهُ عَنِ الصَّلَاةِ وَيَرُدَّهُ عَنْ دِينِهِ وَحَرَّرَ يَدَهُ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إِلَّا وَهُوَ يُصَلِّي مَعَ أَبِي بَكْرٍ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ قال: حدثنا إسمعيل بْنُ مُجَالِدٍ، (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسمعيل بْنُ مُجَالِدٍ [ (41) ] عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ عَمَّارُ- هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ-: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ» . وَفِي رِوَايَةِ السَّمْتِيِّ، قَالَ: «سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (42) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الطَّيِّبِ، عن إسمعيل. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ [ (43) ] ، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَخْفٍ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ قَالَ [ (44) ] أَنَا نَبِيٌّ. فَقُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ. قُلْتُ: آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: بِمَا أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: بِأَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَتُكَسَّرَ الْأَوْثَانُ، وَتُوصَلَ الْأَرْحَامِ. قَالَ، قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، فَمَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: حُرٌّ، وَعَبْدٌ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا، قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ أَوْ رَابِعُ أَرْبَعٍ [ (45) ] قَالَ: فَأَسْلَمْتُ. قُلْتُ فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَومِكَ فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي» [ (46) ] .
هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ ابن عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سمعت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ ولقد
مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لثلث الْإِسْلَامِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (47) ] عن إسحق، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَايِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ- زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ-: وَعَمَّارٌ، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد» [ (48) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الدَّارِمِيُّ. قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: «سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زيد بن عمرو ابن نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ [ (49) ] : وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي، وَأُخْتَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ، لَكَانَ [مَحْقُوقًا أَنْ يَرْفَضَّ] [ (50) ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ [بْنِ مَسْعُودٍ] ، قَالَ: «كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَا: يَا غُلَامُ! عِنْدَكَ لَبَنٌ تَسْقِينَا؟ قُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ، وَلَسْتُ بِسَاقِيكُمَا، فَقَالَا: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الضَّرْعَ فَدَعَا، فَحَفَلَ الضَّرْعُ، وَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَحَلَبَ فِيهَا، ثُمَّ شَرِبَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ سَقَانِي، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلُصْ، فَقَلَصَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْمَقُولِ الطَّيِّبِ- يَعْنِي الْقُرْآنَ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» ، فأخذت من
فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً مَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ [ (51) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ وأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا [ (52) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ ابن حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ اقْلُصْ فَقَلَصَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ يَرْحَمُكَ اللهُ فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ» [ (53) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: «كَانَ إِسْلَامُ خَالِدٍ: يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدِيمًا، وَكَانَ أَوَّلَ إِخْوَتِهِ أَسْلَمَ وَكَانَ بُدُوُّ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ وُقِفَ بِهِ عَلَى شَفِيرِ النَّارِ، فَذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا مَا اللهُ أَعْلَمُ بِهِ [ (54) ] ، وَيَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ أَبَاهُ يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَيَرَى رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ بِحِقْوَيهِ لَا يَقَعُ. فَفَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ،
فَقَالَ [ (55) ] : أَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٌّ. فَلَقِيَ أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُرِيدَ بِكَ خَيْرٌ. هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّكَ سَتَتَّبِعُهُ وَتَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْإِسْلَامُ يَحْجِزُكَ أَنْ تَدْخُلَ فِيهَا. وَأَبُوكَ وَاقِعٌ فِيهَا. فَلَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَجْيَادٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِلَى مَنْ تَدْعُو؟ فَقَالَ: أَدْعُو إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتَخْلَعُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدْهُ. قَالَ خَالِدٌ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِ. وَتَغَيَّبَ خَالِدٌ، وَعَلِمَ أَبُوهُ بِإِسْلَامِهِ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَأَتَى بِهِ فَأَنَّبَهُ وَضَرَبَهُ بِمِقْرَعَةٍ فِي يَدِهِ حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَمْنَعَنَّكَ الْقُوتَ. فَقَالَ خَالِدٌ إِنْ مَنَعْتَنِي فَإِنَّ اللهَ يَرْزُقُنِي مَا أَعِيشُ بِهِ. وَانْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَكَانَ يَلْزَمُهُ وَيَكُونُ مَعَهُ» [ (56) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن ابن إسحق [ (57) ] ، قَالَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَأَبُو سَلَمَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ ابن عَبْدِ الْأَسَدِ، والْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ وَعُبَيْدَةُ بن الحارث [ (58) ] .
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إسحق: وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ: حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمُوا قَالَ: ثُمَّ أُنَاسٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ صَغِيرَةُ، وَقُدَامَةُ ابن مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيَّانِ، وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَعُمَيْرُ [ (59) ] بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِئِ، وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَعَيَّاشُ بن أبي ربيعة المخزومي وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ سَلَامَةَ التَّمِيمِيُّ وَخُنَيسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسْدِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ [ (60) ] ، وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ الْمُجَلِّلِ [ (61) ] ، وَالْخَطَّابُ بْنُ الْحَارِثِ وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ [ (62) ] وَالنَّحَّامُ وَاسْمُهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ [الصِّدِّيقِ] ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وخالد ابن الْبُكَيْرِ، وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، زَادَ غَيْرُهُ فِيهِ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ وَعَاقِلُ بْنُ
الْبُكَيْرِ. قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَعَمَّارُ بْنُ ياسر حلف بَنِي مَخْزُومٍ وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ أَرْسَالًا مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ حَتَّى فَشَا [ (63) ] ذِكْرُ الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ وَتُحُدِّثَ بِهِ. فَلَمَّا أَسْلَمَ هَؤُلَاءِ وَفَشَا أَمْرُهُمْ أَعْظَمَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَغَضِبَتْ لَهُ، وَظَهَرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ وَشَخَصَ لَهُ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَبَادَوْهُ وَأَصْحَابَهُ بِالْعَدَاوَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو لَهَبٍ» وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أسماءهم [ (64) ] .
باب مبتدأ الفرض على رسول الله [65] صلى الله عليه وآله وسلم ثم على الناس وما وجد في جمعه قريشا وإطعامه إياهم من البركة في طعامه
بَابٌ مُبْتَدَأُ الْفَرْضِ عَلَى رَسُولِ اللهِ [ (65) ] صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ عَلَى النَّاسِ وَمَا وُجِدَ فِي جَمْعِهِ قُرَيْشًا وَإِطْعَامِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي طَعَامِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (66) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (67) ] عَلَيْهِ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ لَا [ (68) ] أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ-[صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (69) ]- لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عنك من الله شيئا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (70) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جرير بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. [يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ
فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا] [ (71) ] » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرٍ [ (72) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَا: لَمَّا نَزَلَتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى رَضْمَةٍ [ (73) ] مِنْ جَبَلٍ فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا [ (74) ] ثُمَّ نَادَى: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! إِنِّي نَذِيرٌ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يربؤ [ (75) ] أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهُ [ (76) ] » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كَامِلٍ [ (77) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ محمد بن
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحارث بْنِ نَوْفَلٍ وَاسْتَكْتَمَنِي اسْمَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (78) ] قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ (79) ] . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُ بِهَا قَوْمِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ [ (80) ] فَصَمَتُّ عَلَيْهَا فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لِي [ (81) ] : يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ عَذَّبَكَ رَبُّكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَدَعَانِي فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ فَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُهُمْ بِذَلِكَ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ فَصَمَتُّ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (82) ] فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ عَذَّبَكَ رَبُّكَ فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ رِجْلَ شَاةٍ عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ [ (83) ] لَبَنٍ ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَفَعَلْتُ فَاجْتَمَعُوا لَهُ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا يزيدون رجلا أن يَنْقُصُونَهُ فِيهِمْ أَعْمَامُهُ أَبُو طَالِبٍ وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ وَأَبُو لَهَبٍ الْكَافِرُ الْخَبِيثُ فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْجَفْنَةَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْهَا حُذْيَةً فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي نَوَاحِيهَا وَقَالَ كُلُوا بِسْمِ اللهِ فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ مَا يُرَى إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ وَاللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ فجيت بِذَلِكَ الْقَعْبِ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بَدَرَهُ أبو
لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ، فَقَالَ: لهدّما [ (84) ] سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللهِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صَنَعْتَ لَنَا بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرَنِي إِلَى مَا قَدْ سَمِعْتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ. فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ فَصَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ ثُمَّ سَقَيْتُهُمْ فَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْقَعْبِ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا وَيَشْرَبُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ. إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [ (85) ] . قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَرْيَمَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَا أَخْفَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَمْرَهُ واسْتَسَرَّ بِهِ إِلَى أَنْ أُمِرَ بِإِظْهَارِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ» . قُلْتُ وَقَدْ رَوَى شَرِيكٌ الْقَاضِي عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَسْدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي إِطْعَامِهِ إِيَّاهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مختصرا.
باب ما رد أبو لهب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين دعاهم إلى الإيمان وما أنزل الله تعالى فيه من القرآن وقطع بأنه يصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد فلم يسلم واحد منهما حتى صار الخبر بقضية الإسلام صدقا ولا يقطع بمثل
بَابُ مَا رَدَّ أَبُو لَهَبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ يَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبَلٌ مِنْ مَسَدٍ فَلَمْ يُسْلِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى صَارَ الْخَبَرُ بِقَضِيَّةِ الْإِسْلَامِ صِدْقًا وَلَا يَقْطَعُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُ حَقًّا وَلَا سَبِيلَ لِلْبَشَرِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْمُتَكَلِّمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (86) ] ، وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ (87) ] ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهُ. قَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا مُحَمَّدٌ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
وَتُبْ* [ (88) ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ» . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هَمَّامٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (89) ] عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَقَالَ: «وَقَدْ تَبَّ» كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ [ (90) ] . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (91) ] عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ، قَالَ: أخبرنا بشر ابن أَحْمَدَ الِاسْفَرَايِنِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ. قَالَ: فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالُوا مالك، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يمَسِّيكُمْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ أَوْ بَلَى، قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، قَالَ، فَقَالَ. أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (92) ] عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (93) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الرَّضَاعِ، قَالَ عُرْوَةُ: «وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فأرضعت النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ خَيْبَةٍ فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً [ (94) ] . غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، وَأَشَارَ إِلَى النُّقَيْرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ وَفِي ذَلِكَ آيَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ آيَاتِ النُّبُوَّةِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ بن محمد العوفي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، قَالَ: كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ فَتَطْرَحُهُ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِيَعْقُرَهُ وَأَصْحَابَهُ وَيُقَالُ حمّالة الحطب نَقَّالَةُ الْحَدِيثِ، حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قَالَ هِيَ حِبَالٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ وَيُقَالُ الْمَسَدُ الْعَصَا الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَكَرَةِ وَيُقَالُ الْمَسَدُ قِلَادَةٌ لَهَا من ودع.
باب قول الله عز وجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس 5: 67 [1] وما جاء في عصمة الله [تعالى] [2] إياه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة [3] صلى الله عليه وآله وسلم.
بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ] وَمَا جَاءَ فِي عِصْمَةِ اللهِ [تَعَالَى] [ (2) ] إِيَّاهُ حَتَّى بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ [ (3) ] صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ [تَعَالَى] [ (4) ] » . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «لَمَّا بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَرَائِضَهُ كَمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ، فِي حِينٍ غَيْرَ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ، قَالَ: وَيُقَالُ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (5) ] إِنَّ
أَوَّلَ مَا نَزَّلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (6) ] ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدُ- مَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِأَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ. فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يُعَلِّمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَخَافَ التَّكْذِيبَ وَأَنْ يُتَنَاوَلَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (7) ] قَالَ فَقَالَ يَعْصِمُكَ مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوكَ حَتَّى تُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ فبلَّغ مَا أُمر بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ [ (8) ] الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ [ (9) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عن محمد ابن الْمُنْكَدِرِ، عَنْ رَبِيعَةَ الدُّؤَلِيِّ [ (10) ] قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِذِي الْمَجَازِ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ تَقِدُ وَجْنَتَاهُ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا مِنْ دِينِكُمْ وَدِينِ آبَائِكُمْ. قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالُوا [ (11) ] : هَذَا أَبُو لَهَبٍ» [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئِ ابْنِ الْحَمَّامِيِّ [ (13) ] رَحِمَهُ اللهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قال:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ- رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ كَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ- أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا وَإِذَا وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ. قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وَرَاءَهُ فَقِيلَ لِي هَذَا أَبُو لَهَبٍ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ: أَنَا يَوْمَئِذٍ أَزْفَرُ الْقِرْبَةَ لِأَهْلِي» [ (14) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ كَنَانَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا وَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ يُسْفِي عَلَيْهِ التُّرَابَ فَإِذَا هُوَ أَبُو جَهْلٍ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ تَتْرُكُوا عِبَادَةَ اللَّاتِ والْعُزَّى» [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ هَذَا قَدْ آذَانَا فِي نَادِينَا وَمَسْجِدِنَا فَانْهَهُ عَنَّا. فَقَالَ: يَا عَقِيلُ انْطَلِقْ فَأْتِنِي بِمُحَمَّدٍ، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ كِبْسٍ [ (16) ] أَوْ قَالَ: مِنْ حِفْشٍ- يَقُولُ بَيْتٌ صَغِيرٌ- فَجَاءَ به في
الظَّهِيرَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّ بَنِي عَمِّكَ هَؤُلَاءِ قَدْ زَعَمُوا أَنَّكَ تُؤْذِيهِمْ فِي نَادِيهِمْ وَمَسْجِدِهِمْ فَانْتَهِ عَنْ أَذَاهُمْ فَحَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّمْسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَنَا بِأَقْدَرِ عَلَى أَنْ أَدَعَ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَى أَنْ تَسْتَشْعِلُوا [ (17) ] مِنْهَا شُعْلَةً، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللهِ مَا كَذَّبْتَ ابْنَ أَخِي قَطُّ فَارْجِعُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ يُونُسَ [ (18) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عقبة بن المغيرة ابن الْأَخْنَسِ، أَنَّهُ حُدِّثَ: «أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالَتْ لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جاءُونِي فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنَ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ أَنَا وَلَا أَنْتَ فَاكْفُفْ عَنْ قَوْمِكِ مَا يَكْرَهُوَنَ مِنْ قَوْلِكَ، فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ وَضَعُفَ عَنِ الْقِيَامِ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ لَوْ وُضِعَتِ الشَّمْسُ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرُ فِي يَسَارِي مَا تَرَكْتُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (19) ] أَوْ أَهْلِكَ فِي طَلَبِهِ. ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَبَكَى، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لَهُ حِينَ رَأَى مَا بَلَغَ الْأَمْرُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ أَخِي! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: امْضِ عَلَى أَمْرِكَ وَافْعَلْ مَا أحببت، فو الله لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا» [ (20) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي شِعْرٍ قَالَهُ حِينَ أَجْمَعَ لِذَلِكَ مِنْ نُصْرَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَدَاوَةِ قَوْمِهِ: وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا فَامْضِي [ (21) ] لِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ... أَبْشِرْ وَقِرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيونَا وَدَعَوتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ نَاصِحِي ... فَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ قَبْلُ [ (22) ] أَمِينَا وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارِي سُبَّةً ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا وَذُكِرَ لِأَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا [ (23) ] . وَفِي [كُلِّ] [ (24) ] ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَصَمَهُ بِعَمِّهِ مَعَ خِلَافِهِ إِيَّاهُ فِي دِينِهِ، وَقَدْ كَانَ يَعْصِمُهُ- حَيْثُ لَا يَكُونُ عَمُّهُ- بِمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ» . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إسماعيل ابن مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دُنُوقَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُعْتَمِرُ [ (25) ] بْنُ سُلَيْمَانَ [ح] .، وأخبرنا أبو عبد
اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي [أحمد بن] [ (26) ] محمد بْنِ صَالِحٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْعَنَزِيُّ، وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ: يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ [ (27) ] بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى! لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ وَلَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ. فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ فَمَا فَجِئَهُمْ [ (28) ] مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ [ (29) ] وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ؟ فَقَالَ [ (30) ] إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا [ (31) ] مِنْ نَارٍ. زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً- ثُمَّ اتَّفَقَا- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» . قَالَ وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ- لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٍ بَلَغَهُ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى [ (32) ]- إِلَى قَوْلِهِ- إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ- فَلْيَدْعُ ناديه قومه. سندع الزبانية- الْمَلَائِكَةَ» هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بشران نزول الآية.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (33) ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَدِيمٌ مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ جَرَتْ بَيْنَ مُشْرِكِي مَكَّةَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ، فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَحْتُ بِهِ رَأْسَهُ فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ أَخَذَ حَجَرًا ثُمَّ جَلَسَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ، وَغَدَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا يَغْدُو وَكَانَتْ قِبْلَتُهُ الشَّامَ فَكَانَ [ (34) ] إِذَا صَلَّى، صَلَّى بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيِّ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ثَمَّةَ [ (35) ] يُصَلِّي وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ فَجَلَسُوا فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْظُرُونَ، فَلَمَّا سَجَدَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ رجع منتها مُنْتَقِعًا [ (36) ] لَوْنُهُ مُرْعُوبًا، قَدْ يَبُسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ حَتَّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ، وَقَامَتْ إِلَيْهِ رِجَالٌ من قريش فقالوا مالك يَا أَبَا الْحَكَمِ، فَقَالَ: قُمْتُ إِلَيْهِ لِأَفْعَلَ مَا قُلْتُ لَكُمُ الْبَارِحَةَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ [ (37) ] عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنَ الْإِبِلِ، والله ما
رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، فَهَمَّ أَنْ يَأْكُلَنِي [ (38) ] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ دَنَا مِنِّي لَأَخَذَهُ» [ (39) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي [ (40) ] أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: «كُنْتُ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا سَاجِدًا أَنْ أَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَخَرَجْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ فَخَرَجَ غَضْبَانًا حَتَّى جَاءَ الْمَسْجِدَ فَعَجِلَ أَنْ يَدْخُلَ مِنَ الْبَابِ فَاقْتَحَمَ الْحَائِطَ فَقُلْتُ هَذَا يَوْمُ شَرٍّ فَاتَّزَرْتُ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ فَلَمَّا بَلَغَ شَأْنَ أَبِي جَهْلٍ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (41) ] قَالَ إِنْسَانٌ لِأَبِي جَهْلٍ يَا أَبَا الْحَكَمِ هَذَا مُحَمَّدٌ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ أَلَا تَرَوْنَ مَا أَرَى وَاللهِ لَقَدْ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ عَلَيَّ فَلَمَّا بَلَغَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ آخِرَ السُّورَةِ سَجَدَ» [ (42) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (43) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ [ (44) ] بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ (ح) .، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ محمد القتياني [ (45) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَرَّ أَبُو جَهْلٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ أَنْ تُصَلِّيَ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا بِهَا أَحَدٌ أَكْثَرُ نَادِيًا مِنِّي فَانْتَهَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزّبانية وَاللهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ» [ (46) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابن
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ [ (47) ] الثَّقَفِيُّ، قَالَ: «قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إِرَاشٍ بِإِبِلٍ لَهُ مَكَّةَ فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا وَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! مَنْ رَجُلٌ يُؤَدِّينِي؟ [وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُعَدِّينِي] [ (48) ] عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ فَإِنِّي غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقِّي فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ تَرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ- وَهُمْ يُهْوُونَ لَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ مِنَ الْعَدَاوَةِ- اذْهَبْ إِلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّيكَ عَلَيْهِ [وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُعَدِّيكَ عَلَيْهِ] [ (49) ] ، فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَامَ مَعَهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ، قَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُمُ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ مَا يَصْنَعُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ، فَاخْرُجْ إِلَيَّ فَخَرَجَ إِلَيْهِ [وَمَا فِي وَجْهِهِ بَايِحَةٌ] [ (50) ] وَقَدِ انْتَقَعَ لَوْنُهُ قَالَ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ، قَالَ: لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الَّذِي لَهُ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِحَقِّهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلْإِرَاشِيِّ: الْحَقْ بِشَأْنِكَ [ (51) ] فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا فَقَدْ أَخَذَ الَّذِي لِي. وَجَاءَ الرَّجُلُ الَّذِي بَعَثُوا [ (52) ] مَعَهُ فَقَالُوا وَيْحَكَ مَاذَا رَأَيْتَ؟ فَقَالَ: عَجَبًا مِنَ الْعَجَبِ وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ أَعْطِ هَذَا
الرَّجُلَ حَقَّهُ فَقَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فَدَخَلَ [ (53) ] فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ حَقَّهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا له ويلك مالك فو الله مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْتَ! فَقَالَ: وَيْحَكُمْ وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيَّ بَابِي [ (54) ] [وَسَمِعْتُ صَوْتَهُ] [ (55) ] فَمُلِئتُ رُعْبًا ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَيْهِ وَإِنَّ فَوْقَ رَأْسِي لَفَحَلًا مِنَ الْإِبِلِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لفحل قط فو الله لو أبيت لأكلني» [ (56) ] .
باب قول الله عز وجل وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا 17: 45 [1] وما جاء في تحقيق ذلك
بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [ (1) ] وَمَا جَاءَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [ (2) ] أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلِ بِنْتُ حَرْبٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ وَهِيَ تقول: مُذَمَّمًا أَبَيْنَا، وَدِينَهُ قَلَيْنَا وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (3) ] فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ قَالَ النَّبِيُّ [ (4) ] صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي وَقَرَأَ قُرْآنًا فَاعْتَصَمَ بِهِ كَمَا قَالَ. وَقَرَأَ وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فَوَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، فَقَالَ: لَا
وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ. قَالَ: فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي ابْنَةُ سَيِّدِهَا» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [ (5) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، قال: حدّثني أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعِنْدَهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ مَا شَأْنُ صَاحِبِكَ يَنْشُدُ فِي الشِّعْرِ؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا صَاحِبِي بِشَاعِرٍ وَمَا يَدْرِي مَا الشِّعْرُ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ فِي جِيدِهَا حَبَلٌ من مسد فَمَا يُدْرِيهِ مَا فِي جِيدِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قُلْ لَهَا تَرَيْنَ عِنْدِي أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَرَانِي، قَالَ: جُعِلَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَسَأَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَتَهْزَأُ بِي يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ!، وَاللهِ مَا أَرَى عِنْدَكَ أَحَدًا» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْغَسِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَحْبُورٍ [ (6) ] الدِّهَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي قَوْلِهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (7) ] وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [ (8) ] قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ سَدًّا غطاء فأغشيناهم يَقُولُ أَلْبَسْنَا أَبْصَارَهُمْ وَغَشَيْنَاهُمْ
فهم لا يبصرون النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَيُؤْذُونَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ تَوَاصَوْا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ [ (9) ] مِنْهُمْ: أَبُو جَهْلٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا سَمِعُوا قِرَاءَتَهُ أَرْسَلُوا الْوَلِيدَ لِيَقْتُلَهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى [ (10) ] إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِيهِ، فَجَعَلَ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَلَا يَرَاهُ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَأَعْلَمَهُمْ ذَلِكَ، فَأَتَاهُ مِنْ بَعْدِهِ: أَبُو جَهْلٍ، وَالْوَلِيدُ، وَنَفَرٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ يُصَلِّي سَمِعُوا قِرَاءَتَهُ فَيَذْهَبُونَ إِلَى الصَّوْتِ فَإِذَا الصَّوْتُ مِنْ خَلْفِهِمْ فَيَنْتَهُوَنَ إِلَيْهِ [ (11) ] فَيَسْمَعُونَهُ أَيْضًا مِنْ خَلْفِهِمْ، فَانْصَرَفُوا وَلَمْ يَجِدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» . وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مَا يُؤَكِّدُ هذا [ (12) ] .
باب اعتراف مشركي قريش بما في كتاب الله [تعالى] [1] من الإعجاز وأنه لا يشبه شيئا من لغاتهم مع كونهم من أهل اللغة وأرباب اللسان
بَابُ اعْتِرَافِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ [تَعَالَى] [ (1) ] مِنَ الْإِعْجَازِ وَأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ لُغَاتِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَرْبَابِ اللِّسَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، قال: حدّثنا إسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] [ (2) ] «أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا عَمِّ! إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتَعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ [أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ] [ (3) ] قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ فو الله مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ. وَاللهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وو الله إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَا، وَأَنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ. قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ. قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أفكر
فِيهِ، فَلَمَّا فَكَّرَ، قَالَ: «هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ، فَنَزَلَتْ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (4) ] . هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ مَوْصُولًا وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «جَاءَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ (5) ] . قَالَ: أَعِدْ، فَأَعَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، وَإِنَّ أَسْفَلُهُ لَمُغْدِقٌ وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ» [ (6) ] . وَهَذَا فِيمَا رَوَاهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادٍ، هَكَذَا مُرْسَلًا. وَكَذَلِكَ [ (7) ] رَوَاهُ [مَعْمَرٌ] [ (8) ] عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ أَيْضًا: مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ مُرْسَلًا. وَكُلُّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير عن ابن إسحاق،
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس «أن الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوَاسِمَ، فَقَالَ [ (10) ] إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا. فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ، وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُومُ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا أَسْمَعْ، فَقَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ، فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكُهَّانِ [ (11) ] ، فَقَالُوا نَقُولُ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ: مَا [ (12) ] هُوَ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ. قَالُوا: فَنَقُولُ شَاعِرٌ، قَالَ مَا هُوَ [ (13) ] بِشَاعِرٍ قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ: بِرَجَزِهِ، وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ، وَمَبْسُوطِهِ فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ. قَالُوا: فَنَقُولُ سَاحِرٌ، قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ: قَدْ رَأَيْنَا السُّحَارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عُقَدِهِ، فَقَالُوا: مَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ حَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لمغدق وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًا، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ لَأَنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ فَتَقُولُوا [ (14) ] هُوَ سَاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ [ (15) ] فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ لِلنَّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمَ لَا يَمُرُّ بِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا حَذَّرُوهُ إِيَّاهُ، وَذَكَرُوا لَهُمْ مِنْ [ (16) ] أَمْرِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً- إِلَى قَوْلِهِ- سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [ (17) ] . وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا معه ويصنّفون [ (18) ] لَهُ الْقَوْلَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [ (19) ] أي أصنافا فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ (20) ] أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ يَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِمَنْ لَقُوا مِنَ النَّاسِ قَالَ وَصَدَرَتِ الْعَرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ كُلِّهَا» [ (21) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَظُنُّهُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مُضَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إِنَّهُ وَاللهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ، لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ قُلْتُمْ: سَاحِرٌ. لَا وَاللهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ، قَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ، وَقُلْتُمْ: كَاهِنٌ لَا وَاللهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَحَالَهُمْ وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ. وَقُلْتُمْ: شَاعِرٌ. لَا وَاللهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ: لَقَدْ رَأَيْنَا الشِّعْرَ [ (22) ] وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا هَزَجَهُ وَرَجَزِهِ وَقَرِيضَهُ، وَقُلْتُمْ: مَجْنُونٌ وَلَا وَاللهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ وَلَا تَخْلِيطِهِ. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ انْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ فَإِنَّهُ وَاللهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أمر عظيم.
وَكَانَ النَّضْرُ [ (23) ] مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَمِمَّنْ كَانَ [ (24) ] يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ» [ (25) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَجْلَحُ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «قَالَ أبو
جَهْلٍ وَالْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ لَقَدِ انْتَشَرَ عَلَيْنَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فَلَوِ الْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ أَتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ عُتْبَةُ لقد سمعت يقول السَّحَرَةِ [ (26) ] وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ وَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا وَمَا يَخْفَى عَلَيَّ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَتَاهُ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ [ (27) ] عُتْبَةُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ هَاشِمٌ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَنْتَ خَيْرُ أَمْ عَبْدُ اللهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ قَالَ: فِيمَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا، وَتُضَلِّلُ آبَاءَنَا، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا بِكَ الرِّئَاسَةُ عَقَدْنَا أَلْوِيَتَنَا لَكَ [ (28) ] فَكُنْتَ رَأْسَنَا مَا بَقِيتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْبَاءَةُ زَوَّجْنَاكَ عَشْرَ نِسْوَةٍ تَخْتَارُ مِنْ أَيِّ أَبْيَاتِ قُرَيْشٍ شِئْتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْمَالُ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا تَسْتَغْنِي بِهَا أَنْتَ وَعَقِبُكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ- أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [ (29) ] فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ عَلَى فِيهِ وَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ [ (30) ] أُن يَكُفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى أَهْلِهِ وَاحْتَبَسَ عَنْهُمْ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللهِ مَا نَرَى عُتْبَةَ إِلَّا قَدْ صَبَا إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَعْجَبَهُ طَعَامَهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ أَصَابَتْهُ، انْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَوْهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ يَا عُتْبَةُ مَا حَسِبْنَا إِلَّا أَنَّكَ صَبَوْتَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَعْجَبَكَ أَمْرُهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكَ حَاجَةٌ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يُغْنِيكَ عَنْ طَعَامِ مُحَمَّدٍ. فَغَضِبَ وَأَقْسَمَ بِاللهِ لَا يُكَلِّمُ مُحَمَّدًا أَبَدًا. قَالَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا وَلَكِنِّي أَتَيْتُهُ فَقَصَّ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ فَأَجَابَنِي بِشَيْءٍ وَاللهِ مَا هُوَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ قرأ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. قَالَ يَحْيَى كَذَا قَالَ يَعْقِلُونَ حَتَّى بَلَغَ فَقَالَ: أَنْذَرْتُكُمْ. صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ وَنَاشَدْتُهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ فَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ» [ (31) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «حُدِّثْتُ أَنَّ عتبة بن ربيعة [ (32) ] وَكَانَ سَيِّدًا حَلِيمًا- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَلَا أَقُومُ إِلَى هَذَا فَأُكَلِّمَهُ فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا بَعْضَهَا وَيَكُفَّ عَنَّا؟ قَالُوا بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، فَقَامَ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيمَا قَالَ لَهُ عُتْبَةُ وَفِيمَا عَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ وَالْمُلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ عُتْبَةُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَفَرَأَيْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاسْمَعْ مِنِّي قَالَ أَفْعَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [ (33) ] فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم فقرأها [ (34) ] عليه فما سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْتَمِعُ مِنْهُ حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ سَمِعْتُ قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ قَالُوا مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ وَرَائِي أَنِّي وَاللهِ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ وَاللهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا السِّحْرِ وَلَا الْكِهَانَةِ. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي. خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ واعتزلوه فو الله لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ. قَالُوا سَحَرَكَ وَاللهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ فَقَالَ هَذَا رَأْيِي لَكُمْ فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ شِعْرًا قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ يَمْدَحُ عُتْبَةَ فِيمَا قَالَ» [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْآدَمِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (36) ] أَتَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَهُمْ يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْمِ واعصوني فيما بعده فو الله لَقَدْ سَمِعْتُ مِنَ هَذَا
الرَّجُلِ كَلَامًا مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ قَطُّ كَلَامًا مِثْلَهُ وَمَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ» [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: «حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا سُفْيَانَ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ وَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا. ثُمَّ انْصَرَفُوا حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى مَجْلِسِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ. ثُمَّ انْصَرَفُوا فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ لَا نَعُودُ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا. فَقَالَ الْأَخْنَسُ وَأَنَا وَالَّذِي حَلَفْتُ بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَكَمِ مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ من مُحَمَّدٍ فَقَالَ مَاذَا سَمِعْتَ؟ تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قالوا: منّا نبيّ
يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ فَمَتَى نُدْرِكُ [ (38) ] هَذِهِ، وَاللهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ» [ (39) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي أَنَا وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ مَكَّةَ، إِذْ لَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ هَلُمَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَا مُحَمَّدُ هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا هَلْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، فو الله لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ ما تقول حقّا مَا اتَّبَعْتُكَ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ. وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: فو الله إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ وَلَكِنَّ بَنِي قُصَيٍّ قَالُوا: فِينَا الْحِجَابَةُ فَقُلْنَا نَعَمْ. فَقَالُوا فِينَا النَّدْوَةُ فَقُلْنَا نَعَمْ، ثُمَّ قَالُوا فِينَا اللِّوَاءُ فَقُلْنَا نَعَمْ. قَالُوا فِينَا السِّقَايَةُ فَقُلْنَا نَعَمْ، ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ والله لا أفعل» [ (40) ] .
باب ذكر إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وما في قصته من تنزيه [1] أخيه أنيس وهو أحد الشعراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما كانوا يقولون فيه مما لا يليق به، واعترافه بإعجاز القرآن، ثم ما فيها من اكتفاء أبي ذر ثلاثين ليلة ويوم بماء زمزم
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَا فِي قِصَّتِهِ مِنْ تَنْزِيهِ [ (1) ] أَخِيهِ أُنَيْسٍ وَهُوَ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَاعْتِرَافِهِ بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ مَا فِيهَا مِنِ اكْتِفَاءِ أَبِي ذَرٍّ ثَلَاثِينَ ليلة ويوم بِمَاءِ زَمْزَمَ عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى سَمِنَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رجاء وعمران ابن مُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا [ (2) ] هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: «خَرَجْنَا عَنْ [ (3) ] قَوْمِنَا غِفَارٍ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا ذِي مَالٍ وَذِي هَيْئَةٍ، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، قَالَ: فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا [ (4) ] مَا قِيلَ لَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، قَالَ: فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا [ (5) ] فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بحضرة
مَكَّةَ، قَالَ: فَنَافَرَ [ (6) ] أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيْنَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا [ (7) ] . قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ. قُلْتُ فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يوَجِّهُنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ [ (8) ]- فِي حَدِيثِ الْمُقْرِئِ يَعْنِي الثَّوْبَ- حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ، قَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ، فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ [ (9) ] عَلَيَّ ثُمَّ أَتَانِي، فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ. قَالَ: قُلْتُ مَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّهُ لَشَاعِرٌ، وَسَاحِرٌ، وَكَاهِنٌ قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ، قَالَ: فَقَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى أَقْرَاءِ [ (10) ] الشِّعْرِ فو الله مَا يَلْتَئِمُ، عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي، إِنَّهُ شِعْرٌ، وو الله إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قَالَ قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ كَافِينِي حَتَّى أَنْطَلِقَ فَأَنْظُرَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى قدمت مكة
فَتَضَعَّفْتُ [ (11) ] رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ [ (12) ] : الصَّابِئُ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى الصابي [ (13) ] . قَالَ فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعَتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَغَسَلَتُ عَنِّي الدَّمَ، فَدَخَلْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَالِي طَعَامٌ إِلَّا ماء زمزم، فسمنت حتى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي [ (14) ] وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ [ (15) ] قَالَ فَبَيْنَمَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ [ (16) ] إِضْحِيَانٍ [ (17) ] قَدْ ضَرَبَ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَصْمِخَةِ [ (18) ] أَهْلِ مَكَّةَ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرُ امْرَأَتَيْنِ فَأَتَتَا عَلَيَّ وَهُمَا يَدْعُوَانِ إِسَافًا ونَائِلَةَ، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، قَالَ فَمَا تَنَاهَيَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُهُ فَمَا ثَنَاهُمَا ذَلِكَ عَمَّا قَالَا قَالَ: فَأَتَيَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ [ (19) ] غَيْرَ أَنِّي لَا أُكَنِّي، فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ [ (20) ] وَتَقُولَانِ:
لو كان ها هنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. قَالَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَا لَهُمَا: مَا لَكُمَا؟ قَالَتْا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، قَالَ: مَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ [ (21) ] . فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَأَتَيْتُهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبِينِهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي [كَرِهَ] أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَيْتُ لِآخُذَ بِيَدِهِ فَقَدَعَنِي [ (22) ] صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ متى كنت هاهنا؟ قلت قد كنت هاهنا منذ ثلاثين ليلة ويوم قَالَ: فَمَنَ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي إِطْعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى فَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ فَكَانَ ذَاكَ أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، قَالَ: فَغَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ [ (23) ] ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ وُجِّهْتُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ [ (24) ] لَا أَحْسَبُهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ ينفعهم
بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أَخِي أُنَيْسًا فَقَالَ لِي: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ: فَمَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكِ [ (25) ] فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، ثُمَّ أَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ: ثُمَّ احْتَمَلْنَا حَتَّى أتينا قومنا غفار فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ خُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: وَكَانَ سَيِّدَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَسْلَمْنَا. قَالَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ وَجَاءَتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: غِفَارٌ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (26) ] عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مَلَكِ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: «كُنْتُ رُبُعَ [ (27) ] الْإِسْلَامِ أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَأَنَا الرَّابِعُ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَرَأَيْتُ الِاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم» . [ (28) ]
باب ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وما في ذلك من وعظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إياه حتى ألقى الله عز وجل في نفسه الإيمان بما قال
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ وَعْظِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. إِيَّاهُ حَتَّى أَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي نَفْسِهِ الْإِيمَانَ بِمَا قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنِي رجل من أَسْلَمَ وَكَانَ وَاعِيَةً «أَنَّ أَبَا جَهْلٍ اعْتَرَضَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَنَالَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ مِنَ الْعَيْبِ لِدِينِهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ. رَفَعَ الْقَوْسَ، فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً شَجَّهُ مِنْهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إِلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ مِنْهُ، فَقَالُوا: مَا نَرَاكَ يَا حَمْزَةُ إِلَّا قَدْ صَبَأْتَ، فَقَالَ حَمْزَةُ وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدِ اسْتَبَانَ لِي مِنْهُ. أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَأَنَّ الَّذِي يَقُولُ حَقٌّ، فو الله لَا أَنْزِعُ فَامْنَعُونِي إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ فَإِنِّي وَاللهِ لَقَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا [ (1) ] . فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ عَزَّ وَامْتَنَعَ فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ مِنْهُ وَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا [ (2) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ
رَجَعَ حَمْزَةُ إِلَى بَيْتِهِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ اتَّبَعْتَ هَذَا الصَّابِئَ وَتَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ، لَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا صَنَعْتَ، فَأَقْبَلَ عَلَى حَمْزَةَ بثه وقال: مَا صَنَعْتُ؟ اللهُمَّ إِنْ كَانَ رُشْدًا فَاجْعَلْ تَصْدِيقَهُ فِي قَلْبِي، وَإِلَّا فَاجْعَلْ لِي مِمَّا وَقَعَتُ فِيهِ مَخْرَجًا. فَبَاتَ بِلَيْلَةٍ لَمْ يَبِتْ بِمِثْلِهَا مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ حَتَّى أَصْبَحَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي! إِنِّي قَدْ وَقَعْتُ فِي أَمْرٍ لَا أَعْرِفُ الْمَخْرَجَ مِنْهُ وَإِقَامَةُ مِثْلِي عَلَى مَا لَا أَدْرِي مَا هُوَ أَرُشْدٌ هُوَ أَمْ غَيٌّ شَدِيدٌ، فَحَدِّثْنِي حَدِيثًا فَقَدِ اشْتَهَيْتُ يَا ابْنَ أَخِي أَنْ تُحَدِّثَنِي. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَذَكَّرَهُ، وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ، وَبَشَّرَهُ، فَأَلْقَى اللهُ فِي نَفْسِهِ الْإِيمَانَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الصَّادِقُ شَهَادَةَ الصِّدْقِ. فَأَظْهِرْ يَا ابْنَ أَخِي دِينَكَ، فو الله مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا أَظَلَّتِ السَّمَاءُ وَأَنِّي عَلَى دِينِيَ الْأَوَّلِ، فَكَانَ حَمْزَةُ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (3) ] مِمَّنْ أَعَزَّ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (4) ] بِهِ الدين» .
باب ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قرأ القرآن، وعلم إعجازه، وما كان من إجابة الله - عز وجل - فيه دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإعزاز دينه بإسلام أحد الرجلين
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ حِينَ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَلِمَ إِعْجَازَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ إِجَابَةِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ دَعْوَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِإِعْزَازِ دِينِهِ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد الله ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ] [ (1) ] قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (3) ] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّاهِدُ النَّحْوِيُّ غُلَامُ ثَعْلَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، أَوْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» قَالَ: فَكَانَ يَعْنِي عُمَرَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (4) ] أَحَبُّهُمَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ ابْنُ الْحَمَّامِيِّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُرْدٍ الْأَنْطَاكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، قَالَ: ذَكَرَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعْلِمَكُمْ كَيْفَ كَانَ إِسْلَامِي؟ قَالَ: قُلْنَا، نَعَمْ. قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ بِالْهَاجِرَةِ فِي بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ الَّتِي وَالَّتِي وَالَّتِي! [ (6) ] قَالَ: عَجَبًا لَكَ يا ابن الخطاب، عمنت تَزْعُمُ أَنَّكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ فِي بَيْتِكَ. قَالَ: قُلْتُ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ أُخْتُكَ قَدْ أَسْلَمَتْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ مِمَّنْ لَا شَيْءَ لَهُ ضَمَّهُمَا [رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] [ (7) ] إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي فِي يَدِهِ السَّعَةِ فَيَنَالَاهُ مِنْ فَضْلِ [ (8) ] طَعَامِهِ وَقَدْ كَانَ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ فَلَمَّا قَرَعْتُ الْبَابَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قُلْتُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَتَبَادَرُوا فَاخْتَفَوْا مِنِّي، وَقَدْ كانوا يقرأون صَحِيفَةً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تَرَكُوهَا أَوْ نَسُوهَا. فَقَامَتْ أُخْتِي تَفْتَحُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا أَصَبَوْتِ؟ وَضَرَبْتُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِي عَلَى رَأْسِهَا، فَسَالَ الدَّمُ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ بَكَتْ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! مَا كُنْتَ فَاعِلًا فَافْعَلْ، فَقَدْ صَبَوْتُ. قَالَ: وَدَخَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ فَنَظَرْتُ إِلَى الصَّحِيفَةِ وَسْطَ الْبَيْتِ، فقلت ما هذا؟ ناولنيها، فَقَالَتْ: لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا أَنْتَ لَا تَطْهُرُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَهَذَا كِتَابٌ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. فَمَا زِلْتُ بِهَا حَتَّى نَاوَلَتْنِيهَا، فَفَتَحْتُهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- ذُعِرْتُ مِنْهُ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَتَنَاوَلْتُهَا، فَإِذَا فِيهَا سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (9) ] ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ذُعِرْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، فَقَرَأْتُهَا حَتَّى بَلَغْتُ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (10) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَخَرَجُوا إِلَيَّ مُتَبَادِرِينَ وَكَبَّرُوا وَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ دَعَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: اللهُمَّ أَعِزَّ دِينَكَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: إِمَّا أَبُو جَهْلِ بْنَ هشام، وَإِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنَا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَكَ فَأَبْشِرْ. قَالَ: قُلْتُ، فَأَخْبِرُونِي أَيْنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ؟ فَلَمَّا عَرَفُوا الصِّدْقَ مِنِّي قَالُوا: فِي بَيْتٍ بِأَسْفَلِ الصَّفَا، فَخَرَجْتُ، حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَقَدْ عَلِمُوا مِنْ شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا يَعْلَمُونَ بِإِسْلَامِي، فما اجترأ أحد بفتح الْبَابَ [ (11) ] حَتَّى قَالَ: افْتَحُوا لَهُ إِنْ يُردِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ، فَفَتَحُوا لِيَ الْبَابَ فَأَخَذَ رَجُلَانِ بِعَضُدَيَّ، حَتَّى أَتَيَا بِيَ النَّبِيَّ
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ خَلُّوا عَنْهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِمَجَامِعِ قَمِيصِي، ثُمَّ جَذَبَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اللهُمَّ اهْدِهِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ بِفِجَاجِ مَكَّةَ، وَكَانُوا مُسْتَخْفِينَ فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَرَى رَجُلًا يُضْرَبُ فَيَضْرِبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ وَلَا يُصِيبُنِي [ (12) ] مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. فَخَرَجْتُ، حَتَّى جِئْتُ خَالِي وَكَانَ شَرِيفًا فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ [ (13) ] ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقُلْتُ: عَلِمْتَ أني قد صبوت قال أو فعلت؟ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا تَفْعَلْ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، فَدَخَلَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، فَقُلْتُ: مَا هَذَا شَيْءٌ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ فَنَادَيْتُهُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقُلْتُ مِثْلَ مَقَالَتِي لِخَالِي، وَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، وَدَخَلَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا هَذَا شَيْءٌ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُونَ وَأَنَا لَا أُضْرَبُ. فَقَالَ لِي رَجُلٌ أَتُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ بِإِسْلَامِكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلَانًا- لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ السِّرَّ- فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ: إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَكْتُمُ السِّرَّ. قَالَ: فَجِئْتُ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِنِّي قد صبوت. قال: أو فعلت؟ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ فَبَادَرَ إِلَيَّ أُولَئِكَ النَّاسُ فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُهُمْ وَيَضْرِبُونَنِي فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ النَّاسُ. فَقَالَ خَالِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ قِيلَ عُمَرُ قَدْ صَبَأَ، فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ فَأَشَارَ بِكُمِّهِ هَكَذَا أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أَخِي، فَتَكَشَّفُوا عَنِّي، فَكُنْتُ لَا أَشَاءُ أن أرى
رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَضْرِبُ وَيُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي فَأَتَيْتُ خَالِي فَقُلْتُ جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ فَقُلْ [ (14) ] مَا شِئْتَ فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُ وَأُضْرَبُ حَتَّى أَعَزَّ اللهُ الْإِسْلَامَ» [ (15) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْمُنَادِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ يَعْنِي الْأَزْرَقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «خَرَجَ عُمَرُ متقلد السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَعَمِدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا! قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ صَبَوْتَ وَتَرَكْتَ دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى الْعَجَبِ إِنَّ خَتَنَكَ وَأُخْتَكَ قَدْ صَبَوَا وَتَرَكَا دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَشَى عُمَرُ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا، وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ خَبَّابٌ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ بِحِسِّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ؟ قال وكانوا يقرأون: طه فَقَالَا: مَا عَدَا حَدِيثًا تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا. قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَوْتُمَا، فَقَالَ لَهُ خَتَنُهُ: يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ عَلَى خَتَنِهِ، فَوَطِئَهُ وطأ شَدِيدًا. قَالَ: فَجَاءَتْ أُخْتُهُ لِتَدْفَعَهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَنَفَحَهَا نَفْحَةً بِيَدِهِ فَدَمِيَ وَجْهُهَا فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ عُمَرُ أَعْطُونِي الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ [ (16) ]- قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ
يَقْرَأُ الْكُتُبَ [ (17) ]- فَقَالَتْ أُخْتُهُ إِنَّكَ رِجْسٌ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: طه- حَتَّى انْتَهَى إِلَى- إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ: لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [ (18) ] . قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ، خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ: اللهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا. قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ، حَتَّى أَتَى الدَّارَ وَعَلَى بَابِ الدَّارِ: حَمْزَةُ وَطَلْحَةُ، ونَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى حَمْزَةُ وَجَلَ الْقَوْمِ مِنْ عُمَرَ فَقَالَ حَمْزَةُ هَذَا عُمَرُ إِنْ يُرِدِ اللهُ بِعُمَرَ خَيْرًا يُسْلِمْ فَيَتْبَعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَإِنْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا. قَالَ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ- فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ أَوِ الدِّينَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَسْلَمَ وَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ [ (19) ] . وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (20) ] فِي الْمَغَازِي، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ فَقَرَأَ طه- حَتَّى إِذَا بَلَغَ- إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها
لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى، إِلَى قَوْلِهِ: فَتَرْدى [ (21) ] . وَقَرَأَ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ- حَتَّى بَلَغَ- عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ [ (22) ] فَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إسحاق [ (23) ] فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ: وَزَوْجُ أُخْتِهِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إِنِّي لَعَلَى سَطْحٍ فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى رَجُلٍ وَهُمْ يَقُولُونَ صَبَأَ عُمَرُ، صَبَأَ عُمَرُ، فَجَاءَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ عَلَيْهِ قُبَاءٌ دِيبَاجٌ فَقَالَ إِذَا كَانَ عُمَرُ قَدْ صَبَأَ فَمَهْ أَنَا لَهُ جَارٌ، قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قَالَ: فَعَجِبْتُ مِنْ عِزِّهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (24) ] ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أُمِّهِ لَيْلَى، قَالَتْ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي إِسْلَامِنَا، فَلَمَّا تَهَيَّأْنَا لِلْخُرُوجِ إِلَى أرض
الْحَبَشَةِ جَاءَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنَا عَلَى بَعِيرٍ نُرِيدُ أَنْ نَتَوَجَّهَ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: آذَيْتُمُونَا فِي دِينِنَا، فَنَذْهَبُ فِي أَرْضِ اللهِ حَيْثُ لَا نُؤْذَى فِي عِبَادَةِ اللهِ فَقَالَ: صَحِبَكُمُ اللهُ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَجَاءَ زَوْجِي عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ مِنَ رِقَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: تَرْجِينَ يُسْلِمُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فو الله لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ- وَهَذَا مِنْ شِدَّتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ [ (25) ]-. ثُمَّ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى الْإِسْلَامَ- قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ بِضْعٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً» . وَقَدْ رُوِيتْ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ فِي إِسْلَامِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ مَجْهُولٍ لَمْ أُخَرِّجْهَا، فَفِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُوَرَةِ غُنْيَةٌ عَنْهَا وَهِيَ مُخَرَّجَةٌ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ.
باب إسلام ضماد وما ظهر له فيما سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آثار النبوة
بَابُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ وَمَا ظَهَرَ لَهُ فِيمَا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: [ (1) ] أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: [ (2) ] حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدِمَ ضِمَادٌ مَكَّةَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أُزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ [ (3) ] ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ [ (4) ] يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: آتِي هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يَدِي، قَالَ: فَلَقِيتُ مُحَمَّدًا، فَقُلْتُ: إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلُمَّ، [ (5) ] فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ [ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] [ (6) ] فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ،
قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتَ، فَهَلُمَّ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: وَعَلَى قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: وَعَلَى قَوْمِي. فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِ ضِمَادٍ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَيْشِ لِلْسَرِيَّةِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: رُدُّوهَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ ضِمَادٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى زَادَ فِيهِ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أما بعد [رواه أَيْضًا] [ (8) ] وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ [ (9) ] يُرِيدُ كَلِمَاتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى فَذَكَرَهُ بِزِيَادَتِهِ [وَمَعْنَاهُ] [ (10) ] وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ بِزِيَادَتِهِ، وَزِيدَ أَيْضًا: وَنُؤْمِنُ بِاللهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. إِلَّا أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ قِصَّةَ السَّرِيَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ ومعناه.
باب ذكر إسلام الجن وما ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ الْجِنِّ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [ (11) ] وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْآيَاتِ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (13) ] يَحْيَى بْنُ محمد بْنِ يَحْيَى وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [ (14) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا [ (15) ] أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: [مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَمَا رآهم] [ (15) ] انطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظَ [ (16) ] وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا حَالَ [ (17) ] بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ [ (18) ] فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا [ (19) ] وَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ [ (20) ] وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَبْتَغُونَ مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدًا إِلَى سُوقِ عُكَاظَ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خبر السماء، فهنا لك حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ قَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [ (21) ] ، فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى نَبِيِّهِ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (22) ] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إليه قول الجن.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] عَنْ مُسَدَّدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (24) ] عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعَتِ الْجِنُّ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعَلِمَتْ بِحَالِهِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُمْ، كَمَا حَكَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ دَاعِيَ الْجِنِّ مَرَّةً أُخْرَى فَذَهَبَ مَعَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، كَمَا حَكَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَى آثَارَهُمْ، وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ [ (25) ] حَفِظَ الْقِصَّتَيْنِ جَمِيعًا فَرَوَاهُمَا:
(أَمَّا الْقِصَّةُ الْأُولَى) فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا، عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَلَمَّا سَمِعُوهُ، قَالُوا: أَنْصِتُوا، قَالُوا: صَهٍ، وَكَانُوا سَبْعَةً أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ فأنزل الله [تبارك و] [ (26) ] تعالى وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا- الْآيَةَ- إِلَى ضَلالٍ مُبِينٍ [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب
إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو عَمْرٍو] [ (28) ] الْمُسْتَمْلِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ ابن سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ مَعْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: «سَأَلْتُ مَسْرُوقًا مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ- يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّهُ آذَنَتْهُ [ (29) ] بِهِمْ شَجَرَةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (30) ] وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ. (وَأَمَّا الْقِصَّةُ الْأُخْرَى) فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنِ الشعبي وابن أبي زايدة، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: «قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَلْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالَ: مَا صَحِبَهُ مِنَّا أَحَدٌ، وَلَكِنَّا فَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا اغْتِيلَ، اسْتُطِيرَ [ (31) ] مَا فَعَلَ؟ قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ أَوْ قَالَ فِي السَّحَرِ إذا نحن يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَذَكَرُوا الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي دَاعِيَ الْجِنِّ، فَأَتَيْتُهُمْ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ، قَالَ فَانْطَلَقَ فَأَرَانَا آثَارَهَمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. قَالَ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: سَأَلُوهُ الزَّادَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ عَامِرٌ: سَأَلُوهُ لَيْلَتَئِذٍ الزَّادَ وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ فَقَالَ: كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ أَوْ رَوْثَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ قَالَ: فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (32) ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهُ حِينَ انْطَلَقَ بِهِ وَبِغَيرِهِ وَيُرِيَهُمْ آثَارَ الْجِنِّ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ لَيْلَتَئِذٍ مِنْهَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَلْخِيِّ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: [حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ] [ (33) ] قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ الْخُزَاعِيُّ- وَكَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ- أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَمْرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ، فَلَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي بِرِجْلِهِ خَطًّا ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ فَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ كَثِيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ أَنْطَلَقُوا فَطَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ ذَاهِبِينَ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ، وَفَزِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَ الْفَجْرِ فَانْطَلَقَ فَبَرَزَ، ثُمَّ أَتَانِي، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الرَّهْطُ؟ فَقُلْتُ هم أولئك يا رسول اللهِ، فَأَخَذَ عَظْمًا وَرَوْثًا فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ زَادًا، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ بِرَوْثٍ» . قُلْتُ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: مَا صَحِبَهُ مِنَّا أَحَدٌ أَرَادَ بِهِ فِي حَالِ ذَهَابِهِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَنَّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إِعْلَامِهِ أَصْحَابَهُ بِخُرُوجِهِ إِلَيْهِمْ يُخَالِفُ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ فُقْدَانِهِمْ إِيَّاهُ
حَتَّى قِيلَ اغْتِيلَ اسْتُطِيرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَنْ فَقَدَهُ غَيْرَ الَّذِي عَلِمَ بِخُرُوجِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ وَأَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ صَلَاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «اسْتَتْبَعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ خَمْسَةَ عَشَرَ بَنِي إِخْوَةٍ وَبَنِي عَمٍّ يَأْتُونَنِي اللَّيْلَةَ فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ، فَخَطَّ لِي خَطًّا، وَأَجْلَسَنِي فِيهِ وَقَالَ: لِي: لَا تَخْرُجْ مِنْ هَذَا، فَبِتُّ فِيهِ حَتَّى أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَعَ السَّحَرِ فِي يَدِهِ عَظْمٌ حَائِلٌ وَرَوْثَةٌ وَحُمَمَةٌ، فَقَالَ لِي: إِذَا ذَهَبْتَ إِلَى الْخَلَاءِ فَلَا تَسْتَنْجِي بِشَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قُلْتُ لَأَعْلَمَنَّ عِلْمِي حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ فَذَهَبْتُ فَرَأَيْتُ مَوْضِعَ مَبْرَكِ سِتِّينَ بَعِيرًا» [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَبْصَرَ زُطًا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ الزُّطُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شِبْهَهُمْ إِلَّا الْجِنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ وَكَانُوا مُسْتَنْفَرِينَ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُسْتَمِرِّ بْنِ الرَّيَّانِ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «انْطَلَقْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ حَتَّى إِذَا أَتَى الْحَجُونَ، فَخَطَّ عَلَيَّ خَطًّا ثُمَّ تَقَدَّمَ إليهم
فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ: إِنِّي أَنَا أُرَحِّلُهُمْ عَنْكَ فَقَالَ إِنِّي [ (36) ] لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ» [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ محمد ابن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «لَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ «الرَّحْمَنُ» [ (38) ] عَلَى النَّاسِ سَكَتُوا، فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَلْجِنُّ، كَانُوا أَحْسَنَ جَوَابًا مِنْكُمْ، لَمَّا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [ (39) ] قالوا ولا بشيء من آلَائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ» . وحَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سُورَةَ الرَّحْمَنُ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ سُكُوتًا؟ لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَدًّا. مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مَرَّةٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إِلَّا قَالُوا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ» [ (40) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْبُرْجُلَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن مَسْعُودٍ «أَيْنَ قَرَأَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ بِشِعْبٍ يُقَالُ لَهُ الْحَجُونُ» أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِدَاوَةٍ لِوُضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَأَدْرَكَهُ يَوْمًا فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: ائْتِنِي بِأَحْجَارٍ أَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثَةٍ، فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ فِي ثَوْبِي فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ، حَتَّى إِذَا فَرِغَ وَقَامَ اتَّبَعْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ فَقَالَ أَتَانِي [وَفْدُ جِنِّ] [ (41) ] نَصِيبِينَ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِرَوْثَةٍ وَلَا بِعَظْمٍ إِلَّا وَجَدُوا طَعَامًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (42) ] عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَمْرٍو.
باب بيان الوجه الذي كان يخرج قول الكهان عليه حقا ثم بيان [1] أن ذلك انقطع بظهور نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أو انقطع أكثره
بَابُ بَيَانِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ قَوْلُ الْكُهَّانِ عَلَيْهِ حَقًّا ثُمَّ بَيَانِ [ (1) ] أَنَّ ذَلِكَ انْقَطَعَ بِظُهُورِ نبينا صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَوِ انْقَطَعَ أَكْثَرُهُ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [ (2) ] . وَقَالَ: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [ (3) ] . وَقَالَ: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [ (4) ] . وَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنِ الْجِنِّ: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى ابن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (6) ] قَالَتْ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْكُهَّانَ قَدْ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ حَقًّا. قَالَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَزِيدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِذْبَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ عَنْ مَعْمَرٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: بشر ابن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ [عِكْرِمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ] [ (9) ] أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «إِنَّ نبي الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا قَضَى اللهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبْتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكم قالوا
[لَلَّذِي قَالَ:] [ (10) ] الْحَقُّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِْقُ السّمع- ومسترقوا السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ وَوَصَفَ سُفْيَانُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ- قَالَ: فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ فَيُقَالُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا: يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ [ (11) ] . مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ من الأنصار «أنهم بيناهم جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا كُنْتُمْ [ (12) ] تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَمَاتَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لحياته ولكن
رَبُّنَا- عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ [ (13) ] الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَتَخْطَفُ [ (14) ] الْجِنُّ السَّمْعَ فَيُلْقُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيرْمَوْنَ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ الْحَقُّ وَلَكِنَّهُمْ يَقْذِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ» . وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ [ (15) ] فِيهِ أَيْ يَزِيدُونَ [ (16) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ [ (17) ] . ورَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ: «ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَجَبَ الشَّيَاطِينَ عَنِ السَّمْعِ بِهَذِهِ النُّجُومِ فَانْقَطَعَتِ الْكَهَنَةُ فَلَا كِهَانَةَ» . وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ: فَقُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ أَوَ كَانَ يُرْمَى بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ
مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [ (18) ] قَالَ غُلِّظَتْ وَاشْتَدَّ أَمْرُهَا حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ جَالِسٌ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْمَرٌ لِلزُّهْرِيِّ وَهَذَا يُوَافِقُ ظَاهَرَ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ قَالَ خيرا عَنِ الْجِنِّ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً [ (19) ] فَأَخْبَرَتِ [ (20) ] الْجِنُّ أَنَّهُ زِيدَ فِي حِرَاسَةِ السَّمَاءِ [ (21) ] وَشُهُبِهَا حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا وَمِنْهُمْ. فَذَلِكَ دَلِيلٌ [ (22) ] عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيهَا حُرَّاسٌ [ (23) ] وَشُهُبٌ مُعَدَّةٌ مَعَهُمْ وَالشِّهَابُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ النَّارُ الْمُتَوَقِّدَةُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شيبان ابن فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَمَا رآهم. انطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَرَجَعْتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قومهم فقالوا مالكم قَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شيء
حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ وَهُوَ بِنَخْلٍ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظَ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وقَالُوا [ (24) ] : يَا قَوْمَنَا إِنَا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِهِ أَحَدًا، فَأَوْحَى اللهُ [تَعَالَى] [ (25) ] إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ [ (26) ] مُسَدَّدٍ وَغَيْرِهِ. فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَا عَلِمُوا بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَإِنَّمَا أَرَادُوا بِمَا زِيدَ فِي الْحُرَّاسِ وَالشُّهُبِ. وَهَكَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانُوا يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ فَيَسْتَمِعُونَ الْكَلِمَةَ مِنَ الْوَحْيِ فَيَهْبِطُونَ [بِهَا] [ (27) ] إِلَى الْأَرْضِ فَيَزِيدُونَ مَعَهَا تِسْعًا فَيَجِدُ أَهْلُ الْأَرْضِ تِلْكَ الْكَلِمَةَ حَقًّا وَالتِّسْعَ بَاطِلًا، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَمُنِعُوا تِلْكَ الْمَقَاعِدَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ فَبَعَثَهُمْ، فَوَجَدُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلّم يتلو الْقُرْآنَ بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلٍ، قَالُوا هَذَا وَاللهِ لَحَدَثٌ، وإنهم ليرمون
فَإِذَا تَوَارَى النَّجْمُ عَنْكُمْ فَقَدْ أَدْرَكَهُ لَا يُخْطِئُ أَبَدًا لَا يَقْتُلُهُ يحْرِقُ وَجْهَهُ، جَنْبَهُ [ (28) ] يَدَهُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السايب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [ (29) ] قَالَ: «كَانَ لِكُلِّ قَبِيلٍ مِنَ الْجِنِّ مَقْعَدٌ مِنَ السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ الْوَحْيَ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَإِمْرَارِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ، فَلَا يَنْزِلُ عَلَى أَهْلِ سَمَاءٍ إِلَّا صُعِقُوا [حَتَّى إِذَا] [ (30) ] فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الحق وهو الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَكُونُ الْعَامُ كَذَا وَيَكُونُ كَذَا، فَيَسْمَعُهُ الْجِنُّ فَيُخْبِرُونَ الْكَهَنَةَ بِهِ، وَالْكَهَنَةُ النَّاسَ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَيَجِدُونَهُ كَذَلِكَ فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (31) ] مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دُحِرُوا، فَقَالَتِ الْعَرَبُ حِينَ لَمْ تُخْبِرْهُمُ الْجِنُّ بِذَلِكَ هَلَكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ فَجَعَلَ صَاحِبُ الْإِبِلِ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ بَعِيرًا، وَصَاحِبُ الْبَقَرِ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ بَقَرَةً، وَصَاحِبُ الْغَنَمِ شَاةً، حَتَّى أَسْرَعُوا فِي أَمْوَالِهِمْ، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ وَكَانَتْ أَعْقَلَ الْعَرَبِ: أَيُّهَا النَّاسُ أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ [ (32) ] أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِانْتِثَارٍ، أَلَسْتُمْ تَرَوْنَ مَعَالِمَكُمْ مِنَ النُّجُومِ كَمَا هِيَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، قَالَ: فَقَالَ إِبْلِيسُ: لَقَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ
حَدَثٌ فَأْتُونِي مِنْ تُرْبَةِ كُلِّ أَرْضٍ، فَأَتَوْهُ بِهَا فَجَعَلَ يَشُمُّهَا فَلَمَّا شَمَّ تُرْبَةَ مَكَّةَ، قَالَ: مِنْ هَاهُنَا جَاءَ الْحَدَثُ، فَنَصَتُوا، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَانَتِ النُّجُومُ لَا تُرْمَى حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَرُمِيَ بِهَا فَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ وَأَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ يَالِيلَ انْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي تُعْرَفُ فَهِيَ [ (33) ] عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ، فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ لَا تُعْرَفُ، قَالَ: فَأَمْسِكُوا وَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَهُمْ خُرُوجُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . وَأَمَّا الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَحَمَّدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عمر الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمْ تَكُنْ سَمَاءُ الدُّنْيَا تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بين عيسى وَمُحَمَّدٌ [ (34) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [ (35) ] ، وَكَانُوا يَقْعُدُونَ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حُرِسَتِ السَّمَاءُ حَرَسًا شَدِيدًا، وَرُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالُوا: لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ رَبُّهُمْ رَشَدًا. فَقَالَ إِبْلِيسُ: لَقَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ فَاجْتَمَعَتْ [ (36) ] إِلَيْهِ الْجِنُّ، فَقَالَ: تَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ فَأَخْبِرُونِي مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي حَدَثَ فِي السَّمَاءِ وَكَانَ
أَوَّلَ بَعْثٍ بُعِثَ رَكْبٌ فِي [ (37) ] أَهْلِ نَصِيبِينَ وَهُمْ أَشْرَافُ الْجِنِّ وَسَادَتِهِمْ [ (38) ] فَبَعَثَهُمْ إِلَى تِهَامَةَ فَانْدَفَعُوا حَتَّى بَلَغُوا الْوَادِيَ وَادِيَ نَخْلَةَ فَوَجَدُوا نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَاسْتَمَعُوا فَلَمَّا سَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآنَ، قَالُوا: أَنْصِتُوا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُمُ اسْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَمَّا قَضَى يَقُولُ فَلَمَّا [ (39) ] فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ يَقُولُ: مُؤْمِنِينَ» [ (40) ] . فَهَذَا يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّابِتَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً يَنْفَرِدُ بِهَا عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَهِيَ قَوْلُهُ «لَمْ تَكُنْ سَمَاءُ الدُّنْيَا تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بين عيسى محمد صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُحْرَسُ الْحِرَاسَةَ الشَّدِيدَةَ حَتَّى بُعِثَ نَبِيُّنَا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَمُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وشهبا والله أعلم [ (41) ] .
باب إعلام الجني صاحبه بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما سمع من الأصوات بخروجه دون رؤية قائلها
بَابُ إِعْلَامِ الْجِنِّيِّ صَاحِبَهُ بِخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا سُمِعَ مِنَ الْأَصْوَاتِ بِخُرُوجِهِ دُونَ رُؤْيَةِ قَائِلِهَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ» ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَا سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] ، يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ إِنِّي لَأَظُنُّ كَذَا وَكَذَا» [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَا سَمِعْتُ عمر رضي الله عنه لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ أَنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ عَلَيَّ الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لقد أخظأ ظَنِّي أَوْ إِنَّكَ عَلَى دِينِكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كُنْتَ كَاهِنَهُمْ. فَقَالَ: ما
رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ. قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي سُوقٍ [ (3) ] جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ قَالَتْ [ (4) ] : أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا ... وَيَأْسَهَا بَعْدُ وَإِبْلَاسَهَا وَإِيَاسَهَا مِنْ إِمْسَاكِهَا ... وَلُحُوقِهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا [ (5) ] قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ [ (6) ] فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ مِنْهُ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ، يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ. رَجُلٌ فَصِيحْ [ (7) ] يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. فَوَثَبَ الْقَوْمُ، قُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ. أَمْرٌ نَجِيحْ. رَجُلٌ يَصِيحْ [ (8) ] يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ يَصِيحْ يَقُولُ لا إليه إِلَّا اللهُ. فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ هَكَذَا [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، فَذَكَرَهُ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُوهِمُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بِنَفْسِهِ سَمِعَ الصَّارِخَ يَصْرُخُ مِنَ الْعِجْلِ [ (10) ] الَّذِي ذُبِحَ وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيحٌ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ عُمَرَ فِي إِسْلَامِهِ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَاهِنَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَسَمَاعِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. حَدَّثَنَا [ (11) ] أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمٍ [ (12) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «بَيْنَمَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَالِسٌ إِذْ رَأَى رَجُلًا فَقَالَ قَدْ كُنْتُ مَرَّةً ذَا فِرَاسَةٍ وَلَيْسَ لِي رَأْيٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَنْظُرُ وَيَقُولُ فِي الْكِهَانَةِ ادْعُوهُ لِي فَدَعَوْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ؟ قَالَ مِنَ الشَّامِ. قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَرَدْتُ هَذَا الْبَيْتَ وَلَمْ أَكُنْ أَخْرَجُ حَتَّى آتِيَكَ، فَقَالَ: عُمَرُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ شَيْءٍ أَسْأَلُكَ عَنْهُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: هَلْ كُنْتَ تَنْظُرُ فِي الْكِهَانَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ بَعْضِ مَا رَأَيْتَ. قَالَ: إِنِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ بِوَادٍ إِذْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا جَلِيحْ خَبَرَ نَجِيحْ رَجُلٌ يَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لِلْجِنِّ وَإِيَاسِهَا وَالْإِنْسِ وَإِبْلَاسِهَا وَالْخَيْلِ وَأَحْلَاسِهَا. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا إِنَّ هَذَا لَخَبَرٌ يَئِسَتْ مِنْهُ الْجِنُّ وَأَبْلَسَتْ منه الإنس
وأعلمت فِيهِ الْخَيْلُ، فَمَا حَالَ [ (13) ] الْحَوْلُ حَتَّى بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» [ (14) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مزيد، قال: أخبرني أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ مِسْكِينٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: «بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: لَقَدْ كَانَ هَذَا فِيمَا أَظُنُّ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَجُلًا فَدَعَاهُ. فَقَالَ: أَنْشُدُكَ [ (15) ] بِاللهِ هَلْ كُنْتَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ [ (16) ] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَنَا وَلِذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ. فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ أَكُنْتَ كَاهِنًا؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ. قَالَ فَمَا أَعْجَبُ أَتَتْكَ بِهِ شَيْطَانَتُكَ؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ، بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ يَوْمًا إِذْ قَالَتْ لِي: أَلَمْ تَرَ إِلَى الشَّيَاطِينِ وَإِبْلَاسِهَا. وَإِيَاسِهَا مِنْ نُسَّاكِهَا. وَلُحُوقِهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا. قَالَ: عُمَرُ اللهُ أَكْبَرُ. قَالَ: أَتَيْتُ مَكَّةَ فَإِذَا بِرَجُلٍ عِنْدَ بَعْضِ تِلْكَ الْأَنْصَابِ يَذْبَحُ عِجْلًا فَوَقَفْتُ رَجَاءَ أَنْ أُصِيبَ مِنْ لَحْمِهِ فَلَمَّا ذَبَحَهُ صَاحَ مِنْ جَوْفِهِ شَيْءٌ. فَقَالَ: يَا آلَ ذَرِيحْ. أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ يَصِيحْ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي حَتَّى وَقَعْتُ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن مَحْمَوَيهِ الْعَسْكَرِيُّ بِالْأَهْوَازِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ غَيْلَانَ النَّرْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو حَاضِرُ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، قَالَ: حَدَّثَنِي رُزَيْقٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّ بَنِي غِفَارٍ قَرَّبُوا عِجْلًا لِيَذْبَحُوهَ عَلَى نُصُبٍ مِنْ أَنْصَابِهِمْ فَبَيْنَا هُوَ مَوْقُوفٌ إِذْ صَاحَ فَقَالَ يَا آلَ ذَرِيحْ. أَمْرٌ نَجِيحْ صائح يصيح
بِلِسَانٍ فَصِيحْ يَدْعُو بِمَكَّةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: فَكَفُّوا عَنْهُ وَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ» . قَالَ الْمُعْتَمِرُ: فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَأَةَ، فَقَالَ، سَمِعْتُهُ مِنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بِبَعْضِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ الدَّارِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْخٌ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَنَحْنُ فِي غَزْوَةِ رُودِسَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ عِيسَى، قَالَ: «كُنْتُ أَسُوقُ لِآلٍ لَنَا بَقَرَةً، قَالَ فَسَمِعْتُ مِنَ جَوْفِهَا يَا آلَ ذَرِيحْ. قَوْلٌ فَصِيحْ. رَجُلٌ يَصِيحْ. أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ» . وَهَذَا فِيمَا أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ [ (17) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَفِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ: هَذَا حَدِيثٌ غريب بإسناد جيد.
حديث سواد بن قارب [1] ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الذي لم يذكر اسمه في الحديث الصحيح
حَدِيثُ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ [ (1) ] وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْكَاهِنُ الَّذِي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْلِ سماعه،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْحَمَّارُ الْكُوفِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [زِيَادُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ بَارَوِيَّةَ أَبُو بَكْرٍ الْقَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ تَرَّاسٍ الْكُوفِيُّ] [ (2) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (3) ] ، يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ تِلْكَ السَّنَةَ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الْمُقْبِلَةُ: قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: إِنَّ سَوَادَ بْنَ قَارِبٍ كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِهِ شَيْئًا عَجِيبًا [ (4) ] . قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، قَالَ: فَقَالَ له عمر
يَا سَوَادُ حَدَّثَنَا بِبَدءِ إِسْلَامِكَ كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ سَوَادُ: فَإِنِّي كُنْتُ نَازِلًا بِالْهِنْدِ وَكَانَ لِي رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذْ جَاءَنِي [فِي مَنَامِي ذَلِكَ] [ (5) ] قَالَ: قُمْ فَافْهَمْ وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، ثُمَّ أنشأ يقول: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَنْجَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤمِنُوهَا مِثْلَ أَرْجَاسِهَا فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَاسِهَا ثُمَّ أَنْبَهَنِي وَأَفْزَعَنِي، وَقَالَ: يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ إِنَّ اللهَ عَزَّ وجل بَعَثَ نَبِيًّا فَانْهَضْ إِلَيْهِ تَهْتَدِ وَتَرْشُدْ. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ أَتَانِي فَأَنْبَهَنِي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ كَذَلِكَ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... لَيْسَ قُدَامَاهَا كَأَذْنَابِهَا فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى نَابِهَا فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَتَانِي فَأَنْبَهَنِي ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَخْبَارِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... لَيْسَ ذَوُو الشَّرِّ كَأَخْيَارِهَا فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... مَا مُؤمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يُكَرِّرُ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ وَقَعَ فِي قَلْبِي حُبُّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَحْلِي فَشَدَدْتُهُ عَلَى رَاحِلَتِي فَمَا حَلَلْتُ نِسْعَةً، وَلَا عَقَدْتُ أُخْرَى حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ بِالْمَدِينَةِ والناس
عَلَيْهِ كَعُرْفِ الْفَرَسِ، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ! قَدْ عَلِمْنَا مَا جَاءَ بِكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ قُلْتُ شِعْرًا فَاسْمَعْهُ مِنِّي، قَالَ سواد فقلت: أَتَانِي رَئِيٌّ بَعْدَ لَيْلٍ وَهَجْعَةٍ ... وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبِ ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ... أَتَاكَ رَسُولٌ [ (6) ] مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ فَشَمَّرْتُ عَنْ سَاقِي الْإِزَارَ وَوَسَّطَتْ ... بِيَ الذِّعْلِبُ الْوَجْنَاءُ عِنْدَ السَّبَاسِبِ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَايبِ وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ شَفَاعَةً ... إِلَى الله يا ابن الْأَكْرَمِينَ الْأَطَايِبِ فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَايِبِ وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ [ (7) ] قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ لِي أَفْلَحْتَ يَا سَوَادُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ يَأْتِيكَ رَئِيُّكَ الْآنَ؟ فَقَالَ: مُنْذُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ لَمْ يَأْتِنِي وَنِعْمَ الْعِوَضُ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجِنِّ» . هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنَ
(أَحَدُهُمَا) مَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صُبَيْحٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُبَارَكٍ [ (8) ] الْفَقِيهُ الْهَرَوِيُّ، وبشر بن أحمد الاسفرايني، وَاللَّفْظُ لِلْهَرَوِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْنِيُّ [ (9) ] الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْأَنْبَارِيُّ [ (10) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو [ (11) ] عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «بَيْنَمَا عُمَرُ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقِيلَ أَتَعْرِفُ هَذَا الْمَارَّ؟ قَالَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: أَأَنْتَ [ (12) ] سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَأَنْتَ الَّذِي أَتَاهُ رَئِيُّهُ بِظُهُورِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ. فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أَحَدٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. قَالَ: بَيْنَا أَنَا ذَاتُ لَيْلَةٍ بَيْنَ النَّائِمِ واليقظان إذ أَتَانِي رَئِيِّي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ اسْمَعْ مَقَالَتِي وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ يَزِيدُ لَفْظًا وَيُبَدِّلُ لَفْظًا بِآخَرَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ يَقُولُ: كُنَّا يَوْمًا فِي حَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ آل ذريح، وقد [ (13) ]
ذَبَحُوا عِجْلًا وَالْجَزَّارُ يُعَالِجُهُ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ وَمَا نَرَى شَيْئًا، وَهُوَ يَقُولُ: يَا آلَ ذَرِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ. صَائِحٌ يَصِيحْ بِلِسَانٍ فَصِيحْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ الْمَوْصِلِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حُجْرٍ السَّامِيِّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ بِالْبَصْرَةِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ- فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ دُونَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ- وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ بِشْرِ بْنِ حُجْرٍ السَّامِيِّ أَبِي حَاتِمٍ [ (14) ] . وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [ (15) ] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ جَابِرٍ بِالرَّمْلَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ يَعْلَى بْنِ [ (16) ] عَطَاءٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، قَالَ: «كُنْتُ نَائِمًا عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ السَّرَاةِ [ (17) ] فَأَتَانِي آتٍ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبْ أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبْ، قَالَ: فَاسْتَوَيْتُ قَاعِدًا وَأَدْبَرَ وَهُوَ يقول: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِرْجَاسِهَا ... وَرَحْلِهَا العيس بأحلاسها
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا صَالِحُوهَا مِثْلُ أَرْجَاسِهَا قَالَ: ثُمَّ عُدْتُ فَنِمْتُ فَأَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبْ أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبْ، قَالَ: فَاسْتَوَيْتُ قَاعِدًا فَأَدْبَرَ وَهُوَ يَقُولُ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَخْبَارِهَا ... وَرَحْلِهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤمِنُوهَا مِثْلُ كُفَّارِهَا قَالَ: ثُمَّ عُدْتُ فَنِمْتُ فَأَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبْ أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبْ، فَاسْتَوَيْتُ قَاعِدًا فَأَدْبَرَ وَهُوَ يَقُولُ: عَجِبْتُ، لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا ... وَرَحْلِهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا صَادِقُوهَا مِثْلُ كُذَّابِهَا فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى نابها قال: فأصبحت واقتعدبّ بَعِيرًا حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ ظَهَرَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَتَابَعْتُهُ» [ (18) ] . قَوْلُهُ: حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ أَقْرَبُ إِلَى الصِّحَّةِ مِمَّا رُوِّينَا فِي الروايتين الأولتين وَفِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ غُنْيَةٌ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَاللهُ أعلم.
سبب إسلام مازن الطائي [1]
سَبَبُ إِسْلَامِ مَازِنٍ الطَّائِيِّ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي أَبُو [ (2) ] عَلِيِّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَيَّانَ بْنِ مَازِنٍ الْوَافِدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَقِيتُ أَبَا الْمُنْذِرِ هِشَامَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ لِي: مِمَّنِ الرَّجُلُ: فَقُلْتُ: مِنْ طيّء ثُمَّ قَالَ لِي: ثُمَّ مِمَّنْ قُلْتُ مِنْ وَلَدِ نَبْهَانَ. قَالَ ثُمَّ مِمَّنْ؟ قُلْتُ مِنْ وَلَدِ خِطَامَةَ فَقَالَ لِي: لَعَلَّكَ مِنْ وَلَدِ السَّادِنِ. قُلْتُ نَعَمْ فَأَكْرَمَنِي وَأَدْنَانِي وَقَرَّبَنِي ثُمَّ قَالَ لِي: كُنْتُ لَقِيتُ شُيُوخًا مِنْ شيوخ طيّء الْمُتَقَدِّمِينَ فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ قِصَّةِ مَازِنٍ وَسَبَبِ إِسْلَامِهِ وَوُفُودِهِ علي رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَإِقْطَاعِهِ أَرْضَ عُمَانَ وَذَلِكَ بِمَنِّ اللهِ وَفَضْلِهِ فَكَانَ مَازِنٌ بِأَرْضِ عُمَانَ بِقَرْيَةٍ تُدْعَى سَمَايِلُ وَكَانَ يَسْدُنُ الْأَصْنَامَ لِأَهْلِهِ وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ بَاجِرُ [ (3) ] قَالَ مَازِنٌ فَعَتَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَتِيرَةً وَهِيَ الذبيحة فسمعت
صَوْتًا مِنَ الصَّنَمِ يَقُولُ يَا مَازِنُ أَقْبِلْ إِلَيَّ أَقْبِلْ. تَسْمَعْ مَا لَا يُجْهَلْ. هَذَا نَبِيٌّ مُرْسَلْ جَاءَ بِحَقٍّ مُنْزَلْ. فَآمِنْ بِهِ كَيْ تَعْدَلْ عَنْ حَرِّ نَابٍ تُشْعَلْ. وَقُودُهَا بِالْجَنْدَلْ. قَالَ مَازِنٌ فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا وَاللهِ لَعَجَبٌ ثُمَّ عَتَرْتُ بَعْدَ أَيَّامٍ عَتِيرَةً أُخْرَى فَسَمِعْتُ صَوْتًا أَبْيَنَ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَازِنُ اسْمَعْ تُسَرْ. ظَهَرَ خَيْرٌ وَبَطَنَ شَرْ. بُعِثَ نَبِيٌّ مِنْ مُضَرْ بِدِينِ اللهِ الْكُبَرْ. فَدَعْ نَحِيتًا [ (4) ] مِنْ حَجَرْ. تَسْلَمْ مِنْ حَرِّ سَقَرْ. قَالَ مَازِنٌ فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا وَاللهِ لَعَجَبٌ وَإِنَّهُ لَخَيْرٌ يُرَادُ بِي. وَقَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَقُلْنَا مَا الْخَبَرُ وَرَاءَكَ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ بِتِهَامَةَ يَقُولُ لِمَنْ أَتَاهُ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ. قَالَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ نَبَأُ مَا سَمِعْتُ. فَثُرْتُ إِلَى الصَّنَمِ فَكَسَرْتُهُ أَجْذَاذًا وَشَدَدْتُ رَاحِلَتِي وَرَحَلْتُ حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَشَرَحَ لِيَ الْإِسْلَامَ فأسلمت وأنشأت أقول: - كَسَرْتُ بَاجِرَ أَجْذَاذًا وَكَانَ لَنَا ... رَبًّا نَطِيفُ بِهِ ضَلًّا بِتَضْلَالِ بِالْهَاشِمِيِّ هَدَانَا مِنْ ضَلَالَتِنَا ... وَلَمْ يَكُنْ دِينُهُ مِنِّي عَلَى بَالِ يَا رَاكِبًا بَلِّغَا [ (5) ] عَمْرًا وَإِخْوَتَهُ ... أَنِّي لِمَنْ قَالَ دِينِي نَاجِرٌ [ (6) ] قَالِي يَعْنِي بِعَمْرٍو إِخْوَتَهُ: بَنِي خِطَامَةَ، قَالَ مَازِنٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُولَعٌ بِالطَّرَبِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْهَلُوكِ مِنَ النِّسَاءِ وَأَلَحَّتْ عَلَيْنَا السِّنُونَ فَأَذْهَبْنَ الْأَمْوَالَ وَأَهْزَلْنَ الذَّرَارِيَّ وَالرِّجَالَ، وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ فَادْعُ اللهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي مَا أَجِدُ وَيَأْتِيَنِي بِالْحَيَا وَيَهِبَ لِي وَلَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ أَبْدِلْهُ بِالطَّرَبِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَبِالْحَرَامِ الْحَلَالَ وَآتِهْ بِالْحَيَا وَهَبْ لَهُ وَلَدًا» . قَالَ مَازِنٌ فَأَذْهَبَ الله
عني كلما كُنْتُ أَجِدُ وَأَخْصَبَتْ عُمَانُ وَتَزَوَّجْتُ أَرْبَعَ حَرَائِرَ وَوَهْبَ اللهُ لِي حَيَّانَ بْنَ مازن وأنشأت أقول: إِلَيْكَ رَسُولَ اللهِ خَبَّتْ مَطِيَّتِي ... تَجُوبُ الْفَيَافِي مِنْ عُمَانَ إِلَى الْعَرْجِ لِتَشْفَعَ لِي يَا خَيْرَ مَنْ وطيء الْحَصَا ... فَيَغْفِرَ لِي رَبِّي فَأَرْجِعَ بِالْفَلْجِ إِلَى مَعْشَرٍ خَالَفْتُ فِي اللهِ دِينَهُمْ ... فَلَا رَأْيُهُمْ رَأْيِي وَلَا شرجهم شرجي وكنت امرأ بِالزَّعْبِ وَالْخَمْرِ مُولَعًا ... شَبَابِي حَتَّى آذَنَ الْجِسْمُ بِالنَّهْجِ فَأَصْبَحْتُ هَمِّي فِي جِهَادٍ وَنِيَّةٍ [ (7) ] ... فَلِلَّهِ مَا صَوْمِي وَلِلَّهِ مَا حَجِّي قَالَ مَازِنٌ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي أَنَّبُونِي وَشَتَمُونِي وَأَمَرُوا شَاعِرَهُمْ فَهَجَانِي، فَقُلْتُ: إِنْ هَجَوْتُهُمْ فَإِنَّمَا أَهْجُو نَفْسِي فَتَرَكْتُهُمْ وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ: وَشَتْمُكُمْ عِنْدَنَا مُرٌّ مَذَاقَتُهُ ... وَشَتْمُنَا عِنْدَكُمْ يَا قَوْمَنَا لَئِنُ لَا يَنْشَبُ الدَّهْرُ أَنْ يُثْبِتَ [ (8) ] مَعَايِبَكُمْ ... وَكُلُّكُمُ أَبَدًا فِي عَيْبِنَا فَطِنُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى هَهُنَا [ (9) ] حَفِظْتُ وَأَخَذْتُهُ مِنْ أَصْلِ جَدِّي كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْبَاقِيَ:
فَشِعْرُنَا مُفْحِمٌ [ (10) ] عَنْكُمْ وَشَاعِرُكُمْ ... فِي حَرْبِنَا مُبْلِغٌ فِي شَتْمِنَا لَسِنُ مَا فِي الصُّدُورِ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا وَغَرٌ ... وَفِي صُدُورِكُمُ الْبَغْضَاءُ وَالْإِحَنُ فَحَدَّثَنَا مُوَادُّنَا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ عَنْ سَلَفِهِمْ أَنَّ مَازِنًا لَمَّا تَنَحَّى عَنْ قَوْمِهِ أَتَى مَوْضِعًا فَابْتَنَى مَسْجِدًا يَتَعَبَّدُ فِيهِ فَهُوَ لَا يَأْتِيهِ مَظْلُومٌ يَتَعَبَّدُ فِيهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَدْعُو مُحِقًّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ يَعْنِي، إِلَّا اسْتُجِيبَ. وَفِي أَصْلِ السَّمَاعِ فَيَكَادُ أَنْ يُعَافَى مِنَ الْبَرَصِ فَالْمَسْجِدُ يُدْعَى مُبْرِصًا إِلَى الْيَوْمِ قَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ: قَالَ مَازِنٌ: ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ نَدِمُوا أَوْ كُنْتُ الْقَيِّمُ بِأُمُورِهِمْ فَقَالُوا مَا عَسَانَا أَنْ نَصْنَعَ بِهِ فَجَاءَنِي مِنْهُمْ أَرْفَلَةٌ عَظِيمَةٌ فَقَالُوا يَا ابْنَ عَمٍّ، عِبْنَا عَلَيْكَ أَمْرًا فَنَهَيْنَاكَ عَنْهُ فَإِذْ أَبِيتَ فَنَحْنُ تَارِكُوكَ ارْجِعْ مَعَنَا. فَرَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَسْلَمُوا بَعْدُ كُلُّهُمْ» . هَكَذَا أخبرنا به غالبا وَقَدْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ [عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ] [ (11) ] . عَنْ عَبْدِ اللهِ الْعُمَانِيِّ عَنْ مَازِنِ بْنِ الغضوية، قَالَ: كُنْتُ أَسْدُنُ صَنَمًا بِالسَّمَالِ قَرْيَةٍ بِعُمَانَ فَعَتَرْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَهُ عَتِيرَةً وَهِيَ الذَّبِيحَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا وَزَادَ بَيْتًا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَكُنْتُ امْرَءًا فَقَالَ: فَبَدَّلَنِي بِالْخَمْرِ خَوْفًا وَخَشْيَةً ... وَبِالْعَهْرِ إِحْصَانًا وَحَصَّنَ لِي فَرْجِي وَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مَازِنٍ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
جَبَلَةَ فِيمَا سَمِعَ مِنْ جَوْفِ الصَّنَمِ «يَا عِصَامْ يَا عِصَامْ جَاءَ الْإِسْلَامْ وَذَهَبَتِ الْأَصْنَامْ» [وَمِنْهَا حَدِيثُ طَارِقِ مِنْ بَنِي هِنْدِ بْنِ حَرَامٍ، يَا طَارِقْ، يَا طَارِقْ: بُعِثَ النَّبِيُّ الصَّادِقْ] [ (12) ] . وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ دَقْشَةَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ رَئِيُّهُ فَنَظَرَ إِلَى ذُبَابِ بْنِ الْحَارِثِ، وَقَالَ: «يَا ذُبَابْ، يَا ذُبَابْ، اسْمَعِ الْعَجَبَ الْعُجَابْ. بُعِثَ مُحَمَّدٌ بِالْكِتَابْ يَدْعُو بِمَكَّةَ وَلَا يُجَابْ» . وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْغَطَفَانِيِّ فِيمَا رَأَى مِنَ النُّورِ السَّاطِعِ فِي الْكَعْبَةِ فِي نَوْمِهِ ثُمَّ مَا سَمِعَ مِنَ الصَّوْتِ «أَقْبَلَ حَقٌّ فَسَطَعْ. وَدُمِّرَ بَاطِلٌ فَانْقَمَعْ» . وَمِنْهَا حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسِ فِيمَا سَمِعَ مِنَ الصَّوْتِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ سَطَيحٍ حِينَ أَتَتْهُ تَابِعَتُهُ فَقَالَتْ: «جَاءَ الْحَقُّ الْقَائِمْ وَالْخَيْرُ الدَّايِمْ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِسِيَاقِ جَمِيعِهِ الكتاب وبالله التوفيق.
سبب إسلام خفاف بن نضلة الثقفي
سَبَبُ إِسْلَامِ خُفَافِ بْنِ نَضْلَةَ الثَّقَفِيِّ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَنْطَاكِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَمَاعَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن البراء ابن مَالِكِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ عَقِيلٍ الْغَطَفَانِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ جُمُعَةَ أَوْ قَالَ جُمَيْعَةَ بِنْتِ ذا بل بْنِ طُفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهَا ذَابِلِ بْنِ طُفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ الله [ (13) ] صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَعَدَ فِي مَسْجِدِهِ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الْأَبَاطِلِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ خُفَافُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَمْرٍو بن بَهْدَلَةَ الثَّقَفِيُّ فَأَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم: كَمْ قَدْ تَحَطَّمَتِ الْقَلُوصُ بِيَ الدُّجَى ... فِي مَهْمِهٍ قَفْرٍ مِنَ الْفَلَوَاتِ فُلٌّ مِنَ النَّوْرِيسِ لَيْسَ بِقَاعِهِ ... نَبْتٌ مِنَ الْأَسَنَاتِ وَالْأَزَمَاتِ إِنِّي أَتَانِي فِي الْأَنَامِ مُسَاعِدٌ ... مِنْ جِنِّ وَجْرَةَ كَانَ لِي وَمُوَاتِي [ (14) ] يَدْعُو إِلَيْكَ لَيَالِيًا وَلَيَالِيَا ... ثُمَّ احْزَأَلَّ [ (15) ] وَقَالَ لَسْتُ بِآتِي [ (16) ]
فَرَكِبْتُ نَاجِيَةً أَضَرَّ بُنَيَّهَا ... جَمْرٌ تَخُبُّ بِهِ عَلَى الْأَكَمَاتِ حَتَّى وَرَدْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ جَاهِدًا ... كَيْمَا أَرَاكَ فَتُفْرِجَ الْكُرُبَاتِ قَالَ: فَاسْتَحْسَنَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ كَالسِّحْرِ وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ كَالْحُكْمِ» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ خَبَرٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ تُدْعَى فُطَيْمَةَ كَانَ لَهَا تَابَعٌ مِنَ الْجِنِّ فَجَاءَهَا يَوْمًا فَوَقَعَ عَلَى جدارها، فقالت: مالك لَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ يُحَرِّمُ الزِّنَا فَحَدَّثَتْ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ عَنْ تَابِعِهَا مِنَ الْجِنِّ فَكَانَ أَوَّلُ خَبَرٍ يَحْدُثُ بِالْمَدِينَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ [ (17) ] الشَّعْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ [ (18) ] بْنِ جَابِرِ، قَالَا حَدَّثَنَا [ (19) ] يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزِّمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَوَّلُ خَبَرٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ لَهَا تَابِعٌ فَجَاءَ فِي صُورَةِ طَائِرٍ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَائِطِ دَارِهِمْ فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: انْزِلْ تُخْبِرْنَا وَنُخْبِرْكَ [ (20) ] قَالَ: لَا إِنَّهُ بُعِثَ بِمَكَّةَ نَبِيٌّ مَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الزِّنَا» . لَفْظُ حَدِيثِ الشَّعْرَانِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جَابِرٍ «فَوَقَعَ عَلَى حَائِطِ دَارِهَا فَقَالَتْ لَهُ: انْزِلْ نُخْبِرْكَ وَتُخْبِرْنَا قَالَ: إِنَّهُ بُعِثَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ مَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ وحرّم علينا الزنا» .
باب سؤال المشركين رسول الله [1] صلى الله عليه وآله وسلم بمكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر
بَابُ سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللهِ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (4) ] كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، يَعْنِي أَبَا الْعَبَّاسِ السَّرَّاجَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ آيَةً فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ فِرْقَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [ (5) ] يَقُولُ ذَاهِبٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ مَرَّتَيْنِ انْشِقَاقَهُ» . وَكَانَ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلِيفَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَلَا فِي حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شَيْبَانَ قَوْلَهُ مَرَّتَيْنِ [ (7) ] ، وَقَدْ حِفْظَهُ عن
قَتَادَةَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر ابن أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ [ (8) ] . وَأَخْرَجَاهُ [ (9) ] أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِشِقَّتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اشْهَدُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، وغيره [ (10) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ [ (11) ] . قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ [ (12) ] عَبْدِ اللهِ: انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ. يُرِيدُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ الْقَمَرَ مُنْشَقًّا شِقَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِمَكَّةَ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ شِقَّةً عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَشِقَّةً عَلَى السُّوَيْدَاءَ فَقَالُوا سُحِرَ الْقَمَرُ فَنَزَلَتِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ يَقُولُ كَمَا رَأَيْتُمُ الْقَمَرَ مُنْشَقًّا فَإِنَّ الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ عَنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ حَقٌّ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا السّريُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «انْفَلَقَ الْقَمَرُ ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَصَارَتْ فِلْقَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اشْهَدُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصحيح عن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ [ (14) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُثَنَّى وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَا: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عن شعبة
وَسُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ فِلْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ وَفِلْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اشْهَدُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ شُعْبَةَ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-[ (16) ] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: فَقَالُوا، انْتَظَرُوا مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ السُّفَّارُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، قَالَ، فَجَاءَ السُّفَّارُ فَقَالُوا ذَلِكَ [ (17) ] » . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مغيرة، عن أبي الضحى عن مسروق، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الضحى عن مسروق عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنٍ، فَقَالَ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ هَذَا سِحْرٌ يَسْحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، انْظُرُوا السُّفَّارَ فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ وَإِنْ كَانُوا لَمْ
يَرَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ. قَالَ فَسُئِلَ السُّفَّارُ، قَالَ: وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَالُوا رَأَيْنَا» . اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ [ (18) ] فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِمَكَّةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حدّثنا إسحاق ابن بَكْرِ [ (19) ] بْنِ مُضَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُوسَى بْنِ قُرَيْشٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ بَكْرِ [ (20) ] بْنِ مُضَرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قَالَ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ انْشَقَّ فِلْقَتَيْنِ فِلْقَةً مِنْ دُونِ الْجَبَلِ وَفِلْقَةً مِنْ خَلْفِ الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اللهُمَّ اشْهَدْ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ شُعْبَةَ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ «وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. قَالَ انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ» [ (22) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» [ (23) ] . أَقَامَ إِسْنَادَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو كُرَيْبٍ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ حُصَيْنٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَعَلَى هَذَا الْجَبَلِ. فَقَالَ النَّاسُ سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ كَانَ سَحَرَكُمْ فَلَمْ يَسْحَرِ النَّاسَ كلهم» [ (24) ] .
باب ذكر أسولتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة
بَابُ ذِكْرِ أَسْوِلَتِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (1) ] . قَالُوا: نَحْنُ لَمْ نُؤتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا حُكْمُ [ (2) ] اللهِ وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً» [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير عن ابن
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ وَصِفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ [ (4) ] فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا أَحْبَارَ الْيَهُودِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَوَصَفُوا لَهُمْ أَمَرَهُ بِبَعْضِ قَوْلِهِ فَقَالَتْ لَهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ، سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ [ (5) ] ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَمَا كَانَ نبأه، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هُوَ. فَأَقْبَلَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَمَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أُمُورٍ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِهَا فَجَاءُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنَا. فَسَأَلُوهُ عَمَّا أَمَرُوهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا وَلَمْ يَأْتِهِ جِبْرِيلُ حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَالُوا وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَالْيَوْمُ خَمْسَ عَشْرَةَ قَدْ أَصْبَحْنَا فِيهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، حَتَّى أَحْزَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مُكْثُ الْوَحْيِ عَنْهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إِيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ وَالرَّجُلِ الطَّوَّافِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (6) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ افْتَتَحَ السُّورَةَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [ (7) ] يَعْنِي مُحَمَّدًا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ نَبِيٌّ تَحْقِيقًا لِمَا سَأَلُوهُ مِنْ نُّبُوَّتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً [ (8) ] أَيْ مُعْتَدِلًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ [ (9) ] قَالَ عَاجِلُ عُقُوبَةٍ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ أَيْ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ الَّذِي بَعَثَكَ رَسُولًا. قُلْتُ: كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ أَيْضًا» [ (10) ] . وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ [ (11) ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ وَنُزُولِ الْآيَةِ فِيهِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ تُنَحَّى عَنْهُمُ الْجِبَالَ فَيَزْرَعُوا فِيهَا فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ شِئْتَ آتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَسْتَأْنِيَ بهم لعلنا
نَسْتَحْيِي مِنْهُمْ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [ (12) ] الْآيَةَ. وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِنْ أَصْبَحَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ لَنَا ذَهَبًا آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَيْهِ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يُصْبِحَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ ذَهَبًا فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَفْتَحَ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَا بَلْ تَفْتَحُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ» [ (13) ] . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابِ فِي عَقِبِهِ بِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى أَبُو عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ الْوَزِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمِصْرِيُّ، قال: حدّثنا هارون ابن سَعِيدِ بْنِ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ [ (14) ] بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَا نُؤْمِنُ لَكَ حَتَّى تُحَوِّلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا فَإِنْ تَحَوَّلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا آمَنَّا بِكَ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ إن شئت يصبح
لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ [ (15) ] وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ فَقَالَ لَا بَلِ افْتَحْ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ والرَّحْمَةُ» [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسِ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: «قَالَ النَّاسُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَوْ جِئْتَنَا بِآيَةٍ كَمَا جَاءَ بِهَا صَالِحٌ وَالنَّبِيُّونَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ فَأَنْزَلَهَا عَلَيْكُمْ فَإِنْ عَصَيْتُمْ هَلَكْتُمْ يَقُولُ يُنْزَلُ الْعَذَابُ فَقَالُوا لَا نُرِيدُهَا» .
باب ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من أذى المشركين حتى أخرجوهم [1] إلى الهجرة وما ظهر من الآيات بدعائه على سبعة منهم ثم بوعده أمته خلال ذلك ما يفتح الله عز وجل عليهم وأنه يتمم هذا الأمر لهم ثم كان كما قال، و
بَابُ ذِكْرِ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ [ (1) ] إِلَى الْهِجْرَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ بِدُعَائِهِ عَلَى سَبْعَةٍ مِنْهُمْ ثُمَّ بِوَعْدِهِ أُمَّتَهُ خِلَالَ ذَلِكَ مَا يَفْتَحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ يُتَمِّمُ هَذَا الْأَمْرَ لَهُمْ ثُمَّ كَانَ كَمَا قَالَ، وَمَا رُوِيَ فِي شَأْنِ الزِّنِّيرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم ابن الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنِ عمرو ابن الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ «حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ. [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (2) ] فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ فَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ من ربكم» [ (3) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، ثُمَّ تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (5) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ [بْنِ الزُّبَيْرِ] [ (6) ] ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عن ابن إسحق، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ [ (7) ] رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَتْ [ (8) ] تُظْهِرُهُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ: سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَصَبَرْنَا مِنْهُ [ (9) ] عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ أَوْ كَمَا قَالُوا، فبيناهم فِي ذَلِكَ طَلَعَ [ (10) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ غَمَزُوهُ [ (11) ] بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَمَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُهَا فِي وَجْهِهِ، فَمَضَى ثُمَّ مَرَّ الثَّالِثَةَ
فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ: «أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ» فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَّا وَكَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً [ (12) ] قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ [ (13) ] أَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ رَاشِدًا فَمَا أَنْتَ بِجَهُولٍ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تركتموه، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ أَنْتَ [ (14) ] الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَيَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (15) ] يَبْكِي دُونَهُ وَيَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللهُ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ وَإِنَّ ذَلِكَ لَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَوْعَدَهُمْ بِالذَّبْحِ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ صَدَقَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فَقَطَعَ دَابِرَهُمْ، وَكَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَمْ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قيل لعمرو ابن الْعَاصِ. قُلْتُ وَكَذَلِكَ قَالَهُ سليمان بن بلال عن هشام.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «مَا تُنُوِّلَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ شَيْءٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ أَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ ضُحًى، فَلَقُوهُ حِينَ فَرِغَ فَأَخَذُوا بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ وَقَالُوا: أَنْتَ الَّذِي تَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا. فَقَالَ: أَنَا ذَاكَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (16) ] فَالْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ قَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [ (17) ] رَافِعًا صَوْتَهُ بِذَلِكَ وَعَيْنَاهُ تَسِيحَانِ [ (18) ] حَتَّى أَرْسَلُوهُ [ (19) ] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى النَّهْشَلِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، قَالَتِ: «اجْتَمَعَتْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ فَقَالُوا إِذَا مَرَّ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمْ ضَرَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَرْبَةً فَسَمِعَتْهُ، فَدَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ اسْكُتِي، ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عليهم المسجد فرفعوا رؤوسهم ثُمَّ نَكَّسُوا فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهَا نَحْوَهُمْ ثُمَّ قَالَ: شَاهَتِ
الْوجُوهُ، فَمَا أَصَابَ رَجُلًا مِنْهُمْ إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا» [ (20) ] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَثَمَّ سَلَا بَعِيرٍ فَقَالُوا مَنْ يَأْخُذُ سَلَا هَذَا الْجَزُورِ أَوِ الْبَعِيرِ فَيَقْذِفُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَجَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، [فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ] [ (21) ] فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ- قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: اللهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ، اللهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، شَكَّ شُعْبَةُ، قَالَ: عَبْدُ اللهِ: فَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، أَوْ قَالَ فِي بِئْرٍ غَيْرَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، أَوْ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ رَجُلًا بَادِنًا فَتَقَطَّعَ قَبْلَ أَنْ يُبْلَغَ بِهِ الْبِئْرَ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (22) ] مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، قال: حدثنا أبو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ الْعُمَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ [ (23) ] فِي نَاحِيَةِ مَكَّةَ، فَبَعَثُوا فَجَاءُوا مِنْ سَلَاهَا [ (24) ] فَطَرَحُوهُ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، قَالَ فَلَمَّا انْصَرَفَ وَكَانَ يَسْتَحِثُّ [ (25) ] ثَلَاثًا قَالَ اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثًا بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَبِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَبِشَيبَةَ [بْنِ رَبِيعَةَ] [ (26) ] وَبِالْوَلِيدِ ابن عُتْبَةَ، وَبِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَنَسِيتُ السَّابِعَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ [ (27) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي، أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَاسِبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا
جَزُورٍ [ (28) ] فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ [ (29) ] فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا [ (30) ] وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ إِلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ، أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ [ (31) ] عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ [ (32) ] فَطَرَحَتْ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ [ (33) ] ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ- وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا- ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ! عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكَ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ. ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَذَكَرَ السَّابِعَ ولم أحفظه فو الذي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ! لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى قَلِيبِ بَدْرٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (34) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ،
عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَطْلُبُهُ فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ وَاللهِ لَا أَكْفُرُ بِهِ أَبَدًا حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِنِّي إِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ [فَتَأْتِينِي] [ (35) ] فَأَقْضِيكَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً [ (36) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ الْأَعْمَشِ [ (37) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، [عَنْ عَاصِمٍ] [ (38) ] عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَأَوقَفُوهُمْ فِي الشَّمْسِ فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا غَيْرَ بِلَالَ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهُ فِي الله، وهان
عَلَى قَوْمِهِ، فَأَعْطُوهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَجَعَلَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ» [ (39) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِصْمَةَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارِ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ فَقَالَ أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ أَوْ آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ [ (40) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الله يزيد بْنُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَوَّلُ شَهِيدٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ اسْتُشْهِدَ أُمُّ عَمَّارٍ سُمَيَّةُ طَعَنَهَا أَبُو جَهْلٍ بِحَرْبَةٍ فِي قُبُلِهَا [ (41) ] » . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْتَقَ مِمَّنْ كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللهِ سَبْعَةً فذكر منهم
الزِّنِّيرَةَ [ (42) ] . قَالَ فَذَهَبَ بَصَرُهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ يُعَذَّبُ فِي اللهِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا أَصَابَ بَصَرَهَا إِلَّا اللَّاتُ وَالْعُزَّى. فَقَالَتْ: كَلَّا، وَاللهِ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا» [ (42) ] . أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَا: سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً شَدِيدَةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُمَشَّطُ أَحَدُهُمْ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ [ (43) ] مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ- زَادَ بَيَانٌ: وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ [ (44) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ [ (45) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ، وَهُمَا جَالِسَانِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا نَبِيِّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَتَعْجَبُ أَنْ يَكُونَ مِنَّا نَبِيٌّ وَالنَّبِيُّ يَكُونُ فِيمَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنَّا وَأَذَلُّ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: عَجِبْتُ أَنْ يَخْرُجَ غُلَامٌ مِنْ بَيْنِ شُيُوخٍ نَبِيًّا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، فَمَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ غَضِبْتَ وَلَكِنَّكَ حَمِيتَ لِلْأَصْلِ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا الحكم فو الله لَتَضْحَكَنَّ قَلِيلًا وَلَتَبْكِيَنَّ كَثِيرًا [ (46) ] . قَالَ [ (47) ] : بِئْسَمَا تَعِدُنِي ابْنَ أَخِي مِنْ نبوتك» .
باب الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية وما ظهر فيها من الآيات وتصديق النجاشي ومن تبعه [من القسس] [1] والرهبان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بَابُ الْهِجْرَةِ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةَ ثُمَّ الثَّانِيَةِ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ وَتَصْدِيقِ النَّجَاشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ [مِنَ الْقُسُسِ] [ (1) ] وَالرُّهْبَانِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا، ائْتَمَرَتْ رَوِيَّتَهُمْ [ (2) ] وَاشْتَدَّ مَكْرُهُمْ، وَهَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَوْ إِخْرَاجِهِ حِينَ رَأَوْا أَصْحَابَهُ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَعَرَضُوا عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُعْطُوهُمْ دِيَتَهُ وَيَقْتُلُوهُ، فَأَبَى ذَلِكَ قَوْمُهُ وَمَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ بِحَمِيَّةِ رَهْطِهِ، وَاشْتَدُّوا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى دِينِ اللهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، فَكَانَتْ فِتْنَةً شَدِيدَةً وَزِلْزَالًا شَدِيدًا فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَ اللهُ وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ، فَلَمَّا فُعِلَ بِالْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ [ (3) ] أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الشِّعْبَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَكَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكٌ يقال له النجاشي [ (4) ]
لَا يُظْلَمُ بِأَرْضِهِ أَحَدٌ [ (5) ] ، وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ خَيْرًا، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ حِينَ قُهِرُوا وَخَافُوا الْفِتْنَةَ، وَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْرَحْ، وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا الْمَرَّةَ الْأُولَى قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرِ وَأَصْحَابِهِ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (6) ] عَلَيْهِ سُورَةَ النَّجْمِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ أَقْرَرْنَاهُ [ (7) ] وَأَصْحَابَهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَذْكُرُ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمِثْلِ مَا يَذْكُرُ بِهِ آلِهَتَنَا مِنَ الشَّتْمِ وَالشَّرِّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ مَا نَالَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَذَاهُمْ وَتَكْذِيبِهِمْ وَأَحْزَنَتْهُ [ (8) ] ضَلَالَتُهُمْ وَكَانَ يَتَمَنَّى هُدَاهُمْ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةَ النَّجْمِ قَالَ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [ (9) ] أَلْقَى الشَّيْطَانُ عِنْدَهَا كَلِمَاتٍ حِينَ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آخِرَ الطَّوَاغِيتِ فَقَالَ: «وَإِنَّهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَهِيَ الَّتِي تُرْتَجَى» وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سَجْعَ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ، فَوَقَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُشْرِكٍ بِمَكَّةَ، وَزَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ وَتَبَاشَرُوا بِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ [ (10) ] الْأَوَّلِ وَدِينِ قَوْمِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ آخِرَ النَّجْمِ سَجَدَ، وَسَجَدَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ، غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا رَفَعَ مِلْءَ كَفَّيْهِ تُرَابًا فَسَجَدَ [ (11) ] عَلَيْهِ، فَعَجِبَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي السُّجُودِ بِسُجُودِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم: فأما
الْمُسْلِمُونَ فَعَجِبُوا لِسُجُودِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ إِيمَانٍ وَلَا يَقِينٍ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لِمَا أُلْقِيَ فِي أُمْنِيَّةِ النَّبِيِّ [ (12) ] صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدْ قَرَأَهَا فِي السَّجْدَةَ، فَسَجَدُوا لِتَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ، وَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي النَّاسِ وَأَظْهَرَهَا الشَّيْطَانُ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، وَمَرَّ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ، وَحُدِّثُوا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ وَصَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَبَلَغَهُمْ سُجُودُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفَّيْهِ، وَحُدِّثُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ آمَنُوا بِمَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا وَقَدْ نَسْخَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ اللهُ آيَاتِهِ وَحَفِظَهَا مِنَ الْبَاطِلِ فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [ (13) ] .
فَلَمَّا بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَضَاءَهُ وَبَرَّأَهُ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ، انْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ فِيمَنْ رَجَعَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَهُمْ شِدَّةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِجِوَارٍ فَأَجَارَ الوليد ابن الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ الَّذِي يَلْقَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلَاءِ وَعُذِّبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَالسِّيَاطِ وَعُثْمَانُ مُعَافًى لَا يُعْرَضُ لَهُ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ فَقَالَ أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّتِهِ وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الَّتِي اخْتَارَ اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُبْتَلًى وَمَنْ دَخَلَ فيه
فَهُوَ خَائِفٌ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُعَافًى، فَعَهِدَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ يَا عَمِّ قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِيَ إِلَى عَشِيرَتِكَ فَتَبْرَأَ مِنِّي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: يَا ابْنَ أَخِي لَعَلَّ أَحَدًا مِنْ قَوْمِكَ آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي فَأَكْفِيكَ ذَاكَ، قَالَ: لَا وَاللهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلَا آذَانِي، فَلَمَّا أَبَى إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ الْوَلِيدُ، أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ فَأَتَى بِهِ قُرَيْشًا فَقَالَ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْ جِوَارِهِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ، أَنَا وَاللهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مني بريء ثم جلسنا مَعَ الْقَوْمِ وَلَبِيدٌ يُنْشِدُهُمْ فقال لبيد: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ صَدَقْتَ، ثُمَّ أَتَمَّ لَبِيدٌ الْبَيْتَ فَقَالَ: وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذَبْتَ [ (14) ] ، فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ ثُمَّ أَعَادُوهَا [ (15) ] الثَّانِيَةَ وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ حِينَ أَعَادَهَا مِثْلَ كَلِمَتَيْهِ الأولتين صَدَّقَهُ مَرَّةً وَكَذَّبَهُ مَرَّةً [ (16) ] وَإِذَا ذَكَرَ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ صَدَّقَهُ وَإِذَا ذَكَرَ كُلُّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ كَذَّبَهُ، لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَاخْضَرَّتْ. فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ: قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَانِعَةٍ مَمْنُوعَةٍ [ (17) ] فَخَرَجْتَ مِنْهَا وكنت عن الذي
لَقِيتَ غَنِيًّا. فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى الَّذِي لَقِيتُ مِنْكُمْ فَقِيرًا، وَعَيْنِيَ الَّتِي لَمْ تُلْطَمْ إِلَى مِثْلِ مَا لَقِيَتْ صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ، وَلِيَ فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ [ (18) ] ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ: لَا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ [ (19) ] . وَخَرَجَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ذَلِكَ فِرَارًا [ (20) ] بِدِينِهِمْ أَنْ يُفْتَنُوا عَنْهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَمَرُوهُمَا أَنْ يُسْرِعَا السَّيْرَ، فَفَعَلَا وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ فَرَسًا، وَجُبَّةَ دِيبَاجٍ، وَأَهْدَوْا لِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالًا مِنَّا سُفَهَاءَ لَيْسُوا عَلَى دِينِكُمْ وَلَا عَلَى دِينِنَا، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَتْ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: أَجَلْ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: لَا وَاللهِ، لَا أَدْفَعُهُمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ وَأَعْلَمَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ. فَقَالَ عمرو ابن الْعَاصِ: هُمْ أَصْحَابُ الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِينَا وَسَنُخْبِرُكَ بِمَا نَعْرِفُ مِنْ سَفَهِهِمْ وَخِلَافِهِمُ الْحَقَّ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللهِ، وَلَا يَسْجُدُونَ لَكَ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ أَتَاكَ فِي سُلْطَانِكَ. فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَجْلَسَ النَّجَاشِيُّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ جَعْفَرٌ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَحَيَّوْهُ بِالسَّلَامِ، فَقَالَ عَمْرٌو وَعُمَارَةُ: أَلَمْ نُخْبِرْكَ خَبَرَ الْقَوْمِ وَالَّذِي يُرَادُ بِكَ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَلَا تُحَدِّثُونِي أَيُّهَا الرَّهْطُ! مَا لَكُمْ لَا تُحَيُّونِي كَمَا يُحَيِّينِي مَنْ أَتَانِي مِنْ قَوْمِكُمْ وَأَهْلِ بلادكم
وَآخَرُونَ؟ [وَأَخْبِرُونِي] [ (21) ] مَاذَا تَقُولُونَ في عيسى بن مَرْيَمَ؟ وَمَا دِينُكُمْ: أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَيَهُودُ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَعَلَى دِينِ قَوْمِكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: الْإِسْلَامُ. قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ [ (22) ] وَلَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. قَالَ: مَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، بَعَثَهُ [ (23) ] اللهُ إِلَيْنَا كَمَا بَعَثَ الرُّسُلَ إِلَى مَنْ قَبْلَنَا، فَأَمَرَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْأَوْثَانَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَعَرَّفَنَا كَلَامَ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَّمَنَا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ عَادَانَا قَوْمُنَا وَعَادَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الصَّادِقَ، وَكَذَّبُوهُ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، وَأَرَادُونَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا مِنْ قَوْمِنَا، وَلَوْ أَقَرُّونَا اسْتَقْرَرْنَا. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (24) ] قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَإِنَّ رَسُولَنَا أَخْبَرَنَا أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَحَيَّيْنَاكَ بِالَّذِي يُحَيِّي [بِهِ] [ (25) ] بَعْضُنَا بَعْضًا. وَأَمَّا عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ فَخَفَّضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا وَقَالَ: وَاللهِ مَا زَادَ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى هَذَا وَزْنَ هذا العود.
فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللهِ لَئِنْ سَمِعَتْ هَذَا الْحَبَشَةُ لَتَخْلَعَنَّكَ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ لَا أَقُولُ فِي عِيسَى غَيْرَ هَذَا أَبَدًا، وَمَا أَطَاعَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (26) ] النَّاسَ فِيَّ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي دِينِ اللهِ، مَعَاذَ اللهِ مِنْ ذَلِكَ [ (27) ] . وَكَانَ أَبُو النَّجَاشِيِّ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، فَمَاتَ وَالنَّجَاشِيُّ غُلَامٌ صَغِيرٌ، فَأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ: أَنْ إِلَيْكَ مُلْكُ قَوْمِي حَتَّى يَبْلُغَ ابْنِي، فَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْمُلْكُ، فَرَغِبَ أَخُوهُ فِي الْمُلْكِ فَبَاعَ النَّجَاشِيَّ مِنْ بَعْضِ التُّجَّارِ، فَقَالَ لِلْتَاجِرِ: دَعْهُ حَتَّى إِذَا أَرَدْتَ الْخُرُوجَ فَآذِنِّي فَأَدْفَعَهُ إِلَيْكَ فَآذَنَهُ التَّاجِرُ بِخُرُوجِهِ فَأَرْسَلَ بِالنَّجَاشِيِّ حَتَّى أَوْقَفَهُ عِنْدَ السَّفِينَةِ وَلَا يَدْرِي النَّجَاشِيُّ مَا يُرَادُ بِهِ، فَأَخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّهُ الَّذِي بَاعَهُ صَعْقًا فَمَاتَ [ (28) ] ، فَجَاءَتِ الْحَبَشَةُ بِالتَّاجِ فَجَعَلُوهُ عَلَى رَأْسِ النَّجَاشِيِّ، وَمَلَّكُوهُ. فَلِذَلِكَ قَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ مَا أَطَاعَ اللهُ النَّاسَ فِيَّ حِينَ رَدَّ [اللهُ] [ (29) ] عَلَيَّ مُلْكِي وَزَعَمُوا أَنَّ التَّاجِرَ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهُ قَالَ: مَا لِي بُدٌّ مِنْ غُلَامِيَ الَّذِي ابْتَعْتُ أَوْ مَالِي، قَالَ النَّجَاشِيُّ: صَدَقْتَ، فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ [ (30) ] . فَقَالَ النَّجَاشِيُّ حِينَ كَلَّمَهُ جَعْفَرٌ بِمَا كَلَّمَهُ وَحِينَ أَبَى أَنْ يدفعهم إلى
عَمْرٍو: أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ- يُرِيدُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ- وَاللهِ لَوْ رَشَوْنِي فِي هَذَا دَبْرَ ذَهَبٍ وَالدَّبْرُ فِي لِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ- مَا قَبِلْتُهُ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: امْكُثُوا فَإِنَّكُمْ سُيُومٌ وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ، قَدْ مَنَعَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَرَ لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً تُؤْذِيهِمْ فَقَدْ رَغِمَ أَيْ فَقَدْ عَصَانِي [ (31) ] . وَكَانَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى الْعَدَاوَةَ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ فِي مَسِيرِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، ثُمَّ اصْطَلَحَا حِينَ قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ لِيُدْرِكَا حَاجَتَهُمَا الَّتِي خَرَجَا إِلَيْهَا مِنْ طَلَبِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أَخْطَأَهُمَا ذَلِكَ رَجَعَا إِلَى أَشَدِّ مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَسُوءِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَمَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ، فَقَالَ: يَا عُمَارَةُ! إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ النَّجَاشِيِّ فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَنَا فِي حَاجَتِنَا، فَرَاسَلَهَا عُمَارَةُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا انْطَلَقَ عَمْرٌو إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ صَاحِبِي هَذَا صَاحِبُ نِسَاءٍ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَهْلَكَ فَاعْلَمْ عِلْمَ ذَلِكَ، فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ فَإِذَا عُمَارَةُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِخَ فِي إِحْلِيلِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ فَجُنَّ وَاسْتَوحَشَ مَعَ الْوَحْشِ، وَرَجَعَ عَمْرٌو إِلَى مَكَّةَ قَدْ أَهْلَكَ اللهُ صَاحِبَهُ وَخَيَّبَ مَسِيرَهُ وَمَنْعَهُ حَاجَتَهُ [ (32) ] . وَقَدْ رُوِّينَا قِصَّةَ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّتِهِ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بن يَسَارٍ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قِصَّةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمَاعًا مِنْهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَصَمَّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ الْقِصَّتَيْنِ، بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْهِجْرَةِ فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي أَحَادِيثَ مَوْصُولَةٍ. أَمَا الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ فَفِيهَا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْخَفَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادِ الْبُرْجُمِيُّ إِمَامُ مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ [وَسَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يَعْنِي أَنَسًا يَقُولُ خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ومَعَهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (33) ] إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَأَبْطَأَ خَبَرُهُمْ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (34) ] ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ رَأَيْتُ خَتَنَكَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، قَالَ: عَلَى أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِيهِمَا، قَالَتْ: رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّانةِ، وَهُوَ يَسُوقُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَحِبَهُمَا اللهُ إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ» [ (35) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الزِّبْرِقَانَ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ عَالِيًا. وَأَمَّا الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَفِيمَا حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
ابن حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ] [ (36) ] ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ ثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عُمَارَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَبَعَثُوا مَعَهُ بِهِدِيَّةٍ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ سَجَدَا لَهُ وَبَعَثَا إِلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ، وَقَالَا: إِنَّ نَاسًا مِنْ قَوْمِنَا [ (37) ] رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا وَقَدْ نَزَلُوا بِأَرْضِكَ قَالَ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَا هُمْ فِي أَرْضِكَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَاتَّبَعُوهُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ لَمْ تَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا نَبِيَّهُ فَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَسْجُدَ إِلَّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى قَالَ فَمَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ قَالُوا نَقُولُ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ [الْبَتُولِ] [ (38) ] الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ، فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ مَا تَزِيدُونَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ مَا تَزِنُ هَذِهِ فَمَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَحْمِلُ نَعْلَيْهِ، أَوْ قَالَ: أَخْدُمُهُ، فَانْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَرْضِي- فَجَاءَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَبَادَرَ فَشَهِدَ بَدْرًا» [ (39) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: «خرج عبد الله ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ في البحر وكان
بِهَا سُوقٌ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ وَحْدَهُ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ مَنْزِلِهِ: إِنِّي أَرَاكَ تَنْطَلِقُ وَحْدَكَ وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ رَجُلًا بَلَغَ مِنْ شَرِّهِ لَا يَلْقَى غَرِيبًا إِلَّا ضَرَبَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ. قَالَ: ثُمَّ وَصَفَ لِي صِفَةَ الرَّجُلِ فَلَمَّا جِئْتُ السُّوقَ عَرَفْتُهُ بِالصِّفَةِ فَجَعَلْتُ أَسْتَخْفِي مِنْهُ بِالنَّاسِ لَا يَأْخُذُ طَرِيقًا إِلَّا أَخَذْتُ غَيْرَهُ حَتَّى بِعْتُ مَا مَعِي بِدِينَارَيْنِ ثُمَّ إِنِّي غَفَلْتُ غَفْلَةً فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي قَدْ أَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَ. يَسْأَلُنِي مَا مَعَكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ أَتَجْعَلُ لِي إِنْ يُخَلِّي سَبِيلِي أُعْطِكَ مَا مَعِي قَالَ وَكَمْ مَعَكَ قُلْتُ دِينَارَانِ قَالَ: زِدْنِي، قُلْتُ: مَا بِعْتُ إِلَّا بِهِمَا، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ إِذْ بَصُرَ بِهِ رَجُلَانِ وَهُمَا عَلَى تَلٍّ فَانْحَطَّا نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا خَلَّى سَبِيلِي وَهَرَبَ، فَجَعَلْتُ أُنَادَيهَ هَاكَ الدِّينَارَيْنِ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لِي فيهما واتبعاه وَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ ح وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ ابن عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَبِيبٍ [ (40) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ: فَقَدِمْنَا فَبُعِثَ إِلَيْنَا قَالَ لَنَا جَعْفَرٌ لَا يَتَكَلَّمْ [ (41) ] مِنْكُمْ أَحَدٌ أَنَا خَطِيبُكُمُ اليوم.
قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ فَزَبَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ اسْجُدُوا لِلْمَلِكِ فَقَالَ جَعْفَرٌ لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ؟ قَالَ: لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ، وَهُوَ الرَّسُولُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَمَ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ. فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ قَوْلُهُ قَالَ فَمَا يَقُولُ صَاحِبُكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ، قَالَ: يَقُولُ فِيهِ هُوَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ، فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ: مَا يَزِيدُ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا تَقُولُونَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ مَا تَزِنُ هَذِهِ. مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَإِنَّهُ بَشَّرَ بِهِ عيسى بن مَرْيَمَ، وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ امْكُثُوا فِي أَرْضِي مَا شِئْتُمْ وَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ وَكِسْوَةٍ» . قُلْتُ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ [ (42) ] وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّهُ بَلَغَهُمْ مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُمْ بِالْيَمَنِ فَخَرَجُوا مُهَاجِرِينَ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا فِي سَفِينَةٍ فَأَلْقَتْهُمْ سَفِينَتُهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقُوا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَأَمَرَهُمْ جَعْفَرٌ بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ زَمَنَ خَيْبَرَ» . فَأَبُو مُوسَى شَهِدَ مَا جَرَى بَيْنَ جَعْفَرٍ وَبَيْنَ النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَ عَنْهُ وَلَعَلَّ الرَّاوِي وَهِمَ فِي قَوْلِهِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَنْطَلِقَ وَاللهُ أعلم.
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ بِإِسْنَادِهِ قِصَّةً طَوِيلَةً فِي هَذِهِ الْهِجْرَةِ. وَهِيَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو بكر أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ وَأُوذِيَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَفُتِنُوا وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ عَمِّهِ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مِمَّا يَنَالُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالًا حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِهَا فَنَزَلْنَا بِخَيْرِ دَارٍ وَإِلَى خَيْرِ جَارٍ آمَنَّا عَلَى دِينِنَا، وَلَمْ نَخْشَ مِنْهُ ظُلْمًا. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّا قَدْ أَصَبْنَا دَارًا وَأَمْنًا اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ فِينَا فَيُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِهِ، وَلِيَرُدَّنَا عَلَيْهِمْ، فَبَعَثُوا عَمْرَو بن العاص وَعَبْدُ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ فَجَمَعُوا لَهُ هَدَايَا وَلِبَطَارِقَتِهِ، فَلَمْ يَدَعُوا مِنْهُمْ رَجُلًا إِلَّا هَيَّئُوا لَهُ هَدِيَّةً عَلَى حِدَةٍ، قَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قبل تَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ، ثُمَّ ادْفَعُوا هَدَايَاهُ وَإِنِ اسْتَطَعْتُمَا أَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَكُمْ فَافْعَلُوا. فَقَدِمَا عَلَيْنَا فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَتِهِ إِلَّا قَدَّمُوا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ وَكَلَّمُوهُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّا قَدِمْنَا عَلَى هَذَا الْمَلِكِ فِي سُفَهَاءَ مِنْ سُفَهَائِنَا فَارَقُوا أَقْوَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ فَبَعَثَنَا قَوْمُهُمْ لِيَرُدَّهُمُ الْمَلِكُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا نَحْنُ كَلَّمْنَاهُ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَ فَقَالُوا نَفْعَلُ ثُمَّ قَدَّمُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ وَكَانَ مِنْ أَحَبِّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ الْأُدْمُ فَلَمَّا أَدْخَلُوا عَلَيْهِ هَدَايَاهُ قَالُوا لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ فِتْيَةً مِنْ
سُفَهَائِنَا [ (43) ] فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نعرفه وقد لجأوا إِلَى بِلَادِكَ، فَبَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ عَشَائِرُهُمْ آبَاؤُهُمْ وَأَعْمَامُهُمْ وَقَوْمُهُمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ فَهُمْ أَعْلَاهُمْ [ (44) ] عَيْنًا فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ لَوْ رَدَدْتَهُمْ عَلَيْهِمْ كَانُوا أَعْلَاهُمْ عَيْنًا [ (45) ] . فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ فَتَمْنَعَهُمْ بِذَلِكَ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ لَا لعمر اللهِ لَا أَرُدُّهُمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأُكَلِّمَهُمْ وَأَنْظُرَ ما أمرهم. قوم لجأوا إِلَى بِلَادِي وَاخْتَارُوا جِوَارِي عَلَى جِوَارِ غَيْرِي، فَإِنْ كَانُوا كَمَا تَقُولُونَ رَدَدْتُهُمْ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ، وَلَمْ أُخَلِّ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَلَمْ أُنْعِمْهُمْ عَيْنًا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ فَجَمَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عمرو بن العاص وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ، اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ مَاذَا تَقُولُونَ فَقَالُوا وَمَاذَا نَقُولُ نَقُولُ وَاللهِ مَا نَعْرِفُ وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِنَا وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي يكَلِّمُهُ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ مَا هَذَا [الدِّينُ] [ (46) ] الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَارَقْتُمْ دِينَ قَوْمِكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ فَمَا هَذَا الدِّينُ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا عَلَى الشِّرْكِ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةُ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَنَسْتَحِلُّ الْمَحَارِمَ بَعْضُنَا مِنْ بَعْضٍ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا لَا نُحِلُّ شَيْئًا وَلَا نُحَرِّمُهُ، فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ وَفَاءَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَصِلَ الرَّحِمَ، وَنُحْسِنَ الْجِوَارَ، وَنُصَلِّيَ لِلَّهِ، وَنَصُومَ لَهُ، وَلَا نَعْبُدَ غَيْرَهُ.
قَالَ فَقَالَ: فَهَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ وَقَدْ دَعَا أَسَاقِفَتَهُ فَأَمَرَهُمْ فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَاتْلُ عَلَيَّ مَا جَاءَ بِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص، فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ، حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا عِيسَى، انْطَلِقُوا رَاشِدِينَ لَا وَاللهِ لَا أَرُدُّهُمْ عَلَيْكُمْ وَلَا أُنْعِمُكُمْ عَيْنًا. فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي ربيعة فقال عمرو ابن الْعَاصِ: وَاللهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ فَلَأُخْبِرَنَّهُ [ (47) ] أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَبْدٌ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبِيعَةَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا خَالَفُونَا فَإِنَّ لهم رحما ولهم حقا فَقَالَ وَاللهِ لَأَفْعَلَنَّ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ مَاذَا تَقُولُونَ لَهُ فِي عِيسَى إِنْ هُوَ سَأَلَكُمْ عَنْهُ فَقَالَ نَقُولُ وَاللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ وَالَّذِي أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَقُولَ فِيهِ. فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ فَقَالَ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عيسى بن مَرْيَمَ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَقُولُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ وَرُوحُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَدَلَّى النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَأَخَذَ عُوَيْدًا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ فَقَالَ مَا عَدَا عِيسَى بن مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العويد، فتناحرت بَطَارِقَتُهُ، فَقَالَ: وَإِنْ تَنَاخَرْتُمْ وَاللهِ. اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ فِي أَرْضِي وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ. مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثَلَاثًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِمُ الذَّهَبُ فو الله مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا
فَاخْرُجَا [ (48) ] مِنْ بِلَادِي، فَرَجَعَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ. فَأَقَمْنَا مَعَ خَيْرِ جَارٍ وَفِي خَيْرِ دَارٍ فَلَمْ يَنْشِبْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ فو الله مَا عَلِمْنَا حُزْنًا حَزِنَّا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَيَأْتِيَ مَلِكٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ يَعْرِفُهُ، فَجَعَلْنَا نَدْعُو اللهَ [وَنَسْتَنْصِرَهُ] [ (49) ] لِلنَّجَاشِيِّ فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَائِرًا، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ فَيَحْضُرَ الْوَقْعَةَ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ- وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا- أَنَا فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ خَرَجَ يَسْبَحُ عَلَيْهَا فِي النِّيلِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ إِلَى حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ فَحَضَرَ الْوَقْعَةَ فَهَزَمَ اللهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَقَتَلَهُ، وَظَهَرَ النَّجَاشِيُّ عَلَيْهِ، فَجَاءَنَا الزُّبَيْرُ فَجَعَلَ يُلَيِّحُ إِلَيْنَا بِرِدَائِهِ وَيَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا فَقَدْ أظهر الله النجاشي، فو الله مَا عَلِمْنَا فَرَحَنَا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَنَا بِظُهُورِ النَّجَاشِيِّ [ (50) ] . ثُمَّ أَقَمْنَا عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنَّا رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ وَأَقَامَ مَنْ أَقَامَ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فآخذ الرشوة فيه، ولا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعُ النَّاسَ فِيهِ؟ قَالَ فَقَالَ لَا إِنَّمَا حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.، فَقَالَ عُرْوَةُ: فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ وَكَانَ لَهُ أَخٌ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي النَّجَاشِيِّ وَلَدٌ غَيْرُ النَّجَاشِيِّ، فَأَدَارَتِ الْحَبَشَةُ رَأْيَهَا بَيْنَهَا فَقَالُوا: إِنَّا إِنْ قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ، وَمَلَّكَنَا أَخَاهُ فَإِنَّ لَهُ اثْنَى عَشَرَ رَجُلًا مِنْ صُلْبِهِ فَتَوَارَثُوا الْمُلْكَ لَبَقِيَتِ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا لَا يَكُونُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، فَعَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وملكوا
أَخَاهُ، فَدَخَلَ النَّجَاشِيُّ لِعَمِّهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَلَا يُدَبِّرُ أَمْرَهُ غَيْرُهُ وَكَانَ لَبِيبًا فَلَمَّا رَأَتِ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْ عَمِّهِ قَالُوا لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْغُلَامُ أَمْرَ عَمِّهِ، فَمَا نَأْمَنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّا قَدْ قَتَلْنَا أَبَاهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْ مِنَّا شَرِيفًا إِلَّا قَتَلَهُ، فَكَلَّمُوهُ فِيهِ فَلْنَقْتُلْهُ، أَوْ نُخْرِجْهُ مِنْ بِلَادِنَا فَمَشُوا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا مَكَانَ هَذَا الْفَتَى مِنْكَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّا قَدْ قَتَلْنَا أَبَاهُ وَجَعَلْنَاكَ مَكَانَهُ وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ تُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا فَيَقْتُلَنَا، فَإِمَّا أَنْ نَقْتُلَهُ وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِنَا! قَالَ: فَقَالَ وَيْحَكُمْ قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ، بَلْ أُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. فَخَرَجُوا بِهِ فَوَقَفُوهُ بِالسُّوقِ فَبَاعُوهُ مِنْ تَاجِرٍ مِنَ التُّجَّارِ فَقَذَفَهُ فِي سفينة بستمئة دِرْهَمٍ أَوْ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ.. فَانْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَابِ الْخَرِيفِ فَجَعَلَ عَمُّهُ يَتَمَطَّرُ تَحْتَهَا فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَفَزِعُوا إِلَى وَلَدِهِ فَإِذَا هُمْ مُحَمَّقِينَ [ (51) ] لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ. فَمَرَجَ [ (52) ] عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْلَمُونَ وَاللهِ إِنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ للّذي يعتم بِالْغَدَاةِ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ. فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَدْرَكُوهُ فَرَدُّوهُ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ تَاجَهُ وَأَجْلَسُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَمَلَّكُوهُ، فَقَالَ التَّاجِرُ: رُدُّوا عَلَيَّ مَالِي كَمَا أَخَذْتُمْ مِنِّي غُلَامِي، فَقَالُوا لَا نُعْطِيكَ فَقَالَ إِذًا [وَاللهِ] [ (53) ] أُكَلِّمَهُ فَقَالُوا وَإِنْ. فَمَشَى إِلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي ابْتَعْتُ غُلَامًا فَقَبَضُوا مِنِّي الَّذِي بَاعُونِيهِ ثَمَنَهُ ثُمَّ عَدَمُوا عَلَى غُلَامِي فَنَزَعُوهُ مِنْ يَدِي وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ مَالِي فَكَانَ أَوَّلُ مَا خُبِرَ مِنْ صَلَابَةِ حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ أَنْ قال لتردّنّ عليه ما له أَوْ لَيَجْعَلَنَّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ فَلْيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ فَقَالُوا بَلْ نُعْطِيهِ مَالَهُ
فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَلِذَلِكَ يَقُولُ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ فَآخُذُ الرِّشْوَةَ مِنْهُ حَيْثُ [ (54) ] رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعُهُمْ فِيهِ» [ (55) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يُكَلِّمُ النَّجَاشِيَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ [بْنُ بُكَيْرٍ] [ (56) ] عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عِشْرُونَ رَجُلًا وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ مِنَ النَّصَارَى حِينَ ظَهَرَ خَبَرُهُ مِنَ الْحَبَشَةِ فَوَجَدُوهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَمَّا أَرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوا فَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ ثُمَّ اسْتَجَابُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: خَيَّبَكُمُ اللهُ مِنْ رَكْبٍ: بَعَثَكُمْ مَنْ وراكم مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ، فَتَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ الرَّجُلِ فَلَمْ نَطْمَئِنْ مَجَالِسَكُمْ عِنْدَهُ حَتَّى فَارَقْتُمْ دِينَكُمْ وَصَدَّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ لَكُمْ، مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُمْ، فَقَالُوا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نُجَاهِلُكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا نَأْلُوا أَنْفُسَنَا خَيْرًا. فَيُقَالُ إِنَّ النَّفَرَ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ» وَاللهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. وَيُقَالُ وَاللهُ أَعْلَمُ إِنَّ فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ
إِلَى قَوْلِهِ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [ (57) ] . أَنْبَأَنَا الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي الْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَامَ يَخْدُمُهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ نَحْنُ نَكْفِيكَ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ [قَالَ] [ (58) ] حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ «قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَامَ يَخْدُمُهُمْ فَقَالَ أَصْحَابُهُ نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ» تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ «لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا مَا شأنه ماله لَا يَخْرُجُ. فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ أَصْحَمَةَ يَزْعُمُ أَنَّ صاحبكم نبي» .
باب ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى النجاشي
بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير عن ابن إِسْحَاقَ قَالَ: هَذَا كِتَابٌ مِنَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ الْأَصْحَمِ عَظِيمِ الْحَبَشَةِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ اللهِ [ (59) ] فَإِنِّي أَنَا رَسُولُهُ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ (60) ] . فَإِنْ أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ النَّصَارَى مِنْ قَوْمِكَ [ (61) ] .
وَفِي كِتَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَجَازَ لِي رِوَايَتَهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَقِيهُ، بِمَرْوَ، قال: حدثنا حماد ابن أَحْمَدَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ محمد ابن إِسْحَاقَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِي شَأْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ الْأَصْحَمِ مَلِكِ الْحَبَشَةِ سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ الْمُؤْمِنَ الْمُهَيْمِنَ وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ الطَّيِّبَةِ الْحَصِينَةِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى فَخَلَقَهُ مِنْ رُوحِهِ وَنَفَخَهُ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفَخَهُ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْمُوَالَاةِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتُؤْمِنَ بِي وَبِالَّذِي جَاءَنِي فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمُ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرًا وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا جَاءُوكَ فَاقْرِهِمْ وَدَعِ التَّجَبُّرَ فَإِنِّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إِلَى اللهِ وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى» . وَكَتَبَ النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ مِنَ النَّجَاشِيِّ الْأَصْحِمِ بْنِ أَبْجَرَ سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ يَا رَسُولَ اللهِ فِيمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ عِيسَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ، وَقَدْ عَرَفْنَا مَا بَعَثْتَ بِهِ إِلَيْنَا وَقَدْ قَرَيْنَا ابْنَ عَمِّكَ وَأَصْحَابَهُ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ صَادِقًا مُصَدَّقًا وَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ [ (62) ] ابْنَ عَمِّكَ وَأَسْلَمَتُ على يديه لله
رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ بِأَرِيحَا بْنِ الْأَصْحَمِ بْنِ أَبْجَرَ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَإِنْ شِئْتَ أَنْ آتِيَكَ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ» [ (63) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَانَ اسْمُ النَّجَاشِيِّ مَصْحَمَةَ، وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ، وَإِنَّمَا النَّجَاشِيُّ اسْمُ الْمَلِكِ كَقَوْلِكَ كِسْرَى هِرَقْلَ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَصْحَمَةُ وَالَّذِي رُوِّينَا عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْكِتَابِ أَصْحَمُ أَصَحُّ فَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النجاشي» [ (64) ] .
باب دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع من بقي من أصحابه شعب أبي طالب، وما ظهر من الآيات في صحيفة المشركين التي كتبوها على بني هاشم وبني المطلب حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن أراد قتله
بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ فِي صَحِيفَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي كَتَبُوهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ حِينَ مَنَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ اشْتَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا، حَتَّى بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي مَكْرِهَا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَانِيَةً، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَ الْقَوْمِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ شِعْبَهُمْ، وَيَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَجْمِعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ، وَكَتَبُوا فِي مَكْرِهِمْ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا وَلَا تَأْخُذُهُمْ بِهِ رَأْفَةٌ حَتَّى
يُسْلِمُوهُ لِلْقَتْلِ فَلَبِثْ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ يَعْنِي ثَلَاثَ سِنِينَ [ (1) ] وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَالْجَهْدُ، وَقَطَعُوا عَنْهُمُ الْأَسْوَاقَ فَلَا يَتْرُكُوا طَعَامًا يَقْدَمُ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوهُمْ إِلَيْهِ فَاشْتَرَوْهُ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَضَاجِعَهُمْ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ مَكْرًا بِهِ وَاغْتِيَالَهُ، فَإِذَا نَوَّمَ النَّاسُ أَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إِخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَنَامَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَمِنْ بَنِي قُصَيٍّ، وَرِجَالٌ سِوَاهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا الرَّحِمَ واسْتَخَفُّوا بِالْحَقِّ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدْرِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَبَعَثَ الله عز وجل عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الَّتِي الْمَكْرُ فِيهَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم الأرضة [ (2) ] فلحست كلما كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ. وَيُقَالُ كَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْبَيْتِ، وَلَمْ تَتْرُكِ اسْمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا إِلَّا لَحَسَتْهُ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ شِرْكٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَأَطْلَعَ الله- عز وجل- رَسُولَهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ بِصَحِيفَتِهِمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَا وَالثَّوَاقِبِ [ (3) ] مَا كَذَبَنِي، فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَةٍ [ (4) ] مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فلما رأوهم
عَامِدِينَ لِجَمَاعَتِهِمْ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ فَأَتَوْا [ (5) ] لِيُعْطُوهُمْ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكَرْهَا لَكُمْ فَأْتُوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي تَعَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ، وَإِنَّمَا قَالَ. ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصَّحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا، فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِهَا لَا يَشُكُّونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم مدفوعا إِلَيْهِمْ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا وَتَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ قَوْمَكُمْ، فَإِنَّمَا قَطَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ جَعَلْتُمُوهُ خَطَرًا لِهَلَكَةِ قَوْمِكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ وَفَسَادِهِمْ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا لَكُمْ فِيهِ نَصَفٌ [ (6) ] ، إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي: أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي في أيديكم، ومحاكل اسْمٍ هُوَ لَهُ فِيهَا، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ إِيَّانَا وَتَظَاهُرَكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ ابْنُ أَخِي كَمَا قَالَ فَأَفِيقُوا، فو الله لَا نُسْلِمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ فَقَتَلْتُمْ أَوِ اسْتِحْيِيتُمْ. قَالُوا: قَدْ رَضِينَا بِالَّذِي يَقُولُ فَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ خَبَرَهَا، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالُوا: وَاللهِ! إِنْ كَانَ هَذَا قط إلا سحر مِنْ صَاحِبِكُمْ، فَارْتَكَسُوا وَعَادُوا بِشَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَالشِّدَّةِ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ رَهْطِهِ، وَالْقِيَامِ بِمَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنْ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسِّحْرِ غَيْرُنَا فَكَيْفَ تَرَوْنَ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِيَ اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنَا أَقْرَبُ إِلَى الْجِبْتِ وَالسِّحْرِ مِنْ أَمَرِنَا، وَلَوْلَا أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السِّحْرِ لَمْ تَفْسُدْ صَحِيفَتُكُمْ
وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ طَمَسَ اللهُ مَا كَانَ فِيهَا مِنِ اسْمٍ وَمَا كَانَ مِنْ بَغِيٍّ تَرَكَهُ أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ وَبَنِي قُصَيِّ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءٌ [مِنْ] [ (7) ] بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَوجُوهِهِمْ: نَحْنُ بُرَآءُ مِمَّا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ، وَأَنْشَأَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ الشِّعْرَ فِي شَأْنِ صَحِيفَتِهِمْ وَيَمْتَدِحُ النَّفَرَ الذين تبرأوا مِنْهَا وَنَقَضُوا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَيَمْتَدِحُ النَّجَاشِيَّ» ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ تِلْكَ الْأَبْيَاتِ [ (8) ] وَهَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «فَلَمَّا مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِي بُعِثَ بِهِ، وَقَامَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ [ (10) ] دُونَهُ وَأَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوهُ وَهُمْ مِنْ خِلَافِهِ عَلَى مِثْلِ مَا قَوْمُهُمْ عَلَيْهِ
إِلَّا أَنَّهُمْ أَنِفُوا أَنْ يُسْتَذَلُّوا وَيُسْلِمُوا أَخَاهُمْ لِمَنْ فَارَقَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (11) ] مَعَهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَكْتُبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنْكِحُوهُمْ وَلَا يَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ، وَكَتَبُوا صَحِيفَةً فِي ذَلِكَ وَعَلَّقُوهَا بِالْكَعْبَةِ ثُمَّ عَدَوْا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَأَوْثَقُوهُمْ وَآذُوهُمْ وَاشْتَدَّ [ (12) ] الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ وَعَظُمَتِ الْفِتْنَةُ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا فِي دُخُولِهِمْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا بَلَغُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ الشَّدِيدِ حَتَّى كَانَ يُسْمَعُ أَصْوَاتُ صِبْيَانِهِمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ مِنَ الْجُوعِ وَحَتَّى كَرِهَ عَامَّةُ قُرَيْشٍ مَا أَصَابَهُمْ وَأَظْهَرُوا كَرَاهِيَّتَهُمْ لِصَحِيفَتِهِمُ الظَّالِمَةِ وَذُكِرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ أَرْسَلَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ الْأَرَضَةَ فَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا هُوَ لِلَّهِ [تَعَالَى] [ (13) ] إِلَّا أَكَلَتْهُ وَبَقِيَ فِيهَا الظُّلْمُ وَالْقَطِيعَةُ وَالْبُهْتَانُ فَأَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ الرَّسُولُ أَبَا طَالِبٍ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي طَالِبٍ مَعَهُمْ وَمَا جَرَى بَيْنَهُمْ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ- بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَأَتَمَّ مِنْهُ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَلَمَّا أَفْسَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَحِيفَةَ مَكْرِهِمْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَرَهْطُهُ فَعَاشُوا وَخَالَطُوا الناس [ (14) ] .
باب قول الله عز وجل: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين [الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون 15: 94 - 96 [15]] الآية وما ظهر في كفاية المستهزئين من الآيات
بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [ (15) ]] الْآيَةَ وَمَا ظَهَرَ فِي كِفَايَةِ الْمُسْتَهْزِئِينَ مِنَ الْآيَاتِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ مَحْمَشٍ] [ (16) ] الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَعْفَرِ ابن إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، قال: «المستهزءون: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بن عبد يغوث الزهري [ (17) ] ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عبد
العزى [ (18) ] ، والحارث بن عنطلة السَّهْمِيُّ [ (19) ] ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ [ (20) ] ، فأتاه
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَرَاهُ الْوَلِيدَ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْمُغِيرَةِ فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَبْجَلِهِ فَقَالَ مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الأسود ابن الْمُطَّلِبِ، فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَى عَيْنَيْهِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيَّ، فَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قَالَ كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْحَارِثَ بن غَيْطِلَةَ السَّهْمِيَّ، فَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ أَوْ قَالَ إِلَى بَطْنِهِ فَقَالَ مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كَفِيتَهُ، وَمَرَّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَوْمَأَ إِلَى أَخْمَصِهِ فَقَالَ مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، فَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَعَمِيَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَمِيَ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ نَزَلَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَجَعَلَ يَقُولُ يَا بَنِيَّ أَلَا تَدْفَعُونَ عَنِّي قَدْ قُتِلْتُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيْئًا، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ! أَلَا تَمْنَعُونَ عَنِّي، قَدْ هلكت ها هوذا أُطْعَنُ بِالشَّوْكِ فِي عَيْنَيَّ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيْئًا! فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الحارث بن عنطلة فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَوْمًا إِذْ دَخَلَ فِي رَأْسِهِ شِبْرِقَةٌ [ (21) ] حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا فَمَاتَ مِنْهَا وَقَالَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَرَكِبَ إِلَى الطَّائِفِ عَلَى حِمَارٍ فَرَبَضَ عَلَى شِبْرِقَةٍ فَدَخَلَتْ فِي أُخْمُصِ قَدَمِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ [ (22) ] .
باب دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على من استعصى من قريش بالسنة وإجابة الله عز وجل دعاءه وما ظهر في ذلك من الآيات
باب دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ اسْتَعْصَى مِنْ قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ وَإِجَابَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ ابن دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عَزْرَةَ [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ محمد الْفَقِيهُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى ابن إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عن مسلم ابن صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ فِيمَا يَقُولُ: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [ (2) ] قَالَ: دُخَانٌ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكْمَةِ فَقُمْنَا فَدَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الْعَالِمُ لِمَا لَا يَعْلَمُ. اللهُ أَعْلَمُ:، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ (3) ] ، وسأحدثكم
عَنِ الدُّخَانِ: أنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبْطَأوا عَنِ الْإِسْلَامِ قَالَ اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، قَالَ: فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ [ (4) ] . زَادَ مُحَمَّدٌ: ثُمَّ دَعَوْا فَكُشِفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ [ (5) ]- قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [ (6) ] . قَالَ: فَعَادُوا، فَكَفَرُوا، فَأُخِّرُوا إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ لَا يُكْشَفُ عَنْهُمْ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ (7) ] . قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ» لَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَازِمٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَذَكَرَ قَوْلَ الرَّجُلِ وَدُخُولِهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَقَوْلَ عَبْدِ اللهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالُوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [ (8) ] قَالَ: فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّا لَوْ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ عَادُوا، قَالَ: فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فلذلك قَوْلُهُ: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ- إلى قوله:
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ (9) ] » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ [ (10) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْأَشَجِّ، عَنْ وَكِيعٍ [ (11) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ [ (12) ] عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، قَالَ: «اللهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ» ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ، وَالْجُلُودَ، وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً وإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا فَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ فَقَالَ: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقِيَ النَّاسُ حَوْلَهُمْ. قَالَ: لَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَهُوَ الْجُوعُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَهُوَ [ (13) ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [ (14) ] وَآيَةُ اللِّزَامِ [ (15) ] ، وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وانشقاق
الْقَمَرِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَوْمَ بَدْرٍ يُرِيدُ وَاللهُ أَعْلَمُ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وَالدُّخَانُ وَآيَةُ اللِّزَامِ كُلُّهَا حَصَلَتْ بِبَدْرٍ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُؤَمَّلٍ [ (17) ] قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عمرو ابن عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالدُّخَانُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ» [ (18) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، [ (19) ] . وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ قَدْ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِنَّ قبل وجودهنّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عن عبد اللهِ: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ [ (20) ] قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ [ (21) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ، قال: حدثنا أسباط ابن نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [ (22) ] قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ فُتِحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْفَعِ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ [ (23) ] . حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ كَامِلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَلْخِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا هَرَاةَ، قَالَ: حدثنا محمد ابن عَلِيٍّ النَّجَّارُ بِصَنْعَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَسْتَغِيثُ مِنَ الْجُوعِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ [بِالدَّمِ] [ (24) ] فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (25) ] قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى فُرِّجَ عَنْهُمْ» [ (26) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْشُدُكَ اللهَ وَالرَّحِمَ قَدْ أَكَلْنَا الْعِلْهِزَ [يَعْنِي] [ (27) ] الْوَبَرَ وَالدَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (28) ] » وقد رُوِي فِي قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مرتين والله أعلم [ (29) ] .
باب ما جاء في آية الروم وما ظهر فيها من الآيات [في أدنى الأرض] [1]
بَابُ مَا جَاءَ فِي آيَةِ الرُّومِ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ [فِي أَدْنَى الْأَرْضِ] [ (1) ] قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ [ (3) ] النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُمْ سَيَظْهَرُونَ [ (4) ] » فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَجَلًا إِنْ ظَهَرُوا كَانَ لَكَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا، فَجَعَلَ بَيْنَهُمْ أجل
خَمْسِ سِنِينَ، فَلَمْ يَظْهَرُوا، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَا جَعَلْتَهُ- أَرَاهُ قَالَ دُونَ الْعَشَرَةِ- قَالَ: فَظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ قَالَ فَغُلِبَتِ الرُّومُ ثُمَّ غَلَبَتْ بَعْدُ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [ (5) ] قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا يَوْمَ بَدْرٍ» [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ سَعِيدٌ: الْبِضْعُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ [ (7) ] قَالَ: ذَكَرَ غَلَبَةَ فَارِسَ الرُّومَ، وَإِدَالَةَ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْأَوْثَانِ، قَالَ: وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشَرَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي قَالَ أخبرنا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] [ (8) ] . فِي قَوْلِهِ: الم، غُلِبَتِ الرُّومُ قَالَ: «قَدْ مَضَى كَانَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَكَانَتْ فَارِسُ قَدْ غَلَبَتْهُمْ، ثُمَّ غَلَبَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَقِيَ نبي الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ فَنَصَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، ونصر أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى مُشْرِكِي الْعَجَمِ» ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ إِيَّاهُمْ، وَنَصْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْعَجَمِ، قَالَ عَطِيَّةُ: وَسَأَلْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ «الْتَقَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ فَنَصَرَنَا [اللهُ تَعَالَى] [ (9) ] عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ ونصر أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ فَفَرِحْنَا بِنَصْرِ اللهِ إِيَّانَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَفَرِحنَا بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ: الرُّومُ أَهْلُ كِتَابٍ وَقَدْ غَلَبَتْهُمُ الْفُرْسُ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ سَتَغْلِبُونَ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، فَسَنَغْلِبُكُمْ كَمَا غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (11) ] » قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري
فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ نَاحَبَ [ (12) ] أَبُو بَكْرٍ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْقِمَارُ [ (13) ] عَلَى شَيْءٍ إِنْ لَمْ تُغْلَبْ فَارِسُ فِي سَبْعِ سِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِمَ فَعَلْتَ فَكُلُّ مَا دُونَ الْعَشْرِ بِضْعٌ وَكَانَ ظُهُورُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ فِي تِسْعِ سِنِينَ [ (14) ] ثُمَّ أَظْهَرَ اللهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ «الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرض» قَالَ: غَلَبَهُمْ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى أَدْنَى الشَّامِ، «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ» الْآيَةَ. قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، صَدَّقَ الْمُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ وَعَرَفُوا أَنَّ الرُّومَ سَتَظْهَرُ عَلَى أَهْلِ فَارِسَ، فَاقْتَمَرَهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ خَمْسَ قَلَائِصَ، وَأَجَّلُوا بَيْنَهُمْ خَمْسَ سِنِينَ، قَالَ: فَوَلِيَ قِمَارَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَوَلِيَ قِمَارَ الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْقِمَارِ فِي الْأَجَلِ، وَلَمْ تَظْهَرِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَسَأَلَ الْمُشْرِكُونَ قِمَارَهُمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَمْ يَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَنْ يُؤَجِّلُوا أَجَلًا دُونَ الْعَشْرِ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، فَزَايدُوهُمْ وَمَادُّوهُمْ فِي الْأَجَلِ» ، فَفَعَلُوا فَأَظْهَرَ اللهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ عِنْدَ رَأْسِ السَّبْعِ مِنْ قِمَارِهِمُ الْأَوَّلِ، فَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِفَلْجِهِمُ الَّذِي كَانَ مِنْ ظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا شَدَّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ فَهُوَ قوله:
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو تَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَيْدٌ الْكِلَابِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْعَلَاءَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ غَلَبَةَ فَارِسَ الرُّومَ ثُمَّ رأيت غلبة الروم فارسا، ثُمَّ رَأَيْتُ غَلَبَةَ الْمُسْلِمِينَ فارسا وَالرُّومَ، وَظُهُورَهُمْ عَلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ كُلُّ ذَلِكَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ (16) ] [وَبِاللهِ العصمة] [ (17) ] .
باب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبعة من قريش يؤذونه ثم على ابن أبي لهب وما ظهر في ذلك من الآيات
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى سَبْعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُؤْذُونَهُ ثُمَّ عَلَى ابْنِ أَبِي لَهَبٍ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرو ابن خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَبْعَةٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى عَلَى بَدْرٍ قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
ابن سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ [ (2) ] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ [ (3) ] ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمد
ابن أَعْيَنَ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأسود ابن شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ لهب ابن أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيَدْعُو عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: اللهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ يَحْمِلُ الْبَزَّ إِلَى الشَّامِ، وَيَبْعَثُ بِوَلَدِهِ مَعَ غِلْمَانِهِ وَوُكَلَائِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ فَيُعَاهِدُوهُ، قَالَ: وَكَانُوا إِذَا نَزَلَ الْمَنْزِلَ أَلْزَقُوهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَغَطُّوا عَلَيْهِ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ زَمَانًا، فَجَاءَ سَبْعٌ فَنَشَلَهُ فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَقَلْ لَكُمْ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ» . كَذَا قَالَ عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ، وَأَهْلُ الْمَغَازِي يَقُولُونَ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُتَيْبَةُ. وَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: «كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ يعني ابنة
رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَكَانَتْ رُقَيَّةُ تَحْتَ أَخِيهِ: عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ قَالَ أَبُو لَهَبٍ لِابْنَيهِ: عتيبة، وعتبة: رأسي ورؤوسكما حَرَامٌ إِنْ لَمْ تُطَلِّقَا ابْنَتَيْ مُحَمَّدٍ، وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عُتْبَةَ طَلَاقَ رُقَيَّةَ، وَسَأَلَتْهُ رُقَيَّةُ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَهُ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ حرب ابن أُمَيَّةَ- وَهِيَ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ-: طَلِّقْهَا يَا بُنَيَّ فَإِنَّهَا قَدْ صَبَتْ فَطَلَّقَهَا، وَطَلَّقَ عُتَيْبَةُ أُمَّ كُلْثُومٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ فَارَقَ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ: كَفَرْتُ بِدِينِكَ، وَفَارَقْتُ ابْنَتَكَ، لَا تُحِبُّنِي وَلَا أُحِبُّكَ، ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَشَقَّ قَمِيصَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ، فَخَرَجَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَزَلُوا فِي مَكَانٍ مِنَ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلًا فَأَطَافَ بِهِمُ الْأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ، قَتَلَنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَعَوَى عَلَيْهِ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً فَذَبَحَهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فَحَدَّثَنَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْعَبْدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ الْأَسَدَ لَمَّا طَافَ بِهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ فَنَامُوا وَجُعِلَ عُتَيْبَةُ فِي وَسْطِهِمْ فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخَذَ بِرَأْسِ عُتَيْبَةَ، فَفَدَغَهُ، وَتَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رُقَيَّةَ فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ، وَلَمْ تَلِدْ لَهُ، وَتَزَوَّجَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ زَيْنَبَ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ» .
باب وفاة أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ورد في امتناعه من الإسلام
بَابُ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا وَرَدَ فِي امْتِنَاعِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ. وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [ (1) ] . وَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عمن سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ [ (3) ] وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [ (4) ] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ: كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوهُ وَيَنْأَى عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَيَنْأَى عَمَّا جَاءَ بِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جمشاد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَنْدَهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ قَالَ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ: كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَيَتَبَاعَدُ عَمَّا جَاءَ به [ (5) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ قَرْقُوبٍ التَّمَّارُ بِهَمَذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا لَا أُحْصِي عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ [ (6) ] ، قَالَ: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ! قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَيْ أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: فَكَانَ آخِرَ كَلِمَةٍ أَنْ قَالَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ إِلَى- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [ (7) ] قَالَ لَمَّا مَاتَ وَهُوَ كَافِرٌ [ (8) ] . وَنَزَلَتْ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ لَفْظُ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ [ (9) ] قَالَ: جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.، وَزَادَ: فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعَانِدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ- ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ [إِلَّا أَنَّهُ] [ (10) ] قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (11) ] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأَنْزَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] [ (13) ] وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ لَمَّا مَاتَ وَهُوَ كَافِرٌ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (14) ] وَمَحْمُودٍ [ (15) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ [الْقَاضِي] [ (16) ] وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (17) ] . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فقال: لولا أَنْ تُعَيِّرَنِيَ [ (19) ] قُرَيْشٌ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ (20) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَمَّا حَضَرَتْ وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَمَّاهُ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا إِلَّا جَزَعُهُ مِنَ الْمَوْتِ [ (21) ] لَأَقْرَرْتُ عَيْنَكَ بِهَا فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (22) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ [ (23) ] الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدَ رَأْسِ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: يَا عَمِّ! إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْجِزْيَةَ الْعَجَمُ، كَلِمَةً وَاحِدَةً قَالَ مَا هِيَ؟ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ فَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ (24) ] قَالَ: وَنَزَلَ فِيهِمْ ص، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ- حَتَّى بَلَغَ- إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَبَا طَالِبٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَمِّ! قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَسْتَحِلُّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ [يَوْمَ الْقِيَامَةِ] [ (26) ] فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي [وَاللهِ] [ (27) ] لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُبَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِي يَرَوْنَ أَنِّي قُلْتُهَا جَزَعًا حِينَ نَزَلَ بِيَ الْمَوْتُ لَقُلْتُهَا- لَا أَقُولُهَا إِلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا- فَلَمَّا ثَقُلَ أَبُو طَالِبٍ رُئِيَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَأَصْغَى إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ لِيَسْتَمِعَ قَوْلَهُ فَرَجَعَ [ (28) ] الْعَبَّاسُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله قَدْ وَاللهِ قَالَ الْكَلِمَةَ الَّتِي سَأَلْتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْ [ (29) ] . هَذَا إِسْنَادٌ مُنْقَطِعٌ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ الْعَبَّاسُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَحِينَ أَسْلَمَ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْ حَالِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَالْحَجَبِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ: نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» [ (30) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى [ (31) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [ (32) ] وَغَيْرُهُ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مِلْحَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» [ (33) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي صَرِيمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْهَادِ: أَنَّ عبد الله ابن خَبَّابٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ «رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَذَكَرَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف ورواه
مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (ح) قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو يَعْنِي ابْنَ أَحْمَدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ مُنْتَعِلًا بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (35) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ تاجية بْنَ كَعْبٍ، يَقُولُ: «شَهِدْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبِي أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ قَدْ تُوُفِّيَ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلَا تُحْدِثَنَّ حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَفَعَلْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ» [ (36) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حدّثنا
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَمَنْ يُوَارِيهِ؟ قَالَ اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَأَتَيْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ دَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ بِهِنَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ» [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيِّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَارَضَ جَنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ وَجُزِيتَ خَيْرًا يَا عَمِّ» وَرَوَى عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مُرْسَلًا [ (38) ] وَزَادَ «وَلَمْ يَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ» وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ الْخَوَارَزْمِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قال: حدّثنا يونس ابن بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعِّينَ عَنِّي [ (39) ] حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ» . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ الْمُجَدَّرُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ [رضي الله عنها] [ (40) ] عن
النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَأَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ تَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَتَبْكِي، قَالَ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَيْ بُنَيَّةُ لَا تَبْكِيَنَّ فَإِنَّ اللهَ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (41) ] مَانِعٌ أَبَاكِ، وَيَقُولُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مات أبو طالب» [ (42) ] .
باب وفاة خديجة بنت خويلد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنها وما في اخبار جبريل عليه السلام إياه بما يأتيه به من الآيات
بَابُ وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ زَوْجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا وَمَا فِي إِخْبَارِ جِبْرِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهُ بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِهِ لَهَا، وَمَا تَزَوَّجَنِي إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا نَصَبٌ فِيهِ وَلَا صَخَبٌ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ من
قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (2) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (3) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ» [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِمَكَّةَ قَبْلَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهَلَاكِ خَدِيجَةِ وَأَبِي طَالِبٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، كَانَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا قُلْتُ وَبَلَغَنِي أَنَّ مَوْتَ خَدِيجَةَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي
طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاللهُ أَعْلَمُ» [ (5) ] . ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ-[ (6) ] وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ وَأَبُو طَالِبٍ بَيْنَهُمَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ لَيْلَةً الْمُتَقَدِّمَةُ خَدِيجَةُ» وَهَذَا فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَسَّانَ قَالَ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فذكره.
باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وما ظهر في ذلك من الآيات
بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ» [ (2) ] . وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أخبرناه أبو
الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، قَالَ: «فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْخَمْسُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الضَّحَّاكِ الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ: مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قَالَ صَلَّيْتُ لِأَصْحَابِي صَلَاةَ الْعَتَمَةِ بِمَكَّةَ مُعْتَمًّا، وَأَتَانِي جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَقَالَ: ارْكَبْ فَاسْتَصْعَبَتْ عَلَيَّ، فَدَارَهَا بِأُذُنِهَا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا، فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا: يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذات نخل
فَأَنْزَلَنِي، فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ اللهُ أَعْلَمُ* قَالَ: صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ، صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ، فَانْطَلَقَتْ تَهْوَى بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا فَقَالَ: انْزِلْ، فَنَزَلَتْ، ثُمَّ قَالَ: صَلِّ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ، قَالَ: صَلَّيْتَ بِمَدْيَنَ، صَلَّيْتَ عِنْدَ شَجَرَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَهْوَى بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا بَدَتْ لَنَا قُصُورٌ، فَقَالَ: انْزِلْ فَنَزَلَتُ فَقَالَ: صَلِّ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، قَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- المسيح بن مَرْيَمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِيِّ فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ وَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللهُ وَأَخَذَنِي [ (4) ] مِنَ الْعَطَشِ أَشَدُّ مَا أَخَذَنِي، فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ، أُرْسِلَ إِلَيَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَعَدَلْتُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ هَدَانِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ، حَتَّى قَرَعْتُ بِهِ جَبِينِي وَبَيْنَ يَدَيَّ شَيْخٌ مُتَّكِئٌ عَلَى مَثْرَاةٍ لَهُ فَقَالَ: أَخَذَ صَاحِبُكَ الْفِطْرَةَ إِنَّهُ لَيُهْدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ لي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادِي الَّذِي فِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا جَهَنَّمُ تَنْكَشِفُ عَنْ مِثْلِ الزَّرَابِيِّ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ وَجَدْتَهَا؟ قَالَ: مِثْلُ الْحُمَةِ السُّخْنَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِي فَمَرَرْنَا بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَجَمَعَهُ فُلَانٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا صَوْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ كُنْتَ اللَّيْلَةَ فَقَدِ الْتَمَسْتُكَ فِي مَكَانِكَ. فَقَالَ عَلِمْتَ أَنِّي أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ فَصِفْهُ لِي. قَالَ فَفُتِحَ لِي صِرَاطٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ فِيهِ لَا يَسَلْنِي [ (5) ] عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُ
عَنْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْظُرُوا إِلَى ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ، قَالَ فَقَالَ إِنَّ مِنْ آيَةِ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَجَمَعَهُ فُلَانٌ، وَإِنَّ مَسِيرَهُمْ يَنْزِلُونَ بِكَذَا ثُمَّ بِكَذَا وَيَأْتُونَكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَقْدُمُهُمْ جَمَلٌ آدَمُ عَلَيْهِ مِسْحٌ أَسْوَدُ وَغِرَارَتَانِ سَوْدَاوَانِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى كان قريب مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْعِيرُ يَقْدُمُهُمْ ذَلِكَ الْجَمَلُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ [ (6) ] وَرُوِي ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي أَحَادِيثَ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مَا حَضَرَنَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ [وَإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ] [ (7) ] فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ [ (8) ] » . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ سَوَاءً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (9) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، محمد بْنُ النَّضْرِ، قَالَ ابْنُ النَّضْرِ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بن الْمَعْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسَلْنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلُونِي، عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسَلُونِي [ (11) ] عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شنوءة، وإذا عيسى بن مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا: عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ- يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لِي قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ
إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ- لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّ في رواية الواهبي وَأَنَا أُخْبِرُ قُرَيْشًا عَنْ مَسْرَايَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ [ (12) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سلمة ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (13) ] لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أخبرهم عن آياته وأنا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [ (14) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ [ (15) ] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي عن صالح ابن كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَقِيَ فِيهِ: إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ: قَدَحُ لَبَنٍ وَقَدَحُ خَمْرٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ قَدَحَ اللَّبَنِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هُدِيتَ [الْفِطْرَةَ] لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ [ (16) ] ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فَافْتَتَنَ نَاسٌ كَثِيرٌ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا مَعَهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَتَجَهَّزَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا لَهُ: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أو قال ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ فَأَشْهَدُ، لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ. قَالُوا: فَتُصَدِّقُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ: أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَبِهَا سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي بَيْتَ المقدس فطفقت أخبرهم عن آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرَانِيُّ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي: أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ. «ح» وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ
الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالُوا هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قال أو قال ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ قَالُوا وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ: أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ. فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ» لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ [ (18) ] اللهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي، فِي قَبْرِهِ [ (19) ] . قَالَ وَذَكَرَ لِي أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ قَالَ فَأَوْثَقْتُ الْفَرَسَ أَوْ قَالَ الدَّابَّةَ بِالْخُرَابَةِ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صِفْهَا لِي يَا رَسُولَ اللهِ: قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: هِيَ كَذِهِ وَذِهِ قَالَ كَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَآهَا» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «كَرِيمَةٍ وَدِيمَةٍ» وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبيد
الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ مِقْلَاصٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا أَمَرَّتْ ذَنَبَهَا، فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: مه يا براق! فو الله إِنْ رَكِبَكَ مِثْلُهُ، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ سِرْ يَا مُحَمَّدُ فَسَارَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسِيرَ فَإِذَا شَيْءٌ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ يَقُولُ: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَسَارَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسِيرَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ خَلْقٌ مِنَ الْخَلْقِ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آخِرُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَاشِرُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ارْدُدِ السَّلَامَ يَا مُحَمَّدُ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعُرِضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالْخَمْرُ وَاللَّبَنُ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقْتَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَغَوِيَتْ [ (20) ] أُمَّتُكَ، ثُمَّ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِ تِلْكَ الْعَجُوزِ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ فَذَلِكَ عَدُوُّ اللهِ إِبْلِيسُ أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْكَ فَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنبَاعِ: رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النّيسابوري، قالب: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ «أُتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُسْرَجًا مُلْجَمًا فَاسْتَصْعَبَ، عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا وَاللهِ مَا رَكِبَكَ خَلْقٌ قَطُّ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ منه قال منه فَارْفَضَّ عَرَقًا» [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُنِيبٍ [ (22) ] ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا، عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي ثُمَّ أَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فُظِعْتُ بِأَمْرِي وَعَلِمْتُ أن الناس يكذبوني، قَالَ: فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ عَدُوُّ اللهِ، فَجَاءَ فَجَلَسَ فَقَالَ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ: قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: فلم ير أنه يكذبه مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ، إِذَا دَعَا قَوْمَهُ، قَالَ: أرأيت إن دعوت إليك قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ بِمَا حَدَّثَتْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ! هَلُمَّ. قَالَ فَانْفَضَّتِ [ (23) ] الْمَجَالِسُ فَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: حَدِّثْ قَوْمَكَ مَا حَدَّثَتْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَوَاحِدٍ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُسْتَعْجِبٍ لِلْكَذِبِ، زَعَمَ، قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى
الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ فَمَا زِلْتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عَقِيلٍ أَوْ عِقَالٍ قَالَ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ. وَقَدْ كَانَ مَعَ هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَحْفَظْهُ عَوْفٌ قَالَ: فَقَالُوا: أَمَّا النَّعْتُ فَقَدْ وَاللهِ أَصَابَ» [ (24) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مسلمة، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ، أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ فَلَمْ يُزَايِلَا ظَهْرَهُ هُوَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى انْتَهَيَا بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَعِدَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَأَرَاهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» . ثُمَّ قَالَ لِي: هَلْ صَلَّى فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ اسْمَعْ يَا أُصَيْلِعُ إِنِّي لَأَعْرِفُ وَجْهَكَ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُكَ قَالَ قُلْتُ أَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ قَالَ: فَأَيْنَ تَجِدُهُ صَلَّاهَا فَتَأَوَّلْتُ الْآيَةَ: سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بعبده إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى لَصَلَّيْتُمْ كَمَا يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَرَبَطَ الدَّابَّةَ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ أَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهُ وَقَدْ أَتَاهُ اللهُ بِهَا؟ قُلْتُ وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا أَنَّهُ لم يحفظ صفة
الْبُرَاقِ وَكَانَ حُذَيْفَةُ لَمْ يَسْمَعْ صَلَاتَهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ [ (25) ] . وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَأَمَّا الرَّبْطُ فَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَالْبُرَاقُ دَابَّةٌ مَخْلُوقَةٌ وَرَبْطُ الدَّوَابِّ عَادَةٌ مَعْهُودَةٌ وَإِنْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لقادر عَلَى حَفِظِهَا وَالْخَبَرُ الْمُثْبِتُ [ (26) ] أَوْلَى مِنَ النَّافِي وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (27) ] قَالَ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (28) ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ [رَحِمَهُ الله] [ (29) ] .
باب الدليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرج به إلى السماء فرأى جبريل عليه السلام في صورته عند سدرة المنتهى وقبل ذلك كان قد رأى جبريل عليه السلام في صورته وهو بالأفق الأعلى
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَرَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى، مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى، أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى [ (1) ] » . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمَنِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ سَأَلْتُ زِرًّا، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [ (2) ] فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ زَائِدَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: أخبرنا الحسن ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى [ (5) ] قَالَ: «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ وَعَلَيْهِ حُلْوٌ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والْأَرْضِ» [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا (ح) . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نمير،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ «قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى دَنَا فتدلى قَالَتْ إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ [ (8) ] وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (9) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِهِ يَرَى فِي الْمَنَامِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا رَأَى جِبْرِيلَ بِأَجْيَادٍ أَنَّهُ خَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَصَرَخَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ بَصَرَهُ فَإِذَا هُوَ يَرَاهُ ثَانِيًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى عَلَى أُفُقِ السَّمَاءِ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِبْرِيلُ جِبْرِيلُ يُسَكِّنُهُ. فَهَرَبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاسِ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ فَنَظَرَ فَرَآهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [ (11) ] الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ الْإِيَادِيُّ، عن أبي عمران
الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَكَزَ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَقُمْتُ- يَعْنِي- إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدْتُ فِي الْآخَرِ، فَسَمَتْ وَارْتَفَعَتْ حَتَّى سَدَّتِ الْخَافِقَيْنِ، وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفَيَّ، فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسَسْتُ [ (12) ] فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ عَلْمِهِ بِاللهِ عَلَيَّ، فَفُتِحَ لِي بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ النُّورَ الْأَعْظَمَ، وَإِذَا دُونِي حِجَابٌ رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، فَأَوْحَى إِلَيَّ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِيَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِهِ «وَلُطَّ دُونِيَ الْحِجَابُ رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ» . هَكَذَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ [ (13) ] «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَنَكَتَ فِي ظَهْرِهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الشَّجَرَةِ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي الْآخَرِ فَتَسَامَتْ بِنَا حَتَّى بَلَغَتِ الْأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى السَّمَاءِ لَنُلْتُهَا، فَدَلَّى بِسَبَبٍ، وَهَبَطَ النُّورُ، فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا؟ أَوْ إِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ؟ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَنْ تَوَاضَعَ قَالَ: قُلْتُ لَا [ (14) ] ، بَلْ نَبِيًّا عبدا» [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ ابن عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ مِنْ فِيهِمَا [ (16) ] ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- «أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَلَكِنْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقِهِ، سَادًّا مَا بَيْنَ الْأُفُقِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ عَنْ محمد ابن عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ [ (17) ] . قُلْتُ: فَالْمَرَّةُ الْأُولَى الَّتِي رَآهُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا كَتَبْنَا مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَقَدْ روينا أنها نزلت بعد ما هَاجَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُمَا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَ وَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَبَلَغَهُمُ الْخَبَرُ رَجَعُوا ثُمَّ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وذلك كَانَ قَبْلَ الْمَسْرَى بِسَنَتَيْنِ [ (18) ] .
ثُمَّ رَآهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَيْلَةَ أُسْرِي بِهِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ... ] [ (19) ] عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ (20) ] ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي غَيْرَ هَذِهِ الْآيَاتِ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ نَزْلَةً أُخْرَى بَعْدِ الْمَسْرَى فَأُلْحِقَتْ بِالسُّورَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، قَالَ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» ورَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (21) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: مَرَّ بِنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجل: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [ (21) ] . قَالَ زِرُّ: قَالَ عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «رَأَى جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَهُ سِتُّمِائَةِ جناح» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (22) ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [ (23) ] ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ: الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ [ (24) ] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [ (25) ] قَالَ: «رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن قَبِيصَةَ [ (26) ] . وَيُرِيدُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ عَلَى رَفْرَفٍ أَخْضَرَ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مُبَيَّنًا [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عبد
اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ- كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ- وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُصْعَدُ بِهِ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا حَتَّى يُقْبَضَ مِنْهَا، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [ (28) ] ، قَالَ: غَشِيَهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ [ (29) ] وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَخَوَاتِيمَ سورة البقرة، وعفر لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ، الْمُقْحِمَاتُ [ (30) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (31) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن نمير، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ وَقَدْ رواه أنس ابن مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَاهُ مَرَّةً مُرْسَلًا دُونَ ذِكْرِهِمَا. أَمَا رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءَ الْخَفَّافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ابن مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ قَالَ: فَأُتِيتُ فَانْطَلَقَ بِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا- قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِصَاحِبِي مَا تَعْنِي، قَالَ: إِلَى أسفل بطني فاستخرج
قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، قَالَ: وَحُشِيَ أَوْ قَالَ: وَكُنِزَ إِيمَانَا وَحِكْمَةً- الشَّكُّ مِنْ سَعِيدٍ قَالَ- ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالَ لَهُ: الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ وَمَعِيَ صَاحِبِي لَا يُفَارِقُنِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: محمد قالوا [ (32) ] : أو قد بُعِثَ إِلَيْهِ [ (33) ] ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا قَالُوا [ (34) ] : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ [ (35) ] فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ [ (36) ] ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالُوا مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى يَحْيَى وَعِيسَى. قَالَ سَعِيدٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: ابْنِي الْخَالَةِ [ (37) ] . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا [ (38) ] حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مرحبا
بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (39) ] فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ إِدْرِيسُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، [قَالَ- عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ سَعِيدٌ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ عِنْدَهَا- قَالَ اللهُ: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [ (40) ] ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى هَارُونَ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا أَخُوكَ هَارُونُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى فَنُودِيَ مَا يُبْكِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا غُلَامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، وَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ والنبي
الصَّالِحِ، وَرُفِعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ [ (41) ] آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَحَدَّثَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ وَرَقَهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَأَنَّ نَبْقَهَا [ (42) ] مِثْلُ قِلَالِ [ (43) ] هَجَرَ، وَحَدَّثَ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَالْآخَرُ لَبَنٌ، فَعُرِضَا عَلَيَّ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ أَصَابَ اللهُ بِكَ أُمَّتَكَ [ (44) ] عَلَى الْفِطْرَةِ، وَفُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ- الشَّكُّ مِنْ سَعِيدٍ- فَجِئْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي: بِمَا أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ حَتَّى رَجَعْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى قَالَ لِي: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إسرائيل أشد المعالجة،
وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قُلْتُ: لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَنُودِيتُ أَوْ نَادَانِي مُنَادٍ- الشَّكُّ مِنْ سَعِيدٍ- أَنْ قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَجَعَلْتُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (45) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ: مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ- فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ [ (46) ] الْبَطْنِ فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا» [ (47) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، قال: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ عَنْ صَعْصَعَةَ «أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ. بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ- وَرُبَّمَا قَالَ- فِي الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ. فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي، مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
مِنْ قَصَّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ- فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَلَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عَلَى هَذَا النَّسَقِ بِمَعْنَى [ (48) ] حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَالْأَنْهَارِ «ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ» ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ [ (49) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ الْجُرْجَانِيُّ [ (50) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ: هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ [ (51) ] . قَالَ قَتَادَةُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم: أنه رأى
البيت المعمور يدخله كل يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ فِيهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ [ (52) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ التُّجِيبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: قَالَ: «فُرِّجَ [عَنْ] [ (53) ] سَقْفِ بَيْتِي [ (54) ] وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَفَرَجَ [ (55) ] صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، ثُمَّ أَفْرَغَهَا [ (56) ] فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ [ (57) ] بِي إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا جِئْنَا [ (58) ] السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ [الدُّنْيَا] [ (59) ] افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: أَأُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم،
[فَلَمَّا فُتِحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا] [ (60) ] رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ [ (61) ] فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قَالَ: قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ [ (62) ] ، فَأَهَلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، قَالَ: ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَفَتَحَ. قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وجد في السموات آدَمَ، وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ [ (63) ] مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى. قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قلت:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ [ (64) ] أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى [ (65) ] أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ [ (66) ] . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: [ (67) ] قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: فَفَرَضَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ [ (68) ] بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ مُوسَى: فَرَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى سدرة المنتهى،
فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا جَنَابِذُ [ (69) ] اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ [ (70) ] ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى [ (71) ] . وَأَنْبَأَنَا [ (72) ] رِوَايَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا [ (73) ] بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي يَرْبُطُهَا [ (74) ] الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ دَخَلْتُ [ (75) ] فَصَلَّيْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ فَأَتَانِي [ (76) ] جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ [ (77) ] الفطرة، قال: ثم
عُرِجَ بِي [ (78) ] إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ [ (79) ] إِلَيْهِ، قَالَ قَدْ أُرْسِلَ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذْ بِآدَمَ [ (80) ] عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ، يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطَى شَطْرَ الْحُسْنِ، قَالَ: فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وقد
أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ [ (81) ] إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، فَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، قَالَ: فَدَنَا فَتَدَلَّى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، وَفُرِضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلَاةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى، قَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، وَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ: فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ! خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَقَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ [ (82) ] لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشَرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً. هَذَا حَدِيثُ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمُنْذِرِ الْعَرَّارُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً، فإن علمها كُتِبَتْ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ وَاحِدَةً. قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: قُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييت.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (83) ] ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: فَدَنَا فَتَدَلَّى، وَإِنَّمَا قَالَ: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ ما أوحى، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً كَمَا رَوَاهُ حَجَّاجُ ابن مِنْهَالٍ، وَكَمَا رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى كَمَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. وَفِي حَدِيثِ شَرِيكٍ زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَمْلِهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى رُؤْيَتِهِ، جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصَحُّ. فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهَا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [ (84) ] وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [ (85) ] فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ [إِنَّمَا هُوَ] جِبْرِيلُ. لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ» [ (86) ] . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَفِي كِتَابِ الرُّؤْيَةِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بيت المقدس.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، [قَالَ] [ (87) ] . حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَجُلًا طُوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شنوءة، ورأيت عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ [ (88) ] وَأُرِيَ مَالِكًا خَازِنَ جَهَنَّمَ [ (89) ] وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ، قَالَ: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ [ (90) ] ، قَالَ فَكَانَ قَتَادَةُ يفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ لَقِيَ مُوسَى وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ [ (91) ] قَالَ: جَعَلَ اللهُ مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَيْبَانَ [ (92) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ مُخْتَصَرًا [ (93) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، [قَالَ] [ (94) ] :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «حِينَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى، فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ- حَسِبْتُهُ قَالَ- مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي حَمَّامٍ، قَالَ: وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قَالَ وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الْآخَرِ خَمْرٌ قِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُ فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ [ (95) ] رَافِعٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (96) ] . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ «أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» [ (97) ] . وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَوَصَفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: فَجَاءَتِ الصَّلَاةُ فأممتهم [ (98) ] .
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ لَقِيَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ أَنَّهُ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عن مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ رَأَى مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُنَافَاةٌ فَقَدْ يَرَاهُ فِي مَسِيرِهِ وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِي قبره لم يسار بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَيَرَاهُ فِي السَّمَاءِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ رَآهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فِي الْأَرْضِ ثُمَّ فِي السَّمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَالشُّهَدَاءِ فَلَا يُنْكَرُ حُلُولُهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِمَوَاضِعَ مُخْتَلِفَاتٍ كَمَا وَرَدَ خبر الصادق [ (99) ] به.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا دُبَيْسٌ الْمُعَدِّلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ «لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَّتْ بِي رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ؟ قَالُوا: مَاشِطَةُ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادُهَا سَقَطَ مُشْطُهَا مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللهِ: فَقَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ أَبِي، قَالَتْ رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ، قَالَتْ: أَوَ لَكِ رَبٌّ غَيْرُ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ: اللهُ، قَالَ: فَدَعَاهَا، فَقَالَ: أَلَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قالت: نعم ربي وربك اللهُ، قَالَ: فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا لَتُلْقَى فِيهَا، قَالَتْ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعْ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي مَوْضِعٍ، قَالَ: ذَاكَ لَكِ لِمَا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ فَأَمَرَتْهُمْ فَأُلْقُوا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى بَلَغَ رَضِيعًا فِيهِمْ، فَقَالَ: قَعِي يَا أُمَّهْ وَلَا تَقَاعَسِي فَإِنَّا عَلَى الْحَقِّ، قَالَ: وَتَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: هَذَا، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَعِيسَى بن مَرْيَمَ [ (100) ] » . وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا أَحَادِيثُ بِأَسَانِيدَ ضعاف وفيما
ثَبَتَ مِنْهَا غُنْيَةٌ، وَأَنَا ذَاكِرٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى مِنْهَا مَا هُوَ أَمْثَلُ إِسْنَادًا وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَسَدٍ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ [ (101) ] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِكَ فِيهَا. قَالَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (102) ] . قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ قَالَ: بَيْنَا أنا قائم عِشَاءً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا ثُمَّ عُدْتُ فِي النَّوْمِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا ثُمَّ عُدْتُ فِي النَّوْمِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَإِذَا أَنَا بِكَهَيْئَةِ خَيَالٍ فَأَتْبَعْتُهُ بِبَصَرِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَنَا بدابة أدنى، شبيهة بدوا بكم هَذِهِ، بِغَالِكُمْ هَذِهِ، مُضْطَرِبُ الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ تَرْكَبُهُ قَبْلِي يَقَعُ حَافِرُهُ مَدَّ بَصَرِهِ فَرَكِبْتُهُ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي
أَسْأَلْكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ [ (103) ] فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقِمْ عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي: يَا مُحَمَّدُ! أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهُ ولم أقم عليه وَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا وَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللهُ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا ولم أقم عليها حيت أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُهَا بِهِ فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءَيْنِ: أحدهما خمر، والآخر لبن. فَشَرِبْتُ اللَّبَنَ وَتَرَكَتُ الْخَمْرَ فَقَالَ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ فَقُلْتُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ فَقَالَ جِبْرِيلُ مَا رَأَيْتُ فِيَ وَجْهِكَ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ ذَاكَ دَاعِي الْيَهُودِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ أَوْ وقفت عليه لتهورت أُمَّتُكَ، قَالَ: وبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللهُ تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا قَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهَا لَاختَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَلَمْ ير الخلايق أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ مَا رَأَيْتُمُ الْمَيِّتَ حِينَ يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ [فَإِنَّمَا يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ [ (104) ]] عَجَبٌ [ (105) ] بِالْمِعْرَاجِ قَالَ فَصَعَدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ صَاحِبُ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَ
كل ملك جنده ماية أَلْفِ مَلَكٍ، قَالَ: وَقَالَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [ (106) ] فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ بَابَ السَّمَاءِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ خَلَقَهُ اللهُ عَلَى صُورَتِهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا عَلَى عِلِّيِّينَ، ثُمَّ تُعْرَضُ [ (107) ] عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارُ، فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ- يَعْنِي الْخِوَانَ الْمَائِدَةُ الَّتِي يُؤْكَلُ عَلَيْهَا لَحْمٌ مُشَرَّحٌ- لَيْسَ يَقْرَبُهَا أَحَدٌ وَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا لَحْمٌ قَدْ أَرْوَحَ وَنَتِنَ عِنْدَهَا أُنَاسٌ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلَ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلَالَ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ، قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونِهِمْ أَمْثَالِ الْبُيوتِ كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدُهُمْ خَرَّ يَقُولُ اللهُمَّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ، قَالَ: وَهُمْ عَلَى سَابِلَةِ آلَ فِرْعَوْنَ، قَالَ: فَتَجِيءُ السَّابِلَةُ فَتَطَأَهُمْ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ [ (108) ] الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ [ (109) ] ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرُهُمْ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ قَالَ فَتُفْتَحُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَيُلَقَّوْنَ ذَلِكَ الْحَجَرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ، فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا قَالَ: ثم مضت هنيئة فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ يُعَلَّقْنَ بِثُدِيِّهِنَّ فَسَمِعْتُهُنَّ يَصِحْنَ [ (110) ] إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ: يا جبريل!
مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزُّنَاةُ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُقْطَعُ مِنْ جُنُوبِهِمِ اللَّحْمُ فَيُلْقَمُونَ فَيُقَالُ لَهُ: كُلْ كَمَا كُنْتَ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتِكَ اللَّمَّازُونَ. ثُمَّ صَعِدْنَا [ (111) ] إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ قَدْ فُضِّلَ عَنِ النَّاسِ بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا أَنَا بِيَحْيَى وَعِيسَى وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِمَا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَا عَلَيَّ. ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ قَدْ رَفَعَهُ اللهُ مَكَانًا عَلِيًّا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وسلم عَلَيَّ. ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ وَنِصْفُ لِحْيَتِهِ بَيْضَاءُ وَنِصْفُهَا سَوْدَاءُ تَكَادُ لِحْيَتُهُ تُصِيبُ سُرَّتَهُ مِنْ طُولِهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ، هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ صَعَدْتُ [ (112) ] إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ- رَجُلٌ آدَمُ كَثِيرُ الشَّعْرِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ لَنَفِدَ شَعْرُهُ دُونَ الْقَمِيصِ- وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: يَزْعُمُ النَّاسُ إِنِّي أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هَذَا أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنِّي! قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ خليل الرحمن ساندا
ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ كَأَحْسَنِ الرِّجَالِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرحمن، وهو نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَإِذَا بِأُمَّتِي شَطْرَيْنِ: شَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيسُ، وَشَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ. قَالَ: فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَدَخَلَ مَعِيَ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ وَحُجِبَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ، وَهُمْ عَلَى حَرٍّ، فَصَلَّيْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِي فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِيَ، قَالَ: وَالْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: ثُمَّ رُفِعَتُ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا كُلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تَكَادُ أَنْ تُغَطِّيَ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَإِذَا فِيهَا عَيْنٌ تَجْرِي يُقَالُ لَهَا سَلْسَبِيلٌ، فَيَنْشَقُّ مِنْهَا نَهْرَانِ أَحَدُهُمَا: الْكَوْثَرُ وَالْآخَرُ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الرَّحْمَةِ، فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ. ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى الْجَنَّةِ فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَةٌ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ قَالَتْ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَإِذَا أَنَا بِأَنْهَارٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَإِذَا رُمَّانُهَا كَأَنَّهُ الدِّلَاءُ عِظَمًا وَإِذَا أَنَا بِطَيْرٍ [ (113) ] كَالْبَخَاتِي [ (114) ] هَذِهِ، فَقَالَ عِنْدَهَا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ: ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَى النَّارِ فَإِذَا فِيهَا غَضَبُ اللهِ وَرِجْزُهُ ونقمته لو
طُرِحَ فِيهَا الْحِجَارَةُ وَالْحَدِيدُ لَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أُغْلِقَتْ دُونِي، ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَتَغَشَّى لِي، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، قَالَ: وَنَزَلَ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: وَقَالَ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَقَالَ: لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرٌ إِذَا هَمَمْتَ بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ تَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَكَ حَسَنَةٌ، فَإِذَا عَمِلْتَهَا كُتِبَتْ لَكَ عَشْرًا وَإِذَا هَمَمْتَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَمْ تَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَإِنْ عَمِلْتَهَا كُتِبَتْ عَلَيْكَ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ دُفِعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قُلْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ وَمَتَى لَا تُطِيقُهُ تَكْفُرْ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا وَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ مُوسَى وَرَبِّي كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ أَيْ رَبِّ! خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ، فَوَضَعَ عَنِّي خَمْسًا، وَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَنَادَانِي مَلَكٌ عِنْدَهَا: تَمَّتْ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَعْطَيْتُهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّهُ لا يؤوده شَيْءٌ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَقُلْتُ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُهُ. ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِالْعَجَائِبِ: أَنِّي أَتَيْتُ الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ كَذَا وَرَأَيْتُ كَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ! يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا، وَأَحَدُنَا يَضْرِبُ مَطِيَّتَهُ مُصْعِدَةً شَهْرًا وَمُنْقَلِبَةً شَهْرًا، فَهَذَا مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ بَعِيرٍ لِقُرَيْشٍ [ (115) ] لَمَّا كَانَ فِي مَصْعَدِي رَأَيْتُهَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا
وَأَنَّهَا نَفَرَتْ فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُهَا عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ رَجُلٍ وَبَعِيرِهِ كَذَا وَكَذَا وَمَتَاعِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخْبِرُنَا بِأَشْيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بيت الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ وَكَيْفَ هيأته وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ، فإن يكون مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرَكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرَكُمْ، فَجَاءَهُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ: يَا محمدا أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ بِنَاؤُهُ وكيف هيأته وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ؟ قَالَ: فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إِلَى بَيْتِهِ: بِنَاؤُهُ كذا وكذا، وهيأته كَذَا وَكَذَا، وَقُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الْآخَرُ: صَدَقْتَ. فَرَجَعَ إِلَى الصَّحَابَةِ فَقَالَ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ فِيمَا قَالَ» ، أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ [ (116) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْقُوبَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَاضِي الْمَدَائِنِ، قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ حَدَّثَنَا مَا رَأَيْتَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَشْبَهُ الدَّوَابِّ بِالْبَغْلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ صِغَارُ الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ يَضَعُ حَافِرَهُ حَيْثُ يَبْلُغُ طَرْفُهُ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قَالَ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ بِطُولِهِ» . قَالَ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي هَارُونَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي هَارُونَ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ. أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الله بن
عَدِيِّ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السُّكَّرِيُّ [ (117) ] الْبَالِسِيُّ بِالرَّمْلَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ وَهُوَ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ [ (118) ] ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ. (ح) وفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ. [الْحَافِظُ] [رَحِمَهُ اللهُ] [ (119) ] أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيَّ، أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مَاهَانَ [ (120) ] ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [ (121) ] قَالَ: أُتِيَ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عليه
قَالَ كُلُّ خُطْوَةٍ مُنْتَهَى أَقْصَى بَصَرِهِ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فأتى قوم يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ ترضخ رؤوسهم بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يَفْتُرُ عنهم مِنْ ذَلِكَ، شَيْئًا، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تتثاقل رؤوسهم عَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ، عَنِ. الضَّرِيعِ وَالزَّقُومِ، وَرَضْفِ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتِهَا، قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَمَا اللهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ فِي قِدْرٍ نَضِجٌ طَيِّبٌ وَلَحْمٌ آخَرُ خَبِيثٌ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنَ الْخَبِيثِ وَيَدَعُونَ النَّضِجَ الطَّيِّبَ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَذَا الَّذِي يَقُومُ وعنده امرأة حلالا طيبا فَيَأْتِي الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا شَيْءٌ إِلَّا قَصَعَتْهُ [ (122) ] يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ [ (123) ] . ثُمَّ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ: يا جبريل! من
هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطُبُ الْفِتْنَةِ. ثُمَّ أَتَى عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ عَظِيمٌ فَجَعَلَ النُّورُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ وَلَا يَسْتَطِيعُ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ! قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ. ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا بَارِدَةً طَيِّبَةً وَوَجَدَ رِيحَ الْمِسْكِ وَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذِهِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ الطَّيِّبَةُ وَرِيحُ الْمِسْكِ؟ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ: يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ عَرْفِي، وَحَرِيرِي، وَسُنْدُسِي، وَإِستَبْرَقِي، وَعَبْقَرِيِّ، وَلُؤْلُؤِي، وَمَرْجَانِي، وَفِضَّتِي، وَذَهَبِي، وَأَبَارِيقِي، وَفَوَاكِهِي، وَعَسَلِي، وَخَمْرِي، وَلَبَنِي، فَائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمَسْلَمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي، وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي آمَنْتُهُ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ، ومن توكّل عليّ كيفيته، وَأَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ- إلى- فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [ (124) ] قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ. ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ يَقُولُ: ائْتِنِي بِأَهْلِي وَمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ: سَلَاسِلِي، وَأَغْلَالِي، وَسَعِيرِي، وَزَقُّومِي، وَحَمِيمِي، وَحِجَارَتِي، وَغَسَّاقِي، وَغِسْلِينِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي، وَاشْتَدَّ حَرِّي فَأْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ، وَكَافِرٍ وَكَافِرَةٍ وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ، ثُمَّ
دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا قُضِيَتْ قَالُوا: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، قَالُوا: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: حَيَّاهُ اللهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَى أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَثْنَوْا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَجَعَلَنِي أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ يُؤْتَمُّ بِي، وَأَنْقَذَنِي مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مُوسَى أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي بِرِسَالَتِهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَقَرَّبَنِي إِلَيْهِ نَجِيًّا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ التَّوْرَاةَ، وَجَعَلَ هَلَاكَ آلِ فِرْعَوْنَ عَلَى يَدَيَّ وَنَجَّى بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَوَّلَنِي مُلْكًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الزَّبُورَ، وَأَلَانَ لِيَ الْحَدِيدَ، وَسَخَّرَ لِيَ الطَّيْرَ وَالْجِبَالَ، وَآتَانِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِيَ: الرِّيَاحَ، وَالْجِنَّ، وَالْإِنْسَ، وَسَخَّرَ لِي الشَّيَاطِينَ: يَعْمَلُونَ مَا شِئْتُ مِنْ مَحَارِيبَ، وَتَمَاثِيلَ، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَعَلَّمَنِي مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَكُلَّ شَيْءٍ، وَأَسَالَ لِي عَيْنَ الْقِطْرِ، وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَنِي التَّوْرَاةَ، وَالْإِنْجِيلَ، وَجَعَلَنِي أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ، وَالْأَبْرَصَ، وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِهِ، وَرَفَعَنِي، وَطَهَّرَنِي مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ. ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ: كُلُّكُمْ قَدْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ وَإِنِّي مُثْنٍ عَلَى رَبِّي، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْفُرْقَانَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِي أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْآخِرُونَ، وَشَرَحَ صَدْرِي، وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّدٌ. قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَةٍ مُغَطَّاةٍ أَفْوَاهُهَا: فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاءٌ، فَقِيلَ لَهُ: اشْرَبْ فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقَالَ: قَدْ رَوِيتُ لَا أُرِيدُهُ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَصَبْتَ، أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتِكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ مِنْهَا لَمْ يَتَّبِعْكَ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ: ثُمَّ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوٍ مِمَّا رَوَيْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ إِلَى أَنْ قَالَ: «ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا، قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالُوا: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: حَيَّاهُ اللهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَدَخَلَ فَإِذَا بِرَجُلٍ أَشْمَطَ جَالِسٍ عَلَى كُرْسِيٍّ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ بِيضُ الْوجُوهِ وَقَوْمٌ سُودُ الْوجُوهِ، وَفِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْا نَهْرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ خَلَصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْا نَهْرًا آخَرَ فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ ثُمَّ دَخَلُوا النَّهْرَ الثَّالِثَ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَتْ مِنْ أَلْوَانِهِمْ مِثْلُ أَلْوَانِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ بِيضُ الْوَجْهِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ [ (125) ] شَيْءٌ فَدَخَلُوا النَّهْرَ [فَخَرَجُوا] [ (126) ] وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانُهُمْ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ شَمِطَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهَؤُلَاءِ بِيضُ الْوجُوهِ قَوْمٌ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، قَالَ: وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شيء: خلطوا
عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَتَابُوا فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا النَّهْرُ [ (127) ] الْأَوَّلُ فَرَحْمَةُ اللهِ، وَأَمَّا النَّهْرُ الثَّانِي فَنِعْمَةُ اللهِ، وَأَمَّا النَّهْرُ الثَّالِثُ فَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. ثُمَّ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ [الْمُنْتَهَى] [ (128) ] فَقِيلَ لِي هَذِهِ السِّدْرَةُ إِلَيْهَا مُنْتَهَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وأنهار [من لبن] لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى. قَالَ: وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي أَصْلِهَا عَامًا لَا يَقْطَعُهَا، وَإِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا مُغَطِّيَةُ الْخَلْقِ، قَالَ: فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَالِقِ، وَغَشِيَهَا الْمَلَائِكَةُ. فَكَلَّمَهُ رَبُّهُ عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ لَهُ: سَلْ، قَالَ: إِنَّكَ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا عَظِيمًا، وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَأَعْطَيْتَ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَأَلَنْتَ لَهُ الْحَدِيدَ وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِبَالَ، وَأَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا عَظِيمًا وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِبَالَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَسَخَّرْتَ لَهُ الشَّيَاطِينَ وَالرِّيَاحَ وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَّمْتَ عِيسَى التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَجَعَلْتَهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِكَ وَأَعَذْتَهُ وَأُمَّهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمَا سَبِيلٌ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: قَدِ اتَّخَذْتُكَ خَلِيلًا، قَالَ: وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ، وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ، فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَذَانَ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ هُمُ الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْآخِرُونَ، وَجَعَلْتُ مِنْ أُمَّتِكَ أَقْوَامًا قُلُوبُهُمْ أَنَاجِيلُهُمْ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ، عَلَيْهِمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي ورسولي،
وَجَعَلْتُكَ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقًا وَآخِرَهُمْ مَبْعَثًا، وَآتَيْتُكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ، وَأَعْطَيْتُكَ خَوَاتِيمَ [ (129) ] سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتَمًا» . قَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «فَضَّلَنِي رَبِّي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَلْقَى فِي قَلْبِ عَدُوِّي الرُّعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ فَوَاتِيحَ الْكَلَامِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي فَلَمْ يَخْفَ عَلَيَّ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ. وَرَأَيْتُهُمْ أَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ، وَرَأَيْتُهُمْ أَتَوْا عَلَى قَوْمٍ عِرَاضِ الْوجُوهِ صِغَارِ الْأَعْيُنِ كَأَنَّمَا خُرِمَتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمِخْيَطِ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَا هُمْ لَاقُونَ مِنْ بَعْدِي، وَأُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا [ (130) ] فِي الْأَسَانِيدِ، الثَّابِتَةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: «قَالَ فَقِيلَ لَهُ اصبر على خمس فإنهم يُجْزِينَ عَنْكَ بِخَمْسٍ كُلُّ خَمْسٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، قَالَ: فَكَانَ مُوسَى أَشَدَّ عَلَيْهِمْ حِينَ مَرَّ بِهِ وَخَيْرَهُمْ حين رجع إليه» [ (131) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ قَوْمَهُ بِالرِّفْقَةِ وَالْعَلَامَةِ فِي الْعِيرِ، قَالُوا فَمَتَى يَجِيءُ، قَالَ: يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَتْ قُرَيْشٌ يَنْظُرُونَ وَقَدْ وَلَّى النَّهَارُ وَلَمْ يجيء فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَزِيدَ لَهُ فِي النَّهَارِ سَاعَةٌ، وَحُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَلَمْ تُرَدِ الشَّمْسُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَعَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ حِينَ قَاتَلَ الْجَبَّارِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا أَدْبَرَتِ الشَّمْسُ خَافَ أَنْ تَغِيبَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمْ وَيَدْخُلُ السَّبْتُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ قِتَالُهُمْ فِيهِ، فَدَعَا اللهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّمْسَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِتَالِهِمْ [ (132) ] . قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمِعْرَاجِ أَحَادِيثُ أُخَرُ. (مِنْهَا) : حَدِيثُ أَبِي حُذَيْفَةَ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (133) ] وَإِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ مَتْرُوكٌ لَا يُفْرَحُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ. (وَمِنْهَا) : حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ وَذَلِكَ حَدِيثٌ رَاوِيهِ مَجْهُولٌ وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ يَعْقُوبَ الدَّقَّاقُ بِهَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ قَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمَانُ الأعمش، وعطاء بن
السَّائِبِ بَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [ (134) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عباس وَمُحَمَّدُ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ [ (135) ] عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سَلَمَةَ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالُوا «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ [ (136) ] رَاقِدًا، وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ لَنَا هَذَا الشَّيْخُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَكَتَبْتُ الْمَتْنَ مِنْ نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ مِنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا يَذْكُرُ فِيهِ عَدَدَ الرُّوحِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكَرُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ فِي إِثْبَاتِ الْمَسْرَى وَالْمِعْرَاجِ لَغَايَةٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: جَابِرُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ النَّوْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ يُقَالُ لَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ [ (137) ] صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ بِهِ، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هَارُونَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ: أَنَّكَ قُلْتَ: «رَأَيْتُ فِيَ السَّمَاءِ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ لِي نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِكَ يُحَدِّثُونَ عَنْكَ فِي الْمَسْرَى بِعَجَائِبٍ، فَقَالَ لِي: ذَاكَ حَدِيثُ القصاص» .
باب (كيف فرضت الصلاة في الابتداء)
بَابُ (كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِي الِابْتِدَاءِ) أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (1) ] قَالَتْ: «فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى» [ (2) ] . هَكَذَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ. بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الله، قال:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، فَذَكَرَهُ وَمِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَثْنَى في هذه الرواية عن الْأَرْبَعِ: الْمَغْرِبَ، وَالصُّبْحَ. وَذَهَبَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَعْدَادِهِنَّ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ «أن نبي الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ بِهِنَّ إِلَى قَوْمِهِ يَعْنِي الصَّلَوَاتِ، خَلَّى عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْرَأُ فِيهِنَّ عَلَانِيَةً، رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيَقْتَدِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِجِبْرِيلَ. ثُمَّ خَلَّى [ (4) ] عَنْهُمْ حَتَّى تَصَوَّبَتِ الشَّمْسُ وَهِيَ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ نُودِيَ بِهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْعَصْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ دُونَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي بِجِبْرِيلَ. ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ نُودِيَ فِيهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ عَلَانِيَةً وَرَكْعَةً لَا يَقْرَأُ فِيهَا عَلَانِيَةً: رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: يَقْتَدِي النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
يَقْتَدِي بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَأَبْطَأَ الْعِشَاءُ فَنُودِيَ فِيهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ: يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْنِ عَلَانِيَةً وَلَا يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْنِ يَعْنِي عَلَانِيَةً، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ بَاتَ النَّاسُ وَلَا يَدْرُونَ أَيُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نُودِيَ فِيهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا عَلَانِيَةً وَيُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ وَيَقْتَدِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم بجبريل» [ (5) ] .
باب تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبسودة بنت زمعة بعد وفاة خديجة وقبل أن يهاجر إلى المدينة وما أري في منامه من صورة عائشة [رضي الله عنها] [1] وأنها امرأته
بَابُ تَزَوُّجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَبِسَودَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ وَقَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا أُرِيَ فِي مَنَامِهِ مِنْ صُورَةِ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (1) ] وَأَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْعَطَّارُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ قَبْلَ مَخْرَجِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعِ أَوْ سِتِّ سِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ جَاءَنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ فِي أُرْجُوحَةٍ وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ [ (2) ] فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَّعْنَنِي، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ» . [ (3) ] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ ابنة
تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا» [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً» [ (5) ] . وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ [إِلَى الْمَدِينَةِ] [ (6) ] بِثَلَاثِ سِنِينَ فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ ثُمَّ بَنَى بِهَا [ (7) ] وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ» [ (8) ] . وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ هَكَذَا مُرْسَلًا، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد ابن شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ فَذَكَرَهُ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ هشام بن عروة، عن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال أريتك
فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ أَرَى رَجُلًا يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ [ (10) ] حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ فَأَرَاكِ فَأَقُولُ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ. (ح) وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «لَمَّا مَاتَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا، فَقَالَ: وَمَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟ فَقَالَتْ: أَمَا الْبِكْرُ: فَابْنَةُ أَحَبُّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْكَ: عَائِشَةُ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ: فَسَودَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ، وَاتَّبَعَتْكَ. قَالَ فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُ أُمَّ رُومَانَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ رُومَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَذَاكَ مَاذَا؟ قَالَتْ: قُلْتُ رَسُولُ اللهِ يَذْكُرُ عَائِشَةَ، قَالَتِ: انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ، قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَفَتَصْلُحُ لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «أَنَا أَخُوهُ وَهُوَ أَخِي وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي» [ (11) ] . قَالَتْ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيِّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَاللهِ مَا أَخْلَفَ وَعْدًا قَطُّ- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ- قَالَتْ: فَأَتَى أَبَا بكر
الْمُطْعِمُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا تَقُولِينَ يَا هَذِهِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الْفَتَى إِلَيْكَ تُصِيبُهُ وَتُدْخِلَهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ! قَالَتْ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَتَقُولُ مَا تَسْمَعُ، قَالَتْ: فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمَوْعِدِ شَيْءٌ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: قُولِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: فَلْيَأْتِ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَمَلَكَهَا. قَالَتْ خَوْلَةُ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ وَأَبُوهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، قَدْ جَلَسَ عَنِ الْمَوْسِمِ، قَالَتْ: فَحَيَّيْتُهُ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقُلْتُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، قَالَ: مَنْ أَنْتِ قَالَتْ: قُلْتُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، قَالَتْ: فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَتْ قُلْتُ محمد بن عبد الله بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَذْكُرُ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، قَالَ: كُفُؤٌ كَرِيمٌ مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ قَالَتْ: قُلْتُ تُحِبُّ ذَاكَ قَالَ: قُولِي لَهُ فَلْيَأْتِ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَمَلَكَهَا. قَالَتْ وَقَدِمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، وَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: لَعَمْرُكَ إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثِي عَلَى رَأْسِي التُّرَابَ أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ» [ (13) ] [ (14) ] . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْعَبَّاسِ.
باب عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه على قبائل العرب وما لحقه من الأذى في تبليغه رسالة ربه - عز وجل - إلى أن أكرم الله به الأنصار من أهل المدينة وما ظهر من الآيات لله عز وجل في إكرامه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بما وعده من إعزازه وإ
بَابُ عَرْضِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَمَا لَحِقَهُ مِنَ الْأَذَى فِي تَبْلِيغِهِ رِسَالَةَ رَبِّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى أَنْ أَكْرَمَ اللهُ بِهِ الْأَنْصَارَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِكْرَامِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا وَعْدَهُ مِنْ إِعْزَازِهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي [ (1) ]- زَادَ مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ فِي رِوَايَتِهِ- قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: وَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مَنَعَةٌ وَسَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، فَقَالَ: مِنْ هَمْدَانَ ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الْهَمْدَانِيَّ خَشِيَ أَنْ يَخْفِرَهُ قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال:
آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ أَلْقَاكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ، قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ» [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن عتبة، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ لَا يَسَلْهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَرَوْهُ وَيَمْنَعُوهُ وَيَقُولُ: «لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَلِكَ، وَمَنْ كَرِهَ لَمْ أُكْرِهْهُ، إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي [ (3) ] مِمَّا يُرَادُ بِي مِنَ الْقَتْلِ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَحَتَّى يَقْضِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ اللهُ» فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ إِلَّا قَالَ: قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِهِ أَتَرَوْنَ أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ وَلَفَظُوهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا ذَخَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَنْصَارِ وَأَكْرَمَهُمْ بِهِ [ (4) ] .
فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ ارْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَشَدُّ مَا كَانَ، فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ رَجَاءَ أَنْ يَأْوُوَهُ، فَوَجَدَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ سَادَةُ ثَقِيفٍ يَوْمَئِذٍ وَهُمْ أُخْوَةٌ: عَبْدُ يا ليل بْنُ عَمْرٍو، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَشَكَا إِلَيْهِمُ الْبَلَاءَ وَمَا انْتَهَكَ مِنْهُ قَوْمُهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَمْرُقُ [ (5) ] أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللهُ بَعَثَكَ بِشَيْءٍ قَطُّ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَعَجَزَ اللهُ أَنْ يُرْسِلَ غَيْرَكَ. وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا أَبَدًا، وَاللهِ لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ لَأَنْتَ أَعْظَمُ شَرَفًا وَحَقًّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللهِ لَأَنْتَ أَشَرُّ مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ. وَتَهَزَّءُوا بِهِ وَأَفْشَوْا فِي قَوْمِهِمُ الَّذِي رَاجَعُوهُ بِهِ وَقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ صَفَّيْهِمْ جَعَلُوا لَا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَضَعُهُمَا إِلَّا رَضَخُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ، وَكَانُوا أَعَدُّوهَا حَتَّى أَدْمَوْا [ (6) ] رِجْلَيْهِ. فَخَلَصَ مِنْهُمْ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ، فَعَمَدَ إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِهِمْ، وَاسْتَظَلَّ فِي ظِلِّ حَبَلَةٍ [ (7) ] مِنْهُ، وَهُوَ مَكْرُوبٌ مُوجَعٌ تَسِيلُ رِجْلَاهُ دَمًا فَإِذَا فِي الْحَائِطِ: عُقْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَلَمَّا رَآهُمَا كَرِهَ مَكَانَهُمَا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامًا لَهُمَا يُدْعَى عداسا وهو
نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى مَعَهُ عِنَبٌ، فَلَمَّا جَاءَهُ عَدَّاسٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ قَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: أَنَا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، فَقَالَ لَهُ. النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مِنْ مَدِينَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَى، فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- وَكَانَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يُبَلِّغَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ- أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَاللهُ تَعَالَى أَخْبَرَنِي خَبَرَ يُونُسَ بْنِ مَتَى. فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَأْنِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، خَرَّ عَدَّاسٌ سَاجِدًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ. فَلَمَّا أَبْصَرَ عُقْبَةُ وَشَيْبَةُ مَا يَصْنَعُ غُلَامُهُمَا سَكَنَا، فَلَمَّا أَتَاهُمَا، قَالَا: مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ، وَقَبَّلْتَ قَدَمَيْهِ، وَلَمْ نَرَكَ فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ مِنَّا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ، أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ عَرَفْتُهُ مِنْ شَأْنِ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَيْنَا يُدْعَى: يُونُسَ ابن مَتَى، فَضَحِكَا بِهِ، وَقَالَا: لَا يَفْتِنُكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ خَدَّاعٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ» [ (8) ] . حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمِيكَالِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ السَّرْحِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بن
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، حَدَّثَتْهُ «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ [كَانَ] [ (9) ] أَشَدَّ عَلَيْكَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: مَا لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابن عبد يا ليل بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكُ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، ثُمَّ نَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ- عَزَّ وجل- قد سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ: إِنْ شِئْتَ نُطْبِقُ [ (10) ] عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ [ (11) ] فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَشْرَارِهِمْ [ (12) ] أَوْ قَالَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (13) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ [ (14) ] ، وَغَيْرِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عن
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: مَلِيحٌ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، نَفَاسَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَى حَيًّا فِي كَلْبٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ» [ (15) ] .
(حديث سويد بن الصامت)
(حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ [الْأَنْصَارِيُّ] [ (16) ] عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: «قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدٌ يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ: الْكَامِلَ، لِسِنِّهِ وَجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ [ (17) ] ، قَالَ: فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَدَعَاهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِيَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ فَقَالَ مَجَلَّةُ [ (18) ] لُقْمَانَ، يَعْنِي: حِكْمَةَ لُقْمَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَعْرِضْهَا عَلَيَّ، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ: قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللهُ عَزَّ وجل علي هُوَ هُدًى وَنُورٌ، فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ: إِنَّا لَنَرَى أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَانَ قتله قبل بعاث» [ (19) ] .
(حديث إياس بن معاذ الأشهلي وحديث يوم بعاث)
(حَدِيثُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ وَحَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ [ (20) ] عَنْ، مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ مَكَّةَ وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ إلى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ: بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَادِ أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْكِتَابَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: يَا قَوْمِ [ (21) ] هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ. فَأَخَذَ [ (22) ] أَبُو الْحَيْسَرِ: أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا.
فَسَكَتَ وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مِنْ حَضَرَنِي مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ أَنْ قَدْ مَاتَ مُسْلِمًا قَدْ كَانَ اسْتَشْعَرَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ مَا سَمِعَ» [ (23) ] . أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ تَعَالَى [ (24) ] لِرَسُولِهِ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ ملأهم وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ، وَجُرِحُوا فَقَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (25) ] عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أسامة.
حديث أبان بن عبد الله البجلي في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه على قبائل العرب وقصة مفروق بن عمرو [وأصحابه] [1]
حَدِيثُ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ فِي عَرْضِ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَقِصَّةُ مَفْرُوقِ بْنِ عَمْرٍو [وَأَصْحَابِهِ] [ (1) ] حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ الشَّاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَاحِبِ بْنِ حُمَيْدٍ الشَّاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن بِشْرٍ الْيَمَانِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ [ (2) ] ، عن أبان بن ثعلب بن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ فِيهِ، قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، خَرَجَ وَأَنَا مَعَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَدُفِعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ خَيْرِ، وكان رجلا نسابة
فَسَلَّمَ، وَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ. قَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةَ أَنْتُمْ؟ أَمِنْ هَامِهَا أَيْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ فَقَالُوا: مِنَ الْهَامَةِ الْعُظْمَى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَأَيُّ هَامَتِهَا الْعُظْمَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ ذُهْلٍ الْأَكْبَرِ، قَالَ: مِنْكُمْ عَوْفٌ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: لَا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ فَمِنْكُمْ جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ حَامِي الذِّمَارَ، وَمَانِعُ الْجَارَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ فَمِنْكُمْ بِسْطَامُ بْنُ قَيْسٍ: أَبُو اللِّوَاءَ، وَمُنْتَهَى الْأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ قَاتِلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمِنْكُمُ الْمُزْدَلِفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمِنْكُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمِنْكُمْ أَصْحَابُ الْمُلُوكِ مِنْ لَخْمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: فَلَسْتُمْ مِنْ ذُهْلٍ الْأَكْبَرِ أَنْتُمْ مِنْ ذُهْلٍ الْأَصْغَرِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ غُلَامٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ يُقَالُ لَهُ دَغْفَلٍ حِينَ تَبَيَّنَ [ (3) ] وَجْهُهُ [فَقَالَ] [ (4) ] : إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْلَهُ ... وَالْعَبْوُ لَا نَعْرِفُهُ أَوْ نَجْهَلُهُ [ (5) ] يَا هَذَا قَدْ سَأَلْتَنَا فَأَخْبَرْنَاكَ، وَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا فَمِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ الْفَتَى: بَخٍ بَخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّيَاسَةِ، فَمِنْ أَيِّ الْقُرَشِيِّينَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، فَقَالَ الْفَتَى: أَمْكَنْتَ وَاللهِ الرَّامِي مِنْ سَوَاءِ الثُّغْرَةِ. أَمِنْكُمْ قُصَيٌّ الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ فَكَانَ يُدْعَى فِي قُرَيْشٍ مُجَمِّعًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْكُمْ- أَظُنُّهُ قَالَ- هِشَامٌ الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَمِنْكُمْ شَيْبَةُ الْحَمْدِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مطعم طير
السَّمَاءِ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ الْقَمَرَ يُضِيءُ فِي اللَّيْلَةِ الدَّاجِيَةِ الظَّلْمَاءِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَمِنْ أَهْلِ الْإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ النَّدَاوَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الرِّفَادَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: فَاجْتَذَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ زِمَامَ النَّاقَةِ رَاجِعًا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم فقال الغلام: صَادَفَ دَرُّ السَّيْلِ دَرًّا يَدْفَعُهْ ... يَهْضِبُهُ حِينًا وَحِينًا يَصْدَعُهْ أَمَا وَاللهِ لَوْ ثَبَتَّ لَأَخْبَرْتُكَ مَنْ قُرَيْشٌ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لَقَدْ وَقَعَتَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ، قَالَ: أَجَلْ أَبَا حَسَنٍ مَا مِنْ طَامَّةٍ إِلَّا وَفَوْقُهَا طَامَّةٌ، وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ، قَالَ: ثُمَّ دُفِعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ آخَرٍ عَلَيْهِمُ [ (6) ] السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي هَؤُلَاءِ غَرَرُ النَّاسِ، وَفِيهِمْ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ، وَكَانَ مَفْرُوقٌ قَدْ غَلَبَهَمْ جَمَالَا وَلِسَانَا، وَكَانَتْ لَهُ غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَى تَرِيبَتِهِ [ (7) ] وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ مَجْلِسًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ، وَلَنْ تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَيْفَ الْمَنْعَمَةُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ الْمَفْرُوقٌ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ جَهْدٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لَأَشُدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نَلْقَى وَإِنَّا لَأَشُدُّ مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وَإِنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَالسِّلَاحُ عَلَى اللِّقَاحِ، وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ يُدِيلُنَا مَرَّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا أُخْرَى، لَعَلَّكَ أَخَا قُرَيْشٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدْ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ألا هوذا،
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَاكَ فَإِلَى مَا تَدْعُو [ (8) ] يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُظِلُّهُ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِلَى أَنْ تُؤْوُونِي وَتَنْصُرُونِي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ ظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللهِ، وَكَذَّبْتَ رُسُلَهُ، وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو: وَإِلَامَ تَدْعُونَا يا أخا قريش، فو الله مَا سَمِعْتُ كَلَامًا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، فَتَلَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ- إِلَى- فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ (9) ] . فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإِلَامَ تَدْعُونَا يَا أَخَا قُرَيْشٍ زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ فو الله مَا هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأَرْضِ. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى رِوَايَتِنَا قَالَ: فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ (10) ] . فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو: دَعَوْتَ وَاللهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، وَلَقَدْ أَفِكَ قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ. وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَامِ هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، فَقَالَ: وَهَذَا هَانِئٌ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا، فَقَالَ هَانِئٌ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتْكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إِنِّي أَرَى أَنَّ تَرْكَنَا دِينَنَا واتِّبَاعَنَا عَلَى دِينِكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ أَنَّهُ زَلَلٌ فِي الرَّأْيِ، وَقِلَّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الزَّلَّةُ مَعَ الْعَجَلَةِ، وَمِنْ وَرَائِنَا قَوْمٌ نَكْرَهُ أن يعقد عليهم عقدا، وَلَكِنْ نَرْجِعُ وَتَرْجِعُ وَنَنْظُرُ وتنظر.
وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ: وَهَذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ: سَمِعْتُ مَقَالَتْكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَالْجَوَابُ فِيهِ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ فِي تَرْكِنَا دِينِنَا وَمُتَابَعَتُكَ عَلَى دِينِكَ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صُرَيَّيْنِ [ (11) ] الْيَمَامَةِ، وَالسَّمَامَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا هَذَانِ الصُّرَيَّانِ؟ فَقَالَ: أَنْهَارُ كِسْرَى وَمِيَاهُ الْعَرَبِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى فَذَنْبُ صَاحِبِهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَذَنْبُ صَاحِبِهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَذَنْبُ صَاحِبِهِ مَغْفُورٌ وَعُذْرُهُ مَقْبُولٍ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلَا نُؤْوِي مُحْدِثًا وَإِنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ يَا قُرَشِيُّ مِمَّا يَكْرَهُ الْمُلُوكُ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نُؤْوِيَكَ وَنَنْصُرَكَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَعَلْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا أَسَأْتُمْ فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ وَإِنَّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يُورِثَكُمُ اللهُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ أَتُسَبِّحُونَ اللهَ وَتُقَدِّسُونَهُ؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ: اللهُمَّ فَلَكَ ذَلِكَ، قَالَ فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (12) ] . ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَابِضًا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَيَّةُ أَخْلَاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَشْرَفُهَا! بِهَا يَدْفَعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَدُفِعْنَا إِلَى مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَمَا نَهَضْنَا حَتَّى بَايَعُوا رسول الله
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَقَدْ سُرَّ بِمَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَنْسَابِهِمْ» [ (13) ] . قَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَاحِبٍ: كَتَبَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِّي أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَّابِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ [أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُمَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَّابِيُّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ] [ (14) ] فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ آخَرٍ مَجْهُولٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ السَّكُونِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ الْأَحْمَرِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ ثعلب، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: خَرَجَ إِلَى مِنًى [ (15) ] وَأَنَا معه.
(حديث سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وما سمع من الهاتف بمكة في نصرتهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
(حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَمَا سُمِعَ مِنَ الْهَاتِفِ بِمَكَّةَ فِي نُصْرَتِهِمَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ قَالَ [ (16) ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عِيسَى بْنِ خَيْرٍ كَذَا قَالَ، وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَتْ قُرَيْشٌ [ (17) ] قَائِلًا يَقُولُ فِي اللَّيْلِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ: فَإِنْ يُسْلِمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ: أَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ أَمْ سَعْدُ بْنُ [هُذَيْمٍ] [ (18) ] فَلَمَّا كَانَتْ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ سَمِعُوهُ يَقُولُ: أَيَا يا سَعْدُ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدُ سعد الخزرجين الغطارف
أَجِيبَا إِلَى دَاعِي الْهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ فَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الْهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ فَلَمَّا صَبِحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ وَاللهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ [وَسَعْدُ بن عبادة] [ (19) ] .
باب ذكر العقبة [الأولى] [1] وما جاء في بيعة من حضر الموسم من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإسلام
بَابُ ذِكْرِ الْعَقَبَةِ [الْأُولَى] [ (1) ] وَمَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ مَنْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم بن عتبة، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ، قَالَ: «فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ [ (2) ] حَجَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِيهِمْ: مُعَاذُ بن عَفْرَاءَ، وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، ورافع بن مالك، وذكوان، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ، وَالَّذِي اصطفاه الله به
مِنْ كَرَامَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ أَيْقَنُوا بِهِ وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى مَا سَمِعُوا مِنْهُ، وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صِفَتِهِ، فَصَدَّقُوهُ، وَاتَّبَعُوهُ وَكَانُوا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ الَّذِي سُبِّبَ لَهُ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالُوا: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَنَحْنُ حِرَاصٌ عَلَى مَا أَرْشَدَكَ اللهُ بِهِ مُجْتَهِدُونَ لَكَ بِالنَّصِيحَةِ، وَإِنَّا نُشِيرُ عَلَيْكَ بِرَأْيِنَا فَامْكُثْ عَلَى رِسْلِكَ بِاسْمِ اللهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا، فَنَذْكُرُ لَهُمْ شَأْنَكَ، وَنَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَلَعَلَّ الله عز وجل إن يُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيَجْمَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ، فَإِنَّا الْيَوْمُ مُتَبَاغِضُونَ مُتَبَاعِدُونَ، وَإِنَّكَ إِنْ تَقْدَمَ عَلَيْنَا وَلَمْ نَصْطَلِحْ لَا يَكُونُ لَنَا جَمَاعَةٌ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا نُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعُوهُمْ سِرًّا وَأَخْبَرُوهُمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَالَّذِي بَعَثَهُ اللهُ بِهِ وَتَلَوْا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا قَدْ أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم: معاذ بن عَفْرَاءَ، وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ يُفَقِّهْنَا وَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُتَّبَعَ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم: مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ابن قُصَيٍّ، فَنَزَلَ فِي بَنِي تَيْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سرا، ويفشو الْإِسْلَامُ، وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ شَدِيدٌ اسْتِخْفَاؤُهُمْ. ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا بِئْرَ بَنِي مَرْقٍ، فَجَلَسَا هُنَالِكَ وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْهُمَا مُسْتَخْفِينَ، فَبَيْنَمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُهُمْ، وَيَقُصُّ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ أُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَأَتَاهُمْ فِي لَأَمْتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِأَبِي أُمَامَةَ: عَلَامَ تَأْتِينَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْغَرِيبِ الطَّرِيدِ
يُسَفِّهُ ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، لَا أَرَاكَ بَعْدَهَا تُسِيءُ مِنْ جِوَارِنَا، فَقَامُوا وَرَجَعُوا. ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا مَرَّةً أُخْرَى لِبِئْرِ بَنِي مَرْقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَذُكِرُوا لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الثَّانِيَةَ، فَجَاءَهُمْ فَتَوَاعَدَهُمْ وَعِيدًا دُونَ وَعِيدِهِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا رَأَى أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْهُ لِينًا قَالَ لَهُ [يَا ابْنَ خَالَةٍ اسْتَمِعْ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ سَمِعْتَ مُنْكَرًا فَارْدُدْهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، وَإِنْ سَمِعْتَهُ [ (3) ] حَقًّا فَأَجِبْ إِلَيْهِ. فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ (4) ] . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا أَسْمَعُ إِلَّا مَا أَعْرِفُ، فَرَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَقَدْ هَدَاهُ اللهُ وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمَا إِسْلَامَهُ حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَدَعَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ إِسْلَامَهُ وَقَالَ: مَنْ شَكَّ مِنْكُمْ فِيهِ فَلْيَأْتِ بِأَهْدَى مِنْهُ، فو الله لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ [فِيهِ] [ (5) ] الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلَامِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَدُعَائِهِ- إِلَّا مَنْ لَا يُذْكَرُ فَكَانَتْ أَوَّلُ دَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَتْ بِأَسْرِهَا. ثُمَّ إِنَّ بَنِي النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَانْتَقَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَدْعُو آمِنًا وَيَهْدِي اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دور الأنصار إِلَّا قَدْ أَسْلَمَ أَشْرَافُهَا. وَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَكُسِرَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أعز أهل
الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ مُصْعَبٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئُ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يقدمها رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. هَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قِصَّةَ الْأَنْصَارِ فِي الْخَرْجَةِ الْأُولَى. وَذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ أَتَمَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَقِيَ أَوَّلًا نَفَرًا مِنْهُمْ فِيهِمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ثُمَّ انْصَرَفُوا حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ أَتَى الْمَوْسِمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى فَبَايَعُوهُ فِيهِمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَبَعَثَ بَعْدَهُمْ أَوْ مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم مصعب بن عمير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ جَمَاعَتِهِمْ وَنَحْنُ نَرْوِي بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا [ (6) ]] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِظْهَارَ دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ مَوْسِمٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا [ (7) ] مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ،
قَالُوا: «لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ [لَهُمْ] [ (8) ] : «مِمَّنْ أَنْتُمْ؟» قَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ. قَالَ: «أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمْكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ [ (9) ] كَانُوا مَعَهُمْ بِبِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلَ شِرْكٍ، وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ، فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ [ (10) ] نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ يَا قَوْمِ اعْلَمُوا وَاللهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ فَلَا تَسْبِقَنَّكُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلَا قَوْمٌ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ وَعَسَى الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللهُ بِكَ وَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرِكَ، وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللهُ عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ. ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا وَهُمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ سِتَّةُ نَفَرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ، وَعَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ رِفَاعَةَ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَقُطْبَةُ بْنُ
عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ زِيَادِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَذَكَرَ أَنْسَابَهُمْ إِلَّا أَنِّي اخْتَصَرْتُهَا. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إِلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى فَشَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ أَتَى [ (11) ] الْمَوْسِمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَقَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ، وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ مِنْهُمْ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا الْحَارِثِ، ورافع بن مالك، وذكوان ابن عَبْدِ قَيْسٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ حَلِيفَانِ لَهُمْ» [ (12) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَائِنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا نَفَرٌ مِنْهُمْ قَدْ رَمَوَا الْجَمْرَةَ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهَا اعْتَرَضَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنَ الْخَزْرَجِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ يُونُسَ، إِلَّا أَنَّهُ عَدَّ فِي الستة عوف بن عفراء، ومعاذ بن عفراء بدل مِنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وعقبة بن عامر.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ، قال: حدثني عبادة ابن الصَّامِتِ، قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى وَنَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، أَنَا أَحَدُهُمْ فَبَايَعْنَاهُ بَيْعَةَ النِّسَاءِ عَلَى: أَلَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيَهُ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ. فَإِنْ وَفَّيْتُمْ بِذَلِكَ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ وَإِنْ غَشِيتُمْ شَيْئًا فَأَمْرُكُمْ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَ» [ (13) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْثَدُ ابن عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيُّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ لَمْ يَقُلْ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْحَرْبُ. وَذَكَرَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ ابن إسحاق. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ وَهُوَ مَرْثَدٌ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم وقال
بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ، بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ. فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم ومَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ [بْنِ قَتَادَةَ] [ (15) ] أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَعَثَهُ [ (16) ] بَعْدَهُمْ وَإِنَّمَا كَتَبُوا إِلَيْهِ: أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ فَشَا فِينَا، فَابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُقْرِئْنَا الْقُرْآنَ، وَيُفَقِّهُنَا فِي الْإِسْلَامِ وَيُقِيمُنَا لِسُنَّتِهِ وَشَرَائِعِهِ، وَيَؤُمُّنَا فِي صَلَاتِنَا، فَبَعَثَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ فَكَانَ يَنْزِلُ [ (17) ] مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أسعد بن زرارة، وكان مُصْعَبُ يُسَمَّى بِالْمَدِينَةِ الْمُقْرِئَ، وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ يَذْهَبُ بِهِ إِلَى دُورِ الْأَنْصَارِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُفَقِّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ [ (18) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بكر، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ
ابن مُعَيْقِيبٍ: أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَى بِهِ دَارَ بَنِي ظَفَرٍ وَدَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَتَاهُمَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّارَيْنِ مُسْلِمًا وَسَمِعَ بِهِمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ [ (19) ] » . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: «لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمَّهُ بَعْضُ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ مَعَ النَّفَرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى إِلَى الْمَدِينَةِ يُفَقِّهُ أَهْلَهَا، وَيُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ: مَا أَدْرِي مَا الْعَقَبَةُ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلَى لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ عَقَبَةٌ وَعَقَبَةٌ. قَالَا: وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، وَكَانَ إِنَّمَا يُسَمَّى بِالْمَدِينَةِ الْمُقْرِئَ، فَخَرَجَ بِهِ يَوْمًا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ، وَهِيَ قَرْيَةُ لِبَنِي ظَفَرٍ دُونَ قَرْيَةِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- وَكَانَا ابْنَيْ عَمٍّ- يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَرْقٍ [ (20) ] فَسَمِعَ بِهِمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ ابْنُ خَالَتِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، فَقَالَ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: ائْتِ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ فَازْدَجِرْهُ عَنَّا
فَلْيَكُفَّ عَنَّا مَا نَكْرَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِهَذَا الرَّجُلِ الْغَرِيبِ مَعَهُ يَتَسَفَّهُ بِهِ سُفَهَاؤنَا وَضُعَفَاؤُنَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنَ الْقَرَابَةِ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْحَرْبَةَ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَاهُمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا وَاللهِ سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ فَأَبْلِ اللهَ فِيهِ بَلَاءً حَسَنًا. قَالَ: إِنْ يَقْعُدْ أُكَلِّمْهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا فَقَالَ: يا أسعد! مالنا وَلَكَ تَأْتِينَا بِهَذَا الرَّجُلِ الْغَرِيبِ يَسْفَهُ بِهِ سُفَهَاؤُنَا وَضُعَفَاؤُنَا، فَقَالَ: أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ. فَقَالَ: قَدْ أَنْصَفْتُمْ، ثُمَّ رَكَزَ الحربة وجلس، فكلمه مصعب بْنُ عُمَيْرٍ وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فو الله لَعَرَفْنَا الْإِسْلَامَ فِي وَجْهِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لِتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، وَكَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا دَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا: تَغْتَسِلَ، وَتُطَهِّرَ ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِي إِنْ تَابَعَكُمَا لَمْ يُخَالِفْكُمَا أَحَدٌ بَعْدَهُ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا قَالَ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ رَجَعَ عَلَيْكُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: قَدِ ازْدَجَرْتُهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ يُرِيدُونَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ لِيُخْفِرُوكَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ، فَقَامَ إِلَيْهِ سَعْدٌ مُغْضَبًا فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ مِنْ يَدَهِ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمَا، قَالَ لِمُصْعَبٍ: هَذَا وَاللهِ سَيِّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إِنْ هُوَ تَابَعَكَ لَمْ يُخَالِفْكَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاصْدُقِ اللهَ فِيهِ، فَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: إِنْ يَسْمَعْ مِنِّي أُكَلِّمْهُ.
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: يَا أَسْعَدُ! مَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَغْشَانِي بِمَا أَكْرَهُ- وَهُوَ مُتَشَتِمٌ- أَمَا وَاللهِ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا طَمِعْتَ فِي هَذَا مِنِّي، فَقَالَ لَهُ: أَوْ تَجْلِسَ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ أُعْفِيتَ مِمَّا تَكْرَهُ. قَالَ: أَنْصَفْتُمَانِي، ثُمَّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فو الله لَعَرَفْنَا فِيهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لِتَسَهُّلِ وَجْهِهِ [ (21) ] . ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَكَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا دَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ فَقَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ، وَتُطَهِّرُ ثيابك وتشهد شهادة الحق، وَتَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ فَفَعَلَ ثُمَّ أَخَذَ الْحَرْبَةَ وَانْصَرَفَ عَنْهُمَا إِلَى قَوْمِهِ. فَلَمَّا رَآهُ رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالُوا: نُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدَكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَيُّ رَجُلٍ تَعْلَمُونِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: نَعْلَمُكَ وَاللهِ خَيْرَنَا وَأَفْضَلَنَا فِينَا رَأْيًا، قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ نِسَائِكُمْ وَرِجَالِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ، وَتَصَدِّقُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، فو الله مَا أَمْسَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا. ثُمَّ انْصَرَفَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ [ (22) ] . كَذَا قَالَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ: فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أمية ابن زَيْدٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلِ وَوَاقِفِ. ثُمَّ إِنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ.
وَرُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يقدمها رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ فَإِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانُ بِهَا اسْتَغْفَرَ لِأَبِي أُمَامَةَ: أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَمَكَثْتُ حِينًا أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ: كَانَ أَسْعَدُ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي هَزْمٍ [ (23) ] مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ [ (24) ] قُلْتُ وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا. قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُخَالِفَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ، وَكَأَنَّ مُصْعَبَ جَمَّعَ بِهِمْ بِمَعُونَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَأَضَافَهُ كَعْبٌ إليه والله أعلم [ (25) ] .
باب ذكر العقبة الثانية [1] وما جاء في بيعة من حضر الموسم من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإسلام وعلى أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم
بَابُ ذِكْرِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ [ (1) ] وَمَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ مَنْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ وعَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ خثيم، عن ابن الزُّبَيْرِ: مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ في المواسم: مجنّة، وعكاط، وَمَنَازِلِهِمْ بِمِنًى مَنْ يُؤْوِينِي وَيَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يُؤْوِيهِ وَلَا يَنْصُرُهُ، حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ صَاحِبُهُ مِنْ مِصْرَ أَوِ الْيَمَنِ فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ أَوْ ذَوُو رَحِمِهِ فَيَقُولُونَ: احْذَرْ فَتَى قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنْكَ! يَمْشِي بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِهِمْ، حَتَّى بَعَثَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ يَثْرِبَ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُظْهِرُونَ الإسلام.
ثُمَّ بَعَثَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وائَتَمَرْنَا وَاجْتَمَعْنَا سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَّا فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَطُوفُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدَنَا شِعْبَ الْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعْنَا فِيهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنٍ، حَتَّى تَوَافَيْنَا عِنْدَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَى مَا نُبَايِعُكَ فَقَالَ بَايعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ يَثْرِبَ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ [ (2) ] أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ. فَقُمْنَا نُبَايعُهُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ رَجُلًا إِلَّا أَنَا، فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ! إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أكبار الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى عَضِّ السُّيوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ، كَافَّةً فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عند الله عز وجل، فَقُلْنَا: أَمِطْ يَدَكَ يَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، فو الله لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقْبِلُهَا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ نُبَايعُهُ رَجُلًا رَجُلًا، يَأْخُذُ عَلَيْنَا شَرْطَهُ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ» [ (3) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي وَسَطِ الْحَدِيثِ قَالَ «فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ يَا ابْنَ أَخِي لَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ! [ (4) ] إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وجُوهِنَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ عَلَامَ نُبَايِعُكَ» فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْقَيْنِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا فِي الْحِجَّةِ الَّتِي بَايَعْنَا فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ مَعَ مُشْرِكِي قومنا، ومعنا البراء ابن مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ! تَعْلَمُنَّ، أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، وَاللهِ مَا أَدْرِي تُوَافِقُونَ عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ فَقُلْنَا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا بِشْرٍ؟ قَالَ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ إِلَى هَذِهِ الْبَنِيَّةِ، وَلَا أَجْعَلُهَا مِنِّي بِظَهْرٍ [ (5) ] . فَقُلْنَا: لَا، وَاللهِ لَا تَفْعَلُ. وَاللهِ مَا بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الشَّامِ [ (6) ] ، قَالَ: فَإِنِّي وَاللهِ لَمُصَلٍّ إِلَيْهَا، فَكَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ تَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَتَوَجَّهْنَا إِلَى الشَّامِ. حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ لِيَ الْبَرَاءُ: يَا ابْنَ أَخِي! انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى أَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِي نَفْسِي منه
بِخِلَافِكُمْ إِيَّايَ. قَالَ فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ [ (7) ] عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَقِينَا رَجُلًا بِالْأَبْطَحِ [ (8) ] ، فَقُلْنَا: هَلْ تَدُلُّنَا عَلَى محمد بن عبد الله بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَعْرِفَانِهِ إِنْ رَأَيْتُمَاهُ؟ فَقُلْنَا: لَا، وَاللهِ مَا نَعْرِفُهُ. وَلَمْ نَكُنْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُهُ: كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بِالتِّجَارَةِ، فَقَالَ: فَإِذَا دَخَلْتُمَا المسجد فانظرا العباس، فهو الرجل الَّذِي مَعَهُ. قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ جَالِسَيْنِ، قَالَ: فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مالك، فو الله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ «الشَّاعِرَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي قَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ فِيَ سَفَرِي هَذَا رَأْيًا، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْالَكَ عَنْهُ لِتُخْبِرَنِي عَمَّا صَنَعْتُ فِيهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ، فَصَلَّيْتُ إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ، لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا» ، فَرَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَهْلُهُ يَقُولُونَ: قَدْ مَاتَ عَلَيْهَا [ (9) ] ، وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ، قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَلَّى مَعَنَا إِلَى الشام.
ثُمَّ قَدْ وَاعَدَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلًا لِلْبَيْعَةِ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَبُو جَابِرٍ، وَإِنَّهُ لَعَلَى شَرْكِهِ، فَأَخَذْنَاهُ فَقُلْنَا يَا أَبَا جَابِرٍ: وَاللهِ إِنَّا لَنَرْغَبُ بِكَ أَنْ تَمُوتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَتَكُونَ لِهَذِهِ النَّارِ غَدًا حَطَبًا، وَإِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا يَأْمُرُ بِتَوحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَقَدْ أَسْلَمَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِكَ، وقَدْ وَاعَدَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِلْبَيْعَةِ، فَأَسْلَمَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ وَحَضَرَهَا مَعَنَا، فَكَانَ نَقِيبًا. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدَنَا فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِمِنًى أَوَّلَ اللَّيْلِ مَعَ قَوْمِنَا فَلَمَّا اسْتَثْقَلَ النَّاسُ فِي النَّوْمِ تَسَلَّلْنَا مِنْ قُرَيْشٍ تَسَلُّلَ الْقَطَا، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعْنَا بِالْعَقَبَةِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَمُّهُ الْعَبَّاسُ [ (10) ] لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ- وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ- أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا-: إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ [ (11) ] مِنْ قَوْمِهِ وَبِلَادِهِ قَدْ مَنَعْنَاهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، وَقَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ وَإِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَخْشَوْنَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خُذْلَانًا فَاتْرُكُوهُ فِي قَوْمِهِ فَإِنَّهُ فِي مَنَعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ [ (12) ] . فَقُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، تَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللهِ [ (13) ] ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَدَعَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَلَا الْقُرْآنَ، وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَجَبْنَاهُ بالإيمان به
وَالتَّصْدِيقِ لَهُ، وَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! خُذْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَبْنَاءَكُمْ ونسائكم» . فَأَجَابَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ [ (14) ] فَقَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحق مما تمنع مِنْهُ أُزُرَنَا، [ (15) ] فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَنَحْنُ وَاللهِ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ [ (16) ] ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَعَرَضَ فِي الْحَدِيثِ [ (17) ] ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إن بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْوَامٍ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنِ اللهُ أَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا [ (18) ] ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «بَلِ الدَّمُ الدَّمُ، وَالْهَدْمُ الْهَدْمُ [ (19) ] أَنَا مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ مِنِّي: أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ، وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ» [ (20) ] .
فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ نُبَايِعْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا» ، فَأَخْرَجُوهُمْ لَهُ. فَكَانَ نَقِيبَ بَنِي النَّجَّارِ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ. وَكَانَ نَقِيبَ بَنِي سَلِمَةَ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو بن حرام. وكان نقيب بن سَاعِدَةَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو. وَكَانَ نَقِيبَ بَنِي زُرَيْقٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَكَانَ نَقِيبَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ. وَكَانَ نَقِيبَ الْقَوَافِلِ [ (21) ] بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَفِي الْأَوْسِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ. وَكَانَ نَقِيبَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا: تِسْعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَوْسِ. قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَضَرَبَ عَلَيْهَا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ فَبَايَعُوا، فَصَرَخَ الشَّيْطَانُ عَلَى الْعَقَبَةِ بِأَبْعَدِ- وَاللهِ- صَوْتٍ مَا سَمِعْتُهُ قَطُّ: فَقَالَ يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ هَلَّا لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ وَالصُّبَّاءُ [ (22) ] مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أُزْيَبٍ [ (23) ] أَمَا وَاللهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ، ارْفَضُّوا [ (24) ] إلى رحالكم» ،
فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ غَدًا عَلَى أَهْلِ مِنًى بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ، ارْفَضُّوا إِلَى رِحَالِكُمْ» ، فَرَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا فَاضْطَجَعْنَا عَلَى فُرُشِنَا. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَقْبَلَتْ جِلَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ: الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَتًى شَابٌّ وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ، حَتَّى جَاءُونَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ! إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ إِلَى صَاحِبِنَا لِتَسْتَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَإِنَّهُ وَاللهِ مَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ أَبْغَضُ إِلَيْنَا أَنْ يَنْشِبَ الْحَرْبُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاللهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا فَعَلْنَاهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَبِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَهُوَ صَامِتٌ، وَأَنَا صَامِتٌ، فَلَمَّا تَثَوَّرَ الْقَوْمُ لِيَنْطَلِقُوا، قُلْتُ كَلِمَةً كَأَنِّي أَشْرِكُهُمْ فِي الْكَلَامِ: يَا أَبَا جَابِرٍ أَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا وَكَهْلٌ مِنْ كُهُولِنَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ فَسَمِعَهُ الْفَتَى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ، وَقَالَ: وَاللهِ لَتَلْبَسَنَّهُمَا، فَقَالَ أَبُو جَابِرٍ: مَهْلًا أحفظت لعمر اللهِ الرَّجُلَ، يَقُولُ أَخْجَلْتَهُ: ارْدُدْ عَلَيْهِ نَعْلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَرُدُّهُمَا، فَأْلٌ صَالِحٌ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَسْلُبَنَّهُ [ (25) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ وَأَتَوْا عَبْدَ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَسَأَلُوهُ، وَكَلَّمُوهُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ، وَمَا كَانَ قَوْمِي لِتَفَوَّتُوا عَلَيَّ بِمِثْلِهِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ» [ (26) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد الْمَقْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قال: حدثنا وهب جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِإِسْنَادِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَمَعْنَاهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: أَخَا بَنِي سَالِمٍ، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ! هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايعُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهَا إِذَا نَهَكَتْ أَمْوَالُكُمْ مُصِيبَةً، وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا: أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الْآنَ فَهُوَ وَاللهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْتَضْلِعُونَ لَهُ وَافُونَ لَهُ بِمَا عَاهَدْتُمُوهُ عَلَيْهِ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، فَهُوَ وَاللهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قال عاصم: فو الله مَا قَالَ الْعَبَّاسُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا لِيَشْتَدَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِهَا الْعَقْدُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَا قَالَهَا إِلَّا لِيُؤَخِّرَ بِهَا أَمْرَ الْقَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِيشْهَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَمْرَهُمْ فَيَكُونَ أَقْوَى لَهُمْ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلَا يطيل الْخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا
شِئْتَ، ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللهِ وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا، ذلك، قال: أسلكم لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَسَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلِأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُونَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟ قَالَ لَكُمُ الْجَنَّةُ قَالُوا فَلَكَ ذَلِكَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ وَكَانَ ذَا رَأْيٍ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ لَيْلًا عَلَى الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ وَزَادَ: قَالَ: فَسَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ فَمَا سَمِعَ الشِّيبُ وَلَا الشُّبَّانُ خُطْبَةً أَقْصَرَ وَلَا أَبْلَغَ مِنْهَا. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَسْعُودٍ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: مَا سَمِعَ الشِّيبُ وَالشُّبَّانُ خُطْبَةً مِثْلَهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ: عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: قَدِمَتْ رَوَايَا
خَمْرٍ فَأَتَاهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَحَرَّقَهَا [ (27) ] وَقَالَ: إِنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ فِي اللهِ لَا تَأْخُذُنَا فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَعَلَى أَنْ نَنْصُرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ عَلَيْنَا يَثْرِبَ بِمَا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَزْوَاجَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَلَنَا الْجَنَّةُ. فَهَذِهِ بَيْعَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَايَعْنَاهُ عَلَيْهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي: عُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وَمَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، يَقُولُ: وَإِنِ اسْتُؤْثِرَ عَلَيْكُمْ وَقَوْمِي يَلُومُونَنِي عَلَى هَذَا الْحَرْفِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأُحَدِّثَنَّكَ مَا سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُنِي وَلَا تُنَازِعُنَّ الْأَمْرَ أهله وأن تقول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ أَنْتَ عَلَى قَوْمِكَ بِمَا فِيهِمْ وَأَنَا عَلَى بَاقِي قَوْمِي كَفَالَةٌ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عن إِسْحَاقَ، قَالَ: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمُ ابْعَثُوا لِي مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ كَكَفَالَةِ الحواريين لعيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ أَحَدُ
بَنِي النَّجَّارِ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَنْتَ نَقِيبٌ عَلَى قَوْمِكَ فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَخَذَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ثُمَّ سَمَّاهُمْ» كَمَا مَضَى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: «كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا» . قَالَ مَالِكٌ: فَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ «أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُشِيرُ لَهُ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ نَقِيبًا، قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أَعْجَبُ كَيْفَ جَاءَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلَانِ، وَمِنْ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، حَتَّى حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْبَيْعَةِ، يَوْمَ الْعَقَبَةِ، قَالَ لِي مَالِكٌ: عِدَّةُ النُّقَبَاءِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا تِسْعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَوْسِ» [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ فُلَيْحٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ وَذَكَرَ حَسَّانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِهِ، عَنِ ابْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: «ثُمَّ حَجَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ، وَثَلَاثُونَ مِنْ شَبَابِهِمْ أَصْغَرُهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالَّذِي خَصَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةَ، وَالْكَرَامَةِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَى أَنْ يُبَايِعُوهُ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، أَجَابُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَصَدَّقُوهُ، وَقَالُوا: اشْتَرِطْ عَلَيْنَا لِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَلِنَفْسَكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّتْ بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ مِنَ الشَّرْطِ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ، وَعَظَّمَ الْعَبَّاسُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مُبَايَعَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ له أَوَّلًا، وَمَا قَالَ وَمَا أَجَابَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَعْنَى مَا مَضَى فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ سَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَةً» [ (29) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «فَجَمِيعُ من شهد العقبة من الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ سَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ إِحْدَاهُمَا أُمُّ عُمَارَةَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا فَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ نَفْسًا» [ (30) ] . وَسَمَّاهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَذِكْرُهُمْ هَهُنَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ [ (31) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ بَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ الْغَدُ فَتَّشَتْ قُرَيْشٌ عَنِ الْخَبَرِ وَالْبَيْعَةِ فَوَجَدُوهُ حَقًّا، فَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا: سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَأَفْلَتَهُمْ مُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فَشَدُّوا يَدَيْ سَعْدِ إِلَى عُنُقِهِ بِنِسْعَةٍ [ (32) ] ، وَكَانَ ذَا شَعْرٍ كَثِيرٍ، فَطَفِقُوا يَجْبِذُونَهُ بِجُمَّتِهِ، وَيَصُكُّونَهُ، وَيَلْكِزُونَهُ إِلَى أَنْ جَاءَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ، وَالْحَارِثُ بْنُ أُمَيَّةَ وَكَانَ سَعْدٌ يُجِيرُهُمَا إِذَا قَدِمَا الْمَدِينَةَ حَتَّى أَطْلَقَاهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَخَلَّيَا سَبِيلَهُ» [ (33) ] . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَتْ حَوَّاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ السَّكَنِ، عِنْدَ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ الْخَطِيبِ، كَذَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ الْخَطِيمِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ أُمُّهَا عَقْرَبُ بِنْتُ مُعَاذٍ أُخْتَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَسْلَمَتْ حَوَّاءُ، فَحَسُنَ إِسْلَامُهَا، وَكَانَ زَوْجُهَا قَيْسٌ عَلَى كَفْرِهِ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُصَلِّي، فَيُؤْذِيهَا، وَكَانَ لَا يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَمْرٌ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا بَلَغَهُ وَأُخْبِرَ به.
قَالَ قَيْسٌ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فِي رَهْطٍ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِي حُجَّاجًا، فَبَيْنَا نَحْنُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِّي فَدُلَّ عَلَيَّ فَأَتَانِي فَقَالَ أَنْتَ قَيْسٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ زَوْجُ حَوَّاءَ قلت نعم قال فمالك تَعْبَثُ بِامْرَأَتِكَ وَتُؤْذِيهَا عَلَى دِينِهَا فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَفْعَلُ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ ذَلِكَ بِهَا دَعْهَا لِي، قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَيْسٌ الْمَدِينَةَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ وَقَالَ فَشَأْنُكِ بِدِينِكِ فو الله مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الْهَيْئَةِ. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَدْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِهَا، وَكَانَ عَمْرٌو سَيِّدًا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلِمَةَ، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ: مُنَافَةُ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلِمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمَا كَانُوا يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلِمَةَ، وَفِيهَا عِذَرُ النَّاسِ مُنَكَّسًا عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا عَلَى إِلَهِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتَّى إِذَا وَجَدَهُ غَسَّلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ هَذَا بِكَ لَأُحَرِّقَهُ، فَإِذَا أَمْسَى وَقَامَ عَمْرٌو عَدَوْا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَفَعَلَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَيْهِ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ حَيْثُ أَلْقَوْهُ فَغَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ ثُمَّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِكَ مَا تَرَى فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَامْتَنِعْ، فَهَذَا السَّيْفُ مَعَكَ، فَلَمَّا أَمْسَوْا وَنَامَ عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمَّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيِّتًا، فَعَلَّقُوهُ، وَقَرَنُوهُ بِحَبْلٍ، ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلِمَةَ فِيهَا عِذَرُ النَّاسِ، وَغَدَا عَمْرٌو فَلَمْ يَجِدْهُ، فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتَّى وَجَدَهُ فِي الْبِئْرِ مُنَكَّسًا مَقْرُونًا بِكَلْبٍ مَيِّتٍ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَقَالَ عَمْرٌو حِينَ أَسْلَمَ، وَعَرَفَ مِنَ اللهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يذكر صنمه ذلك: . تَاللهِ [ (34) ] لَوْ كُنْتَ إِلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ [ (35) ]
أُفٍّ لِمَصْرَعِكَ [ (36) ] إِلَهًا مُسْتَدَنْ ... الْآنَ فَتَّشْنَاكَ عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ [ (37) ] الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ ذِي الْمِنَنْ ... الْوَاهِبِ الرَّزَّاقِ وَدَيَّانِ الدِّيَنْ هُوَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ بِأَحْمَدَ الْمَهْدِيِّ النَّبِيِّ المؤتمن [ (38) ]
باب من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة حين أريها دار هجرته قبل نزول الإذن له بالخروج
بَابُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ حِينَ أُرِيَهَا دَارَ هِجْرَتِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْإِذْنِ لَهُ بِالْخُرُوجِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: إِمْلَاءً، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَيَّ هَؤُلَاءِ الْبِلَادِ الثَّلَاثِ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجْرَتِكَ: الْمَدِينَةُ، أَوِ الْبَحْرَيْنِ، أَوْ قِنَّسْرِينُ، قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ ثُمَّ عَزَمَ لَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا» [ (1) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ: أريت سبخة [ (2) ] ذات نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ [ (3) ] ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَتَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلّم ليصتحبه، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ [ (4) ] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (5) ] فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «فَلَمَّا اشْتَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا [ (6) ] فَخَرَجَ مِنْهُمْ قبل خروج رسول
الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ [ (7) ] ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ، وَيُقَالُ: أَوَّلُ ظَعِينَةٍ [ (8) ] قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ أُمُّ سَلَمَةَ. وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أُمُّ عَبْدِ اللهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، [ (9) ] وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ الله بن جخش، وَعُثْمَانُ بْنُ الشَّرِيدِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. فَنَزَلَ أَبُو سَلَمَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فِي أَصْحَابٍ لَهُمْ، فَنَزَلُوا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَطَلَبَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ والعاص بن هشام وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَهُوَ أَخُوهُمْ لِأُمِّهِمْ، فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَذَكَرُوا لَهُ حُزْنَ أُمِّهِ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّهَا حَلَفَتْ لَا يُظِلُّهَا سَقْفُ بَيْتٍ، وَلَا يَمَسُّ رَأْسَهَا دُهْنٌ حَتَّى تَرَاكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ نَطْلُبْكَ فَنُذَكِّرُكَ اللهَ فِي أُمِّكَ، وَكَانَ بِهَا رَحِيمًا وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْ حُبِّهَا إِيَّاهُ وَرَأْفَتِهَا بِهِ، فَصَدَّقَ قَوْلَهُمْ وَرَقَّ لَهَا، وَلَمَّا ذَكَرُوا لَهُ مِنْهَا أَبَى أَنْ يَتْبَعْهُمَا حَتَّى عَقَدَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ عَقْدًا، فَلَمَّا خَرَجَا بِهِ أَوْثَقَاهُ فَلَمْ يَزَلْ هُنَالِكَ حَتَّى خَرَجَ مَعَ مَنْ خَرَجَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُ بِالْخَلَاصِ. قَالَ: وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وطلحة بن عبيد الله، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَطَائِفَةٌ أخرى.
فَأَمَّا طَلْحَةُ فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ. ثُمَّ تَتَابَعَ أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ رُسُلًا، وَمَكَثَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَكَّةَ حَتَّى قَدِمُوا بَعْدَ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، مِنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ» . قُلْتُ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي قُدُومِ سَعْدٍ، فَقِيلَ: كَذَا وَقِيلَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدِمَ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: «لَمَّا أَجْمَعْنَا الْهِجْرَةَ أُقْعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بن العاص ابن وَائِلٍ، وَقُلْنَا: الْمِيعَادَ بَيْنَنَا التَّنَاضُبُ [ (11) ] مِنْ إِضَاةِ [ (12) ] بَنِي غِفَارٍ، فمن أصبح
مِنْكُمْ لَمْ يَأْتِهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ، فَأَصْبَحَتُ عِنْدَهَا أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَحُبِسَ عَنَّا هِشَامُ، وَفُتِنَ فَافْتَتَنَ، وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللهُ بِقَابِلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تَوْبَةً: عَرَفُوا اللهَ، وَآمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانُوا يَقُولُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [ (13) ] الْآيَةَ. قَالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي كِتَابًا [ (14) ] ، ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامٍ، فَقَالَ هشام ابن الْعَاصِ: فَلَمَّا قَدِمَتْ [ (15) ] عَلَيَّ خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى فَجَعَلْتُ أُصَعِّدُ بِهَا وَأَصُوبُ لِأَفْهَمُهَا، فَقُلْتُ: اللهُمَّ فَهِّمْنِيهَا فَعَرَفْتُ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا، كَمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ: فِينَا، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ [ (16) ] فَقُتِلَ هِشَامُ شَهِيدًا بِأَجْنَادِينَ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر:
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلْنَا الْعُصْبَةُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَسَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ. (ح) أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْهِجْرَةِ وَالْقِبْلَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ: «وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ، فَقُلْنَا، لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هُوَ مَكَانَهُ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمُّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، أَخُو بَنِي فِهْرٍ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ مَنْ وَرَاءَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: هُمْ عَلَى الْأَثَرِ، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وسعد بن أبي وقاص، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَبِلَالٌ، ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ. زَادَ أَبُو خَلِيفَةَ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ الْبَرَاءُ فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَأْتُ سُورًا مِنَ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ خَرَجْنَا نَتَلَقَّى الْعِيرَ فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ حذروا» [ (17) ] .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ ذَكَرَ أَسَامِيَ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَمَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ [ (18) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «آخِرُ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ النَّاسِ لَمْ يُفْتَنْ فِي دِينِهِ أَوْ يُحْبَسْ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وذَلِكَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَخَّرَهُ بِمَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَأَجَّلَهُ ثَلَاثًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَفَعَلَ، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم» [ (19) ] .
باب مكر المشركين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعصمة الله رسوله وإخباره إياه بذلك حتى خرج مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه مهاجرا [1]-
بَابُ مَكَرِ الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِصْمَةِ اللهِ رَسُولَهُ وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا [ (1) ]- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «وَمَكَثَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، ثُمَّ إِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَمَكْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يَحْبِسُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يُخْرِجُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يُوثِقُوهُ، فَأَخْبَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكْرِهِمْ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [ (2) ] . فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلم وأبو بَكْرٍ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ قِبَلَ الْغَارِ بِثَوْرٍ، وَعَمَدَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَقَدَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُوَارِي عَنْهُ الْعُيُونَ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: «وَمَكَثَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، ثُمَّ إِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ حِينَ ظَنُّوا أَنَّهُ خَارِجٌ، وَعَلِمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَهُ مَأْوًى وَمَنْعَةً وَلِأَصْحَابِهِ، وَبَلَغَهُمْ إِسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ، وَرَأَوْا مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَوْ يُثْبِتُوهُ فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ، وَبَلَغَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي أَتَى فِيهِ أَبَا بَكْرٍ أَنَّهُمْ مُبَيِّتُوهُ إِذَا أَمْسَى عَلَى فِرَاشِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قِبَلَ الْغَارِ غَارِ ثَوْرٍ، وَهُوَ الْغَارُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكِتَابِ، وَعَمَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَرَقَدَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُوَارِي عَنْهُ، وَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يَخْتَلِفُونَ وَيَأْتَمِرُونَ: أَيُّهُمْ يَجْثِمُ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرَهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا، فَإِذَا هُمْ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَعَلِمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فَارًّا مِنْهُمْ، فَرَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «فَلَمَّا أَيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدْ بُويِعَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِخْوَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: الْآنَ فَأَجْمِعُوا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم فو الله لَكَأَنَّهُ قَدْ كَرَّ عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ فَأَثْبِتُوهُ أَوِ اقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ جَمِيلٍ فِي بَتٍّ لَهُ وَالْبَتُّ: الْكِسَاءُ [ (3) ] فَقَالَ: أَدْخُلُ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِي اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَعَسَى أَنْ لَا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيٌ وَنُصْحٌ، فَقَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَأَجْمِعُوا فِي هَذَا الرَّجُلِ رَأْيًا وَاحِدًا، وَكَانَ مِمَّنِ اجْتَمَعَ لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ: شَيْبَةُ وَعُتْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وأبو جهل بن هشام، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ وَتَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، وَالنَّابِغَةُ، وَغَيْرُهُمَا. فَقَالَ النَّجْدِيُّ: وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ حَيْثُ حَبَسْتُمُوهُ إِلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَوْشَكَ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُخْرِجُهُ فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا غُيِّبَ عَنَّا وجهه وحديثه فو الله مَا نُبَالِي أَيْنَ وَقَعَ مِنَ الْبِلَادِ، وَلَئِنْ كَانَ أَجْمَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَنَا وَأَصْلَحْنَا ذَاتَ بَيْنِنَا، قَالَ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ وَحُسْنَ حَدِيثِهِ وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ دُونَ مَنْ خَالَفَهُ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِهِ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ عَلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ
الْعَرَبِ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ عَلَى رَأْيِهِ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ، حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ، فَلَا وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ. قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللهِ إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ! قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا نَهْدًا جَلْدًا نَسِيبًا وَسِيطًا، ثُمَّ تُعْطُوهُمْ شِفَارًا صَارِمَةً ثُمَّ يَجْتَمِعُوا فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَمْ تَدْرِ عَبْدُ مَنَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَصْنَعُ، وَلَمْ يَقْوَوْا عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ، فَإِنَّمَا أَقْصَرُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ فَتَدُونَهُ لَهُمْ [ (4) ] . قَالَ النَّجْدِيُّ لِلَّهِ دَرُّ الْفَتَى هَذَا الرَّأْيُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ [ (5) ] . فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْخَبَرُ، وَأُمِرَ أَنْ لَا يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَبِتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَيْثُ كَانَ يَبِيتُ، وَبَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ» [ (6) ] . وَفِيمَا ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْمُقْرِئَ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عن
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى أم هاني، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ اجْتَمَعُوا، فَذَكَرَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى أَنَّ قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ وَأَخْبَرَهُ بِمَكْرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَبِتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَذِنَ اللهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فِي الْأَنْفَالِ يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [ (7) ] . وَأَنْزَلَ فِي قَوْلِهِ تَرَبَّصُوا حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللهِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ
فَمَكَرَتْ بِهِ وَأَرَادُوا بِهِ مَا أَرَادُوا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيتَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَيَتَسَجَّى بِبُرْدٍ لَهُ أَخْضَرَ فَفَعَلَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ بِحَفْنَةٍ مِنْ تُرَابٍ فَجَعَلَ يَذَرُّهَا عَلَى رؤوسهم، وَأَخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ نَبِيِّهِ وَهُوَ يَقْرَأُ: يَس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَأَغْشَيْناهُمْ [ (9) ] فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (10) ] وروي عن عكرمة ما يؤكد هذا.
باب خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى الغار وما ظهر في ذلك من الآثار
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى الْغَارِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ وأَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عقيل، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَتْ «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ [ (1) ] إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْو أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ [ (2) ] لَقِيَهُ: ابْنُ الدُّغُنَّةِ [ (3) ] وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،
وَتَصِلَ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ [ (4) ] ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ، فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ [ (5) ] ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَطَافَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلَ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ [ (6) ] قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدُّغُنَّةِ، وَأَمَّنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدُّغُنَّةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ، وَلَا بِالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ [وَبَرَزَ] [ (7) ] فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَذَّفَ [ (8) ] عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدُّغُنَّةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الاستعلان.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدُّغُنَّةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدَتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أَحَبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ إِنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: «قَدْ أُرِيتُ دار هجرتكم، أريت سبخة ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا يَعْنِي قِبَلَ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ، كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي نَحْرِ [ (9) ] الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، أَمَا وَاللهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم:
«فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ [ (10) ] بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» [ (11) ] ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْتُهُمَا [ (12) ] أَحَثَّ الْجِهَازِ [ (13) ] فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ [ (14) ] فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا [ (15) ] فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ [ (16) ] . قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَكَمَنَا [ (17) ] فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ: يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ الله بن أبي بكر، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ [ (18) ] ثَقِفٌ [ (19) ] فَيُدْلِجُ [ (20) ] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرَ فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بمكة كبائت،
فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكِيدُونَ [ (21) ] بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامَ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [ (22) ] مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيَرِيحُ عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ. وَاسْتَأْجَرَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيِّ هَادِيًا خِرِّيتًا [ (23) ] وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَارْتَحَلَا وَانْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدُّؤَلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمَا يَدَ بَحْرٍ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (24) ] عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: تُكْسِبُ المعدوم.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: «ذُكِرَ رِجَالٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَكَأَنَّهُمْ فَضَلُّوا عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: وَاللهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَلَيَوْمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، لَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ انْطَلَقَ إِلَى الْغَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَاعَةً خَلْفَهُ، حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَالِكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيَّ وَسَاعَةً خَلْفِي؟ فَقَالَ. يَا رَسُولَ اللهِ أَذْكُرُ الطَّلَبَ، فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذْكُرُ الرَّصَدَ فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ دُونِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَانَتْ لِتَكُنْ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي دُونَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا مِنَ الْغَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى استبري لَكَ الْغَارَ فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَأَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِ الْجُحْرَةَ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى استبري الْجُحْرَةَ، فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَأَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَنَزَلَ فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتِلْكَ اللَّيْلَةُ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سلمان التجار الْفَقِيهُ إِمْلَاءً، قَالَ: قُرِئَ عَلَى يَحْيَى بْنِ
جَعْفَرٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيِّ، عن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ وَاللهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمُرِ عُمَرَ، هَلْ لَكَ أَنْ أُحَدِّثَكَ بِلَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَمَّا لَيْلَتُهُ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم هارب مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ لَيْلًا فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ؟» قَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ أذكر الرَّصَدَ فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ خَلْفَكَ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِكِ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِكَ، لَا آمَنَ عَلَيْكَ، قَالَ: فَمَشَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَتَهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعَهُ، حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهَا قَدْ حَفِيَتْ حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَجَعَلَ يَشْتَدُّ بِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَّ الْغَارِ، فَأَنْزَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تَدْخُلُهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ نَزَلَ بِي قَبْلَكَ، فَدَخَلَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَحَمَلَهُ فَأَدْخَلَهُ، وَكَانَ فِي الْغَارِ خَرْقٌ فيه حيات وأفاعي، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ وَيَلْسَعْنَهُ: الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي، وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لَا تَحْزَنْ، إِنَّ اللهَ مَعَنَا، فَأَنْزَلَ الله سكينته الاطمئنانية لِأَبِي بَكْرٍ، فَهَذِهِ لَيْلَتُهُ. وَأَمَّا يَوْمُهُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَلِّي، وَلَا نُزَكِّي وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي، فَأَتَيْتُهُ وَلَا آلُوهُ نُصْحًا، فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفِقْ بِهِمْ، فَقَالَ: جَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ فَبِمَاذَا أَتَأَلَّفُهُمْ أَبِشِعْرٍ مُفْتَعَلٍ أَوْ بِشِعْرٍ مُفْتَرًى؟ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم وارتفع الوحي، فو الله لَوْ مَنَعُونِي عَقَالًا مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ فَقَاتَلْنَا مَعَهُ فَكَانَ وَاللهِ رُشَيْدَ الْأَمْرِ فَهَذَا يَوْمُهُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَظُنُّهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. (ح) وفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيَّ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ يَأْمُرُونَهُمْ وَيَجْعَلُونَ لَهُمُ الْجُعَلَ الْعَظِيمَ، وَأَتَوْا عَلَى ثَوْرِ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ الَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعُوا فَوْقَهُ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ أَصْوَاتَهُمْ، فَأَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ وَالْخَوْفُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سَكِينَةٌ مِنَ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (25) ] .
وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ بِمَكَّةَ، فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ عامر ابن فُهَيْرَةَ فَرَوَّحَ تِلْكَ الْمِنْحَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ أَمِينًا مُؤْتَمَنًا حَسَنَ الْإِسْلَامِ وَاسْتَأْجَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيِّ يُقَالُ لَهُ أُرَيْقِطٌ كَانَ [ (26) ] حَلِيفًا فِي قُرَيْشٍ ثُمَّ فِي بَنِي سَهْمٍ ثُمَّ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَذَلِكَ الْعَدَوِيُّ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَهُوَ هَادٍ بِالطَّرِيقِ فَخَبَبَا ظَهْرَهُمَا تِلْكَ اللَّيَالِي اللَّاتِي مَكَثَا فِي الْغَارِ وَكَانَ يَأْتِيهِمَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ يُمْسِي بِكُلِّ خَبَرٍ
يَكُونُ فِي مَكَّةَ وَيَرُوحُ عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ الْغَنَمَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَحْلِبَانِ وَيُدْلِجَانِ ثُمَّ يَسْرَحُ بُكْرَةً فَيُصْبِحُ فِي رُعْيَانِ النَّاسِ فَلَا يُفْطَنُ لَهُ حَتَّى إِذَا هَدَأَتْ عَنْهُمَا الْأَصْوَاتُ وَأَتَاهُمَا إِنْ قَدْ سُكِتَ عَنْهُمَا جَاءَ صَاحِبُهُمَا بِبَعِيرَيْهِمَا وَقَدْ مَكَثَا فِي الْغَارِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ- ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ انْطَلَقَا وَانْطَلَقَا مَعَهُمَا بِعَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَخْدُمُهُمَا وَيُعِينُهُمَا، يُرْدِفُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَيُعْقِبُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، لَيْسَ مَعَهُمَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، وَغَيْرُ أَخِي بَنِي عدي يديهما الطَّرِيقَ فَأَجَازَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكَّةَ ثُمَّ مَضَى بِهِمَا السَّاحِلَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا» [ (27) ] . لَفْظُ حَدِيثِ عُرْوَةَ وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِمَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: شَاذَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ، قَالَ «كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَأَصَابَ يده حجر، فقال: إِنْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّه مَا لَقِيتِ [ (28) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلّم في الغار
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّه ثَالِثُهُمَا» [ (29) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ الْبُنَانِيِّ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ لَأَبْصَرَنَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (30) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ هِلَالٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ: زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (31) ] ، وَغَيْرِهِ، عَنْ حَبَّانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى البري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو صَادِقٍ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِشَجَرَةٍ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ [ (32) ] ، وَأَمَرَ اللَّه الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّه حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، بِعِصِيِّهِمْ وَهَرَاوِيهِمْ [ (33) ] وَسُيُوفِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِقَدْرِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِيَنْظُرَ فِي الْغَارِ فَرَأَى حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُ مَا لَكَ لَمْ تَنْظُرْ فِي الْغَارِ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَسَمِعَ النبي صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَعَرَفَ إن اللَّه عز وجل قَدْ دَرَأَ عَنْهُ بِهِمَا، فَدَعَاهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَسَمَتَ [ (34) ] ، عَلَيْهِنَّ وَفَرَضَ جَزَاءَهُنَّ، وَانْحَدَرْنَ فِي الْحَرَمِ» [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ السُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ: الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْقُهُنْدُزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قَالَ: عَلَى أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَمْ تَزَلِ السَّكِينَةُ معه» .
باب اتباع سراقة بن مالك بن جعشم أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ظهر في ذلك من دلائل النبوة
بَابُ اتِّبَاعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَثَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، وقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ: أَبُو عُمَرَ الْغُدَانِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْتُمَا وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمَا قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا، فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ فَإِذَا صَخْرَةٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا، فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّه، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا، فَإِذَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي نُرِيدُ- يَعْنِي الظِّلَّ- فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ، فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ: هَكَذَا، فَضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً [ (1) ] مِنْ لَبَنٍ وَقَدْ رَوَيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللَّه
صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرُدَ أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَافَقْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: أَتَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّه. قَالَ: فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بن مالك ابن جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَقُلْتُ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: لَا تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّه مَعَنَا، فَلَمَّا أَنْ دَنَا مِنَّا وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قِيدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّه، وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقُلْتُ: أَمَا واللَّه مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللهُمَّ! اكْفِنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللَّه أَنْ تُنَجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فو اللَّه لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا» [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ رجاء، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر عن إسرائيل [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ- رَحْلًا- وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ [ (4) ] مِنَ الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أُتِينَا، فَقَالَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنَا» ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا [ (5) ] فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا اللَّه فَنَجَا، فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كُفِيتُمْ مَا هَهُنَا وَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ وَوَفَى لَنَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (6) ] مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عقيل، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بن
جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَانَ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: «جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَفِي أَبِي بَكْرٍ دِيَةً كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ [ (7) ] قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ! إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ- قَالَ ابْنُ عَبْدَانَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه فِي رِوَايَتِهِ- قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا. قَالَ: ثُمَّ قَلَّ مَا لَبِثَ فِي الْمَجْلِسِ [ (8) ] حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ فَأَخَذْتُ رُمْحِي وَخَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ [ (9) ] الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ [ (10) ] حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ [ (11) ] حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ منها الأزلام فاستقمت بِهَا أَأَضُرُّهُمْ أَوْ لَا أَضُرُّهُمْ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ لَا أَضُرُّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ التَّلَفُّتَ سَاخَتْ [ (12) ] يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ،
فَخَرَرْتُ عَنْهَا [ (13) ] ، ثُمَّ زَجَرَتُهَا فَنَهَضْتُ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ [ (14) ] سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَنْ لَا أَضُرُّهُمْ، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ فَوَقَفَا لِي، وَرَكِبْتُ فَرَسِي، حَتَّى جِئْتُهُمَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ مِنْ قَوْمِكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكُمَا الدِّيَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمَا أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمَا الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَآنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسَلْنِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةِ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ لِي رُقْعَةً مِنْ أُدُمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ [ (15) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابن مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ مَالِكًا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَخَاهَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ أَخْبَرَهُ: «أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ جَعَلَتْ قُرَيْشٌ لِمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِائَةَ نَاقَةٍ قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إِنِّي لَأَظُنُّهُ مُحَمَّدًا، قَالَ: فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنَيَّ: أَنِ اسْكُتْ، وَقُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانَ يَبْتَغُونَ ضالة
لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، ثُمَّ سَكَتَ. قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي وَأَمَرْتُ بِفَرَسِي، فَقُيِّدَ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِي، ثُمَّ أَخَذْتُ قَدَاحِي أَسْتَقْسِمُ بِهَا، ثُمَّ لَبِسْتُ لَأْمَتِي، ثُمَّ أَخْرَجَتُ قَدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ: لَا تَضُرُّهُ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ فَآخُذَ الْمِائَةَ نَاقَةٍ. قَالَ: فَرَكِبْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَبَيْنَا فَرَسِي يَسِيرُ بِي عَثَرَ، فَسَقَطْتُ عَنْهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتُ قَدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ: لَا تَضُرُّهُ، فَأَبَيْتُ إِلَّا أَنْ أَتْبَعَهُ، فَرَكِبْتُ، فَلَمَّا بَدَا لِي الْقَوْمُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ عَثَرَ بِي فَرَسِي فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَسَقَطْتُ عَنْهُ، فَاسْتَخْرَجَ يَدَيْهِ وَأَتْبَعْهُمَا دُخَانٌ مِثْلَ الْغُبَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنِّي، وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ، فناديتهم، فقلت: انظروني فو الله لَا آذَيْتُكُمْ، وَلَا يَأْتِيكُمْ مِنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: قُلْ لَهُ: مَاذَا تَبْتَغِي؟ قَالَ: قُلْتُ اكْتُبْ لِي كِتَابًا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ آيَةً، قَالَ: اكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: فَكَتَبَ لِي ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ، فَرَجَعْتُ، فَسَكَتُّ، فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى إِذَا فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَكَّةَ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ، خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَ لِي، فَبَيْنَمَا أَنَا عَامِدٌ لَهُ دَخَلْتُ بَيْنَ ظَهْرَيْ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَطَفِقُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ، وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ، إِلَيْكَ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ، كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ، فَرَفَعْتُ يَدِي بِالْكِتَابِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا كِتَابُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ، ادْنُهُ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ الضَّالَّةِ، وَشَيْءٍ فَعَلَهُ فِي وَجْهِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، فَمَا ذَكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنِّي قَدْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: الضَّالَّةُ تَغْشَى حِيَاضِي قَدْ
مَلَأْتُهَا لِإِبِلِي هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ إِنْ سَقَيْتُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّى، قَالَ: وَانْصَرَفْتُ فَسُقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَدَقَتِي» [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ فِي أَمْرِ سُرَاقَةَ أَبْيَاتًا: فَقَالَ سُرَاقَةُ يُجِيبُ أَبَا جهل [ (17) ] : أَبَا حَكَمٍ وَاللَّاتِ لَوْ كُنْتَ شَاهِدًا ... لِأَمْرِ جَوَادِي إِذْ تَسِيخُ قَوَائِمُهْ عَجِبْتَ وَلَمْ تَشْكُكْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ... نَبِيٌّ وَبُرْهَانٌ فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهْ عَلَيْكَ بِكَفِّ النَّاسِ عَنْهُ فَإِنَّنِي ... أَرَى أَمْرَهُ يَوْمًا سَتَبْدُو مَعَالِمُهْ بِأَمْرٍ يَوَدُّ النَّصْرَ فِيهِ بِإِلْبِهَا ... لَوَ انَّ جَمِيعَ النَّاسِ طُرًّا تُسَالِمُهْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ بِبَغْدَادَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي مُدْخَلِهِ الْمَدِينَةِ: أَلْهِ النَّاسَ عني فإنه لا
يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْذِبَ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا سُئِلَ مَا أَنْتَ؟ قال: باع، فَإِذَا قِيلَ: مَنِ الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: هَادٍ يَهْدِينِي» [ (18) ] .
باب اجتياز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمرأة وابنها، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ اجْتِيَازِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِالْمَرْأَةِ وَابْنِهَا، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زكريا بن أبي زائدة. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتٍ مُنْتَحِيًا فَقَصَدَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ! إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ، وَلَيْسَ مَعِي أَحَدٌ، فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ الْحَيِّ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِرَى، قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْعَنْزِ وَالشِّفْرَةِ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَقُلْ لَهُمَا تَقُولُ لَكُمَا أُمِّي: اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا وأَطْعِمَانَا، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِالشِّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ عَزَبَتْ وَلَيْسَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَحٍ فَمَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا، ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجِئْنِي بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» . قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ الْمُبَارَكَ وَكَثُرَتْ غَنَمُهَا، حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ؟ قَالَ: وَمَا تَدْرِينَ مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهَا وَأَعْطَاهَا- زَادَ ابْنُ عَبْدَانَ فِي رِوَايَتِهِ- قَالَتْ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ فَانْطَلَقَتْ مَعِي وَأَهْدَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ [ (1) ] وَمَتَاعِ الْأَعْرَابِ قَالَ فَكَسَاهَا وَأَعْطَاهَا قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ أَسْلَمَتْ» [ (2) ] . قُلْتُ: وَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ عَمَّا رُوِّينَا فِي قِصَّةِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَيَزِيدُ فِي بَعْضِهَا فَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا وَاحِدَةً. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ [ (3) ] مِنْ قِصَّةِ أُمِّ مَعْبَدٍ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَهَذِهِ وَاحِدَةٌ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَهِيَ الَّتِي غَرِدَ بِهَا الْجِنُّ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَاسْمُهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ [ (5) ] ، فَأَرَادُوا الْقِرَى، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ وَلَا لَنَا مِنْحَةٌ، وَلَا لَنَا شَاةٌ، إِلَّا حَائِلٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِبَعْضِ غَنَمِهَا، فَمَسَحَ ضَرْعَهَا بِيَدِهِ، وَدَعَا اللهَ، وَحَلَبَ فِي الْعُسِّ [ (6) ] حَتَّى رَغَى [ (7) ] وَقَالَ: اشْرَبِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، فَقَالَتِ: اشْرَبْ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ، فَرَدَّهُ عَلَيْهَا، فَشَرِبَتْ. ثُمَّ دَعَا بِحَائِلٍ أُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَشَرِبَ. ثُمَّ دَعَا بِحَائِلٍ أُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَسَقَى دَلِيلَهُ. ثُمَّ دَعَا بِحَائِلٍ أُخْرَى فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَسَقَى عَامِرًا ثُمَّ يَرُوحُ. وَطَلَبَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى بَلَغُوا أُمَّ مَعْبَدٍ فَسَأَلُوهَا عَنْهُ، فَقَالُوا: رَأَيْتِ مُحَمَّدًا وَحِلْيَتَهُ كَذَا؟ فَوَصَفُوهُ لَهَا فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُونَ، قَدْ ضَافَنِي حَالِبُ الْحَائِلِ قَالَتْ قُرَيْشٌ: فَذَاكَ الَّذِي نُرِيدُ. قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أَيِ الَّتِي فِي كَسْرِ الْخَيْمَةِ، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُهَا بِأَعْنُزٍ، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، ثُمَّ
لَمَّا أَتَى زَوْجُهَا وَصَفَتْهُ له والله أعلم [ (8) ] .
باب اجتيازه مع صاحبه بعبد يرعى غنما وما ظهر عند ذلك من آثار النبوة
بَابُ اجْتِيَازِهِ مَعَ صَاحِبِهِ بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ابن أَيُّوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِينَ مَرُّوا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا، فَاسْتَسْقِيَاهُ اللَّبَنَ فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَاةٌ تُحْلَبُ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا عَنَاقًا حَمَلَتْ أَوَّلَ الشِّتَاءِ، وَقَدْ أَخْرَجَتْ وَمَا بَقِيَ لَهَا لَبَنٌ، فَقَالَ ادْعُ بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَسَحَ ضَرْعَهَا، وَدَعَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمِجَنٍّ فَحَلَبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ حَلَبَ فَسَقَى الرَّاعِيَ، ثُمَّ حَلَبَ فَشَرِبَ فَقَالَ الرَّاعِي: بِاللهِ مَنْ أَنْتَ؟ فو الله مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ. قال: أو تراك تَكْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ صَابِئٌ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَأَنَا مُتَّبِعُكَ قَالَ إِنَّكَ لَنْ نستطيع ذَلِكَ يَوْمَكَ فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنَا» [ (1) ] .
باب من استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه من أصحابه، ثم استقبال الأنصار إياه ودخوله ونزوله وفرح المسلمين بمجيئه والآيات التي ظهرت في نزوله
بَابُ مَنِ اسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ اسْتِقْبَالِ الْأَنْصَارِ إِيَّاهُ وَدُخُولِهِ وَنُزُولِهِ وَفَرَحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَجِيئِهِ وَالْآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي نُزُولِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: «وَيُقَالُ لَمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، وأبو بكر من الْمَدِينَةِ، وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ مِنَ الشَّامِ، خَرَجَ طَلْحَةُ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ كَمَا ذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، خَرَجَ إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا، وَإِمَّا عَامِدًا عَمْدَهُ بِمَكَّةَ، مَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَزَعَمَ [ (1) ] ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ [قَالَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ] [ (2) ] لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ قَافِلِينَ إِلَى مَكَّةَ، فَعَارَضُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابًا بِيضًا. قَالَ: وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا
يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُؤْذِيَهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى [ (3) ] رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ [ (4) ] لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَزُولُ [ (5) ] بِهِمُ السَّرَابُ مُبَيَّضِينَ [ (6) ] فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ نَفْسَهُ [ (7) ] أَنْ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ [ (8) ] ! هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى سِلَاحِهِمْ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَقَوْهُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِهِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَذَكَّرَ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَحْسِبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى إِذَا أَصَابَتِ الشَّمْسُ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَظَلَّ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (9) ] . ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَبْدِ اللهِ بن أبيّ بن سَلُولَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فِي أَنْفُسِهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَانْزِلْ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وُقُوفَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أبيّ والذي
قَالَ لَهُ: فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: إِنَّا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ كُنَّا قَبْلَ الَّذِي خَصَّنَا اللهُ بِهِ مِنْكَ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِقُدُومِكَ، أَرَدْنَا أَنْ نَعْقِدَ عَلَى رَأْسِ عبد الله بن أبي التَّاجَ، وَنُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا [ (10) ] . فَعَمَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ [ (11) ] ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مَسْكَنُهُ فِي دَارِ ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ. وَقَدْ كَانَ قَدِمَ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قُبَيْلَ [ (12) ] قُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِيهِمْ، فَعَدَّ أَسْمَاءَ النَّازِلِينَ وَالْمُنْزِلِينَ. ثُمَّ قَالَ: وَمَكَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَاتَّخَذَ فِيهِمْ مَسْجِدًا، وَأَسَّسَهُ وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [ (13) ] . ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَرَّ عَلَى بَنِي سَالِمٍ، فَصَلَّى فِيهِمُ الْجُمُعَةَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ [ (14) ] حِينَ قَدِمَ وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ الْيَهُودُ صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ تَذَاكَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي سَالِمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فِينَا الْعَدَدُ وَالْعُدَّةُ وَالْمَنعَةُ، وَقَالَ مُجَمِّعُ بْنُ يَزِيدَ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِينَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ قَدِ اجْتَمَعَتْ فَتَلَقَّوْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَمَشَوْا حَوْلَ نَاقَتِهِ لَا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ زِمَامَ النَّاقَةِ شُحًّا عَلَى كَرَامَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم وتعظيما له، ولكما مَرَّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ دَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ إِنَّمَا أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللهُ [تَعَالَى] [ (15) ] ، فَلَمَّا انْتَهَتْ بِهِ النَّاقَةُ إِلَى بَابِ بَنِي أَيُّوبَ بَرَكَتْ عَلَى الْبَابِ، فَنَزَلَ فَدَخَلَ بَيْتَ أَبِي أَيُّوبَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَهُ فِي سُفْلِ [ (16) ] بَيْتِهِ وَظَهَرَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى أَعْلَى الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلُوِّ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي السُّفْلِ، فَتَذَكَّرَ أَبُو أَيُّوبَ مَنْزِلَهُ فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَبَاتَ سَاهِرًا يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ فَيَسْتَأْمِرَهُ فِي التَّحْويلِ وَيُعَظِّمَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ [ (17) ] . فَلَمْ يَزَلْ سَاهِرًا حَتَّى أَصْبَحَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي. أَنِّي كُنْتُ سَاكِنًا فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَيَنْتَثِرُ التُّرَابُ مِنْ وَطْءِ أَقْدَامِنَا عَلَيْكَ، وَإِنَّ أَطْيَبَ لِنَفْسِي أَنْ أَكُونَ تَحْتَكَ فِي أَسْفَلِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: السُّفْلُ أَرْفَقُ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ حَتَّى انْتَقَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْعُلُوِّ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَاكِنًا فِي بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَيَأْتِيهِ فِيهِ جِبْرِيلُ حَتَّى ابْتَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم مسجده ومسكنه» [ (18) ] .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: «لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ كُنَّا نَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَنَجْلِسُ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ نَلْجَأُ، إِلَى ظِلِّ الْجُدُرِ حَتَّى تَغْلِبَنَا عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم جلسناكما كنا
نَجْلِسُ، حَتَّى إِذَا رَجَعْنَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ أَنَاخَ إِلَى ظِلٍّ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (19) ]- وَاللهِ مَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَسَنُّ، هُمَا فِي سَنٍّ وَاحِدٍ، حتى رأينا أبابكر يَنْحَازُ لَهُ عَنِ الظِّلِّ، فَعَرَفْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فَأَظَلَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَعَرَفْنَاهُ» [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ: أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدِمَ يَعْنِي الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (21) ] مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ بِهَا، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ قَدِمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، يوم
الِاثْنَيْنِ [ (22) ] ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، ثُمَّ ظَعَنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلَّاهَا بِمَنْ مَعَهُ بِبَطْنٍ مَهْزُورٍ، وَيَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَاعْتَرَضَهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمِ وَبَنِي الْحُبْلَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقِمْ فِينَا فِي الْعِزِّ، وَالثَّرْوَةِ، وَالْعَدَدِ، وَالْقُوَّةِ، وَكَانُوا كَذَلِكَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ مَرَّ بِبَنِي سَاعِدَةَ فَاعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو دُجَانَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ مَرَّ بِبَنِي بَيَاضَةَ، فَعَرَضَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فَدَعُوهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ: أَقِمْ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَنَحْنُ أَخْوَالُكَ وَأَقْرَبُ الْأَنْصَارِ بِكَ رَحِمًا، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةُ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى مَكَانِ مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مِرْبَدٌ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي غَنْمٍ، وَهُمَا: سُهَيْلُ وَسَهْلٌ ابْنَا رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَكَانَا فِي حجر معاذ بن عَفْرَاءَ، بَرَكَتْ فَالْتَفَتَتْ [ (23) ] يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ وَثَبَتْ فَمَضَتْ غَيْرَ كَثِيرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَاضِعًا [ (24) ] لَهَا زِمَامَهَا لَا يُحَرِّكُهَا فَوَقَفَتْ فَنَظَرَتْ ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى مَبْرِكَهَا الْأَوَّلِ فَأَقْبَلَتْ حَتَّى بَرَكَتْ فِيهِ، فَحَصَتْ بِثَفِنَاتِهَا وَاطْمَأَنَّتْ، حَتَّى عَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ أُمِرَتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا وَاحْتَمَلَ أَبُو أيوب رحله
فَأَدْخَلَهُ مَسْكَنَهُ، وَسَأَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَنِ الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ مُعَاذُ بن عَفْرَاءَ: يَا رَسُولَ اللهِ سَأُرْضِيهِمَا مِنْهُ، فَاتَّخَذَهُ مَسْجِدًا وَيَقُولُ قَائِلُونَ: اشْتَرَاهُ. كُلُّ ذَلِكَ قَدْ سَمِعْنَاهُ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي مَسْكَنِ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى ابْتَنَى الْمَسْجِدَ وَبَنَى لَهُ مَسَاكِنَهُ فِيهِ» . ثُمَّ انْتَقَلَ. لَفْظُ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَاضِي الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ [بْنُ] [ (25) ] الصائغ والحسن ابن سَلَّامٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم: مصعب بن عمير، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ الْقُرْآنَ. وَفِي رِوَايَةِ عَفَّانَ: فَجَعَلَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ الْقُرْآنَ. ثُمَّ جَاءَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدٌ، وَبِلَالٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَسْعَوْنَ فِي الطُّرُقِ وَيَقُلْنَ [ (26) ] جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى تَعَلَّمْتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [ (27) ] فِي مِثْلِهَا مِنَ المفصّل.
وَفِي رِوَايَةِ عَفَّانَ: حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ وَلَمْ يَقُلْ يَسْعَوْنَ فِي الطَّرِيقِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفان، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ «اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا» [ (29) ] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْهِجْرَةِ، كَمَا [ (30) ] مَضَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ «وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ: أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي أَنْزَلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيوتِ وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، جَاءَ مُحَمَّدٌ، اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ مُحَمَّدٌ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَنَزَلَ حَيْثُ أُمِرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا خَلِيفَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَائِشَةَ، يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
الْمَدِينَةَ جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يقلن: - طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ ... وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعْ [ (32) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ» ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ «إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَمَنَّا فِي [ (33) ] بَعْضِ جِدَارِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَعَثْنَا رَجُلًا مِنْ بَعْضِ الْبَادِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَنَّ الْعَوَاتِقَ [ (34) ] لَفَوْقَ الْبُيوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شَبِيهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ شَبِيهًا بِهِمَا» [ (35) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ «شَهِدْتُ يَوْمَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم
فَلَمْ أَرَ يَوْمًا أَحْسَنَ وَلَا أَضْوَأَ مِنْهُ» [ (36) ] . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْوَرْدِ [ (37) ] قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى ابن سَعِيدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ جَاءَتِ الْأَنْصَارُ بِرِجَالِهَا وَنِسَائِهَا، فَقَالُوا: إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَبَرَكَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَخَرَجَتْ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وهن يقلن: نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارْ* يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتُحِبُّونِي؟ فَقَالُوا: إِي وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: أنا وَاللهِ أُحِبُّكُمْ، وَأَنَا وَاللهِ أحبكم، أنا وَاللهِ أُحِبُّكُمْ» [ (38) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحَّاسُ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِحَيِّ بَنِي النَّجَّارِ وَإِذَا جَوَارٍ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يقلن: نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارْ* يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ قلبي يحبّكنّ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عطاف ابن خَالِدٍ حَدَّثَنَا صِدِّيقُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَاسْتَنَاخَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بَيْنَ دَارِ جعفر بن محمد بن عَلِيٍّ وَدَارِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَتَاهُ النَّاسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ الْمَنْزِلَ، فَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ حَتَّى جَاءَتْ بِهِ مَوْضِعَ الْمِنْبَرِ فَاسْتَنَاخَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَتِ النَّاسُ، وَثَمَّ عَرِيشٌ كَانُوا يَرُشُّونَهُ وَيُعَمِّرُونَهُ وَيَتَبَرَّدُونَ فِيهِ، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَآوَى إِلَى الظِّلِّ، فَنَزَلَ فِيهِ فَأَتَاهُ أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ إِنَّ مَنْزِلِي أَقْرَبُ الْمَنَازِلِ إِلَيْكَ، فَانْقُلْ رَحَالَكَ إِلَيَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَهَبَ بِرَحْلِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَحُلُّ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مَعَ رَحْلِهِ حَيْثُ كَانَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْعَرْشِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى بُنِيَ الْمَسْجِدُ» [ (39) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو الْحِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَفْلَحٍ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي السُّفْلِ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَتَهُ [ (40) ] فَقَالَ نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: السُّفْلُ أَرْفَقُ، فَقَالَ لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْعُلُوِّ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ
ثُومٌ فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَحَرَامٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَا، وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ. قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يُؤْتَى يَعْنِي يَأْتِيهِ الْمَلَكُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ [ (41) ] وَغَيْرِهِ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، أَوْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ أَبِي السَّمَاعِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَزَلَ فِي بَيْتِ الْأَسْفَلِ، وَكُنْتُ فِي الْغُرْفَةِ، فَأُهرِقَ، مَاءٌ فِي الْغُرْفَةِ، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ نَتْبَعُ الْمَاءَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا شَفَقًا أَنْ يَصِلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَنَزَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَنَا مُشْفِقٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ انْتَقِلْ إِلَى الْغُرْفَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَنُقِلَ مَتَاعُهُ أَظُنُّهُ بِلَيْلٍ قَلِيلٍ [ (42) ] فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ تُرْسِلُ إِلَيْنَا بِالطَّعَامِ فَأَنْظُرُ فَإِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِكَ وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَرَ أَثَرَ أَصَابِعِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَجَلْ إِنَّ فِيهِ بَصَلًا فَكَرِهْتُ أَنْ آكُلَهُ مِنْ أَجْلِ الْمَلَكِ الَّذِي يَأْتِينِي فَأَمَّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ» . رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (43) ] ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ ابن عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ وَهُوَ أَبُو الْخَيْرِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ.
باب ذكر التاريخ لمقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وكم مكث بعد البعث بمكة
بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِمَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَكَمْ مَكَثَ بَعْدَ الْبَعْثِ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ بِالرَّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عابد الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ ابن عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشَرَ سِنِينَ» [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ مُهَاجَرِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عشر سنين» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قال:
«أَقَامَ رَسُولُ اللهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ [الْأَوَّلِ] [ (2) ] لَيْلَةَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوْمِي، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِقُبَاءَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ فَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّى فِيهِ تِلْكَ الْأَيَّامَ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَرَجَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ [ (3) ] وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ خَرَجَ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَأَدْرَكْتُهُ الصَّلَاةُ فِي بَنِي سَالِمٍ، فَصَلَّاهَا بِمَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ» [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّابَرَانِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو ابن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ [ (5) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ [ (6) ] وَغَيْرِهِ كُلُّهُمْ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. وَالرِّوَايَةُ فِي مُدَّةِ مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مُخْتَلِفَةٌ وَسَيَرِدُ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَصَحُّهَا وَاللهُ أَعْلَمُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو عثمان ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّمَّاكِ قَالَ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ عَجُوزٍ لَهُمْ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ يَرْوِي هَذِهِ الأبيات: ثَوَى [ (7) ] فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ [ (8) ] عَشْرَةَ حِجَّةً [ (9) ] ... يُذَكِّرُ لَوْ أَلْفَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا [ (10) ] وَيعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى [ (11) ] ... وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطَيْبَةَ رَاضِيَا
وَأَصْبَحَ مَا يَخْشَى ظُلَامَةَ ظَالِمٍ ... بِعَبْدٍ وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا [ (12) ] وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الصَّقْرِ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ بِهَمْدَانَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ عَشْرُ سِنِينَ قُلْتُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَبِثَ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً. قَالَ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ. قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَجُوزًا مِنَ الْأَنْصَارِ تَقُولُ رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: - ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً فَذَكَرَ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَاسْتَقَرَّتْ بِهِ النَّوَى وَقَالَ وَمَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا وَزَادَ: - بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ [ (13) ] مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالْتَآسِيَا [ (14) ] نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبُ الْمُوَاتِيَا [ (15) ] وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ كِتَابَ الله أصبح هاديا
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَمِنَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَذَكَرَ الْأَبْيَاتِ الْخَمْسَةَ مِنْ أَوَّلِهِنَّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْتِ الرابع: وَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ وَاحِدًا [ (16) ] ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا [ (17) ] ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْتَ الْخَامِسَ، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ إِذَا صَلَّيْتُ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ: ... حَنَانَيْكَ [ (18) ] لَا تُظْهِرْ عَلَيْنَا الْأَعَادِيَا أَقُولُ إِذَا جَاوَزْتُ أرضا مخوفة ... تباركت اسْمُ اللهِ أَنْتَ الْمُوَالِيَا فَطَأْ مُعْرِضًا إِنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنَّكَ لَا تُبْقِي لنفسك باقيا
باب قول الله عز وجل وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا 17: 80 [1]
بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَأَمَرَ بِالْهِجْرَةِ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ أخبرنا علي بن جمشاد الْعَدْلُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ. (ح) ، وأَخْبَرَنَا: أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عيسى بن محمد،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ [ (3) ] أَبِي ظَبْيَانَ [ (4) ] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ نَبِيًّا» . وَفِي حَدِيثِ الْعَلَوِيِّ يُنَبَّأُ، فَنَزَلَتْ «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخرج صدق» [ (5) ] . قَالَ: فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ المروزي [ (6) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ فَأَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ صِدْقٍ، وَأَدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، قَالَ: وَنَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَلِإِقَامَةِ كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ عِزَّةٌ مِنَ اللهِ جَعَلَهَا بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ» [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عدي بن
الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ «إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» [ (8) ] . هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ [ (9) ] عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ فِي أَمَالِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» [ (10) ] . وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ مَعْمَرٍ [وَاللهُ أَعْلَمُ] [ (11) ] . وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ أَيْضًا وَهْمٌ. وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الجماعة [ (12) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: اللهُمَّ إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيْكَ، فَأَسْكَنَهُ اللهُ الْمَدِينَةَ» [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ [ (14) ] تَأْكُلُ الْقُرَى [ (15) ] ، يَقُولُونَ: يَثْرِبَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ [ (16) ] كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ [ (18) ] إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (19) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، يَأْرِزُ [بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ] [ (21) ] كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ رَافِعٍ [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [ (23) ] قَالَ: إِلَى مَكَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ. [ (24) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ «لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قَالَ لَرَادُّكَ إِلَى مَوْلِدِكَ بمكة» [ (25) ] .
باب ما روى في خروج صهيب بن سنان رضي الله عنه على أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا رُوِيَ فِي خُرُوجِ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى أَثَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مِيكَالٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي وَعُمُومَتِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَجَرًا [ (1) ] أَوْ تَكُونَ يَثْرِبَ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (2) ] وَكُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ فَصَدَّنِي فِتْيَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ لَا أَقْعُدُ، فَقَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ، وَلَمْ أَكُنْ شَاكِيًا فَنَامُوا فَخَرَجْتُ فَلَحِقَنِي مِنْهُمْ نَاسٌ بَعْدَ مَا سِرْتُ بَرِيدًا لِيَرُدُّونِي، فَقُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقِيَ [ (3) ] مِنْ ذَهَبٍ وتخلّون سبيلي وتفون لِي، فَفَعَلُوا فَسُقْتُهُمْ [ (4) ] إِلَى مَكَّةَ فَقُلْتُ احْفِرُوا تَحْتَ اسكفّة الباب
فَإِنَّ تَحْتَهَا الْأَوَاقِيَ وَاذْهَبُوا إِلَى فُلَانَةَ فَخُذُوا الْحُلَّتَيْنِ وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا أَبَا يَحْيَى! رَبِحَ الْبَيْعُ، ثَلَاثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ، وَمَا أَخْبَرَكَ إِلَّا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام» [ (5) ] .
باب أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم المدينة
بَابُ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عثمان بن الأخنس ابن شَرِيقٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «كَانَتْ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، تَعْلَمَنَّ وَاللهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ رَبُّهُ لَيْسَ لَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ، فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ [ (1) ] فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشَرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَالسَّلَامُ [عَلَيْكُمْ و] [ (2) ] علي رسول الله [صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (3) ] وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وأستعينه،
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ أَحِبُّوا مَنْ أَحَبَّ اللهُ، أَحِبُّوا اللهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ [تَعَالَى] [ (4) ] وَذِكْرَهُ وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّهُ مِنْ كُلٍّ يَخْتَارُ اللهُ وَيَصْطَفِي فَقَدْ سَمَّاهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أَتَى النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فاعَبْدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَأَصْدِقُوا اللهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بِرُوحِ اللهِ بَيْنَكُمْ. إِنَّ اللهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته» [ (5) ] .
باب ما جاء في دخول عبد الله بن سلام رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم المدينة ووجوده إياه الرسول النبي الأمي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل واعترافه بذلك وإسلامه وكذلك كل من أنصفه من اليهود الذين دخلوا عليه و
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَوُجُودِهِ إِيَّاهُ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَاعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ وَإِسْلَامِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَنْصَفَهُ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَوَقَفُوا عَلَى صِفَتِهِ دُونَ مَنْ حُرِمَ التَّوْفِيقَ مِنْهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ ابن مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَقْبَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَرَسُولُ الله [ (1) ] صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ- يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا السِّنَّ- قَالَ أَنَسٌ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (2) ] فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَهْدِيهِ الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ. قَالَ: فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اصْرَعْهُ، فصرعه فرسه [ (3) ]
ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، امرني بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَآخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً [ (4) ] لَهُ. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَانِبَ الْحَرَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا [رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (5) ] فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، فَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، قَالَ: فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ، قَالَ: فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ جَاءَ رَسُولُ اللهِ، فَاسْتَشْرَفُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، وَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ [دَارِ] [ (6) ] أَبِي أَيُّوبَ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ مِنْهُ فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ [ (7) ] فِيهَا فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: أَيُّ بُيُوتِ. أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ: هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بابي، فقال: اذهب فهيء لَنَا مَقِيلًا، فَذَهَبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ فَقِيلَا. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ، فأرسل
نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ويلكم اتقوا الله، فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، أَسْلِمُوا. قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ، قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَا لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ [ (8) ] ، قَالَ: يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، [وَيْلَكُمُ] [ (9) ] اتَّقُوا الله فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (10) ] . قُلْتُ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَخْتَوَيْهِ بْنِ إِدْرِيسَ الْجُرْجَانِيُّ، وَكَانَ صَدُوقًا أَمِينًا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَرْضٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طعام [يأكله] [ (11) ] أهل
الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِلَى أُمِّهِ [ (12) ] ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا، قَالَ: جِبْرِيلُ! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [ (13) ] ، أَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ [ (14) ] مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا [ (15) ] سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ [إِلَى أَبِيهِ] [ (16) ] وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتِ [الْوَلَدَ] [ (17) ] . قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمُ بُهْتٍ [ (18) ] ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسَلْهُمْ عَنِّي بَهَتُونِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ [بْنُ سَلَامٍ] [ (19) ] فِيكُمْ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (20) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: أخبرنا أحمد ابن عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: «كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَ: [لَمَّا] [ (21) ] سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ وَعَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَهَيْئَتَهُ وَالَّذِي كُنَّا نَتَوَكَّفُ [ (22) ] لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي، أَعْمَلُ فِيهَا وَعَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةً، فَلَمَّا سَمِعَتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِيَ: لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا زِدْتَ! قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَيْ عَمَّةُ! هُوَ وَاللهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي! أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ بِهِ: أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ بَعْثِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهَا: نَعَمْ. قَالَتْ فَذَاكَ إِذًا. قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلى أهل بيتي
فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا وَكَتَمْتُ إِسْلَامِي مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ تُغَيِّبُنِي عَنْهُمْ، ثُمَّ تَسَلْهُمْ عَنِّي فَيُخْبِرُوكَ [ (23) ] كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي. فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ بَهَتُونِي وَعَابُونِي قَالَ: فَأَدْخَلَنِي بَعْضَ بُيُوتِهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ، قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَخَيْرُنَا وَعَالِمُنَا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! اتَّقُوا اللهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ به، فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأُومِنُ بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ، وَأَعْرِفُهُ، قَالُوا: كَذَبْتَ، ثُمَّ وَقَعُوا فِيَّ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ، قَالَ: فَأَظْهَرْتُ إِسْلَامِي، وَإِسْلَامَ أَهْلَ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي ابْنَةُ الْحَارِثِ [ (24) ] فَحَسُنَ إِسْلَامُهَا» [ (25) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ عوذ اللهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ الله ابن سَلَامٍ، قَالَ: «لَمَّا أَنْ [ (26) ] قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَانْجَفَلَ النَّاسُ قَبْلَهُ، فَقَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّهُ وَجْهُهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَنْ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَصِلُوا الأرحام، وصلّوا والناس
نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [ (27) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَكُنْتُ فِيمَنْ أَتَاهُ فَجِئْتُ أَسْتَثْبِتُ وَجْهَهُ. ثُمَّ ذَكَرَهُ وَقَالَ: وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَبِالْمَدِينَةِ مَقْدِمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَوْثَانٌ يَعْبُدُهَا رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَتْرُكُوهَا فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ قَوْمُهُمْ، وَعَلَى تِلْكَ الْأَوْثَانِ، فَهَدَمُوهَا، وَعَمَدَ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ أَخُو حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَهُوَ أَبُو صَفِيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ مِنْهُ وَحَادَثَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصْرَفَ الْقِبْلَةُ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَاءَكُمْ بالذي كنتم تنتظرون،
فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تُخَالِفُوهُ، فَانْطَلَقَ أَخُوهُ حُيَيٌّ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ وَهُوَ سَيِّدُ الْيَهُودَ يَوْمَئِذٍ وَهُمَا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا، فَقَالَ: أَتَيْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ وَاللهِ لَا أَزَالُ لَهُ عَدُوًّا أَبَدًا. فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ أَبُو يَاسِرٍ يَا ابْنَ أُمِّ أَطِعْنِي فِي هَذَا الْأَمْرِ ثُمَّ اعْصِنِي فِيمَا شِئْتَ بَعْدَهُ لَا تَهْلِكْ قَالَ لَا وَاللهِ لَا أُطِيعُكَ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَاتَّبَعَهُ قَوْمُهُ عَلَى رَأْيِهِ» [ (28) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا أَهَشُّ إِلَيْهِمَا إِلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبَاءَ نَزَلَ قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ، مغلّسين، فو الله مَا جَاءَانَا إِلَّا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى [ (29) ] فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أصنع، فو الله مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَسَمِعْتُ عَمِّيَ أَبَا يَاسِرٍ، يَقُولُ لِأَبِي: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ. قَالَ: تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ، قَالَ: فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ، قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاللهِ مَا بقيت» [ (30) ] . خبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مولى زيد
ابن ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَنَتَجُوا فِيهِ، قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ، أَهْلُ الْكُفْرِ مِنْهُمْ: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ وَلَا اتَّبَعَهُ إلا أشرارنا، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ، وَذَهَبُوا إِلَى غَيْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (31) ] . وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ إِذَا كَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَوَى لِسَانَهُ، وَقَالَ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ يَا مُحَمَّدُ، حَتَّى نَفْهَمَكَ، ثُمَّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ- إِلَى قَوْلِهِ- فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [ (32) ] . وَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ صَوْرَى الْأَعْوَرَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتَّقُوا الله وأسلموا فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِيَ جِئْتُكُمْ بِهِ الْحَقَّ» قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها [ (33) ] . الآية [ (34) ] .
قَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيُّ بْنُ يَزِيدَ: يَا مُحَمَّدُ مَا نَعْلَمُ اللهَ أَنْزَلَ عَلَى بِشْرٍ مِنْ شَيْءٍ مِنْ بَعْدِ مُوسَى فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (35) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ودَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا وَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ [ (36) ] . قَالُوا: مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ [ (37) ] فَأَنْزَلَ اللهُ لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ [ (38) ] . وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَا، وَبَحَرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ فَكَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ قَالُوا مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ نَحْنُ وَاللهِ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [ (39) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتَّقُوا اللَّه فو اللَّه إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّه وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ يهودا: مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ وَلَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا مِنْ بَعْدِهِ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِمَا يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (40) ] . ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِمْ مِنْ خَبَرِ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ وَانْتِقَاضِهِمْ عَلَيْهِ مِنْ أمر اللَّه
حتى تيّهوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ، وَابْنُ صَلُوبَا، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ صَوْرَى [ (41) ] وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنَّمَا هُوَ بَشَرٌ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَإِنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَكَ يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفَونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةً فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ إلى قوله- يُوقِنُونَ [ (42) ] . أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الصَّفَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ وَقَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] [ (43) ] وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [ (44) ] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَمُرُّ بِالْيَهُودِ فَيُؤْذُونَهُمْ وَكَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] [ (45) ] فِي التَّوْرَاةِ فَيَسْأَلُونَ اللَّه [تَعَالَى] [ (46) ] أَنْ يَبْعَثَهُ نَبِيًّا فَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ الْعَرَبَ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ كَفَرُوا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسرائيل» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ فَحَدَّثَنِي السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ فِي كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَسَدَهُ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَغَيَّرُوا صِفَتَهُ فِي كِتَابِهِمْ وَقَالُوا: لَا نَجِدُ نَعْتَهُ عِنْدَنَا، وَقَالُوا لِلسِّفْلَةِ: لَيْسَ هَذَا نَعْتَ النَّبِيِّ، الَّذِي يَخْرُجُ كَذَا وَكَذَا، كَمَا كَتَبُوهُ وَغَيَّرُوا، وَنَعْتُ هَذَا كَذَا كَمَا وُصِفَ فَلَبَّسُوا بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. قَالَ وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْبَارَ كَانَتْ لَهُمْ مَأْكَلَةٌ تُطْعِمُهُمْ إِيَّاهَا السِّفْلَةُ لِقِيَامِهِمْ عَلَى التَّوْرَاةِ فَخَافُوا أَنْ يُؤْمِنَ السِّفْلَةُ فَتَنْقَطِعَ تِلْكَ الْمَأْكَلَةُ» .
باب ما جاء في بناء مسجد [1] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وما روى عن طلق بن علي اليمامي في ذلك ثم في رجوعه مع قومه بماء مضمضة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ [ (1) ] رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَمَامِيِّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ فِي رُجُوعِهِ مَعَ قَوْمِهِ بِمَاءِ مَضْمَضَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا محمد ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «وَكَانَ الْمَسْجِدُ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو، وَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُصَلُّونَ فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَعْطَيَاهُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: عَرَضَ عَلَيْهِمَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ نَخْلًا لَهُ فِي بَنِي بَيَاضَةَ ثَوَابًا مِنْ مِرْبَدِهِمَا، فَقَالَا: بَلْ نُعْطِيهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: بَلِ اشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْهُمَا، فَابْتَنَاهُ مَسْجِدًا، فَطَفِقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَنْقُلُونَ اللَّبِنَ، وَيَقُولُ: وَهُوَ يَنْقُلُ اللبن مع أصحابه: هَذَا الْحَمَالُ لَا حَمَالَ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وأطهر
وَيَقُولُ: اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَةْ ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتَمَثَّلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِشَعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ قَطُّ غَيْرَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا، واللَّه لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّه، قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، كَانَ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نخل فأمر رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وبالخرب فسوّيت، بالنخل فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةً لَهُ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرَ الْآخِرَةْ ... فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ، ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ «كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فِيهِ حَرْثٌ وَنَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ثَامِنُونِي بِهِ، فَقَالُوا: لَا نَبْغِي، فَقَطَعَ النَّخْلَ، وَسَوَّى الْحَرْثَ، وَنَبَشَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ: فَاغْفِرْ مَكَانَ فَانْصُرْ. قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بِنَحْوِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْوَارِثِ يَقُولُ: خِرَبٌ وَزَعَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ أَنَّهُ أَفَادَ حَمَّادًا هَذَا الْحَدِيثَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ [الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ] [ (4) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
ابن دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْفِضَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى [بْنِ عِمْرَانَ] [ (6) ] . (ح) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا «أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ أَعْلَاهُ مُظَلَّلٌ [ (7) ] بِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وبِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانُ، فَبَنَاهَا بِالْآجُرِّ، فَلَمْ تَزَلْ ثَابِتَةً حَتَّى الْآنَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّه: حَتَّى السَّاعَةِ. وَقَالَ: خَرِبَتْ بَدَلُ نَخِرَتْ» . وَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «لَمَّا بَنَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَهُوَ مَعَهُمْ: يَتَنَاوَلُ اللَّبِنَ حَتَّى اغْبَرَّ صَدْرُهُ، فَقَالَ: ابْنُوهُ عَرِيشًا كَعَرِيشِ مُوسَى، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: مَا عَرِيشُ مُوسَى؟ قَالَ: إِذَا رَفَعَ يَدَهُ بَلَغَ الْعَرِيشَ يَعْنِي السَّقْفَ» [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ [ (9) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُبَادَةَ «أَنَّ الْأَنْصَارَ جَمَعُوا مَالًا فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ [ابْنِ لَنَا هَذَا] [ (10) ] الْمَسْجِدَ وَزَيِّنْهُ إِلَى مَتَى نُصَلِّي تَحْتَ هَذَا الْجَرِيدِ؟ فَقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ أَخِي مُوسَى عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى» [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ، عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ ابن عَلِيٍّ، قَالَ: «بَنَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَقُولُ: قَرِّبُوا الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ بِنَاءً» . وَحَدَّثَنِي بَنُوهُ بَعْدُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَشَدِّكُمْ سَاعِدًا» . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عن أبيه طلق ابن عَلِيٍّ قَالَ «خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيَعَةً لَنَا وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَبَّهُ لَنَا فِي إِدَاوَةٍ، وَقَالَ: اذْهَبُوا
بِهَذَا الْمَاءِ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ، وَانْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ وَالْمَاءٌ يَنْشِفُ، قَالَ: فَمِدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا قَالَ فَتَشَاحَحْنَا عَلَى حَمْلِ الْإِدَاوَةِ أَيُّنَا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلْنَاهَا نُوَبًا [بَيْنَنَا] [ (12) ] لِكُلِّ رَجُلٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَعَلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا، وَرَاهِبُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ طَيٍّ، فَنَادَيْنَا الصَّلَاةَ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: دَعْوَةُ حَقٍّ ثُمَّ هَرَبَ فَلَمْ ير بعد» .
باب المسجد الذي أسس على التقوى وفضل الصلاة فيه
بَابُ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ [ (13) ] إِلَى أَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، قَالَ: فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهَا الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا. يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (14) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الله بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ [ (15) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَحْبَلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أن
رَجُلَيْنِ تَلَاحَيَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَذَهَبَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى هُوَ مَسْجِدِي هَذَا [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ أَبِي أَنَسٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ سَلْمَانَ الْأَغَرَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّمَا يُسَافِرُ الْمُسَافِرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي أحب إليّ من الصلاة [أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ] [ (17) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (18) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَيَّارِ، بْنِ الْمَعْرُورِ، قَالَ: «خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ بَنَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَصَلُّوا فِيهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْكُمْ مَكَانًا فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ» .
باب ما أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عند بناء مسجده ثم ظهر صدقه بعد وفاته وفيه وفي أمثاله دلالة ظاهرة على صحة نبوته
بَابُ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عِنْدَ بِنَاءِ مَسْجِدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ صِدْقُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ: «انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ عِكْرِمَةُ فَانْطَلَقْنَا [ (1) ] فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ يُصْلِحُهُ فَلَمَّا رَآنَا أَخَذَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ احْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدَّثَنَا حَتَّى أَتَى عَلَى ذِكْرِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَنْفُضُ عَنْهُ التُّرَابَ وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ: يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ» . ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِلَّا إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الباغية» [ (2) ] .
وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ الْوَاسِطِيَّ قَالَ وحَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ [قَالَ أَخْبَرَنَا] [ (3) ] إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِي وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ «انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ فَلَمَّا رَآنَا جَاءَنَا فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ثُمَّ قَعَدَ فَأَنْشَأَ يحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى عَلَى ذِكْرِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَالَ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِ عَمَّارٍ وَيَقُولُ: يَا عَمَّارُ أَلَا تَحْمِلُ كَمَا يَحْمِلُ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْأَجْرَ مِنَ اللهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ: يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنَ الْفِتَنِ» [ (4) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ [ (5) ] عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَلَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَمِينَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: انْطَلِقْ مَعَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ، فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَأَتَيْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ فَمَرَّ بِهِ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (6) ] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن
مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهَا لِمُخَالَفَةِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِكْرِمَةَ فِي ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنًّى. (ح) قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ حِينَ جَعَلَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ جَعَلَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ يَقُولُ: بَؤُسَ ابْنُ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ فِئَةٌ بَاغِيَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (7) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، ومحمد بن بشار. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد ابْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إبراهيم وإسحاق بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بُؤْسًا لَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي [ (8) ] الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وإسحاق بن منصور، وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ أُرَاهُ يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ داود بن أبي هند عَنْ أَبِي نَضْرَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبي سعيد
الْخُدْرِيِّ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَمَّا حَفَرَ الْخَنْدَقَ وَكَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ نَاقِهٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقُولُ: وَيْحَكَ ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [ (9) ] . وَقَدْ بُيِّنَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا سُمِعَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنُقِلَ فِيهَا حَمْلُ اللَّبِنَةِ وَاللَّبِنَتَيْنِ كَمَا نَقَلَهَا عِكْرِمَةُ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ الْخَنْدَقَ وَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ أَوْ كَانَ قَدْ قَالَهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ خَلَفٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [ (10) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ بِنَحْوِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ عَنْ أمهما [ (11) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ: وَيْحٌ لَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (12) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. دُونَ ذِكْرِ الْخَنْدَقِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أخبرنا معمر عمن سَمِعَ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، جَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَحْمِلُ كُلُّ رَجُلٍ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ: عَنْهُ لَبِنَةً، وَعَنِ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ظَهْرَهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ سُمَيَّةَ! لِلنَّاسِ أَجْرٌ وَلَكَ أَجْرَانِ، وَآخِرُ زَادِكَ شَرْبَةٌ مِنْ لَبَنٍ، وَتَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [ (13) ] . وَأَخْبَرَنَا أبو صالح العتر بْنُ الطَّيِّبِ بْنِ مُحَمَّدٍ العتري، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أنس ابن مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ» قَالَ أَبُو التَّيَّاحِ وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ «أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ رَجُلًا ضَابِطًا وَكَانَ يَنْقُلُ حَجَرَيْنِ حَجَرَيْنِ فَتَلَقَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [وَدَفَعَ] [ (14) ] فِي صَدْرِهِ
فقام، فجعل بنفث التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، ويَقُولُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [ (15) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ وَصَدْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوسٍ [ (16) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ «لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ دخل عمرو ابن حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَكَانَ مَعَهُ أَمْ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . قَالَ: فَقَامَ عَمْرٌو فَزِعًا يَرْتَجِعُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَمَاذَا؟ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ دَحَضْتَ فِي بَوْلِكَ [ (17) ] أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ جَاءُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا، أَوْ قَالَ: سُيُوفِنَا» [ (18) ] وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ أخبرنا عطاء
ابن مُسْلِمٍ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ «شَهِدْنَا صِفِّينَ فَكُنَّا إِذَا تَوَادَعْنَا دَخَلَ هَؤُلَاءِ فِي عَسْكَرِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ فِي عَسْكَرِ هَؤُلَاءِ فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةً يَسِيرُونَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَابْنُهُ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ لِأَبِيهِ عَمْرٍو: وَقَدْ قَتَلْنَا هَذَا الرَّجُلَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِيهِ مَا قَالَ، قَالَ أَيُّ رَجُلٍ؟ قَالَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ بَنَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ. فَكُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ وَأَنْتَ تَرْحَضُ أَمَا إِنَّكَ سَتَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَدَخَلَ عَمْرٌو عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: قَتَلْنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا قَالَ. فَقَالَ أسكت، فو الله مَا تَزَالُ تَدْحَضُ فِي بَوْلِكَ! أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ جَاءُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَنَا» . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ قُرَيْشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ وَهُوَ يُنَادِي أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ، وَزُوِّجْتُ الْحُورَ الْعِينِ، الْيَوْمَ نَلْقَى حَبِيبَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ آخِرَ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا مَنِيحٌ مِنَ اللَّبَنِ» [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ [ (20) ] قَالَ: «أُتِيَ عَمَّارٌ يَوْمَ قُتِلَ بِلَبَنٍ فَضَحِكَ فَقِيلَ له
مَا يُضْحِكُكَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ آخِرُ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حِينَ تَمُوتُ لَبَنٌ» . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ [ (21) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَشْرَجُ ابْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: «لَمَّا بَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَضَعَ حَجَرًا، ثُمَّ قَالَ: لِيَضَعْ أَبُو بَكْرٍ حَجَرَهُ إِلَى جَنْبِ حَجَرِي، ثُمَّ لِيَضَعْ عُمَرُ حَجَرَهُ إِلَى جَنْبِ حَجَرِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِيَضَعْ عُثْمَانُ حَجَرَهُ إِلَى جَنْبِ حَجَرِ عُمَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي» [ (22) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بِحَجَرٍ، فَوَضَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: هَؤُلَاءِ وُلَاةُ الْأَمْرِ من بعدي» [ (23) ] .
باب ذكر المنبر الذي اتخذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ظهر عند وضعه وجلوس النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دلائل النبوة وكان ذلك عند بناء المسجد بمدة
بَابُ ذِكْرِ الْمِنْبَرِ الَّذِي اتُّخِذَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ وَضْعِهِ وَجُلُوسِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ بِنَاءِ المسجد بمدة أخبرنا أب وعَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ ابْنُ ابْنَةِ يحيى ابن مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَهَذَا حَدِيثُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ «أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّ هُوَ؟ وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ. أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى فُلَانَةَ- امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ- أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ ههنا ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَكَبَّرَ، وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» .
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَعْقُوبَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ والْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (1) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (2) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي فِي آخَرِينَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ منبر النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ لَهُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانَةَ، ولَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ صَعِدَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ ثُمَّ صَعِدَ، فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ
عن أبي صالح، عن جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَقَالُوا لَهُ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ مِثْلَ الْكُرْسِيِّ تَقُومُ إِلَيْهِ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ الْخَلُوجُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شهاب، عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَيَخْطُبُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَحَنَّ ذَلِكَ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعْنَا حَنِينَهُ، قَالَ: فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ» قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كثير وحدّثنا يحيى ابن سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «فَحَنَّ حَنِينَ الْعِشَارِ» [ (4) ] . حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ النَّسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْوَزَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تحول إليه،
فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ» . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رَجَاءٍ «فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى [ (5) ] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قال الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَالْتَزَمَهُ [فَسَكَنَ] [ (6) ] » . وَأخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى ابْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بدل بن المحيّر [ (7) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا جُعِلَ الْمِنْبَرُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ» . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إسحق قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ وَقَالَ لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [ (8) ] أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ [ (9) ] الْفَقِيهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ: أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ الْقَاسِمِ الْيَمَامِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُومُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَجَاءَهُ رُومِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَأَنَّكَ قَائِمٌ فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا دَرَجَتَيْنِ وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ، فَلَمَّا قَعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ، خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِخُوَارِهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَالْتَزَمَهُ فَسَكَنَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ كَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم فدفن» [ (10) ] [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُفْيَانَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ ابْنُوا لِي مِنْبَرًا فَسُوِّيَ لَهُ مِنْبَرٌ- إِنَّمَا كَانَ عَتَبَتَيْنِ- فَتَحَوَّلَ مِنَ الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: فَحَنَّتْ إِلَيْهِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ الْوَالِهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ أَسْمَعُ ذَلِكَ، قال: فو الله مَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَمَشَى إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا فَسَكَنَتْ، فَبَكَى الْحَسَنُ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ، أَفَلَيْسَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَهُ أَحَقَّ أَنْ يَشْتَاقُوا إِلَيْهِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا تميم ابن الْمُنْتَصِرِ. (ح) وَحَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ الْجُمُعَةَ إِذَا خَطَبَ إِلَى خَشَبَةٍ ذَاتَ فَرْضَتَيْنِ- قَالَ أُرَاهَا مِنْ دَوْمٍ كَانَتْ فِي مُصَلَّاهُ- وَكَانَ يَتَّكِئُ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَلَوِ اتَّخَذْتَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ إِذَا خَطَبْتَ يَرَاكَ النَّاسُ فَقَالَ مَا شِئْتُمْ. قَالَ سَهْلٌ: وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا نَجَّارٌ وَاحِدٌ قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا وَذَلِكَ النَّجَّارُ إِلَى الْغَابَةِ فَقَطَعْنَا هَذَا الْمِنْبَرَ مِنْ أَثَلَةٍ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَحَنَّتُ الْخَشَبَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: أَلَا
تَعْجَبُونَ مِنْ حَنِينِ هَذِهِ الْخَشَبَةِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَرَقُّوا مِنْ حَنِينِهَا حَتَّى كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِهَا فَدُفِنَتْ تَحْتَ مِنْبَرِهِ أَوْ جُعِلَتْ فِي السَّقْفِ» [ (11) ] . أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ نَجْدَةَ بْنِ عُرْفَانَ [ (12) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ «أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا، قَالَ: إِنْ شِئْتِ، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ لَهُ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَالَ بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (13) ] عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَفْصِ ابن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ اسْتَنَدَ إِلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ اسْتَنَدَ عَلَيْهِ، فَحَنَّتِ الخشبة
كَمَا تَحِنُّ الْعِشَارُ فَنَزَلَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ» [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (15) ] عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ [ (16) ] ، وَقَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ [ (17) ] . وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ» [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ
بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا صَنَعَ الْمِنْبَرَ فَقَدَتْهُ الْخَشَبَةُ، فَحَنَّتْ حَنِينَ النَّاقَةِ الْخَلُوجِ [ (20) ] إِلَى وَلَدِهَا فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَلَفٍ الصُّوفِيُّ الِاسْفِرَائِينِيُّ [بِهَا] [ (21) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا جُعِلَ لَهُ الْمِنْبَرُ خَطَبَ عَلَيْهِ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ الْخَلُوجِ فَاحْتَضَنَهَا، فَسَكَنَتْ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ «كَانَتْ خَشَبَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَيْهَا فَقُلْنَا لَهُ لَوْ جَعَلْنَا لَكَ مِثْلَ الْعَرِيشِ فَقُمْتَ عَلَيْهِ فَفَعَلَ فَحَنَّتِ الْخَشَبَةُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَاحْتَضَنَهَا وَوَضَعَ يَدَهُ عليها فسكنت» [ (22) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُسَاوِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَشَبَةٌ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا إِذَا خَطَبَ فَصُنِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ أَوْ مِنْبَرٌ فَلَمَّا فَقَدَتْهُ خَارَتْ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَاحْتَضَنَهَا فَسَكَنَتْ» . هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَمْرِ الْحَنَّانَةِ [ (23) ] كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَأَمْرُ الْحَنَّانَةِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعْلَامِ النَّيِّرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَرِوَايَةُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ كَالتَّكْلِيفِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَبِهِ الْعِيَاذُ وَالْعِصْمَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن عُمَرَ. (ح) قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ بَالَوَيْهِ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى ابْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خُبَيْبٌ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ [ (24) ] . حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْعَلَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَوَايِمُ مِنْبَرِي رَوَاتِبُ في الجنة» [ (25) ] .
باب ما لقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وباء المدينة حين قدموها وعصمة الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم عنها ثم ما ورد في دعائه بتصحيحها لهم ونقل وبائها عنهم إلى الجحفة، واستجابة دعاءه، ثم تحريمه المدينة، ودعائه لأهلها بالبركة
بَابُ مَا لَقِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمُوهَا وَعِصْمَةِ اللهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْهَا ثُمَّ مَا وَرَدَ فِي دُعَائِهِ بِتَصْحِيحِهَا لَهُمْ وَنَقْلِ وَبَائِهَا عَنْهُمْ إلى الجحفة، واستجابة دعاءه، ثُمَّ تَحْرِيمِهِ الْمَدِينَةَ، وَدُعَائِهِ لِأَهْلِهَا بِالْبَرَكَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يقول: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ صوته ويقول: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ اللهُمَّ الْعَنْ عُتْبَةَ بْنَ ربيعة وشيبة بن ربيعة وَأُمَيَّةَ بْنَ [ (1) ] خَلَفٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر
الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ [ (2) ] ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَزَادَ: كَمَا أَخْرَجُونَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ «اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ، قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا تَعْنِي وَادِيًا بِالْمَدِينَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ: عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ زَكَرِيَّا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ اشْتَكَى أَصْحَابُهُ، وَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَبِلَالٌ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَائِشَةُ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (4) ] رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي عِيَادَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فقال: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَسَأَلَتْ عَامِرَ بْنُ فُهَيْرَةَ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ [ (5) ] ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ من فوقه
وسألت بلالا، فقال: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ [ (6) ] وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِهِمْ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ وَأَشَدَّ. اللهُمَّ بَارِكْ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا [ (7) ] وَانْقُلْ وَبَاهَا إِلَى مَهْيَعَةَ» وَهِيَ الْجُحْفَةُ كَمَا زَعَمُوا [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ وَوَادِيهَا بُطْحَانُ نَجْلٌ [ (9) ] يَجْرِي عَلَيْهِ الْأَثْلُ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ وَبَاؤُهَا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ إِذَا كَانَ الْوَادِي وَبِيئًا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ قِيلَ لَهُ انْهَقْ كَنَهِيقِ الْحِمَارِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَبَاءُ ذَلِكَ الْوَادِي، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ حِينَ أشرف على المدينة. لَعَمْرِي لَئِنْ عَشَّرْتُ مِنْ خِيفَةِ الرَّدَى ... نَهِيقَ الْحِمَارِ إِنَّنِي لَجَزُوعُ [ (10) ] قَالَتْ عَائِشَةُ فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا بِأَصْحَابِهِ دَعَا اللهَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِيهِ: وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا ومدّها» .
وأخبرنا أبو الحسن الْمَقْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِئَةٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ الْمَوْلُودُ يُولَدُ بِالْجُحْفَةِ فَلَا يَبْلُغُ الْحُلُمَ حَتَّى تَصْرَعَهُ الْحُمَّى» [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ الإسفرائني بِهَا، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى [بْنُ عُقْبَةَ] [ (12) ] حدثني سالم ابن عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ مَهْيَعَةَ فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ، نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ، وَهِيَ الْجُحْفَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ [ (13) ] بْنِ أَبِي بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (14) ] ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ مِنَ الْحُمَّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ، حَتَّى أَجْهَدَهُمْ ذَلِكَ وَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ» [ (15) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ أَخْبَرَنَا الحسن
ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (16) ] عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ [ (17) ] فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ شَكْوَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي [ (18) ] شَيْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ [ (19) ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَهْدِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (20) ] فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّصْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، [قَالَا: أَخْبَرَنَا] [ (21) ] أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَحَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ، كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مكة، ودعوت
لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (22) ] عَنْ أَبِي كَامِلٍ. وَأَخْرَجَاهُ [ (23) ] مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى. وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُخَرَّجَةٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ [ (24) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (25) ] أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْقَرَّاظِ، قَالَ سَمِعْتُهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدًا يَقُولَانِ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: اللهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي مُدِّهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مَدِينَتِهِمْ، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ سَأَلَكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ لِلْمَدِينَةِ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ إِبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، إِنَّ الْمَدِينَةَ مُشَبَّكَةٌ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهَا لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (26) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى.
باب تحويل القبلة إلى الكعبة
بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا [ (1) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَضْرٍ [ (2) ] عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ: الْفَضْلُ بْنُ حُبَابٍ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَنُزُولِهِ حَيْثُ أَمَرَ، قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [ (3) ] . قَالَ فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ قَالَ: وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عليها فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:
قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ (4) ] . قَالَ: وصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ» . لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّ فِيَ رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ [ (5) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كلاهما عن مالك [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «قِيلَ هَذَا لِلَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَرِجَالٌ قُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (8) ] » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ [عَنْ مَالِكٍ] [ (10) ] عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ «صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَذَلِكَ قَبْلَ بدر بشهرين» [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ حُوِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ قِبَلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ» [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَظُنُّهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ (13) ] وَمَا بَعْدَهَا، مِنَ الْآيَاتِ، فَأَنْشَأَتِ الْيَهُودُ، تَقُولُ: قَدِ اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى بَلَدِهِ، وَبَيْتِ أَبِيهِ، وَمَا لَهُمْ، حَتَّى تَرَكُوا قِبْلَتَهُمْ يُصَلُّونَ مَرَّةً وَجْهًا وَمَرَّةً وَجْهًا آخَرَ. وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنَّا وَهُوَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في هؤلاء
تِلْكَ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ السُّفَهَاءِ: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ولِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» [ (14) ] » . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةُ شَكَّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَنِ الشَّامِ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ وَقُرْدُمُ [ (15) ] بْنُ عَمْرٍو وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ! مَا وَلَّاكَ عَنْ قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ ارْجِعْ إِلَى قِبْلَتَكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ، وَنُصَدِّقْكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها- إِلَى قَوْلِهِ- إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ- أَيِ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا- وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، يَقُولُ صَلَاتَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيَّكُمْ وَاتِّبَاعَكُمْ إِيَّاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ أَيْ لِيُعْطِيَكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا- إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ثُمَّ قَالَ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (16) ] .
باب مبتدأ الإذعان بالقتال وما ورد بعده في نسخ العفو عن المشركين وأهل الكتاب بفرض الجهاد
بَابُ مُبْتَدَأِ الْإِذْعَانِ بِالْقِتَالِ وَمَا وَرَدَ بَعْدَهُ فِي نَسْخِ الْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِفَرْضِ الْجِهَادِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّه بْنُ يَحْيَى [ (1) ] بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ، حَدَّثَنَا [ (2) ] أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْرٍ: شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، أَخْبَرَهُ. «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ [ (3) ] عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ [ (4) ] وأردف
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ [ (5) ] ، حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بن سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنَ الْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ [ (6) ] ، خَمَّرَ [ (7) ] ابْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِنَا [ (8) ] بِهِ فِي مَجَالِسِنَا ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّه، فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ [ (9) ] ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَيَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّه بْنَ أُبَيٍّ؟» قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّه اعف عنه واصفح، فو الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّه بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ [ (10) ] عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّه بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ [ (11) ] بِذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ ما
رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَكَانَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى. قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (12) ] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ [ (13) ] : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (14) ] . وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ حَتَّى إِذَا أَذِنَ اللَّه فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بَدْرًا وَقَتَلَ اللَّه بِهِ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أبيّ بن سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا» . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ وَانْتَهَى حَدِيثُ مَعْمَرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: «فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (15) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ [ (16) ] وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عبد الرزاق.
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ، وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (17) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا [ (18) ] : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [ (19) ] قَالَ: هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ [ (20) ] فِي الْقِتَالِ» [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، قَالَ: خَرَجَ نَاسٌ مُؤْمِنُونَ مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتْبَعَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، فَأَذِنَ اللَّه لَهُمْ فِي قِتَالِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ [ (22) ] هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَاتَلُوهُمْ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ «أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْقِتَالِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَكَانُوا فِي أَوَّلِ مَا أَذِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ [ (23) ] لَهُمْ فِي الْقِتَالِ لَمْ يؤمروا بأن يبتدءوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً بِالْقِتَالِ بَلْ إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُقَاتِلُوا مَنْ قَاتَلَهُمْ خَاصَّةً، وَمَنْ ظَلَمَهُمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا بِالْقِتَالِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا- يَعْنِي فِي قِتَالِهِمْ فَتُقَاتِلُوا غَيْرَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ- إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [ (24) ] ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَحَوْلَهَا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ جَمَاعَاتٍ لَمْ يُقَاتِلْ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ بِحَرْبٍ وَكَانَ يَتَعَرَّضُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً وَيَقْصِدُهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ الَّذِينَ ظَلَمُوهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ أَيْضًا بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ يُؤْذُونَهُ وَأَصْحَابَهُ فَنَدَبَهُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ، فَقَالَ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (25) ] . وَقَالَ: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ- إِلَى قَوْلِهِ- حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [ (26) ] .
وَكَانَ رُبَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ مِمَّنْ قَصَدَ إِلَى أَذَاهُ إِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ وَأَلَّبَ عَلَيْهِ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه «أَذِنَ اللَّه عَزَّ وجل بأن يبتدءوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ فَقَالَ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الْآيَةَ، وَأَبَاحَ لَهُمُ الْقِتَالَ بِمَعْنَى أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ- إِلَى- وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ. فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ يُقَالُ نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّه ثُمَّ يُقَالُ: نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْقِتَالِ، حَتَّى يُقَاتَلُوا، أَوِ النَّهْيُ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [ (27) ] وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ بِاتِّبَاعِهِ، حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا مَعَ عَوْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمُ الْجِهَادَ بَعْدَ أَنْ كَانَ إِبَاحَةً لَا فَرْضًا فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الْآيَةَ [ (28) ] . وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
الْآيَةَ [ (29) ] ، وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ فِي فَرْضِ الْجِهَادِ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [ (30) ] ، وَقَوْلُهُ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [ (31) ] وَنَحْوَ هَذَا فِي الْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، نُسِخَ ذَلِكَ كله بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [ (32) ] ، وَقَوْلِهِ: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَهُمْ صاغِرُونَ [ (33) ] فَنُسِخَ هَذَا الْعَفْوَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِهِ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [ (34) ] يَعْنِي لَا يَكُونُ شِرْكٌ.
المجلد الثالث
الجزء الثالث جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَبِسَرَايَاهُ [ (1) ] عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ دُونَ الْإِكْثَارِ إذا الْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بَيَانُ دَلَائِلِ صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَإِعْلَامُ صِدْقِهِ فِي رِسَالَتِهِ وَمَا ظَهَرَ فِي أَيَّامِهِ مِنْ نَصْرِ اللهِ [تَعَالَى] [ (2) ] أَهْلَ دِينِهِ وَإِنْجَازِهِمْ مَا وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِقَوْلِهِ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ وَآوَتْهُمُ الْأَنْصَارُ، رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَانُوا لَا يَبِيتُونَ إِلَّا بِالسِّلَاحِ، وَلَا يُصْبِحُونَ إِلَّا فِيهِ، فَقَالُوا: تُرَوْنَ أَنَّا نَعِيشُ حَتَّى نَبِيتَ مُطْمَئِنِّينَ لَا نَخَافُ إِلَّا اللهَ عز وجل؟ فنزلت
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- قَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ- وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (4) ] .
باب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب، وبعث عبيدة بن الحارث، وبعث سعد بن أبي وقاص، وغزوة الأبواء، وهي: ودان، وغزوة بواط، وهي: رضوى، وغزوة العشيرة، وبدر الأولى
بَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَمَّهُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَعْثِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَبَعْثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَغَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، وَهِيَ: وَدَّانُ، وَغَزْوَةِ بُوَاطٍ، وَهِيَ: رَضْوَى، وَغَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ، وَبَدْرٍ الْأُولَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: [ (5) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (6) ] أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ، مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ أَوَّلَ بَعْثٍ بَعَثَهُ، فساروا حتى بلغوا
سِيفَ [ (7) ] الْبَحْرِ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ، فَلَقَوْا أَبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَامٍ فِي ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ، وَكَانَ مَخْشِيٌّ وَرَهْطُهُ حُلَفَاءَ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَعْصُوهُ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا إِلَى بِلَادِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَلَبِثَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ غَزَا، فَأَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى بَلَغَ الْأَبْوَاءَ [ (8) ] ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَرْسَلَ سِتِّينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ [ (9) ] ، فَلَقَوْا بَعْثًا عَظِيمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَاءٍ يُدْعَى الْأَحْيَاءَ مِنْ رَابِغٍ، فَارْتَمَوْا بِالنَّبْلِ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ وَلَهُمْ حَامِيَةٌ تُقَاتِلُ عَنْهُمْ حَتَّى هَبَطُوا ثَنِيَّةَ الْمِرَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَرْمِي عَنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ انْكَفَأَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ: سعد بن أبي
وَقَّاصٍ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ الْتَقَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي قِتَالٍ، وَفَرَّ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ يَوْمَئِذٍ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَا فِي حَبْسِ قُرَيْشٍ قَدْ أَسْلَمَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَوَصَّلَا بِالْمُشْرِكِينَ حَتَّى خَرَجَا إِلَى عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابِهِ» . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (10) ] ، وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: «فَلَقِيَهُ أَبُو جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَقَالَ: ثُمَّ لَبِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ فِي صَفَرٍ حَتَّى بَلَغَ الْأَبْوَاءَ» ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَيَّأَ لِحَرْبِهِ، فَقَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ بِهِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ فَأَقَامَ بِهَا يَعْنِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ غَازِيًا حَتَّى نَزَلَ وَدَّانَ [ (11) ] يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، فَوَادَعَهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ مَخْشِيَّ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا [ (12) ] فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ صَفَرٍ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَبَعَثَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَكَانَ أول لواء عقده رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
مُقَامِهِ هَذَا: حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ [ (13) ] فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَالْتَقَى عُبَيْدَةُ وَالْمُشْرِكُونَ فِي ثَنِيَّةِ الْمِرَّةِ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ: أَحْيَاءٌ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمُ الرِّمَايَةُ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ: سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: ثُمَّ انْحَازَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَانْحَازَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ. قَالَ: وَخَرَجَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَلَقِيَهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ وَكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَرَجَعَ حَمْزَةُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي رَايَةِ عُبَيْدَةَ وَحَمْزَةَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ قَبْلَ رَايَةِ عُبَيْدَةَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ رَايَةُ عُبَيْدَةَ قَبْلَ رَايَةِ حَمْزَةَ، وذَلِكَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيَّعَهُمَا جَمِيعًا مَعًا فَأَشْكَلَ [ (14) ] ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ [ (15) ] . قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ يُرِيدُ قُرَيْشًا حَتَّى بَلَغَ بُوَاطَ [ (16) ] مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى [ (17) ] ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى، ثُمَّ غَزَا يُرِيدُ قُرَيْشًا فَسَلَكَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ حَتَّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ جمادي
الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَوَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ» [ (18) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ مُحَمَّدُ بْنُ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِهَا شَهْرًا، فَصَالَحَ بِهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، فَوَادَعَهُمْ، فَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ أَنْ نَأْتِيَ هَؤُلَاءِ- نَفَرٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ- نَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ فَأَتَيْنَاهُمْ، فَنَظَرْنَا إِلَيْهِمْ سَاعَةً، ثُمَّ غَشِيَنَا النَّوْمُ، فَعَمَدْنَا إِلَى صَوْرٍ [ (19) ] مِنَ النَّخْلِ فِي دَقْعَاءَ [ (20) ] مِنَ الأرض فنمنا فيه فو الله مَا أَهَبَّنَا [ (21) ] إِلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْنَا وَقَدْ تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدَّقْعَاءِ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: يَا أَبَا تُرَابٍ- لِمَا عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ-[ (22) ] ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِنَا، فَقَالَ: ألا
أُخْبِرُكُمْ بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ أُحَيْمِرُ [ (23) ] ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ، وَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى يَبُلَّ مِنْهَا هَذِهِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ [ (24) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ لَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنَ الْعُشَيْرَةِ كَمَّلَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ [ (25) ] عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَفَوَانُ مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى، وَفَاتَهُ كُرْزٌ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَأَقَامَ، جُمَادَى [ (26) ] وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ بَيْنَ ذَلِكَ سَعْدًا فِي ثَمَانِيَةِ رهط فرجع
وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا» [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَنَا فِي رَكْبٍ وَلَا نَكُونُ مِائَةً وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَسَرَيْنَا، وَقَالُوا لِمَ تُقَاتِلُونَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّمَا نُقَاتِلُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مَنْ أَخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وكان الفيء إذا ذَاكَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَقَالَ بعضنا: نأتي غير قُرَيْشٍ هَذِهِ فَنَقْتَطِعُهَا، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا، بَلْ نُقِيمُ مَكَانَنَا. قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِي، فَقُلْنَا: نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ غَضْبَانَ مُحْمَرَّ الْوَجْهِ، فَقَالَ: ذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا، وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ، وَلَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِأَخْيَرِكُمْ: أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ [ (28) ] ، وَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أَمَّرَهُ فِي الإسلام» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْفَيْءَ، وَقَالَ: فَرَجَعَ أُنَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَمْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مِنَّا لِنَتَقَبَّضَ عِيرَ قُرَيْشٍ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: «أَوَّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رسول الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-[ (30) ] فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرِهِ يَعْتَرِضُ لِعِيرٍ مِنْ قُرَيْشٍ [ (31) ] . قَالَ: وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى مَكَّةَ لِيَنْقُلَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ زَوْجَتَهُ وَبَنَاتِهِ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ اللِّوَاءَ الَّذِي عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي ثَمَانِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى رَضْوَى يُرِيدُ عِيرَاتِ قريش
الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَكَانَ حَامِلُ لِوَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيَّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا. وَذُكِرَ أَنَّ رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا بَدْرًا الْأُولَى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ سَرْحُ الْمَدِينَةِ بِالْحِمَى، فَاسْتَاقَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِهِ فِي الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ حَامِلُ لِوَائِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَطَلَبَهُ رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ بَدْرًا، فَلَمْ يَلْحَقْهُ، فَلَمَّا فَاتَهُ كُرْزٌ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْغَزَاةُ: بَدْرًا الْأُولَى. وَذُكِرَ أَنَّ رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْعُشَيْرَةِ فِي الْمُهَاجِرِينَ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، حَتَّى بَلَغَ بَطْنَ يَنْبُعَ، فَوَادَعَ بِهَا بَنِي مُدْلِجٍ، وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضمرة ثم رجع» [ (32) ] .
باب سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه [1]
بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ ابن عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ ابن جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى هَبَطُوا نَخْلَةَ فَوَجَدُوا بِهَا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي عِيرِ تِجَارَةٍ لِقُرَيْشٍ فِي يَوْمٍ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَاخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: هَذِهِ غِرَّةٌ مِنْ عَدُوٍّ، وَغُنْمٌ رُزِقْتُمُوهُ، وَلَا نَدْرِي أَمِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لَا، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ إِلَّا مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلُّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ، فَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا، فَشَدُّوا عَلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ، وَغَنِمُوا عِيرَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَرَكِبَ وَفْدُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: أَتُحِلُّ القتال في الشهر الحرام؟
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ: قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ (3) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَحَدَّثَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ: أَنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا كَانَ، وَإِنَّ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ: مِنْ صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ حِينَ يَسْجُنُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ وَيَحْبِسُونَهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُفْرِهِمْ بِاللهِ، وَصَدِّهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِخْرَاجِهِمْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ سُكَّانُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِتْنَتِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الدِّينِ. فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَحَرَّمَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرِّمُهُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (4) ] . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ إِلَى نَخْلَةَ فَقَالَ لَهُ: كُنْ بِهَا حَتَّى تَأْتِيَنَا بِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقِتَالٍ، وَذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَيْنَ يَسِيرُ، فَقَالَ: اخْرُجْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، حَتَّى إِذَا سِرْتَ يَوْمَيْنِ، فَافْتَحْ كِتَابَكَ وَانْظُرْ فِيهِ فَمَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَامْضِ لَهُ، وَلَا تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى الذَّهَابِ مَعَكَ، فَلَمَّا سَارَ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ: أَنِ امْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ [بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ] [ (5) ] ، فَتَأْتِيَنَا مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ بِمَا
اتَّصَلَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الشَّهَادَةِ فَلْيَنْطَلِقْ مَعِي فَإِنِّي مَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَضَى مَعَهُ الْقَوْمُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَحْرَانَ أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ، فَتَخَلَّفَا عَلَيْهِ يَطْلُبَانِهِ، وَمَضَى الْقَوْمُ حَتَّى نَزَلُوا نَخْلَةَ، فَمَرَّ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ، وَعُثْمَانُ وَالْمُغِيرَةُ ابْنَا عَبْدِ اللهِ، مَعَهُمْ تِجَارَةٌ قَدِمُوا بِهَا مِنَ الطَّائِفِ، أَدَمٌ، وَزَبِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُمُ الْقَوْمُ أَشْرَفَ لَهُمْ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ [ (6) ] ، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ حَلِيقًا قَالُوا عُمَّارٌ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ بَأْسٌ، وَائْتَمَرَ الْقَوْمُ بِهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، فَقَالُوا: لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَتَقْتُلُونَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُمْ لَيَدْخُلُنَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَكَّةَ الْحَرَمَ فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنْكُمْ، فَأَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى قَتْلِهِمْ، فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَهَرَبَ الْمُغِيرَةُ، فَأَعْجَزَهُمْ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ، فَقَدِمُوا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَاللهِ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ [ (7) ] فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَأَوْقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسِيرَيْنِ وَالْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، أُسْقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَظَنُّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَعَنَّفَهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ بَلَغَهُمْ أَمْرُ هَؤُلَاءِ: قَدْ سَفَكَ مُحَمَّدٌ الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَخَذَ فِيهِ الْمَالَ، وَأَسَرَ فِيهِ الرِّجَالَ وَاسْتَحَلَّ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذلك: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [ (8) ] .
يَقُولُ: الْكُفْرُ بِاللهِ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، فَلَمَّا نَزَلَ ذَلِكَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْعِيرَ وَفَدَى الْأَسِيرَيْنِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ [ (9) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَكَانُوا ثَمَانِيَةً وَأَمِيرُهُمُ التَّاسِعُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشِ» [ (10) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ [ (11) ] مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ قِصَّةَ عَبْدِ اللهِ
ابن جَحْشٍ بِمَعْنَى مَا مَضَى إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فَتَخَلَّفَ رَجُلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ إِضْلَالَ الْبَعِيرِ، وَذَكَرَ أَنَّ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ حَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَوْفَى عَلَى رَجُلٍ [ (12) ] ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّمْيَ لِوَاقِدٍ، قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ، وَهِيَ هَاجَتْ بَيْنَهُمُ الْقِتَالَ، وَحَرَّشَتْ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ: فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ لِيُفَادُوا الْأَسِيرَيْنِ فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَكُونُوا قَدْ أَصَبْتُمْ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ، فَلَمْ يُفَادِهِمَا حَتَّى قَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ، فَفُودِيَا، فَأَسْلَمَ الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، كَافِرًا، قَالَ فِيهِ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عِنْدَ ذَلِكَ وَاقِدٌ وَقَدْتَ الْحَرْبَ، وَعَمْرٌو عَمَرَتِ الْحَرْبَ، وَالْحَضْرَمِيُّ حَضَرَتِ الْحَرْبَ، فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا وَكَانَ لَهُمْ فِيمَا تَفَاءَلُوا [ (13) ] مِنْ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا مَا يسوءهم» .
جماع أبواب غزوة بدر العظمى
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى
باب ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل ببدر من المشركين وما في ذلك من دلائل النبوة
بَابُ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عزرة [ (1) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ، انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَتَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ [قَالَ: نَعَمْ] [ (2) ] قَالَ: فَتَلَاحَيَا، [بَيْنَهُمَا] [ (3) ] قَالَ: فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ عَلَيْكَ متجرك بالشام،
قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُسَكِّتُهُ [ (4) ] ، فَغَضِبَ سَعْدٌ، فَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. فَكَادَ أَنْ يُحْدِثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ أَخِي الْيَثْرِبِيُّ، قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ إنه قاتلي، قالت: فو الله مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. فَلَمَّا خَرَجُوا لَبَدْرٍ، وَجَاءَ الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا عَلِمْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَإِنِّي إِذًا لَا أَخْرُجُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْوَادِي فَسِرْ مَعَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقُتِلَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (5) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، قَالَ: فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، قَالَ: فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تطوف
بِمَكَّةَ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَمَا وَاللهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ [أَمَا وَاللهِ] [ (6) ] لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا مِنْكَ يَا أمية فو الله لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُ قَاتِلُكَ [ (7) ] ، قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ [ (8) ] إِلَى مَا قَالَ لِي سَعْدٌ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَاتِلِي. فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، فَقَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ، قَالَ: فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: إِذْ غَلَبْتَنِي فو الله لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ أَوَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَا قَرِيبًا. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ، قَالَ: أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللهُ بِبَدْرٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الأودي [ (9) ] .
باب ذكر سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيا عاتكة بنت عبد المطلب في خروج المشركين وما أعد الله عز وجل لنبيه من النصر في ذلك ببدر
بَابُ ذِكْرِ سَبَبِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَرُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي خُرُوجِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا أَعَدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مِنَ النَّصْرِ فِي ذَلِكَ بِبَدْرٍ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا، وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى، وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ يُحَدِّثُ: «إِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ: غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ، وَغَزْوَةِ بَدْرٍ، قَالَ: وَلَمْ يُعَاتِبِ اللهُ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، وإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِهِ يُرِيدُونَ الْعِيرَ الَّتِي لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ
الَّتِي قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شعيب [ (10) ] ، وعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا: «رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ قَبْلَ مَقْدَمِ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ [ (12) ] بِثَلَاثِ لَيَالٍ، رُؤْيَا فَأَصْبَحَتْ عَاتِكَةُ فَأَعْظَمَتْهَا، فَبَعَثَتْ إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي لَقَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلَنَّ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَبَلَاءٌ، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَتْ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ رَجُلًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، فَوَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غُدَرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَذَّنَ النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَ بِهِ الْمَسْجِدَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَثُلَ بِهِ بَعِيرُهُ فَإِذَا هُوَ عَلَى رَأْسِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غُدَرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَرَى بَعِيرَهُ مَثُلَ بِهِ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ،
فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غُدَرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ، فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ فِي أَسْفَلِهِ ارْفَضَّتْ [ (13) ] فَمَا بَقِيَتْ دَارٌ مِنْ دُورِ قَوْمِكَ وَلَا بَيْتٌ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ بَعْضُهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَاكْتُمِيهَا، فَقَالَتْ: وَأَنْتَ فَاكْتُمْهَا لَئِنْ بَلَغَتْ هَذِهِ قُرَيْشًا لَيُؤْذُونَنَا، فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ مِنْ عِنْدِهَا فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فَذَكَرَ لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهَا، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ فَتَحَدَّثَ بِهَا، فَفَشَا الْحَدِيثُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللهِ إِنِّي لَغَادٍ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَطُوفَ بِهَا، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأْتِنَا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ طَوَافِي أَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَتَى حَدَثَتْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ فِيكُمْ فَقُلْتُ وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ مَا رُؤْيَا رَأَتْهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ تَتَنَبَّأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَتَنَبَّأَ نِسَاؤُكُمْ، سَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَتْ عَاتِكَةُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَسَيَكُونُ، وَإِلَّا كَتَبْنَا عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي العرب، فو الله مَا كَانَ إِلَيْهِ مِنِّي مِنْ كَبِيرٍ إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مَا قَالَتْ، وَقُلْتُ: مَا رَأَتْ شَيْئًا وَلَا سَمِعْتُ بِهَذَا، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي، فَقُلْنَ: صَبَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ غِيَرٌ، فَقُلْتُ: قَدْ وَاللهِ صَدَقْتُنَّ وَمَا كَانَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مِنْ غِيَرٍ إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مَا قَالَتْ، وَلَأَتَعَرَّضَنَّ لَهُ فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِيَنَّهُ، فَغَدَوْتُ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَتَعَرَّضُ لِيَقُولَ لِي شيئا فأشاتمه، فو الله إِنِّي لَمُقْبِلٌ نَحْوَهُ وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ النَّظَرِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ إِذْ وَلَّى نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي اللهُمَّ الْعَنْهُ. كُلُّ هَذَا فَرَقًا أَنْ أُشَاتِمَهُ وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ وَاقِفٌ بَعِيرَهُ بِالْأَبْطَحِ قَدْ حُوِّلَ رحله وشق
قَمِيصُهُ وَجُدِعَ بَعِيرُهُ [ (14) ] يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، وَتِجَارَتُكُمْ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، فَالْغَوْثَ الْغَوْثَ، فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنِّي وَشَغَلَنِي عَنْهُ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا الْجِهَازُ حَتَّى خَرَجْنَا، فَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْمَ بَدْرٍ: مَنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ، وَأَسْرِ خِيَارِهِمْ فَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِيمَا رَأَتْ وَمَا قَالَتْ قريش في ذلك: أَلَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَا بِحَقٍّ وَجَاءَكُمْ ... بِتَصْدِيقِهَا فَلٌّ مِنَ الْقَوْمِ هَارِبُ فَقُلْتُمْ- وَلَمْ أَكْذِبْ- كَذَبْتِ وَإِنَّمَا ... يُكَذِّبُنَا بِالصِّدْقِ مَنْ هُوَ كَاذِبُ وَذَكَرَ لَهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي قَصِيدةً طَوِيلَةً» [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ [ (16) ] وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وعبد الله ابن أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فَبَعْضُهُمْ قَدْ حَدَّثَ بِمَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ بَعْضٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ يَوْمِ بدر قالوا:
«سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا مِنْ قُرَيْشٍ تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ فِيهِمْ: مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَافِلًا بِتِجَارَةِ قُرَيْشٍ فَاخْرُجُوا لَهَا لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَفِّلُكُمُوهَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَخَفَّ مَعَهُ رِجَالٌ وَأَبْطَأَ آخَرُونَ وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَتْ نَدْبَةً لِمَالٍ يُصِيبُونَهُ لَا يَظُنُّونَ أَنْ يَلْقَوْا حَرْبًا فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَنَيِّفٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مُشَاةٌ مَعَهُمْ ثَمَانُونَ بَعِيرًا وَفَرَسٌ، وَيَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لِلْمِقْدَادِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ ومرثد بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ بَعِيرٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْ نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ مِنَ الْحَرَّةِ عَلَى الْعَقِيقِ فَذَكَرَ طُرُقَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ لَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّاسِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يَتَحَسَّسُ [ (17) ] الْأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ، فَخَرَجَ ضَمْضَمٌ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ- وَالَلَّطِيمَةُ هِيَ التِّجَارَةُ- الْغَوْثَ الْغَوْثَ وَمَا أَظُنُّ أَنْ تُدْرِكُوهَا. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَخَرَجُوا عَلَى الصَّعْبِ [ (18) ] وَالذَّلُولِ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ مُقَاتِلًا وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ يَقُودُونَهَا وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالْقِيَانِ يضر بن بِالدُّفِّ، وَيَتَغَنَّيْنَ بِهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ الْمُطْعِمِينَ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ رُجُوعَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْجُحْفَةِ رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ رُؤْيَا فَبَلَغَتْ أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ: وهذا
نَبِيٌّ آخَرُ مِنْ بَنِيِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى قُرَيْشٍ مَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْعَسْكَرِ فَقَالَ: قُتِلَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ يُعَدِّدُ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّةِ بَعِيرِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَلَمْ يَبْقَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ قُرَيْشٍ إِلَّا أَصَابَهُ دَمُهُ وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الصَّفْرَاءِ بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو وَعَدِيَّ بن أبي الزغباء الجهنبين [ (19) ] يَلْتَمِسَانِ الْخَبَرَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَانْطَلَقَا حَتَّى وَرَدَا بَدْرًا فَأَنَاخَا بَعِيرَيْهِمَا [ (20) ] إِلَى تَلٍّ مِنَ الْبَطْحَاءِ وَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا مِنَ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ تَقُولُ إِحْدَاهُمَا لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا، فَلَخَّصَ بَيْنَهُمَا مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ صَدَقَتْ وَسَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسٌ وَعَدِيٌّ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ وَلَّيَا وَقَدْ حَذِرَ فَتَقَدَّمَ أَمَامَ عِيرِهِ فَقَالَ لِمَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو هَلْ أَحْسَسْتَ عَلَى هَذَا الْمَاءِ مِنْ أَحَدٍ تُنْكِرُهُ؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ أَنَاخَا إِلَى هَذَا التَّلِّ فَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا ثُمَّ انْطَلَقَا فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ مَنَاخَ بَعِيرَيْهِمَا فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِهِمَا وَفَتَّهُ فَإِذَا فِيهِ النَّوَى فَقَالَ هَذِهِ وَاللهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ ثُمَّ رَجَعَ سَرِيعًا فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ فَانْطَلَقَ بِهَا مُسَاحِلًا حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ بَعَثَ إِلَى قُرَيْشٍ أَنَّ اللهَ قد نجّا [ (21) ] عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَرِجَالَكُمْ فَارْجِعُوا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَأْتِيَ بَدْرًا وَكَانَتْ بَدْرٌ سُوقًا مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ فَنُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا فَنُطْعِمَ بِهَا الطَّعَامَ وَنَنْحَرَ بِهَا الْجُزُرَ وَنَسْقِيَ بِهَا الْخَمْرَ وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا الْقِيَانُ وَتَسْمَعَ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا بَعْدَهَا أَبَدًا قَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ يَا مَعْشَرَ بَنِي زُهْرَةَ إِنَّ الله قد نجا أموالكم ونجا صَاحِبَكُمْ فَارْجِعُوا. فَأَطَاعُوهُ فَرَجَعَتْ زُهْرَةُ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا وَلَا بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ وَادِي ذَفَارٍ نَزَلَ وأتاه الخبر
عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم النَّاسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (22) ] فَأَحْسَنَ ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فَنَحْنُ مَعَكَ وَاللهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ. فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِهِ ثُمَّ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ، وَكَانُوا حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا برءاء مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَمِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى أَنَّ عَلَيْهَا نُصْرَتَهُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ بِغَيْرِ بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاللهِ لَكَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تُرِيدُنَا. قَالَ: أَجَلْ. قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ معك، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ نَلْقَى عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الآن إلى مَصَارِعَ الْقَوْمِ. قَالَ وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي وَالْقُلُبُ ببدر في
الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ التَّلِّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلَ اللهُ السَّمَاءَ وَكَانَ الْوَادِي دَهِسًا فَأَصَابَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ مِنْهَا مَا لَبَّدَ لَهُمُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الْمَسِيرِ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا فَسَبَقَ قُرَيْشًا إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ وَلَا نُقَصِّرُ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، فَقَالَ الْحُبَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ وَلَكِنِ انْهَضْ حَتَّى تَجْعَلَ الْقُلُبَ كُلَّهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِكَ ثُمَّ غَوِّرْ كُلَّ قَلِيبٍ بِهَا إِلَّا قَلِيبًا وَاحِدًا ثُمَّ احْفِرْ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ قَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَغُوِّرَتِ الْقُلُبُ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ يَقْدُمُهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ. فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَطُّونَ مِنَ الْكَثِيبِ قَالَ اللهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا [ (23) ] وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ [ (24) ] وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ اللهُمَّ فَأَحْنِهِمُ [ (25) ] الْغَدَاةَ» . ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ إِشَارَةَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَمُوَافَقَةَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِيَّاهُ وَمُخَالَفَةَ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَتَعْيِيرَهُ عُتْبَةَ حَتَّى دَعَا عتبة إلى البراز [ (26) ] .
باب ذكر عدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا [1] معه إلى بدر
بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَرَجُوا [ (1) ] مَعَهُ إِلَى بَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ [ (2) ] كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ بِعِدَّةِ [ (3) ] أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني يحيى ابن سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ قَالَ: «اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهْرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ إِمْلَاءً قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين بْنُ أَبِي عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجُدِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: «كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سعيد أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ أَبُو عِمْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ: هَلْ لَكُمْ أَنْ نَخْرُجَ فَنَلْقَى هَذِهِ الْعِيرَ لَعَلَّ اللهَ يُغْنِمُنَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَعَادَّ، فَفَعَلْنَا فَإِذَا نَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَخْبَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِدَّتِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ وَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ [ (7) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُيَيٌّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا خَرَجَ طَالُوتُ. زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ فَقَالَ اللهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ. اللهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ. اللهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ فَفَتَحَ اللهُ لَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْقَلَبُوا وَمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أَوْ جَمَلَيْنِ وَاكْتَسَوْا وَشَبِعُوا» [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْخِرَقِيُّ بِبَغْدَادَ [ (9) ] قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مسلم ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ يَوْمَ بَدْرٍ فَارِسٌ غَيْرَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ [ (10) ] عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ» .
أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ فَارِسٌ إِلَّا الْمِقْدَادَ» . قَالَ الْحَسَنُ وَحَدَّثنَا أَبُو عَيَّادٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ لَهُ: «مَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيُّ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ نَتَعَاقَبُ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، فَكَانَ عَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا كَانَتْ عَقَبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَانِ لَهُ: ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِيَ، فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا، وَلَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مني» [ (11) ] .
هَكَذَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ بَدَلَ أَبِي لُبَابَةَ فَإِنَّ أَبَا لُبَابَةَ رَدَّهُ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنَ الرَّوْحَاءِ وَاستَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ: حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: «عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وثلاثة عشر أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَمِائَتَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَقِيَّتُهُمْ سَائِرُ النَّاسِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ: حَدَّثَنَا جُنَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «كَانَ عِدَّةُ أَهْلِ بدر ثلاثمائة وبضعة عشر. بِضْعَةً وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْمَوَالِي» قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ «كَانَ عِدَّةُ أَهْلِ بدر ثلاثمائة وَثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: «لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا إِلَّا قُرَشِيٌّ أَوْ أَنْصَارِيٌّ أَوْ حَلِيفٌ لِوَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عشر رجلا منهم من الْمُهَاجِرِينَ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَمِنَ الْأَنْصَارِ مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا» . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْهُ: «عِدَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر
رَجُلًا مِنْهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْمُهَاجِرِينَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهُ. وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْهُ أَسْمَاءَهُمْ وَذَكَرَهَا أَيْضًا مُوسَى ابن عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمَا وَمِنْ عَزْمِي أَنْ أُؤَخِّرَ ذِكْرَ أَسَامِي مَنْ شَهِدَ مَشْهَدًا مِنْ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم ثُمَّ أُفْرِدُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي جُزْءٍ لِئَلَّا يَطُولَ بِهِ الْكِتَابُ وَاللهُ الْمُوَّفِقُ للصواب والسداد [ (12) ] .
باب ذكر عدد المشركين الذين ساروا إلى بدر
بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى بَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَخَذْنَا رَجُلَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدُهُمَا عَرَبِيٌّ وَالْآخَرُ مَوْلًى فَأَفْلَتَ الْعَرَبِيُّ وَأَخَذْنَا الْمَوْلَى مَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَقَالَ: كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ تَنْحَرُونَ مِنَ الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: الْقَوْمُ أَلْفٌ لِكُلِّ جَزُورٍ مِائَةٌ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: بَعَثَ «رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَنَا مِنْ بَدْرٍ: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَجَسَّسُونَ [ (13) ] لَهُ الْخَبَرَ فَأَصَابُوا سُقَاةً لِقُرَيْشٍ غُلَامًا لِبَنِي سعيد بن العاص،
وَغُلَامًا لِبَنِي الْحَجَّاجِ فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ فِيهَا كَمِ النَّاسُ؟ قَالُوا كَثِيرٌ مَا نَدْرِي مَا عَدَدُهُمْ قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالُوا: يَوْمًا عَشْرًا وَيَوْمًا تِسْعًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: الْقَوْمُ بَيْنَ الْأَلْفِ وَالْتِسْعِمِائَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: مَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ فَقَالَا عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَذَكَرَا صَنَادِيدَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ أَفْلَاذَ [ (14) ] كبدها» [ (15) ] .
باب ما جاء في العريش الذي بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين التقى الناس يوم بدر
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَرِيشِ الَّذِي بُنِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ حِينَ الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا فَتَكُونَ فِيهِ وَنُنِيخُ لَكَ رَكَائِبَكَ وَنَلْقَى عَدُوَّنَا فَإِنْ أَظْهَرَنَا اللهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْجَزَنَا فَذَاكَ مَا أَحَبُّ إِلَيْنَا وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَتَجْلِسُ عَلَى رَكَائِبِكَ وَتَلْحَقُ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا فَقَدْ وَاللهِ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ مَا نَحْنُ لَكَ بِأَشَدَّ حُبًّا مِنْهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنْ نَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ. يُوَادُّونَكَ وَيَنْصُرُونَكَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِهِ فَبُنِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا» [ (16) ] .
باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين قبل التقاء الجمعين وبعده، ودعاء أصحابه عليهم، واستغاثتهم ربهم، واستجابة الله تعالى لهم، وإمدادهم بالملائكة، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن مصارع القوم قبل وقوعها، وما ظهر في ذلك م
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ وَبَعْدَهُ، وَدُعَاءِ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِغَاثَتِهِمْ رَبَّهُمْ، وَاسْتِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَإِمْدَادِهِمْ بِالْمَلَائِكَةِ، وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَنْ مَصَارِعِ الْقَوْمِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (1) ] وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ فِي النُّعَاسِ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ وَالتَّثْبِيتِ وَالتَّقْلِيلِ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ بُدَيْرِ [ (2) ] بْنِ جَنَاحٍ الْمُحَارِبِيُّ بِالْكُوفَةِ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رحيم قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعَيْمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ
«شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا) إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ [ (3) ] صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ [وَجْهُهُ] [ (4) ] لِذَلِكَ وَسُرَّ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ أَصْحَابَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى بَدْرٍ، فَإِذَا هُمْ بِرَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا بعد أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ؟ فَيَقُولُ: والله مالي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ فِيهِمْ: أَبُو جَهْلٍ، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَيَقُولُ: دَعُونِي، دَعُونِي أُخْبِرْكُمْ، فَإِذَا تَرَكُوهُ قَالَ: والله مالي بِأَبِي سُفْيَانَ مِنْ عِلْمٍ وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَدْ أَقْبَلُوا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَهُوَ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ، وَتَدَعُونَهُ إِذَا كَذَبَكُمْ. هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ لِتَمْنَعَ أبا سفيان.
قَالَ أَنَسٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا جَاوَزَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخِذَ بِأَرْجُلِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ» [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ [ (7) ] حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! صَلَّى الله عَلَيْكَ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا [ (8) ] ، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا [ (9) ] إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ [ (10) ] لَفَعَلْنَا قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا» ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْغُلَامِ الْأَسْوَدِ الَّذِي أَخَذُوهُ، وَقَوْلَهُ فِي مَصَارِعِ الْقَوْمِ بِمَعْنَى رِوَايَةِ مُوسَى.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (11) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ [الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:] [ (12) ] حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي [ (13) ] ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَمَا تَرَاهُ، فَجَعَلْتُ أُرِيهِ إِيَّاهُ، فَلَمَّا أعياه أَنْ يَرَاهُ قَالَ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخْبِرُنَا عَنْ مَصَارِعِ الْقَوْمِ بِالْأَمْسِ [ (14) ] ، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَئُوا تِلْكَ الْحُدُودَ [ (15) ] جَعَلُوا يُصْرَعُونَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ، يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ [ (17) ] » . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَرَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ» [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الْمِيكَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «مَا سَمِعْتُ مُنَاشِدًا يَنْشُدُ حَقًّا لَهُ أَشَدَّ مِنْ مُنَاشَدَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ، ثُمَّ الْتَفَتَ وَكَأَنَّ شِقَّ وَجْهِهِ الْقَمَرُ، فَقَالَ: كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً» [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى النَّرْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قُبَّتِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ» [ (20) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (21) ] فِي الصَّحِيحِ [ (22) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ابن عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ وَهُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ [ (23) ] مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ كَذَلِكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (24) ] . فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يومئذ
يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ [ (25) ] إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ» [ (26) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالَ: «حَضَرْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي بَدْرًا وَنَحْنُ عَلَى شِرْكِنَا فَإِنَّا لَفِي [ (27) ] جَبَلٍ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ [ (28) ] فنتهب، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْجَبَلِ سَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ وَسَمِعْنَا فِيهَا فَارِسًا يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَنْ أَهْلِكَ ثُمَّ انْتَعَشْتُ [ (29) ] بَعْدَ ذَلِكَ» [ (30) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سعيد بن أبي عمرو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ بَعْضِ
بَنِي سَاعِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ مَالِكَ بْنَ ربيعة بعد ما أُصِيبَ بَصَرُهُ، يَقُولُ: «لَوْ كُنْتُ مَعَكُمْ بِبَدْرٍ الْآنَ وَمَعِي بَصَرِي لَأَخْبَرْتُكُمْ بِالشِّعْبِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكُّ وَلَا أَتَمَارَى» [ (31) ] . فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَرَآهَا إِبْلِيسُ وَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِمْ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، وَتَثْبِيتُهُمْ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأْتِي الرَّجُلَ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ تَعْرِفُهُ فَيَقُولُ [ (32) ] : أَبْشِرُوا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَاللهُ مَعَكُمْ، كُرُّوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ الْمَلَائِكَةَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَقَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ، وَهُوَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ، وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يُحَضِّضُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ لا يهولنّكم خزلان سُرَاقَةَ إِيَّاكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا نَرْجِعُ حَتَّى نُقَرِّنَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي الْحِبَالِ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَخُذُوهُمْ أَخْذًا» . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الْمِسْوَرِيُّ [ (33) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُزَيْزٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ بعد ما ذهب بصره: «يا بن أَخِي وَاللهِ لَوْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ بِبَدْرٍ ثُمَّ أَطْلَقَ اللهُ لِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكَ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ علينا من الْمَلَائِكَةُ غَيْرَ شَكٍّ فَلَا تُمَارِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (ح) . قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ (ح) . قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالُوا: «لَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَسْأَلُ اللهَ النَّصْرَ وَمَا وَعَدَهُ وَيَقُولُ: اللهُمَّ إِنْ ظَهَرُوا عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشِّرْكُ وَلَا يَقُومُ لَكَ دِينٌ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللهُ أَوْ لَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ عِنْدَ أَكْتَافِ الْعَدُوِّ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلَمَّا نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ تَغَيَّبَ عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ طَلَعَ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ يَقُولُ: أَتَاكَ نَصْرُ اللهِ إِذْ دَعَوْتَهُ» [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ رَأْسَ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُوَيْرِثِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أَمْتَحُ مِنْ قَلِيبِ بَدْرٍ إِذْ جَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ ثُمَّ ذَهَبَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا، وَأَظُنُّهُ ذَكَرَ: ثُمَّ جَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ قَالَ: فَكَانَتِ الرِّيحُ الْأُولَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ الرِّيحُ الثَّانِيَةُ مِيكَائِيلَ نَزَلَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ. وَكَانَتِ الرِّيحُ الثَّالِثَةُ إِسْرَافِيلَ نَزَلَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ، فَلَمَّا هَزَمَ اللهُ أَعْدَاءَهُ حَمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى فَرَسِهِ فَجَمَزَتْ [ (36) ] بِي فَوَقَعْتُ عَلَى عَقِبِي فَدَعَوْتُ اللهَ فَأَمْسَكَتْ فَلَمَّا اسْتَوَيْتُ عَلَيْهَا طَعَنْتُ بِيَدِي هَذِهِ فِي الْقَوْمِ حَتَّى اخْتَضَبَ هَذَا. وَأَشَارَ إِلَى إِبْطِهِ» [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «قِيلَ لِي وَلِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ لِأَحَدِنَا: مَعَكَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ لِلْآخَرِ مَعَكَ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ وَلَا يُقَاتِلُ ويكون في الصف» [ (38) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عبد الله ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: «يَا بُنَيَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يُشِيرُ بِسَيْفِهِ إِلَى رَأْسِ الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ» [ (39) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَازِنٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: «إِنِّي لَأَتْبَعُ يَوْمَ بَدْرٍ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ فَوَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي فَعَرَفْتُ أَنَّ غَيْرِي قَدْ قَتَلَهُ» [ (40) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ وَأَبُو سَعِيدِ بن أبي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَعَلَى الْبَنَانِ مِثْلِ سِمَةِ النَّارِ قَدْ أُحْرِقَ بِهِ» [ (41) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ علي بن محمد بن
يحيى الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنَ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتْ سِيمَاءُ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عمائم بيض قَدْ أَرْسَلُوهَا فِي ظُهُورِهِمْ، ويوم حنين عمائم حمر وَلَمْ يُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى يَوْمِ بَدْرٍ مِنَ الْأَيَّامِ وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ» [ (42) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَوْلًى لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: «لَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُعَلَّمِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ يُحَدِّثُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مَعَكُمُ الْآنَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكُّ وَلَا أَمْتَرِي» [ (43) ] . قَالَ: فَحَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ مَنِ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَقْدِمْ حَيْزُومُ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مَا كُلَّ أَهْلِ السَّمَاءِ أَعْرِفُ» [ (44) ] . قَالَ: فَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «فَمَا أَدْرِي كَمْ يَدٌ مَقْطُوعَةٌ أَوْ ضَرْبَةٌ جَائِفَةٌ لَمْ يَدْمُ كَلْمُهَا [ (45) ] يَوْمَ بدر قد رأيتها» [ (46) ] .
قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، قَالَ: «جِئْتُ يَوْمَ بَدْرٍ بثلاثة رؤوس فَوَضَعْتُهُنَّ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَمَّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتُهُمَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا أَبْيَضَ طَوِيلًا ضَرَبَهُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ فُلَانٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» [ (47) ] . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا يوم بدر» [ (48) ] .
قَالَ: فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ مَنْ يَعْرِفُونَ مِنَ النَّاسِ يُثَبِّتُونَهُمْ فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا ثَبَتْنَا. لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ (49) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ فَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ السَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ [ (50) ] يُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «وَاللهِ مَا أَسَرَنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالَ: فَمَنْ؟ فَيَقُولُ: لَمَّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ انْهَزَمْتُ مَعَهَا فَيُدْرِكُنِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَأَوْثَقَنِي رِبَاطًا، وَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي مَرْبُوطًا، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَادِي فِي الْعَسْكَرِ مَنْ أَسَرَ هَذَا فَلَيْسَ يَزْعُمُ أَحَدٌ أَنَّهُ أَسَرَنِي حَتَّى انْتُهِيَ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم: يا بن أَبِي حُبَيْشٍ مَنْ أَسَرَكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرَكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، اذْهَبْ يا بن عَوْفٍ بِأَسِيرِكَ، فَذَهَبَ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف، فقال
السائب: ما زالت تِلْكَ الْكَلِمَةُ أَحْفَظُهَا، وَتَأَخَّرَ إِسْلَامِي حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا كَانَ» [ (51) ] . قَالَ وَحَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ وَقَعَ بِوَادِي خَلْصٍ بِجَادٌ [ (52) ] مِنَ السَّمَاءِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ وَإِذَا الْوَادِي يَسِيلُ نَمْلًا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مِنَ السَّمَاءِ أُيِّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَتْ إِلَّا الْهَزِيمَةُ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ» [ (53) ] . وَفِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ (54) ] السُّلَمِيُّ إِجَازَةً أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ صُبَيْحٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ أَقْبَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِثْلَ النَّمْلِ السُّودِ فَلَمْ أَشْكُكْ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ [ (55) ] تَابَعَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
باب كيف كان بدء القتال، وتهييج الحرب يوم بدر
بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْقِتَالِ، وَتَهْيِيجُ الْحَرْبِ يَوْمَ بَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا فَاجْتَوَيْنَاهَا [ (1) ] وَأَصَابَنَا بِهَا وَعَكٌ [ (2) ] ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَتَخَبَّرُ [ (3) ] عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم إِلَى بَدْرٍ- وَبَدْرٌ بِئْرٌ- فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ: رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ فَأَخَذْنَاهُ فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ كَمِ الْقَوْمُ فَيَقُولُ هُمْ وَاللهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ كَمِ الْقَوْمُ قَالَ هُمْ وَاللهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ بِكَمْ هِيَ فَأَبَى ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجَزُورِ [ (4) ] فَقَالَ عَشَرَةٌ كل
يَوْمٍ فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الْقَوْمُ أَلْفٌ كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ وَتَبَعِهَا، ثُمَّ إِنَّهُ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ، فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَالْجَحَفِ نَسْتَظِلُّ بِهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَقُولُ اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْجَحَفِ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَحَضَّ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ نَادِ لِي حَمْزَةَ وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى أَقْوَامًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ أَنْتَ تَقُولُ هَذَا وَاللهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ [ (5) ] ، قَدْ مُلِئَتْ جَوْفُكَ رُعْبًا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تَعْنِي يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ [ (6) ] سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا أَجْبَنُ، فَبَرَزَ عُتْبَةُ، وَأَخُوهُ، وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً فَقَالَ مَنْ يُبَارِزُ فَخَرَجَ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْبَةُ فَقَالَ، عُتْبَةُ، لَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ [ (7) ] ، فَقَتَلَ اللهُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَجُرِحَ عبيدة بن
الْحَارِثِ فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَصِيرٌ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَسِيرًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا وَاللهِ مَا أَسَرَنِي لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ [ (8) ] مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ مَا أَرَاهُ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْكُتْ فَقَدَ أَيَّدَكَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (9) ] بِمَلَكٍ كَرِيمٍ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَأُسِرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْعَبَّاسُ [ (10) ] وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ» [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: «بَعَثَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ: عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ فقالوا احرز لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَجَالَ حَوْلَ الْعَسْكَرِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ [ (12) ] يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ قَلِيلًا ولكن انْظُرُونِي حَتَّى أَنْظُرَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَرَى [هل] [ (13) ] لهم مددا أو كمينا، فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَمْعَنَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا. وَلَكِنْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ رَأَيْتُ الْبَلَايَا [ (14) ] تَحْمِلُ
الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ [ (15) ] تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ [ (16) ] قَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا مَا وَرَاءَهُمْ مَرْجِعٌ، وَمَا عِصْمَتُهُمْ إِلَّا سُيوفَهُمْ، وَلَا وَاللهِ مَا أَرَى أَنْ يقتل رجل متى يَقْتُلَ مِثْلَهُ، فَإِذَا قَتَلُوا مِثْلَ أَعْدَادِهِمْ فَمَا خَيْرٌ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ، فَرَوْا رَأْيَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ [ (17) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ لِقِصَةِ بَدْرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ فَلَقِيَ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا وَالْمُطَاعُ فِيهَا فَهَلْ لَكَ إِلَى أَنْ لَا تَزَالَ [ (18) ] مِنْهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ تَرْجِعُ بِالنَّاسِ وَتَحَمَّلُ دَمَ حَلِيفِكَ عمرو ابن الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ عُتْبَةُ: قَدْ فَعَلْتُ فَائْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمَّدًا وأصحابه شيئا وقد نجّا الله عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَلَا حَاجَةَ لَكُمْ فِي أَنْ تَسِيرُوا فيَ غَيْرِ صَنِيعَةٍ وَإِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَاجْعَلُوا بِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا. وَاللهِ لَئِنْ أَصَبْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَزَالُ رَجُلٌ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَوِ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَشِيرَتِهِ، فَارْجِعُوا وَخَلُّوا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعْرِضُوا مِنْهُ لِمَا لَا تُرِيدُونَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا الْحَكَمِ إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ بِكَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: انْتَفَخَ وَاللهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ كَلَّا وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمَا
بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَأَى أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أُكْلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمُ ابْنُهُ وَقَدْ تَخَوَّفَكُمْ عَلَيْهِ [ (19) ] . ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ: هَذَا حَلِيُفُكَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ فَقُمْ فَأَنْشِدْ خُفْرَتَكَ [ (20) ] وَمَقْتَلَ أَخِيكَ فَقَامَ عَامِرٌ فاكتشف ثم صرخ وا عمرواه وا عمرواه فَحَمِيَتِ الْحَرْبُ وَحَقِبَ أَمْرُ النَّاسِ وَاسْتَوْسَقَ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ وَأَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ الرَّأْيَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُتْبَةَ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ، انْتَفَخَ سَحْرُهُ قَالَ سَيعْلَمُ مُصَفِّرُ اسْتِهِ أَيُّنَا الْجَبَانُ الْمُفْسِدُ لِقَوْمِهِ: أَنَا، أَمْ هُوَ، ثُمَّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا رَأْسَهُ فَمَا وُجِدَتْ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةٌ تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ فَاعْتَجَرَ حِينَ رَأَى ذَلِكَ بِبُرْدٍ لَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُمْ فَمَا شَرِبَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا قُتِلَ، إِلَّا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَكَانَ إِذَا اجْتَهَدَ يَمِينَهُ قَالَ وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ [ (21) ] . قَالَ فَلَمَّا رَأَى الْأَسْودُ بن عبد الأسد الْحَوْضَ قَالَ وَاللهِ لَأَنْطَلِقَنَّ فَلَأَهْدِمَنَّهُ أَوْ لَأُقْتَلَنَّ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سيء الْخُلُقِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ لِيَهْدِمَهُ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَهُ فَأَطَنَّ [ (22) ] قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُمَا دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخُبُ [ (23) ] رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَبَا إِلَى الْحَوْضِ حتى
اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ أَنْ يَبَرَّ يَمِينَهُ وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ يَضْرِبُهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ» [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ، قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً، قَالَ: فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا» .
باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على القتال يوم بدر وشدة بأسه
بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم على الْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ وَشِدَّةِ بَأْسِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بسبس [ (1) ] عَيْنًا [ (2) ] يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ: لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ) قَالَ: فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لَنَا طَلِبَةً [ (3) ] فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ [ (4) ] حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا، قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُوهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا» . فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حتى أكون أنا
دُونَهُ، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى جنة عرضها السموات والأرض [يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّه! جنة عرضها [ (5) ] السموات والأرض؟] فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ بَخٍ [ (6) ] قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ قَالَ: لَا واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ [ (7) ] فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ [رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (8) ] » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَجَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا [ (10) ] . قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، فَذَكَرَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ:
«وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَالْقَوْمُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ» [ (11) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أسد، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اصْطَفَفْنَا يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ يَعْنِي إِذَا غَشَوْكُمْ، فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّه، وَشِعَارَ الْأَوْسِ: يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّه، وَسَمَّى خَيْلَهُ: خَيْلَ اللَّه» [ (13) ] .
باب استدعاء عتبة بن ربيعة وصاحبيه إلى المبارزة وما ظهر في ذلك من نصرة الله تعالى دينه
بَابُ اسْتِدْعَاءِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَصَاحِبَيْهِ إِلَى الْمُبَارَزَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ نُصْرَةِ اللَّه تَعَالَى دِينَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه ابن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عنه قَالَ: «فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً فَقَالُوا: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ شيبة، فَقَالَ عُتْبَةُ: مَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، فَقَتَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ» [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ «فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ وَاخْتَلَفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَيْنِ فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ فقتلناه واحتملنا عبيدة» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ قِصَّةَ بَدْرٍ قَالَ: «ثُمَّ خَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ فَدَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: عَوْفٌ وَمُعَوِّذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مِمَّنْ أَنْتُمْ [ (2) ] ؟ فَقَالُوا رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: مَا بِنَا إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ، فَلَمَّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ عُتْبَةَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ فَقَتَلَهُ مَكَانَهُ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ فَقَتَلَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ كَرَّا عَلَى عُتْبَةَ فَقَتَلَاهُ [ (3) ] وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازُوهُ إِلَى الرَّحْلِ» [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [ (5) ] فِي عَلِيٍّ، وَحَمْزَةَ، وَعُبَيْدَةَ بن الحارث، وعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الثوري [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: تَبَارَزَ عَلِيٌّ وحمزة وعبيدة ابن الحارث وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْوَرَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ ابن عُبَادٍ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّه تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَقَالَ قَيْسٌ فَذَكَرَ مَعْنَى مَا مَضَى» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الرَّقَاشِيِّ عَنْ مُعْتَمِرٍ [ (8) ] .
باب استفتاح أبي جهل بن هشام عند التقاء الصفين وقوله أو قول من قال منهم بمكة: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم 8: 32 [1] فعذبهم يوم بدر بالسيف
بَابُ اسْتِفْتَاحِ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَقَوْلِهِ أَوْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [ (1) ] فَعَذَّبَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ «إِنَّ الْمُسْتَفْتِحَ يَوْمَ بَدْرٍ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ: اللهم أقطعنا للرحم وآتنا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ [ (2) ] الْغَدَاةَ فَقُتِلَ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (3) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عن الزهري [ (4) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ غَيْرَ مَرَّةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [ (5) ] فَنَزَلَتْ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [ (6) ] » الآية.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه ابن صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا كَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَيُعَذِّبَ قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ ثُمَّ قَالَ: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يَقُولُ فِيهِمْ مَنْ سَبَقَ مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ وَقَالَ لِلْكُفَّارِ مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [ (8) ] فَمَيَّزَ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ قَالَ: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ فَعَذَّبَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ» [ (8) ] . أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ محمد ابن يُوسُفَ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْفَقِيهُ بِالطَّابِرَانِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ محمد ابن مَحْمُودٍ الْبَزَّارُ بِنَسَاءَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ الْبَحْرَائِيُّ (ح) .
وأَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ الْحَجَّاجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّه إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا [ (9) ] وَسَلَفًا [ (10) ] بَيْنَ يَدَيْهَا. وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (11) ] وَقَالَ: حُدِّثْتُ [ (12) ] عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ وَزَادَ فِي مَتْنِهِ «فَأَهْلَكَهَا وهو ينظر» .
باب التقاء الجمعين ونزول الملائكة وما ظهر في رمي النبي صلى الله عليه وسلم بالقبضة وإلقاء الله تعالى الرعب في قلوبهم من آثار النبوة
بَابُ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ وَنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي رَمْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَبْضَةِ وَإِلْقَاءِ اللهِ تَعَالَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ [ (1) ] ، قَالَ: «أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ تُرِيدُ الشَّامَ فَبَلَغَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ، فَخَرَجُوا وَمَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ الْعِيرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ فَأَسْرَعُوا السَّيْرَ إِلَيْهَا لِكَيْلَا يَغْلِبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَكَانُوا أَنْ يَلْقَوَا الْعِيرَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ وَأَيْسَرُ شَوْكَةً وَأَحْضَرُ مَغْنَمًا فَلَمَّا سَبَقَتِ البعير وَفَاتَتْ، سَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ الْقَوْمَ فَكَرِهَ الْقَوْمُ مَسِيرَهُمْ لِشَوْكَةِ الْقَوْمِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دَعْصَةٌ فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ، وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْغَيْظَ [ (2) ] يُوَسْوِسُهُمْ، تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّه وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ كَذَا، فَأَمْطَرَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا فَشَرِبَ المسلمون
وتَطَهَّرُوا فَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وَصَارَ الرَّمْلُ كَدًّا- ذَكَرَ كَلِمَةً أَخْبَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُ الْمَطَرُ- وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابُّ فَسَارُوا إِلَى الْقَوْمِ، وَمَدَّ اللَّه تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنَّبَةً وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنَّبَةً [ (3) ] وَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَعَهُ رَايَةٌ فِي صُورَةِ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَالشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لكم، فَلَمَّا اصْطَفَّ الْقَوْمُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللهُمَّ أَوْلَانَا بِالْحَقِّ فَانْصُرْهُ، وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: يَا رَبُّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ. فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى إِبْلِيسَ فَلَمَّا رَآهُ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ ثُمَّ وَلَّى مُدْبِرًا وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ يَا سُرَاقَةُ أَلَمْ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَنَا جَارٌ قَالَ: إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (4) ] وَذَلِكَ حِينَ رَأَى الْمَلَائِكَةَ» [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ ابن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَسْأَلُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ فَجَعَلَ الشَّيْخُ يَكْرَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَلَحَّ عَلَيْهِ فَقَالَ حكيم: «التقينا فاقتتلنا
فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مِثْلَ وَقْعِ الْحَصَى فِي الطَّسْتِ، وَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَبْضَةَ فَرَمَى بِهَا فَانْهَزَمْنَا» [ (6) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ محمد، عن الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ عَبْدٍ] [ (7) ] عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ [ (8) ] قَالَ: سَمِعْتُ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيَّ يَقُولُ: «انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ كَوَقْعِ الْحَصَا فِي الطِّسَاسِ فِي أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الرُّعْبِ عَلَيْنَا» [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّاسٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سلمة، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: «سَمِعْنَا صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ فِي طَسْتٍ فَرَمَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحَصَاةَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ» [ (10) ] يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه هَذَا هُوَ ابْنُ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَمُّ موسى ابن يَعْقُوبَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بكر،
وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قَالَ: «فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَمَا معهما غيرهما وقد تدانا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ نَصْرِهِ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ [الْيَوْمَ] [ (11) ] لَا تُعْبَدْ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ لِرَبِّكَ يَا رَسُولَ اللَّه، فَإِنَّ اللَّه مُوفِيكَ مَا وَعَدَكَ مِنْ نَصْرِهِ، وَخَفَقَ [ (12) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً ثُمَّ هَبَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاكَ نَصْرُ اللَّه هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ- يَعْنِي الْغُبَارُ- ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ وَهَيَّأَهُمْ وَقَالَ لَا يَعْجَلَنَّ رَجُلٌ بِقِتَالٍ حَتَّى نُؤْذِنَهُ فَإِذَا أكثبوكم [ (13) ] القوم- يقول اقْتَرَبُوا مِنْكُمْ- فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ، ثُمَّ تَزَاحَمَ النَّاسُ فَلَمَّا تَدَانَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ حَصْبَاءٍ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهَا قُرَيْشًا فَنَفَحَ بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ- يَقُولُ قَبُحَتِ الْوُجُوهُ- ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْمِلُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ وَهَزَمَ اللَّه قُرَيْشًا وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَأُسِرَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ» [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ بِهَا، قَالَ: حَضَرْتُ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ مَعَ أَبِي وَجَدِّي فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ: مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مَعَكُمْ بِبَدْرٍ الْآنَ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» [ (15) ] .
باب إجابة الله عز وجل دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من كان يؤذيه بمكة من كفار قريش حتى قتلوا مع إخوانهم من الكفرة ببدر
بَابُ إِجَابَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ حَتَّى قُتِلُوا مَعَ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ بِبَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بالكوفة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه [بْنِ مَسْعُودٍ] [ (1) ] قَالَ: [ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ يَنْظُرُونَ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي] [ (2) ] أَيُّكُمْ يَقُومُ [ (3) ] إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَجَاءَ بِهِ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَاجِدًا وَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الصَّلَاةَ قَالَ: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثًا ثُمَّ سَمَّى، اللهم
عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، وَبِعُتْبَةَ بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ عَبْدُ اللَّه: واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ يُسْحَبُونَ إِلَى قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه [ (4) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّقَّا وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُقْرِئِ الْإِسْفَرَائِنِيَّانِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الصَّفِّ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ نَعَمْ وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ، هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي
تَسْأَلَانِ عَنْهُ فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا. قَالَ: فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو وَالْآخَرُ معاذ بن عَفْرَاءَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ [ (6) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (7) ] ، كِلَاهُمَا عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجِشُونِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنِي ذَلِكَ قَالَ قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ «سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ [ (8) ] وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي فَعَمَدْتُ نَحْوَهُ فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ بنصف ساقه، فو اللَّه مَا أُشَبِّهُهَا حِينَ طَاحَتْ [ (9) ] إلا
النَّوَى يَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النَّوَى [ (10) ] حِينَ يُضْرَبُ بِهَا، قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي وَأَجْهَضَنِي [ (11) ] الْقِتَالُ عَنْهُ، وَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي ثُمَّ تَمَطَّيْتُ [ (12) ] ، حَتَّى طَرَحْتُهَا، قَالَ: - ثُمَّ عَاشَ مُعَاذٌ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ-، قَالَ: ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عقير: [ (13) ] معوّذ بن عَفْرَاءَ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ [ (14) ] وَبِهِ رَمَقٌ [ (15) ] ، وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّه، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حَينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أن يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، قَالَ: وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: انْظُرُوا: إِنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِرُكْبَتِهِ، فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ [ (16) ] لِعَبْدِ اللَّه بْنِ جُدْعَانَ وَنَحْنُ غِلْمَانٌ، فَكُنْتُ أَشَفَّ [ (17) ] مِنْهُ بِيَسِيرٍ فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ [ (18) ] فِي إِحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ بَعْدُ. قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْتُهُ بِآخِرَ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ [ (19) ] بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ فَآذَانِي، فَقُلْتُ هَلْ أَخْزَاكَ اللَّه أَيْ عَدُوَّ اللَّه؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي، عَدَا رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّبْرَةُ [ (20) ] ؟ قلت
اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: قَالَ لَقَدِ ارْتَقَيْتَ يَا رُوَيْعِيَّ الغنم مرتقا صعبا، قال: ثم احترزت رَأْسَهُ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّه أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ [ (21) ] ؟ وَكَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم إِذَا حَلَفَ بِهَا قَالَ قُلْتُ نَعَمْ واللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّه» [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، قَالَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَهُ قَوْمُهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زهير.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: «قَالَ نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم مَنْ يَعْلَمُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّه، فَانْطَلَقَ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ [ (24) ] ، أَوْ قَالَ: قَتَلَهُ قَوْمُهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ سُلَيْمَانَ [ (25) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه «أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ: قَدْ أَخْزَاكَ اللَّه! فَقَالَ: هَلْ أَعْمَدَ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (26) ] . وَقَوْلُهُ هَلْ أَعْمَدَ: أَيْ هَلْ زَادَ، يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الاسفرائني بِهَا قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إسحاق،
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: «انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ وَمَعَهُ سَيْفٌ جَيِّدٌ، وَمَعِي سَيْفٌ رَثٌّ، فَجَعَلْتُ أَنْقُفُ رَأْسَهُ بِسَيْفِي، وَأَذْكُرُ نَقْفًا كَانَ يَنْقُفُ رَأْسِي بِمَكَّةَ، حَتَّى ضَعُفَتْ يَدَيَّ، فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: عَلَى مَنْ كَانَتِ الدَّبْرَةُ: لَنَا، أَوْ عَلَيْنَا؟ أَلَسْتَ رُوَيْعِيَّنَا بِمَكَّةَ. قَالَ: فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟ فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَامَ مَعِي إِلَيْهِمْ فَدَعَا عَلَيْهِمْ» [ (27) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ فَقُلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟ فَقُلْتُ: اللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ: اللَّه أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ فَأَرِنِيهِ، فَانْطَلَقْتُ فَأَرَيْتُهُ، فَقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى مَصْرَعِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّه ابْنَيْ عَفْرَاءَ، فَهُمَا شُرَكَاءُ فِي قَتْلِ فِرْعَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَرَأْسِ أئمة الكفر،
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ» [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَشِيرُ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَيْتَهُ قَتِيلًا؟ فَحَلَفَ لَهُ فَخَرَّ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَاجِدًا» [ (30) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّه بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ الشَّعْثَاءِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ: «دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أَوْفَى، فَرَأَيْتُهُ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّكَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ! فَقَالَ: رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالْفَتْحِ، وَحِينَ جِيءَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ» [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: «أَنْ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مَرَرْتُ بِبَدْرٍ فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ بِمَقْمَعَةٍ مَعَهُ حَتَّى يَغِيبَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ يُعَذَّبُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [ (32) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي ضِيَاعِي بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظُهُ فِي ضِيَاعِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ خَرَجْتُ بِهِ إِلَى شِعْبٍ لِأُحْرِزَهُ حَتَّى يَأْمَنَ النَّاسَ، فَأَبْصَرَهُ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ، فَخَرَجَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ بِهِ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا حَتَّى اتَّبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ، فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ مِنْهُمْ، فَجَلَّلُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ مِنْ تَحْتِي، حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُرِينَا ذَلِكَ الْأَثَرَ بِظَهْرِ قَدَمِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (33) ] ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عبد اللَّه، عَنْ يُوسُفَ، وَقَالَ: صَاغِيَتِي وَصَاغِيَتُهُ، يُرِيدُ بِالصَّاغِيَةِ، الحاشية والأتباع، ومن
يَصْغَى إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَيْ: يَمِيلُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَا: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ: «كَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ صَدِيقًا لِي بِمَكَّةَ وَكَانَ اسْمِي: عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ تَسَمَّيْتُ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَلَقِيَنِي فَقَالَ: أَيَا عَبْدَ عَمْرٍو أَرَغِبْتَ عَنِ اسْمٍ سَمَّاكَهُ أَبُوكَ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ هَدَانِي اللَّه لِلْإِسْلَامِ فَتَسَمَّيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، قَالَ إِنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ أَمَّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِكَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَدْعُوكَ بِاسْمِكَ الْآخَرِ، فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْئًا إِذَا دَعَوْتُكَ بِهِ أَجَبْتَنِي. فَقُلْتُ يَا أَبَا عَلِيٍّ، فَقُلْ مَا شِئْتَ قَالَ: فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا عَبْدُ الْإِلَهِ. فَكَانَ إِذَا لَقِيَنِي قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَهُزِمَ النَّاسُ اسْتَلَبْتُ أَدْرَاعًا فَمَرَرْتُ بِهِنَّ أَحْمِلُهُنَّ، فَرَآنِي أُمَيَّةُ، وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيٍّ آخِذٌ بِيَدِهِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِيَّ وَفِي ابْنِي فَنَحْنُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الَّتِي تَحْمِلُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ هَيْمُ اللَّه [ (34) ] إِذًا فَأَلْقَيْتُ الْأَدْرَاعَ، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ. أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللَّبَنِ؟ يَقُولُ فِي الفداء [ (35) ] قال فو اللَّه إِنِّي لَأَمْشِي مَعَهُمَا إِذْ رَآهُمَا مَعِي بِلَالٌ. فَقَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَقُلْتُ: أَيْ بِلَالُ أبا سيريّ؟ فَقَالَ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. فَقُلْتُ: هَلْ تَسْمَعُ يا بن السَّوْدَاءِ؟ فَقَالَ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، ثُمَّ
صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، رَأْسُ الْكُفْرِ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَأَحَاطُوا بِنَا حَتَّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمَسَكَةِ [ (36) ] وَجَعَلْتُ أَذُبُّ عَنْهُمَا وَأَقُولُ: أَسِيرَيَّ إِذْ خَلَفَ رَجُلٌ السَّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَيَّ أُمَيَّةَ، ضَرَبَهُمَا فَطَرَحَهُمَا فَصَاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً واللَّه مَا سَمِعْتُ صَيْحَةً مِثْلَهَا، فَقُلْتُ: انْجُ بِنَفْسِكَ فو اللَّه مَا أُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا- وَلَا نَجَاءَ بِهِ- فَهَبَرُوهُمَا واللَّه بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّه بِلَالًا ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي، وَفَجَعَنِي بِأَسِيرِي» [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ [عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ] [ (38) ] «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: مَا نَرَاهُ إِلَّا يَنْطَلِقُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ [ (39) ] فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ: أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّه وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّه حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا ونقمة وحسرة وندامة» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ [ (40) ] . وَفِي قَوْلِ قَتَادَةَ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ إِنْكَارِهَا إِسْمَاعَ الْمَوْتَى فِيمَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ. إنهم قد تبوّأوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ. إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ» [ (41) ] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَغَيْرِهِ [ (42) ] ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَمَا رَوَتْ لَا يَدْفَعُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَمْنَعُ مِنَ السَّمَاعِ، وَقَدْ وَافَقَهُ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَبُو طلحة الأنصاري، واستدلاها بِقَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الموتى فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْهُمْ وَهُمْ مَوْتَى لَكِنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَاهُمْ حَتَّى
أَسْمَعَهُمْ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَصْغِيرًا [وَحَسْرَةً] وَنَدَامَةً] [ (43) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه بْنُ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: «وَكَانَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرٌ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَقُولُ بِمَكَّةَ فِيهِ بَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرٍ [ (44) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُهُ: اللهُمَّ كُبَّهُ لِمَنْخَرِهِ واصْرَعْهُ، فَجَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيُّ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبْرًا» [ (45) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: اللهُمَّ اكْفِنِي نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قتله [ (46) ] .
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَجَابَ دَعْوَتِي فِيهِ» [ (47) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [ (48) ] قَالَ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّه كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ [ (49) ] . زَادَ، قَالَ: «النَّارُ يَوْمُ بَدْرٍ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سهل الغازي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، قَالَ: حدثنا سعيد ابن أَبِي مَرْيَمَ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْأَدْرَعِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ «أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّه تَعَالَى: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قَالَ هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ نُحِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ» . أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «مَا كَانَ بين نزول أول
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (50) ] وَبَيْنَ قول اللَّه تعالى: ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [ (51) ] إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى أَصَابَ اللَّه قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ» [ (52) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْأَحْوَلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مَعْنٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخَذَتْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رِيحٌ عَقِيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ [عَنِ سِمَاكٍ] [ (53) ] عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْقَتْلَى قِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ الْعِيرَ [ (54) ] لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ، فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ: إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَكَ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَنْجَزَ لَكَ ما وعدك» [ (55) ] .
باب [1] ما ذكر في المغازي من دعائه يوم بدر خبيبا وانقلاب الخشب في يد من أعطاه سيفا، ورده عين قتادة بن النعمان إلى مكانها بعد أن سالت حدقته على وجنته حتى عادت إلى حالها
بَابُ [ (1) ] مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ خُبَيْبًا وَانقِلَابِ الْخَشَبِ فِي يَدِ مَنْ أَعْطَاهُ سَيْفًا، وَرَدِّهِ عَيْنَ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ إِلَى مَكَانِهَا بَعْدَ أَنْ سَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ حَتَّى عَادَتْ إِلَى حَالِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «ضُرِبَ خُبَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ عَدِيٍّ [ (2) ]
يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَالَ شِقُّهُ، فَتَفَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَلَأَمَهُ وَرَدَّهُ فَانْطَبَقَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: «وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَهُوَ الَّذِي قَاتَلَ بِسَيْفِهِ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ جِذْلًا [ (3) ] مِنْ حَطَبٍ، وَقَالَ: قَاتِلْ بِهَا يَا عُكَّاشَةُ [ (4) ] فَلَمَّا أَخَذَهُ مِنْ يد
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَزَّهُ فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ، شَدِيدَ الْمَتْنِ، أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى فَتَحَ اللَّه تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قُتِلَ يَعْنِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَهُوَ عِنْدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفُ يُسَمَّى الْقَوِيَّ» [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: «فَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّتِهِ قَالَتْ: قَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: «انْقَطَعَ سَيْفِي يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ وَقَاتَلْتُ حَتَّى هَزَمَ اللَّه الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ» [ (6) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلْ عِدَّةٍ، قَالُوا: «انْكَسَرَ سَيْفُ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَقِيَ أَعْزَلَ لَا سِلَاحَ مَعَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ عَرَاجِينِ [ (7) ] بن طَابٍ [ (8) ] . فَقَالَ اضْرِبْ بِهِ فَإِذَا سَيْفٌ جَيِّدٌ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ» [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّه
ابن عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ «أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا، فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ» [ (10) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَجَمَّعَ النَّاسُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ فَنَظَرْتُ إِلَى قِطْعَةٍ مِنْ دِرْعِهِ قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْ تَحْتِ إِبْطِهِ، قَالَ: فَأَطْعَنُهُ بِالسَّيْفِ فِيهَا طَعْنَةً، فَقَطَعْتُهُ وَرُمِيتُ بِسَهْمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَفُقِئَتْ عَيْنِي فَبَصَقَ فِيهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لِي فَمَا آذَانِي مِنْهَا شيء» [ (11) ] .
باب سياق قصة بدر عن مغازي موسى بن عقبة فإنها فيما قال أهل العلم أصح المغازي، ولنأت على ما سقط من تلك القصة عما ذكرنا منها في الأخبار المتفرقة
بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ بَدْرٍ عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهَا فِيمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَصَحُّ الْمَغَازِي، وَلْنَأْتِ عَلَى مَا سَقَطَ مِنْ تِلْكَ الْقِصَّةِ عَمَّا ذَكَرْنَا مِنْهَا فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ وَمَعْنٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالُوا: كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْمَغَازِي قَالَ عَلَيْكَ بِمَغَازِي الرَّجُلِ الصَّالِحِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (1) ] رَحِمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] فَإِنَّهُ أَصَحُّ الْمَغَازِي. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ [عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) ] [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ [ (4) ] ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: «فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي عِيرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ وَمَعَهُ سَبْعُونَ رَاكِبًا مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، وَفِيهِمْ: مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ وَمَعَهُمْ خَزَائِنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَيُقَالُ: كَانَتْ عِيرُهُمْ أَلْفَ بَعِيرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُوقِيَّةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، إِلَّا حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، فَلِذَلِكَ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهُ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَتْلُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَأَسْرُ الرَّجُلَيْنِ: عُثْمَانَ، وَالْحَكَمِ. فَلَمَّا ذُكِرَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَدِيَّ بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي غَنْمٍ، وأصله من جهينة وبسبس يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو إِلَى الْعِيرِ عَيْنًا لَهُ، فَسَارَا حَتَّى أَتَيَا حَيًّا مِنْ جُهَيْنَةَ قَرِيبًا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْعِيرِ وَعَنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرُوهُمَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَرَجَعَا إِلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ فَاسْتَنْفَرَا الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ، وَذَلِكَ فِي رمضان.
وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْجُهَنِيِّينَ وَهُوَ مُتَخَوِّفٌ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَحَسُّوا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ الرَّاكِبَيْنِ: عَدِيِّ بْنِ أَبِي الزَّغْبَاءِ، وَبَسْبَسٍ، وَأَشَارُوا إِلَى مُنَاخِهِمَا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُذُوا مِنْ بَعْرِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَوَجَدَ فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِهِ عَلَائِفُ أَهْلِ يَثْرِبَ، وَهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَارُوا سِرَاعًا خَائِفِينَ للْطَلَبِ، وَبَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ: ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو، إِلَى قُرَيْشٍ: أَنِ انْفِرُوا فَاحْمُوا عِيرَكُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لِيَعْرِضُوا لَنَا. وَكَانَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَاكِنَةً بِمَكَّةَ، وَهِيَ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وَكَانَتْ مَعَ أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَرَأَتْ رُؤْيَا قَبْلَ بَدْرٍ، وَقَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ عَلَيْهِمْ، فَفَزِعَتْ مِنْهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَخِيهَا: الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ لَيْلَتِهَا، فَجَاءَهَا الْعَبَّاسُ، فَقَالَتْ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَدْ أَشْفَقْتُ مِنْهَا، وَخَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا الْهَلَكَةَ [ (5) ] ، قَالَ: وَمَاذَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: لَنْ أُحَدِّثَكَ حَتَّى تُعَاهِدَنِي أَنَّكَ لَا تَذْكُرُهَا فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوهَا آذَوْنَا وَأَسْمَعُونَا مَا لَا نُحِبُّ، فَعَاهَدَهَا الْعَبَّاسُ فَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ غُدَرٍ اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَقْبَلَ يَصِيحُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَصَاحَ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، وَمَالَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَفَزِعَ لَهُ النَّاسُ أَشَدَّ الْفَزَعِ، قَالَتْ: ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَاحَ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، فَقَالَ: يَا آلَ غُدَرٍ، وَيَا آلَ فُجَرٍ: اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ أَبِي قُبَيْسٍ، كَذَلِكَ يَقُولُ يَا آلَ غُدَرٍ وَيَا آلَ فُجَرٍ، حَتَّى أَسْمَعَ مَنْ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَنَزَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَقْبَلَتِ الصَّخْرَةُ لَهَا حِسٌّ شَدِيدٌ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَصْلِ الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ فَلَا أَعْلَمُ بِمَكَّةَ دَارًا وَلَا بَيْتًا إِلَّا
قَدْ دَخَلَتْهَا فِلْقَةٌ مِنْ تِلْكَ الصَّخْرَةِ فَقَدْ خَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ. فَفَزِعَ الْعَبَّاسُ مِنْ رُؤْيَاهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عتبة بن ربيعة مِنْ آخِرِ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ الْوَلِيدُ خَلِيلًا لِلْعَبَّاسِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَذْكُرَهَا لِأَحَدٍ، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ، وَذَكَرَهَا عُتْبَةُ لِأَخِيهِ شَيْبَةَ، فَارْتَفَعَ الْحَدِيثُ حَتَّى بَلَغَ أَبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَامٍ، وَاسْتَفَاضَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَا الْعَبَّاسُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَوَجَدَ فِي الْمَسْجِدِ أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْعَبَّاسِ نَادَاهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِذَا قَضَيْتَ طَوَافَكَ فَهَلُمَّ إِلَيْنَا فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَا رُؤْيَا رَأَتْهَا عَاتِكَةُ فَقَالَ: مَا رَأَتْ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ بِكَذِبِ الرِّجَالِ حَتَّى جِئْتُمُونَا بِكَذِبِ النِّسَاءِ، إنما كُنَّا وَإِيَّاكُمْ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ فَاسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ مُنْذُ حِينٍ فَلَمَّا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قُلْتُمْ مِنَّا نَبِيٌّ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ تَقُولُوا: مِنَّا نَبِيَّةٌ، فَمَا أَعْلَمُ فِي قُرَيْشٍ أَهْلَ بَيْتٍ أَكْذَبَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا مِنْكُمْ، وَآذَاهُ أَشَدَّ الْأَذَى. وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: زَعَمَتْ عَاتِكَةُ أَنَّ الرَّاكِبَ قَالَ: اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَلَوْ قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الثَّلَاثُ تَبَيَّنَتْ قُرَيْشٌ كَذِبَكُمْ، وَكَتَبْنَا سِجِلًّا: أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ رَجُلًا وَامْرَأَةً. أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي قُصِيٍّ أَنْ ذَهَبْتُمْ بِالْحِجَابَةِ وَالنَّدْوَةِ وَالسِّقَايَةِ وَاللِّوَاءِ وَالرِّفَادَةِ، حَتَّى جِئْتُمُونَا بِنَبِيٍّ مِنْكُمْ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ، فَإِنَّ الْكَذِبَ فِيكَ وَفِي أَهْلِ بَيْتِكَ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُمَا: مَا كُنْتَ يَا أَبَا الْفَضْلِ جَهُولًا، وَلَا خَرِقًا. وَلَقِيَ الْعَبَّاسُ مِنْ عَاتِكَةَ فِيمَا أَفْشَى عَلَيْهَا مِنْ رُؤْيَاهَا أَذًى شَدِيدًا، فَلَمَّا
كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الثالثة من الليلة الَّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ فِيهَا الرُّؤْيَا، جَاءَهُمُ الرَّاكِبُ الَّذِي بَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ، وَهُوَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ فَصَاحَ فَقَالَ: يَا آلَ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ انْفِرُوا فَقَدْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ يَعْتَرِضُونَ لِأَبِي سُفْيَانَ فَأَحْرِزُوا عِيرَكُمْ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ أَشَدَّ الْفَزَعِ، وَأَشْفَقُوا مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ. وَقَالَ الْعَبَّاسُ: هَذَا زَعَمْتُمْ كَذَا وَكَذَّبَ عَاتِكَةَ فَنَفَرُوا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ. وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيَظُنُ مُحَمَّدٌ أَنْ يُصِيبَ مِثْلَ مَا أَصَابَ بِنَخْلَةَ سَيعْلَمُ أَنَمْنَعُ عِيرَنَا أَمْ لَا. فَخَرَجُوا بِخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَسَاقُوا مِائَةَ فَرَسٍ، وَلَمْ يَتْرُكُوا كَارِهًا لِلْخُرُوجِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ فِي صَغْوِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَا مُسْلِمًا يَعْلَمُونَ إِسْلَامَهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا مَنْ لَا يَتَّهِمُونَ إِلَّا أَشْخَصُوهُ مَعَهُمْ، فَكَانَ مِمَّنْ أَشْخَصُوا العباس بن عبد المطلب، وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَطَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَقِيلُ ابن أَبِي طَالِبٍ، فِي آخَرِينَ فَهُنَالِكَ يَقُولُ طَالِبُ بْنُ أبي طالب: إِمَّا يَخْرُجَنَّ طَالِبْ ... بِمِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبْ فِي نَفَرٍ مُقَاتِلٍ مُحَارِبْ ... فَلْيَكُنِ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السَّالِبْ وَالرَّاجِعُ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبْ فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْجُحْفَةَ. نَزَلُوهَا عِشَاءً يَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ يُقَالُ لَهُ جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَوَضَعَ جُهَيْمٌ رَأْسَهُ فَأَغْفَى ثُمَّ فَزِعَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَيْتُمُ الْفَارِسَ الَّذِي وَقَفَ عَلَيَّ آنِفًا فَقَالُوا لَا. فَإِنَّكَ مَجْنُونٌ. فَقَالَ قَدْ وَقَفَ عَلَيَّ فَارِسٌ آنِفًا فَقَالَ: قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَزَمْعَةُ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَعَدَّ أَشْرَافًا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: إِنَّمَا لَعِبَ بِكَ الشَّيْطَانُ وَرُفِعَ حَدِيثُ جُهَيْمٍ
إِلَى أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: قَدْ جِئْتُمُونَا بِكَذِبِ بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ كَذِبِ بَنِي هَاشِمٍ، سَتَرَوْنَ غَدًا مَنْ يُقْتَلُ. ثُمَّ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عِيرُ قُرَيْشٍ جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ وَفِيهَا: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فَسَلَكَ حِينَ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، وَرَجَعَ حِينَ رَجَعَ مِنْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، فَنَفَرَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَفَرَ ومعه ثلاثمائة وَسِتَّةَ عَشَرَ [رَجُلًا] [ (6) ] . وَفِي رواية ابن فليح ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَبْطَأَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَتَرَبَّصُوا وَكَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَعَزَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى [ (7) ] فِيهَا الْإِسْلَامَ. فَخَرَجَ فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يُرِيدُونَ إِلَّا الْعِيرَ فَسَلَكَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ وَالْمُسْلِمُونَ غَيْرُ مُقَوِّينَ مِنَ الظَّهْرِ وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَلَى النَّوَاضِحِ يَعْتَقِبُ النَّفَرُ مِنْهُمْ عَلَى الْبَعِيرِ الواحد، وكان زميل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ حَلِيفَ حَمْزَةَ، فَهُمْ مَعَهُ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا بَعِيرٌ وَاحِدٌ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ لَقِيَهُمْ رَاكِبٌ مِنْ قِبَلِ تِهَامَةَ، وَالْمُسْلِمُونَ يَسِيرُونَ فَوَافَقَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهِ فلما يئسوا مِنْ خَبَرِهِ قَالُوا لَهُ: سَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّه؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: أَيُّكُمْ هُوَ؟ فَأَشَارُوا لَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّه كَمَا تَقُولُ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّه كَمَا تَزْعُمُ فَحَدِّثْنِي بِمَا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: وَقَعْتَ عَلَى نَاقَتِكَ فَحَمَلَتْ مِنْكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ سَلَمَةُ حِينَ سَمِعَهُ أَفْحَشَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يلقاه خبر
وَلَا يَعْلَمُ بِنُفْرَةِ قُرَيْشٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَشِيرُوا عَلَيْنَا فِي أَمْرِنَا وَمَسِيرِنَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّا أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَسَافَةِ الْأَرْضِ: أَخْبَرَنَا عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ أَنَّ الْعِيرَ كَانَتْ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا قَالَ: ابْنُ فُلَيْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: فَكَأَنَّا وَإِيَّاهُمْ فَرَسَا رِهَانٍ إِلَى بَدْرٍ ثُمَّ اتَّفَقَا قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّهَا قُرَيْشٌ وَعِزُّهَا واللَّه مَا ذَلَّتْ مُنْذُ عَزَّتْ وَلَا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ، واللَّه لَتُقَاتِلَنَّكَ. فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَأَعْدِدْ لَهُ عُدَّتَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو عَدِيدُ بَنِي زُهْرَةَ: إِنَّا لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وربك فقاتلا إنا ها هنا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَّبِعُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ كَثْرَةَ اسْتَشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَيُشِيرُونَ فَيَرْجِعُ إِلَى الْمَشُورَةِ ظَنَّ سَعْدٌ أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُ الْأَنْصَارَ شَفَقًا [أَلَّا] [ (8) ] يَسْتَحْوِذُوا مَعَهُ أَوْ قَالَ: أَلَّا يَسْتَجْلِبُوا مَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لَعَلَّكَ يَا رَسُولَ اللَّه تَخْشَى أَنْ لَا تَكُونَ الْأَنْصَارُ يُرِيدُونَ مُوَاسَاتَكَ وَلَا يَرَوْنَهَا حَقًّا عَلَيْهِمْ إِلَّا بِأَنْ يَرَوْا عَدُوًّا فِي بُيوتِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الْأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّه، فَأَظْعِنْ حَيْثُ شِئْتَ وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَهُ مِنَّا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ عَلَيْنَا، وَمَا ائْتَمَرْتَ مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنَا لِأَمْرِكَ فِيهِ تَبَعٌ، فو اللَّه لَوْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غِمْدِ ذِي يَمَنٍ لَسِرْنَا مَعَكَ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ سَعْدٌ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَإِنِّي قَدْ أُرِيتُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ فَعَمَدَ لِبَدْرٍ.
وَخَفَضَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَصِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَخَافَ الرَّصَدَ عَلَى بَدْرٍ وَكَتَبَ إِلَى قُرَيْشٍ حِينَ خَالَفَ مَسِيرَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ مَا مَعَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فَإِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا رَكْبَكُمْ فَقَدْ أُحْرِزَ لَكُمْ فَلَقِيَهُمْ هَذَا الْخَبَرُ بِالْجُحْفَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: واللَّه لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَقْدَمَ بَدْرًا فَنُقِيمَ بِهَا وَنُطْعِمَ مَنْ حَضَرَنَا مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ لَنْ يَرَانَا أَحَدٌ مَنَ الْعَرَبِ فَيُقَاتِلَنَا فَكَرِهَ ذَلِكَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ فَأَحَبَّ أَنْ يَرْجِعُوا. وَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْعَةِ فَأَبَوْا وَعَصَوْهُ وَأَخَذَتْهُمْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا يَئِسَ الْأَخْنَسُ مِنْ رُجُوعِ قُرَيْشٍ أَكَبَّ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ فَأَطَاعُوهُ فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَدْرًا وَاغْتَبَطُوا بِرَأْيِ الْأَخْنَسِ وَتَبَرَّكُوا بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مُطَاعًا حَتَّى مَاتَ. وَأَرَادَتْ بَنُو هَاشِمٍ الرُّجُوعَ فِيمَنْ رَجَعَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَقَالَ: واللَّه لَا تُفَارِقُنَا هَذِهِ الْعِصَابَةُ حَتَّى نَرْجِعَ. وَسَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ بَدْرٍ عِشَاءً، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَبَسْبَسًا الْأَنْصَارِيَّ عَدِيدَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَهُوَ أَحَدُ جُهَيْنَةَ فِي عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمُ: انْدَفِعُوا إِلَى هَذِهِ الظِّرَابِ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ بَدْرٍ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَجِدُوا الْخَيْرَ عِنْدَ الْقَلِيبِ الَّذِي يَلِي الظِّرَابِ، فَانْطَلَقُوا مُتَوَشِّحِي السُّيُوفَ فَوَجَدُوا وَارِدَ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْقَلِيبِ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا غُلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا لِبَنِي الْحَجَّاجِ أَسْوَدُ وَالْآخَرُ لِآلِ الْعَاصِ يُقَالُ لَهُ أَسْلَمُ، وَأَفْلَتَ [ (9) ] أَصْحَابُهُمَا قِبَلَ قُرَيْشٍ فَأَقْبَلُوا بِهِمَا حَتَّى أَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ دُونَ الْمَاءِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَ الْعَبْدَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُمَا لَهُمْ، فَطَفِقَا يُحَدِّثَانِهِمْ عَنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ وَعَنْ رُؤُوسِهِمْ فَيُكَذِّبُونَهُمَا وَهُمْ أَكْرَهُ شَيْءٍ لِلَّذِي يُخْبِرَانِهِمْ وَكَانُوا يَطْمَعُونَ بِأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ وَيَكْرَهُونَ قُرَيْشًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يصلي يسمع ويرى
الَّذِي يَصْنَعُونَ بِالْعَبْدَيْنِ، فَجَعَلَ الْعَبْدَانِ إِذَا أَذْلَقُوهُمَا بِالضَّرْبِ يَقُولَانِ نَعَمْ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَالرَّكْبُ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَسْفَلَ مِنْكُمْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [ (10) ] قَالَ فَطَفِقُوا إِذَا قَالَ الْعَبْدَانِ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْكُمْ كَذَّبُوهُمَا وَإِذَا قَالَا هَذَا أَبُو سُفْيَانَ تَرَكُوهُمَا. فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم صَنِيعَهُمْ بِهِمَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَقَالَ: مَاذَا أَخْبَرَاكُمْ؟ قَالُوا أَخْبَرَانَا أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَاءَتْ قَالَ فَإِنَّهُمَا قَدْ صَدَقَا واللَّه إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُمَا إِذَا صَدَقَا وَتَتْرُكُونَهُمَا إِذَا كَذَبَا. خَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِتُحْرِزَ رَكْبَهَا وَخَافُوكُمْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الْعَبْدَيْنِ فَسَأَلَهُمَا فَأَخْبَرَاهُ بِقُرَيْشٍ وَقَالَا لَا عِلْمَ لَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي واللَّه هُمْ كَثِيرٌ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَطْعَمَهُمْ أَمْسُ؟» فَسَمَّيَا رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ قَالَ كَمْ نَحَرَ لَهُمْ؟ قَالَا: عَشْرَ جَزَائِرَ، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَهُمْ أَوَّلَ أَمْسُ؟» فَسَمَّيَا رَجُلًا آخَرَ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: «كَمْ نَحَرَ لَهُمْ؟» قَالَا: تِسْعًا فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِ مِائَةِ وَالْأَلْفِ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بِتِسْعِ جَزَائِرَ يَنْحَرُونَهَا يوما وعشر يَنْحَرُونَهَا يَوْمًا. وَزَعَمُوا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَحَرَ لَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ أبو جهل بن هشام، وَنَحَرَ لَهُمْ بِمَرٍّ عَشْرَ جَزَائِرَ. ثُمَّ نَحَرَ لَهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِعُسْفَانَ تِسْعَ جَزَائِرَ وَنَحَرَ لَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو بِقُدَيْدٍ عَشْرَ جَزَائِرَ، وَمَالُوا مِنْ قُدَيْدٍ إِلَى مِيَاهٍ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ فَظَلُّوا فِيهَا وَأَقَامُوا بِهَا يَوْمًا فَنَحَرَ لَهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تِسْعًا ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْجُحْفَةِ فَنَحَرَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَشْرًا ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْأَبْوَاءِ فَنَحَرَ لَهُمْ نُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ أَوْ قَالَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَشْرًا، وَنَحَرَ لَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بن
نَوْفَلٍ تِسْعًا وَنَحَرَ لَهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ عَشْرَ جَزَائِرَ وَنَحَرَ لَهُمْ مِقْيَسٌ الْجُمَحِيُّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ تِسْعًا ثُمَّ شَغَلَتْهُمُ الْحَرْبُ فَأَكَلُوا مِنْ أَذْوَادِهِمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْمَنْزِلِ فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسِيرَ إِلَى قَلِيبٍ مِنْهَا قَدْ عَرَفْتُهَا كَثِيرَةِ الْمَاءِ عَذْبَةٍ فَتَنْزِلَ عَلَيْهَا وَتَسْبِقَ الْقَوْمَ إِلَيْهَا وَتُغَّوِرَ مَا سِوَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِيرُوا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ وَعَدَكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ» فَوَقَعَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ كَثِيرُ الْخَوْفِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ تَخَاذُلٍ مِنْ تَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ. فَسَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مُسَابِقِينَ إِلَى الْمَاءِ وَسَارَ الْمُشْرِكُونَ سِرَاعًا يُرِيدُونَ الْمَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَطَرًا وَاحِدًا فَكَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَلَاءً شَدِيدًا مَنَعَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دِيمَةً خَفِيفَةً لَبَّدَ لَهُمُ الْمَسِيرَ وَالْمَنْزِلَ وَكَانَتْ بَطْحَاءَ دَهِسَةً فَسَبَقَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمَاءِ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ شَطْرَ اللَّيْلِ، فَاقْتَحَمَ الْقَوْمُ فِي الْقَلِيبِ فَمَاحُوهَا حَتَّى كَثُرَ مَاؤُهَا وَصَنَعُوا حَوْضًا عَظِيمًا ثُمَّ غَوَّرُوا مَا سِوَاهُ مِنَ الْمِيَاهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ مَصَارِعُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى بِالْغَدَاةِ، وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ [ (11) ] وَيُقَالُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَلَى الْآخَرِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَمَرَّةً الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَمَرَّةً الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عَلَى الْحِيَاضِ فَلَمَّا طَلَعَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - زَعَمُوا: اللهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا وَعَدْتَنِي- وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْسِكٌ بِعَضُدِ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ: - اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا وَعَدْتَنِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نبي اللَّه أبشر فو الذي نفسي بيده
لَيُنْجِزَنَّ اللهُ تَعَالَى لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَاسْتَنْصَرَ الْمُسْلِمُونَ اللهَ تَعَالَى وَاسْتَغَاثُوهُ فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ. وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وَمَعَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ يُحَدِّثُهُمْ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ وَرَاءَهُ قَدْ أَقْبَلُوا لِنَصْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ لِمَا أَخْبَرَهُمْ مِنْ سَيْرِ بَنِي كِنَانَةَ. قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ [ (12) ] هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنِ ادَّعَى الْإِسْلَامَ وَخَرَجَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا لَمَّا رَأَوْا قِلَّةً مَعَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (13) ] الْآيَةَ كُلَّهَا. وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نَزَلُوا وَتَعَبَّوْا لِلْقِتَالِ وَالشَّيْطَانُ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُهُمْ، فَسَعَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ مَا عِشْتَ؟ قَالَ عُتْبَةُ: فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَ تُجِيرُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَحَمَّلُ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَبِمَا أَصَابَ مُحَمَّدٌ مِنْ تِلْكَ الْعِيرِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ هَذِهِ الْعِيرِ، وَدَمِ هَذَا الرَّجُلِ. قَالَ عُتْبَةُ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلْتُ وَنِعِمَّا قُلْتَ، وَنِعِمَّا دَعَوْتَ إِلَيْهِ، فَاسْعَ فِي عَشِيرَتِكَ فَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِهَا، فَسَعَى حَكِيمٌ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، وَرَكِبَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ جَمَلًا لَهُ فَسَارَ عَلَيْهِ فِي صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي فَإِنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ عِنْدَهُمْ غَيْرَ دَمِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَمَا أَصَابُوا مِنْ عِيرِكُمْ تِلْكَ، وَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِوَفَاءِ ذَلِكَ، وَدَعُوا هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كان
كَاذِبًا وَلِيَ قَتْلَهُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّ فِيهِمْ رِجَالًا لَكُمْ فِيهِمْ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ، وَإِنَّكُمْ إِنْ تَقْتُلُوهُمْ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوِ ابْنِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِ عَمِّهِ، فَيُورِثُ ذَلِكَ فِيهِمْ إِحَنًا وَضَغَائِنَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا كُنْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ تَقْتُلُوَا النَّبِيَّ فَتُسَبُّوا بِهِ، وَلَنْ تَخْلُصُوا أَحْسَبُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يُصِيبُوا أَعْدَادَهُمْ، وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدَّبْرَةُ عَلَيْكُمْ، فَحَسَدَهُ أَبُو جَهْلٍ عَلَى مَقَالَتِهِ، وَأَبَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُنْفِذَ أَمْرَهُ. وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْمُشْرِكِينَ فَعَمَدَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَهُوَ أَخُو الْمَقْتُولِ، فَقَالَ: هَذَا عُتْبَةُ يُخَذِّلُ بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ تَحَمَّلَ بِدِيَةِ أَخِيكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ قَابِلُهَا أَفَلَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقْبَلُوا الدِّيَةَ؟ وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ: إِنَّ عُتْبَةَ قَدْ عَلِمَ أَنَّكُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَمَنْ مَعَهُ وَفِيهِمُ ابْنُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَهُوَ يَكْرَهُ صَلَاحَكُمْ. وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِعُتْبَةَ وَهُوَ يَسِيرُ فِيهِمْ وَيُنَاشِدُهُمُ: انْتَفَخَ سَحْرُكَ. وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عُتْبَةَ: إِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَهُوَ عِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَإِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا فَلَمَّا حَرَّضَ أَبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلَى الْقِتَالِ أَمَرَ النِّسَاءَ يُعْوِلْنَ عَمْرًا فَقُمْنَ يَصِحْنَ وا عمراه وا عمراه، تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ وَقَامَ رِجَالٌ فَتَكَشَّفُوا يُعَيِّرُونَ بِذَلِكَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْقِتَالِ وَقَالَ عُتْبَةُ لِأَبِي جَهْلٍ سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ مَنِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَرْشَدُ وَأَخَذَتْ قُرَيْشٌ مَصَافَّهَا لِلْقِتَالِ وَقَالُوا لِعُمَيْرِ بْنِ وهب: اركب فاحرز لَنَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَعَدَ عُمَيْرٌ عَلَى فَرَسِهِ فَأَطَافَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ حزرتهم بثلاثمائة مُقَاتِلٍ زَادُوا شَيْئًا أَوْ نَقَصُوا شَيْئًا، وَحَزَرْتُ سَبْعِينَ بَعِيرًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَنْظِرُونِي حَتَّى أَنْظُرَ هَلْ لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ خَبِيءٌ، فَأَطَافَ حَوْلَهُمْ وَبَعَثُوا خَيْلَهُمْ مَعَهُ، فَأَطَافُوا حَوْلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا: لَا مَدَدَ لَهُمْ وَلَا خَبِيءَ، وَإِنَّمَا هُمْ أُكْلَةُ جَزُورٍ طَعَامٌ مَأْكُولٌ. وَقَالُوا لِعُمَيْرٍ حَرِّشْ بَيْنَ الْقَوْمِ فَحَمَلَ عُمَيْرٌ عَلَى الصَّفِّ وَرَجَعُوا بِمِائَةِ
فَارِسٍ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُقَاتِلُوا حَتَّى أُؤْذِنَكُمْ وَغَشِيَهُ نَوْمٌ فَغَلَبَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى بَعْضٍ، جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ دَنَا الْقَوْمُ وَنَالُوا مِنَّا، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَرَاهُ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا، وَقَلَّلَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى طَمَعَ بَعْضُ الْقَوْمِ فِي بَعْضٍ، وَلَوْ أَرَاهُ عَدَدًا كَثِيرًا لَفَشِلُوا وَلَتَنَازَعُوا فِي الْأَمْرِ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَرَسَانِ: أَحَدُهُمَا لِأَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، وَالْآخَرُ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَامَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَوَعَظَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ الْيَوْمَ، فَقَامَ عُمَيْرُ بْنُ حُمَامٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ عَنْ عَجِينٍ كَانَ يَعْجِنُهُ لِأَصْحَابِهِ حِينَ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ لِيَ الْجَنَّةَ إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَدَّ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّه مَكَانَهُ فَاسْتَشْهَدَهُ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ. ثُمَّ أَقْبَلَ الْأَسْوَدُ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ يَحْلِفُ بِآلِهَتِهِ لَيَشْرَبَنَّ مِنَ الْحَوْضِ الَّذِي صَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَيَهْدِمَنَّهُ فَشَدَّ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحَوْضِ لَقِيَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا، فَأَقْبَلَ يَحْبُو حَتَّى وَقَعَ فِي جَوْفِ الْحَوْضِ فَهَدَمَ مِنْهُ وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ حَتَّى قَتَلَهُ. فَلَمَّا قُتِلَ الْأَسْوَدُ بْن ُعَبْدِ الْأَسَدِ نَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ جَمَلِهِ حَمِيَّةً لِمَا قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ، ثُمَّ نَادَى هل من مبارز؟ فو اللَّه لَيَعَلَمَنَّ أَبُو جَهْلٍ أَيُّنَا أَجْبَنُ وَأَلْأَمُ، وَلَحِقَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ، وَالْوَلِيدُ ابْنُهُ، فَنَادَيَا يَسْأَلَانِ الْمُبَارَزَةَ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتَحْيَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ قِتَالٍ الْتَقَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ شَاهِدٌ مَعَهُمْ، فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ الشَّوْكَةُ لِبَنِي عَمِّهِ، فَنَادَاهُمُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم: أَنِ ارْجِعُوا إِلَى مَصَافِّكُمْ، وَلْيَقُمْ إِلَيْهِمْ بَنُو عَمِّهِمْ، فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ
ابن الْمُطَّلِبِ، فَبَرَزَ حَمْزَةُ لِعُتْبَةَ، وَبَرَزَ عُبَيْدَةُ لِشَيْبَةَ، وَبَرَزَ عَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ] [ (14) ] لِلْوَلِيدِ، فَقَتَلَ حَمْزَةُ عُتْبَةَ، وَقَتَلَ عُبَيْدَةُ شَيْبَةَ، وَقَتَلَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ، وَضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَهَا، فَاسْتَنَقَذَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ، فَحُمِلَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِالصَّفْرَاءِ، وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ: أَيَا عَيْنُي جُودِي بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ تَدَاعَى [ (15) ] لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ يُذِيقُونَهُ حَرَّ أَسْيَافِهِمْ ... يُعَلِّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ ضُرِبْ وَعِنْدَ ذَلِكَ نَذَرَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لَتَأْكُلَنَّ مِنْ كَبِدِ حَمْزَةَ إِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا، فَكَانَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ قَبْلَ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ، وَعَجَّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى اللَّه يَسْأَلُونَهُ النَّصْرَ حِينَ رَأَوُا الْقِتَالَ قَدْ نَشِبَ، وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَدَيْهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى يَسْأَلُهُ مَا وَعَدَهُ وَيَسْأَلُهُ النَّصْرَ، وَيَقُولُ: «اللهُمَّ إِنْ ظُهِرَ عَلَى هَذَه الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشِّرْكُ، وَلَمْ يَقُمْ لَكَ دِينٌ» . وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّه وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنِ الْمَلَائِكَةِ جُنْدًا فِي أَكْتَافِ الْعَدُوِّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّه نَصْرَهُ، وَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْتَجِرًا يَقُودُ فَرَسًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَلَمَّا هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ جَلَسَ عَلَيْهَا فَتَغَيَّبَ عَنِّي سَاعَةً ثُمَّ رَأَيْتُ عَلَى شِقَّيْهِ غُبَارًا» .
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ اللهُمَّ انْصُرْ خَيْرَ الدِّينَيْنِ، اللهُمَّ دِينُنَا الْقَدِيمُ، وَدِينُ مُحَمَّدٍ الْحَدِيثُ، وَنَكَصَ الشَّيْطَانُ عَلَى عَقِبَيْهِ حِينَ رَأَى الْمَلَائِكَةَ، وَتَبَرَّأَ مِنْ نَصْرِ أَصْحَابِهِ، فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَأَمَرَهُمْ بِأَمْرِهِ وَحَدَّثَهُمْ أَنَّهُ مَعَهُمْ، وَأَمَرَ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْءَ كَفَّهِ مِنَ الْحَصْبَاءِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ اللَّه [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] [ (16) ] تِلْكَ الْحَصْبَاءَ عَظِيمًا شَأْنُهَا لَمْ تَتْرُكْ مِنَ الْمُشْرِكينَ رَجُلًا إِلَّا مَلَأَتْ عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ قَتْلًا مَعَهُمُ اللَّه وَالْمَلَائِكَةُ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَيَجِدُونَ النَّفَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ، لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ يُعَالِجُ التُّرَابَ يَنْزِعُهُ مِنْ عَيْنَيْهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْقِتَالِ إِنْ رَأَوُا الظُّهُورَ أَنْ لَا يَقْتُلُوا عَبَّاسًا، وَلَا عَقِيلًا، وَلَا نَوْفَلَ بْنَ الْحَرْثِ وَلَا الْبَخْتَرِيَّ فِي رِجَالٍ، فَأُسِرَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ فِي رِجَالٍ مِمَّنْ أَوْصَى بِهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ إِلَّا أَبَا الْبَخْتَرِيِّ فإنه أبا أَنْ يَسْتَأْسِرَ وَذَكَرُوا لَهُ- زَعَمُوا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلُوهُ إِنِ اسْتَأْسَرَ، فَأَبَى وَأُسِرَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسَارِهِ الْتِمَاسَ الْفِدَاءِ، قَالَ: وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ أَبَا الْيَسَرِ قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ- وَيَأْبَى عَظِيمُ النَّاسِ، إِلَّا أَنَّ الْمُجَدَّرَ، هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ، بَلْ قَتَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ، وَسَلَبَهُ سَيْفَهُ وَكَانَ عِنْدَ بَنِيهِ حَتَّى بَاعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي البختري وقال المجدّر: بَشِّرْ بِيُتْمٍ إِنْ لَقِيتَ الْبَخْتَرِي ... وَبَشِّرَنْ بِمِثْلِهَا مِنِّي بَنِي أَنَا الَّذِي أَزْعُمُ أَصْلِي مِنْ بَلِي ... أَطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ حَتَّى تَنْثَنِي وَلَا تَرَى مُجَدَّرًا يَفْرِي فَرِي فَزَعَمُوا أَنَّهُ نَاشَدَهُ إِلَّا اسْتَأْسَرَ وأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ إن
اسْتَأْسَرَ فَأَبَى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ أَنْ يَسْتَأْسِرَ وَشَدَّ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَطَعَنَهُ الْأَنْصَارِيُّ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ. وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْقَتْلَى فَالْتَمَسَ أَبَا جَهْلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللهُمَّ لَا يُعْجِزْنِي فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَسَعَى لَهُ الرِّجَالُ حَتَّى وَجَدَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ مَصْرُوعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْرَكَةِ غَيْرُ كَبِيرٍ، مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ وَاضِعًا سَيْفَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهُ عُضْوًا وَهُوَ مُنْكَبٌّ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ. فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ أَطَافَ حَوْلَهُ لِيَقْتُلَهُ وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يَثُورَ إِلَيْهِ وَأَبُو جَهْلٍ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ وَأَبْصَرَهُ لَا يَتَحَرَّكُ ظَنَّ عَبْدُ اللَّه أَنَّ أَبَا جَهْلٍ مُثْبَتٌ جِرَاحًا فَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهَ بِسَيْفِهِ فَخَشِيَ أَنْ لَا يُغْنِي سَيْفُهُ شَيْئًا فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَتَنَاوَلَ قَائِمَ سَيْفِهِ فَاسْتَلَّهُ وَهُوَ مُنْكَبٌّ لَا يَتَحَرَّكُ، فَرَفَعَ عَبْدُ اللَّه سَابِغَةَ الْبَيْضَةِ عَنْ قَفَاهُ فَضَرَبَهُ، فَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَلَبَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ إِذَا هُوَ لَيْسَ بِهِ جِرَاحٌ وَأَبْصَرَ فِي عُنُقِهِ جِدَرًا وَفِي يَدَيْهِ وَفِي كَتِفَيْهِ كَهَيْئَةِ آثَارِ السِّيَاطِ. وَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ ضَرْبُ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ: اللهُمَّ قَدْ أَنْجَزْتَ مَا وَعَدْتَنِي. وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَكَّةَ مَغْلُوبِينَ مُنْهَزِمِينَ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ الْحَيْسُمَانَ الْكَعْبِيُّ وَهُوَ جَدُّ حَسَنِ بْنِ غَيْلَانَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَسْأَلُونَهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ إِلَّا نَعَاهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ قَاعِدٌ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ: واللَّه مَا يَعْقِلُ هَذَا الرَّجُلُ، وَلَقَدْ طَارَ قَلْبُهُ سَلُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَظُنُّهُ سَوْفَ يَنْعَانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْحَيْسُمَانِ هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ ذَاكَ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَاهُ أميّة ابن خَلَفٍ قُتِلَ. ثُمَّ تَتَابَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَنَصَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَذَلَّ بِوَقْعَةِ بَدْرٍ رِقَابَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ مُنَافِقٌ وَلَا يَهُودِيٌّ إِلَّا وَهُوَ خَاضِعٌ عُنُقَهُ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى بَيْنَ الشِّرْكِ وَالْإِيمَانِ. وَقَالَتِ الْيَهُودُ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ واللَّه لَا يَرْفَعُ رَايَةً بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَّا ظَهَرَتْ. وَأَقَامَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى قَتْلَاهُمُ النَّوْحَ فِي كُلِّ دَارٍ مِنْ مَكَّةَ شَهْرًا وجزّ النساء رؤوسهنّ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرَّجُلِ أَوْ بِفَرَسِهِ فَيُوقَفُ بَيْنَ ظَهْرَيِ النِّسَاءِ فَيَنُحْنَ حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ فِي الْأَزِقَّةِ فَسَتَرْنَهَا بِالسُّتُورِ ثُمَّ خَرَجْنَ إِلَيْهَا يَنُحْنَ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْأَسْرَى صَبْرًا غَيْرَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أبي الْأَقْلَحِ أَخُو بَنِي عَمْرِو ابن عَوْفٍ لَمَّا أَبْصَرَهُ عُقْبَةُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ اسْتَغَاثَ بِقُرَيْشٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ عَلَامَ أُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ من ها هنا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم على عَدَاوَتِكَ اللَّه وَرَسُولَهُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ وَلَعَنَهُمْ وَهُوَ قَائِمٌ يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ رَجُلًا مُسَمَّنًا فَانْتَفَخَ فِي يَوْمِهِ فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي الْقَلِيبِ تَفَقَّأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: دَعُوهُ، وَهُوَ يَلْعَنُهُمْ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ نَافِعٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ عُمَرَ: قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّه أَتُنَادِي نَاسًا مَوْتَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلَ مِنْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ يُعَرِّفُهُمُ اللَّه نِعْمَتَهُ فِيمَا كَرِهُوا مِنْ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، فَقَالَ: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ [ (17) ] إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَثَلَاثِ آيات معها.
وَقَالَ: فِيمَا اسْتَجَابَ لِلرَّسُولِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (18) ] هَذِهِ الْآيَةَ وَأُخْرَى مَعَهَا وَأَنْزَلَ فِيمَا غَشِيَهُمْ مِنَ النُّعَاسِ أَمَنَةً منه حِينَ وَكَلَهُمْ إِلَيْهِ حِينَ أُخْبِرُوا بِقُرَيْشٍ فَقَالَ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا. سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [ (19) ] . هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، وَأَنْزَلَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَالْقَبْضَةِ الَّتِي رَمَى بِهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَصْبَاءِ واللَّه أَعْلَمُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً [ (20) ] هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، وَأَنْزَلَ فِي اسْتِفْتَاحِهِمْ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (21) ] وَقَالَ فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ (22) ] هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا ثُمَّ أَنْزَلَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (23) ] فِي سَبْعِ آيَاتٍ مَعَهَا. وَأَنْزَلَ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَالَ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [ (24) ] وَالْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَنْزَلَ فِيمَا يَعِظُهُمْ بِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [ (25) ] الآية وثلاث آيات معها وَأَنْزَلَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ رجال
مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ [ (26) ] الْآيَةَ كُلَّهَا وَأَنْزَلَ فِي قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ [ (27) ] الْآيَةَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَعَهَا وَعَاتَبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَسَرُوا وَكَرِهَ الَّذِي صَنَعُوا أَلَّا يَكُونُوا أَثْخَنُوا الْعَدُوَّ بِالْقَتْلِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ. تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [ (28) ] ، ثُمَّ سَبَقَ مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إحلال الغنائم وكان حَرَامًا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَانَ فِيمَا يُتَحَدَّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ- واللَّه أَعْلَمُ- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَمْ تَكُنِ الْغَنَائِمُ تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلَنَا فَطَيَّبَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَنَا فَأَنْزَلَ فِيمَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِهِ بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ، فَقَالَ: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [ (29) ] هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا. وَقَالَ رِجَالٌ مِمَّنْ أُسِرَ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّا كُنَّا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا أُخْرِجْنَا كُرْهًا فَعَلَامَ يُؤْخَذُ مِنَّا الْفِدَاءُ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا قَالُوا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (30) ] . *** وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ بدر
بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، إِلَّا أنه لَمْ يُسَمِّ الْمُطْعِمِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا دَاوُدَ الْمَازِنِيَّ فِي قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، وَقَالَ فِي الْأُسَارَى: «فَلَمَّا أَحَلَّ اللَّه تَعَالَى فِدَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ قَالَتِ الْأُسَارَى مَا لَنَا عِنْدَ اللَّه مِنْ خَيْرٍ قَدْ قُتِلْنَا وَأُسِرْنَا فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَسُرُّهُمْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (31) ] فَأَحَلَّ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الْفِدَاءَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ خِيَانَتِهِمْ، وَبِمَا كَثَّرُوا عَلَيْهِ سَوَادَ الْقَوْمِ، وَلَوْ شَاءُوا خَرَجُوا إِلَيْهِ وَفَّرُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (32) ] الْآيَةَ كُلَّهَا وَمَا بَعْدَهَا حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ. وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَبَيَّنَ قَسْمَ الْغَنَائِمِ فَقَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [ (33) ] الْآيَةَ. وَأَنْزَلَ فِيمَنْ أُصِيبَ مِمَّنْ يُدْعَى بِالْإِسْلَامَ مَعَ الْعَدُوِّ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَفِيمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ مِمَّنْ يُطِيقُ الْخُرُوجَ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ [ (34) ] وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ [ (35) ] يَعْنِي بِالْفُرْقَانِ يَوْمَ بَدْرٍ يوم فرق
اللهُ تَعَالَى بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَفِي قَوْلِهِ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ [ (36) ] قَالَ: لَمَّا دَنَا [ (37) ] الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَلَّلَ اللهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ وَقَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ المشركون وما هؤلاء؟ غير هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَإِنَّمَا قَالُوا ذلك من قتلهم فِي أَعْيُنِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ سَيَهْزِمُونَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (38) ] .
باب عدد من استشهد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببدر وعدد من قتل من الكفار ومن أسر منهم يوم بدر
بَابُ عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَعَدَدِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ يوم بدر أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ [عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ] [ (1) ] قال: «وَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مِنْ قُرَيْشٍ: سِتَّةُ نَفَرٍ وَمَنَ الْأَنْصَارِ: ثمانية نفر [ (2) ] .
وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ: تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا» [ (3) ] . وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، أَرْبَعَةٌ مِنَ قُرَيْشٍ وَسَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِضْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا» وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي كِتَابِهِ «وَمَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْأُسَارَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَسِيرًا وَالْقَتْلَى مِثْلُ ذَلِكَ» [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الليث قال:
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَهُزِمَ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكُونَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَةٌ على سبعين، وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ» . ورَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوِّينَاهُ فِي عَدَدِ مَنَ قُتِلَ من المشركين وَأُسِرَ مِنْهُمْ، فَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ لَهُ شَاهِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْصُولٌ صَحِيحٌ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْفَقِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «أَمَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ زُهَيْرٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الزَّاهِدُ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نِسْطَاسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِالرَّوْحَاءِ إِذْ هَبَطَ عَلَيْهِمْ أَعْرَابِيٌّ مِنْ شَرَفٍ فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ وَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قِيلَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ أَرَاكُمْ بَذَّةً هَيْأَتُكُمْ قَلِيلًا سِلَاحُكُمْ، قالوا:
نَنْتَظِرُ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا أَنْ نُقْتَلَ فَالْجَنَّةُ وَإِمَّا ان نغلب فيجمعهما اللَّه لَنَا الظَّفَرُ وَالْجَنَّةُ. قَالَ أَيْنَ نَبِيُّكُمْ؟ قَالُوا هَذَا هُوَ ذَا. فَقَالَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّه إِنِّي لَيْسَتْ لِي مَصْلَحَةٌ آخُذُ مَصْلَحَتِي ثُمَّ أَلْحَقُ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَخُذْ مَصْلَحَتَكَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَؤُمُّ بَدْرًا وَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَهُوَ يَصُفُّ النَّاسَ لِلْقِتَالِ فِي تَعْبِئَتِهِمْ فَدَخَلَ فِي الصَّفِّ مَعَهُمْ فَاقْتَتَلَ النَّاسُ وَكَانَ فِيمَنِ اسْتَشْهَدَهُ اللَّه تَعَالَى فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ هَزَمَ اللَّه الْمُشْرِكِينَ وَأَظْفَرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الشُّهَدَاءِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا يَا عُمَرُ إِنَّكَ تُحِبُّ الْحَدِيثَ وإن الشهداء سادة وأشرافا وملوكا وَإِنَّ هَذَا يَا عُمَرُ مِنْهُمْ» . تَفَرَّدَ بِهِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نسطاس وَفِيهِ نَظَرٌ [ (7) ] . [أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى حَمْزَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هَاشِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيَّ، مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ يَقُولُ: «أَخَذَنِي أَبِي بِالْمَدِينَةِ إِلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ، وَكُنْتُ أَمْشِي خَلْفَهُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْمَقَابِرِ رَفَعَ صَوْتَهُ، وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، قَالَ: فَأُجِيبَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا عَبْدَ اللَّه، قَالَ: فَالْتَفَتَ أَبِي إِلَيَّ وَقَالَ: أَنْتَ الْمُجِيبُ يَا بُنَيَّ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَأَخَذَ بِيَدِي وَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَدُّوا عَلَيْهِ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَخَرَّ للَّه تَعَالَى سَاجِدًا وَشُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وجل] [ (8) ] .
باب ذكر التاريخ لوقعة بدر
بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قالا: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ «كَانَتْ بَدْرٍ لِسَنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ مَا مَضَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ قَوْلِهِ «صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْبَغْدَادِيُّ بِنَيْسَابُورَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ «غَزَا نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَقَعَ فِيهَا يَوْمُ بَدْرٍ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ أَلْفٌ غَيْرُ خَمْسِينَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ صَبِيحَةَ سَابِعِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يونس ابن بُكَيْرٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ «كَانَ زيد بن ثابت بعظم سَابِعَ عَشْرَةَ وَيَقُولُ هِيَ وَقْعَةُ بَدْرٍ» . قَالَ: وأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نصر، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الحرمن، قَالَ: «كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ» . قَالَ: وأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ «إن رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبِيحَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَالْتَقَوْا بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَ الْأَلْفِ والتسع مائة فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ، فَرَّقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَرَجُلٌ مِنَ الأنصار فهزم يومئذ المشركين وَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ زِيَادَةٌ عَلَى سَبْعِينَ رَجُلًا وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجل: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [ (2) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: «تَحَرُّوهَا لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِينَ صَبِيحَتُهَا يَوْمُ بَدْرٍ» [ (3) ] . كَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي «أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شهر رَمَضَانَ» واللَّه أَعْلَمُ [فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ] [ (4) ] . وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اطْلُبُوهَا لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ [ (5) ] . وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ مَا يَشُكُّ وَقَالَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ يَوْمُ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» . [الْمَشْهُورُ عَنْ غيره من أن الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ واللَّه أَعْلَمُ] [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه ابن الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «كَانَتْ بَدْرٍ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو بن السماك،
قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِمَّا «لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ أَوْ لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ وَإِمَّا لِتِسْعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ» .
باب قدوم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة على أهل المدينة بشيرين بفتح بدر ثم قدوم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالغنائم والأسارى وما فعل النجاشي حين بلغه الفتح
بَابُ قُدُومِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَعَبْدِ اللَّه بْنِ رَوَاحَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَشِيرَيْنِ بِفَتْحِ بَدْرٍ ثُمَّ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِالْغَنَائِمِ وَالْأُسَارَى وَمَا فَعَلَ النَّجَاشِيُّ حِينَ بَلَغَهُ الْفَتْحُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ بَدْرٍ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ [ (1) ] عَلَى
الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بِالْبِشَارَةِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَمِعْتُ الْهَيْعَةَ [ (2) ] فَخَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قد جاء بالبشارة، فو الله مَا صَدَّقْتُ حَتَّى رَأَيْتُ الْأُسَارَى، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم لِعُثْمَانَ بِسَهْمِهِ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ [ (4) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: «وَيُقَالُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ الْعَصْرَ بِالْأُثَيْلِ [ (5) ] ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً تَبَسَّمَ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ تَبَسُّمِهِ قَالَ: مَرَّ بِي مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى جَنَاحَيْهِ النَّقْعُ، فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى مَعْقُودِ النَّاصِيَةِ، قَدْ عَصَمَ ثَنِيَّتَيْهِ الْغُبَارُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبِّي بَعَثَنِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَلَا [ (6) ] أُفَارِقَكَ حَتَّى تَرْضَى، هَلْ رَضِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ. وَقَالُوا: قدم رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بن حَارِثَةَ وَعَبْدِ اللَّه بْنَ رَوَاحَةَ مِنَ الْأُثَيْلِ فجاؤوا
يَوْمَ الْأَحَدِ شَدَّ الضُّحَى، وَفَارَقَ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ [ (7) ] بِالْعَقِيقِ [ (8) ] ، فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّه يُنَادِي عَلَى رَاحِلَتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَبْشِرُوا بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ: قُتِلَ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَقُتِلَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَنَحَوْتُهُ فَقُلْتُ: أَحَقًّا ما تقول يا بن رَوَاحَةَ؟ قَالَ: إِي واللَّه وَغَدًا يَقْدَمُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بِالْأَسْرَى مُقَرَّنِينَ ثُمَّ تَبِعَ دُورَ الْأَنْصَارِ بِالْعَالِيَةِ يُبَشِّرُهُمْ دَارًا دَارًا وَالصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ مَعَهُ يَقُولُونَ قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ. وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْقَصْوَاءَ يَبَشِّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُصَلَّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَذُو الْأَنْيَابِ فِي أَسْرَى كَثِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ لَا يُصَدِّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إِلَّا فَلًّا. حَتَّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا. وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوَّوْا عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: قَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرُّقًا لَا يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا وَهَذَا زَيْدٌ لَا يدْرَى مَا يَقُولُ مِنَ الرُّعْبِ وَجَاءَ فَلًّا. قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذِّبُ اللَّه تَعَالَى قَوْلَكَ. وَقَالَتِ الْيَهُودُ مَا جَاءَ زَيْدٌ إلا فلّا
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجِئْتُ حَتَّى خَلَوْتُ بِأَبِي فَقُلْتُ يَا أَبَهْ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ إِي واللَّه حَقٌّ يَا بُنَيَّ. فَقَوِيَتْ نَفْسِي فَرَفَعْتُ إِلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ فَقُلْتُ أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللَّه وَبِالْمُسْلِمِينَ لَنُقَدِّمَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَهُ. قَالُوا فَجِيءَ بِالْأَسْرَى وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا الَّذِينَ أُحْصُوا. وَهُمْ سَبْعُونَ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ [ (9) ] لَا شَكَّ فِيهِ. وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانَ غُلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَلَمْ يُعْتِقْهُ يَوْمَئِذٍ، وَلَقِيَهُ النَّاسُ يُهَنِّئُونَهُ بِالرَّوْحَاءِ بِفَتْحِ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ وُجُوهُ الْخَزْرَجِ. قَالَ فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، فَقَالَ: فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْفَرَكَ وَأَقَرَّ عَيْنَكَ، واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه مَا كَانَ تَخَلُّفِي عَنْ بَدْرٍ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّكَ تَلْقَى عَدُوًّا، وَلَكِنْ ظَنَنْتُ أَنَّهَا الْعِيرُ وَلَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عَدُوٌّ مَا تَخَلَّفْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقْتَ» [ (10) ] . ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مَا فَعَلَ النَّجَاشِيُّ [ (11) ] بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ بَلَغَهُ مَقْتَلُ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ وَقَدْ كَتَبْنَاهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ أَعْلَى مِنْ قَوْلِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي الدنيا قال: حدثني حمزة ابن الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه هُوَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزَِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ، قَالَ: «أَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَيْهِ خُلْقَانٌ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ. قَالَ: جَعْفَرٌ فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وُجُوهِنَا. قَالَ إِنِّي أُبَشِّرُكُمْ بِمَا يَسُرُّكُمْ إِنَّهُ جَاءَنِي مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عَيْنٌ لِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّه عز وجل قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ، وَأُسِرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَقُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، كَثِيرُ الْأَرَاكِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ كُنْتُ أَرْعَى بِهِ لِسَيِّدِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ إِبِلَهُ. فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ مَا بَالُكَ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ لَيْسَ تَحَتَكَ بِسَاطٌ وَعَلَيْكَ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ حَقًّا عَلَى عِبَادِ اللَّه أَنْ يُحْدِثُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوَاضُعًا عِنْدَ مَا أَحْدَثَ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِي نَصْرَ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وسلم أَحْدَثْتُ لَهُ هَذَا التَّوَاضُعَ» [ (12) ] .
باب ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم والأسارى وما أخبر عنه فكان كما قال وما في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَنَائِمِ وَالْأُسَارَى وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فَكَانَ كَمَا قَالَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر محمد ابن بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ. «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ مِنَ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا،، قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ، وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ فَلَمْ يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَالَتِ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ لَوِ انْهَزَمْتُمْ فِئْتُمْ إِلَيْنَا فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبَى الْفِتْيَانُ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ [ (1) ] . يَقُولُ: فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا أَطِيعُونِي فَإِنِّي أَعْلَمُ بِعَاقِبَةِ هَذَا منكم» [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: أخبرنا يزيد ابن خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: «فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِالسَّوَاءِ» وَحَدِيثُ خَالِدٍ أَتَمُّ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بدر» [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ وَهُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّه! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ترى يا بن الْخَطَّابِ؟» قُلْتُ: لَا واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر قاعدين يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ [أَصْحَابُكَ] [ (5) ] مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ- شَجَرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ [ (6) ] فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً
فَأَحَلَّ اللَّه الْغَنِيمَةَ لَهُمْ» [ (7) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ: قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه [ (9) ] ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ: أَنْتَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ فَأَضْرِمْ نَارًا ثُمَّ أَلْقِهِمْ فِيهَا» فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعَ اللَّه رَحِمَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَادَتُهُمْ ورؤوسهم [ (10) ] قَاتَلُوكَ وَكَذَّبُوكَ، فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَشِيرَتُكَ وَقَوْمُكَ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ؟ إِنَّ مَثَلَ هَؤُلَاءِ كَمَثَلِ أُخْوَةٍ لَهُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ، قَالَ نُوحٌ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (11) ] .
وَقَالَ مُوسَى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ [ (12) ] . الْآيَةَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (13) ] . وَقَالَ عِيسَى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (14) ] . وَأَنْتُمْ قَوْمٌ بِكُمْ عَيْلَةٌ، فَلَا يَنْفَلِتَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ بِضَرْبَةِ عُنُقٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَقُلْتُ إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ [ (15) ] فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ بِالْإِسْلَامِ فَسَكَتُّ. فَمَا كَانَ يَوْمٌ أَخْوَفَ عِنْدِي أَنْ تُلْقَى عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ يَوْمِي ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ» [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ وأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بن يعقوب، قالا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ: «إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ، وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ، وَكَانَ آخِرَ السَّبْعِينَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: رَدَدْتُ هَذَا عَلَى أَزْهَرَ فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَقُولَ: عَبِيدَةُ عَنْ عَلِيٍّ. وَفِي هَذَا إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَنْ حُكْمِ اللَّه تَعَالَى فِيمَنْ يُسْتَشْهَدُ مِنْهُمْ، فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الجاهلية يوم بدر أَرْبَعَ مِائَةٍ» [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ فِدَاءُ أَهْلِ بَدْرٍ الْعَبَّاسِ وَعَقِيلٍ ابْنِ أَخِيهِ وَنَوْفَلٍ كُلُّ رجل أربع مائة دينارا» [ (18) ] . أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كُرْهًا لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا، فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بن عتبة:
أَتُقْتَلُ آبَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا وَعَشَائِرُنَا، وَيُتْرَكُ الْعَبَّاسُ، وَاللهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنَّهُ بِالسَّيْفِ، فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَبَا حَفْصٍ- قَالَ عُمَرُ: رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَإِنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّه ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فو اللَّه لَقَدْ نَافَقَ، فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ: واللَّه مَا آمَنُ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قُلْتُ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا إِلَّا أَنْ يُكَفِّرَهَا اللَّه تَعَالَى عَنِّي بِشَيْءٍ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا» [ (19) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ أَكَفَّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ امْتِنَاعِهِ مِنَ الْأَسْرِ حَتَّى قُتِلَ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْأُسَارَى مَحْبُوسُونَ بِالْوَثَاقِ، بَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَاهِرًا أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّه! مالك لَا تَنَامُ؟ - وَقَدْ أَسَرَ الْعَبَّاسَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُ أَنِينَ عَمِّيَ الْعَبَّاسِ فِي وَثَاقِهِ، فَأَطْلَقُوهُ فَسَكَتَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [ (20) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «وَكَانَ أَكْثَرُ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فِدَاءً الْعَبَّاسَ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةِ ذَهَبٍ» [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بن عتاب العبدي: قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لَا واللَّه لَا تَذَرُونَ دِرْهَمًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ [ (22) ] . قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا «وَكَانَ فِدَاؤُهُمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا وَفُدُوا بعد ما قَدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ وَكَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْفِدَاءِ» . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ لِقِصَةِ بَدْرٍ، وَهُوَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ، فَذَكَرُوا الْقِصَّةَ، وَقَالُوا فِيهَا: «فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ فَفَدَى كُلُّ قَوْمٍ أَسِيرَهُمْ بِمَا رَضُوا، وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي قَدْ كُنْتُ مُسْلِمًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ فَاللهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ فَأَمَّا ظَاهِرًا مِنْكَ فَكَانَ عَلَيْنَا. فَافْدِ نَفْسَكَ وَابْنَيْ أَخِيكَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَرْثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، قَالَ مَا [إِخَالُ] [ (23) ] ذَاكَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ فَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا الْمَالُ لِبَنِيَّ: الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ وَقُثَمِ بْنِ الْعَبَّاسِ! فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: واللَّه يَا رَسُولَ
اللَّه إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه، إِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، وَغَيْرَ أُمِّ الْفَضْلِ، فَاحْسُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه مَا أَصَبْتُمْ مِنِّي عِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ مَالٍ كَانَ مَعِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْكَ، فَفَدَى نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (24) ] فَأَعْطَانِي اللَّه مَكَانَ الْعِشْرِينَ الْأُوقِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ» [ (25) ] . وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (26) ] كَانَ الْعَبَّاسُ أُسِرَ يَوْمَ بدر ففدا نَفْسَهُ بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ نَزَلَتِ هَذِهِ الْآيَةُ: لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّه تَعَالَى خَصْلَتَيْنِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِمَا الدُّنْيَا، أَنِّي أُسِرْتُ يَوْمَ بَدْرٍ فَفَدَيْتُ نَفْسِي بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا، فَآتَانِي اللَّه أَرْبَعِينَ عَبْدًا. وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ الَّتِي وَعَدَنَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ الْمُعَدِّلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى النَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ: إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ،، قَالَ: «لَمَّا أُسِرَ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بِبَدْرٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْدِ نَفْسَكَ يَا نوفل. قال مالي شَيْءٌ أَفْدِي بِهِ نَفْسِي يَا رَسُولُ اللَّه. قَالَ: افْدِ نَفْسَكَ مِنْ مَالِكَ الَّذِي بِحَرَّةَ، قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه فَفَدَى نَفْسَهُ بِهَا فَكَانَتِ الْفُرَّعَ» [ (28) ] . الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ عَبَّاسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَدَاهُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَدَى نَفْسَهُ بِالْمَالِ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم.
باب وقوع الخبر بمكة، وقدوم عمير بن وهب على النبي صلى الله عليه وسلم وبعده قباث بن أشيم بالمدينة وما في ذلك من دلائل النبوة
بَابُ وُقُوعِ الْخَبَرِ بِمَكَّةَ، وَقُدُومِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُبَيْدِ اللَّه ابن عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَافِعٍ، قَالَ: «كُنَّا آلَ الْعَبَّاسِ قَدْ دَخَلْنَا الْإِسْلَامَ وَكُنَّا نَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِنَا، وَكُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ أَنْحِتُ [ (1) ] الْأَقْدَاحَ [ (2) ] ، فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلْنَا نَتَوَقَّعُ الْأَخْبَارَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا الْحَيْسُمَانُ الْخُزَاعِيُّ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَسَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ مِنْ ظُهُورِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، فو اللَّه إِنِّي لَجَالِسٌ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ أَنْحِتُ أَقْدَاحًا وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةً وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ وَبَلَغَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ الْخَبِيثُ: أَبُو لَهَبٍ بِشَرٍّ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ وَقَدْ كَبَتَهُ اللَّه تَعَالَى وَأَخْزَاهُ لِمَا جَاءَهُ مِنَ الْخَبَرِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ [ (3) ] وَقَالَ لَهُ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ قَدِمَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فقال له ابو
لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا بن أَخِي فَعِنْدَكَ لَعَمْرِيَ الْخَبَرُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يديه، فقال: يا بن أَخِي أَخْبِرْنِي خَبَرَ النَّاسِ، قَالَ: نَعَمْ واللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَضَعُونَ السِّلَاحَ مِنَّا حَيْثُ شَاءُوا وو اللَّه مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ. لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ،، لَا واللَّه مَا تُلِيقُ شَيْئًا [ (4) ] ، يَقُولُ: مَا تُبْقِي شَيْئًا، قَالَ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ فَقُلْتُ تِلْكَ واللَّه الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَيَرْفَعُ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً مُنْكَرَةً وَثَاوَرْتُهُ [ (5) ] وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِيَ الْأَرْضَ. وَبَرَكَ عَلَى صَدْرِي يَضْرِبُنِي وَتَقُومُ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَامُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَتَأْخُذُهُ وَتَقُولُ اسْتَضْعَفْتَهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ وَتَضْرِبُهُ بِالْعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ فَتَفْلِقُهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيلًا وَرَمَاهُ اللَّه بعدسة [ (6) ] فو اللَّه مَا مَكَثَ إِلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ فِي بَيْتِهِ ثَلَاثًا ما يدفنانه حَتَّى أَنْتَنَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي هَذِهِ الْعَدَسَةَ كَمَا تَتَّقِي الطَّاعُونَ حَتَّى قَالَ لَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَيْحَكُمَا أَلَا تَسْتَحِيَانِ. إِنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ لَا تَدْفِنَانِهِ فَقَالَا إِنَّمَا نَخْشَى عَدْوَى هَذِهِ الْقُرْحَةِ فَقَالَ انْطَلِقَا فَأَنَا أُعِينُكُمَا عَلَيْهِ فو اللَّه مَا غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ مَا يَدْنُونَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلُوا إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَارٍ ثُمَّ رَضَمُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ» [ (7) ] . وَعَنِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَمُرُّ عَلَى مَكَانِ أَبِي لَهَبٍ هَذَا إِلَّا اسْتَتَرَتْ بِثَوْبِهَا حَتَّى تجوزه.
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن عُقْبَةَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، قَالَ: «ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُقْبِلًا مِنْ بَدْرٍ وَمَعَهُ الْأَسْرَى والغنائم وقتل اللَّه رؤوس الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ لَقِيَهُ النَّاسُ بِالرَّوْحَاءِ فَجَعَلُوا يُهَنِّئُونَهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالْفَتْحِ وَيَسْأَلُونَهُمْ عَمَّنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَا قَتَلْنَا أَحَدًا بِهِ طَعْمٌ مَا قَتَلْنَا إِلَّا عَجَائِزَ صُلْعًا. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَزَلْ كَالْمُعْرِضِ عَنْهُ فِي بَدْأَتِهِ لَمَّا قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ مَا قَالَ حِينَ سَمِعَهُ أَفْحَشَ لَهُ حَتَّى صَدَرَ فَقَالَ لَهُ حَيْثُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا قَتَلْنَا إِلَّا عَجَائِزَ صُلْعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ يَا بن أَخِي الْمَلَأُ. وَلَمَّا رَجَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ قَدْ قَتَلَ اللَّه مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ حَتَّى جَلَسَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ صَفْوَانُ قُبِّحَ لَكَ الْعَيْشُ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ. قَالَ أَجَلْ واللَّه مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَا أَجِدُ له قضاء وعيالا لَا أَدَعُ لَهُمْ شَيْئًا لَرَحَلْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَتَلْتُهُ إِنْ مَلَأْتُ عَيْنَيَّ مِنْهُ فَإِنَّ لِي عِنْدَهُ عِلَّةً أَعْتَلُّ بِهَا، أَقُولُ قَدِمْتُ عَلَى ابْنِي هَذَا الْأَسِيرِ. فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ عَلَيَّ دَيْنُكَ وَعِيَالُكَ أُسْوَةُ عِيَالِي فِي النَّفَقَةِ لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجَزُ عَنْهُمْ فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ وَجَهَّزَهُ وَأَمَرَ بِسَيْفِ عُمَيْرٍ فَصُقِلَ وَسُمَّ، وَقَالَ عُمَيْرٌ لِصَفْوَانَ: اكْتُمْنِي أَيَّامًا فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ وَأَخَذَ السَّيْفَ فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ
وَقْعَةِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ نِعْمَةَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ مَعَهُ [السَّيْفُ] [ (8) ] فَزِعَ وَقَالَ عِنْدَكُمُ الْكَلْبُ هَذَا عَدُوُّ اللَّه الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ وَهُوَ الْفَاجِرُ الْغَادِرُ يَا نَبِيَّ اللَّه لَا تَأْمَنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَدْخِلْهُ عَلَيَّ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَحْتَرِسُوا مِنْ عُمَيْرٍ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ وَعُمَيْرٌ حَتَّى دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ عُمَيْرٍ سَيْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ تَأَخَّرْ عَنْهُ. فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عُمَيْرٌ قَالَ أَنْعِمُوا صَبَاحًا- وَهِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّه عَنْ تَحِيَّتِكَ وَجَعَلَ تَحِيَّتَنَا تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهِيَ السَّلَامُ. فَقَالَ عُمَيْرٌ إِنَّ عَهْدَكَ بِهَا لِحَدِيثٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ أَبْدَلَنَا اللَّه خَيْرًا مِنْهَا فَمَا أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى أَسِيرٍ مِنْ عِنْدِكُمْ فَفَادُونَا فِي أُسَرَائِنَا فَإِنَّكُمُ الْعَشِيرَةُ وَالْأَهْلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟ قَالَ عُمَيْرٌ قَبَّحَهَا اللَّه مِنْ سُيوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا شَيْئًا إِنَّمَا نَسِيتُهُ فِي عُنُقِي حِينَ نَزَلْتُ وَلَعَمْرِي إِنَّ لِي بِهَا عِبْرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْدُقْنِي مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ مَا قَدِمْتُ إِلَّا فِي أَسِيرِي. قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. فَمَاذَا شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَفَزِعَ عُمَيْرٌ وَقَالَ مَاذَا شَرَطْتُ لَهُ؟ قَالَ تَحَمَّلْتَ لَهُ بِقَتْلَى عَلَى أَنْ يَعُولَ بَنِيكَ وَيَقْضِي دَيْنَكَ واللَّه تَعَالَى حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه. كُنَّا يَا رَسُولَ اللَّه نُكَذِّبُكَ بِالْوَحْيِ وَبِمَا يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَفْوَانَ فِي الْحِجْرِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لم يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرَهُ فَأَخْبَرَكَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَآمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ حِينَ هَدَاهُ اللَّه تَعَالَى وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عُمَيْرٍ حين طلع، ولهو
الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَعْضِ وَلَدِي. وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ يَا عُمَيْرُ نُوَاسِيكَ. وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: عَلِّمُوا أَخَاكُمُ الْقُرْآنَ وَأَطْلَقَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرَهُ فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ كُنْتُ جَاهِدًا مَا اسْتَطَعْتُ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّه تَعَالَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ وَهَدَانِي فَأْذَنْ لِي فَأَلْحَقَ بِقُرَيْشٍ فَأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُمْ وَيَسْتَنْقِذَهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَجَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ أَبْشِرُوا بِفَتْحٍ يُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ. وَجَعَلَ يَسْأَلُ كُلَّ رَاكِبٍ قَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ هَلْ كَانَ بِهَا مِنْ حَدَثٍ وَكَانَ يَرْجُو مَا قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ صَفْوَانُ عَنْهُ فَقَالَ قَدْ أَسْلَمَ فَلَعَنَهُ الْمُشْرِكُونَ. وَقَالُوا صَبَأَ وَقَالَ صَفْوَانُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَنْفَعَهُ بِنَفْعَةٍ أَبَدًا وَلَا أُكَلِّمُهُ مِنْ رَأْسِي كَلِمَةً أَبَدًا. وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ عُمَيْرٌ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَصَحَ لَهُمْ جَهْدَهُ فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ» . لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ جَلَسَ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ. فَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَيْرٍ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ يَزِيدُ الْكَلِمَةَ وَيُنْقِصُ الْكَلِمَةَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ فِي آخِرِهَا: فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ. أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَجَعَلَ يُؤْذِي مَنْ فَارَقَ الْإِسْلَامَ وَكَانَ رَجُلًا شَهْمًا مَنِيعًا» [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أخبرنا
الْوَاقِدِيُّ قَالَ: قَالُوا وَقَدْ كَانَ قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ الْكِنَانِيُّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بَدْرًا وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى قِلَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّه عليه وسلم] [ (10) ] فِي عَيْنِي وَكَثْرَةِ مَا مَعَنَا مِنَ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ، فَانْهَزَمْتُ فِيمَنِ انْهَزَمَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي لَأَنْظُرُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنِّي لَأَقُولُ فِي نَفْسِي مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قُدُومِهِ مَكَّةَ وَمُكْثِهِ بِهَا فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ الْخَنْدَقُ قُلْتُ: لَوْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَنَظَرْتُ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِيَ الْإِسْلَامُ فَقَدَمْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ الْمَسْجِدِ مَعَ مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا لَا أَعْرِفُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَسَلَّمْتُ فَقَالَ لِي يَا قُبَاثُ بْنَ أَشْيَمَ، أَنْتَ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ ومَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ؟ فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَى أَحَدٍ قَطُّ وَمَا تَدَمْدَمْتُ [ (11) ] بِهِ إِلَّا شَيْئًا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي فَلَوْلَا أَنَّكَ نَبِيُّ مَا أَطْلَعَكَ اللَّه عَلَيْهِ، هَلُمَّ حَتَّى أُبَايِعَكَ، فَعَرَضَ عَلَيَّ الإسلام فأسلمت» [ (12) ] .
باب فضل من شهد بدرا من الملائكة والصحابة رضي الله عنهم أجمعين
بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالصَّحَابَةٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ معاذ ابن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ رِفَاعَةُ بَدْرِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ لِابْنِهِ: مَا أُحِبُّ أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا وَلَمْ أَشْهَدِ الْعَقَبَةَ. قَالَ: «سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ كَيْفَ أَهْلُ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: خِيَارُنَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمْ خِيَارُ الْمَلَائِكَةِ، هُمْ خِيَارُ الْمَلَائِكَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أخبرنا إسحاق ابن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ
الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَجَدُّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةَ، قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْكُمْ؟ قَالَ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (2) ] وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَوْصُولًا، وَأَرْسَلَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه ابن إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَالْمِقْدَادَ- وَكُلُّنَا فَارِسٌ- فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابَ؟ فَقَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ. قَالَ فَأَنَخْنَا بِهَا وَالْتَمَسْنَا فِي رَحْلِهَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا. فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ. قَالَ فَلَمَّا رَأَتْ أَنِّي أَهْوَيْتُ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ خَانَ اللَّه وَرَسُولَهُ فَدَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ واللَّه مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّه تَعَالَى بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّه تَعَالَى بِهِ عَنْ أَهْلِهِ ومَالَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا. فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ خَانَ اللَّه وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بدر، وما يدريك
لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ أَوْ غَفَرْتُ لَكُمْ! قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَالَ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه «أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ جَاءَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] عَنْ قُتَيْبَةَ.
باب ما جاء في زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس وهجرتها من مكة إلى أبيها بعد بدر
بَابُ مَا جَاءَ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم امْرَأَةِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابن عَبْدِ شَمْسٍ وَهِجْرَتِهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَبِيهَا بَعْدَ بَدْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي العاص حين بنا عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: «لَمَّا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ وَكَانَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ [ (1) ] حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا
زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فَاصْحَبَاهَا حَتَّى تَقْدَمَا بِهَا فَخَرَجَا بَعْدَ مَخْرَجِ أَبِي الْعَاصِ فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كان وَعْدِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ذَلِكَ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَحُدِّثْتُ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ قَالَ لِي تَجَهَّزِي فَالْحَقِي بِأَبِيكِ فَخَرَجْتُ أَتَجَهَّزُ فَلَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكِ تُرِيدِينَ اللُّحُوقَ بِأَبِيكِ فَقُلْتُ لَهَا مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ. فَقَالَتْ لَهَا أَيْ بِنْتَ عَمٍّ لَا تَفْعَلِي، إِنِّي امْرَأَةٌ مُوسِرَةٌ وَعِنْدِي سِلَعٌ مِنْ حَاجَتِكِ فَإِنْ أَرَدْتِ سِلْعَةً بِعْتُكِهَا أَوْ قَرْضًا مِنْ نَفَقَةٍ أَقْرَضْتُكِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ. قَالَتْ: فو اللَّه مَا أُرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إِلَّا لِتَفْعَلَ فَخِفْتُهَا فَكَتَمْتُهَا، وَقُلْتُ: مَا أُرِيدُ ذَلِكَ، فَلَمَّا فَرَغَتْ زَيْنَبُ مِنْ جِهَازِهَا ارْتَحَلَتْ، وَخَرَجَ بِهَا حَمُوهَا يَقُودُ بِهَا نَهَارًا: كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَتَسَامَعَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا هَبَّارٌ، فَرَوَّعَهَا بِالرُّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا وَبَرَكَ [حَمُوهَا] كِنَانَةُ، وَنَثَرَ نَبْلَهُ ثُمَّ أَخَذَ قَوْسَهُ وَقَالَ: واللَّه لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إِلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا. وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا هَذَا أَمْسِكْ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رؤوس النَّاسِ وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا الَّتِي أَصَابَتْنَا بِبَدْرٍ فَتَظُنُّ الْعَرَبُ وَتَتَحَدَّثُ أَنَّ هَذَا وَهْنٌ مِنَّا وَضَعْفٌ خُرُوجَكَ إليه بابنته على رؤوس النَّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا. ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ فَأَقِمْ بِهَا أَيَّامًا ثُمَّ سُلَّهَا سَلًّا رَفِيقًا فِي اللَّيْلِ فَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا فَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا حَاجَةٌ وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ الآن مِنْ ثُؤْرَةٍ فِيمَا أَصَابَ مِنَّا. فَفَعَلَ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ سَلَّهَا فَانْطَلَقَتْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَلْقَتْ- لِلرَّوْعَةِ الَّتِي أَصَابَتْهَا حِينَ روعها هبّار بن أُمِّ
دِرْهَمٍ- مَا فِي بَطْنِهَا» [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ خَرَجَتِ ابْنَتُهُ زَيْنَبُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ كِنَانَةَ أَوِ ابْنِ كِنَانَةَ فَخَرَجُوا فِي إِثْرِهَا، فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُ بَعِيرَهَا بِرُمْحِهِ حَتَّى صَرَعَهَا، وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَأُهْرِيقَتْ دَمًا، فَتَحَمَّلَتْ فَاشْتَجَرَ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو أُمَيَّةَ: فَقَالَتْ بَنُو أُمَيَّةَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَتْ عِنْدَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَتْ تَقُولُ لَهَا هِنْدُ هَذَا فِي سَبَبِ أَبِيكِ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَلَا تَنْطَلِقُ فَتَجِيءَ بِزَيْنَبَ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: فَخُذْ خَاتَمِي فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ حَتَّى لَقِيَ رَاعِيًا، فَقَالَ: لِمَنْ تَرْعَى؟ قَالَ: لِأَبِي الْعَاصِ، قَالَ: فَلِمَنْ هَذِهِ الْغَنَمُ؟ قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ شَيْئًا تُعْطِهَا إِيَّاهُ وَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَاهُ الْخَاتَمَ وَانْطَلَقَ الرَّاعِي، فَأَدْخَلَ غَنَمَهُ وَأَعْطَاهَا الْخَاتَمَ فَعَرَفَتْهُ، فَقَالَتْ: مَنْ أَعْطَاكَ هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ، قَالَتْ: وَأَيْنَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَسَكَتَتْ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَتْهُ قَالَ لَهَا: ارْكَبِي بَيْنَ يَدَيَّ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ: لَا وَلَكِنِ ارْكَبْ أَنْتَ بَيْنَ يَدَيَّ، فَرَكِبَ وَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ، حَتَّى أَتَتِ الْمَدِينَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِيَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنِ [بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ] ، فَانْطَلَقَ إِلَى عُرْوَةَ فَقَالَ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ تَنْتَقِصُ فِيهِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: واللَّه مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي ما بين
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَإِنِّي أَنْتَقِصُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ حَقًّا هُوَ لَهَا، وَأَمَّا بَعْدُ فَلَكَ أَنْ لَا أُحَدِّثَهُ أبدا» [ (3) ] .
باب ما جاء في تزوجه صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر بن الخطاب ثم بزينب بنت خزيمة وتزويجه ابنته أم كلثوم من عثمان بن عفان بعد وفاة ابنته رقية رضي الله عنهم
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ وَتَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بَعْدَ وَفَاةِ ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ ابن الْخَطَّابٍ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ عُمَرُ «أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا. فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَبِلْتُهَا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (1) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ ابن الطُّفَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ «أَنَّهُ خَطَبَ إِلَى عُمَرَ ابْنَتَهُ فَرَدَّهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَنْ رَاحَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ يَا عُمَرُ أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ لَهُ مِنْكَ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ ابْنَتِي. قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَطَبَهَا عُثْمَانُ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَرَدَّهُ عُمَرُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ثُمَّ حِينَ أَحَسَّ بِمَا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ قَالَ مَا قَالَ» واللَّه أَعْلَمُ وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ حَفْصَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةَ أُمَّ الْمَسَاكِينِ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الْحُصَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ عِنْدَ أَخِيهِ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلُ نِسَائِهِ مَوْتًا لَمْ يُصِبْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْهَا وَلَدًا» [ (2) ] . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه بْنُ مَنْدَهْ كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَرُوِّينَا عَنِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّه بْنِ جحش وَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَمْ تَلْبَثْ مَعَهُ إِلَّا يَسِيرًا» .
باب ما جاء في تزويج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزْوِيجِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بن أبي نجيح عن مجاهد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «خُطِبَتْ فَاطِمَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لِي مَوْلَاةٌ لِي: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خُطِبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَا. قَالَتْ فَقَدْ خُطِبَتْ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُزَوِّجَكَ فَقُلْتُ وَعِنْدِي شَيْءٌ أَتَزَوَّجُ بِهِ؟ فَقَالَتْ إِنِّكَ إِنْ جِئْتَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم زوجك فو اللَّه مَا زَالَتْ تُرَجِّينِي حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَالَةٌ وَهَيْبَةٌ فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ يديه أفحمت فو اللَّه مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِكَ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ. أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ جِئْتَ تَخْطُبُ فَاطِمَةَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تَسْتَحِلُّهَا بِهِ؟ فَقُلْتُ: لَا، واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه. فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ دِرْعٌ سلّحتكها- فو الذي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ إِنَّهَا لَحُطَمِيَّةٌ مَا ثَمَنُهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ- فَقُلْتُ عِنْدِي فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَابْعَثْ إِلَيْهَا بِهَا فَاسْتَحِلَّهَا بِهَا. فَإِنْ كَانَتْ لَصَدَاقُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم» [ (3) ] .
قَالَ يُونُسُ: سَمِعْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ، يَقُولُ: «فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَمُحَسَّنًا فَذَهَبَ مُحَسَّنٌ صَغِيرًا وَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهَا شَيْئًا. قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ» [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [ (5) ] ، وَقِرْبَةٍ، وَوِسَادَةِ أَدَمٍ [ (6) ] حشوها إذخر» [ (7) ] .
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهِ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّه- فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ «أَنَّ عَلِيًّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَابْتَنَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوٍ مِنْ سَنَةٍ وَوَلَدَتْ لِعَلِيٍّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَمُحَسَّنًا وَأُمَّ كُلْثُومٍ الْكُبْرَى وَزَيْنَبَ الكبرى» [ (8) ] .
باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر بسبع ليال يريد بني سليم
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ بِسَبْعِ لَيَالٍ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ولَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ وَكَانَ فَرَاغُهُ مِنْهَا فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَلَمْ يَقُمْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ، حَتَّى غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتَّى بَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ: الْكُدْرُ [ (9) ] ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ شَوَّالٍ، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَفَادَى فِي إِقَامَتِهِ تِلْكَ. جُلَّ أُسَارَى بَدْرٍ مِنْ قريش» [ (10) ] .
باب غزوة ذات السويق حين جاء أبو سفيان ليصيب غرة قال ابن إسحاق وكانت في ذي الحجة بعد بدر بشهرين
بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّوِيقِ حِينَ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ لِيُصِيبَ غِرَّةً قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَتْ فِي ذِي الْحِجَّةَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ،: مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (1) ] ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حِينَ قَتَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَمِنْ وُجُوهِهِمْ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ دُهْنٌ وَلَا غُسْلٌ وَلَا يَقْرَبَ أَهْلَهُ حَتَّى يَغْزُو مُحَمَّدًا وَيَحْرِقَ فِي طَوَائِفِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ سِرًّا خَائِفًا فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا، وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِيُحِلَّ يَمِينَهُ، حتى
نَزَلَ بِجَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: نَبْتٌ فَبَعَثَ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُحَرِّقَا أَدْنَى نَخْلٍ يَأْتِيَانِهَا مِنْ نَخْلِ الْمَدِينَةِ، فَوَجَدَا صَوْرًا مِنْ صِيرَانِ نَخْلِ الْعُرَيْضِ [ (2) ] ، فَأَحْرَقَا فِيهَا وَانْطَلَقَا، وَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ سراعا هار بين قِبَلَ مَكَّةَ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ [ (3) ] فَأَعْجَزَهُ وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا فَرَجَعَ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: «وَنَذَرَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بْنِ أميّة بعد ما رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ بَدْرٍ، وقتلت رؤوسهم أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ دُهْنٌ وَلَا يَقْرَبَ أَهْلَهُ حَتَّى يَغْزُوَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَلَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ النَّاسُ كَمَا يُرِيدُ، مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ بَأْسِ اللَّه وَعَذَابِهِ فَأَقْبَلَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا لِيُحِلَّ يَمِينَهُ حَتَّى نَزَلَ بِنَبْتٍ فَخَرَجُوا إِلَى الْعُرَيْضِ وَمَا حَوْلَهُ فَاسْتُصْرِخَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَرَكِبُوا فِي آثَارِهِمْ فَأَعْجَزَهُمْ وَتَرَكُوا أَزْوَادَهُمْ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةُ أَبِي سُفْيَانَ: غَزْوَةَ السَّوِيقِ» [ (4) ] . أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ غَزْوَةَ السَّوِيقِ فِي ذِي الْحِجَّةِ [ (5) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بن الزُّبَيْرِ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: وحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالُوا: «لَمَّا رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ فَلُّ قُرَيْشٍ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ، نَذَرَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَبَرَّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النَّجْدِيَّةَ حَتَّى نَزَلَ بِصُدُورِ قَنَاةٍ إلى جبل ثيب مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى أَتَى بَنِي النَّضِيرِ، فَأَتَى حُيَيَّ ابن أَخْطَبَ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْبَابَ وَخَافَهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ إِلَى سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي النَّضِيرِ زَمَانَهُ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَقَرَاهُ [ (6) ] وَسَقَاهُ وَأَبْطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النَّاسِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتَوْا نَاحِيَةً مِنْهَا يُقَالُ لَهَا: مَكَانُ الْعُرَيْضِ [ (7) ] فَخَرَجُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ، وَوَجَدُوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا فَقَتَلُوهُمَا ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَنَذَرَ بِهِمُ النَّاسُ [ (8) ] فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ حَتَّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْجُرُبِ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا لِلْنَجَاءِ [ (9) ] ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّه أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةً؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ ثُمَّ ذَكَرَ شِعْرَ أَبِي سُفْيَانَ وَجَوَابَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إِيَّاهُ [ (10) ] . قُلْتُ: وَكَأَنَّهُمْ إنما سمعوا غَزْوَةَ أَبِي سُفْيَانَ غَزْوَةَ السَّوِيقِ لِكَوْنِ السَّوِيقِ فِي أَزْوَادِهِمُ الَّتِي طَرَحُوهَا» . واللَّه أعلم.
باب غزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر [1] وما ظهر في تلك الغزوة من آثار النبوة
بَابُ غَزْوَةِ غَطَفَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ السَّوِيقِ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ أَوْ عَامَّتَهُ ثُمَّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ غَطَفَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ [ (2) ] فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرَ كُلَّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ كُلَّهُ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: «وَغَزْوَةُ غَطَفَانَ كَانَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ خمس
وَعِشْرِينَ شَهْرًا خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخميس لثنتي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَغَابَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا» [ (4) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي هُنَيْدَةَ [ (5) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا زَيْدُ ابن أَبِي عَتَّابٍ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدَّثَنِي أَيْضًا قَالُوا: «بَلَغَ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنَّ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مُحَارِبٍ بِذِي أَمَرَّ قَدْ تَجَمَّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَارِبٍ فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا وَمَعَهُمْ أَفْرَاسٌ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مَسِيرِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَهَرَبَتْ مِنْهُ الْأَعْرَابُ فَوْقَ ذُرًى مِنَ الْجِبَالِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا أَمَرَّ وَعَسْكَرَ بِهِ. فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِيرٌ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَبَلَّ ثَوْبَهُ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَادِيَ ذِي أَمَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ نَزَعَ ثِيَابَهُ فَنَشَرَهَا لِتَجِفَّ وَأَلْقَاهَا عَلَى شَجَرَةٍ ثُمَّ اضْطَجَعَ تَحْتَهَا وَالْأَعْرَابُ يَنْظُرُونَ إِلَى كُلِّ مَا يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتِ الْأَعْرَابُ لِدُعْثُورٍ وَكَانَ سَيِّدَهَا وَأَشْجَعَهَا: قَدْ أَمْكَنَكَ مُحَمَّدٌ وَقَدِ انْفَرَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَيْثُ إِنْ غَوَّثَ بِأَصْحَابِهِ لَمْ يُغَثْ حَتَّى تَقْتُلَهُ فَاخْتَارَ سَيْفًا مِنْ سُيوفِهِمْ صَارِمًا ثُمَّ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّيْفِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ مَشْهُورًا، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ [ (6) ] وَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ عَلَى رأسه فقال من
يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ لَا أَحَدَ وأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه. لَا أُكَثِّرُ عَلَيْكَ جَمْعًا أَبَدًا. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم سَيْفَهُ ثُمَّ أَدْبَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ واللَّه لَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي. قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ. فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ وَقَدْ أَمْكَنَكَ وَالسَّيْفُ فِي يَدِكَ، قَالَ: قَدْ كَانَ واللَّه ذَلِكَ رَأْيِي وَلَكِنْ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ، وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، واللَّه لَا أُكَثِّرُ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، ونَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [ (7) ] الْآيَةَ قَالَ: وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ» . كَذَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ [ (8) ] . وَقَدْ رُوِيَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَامَ عَلَى رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِدِيُّ قَدْ حَفِظَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ فَكَأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ واللَّه أعلم.
باب غزوة ذي قرد
بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ «فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ بِالْمَدِينَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ فَأَصَابُوا عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْقَرَدَةِ- مَاءُ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ- وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ قَدْ خَافَتْ طَرِيقَهَا الَّتِي كَانَتْ تَسْلُكُ الشَّامَ حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجَّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ ابن حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضَّةٌ كَثِيرَةٌ- وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ- وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ يُقَالُ لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم زَيْدًا فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا، وَأَعْجَزَتْهُ الرِّجَالُ هَرَبًا فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِيهِ أَبْيَاتًا ذكرهن [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: «سَرِيَّةُ الْقَرَدَةِ أَمِيرُهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَخَرَجَ لِهِلَالِ جُمَادَى الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا» قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَالْقَرَدَةُ مَاءٌ بِنَجْدٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَهْلِهِ قَالُوا: «كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ حَذِرُوا طَرِيقَ الشَّامِ أَنْ يَسْلُكُوهَا فَذَكَرَ قِصَّةً فِي مُشَاوَرَةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَصْحَابَهُ وَأَنَّهُ دَلَّ عَلَى فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ وَقَالَ فُرَاتٌ فَأَنَا أَسْلُكَ بِكَ فِي طَرِيقِ الْعِرَاقِ فَتَجَهَّزَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَبَعَثَ مَعَهُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ. بِبَضَائِعَ وَخَرَجُوا عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَنَزَلَ عَلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي بَنِي النَّضِيرِ فَشَرِبَ مَعَهُ وَمَعَهُ سَلِيطُ بْنُ النُّعْمَانِ وَكَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ تُحَرَّمِ الْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ فَذَكَرَ نُعَيْمٌ خُرُوجَ صَفْوَانَ فِي عِيرِهِ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ فَخَرَجَ سَلِيطُ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي مِائَةِ رَاكِبٍ فَاعْتَرَضُوا لَهَا فَأَصَابُوا الْعِيرَ وَأَفْلَتَ أَعْيَانُ الْقَوْمِ وَأَسَرُوا رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَمَّسَهَا فَكَانَ الْخُمُسُ قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَسَّمَ مَا بَقِيَ عَلَى أَهْلِ السَّرِيَّةِ وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ فَأَتَى فَقِيلَ لَهُ إِنْ تُسْلِمْ تُتْرَكْ فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ [ (2) ] مِنَ الْقَتْلِ» [ (3) ] .
باب غزوة قريش وبني سليم ببحران [4]
بَابُ غَزْوَةِ قُرَيْشٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ بِبَحْرَانَ [ (4) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمَّارٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ أَبُو الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ غَزَا يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِي سُلَيْمٍ حَتَّى بَلَغَ بَحْرَانَ [ (5) ] مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَى الْأُولَى. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ [ (6) ] . قُلْتُ: وَفِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ غَيْبَتَهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ يُرِيدُ بَحْرَانَ كَانَتْ عَشْرَ لَيَالٍ وَأَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مكتوم [ (7) ] .
باب غزوة بني قينقاع [1]
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ [ (1) ] قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (2) ] أَنَّهَا كَانَتْ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ [ (3) ] أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ. حَاصَرَهُمْ إِلَى هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ واللَّه أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ يَهُودَ فِي سُوقِ قَيْنُقَاعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا. فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ إِنَّكَ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ وَأَنَّكَ
لَنْ تَلْقَ مِثْلَنَا فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ: لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [ (4) ] . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ «أَنَّ بَنِيَ قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَحَارَبُوا مِنْهَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ- وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ- فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظِلَالٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْنِي وغضب حتى رؤي لِوَجْهِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظِلَالٌ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي. فَقَالَ واللَّه لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِيَّ أَرْبَعُمِائَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ مَنْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِي واللَّه إِنِّي لَامْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ لَكَ» [ (5) ] . وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ [ (6) ] عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ وَقَامَ دُونَهُمْ فَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِمْ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنْ حِلْفِ عَبْدِ اللَّه بن أبي، فخلعهم إلى
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مِنْ حِلْفِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه أَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَأَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ، فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّه بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتِ الْآيَاتُ فِي الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني عبد اللَّه ابن أُبَيٍّ لِقَوْلِهِ إِنِّي أَخْشَى الدَّوَائِرَ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ- حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا لِقَوْلِ عُبَادَةَ أَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَتَبَرِّيهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَحِلْفِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [ (7) ] .
باب غزوة بني النضير [1] وما ظهر فيها من آثار النبوة
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ. وَحَكَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي التَّرْجَمَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ بَنِي النَّضِيرِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فحاصرهم
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَأَنَّ لَهُمْ ما أقلت الإبل من الْأَمْوَالِ وَالْأَمْتِعَةِ، إِلَّا الْحَلْقَةُ وَهِيَ السِّلَاحُ، وَأَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قِبَلَ الشَّامِ، وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (2) ] . وَاللِّينَةُ: النَّخْلَةُ، وَاللِّينُ النَّخْلُ كُلُّهَا إِلَّا الْعَجْوَةَ. وَتَخْرِيبُهُمْ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْزِعُونَ مَا أَعْجَبَهُمْ مِنْ سَقْفٍ فَيَحْمِلُونَهُ عَلَى الْإِبِلِ لَمَّا كَانَ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ. وَالْحَشْرُ سَوْقُهُمْ فِي الدُّنْيَا قِبَلَ الشَّامِ قَبْلَ الْحَشْرِ الْآخِرَةِ. وَالْجَلَاءُ أَنَّهُ كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ فِي آيٍ مِنَ التَّوْرَاةِ وَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمُ الْجَلَاءُ قَبْلَ مَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ. وَالْعَذَابُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلَا الْجَلَاءُ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا والقتل وَالسَّبْيُ. ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ» [ (3) ] . هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: «ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أشهر من
وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ- وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ- عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ مَنْزِلُهُمْ وَنَخْلُهُمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَمْوَالِ إِلَّا الْحَلْقَةَ يَعْنِي السِّلَاحَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ- لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا [ (4) ] فَقَاتَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلَاءِ فَأَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ وَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمْ جَلَاءٌ. وَكَانَ اللَّه قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ» . وَأَمَّا قوله: لأول الحشر فَكَانَ جَلَاؤُهُمْ ذَلِكَ أَوَّلَ حَشْرٍ [ (5) ] فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّامِ. كَذَا قَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. وَذِكْرُ عَائِشَةَ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ واللَّه أَعْلَمُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن كعب ابن مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَعَهُ الْأَوْثَانَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نُقَاتِلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّه بْنَ
أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمْ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّقُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ. فَكَتَبَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى الْيَهُودِ: إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ [ (6) ] وَالْحُصُونِ وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا وَلَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ [ (7) ] نِسَائِكُمْ شَيْءٌ- وَهِيَ الْخَلَاخِيلُ- فَلَمَّا بَلَغَ كِتَابُهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم اجْتَمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ بِالْغَدْرِ وَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم اخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ وَلْيَخْرُجْ مِنَّا ثَلَاثُونَ حَبْرًا حَتَّى نَلْتَقِيَ بِمَكَانِ الْمَنْصَفِ فَيَسْمَعُوا مِنْكَ. فَإِنْ صَدَّقُوا وَآمَنُوا بِكَ آمنّا بك فقض خَبَرَهُمْ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ واللَّه لَا تَأْمَنُونَ عندي إلا بعهد تعاهدوني عَلَيْهِ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ غَدَا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْكَتَائِبِ وَتَرَكَ بَنِي النَّضِيرِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُعَاهِدُوهُ فَعَاهَدُوهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَغَدَا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ بِالْكَتَائِبِ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ فَجَلَتْ بَنُو النَّضِيرِ وَاحْتَمَلُوا مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَخَشَبِهَا فَكَانَ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم خَاصَّةً أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهَا وَخَصَّهُ بِهَا فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ [ (8) ] يَقُولُ بِغَيْرِ قِتَالٍ فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَكْثَرَهَا الْمُهَاجِرِينَ وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَقَسَمَ مِنْهَا لِرَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَا ذَوَيْ حَاجَةٍ، لَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ غَيْرَهُمَا وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا» [ (9) ] .
وَذَهَبَ مُوسَى [ (10) ] بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي إِلَى أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن عُقْبَةَ [ (11) ] ، قَالَ: «هَذَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِ الْكِلَابِيَّيْنِ وَكَانُوا زَعَمُوا قَدْ دَسُّوا إِلَى قُرَيْشٍ حِينَ نَزَلُوا بِأُحُدٍ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَضُّوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَدَلُّوهُمْ عَلَى الْعَوْرَةِ فَلَمَّا كَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي عَقْلِ الْكِلَابِيَّيْنِ قَالُوا: اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَتَّى تُطْعَمَ وَتَرْجِعَ بِحَاجَتِكَ وَنَقُومَ فَنَتَشَاوَرَ وَنُصْلِحَ أَمْرَنَا فِيمَا جِئْتَنَا لَهُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ظِلِّ جِدَارٍ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُصْلِحُوا أَمْرَهُمْ فَلَمَّا خَلَوْا- وَالشَّيْطَانُ مَعَهُمُ- ائْتَمَرُوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَنْ تَجِدُوهُ أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَاسْتَرِيحُوا مِنْهُ تَأْمَنُوا فِي دِيَارِكُمْ وَيُرْفَعُ عَنْكُمُ الْبَلَاءُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ ظَهَرْتُ فَوْقَ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ حَجَرًا فَقَتَلْتُهُ، وَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا ائْتَمَرُوا بِهِ مِنْ شَأْنِهِمْ فَعَصَمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَقَامَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةً، وَتَرَكَ أَصْحَابَهُ فِي مَجْلِسِهِمْ، وَانْتَظَرَهُ أَعْدَاءُ اللَّه فَرَاثَ عَلَيْهِمْ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لَقِيتُهُ قَدْ دَخَلَ أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا
لِأَصْحَابِهِ: عَجِلَ أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ يُقِيمَ أَمْرَنَا فِي حَاجَتِهِ الَّتِي جَاءَ لَهَا، ثُمَّ قَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَرَجَعُوا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي أَرَادَ أَعْدَاءُ اللهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (12) ] . فَلَمَّا أَظْهَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَرَادُوا بِهِ وَعَلَى خِيَانَتِهِمْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رسوله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِإِجْلِائِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا حَيْثُ شَاءُوا وَقَدْ كَانَ النِّفَاقُ قَدْ كَثُرَ فِي الْمَدِينَةِ فَقَالُوا أَيْنَ تُخْرِجُنَا؟ قَالَ أُخْرِجُكُمْ إِلَى الْحَبْسِ [ (13) ] ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُنَافِقُونَ مَا يُرَادُ بِإِخْوَانِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمْ إِنَّا مَعَكُمْ مَحْيَانَا وَمَمَاتَنَا إِنْ قُوتِلْتُمْ فَلَكُمْ عَلَيْنَا النَّصْرُ وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ لَمْ نَتَخَلَّفْ عَنْكُمْ وَسَيِّدُ الْيَهُودِ أَبُو صَفِيَّةَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ- فَلَمَّا وَثِقُوا بِأَمَانِيِّ الْمُنَافِقِينَ عَظُمَتْ غِرَّتُهُمْ وَمَنَّاهُمُ الشَّيْطَانُ الظُّهُورَ فَنَادَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ إِنَّا واللَّه لَا نَخْرُجُ وَلَئِنْ قَاتَلْتَنَا لَنُقَاتِلَنَّكَ. فَمَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَخَذُوا السِّلَاحَ ثُمَّ مَضَى إِلَيْهِمْ وَتَحَصَّنَتِ الْيَهُودُ فِي دُورِهِمْ وَحُصُونِهِمْ فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى أَزِقَّتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، كَرِهَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ فِي دُورِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَحَفِظَ اللَّه عز وجل له أَمْرَهُ وَعَزَمَ عَلَى رُشْدِهِ فَأَمَرَ بِالْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ دُورِهِمْ أَنْ تُهَدَّمَ وَبِالنَّخْلِ أَنْ تُحْرَقَ وَتُقْطَعَ وَكَفَّ اللَّه تَعَالَى أَيْدِيَهُمْ وَأَيْدِيَ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ وَأَلْقَى اللَّه عز وجل فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا الرُّعْبَ، ثُمَّ جَعَلَتِ الْيَهُودُ كُلَّمَا خَلَصَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم مِنْ هَدْمِ مَا يَلِي مَدِينَتَهُ أَلْقَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في قلوبهم
الرُّعْبَ فَهَدَمُوا الدُّورَ الَّتِي هُمْ فِيهَا مِنْ أَدْبَارِهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، يَهْدِمُونَ مَا أَتَوْا عَلَيْهِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَلَمَّا كَادَتِ الْيَهُودُ أَنْ تَبْلُغَ آخِرَ دُورِهَا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ الْمُنَافِقِينَ وَمَا كَانُوا مَنَّوْهُمْ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَاضَاهُمْ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَلَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا بِمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ مِنَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَلْقَةٍ أَوْ سِلَاحٍ فَطَارُوا كُلَّ مَطِيرٍ وَذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ وَلَحِقَ بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ طَيَّرَ مَعَهُمْ آنِيَةً كَثِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ قَدْ رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَالْمُسْلِمُونَ حِينَ خَرَجُوا بِهَا، وَعَمَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَاسْتَنْصَرَهُمْ. وَبَيَّنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ، وَكَانُوا قَدْ عَيَّرُوا الْمُسْلِمِينَ حِينَ يَهْدِمُونَ الدُّورَ وَيَقْطَعُونَ النَّخْلَ فَقَالُوا مَا ذَنْبُ شَجَرَةٍ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُصْلِحُونَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ. [ (14) ] . ثُمَّ جَعَلَهَا نَفَلًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا سَهْمًا لِأَحَدٍ غَيْرَهُ فَقَالَ: وَمَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (15) ] . فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَرَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأَعْطَى مِنْهَا الْأَنْصَارَ رَجُلَيْنِ سِمَاكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ وهو أبو دجاجة وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَعْطَى- زَعَمُوا- سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سيف بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانَ إِجْلَاءُ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَقَامَتْ قُرَيْظَةُ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَسَاكِنِهِمْ لَمْ يُؤْمَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ بِقِتَالٍ وَلَا إِخْرَاجٍ حَتَّى فَضَحَهُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بحييّ بن أخطب.
وَبِجُمُوعِ الْأَحْزَابِ» . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ بِمَعْنَاهُ إلى إعطاء سعد ابن مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ صَالِحٍ الْجَرْمِيُّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عمرو بْنِ قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ كَمَا مَضَى فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ أُحُدٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أُحُدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَأُصِيبُوا ثُمَّ أَجْلَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ» وَكَذَلِكَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: أخبرنا محمد ابن شُرَحْبِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَأَمَّنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ قَوْمُ عبد اللَّه يعني ابن سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ [ (17) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَلَى لَفْظِ حَدِيثِ الْفَقِيهِ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ عَلِيٍّ الْغَزَّالُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ وَلَهَا [ (19) ] يَقُولُ حسان بن ثابت: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ [ (20) ] وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (21) ] .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ [ (22) ] . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا آدَمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ يَعْنِي مِنْ نَخْلَةٍ قَالَ نَهَى بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضًا عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ وَقَالُوا إِنَّمَا هِيَ مِنْ مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الَّذِينَ قَطَعُوا: بَلْ هُوَ غَيْظٌ لِلْعَدُوِّ. فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ مَنْ نَهَى عَنْ قَطْعِهِ، وَتَحْلِيلِ مَنْ قَطَعَهُ مِنَ الْإِثْمِ، فَقَالَ: إِنَّمَا قَطْعُهُ وَتَرْكُهُ بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وما
بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ [ (24) ] وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّه» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (25) ] .
باب ما جاء في قتل كعب بن الأشرف [1] وكفاية الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين شره
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأشرف [ (1) ] وَكِفَايَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بكير [ (2) ] بْنِ حَزْمٍ، وَصَالِحُ بْنُ أبي أمامة ابن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَا: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ بَشِيرَيْنِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّه بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، يُبَشِّرُونَهُمْ بِفَتْحِ اللَّه عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ، فَوَافَقَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ابْنَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ سُوِّيَ عَلَى رُقَيَّةَ بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ: ذَاكَ أَبُوكَ قَدْ قَدِمَ، قَالَ أُسَامَةُ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ لِلنَّاسِ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَهُوَ يَنْعِي جِلَّةَ قُرَيْشٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ أَحَقٌّ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ واللَّه يَا بُنَيَّ، وَنَعَاهُمْ عبد اللَّه
ابن رَوَاحَةَ لِأَهْلِ الْعَالِيَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، قَالَ: وَيْلَكُمْ أَحَقٌّ هَذَا؟ هَؤُلَاءِ مُلُوكُ الْعَرَبِ وَسَادَاتُ النَّاسِ [ (3) ] مَا أَصَابَ مَلِكٌ مِثْلَ هَؤُلَاءِ قَطٌّ. ثُمَّ خَرَجَ كَعْبٌ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَ عَلَى عَاتِكَةَ بِنْتِ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ، وَكَانَتْ عِنْدَ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، فَجَعَلَ يَبْكِي عَلَى قَتْلَى قُرَيْشٍ وَيُحَرِّضُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: طَحَنَتْ رَحَا بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهَا [ (4) ] ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ [ (5) ] قُتِلَتْ سَرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعَدُوا إِنَّ الْمُلُوكَ تُصَرَّعُ [ (6) ] كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا [ (7) ] مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ تَأْوِي إِلَيْهِ الضُّيَّعُ [ (8) ] طَلْقُ الْيَدَيْنِ إِذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمَّالُ أَثْقَالٍ يَسُوَدُ وَيَرْبَعُ [ (9) ] وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلَّ [ (10) ] بِسُخْطِهِمْ ... إِنَّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلَّ كعبا يجزع [ (11) ]
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ قُتِّلُوا ... ظَلَّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتَصَدَّعُ [ (12) ] صَارَ الَّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنَةٍ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ [ (13) ] نُبِّئْتُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النَّاسِ يَبْنِي الصَّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ [ (14) ] لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنَّمَا ... يَحْمِي عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ [ (15) ] نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ كُلَّهُمْ ... خَشَعُوا لَقَتْلِ أَبِي الْوَلِيدِ وَجُدِّعُوا [ (16) ] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ سَمِعْتُ قَوْلَ ابْنِ الْأَشْرَفِ. بَكَتْ عَيْنُ مَنْ تَبْكِي لَبَدْرٍ وَأَهْلِهِ ... وَعُلَّتْ بِمِثْلَيْهَا لُؤَيُّ بْنُ غَالِبِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: بَكَتْ عَيْنُ كَعْبٍ [ (17) ] ثُمَّ عُلَّ بِعَبْرَةٍ ... مِنْهُ وَعَاشَ مجدّعا لا يسمع [ (18) ]
وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمُ ... قَتْلَى تَسُحُّ لَهَا الْعُيونُ وَتَدْمَعُ [ (19) ] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ رَجَعَ كَعْبٌ [ (20) ] إِلَى الْمَدِينَةِ فَشَبَّبَ بِأُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ فَقَالَ: أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ بِمَنْقَبَةٍ ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ فِي كَلَامٍ لَهُ: شبّب بنساء المسليمن حَتَّى آذَاهُمْ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: «وَكَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيُّ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي النَّضِيرِ وَقَيِّمُهُمْ، قَدْ آذَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجَاءِ، وَرَكِبَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أُنَاشِدُكَ اللَّه أَدِينُنَا أَحَبُّ إِلَى اللَّه أَمْ دين محمد
وَأَصْحَابِهِ؟ وَأَيُّنَا أَهْدَى فِي رَأْيِكَ وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ؟ فَإِنَّا نُطْعِمُ الْجَزُورَ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الشَّمَالُ. فَقَالَ ابْنُ الْأَشْرَفِ: أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُمْ سَبِيلًا. ثُمَّ خَرَجَ مُقْبِلًا قَدْ أَجْمَعَ رَأْيَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْلِنًا بِعَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِجَائِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَنَا مِنِ ابْنِ الْأَشْرَفِ قَدِ اسْتَعْلَنَ بِعَدَاوَتِنَا وَهِجَائِنَا، وَخَرَجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَجْمَعَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا قَدْ أَخْبَرَنِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَى أَخْبَثِ مَا كَانَ يَنْتَظِرُ قُرَيْشًا أَنْ يَقْدَمَ فَيُقَاتِلَنَا مَعَهُمْ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم على الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [ (22) ] وَآيَاتٍ فِي قُرَيْشٍ مَعَهَا. وَذُكِرَ لَنَا واللَّه أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهُمَّ اكْفِنِي ابْنَ الْأَشْرَفِ بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه أَقْتُلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ. فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مُنْقَلِبًا إِلَى أَهْلِهِ، فَلَقِيَ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ فِي الْمَقْبَرَةِ عَامِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ، وَأَنْتَ نَدِيمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَأْمَنْ غَيْرَكَ فَأَخْرِجْهُ إِلَيَّ أَقْتُلْهُ، فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ: إِنْ أَمَرَنِي فَعَلْتُ. فَرَجَعَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سِلْكَانُ يَا رَسُولَ اللَّه أَمَرْتَ بِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سِلْكَانُ: يَا رَسُولَ اللَّه فَحِلِّلْنِي
فِيمَا قُلْتُ لِابْنِ الْأَشْرَفِ، قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا قُلْتَ. فَخَرَجَ سِلْكَانُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، حَتَّى أَتَوْهُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَتَوَارَوْا فِي ظِلَالِ جُذُوعِ النَّخْلِ وَخَرَجَ سِلْكَانُ فَصَرَخَ يَا كَعْبُ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ هَذَا أَبُو لَيْلَى يَا أَبَا نَائِلَةَ. وَكَانَ كَعْبٌ يُكَنَّى: أَبُو نَائِلَةَ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَا تَنْزِلْ يَا أَبَا نَائِلَةَ إِنَّهُ قَاتِلُكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَخِي لِيَأْتِيَنِي إِلَّا بِخَيْرٍ، لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ. فَخَرَجَ كَعْبٌ، فَلَمَّا فَتَحَ بَابَ الرَّبَضِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَخُوكَ فَطَأْطِئْ لِي رَأْسَكَ فَطَأْطَأَهُ فَعَرَفَهُ فَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَمَشَى بِهِ سِلْكَانُ نَحْوَ الْقَوْمِ وَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ: جِئْنَا وَأَصَابَتْنَا شِدَّةٌ مَعَ صَاحِبِنَا هَذَا، فَجِئْتُكَ لِأَتَحَدَّثَ مَعَكَ وَلِأُرْهِنَكَ دِرْعِي فِي شَعِيرٍ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: قَدْ حَدَّثْتُكَ أَنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ نَحْنُ عِنْدَنَا تَمْرٌ وَشَعِيرٌ وَعَبِيرٌ، فَأْتُونَا، قَالَ: لَعَلَّنَا أَنْ نَفْعَلَ ثُمَّ أَدْخَلَ سِلْكَانُ يَدَهُ فِي رَأْسِ كَعْبٍ ثُمَّ شَمَّهَا، فَقَالَ: مَا أَطْيَبَ عَبِيرَكُمْ هَذَا، صَنَعَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى أَمِنَهُ، ثُمَّ أَخَذَ سِلْكَانُ بِرَأْسِهِ أَخْذَةً نَصَّلَهُ مِنْهَا، فَجَأَرَ عَدُوُّ اللَّه جَأْرَةً رَفِيعَةً، وَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ وَقَالَتْ: يَا صَاحِبَاهُ، فَعَانَقَهُ سِلْكَانُ، وَقَالَ: اقْتُلُونِي وَعَدُوَّ اللَّه، فَلَمْ يَزَالُوا يَتَخَلَّصُونَ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى طَعَنَهُ أَحَدُهُمْ فِي بَطْنِهِ طَعْنَةً بِالسَّيْفِ خَرَجَ مِنْهَا مُصْرَانُهُ، وَخَلَصُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَكَانُوا فِي بَعْضِ مَا يَتَخَلَّصُونَ إِلَيْهِ وَسِلْكَانُ مُعَانِقُهُ أَصَابُوا عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فِي وَجْهِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ وَلَا يَشْعُرُونَ. ثُمَّ خَرَجُوا يَشْتَدُّونَ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِجُرْفِ بُعَاثٍ فَقَدُوا صَاحِبَهُمْ وَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَجَعُوا أَدْرَاجَهُمْ فَوَجَدُوهُ مِنْ وَرَاءِ الْجُرْفِ فَاحْتَمَلُوهُ حَتَّى أَتَوْا بِهِ أَهْلَهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ، فَقَتَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ابْنَ الْأَشْرَفِ بِعَدَاوَتِهِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَهِجَائِهِ إِيَّاهُ وَتَأْلِيبِهِ
قُرَيْشًا وَإِعْلَائِهِ عَلَيْهِ قُرَيْشًا بِذَلِكَ» [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ أَخِي سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ يَعْنِي ابْنَ رِفَاعَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ ابْنُ يَامِينَ: كَانَ قَتْلُهُ غَدْرًا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَيُغَدَّرُ عِنْدَكَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثُمَّ لَا تُنْكِرُ، واللَّه لَا يُظِلُّنِي وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ أَبَدًا، وَلَا يَخْلُو لِي دَمُ هَذَا إِلَّا قَتَلْتُهُ» . قَالَ أَحْمَدُ: مَا ذَكَرْنَا وَمَا نَذْكُرُهُ مِنْ غَدْرِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَنَقْضِهِ عَهْدَهُ وَهِجَائِهِ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَعَدَاوَتِهِ إِيَّاهُمْ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِمْ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَائِلَ، وَيَدُلُّ عَلَى سُوءِ رَأْيِهِ وَقُبْحِ قَوْلِهِ، وَإِنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِقَتْلِهِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ غَدْرِهِ وَنَقْضِهِ الْعَهْدَ مَعَ كُفْرِهِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، يَعْنِي الْجَمَّالَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدِمَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَحَالَفَوهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: مَا أَنْتُمْ وَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ، وَنَفُكُّ الْعُنَاةَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، وَنَصِلُ الْأَرْحَامَ. قَالُوا: فَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا صُنْبُورٌ قَطَعَ أَرْحَامَنَا، وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ
الْحَجِيجِ بَنُو غِفَارٍ. قَالُوا: لَا، بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَهْدَى سَبِيلًا، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ غِفَارٌ أَهْلَ سَلَّةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَعْنِي سَرِقَةً. وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بن علي ابن زِيَادٍ السُّرِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ ابن مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: «لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم مَا كَانَ اعْتَزَلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَكَانَ بِهَا، وَقَالَ: لَا أُعِينُ عَلَيْهِ وَلَا أُقَاتِلُهُ. فَقِيلَ لَهُ بِمَكَّةَ: يَا كَعْبُ أَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ؟ قَالَ دِينُكُمْ خَيْرٌ وَأَقْدَمُ، دِينُ مُحَمَّدٍ حَدِيثٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [ (24) ] ، ثُمَّ قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ الْمَدِينَةَ مُعْلِنًا بِمُعَادَاةِ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَبِهِجَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَوَّلُ مَا خَرَجَ مِنْهُ قوله: أَذَاهِبٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ بِمَنْقَبَةٍ ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ صَفْرَاءَ رَادِعَةً لَوْ تُعْصَرُ اعْتَصَرَتْ ... مِنْ ذِي الْقَوَارِيرِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ إِحْدَى بَنِي عَامِرٍ هَامَ الْفُؤَادُ بِهَا ... وَلَوْ تَشَاءُ شَفَتْ كَعْبًا مِنَ السَّقَمِ لَمْ أَرَ شَمْسًا قَبْلَهَا طَلَعَتْ* حَتَّى تَبَدَّتْ لَنَا فِي لَيْلَةِ الظُّلَمِ وَقَالَ أيضا: طَحَنَتْ رَحَا بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ يُسْتَهَلُّ ويقلع
فَذَكَرَ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يُبَدِّلُ حَرْفًا بِآخَرَ وَيُنْقِصُ الْبَيْتَ السَّابِعَ وَقَالَ: لِهِلْكِ بَنِي الْحَكِيمِ وَجُرِّعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَدْ آذَانَا بِالشِّعْرِ وَقَوَّى الْمُشْرِكِينَ عَلَيْنَا. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ: فَأَنْتَ قَالَ: فَقَامَ مُحَمَّدٌ فَمَشَى قَلِيلًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إِنِّي قَائِلٌ [ (25) ] فَقَالَ قُلْ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ. فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى أَتَى كَعْبًا وَهُوَ فِي حَائِطٍ فَقَالَ يَا كَعْبُ جِئْتُ لِحَاجَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قَتْلِهِ [ (26) ] . وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن أحمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه، يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّه وَرَسُولَهُ. فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ أَعْجَبُ إِلَيْكَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ [ (27) ] قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ: قُلْ. فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا [ (28) ] وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا لَتَمَلُّنَّهُ [ (29) ] ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ أَيُّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ. قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ [ (30) ] قَالَ: فَأَيُّ
شَيْءٍ؟ قَالُوا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ قَالَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُ مِنَ الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ قَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعْرِهِ فَأَشَمُّهُ ثُمَّ أَشَمُّكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي أَثْبَتُّ يَدِي فَدُونَكُمْ. قَالَ: فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وهو ينفخ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ شَمَّ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَضَرَبُوهُ فَقَتَلُوهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ [ (31) ] ، وَزَادَ: قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ. وَهُوَ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ: لَوْ أَنَّ الْفَتَى دُعِيَ لعنة أَجَابَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ
ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ كَعْبَ ابن مَالِكٍ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ كَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي شِعْرِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أخلاطا مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَمِنْهُمُ الْيَهُودُ وَهُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ لِلْحَيَّيْنِ: الْأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ، فَأَرَادَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلَاحَهُمْ كُلَّهُمْ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكٌ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَخُوهُ مُشْرِكٌ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه أَشَدَّ الْأَذَى فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى رَسُولَهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [ (32) ] الْآيَةَ. وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [ (33) ] . فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا لِيَقْتُلُوهُ، فَبَعَثَ إليه سعد ابن مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ ثُمَّ الْحَارِثِيَّ، وَأَبَا عَبْسٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَالْحَارِثَ ابْنَ أَخِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي خَمْسَةِ رَهْطٍ أَتَوْهُ عَشِيَّةً، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِمْ بِالْعَوَالِي، فَلَمَّا رَآهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَنْكَرَ شَأْنَهُمْ وَكَانَ يُذْعَرُ مِنْهُمْ. فَقَالَ
لَهُمْ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالُوا: جَاءَتْ بِنَا إِلَيْكَ حَاجَةٌ. قَالَ: فَلْيَدْنُ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ فَلْيُحَدِّثْنِي بِهَا فَدَنَا إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: جِئْنَاكَ لِنَبِيعَكَ أَدْرَاعًا لَنَا لِنَسْتَنْفِقَ أَثْمَانَهَا فَقَالَ واللَّه لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَقَدْ جُهِدْتُمْ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ هَذَا الرَّجُلُ، فَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَأْتُوهُ عِشَاءً حِينَ يَهْدِي عَنْهُمُ النَّاسُ، فَجَاءُوا فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَامَ لِيَخْرُجَ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ مَا طَرَقُوكَ سَاعَتَهُمْ هَذِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا تُحِبُّ. فَقَالَ: بَلَى إِنَّهُمْ قَدْ حَدَّثُونِي حَدِيثَهُمْ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُو عَبْسٍ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالسَّيْفِ، وَطَعَنَهُ بَعْضُهُمْ بِالسَّيْفِ فِي خَاصِرَتِهِ، فَلَمَّا قَتَلُوهُ فَزِعَتِ الْيَهُودُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحُوا فَقَالُوا: إِنَّهُ طُرِقَ صَاحِبُنَا اللَّيْلَةَ وَهُوَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا فَقُتِلَ، فَذَكَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ فِي أَشْعَارِهِ وَيَنْهَاهُمْ بِهِ، وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كِتَابًا يَنْتَهُوا إِلَى مَا فِيهِ، فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً صَحِيفَةً كَتَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم تَحْتَ الْعَذْقِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الصَّحِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ» [ (34) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: كَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ يَهْجُو فَذَكَرَهُ، وَحَدِيثُ عبد الكريم أتم.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ الْمُغِيثِ [ (35) ] «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لِي لِابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَسَمَّى الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي قَتْلِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسِلْكَانُ بن سلامة بن وقش، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِهِمْ فَجُرِحَ فِي رَأْسَهِ وَرِجْلِهِ قَالُوا فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم إلينا فأخبرناه بتفل عَدُوِّ اللَّه فَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا فَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِينَا» [ (36) ] . وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ [ (37) ] فِي قِصَّةِ قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ قَالَ فَتَفَلَ عَلَى جُرْحِهِ فَلَمْ يؤْذِهِ. أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه بْنُ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدَ لَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ هُوَ الَّذِي أُصِيبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَشَى مَعَهُمْ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ وَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّه، اللهُمَّ أَعِنْهُمْ» [ (38) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثابت، قال: حدثني ابْنَةُ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهَا مُحَيِّصَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ، فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ يبايعهم، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّه قَتَلْتَهُ، أَمَا واللَّه لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ، فَقَالَ مُحَيِّصَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: واللَّه لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ ضَرَبْتُ عنقك- فو اللَّه إِنْ كَانَ لَأَوَّلُ إِسْلَامِ حُوَيِّصَةَ، قَالَ: واللَّه لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ مُحَيِّصَةُ: نَعَمْ واللَّه. قَالَ حُوَيِّصَةُ واللَّه إِنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا الْعَجَبُ [ (39) ] . زَادَ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ [ (40) ] : فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ يَوْمَئِذٍ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَصْبَحَ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابن الأشراف أَمَرَ بِهَذَا» [واللَّه أَعْلَمُ] [ (41) ] .
جماع أبواب غزوة أحد [1] باب ذكر التاريخ لوقعة أحد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ أُحُدٍ [ (1) ] بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِوَقْعَةِ أُحُدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْبَغْدَادِيُّ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَاقَعَ نبي الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَعْدَ بَدْرٍ فِي شَوَّالٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَمِائَةٍ وَالْمُشْرِكُونَ أَلْفَيْنِ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ [ (3) ] .
قُلْتُ: وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ للنصف من شوال [ (4) ] هـ. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ بَدْرٍ لِسَنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأُحُدٌ بَعْدَهَا بسنة [ (5) ] هـ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى [ (6) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: كَانَتْ أُحُدٌ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا فِي شَوَّالٍ، مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، قَالَ: وَكَانَ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ في أول النهار.
باب ذكر ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه من شأن الهجرة وأحد وما جاء الله به من الفتح بعد
بَابُ ذِكْرِ مَا أُرِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ مِنْ شَأْنِ الْهِجْرَةِ وَأُحُدٍ وَمَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ بَعْدُ أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي [ (7) ] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، [ (8) ] ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ: يَثْرِبُ. وَرَأَيْتُ فِيَ رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي قَدْ هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا [ (9) ] وَاللهُ خير [ (10) ] فإذا
هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدُ يَوْمَ [ (11) ] بَدْرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ، وذَلِكَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ رَأْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ يُقَاتِلُهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا بَدْرًا: يَخْرُجُ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ نُقَاتِلُهُمْ بِأُحُدٍ،
وَرَجَوْا أَنْ يُصِيبُوا مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ، فَمَا زَالُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ حَتَّى لَبِسَ أَدَاتَهُ، ثُمَّ نَدِمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه! أَقِمْ فَالرَّأْيُ رَأْيُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ، قَالُوا: وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَ الْأَدَاةَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّيَ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ،، وَإِنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنَّ سَيْفِي ذَا الْفَقَارِ فُلَّ فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ واللَّه خَيْرٌ، [ (13) ] فَبَقَرٌ واللَّه خَيْرٌ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، وَكَأَنَّ ظُبَةَ سَيْفِي انْكَسَرَتْ فَأَوَّلْتُ أَنِّي أَقْتُلُ كَبْشًا لِقَوْمٍ، وَأَوَّلْتُ كَسْرَ ظُبَةِ سَيْفِي: قَتْلَ رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِي [ (15) ] حَمْزَةَ، وَقُتِلَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ [ (16) ] .
باب سياق قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد وكيف كانت الوقعة
بَابَ سِيَاقِ قِصَّةِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَكَيْفَ كَانَتِ الْوَقْعَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ فِي الْمَغَازِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَمِّهِ: مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ فَاسْتَجْلَبُوا مَنِ اسْتَطَاعُوا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَسَارَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي جَمْعِ قُرَيْشٍ وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى طَلَعُوا مِنْ بِئْرِ الحاوين، ثُمَّ نَزَلُوا بِبَطْنِ الْوَادِي الَّذِي قَبْلَ أُحُدٍ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا نَدِمُوا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ سَابِقَةِ بَدْرٍ وَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَلِيُبْلُوا مَا أَبْلَى إِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ بِأَصْلِ أُحُدٍ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، بِقُدُومِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: قَدْ سَاقَ اللَّه إِلَيْنَا بِأُمْنِيَّتِنَا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أُرِيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رُؤْيَا، فَأَصْبَحَ فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ
الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي بَقَرًا واللَّه خَيْرٌ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ بَقَرًا تُذْبَحُ، وَرَأَيْتُ سَيْفِيَ ذَا الْفَقَارِ انْفَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ- أَوْ قَالَ: بِهِ فُلُولٌ فَكَرِهْتُهُ وَهُمَا مُضَبَّبَتَانِ- وَرَأَيْتُ أني في درع حصينة وَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤْيَاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه! مَاذَا أَوَّلْتَ رُؤْيَاكَ؟ قَالَ: أَوَّلْتُ الْبَقَرَ الَّذِي رَأَيْتُ نَفَرًا فِينَا وَفِي الْقَوْمِ، وَكَرِهْتُ مَا رَأَيْتُ بِسَيْفِيَ، وَيَقُولُ رِجَالٌ: وَكَانَ الَّذِي رَأَى بِسَيْفِهِ الَّذِي أَصَابَ وَجْهَهُ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ أَصَابُوا وَجْهَهُ يَوْمَئِذٍ، وَفَصَمُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَخَرَقُوا شَفَتَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ الْبَقَرُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: أَوَّلْتُ الْكَبْشَ أَنَّهُ كَبْشُ كَتِيبَةِ الْعَدُوِّ فَقَتَلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ: يَقْتُلُهُ اللَّه، وَأَوَّلْتُ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ: الْمَدِينَةَ، فَامْكُثُوا وَاجْعَلُوا الذَّرَارِيَّ فِي الْآطَامِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ فِي الْأَزِقَّةِ قَاتَلْنَاهُمْ وَرُمُوا مِنْ فَوْقِ الْبُيوتِ وَكَانُوا قَدْ شَكُّوا أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ بِالْبُنْيَانِ، حَتَّى كَانَتْ كالْحِصْنِ، فَقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا كُنَّا يَا نَبِيَّ اللَّه نَتَمَنَّى هَذَا الْيَوْمَ وندعوا اللَّه، فَقَدْ سَاقَهُ اللَّه إِلَيْنَا، وَقَرَّبَ الْمَسِيرَ. وَقَالَ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَتَى نُقَاتِلُهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّه لِمَ نُقَاتِلْهُمْ عِنْدَ شِعْبِنَا؟ وَقَالَ رِجَالٌ مَاذَا نَمْنَعُ إِذَا لَمْ نَمْنَعِ الْحَرْثَ يُزْرَعُ. وَقَالَ رِجَالٌ قَوْلًا صَدَقُوا بِهِ وَمَضَوْا عَلَيْهِ، مِنْهُمْ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَنُجَالِدَنَّهُمْ. وَقَالَ يَعْمَرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ، يَا نَبِيَّ اللَّه! لَا تحرمنا الجنة، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَدْخُلَنَّهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ؟ قَالَ بِأَنِّي أُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَهُ وَلَا أَفِرُّ يَوْمَ الزَّحْفِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ. وَأَبَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْخُرُوجَ إِلَى الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَتَنَاهَوْا إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْيِهِ، وَلَوْ رَضُوا بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ كَانَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ غَلَبَ الْقَضَاءُ
وَالْقَدَرُ، وَعَامَّةُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ رِجَالٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، قَدْ عَلِمُوا الَّذِي سَبَقَ لِأَصْحَابِ بَدْرٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ وَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجَدِّ وَالْجِهَادِ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ، فَدَعَا بِاللَّأْمَةِ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ قَالُوا: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ نَمْكُثَ بِالْمَدِينَةِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْعَدُوُّ قَاتَلْنَاهُمْ فِي الْأَزِقَّةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللهِ وَمَا يُرِيدُ وَيَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَشْخَصْنَاهُ، يَا نَبِيَّ اللَّه امْكُثْ كَمَا أَمَرْتَنَا، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا أَخَذَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ وَآذَنَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْعَدُوِّ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ، وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُمْ إِلَّا الْخُرُوجَ، فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَأْسِ إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَسَلَكُوا عَلَى الْبَدَائِعِ وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِأُحُدٍ، وَرَجَعَ عَنْهُ: عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بن سَلُولَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ فَبَقِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم في سبع مائة، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ: إِنَّا بِهَذَا الْجِذْعِ لَوْ كَانَ أَهْلُهُ ... سِوَانَا لَقَدْ سَارُوا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا [ (1) ] جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا تَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدهر تدمع [ (2) ]
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ... ثَلَاثُ مِيِينٍ إِنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ [ (3) ] فَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنَّهُمْ ... غَمَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهَا الرِّيحُ تُقْلِعُ [ (4) ] وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلَّعُ [ (5) ] فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بالثلاث مائة، سُقِطَ فِي أَيْدِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَمَّتَا أَنْ تَقْتَتِلَا، وَهُمَا: بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ كَمَا يُقَالُ، وَصَفَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم المسلمون بِأَصْلِ أُحُدٍ، وَصَفَّ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبَخَةِ الَّتِي قِبَلَ أُحُدٍ وَتَعَبَّأَ الْفَرِيقَانِ لِلْقِتَالِ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى خَيْلِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَاشْتَكَى صَاحِبُ لِوَائِهِمْ: طَلْحَةُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، وَكَانَتْ لَهُمُ الْحِجَابَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: إِنَّ اللِّوَاءَ ضَاعَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُتِلَ حَوْلَهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَأَرَى أَنْ أُعَارِضَهُمْ بلواء آخر، فقالت بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَالْأَحْلَافُ: إِنْ شِئْتُمْ فَارْفَعُوا لِوَاءً آخَرَ، وَلَكِنْ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: بَلْ عَلَيْكُمْ بِلِوَائِكُمْ فَاصْبِرُوا عِنْدَهُ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الرُّمَاةِ فَجَعَلَهُمْ نَحْوَ خَيْلِ الْعَدُوِّ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرُّمَاةُ إِذَا أَخَذْنَا مَنَازِلَنَا مِنَ الْقِتَالِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ تَحَرَّكَتْ وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّه فَلَا تَتْرُكُوا مَنَازِلَكُمْ، إِنِّي أَتَقَدَّمُ إِلَيْكُمْ أَنْ لَا يُفَارِقَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مَكَانَهُ وَاكْفُونِي الْخَيْلَ، فَوَعَزَ إِلَيْهِمْ فَأَبْلَغَ، وَمِنْ نَحْوِهِمْ كَانَ الَّذِي نَزَلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ والذي أصابه.
فَلَمَّا عَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ عَهْدَهُ فِي الْقِتَالِ، وَكَانَ حَامِلَ لِوَاءِ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّه لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ- يَعْنِي طَلْحَةَ بْنَ عُثْمَانَ-: هَلْ لَكَ يَا عَاصِمُ فِي الْمُبَارَزَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَبَدَرَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ طَلْحَةَ حَتَّى وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ تَصْدِيقًا لَرُؤْيَا رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَلَمَّا صُرِعَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ انْتَشَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَصَارُوا كَتَائِبَ مُتَفَرِّقَةً، فَجَاسُوا الْعَدُوَّ ضَرْبًا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ تُنْضَحُ بِالنَّبْلِ فَتَرْجِعُ مَغْلُولَةً، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ فَنَهَكُوهُمْ قَتْلًا، فَلَمَّا أَبْصَرَ الرُّمَاةُ الْخَمْسُونُ إن اللَّه عز وجل قَدْ فَتَحَ لِإِخْوَانِهِمْ، قَالُوا: واللَّه مَا نَجْلِسُ هَاهُنَا لِشَيْءٍ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّه الْعَدُوَّ وَإِخْوَانُنَا فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ: عَلَى مَا نَصُفُّ وَقَدْ هَزَمَ اللَّه الْعَدُوَّ، فَتَرَكُوا مَنَازِلَهُمُ الَّتِي عَهِدَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَلَّا يَتْرُكُوهَا، وَتَنَازَعُوا وَفَشَلُوا، وَعَصَوَا الرَّسُولَ، فَأَوْجَفَتِ الْخَيْلُ فِيهِمْ قَتْلًا، وَكَانَ عَامَّتُهُمْ فِي الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوا ذَلِكَ الرِّجَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ أَنَّ الْخَيْلَ قَدْ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتِ: اجْتَمَعُوا وَأَقْبَلُوا وَصَرَخَ صَارِخٌ أُخْرَاكُمْ أُخْرَاكُمْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقِطَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَأَكْرَمَهُمُ اللَّه بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَأَصْعَدَ النَّاسُ فِي الشِّعْبِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَثَبَّتَ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم حِينَ انْكَشَفَ عَنْهُ مَنِ انْكَشَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ حَتَّى جَاءَهُ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْمِهْرَاسِ [ (6) ] فِي الشِّعْبِ، فَلَمَّا فُقِدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ فَيُؤَمِّنُونَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ الْبُيوتَ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون
عَنْ دِينِكُمْ، وَعَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيُّكُمْ حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ شُهَدَاءَ؟ مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ شَهِدَ لَهُ بِهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ أَحَدُ بَنِي قُشَيْرٍ الَّذِي قَالَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا. وَمَضَى النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُ أَصْحَابَهُ فَإِذَا الْمُشْرِكُونَ نَحْوَ وَجْهِهِ عَلَى طَرِيقِهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلُوهُ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا يَغْلِبُكَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ اللهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ» ، فَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو أَصْحَابَهُ مُصْعِدًا فِي الشِّعْبِ، مَعَهُ عِصَابَةٌ صَبَرُوا مَعَهُ، مِنْهُمْ: طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَبَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَجَعَلُوا يَسْتُرُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ حَتَّى قُتِلُوا إِلَّا سِتَّةَ نَفَرٍ أَوْ سَبْعَةً وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَمْشُونَ حَوْلَ الْمِهْرَاسِ، وَيُقَالُ كَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ عَيْنَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فُقِدَ مِنْ وَرَاءِ الْمِغْفَرِ فَنَادَى بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: اللَّه أَكْبَرُ، هَذَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ- زَعَمُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم- أَنِ اسْكُتْ، وَجُرِحَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ [ (7) ] . وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حِينَ افْتَدَى: واللَّه إِنَّ عِنْدِي لَفَرَسًا أَعْلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقَ ذُرَةٍ وَلَأَقَتُلَنَّ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا. فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْفَتُهُ فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه. فَأَقْبَلَ أُبَيٌّ مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ عَلَى فَرَسِهِ تِلْكَ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ، فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ:، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّوْا طَرِيقَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عمير أخو
بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة بن سَابِغَةِ الْبَيْضَةِ وَالدِّرْعِ، فَطَعَنَهُ بحربته، فوقع أبي عن فَرَسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، قَالَ سَعِيدُ: فَكَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَفِي ذَلِكَ نَزَلَ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (8) ] ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَقَالُوا: مَا جَزَعُكَ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ، فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُ أُبَيًّا» ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ، فَمَاتَ أُبَيُّ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مَكَّةَ، فَلَمَّا لَحِقَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ، وَمَعَهُ: طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَهْلُ ابن حُنَيْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، ظَنَّ أَصْحَابُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أَنَّ النَّفَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ سَهْمًا عَلَى كَبِدِ قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ، فَلَمَّا تَكَلَّمُوا وَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَرَفُوهُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ بَلَاءٌ فِي أَنْفُسِهِمْ قَطُّ حِينَ عَرَفُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ عَرَضَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ نَفْسَهُ وَوَسْوَسَتُهُ وَتَحْزِينَهُ حِينَ أَبْصَرُوا عَدُوَّهُمْ قَدَ انْفَرَجُوا عَنْهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَذْكُرُونَ قَتْلَاهُمْ وَإِخْوَانَهُمْ وَيَسْأَلُ بعضهم بعضا عَنْ حَمِيمِهِ، فَيُخْبِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلَاهُمْ، وَقَالَ: اشْتَدَّ حُزْنُهُمْ، أَدْبَرَ اللَّه عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكِينَ وَغَمَّهُمْ بِهِمْ لِيُذْهِبَ بِذَلِكَ الْحُزْنَ عَنْهُمْ، فَإِذَا عَدُوُّهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ قَدْ عَلَوْهُمْ، فَنَسُوا عِنْدَ ذَلِكَ الْحُزْنَ وَالْهُمُومَ عَلَى إِخْوَانِهِمْ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ ... ، يَقُولُونَ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [ (9) ] ، وَكَانَا غَمَّيْنِ: فَهَذَا الْغَمُّ الآخر، والغمّ
الْأَوَّلُ حِينَ أُصْعِدُوا فِي الشِّعْبِ مُنْهَزِمِينَ، فَأَنْسَاهُمُ الْهَزِيمَةَ مَا يَخَافُونَ مِنْ طَلَبِ الْعَدُوِّ وَقِتَالِهِمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا الْيَوْمَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وَنَدَبَ أَصْحَابَهُ، فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ عِصَابَةً فَأَصْعَدُوا فِي الشِّعْبِ حَتَّى كَانُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ عَلَى السَّوَاءِ فَرَامَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، وَطَاعَنُوهُمْ حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنِ الْجَبَلِ، وَانْكَفَى [ (10) ] الْمُشْرِكُونَ عَنْهُمْ إِلَى قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ فَمَثَّلُوا بِهِمْ: يَقْطَعُونَ الْآذَانَ، وَالْأُنُوفَ، وَالْفُرُوجَ، وَيَبْقُرُونَ الْبُطُونَ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَشْرَافَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا وَصَفُّوا مُقَاتِلَتَهُمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِلَّا أَنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ شَيْئًا مِنْ مُثْلَةٍ، وَإِنِّي لَمْ آمُرْ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَكْرَهْهُ، ثُمَ قَالَ: اعْلُ هُبَلُ، يَفْخَرُ بِآلِهَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: اسْمَعْ يَا رَسُولَ اللَّه مَا يَقُولُ عَدُوُّ اللَّه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَادِهِ فَقُلِ: اللَّه أَعْلَى [ (11) ] وَأَجَلُّ، لَا سواء: قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ، قَالُوا: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ، ثُمَّ نَادَوْا مُحَمَّدًا بِاسْمِهِ، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ حَيٌّ وَنَادَوْا رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَشْرَافًا فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ: كَبَتَهُمُ اللَّه فَانْكَفَئُوا إِلَى أَثْقَالِهِمْ، لَا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَا يُرِيدُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: «إِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ رَكِبُوا وَجَعَلُوا الْأَثْقَالَ تَتْبَعُ آثَارَ الْخَيْلِ فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْبُيوتِ وَالْآطَامِ الَّتِي فِيهَا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ فَعَلُوا لَأُوَاقِعَنَّهُمْ فِي جَوْفِهَا، وَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْأَثْقَالَ وَجَنَّبُوا الْخَيْلَ فَهُمْ يُرِيدُونَ الْفِرَارَ، فَلَمَّا أَدْبَرُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي آثَارِهِمْ فَقَالَ: اعْلَمْ لَنَا أَمْرَهُمْ، فَانْطَلَقَ سَعْدٌ يَسْعَى حَتَّى عَلِمَ عِلْمَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ خَيْلَهُمْ تَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا مَجْنُوبَةً مُدْبِرَةً، وَرَأَيْتُ الْقَوْمَ قَدْ تَحَمَّلُوا عَلَى الْأَثْقَالِ سَائِرِينَ، فَطَابَتْ أنفس
الْقَوْمِ لِذَهَابِ الْعَدُوِّ وَانْتَشَرُوا يَتْبَعُونَ قَتْلَاهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيلًا إِلَّا قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ، كَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَتُرِكَ لَهُ وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ قَتِيلًا، فَدَفَعَ صَدْرَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ ذَنْبَانِ أَصَبْتُهُمَا قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دبيس ولعمر اللَّه إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلًا لِلرَّحِمِ بَرًّا بِالْوَالِدِ. وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَحُمِلَتْ كَبِدُهُ احْتَمَلَهَا وَحْشِيٌّ وَهُوَ قَتَلُهُ يَذْهَبُ بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلَاهُمْ يَدْفِنُونَهُمْ فَدُفِنَ حَمْزَةُ فِي نَمِرَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ إِذَا رُفِعَتْ إِلَى رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، وَإِذَا أُنْزِلَتْ إِلَى رِجْلَيْهِ بَدَا وَجْهُهُ، فَجَعَلُوا أَعْوَادًا مِنْ شَجَرِ وَحِجَارَةٍ فَوَضَعُوهَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَغَطَّوْا وَجْهَهُ. قَالَ مُوسَى: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَفْنِ الشُّهَدَاءَ، قَالَ: زَمِّلُوهُمْ بِجِرَاحِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّه إِلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا الشَّهِيدُ عَلَى هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،» ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يُدْفَنُونَ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْمَوْتَى، وَلَمْ يَدْفِنْهُمْ فِي غَيْرِ ثِيَابِهِمُ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا. قَالَ: وَهُمْ يَدْفِنُونَ الرَّهْطَ فِي الْحُفْرَةِ الْوَاحِدَةِ، أَيُّ هَؤُلَاءِ كَانَ أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ أَصْحَابِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِمْ. وَخَرَجَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَالْأَنْصَارِ يَحْمِلْنَ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَخَرَجَتْ فِيهِمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَبَاهَا وَالَّذِي بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ اعْتَنَقَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَمْسَحُ الدِّمَاءَ عَنْ وَجْهِهِ وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَقُولُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّه، واشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّه» .
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: رَمَى يَوْمَئِذٍ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ قَمِئَةَ، وَيُقَالُ: بَلْ رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: وَسَعَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى الْمِهْرَاسِ وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: أَمْسِكِي هَذَا السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمَةٍ، فَأَتَى بِمَاءٍ فِي مِجَنَّةٍ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَقَالَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ فَمَضْمَضَ مِنْهُ، وَغَسَلَتْ فَاطِمَةُ عَنْ أَبِيهَا، ولَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم سَيْفَ عَلِيٍّ مُخَضَّبًا دَمًا، قَالَ: إِنْ تَكُنْ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بن ثابت بن أبي الْأَقْلَحِ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنِ النَّاسِ مَا فَعَلُوا وَأَيْنَ ذَهَبُوا؟ قَالُوا: كَفَرَ عَامَّتُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُصِيبُوا مِنَّا مِثْلَهَا حَتَّى نُبِيحَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلُوا إِلَى دُورِهِمْ وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ نَادَاهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ حِينَ ارْتَحَلُوا أَنَّ مَوْعِدَكُمَ الْمَوْسِمُ مَوْسِمُ بَدْرٍ، وَهِيَ سُوقٌ كَانَتْ تَقُومُ بِبَدْرٍ كُلَّ عَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا لَهُمْ نَعَمْ قَدْ فَعَلْنَا» ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَذَلِكَ الْمَوْعِدُ. وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَرَضَ يَوْمَئِذٍ سيفه، فقال: من يأخذها بِحَقِّهِ؟ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ يَضْرِبُ بِهِ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ، فَقَالَ عُمَرُ- زَعَمُوا-: أَنَا آخُذُهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَرَضَهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا آخُذُهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَوَجَدَ عُمَرُ وَالزُّبَيْرُ فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَضَهُ الثَّالِثَةَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أخو بني ساعدة: أن آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّه بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَصَدَقَ بِهِ حِينَ لَقِيَ الْعَدُوَّ وَأَعْطَى السَّيْفَ بِحَقِّهِ. وَزَعَمُوا أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا رَأَيْتُ مُثَلَ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ قُمْتُ فَتَجَاوَزْتُ فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ المشركين جمع الأمة تحوية الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ اسْتَوْسِقُوا كَمَا تَسْتَوْسِقُ جُرْدُ الْغَنَمِ، قَالَ: وَإِذَا
رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَائِمٌ يَنْتَظِرُهُ وَعَلَيْهِ لَأْمَتُهُ فَمَضَيْتُ حَتَّى كُنْتُ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ قُمْتُ أُقَدِّرُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ بِبَصَرِي فَإِذَا الْكَافِرُ أَفْضَلُهُمَا عُدَّةً وَهَيْئَةً، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا، فَضَرَبَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ بَلَغَتْ وَرِكَهُ، وَتَفَرَّقَ فِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ كَشَفَ الْمُسْلِمُ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى يَا كَعْبُ: أَنَا أَبُو دُجَانَةَ. فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ إِذَا النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ فِي الدُّورِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ قَتْلَاهُمْ، قَالَ: وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَحْمِلُ ابْنَهَا وَزَوْجَهَا عَلَى بَعِيرٍ قَدْ رَبَطَتْهُمَا بِحَبْلٍ، ثُمَّ رَكِبَتْ بَيْنَهُمَا، وَحُمِلَ مِنْهُمْ قَتْلَى فَدُفِنُوا فِي مَقَابِرِ الْمَدِينَةِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَنْ حَمْلِهِمْ، وَقَالَ: وَارُوهُمْ حَيْثُ أُصِيبُوا وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ الْبُكَاءَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ. وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَسَمِعَ ذَلِكَ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ، فَمَشَوْا فِي دُورِهِمْ، فَجَمَعُوا كُلَّ نَائِحَةٍ وَبَاكِيَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: واللَّه لَا تَبْكِينَ قَتْلَى الْأَنْصَارِ حَتَّى تَبْكِينَ عَمَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنْ لَا بَوَاكِيَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِالنَّوَائِحِ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْبُكَاءَ قَالَ مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ بِمَا فَعَلَتِ الْأَنْصَارُ بِنِسَائِهِمْ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا، وَقَالَ: مَا هَذَا أَرَدْتُ وَمَا أُحِبُّ الْبُكَاءَ، وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَنْ تَتْرُكَهُنَّ أُمَّتِي: النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَوْتَى، وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَقِيلُ هَذَا الْمَطَرُ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ بِنَوْءٍ إِنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّه وَرِزْقُهُ» [ (12) ] . وَأَخَذَ الْمُنَافِقُونَ عِنْدَ بُكَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَكْرِ وَالتَّفْرِيقِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْزِينِ الْمُؤْمِنِينَ، وَظَهَرَ غِشُّ الْيَهُودِ، وَفَارَتِ الْمَدِينَةُ بِالنِّفَاقِ فَوْرَ الْمِرْجَلِ
وَأَظْهَرُوا النِّفَاقَ وَالْغِشَّ عِنْدَ بُكَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا مُسْتَخْفِينَ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ، وَلَا أُصِيبَ مِنْهُ مَا أُصِيبَ، وَلَكِنَّهُ طَالِبُ مُلْكٍ تَكُونُ لَهُ الدَّوْلَةُ مَرَّةً وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ أَهْلُ طَلَبِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ، وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ، وَقَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: لَوْ كُنْتُمْ أَطَعْتُمُونَا مَا أَصَابُوا الَّذِي أَصَابُوا مِنْكُمْ. وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: نَازَلْتُهُمْ فَسَمِعْتُهُمْ يَتَلَاوَمُونَ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحَدَّهُمْ ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُمْ وَلَمْ تَبْرُوهُمْ، فَقَدْ بَقِيَ منهم رؤوس يَجْمَعُونَ لَكُمْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم أَصْحَابَهُ وَبِهِمْ أَشَدُّ الْقَرْحِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ لِيَسْمَعُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَنْطَلِقَنَّ مَعِي إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه ابن أُبَيٍّ: أَنَا رَاكِبٌ مَعَكَ فَقَالَ: لَا، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى الَّذِي بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ، فَانْطَلَقُوا فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (13) ] . قَالَ: وَأَقْبَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه السُّلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه! إِنَّ أَبِي رَجَّعَنِي وَقَدْ خَرَجْتُ مَعَكَ لِأَشْهَدَ الْقِتَالَ، فَقَالَ: ارْجِعْ وَنَاشَدَنِي أَنْ لَا أَتْرُكَ نِسَاءَنَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ حِينَ أَوْصَانِي بِالرُّجُوعِ رَجَاءَ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُ مِنَ الْقَتْلِ، فَاسْتَشْهَدَهُ اللَّه، فَأَرَادَ بِيَ الْبَقَاءَ لِتَرِكَتِهِ وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَتَوَجَّهَ وَجْهًا إِلَّا كُنْتُ مَعَكَ، وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يُطْلَبَ مَعَكَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، فَأْذَنْ لِي، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَلَبَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الْعَدُوَّ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فِي طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ وَتَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَأْنِ مَوَاطِنِهِمْ كُلِّهَا، وَمَخْرَجِ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَدَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (14) ] ثُمَّ مَا بَعْدَ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ أَمْرِهِمْ
حَتَّى بَلَغَ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [ (15) ] مَعَ سَبْعِ آيَاتٍ بَعْدَهَا، وَالرَّهْطُ الَّذِينَ تَوَلَّوْا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَخُوهُ: عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: تَوَلَّوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بِئْرِ حَزْمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ إِلَى الْجَلْعَبِ ثُمَّ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ اسْتَكْثَرُوا الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ كَانُوا أَصَابُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ضِعْفَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (16) ] وَآيَاتٍ مَعَهَا بَعْدَهَا. ثُمَّ سَمَّى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَكَرَ فِيهِمُ: الْيَمَانَ أَبَا حُذَيْفَةَ وَاسْمُهُ حُسَيْلُ بْنُ جُبَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْسٍ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ زَعَمُوا فِي الْمَعْرَكَةِ لَا يَدْرُونَ مَنْ أَصَابَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَخْطَأَ [ (17) ] بِهِ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فَتَوَشَّقُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ يَحْسَبُونَهُ مِنَ الْعَدُوِّ، وَإِنَّ حُذَيْفَةَ لَيَقُولُ أَبِي أَبِي فَلَمْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُ، حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ. قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّه لَكُمْ يَغْفِرُ اللَّه لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَوَدَاهُ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ حُذَيْفَةُ عِنْدَهُ خَيْرًا. قَالَ: وَجَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوَمَ أُحُدٍ مِنْ قريش والأنصار [ (18) ]
تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ أُحُدٍ عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (19) ] رَحِمَهُ اللَّه، وَلِمَا ذُكِرَ مِنْهَا شَوَاهِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ [ (20) ] وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ زِيَادَاتٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَنَحْنُ نَأْتِي عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه فِي أَبْوَابٍ مُتَرْجَمَةٍ بِمَا تشتمل عليه [ (21) ] .
باب ذكر عدد المسلمين يوم أحد وعدد المشركين، وقول الله عز وجل: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم، إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما، وعلى الله فليتوكل المؤمنون 3: 121 - 122 [1] وقوله: فما لكم في المنافقين فئت
بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَعَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (1) ] وَقَوْلِهِ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ، قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِالشَّوْطِ [ (3) ] مِنَ الْجَبَّانَةِ انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ بِقَرِيبٍ مِنْ ثُلُثِ الْجَيْشِ، وَمَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وهم في سبع مائة، وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ، قَالَ: جَنَّبُوهَا وَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ: خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي. وَأَعَادَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ هَذَهِ الْقِصَّةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ تُخَالِفُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا، وَيَقُولُ فِيهَا: وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ مِنْ أربع مائة رَجُلٍ، وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَا رَوَاهُ موسى بن
عُقْبَةَ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عن الزهري، أَرْبَعَ مِائَةٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ أُحُدًا، وَرَجَعَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، وَبَقِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سبع مائة، ثُمَّ ذَكَرَ شِعْرَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَثْرَةِ الْمُشْرِكِينَ بِأَتَمَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (5) ] . قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي في الثلاث مائة سُقِطَ فِي أَيْدِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَمَّتَا أَنْ تَقْتَتِلَا [ (6) ] وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلِمَةَ، وَبَنُو حَارِثَةَ [ (7) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللَّه بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زياد النّصري [ (8) ] بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن جابر ابن عَبْدِ اللَّه: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [ (9) ] : بَنُو سَلِمَةَ، وَبَنُو حَارِثَةَ مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [ (9) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (10) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (ح) [ (12) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّه بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ خَرَجُوا مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً تقول: تقاتلهم وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ فِرْقَةٌ يَقُولُونَ نَقْتُلُهُمْ وَفِرْقَةٌ يَقُولُونَ لَا نَقْتُلُهُمْ، فَنَزَلَتْ فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [ (13) ] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفضة.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (14) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [ (16) ] قَالَ: مَيَّزَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ: الْمُنَافِقَ عَنِ الْمُؤْمِنِ [ (17) ] .
باب كيف كان الخروج إلى أحد والقتال بين المسلمين والمشركين يومئذ
بَابُ كَيْفَ كَانَ الْخُرُوجُ إِلَى أُحُدٍ وَالْقِتَالُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ والْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، ومحمد بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، والْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلٌّ [ (1) ] قَدْ حَدَّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْتُ، قَالُوا: [ (2) ] . لَمَّا أُصِيبَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي ربيعة، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ [ (3) ] فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا أَنْ نُدْرِكَ مِنْهُ ثَأْرًا مِمَّنْ أَصَابَ مِنَّا، ففعلوا،
فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [ (4) ] . فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحَابِيشِهَا، وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، خَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظَّعِينِ [ (5) ] الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةَ [ (6) ] وَأَنْ لَا يَفِرُّوا [ (7) ] ، فَخَرَجُوا حَتَّى نَزَلُوا يَعْنِينَ بِبَطْنِ السَّبَخَةِ عَلَى شَفِيرِ وَادٍ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ [ (8) ] . فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ بَقَرًا [تُذْبَحُ] [ (9) ] وَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا، وَرَأَيْتُ في ذؤابة [ (10) ]
سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنِّيَ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ [ (11) ] . فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْتُمُوهُمْ فِيهَا [ (12) ] . قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ أَكْرَمَهُمُ اللَّه بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ يَوْمُ بَدْرٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، اخْرُجْ بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ: أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ وَلَا تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبُّ لِقَاءِ الْقَوْمِ، حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ [ (13) ] ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ النَّاسُ، فَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّه، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلَّى اللَّه عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ الْمُنَافِقُ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ مَسِيرِهِ قَالَ: فَصَفَّهُمْ وَلِوَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- حِينَ غَدَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَعَ مَنْ لِوَاءُ الْقَوْمِ؟ قَالُوا: مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ، فَدَعَا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَأَعْطَاهُ اللِّوَاءَ،
ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنْهُ حَتَّى دَعَا ثَلَاثًا وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ فَاسْتَوَى مَعَهُ عَلَى رَحْلِهِ، ثُمَّ عَانَقَهُ فَأَقْبَلَا فَوْقَ الْبَعِيرِ جَمِيعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي يَلِي حَضِيضَ الْأَرْضِ مَقْتُولٌ، فَوَقَعَ الْمُشْرِكُ وَوَقَعَ الزُّبَيْرُ عَلَيْهِ فَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْنُ يا بن صَفِيَّةَ، فَلَقَدْ قُمْتَ وَإِنِّي لَأَهُمُّ بِالْقِيَامِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ إِحْجَامِ الْقَوْمِ عَنْهُ، ثُمَّ قَرَّبَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَقَالَ: إِنَّ لكلّ نبيّ حواريّ وَالزُّبَيْرُ حَوَارِيَّ. قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «انْضَحْ عَنَّا الْخَيْلَ [ (14) ] بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَنَا مِنْ خَلْفِنَا إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ لَا تؤتينّ مِنْ قِبَلِكَ» ، وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ [ (15) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَالْتَقَوْا يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ حَتَّى حَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَصْرَهُ وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنِ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ لَا شَكَّ فِيهَا [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ الزبير بن العوام، قال: واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبَاتِهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ مَا دُونَ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِذْ مَالَتِ الرُّمَاةُ إِلَى الْعَسْكَرِ، حَتَّى كَشَفَنَا الْقَوْمُ عَنْهُ يُرِيدُونَ النَّهْبَ، وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ أَدْبَارِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ [ (17) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمْ يَزَلْ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ صَرِيعًا حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فرفعته لقريش فلا ثوابها [ (18) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ يَعْنِي تَقْتُلُونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ، يَعْنِي بِالْمَعْصِيَةِ: إِقْبَالَ مَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَغْنَمِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ» [ (19) ] يَعْنِي نَصْرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى رَكِبَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ، ثُمَّ أُدِيلَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمُ الرَّسُولَ حَتَّى حَصَبَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الدنيا حتى نزلت
فينا ما نزل يَوْمَ أُحُدٍ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قال حدثنا زهير (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ محمد ابن عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خديج بْنِ الرُّحَيْلِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم على الرُّمَاةَ يَوْمَ أُحُدٍ- وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا- عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ إِذَا رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ: فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ فَأَنَا واللَّه رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الْخَيْلِ، قَدْ بَدَتْ خَلَاخِيلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّه بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْظُرُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَأَتَوْهُمْ فَصُرِفَتْ وجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَلِكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- قَالَ النُّفَيْلِيُّ: أَظُنُّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ- أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نفسه أن
قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّه، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ، وَقَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سجال سَتَجِدُونَ لَكُمْ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا [ (21) ] وَلَمْ تَسُؤْنِي ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ [اعْلُ هُبَلُ] [ (22) ] اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوهُ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّه أَعْلَى [ (23) ] وَأَجَلُّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوهُ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْفَارَيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ جَمِيعًا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً بَيِّنَةً [ (25) ] تُعْرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّه أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ وَاجْتَلَدُوا [ (26) ] هُمْ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فَقَالَ: أَبِي، أَبِي، فو اللَّه مَا انْحَجَزُوا عَنْهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّه لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فو اللَّه مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ
[مِنْهَا] بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. لَفْظُ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، عن أبي أُسَامَةَ، وَعَنْ فَرْوَةَ، عَنْ علي بن مسهر.
باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القتال يوم أحد وثبوت من عصمه الله - عز وجل -
بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ وَثُبُوتِ مَنْ عَصَمَهُ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- مِنْهُمْ مَعَهُ أَوْ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ حِينَ عَلِمَ مَكَانَهُ، وَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ، وَمَا رُوِيَ فِي انْقِلَابِ الْعَسِيبِ الَّذِي أَعْطَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّه بْنَ جَحْشٍ، فِي يَدِهِ سَيْفًا أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّه- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا أَنَا، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُ سِمَاكٌ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (1) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّه بْنُ الْوَازِعِ بْنِ ثَوْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: عَرَضَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه. فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَقُمْتُ فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ فَقَامَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّه بِحَقِّهِ فَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: أَلَّا تَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا وَلَا تَفِرَّ بِهِ عَنْ كَافِرٍ، قَالَ: فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ، قَالَ: قُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إِلَيْهِ الْيَوْمَ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا هَتَكَهُ وَأَفْرَاهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى نِسْوَةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ مَعَهُنَّ دُفُوفٌ لَهُنَّ، فِيهِنَّ امْرَأَةٌ وَهِيَ تقول: نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ. نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ. إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ. وَنَبْسُطُ النَّمَارِقْ. إِنْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ. فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ. قَالَ: فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَضْرِبَهَا، ثُمَّ كَفَّ عَنْهَا، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْقِتَالُ قُلْتُ لَهُ: كُلُّ عَمَلِكَ قَدْ رَأَيْتُ مَا خَلَا رَفْعَكَ السَّيْفَ عَلَى الْمَرْأَةِ. ثُمَّ لَمْ تَضْرِبْهَا، قَالَ: إِي واللَّه أَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ أَبُو دُجَانَةَ السَّيْفَ، مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ الْحَمْرَاءَ فَعَصَبَهَا بِرَأْسِهِ فَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ [ (2) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ
رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّه إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ: مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا بِنَفْسِهِ، فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ فِي خَمْسَةِ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السَّكَنِ، فقاتلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجُلٌ يُقْتَلُونَ دُونَهُ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادًا، أَوْ عُمَارَةَ بْنَ زِيَادٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمَّ فَاءَتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيْئَةٌ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنُوهُ مِنِّي فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسَّدَهُ قَدَمَهُ فَمَاتَ وَخَدُّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وهو منحني علي رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِ النَّبْلُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سِخْتَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ وهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ [ (4) ] ، قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قتل] [ (5) ]
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ لِصَاحِبَيْهِ [ (6) ] : مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا [ (7) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ: طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه، وسعد، عَنْ حَدِيثِهِمَا [ (9) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [ (10) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعْتَمِرٍ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي- يَوْمَ أُحُدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عزيّة، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْلَى حكيم بن حرام، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، أَنَّهُ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ بَقِيَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ [فِيهِمْ] طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه وَهُوَ يَصْعَدُ فِي الْجَبَلِ فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ: [أَلَا أَحَدٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه] [ (13) ] ، فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَقَاتَلَ عَنْهُ، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ، ثُمَّ قُتِلَ الْأَنْصَارِيُّ، فَلَحِقُوهُ، فَقَالَ: أَلَا أَحَدٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَأَذِنَ لَهُ، فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالِهِ وَقِتَالِ صَاحِبِهِ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَصْعَدُونَ، ثُمَّ قُتِلَ فَلَحِقُوهُ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَيَقُولُ طَلْحَةُ أَنَا: يَا رَسُولَ اللَّه فَيَحْبِسُهُ، فَيَسْتَأْذِنُهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِلْقِتَالِ، فَيَأْذَنُ لَهُ، فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا طَلْحَةُ فَغَشَوْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: مَنْ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالَ جميع من
كَانَ قَبْلَهُ وَأُصِيبَتْ أَنَامِلُهُ فَقَالَ حَسِّ [ (14) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّه، أَوْ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّه لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حَتَّى تَلِجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، ثُمَّ صَعِدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلِ النَّاسِ: قُتِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ [الشَّرِيفَتَيْنِ] [ (16) ] تُزْهِرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى [ (17) ] صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيَّ: [أَنْ] أَنْصِتْ، فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضُوا، وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشِّعْبِ مَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةُ، والزبير، والحارث ابن الصِّمَّةِ فِي نَفَرٍ [ (18) ] مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا أَسْنَدَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ، فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّه أَيَعْطِفُ عَلَيْكَ رَجُلٌ مِنَّا؟ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَلَمَّا دَنَا [ (19) ] تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ- كَمَا ذُكِرَ لِي- فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بها انتفاضة
تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشَّعْرَاءِ [ (20) ] عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ [ (21) ] مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا [ (22) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا» . فَقَاتَلَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنِ الْجَبَلِ، وَنَهَضَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى صَخْرَةٍ مِنَ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَئِذٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهَا فَجَلَسَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه تَحْتَهُ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: أَوْجَبَ طَلْحَةُ [ (23) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَمَعَهُ لِوَاؤُهُ حَتَّى قُتِلَ وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ أَعْطَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [ (24) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ قُرَيْشٍ، وَالْحَكَمَ بْنَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، وَعَبْدَ اللَّه بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَأَبَا أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ، وَأَخَذَ اللِّوَاءَ بَعْدَ طَلْحَةَ: أبو
سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: رَمَيْتُهُ فَأَصَبْتُ حَنْجَرَتَهُ، فَانْدَلَعَ لِسَانُهُ انْدِلَاعَ لِسَانِ الْكَلْبِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينَاوِلُنِي النَّبْلَ وَيَقُولُ: ارْمِ فِدًا لَكَ [ (25) ] أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ مِنْ نَصْلٍ فَأَرْمِي بِهِ [ (26) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّه الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ بُرْهَانَ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: نَثَلَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ يَعْنِي نَفْضَ كِنَانَتَهُ [ (27) ] يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: ارْمِ فِدَاكَ، أَبِي وَأُمِّي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ هُوَ ابْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ [ (29) ] مَعَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ بِالْجَعْبَةِ [ (30) ] فِيهَا النَّبْلُ فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ، وَيُشْرِفُ نَبِيُّ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَيَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ [ (31) ] : يَا نَبِيَّ اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ [ (32) ] لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ [ (33) ] وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا مُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا [ (34) ] ، يَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا [ (35) ] ثُمَّ يُفْرغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَتَرْجِعَانِ فَتَمْلَآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ أَبِي طَلْحَةَ مِنَ النُّعَاسِ [ (36) ] إِمَّا مرّتين وإمّا ثلاثا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ [ (37) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ [ (38) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكَاغَذِيُّ بِالرِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، قَالَ: فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كَأَنَّهُ حَيْثُ كَذَا، قَالَ الرَّازِيُّ: وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدِي كَأَنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ يَسِيرًا فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ قَالَ: وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ يَا وَحْشِيُّ تَعْرِفُنِي فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَا وَاللهِ إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالِ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَاسْتَرْضَعَتْهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ لَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللهِ عن وجهه، ثم
قَالَ: أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَنْ عَيْنَيْنِ، قَالَ: وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ بَيْنَهُ وبينه وادي، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا أَنَ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ فَقَالَ: يَا سباع يا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ تُحَادُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ. قَالَ: فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَوَقَعَتْ ثُنَّتُهُ، حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ وَرِكِهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ، حَتَّى فَشَا فِيهَا الْإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، قَالَ: وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ [ (39) ] ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: الَّذِي قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ الَّذِي بَلَغَكَ قَالَ: مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَكَ قَالَ: فَرَجَعْتُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرٌ رَأْسُهُ قَالَ: فَأَرْمِيهِ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ قَالَ وَوَثَبَ أَوْ قَالَ وَدَفَّ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ الْفَضْلِ وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بيت: وأمير الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ. قَالَ حُجَيْنٌ: فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ يَقُولُ: وَكَانَ سعيد
يَقُولُ: فَكُنْتُ أَعْجَبُ لِقَاتِلِ حَمْزَةَ كَيْفَ يَنْجُو، حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّهُ مَاتَ غَرِيقًا فِي الْبَحْرِ [ (40) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (41) ] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه دُونَ قَوْلِ حُجَيْنٍ فِي آخِرِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بِسَيْفَيْنِ، وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّه. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ يُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَيْفَيْنِ، يَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّه، وَيُقْبِلُ وَيُدْبِرُ، فَعَثَرَ، فَصُرِعَ مستلقيا وانكشفت الدِّرْعُ عَنْ بَطْنِهِ فَزَرَقَهُ المعبد الْحَبَشِيُّ بِرُمْحٍ، أَوْ قَالَ بِحَرْبَةٍ فَبَقَرَهُ بِهَا يَوْمَ أُحُدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ فَأَلْقَى ثَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: تَخَلَّى مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا. كَذَا فِي كِتَابِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّوَابُ: بَجَلِي، يَعْنِي: قَالَ الرَّجُلُ: بَجَلِي، أَيْ حَسْبِي هَذَا مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا [ (42) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (43) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الْمُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّه قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ- يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ- وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا صَنَعَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَاهُ بَيْنَ الْقَتْلَى بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً: مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، قَالَ: فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَقُولُ: أُنْزِلَ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (44) ] . إِنَّهَا فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ حُمَيْدٍ [ (45) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ [ (46) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، قَالَ، انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَبِهِ سُمِّيَ أَنَسُ بن مالك [ (47) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، قَالُوا: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنُونَ شَبَابٌ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُحُدٍ، قَالَ لَهُ بَنُوهُ: إِنَّ اللَّه- عز وجل- جَعَلَ لَكَ رُخْصَةً فَلَوْ قَعَدْتَ فَنَحْنُ نَكْفِيكَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّه عَنْكَ الْجِهَادَ، فَأَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه! إِنَّ بَنِيَّ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُونَنِي أَنْ أخرج معك، وو اللَّه إِنِّي لَأَرْجُو أَنَ أُسْتَشْهَدَ مَعَكَ فَأَطَأُ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّه عَنْكَ الْجِهَادَ» ، وَقَالَ لِبَنِيهِ: «وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدَعُوهُ لَعَلَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ» ، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا [ (48) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْتَقَى هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَلَمَّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ شَعُوبَ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ فَضَرَبَهُ شَدَّادٌ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي حَنْظَلَةَ، فَسَلُوا أَهْلَهُ: مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ [ (49) ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الملائكة [ (50) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ [عَمْرِو بْنِ] [ (51) ] سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَخْبِرُونِي [ (52) ] عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ، فَقَالَ: أُصَيْرِمٌ (مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ) فَقَالَ لِيَ الْحُصَيْنُ: فَقُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ وَكَيْفَ كَانَ شَأْنُ أُصَيْرِمٍ؟ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَغَدَا عَلَى النَّاسِ [ (53) ] فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَخَرَجَ رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَتَفَقَّدُونَ رِجَالَهُمْ، فَوَجَدُوهُ فِي الْقَتْلَى فِي آخِرِ رَمَقٍ، فَقَالُوا: واللَّه لَقَدْ عَهِدْنَاكَ وَإِنَّكَ لَتُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا جَاءَ بِكَ؟ أَرَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ حَدَبٌ عَلَى قَوْمِكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ جِئْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ فَأَصَابَنِي مَا تَرَوْنَ، فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى مَاتَ. فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ [ (54) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى يَأْخُذَهُ فَجَاءَ يَوْمُ أُحُدٍ، فَقَالَ: أَيْنَ بَنُو عَمِّي؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ، قَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ، قَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ، فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَرَكِبَ فَرَسَهُ، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا يَا عَمْرُو، قَالَ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ، فَقَاتَلَ
حَتَّى جُرِحَ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ جَرِيحًا، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِأُخْتِهِ: سَلِيهِ حَمِيَّةً لِقَوْمِكَ، أَوْ غَضَبًا لَهُمْ، أَمْ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: بَلْ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ، فَمَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلَاةً [ (55) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّه الطَّوِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي: إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَعْدُ! إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِيَ الْأَنْصَارِ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّه إِنْ خُلِصَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ شُفْرٌ [ (56) ] يَطْرِفُ، قَالَ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ- رَحِمَهُ اللَّه-[ (57) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ! أَشَعَرْتَ أَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَنَزَلَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الْآيَةَ [ (58) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: وَقَالَ عبد اللَّه ابن عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ: رَأَيْتُ فِيَ النَّوْمِ قَبْلَ أُحُدٍ وَكَأَنِّي رَأَيْتُ حَبَشَ [ (59) ] بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، يَقُولُ لِي: أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِي أَيَّامٍ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ نَسْرَحُ فِيهَا كَيْفَ نَشَاءُ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: بَلَى، ثُمَّ أُحْيِيتُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ يَا أَبَا جَابِرُ [ (60) ] . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي قِصَّةِ خَيْثَمَةَ أَبِي سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فِيمَا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى أُحُدٍ: عَسَى اللَّه أَنْ يُظْفِرَنَا بِهِمْ فَتِلْكَ عَادَةُ اللَّه عِنْدَنَا، أَوْ تَكُونُ الْأُخْرَى فَهِيَ الشَّهَادَةُ، لَقَدْ أَخْطَأَتْنِي وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَكُنْتُ واللَّه عَلَيْهَا حَرِيصًا، حَتَّى سَاهَمْتُ ابْنِي فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَ سَهْمُهُ فَرُزِقَ الشَّهَادَةَ، وَقَدْ رَأَيْتُ ابْنِي الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يَسْرَحُ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَنْهَارِهَا، وَيَقُولُ: الْحَقْ بِنَا تُرَافِقْنَا فِي الْجَنَّةِ فَقَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، وَقَدْ واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه أَصْبَحْتُ مُشْتَاقًا إِلَى مُرَافَقَتِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَأَحْبَبْتُ لِقَاءَ رَبِّي، فَادْعُ اللَّه يَا رَسُولَ اللَّه أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ وَمُرَافَقَةَ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا [ (61) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ داود
الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ جَحْشٍ: اللهُمَّ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ أَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا فَيَقْتُلُونِي، ثُمَّ يَبْقُرُوا بَطْنِي، وَيَجْدَعُوا أَنْفِي وَأُذُنِي، ثُمَّ تَسْأَلُنِي بِمَا ذَاكَ فَأَقُولُ فِيكَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَبَرَّ اللَّه آخِرَ قَسَمِهِ كَمَا أَبَرَّ أَوَّلَهُ [ (62) ] . وَقَدْ رَوَيْنَا قِصَّةَ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَحْشٍ فِي كِتَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ مَوْصُولًا [ (63) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَحْشِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّه ابن جَحْشٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ ذَهَبَ سَيْفُهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسِيبًا مِنْ نَخْلٍ، فَرَجَعَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّه سَيْفًا [ (64) ] .
باب ما ذكر في المغازي من وقوع عين قتادة بن النعمان على وجنته ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم عينه إلى مكانها وعودها إلى حالها
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ وُقُوعِ عَيْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ عَلَى وَجْنَتِهِ وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَيْنَهُ إِلَى مَكَانِهَا وَعَوْدِهَا إِلَى حَالِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا [ (1) ] ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يومئذ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْبَسْتِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بن المظفر الكبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ: أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَقَالَ: أَنَأْتِي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَجِئْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
مِنْهُ، فَرَفَعَ حَدَقَتَهُ حَتَّى وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا، ثُمَّ غَمَزَهَا بِرَاحَتِهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ اكْسُهِ جَمَالًا، فَمَاتَ وَمَا يَدْرِي مَنْ لَقِيَهُ أَيُّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ: أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيُّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ. وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ الْغَسِيلِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ واللَّه أَعْلَمُ. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُسْتَةَ [ (4) ] الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ: قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَانَ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ، شَهِدُوا بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَرُمِيَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ عِنْدِيَ امْرَأَةً [ (5) ]
أُحِبُّهَا وَإِنْ هِيَ رَأَتْ عَيْنِي خَشِيتُ أَنْ تَقْذَرَنِي فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَوَتْ وَرَجَعَتْ وَكَانَتْ أَقْوَى عَيْنَيْهِ وَأَصَحَّهُمَا بَعْدَ أَنْ كَبِرَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ أَنَّ عَيْنَهُ ذَهَبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهَا فاستقامت [ (7) ] .
باب الملكين الذين كانا يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويدفعان عنه وعصمة الله تعالى إياه عن القتل كما وعده بقوله: والله يعصمك من الناس 5: 67 [1]
باب الملكين الذين كَانَا يُقَاتِلَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَدْفَعَانِ عَنْهُ وَعِصْمَةِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ عَنِ الْقَتْلِ كَمَا وَعَدَهُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللَّه- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ يَمِينِ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يُقَاتِلَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَشَدَّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا بَعْدَهُ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ شِيرَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عبد اللَّه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة [ (4) ] ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ [ (5) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ. وَأَمَّا الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ تُقَاتِلْ مَعَهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ ولا قبله
وَلَا بَعْدَهُ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ عَنِ الْقَوْمِ حِينَ عَصَوَا الرَّسُولَ وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ فِي قَوْلِهِ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [ (6) ] قَالَ: فَلَمْ يَصْبِرُوا وَانْكَشَفُوا فَلَمْ يُمَدُّوا [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَكَانَ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى أَنْ يُمِدَّهُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَكَانَ قَدْ فَعَلَ فَلَمَّا عَصَوْا أَمْرَ الرَّسُولِ وَتَرَكُوا مَصَافَّهُمْ، وَتَرَكَتِ الرُّمَاةُ عَهْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم إليهم أَلَّا [ (8) ] يَبْرَحُوا مَنَازِلَهُمْ وَأَرَادُوا الدُّنْيَا، رُفِعَ عَنْهُمْ مَدَدُ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [ (9) ] فَصَدَقَ اللَّه وَعْدَهُ وَأَرَاهُمُ الْفَتْحَ، فَلَمَّا عَصَوْا أَعْقَبَهُمُ الْبَلَاءَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ
عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعْدٌ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَفَتًى يَنْبُلُ لَهُ كُلَّمَا ذَهَبَتْ نَبْلَةٌ أَتَاهُ بِهَا، قَالَ: ارْمِ أَبَا إِسْحَاقَ، فَلَمَّا فَرَغُوا نَظَرُوا مَنِ الشَّابُّ فَلَمْ يروه ولم يعرف [ (10) ] .
باب شدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البأس، وتصديق الله عز وجل قوله في أبي بن خلف، وما أصابه يوم أحد من الجراح في سبيل الله - عز وجل -
بَابُ شِدَّةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي الْبَأْسِ، وَتَصْدِيقِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهُ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وَمَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْجِرَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْهُ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَخُو بَنِي جُمَحَ قَدْ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيَقْتُلَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْفَتُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه، فَأَقْبَلَ أُبَيٌّ مُتَقَنِّعًا فِي الْحَدِيدِ وَهُوَ يَقُولُ إِنْ نَجَوْتُ لَا نَجَا مُحَمَّدٌ، فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم ترقوة أبي بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ، فطعنه بحربته، فوقع أبي عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَعَكَ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ، فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: أَنَا أَقْتُلُ أُبَيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ، فَمَاتَ إِلَى النَّارِ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [ (2) ] . وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا مَضَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سيعد ابن الْمُسَيِّبِ [ (3) ] . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ [ (4) ] . وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَاتَ أُبَيُّ ابن خَلَفٍ بِبَطْنِ رَابِغَ [ (5) ] ، فَإِنِّي لَأَسِيرُ بِبَطْنِ رَابِغَ بَعْدَ هَوِيٍّ [ (6) ] مِنَ اللَّيْلِ إِذَا نَارٌ تَأَجَّجُ لِي فَهِبْتُهَا، وَإِذَا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فِي سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُهَا يَصِيحُ: الْعَطَشَ، وَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ لَا تَسْقِهِ فَإِنَّ هَذَا قَتِيلُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ العزيز ابن أَبِي حَازِمٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ تَغْسِلُ الدَّمَ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى إِذَا صَارَ رَمَادًا أَلْصَقَتْهُ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ [ (8) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (9) ] . ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ السَّرْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يوم أُحُدٍ أُصِيبَ وَجْهُهُ وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ [ (11) ] وَهُشِّمَتْ بَيْضَتُهُ [ (12) ] ، قَالَ: فَأَتَاهُ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَاءٍ فِي مِجَنٍّ، وَأَتَتْ فَاطِمَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عنه تَغْسِلُ عَنْهُ الدَّمَ، وَتَحْرِقُ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَتَجْعَلُهَا عَلَى جُرْحِهِ [ (13) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، وَقَالَ [رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ] [ (14) ] اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (15) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (16) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِيَدِهِ، واشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ [ (18) ] الدَّمُ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» [ (19) ] [آل عمران، الْآيَةَ- 128] . وَأَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
ابن مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (20) ] عَنِ الْقَعْنَبِيِّ. وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ فِي آخَرِينَ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ فِي قُنُوتِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذَكَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: كَانَ ذَاكَ يَوْمًا كَانَ كُلُّهُ يَوْمَ طَلْحَةَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَتْ: قَالَ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ [إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم] فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَهُ، وَأُرَاهُ قَالَ: يَحْمِيهِ، قَالَ: فَقُلْتُ كُنْ طَلْحَةَ حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي، فَقُلْتُ: يَكُونُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي أَحَبُّ إِلَيَّ، وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْمَشْرِقِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَهُوَ يَخْطَفُ الْمَشْيَ خَطْفًا، لَا أَخْطَفُهُ. فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي وَجْنَتَيْهِ حَلْقَتَانِ مِنِْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمَا صَاحِبَكُمَا، يُرِيدُ طَلْحَةَ، وَقَدْ نَزَفَ، فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، قَالَ: وَذَهَبْتُ لِأَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي، فَتَرَكْتُهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُمَا بِيَدِهِ فَيُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَأَزَمَ [ (21) ] عَلَيْهِمَا بِفِيهِ، فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ، وَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ مَعَ الْحَلْقَةِ، وَذَهَبْتُ لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي، قَالَ: فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلْقَةِ، فَكَانَ أَبُو عبيدة من أحسن
النَّاسِ هَتْمًا [ (22) ] فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، بَيْنَ طَعْنَةٍ، وَرَمْيَةٍ، وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا قَدْ قُطِعَتْ إِصْبَعُهُ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ [ (23) ] . وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْحَافِظِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ أُمِّهَا، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَالَ: فَأَوْجَعُوا واللَّه فِينَا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَالُوا، لَا وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ إِنْ زَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم شِبْرًا وَاحِدًا، إِنَّهُ لَفِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَتَثُوبُ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرَّةً، وَتَفَرَّقُ عَنْهُ مَرَّةً، فَرُبَّمَا رَأَيْتُهُ قَائِمًا يَرْمِي عَلَى قَوْسَيْهِ، وَيَرْمِي بِالْحَجَرِ، حَتَّى تَحَاجَزُوا، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كَمَا هُوَ فِي عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ [ (24) ] . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَسْطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّه بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ جَاوَزَهُ فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ [ (25) ] فَقَالَ واللَّه مَا رَأَيْتُهُ أَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، خَرَجْنَا أَرْبَعَةً فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ فَلَمْ نَخْلُصْ إِلَى ذلك [ (26) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَالثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي رَمَى فِي وَجْنَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ قَمِيئَةَ، وَالَّذِي رَمَى شَفَتَيْهِ وَأَصَابَ رَبَاعِيَتَهُ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْنَتِهِ، وَكُلِمَتْ [ (28) ] شَفَتُهُ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ: عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ [ (29) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ، قَالَ: مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ قَطُّ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُهُ لَسَيِّئَ الْخُلُقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ عَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (30) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرازق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ، وَدَمَّى وَجْهَهُ. فَقَالَ: اللهُمَّ لَا تُحِلْ عَلَيْهِ الْحَوْلَ حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا، فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كافرا الى النار [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَالِكًا أَبَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،، لَمَّا جُرِحَ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مَصَّ جُرْحَهُ، حَتَّى أَنْقَاهُ، وَلَاحَ أَبْيَضَ، فَقِيلَ لَهُ: مُجَّهُ، فَقَالَ: لَا واللَّه لَا أَمُجُّهُ أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ يُقَاتِلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَاسْتُشْهِدَ [ (32) ] .
باب قول الله عز وجل ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر 3: 152 [1] الآية. وقول الله - عز وجل - إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم و
بَابُ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ [ (1) ] الْآيَةَ وَقَوْلِ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ [ (2) ] الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ أَجْلَسَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم نَاسًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ: لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا الْتَقَى الْقَوْمُ وَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَظَرْنَا إِلَى النِّسَاءِ يَشْتَدِدْنَ [ (3) ] فِي الْجَبَلِ، قَدْ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ بَادِيَةً خَلَاخِيلُهُنَّ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ، الْغَنِيمَةَ [ (4) ] ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّه: أَمْهِلُوا أَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ [ (5) ] لَا تبرحوا، فانطلوا فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صَرَفَ اللَّه وُجُوهَهُمْ [ (6) ] وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
سَبْعُونَ رَجُلًا [ (7) ] ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَشْرَفَ [ (8) ] عَلَيْنَا وَهُوَ فِي نَشَزٍ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُجِيبُوهُ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُجِيبُوهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ لِأَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا، فَلَمْ يَمْلِكُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّه، قَدْ أَبْقَى اللَّه لَكَ مَنْ يُخْزِيكَ [ (9) ] اللَّه بِهِ، فَقَالَ: اعْلُ هُبَلُ مَرَّتَيْنِ [ (10) ] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: أَجِيبُوهُ، فَقَالُوا مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: قُولُوا اللَّه أَعْلَى [ (11) ] وَأَجَلُّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا عُزَّى [ (12) ] وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِيبُوهُ، قَالُوا: وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ [ (13) ] أَمَا إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً [ (14) ] لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تسؤني.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (15) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ابن عَازِبٍ، يَقُولُ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّا الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا نُصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْطِنٍ كَمَا نُصِرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ
[ (17) ] يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْحَسُّ الْقَتْلُ (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ قَالَ: احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا، فَلَمَّا غَنِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ انْكَفَأَتِ الرُّمَاةُ جَمِيعًا فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْتَهِبُونَ وَلَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فَهُمْ هَكَذَا وَشَبَّكَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ الْتَبَسُوا فَلَمَّا دَخَلَ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْحِلَّةَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا دَخَلَ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْتَبَسُوا وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَوَّلُ النَّهَارِ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ وَلَمْ يَبْلُغُوا حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ الْغَارَ إِنَّمَا كَانُوا تَحْتَ الْمِهْرَاسِ وَصَاحَ الشَّيْطَانُ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَلَمْ نَشُكَّ فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ فَمَا زِلْنَا كَذَلِكَ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ السَّعْدَيْنِ نَعْرِفُهُ بِتَكَفُّئِهِ إِذَا مَشَى، قَالَ: فَفَرِحْنَا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا مَا أَصَابَنَا. قَالَ: فَرَقِيَ نَحْوَنَا وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِهِ قَالَ: وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى اللهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا قَالَ: فَمَكَثَ سَاعَةً فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ يَعْنِي آلِهَتَهُ أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَلَا أُجِيبُهُ قَالَ: بَلَى، فَلَمَّا قَالَ: اعْلُ هُبَلُ قَالَ عُمَرُ اللَّه أَعْلَى وَأَجَلُّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ يَوْمُ الصَّمْتِ فَعَادَ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا
رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَهَا أَنَا ذَا عُمَرُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَلٌ وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: لَا سَوَاءً قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَزْعُمُونَ ذَلِكَ لَقَدْ خِبْنَا إِذًا وَخَسِرْنَا ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَمَا إِنَّكُمْ سَوْفَ تَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثَلًا وَلَمْ يَكُنْ ذَاكَ عَنْ رَأْيِ سَرَاتِنَا ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ إِذْ كَانَ لَمْ نَكْرَهْهُ. لَفْظُ حَدِيثِ الدَّارِمِيِّ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَلَمَّا لَحِقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ وَمَعَهُ: طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ ظَنَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ سَهْمًا عَلَى كَبِدِ قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ، فَلَمَّا تَكَلَّمُوا وَنَادَاهُمْ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُصِبْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ضَرَرٌ حِينَ أَبْصَرُوا رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَعَلِمُوا أَنَّهُ حَيٌّ، فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ عَرَضَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِفِتْنَتِهِ وَبِوَسْوَسَتِهِ وَتَحْزِينِهِ حِينَ أَبْصَرُوا عَدُوَّهُمْ قَدِ انْفَرَجُوا عَنْهُمْ يَذْكُرُونَ قَتْلَاهُمْ وَإِخْوَانَهُمْ، وَيَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ قَتْلَاهُمْ، وَاشْتَدَّ حُزْنُهُمْ، فَرَدَّ اللَّه الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ وَغَمَّهُمْ بِهِ لِيُذْهِبَ الْحُزْنَ عَنْهُمْ فَإِذَا عَدُوُّهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ قَدْ عَلَوْا، فَنَسُوا عِنْدَ ذَلِكَ الْحُزْنَ وَالْهُمُومَ عَلَى إِخْوَانِهِمْ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْهُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [ (19) ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» ، ثُمَّ دَعَا وَنَدَبَ أَصْحَابَهُ فَانْتَدَبَ مَعَهُ عِصَابَةٌ فَأَصْعَدُوا فِي الشِّعْبِ حَتَّى كَانُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ عَلَى السَّوَاءِ، ثُمَّ رَمَوْا وطاعنوا حتى أهبطوهم
فَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ فَمَثَّلُوا بِهِمْ يَقْطَعُونَ الْآذَانَ وَالْأُنُوفَ وَالْفُرُوجَ، وَيَبْقُرُونَ الْبُطُونَ، وَيَحَسَبُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْرَافَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا وَصَافُّوا مُقَابِلَهُمْ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ [ (20) ] ، وَذَكَرَ مَا رُوِّينَا فِي الْأَخْبَارِ الْمَوْصُولَةِ ثُمَّ ذَكَرَ انْكِفَاءَهُمْ إِلَى أَثْقَالِهِمْ وَخُرُوجَهُمْ بِمَعْنَى مَا مَضَى مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ ابن زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ يَغْشَاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي، مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ [ (21) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حدثنا حجاج ابن مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ رَفَعْتُ رأس يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وهو يميد تحت جحفته مِنَ النُّعَاسِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [ (22) ] الْآيَةَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّه ابن الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: واللَّه لَكَأَنِّي أَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَإِنَّ النُّعَاسَ لَيَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهَا مِنْهُ إِلَّا كَالْحِكَمِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النعاس
وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ غَشِيَهُ النُّعَاسُ يَوْمَئِذٍ، فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ، قَالَ: وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الْمُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَرْعَبُهُ وَأَخْذَلُهُ لِلْحَقِّ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ كَذِبُهُمْ إِيمَانُهُمْ أَهْلُ شَكٍّ وَرِيبَةٍ فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شَيْبَانَ [ (25) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ التَّمَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِي قَوْلِهِ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [ (26) ] قَالَ: أُلْقِيَ عَلَيْنَا النَّوْمُ يَوْمَ أُحُدٍ [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بن شهاب الزهري، وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، ومحمد بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، والْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالُوا: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَقَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ وَيَوْمَ أَكْرَمَ اللَّه فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ،
يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (28) ] ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (29) ] عَدَدَ مَنْ قُتِلَ من المسلمين يوم أحد.
باب عدد من استشهد من المسلمين يوم أحد وعدد من قتل من المشركين يومئذ
بَابُ عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أحد وَعَدَدِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوْصِلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَصَابُوا مِنْهَا سَبْعِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أُرَاهُ قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا [ (1) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو [ (2) ] بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنَ الْأَحْيَاءِ أَكْثَرَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: يَوْمُ بِئْرِ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ إِذْ قَاتَلُوا مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس، عن ثابت قَالَ: يَا رَبَّ [ (5) ] السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ: سَبْعِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي: الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْخُزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ ابن الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي ثَلَاثِ مَوَاطِنَ سَبْعُونَ: سَبْعُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ سَبْعُونَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَحَدِيثُ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا خَطَأٌ وَهَذَا المعروف.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَحَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ يَعْقُوبُ: وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ حَتَّى إِذَا الْتَقَوْا هُمْ وَالْمُشْرِكُونَ بِأُحُدٍ فَاقْتَتَلُوا، فَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مِثْلُ نِصْفِ عِدَّةِ مَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَتْلَى وَالْأَسْرَى، وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَمُّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ الْجُمُعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، قَبْلَ أن يقدمها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَهُمَا، وَقُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قريبا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، مِنْهُمْ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدُ اللَّه هُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ يَعْنِي ابْنَ وَرَّادٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [ (6) ] . قَالَ: قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ مِنْهُمْ، وَقَتَلَ
الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [ (7) ] . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ جَابِرٌ: أَصَبْنَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَصَابُونَا يَوْمَ أُحُدٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ يَعْقُوبُ وَذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، وعُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ. قَالَ مُوسَى: فَجَمْعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَالَ عُرْوَةُ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا [ (8) ] . قُلْتُ: وَقَوْلُ مَنْ يُوَافِقُ فِي هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْصُولَ عَنِ الْبَرَاءِ، وَأَنَسٍ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ واللَّه أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بكير، عن
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: جَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَحِمَهُمُ اللَّه مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ رجلا، وجميع مَنْ قَتَلَ اللَّه مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: جَمِيعُ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد من قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ: أَرْبَعَةٌ، أَوْ قَالَ: سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَكَانَ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانِينَ رَجُلًا، وَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا قَالَ: وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّه- قَالَ: وَكَانَ مِنَ الْمَمْنُونِ عَلَيْهِمْ بِلَا فِدْيَةٍ يَوْمَ بَدْرٍ: أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ، تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنَاتِهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ، فَأَحْفَزَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَنْ لَا يُفْلِتَ، فَمَا أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَيَّ، وَدَعْنِي لِبَنَاتِي، وَأُعْطِيكَ عَهْدًا أَلَّا أَعُودَ لِقِتَالِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: لَا تَمْسَحْ عَلَيَّ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ قَدْ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ [ (11) ] .
باب ما جرى بعد انقضاء الحرب وذهاب المشركين في أمر القتلى والجرحى ومن أجاد الحرب وما ظهر من الآثار في حال الشهداء على طريق الاختصار
بَابُ مَا جَرَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَذَهَابِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَمْرِ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى وَمَنْ أَجَادَ الْحَرْبَ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِي حَالِ الشُّهَدَاءِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَنَادَاهُمْ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ ارْتَحَلُوا: إِنَّ مَوْعِدَكُمْ مَوْسِمُ بَدْرٍ، وَكَانَ يَقُومُ فِي بَدْرٍ كُلَّ عَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا نَعَمْ، فَقَالُوا نَعَمْ قَدْ فَعَلْنَا، وَنَادَوْا أَبَا سُفْيَانَ بذلك، قال عروة: وانكفؤا- يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ- إِلَى أَثْقَالِهِمْ ولَا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَا يُرِيدُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: إِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ رَكِبُوا وَجَعَلُوا الْأَثْقَالَ تَتْبَعُ آثَارَ الْخَيْلِ فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْبُيوتِ وَالْآطَامِ الَّتِي فيها الدراري وَالنِّسَاءُ، وَأُقْسِمُ لَئِنْ فَعَلُوا لَأُوَاقِعَنَّهُمْ فِي جَوْفِهَا، فَلَمَّا أَدْبَرُوا بَعَثَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ [ (1) ] فِي آثَارِهِمْ، وَقَالَ: اعْلَمْ لَنَا أَمْرَهُمْ، فَانْطَلَقَ سَعْدٌ يَسْعَى، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ خَيْلَهُمْ تَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا مَجْنُونَةً مُدْبِرَةً، وَرَأَيْتُ الْقَوْمَ قَدْ تَحَمَّلُوا عَلَى الْأَثْقَالِ سَائِرِينَ، فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ لِذَهَابِ الْعَدُوِّ، وَانْتَشَرُوا يَبْتَغُونَ قَتْلَاهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيلًا إِلَّا قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، غَيْرَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ كَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَتُرِكَ لَهُ، وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتُمِلَتْ كَبِدُهُ حَمَلَهَا وَحْشِيٌّ، وَهُوَ
قَتَلَهُ وَشَقَّ بَطْنَهُ، فَذَهَبَ بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلَاهُمْ يَدْفِنُونَهُمْ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. قَالَ: وَخَرَجَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَالْأَنْصَارِ فَحَمَلْنَ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ عَلَى ظُهُورِهِنَّ، وَخَرَجَتْ فِيهِنَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْ أَبَاهَا وَالَّذِي بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ اعْتَنَقَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَمْسَحُ الدِّمَاءَ عَنْ وَجْهِهِ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، يَقُولُ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (2) ] ، وَسَعَى علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى الْمِهْرَاسِ وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: أَمْسِكِي هَذَا السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمٍ، فَأَتَى بِمَاءٍ فِي مِجَنَّةٍ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَقَالَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ فَتَمَضْمَضَ مِنْهُ وَغَسَلَتْ فَاطِمَةُ عَنْ أَبِيهَا الدِّمَاءَ، فَلَمَّا أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم سَيْفَ عَلِيٍّ مُخَضَّبًا دَمًا، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُونِي عَنِ النَّاسِ مَا فَعَلُوا أَوْ أَيْنَ ذَهَبُوا، قَالَ: كَفَرَ عَامَّتُهُمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَنْ يُصِيبُوا مِنَّا مِثْلَهَا أَبَدًا، نُبَيْحَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلُوا إِلَى دُورِهِمْ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: وَزَعَمَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِسَيْفٍ يَوْمَ أُحُدٍ، قد انحنا، فَقَالَ لِفَاطِمَةَ- رَضِيَ اللَّه عنها- رضي اللَّه عنه هَاكِ السَّيْفَ حَمِيدًا، فَإِنَّهَا قَدْ شَفَتْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: «لَإِنْ كُنْتَ أَجَدْتَ الضَّرْبَ بِسَيْفِكَ لَقَدْ أَجَادَهُ
سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَطِيعِيُّ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان ابن بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى [ (5) ] بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ مَقْتُولٌ عَلَى طَرِيقِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [ (6) ] ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رَدُّوا عَلَيْهِ. كَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ (7) ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى [ (8) ] بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مصعب بن
عُمَيْرٍ مَقْتُولًا عَلَى طَرِيقِهِ فَقَرَأَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (9) ] الْآيَةَ. وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ عَنْ حَاتِمٍ مُرْسَلًا. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَازِنِيُّ أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟» فَنَظَرَ رَجُلٌ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّه عَنِّي خَيْرَ مَا يَجْزِي نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَا عُذْرَ لَكُمْ [ (10) ] عِنْدَ اللَّه إِنْ خُلِصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ [ (11) ] . وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ عَنْ بَطْنِهِ وَعَنْ كَبِدِهِ وَمُثِّلَ بِهِ: فَجُدِّعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ. وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ بن الزبير،
وَحَدَّثَنِيهِ بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِحَمْزَةَ مِنَ الْمُثَلِ جُدِعَ أَنْفُهُ وَلُعِبَ بِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنْ تَجْزَعَ صَفِيَّةُ وَتَكُونَ سُنَّةً [مِنْ بَعْدِي] [ (12) ] مَا غُيِّبَ حَتَّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ [ (13) ] . وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (14) ] بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ بِالْحَالِ الَّتِي هُوَ بِهَا حِينَ مُثِّلَ بِهِ، قَالَ: لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِهِ مِنَ الْجَزَعِ، قَالُوا: لَئِنْ ظَفِرْنَا بِهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [ (15) ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَعَفَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (16) ] . وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ قِصَّةَ أُحُدٍ، قَالُوا: فَأَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِتَنْظُرَ إِلَى حَمْزَةَ بِأُحُدٍ، وَكَانَ أَخَاهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ لِابْنِهَا الزُّبَيْرِ: الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا، فَلَقِيَهَا الزُّبَيْرُ، فَقَالَ: أَيْ أُمَّهْ! إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَرْجِعِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ مُثِّلَ بِأَخِي وَذَاكَ فِي اللَّه لَمَّا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَأَحْتَسِبَنَّ وَلَأَصْبِرَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّه، فَلَمَّا جَاءَ الزُّبَيْرُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ قَوْلَ صَفِيَّةَ قَالَ: خَلِّ سَبِيلَهَا، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ تَطْلُبُهُ لَا تَدْرِي مَا صَنَعَ. قَالَ: فَلَقِيَتْ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ عَلِيٌّ لِلزُّبَيْرِ: اذْكُرْ لِأُمِّكَ، وَقَالَ الزُّبَيْرُ: لَا بَلِ اذْكُرْ أَنْتَ لِعَمَّتِكَ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لَا يَدْرِيَانِ، قَالَ: فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا وَدَعَا لَهَا فَاسْتَرْجَعَتْ وَبَكَتْ، قَالَ ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ: لَوْلَا جَزَعُ النِّسَاءِ لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ وَبُطُونِ السِّبَاعِ [ (18) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ زَادَ فِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَيُرْفَعُونَ وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ، ثُمَّ يُجَاءُ بِتِسْعَةٍ فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ سَبْعًا حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ [ (19) ] . كَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ [ (20) ] ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَمْ يصلّ عليهم إسناده
أَصَحُّ، وَذَلِكَ يَرِدُ إِنْ شَاءَ اللَّه [ (21) ] . أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ- لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [ (22) ] الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بَلْ نَصْبِرُ يَا رَبِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ [ (23) ] عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ نَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ كَانَ أَوَجَعَ لِقَلْبِهِ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْكَ، فَقَدْ كُنْتَ وَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولًا لِلْخَيْرَاتِ، وَلَوْلَا حُزْنٌ مِنْ بَعْدِكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ أَفْوَاجٍ شَتَّى، ثُمَّ حَلَفَ بِاللهِ مَعَ ذَلِكَ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَاقِفٌ بَعْدُ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وأمسك عما أراد [ (24) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ، فَنَظَرَ إِلَى مَنْظَرٍ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ أَوَجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ أُصِيبَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ، وَأُصِيبَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِمْ حَمْزَةُ، فَمَثَّلُوا بِقَتْلَاهُمْ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ نَادَى رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَرَّتَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [ (25) ] الْآيَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُفُّوا عَنِ الْقَوْمِ [ (26) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهَا ثَوْبَانِ لِحَمْزَةَ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، كَرِهَ أَنْ تَرَى حمزة
عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ مَثَّلُوا بِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الزُّبَيْرَ لِيَحْبِسَهَا، فَلَمَّا أَتَاهَا، قَالَ: قِفِي يَا أُمَّهْ فَقَالَتْ: خَلِّ عَنِّي لَا أَرْضَ لَكَ، فَلَمَّا رَآهَا تَأْبَى عَلَيْهِ قَالَ لَهَا: إِنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بَعَثَنِي إِلَيْكِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَتْ وَأَخَذَتْ ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ قَتِيلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَكَرِهُوا أَنْ يَتَخَيَّرُوا لِحَمْزَةَ أَوْ لِلْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَسْهِمُوا سَهْمًا فَأَيُّهُمَا طَاوَلَهُ أَجْوَدُ الثَّوْبَيْنِ فَهُوَ لَهُ، فَأَسْهَمُوا بَيْنَهُمَا فَكُفِّنَ حَمْزَةُ فِي ثَوْبٍ وَالْأَنْصَارِيُّ فِي ثَوْبٍ. [ (27) ] وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: وحَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ- وَكَانَ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ- فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا أَشْرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ قَالَ: أَنَا الشَّهِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّه، إِلَّا اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ، انْظُرُوا أَكْثَرَهُمْ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ صَاحِبِهِ فِي الْقَبْرِ، فَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ [ (28) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ احْتَمَلُوا قَتْلَاهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَنُوهُمْ بِهَا، فَنَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: ادفنوهم حيث صرعوا [ (29) ] .
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ أُصِيبَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا [ (30) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ أَبِي فَحَدَّثَنِي أَشْيَاخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ اسْتَصْرَخَنَا عَلَيْهِمْ، وَقَدِ انْفَجَرَتِ الْعَيْنُ عَلَيْهِمَا فِي قُبُورِهِمَا، فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا، وَعَلَى أَقْدَامِهِمَا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَأَخْرَجْنَاهُمَا يثنّيان تَثَنِّيًا كَأَنَّمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اسْتُصْرِخْنَا إِلَى قَتْلَانَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَلِكَ حِينَ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ الْعَيْنَ فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ تَثَنَّى أَطْرَافُهُمْ، قَالَ: وَقَالَ حَمَّادٌ: وَزَادَنِي صَاحِبٌ لِي فِي الْحَدِيثِ، فَأَصَابَ قَدَمَ حَمْزَةَ فَانْثَعَبَ [ (32) ] دَمًا [ (33) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَتُّونِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَأَخْرَجْنَاهُمْ رِطَابًا يَتَثَنَّوْنَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
قَالَ: وَزَعَمَ جَرِيرٌ عَنْ أَيُّوبَ فَذَكَرَ مَعْنَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ نُبَيْحٍ [ (34) ] الْعَنَزِيِّ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى مَصَارِعِهِمْ [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ، عَنْ نُبَيْحٍ [ (36) ] الْعَنَزِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِيُقَاتِلَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبِي عَبْدُ اللهِ: يَا جَابِرُ! مَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِي نُظَّارِي الْمَدِينَةِ حَتَّى تَعْلَمَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُنَا، فَإِنِّي وَاللهِ لَوْلَا أَنِّي أَتْرُكُ بَنَاتٍ لِي بَعْدِي لَأَحْبَبْتُ أَنْ تُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيَّ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِي النَّظَّارِينَ إِذْ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي وَخَالِي عَادَلَتْهُمَا عَلَى نَاضِحٍ، فَدَخَلَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ لِتَدْفِنَهُمَا فِي مَقَابِرِنَا، وَجَاءَ رَجُلٌ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ قُتِلَتْ، قَالَ: فرجعنا
بِهِمَا فَدَفَنَّاهُمَا فِي الْقَتْلَى حَيْثُ قُتِلَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِيَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، وَاللهِ، لَقَدْ أَثَارَ أَبَاكَ عُمَّالُ [ (37) ] مُعَاوِيَةَ فَبَدَا فَخَرَجَ طَائِفَةٌ مِنْهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي تَرَكْتُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا لَمْ يَدَعِ الْقَتِيلَ، قَالَ: فَوَارَيْتُهُ [ (38) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ شُيُوخِهِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، قَالُوا: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: ادْفِنُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَعَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَيُقَالُ: إِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الصَّفَاءِ، فَقَالَ: ادْفِنُوا هَذَيْنِ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي الدُّنْيَا، فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَيُقَالُ إِنَّهُمَا وُجِدَا وَقَدْ مُثِّلَ بِهِمَا كُلُّ الْمُثَلِ، فَلَمْ تُعْرَفْ أَبْدَانُهُمَا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو رَجُلًا أَحْمَرَ أَصْلَعَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَجُلًا طويلا، فعرفا ودخل السَّيْلُ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ فَحُفِرَ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا نَمِرَتَانِ [ (39) ] ، وَعَبْدُ اللهِ قَدْ أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي يَدِهِ، فَيَدُهُ عَلَى جُرْحِهِ، فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ فَانْثَعَبَ الدَّمُ فَرُدَّتْ إِلَى مَكَانِهَا فَسَكَنَ الدَّمُ، قَالَ جَابِرٌ: فَرَأَيْتُ أَبِي فِي حُفْرَتِهِ، فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ، فَقِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ أَكْفِنَتَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا دُفِنَ فِي نَمِرَةٍ خُمِّرَ بِهَا وَجْهُهُ، وَعَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلُ، فَوَجَدْنَا النَّمِرَةَ كَمَا هِيَ وَالْحَرْمَلُ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، فَشَاوَرَهُمْ جَابِرٌ فِي أَنْ يُطَيَّبَ بِمِسْكٍ، فَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
وَيُقَالُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ الْكُظَّامَةَ [ (40) ] نَادَى مُنَادِيهِ بِالْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ بِأُحُدٍ فَلْيشْهَدْ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى قَتْلَاهُمْ فَوَجَدُوهُمْ رِطَابًا يَتَثَنَّوْنَ، فأصابت المساحة رِجْلَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَانْثَعَبَ دَمًا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: لَا يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكِرٌ، وَوُجِدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ فِي قبر وَاحِدٍ، فَحُوِّلَا. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَنَاةَ كَانَتْ تَمُرُّ عَلَى قَبْرِهِمَا، وَوُجِدَ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَتُرِكَا. وَلَقَدْ كَانُوا يَحِفرُونَ التُّرَابَ فَحَفَرُوا نَثْرَةً مِنْ تُرَابٍ، فَفَاحَ عَلَيْهِمْ رِيحُ الْمِسْكِ [ (41) ] . قُلْتُ: كَذَا فِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إِلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فِيهَا، وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا، فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، فَدَفَنْتُ مَعَهُ آخَرَ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ آخَرَ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أذنه.
أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحِ [ (42) ] هَكَذَا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَدَفَنْتُهُ عَلَى حِدَةٍ. قَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (43) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عن جابر، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمَا أَخْذًا لِلْقُرْآنٍ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا. لَفْظُهُمَا سَوَاءٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (44) ] عن قتيبة.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَلِيمِ، بْنِ مُحَمَّدِ ابن حَلِيمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّائِغُ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (45) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالُوا: أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ فَكَيْفَ تَأْمُرُ؟ قَالَ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ، قِيلَ: فَأَيُّهُمْ نُقَدِّمُ؟ قَالَ: أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا قَالَ: أُصِيبَ أَبِي يَوْمَئِذٍ- عامر يَعْنِي- فَقُدِّمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ قَالَ وَاحِدٍ [ (46) ] . قَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زاد فيه: وأعمقوا [ (47) ] .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: حدثنا حميد ابن هِلَالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ بِهَذَا [ (48) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْقَرْحَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَّ الْحَفْرَ شَدِيدٌ عَلَيْنَا، فَقَالَ احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، قَالَ: فَقُدِّمَ أَبِي بَيْنَ يَدَيْ رَجُلَيْنِ [ (49) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلْتُ أَبْكِي، وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبْكِهِ أَوْ مَا تَبْكِيهِ فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعُوهُ [ (50) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَبَكَتْ عَمَّتِي، فَقَالَ: لَا تَبْكِهِ
أَوْ لِمَ تَبْكِيهِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعُوهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (51) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ [ (52) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ بَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ: يَا جَابِرُ! أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ: بَلَى بَشَّرَكَ اللهُ بِالْخَيْرِ، قَالَ: شَعَرْتُ أَنَّ اللهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ تَمَنَّ عَلَيَّ عَبْدِي مَا شِئْتَ أُعْطِكَهُ، قَالَ يَا رَبِّ مَا عَبَدْتُكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، أَتَمَنَّى عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ مَعَ نَبِيِّكَ، وَأُقْتَلَ فِيكَ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَلَفَ مِنِّي أَنَّهُ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُ [ (53) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الاسفرائني. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ [ (54) ] . الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قُتِلَ أَبِي وَتَرَكَ دَيْنًا وَعِيَالًا، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ ما
كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيًا، فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً [ (55) ] ، حَتَّى أَنْفَذَ فِيهِ الْآيَةَ [ (56) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادِ ابْنُ ابْنَةِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ [ (57) ] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ تُوجَدْ لَهُ إِلَّا بُرْدَةٌ يُكَفَّنُ فِيهَا، وَقُتِلَ حَمْزَةُ- أَوْ رَجُلٌ آخَرُ- شَكَّ إِبْرَاهِيمُ- وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ إِلَّا بُرْدَةٌ يُكَفَّنُ فِيهَا، مَا أَظُنُّنَا إِلَّا قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ [ (58) ] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ له ثمرته فهو يهد بِهَا [ (59) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (60) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الْأَعْمَشِ [ (61) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ إِذَا النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ فِي الدُّورِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ قَتْلَاهُمْ، فَلَمَّا سَمِعَ الْبُكَاءَ ذَكَّرَهُ عَمَّهُ حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، وَقَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ قَوْلَهُ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَمَشَوْا فِي دُورِهِمْ حَتَّى جُمِعَتْ كُلُّ بَاكِيَةٍ وَنَائِحَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا: وَاللهِ لَا تَبْكِينَ اليوم قتيلا
لِلْأَنْصَارِ حَتَّى تَبْكِينَ حَمْزَةَ عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بَوَاكِيَ لَهُ، وَكَانُوا يُحِبُّونَ رضى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي انْطَلَقَ بِالنَّوَائِحِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبُكَاءَ قَالَ مَا هَذَا، فَأُخْبِرَ بِمَا فَعَلَتِ الْأَنْصَارُ بِنِسَائِهِمْ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ مَعْرُوفًا، وَرَضِيَ عَمَّنْ أَمَرَ بِرِضَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: مَا هَذَا أَرَدْتُ، وَمَا أُحِبُّ الْبُكَاءَ، وَنَهَى عَنْهُ [ (62) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ قِصَّةَ أُحُدٍ، قَالُوا: وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أُحُدٍ فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَنَعَى لَهَا النَّاسُ أَخَاهَا عَبْدَ اللَّه ابن جَحْشٍ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم إِنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانٍ، لِمَا رَأَى مِنْ صَبْرِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا [ (63) ] . ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دُورٍ من دون الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ، فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنَّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمِّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُنَّ عَلَى حَمْزَةَ، خَرَجَ إِلَيْهِنَّ وَهُنَّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ
يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنَّ اللَّه، فَقَدْ آسَيْتُنَّ بِأَنْفُسِكُنَّ [ (64) ] . وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي ذُبْيَانَ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ، فَقَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ [ (65) ] .
باب قول الله عز وجل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله 3: 169 - 170 [1] الآية، وما ورد في فضل شهداء أحد، وزيارة قبورهم على سبيل الاختصار.
بَابُ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] الْآيَةَ، وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَزِيَارَةِ قُبُورِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّه بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْوَاحُهُمْ كَطَيْرٍ خُضَيْرٍ [ (2) ] تَسْرَحُ فِي أَيِّهَا شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: سَلُونِي مَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا وَمَا نَسْأَلُكَ وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شِئْنَا، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ لَا [ (3) ] يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا، قَالُوا: نَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أَجْسَادِنَا فِي الدُّنْيَا نُقْتَلُ فِي سَبِيلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا هَذَا [ (4) ] تُرِكُوا [ (5) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ قَطَنٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن إسماعيل ابن أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّه أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ، قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَنْكِلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ وَلَا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي الْكِتَابِ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [ (6) ] . لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّه (فِي الْكِتَابِ) وَقَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا ذَكَرَ أَصْحَابَ أُحُدٍ: أَمَا واللَّه لَوَدِدْتُ أَنِّي؟ غُودِرْتُ مَعَ أَصْحَابِهِ بِحُضْنِ [ (7) ] الْجَبَلِ، يَقُولُ: قُتِلْتُ معهم، فكان
عَاصِمٌ يَقُولُ: لَكِنِّي واللَّه مَا يَسُرُّنِي أَنَّهُ كَانَ غُودِرَ مَعَهُمْ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ [ (9) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحٍ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ [ (10) ] ، قَالَ: مَرَرْتُ يَوْمًا عَلَى رَبِيعَةَ [ (11) ] مَعَ رَجُلٍ مِنَ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ، أَوْ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لِرَبِيعَةَ: إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا لَا نَجِدُهُ عِنْدَ غَيْرِكَ! فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَمَا واللَّه إِنَّ عِنْدِي لَحَدِيثًا كَثِيرًا، وَلَكِنِّي قَدْ سَمِعْتُ ابْنَ الْهُدَيْرِ [ (12) ] ، وَكَانَ يَصْحَبُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّه، قَالَ: مَا سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّه يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إلا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ [ (13) ] قُبُورَ الشُّهَدَاءِ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ [ (14) ] بِالْبَيْدَاءِ فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَّةٍ [ (15) ] ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه! هَذِهِ قُبُورُ إِخْوَانِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم:
هَذِهِ قُبُورُ أَصْحَابِنَا، فَلَمَّا جِئْنَا قُبُورَ الشُّهَدَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ قُبُورُ إِخْوَانِنَا [ (16) ] . رَبِيعَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ الْهُدَيْرِ هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْهُدَيْرِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عيسى ابن الصباع، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عِمْرَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الشُّهَدَاءَ فَإِذَا أَتَى فُرْضَةَ الشِّعْبِ، يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (17) ] بَعْدَ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ عُمَرُ [رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (18) ] بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ-[رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (19) ] بَعْدَ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّصْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى [ (21) ] الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي واللَّه أَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ [أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ] [ (22) ] ، وَإِنِّي واللَّه مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ [ (23) ] خَالِدٍ، عَنِ اللَّيْثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ بِالرِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (24) ] عَبْدِ الْأَعْلَى [ (25) ] بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم زَارَ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ وَنَبِيَّكَ يَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ، وَأَنَّهُ مَنْ زَارَهُمْ أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ رَدُّوا عَلَيْهِ. قَالَ الْعَطَّافُ: وَحَدَّثَتْنِي خَالَتِي: أَنَّهَا زَارَتْ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ، قَالَتْ: وَلَيْسَ مَعِي إِلَّا غُلَامَانِ يَحْفَظَانِ عَلَيَّ الدَّابَّةَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَسَمِعْتُ رَدَّ السَّلَامِ، وَقَالُوا: واللَّه إِنَّا نَعْرِفُكُمْ كَمَا يَعْرِفُ بَعْضُنَا بَعْضًا، قَالَتْ: فَاقْشَعْرَرْتُ [ (26) ] وَقُلْتُ: يَا غُلَامُ! أَدْنِنِي بَغْلَتِي [ (27) ] ، فَرَكِبْتُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ
الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (28) ] إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (29) ] الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي، قَالَتْ: رَكِبْتُ يَوْمًا إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ وَكَانَتْ لَا تَزَالُ تَأْتِيهِمْ، قَالَتْ: فَنَزَلْتُ عِنْدَ قَبْرِ حَمْزَةَ فَصَلَّيْتُ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أُصَلِّيَ وَمَا فِي الْوَادِي دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، إِلَّا غُلَامٌ قَائِمٌ آخِذٌ بِرَأْسِ دَابَّتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي، قُلْتُ هَكَذَا بِيَدِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَسَمِعْتُ رَدَّ السَّلَامِ عَلَيَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، أَعْرِفُهُ كَمَا أَعْرِفُ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنِي، وَكَمَا أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنِّي [ (30) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهُمْ فِي كُلِّ حَوْلٍ، وَإِذَا تَفَوَّهَ الشِّعْبَ [ (31) ] رَفَعَ صَوْتَهُ، فَيَقُولُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ كُلَّ حَوْلٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْتِيهِمْ فَتَكُنُّ عِنْدَهُمْ وَتَدْعُو وَكَانَ سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: أَلَا تُسَلِّمُونَ عَلَى قَوْمٍ يَرُدُّونَ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ [ (32) ] . وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَزُورُ تِلْكَ الْقُبُورَ، وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ عمر، وأبي هريرة [ (33) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ الْخُزَاعِيَّةُ تَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وقد غابت الشمس بقبول الشُّهَدَاءِ وَمَعِي أُخْتٌ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: تَعَالَيْ نُسَلِّمْ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَوَقَفْنَا عَلَى قَبْرِهِ فَقُلْنَا [ (34) ] : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا كَلَامًا رَدَّ عَلَيْنَا: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّه، قَالَتْ: وَمَا قُرْبَنَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الحافظ، وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ عَمِّهَا حَمْزَةَ فِي الْأَيَّامِ فَتُصَلِّي، وَتَبْكِي عِنْدَهُ [ (36) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى: حَمْزَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هَاشِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيَّ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ يَقُولُ: أَخَذَنِي أَبِي بِالْمَدِينَةِ إِلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَكُنْتُ أَمْشِي خَلْفَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْمَقَابِرِ رَفَعَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، قَالَ: فَأُجِيبَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه، قَالَ: فَالْتَفَتَ أَبِي إِلَيَّ، فَقَالَ: أَنْتَ الْمُجِيبُ يَا بُنَيَّ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَخَرَّ أَبِي سَاجِدًا شُكْرًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ.
باب قول الله عز وجل إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم، الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم 3: 155 [1] .
بَابُ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ، الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [ (1) ] . أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: لَمَّا [ (2) ] صَاحَ إِبْلِيسُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ تَفَرَّقَ النَّاسُ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَرَدَ الْمَدِينَةَ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى نِسَائِهِمْ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفِرُّونَ؟ قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ وَلَّى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ [ (3) ] ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، وَسَوَّادُ بْنُ غَزِيَّةَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَخَارِجَةُ بْنُ عَامِرٍ بَلَغَ مَلَلَ [ (4) ] ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بَلَغُوا الشّقرة [ (5) ] ،
فَلَقِيَتْهُمْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْثِي فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ، وَتَقُولُ لِبَعْضِهِمْ: هَاكَ الْمِغْزَلُ فَاغْزِلْ [ (6) ] بِهِ، وَهَلُمَّ سَيْفَكَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْكَعْبِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ وَتَوَلِّي مَنْ تَوَلَّى مُدْبِرًا، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ جَعَلَنَا اللهُ فِدَاكَ، أَتَانَا الْخَبَرُ: أَنَّكَ قُتِلْتَ، فَرُعِبَتْ قُلُوبُنَا، فَوَلَّيْنَا مُدْبِرِينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ ابن أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وَشَيْبَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَمَّا قَوْلُكَ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ: أَشَهِدَ عُثْمَانُ بَدْرًا؟ فَإِنَّهُ شُغِلَ بِابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، وَأَمَّا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَوْثَقَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ وَعُثْمَانُ غَائِبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدِي هَذِهِ لِعُثْمَانَ، فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَمَّا تَوَلِّيهِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عز وجل قَدْ عَفَا عَنْهُ: اذْهَبْ بِهَذَا مَعَكَ [ (8) ] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عوانة [ (9) ] .
باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد [1] وقول الله عز وجل الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم 3: 172 [2]
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ [ (1) ] وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ [ (3) ] بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا بن أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ- تَعْنِي [ (4) ] الزُّبَيْرَ وَأَبَا بَكْرٍ- مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ المشركون من أحد، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ مَنْ يَنْتَدِبُ لِهَؤُلَاءِ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ بِنَا قُوَّةً، قَالَ: فَانْتُدِبَ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ فِي سَبْعِينَ فَخَرَجُوا فِي آثَارِ الْقَوْمِ فَسَمِعُوا بِهِمْ وَانْصَرَفُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وفضل،
قَالَ: لَمْ يَلْقُوا عَدُوًّا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ [ (5) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا [ (7) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: نَازَلْتُهُمْ فَسَمِعْتُهُمْ يَتَلَاوَمُونَ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا، أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحَدَّهُمْ، ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُمْ، وَلَمْ تُبِيدُوهُمْ، وَقَدْ بقي منهم رؤوس [ (8) ] يَجْمَعُونَ لَكُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَبِهِمْ أَشَدُّ الْقَرْحِ، بِطَلَبِ الْعَدُوِّ، وَلْيُسْمِعُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَنْطَلِقَنَّ مَعِي إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَرْكَبُ مَعَكَ فَقَالَ: لَا، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَى [الَّذِي] [ (9) ] بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ فَانْطَلَقُوا، وَأَقْبَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي رَجَّعَنِي وَقَدْ خَرَجْتُ مَعَكَ لِأَشْهَدَ الْقِتَالَ، قِتَالَ أُحُدٍ، وَنَاشَدَنِي أَلَّا أَتْرُكَ نِسَاءَنَا جَمِيعًا وَإِنَّمَا أَوْصَانِي بِالرُّجُوعِ لِلَّذِي أَصَابَهُ مِنَ الْقَتْلِ [ (10) ] فَاسْتَشْهَدَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- وَأَرَادَ بِيَ الْبَقَاءَ لِتَرِكَتِهِ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ تُوَجَّهَ وَجْهًا إِلَّا وَكُنْتُ مَعَكَ، وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ
يُطْلَبَ مَعَكَ إِلَّا مَنْ قَدْ شَهِدَ الْقِتَالَ فَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ [ (11) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ لِطَلَبِ [ (12) ] الْعَدُوِّ، وَأَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنَّ [ (13) ] مَعَنَا أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ، فَكَلَّمَهُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ مَعَهُ [ (14) ] ، وإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ، وَلِيَأْتِيَهُمْ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ وَلِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّةً وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ [ (15) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إنا وَأَخٌ لِي فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، فَقُلْتُ لِأَخِي وَقَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وو الله مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا، وَمَا مِنَّا إِلَّا جريح،
فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ أَيْسَرَ جُرْحًا مِنْهُ [ (16) ] فَكَانَ إِذَا غُلِبَ حَمَلْتُهُ عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً [ (17) ] ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا: الْإِثْنَيْنَ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ [ (18) ] . وبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ مَعْبَدًا الْخُزَاعِيَّ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ [نُصْحٍ] [ (19) ] لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [بِتِهَامَةَ] صَفْقُهُمْ [ (20) ] مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ بِهَا، فَقَالَ مَعْبَدٌ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ-: يَا مُحَمَّدُ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي أَصْحَابِكَ، [و] لوددنا إن الله- عز وجل- عَافَاكَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، ومن معه بِالرَّوْحَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا بِالرَّجْعَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدَّ أَصْحَابِهِمْ وَقَادَتِهِمْ [وَأَشْرَافِهِمْ] ، ثُمَّ رَجَعْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ، لَنَكُرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ لَهُ مِثْلَهُ قَطُّ يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا [ (21) ] ، فِيهِمْ مِنَ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ
قَطُّ، فَقَالَ: وَيْلَكَ [ (22) ] مَا تَقُولُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتَّى تَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ، قَالَ: فو الله لَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى الْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ، فو الله لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ [ (23) ] أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَمَاذَا قُلْتَ؟ قال معبد قلت: - كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي* إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ [ (24) ] ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْأَبْيَاتِ [ (25) ] فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَثَنَى [ (26) ] ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَرَّ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ،، فَقَالَ: أَمَا أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إِلَيْهِ، وَأَحْمِلُ عَلَى إِبِلِكُمْ هَذِهِ زَبِيبًا بِعُكَاظَ غَدًا إِذَا وَافَيْتُمُوهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ فَقَالَ فَإِذَا جِئْتُمُوهُ [ (27) ] فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا الرَّجْعَةَ [ (28) ] إِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَهُمْ، فَلَمَّا مَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بحمراء
الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (29) ] . فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُولَئِكَ الرَّهْطِ وَقَوْلِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ إِلَى قَوْلِهِ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ يَعْنِي هَؤُلَاءِ النَّفَرَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، إِلَى قَوْلِهِ: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لِمَا صَرَفَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ، وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ فِي استِجَابَتِهِمْ إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [ (30) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّارِ، قَالَ: «حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [حِينَ قَالُوا] : «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيل» . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (31) ] ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، قَالَ: النِّعْمَةُ: أَنَّهُمْ سَلِمُوا، وَالْفَضْلُ أَنَّ عِيرًا مَرَّتْ وَكَانَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَبِحَ فِيهَا مَالًا فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ [ (32) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لَا يَتْرُكَهُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، فَكَانَ إِذَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ قَامَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! هَذَا رَسُولُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمَ اللهُ بِهِ، وَأَعَزَّكُمْ فَانْصُرُوهُ وَعَزِّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، ثُمَّ يَجْلِسُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من أُحُدٍ وَصَنَعَ الْمُنَافِقُ مَا صَنَعَ فِي أُحُدٍ فَقَامَ يَفْعَلُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ، وَقَالُوا: اجْلِسْ يَا عَدُوَّ اللهِ لَسْتَ لِهَذَا الْمَقَامِ بِأَهْلٍ، قَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَهُوَ يَقُولُ وَاللهِ لَكَأَنِّي قُلْتُ هُجْرًا [ (33) ] أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَلَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: وَيْلَكَ مالك فَقَالَ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَقَامَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْبِذُونَنِي وَيُعَنِّفُونَنِي كَأَنَّمَا قُلْتُ هُجْرًا، فَقَالَ: وَيْلَكَ ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُنَافِقُ: وَاللهِ مَا أَبْغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي [ (34) ] .
باب سرية [1] أبي سلمة [2] ابن عبد الأسد إلى قطن
بَابُ سَرِيَّةِ [ (1) ] أَبِي سَلَمَةَ [ (2) ] ابن عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَى قَطَنٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْيَرْبُوعِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، مِنْ وَلَدِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأسد، وَغَيْرِهِ. أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنِي مِنْ حَدِيثِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ، قَالُوا: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ أُحُدًا، وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ حِينَ تَحَوَّلَ مِنْ قُبَاءٍ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَجُرِحَ بِأُحُدٍ جُرْحًا عَلَى عَضُدِهِ [فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ] [ (3) ] فَقَامَ شَهْرًا يُدَاوَى [حَتَّى رَأَى أَنْ قَدْ بَرَأَ] ، فَلَمَّا كَانَ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: اخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ فَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَيْهَا، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَقَالَ: سِرْ حَتَّى تَرِدَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ، فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ [قَبْلَ أَنْ تَلَاقَى، عَلَيْكَ جُمُوعُهُمْ] ، وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَخَرَجَ مَعَهُ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ [ (4) ] . وَالَّذِي هَاجَهُ أَنَّ رجلا من طيّء قَدِمَ الْمَدِينَةَ [يُرِيدُ امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ بِهِ مِنْ طيء مُتَزَوِّجَةً رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ عَلَى صِهْرِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم] [ (5) ] فأخبر أَنَّ طُلَيْحَةَ وَسَلَمَةَ ابْنَيْ خُوَيْلِدٍ قَدْ سَارَا فِي
قَوْمِهِمَا فِيمَنْ أَطَاعَهُمَا بِدَعْوَتِهِمَا إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم [ (6) ] ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَلَمَةَ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وخرج معهم الطائيّ ذليلا [ (7) ] ، وَسَبَقُوا الْأَخْبَارَ وَانْتَهَوْا إِلَى أَدْنَى [ (8) ] قَطَنٍ: مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أسد فيجدوا سَرْحًا، فَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِمْ [فَضَمُّوهُ] وَأَخَذُوا مَمَالِيكَ ثَلَاثَةً وَأَفْلَتَ سَائِرُهُمْ، فَجَاءَ جَمْعُهُمْ فَخَبَّرُوهُمُ [ (9) ] الْخَبَرَ، وَحَذَّرُوهُمْ جَمْعَ أَبِي سَلَمَةَ، فَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَوَرَدَ أَبُو سَلَمَةَ الْمَاءَ فَيَجِدُ الْجَمْعَ قَدْ تَفَرَّقَ، فَعَسْكَرَ وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِ النَّعَمِ وَالشَّاءِ [ (10) ] ، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا، فَانْحَدَرَ أَبُو سَلَمَةَ بِذَلِكَ
كُلِّهِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ مَعَهُ الطَّائِيُّ، فَلَمَّا سَارُوا لَيْلَةً قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: اقْسِمُوا غَنَائِمَكُمْ، فَأَعْطَى أَبُو سَلَمَةَ الطَّائِيُّ الدَّلِيلَ رِضَاهُ مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ أَخْرَجَ صَفِيًّا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَبْدًا، ثُمَّ أَخْرَجَ الْخُمُسَ، ثُمَّ قَسَمَ مَا بَقِيَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ الَّذِي جَرَحَ أَبِي أَبَا سَلَمَةَ: أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ، فَمَكَثَ شَهْرًا يُدَاوِيهِ فَبَرَأَ فِيمَا نُرَى [ (11) ] ، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا إِلَى قَطَنٍ فَغَابَ بِضْعَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ انْتَقَضَ بِهِ جُرْحُهُ، فَمَاتَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ. قَالَ عُمَرُ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: وَاعْتَدَّتْ أُمِّي حَتَّى حَلَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَدَخَلَ بِهَا فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَانَتْ أُمِّي تَقُولُ: مَا بَأْسٌ بِالنِّكَاحِ فِي شَوَّالٍ وَالدُّخُولِ فِيهِ، قَدْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالٍ قَالَ: وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. قُلْتُ وَقَدْ قِيلَ مَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (12) ] .
باب غزوة الرجيع [1] وما ظهر في قصة عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي من الآثار والأعلام
بَابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِي قِصَّةِ عَاصِمِ بن ثابت ابن أبي الأقلح، وخبيب بن عَدِيٍّ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَعْلَامِ أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: وَغَزْوَةُ الرَّجِيعِ كَانَتْ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا. وَالرَّجِيعُ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عُسْفَانَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَ الرَّجِيعِ عُيُونًا إِلَى مَكَّةَ لِيُخْبِرُوهُ [خَبَرَ قُرَيْشٍ، فَسَلَكُوا عَلَى النَّجْدِيَّةِ، حَتَّى كَانُوا بِالرَّجِيعِ فَاعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ] [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ الدُّورِيُّ وَحَدَّثَنَا الْمَنِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بن محمد بن الفضل ابن مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ- حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ [رَهْطٍ] [ (3) ] عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَّةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ، فَقَالُوا: نَوَى يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عاصم وأصحابه لجؤوا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ أَمِيرُ القوم: أمّا أنا فو الله لَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ مُشْرِكٍ [ (4) ] ، اللهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدِّثِنَّةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى، فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَقَتَلُوهُ. وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدِّثِنَّةِ حتى باغوهما بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا لِلْقَتْلِ فَأَعَارَتْهُ،
فَدَرَجَ بُنِيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، فَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحَدِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أَرْكَعُ [ (5) ] رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعًا مِنَ الْقَتْلِ لَزِدْتُ، اللهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ منهم أحدا. فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ وَاللهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يشاء ... يُبَارِكْ فِي أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ: عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا: الصَّلَاةَ، وَاسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِمٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا مِنْهُ بِشَيْءٍ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى عَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا، مِنْهُمْ: خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو بَنِي جَحْجَبَا وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ أَخُو بَيَاضَةَ عَيْنًا إِلَى مَكَّةَ يَتَخَبَّرُونَ خَبَرَ قُرَيْشٍ، فَسَلَكُوا النَّجْدِيَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالرَّجِيعِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَمَنْ أُسِرَ ثُمَّ قِيلَ بِنَحْو مِمَّا رُوِّينَا فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَزِيدَانِ وَيُنْقِصَانِ، فَمَا زَادَ عُرْوَةُ قَوْلُ خُبَيْبٍ اللهُمَّ إِنِّي لَا أَنْظُرُ إِلَّا فِي وَجْهِ عَدُوٍّ، اللهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ رَسُولًا إِلَى رَسُولِكَ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَبَلِّغْهُ عَنِّي السَّلَامَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ [ (7) ] . وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَا فِيهِ: وَعَلَيْكُمَا أَوْ عَلَيْكَ السَّلَامُ خُبَيْبٌ قَتَلَتْهُ قُرَيْشٌ وَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ زَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ مَعَهُ أَمْ لَا، قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَمَوَا ابْنَ الدَّثِنَةِ بِالنَّبْلِ وَأَرَادُوا فِتْنَتَهُ، فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَثْبِيتًا. وَزَادَ عُرْوَةُ وَمُوسَى جَمِيعًا أَنَّهُمْ لَمَّا رَفَعُوا خُبَيْبًا عَلَى الْخَشَبَةِ نَادَوْهُ يُنَاشِدُوهُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ الْعَظِيمِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي بشوكة
يُشَاكُهَا فِي قَدَمَيْهِ فَضَحِكُوا مِنْهُ وَزَادَ أَبْيَاتًا قَالَهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ إِنْ شَاءَ اللهُ [ (8) ] . قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَيُقَالُ كَانَ أَصْحَابُ الرَّجِيعِ سِتَّةَ نَفَرٍ، مِنْهُمْ: عَاصِمُ بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة الْبَيَاضِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفٌ لِبَنِي ظَفَرٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ، ومرثد بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ فِينَا مُسْلِمِينَ فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا بِالرَّجِيعِ اسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا فَلَمْ يَرُعِ الْقَوْمُ إِلَّا وَالْقَوْمُ مُصَلِّتُونَ عَلَيْهِمْ بِالسُّيوفِ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ، فَقَالَتْ هُذَيْلٌ: إِنَّا لَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ، فَأَعْطَوْهُمْ عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَا يُرِيبُونَهُمْ، فَاسْتَسْلَمَ لَهُمْ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ، وزيد بن الدثنة وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ، وَلَمْ يَسْتَسْلِمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلَا خَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَلَا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَلَكِنْ قَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا، وَخَرَجَتْ هُذَيْلٌ بالثلاثة الذين استلموا لَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا [بمرّ] [ (9) ] بالظهران [ (10) ] نَزَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنْ قِرَانِهِ [ (11) ] ثُمَّ أَخَذَ سَيْفًا فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَقَدِمُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ مَكَّةَ، فَأَمَّا خُبَيْبٌ فَابْتَاعَهُ آلُ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ فَقَتَلُوهُ بِالْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ وَابْتَاعَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: زَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ، قَتَلَهُ نِسْطَاسٌ مَوْلَاهُ قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّ عَمْرَو بْنَ أميّة دفن خبيبا [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَقَالُوا: إِنَّ فِينَا إِسْلَامًا فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا فِي الدِّينِ، وَيُقْرِؤُنَنَا الْقُرْآنَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ، فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُمْ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ آخِرًا، وَزَادَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ حِينَ قُتِلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَرَادُوا رَأْسَهُ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَقَدْ كَانَتْ نَذَرَتْ حِينَ أُصِيبَ ابْنَاهَا بِأُحُدٍ: لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِهِ لَتَشْرَبَنَّ فِي قَحْفِهِ الْخَمْرَ فَمَنَعَتْهُمُ الدَّبْرُ [ (13) ] فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِ فَتَذْهَبَ عَنْهُ فَنَأْخُذَهُ، فَبَعَثَ اللهُ الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا، فَذَهَبَ بِهِ وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ أَعْطَى اللهَ عَهْدًا لَا يَمَسُّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسُّهُ مُشْرِكٌ أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، فَمَنَعَهُ اللهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: يَحْفَظُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنَ فَمَنَعَهُ اللهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِمَّا امْتَنَعَ منهم فِي حَيَاتِهِ [ (14) ] . وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ خُبَيْبٌ عِنْدَ صَلْبِ الْمُشْرِكِينَ إياه: لَقَدْ جَمَّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ [ (15) ] وَكُلُّهُمُ مُبْدِي الْعَدَاوَةِ جَاهِدٌ ... عَلَيَّ لِأَنِّي فِي وَثَاقٍ مضيّع [ (16) ]
وَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ إِلَى اللهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمَّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي [ (17) ] فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضَعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي [ (18) ] وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْو مُمَزَّعِ [ (19) ] وَقَدْ خَيَّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ [ (20) ] وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جحم نار ملفّع [ (21) ] فو الله مَا أَرْجُو إِذَا مِتُّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي [ (22) ] فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوِّ تَخَشُّعًا ... وَلَا جَزَعًا إِنِّي إِلَى اللهِ مَرْجِعِي [ (23) ] قَالَ: وَجَعَلَ عَاصِمٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَيُزَمْجِرُ، وهو يقول [ (24) ] : مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عنابل [ (25) ]
تَزِلُّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ [ (26) ] وَكُلُّ مَا حَمَّ الْإِلَهُ نَازِلُ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إِلَيْهِ آئِلُ [ (27) ] إِنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمِّي هَابِلُ [ (28) ] وَزَادَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: تَرْأَسُ الْقَوْمَ وَلَا يُقَاتِلُ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَبْيَاتًا قَالَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي حَدِيثِهِمْ وفيها كثرة [ (29) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حدثنا أحمد ابن عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ بِالرَّجِيعِ، فَذَكَرَ قِصَّتَهُمْ وَذَكَرَ فِيهَا فَأَرَادُوا لِيَحْتَزُّوا رَأْسَهُ لِيَذْهَبُوا بِهِ إِلَيْهَا، فَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا مِنْ دَبْرٍ فَحَمَتْهُ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحْتَزُّوا رَأْسَهُ. وَذَكَرَ فِي شَأْنِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ رَسُولَكَ [ (30) ] عَنِّي السَّلَامَ، فَبَلِّغْ رَسُولَكَ مِنِّي السَّلَامَ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَئِذٍ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ أَصْحَابُهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! مَنْ؟ قَالَ: أَخُوكُمْ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ يُقْتَلُ، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اسْتَقْبَلَ الدُّعَاءَ، قَالَ رَجُلٌ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ يَدْعُوا أَلْبَدْتُ بِالْأَرْضِ، فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَلْبَدَ بِالْأَرْضِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَاوِيَّةَ مَوْلَاةِ جُحَيْرِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ قَالَتْ: حُبِسَ خُبَيْبٌ بِمَكَّةَ فِي بَيْتِي فَلَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ أَعْظَمَ مِنْ رَأْسِهِ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا فِي الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ حَبَّةُ عِنَبٍ [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدِّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَيْنًا وَحْدَهُ، وَقَالَ: جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ فَرَقِيتُ فِيهَا وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعُيُونَ، فَأَطْلَقْتُهُ، فَوَقَعَ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ فَانْتَبَذْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ [ (32) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا فَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَلَمْ يُذْكَرْ لِخُبَيْبٍ رِمَّةٌ حتى السّاعة [ (33) ] .
باب سرية عمرو بن أمية الضمري إلى أبي سفيان ابن حرب حين عرف ما كان هم به من اغتياله
بَابُ سَرِيَّةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ إِلَى أَبِي سفيان ابن حَرْبٍ حِينَ عَرَفَ مَا كَانَ هَمَّ بِهِ مِنِ اغْتِيَالِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ: كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَدْ قَالَ لِنَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ: مَا أَحَدٌ يَغْتَالُ مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ فَنُدْرِكُ ثَأْرَنَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنْتَ قَوَّيْتَنِي [ (1) ] خَرَجْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَغْتَالَهُ فَإِنِّي هَادٍ بِالطَّرِيقِ خِرِّيتٌ، وَمَعِي خِنْجَرٌ مِثْلُ خَافِيَةِ النَّسْرِ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُنَا فَأَعْطَاهُ بَعِيرًا وَنَفَقَةً، وَقَالَ: اطْوِ أَمْرَكَ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَسْمَعَ هَذَا أَحَدٌ فَيُنِمَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ، قَالَ الْعَرَبِيُّ: لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ. فَخَرَجَ لَيْلًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَسَارَ خَمْسًا وَصَبَّحَ ظَهْرَ الحرّة، صبح [ (2) ] سادسة،
ثُمَّ أَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَخَرَجَ يَقُودُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَؤُمُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِهِمْ، فَدَخَلَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ غَدْرًا، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ. فَوَقَفَ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَذَهَبَ يَنْحَنِي [ (3) ] عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ يُسَارُّهُ، فَجَبَذَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَقَالَ لَهُ: تَنَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَبَذَ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِذَا الْخِنْجَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا غَادِرٌ، وَسُقِطَ فِي يَدَيِ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ: دَمِي دَمِي يَا مُحَمَّدُ، وَأَخَذَ أُسَيْدٌ يُلَبِّبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْدُقْنِي: مَا أَنْتَ؟ وَمَا أَقْدَمَكَ؟ فَإِنْ صَدَقْتَنِي نَفَعَكَ الصِّدْقُ وَإِنْ كَذَبْتَنِي فَقَدْ أُطْلِعْتُ عَلَى مَا هَمَمْتَ بِهِ، قَالَ الْعَرَبِيُّ: فَأَنَا آمِنٌ؟ قَالَ فَأَنْتَ آمِنٌ، فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَا جَعَلَ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ عِنْدَ أُسَيْدٍ، ثُمَّ دَعَا بِهِ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ قَدْ أَمَّنْتُكَ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، أَوْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ. قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتُ أَفْرَقُ الرِّجَالَ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُكَ فَذَهَبَ عَقْلِي، وَضَعُفَتْ نَفْسِي، ثُمَّ اطَّلَعْتَ عَلَى مَا هَمَمْتُ بِهِ مِمَّا سَبَقْتُ بِهِ الرُّكْبَانَ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ مَمْنُوعٌ، وَأَنَّكَ عَلَى حَقٍّ، وَأَنَّ حِزْبَ أَبِي سُفْيَانَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ، وَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَلِسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ:
اخْرُجَا حَتَّى تَأْتِيَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، فَإِنْ أَصَبْتُمَا مِنْهُ غِرَّةً فَاقْتُلَاهُ، قَالَ عَمْرٌو: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ [يَأْجِجَ] [ (4) ] فَقَيَّدْنَا بَعِيرَنَا، فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا عَمْرُو هَلْ لَكَ فِي أَنْ نَأْتِيَ مَكَّةَ وَنَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَنُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي أَعْرَفُ بِمَكَّةَ مِنَ الْفَرَسِ الْأَبْلَقِ، وَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْنِي عَرَفُونِي، وَأَنَا أَعْرِفُ أَهْلَ مَكَّةَ إِنَّهُمْ إِذَا أَمْسَوْا انْفَجَعُوا بِأَفْنِيَتِهِمْ، فَأَبَى أَنْ يُطِيعَنِي، فَأَتَيْنَا مَكَّةَ فَطُفْنَا سَبْعًا [ (5) ] وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجْتُ لَقِيَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَعَرَفَنِي وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ [وا حزناه] [ (6) ] فَأَخْبَرَ أَبَاهُ فَنِيدَ بِنَا أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَالُوا: مَا جَاءَ عَمْرٌو فِي خَيْرٍ- وَكَانَ عَمْرٌو رَجُلًا فَاتِكًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ- فَحَشَدَ أَهْلُ مَكَّةَ وَتَجَمَّعُوا، وَهَرَبَ عَمْرٌو، وَسَلَمَةُ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمَا، وَاشْتَدُّوا فِي الْجَبَلِ قَالَ عَمْرٌو: فَدَخَلْتُ غَارًا [ (7) ] فَتَغَيَّبْتُ عَنْهُمْ، حَتَّى أَصْبَحْتُ وَبَاتُوا يَطْلُبُونَ فِي الْجَبَلِ، وَعَمَّى [ (8) ] الله عَلَيْهِمْ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ أَنْ يَهْتَدُوا لِرَاحِلَتِنَا [ (9) ] فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ ضَحْوَةً [ (10) ] أَقْبَلَ عُثْمَانُ [ (11) ] بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ يَخْتَلِي لِفَرَسِهِ حَشِيشًا، فَقُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ: إِنْ أَبْصَرَنَا أَشْعَرَ بِنَا أَهْلَ مَكَّةَ، وَقَدْ أَقْصَرُوا عَنَّا فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو مِنْ بَابِ الْغَارِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْنَا وَخَرَجْتُ فَطَعَنْتُهُ طَعْنَةً تَحْتَ الثَّدْيِ بِخِنْجَرِي فَسَقَطَ وَصَاحَ، وَأَسْمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ، وَدَخَلْتُ الْغَارَ فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: لَا تَحَرَّكْ، وَأَقْبَلُوا حَتَّى أَتَوْا عُثْمَانَ
ابن مَالِكٍ، فَقَالُوا: مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِعَمْرٍو خَيْرٌ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِنَا كَانَ بِآخِرِ رَمَقٍ وَمَاتَ، وَشُغِلُوا عَنْ طَلَبِنَا بِصَاحِبِهِمْ يَحْمِلُونَهُ، فَمَكَثْنَا لَيْلَتَيْنِ فِي مَكَانِنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا، فَقَالَ صَاحِبِي: يَا عَمْرُو بْنَ أُمَيَّةَ هَلْ لَكَ فِي خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ نُنْزِلُهُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ ذَاكَ مَصْلُوبٌ حَوْلَهُ الْحَرَسُ، فَقُلْتُ: أَمْهِلْنِي وَتَنَحَّ عَنِّي فَإِنْ خَشِيتَ شَيْئًا فَانْجُ إِلَى بَعِيرِكَ فَاقْعُدْ عَلَيْهِ وَأْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ الْخَبَرَ، وَدَعْنِي فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ اشْتَدَدْتُ [ (12) ] عَلَيْهِ حَتَّى حَلَلْتُهُ فَحَمَلْتُهُ عَلَى ظَهْرِي فَمَا مَشَيْتُ بِهِ إِلَّا عِشْرِينَ ذِرَاعًا حَتَّى اسْتَيْقَظُوا فَخَرَجُوا فِي طَلَبِ أَثَرِي، فَطَرَحْتُ الْخَشَبَةَ، فَمَا أَنْسَى وَقْعَهَا دَبَّ، يَعْنِي صَوْتَهَا ثُمَّ أَهَلْتُ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ بِرِجْلِي فَأَخَذْتُ بِهِمْ طَرِيقَ الصَّفْرَاءِ [ (13) ] فَأَعْيَوْا فَرَجَعُوا وَكُنْتُ لَا أُدْرَكُ مَعَ بَقَاءِ نَفَسٍ، فَانْطَلَقَ صَاحِبِي إِلَى الْبَعِيرِ فَرَكِبَهُ، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فأخبره، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى الْغَلِيلِ: غَلِيلِ ضَجْنَانَ [ (14) ] فَدَخَلْتُ فِي غَارٍ فِيهِ مَعِي قَوْسٌ وَأَسْهُمٌ وَخِنْجَرٌ، فَبَيْنَا أَنَا فِيهِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ بَنِي الدِّئْلِ أَعْوَرُ طَوِيلٌ يَسُوقُ غَنَمًا وَمَعِزَى، فَدَخَلَ عَلَيَّ الْغَارَ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَقَالَ: وَأَنَا مِنْ بَكْرٍ، ثُمَّ اتَّكَأَ [ (15) ] فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى يَقُولُ: - فَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيًّا ... وَلَسْتُ أَدِينَ دِينَ الْمُسْلِمِينَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَقْتُلَكَ، فَلَمَّا نَامَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَتَلْتُهُ شَرَّ قِتْلَةٍ قتلتها أحد قَطُّ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى هَبَطْتُ، فَلَمَّا أَسْهَلْتُ فِي الطَّرِيقِ إِذَا رَجُلَانِ بَعَثَتْهُمَا قُرَيْشٌ يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَارَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْسِرَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا فَرَمَيْتُهُ
فَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْآخَرُ اسْتَأْسَرَ فَشَدَدْتُهُ وَثَاقًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَآنِي صِبْيَانٌ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَسَمِعُوا أَشْيَاخَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا عَمْرٌو، فَاشْتَدَّ الصِّبْيَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، وَأَتَيْتُهُ بِالرَّجُلِ قَدْ رَبَطْتُ إِبْهَامَيْهِ بِوَتَرِ قَوْسِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَضْحَكُ، ثُمَّ دَعَا لِي بِخَيْرٍ، وَكَانَ قُدُومُ سَلَمَةَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [ (16) ] .
باب غزوة بئر معونة [1]
بَابُ غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بَقِيَّةَ شَوَّالٍ، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ، ثُمَّ بَعَثَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ [ (2) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: قَدِمَ أَبُو الْبَرَاءِ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ [ (3) ] عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَعَرَضَ عليه الإسلام ودعاه
إِلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ يَدْعُونَهُمْ [ (4) ] إِلَى أَمْرِكَ رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ، فَقَالَ أَبُو الْبَرَاءِ: أَنَا لَهُمْ جَارٌ فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النَّاسَ إِلَى أَمْرِكَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو الْمُعْنِقُ [ (5) ] . لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ: الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيُّ، وَنَافِعُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، فِي رِجَالٍ مُسْلِمِينَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِئْرَ مَعُونَةَ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وحرّة بني سليم، كلى الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ، وَهِيَ إِلَى حَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أَقْرَبُ، فَلَمَّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَدُوِّ اللهِ: عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ، حَتَّى عَدَا عَلَى الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ، وَقَالَ: لَنْ يُخْفِرَ [ (6) ] أَبَا بَرَاءٍ، وَقَدْ عقد لهم عقدا
وجورا، فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ [مِنْ] عُصَيَّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَالْقَارَةِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَخَرَجُوا حَتَّى غَشَوَا الْقَوْمَ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ ثُمَّ قَاتَلُوا الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، إِلَّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارْتُثَّ [ (7) ] مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ الْقَوْمِ إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ عَلَى الْمُعَسْكَرِ، فَقَالَا: وَاللهِ إِنَّ لِهَذِهِ الطَّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: لَكِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بن عمرو، ما كُنْتُ لِأُخْبِرَ [ (8) ] عَنْهُ الرِّجَالَ، فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، وَأُخِذَ عَمْرٌو أَسِيرًا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ فِيمَا زَعَمَ، وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قناة، أقبل رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ حَتَّى نَزَلَا فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ، وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيَّيْنِ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَجِوَارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا: مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَأَمْهَلَهُمَا حَتَّى إِذَا نَامَا عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يُرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً [ (9) ] مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما قدم عمرو ابن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ
قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنَّهُمَا» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا» ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ فَشَقَّ عَلَيْهِ إِخْفَارُ عَامِرٍ إِيَّاهُ، وَمَا أَصَابَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ، وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [ (10) ] . وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَبْيَاتًا [ (11) ] فِي إِخْفَارِ عَامِرٍ أَبَا بَرَاءٍ فَحَمَلَ رَبِيعَةُ بْنُ عامر ابن مَالِكٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ فَطَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ [ (12) ] فَوَقَعَ مِنْ فَرَسِهِ وَقَالَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ إِنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمِّي فَلَا يُتْبَعَنْ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي [ (13) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
سَرِيَّةً قِبَلَ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِئْرُ مَعُونَةَ قَالَ أَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ: الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، وَيُقَالُ: أَمِيرُهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ إِلَيْهِمْ بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقِيَهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي عَامِرٍ، فَأَجَارَهُ حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَاهُ انْتَحَى لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أَقْتُلُ هَذَا وَحْدَهُ، فَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حَتَّى وَجَدُوا الْقَوْمَ مُقْبِلِينَ هُمْ وَالْمُنْذِرُ، فَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ آمَنَّاكَ فَقَالَ: لَنْ أُعْطِيَكُمْ بِيَدِي، وَلَكِنْ أَقْتُلَ أُمَّهَاتِكُمْ إِلَّا أَنْ تُؤَمِّنُونِي حَتَّى آتِيَ مَقْتَلَ حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ، ثُمَّ أَبْرَأَ مِنْ جِوَارِكُمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: أعتق لِيَمُوتَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ وَارَتْهُ. قَالَ مُوسَى: وَعُرْوَةُ بْنُ الصَّلْتِ عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَمَانَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَقَتَلُوهُ. وَارْتُثَّ فِي الْقَتْلَى كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ، فَأَخَذَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ فَحَدِّثْهُ، فَرَجَعَ عَمْرٌو إِلَى رَسُولِ الله فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. وَكَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ سَرِيَّةِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو تَخَلَّفُوا عَلَى ضَالَّةٍ يَبْتَغُونَهَا فَإِذَا الطَّيْرُ تَرْمِيهِمْ بِالْعَلَقِ [ (14) ] فَقَالُوا: قُتِلَ وَاللهِ أَصْحَابُنَا إِنَّا لَنَعْلَمُ مَا كَانُوا لِيَقْتُلُوا عَامِرًا وَبَنِي سُلَيْمٍ وَلَكِنَّ إِخْوَانَنَا هُمُ الَّذِي قُتِلُوا، فَمَاذَا تَأْمُرُونَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُمْ، فَانْطَلَقَ نَحْوَهُمْ فَقُتِلَ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَأَقْبَلَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ لَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ كَافِرَيْنِ قَدْ كَانَا وَصَلَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَهْدٍ، فَنَزَلُوا مَنْزِلًا وَاحِدًا، فَلَمَّا نَامَ الْكِلَابِيَّانِ قَتَلَاهُمَا وَلَمْ يَعْلَمَا أَنَّ لَهُمَا عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ السُّلَمِيُّ، وَرِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ الَّذِي يُدْعَى مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَأَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ هَدِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا أَقْبَلُ هديّة مشرك، وقَالَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْعَثْ مَعِي مَنْ شِئْتَ مِنْ رُسُلِكَ فَأَنَا لَهُمْ جَارٌ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا فِيهِمُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أعتق لِيَمُوتَ عَيْنًا لَهُ فِي أَهْلِ نَجْدٍ، فَسَمِعَ بِهِمْ عامر بن الطفيل، فاستقر بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا أَنْ يطيعوه، وأبو أَنْ يُخْفِرُوا عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ، فَاسْتَنْفَرَ لَهُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بَنِي سُلَيْمٍ فَنَفَرُوا مَعَهُ، فَقَتَلُوهُمْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، غَيْرَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَخَذَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَأَرْسَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِنْ بَيْنَهُمْ» ، فَلَمَّا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي تَخْفِيرِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ مَا قَالَ مِنَ الشِّعْرِ طَعَنَهُ- زَعَمُوا- رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ: عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ فِي تَخْفِيرِهِ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ فِي فَخِذِهِ طَعْنَةً [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِخْتَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ نَاسًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَقَالُوا: ابْعَثْ [ (16) ] مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَنَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، وفيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون
بِاللَّيْلِ، وَيَتَعَلَّمُونَ. وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ بِالْمَسْجِدِ، ويحتطبون فيبيعونه ويسترون بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ [ (17) ] ، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَتَعَرَّضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، قَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أن قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ خَالِي حَرَامًا خَلْفَهُ فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا» ، وقَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ عَفَّانَ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الشَّهَادَاتِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قُتِلَ فُلَانٌ شَهِيدًا فَإِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ فِي طَلَبِ الدنيا، ويقاتل وهو جريء الصَّدْرِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ عَلَى مَا تَشْهَدُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ لَقُوا الْمُشْرِكِينَ وَاقْتَطَعُوهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنَا بَلِّغْ قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ رَضِينَا وَرَضِيَ عَنَّا رَبُّنَا، فَأَنَا رَسُولُهُمْ إِلَيْكُمْ: إِنَّهُمْ قَدْ رَضُوا ورضي عنهم [ (19) ] .
باب ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من قتل ببئر معونة ودعائه على قتلتهم وما أنزل الله عز وجل في شأنهم، وما ظهر من الآثار في عامر بن فهيرة رضي الله عنه.
بَابُ مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ قُتِلَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَدُعَائِهِ عَلَى قَتَلَتِهِمْ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَأْنِهِمْ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِي عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ [بْنِ أَبِي طَلْحَةَ] [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ [ (2) ] ، وَكَانَ اسْمُهُ حَرَامًا [ (3) ] أَخًا لِأُمِّ سُلَيْمٍ [ (4) ] فِي سَبْعِينَ
رَجُلًا [ (5) ] فَقُتِلُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فَقَالَ: أُخَيِّرُكَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ: أَنْ يَكُونَ لك أهل السهل [ (6) ] وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ [ (7) ] أَوْ أَكُونَ خَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ، أو أغزوك بغطفان بألف أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ، قَالَ: فَطُعِنَ [ (8) ] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ [ (9) ] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ [ (10) ] ، ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَرَكِبَهُ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَرَجُلَانِ مَعَهُ: رَجُلٌ أَعْرَجُ [ (11) ] ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ [ (12) ] قَالَ: كُونَا قَرِيبًا مِنِّي حَتَّى آتِيَهُمْ فإن أمنوني
كُنْتُمْ كَذَا وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَأَتَاهُمْ حَرَامٌ فَقَالَ أَتُؤَمِّنُونِي أُبَلِّغْكُمْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فجعل يحدثهم وأومأوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ، قَالَ هَمَّامٌ وَأَحْسَبَهُ قَالَ: فَأَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ فَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ إِلَّا الْأَعْرَجَ كَانَ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ، قَالَ إِسْحَاقُ: فَحَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَيْنَا [ (13) ] ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ «أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا» فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم سَبْعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عصى اللهَ وَرَسُولَهُ. لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ [ (14) ] ، وَقَالَ: ثَلَاثِينَ صَبَاحًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ يَعْنِي عَبَّاسَ بْنَ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَالِكٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَشَّاطُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ ورسوله قال أنس:
أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ. لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ ثَلَاثِينَ غَدَاةٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ [ (15) ] . ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك: أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَقَرَأْنَا بِهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: «بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَتَبَ أَنَسٌ فِي أَهْلِهِ كِتَابًا فَقَالَ: اشْهَدُوا مَعَاشِرَ الْقُرَّاءِ قَالَ: وَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ فَقَالَ: وَمَا بَأْسٌ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ مَعَاشِرَ الْقُرَّاءِ أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: الْقُرَّاءَ، قَالَ: فَذَكَرَ أَنَسٌ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا أَجَنَّهُمُ اللَّيْلُ أَوَوْا إِلَى مُعَلِّمٍ بِالْمَدِينَةِ، فَيَبِيتُونَ يَدْرُسُونَ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوَّةٌ أَصَابَ مِنَ الْحَطَبِ، وَاسْتَعْذَبَ مِنَ الْعَذْبِ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ أَصَابُوا الشَّاةَ فَأَصْلَحُوهَا، فَكَانَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ بَعَثَهُمْ [ (18) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَكَانَ فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: فَقَالَ حَرَامٌ لِأَمِيرِهِمْ: دَعْنِي فَلْأُخْبِرَ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَيْسَ إِيَّاهُمْ نُرِيدُ فَيُخَلُّونَ وُجُوهَنَا، قَالَ: فَأَتَاهُمْ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ [ (19) ] فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِرُمْحٍ فَأَنْفَذَهُ بِهِ، فَقَالَ: فَلَمَّا وَجَدَ حَرَامٌ مَسَّ الرُّمْحِ فِي جَوْفِهِ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَانْطَوَوْا عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ: هَلْ لَكَ فِي قَاتِلِ حَرَامٍ؟ قُلْتُ: مَا لَهُ فَعَلَ اللهُ بِهِ وَفَعَلَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لَا تَفْعَلْ فَقَدْ أَسْلَمَ.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَتَنَحَّوْنَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَحْسَبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْسَبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ فَيُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى إِذَا تَقَارَبَ الصُّبْحُ احْتَطَبَ بَعْضُهُمْ وَاسْتَقَى بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ ثُمَّ يُقْبِلُوا حَتَّى يَضَعُوا حُزَمَهُمْ وَقِرَبَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ فَاسْتُشْهِدُوا كُلُّهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ قَتَلَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَقَالَ: عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ. وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ: قَنَتَ [ (20) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا بَعْدَ الركوع يدعو على
رِعْلٍ وَذَكْوَانَ: حَيَّيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ الصُّوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ هُوَ ابْنُ سَالِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ (ح) قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هشام عن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ، قَالَ: فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَتْ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ الصُّحْبَةُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصُّحْبَةُ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، قَالَ: فَأَعْطَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الْجَدْعَاءُ، فَرَكِبَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ، وَهُوَ بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلَامًا لِعَبْدِ اللَّه بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا، وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مَنِيحَةٌ فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ يَسْرَحُ فَلَا يَفْطُنْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، انْتَهَى حَدِيثُ ابْنُ نَاجِيَةَ [ (22) ] . زَادَ الْآخَرُ قَالَ: فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَى الْقَتِيلِ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو ابن أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بعد ما قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خبرهم، فَنَعَاهُمْ، وَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَكُمْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ فَقَالُوا رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ، قَالَ: وَأُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ سُمِّيَ بِهِ عُرْوَةُ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أبي أسامة
إِلَى قَوْلِهِ: فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: فَذَكَرَهُ بِنَحْوٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ وُضِعَ، قُلْتُ هَكَذَا رِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي شَأْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ أَنَّهُ رُفِعَ ثُمَّ وُضِعَ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَرَجَ الْمُنْذِرُ ابن عَمْرٍو فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَقَالَ فِيهَا قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَطَافَ فِيهِمْ يَعْنِي فِي الْقَتْلَى وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَنْسَابِهِمْ، قَالَ: هَلْ تَفْقِدُ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: أَفْقِدُ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، قَالَ: كَيْفَ كَانَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ كَانَ مِنْ أَفْضَلِنَا قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ خَبَرَهُ، وَأَشَارَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ هَذَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ ثُمَّ انْتَزَعَ رُمْحَهُ فَذَهَبَ الرَّجُلُ عُلُوًّا فِي السَّمَاءِ حَتَّى واللَّه مَا أَرَاهُ، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ: ذَاكَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ كِلَابٍ يُقَالُ لَهُ: جَبَّارُ بْنُ سَلْمَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فُزْتُ واللَّه فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا قَوْلُهُ فُزْتُ، فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: فُزْتُ واللَّه، قَالَ: الْجَنَّةُ، وَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فأسلمته وَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ مَا رَأَيْتُ مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، وَمِنْ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ عُلُوًّا قَالَ: وَكَتَبَ الضَّحَّاكُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْ جُثَّتَهُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ [ (24) ] . قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رُفِعَ ثُمَّ وُضِعَ ثُمَّ فُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ وَارَتِ الْمَلَائِكَةُ جُثَّتَهُ فَقَدْ رُوِّينَا فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ [ (25) ] .
باب غزوة بني النضير وإخبار الله عز وجل ثناؤه رسوله صلى الله عليه وسلم بما أراد به بنو النضير من المكر وكان الزهري رحمه الله يذهب إلى أنها كانت قبل أحد وذهب آخرون إلى أنها كانت بعده وبعد بئر معونة وقد مضت الأخبار في ذلك فيما تقدم [1]
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَإِخْبَارِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَرَادَ بِهِ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْمَكْرِ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَقَدْ مَضَتِ الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ [ (2) ] مِنْ بَنِي عَامِرٍ الذين قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فِيمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ فَلَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي الدِّيَةِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتَ [مِمَّا اسْتَعَنْتَ بِنَا عَلَيْهِ] [ (3) ] ، ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى جَانِبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ، فَقَالُوا: مَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيَقْتُلَهُ بِهَا فَيُرِيحَنَا مِنْهُ، فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ [ (4) ] بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كما
قَالَ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ [فِيهِمْ] : أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. فَأَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَبْرَحُوا، فَخَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا اسْتَبْطَأَ [ (5) ] النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابُهُ قَامُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ رَأَيْتُهُ دَاخِلًا الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ بِمَا أَرَادَتْ يَهُودُ مِنَ الْغَدْرِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَرْبِهِمْ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ، فَسَارَ بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخْلِ وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ فَمَا بَالُكَ تَقْطَعُ النَّخْلَ وَتُحَرِّقَهُ [ (6) ] . وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (7) ] عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو ابن حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا تَحَصَّنَ بَنُو النَّضِيرِ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ نَخْلِهِمْ وَتَحْرِيقِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ تَرْضَى الْفَسَادَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَسَادٍ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (8) ] وَلَيْسَ بِفَسَادٍ. وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (9) ] أَبُو سَعْدٍ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: واللَّه رَأَيْتُ بَعْضَ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ وَإِنَّ الْحَرِيقَ لَفِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ [عُمَرُ] [ (10) ] بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: أخبرنا
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابراهيم ابن هاشم الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي [ (11) ] جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَحْرَقَ [ (12) ] نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، [وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ] [ (13) ] ، وَلَهَا يَقُولُ حسّان. وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ [ (14) ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ [ (15) ] ، عَنْ حَبَّانَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَزَادَ فِيهِ: فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ [ (16) ] : أَدَامَ اللَّه ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ [ (17) ] سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهُ بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ أَيُّ أَرْضَيْنَا تضير [ (18) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] : [ (19) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (20) ] أَبُو الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: فَذَكَرَ الْبَيْتَ وَالَجوَابَ، وَقَالَ: هَانَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَهَانَ. أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (21) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، قال: حدثنا الهيثم ابن جَمِيلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَلَهَا يقول حسان.
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ* حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ الْهَيْثَمُ: كُنْتُ مَعَ زَائِدَةَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ أَمَرَنِي بِالْحَرِيقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا مَضَى. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عن مقاتل ابن حَيَّانَ [ (24) ] ، قَوْلُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [ (25) ] ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُهُمْ، فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى دَرْبٍ أَوْ دَارٍ، هَدَمَ حِيطَانَهَا لِيَتَّسِعَ الْمَكَانُ لِلْقِتَالِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا غَلَبُوا عَلَى دَرْبٍ أَوْ دَارٍ نَقَبُوهَا مِنْ أَدْبَارِهَا ثُمَّ حَصَّنُوهَا وَدَرَّبُوهَا، يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ.
وَقَوْلُهُ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ إِلَى قَوْلِهِ: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (26) ] يَعْنِي بِاللِّينَةِ النَّخْلَةَ وَهِيَ أَعْجَبُ إِلَى الْيَهُودِ مِنَ الْوَصِيفِ، يُقَالُ لِثَمَرِهَا اللَّوْنُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ عِنْدَ قَطْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ نَخْلَهُمْ وَعَقْرِ شَجَرِهِمْ: يَا مُحَمَّدُ زَعَمَتْ أَنَّكَ تُرِيدُ الْإِصْلَاحَ أفيمن الْإِصْلَاحِ عَقْرُ الشَّجَرِ وَقَطْعُ النَّخْلِ وَالْفَسَادُ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَطْعِهِمُ النَّخْلَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فَسَادًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَقْطَعُوا فَإِنَّهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْنَا، فَقَالَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَهَا نُغِيظُهُمْ بِقَطْعِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ يَعْنِي النَّخْلَ فَبِإِذْنِ اللَّه وَمَا تَرَكْتُمْ قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّه، فَطَابَتْ نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْفُسُ المؤمنين، وليخزي الفاسقين يَعْنِي أَهْلَ النَّضِيرِ، فَكَانَ قَطْعُ النَّخْلِ وَعَقْرُ الشَّجَرِ خِزْيًا لَهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (27) ] أَبِي، عَنْ عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ حَاصَرَهُمْ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَأَعْطَوْهُ مَا أَرَادَ مِنْهُمْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يحقن لهم دماؤهم وأن يخرجهم من أرضيهم وَأَوْطَانِهِمْ وَأَنْ يُسَيِّرَهُمْ إِلَى أَذْرِعَاتِ الشَّامِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرًا وَسِقَاءً، والجلاء: إخراجهم من أرضيهم إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. (سورة الحشر)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هُشَيْمٍ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّازُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ: إِنَّ النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ فِي الْجَلَاءِ ثَلَاثَ ليال [ (29) ] .
باب دعوة عمرو بن سعدى اليهودي إلى الإسلام بعد إجلاء بني النضير واعترافه واعتراف من اعترف من اليهود. بوجود صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة
بَابُ دَعْوَةِ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْيَهُودِيِّ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَاعْتِرَافِهِ وَاعْتِرَافِ مَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الْيَهُودِ. بِوُجُودِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، [الْوَاقِدِيُّ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى فَأَطَافَ بِمَنَازِلِهِمْ، فَرَأَى خَرَابَهَا، وَفَكَرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَوَجَدَهُمْ فِي الْكَنِيسَةِ فَنَفَخَ [ (2) ] فِي بُوقِهِمْ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ! أَيْنَ كُنْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ لَمْ نَرَكَ؟ وَكَانَ لَا يُفَارِقُ الْكَنِيسَةَ وَكَانَ يَتَأَلَّهُ فِي الْيَهُودِيَّةِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْيَوْمَ عِبَرًا قَدْ عُبِّرْنَا بِهَا [ (3) ] ، رَأَيْتُ [مَنَازِلَ] [ (4) ] إِخْوَانِنَا خَالِيَةً بَعْدَ ذَلِكَ الْعِزِّ وَالْجَلَدِ وَالشَّرَفِ الْفَاضِلِ، وَالْعَقْلِ الْبَارِعِ: قَدْ تَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ، وَمَلَكَهَا غَيْرُهُمْ، وَخَرَجُوا خُرُوجَ ذُلٍّ، وَلَا وَالتَّوْرَاةِ مَا سُلِّطَ هَذَا عَلَى قَوْمٍ قَطُّ لِلَّهِ بِهِمْ حَاجَةٌ وَقَدْ أَوْقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بِابْنِ الْأَشْرَفِ ذِي عِزِّهِمْ ثُمَّ بَيَّتَهُ فِي بَيْتِهِ آمِنًا، وَأَوْقَعَ بِابْنِ سُنَيْنَةَ سَيِّدِهِمْ، وَأَوْقَعَ. بِبَنِي قينقاع
فَأَجْلَاهُمْ وَهُمْ [أَهْلُ] جَدِّ يَهُودَ، كَانُوا أَهْلَ عِدَّةٍ وَسِلَاحٍ وَنَجْدَةٍ، فَحَصَرَهُمْ فَلَمْ يُخْرِجْ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ رَأْسَهُ حَتَّى سَبَاهُمْ فَكُلِّمَ فِيهِمْ فَتَرَكَهُمْ عَلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ مِنْ يَثْرِبَ، يَا قَوْمُ! قَدْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ فَأَطِيعُونِي، وَتَعَالَوْا نَتَّبِعْ مُحَمَّدًا فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيُّ وَقَدْ بَشَّرَنَا بِهِ، وَبِأَمْرِهِمْ: ابْنُ الْهَيِّبَانِ أَبُو عُمَيْرٍ، وَابْنُ حِرَاشٍ وَهُمَا أَعْلَمُ يَهُودَ جَاءَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَتَوَكَّفَانِ قدومه وأمرنا بِاتِّبَاعِهِ، وَأَمَرَانَا أَنْ نُقْرِئَهُ مِنْهُمَا السَّلَامَ، ثُمَّ مَاتَا عَلَى دينهما ودفنّا هما بِحَرَّتِنَا هَذِهِ. فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْهُمْ مُتَكَلِّمٌ، فَأَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ وَخَوَّفَهُمْ [ (5) ] بِالْحَرْبِ وَالسِّبَاءِ وَالْجَلَاءِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: قَدْ وَالتَّوْرَاةِ قَرَأْتُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِ بَاطَا التَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى، لَيْسَ فِي الْمَثَانِي الَّذِي أَحْدَثْنَا، قَالَ: فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: مَا يَمْنَعُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنِ اتِّبَاعِهِ، قَالَ: أَنْتَ، قَالَ: كَعْبٌ: وَلِمَ وَالتَّوْرَاةِ مَا حُلْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَطُّ. قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنْتَ صَاحِبُ عَهْدِنَا وَعَقْدِنَا، فَإِنِ اتَّبَعْتَهُ اتَّبَعْنَاهُ، وَإِنْ أَبَيْتَ أَبَيْنَا، فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى عَلَى كَعْبٍ فَذَكَرَ مَا تَقَاوَلَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ كَعْبٌ: مَا عِنْدِي فِي أَمْرِهِ إِلَّا مَا قُلْتَ مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ أَصِيرَ تابعا [ (6) ] .
باب غزوة بني لحيان وهي الغزوة التي صلى فيها صلاة الخوف بعسفان حين أتاه الخبر من السماء بما هم به المشركون.
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي صَلَّى فِيهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ حِينَ أَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا هَمَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ صُلْحِ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ: خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّامَ لِيُصِيبَ مِنَ الْقَوْمِ غِرَّةً [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] : [ (2) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: لَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ طَلَبًا بِدِمَائِهِمْ لِيُصِيبَ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ غِرَّةً فسلك طريق الشام وورّا عَلَى النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَنِي لِحْيَانَ [لِيُصِيبَ مِنْهُمْ غِرَّةً حَتَّى نَزَلَ أَرْضَ بَنِي لِحْيَانَ] [ (4) ] مِنْ هذيل،
فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا، فَتَمَنَّعُوا في رؤوس الْجِبَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ جِئْنَا مَكَّةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ، حَتَّى نَزَلَ عُسْفَانَ، ثُمَّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ حَتَّى جَاءَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَيْهِ، فَذَكَرَ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِعُسْفَانَ صَلَاةَ الْخَوْفِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَرَدْنَا لَأَصَبْنَا غِرَّةً [ (6) ] ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَخَذَ النَّاسُ السِّلَاحَ وَصَفُّوا
خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّيْنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ مُسْتَقْبِلُوهُمْ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ نَكَصَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ ثُمَّ اسْتَوَوْا مَعَهُ قُعُودًا جَمِيعًا، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ [ (7) ] . وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَخْرَجَهَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ [ (8) ] ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْمَوْضِعَ الَّذِي صَلَّاهَا بِهِ، وَلَا قَوْلَ أَبِي عَيَّاشٍ: وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ كَانَتْ بَعْدَ قُرَيْظَةَ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ [ (9) ] بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجْتُ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَقِيتُ رَسُولَ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ بِعُسْفَانَ، فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ وَتَعَرَّضْتُ لَهُ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ أَمَامَنَا فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُعْزَمْ لَنَا فَاطَّلَعَ على ما في أنفسنا من الهمّ [ (10) ]
بِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ صَلَاةَ الْخَوْفِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ بِنَخْلٍ فَهَمَّ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ قَالُوا: دَعُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً بَعْدَهَا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ وَصَفَّهُمْ صَفَّيْنِ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَالْعَدُوُّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَالْآخَرُونَ قيام، فلما رفعوا رؤوسهم سَجَدَ الْآخَرُونَ ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ [وَتَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ] [ (11) ] فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ [ (12) ] الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَالْآخَرُونَ قيام، فلما رفعوا رؤوسهم سَجَدَ الْآخَرُونَ. اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ بِرِوَايَةِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ [ (13) ] ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ [ (14) ] إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لَاقْتَطَعْنَاهُمْ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَالُوا إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ فَذَكَرَهُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِنَخْلٍ يُوهِمْ أَنَّهَا وَغَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهَا خَرَجَ إِلَى عُسْفَانَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِهَا لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ بِهِ فِي صَلَاتِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ كَيْفَيَّةِ صَلَوَاتِهِ وَمَا ظَهَرَتْ دَلَالَةُ النُّبُوَّةِ بِإِعْلَامِ اللهِ إِيَّاهُ مَا هَمَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فِي صَلَاتِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ بَعْدَ هَذَا غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ حِينَ أَغَارَتْ بَنُو فَزَارَةَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ يَنْطِقُ بِذَلِكَ فَأَخَّرْنَا ذِكْرَهَا وبالله التوفيق.
باب غزوة ذات الرقاع [1] وهي غزوة محارب خصفة [2] من بني ثعلبة من غطفان
بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ [ (1) ] وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ [ (2) ] مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ- رَحِمَهُ الله-: وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ نَجْدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ خَيْبَرَ. قُلْتُ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بن عمر، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قبل نَجْدٍ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَإِجَازَتُهُ فِي الْقِتَالِ كَانَ عَامَ الْخَنْدَقِ. إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ زَعَمَ أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ فِي
جُمَادَى الْأُولَى بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ بِشَهْرَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ أَقَامَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرَ، وَبَعْضَ جُمَادَى، ثُمَّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِبٍ، وَبَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، حَتَّى نَزَلَ النَّخْلَةَ وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ، فَتَقَارَبَ النَّاسُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، وَقَدْ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِالنَّاسِ] [ (3) ] صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنَّاسِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ [ (4) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي ذِكْرِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ وَبَعْضَ جُمَادَى، ثُمَّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ مُحَارِبًا، وَبَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ [ (5) ] ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى، وَجُمَادَى الْآخِرَةَ، وَرَجَبًا، ثُمَّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إِلَى بَدْرٍ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ، فَذَهَبَ الْوَاقِدِيُّ إِلَى مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ لِأَنَّهُ قِيلَ كَانَ فِيهِ بُقَعُ حُمْرَةٍ وَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ، فَسُمِّيَ ذَاتِ الرِّقَاعِ. قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَيْلَةَ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَقَدِمَ صِرَارًا [ (6) ] يَوْمَ الْأَحَدِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَذَاتُ الرِّقَاعِ قَرِيبَةٌ مِنَ النَّخِيلِ بَيْنَ السَّعْدِ وَالشَّقْرَةِ وَبِئْرُ أُرْمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهِيَ بِئْرٌ جَاهِلِيَّةٌ، غَابَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً [ (7) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَحَدَّثَنِي هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جابر، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدَّثَنِي قَالُوا: قَدِمَ قَادِمٌ بِجَلَبٍ لَهُ فَاشْتَرَى بِسُوقِ النَّبَطِ، وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ جَلَبْتَ جَلَبَكَ؟ قَالَ: جِئْتُ بِهِ مِنْ نَجْدٍ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْمَارًا وَثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا، وَأَرَاكُمْ هَادِينَ عَنْهُمْ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أربع مائة مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: سبع مائة أو ثمان مائة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى سَلَكَ عَلَى الْمَضِيقِ ثُمَّ أَفْضَى إِلَى وَادِي الشَّقْرَةِ، فَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا، وَبَثَّ السَّرَايَا، فَرَجَعُوا إِلَيْهِ مَعَ اللَّيْلِ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا وَقَدْ وَطِئُوا آثَارًا حَدِيثَةً، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى مَحَالَّهُمْ فَيَجِدُونَ الْمَحَالَّ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ إلى رؤوس الْجِبَالِ، فَهُمْ مُطِلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، وَقَدْ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ، وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَلَّا يَبْرَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَأْصِلَهُمْ، وَفِيهَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الخوف [ (8) ] .
قُلْتُ وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي شَهِدَهَا وَسَمَّاهَا ذَاتَ الرِّقَاعِ قَالَ: فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ قَالَ: فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ. وَرُوِّينَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي غَزَاهَا مُحَارِبًا وَبَنِي ثَعْلَبَةَ أَنَّهَا سُمِّيَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ لِأَنَّهُ جَبَلٌ كَانَ فِيهِ بُقَعُ حُمْرَةٍ وَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِدِيُّ حَفِظَ ذَلِكَ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْغَزْوَةُ الَّتِي شَهِدَهَا أَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ غَيْرَ هَذِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب عصمة الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عما هم به غورث بن الحارث من قتله وكيفية صلاته في الخوف
بَابُ عَصَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا هَمَّ بِهِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ فِي الْخَوْفِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ: ابن الحسن ابن أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] سِنَانُ بن أبي سنان الدُّؤَلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عبد الله الأنصاري وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا بِوَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاةِ [ (2) ] ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاةِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا فَأَجَبْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ، فَشَامَ السَّيْفَ وَجَلَسَ، فَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَعَلَ ذلك.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (3) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الصَّنْعَانِيِّ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ مَنْزِلًا وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاةِ يَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا، وَعَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلَاحَهُ بِشَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَاسْتَلَّ السَّيْفَ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: اللهُ (مَنْ يَهْزِمُكَ مِنِّي) حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: اللهُ. قَالَ: فَشَامَ [ (5) ] الْأَعْرَابِيُّ السَّيْفَ وَجَاءَ فَجَلَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ لَمْ يُعَاقِبْهُ. قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا وَيَذْكُرُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ أَرَادُوا أَنْ يَفْتِكُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلُوا هَذَا الْأَعْرَابِيَّ، ويتلو: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [ (6) ] الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ [ (7) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ [ (8) ] كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ دُونَ قَوْلِ قَتَادَةَ،
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرَطَهُ فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ، قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ ركعات وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (9) ] . قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ: اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ وَقَاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قاتل
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْفَ. فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ. قَالَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونُ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ وَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ، ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ عَاصِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ عَارِمٍ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونُ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، قَالَ: فَخَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي عَنْهُ- فَجَاءَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَكَانَ النَّاسُ طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةٌ بِإِزَاءِ عَدُوِّهِمْ وَطَائِفَةٌ تُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ عَدُوِّهِمْ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ لِلنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ [ (11) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بن خوّات،
عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (12) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَكَثِيرُ بْنُ سُفْيَانَ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْفٍ فَجَعَلَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (14) ] ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ [ (15) ] ، عَنْ شُعْبَةَ مُخْتَصَرًا، وَفِيمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى عَنْ هِشَامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْقَاسِمَ ابن مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أنمارا وثعلبة
قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَّاهَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي صَلَاتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ بِهِ فِيهِمَا وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (16) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَصَلَّوْا خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمُوا، وَجَاءَتِ الطائفة الأخرى فصلى بهم رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى مُقْبِلَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً لَبِثَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمُوا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قد أَصَابَ فِي مَحَالِّهِمْ نِسْوَةً، وَكَانَ فِي السَّبْيِ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ وَكَانَ زَوْجُهَا يُحِبُّهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ حَلَفَ زَوْجُهَا لَيَطْلُبَنَّ مُحَمَّدًا أَوْ لَا يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ حَتَّى يُصِيبَ مُحَمَّدًا أَوْ يُهْرِقَ فِيهِمْ دَمًا أَوْ يُخَلِّصَ صَاحِبَتَهُ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ عَشِيَّةَ ذَاتِ رِيحٍ فَنَزَلَ فِي شِعْبٍ اسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ فَقَامَ رَجُلَانِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ نَكْلَؤُكَ، وَجَعَلَتِ الرِّيحُ لَا تَسْكُنُ وَجَلَسَ الرَّجُلَانِ عَلَى فَمِ الشِّعْبِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَيُّ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ أَنْ أَكْفِيَكَ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ؟ قَالَ: اكْفِنِي أَوَّلَهُ، فَنَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَامَ عَبَّادٌ يُصَلِّي، وَأَقْبَلَ عَدُوُّ اللهِ يَطْلُبُ غِرَّةً، وَقَدْ سَكَنَتِ الرِّيحُ، فَلَمَّا رَأَى سَوَادَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ يَعْلَمُ اللهُ أَنَّ هَذَا لَرَبِئَةُ الْقَوْمِ فَعَرَّقَ لَهُ سَهْمًا فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرَ فَانْتَزَعَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ الثَّالِثَةَ، فَوَضَعَهُ بِهِ فَلَمَّا
غَلَبَهُ الدَّمُ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: اجْلِسْ فَقَدْ أُتِيتُ فَجَلَسَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَلَمَّا رَأَى الْأَعْرَابِيُّ أَنَّ عَمَّارًا قَدْ قَامَ عَلِمَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ فَهَرَبَ فَقَالَ عَمَّارٌ يَا أَخِي مَا مَنَعَكَ أَنْ تُوقِظَنِي بِهِ فِي أَوَّلِ سَهْمٍ رَمَاكَ بِهِ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سورة أقرأها وَهِيَ الْكَهْفُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهَا، فَلَوْلَا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ مَا انْصَرَفْتُ وَلَوْ أُتِيَ عَلَى نَفْسِي، قَالَ: وَيُقَالُ الْأَنْصَارِيِّ: عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَثْبَتُهَا عِنْدَنَا عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ جَابِرٌ: نَقُولُ إِنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِفَرْخِ طَائِرٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتَّى طَرَحَ نَفْسَهُ فِي يَدَيِ الَّذِي أَخَذَ فَرْخَهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ النَّاسَ عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الطَّائِرِ أَخَذْتُمْ فَرْخَهُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ رَحْمَةً لِفَرْخِهِ وَاللهِ لَرَبُّكُمْ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ هَذَا الطَّائِرِ بِفَرْخِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [ (17) ] قِصَّةَ هَذَا الرَّجُلِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَأَصَابَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَافِلًا فَذَكَرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَامَا بِالْحَرَسِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ ابن عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم غزوة قِبَلَ نَجْدٍ فَوَافَيْنَا الْعَدُوَّ وَصَافَفْنَاهُمْ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَقَامَ لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مِنَّا مَعَهُ وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ
عَلَى الْعَدُوِّ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَرَكَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (19) ] . وَأَخْرَجَاهُ عَنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (20) ] .
باب ما ظهر في غزاته هذه من بركاته وآياته في جمل جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي غَزَاتِهِ هَذِهِ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَآيَاتِهِ فِي جَمَلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بَالَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى [قَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا [ (3) ] فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي فَأَعْيَا وَتَخَلَّفَ، فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنِهِ [ (4) ] ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ فَرَكِبْتُ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَكُفُّهُ [ (5) ] عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ فَقُلْتُ: بل ثيب، قَالَ: فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ قُلْتُ إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَمَا إِنَّكَ قَادِمٌ فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَبِيعُ جملك؟ قلت:
نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: الْآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَزِنَ لِي أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلَالٌ فَأَرْجَحَ الْمِيزَانَ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قَالَ: ادْعُ لِي جَابِرًا، فَدُعِيتُ، فَقُلْتُ الْآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْجَمَلَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، فَقَالَ: خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ [ (6) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (7) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ [قَالَ] : [ (8) ] حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (9) ] وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَمَّا قَفَلَ النَّاسُ وَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ لِي قَدْ أَبْطَأَ عَلَيَّ، فَجَعَلَتِ الرِّفَاقُ تَمْضِي حَتَّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: مالك يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنِخْهُ فَأَنَخْتُهُ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا الَّتِي فِي يَدِكَ فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا أَوْ قَطَعْتُ لَهُ عُصَيَّةً مِنْ شَجَرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ يَا جَابِرُ، فَرَكِبْتُ فَخَرَجَ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً [ (10) ] ، وَتَحَدَّثْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جابر؟
فَقُلْتُ: بَلْ أَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ لَا، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ [ (11) ] فَقُلْتُ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَبِكَمْ هُوَ؟ فَقُلْتُ: سُمْنِي، فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِدِرْهَمٍ، قُلْتُ: لَا، وَاللهِ يَا رَسُولُ اللهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي حَتَّى قَالَ أُوقِيَّةً فَقُلْتُ قَدْ رَضِيتُ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ هُوَ لَكَ فَقَالَ: هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ: فَقَالَ: بكرا أو ثَيِّبًا؟ فَقُلْتُ: ثَيِّبًا. فَقَالَ: هَلَّا [ (12) ] جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ فَنَكَحْتُ امْرَأَةً جَامِعَةً تَجْمَعُ رؤوسهنّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، وَتَغْسِلُ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ، أَمَا إِنَّا لَوْ قَدِمْنَا [ (13) ] صِرَارًا [ (14) ] لَأَقَمْنَا بِهَا يَوْمًا وَنَحَرْنَا بِهَا جَزُورًا وَسَمِعَتْ بِنَا فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا [ (15) ] ، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا لَنَا نَمَارِقُ، فَقَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ [ (16) ] .
باب غزوة بدر الآخرة [1]
بَابُ غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ [قَالَ] : [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ [الْعَبْدِيُّ قَالَ] : [ (3) ] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ [قَالَ:] حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي [قَالَ] : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ [قَالَ] [ (4) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ بَدْرًا، وَكَانَ أَهْلًا لِلصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ صلى اللَّه عليه وسلم، فَاحْتَمَلَ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ
النَّاسِ، فَمَشَوْا فِي النَّاسِ يُخَوِّفُونَهُمْ وَقَالُوا قَدْ أُخْبِرْنَا وَأَنْتُمْ أَنْ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ مِثْلَ اللَّيْلِ مِنَ النَّاسِ يَرْجُونَ أَنْ يُوَافِقُوكُمْ فَيَنْتَهِبُوكُمْ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ لَا تَغْدُوا، فَعَصَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَخَرَجُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ، وَقَالُوا: إِنْ لَقِينَا أَبَا سُفْيَانَ فَهُوَ الَّذِي خَرَجْنَا لَهُ، وَإِنْ لَمْ نَلْقَهُ ابْتَعْنَا ببصائعنا، وَكَانَ بَدْرٌ مَتْجَرًا يُوَافَى فِي كُلِّ عَامٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا مَوْسِمَ بَدْرٍ، فَقَضَوْا مِنْهُ حَاجَتَهُمْ، وَأَخْلَفَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَوْعِدَ، فَلَمْ يَخْرُجْ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حِلْفٌ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنْ كُنَّا لَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَمَا أَعْمَلَكُمْ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْمَوْسِمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ عَدُوَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ: أَعْمَلَنَا إِلَيْهِ مَوْعِدُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ وَقِتَالُهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ نَبَذْنَا إِلَيْكَ وَإِلَى قَوْمِكَ حِلْفَكُمْ ثُمَّ جَالَدْنَاكُمْ قَبْلَ أنْ نَبْرَحَ مَنَزِلَنَا هَذَا. فَقَالَ الضَّمْرِيُّ: مَعَاذَ اللهِ بَلْ نَكُفُّ أَيْدِيَنَا عَنْكُمْ وَنُمْسِكُ بِحِلْفِكُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِمُ ابْنُ حُمَامٍ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا رَسُولُ اللهِ وَأَصْحَابُهُ يَنْتَظِرُونَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ يَرْتَجِزُ: تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... إِذْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّدِ [ (5) ] وَعَجْوَةٍ مَوْضُوعَةٍ كَالْجَلْمَدِ ... إِذْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِ [ (6) ] وَصَبَّحَتْ مِيَاهُهَا ضُحَى الْغَدِ [ (7) ] فَذَكَرُوا أَنَّ ابْنَ الْحُمَامِ قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ وأصحابه
يَنْتَظِرُونَكُمْ لِمَوْعِدِكُمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ وَاللهِ صَدَقَ فَنَفَرُوا وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ، فَمَنْ نَشِطَ مِنْهُمْ قَوَّوْهُ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ دُونَ أُوقِيَّةٍ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَقَامَ بِمِجَنَّةٍ مِنْ عُسْفَانَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ ائْتَمَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامُ خِصْبٍ تَرْعَوْنَ فِيهِ السُّمُرَ وَتَشْرَبُونَ مِنَ اللَّبَنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضَلٍ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ تُدْعَى غَزْوَةَ جَيْشِ السَّوِيقِ، وَكَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم اسْتَنْفَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ بِبَدْرٍ فَاحْتَمَلَ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ النَّاسِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (9) ] إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَسَمِعَ بِذَلِكَ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ وَكَانَ رَجُلًا شَاعِرًا فَعَمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ شِعْرًا، فَذَكَرَ مَعْنَى تِلْكَ الْأَبْيَاتِ، قَالَ: وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ قَائِلَهَا حُمَامٌ. فَلَمَّا قَدِمَ الْخُزَاعِيُّ مَكَّةَ اسْتَخْبَرُوهُ عَنْ مَوْسِمِ بَدْرٍ فَأَخْبَرَهُمْ وَحَدَّثَهُمْ شَأْنَ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَحُضُورِهِمْ مَوْسِمَ بَدْرٍ وَمُجَادَلَتِهِمُ الضَّمْرِيَّ، فَأَفْزَعَهُمْ ذَلِكَ وَأَخَذُوا فِي الْجَمْعِ وَالنَّفَقَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّارِيخَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ [قَالَ] [ (10) ] أَقَامَ بَقِيَّةَ جمادي
الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا ثُمَّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إِلَى بَدْرٍ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ، حَتَّى نَزَلَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِ لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ بِنَاحِيَةِ الظَّهْرَانِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامُ خِصْبٍ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشَّجَرَ وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللَّبَنَ، وَإِنَّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ، وَإِنِّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا، فَرَجَعَ النَّاسُ فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ جَيْشُ السَّوِيقِ يَقُولُونَ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السَّوِيقَ، قَالَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ فَأَتَاهُ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدَّانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! جِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ، فَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا إِلَيْكَ مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَقَالَ: لَا، والله يا محمد مالنا بِذَلِكَ مِنْكَ حَاجَةٌ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، فَمَرَّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ فَقَالَ- وَقَدْ كَانَ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَاقَتَهُ تهوى به-: قَدْ تَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كَالْعُنْجُدِ تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهِ الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي وَمَاءُ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ ثُمَّ ذَكَرَ أَبْيَاتًا لِابْنِ رَوَاحَةَ وَلِحَسَّانَ فِي خُلْفِ أَبِي سُفْيَانَ مِيعَادَهُ [ (11) ] ، قَالَ:
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا أَشْهُرًا حَتَّى مَضَى ذُو الْحِجَّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ [ (12) ] . وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ انْتَهَى فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ إِلَى بَدْرٍ هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَخَرَجَ فِي ألف وخمس مائة مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي شَعْبَانَ أَصَحُّ [ (13) ] وَاللهُ أعلم.
باب غزوة دومة الجندل الأولى [1]
بَابُ غَزْوَةِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ الْأُولَى [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] [ (2) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُومَةَ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ سَنَتِهِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (4) ] ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا [ (5) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [فَكِلَاهُمَا قَدْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ] [ (6) ] ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدَّثَنِي أَيْضًا، قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْنُوَ إِلَى أَدْنَى الشَّامِ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشَّامِ، فَلَوْ دَنَوْتَ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَأَنَّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ [مِنَ الضَّافِطَةِ] [ (7) ] ، وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَذْكُورٌ، هَادٍ خِرِّيتٌ، [فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغِذًّا السَّيْرَ، ونكب عَنْ طَرِيقِهِمْ] [ (8) ] فَلَمَّا دَنَا مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، أَخْبَرَهُ دَلِيلُهُ بِسَوَائِمِ [ (9) ] تَمِيمٍ، فَسَارَ حَتَّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ ورعائهم
فَأَصَابَ مَنْ أَصَابَ، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ [الْجَنْدَلِ] فَتَفَرَّقُوا وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، وَبَثَّ السَّرَايَا، ثُمَّ رَجَعُوا وَأَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَرَبُوا أَمْسُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ [ (10) ] .
جماع أبواب غزوة الخندق [1] وهي الأحزاب
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ [ (1) ] وَهِيَ الْأَحْزَابُ بَابُ التَّارِيخِ لِغَزْوَةِ الْخَنْدَقِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] [ (2) ] أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله ابن عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سَنَةَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي شوال سنة أربع [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا قَالَا: وَقَدْ قَالَا فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ إِنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (4) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ مِنَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ الْأَحْزَابِ وَهِيَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمَ خَنْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الْمَدِينَةِ، وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُرَيْظَةَ فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سعد ابن مُعَاذٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (6) ] أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْبَغْدَادِيُّ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي ذِكْرِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَوَاقَعَ يَوْمَ أَحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي شَوَّالٍ، قَالَ: وَوَاقَعَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ وَكَانَ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ هِجْرَتِهِ، وَأَصْحَابُ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ فِيمَا بَلَغَنَا أَلْفٌ، وَالْمُشْرِكُونَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ لَنَا أنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَنْ يَغْزُوكُمُ الْمُشْرِكُونَ بَعْدَ الْيَوْمِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس: محمد بن
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ [ (7) ] . قُلْتُ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ لِسَنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ لِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فِي شَوَّالٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَمَنْ قَالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ: أَرَادَ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَقَبْلَ بُلُوغِ الْخَمْسِ، وَمَنْ قَالَ: سَنَةَ خَمْسٍ أَرَادَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَقَبْلَ انْقِضَائِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عَرَضَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْنِي، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي [ (8) ] . فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ [ (9) ] ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنِ افْرِضُوا لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَا كَانَ سِوَى ذَلِكَ، فَأَلْحِقُوهُ بِالْعِيَالِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ [ (10) ] . فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ قَدْ طَعَنَ في الرابعة عَشْرَةَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُجِزْهُ فِي الْقِتَالِ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ وَكَانَ قَدِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَزَادَ عَلَيْهَا عَامَ الْخَنْدَقِ، فَأَجَازَهُ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ نَقَلَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا دُونَ الزِّيَادَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَحُمِلَ قول موسى بن عقبة عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ حِينَ خَرَجَ لِمَوْعِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي شَعْبَانَ ثُمَّ انْصَرَفَ، خَرَجَ مُعِدًّا لِلْقِتَالِ عَامَئِذٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أُحُدٍ، وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوْلَ الْجَمَاعَةِ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ بَيْنَ بَدْرٍ الْآخِرَةِ وَالْخَنْدَقِ، فَقَدْ رُوِّينَا قَبْلَ هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي تَارِيخِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَالْخَنْدَقُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَرُوِّينَا عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ أَنَّهُ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي آخِرِ السَّنَتَيْنِ يَعْنِي مِنْ أُحُدٍ، وَقَدْ قَالَ فِي أُحُدٍ إِنَّهُ كَانَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي أُحُدٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مَحْمُولًا عَلَى الدُّخُولِ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ كَمَالِهَا، وَقَوْلُهُ: فِي بَدْرٍ الْآخِرَةِ وَهُوَ خُرُوجُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَيْ بَعْدَ تَمَامِ ثَلَاثِ سِنِينَ وَدُخُولِ الرَّابِعَةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْخَنْدَقِ: سَنَةَ أَرْبَعٍ أَيْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَالدُّخُولِ فِي الْخَامِسَةِ. هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُبْتَدَأَ التَّارِيخِ وَقَعَ مِنْ وَقْتِ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدِ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّوَارِيخِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَعُدُّوا مَا بَقِيَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا عَدُّوا مُبْتَدَأَ التَّارِيخِ مِنَ المحرم
مِنَ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، فَتَكُونُ غَزْوَةُ بَدْرٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَأُحُدٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَغَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقُ فِي الرَّابِعَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ [قَالَ] [ (11) ] أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر ابن دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى الْمَوْسِمِ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهِيَ أَوَّلُ سَنَةٍ أُرِّخَتْ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ لِمَوْعِدِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ يُرِيدُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ، ثُمَّ كَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَقَامَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ سَنَةَ ثَمَانٍ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ، وَأَقَامَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَقَامَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ سَنَةَ عَشْرٍ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، ثُمَّ صَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ بَدْرٍ لِسَنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ وَأُحُدٌ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ، وَالْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَخَيْبَرُ سَنَةَ سِتٍّ، وَالْحُدَيْبِيَةُ فِي سَنَةِ خَيْبَرَ، وَالْفَتْحُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ، وَقُرَيْظَةُ فِي سنة الخندق.
باب سياق قصة الخندق من مغازي موسى ابن عقبة [1] رحمه الله
بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْخَنْدَقِ مِنْ مَغَازِي مُوسَى ابن عُقْبَةَ [ (1) ] رَحِمَهُ اللهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ:] [ (2) ] أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَقُرَيْشٌ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مَعَهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَاسْتَمَدُّوا عيينة ابن [حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ] [ (4) ] بَدْرٍ، فَأَقْبَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ غَطَفَانَ وَبَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ سَعَى فِي غَطَفَانَ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ ثَمَرِ
خَيْبَرَ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ أَخَا بَنِي مُرَّةَ، قَالَ: لِعُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ، وَغَطَفَانَ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي وَدَعُوا قِتَالَ هَذَا الرَّجُلِ وَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ مِنَ الْعَرَبِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ وَقَطَعَ أَعْنَاقَهُمُ الطَّمَعُ، فَانْقَادُوا لِأَمْرِ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَتَبُوا إِلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ أَسَدٍ فَأَقْبَلَ طُلَيْحَةُ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَهُمَا حَلِيفَانِ: أَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَكَتَبَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رِجَالٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَشْرَافٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ فَأَقْبَلَ أَبُو الْأَعْوَرِ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مَدَدًا لِقُرَيْشٍ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي آخِرِ السَّنَتَيْنِ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وأَبُو الْأَعْوَرِ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، فِي جَمَعٍ عَظِيمٍ، فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ الْأَحْزَابَ. فَلَمَّا بَلَغَ خُرُوجُهُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي العمل معهم، فعلموا مُسْتَعْجِلِينَ يُبَادِرُونَ قُدُومَ الْعَدُوِّ، وَرَأَى الْمُسْلِمُونَ إِنَّمَا بَطَشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ فِي الْعَمَلِ لِيَكُونَ أَجَدَّ لَهُمْ وَأَقْوَى لَهُمْ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضْحَكُ مِنْ صَاحِبِهِ إِذَا رَأَى مِنْهُ فَتْرَةً، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ لَا يَغْضَبِ الْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْ شَيْءٍ ارْتُجِزَ بِهِ مَا لَمْ يَقُلْ قَوْلَ كَعْبٍ أَوْ حَسَّانَ فَإِنَّهُمَا يَجِدَانِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا كَثِيرًا وَنَهَاهُمَا [ (5) ] أَنْ يَقُولَا شَيْئًا يُحْفِظَانِ بِهِ [ (6) ] أَحَدًا فَذَكَرُوا أَنَّهُ عَرَضَ لَهُمْ حَجَرٌ فِي مَحْفَرِهِمْ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعْوَلًا مِنْ أَحَدِهِمْ فَضَرَبَهُ بِهِ ثَلَاثًا فَكُسِرَ الْحَجَرُ فِي الثَّالِثَةِ، فَزَعَمُوا أَنَّ سَلْمَانَ الْخَيْرَ الْفَارِسِيَّ أَبْصَرَ عِنْدَ كُلِّ ضَرْبَةٍ بُرْقَةً ذَهَبَتْ فِي ثَلَاثِ وُجُوهٍ كُلَّ مَرَّةٍ يُتْبِعُهَا سَلْمَانُ بَصَرَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَهَيْئَةِ الْبَرْقِ أَوْ مَوْجِ الْمَاءِ عَنْ ضَرْبَةٍ ضَرَبْتَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَتْ إِحْدَاهُنَّ نَحْو الْمَشْرِقِ، وَالْأُخْرَى نَحْوَ الشام، والأخرى نحو اليمين، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ رَأَيْتَ ذلك يا
سَلْمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَإِنَّهُ أُبِيضَ لِي فِي إِحْدَاهِنَّ مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَدَائِنُ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَفِي الْأُخْرَى مَدِينَةُ الرُّومِ، وَالشَّامِ وَفِي الْأُخْرَى مَدِينَةُ الْيَمَنِ وَقُصُورُهَا، وَالَّذِي رَأَيْتَ النَّصْرُ يَبْلُغُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَكَانَ سَلْمَانُ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَكَانَ سَلْمَانُ رَجُلًا قَوِيًّا فَلَمَّا وَكَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْخَنْدَقِ، قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا سَلْمَانُ احْفُرْ مَعَنَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: لَا أَحَدَ أَحَقُّ بِهِ مِنَّا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» [ (7) ] . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ كَذَّابَ صَنْعَاءَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ وَقَدِمَ قَادِمُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَسْلَمُوا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ نَحْنُ؟ قَالَ: أَنْتُمْ إِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَمِنَّا، فَلَمَّا قَضَوْا حَفْرَ خَنْدَقِهِمْ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَهُوَ عَامُ الْأَحْزَابِ. وَعَامُ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حرب ومن معه مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَنَزَلُوا بِأَعْلَى [ (8) ] وَادِي قَنَاةَ مِنْ تِلْقَاءِ الْغَابَةِ، وَغَلَّقَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ، وَتَأَشَّمُوا بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَالُوا: لَا تَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ، وَقَدْ أَهْلَكَ حُيَيُّ قَوْمَهُ فَاحْذَرُوهُ، وَأَقْبَلَ حُيَيُّ حَتَّى أَتَى بَابَ حِصْنِهِمْ، وَهُوَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِمْ وَسَيِّدُ اليهود يومئذ كعب ابن أسد فَقَالَ حُيَيُّ: أَثَمَّ كَعْبٌ؟ قَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَيْسَ هَا هُنَا، خَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَاتِهِ فَقَالَ حُيَيُّ: بَلْ هُوَ عِنْدَكِ مَكَثَ عَلَى جَشِيشَتِهِ [ (9) ] يَأْكُلُ مِنْهَا فَكَرِهَ أَنْ
أُصِيبَ مَعَهُ مِنَ الْعَشَاءِ، فَقَالَ كَعْبٌ: ائْذَنُوا لَهُ فإنه مشئوم وَاللهِ مَا طُرِفْنَا بِخَيْرٍ، فَدَخَلَ حُيَيٌّ، فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُكَ وَاللهِ بِعِزِّ الدَّهْرِ إِنْ لَمْ تَتْرُكْهُ عَلَيَّ، أَتَيْتُكَ بِقُرَيْشٍ [وَسَادَتِهَا وَقَادَتِهَا] [ (10) ] وَسُقْتُ إِلَيْكَ الْحَلِيفَيْنِ: أَسَدٌ وَغَطَفَانُ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا جِئْتَ بِهِ كَمَثَلِ سَحَابَةٍ أَفْرَغَتْ مَا فِيهَا ثُمَّ انْطَلَقَتْ، وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ دَعْنَا عَلَى عَهْدِنَا لِهَذَا الرَّجُلِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ [ (11) ] رَجُلًا أَصْدَقَ وَلَا أَوْفَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَاللهِ مَا أَكْرَهَنَا عَلَى دِينٍ وَلَا غَصَبَنَا مَالًا وَلَا نَنْقِمُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَعَمَلِكَ شَيْئًا، وَأَنْتَ تَدْعُو إِلَى الْهَلَكَةِ، فَنُذَكِّرُكَ اللهَ إِلَّا مَا أَعْفَيْتَنَا مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَفْعَلُ وَلَا يَخْتَبِزُهَا مُحَمَّدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا نَفْتَرِقُ نَحْنُ وَهَذِهِ الْجُمُوعُ حَتَّى نَهْلَكَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ الْقُرَظِيُّ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إِنَّكُمْ قَدْ حَالَفْتُمْ مُحَمَّدًا عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ لَا تَخُونُوهُ وَلَا تَنْصُرُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَأَنْ تَنْصُرُوهُ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، فَأَوْفُوا عَلَى مَا عَاهَدْتُمُوهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ وَاعْتَزِلُوهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حُيَيُّ حَتَّى شَامَهُمْ، فَاجْتَمَعَ ملأهم فِي الْغَدِ عَلَى أَمْرِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ بَنِيَ شَعْيَةَ أَسَدًا وَأُسَيْدًا وَثَعْلَبَةَ خَرَجُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَعَمُوا وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَا حُيَيُّ انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَإِنَّا لَا نَأْمَنُهُمْ، فَإِنْ أَعْطَوْنَا مِنْ أَشْرَافِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ مَعَهُمْ رَهْنًا فَكَانُوا عِنْدَنَا فَإِذَا نَهَضُوا لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ خَرَجْنَا نَحْنُ فَرَكِبْنَا أَكْتَافَهُمْ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَاشْدُدِ الْعَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَذَهَبَ حُيَيٌّ إِلَى قُرَيْشٍ فَعَاقَدُوهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ السَّبْعِينَ وَمَزَّقُوا صَحِيفَةَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ، وَنَبَذُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَرْبِ وَتَحَصَّنُوا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ وَقَدْ جَعَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِي مِثْلِ الْحِصْنِ بَيْنَ كَتَائِبِهِمْ فَحَاصَرُوُهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَخَذُوا بِكُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى مَا يَدْرِي الرَّجُلُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَمْ لَا وَوَجَّهُوا نحو منزل
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِيبَةً غَلِيظَةً يُقَاتِلُونَهُمْ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعَصْرِ دَنَتِ الْكَتِيبَةُ، فَلَمْ يقدر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يُصَلُّوا الصَّلَاةَ عَلَى نَحْوِ مَا أَرَادُوا فَانْكَفَأَتِ الْكَتِيبَةُ مَعَ اللَّيْلِ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللهُ بُطُونَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» [ (12) ] . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ: بُطُونَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ نَافَقَ نَاسٌ كَثِيرٌ وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْكَرْبِ، جَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُفْرَجَنَّ عَنْكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنَ الشِّدَّةِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ آمِنًا، وَأَنْ يَدْفَعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ، وَلَيُهْلِكَنَّ اللهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وِلَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجل. وقال رَجُلٌ مِمَّنْ مَعَهُ لِأَصْحَابِهِ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ يَعِدُنَا أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَأَنْ نَقْسِمَ كُنُوزَ فَارِسَ وَالرُّومِ وَنَحْنُ هَاهُنَا لَا يَأْمَنُ أَحَدُنَا أَنْ يَذْهَبَ الْغَائِطَ، وَاللهِ لَمَا يَعِدُنَا إِلَّا غُرُورًا. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ مَعَهُ: ائْذَنْ لَنَا فَإِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فارجعوا.
وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وخوّان بْنَ جُبَيْرٍ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُكَلِّمُوهُمْ وَيُنَاشِدُوهُمْ فِي حِلْفِهِمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا بَابَ حِصْنِ بَنِي قُرَيْظَةَ اسْتَفْتَحُوا، فَفُتِحَ لَهُمْ فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَتَجْدِيدِ الْحِلْفِ، فَقَالُوا: الْآنَ وَقَدْ كَسَرُوا جَنَاحَنَا، يُرِيدُونَ بِجَنَاحِهِمُ الْمَكْسُورَةِ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ أَخْرَجُوهُمْ وَشَتَمُوا النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم شَتْمًا، فَجَعَلَ سَعْدُ بْنُ عبادة يشاتمهم، فأغضبوه، فقال سعد ابن مُعَاذٍ لِسَعْدِ بْنُ عُبَادَةَ: إِنَّا وَاللهِ مَا جِئْنَا لِهَذَا، وَلَمَا بَيْنَنَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُشَاتَمَةِ، ثُمَّ نَادَاهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَنَا خَائِفٌ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ بَنِي النَّضِيرِ، أَوْ أَمَرَّ مِنْهُ، فَقَالُوا: أَكَلْتَ أَيْرَ أَبِيكَ،، فَقَالَ: غَيْرُ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ كَانَ أَجْمَلَ وَأَحْسَنَ مِنْهُ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجُوهِهِمُ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: مَا وَرَاءَكُمْ؟ فَقَالُوا: أَتَيْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخَابِثِ خَلْقِ اللهِ وَأَعْدَاهُ لِلَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ [ (13) ] وَلِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وسلم، وَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتْمَانِ خَبَرِهِمْ. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَهُمْ فِي بَلَاءٍ شَدِيدٍ يَخَافُونَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، فَقَالُوا: حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا: مَا وَرَاءَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: خَيْرٌ فَأَبْشِرُوا، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ فَاضْطَجَعَ وَمَكَثَ طَوِيلًا وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَالْخَوْفُ حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضْطَجَعَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ خَيْرٌ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا بِفَتْحِ اللهِ وَنَصْرِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَانَ بَيْنَهُمْ رَمْيُ النَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم
إِنِّي أَسْأَلُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ» . وَأَقْبَلَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ لِيُقْحِمَهُ الْخَنْدَقَ، فَقَتَلَهُ اللهُ وَكَبَتَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا نُعْطِيكُمُ الدِّيَةَ عَلَى أَنْ تَدْفَعُوهُ إِلَيْنَا فَنَدْفِنَهُ، فَرَدَّ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَبِيثٌ خَبِيثُ الدِّيَةِ، فَلَعَنَهُ اللهُ وَلَعَنَ دِيَتَهُ، فَلَا أَرَبَ لَنَا بِدِيَتِهِ وَلَسْنَا مَانِعِيكُمْ أَنْ تَدْفِنُوهُ، وَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَمْيَةً فَقَطَعَتْ مِنْهُ الْأَكْحَلِ مِنْ عَضُدِهِ، وَرَمَاهُ زَعَمُوا حَيَّانُ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي الْعَرِقَةِ وَيَقُولُ آخَرُونَ: أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: رَبِّ اشْفِنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ الممات فرقاء الْكَلْمُ بَعْدَ مَا كَانَ قَدِ انْفَجَرَ، وَصَبَرَ أَهْلُ الْإِيمَانِ عَلَى مَا رَأَوْا مِنْ كَثْرَةِ الْأَحْزَابِ وَشِدَّةِ أَمْرِهِمْ وَزَادَهُمْ يَقِينًا لِمَوْعِدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي وَعَدَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ قَدْ طَالَ ثَوَاؤُنَا هَاهُنَا وَأَجْدَبَ مَنْ حَوْلَنَا فَمَا نَجِدُ رَعْيًا لِلظَّهْرِ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَيَقْضِيَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَمَاذَا تَرَوْنَ؟ وَبَعَثَتْ بِذَلِكَ غَطَفَانُ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ أَنْ نَعَمْ مَا رَأَيْتُمْ فَإِذَا شِئْتُمْ فَانْهَضُوا فَإِنَّا لَا نَحْبِسُكُمْ إِذَا بَعَثْتُمْ بِالرَّهْنِ إِلَيْنَا. وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ يُذِيعُ الْأَحَادِيثَ، وَقَدْ سَمِعَ الَّذِي أَرْسَلَتْ بِهِ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَالَّذِي رَجَعُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ عِشَاءً فَأَقْبَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى دَخَلَ على رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَّةً لَهُ تُرْكِيَّةً وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قال: انه والله مالك طَاقَةٌ بِالْقَوْمِ وَقَدْ تَحَزَّبُوا عَلَيْكَ وَهُمْ مُعَاجِلُوكَ، وَقَدْ بَعَثُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّهُ قَدْ طَالَ ثَوَاؤُنَا وَأَجْدَبَ مَا حَوْلَنَا، وَقَدْ أَحْبَبْنَا أَنْ نُعَاجِلَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُمْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ: أَنْ نِعْمَ مَا رَأَيْتُمْ فَإِذَا شِئْتُمْ، فَابْعَثُوا بِالرَّهْنِ ثُمَّ لَا يَحْبِسُكُمْ إِلَّا أَنْفُسُكُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنِّي
مُسِرٌّ إِلَيْكَ شَيْئًا فَلَا تَذْكُرْهُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ يَدْعُونَنِي إِلَى الصُّلْحِ وَأَرُدُّ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. فَخَرَجَ نُعَيْمٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَطَفَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَصْنَعَ لَنَا، فَأَتَى نُعَيْمٌ غَطَفَانَ فَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ وَإِنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى غَدْرِ يَهُودَ، تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم] لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ وَإِنِّي سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَيَدْفَعُونَ إِلَيْهِ الرَّهْنَ، ثُمَّ خَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَقُرَيْشًا، فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى غَدْرِ يَهُودَ إِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ الرَّهْنَ وَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَيُعِيدُونَ الْكِتَابَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ. فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ، وَقَدْ مَلُّوا مُقَامَهُمْ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْبِلَادُ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ نَرْجِعَ وَلَا نُقِيمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَلَى مَا حَدَّثَكَ نُعَيْمٌ وَاللهِ مَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّ الْقَوْمَ لَغُدُرٌ. وَقَالَتِ الرَّهْنُ حِينَ سَمِعُوا الْحَدِيثَ: وَاللهِ لَا نَأْمَنُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا، وَلَا نَدْخُلُ حِصْنَهُمْ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَنْ نَعْجَلَ حَتَّى نُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَنَتَبَيَّنَ مَا عِنْدَهُمْ. فَبَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَيْهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَفَوَارِسَ وَذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَأَتَوْهُمْ فَكَلَّمُوهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّا مُقَاتِلُونَ غَدًا فَاخْرُجُوا إِلَيْنَا، قَالُوا: إِنَّ غَدًا السَّبْتُ وَإِنَّا لَا نُقَاتِلُ فِيهِ أَبَدًا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ الْإِقَامَةَ هَلَكَ الظَّهْرُ وَالْكُرَاعُ وَلَا نَجِدُ رَعْيًا، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّا لَا نَعْمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ عَمَلًا بِالْقِتَالِ، وَلَكِنِ امْكُثُوا إِلَى يَوْمِ الْأَحَدِ، وَابْعَثُوا إِلَيْنَا بِالرَّهْنِ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ نَصْرِهِمْ.
وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ وَالْحَصْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَشَغَلَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ فَلَا يَسْتَرِيحُونَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا فَيَخْرُجَ مِنَ الْخَنْدَقِ فَيَعْلَمَ مَا خَبَرُ الْقَوْمِ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ هَلْ أَنْتَ مُطَّلِعٌ الْقَوْمَ؟ فَاعْتَلَّ فَتَرَكَهُ، وَأَتَى آخَرَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا بِهِ مِنَ الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ: إِيَّاكَ أُرِيدُ أَسَمِعْتَ حَدِيثِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ وَمَسْأَلَتِي الرِّجَالَ لِأَبْعَثَهُمْ فَيَتَخَبَّرُونَ لَنَا خَبَرَ الْقَوْمِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَبِأُذُنَيَّ، قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُومَ حِينَ سَمِعْتَ كَلَامِي؟ قَالَ: الضُّرُّ وَالْجُوعُ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْجُوعَ ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَقَالَ: قُمْ حَفِظَكَ اللهُ مِنْ أَمَامِكَ وَمِنْ خَلْفِكَ وَمِنْ فَوْقِكَ وَمِنْ تَحْتِكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْنَا، فَقَامَ حُذَيْفَةُ مُسْتَبْشِرًا بِدُعَاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ احْتُمِلَ احْتِمَالًا، فَمَا شَقَّ مِنْ جُوعٍ وَلَا خَوْفٍ وَلَا دَرَى شَيْئًا مِمَّا أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاءِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَجَازَ الْخَنْدَقَ مِنْ أَعْلَاهُ فَجَلَسَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْمُشْرِكِينَ فَوَجَدَ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ يُوقِدُوا النِّيرَانَ، وَقَالَ: لِيَعْلَمَ كُلُّ امْرِئٍ مَنْ جَلِيسُهُ، فَقَبَضَ حُذَيْفَةُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فلان، وَقَبَضَ يَدَ رَجُلٍ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ، وَبَدَرَهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَفْطِنُوا لَهُ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَذِنَ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلُوا وَحَمَلُوا الْأَثْقَالَ فَانْطَلَقَتْ، وَوَقَفَتِ الْخَيْلُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ الصِّيَاحَ وَالْإِرْصَاءَ مِنْ قِبَلِ قُرَيْشٍ فَبَعَثُوا إِلَيْهِمْ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِرَحِيلِهِمْ فَانْقَشَعُوا لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ رَحِيلِهِمْ قَدْ بَعَثَ عَلَيْهِمْ بِالرِّيحِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ لَهُمْ بَيْتًا يَقُومُ، وَلَا رُمْحًا، حَتَّى مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ مَنْزِلٌ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ وَلَا أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ ذَلِكَ، فَأَقْشَعُوا وَالرِّيحُ أَشَدُّ مَا كَانَتْ مَعَهَا جُنُودُ اللهِ لَا تُرَى كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرَجَعَ حُذَيْفَةُ بِبَيَانِ خَبَرِ الْقَوْمِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَتَلُوا كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا يُصَلِّي حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ وسمع التكبير ولما دنى [ (14) ] حُذَيْفَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَدْنُوَ حَتَّى أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِرِجْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَثَنَا ثَوْبَهُ حَتَّى دَفِئَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْقَوْمِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ وَأَقَرَّ أَعْيُنَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ شَدِيدًا بَلَاؤُهُمْ مِمَّا لَقُوا مِنْ مُحَاصَرَةِ الْعَدُوِّ وَكَانُوا حَاصَرُوهُمْ فِي شِتَاءٍ شَدِيدٍ فَرَجَعُوا مَجْهُودِينَ فَوَضَعُوا السِّلَاحَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بن عقبة [ (15) ] ولما ذكروا فِي مَغَازِيهِمَا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ شَوَاهِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْصُولَةِ وَفِي مَغَازِي مُحَمَّدِ بن إسحاق بن يسار، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا بِعَوْنِ اللهِ تَعَالَى مُفَرَّقَهً فِي أَبْوَابٍ.
باب تحزيب الأحزاب وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق
بَابُ تَحْزِيبِ الْأَحْزَابِ وَحَفْرِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعُثْمَانَ بْنِ يَهُوذَا، أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: كَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأحْزَابَ نَفَرًا مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو عَمَّارٍ، وَمِنْ بَنِي وَائِلٍ حَيٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَوْسِ اللهِ، وَحْوَحُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِجَالٌ مِنْهُمْ لَا أَحْفَظُهُمْ، وَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَشِطُوا لِذَلِكَ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ [ (1) ] ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: أَنْتُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْعِلْمِ بما اختلف فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، فَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟ فَقَالُوا: بَلْ، دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً [ (2) ] .
وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ حَسَدًا لِلْعَرَبِ أَنْ جَعَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ أَجَابُوهُمْ إِلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ فَاسْتَصْرَخُوهُمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى أَنْ يُجَاهِدُوهُ مَعَهُمْ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَوَاعَدُوهُمْ [ (3) ] . فَلَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ نَزَلُوا بِجَمْعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ، قَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ مَعَهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، حَتَّى نَزَلُوا بِنَقْمَيْنِ إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، فَلَمَّا نَزَلُوا بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَقَدْ كَانَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ بِمَا أَجْمَعَتْ [ (4) ] لَهُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، فَضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعَمِلَ فِيهِ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ، وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَدَأَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَدَأَبُوا، وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ: رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَجَعَلُوا يُوَرُّونَ [ (5) ] بِالضَّعِيفِ مِنَ الْعَمَلِ، فَيَتَسَلَّلُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا إِذْنٍ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا نَابَتِ الْنَائِبَةُ مِنَ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللُّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُولَئِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ (6) ] . فَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ وَارْتُجِزَ فِيهِ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عمرا، فقالوا:
سَمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرَا ... وَكَانَ لِلْبَائْسِ يَوْمًا ظَهْرَا [ (7) ] فَإِذَا مَرُّوا بِعَمْرٍو قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرًا، وَإِذَا قَالُوا ظَهْرًا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرًا [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (9) ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ للأنصار والمهاجرة فأجابوه: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا [ (10) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ وَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ولم يكن
لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: - اللهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ حُمَيْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ [ (11) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ نُجَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْإِسْلَامِ [ (12) ] . وَقَالَ حُمَيْدٌ: عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ. أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، [قَالَ] [ (13) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو بن أبي
جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، ويقولون: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا. قَالَ وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَيِّيهِمْ: اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ. فَبَارِكْ فِي الْأَنْصَارِ والمهاجرة قال: ويؤتون بمليء [ (14) ] جفنتين شعيرا يضع لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ [ (15) ] ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ [ (16) ] وَلَهَا رِيحٌ مُنْكَرَةٌ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (17) ] ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ. فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن قتيبة [ (18) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وهو يقول: اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهتدينا ... لا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إِنَّ الْأُلِي قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: [أَبَيْنَا، أَبَيْنَا] [ (20) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (21) ] وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ شُعْبَةَ [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ [قَالَ] : [ (23) ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حدثنا أبو
الْأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعْرَ صَدْرِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّه بْنِ رَوَاحَةَ فَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ بِمِثْلِ رِوَايَةِ شُعْبَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْعَدُوَّ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُسَدَّدٍ [ (24) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَنْدَقِ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّه وَبِهِ هُدِينَا وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا. فَأَحَبُّ رَبًّا وأحبّ دينا [ (25) ] .
باب ما ظهر في حفر الخندق من دلائل النبوة وآثار الصدق
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَآثَارِ الصِّدْقِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: [ (1) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَ فِي الْحَفْرِ بِالْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي فِيهَا عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ، وَعَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ. وَكَانَ مِمَّا بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ [ (2) ] فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ نَضَحَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ، وَقَالَ مَنْ حَضَرَهَا: فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْهَالَتْ حَتَّى عَادَتْ كَالْكَثِبِ مَا تَرُدُّ فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن عبد الجبار،
قَالَ: [ (4) ] حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] أَيْمَنُ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه يَقُولُ: كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ فَعَرَضَتْ فِيهِ كَذَّانَةٌ وَهِيَ الْجَبَلُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ كَذَّانَةً قَدْ عَرَضَتْ فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: رُشُّوا عَلَيْهَا، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ مِنَ الْجُوعِ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ أَوِ الْمِسْحَاةَ فَسَمَّى ثَلَاثًا ثُمَّ ضَرَبَ فَعَادَتْ كَثِيبًا أَهْيَلَ [ (6) ] فَقُلْتُ لَهُ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه إِلَى الْمَنْزِلِ. فَفَعَلَ [ (7) ] ، فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ [ (8) ] : هَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: عِنْدِي صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ [ (9) ] ، فَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ وَعَجَنَتْهُ، وَذَكَّتِ الْعَنَاقَ، وَسَلَخَتْهَا، وَخَلَّيْتُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [ (10) ] ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قُلْتُ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه فَفَعَلَ، فَأَتَيْتُ الْمَرْأَةَ فَإِذَا الْعَجِينُ وَاللَّحْمُ قَدْ أَمْكَنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدِي طُعَيِّمًا [ (11) ] لَنَا، فَقُمْ يَا رَسُولَ اللَّه أَنْتَ وَرَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ فَقُلْتُ: صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَعَنَاقٌ، فَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا: قُومُوا إِلَى جَابِرٍ! فَقَامُوا، فَلَقِيتُ مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّه، فَقُلْتُ: جَاءَ بِالْخَلْقِ عَلَى صَاعِ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ! فَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِي أَقُولُ: افْتَضَحْتُ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالجند
أَجْمَعِينَ، فَقَالَتْ: هَلْ كَانَ سَأَلَكَ كَمْ طَعَامُكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتِ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَدْ أَخْبَرْنَاهُ مَا عِنْدَنَا فَكَشَفَتْ عَنِّي غَمًّا شَدِيدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خُذِي وَدَعِينِي مِنَ اللَّحْمِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَثْرُدُ، وَيَغْرِفُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يُخَمِّرُ هَذَا، وَيُخَمِّرُ هَذَا، فَمَا زَالَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى شَبِعُوا أَجْمَعِينَ، وَيَعُودُ التَّنُّورُ وَالْقِدْرُ أَمْلَأَ مَا كَانَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلِي وَأَهْدِي. فَلَمْ نَزَلْ نَأْكُلُ وَنُهْدِي يَوْمَنَا أَجْمَعَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: ضَرَبْتُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْخَنْدَقِ [فَغَلُظَتْ عَلَيَّ صَخْرَةٌ] [ (13) ] ، فَعَطَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنِّي، فَلَمَّا رَآنِي أَضْرِبُ، وَرَأَى شِدَّةَ الْمَكَانِ عَلَيَّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً فَلَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بَرْقَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بَرْقَةٌ أُخْرَى ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بَرْقَةٌ أُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ يَلْمَعُ تَحْتَ الْمِعْوَلِ، وَأَنْتَ تَضْرِبُ بِهِ؟ فَقَالَ: أَوَقَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْيَمَنَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فإن
اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الشَّامَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، فَإِنَّ اللَّه فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْمَشْرِقَ [ (14) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَزَمَنِ عُثْمَانَ، وَمَا بَعْدَهُ: افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فو الذي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، ما افتتحهم مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- وَقَدْ أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاتِحَهَا» [ (15) ] . قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ مِنْ قِصَّةِ سَلْمَانَ قَدْ ذكرنا معناه منقول عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللَّه- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلَّوْنَ المقري بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه ابن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ عَامَ الْأَحْزَابِ مِنْ أُجُمِ السَّمُرِ طَرَفِ بَنِي حَارِثَةَ حِينَ بَلَغَ الْمِدَادَ، ثُمَّ قَطَعَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بَيْنَ كُلِّ عَشَرَةٍ، فَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتِ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ [ (16) ] .
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ [ (17) ] : فكنت أَنَا، وَسَلْمَانُ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أربعين ذراعا فحضرنا حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا الثُّدِيَّ أَخْرَجَ اللَّه مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةً بَيْضَاءَ مُدَوَّرَةً، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا سَلْمَانُ! ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَإِنَّا إِنْ نَعْدِلْ عَنْهَا فَإِنَّ الْمَعْدَلَ قَرِيبٌ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهَا بِأَمْرِهِ فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ، فَرَقِيَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه! بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مِنَ الْخَنْدَقِ مروه فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا حَتَّى مَا يَحِيكُ فِيهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَمُرْنَا فِيهَا بِأَمْرِكَ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَلْمَانَ فِي الْخَنْدَقِ، وَرَقِينَا عَنِ الشِّقَّةِ فِي شِقَّةِ الْخَنْدَقِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ فَضَرَبَ الصَّخْرَةَ ضَرْبَةً صَدَعَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا- يَعْنِي لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ لَيْلٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَةَ فَتْحٍ، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ، فَصَدَعَهَا وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ لَهَا مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حتى لكأنّ مصاحبا فِي جَوْفِ لَيْلٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَكْبِيرَةَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ، فَكَسَرَهَا، وَبَرْقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَةَ فَتْحٍ، فكبرّ الْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ سَلْمَانَ فَرَقِيَ فَقَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رسول اللَّه! لقد
رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا، قَدْ رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ، فَخَرَجَ بَرْقٌ كَالْمَوْجِ فَرَأَيْنَاكَ تُكَبِّرُ، وَلَا نَرَى شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقْتُمْ، ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قصور الحيرة، ومدائن كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا. ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورُ الْحُمْرِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ أمتي ظاهرة عليها. ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِيَ الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ مِنْهَا الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا، يَبْلُغُهُمُ النَّصْرُ، وَأَبْشِرُوا يَبْلُغُهُمُ النَّصْرُ، وَأَبْشِرُوا يَبْلُغُهُمُ النَّصْرُ. فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: الْحَمْدُ للَّه مَوْعَودٌ صَادِقٌ بِأَنَّ اللَّه وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ، فَطَلَعْتِ الْأَحْزَابُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [ (18) ] . وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: أَلَّا تَعْجَبُونَ: يُحَدِّثُكُمْ وَيُمَنِّيكُمْ، وَيَعِدُكُمْ بِالْبَاطِلِ، يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ بَصُرَ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيرَةِ، وَمَدَائِنَ كِسْرَى، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ، وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبْرُزُوا!! وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ [ (20) ] الزَّهْرَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ حِينَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ، لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، قَالَ: فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّه، وَضَرَبَ ضَرْبَةً، فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، فَقَالَ: اللَّه أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، واللَّه إني لا بصر قُصُورَهَا الْحُمْرَ إِنْ شَاءَ اللَّه، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ، فَقَالَ: اللَّه أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، واللَّه إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّه، فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: اللَّه أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، واللَّه إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي السَّاعَةَ [ (21) ] .
باب ما ظهر في الطعام الذي دعي إليه أيام الخندق من البركة وآثار النبوة
بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم يسر يا كريم بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الطَّعَامِ الَّذِي دُعِيَ إِلَيْهِ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَآثَارِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ [- رَحِمَهُ اللَّه-] أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الشَّرْقِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: لَمَّا حَفَرَ النَّبِيُّ [- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-] وَأَصْحَابُهُ الْخَنْدَقَ أَصَابَ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَالْمُسْلِمِينَ جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَمَكَثُوا ثَلَاثًا لَا يَجِدُونَ طَعَامًا، حَتَّى رَبَطَ النبي [صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ] عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ (ح) . قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أرويه
عَنْكَ، فَقَالَ جَابِرٌ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم] [ (2) ] يَوْمَ الْخَنْدَقِ، نَحْفِرُ فِيهِ، فَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَطْعَمُ شَيْئًا، وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَعَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ [ (3) ] فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَقُلْتُ: هَذِهِ كُدْيَةٌ قَدْ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَرَشَشْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ] وَبَطْنُهُ مَعْصُوبَةٌ بِحَجَرٍ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ أَوِ الْمِسْحَاةَ، ثُمَّ سَمَّى ثَلَاثًا، ثُمَّ ضَرَبَ فَعَادَتْ كَثِيبًا [ (4) ] أَهْيَلَ! فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه! ائْذَنْ لِي [قَالَ فَأَذِنَ لِي] [ (5) ] . فَجِئْتُ امْرَأَتِي، فَقُلْتُ: ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِنَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، فَمَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: عِنْدِي صَاعٌ [ (6) ] مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٌ. [ (7) ] . قَالَ: فَطَحَنَّا الشَّعِيرَ، وَذَبَحْنَا الْعَنَاقَ، وَأَصْلَحْنَاهَا، وَجَعَلْنَاهَا فِي الْبُرْمَةِ [ (8) ] ، وَعَجَنْتُ الشَّعِيرَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وسلم] فلبث سَاعَةً ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَأَذِنَ لِي فَجِئْتُ، فَإِذَا الْعَجِينُ قَدْ أَمْكَنَ، فَأَمَرْتُهَا بِالْخُبْزِ، وَجَعَلْتُ الْقِدْرَ عَلَى الْأَثَافِيِّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدَنَا طُعَيِّمًا [ (9) ] لَنَا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَقُومَ مَعِي أَنْتَ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ مَعَكَ فَعَلْتَ، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ وَكَمْ هُوَ؟ قُلْتُ: صاع من شعير وعناق. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَقُلْ لَهَا لَا تَنْزِعِ الْبُرْمَةَ مِنَ الْأَثَافِيِّ، وَلَا تُخْرِجِ الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: قُومُوا إِلَى بَيْتِ جابر.
قَالَ فَاسْتَحَيْتُ [حَيَاءً] [ (10) ] حَتَّى لَا يَعْلَمَهُ إِلَّا اللَّه، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ، وَقَدْ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أَجْمَعُونَ، فَقَالَتْ: أَكَانَ رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] سَأَلَكَ عَنِ الطَّعَامِ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَتِ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَدْ أَخْبَرْتَهُ بِمَا كَانَ عِنْدَكَ، فَذَهَبَ عَنِّي بَعْضُ مَا كُنْتُ أَجِدُ قُلْتُ: لَقَدْ صَدَقْتِ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم] فَدَخَلَ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ لَا تَضَاغَطُوا [ (11) ] ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَى التَّنُّورِ وَعَلَى الْبُرْمَةِ، فَجَعَلْنَا نَأْخُذُ مِنَ التَّنُّورِ الْخُبْزَ، وَنَأْخُذُ اللَّحْمَ مِنَ الْبُرْمَةِ، فَنَثْرُدُ وَنَغْرِفُ، وَنُقَرِّبُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وسلم] : لِيَجْلِسْ عَلَى الصَّحْفَةِ سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ، فَلَمَّا أَكَلُوا كَشَفْنَا التَّنُّورَ وَالْبُرْمَةَ، فَإِذَا هُمَا قَدْ عَادَا إِلَى أَمْلَأِ مَا كَانَا فَنَثْرُدُ وَنَغْرِفُ وَنُقَرِّبُ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّمَا فَتَحْنَا التَّنُّورَ وَكَشَفْنَا عَنِ البرمة، وجدناهما أملاء مَا كَانَا حَتَّى شَبِعَ الْمُسْلِمُونَ، مِنْهَا وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الطَّعَامِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مَخْمَصَةٌ [ (12) ] فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا. فَلَمْ نَزَلْ يَوْمَنَا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أنهم كانوا ثمان مائة، أَوْ ثَلَاثَمِائَةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْعَدَدَ فِي آخِرِهِ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جابر بن
عَبْدِ اللَّه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَخَذَ حَجَرًا فَجَعَلَهُ بَيْنَ بَطْنِهِ وَإِزَارِهِ، يُقِيمُ بَطْنَهُ مِنَ الْجُوعِ. فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه ائْذَنْ لِي فَإِنَّ لِي حَاجَةً فِي أَهْلِي، فَأَتَيْتُ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَمْرًا غَاظَنِي، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ: هَذِهِ الْعَنَاقُ فَاذْبَحْهَا، وَهَذَا صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ فَاطْحَنْهُ، فَطَحَنْتُهُ وَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ، وَقُلْتُ اطْبُخِي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَاسْتَتْبَعْتُهُ، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي قَدْ ذَبَحْتُ عَنَاقًا، وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَانْطَلِقْ مَعِي فَنَادَى رَسُولُ اللَّه [صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فِي الْقَوْمِ: أَلَا أَجِيبُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَقُلْتُ قَدِ افْتَضَحْتُ، جَاءَكِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ فَقَالَتْ بَلَّغْتَهُ وَبَيَّنْتَ لَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَارْجِعْ إِلَيْهِ فَبَيِّنْ لَهُ. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّمَا هِيَ عَنَاقٌ، وَصَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَارْجِعْ. وَلَا تُحَرِّكَنَّ شَيْئًا مِنَ التَّنُّورِ، وَلَا من القدر حتى أتاها، وَاسْتَعِرْ صِحَافًا. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَدَعَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْقِدْرِ، وَالتَّنُّورِ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجِي وَاثْرُدِي، ثُمَّ أَقْعَدَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، فَأَدْخَلَهُمْ فَأَكَلُوا. وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ. وَأَكَلْنَا وَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ذَهَبَ ذَلِكَ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ (ح) . قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [حَدَّثَنَا] [ (15) ] عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدَ بْنَ مِينَا، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبد
اللَّه يَقُولُ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وسلم] خَمَصًا شَدِيدًا قَالَ: [فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] خَمَصًا شَدِيدًا] [ (16) ] فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بَهِيمَةٌ دَاجِنٌ، قَالَ: فَذَبَحْتُهَا. وَطَبَخَتْ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ] فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَمَنْ مَعَهُ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ ذَبَحْنَا بَهِيمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، قَالَ: فَصَاحَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وسلم] يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا [ (17) ] فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ [ (18) ] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ، حَتَّى أَجِيءَ. قَالَ: فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يَقْدَمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي- فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ. فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، يَعْنِي ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا، وَهُمْ أَلْفٌ. فَأُقْسِمُ بِاللهِ لأكلوا حتى تركوا واتحفزوا أَوْ قَالَ: انْحَرَفُوا. وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ. وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ [ (19) ] . حَدِيثُ الدُّورِيِّ مُخْتَصَرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (20) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَا، عَنِ ابنة بشير بن سعيد. قَالَتْ: بَعَثَتْنِي أُمِّي بِتَمْرٍ فِي طَرَفِ ثَوْبِي إِلَى أَبِي وَخَالِي وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ، فَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه [صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ] ، فَنَادَانِي، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخَذَ التَّمْرَ. مِنِّي فِي كَفَّيْهِ، وَبَسَطَ ثَوْبًا فَنَثَرَهُ عَلَيْهِ، فَتَسَاقَطَ فِي جَوَانِبِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَهْلِ الْخَنْدَقِ فَاجْتَمَعُوا، وَأَكَلُوا مِنْهُ. حَتَّى صَدَرُوا عنه [ (22) ] .
باب مجيء الأحزاب ونقض بني قريظة ما كان بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من العهد والميثاق.
بَابُ مَجِيءِ الْأَحْزَابِ وَنَقْضِ بَنِي قُرَيْظَةَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّه (صلى اللَّه عليه وسلم) مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عن ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ الْأَوَّلِ- يُرِيدُ إِسْنَادَهُ الَّذِي ذُكِرَ في تخريب الْأَحْزَابِ- قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْمُشْرِكُونَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ عَسْكَرَهُ بَيْنَ الْخَنْدَقِ، وَسَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَالْمُشْرِكُونَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهَا، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَغَطَفَانَ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتَّى نَزَلُوا بَابَ نُعْمَانَ إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى سَلْعٍ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ. وَأَمَرَ بِالذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ فَجُعِلُوا فِي الْآطَامِ، وَخَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ كَعْبٌ أَغْلَقَ حِصْنَهُ دُونَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ. افْتَحْ لِي، حَتَّى أَدْخُلَ عَلَيْكَ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ. إِنَّكَ امرؤ مشؤوم، وَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي بِكَ، وَلَا بِمَا جِئْتَنِي بِهِ، إِنِّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا صِدْقًا، وَوَفَاءً. وَقَدْ وَادَعَنِي وَوَادَعْتُهُ. فَدَعْنِي وَارْجِعْ عَنِّي. فَلَا حَاجَةَ لِي بِكَ. فَقَالَ: واللَّه إِنْ غَلَقْتَ دُونِي إِلَّا عَنْ جَشِيشَتِكَ [ (1) ] أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا، فَأَحْفَظَهُ فَفَتَحَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه قال:
وَيْحَكَ يَا كَعْبُ. جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، بِقُرَيْشٍ مَعَهَا قَادَتُهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهَا بِرُومَةَ، وَجِئْتُكَ بِغَطَفَانَ، عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، حَتَّى أَنْزَلْتُهَا إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ. جِئْتُكَ بِبَحْرٍ طَامٍ [ (2) ] لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ. فَقَالَ: جِئْتَنِي واللَّه بِالذُّلِ، وَبِجَهَامٍ [ (3) ] . قَدْ هَرَاقَ [ (4) ] مَاؤُهُ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيْلَكَ! فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي بِكَ، وَلَا بِمَا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَالْغَارِبِ [ (5) ] حَتَّى أَطَاعَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ حُيَيٌّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا لَأَدْخُلَنَّ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ، فَنَقَضَ كَعْبٌ الْعَهْدَ، وَأَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِمَّا كَانَ [ (6) ] بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ [ (7) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُ كَعْبٍ، وَنَقْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ، بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَكَانَ مَعَهُمَا فِيمَا يَذْكُرُونَ. وَهُوَ تَبَعٌ لَهُمَا- خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ. فَقَالَ، ائْتُوا [ (8) ] هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَأَعْلِنُوهُ. وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا بَلَغَنَا عَنْهُمْ، فَالْحَنُوا لِي عَنْهُمْ لَحْنًا أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتُّوا [ (9) ] فِي أَعْضَادِ الْمُسْلِمِينَ،
فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِمْ وَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ، وَقَعُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: لَا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَلَا عَهْدَ فَبَادَأَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حَدٌّ بِالْمُشَاتَمَةِ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: دَعْهُمْ عَنْكَ. فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى [ (10) ] مِنَ الْمُشَاتَمَةِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَةُ. يُرِيدُونَ مَا فَعَلَ عَضَلٌ وَالْقَارَةُ، بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّه أَكْبَرُ. أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ [ (11) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حصن والحارث بن عوف، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ. فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا وَمَنْ مَعَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصُّلْحُ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ، وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ، وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ إِلَّا الْمُرَاوَضَةُ، وَفِي ذَلِكَ فَفَعَلَا [ (12) ] . فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، بَعَثَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّه أَمْرٌ تَحُتُّهُ فَنَصْنَعُهُ، أَوْ شَيْءٌ أَمَرَكَ اللَّه بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ عَمِلٍ بِهِ، أَمْ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ لَنَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: لَا بَلْ لَكُمْ، واللَّه مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ [ (13) ] مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاللهِ، وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّه وَلَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً إِلَّا قِرًى، أَوْ شِرَاءً فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّه بِالْإِسْلَامِ، وَهَدَانَا لَهُ، وَأَعَزَّنَا بِكَ، نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! مالنا
بهذا حاجة. فو الله لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ، فَمَحَاهَا، ثُمَّ قَالَ: لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا. فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدُوُّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا- فَقَالُ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (15) ] .
باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من محاصرة المشركين إياهم من البلاء، والشدة حتى أظهر بعض المنافقين ما في قلوبهم من الريب والخيانة، وحتى شغل المسلمين قتالهم عن الصلاة المكتوبة، وخروج من خرج منهم إلى المبارزة، وقول رسول الله [صلى
بَابُ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ مُحَاصَرَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ، وَالشِّدَّةِ حَتَّى أَظْهَرَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرَّيْبِ وَالْخِيَانَةِ، وَحَتَّى شَغَلَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَخُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى الْمُبَارَزَةِ، وَقَوْلِ رسول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : الْحَرْبُ خَدْعَةٌ [ (1) ] وَإِرْسَالِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ الرِّيحَ وَالْجُنُودَ، حَتَّى رَجَعُوا خَائِبِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بن
إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ- أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ، وَابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجل: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [ (2) ] قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً. لَمْ تَرَوْها [ (4) ] قَالَ: قَوْمُ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ. وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ، يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ. وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً [ (5) ] . قَالَ: هُمْ بَنُو حَارِثَةَ [ (6) ] ، قَالُوا: بُيُوتُنَا مَخْلِيَّةٌ [ (7) ] ، نَخْشَى عَلَيْهَا السَّرِقَةَ. قَوْلُهُ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ [ (8) ] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: ذَلِكَ أَنَّ
الله عز وجل قَالَ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [ (9) ] ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ. فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْبَلَاءُ حَيْثُ رَابَطُوا الْأَحْزَابُ فِي الْخَنْدَقِ وَتَأَوَّلَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [ (10) ] .
وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حكيم الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: أَنْزَلَ اللهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ. وَزُلْزِلُوا قال: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ الآية [ (11) ] . أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) ويَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعُثْمَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ يَهُوذَا- أَحَدِ بَنِي قُرَيْظَةَ- عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ. قَالَ: قَالَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ- أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ- وَكَأَنَّ مُحَمَّدًا يَرَى أَنْ نَأْكُلَ مِنْ كُنُوزِ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ. وَحَتَّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قيظيّ على ملاء مِنْ قَوْمِهِ، مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ. وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، ائذن لنا، فنرجع
إِلَى نِسَائِنَا. وَأَبْنَائِنَا، وَذَرَارِيِّنَا فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَّغَ عَنْهُمْ، مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ يَذْكُرُ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَكِفَايَتَهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ سُوءِ الظَّنِّ مِنْهُمْ، وَمَقَالَةِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ [ (12) ] أَيْ مِنْ فَوْقِكُمْ فَأَرْسَلَ اللهُ [ (13) ] عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها. فَكَانَتِ الْجُنُودُ قُرَيْشًا، وَغَطَفَانَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَتِ الْجُنُودُ الَّتِي أَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الرِّيحِ الْمَلَائِكَةَ: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ إلى قوله: الظُّنُونَا فَالَّذِينَ جَاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ، وَغَطَفَانَ. «هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً إِلَى قَوْلِهِ: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً لِقَوْلِ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَأَصْحَابِهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا فِراراً لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ- عَلَى ذَلِكَ- مِنْ قَوْمِهِ [ (14) ] . فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَبَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْخَوْفِ وَالْبَلَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ إِلَّا الْحِصَارُ وَالرِّمِّيَّا بِالنَّبْلِ، زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ: إِلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ عمرو ابن عَبْدِ وُدٍّ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ، تَلَبَّسُوا لِلْقِتَالِ، وَخَرَجُوا عَلَى خُيُولِهِمْ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى مَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ، وَقَفُوا، فَقَالُوا: تَهَيَّئُوا لِلْحَرْبِ يَا بَنِي كِنَانَةَ، فَسَتَعْلَمُونَ مَنِ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ، ثُمَّ أَقْبَلُوا تَعِيقُ [ (15) ] بِهِمْ خَيْلُهُمْ، حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ، فَقَالُوا: وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ، مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا.
ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا مِنَ الْخَنْدَقِ ضَيِّقًا، فَضَرَبُوا خُيُولَهُمْ فَاقْتَحَمُوا، فَجَالَتْ فِي سَبْخَةٍ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمُ الثَّغْرَةَ الَّتِي مِنْهَا اقْتَحَمُوا، فَأَقْبَلَتِ الْفَوَارِسُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَارِسَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى ارْتُثَّ [ (16) ] ، وَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا، فَلَمَّا كَانَ الْخَنْدَقُ خَرَجَ مُعْلَمًا [ (17) ] لِيُرَى مَشْهَدُهُ فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا عَمْرُو قَدْ كُنْتَ تُعَاهِدُ اللهَ لِقُرَيْشٍ، أَلَّا يَدْعُو رَجُلٌ إِلَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا قَبِلْتَ مِنْهُ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَ عَمْرٌو: أَجَلْ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَالْإِسْلَامِ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ، قَالَ لَهُ: يَا بن أخي لم؟ فو الله مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَكِنِّي وَاللهِ لَأُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَحَمِيَ عَمْرٌو، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَجَاءَ إِلَى عَلِيٍّ فَتَنَازَلَا، وَتَجَاوَلَا، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً هَارِبَةً، حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ [ (18) ] . وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ خُرُوجَهُمْ، وَدُعَاءَ عَمْرٍو إِلَى الْبِرَازِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَقَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَاسْمُ أَبِي وَهْبٍ جَعْدَةُ، وَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ يَسْأَلُ الْمُبَارَزَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً، فَشَقَّهُ باثنتين، حَتَّى فَلَّ فِي سَيْفَهِ فَلًّا، فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنِّي امْرُؤٌ أَحْمِي وَأَحْتَمِي ... عَنِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى الْأُمِّي [ (19) ]
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ عَلِيًّا طَعَنَهُ تَرْقُوَتَهُ، حَتَّى أَخْرَجَهَا مِنْ مَرَاقِّهِ، فَمَاتَ فِي الْخَنْدَقِ، وَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرُونَ جِيفَتَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكُمْ. لَا نَأْكُلُ ثَمَنَ الْمَوْتَى. قَالَ: وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَنَادَى، مَنْ يُبَارِزُ فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ، أَظُنُّهُ عَمْرًا فَقَالَ: أَنَا لَهَا يَا نَبِيَّ اللهِ. فَقَالَ: إِنَّهُ عَمْرٌو اجْلِسْ، وَنَادَى عَمْرٌو، أَلَا رَجُلٌ وَهُوَ يُؤَنِّبُهُمْ وَيَقُولُ أَيْنَ جَنَّتُكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا. أَفَلَا تُبْرِزُونَ إِلَيَّ رَجُلًا؟ فَقَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: [أَنَا] [ (20) ] يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ نَادَى الثالثة، فقال: وَلَقَدْ بُحِحْتُ مِنَ النِّدَاءِ ... بِجَمْعِكُمْ: هَلْ مِنْ مُبَارِزْ وَوَقَفَتُ إِذْ جَبُنَ الْمُشَجَّعُ ... مَوْقِفَ الْقِرْنِ الْمُنَاجِزْ وَلِذَاكَ إِنِّي لَمْ أَزَلْ ... مُتَسَرِّعًا قَبْلَ الْهَزَاهِزْ إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى ... وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزْ فَقَامَ عَلِيٌّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا، فَقَالَ: إِنَّهُ عَمْرٌو. قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَمْرًا. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَشَى إِلَيْهِ. حَتَّى أَتَاهُ وهو يقول: لا تعجلنّ فقد أتاك ... مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرُ عَاجِزْ ذُو نِيَّةٍ وَبَصِيرَةٍ ... وَالصِّدْقُ مَنْجَى [ (21) ] كُلِّ فَائِزْ إِنِّي لأرجو أن أقيم ... عَلَيْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزْ مِنْ ضربة نجلاء ... يبقى ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَاهِزْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَنْ أَنْتَ. قَالَ: أَنَا عَلِيٌّ. قَالَ: ابْنُ عَبْدِ مناف فقال:
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: غَيْرُكَ يَا بن أَخِي وَمِنْ أَعْمَامِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ، فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُهَرِيقَ دَمَكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : لَكِنِّي وَاللهِ مَا أَكْرَهُ أَنْ أُهَرِيقَ دَمَكَ، فَغَضِبَ، فَنَزَلَ وَسَلَّ سَيْفَهُ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِيٍّ مُغْضَبًا، وَاسْتَقْبَلَهُ عَلِيٌّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) بِدَرَقَتِهِ فَضَرَبَهُ وَعَمْرٌو فِي الدَّرَقَةِ فَقَدَّهَا، وَأَثْبَتَ فِيهَا السَّيْفَ، وَأَصَابَ رَأْسَهُ فَشَجَّهُ، وَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ فَسَقَطَ، وَثَارَ الْعَجَاجُ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم التَّكْبِيرَ، فَعَرَفَ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ قَتَلَهُ، فَتَمَّ عَلِيٌّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) يَقُولُ: أَعَلَيَّ تَقْتَحِمُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا ... عَنِّي وَعَنْهُمْ أَخَّرُوا أَصْحَابِي الْيَوْمَ يَمْنَعُنِي الْفِرَارَ حَفِيظَتِي ... وَمُصَمِّمٌ فِي الرَّأْسِ لَيْسَ بِنَابِي فَذَكَرَ أَبْيَاتًا آخِرِهُنَّ: عَبَدَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ عَقْلِهِ ... وَعَبَدْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : هَلَّا اسْتَلَبْتَهُ دِرْعَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْعَرَبِ دِرْعٌ خَيْرٌ مِنْهَا. فَقَالَ: ضَرَبْتُهُ فَاتَّقَانِي بِسَوَادِهِ، فَاسْتَحْيَيْتُ ابْنَ عَمِّي أَنْ أَسْتَلِبَهُ، وَخَرَجَتْ خُيُولُهُ مُنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتْ [ (22) ] مِنَ الْخَنْدَقِ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: جُعِلْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَعَ النِّسَاءِ والصبيان في الأطم،
يَعْنِي حِصْنًا، وَمَعِي عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُطَأْطِئُ لِي فَأَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَنْظُرُ إِلَيْهِمْ كَيْفَ يَقْتَتِلُونَ، وَأُطَأْطِئُ لَهُ، فَيَصْعَدُ فَوْقَ ظَهْرِي فَيَنْظُرُ. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى أَبِي وَهُوَ يَحْمِلُ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا، فَمَا يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَتَاهُ، فَلَمَّا أَمْسَى جَاءَنَا إِلَى الْأُطُمِ قُلْتُ: يَا أَبَةِ! رَأَيْتُكَ الْيَوْمَ، وَمَا تَصْنَعُ. قَالَ: وَرَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ أَمَا إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ لي أبويه. قال: فِدًا لَكَ أَبِي وَأُمِّي [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْحَارِثِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَانَ: عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُتِلَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا بِجَسَدِهِ، وَنُعْطِيهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خَيْرَ فِي جَسَدِهِ، وَلَا فِي ثَمَنِهِ [ (25) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ خَرَجُوا إِلَى الْخَنْدَقِ رَفَعُوا الذراري
وَالنِّسَاءَ فِي الْحُصُونِ، مَخَافَةَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَرَّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلَّصَةٌ [ (26) ] قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ تَوَقَّدُ [ (27) ] ، وهو يقول: لَبِّثْ قَلِيلًا فَيَشْهَدِ الْهَيْجَا حَمَلْ ... لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ [ (28) ] فَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ: الْحَقْ يَا بُنَيَّ، فَقَدْ وَاللهِ أَخَّرْتَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أُمَّ سَعْدٍ لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ [ (29) ] مِمَّا هِيَ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السَّهْمُ مِنْهُ. زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَرَمَاهُ فِيمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ حَبَّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ، فَقَطَعَ مِنْ سَعْدٍ الْأَكْحَلَ [ (30) ] . فَلَمَّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنِّي، وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فَقَالَ [ (31) ] سَعْدٌ: عَرَّقَ اللهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ. اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شيئا
فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَكَ، وَكَذَّبُوهُ، وَأَخْرَجُوهُ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً، ولا تمتني تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ [ (32) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ بِالسَّهْمِ إِلَّا أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ [ (33) ] ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي فَارِعٍ حِصْنُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ حَيْثُ خَنْدَقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ صَفِيَّةُ: فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَجَعَلَ يَطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنَّا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ، لا يستطيعون أن
ينصرفوا إلينا عنهم. إذ أَتَانَا آتٍ، فَقُلْتُ لِحَسَّانَ إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ كَمَا تَرَى، وَلَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ، وَقَدْ شُغِلَ عَنَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَانْزِلْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَكِ يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاللهِ لَقَدْ عَرَفْتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا. قَالَتْ صَفِيَّةُ: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، احْتَجَزْتُ [ (35) ] عَمُودًا [ (36) ] ، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ إِلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْحِصْنِ. فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ انْزِلْ فَاسْتَلِبْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَسْتَلِبَهُ إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (37) ] . قَالَ: وحَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: هِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عمر ابن شَوْذَبٍ الْمُقْرِئُ الْوَاسِطِيُّ بِهَا، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ قَاعِدًا عَلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ
الْخَنْدَقِ [ (38) ] ، فَقَالَ: شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا. أَوْ بُطُونَهُمْ. لَفْظُ حَدِيثِ الرُّوذْبَارِيِّ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (39) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عبدان، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بكر، حدثنا هشام ابن أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) يَوْمَ الْخَنْدَقِ بعد ما غَرَبَتِ الشَّمْسُ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ الْعَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَا صَلَّيْتُهَا [ (40) ] بَعْدُ. قَالَ: فَنَزَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم- أَحْسَبُهُ قَالَ- إِلَى بُطْحَانَ [ (41) ] ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فصلى العصر بعد ما غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدستوائي [ (42) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، عَنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، حَتَّى كُفِينَا ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً.. [ (43) ] فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ، فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [ (44) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى خَوْفِهِمْ، أَتَى نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: جَاءَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي، فَمُرْنِي أَمْرَكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رجل
وَاحِدٌ. فَخَذِّلْ [ (45) ] عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ. فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خَدْعَةٌ» ، فَانْطَلَقَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْظَةَ- وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ- إِنِّي لَكُمْ نَدِيمٌ وَصَدِيقٌ، قَدْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ. فَقَالُوا: صَدَقْتَ. فَقَالَ: تَعْلَمُونَ وَاللهِ مَا أَنْتُمْ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ مِنْ مُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّ الْبَلَدَ لَبَلَدُكُمْ، وَبِهِ أَمْوَالُكُمْ، وَأَبْنَاؤُكُمْ، وَنِسَاؤُكُمْ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ بِلَادُهُمْ غَيْرُهَا، وَإِنَّمَا جَاءُوا حَتَّى نَزَلُوا مَعَكُمْ، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ رَأَوْا غَيْرَ ذَلِكَ رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ، فَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ، وَإِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ، حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، تَسْتَوْثِقُونَ بِهِ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتَّى يُنَاجِزُوا مُحَمَّدًا. فَقَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِرَأْيٍ وَنُصْحٍ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَأَشْرَافَ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ وذي إِيَّاكُمْ، وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا وَدِينَهُ، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِنَصِيحَةٍ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ. فَقَالُوا: نَفْعَلُ. مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ. فَقَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ يَهُودَ، قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ. فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَلَا يُرْضِيكَ عَنَّا أَنْ نَأْخُذَ لَكَ مِنَ الْقَوْمِ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَنَدْفَعَهُمْ إِلَيْكَ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ نَكُونَ مَعَكَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى تُخْرِجَهُمْ مِنْ بِلَادِكَ؟ فَقَالَ: بَلَى! فَإِنْ بَعَثُوا إِلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ نَفَرًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تُعْطُوهُمْ رَجُلًا وَاحِدًا وَاحْذَرُوا ثُمَّ جَاءَ غَطَفَانَ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ: قَالُوا: صَدَقْتَ. فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ، وَذَلِكَ يَوْمُ السَّبْتِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وكان ممّا
صَنَعَ اللهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ يَقُولُ لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إِنَّ الْكُرَاعَ وَالْخُفَّ [ (46) ] قَدْ هَلَكَا، وَإِنَّا لسان بِدَارِ مُقَامٍ، فَاخْرُجُوا إِلَى مُحَمَّدٍ نُنَاجِزْهُ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ الْيَوْمَ السَّبْتُ وَهُوَ يَوْمٌ لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِالَّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ، حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ نَسْتَوْثِقُ بِهِمْ. لَا تَذْهَبُوا وَتَدَعُونَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ وَاللهِ حَذَّرَنَا هَذَا نُعَيْمٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ إِنَّا لَا نُعْطِيكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا، فَتُقَاتِلُونَ وَإِنْ شِئْتُمْ فَاقْعُدُوا. فَقَالَتْ يَهُودُ: هَذَا وَاللهِ الَّذِي قَالَ نُعَيْمٌ وَاللهِ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ أَلَّا يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فُرْصَةً، انْتَهَزُوهَا، وَإِلَّا مَضَوْا فَذَهَبُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ فَبَعَثُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّا وَاللهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ، حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا، فَأَبَا أَنْ يَفْعَلَ، فَبَعَثَ اللهُ الرِّيحَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، وَغَطَفَانَ، وَجُنُودِهِ الَّتِي بَعَثَ، فَخَذَلَهُمُ اللهُ [ (47) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا نَمُومًا، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إِنَّ يَهُودَ قَدْ بَعَثَتْ إِلَيَّ: إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ عَنَّا أَنْ تَأْخُذَ رِجَالًا رَهْنًا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَنَدْفَعَهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْتُلَهُمْ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ، فَأَخْبَرَهُمْ ذَلِكَ. فَلَمَّا وَلَّى نُعَيْمٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْحَرْبُ خَدْعَةٌ [ (48) ] .
أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا [ (49) ] ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ [ (50) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ [ (51) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (52) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:.. فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً.. [ (53) ] قَالَ: يَعْنِي رِيحَ الصَّبَا أُرْسِلَتْ عَلَى أَحْزَابِ يَوْمِ الْخَنْدَقِ [ (54) ] ، حَتَّى كَفَأَتْ قُدُورَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهَا، وَنَزَعَتْ فَسَاطِيطَهُمْ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ، وَجُنُودًا لَمْ تروها. يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ: قَالَ وَلَمْ تقاتل الملائكة يومئذ.
باب إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه إلى عسكر المشركين وما ظهر له في ذلك من آثار النبوة بوقوفه ليلتئذ على ما أرسل على المشركين من الريح، والجنود، وتصديق الله سبحانه قول نبيه [صلى الله عليه وسلم] فيما وعد حذيفة من
بَابُ إِرْسَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا ظَهْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ بِوُقُوفِهِ لَيْلَتَئِذٍ عَلَى مَا أُرْسِلَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الرِّيحِ، وَالْجُنُودِ، وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ قَوْلَ نَبِيِّهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم] فِيمَا وَعَدَ حُذَيْفَةَ مِنْ حِفْظِ اللهِ إِيَّاهُ عَنِ الْأَسْرِ وَالْبَرْدِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلْتُ مَعَهُ، وَأَبْلَيْتُ [ (1) ] ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ رِيحٍ شَدِيدَةٍ [ (2) ] ، وَقُرٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِي [ (3) ] بِخَبَرِ الْقَوْمِ، يَكُونُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ (4) ] » . [فَسَكَتْنَا] [ (5) ] فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ، يَا حُذَيْفَةُ! قُمْ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ. فَقَالَ: [اذْهَبْ] فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عليّ [ (6) ] ، قال: فمضيت
كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ [ (7) ] حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصْلِي [ (8) ] ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمِي فِي كَبِدِ قَوْسِي [ (9) ] ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ، قَالَ: فَرَجَعْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي [مِثْلِ] الْحَمَّامِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَصَابَنِي الْبَرْدُ حِينَ فَرَغْتُ وَقُرِرْتُ [ (10) ] ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى الصُّبْحِ [ (11) ] ، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ [ (12) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي الْمُخْتَارِ، عَنْ بِلَالٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَنَّ النَّاسَ تَفَرَّقُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَتَى [ (14) ] رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جاثي مِنَ الْبَرْدِ، قَالَ: يَا ابن اليمان
قُمْ، فَانْطَلِقْ إِلَى عَسْكَرِ الْأَحْزَابِ، فَانْظُرْ إِلَى حَالِهِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا قُمْتُ إِلَيْكَ إِلَّا حَيَاءً مِنْكَ، مِنَ الْبَرْدِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ يَا ابْنَ الْيَمَانِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ، مِنْ حرّ ولا بد حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، فَوَجَدْتُ أَبَا سُفْيَانَ يُوقِدُ النَّارَ فِي عُصْبَةٍ حَوْلَهُ، قَدْ تَفَرَّقَ الْأَحْزَابُ عَنْهُ، قَالَ حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ فِيهِمْ، قَالَ فَحَسَّ أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، قَالَ يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى الَّذِي عَنْ يَمِينِي فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، ثُمَّ ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى الَّذِي عَنْ يَسَارِي فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَكُنْتُ فِيهِمْ هُنَيَّةً، ثُمَّ قُمْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ، إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنِ ادْنُ فَدَنَوْتُ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَيَّ أَيْضًا: ادْنُ، فَدَنَوْتُ، حَتَّى أَسْبَلَ عَلَيَّ مِنَ الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ ابْنَ الْيَمَانِ اقْعُدْ مَا الْخَبَرُ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمْ يَبْقَ، إِلَّا فِي عُصْبَةٍ يُوقِدُ النَّارَ. قَدْ صَبَّ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَرْدِ مِثْلَ الَّذِي صَبَّ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْجُو مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُو [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الدَّارَبُرْدِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ أَبِي قُدَامَةَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ أَخِي [ (16) ] حُذَيْفَةَ، قَالَ: ذَكَرَ حُذَيْفَةُ مَشَاهِدَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ جُلَسَاؤُهُ: أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنَّا شَهِدْنَا ذَلِكَ لَفَعَلْنَا وَفَعَلْنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَا تَمَنَّوْا ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَنَحْنُ صَافُّونَ قُعُودٌ: أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَحْزَابِ فَوْقَنَا، وَقُرَيْظَةُ الْيَهُودِ أَسْفَلَ مِنَّا، نَخَافُهُمْ عَلَى ذَرَارِيِّنَا،، وَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةٌ قَطُّ
أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا أَشَدُّ رِيحًا فِي أَصْوَاتِ رِيحِهَا أَمْثَالُ الصَّوَاعِقِ وَهِيَ ظُلْمَةٌ، مَا يَرَى أَحَدٌ مِنَّا إِصْبَعَهُ فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ، فَمَا يَسْتَأْذِنُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَذِنَ لَهُ، فَيَأْذَنُ لَهُمْ، فَيَتَسَلَّلُونَ وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، إِذِ اسْتَقْبَلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، رَجُلًا حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، وَمَا عَلَيَّ جُنَّةٌ مِنَ الْعَدُوِّ، وَلَا مِنَ الْبَرْدِ، إِلَّا مِرْطٌ لِامْرَأَتِي مَا يُجَاوِزُ رُكْبَتَيَّ، قَالَ: فَأَتَانِي وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: حُذَيْفَةُ! قَالَ: فَتَقَاصَرْتُ بِالْأَرْضِ، فَقُلْتُ، بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَقُومَ، قَالَ: قُمْ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَائِنٌ فِي القوم خير، فَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، قَالَ وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَزَعًا وَأَشَدِّهِمْ قُرًّا، فَخَرَجْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، ومن تحته، قال: فو الله مَا خَلَقَ اللهُ فَزَعًا، وَلَا قُرًّا، فِي جَوْفِي إِلَّا خَرَجَ مِنْ جَوْفِي فَمَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قَالَ يَا حُذَيْفَةُ لَا تُحْدِثَنَّ فِي الْقَوْمِ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ، نَظَرْتُ فِي ضَوْءِ نَارٍ لَهُمْ تَوَقَّدُ وَإِذَا رَجُلٌ أَدْهَمُ ضَخْمٌ، يَقُولُ بِيَدِهِ عَلَى النَّارِ، وَيَمْسَحُ خَاصِرَتَهُ وَيَقُولُ: الرَّحِيلَ، الرَّحِيلَ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَبَا سُفْيَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَانْتَزَعْتُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي أَبْيَضَ الرِّيشِ فَأَضَعُهُ عَلَى كَبِدِ قَوْسِي، لِأَرْمِيَهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَذَكَرْتُ، قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَأَمْسَكْتُ وَرَدَدْتُ سَهْمِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ إِنِّي شَجَّعْتُ نَفْسِي حَتَّى دَخَلْتُ الْمُعَسْكَرَ، فَإِذَا أَدْنَى النَّاسِ مِنِّي بَنُو عَامِرٍ، يَقُولُونَ: يَا آلَ عَامِرٍ الرَّحِيلَ، الرَّحِيلَ، لَا مُقَامَ لَكُمْ، وَإِذَا الرِّيحُ فِي عَسْكَرِهِمْ، مَا تُجَاوِزُ عَسْكَرَهُمْ شِبْرًا، فو الله إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ الْحِجَارَةِ فِي رِحَالِهِمْ، وَفَرَسَتْهُمُ، الرِّيحُ تَضْرِبُهُمْ بِهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْتَصَفَ بِيَ الطَّرِيقُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، إِذَا أَنَا بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُعْتَمِّينَ، فَقَالُوا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ، أَنَّ اللهَ كَفَاهُ الْقَوْمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ في شملة يصلي، فو الله مَا عَدَا أَنْ رَجَعْتُ رَاجَعَنِي الْقُرُّ، وَجَعَلْتُ أُقَرْقِفُ [ (17) ] ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
بِيَدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَسْبَلَ عَلَيَّ شَمْلَتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الْقَوْمِ، وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي تَرَكْتُهُمْ يَتَرَحَّلُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ... [ (18) ] الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا، أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، قَالَ، حَدَّثَنَا وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ أُؤْسَرَ فَقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُؤْسَرَ فَقُلْتُ مُرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ بِمَا شِئْتَ: فَقَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم اذْهَبْ حَتَّى تَدْخُلَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْقَوْمِ فَأْتِ قُرَيْشًا فَقُلْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّمَا يُرِيدُ النَّاسُ إِذَا كَانَ غَدًا أَنْ يَقُولُوا: أَيْنَ قُرَيْشٌ أَيْنَ قَادَةُ الناس؟ أين رؤوس الناس، فيقدمونكم فَتَصْلَوَا الْقِتَالَ فَيَكُونُ الْقَتْلُ فِيكُمْ، ثُمَّ ائْتِ بَنِي كِنَانَةَ فَقُلْ يَا مَعْشَرَ بَنِي كِنَانَةَ إِنَّمَا يُرِيدُ النَّاسُ إِذَا كَانَ غَدًا أَنْ يَقُولُوا: أَيْنَ بَنُو كِنَانَةَ؟ أَيْنَ رُمَاةُ الْحَدَقِ؟ فيعدّمونكم فَتَصْلَوَا الْقِتَالَ، فَيَكُونُ الْقَتْلُ فِيكُمْ، ثُمَّ ائْتِ قَيْسًا، فَقُلْ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ إِنَّمَا يُرِيدُ النَّاسُ إِذَا كَانَ غَدًا أَنْ يَقُولُوا: أَيْنَ قَيْسٌ؟ أَيْنَ أَحْلَاسُ الخيل أين الفرسان؟ فيقدمونكم فَتَصْلَوَا الْقِتَالَ، فَيَكُونُ الْقَتْلُ فِيكُمْ، وَقَالَ لِي: لَا تُحْدِثُ فِي سِلَاحِكَ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتَرَانِي، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْقَوْمِ فَجَعَلْتُ أَصْطَلِي مَعَهُمْ عَلَى نِيرَانِهِمْ، وَجَعَلْتُ أَبُثُّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ وِجَاهَ السَّحَرِ قَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَأَشْرَكَ، ثُمَّ قال لينظر رجل مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سَرِيعٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا وَذَكَرَ فِيهِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْحِفْظِ وَذَكَرَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ نَادَى: يَا عَامِرُ إِنَّ الرِّيحَ قَاتِلَتِي وَأَنَا عَلَى ظَهْرٍ، وَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، وَصَاحَ أَصْحَابُهُ،
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ أَمَرَهُمْ فَتَحَمَّلُوا، وَلَقَدْ تَحَمَّلُوا وَإِنَّ الرِّيحَ لَتَغْلِبُهُمْ عَلَى بَعْضِ أَمْتِعَتِهِمْ، فَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْكَاهِلِيِّ، قَالَ: قَدْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّهُ لَمَّا رَجَعَ حُذَيْفَةُ مَرَّ بِخَيْلٍ عَلَى طَرِيقِهِ بَيْنَ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فَخَرَجَ لَهُ فَارِسَانِ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَا ارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ اللهَ قَدْ كَفَاهُ إِيَّاهُمْ بِالْجُنُودِ وَالرِّيحِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ يَرَوْهَا [ (19) ] هَكَذَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ فِيمَا أَدَّى مِنَ الْحَدِيثِ بِالْيَاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، حدثنا الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ- مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لحذيفة: يا حذيفة نشكوا إِلَى اللهِ صُحْبَتَكُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَنَّكُمْ أَدْرَكْتُمُوهُ وَلَمْ نُدْرِكْهُ وَرَأَيْتُمُوهُ وَلَمْ نَرَهُ فقال حذيفة ونحن نشكوا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيمَانَكُمْ بِهِ، وَلَمْ تَرَوْهُ وَاللهِ مَا نَدْرِي يَا ابْنَ أَخِي لَوْ أَدْرَكْتَهُ كَيْفَ كُنْتَ تَكُونُ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْخَنْدَقِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مَطِيرَةٍ، وَقَدْ نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ بِالْعَرْصَةِ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من رجل يذهب فيعلم لنا عِلْمَ الْقَوْمِ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ مَنْ رَجُلٌ يَذْهَبُ فَيَعْلَمُ لَنَا عِلْمَ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ رَفِيقَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فو الله مَا قَامَ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَذْهَبُ فَيَعْلَمُ لَنَا عِلْمَ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ رَفِيقِي يَوْمَ القيامة، فو الله مَا قَامَ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْعَثْ حُذَيْفَةَ، فَقُلْتُ دُونَكَ واللهِ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حُذَيْفَةُ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ ذَاهِبٌ فَقُلْتُ وَاللهِ مَا بِي أَنْ أقتل مَنْ جَلِيسُهُ وَمَعِي رَجُلٌ مِنْهُمْ يَصْطَلِي عَلَى النَّارِ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ، فَآخُذُ بِيَدِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْخُذَنِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ، قَالَ: أَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فَقُلْتُ أَوْلَى، فَلَمَّا دَنَا [ (20) ] الصُّبْحُ نَادَى: أَيْنَ قُرَيْشٌ؟ أَيْنَ رؤوس الناس؟
فَقَالُوا: أَيْهَاتَ هَذَا الَّذِي أُتِينَا بِهِ الْبَارِحَةَ أَيْنَ بَنُو كِنَانَةَ، وَأَيْنَ الرُّمَاةُ؟ فَقَالُوا: أَيْهَاتَ هَذَا الَّذِي أُتِينَا بِهِ الْبَارِحَةَ، أَيْنَ قَيْسٌ، أَيْنَ أَحْلَاسُ الْخَيْلِ، أَيْنَ الْفُرْسَانُ؟ فَقَالُوا: أَيْهَاتَ هَذَا الَّذِي أُتِينَا بِهِ الْبَارِحَةَ، فَتَخَاذَلُوا، وَبَعَثَ اللهُ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الرِّيحَ، فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ بِنَاءً إِلَّا هَدَّمَتْهُ، وَلَا إِنَاءً إِلَّا أَكْفَأَتْهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ وَثَبَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ مَعْقُولٍ، فَجَعَلَ يَسْتَحِثُّهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ، وَلَوْلَا مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِلَاحِي لَرَمَيْتُهُ أَدْنَى مِنْ تِلْكَ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَجَعَلْتُ أُخْبِرُهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَعَلَ يَضْحَكُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى أَنْيَابِهِ [ (21) ] .
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، وإجابة الله - عز وجل - إياه فيما دعاه
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم على الْأَحْزَابِ، وَإِجَابَةِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- إِيَّاهُ فِيمَا دَعَاهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاتِي السَّبِيعِيُّ بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ، بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ: اللهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اللهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قتيبة [ (2) ] .
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذهاب الأحزاب: الآن نغزوهم ولا يغزونا فكان كما قال
بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَهَابِ الْأَحْزَابِ: الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا فَكَانَ كَمَا قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وقبيصة، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: [الْآنَ] [ (1) ] نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا [ (3) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: قال
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُجْلِيَ عَنْهُ الْأَحْزَابُ: الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا [نَحْنُ] نَسِيرُ إِلَيْهِمْ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنِ الْخَنْدَقِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا: لَنْ تَغْزُوكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تَغْزُوهُمْ. فلم تغزوهم قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ هُوَ يَغْزُوهُمْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ [ (5) ] . ***
باب قول الله عز وجل: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة 60: 7 [1] وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب
بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [ (1) ] وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَالَوَيْهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً، قَالَ: كَانَتِ الْمَوَدَّةُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُمْ تَزْوِيجَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ [ (2) ] ، فَصَارَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَارَ مُعَاوِيَةُ خَالَ الْمُؤْمِنِينَ، كَذَا فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ، وَذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا إِلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَتَعَدَّى أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُنَّ يَصِرْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ، وَلَا يَتَعَدَّى هَذَا التحريم إلى إخوتهن، ولا إِلَى أَخَوَاتِهِنَّ، وَلَا إِلَى بناتهن، والله أعلم.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ [ (3) ] ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنَ جَحْشٍ، وَكَانَ رَحَلَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَمَاتَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تَزَوَّجَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ، وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ، وَمَهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ، وَجَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَمَا بَعَثَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، فَكَانَ مُهُورُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن جعفر. قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ نَصْرَانِيًّا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ، بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَاسْمُهَا رَمْلَةُ: فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وأُمَّ حَبِيبَةَ أُمُّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ، أُخْتُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، عَمَّةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ [ (5) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عيسى بن
يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الَّذِيَ وَلِيَ نِكَاحَهَا ابْنُ عَمِّهَا: خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَاقَ عَنْهُ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَتْ: مَا شَعَرْتُ وَأَنَا فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَّا بِرَسُولِ النَّجَاشِيِّ، جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: أَبْرَهَةُ، كَانَتْ تَقُومُ عَلَى ثِيَابِهِ وَدُهْنِهِ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ، فَأَذِنْتُ لَهَا. فَقَالَتْ: إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَكِهِ، فَقُلْتُ: بَشَّرَكِ اللهُ بِخَيْرٍ، وَقَالَتْ: يَقُولُ لَكِ الْمَلِكُ: وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، فَوَكَّلْتُهُ. وَأَعْطَيْتُ أَبْرَهَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَخَدَمَتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، كَانَتَا عَلَيَّ، وَخَوَاتِمَ مِنْ فِضَّةٍ، كَانَتْ فِي كُلِّ إِصْبَعِ رِجْلَيَّ سُرُورًا بِمَا بَشَّرَتْنِي بِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْعَشِيِّ، أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ هناك من المسلمين يخصرون، وَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ السَّلَامِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده
وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أصدقتها أربع مائة دِينَارٍ، ثُمَّ سَكَبَ الدَّنَانِيرَ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ، فَتَكَلَّمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَزَوَّجْتُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَبَارَكَ اللهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفَعَ النَّجَاشِيُّ الدَّنَانِيرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ فَقَبَضَهَا، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَقُومُوا، فَقَالَ: اجْلِسُوا فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ. إِذَا تَزَوَّجُوا أَنْ يُؤْكَلَ طَعَامٌ عَلَى التَّزْوِيجِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلُوا، ثُمَّ تَفَرَّقُوا [ (8) ] . وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَهْ أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَهَا إِيَّاهُ سَنَةَ. سِتٍّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ بِأُمِّ سَلَمَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ إِلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِأُمِّ حبيبة قبل أن تزوج بِأُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ أَشْبَهُ.
باب ما جاء في تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وما ظهر في دعائه لها من الاستجابة
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَمَا ظَهَرَ فِي دُعَائِهِ لَهَا مِنَ الِاسْتِجَابَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمَّ سَلَمَةَ: هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، هَاجَرَا جَمِيعًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ بِأُحُدٍ، فَمَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ فِي شَوَّالٍ، وَجَمَعَهَا إِلَيْهِ فِي شَوَّالٍ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرِ ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يُخْبِرُ أَنَّ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَتْهُمْ أَنَّهَا ابْنَةُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَكَذَّبُوهَا، وَيَقُولُونَ مَا أَكْذَبَ الغرائب، حَتَّى أَنْشَأَ نَاسٌ مِنْهُمْ فِي الْحَجِّ فَقَالُوا تَكْتُبِينَ إِلَى أَهْلِكِ، فَكَتَبْتُ مَعَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَصَدَّقُوهَا فَازْدَادَتْ عَلَيْهِمْ كَرَامَةً، قَالَتْ: فَلَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ جَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَنِي فَقُلْتُ مَا مِثْلِي تُنْكَحُ، أَمَّا أَنَا فَلَا وَلَدَ فِيَّ وَأَنَا غَيورٌ ذَاتُ عِيَالٍ. فَقَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْكِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللهُ، وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَتَزَوَّجَهَا، فَجَعَلَ يَأْتِيهَا، فَيَقُولُ: كَيْفَ زُنَابُ أَيْنَ زُنَابُ، فَجَاءَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَاخْتَلَجَهَا، فَقَالَ: هَذِهِ تَمْنَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وكانت تُرْضِعُهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ زُنَابُ فَقَالَتْ قُرَيْبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَوَافَقَتْهَا عند ما أَخَذَهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي آتِيكُمُ اللَّيْلَةَ، قَالَتْ فَوَضَعْتُ ثِفَالِي، وَأَخْرَجْتُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَكَانَتْ فِي جِرَابٍ، وَأَخْرَجْتُ شَحْمًا فَعَصَرْتُهُ، فَبَاتَ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَقَالَ حِينَ أَصْبَحَ إِنَّ لَكِ عَلَى أَهْلِكِ كَرَامَةً، فَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ أُسَبِّعْ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي [ (2) ] . وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَهَا أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ غَيْرَتِكِ فَإِنِّي أَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَهَا عَنْكِ، قَالَتْ: فَكَانَتْ فِي النِّسَاءِ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُنَّ، لَا تَجِدُ مَا يَجِدْنَ من الغيرة [ (3) ] .
باب ما جاء في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أُمِّ سَلَمَةَ: زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أُخْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ: زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، زَوَّجَهُ اللهُ إِيَّاهَا فَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا وَلَدًا وَهِيَ أُمُّ الْحَكَمِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو زَيْنَبَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتَّقِ اللهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ، فَكَانَتْ تَفْتَخِرُ عَلَى أَزْوَاجِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ مِنْ فوق سبع سموات.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَحْمَدَ [ (2) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ الْعَدْلُ: قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا، عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَهْلَكَ، فَنَزَلَتْ: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [ (4) ] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ، يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادٍ مُخْتَصَرًا [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد ابن جُدْعَانَ. قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: مَا يَقُولُ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّ اللهَ أَعْلَمَ نبيه صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّ زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ أَنْكَحَنِي اللهُ مِنَ السَّمَاءِ، وفيها نزلت آية
الْحِجَابِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [ (7) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى [ (8) ] . قُلْتُ: وَتَزَوُّجُهُ بِزَيْنَبَ كَانَ بَعْدَ قُرَيْظَةَ لَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا حَيْثُ ذَكَرْنَا نِكَاحَ أُمِّ سَلَمَةَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَزَعَمَ ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، سَنَةَ ثَلَاثٍ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَشْبَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (9) ] .
المجلد الرابع
الجزء الرابع السفر الرابع من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة تكملة أبواب جمّاع الغزوات غزوة بني المصطلق حديث الإفك جُمَّاعُ أَبْوَابِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ جماع أبواب السرايا جماع أبواب عمرة القضاء.
باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة
بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم من الْأَحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ [ (1) ] وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ وَمَا ظَهَرَ فِي رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى مِنَ الصَّحَابَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ فِي قَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَإِنْزَالِهِمْ مِنْ حُصُونِهِمْ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا، الْفَارَيَابِيُّ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ (ح) . قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وأَخْبَرَنَا، الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا، أَبُو بكر ابن أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَاللهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: ها هنا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا، حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا مِنْ سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ سَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ: مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ، نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى فِيهِمْ يَوْمَ انْصَرَفَ عَنْهُمُ الْأَحْزَابُ: أَلَّا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَبْطَأَ نَاسٌ، فَتَخَوَّفُوا فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، يَعْنِي: فَصَلَّوْا، وَقَالَ: آخَرُونَ لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا عَنَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإسماعيلي قال: أخبرنا
أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَادَى، فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ انْصَرَفَ مِنَ الْأَحْزَابِ: أَلَّا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ: فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَصَلَّوْا دُونَ قُرَيْظَةَ، وَقَالَ: الْآخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ، فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: كَذَا فِي كِتَابِي «الظُّهْرُ» قُلْتُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ [ (5) ] . وَقَالَ: الْعَصْرَ بَدَلَ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْمَغَازِي: مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمَا. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خُلَيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ [ (6) ] بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَمَّهُ: عَبْدَ [ (7) ] اللهِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا رَجَعَ مِنْ طَلَبِ الْأَحْزَابِ وَضَعَ عَنْهُ اللَّأْمَةَ واغتسل، واستجمر [ (8) ] فتبدّى لَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ: عَذِيرَكَ [ (9) ] مِنْ مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ [ (10) ] وَمَا وَضَعْنَاهَا بَعْدُ، قَالَ: فَوَثَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَزِعًا، فَعَزَمَ عَلَى النَّاسِ أَلَّا يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ: فَلَبِسَ النَّاسُ السِّلَاحَ، فَلَمْ يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَاخْتَصَمَ النَّاسُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلّم عزم علينا أن لا نُصَلِّيَ حَتَّى نَأْتِيَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِثْمٌ، وَصَلَّى طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ احْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ [ (11) ] طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّوْهَا حِينَ جَاءُوا بَنِي قُرَيْظَةَ، احْتِسَابًا فَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ [ (12) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَمَّادٍ الْبَرْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الْمُسَيِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ: عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا فَسَلَّمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَزِعًا، فَقُمْتُ فِي أَثَرِهِ، فَإِذَا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ. فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ يَأْمُرُنِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ، لَكِنَّا لَمْ نَضَعْ طَلَبْنَا الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى بَلَغْنَا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ. فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لم يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ، فَصَلَّوْا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَاللهِ إنّا
لَفِي عَزِيمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَيْنَا مِنْ إِثْمٍ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَلَمْ يَعِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ [ (13) ] . وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ [ (14) ] عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، تَحْتَهُ قَطِيفَةُ [ (15) ] دِيبَاجٍ [ (16) ] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ ذَلِكَ بِدِحْيَةَ، وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوا بِالْجَحَفِ، حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ، فَنَادَاهُمْ يَا إخوة القردة والخنازير،
قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَمْ تَكُ فَحَّاشًا. فَحَاصَرَهُمْ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ فَحَكَمَ فِيهِمْ، أَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ [ (18) ] قَالَ حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي سَعِيدُ بْنُ عِيسَى. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَشْرَسَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ سَمِعَ صَوْتَ وَثْبَةٍ شَدِيدَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَاتَّبَعْتُهُ، أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ على عرف برزونه، وَإِذَا هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ- فِيمَا كُنْتُ أَرَى- وَإِذَا هُوَ مُعْتَمٌّ، مُرْخٍ مِنْ عِمَامَتِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قُلْتُ: لَقَدْ وَثَبْتَ وَثْبَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ خَرَجْتَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: أو رأيته؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، أَمَرَنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ [ (19) ] ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائشة.
وَشَاهِدُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي رُؤْيَةِ عَائِشَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْلِهَا: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِ جِبْرِيلَ. فَقُلْتُ: هَذَا دِحْيَةُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ. فِي مَغَازِي يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَفِي رُؤْيَةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، مَرَّ بِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: هَلْ مَرَّ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ. [بْنُ خَلِيفَةَ] [ (20) ] الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، عَلَيْهَا رِحَالُهُ عَلَيْهَا قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ. فِي مَغَازِي يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنَا بِهِمَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ فَذَكَرَهُمَا [ (21) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، مَعَهُ رَايَتُهُ، وابْتَدَرَهَا النَّاسُ [ (22) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد بن الفضل ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ: مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي الْمُغْتَسَلِ يُرَجِّلُ [ (23) ] رَأْسَهُ قَدْ رَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْهِ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فَارِسٍ عَلَيْهِ لَأْمَتُهُ، حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ. أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ جِبْرِيلُ: لَكِنْ نَحْنُ لَمْ نَضَعْهُ مُنْذُ نَزَلَ بِكَ الْعَدُوُّ، وَمَا زِلْتَ فِي طَلَبِهِمْ. فَقَدْ هَزَمَهُمُ اللهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ عَلَى وَجْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَأَثَرَ الْغُبَارِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكَ بِقِتَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَنَا عَامِدٌ لَهُمْ بِمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ لِأُزَلْزَلَ بِهِمُ الْحُصُونَ، فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِ جِبْرِيلَ، فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ: مَرَّ عَلَيْكُمْ فَارِسٌ آنِفًا؟ فَقَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ، تَحْتَهُ نَمَطٌ أَوْ قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، عَلَيْهِ اللَّأْمَةُ فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: الْحَقُونِي بِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَصَلُّوا فِيهِمُ الْعَصْرَ، فَقَامَ وَمَنْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَانَتِ الْعَصْرُ، وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَذَكَرُوا الصَّلَاةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَمَرَكُمْ أَنْ تُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ! وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مِنْهُمْ قَوْمٌ، وَأَخَّرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ، حَتَّى صَلَّوْهَا بِبَنِي قُرَيْظَةَ، بَعْدَ أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم مَنْ عَجَّلَ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ، وَمَنْ أَخَّرَهَا، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَنِّفْ أَحَدًا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ. قَالَ: وَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، تَلَقَّاهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ كَافِيكَ الْيَهُودَ، وَكَانَ عَلِيٌّ سَمِعَ مِنْهُمْ قَوْلًا سَيِّئًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ فَكَرِهَ عَلِيٌّ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَأْمُرُنِي بِالرُّجُوعِ؟ فَكَتَمَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَظُنُّكَ سَمِعْتَ لِيَ مِنْهُمْ أَذًى، فَامْضِ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا مِمَّا سَمِعْتَ. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِصْنِهِمْ، وَكَانُوا فِي أَعْلَاهُ، نَادَى بأعلا صَوْتِهِ نَفَرًا مِنْ أَشْرَافِهَا، حَتَّى أَسْمَعَهُمْ فَقَالَ: أَجِيبُونَا يَا مَعْشَرَ يَهُودَ: يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ خِزْيُ اللهِ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتَائِبِ الْمُسْلِمِينَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَرَدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَذَفَ الله عز وجل في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَاشْتَدَّ، عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، فَصَرَخُوا بِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ [ (24) ] وكانوا حُلَفَاءَ لِلْأَنْصَارِ. فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لَا آتِيهِمْ، حَتَّى يَأْذَنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، فَبَكَوْا إِلَيْهِ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَاذَا تَرَى؟ وَمَاذَا تَأْمُرُنَا؟ فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِالْقِتَالِ، فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، وَأَمَرَّ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ يُرِيهِمْ، أَنَّمَا يُرَادُ بِكُمُ الْقَتْلُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو لُبَابَةَ سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحْدِثَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوْبَةً نَصُوحًا يَعْلَمُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نَفْسِي، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَبَطَ يَدَيْهِ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ ارْتَبَطَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذُكِرَ حِينَ رَاثَ عليه أبو
لُبَابَةَ: أَمَا فَرَغَ أَبُو لُبَابَةَ مِنْ حُلَفَائِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قد وَاللهِ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ الْحِصْنِ، وَمَا نَدْرِي أَيْنَ سَلَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَدَثَ لِأَبِي لُبَابَةَ أَمْرٌ، مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَأَيْتُ [ (25) ] أَبَا لُبَابَةَ، ارْتَبَطَ بِحَبْلٍ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَصَابَتْهُ بَعْدِي فِتْنَةٌ، وَلَوْ جاءني لاستغفرت له. فإذا فَعَلَ هَذَا فَلَنْ أُحَرِّكَهُ مِنْ مَكَانِهِ، حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ [ (26) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ. قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ. قَالَ: عُرْوَةُ فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَجِّلُ رَأْسَهُ، قَدْ رَجَّلَ أَحَدَ جَانِبَيْهِ، أَتَاهُ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فَرَسٍ، عَلَيْهِ لَأْمَتُهُ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ عَنْهُ قَوْلَهُ: فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ. قَالَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَأَذِنَ بِالْخُرُوجِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السِّلَاحَ، فَفَزِعَ النَّاسُ لِلْحَرْبِ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمُقَدَّمَةِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ وَأَمَرَ أَنْ يَنْطَلِقَ حَتَّى يَقِفَ بِهِمْ، إِلَى حِصْنِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَفَعَلَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى آثَارِهِمْ، فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي غَنْمٍ، يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ بِكُمُ الْفَارِسُ آنِفًا. قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى فَرَسٍ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، عَلَيْهِ لَأْمَةٌ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْقِصَّةِ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: بِضْعَ عشرة ليلة [ (27) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي [ (28) ] وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم حَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتَّى أَجْهَدَهُمُ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ. حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ: كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا فَخُذُوا أَيَّهَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: مَا هُوَ [ (29) ] ؟ قَالَ نُبَايِعُ هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ، فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ فَقَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذَا فَهَلُمُّوا فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا، وَنِسَاءَنَا ثُمَّ نَخْرُجُ إِلَى مُحَمَّدٍ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ [ (30) ] لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا يَهُمُّنَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ، نَهْلِكْ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا، يَهُمُّنَا نَخَافُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَجِدَنَّ النِّسَاءَ، وَالْأَبْنَاءَ، فَقَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ!! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ فَقَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا، فَلَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْهُمْ غِرَّةً فَقَالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا أَحْدَثَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَأَصَابَهُمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ، مِنَ الْمَسْخِ، فَقَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ لَيْلَةً وَاحِدَةً، مُنْذُ وَلِدَ حازما.
ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ، يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ: أَنَّهُ الذَّبْحُ. قَالَ أَبُو لبابة: فو الله، مَا زَالَتْ قَدَمَايَ تَرْجُفَانِ، حِينَ عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ. ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ. وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيَّ، مِمَّا صَنَعْتُ وَعَاهَدَ اللهَ أَنْ لَا يَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلَا يَرَانِي فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ. فَأَمَّا إِذْ فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ، مَا أَنَا بِالَّذِي يُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ [ (31) ] . هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ، وَزَعَمَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ ارْتِبَاطَهُ بِسَارِيَةِ التَّوْبَةِ كَانَ بَعْدَ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حِينَ أَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَيْهِ عَاتِبٌ بِمَا فَعَلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِيمَنْ تَخَلَّفَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وعَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ارْتِبَاطِهِ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، مَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ.
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من السَّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ؟ - أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ- فَقَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ فَقُلْتُ أَلَا أُبَشِّرُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بِذَاكَ؟ فَقَالَ بَلَى إِنْ شِئْتِ، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَقُلْتُ: - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ- يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَبْشِرْ، فَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَيْكَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ خَارِجًا إِلَى صلاة الصبح أطلقه [ (32) ] .
باب نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وما جرى في قتلهم، وسبي نسائهم وذراريهم
بَابُ نُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا جَرَى فِي قَتْلِهِمْ، وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ. قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، أَوْ إِلَى خَيْرِكِمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ. فَقَالَ: تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذُرِيَّتُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ حَكَمْتَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ اللهِ، وَرُبَّمَا قَالَ: بِحُكْمِ الْمَلِكِ. لَفْظُ حَدِيثِ عَفَّانَ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (1) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر ابن عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: وَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يُحَكِّمَ فِيهِمْ رَجُلًا، اخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ، مِنْ أَصْحَابِي، فَاخْتَارُوا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِلَاحِهِمْ، فَجُعِلَ فِي قُبَّتِهِ، وَأَمَرَ بِهِمْ فَكُتِّفُوا، وَأُوثِقُوا، وَجُعِلُوا فِي دَارِ أُسَامَةَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَقْبَلَ عَلَى حِمَارِ أَعْرَابِيٍّ، يَزْعُمُونَ أَنَّ وَطْأَةَ بَرْذَعَتِهِ مِنْ لِيفٍ [ (2) ] ، وَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَعَهُ، وَيُعَظِّمُ حَقَّ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَيَذْكُرُ حِلْفَهُمْ، وَالَّذِي أَبْلَوْهُ يَوْمَ بُعَاثٍ، وَيَقُولُ: اخْتَارُوكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ مِنْ قَوْمِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ، وَعَطْفِكَ، وَتَحَنُّنِكَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَبْقِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَكَ جَمَالٌ، وَعَدَدٌ. قَالَ: فَأَكْثَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَلَا يُرْجِعُ إِلَيْهِ سَعْدٌ شَيْئًا، حَتَّى دَنَوْا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلَا تُرْجِعُ إِلَيَّ فِيمَا أُكَلِّمُكَ فِيهِ. فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ آنَ لِي أَنْ لَا تَأْخُذَنِي فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَفَارَقَهُ الرَّجُلُ فَأَتَى قَوْمَهُ. فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَبْقِيهِمْ، وَأَخبَرَهُمْ بِالَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ، وَالَّذِي رَجَعَ سَعْدٌ إِلَيْهِ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ. فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَقَتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَكَانُوا زَعَمُوا سِتَّمِائَةِ مُقَاتِلٍ، قُتِلُوا عِنْدَ دَارِ أَبِي جَهْلٍ الَّتِي بِالْبَلَاطِ، وَلَمْ تكن يومئذ بلاط، فَزَعَمُوا أَنَّ دِمَاءَهُمْ بَلَغَتْ أَحْجَارَ الزَّيْتِ، الَّتِي كَانَتْ بِالسُّوقِ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَتْ جَمِيعُ الْخَيْلِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، فَقَسَمَ لَهَا لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَيْنِ. وَأُخْرِجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ. قَالَ لَهُ: لَقَدْ ظَهَرْتَ عَلَيَّ وَمَا أَلُومُ إِلَّا نَفْسِي فِي جِهَادِكَ، وَالشِّدَّةِ عَلَيْكَ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ بِعَيْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ عمرو بن سعد الْيَهُودِيُّ فِي الْأَسْرَى، فَلَمَّا قَدِمُوا إِلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَدُوهُ، فَقَالَ ابْنُ عَمْرٍو: قَالُوا: وَاللهِ مَا نَرَاهُ، وَإِنَّ هَذِهِ لَرُمَّتُهُ الَّتِي كَانَ فِيهَا. فَمَا نَدْرِي كَيْفَ انْفَلَتَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَفْلَتَنَا بِمَا عَلِمَ اللهُ فِي نَفْسِهِ. وَأَقْبَلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَبْ لِيَ الزُّبَيْرَ، وَامْرَأَتَهُ فَوَهَبَهُمَا، فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَوْمَئِذٍ كَبِيرًا، أَعْمَى، قَالَ هَلْ يُنْكِرُ الرَّجُلُ أَخَاهُ! قَالَ ثَابِتٌ: أَرَدْتُ أَجْزِيكَ الْيَوْمَ بِتِلْكَ قَالَ افْعَلْ فَإِنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ. قَالَ قَدْ فَعَلْتُ. قَدْ سَأَلْتُكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَكَ لِي، فَأَطْلَقَ عَنْكَ الْإِسَارَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ أَخَذْتُمُ امْرَأَتِي، وَبَنِيَّ فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ ذُرِّيَّةَ الزُّبَيْرِ وَامْرَأَتَهُ فَوَهَبَهُمَا لَهُ، فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قَدْ رَدَّ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ امْرَأَتَكَ وَبَنِيكَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَحَائِطٌ لِي فِيهِ أَغْدُقٌ ... لَيْسَ لِي وَلِأَهْلِي عَيْشٌ إِلَّا بِهِ فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ حَائِطَ الزُّبَيْرِ، فَوَهَبَهُ لَهُ، فَرَجَعَ
ثَابِتٌ إِلَى الزُّبَيْرِ فَقَالَ قَدْ رَدَّ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ. قَالَ: مَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ، فَذَكَرَ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهِ بِأَسْمَائِهِمْ، فَقَالَ ثَابِتٌ: قَدْ قُتِلُوا وَفُرِغَ مِنْهُمْ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَكَ وَأَنْ يَكُونَ أَبْقَاكَ لِخَيْرٍ قَالَ الزُّبَيْرُ أَسْأَلُكَ بِاللهِ، وَبِيَدِي عِنْدَكَ إِلَّا مَا أَلْحَقْتَنِي بِهِمْ. فَمَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ ثَابِتٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَأَمَرَ بِالزُّبَيْرِ فَقُتِلَ [ (3) ] . فَلَمَّا قَضَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَضَاءَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَرَفَعَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بَلَاءَ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ، نَزَلَ الْقُرْآنُ يُعَرِّفُ اللهُ فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَةَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهَا، حِينَ أَرْسَلَ عَلَى عَدُوِّهِمُ الرِّيحَ وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، عَلَى الْجُنُودِ الَّتِي جَاءَتْهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، ويظنون بالله الظنونا حِينَ نَزَلَ الْبَلَاءُ، وَالشِّدَّةُ بِأَحَادِيثِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وَوَقَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَفْرَقُونَ عَنْ نَصْرِ اللهِ، وَرَسُولِهِ، وَيَدْعُونَ إِخْوَانَهُمْ، وَيَأْمُرُونَ بِتَرْكِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ حِدَّةَ أَلْسِنَتِهِمْ، وَضَعْفَهُمْ عَنِ الْبَأْسِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَصْدِيقَهُمْ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ... ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [ (4) ] . ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُظَاهَرَتَهُمْ عَدُوَّ اللهِ، وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [ (5) ] .
وَمَا سَلَّطَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِهِمْ وَسِبَائِهِمْ وَمَا أَوْرَثَهُمْ [ (6) ] مِنْ أَرْضِهِمْ وَدِيَارِهِمْ وأموالهم وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. وَأَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ قُرْآنًا إِذَا قَرَأْتَهُ عَرَفْتَهُ، تِسْعًا وَعِشْرِينَ آيَةً، فاتحها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ (7) ] . وَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، حَتَّى سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حَكَمًا، يَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم اخْتَارُوا مِنْ أَصْحَابِي مَنْ أَرَدْتُمْ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي قَوْلِهِ: وأرضا لم تطؤوها. فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا خَيْبَرُ، وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا كُلَّ أَرْضٍ فَتَحَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ هُوَ فَاتِحُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ نُزُولِهِمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا قِيلَ لِسَعْدٍ وَمَا قَالَ سَعْدٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، فِي دَارِ زَيْنَبَ بِنْتِ الْحَارِثِ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِ خَنَادِقِ،
سُوقِ الْمَدِينَةِ، الَّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ فِيهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا [ (8) ] وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أسيد، وَهُوَ رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ ثمان مائة أو تسع مائة، وَالْمُكَثِّرُ لَهُمْ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالتِّسْعِمِائَةِ وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ مَا تُرَاهُ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ. أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ. وَأَنَّهُ مَنْ ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ. هُوَ وَاللهِ الْقَتْلُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأَبَ، حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْهُمْ فَأُتِيَ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ فُقَّاحِيَّةٌ [ (9) ] ، قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَةِ لِكَيْلَا يُسْتَلَبَهَا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللهَ يُخْذَلْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللهِ: كِتَابٌ، وَقَدَرٌ، وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا اللهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ [ (10) ] لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ ... وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللهَ يُخْذَلِ يُجَاهِدُ، حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ جَهْدَهَا ... وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزَّ كُلُّ مُقَلْقَلِ وَبَعْضُ النَّاسِ، يَقُولُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ قَالَهَا. قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيَّ، وَكَانَ يُكْنَى بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ قَدْ مَرَّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، فَذَكَرَ قِصَّتَهُ بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَتَمَّ مِنْهُ، وَذَكَرَ فِيمَنْ سَأَلَ عَنْهُ ثَابِتًا، كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ،
وَحُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَغَيْرَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ يَا ثَابِتُ. بِيَدِي عِنْدَكَ ألا ألحقتني بالقوم! فو الله مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ. فَمَا أَنَا بِصَابرٍ حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ. فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَوْلُهُ أَلْقَى الْأَحِبَّةَ، قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاللهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ [ (11) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ وَلَا السَّهْمُ، إِلَّا فِي غَزَاةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانَتِ الْخَيْلُ يَوْمَئِذٍ ست وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، فَفِيهَا أَعْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهْمَانَ الْخَيْلِ، وَسُهْمَانَ الرِّجَالِ، فَعَلَى سُنَّتِهَا جَرَتِ الْمَقَاسِمُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْفَارِسِ وَفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ. لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجَلِ سَهْمًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، بِسَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ، إِلَى نَجْدٍ فَابْتَاعَ لَهُ بِهِمْ خَيْلًا، وَسِلَاحًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدِ اصْطَفَى، لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خنافة، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بن قريظة، وكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مَالِكَ فَهُوَ أَخَفُّ عَلَيْكَ وَعَلَيَّ، فَتَرَكَهَا وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا تَعَصَّتْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَبَتْ إِلَّا الْيَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ. فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ يُبَشِّرُنِي بإسلام
رَيْحَانَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ أَنْبَتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فتركت [ (13) ] .
باب دعاء سعد بن معاذ رضي الله عنه في جراحته وإجابة الله تعالى إياه في دعوته وما ظهر في ذلك من كرامته
بَابُ دُعَاءِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي جِرَاحَتِهِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي دَعْوَتِهِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ كَرَامَتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ. يُقَالُ لَهُ حَبَّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ، رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ [ (1) ] . فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، قَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ! وَاللهِ مَا وَضَعْنَاهَا. اخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ؟ قال: ها هنا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِ إِلَى سَعْدٍ. قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ أَبِي فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَقَدْ
حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ [ (2) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَعْدًا تَحَجَّرَ كَلْمُهُ [ (3) ] لِلْبُرْءِ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ، اللهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرَبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ، فَأَبْقِنِي لهم حيّ، أُجَاهِدُهُمْ فِيكَ. وَإِنْ كُنْتَ قد وضعت الحرب بيننا وَبَيْنَهُمْ، فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا. قَالَ: فَانْفَجَرَ مِنْ لِيَّتِهِ فَلَمْ تَرُعْهُمْ، وَمَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَهْلُ خَيْمَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ. مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغْذُو، فَمَاتَ مِنْهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن نمير [ (4) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ [ (5) ] . ورَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادة، وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا مَضَى [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ ابن الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مسرة، قال حدثنا
الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَنَزَفَ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: اللهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ، فَمَا قَطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ، وَذَرَارِيُّهُمْ، يَسْتَعِينُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ أَصَبْتَ حُكْمَ اللهِ فيهم وكانوا أربع مائة فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِمُ انْفَتَقَ عِرْقُهُ، فَمَاتَ- رَحِمَهُ اللهُ-[ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعَطَّارُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْعَفْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إن هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ [ (7) ] . قَالَ: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِرُوحِهِ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي مَاتَ، فَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على قَبْرِهِ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ الْقَوْمُ ثُمَّ قَالَ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَكَبَّرَ الْقَوْمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَجِبْتُ لِهَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ، حَتَّى كَانَ هَذَا حِينَ فُرِّجَ لَهُ [ (9) ] . وَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي، أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ؟ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ، مُبَادِرًا إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَوَجَدَهُ قَدْ قُبِضَ [ (10) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا وُضِعَ سعد بن
مُعَاذٍ فِي حُفْرَتِهِ، سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَّحَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ، مَعَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ بِمَ سَبَّحْتَ. فَقَالَ: هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ. لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى فَرَّجَهُ اللهُ عَنْهُ [ (11) ] . وَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَأَلَ بَعْضَ أَهْلِ سَعْدٍ: مَا بَلَغَكُمْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ يُقَصِّرُ فِي بَعْضِ الطَّهُورِ من البول.
باب إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية، وأسد بن عبيد وما في ذلك من آثار النبوة
بَابُ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الشَّامِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْهُ، فَأَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَكُنَّا نَقُولُ لَهُ إِذَا احْتَبَسَ الْمَطَرُ: اسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ، حَتَّى تُخْرِجُوا أَمَامَ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً، فَيَقُولُونَ: مَاذَا فَيَقُولُ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ. أَوْ مُدٌّ مِنْ شَعِيرٍ، فَنَفْعَلُ، فَيَخْرُجُ بنا إلى ظاهر حرّينا، فو الله مَا يَبْرَحُ مَجْلِسَهُ، حَتَّى تَمُرَّ بِنَا الشِّعَابُ. تَسِيلُ، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَمَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ، إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ! قُلْنَا أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: أَخْرَجَنِي نَبِيٌّ أَتَوَقَّعُهُ يُبْعَثُ الْآنَ فَهَذِهِ الْبَلْدَةُ، مُهَاجَرُهُ وَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرِي عَمَّا كَانَ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ نَفَرٍ مِنْ هَزَلٍ، لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَا نَضِيرٍ كَانُوا فَوْقَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْهَيِّبَانِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ جَرِيرٍ، وَزَادَ: قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي افْتُتِحَتْ فيها قريظة، قال: أوليك الْفِتْيَةُ الثَّلَاثَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا، يَا مَعْشَرَ يَهُودَ هَذَا الَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمُ ابْنُ الْهَيِّبَانِ. قَالُوا مَا هُوَ؟ قَالَ: بَلَى. وَاللهِ إِنَّهُ لَهُوَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. إِنَّهُ وَاللهِ لَهُوَ بِصِفَتِهِ، ثُمَّ نَزَلُوا فَأَسْلَمُوا وَخَلُّوا أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَهْالِيَهُمْ. قَالُوا: وكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا فُتِحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ- فِيمَا زَعَمَ- ابْنُ إِسْحَاقَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقُرَظِيُّ، فَمَرَّ بِحَرِسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا رَآهُ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى. وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِينَ عَرَفَهُ: اللهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي عَثَرَاتِ الْكِرَامِ. ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَخَرَجَ، حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ ذَهَبَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَذُكِرَ شَأْنُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللهُ بِوَفَائِهِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ فِيمَنْ أُوثِقَ، مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةً وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ الْقُرْآنَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ. يَذْكُرُ فِيهَا مَا نَزَلَ مِنَ الْبَلَاءِ وَنِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَكِفَايَتَهُ إِيَّاهُمْ، إِذْ فَرَّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بَعْدَ سُوءِ الظَّنِّ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً ... الآية [ (1) ] .
باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال: سلام بن أبي الحقيق قال ابن إسحاق: كان بخيبر، ويقال: في حصن له بأرض الحجاز وما ظهر في قصته من الآثار.
بَابُ قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي الْحُقَيْقِ، وَيُقَالُ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَمَا ظَهَرَ فِي قِصَّتِهِ مِنَ الْآثَارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا انْقَضَى أَمْرُ [ (1) ] الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ مِمَّنْ كَانَ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَكَانَتِ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَتِ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانَ بِخَيْبَرَ، فَأَذِنَ لَهُمْ فِيهِ [ (2) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ: الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ [ (3) ] مَعَهُ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، لَا يَصْنَعُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا إلا
صَنَعَ الْآخَرُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا قَتَلَتِ الْأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، تَذَكَّرَتِ الْخَزْرَجُ رَجُلًا، هُوَ فِي الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِثْلُهُ، فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ، فَاسْتَأْذَنُوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عتيك، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَنَسٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ، حَلِيفٌ مِنْ أَسْلَمَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَسِبْتُ أَنَّ فِيهِمْ فُلَانَ بْنَ سَلَمَةَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءُوهُ، صَعِدُوا إِلَيْهِ فِي عُلَيَّةٍ لَهُ فَنَوَّهَتْ بِهِمُ امْرَأَتُهُ، فَصَيَّحَتْ، وَكَانَ قَدْ نَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُمْ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالْوِلْدَانِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَيْهَا السَّيْفَ ثُمَّ يَذْكُرُ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، فَيُمْسِكُ يَدَهُ، قَالَ: فَابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي بَطْنِهِ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ [ (4) ] . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أنيس، أَنَّهُ قَتَلَهُ ابْنُ عَتِيكٍ وَابْنُ أُنَيْسٍ ذَفَّفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ فِيهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ ابْنُ عَتِيكٍ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الله ابن عَتِيكٍ بَيْتَهَ لَيْلًا، فَقَتَلَهُ وهو نائم.
ورَوَاهُ [ (5) ] الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وغيره، عن يحيى ابن آدَمَ [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يوسف ابن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ، الْبَرَاءَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ: عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي أُنَاسٍ مَعَهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ، قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ، قَالَ: فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونُهُ، قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ، فَغَطَّيْتُ رَأْسِي، وَجَلَسْتُ كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً قَالَ: فَنَادَى صَاحِبُ الْبَابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مِرْبَطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ، قَالَ: فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ، وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ، فِي كُوَّةٍ فَأَخَذْتُ، فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِيَ الْقَوْمُ، انْطَلَقْتُ عَلَى مَهْلِي، قَالَ: ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ، فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ، قَدْ طُفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أبا
رَافِعٍ. قَالَ: مَنْ هَذَا. قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى الصَّوْتِ فَأَصَبْتُهُ، قَالَ: فَصَاحَ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ، فَقُلْتُ: مالك يَا أَبَا رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، [قَالَ] [ (7) ] أَلَا أُعْجِبُكَ، لِأُمِّكَ الْوَيْلُ، دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا، فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، وَإِذَا هُوَ مستلقى عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ أَتَّكِئُ عَلَيْهِ، حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا، حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْزِلَ، فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ [ (8) ] رِجْلِي، فَعَصَبْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجِلُ. فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ، فَقَالَ: أَنْعِي أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَشَّرْتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ، هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَأَخْبَرَنِي الْمَنِيعِيُّ، وَالْحَسَنُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ فُلَانٍ [ (10) ] ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ فَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ [ (11) ] ، فَلَعَلِّي أَدْخُلُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ، يَا عَبْدَ اللهِ. إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ. فَادْخُلْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ. فَدَخَلْتُ، فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الْأَقَالِيدَ عَلَى وَدٍّ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلَالِيٍّ فَلَمَّا أَنْ ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ، صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُهُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ. قُلْتُ: إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ، حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وَسْطَ عِيَالِهِ، لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ. قُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! قَالَ: مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ. فَمَا أَغْنَى شَيْئًا، فَصَاحَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ. قَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ. إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ. قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ. وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ صَدْرَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ، حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَلِمْتُ أَنِّي قَدْ قَتَلْتُهُ. فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا فَبَابًا. حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجِهِ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أَرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَوَقَعْتُ فِي ليلة معمرة، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ [ (12) ] ، ثم
انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، فَقُلْتُ لَا أَبْرَحُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ: أَقَتَلْتُهُ؟ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ، قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعِي أَبَا رَافِعٍ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثْنَاهُ. فَقَالَ: ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُهَا فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّمَا لَمْ أَشْكُهَا قَطُّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: وَكَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ أَجْلَبَ فِي غَطَفَانَ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى قِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْعَلُ لَهُمُ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ، فَاجْتَمَعَتْ مَعَهُمْ غَطَفَانُ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ بِمَكَّةَ قَدِ اسْتَغَوَى أَهْلَ مَكَّةَ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَشِيرَتَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، يَنْتَظِرُونَ الْمَدَدَ وَالْأَمْوَالَ، وَأَطَاعَتْ لَهُمْ غَطَفَانُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عتيك بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وأبا قتادة بن ربعي، وَأَسْوَدَ الْخُزَاعِيَّ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ فَبَيَّتُوهُ لَيْلًا فَقَتَلُوهُ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ، وَمَسْعُودَ بْنَ سِنَانِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وأبا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيِّ بْنِ بِلْدَمَةَ، مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَأَسْوَدَ بْنَ خُزَاعِيٍّ حَلِيفًا، لَهُمْ وَيُقَالُ: نَجْدَةُ، فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَأَسْعَدَ بْنَ حُرَامٍ وَهُوَ أَحَدُ الْبُرَكِ حَلِيفٌ لِبَنِي سَوَّادٍ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، فَطَرَقُوا أَبَا رَافِعِ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ الْيَهُودِيَّ بِخَيْبَرَ فَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ ابْنُ كَعْبٍ: فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَفْلَحَتِ الْوُجُوهُ قَالُوا: أَفْلَحَ وَجْهُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَقَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: نَاوِلُونِي السَّيْفَ، فَسَلَّهُ. فَقَالَ: أَجَلْ هَذَا طَعَامُهُ فِي ذُبَابِ السيف [ (15) ] .
باب قتل ابن نبيح الهذلي، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة بوجود الصدق في خبره
بَابُ قَتْلِ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ بِوُجُودِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ [ (1) ] السَّلَمِيَّ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدٍ الْهُذَلِيِّ، ثُمَّ اللِّحْيَانِيِّ لِيَقْتُلَهُ وَهُوَ بِعُرَنَةِ [ (2) ] وَادِي مَكَّةَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ السَّلَمِيَّ، إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عبد الله ابن نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ، ثُمَّ اللِّحْيَانِيِّ وَهُوَ بِعُرَنَةَ مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ، أَوْ بِعَرَفَةَ، قَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَغْزُوَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَحْوُهُ يَا رَسُولَ اللهِ [انْعَتْهُ لِي] قَالَ إِذَا رأيته هبته. وفرقت مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ فَمَا فَرِقْتُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ. فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ يَتَوصَّلُ بِالنَّاسِ، وَيَعْتَزِي إِلَى خُزَاعَةَ، وَيُخْبِرُ مَنْ لَقِيَ أَنَّمَا يُرِيدُ سُفْيَانَ لِيَكُونَ مَعَهُ، فَلَقِيَ سُفْيَانَ وَهُوَ يَمْشِي بِبَطْنِ عُرَنَةَ وَوَرَاءَهُ الْأَحَابِيشُ [ (3) ] مِنْ حَاضِرَةِ مَكَّةَ قَالَ عَبْدُ اللهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، هِبْتُهُ وَفَرِقْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ كَمَنْتُ لَهُ، حَتَّى إِذَا هَدَأَ النَّاسُ، اغررته [ (4) ] فَقَتَلْتُهُ. فَيَزْعُمُونَ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِقَتْلِهِ قَبْلَ قُدُومِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ. قَالَ مُوسَى: وَذَكَرُوا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ عَصًا [ (5) ] فَقَالَ: تَخَصَّرْ بِهَا، أَوْ أَمْسِكْهَا. فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى زَعَمُوا [ (6) ] حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَجُعِلَتْ فِي كَفَنِهِ، بَيْنَ جِلْدِهِ وَثِيَابِهِ. وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ابْنَ أُنَيْسٍ إِلَى ابْنِ نُبَيْحٍ أَمِنَ الْمَدِينَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ قصة العصا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي، وَهُوَ بنخله [ (8) ] ، أو بعرنة فأتيه فَاقْتُلْهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. انْعَتْهُ لِي، حَتَّى أَعْرِفَهُ. قَالَ: آيَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، وَجَدْتَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً [ (9) ] . قَالَ فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا بِسَيْفِي، حَتَّى دَفَعْتُ إِلَيْهِ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ بِهِنَّ مَنْزِلًا، حِينَ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ لَهُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُحَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي إِيمَاءً، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَ لِذَلِكَ، قَالَ: أَجَلْ، نَحْنُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، حَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ، قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ قَامَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ! فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا مَعَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ؟ قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ أَعْطَيْتَنِي هذه
الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ [ (10) ] يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللهِ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا مَاتَ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ، فَدُفِنَا جَمِيعًا [ (11) ] . رَوَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَالَ: إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ [ (12) ]
باب غزوة بني المصطلق [1] وهي غزوة المريسيع، وما ظهر فيها من آثار النبوة [2]
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ [ (1) ] وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ وَلِحْيَانَ فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ خمس [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ. قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن المنذر الخراميّ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي ذِكْرِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثُمَّ قَاتَلَ بني المصطلق وبني لحيان فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ. وَرُوِّينَا، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ الْمُرَيْسِيعُ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ هِجْرَتِهِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: [ (4) ] وَغَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ عَبَّادٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ. قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سبع مِائَةٌ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ [ (5) ] . كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ، فَأَجْمَعُ حَدِيثَهُمْ. قَالُوا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَهُ أَنَّ بَنِيَ الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ: الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، أَبُو جُوَيْرِيَةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِالْمُرَيْسِيعِ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَعَدُّوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَنَفَّلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ [فَأَفَاءَهُمْ] [ (6) ] ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ [ (7) ] . أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ فِي
آخَرِينَ [ (8) ] ، قَالُوا: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، كَانُوا يَنْزِلُونَ نَاحِيَةَ الْفُرْعِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي مُدْلِجٍ، وَكَانَ رَأْسَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، وَكَانَ قَدْ صَارَ فِي قَوْمِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَرَبِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وابْتَاعُوا خَيْلًا وَسِلَاحًا وَتَهَيَّئُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَعَلَتِ الرُّكْبَانُ تَقْدَمُ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ، فَيُخْبِرُونَ بِسَيْرِهِمْ، فَبَلَغَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّ فَعَلِمَ عِلْمَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْقَوْمِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَأَسْرَعُوا الْخُرُوجَ [ (9) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ، وَهِيَ مَوْلَاةُ جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، تَقُولُ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَنَحْنُ عَلَى الْمُرَيْسِيعِ، فَأَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ: أَتَانَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَرَى مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ، وَالسِّلَاحِ، مَا لَا أَصِفُ مِنَ الْكَثْرَةِ. فَلَمَّا أَنْ أَسْلَمْتُ وَتَزَوَّجَنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْنَا، جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسُوا كَمَا كُنْتُ أَرَى، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ رُعْبٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، يَقُولُ: لَقَدْ كُنَّا نَرَى رِجَالًا بِيضًا، عَلَى خُيُولٍ بُلْقٍ، مَا كُنَّا نَرَاهُمْ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ [ (10) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُرَيْسِيعِ، وَهُوَ الْمَاءُ، فَنَزَلَ وَضَرَبَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَّةً لَهُ مِنْ أَدَمٍ، وَمَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ: عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى الْمَاءِ، وَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَصَفَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
أَصْحَابَهُ، وَدَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ، إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَيُقَالُ: كَانَتْ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَنَادَى فِي النَّاسِ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ تَمْنَعُوا بِهَا أَنْفُسَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، فَفَعَلَ عُمَرُ، فَأَبَوْا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ. فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنَّبْلِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوا، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ، وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ، وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ، وَسَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ، وَالذُّرِّيَّةَ وَالنَّعَمَ، وَالشَّاءَ، وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ صَفْوَانُ ذُو الشَّفْرَةِ، فَلَمْ تَكُنْ لِي نَاهِيَةٌ حَتَّى شَدَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَتَلْتُهُ وَكَانَ الْفَتْحُ وَكَانَ شِعَارُهُمْ. يَا مَنْصُورُ أَمِتْ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى سَبْيَهُمْ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، قَالَ نَافِعٌ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ- يَعْنِي بِذَلِكَ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ. مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَسَبَيْنَا كِرَامَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ، وَنَعْزِلَ [ (13) ] ، فَقُلْنَا نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ! فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا [ (14) ] مَا كَتَبَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [ (15) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَسَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ لابن عمّ له،
فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَاحَةً، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عائشة: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَكَرِهْتُهَا، وَقُلْتُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ مَا رَأَيْتُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعِنِّي عَلَى كِتَابَتِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خير مِنْ ذَلِكَ أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ: رَأَيْتُ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، كَأَنَّ الْقَمَرَ يَسِيرُ مِنْ يَثْرِبَ حَتَّى وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَ بِهَا أَحَدًا، مِنَ النَّاسِ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سُبِينَا رَجَوْتُ الرُّؤْيَا، قَالَتْ: فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوَّجَنِي وَاللهِ مَا كَلَّمْتُهُ فِي قَوْمِي، حَتَّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ، وَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمِّي تُخْبِرُنِي الْخَبَرَ، فَحَمِدْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حدثنا
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بِالْمُرَيْسِيعِ، قَالَ: فَهَزَمَهُمُ اللهِ، وَسَبَى فِي غَزْوَتِهِ تِلْكَ جويرية بنت الحارث، ابن أَبِي ضِرَارٍ، فَقَسَمَ لَهَا فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، أَنَّ أَبَاهَا طَلَبَهَا فَافْتَدَاهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَطَبَهَا، فزوجها إياه [ (18) ] .
باب ما ظهر في هذه الغزوة من نفاق عبد الله بن أبي بن سلول
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ نِفَاقِ عبد الله بن أبي بن سَلُولَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ ابن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، فِي قِصَّةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمٌ هُنَاكَ، إِذَا اقْتَتَلَ عَلَى الْمَاءِ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ أَجِيرًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسِنَانُ بْنُ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، قَالَ: ازْدَحَمَا عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَقَالَ سِنَانٌ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْجَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَلَمَّا سَمِعَهَا قَالَ: قَدْ ثَاوَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللهِ مَا عِزُّنَا وَجَلَابِيبُ قُرَيْشٍ هَذِهِ، إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ [ (1) ] ، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا صَنَعْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كَفَفْتُمْ عَنْهُمْ، لتحوّلوا
عَنْكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، إِلَى غيرها، فَسَمِعَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَيِّمٌ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! خُذْ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ، فَلْنَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ يَا عُمَرُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، لَا. وَلَكِنْ نَادِ يَا عُمَرُ فِي الرَّحِيلِ، فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ بَلَغَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ مَا قَالَ مَا قَالَ! عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَكَانَ عِنْدَ قَوْمِهِ بِمَكَانٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الغلام أو هم، وَلَمْ يُثْبِتْ مَا قَالَ الرَّجُلُ، وَرَاحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُهَجِّرًا فِي سَاعَةٍ كَانَ لَا يَرُوحُ فِيهَا، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ، مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكَ ابْنُ أُبَيٍّ، زَعَمَ أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ سَيُخْرِجُ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَأَنْتَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ الْعَزِيزُ، وَهُوَ الذَّلِيلُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ارْفُقْ به، فو الله لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِكَ، وَإِنَّا لَنَنْظِمُ الْخَرَزَ لِنُتَوِّجَهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنْ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، حَتَّى أَمْسَوْا وَلَيْلَتَهُ، حَتَّى أَصْبَحُوا وَصَدْرَ يَوْمِهِ، حَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ لِيَشْغَلَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنِ الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَأْمَنِ النَّاسُ أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الْأَرْضِ، فَنَامُوا وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ [ (3) ] رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا
لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ،! فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبيّ بن سلول، أو قد فَعَلُوهَا، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم دَعْهُ. لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ [ (4) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَعَنَا أُنَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَكُنَّا نَبْتَدِرُ الْمَاءَ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ يَسْبِقُونَا فَيَسْبِقُ الْأَعْرَابِيُّ أَصْحَابَهُ، فَيَمْلَأُ الْحَوْضَ، وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ حِجَارَةً، وَيَجْعَلُ النِّطْعَ [ (6) ] عَلَيْهِ، حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْأَعْرَابِيَّ، فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَفَاضَ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الْأَنْصَارِيِّ، فَشَجَّهُ فَأَتَى عَبْدَ اللهِ بْنَ أبي بن سَلُولَ، رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَغَضِبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، ثُمَّ قَالَ: [لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ
حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ] يَعْنِي الْأَعْرَابَ وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ إِذَا انْفَضُّوا مِنْ عِنْدِ محمد فأتوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ، فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلْيُخْرِجِ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدٌ: وَأَنَا رِدْفُ عَمِّي [ (7) ] فَسَمِعْتُ، عَبْدَ اللهِ وَكُنَّا أَخْوَالَهُ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي فَانْطَلَقَ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَفَ وَجَحَدَ فَصَدَّقَهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَنِي فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي، فَقَالَ مَا أَرَدْتَ أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْغَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَقَدْ خَفَفْتُ بِرَأْسِي مِنَ الْهَمِّ، إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ بِهَا الْخُلْدَ أَوِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا غَيْرَ أَنْ عَرَكَ أُذُنِي، وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَقَالَ أَبْشِرْ، ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَرُ، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ، قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ... حَتَّى بَلَغَ.. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا.. حَتَّى بَلَغَ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.. [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي تَفْسِيرِ آدَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي بِهَمَذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ ابن أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبي بن سَلُولَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَقَالَ: لَئِنْ رجعنا
إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَهُ عَمِّي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الله ابن أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَكَذَّبَنِي فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، وَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.. إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ.. إِلَى قَوْلِهِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا.. إِلَى قَوْلِهِ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ... فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ صَدَّقَكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ آدَمَ [ (9) ] . وذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِمَا هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَزَعَمَا أَنَّ أَوْسَ بْنَ أَقْرَمَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، هُوَ الَّذِي سَمِعَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ عَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ، فَحَلَفَ بِاللهِ، مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ سَبَقَ مِنْكَ قَوْلٌ، فَتُبْ، فَجَحَدَ وَحَلَفَ، فَوَقَعَ رِجَالٌ بِأَوْسِ بْنِ أَقْرَمَ، وَقَالُوا أَسَأْتَ بِابْنِ عَمِّكَ، وَظَلَمْتَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ، إِذْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى اللهُ قَضَاءَهُ فِي مَوْطِنِهِ ذَلِكَ، وَسُرِّيَ عَنْهُ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِأَوْسِ بْنِ أَقْرَمَ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ فَعَصَرَهَا، حَتَّى اسْتَشْرَفَ الْقَوْمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرْ فَقَدْ صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ، حَتَّى بَلَغَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي ابْنِ أُبَيٍّ.. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى يَنْفَضُّوا.. حَتَّى بَلَغَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَاهُ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِيمَا سَمِعَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن عُقْبَةَ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ مِنْ قَوْمِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ، يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللهُ لَهُ بِأُذُنِهِ [ (11) ] قَالَ: وَذَاكَ حِينَ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، لَئِنْ كَانَ هَذَا صَادِقًا، لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَهُوَ وَاللهِ صَادِقٌ وَلَأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْحِمَارِ، ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَحَدَهُ الْقَائِلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَصْدِيقًا لِزَيْدٍ يَعْنِي قَوْلَهُ:.. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا ... الْآيَةُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ إِلَى قَوْلِهِ هذا
الَّذِي أُوفِيَ لَهُ بِأُذُنِهِ [ (12) ] ، وَلَعَلَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (13) ] . وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِإِسْنَادِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذَكَرَ مَا بَعْدَهُ، عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شهاب.
باب هبوب الريح التي دلت رسول الله صلى الله عليه وسلم على موت عظيم من عظماء المنافقين، وما ظهر في راحلته التي ضلت وتكلم المنافق فيها بما تكلم به من آثار النبوة
بَابُ هُبُوبِ الرِّيحِ الَّتِي دَلَّتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على مَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا ظَهَرَ فِي رَاحِلَتِهِ الَّتِي ضَلَّتْ وَتَكَلَّمَ الْمُنَافِقُ فِيهَا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالَا: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ صَنْعَاءَ مِنْ طَرِيقِ عُمَانَ، سَرَّحَ النَّاسُ ظَهْرَهُمْ، وَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، حَتَّى أَشْفَقَ النَّاسُ مِنْهَا، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَأْنُ هَذِهِ الرِّيحِ؟ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: مَاتَ الْيَوْمَ مُنَافِقٌ عَظِيمُ النِّفَاقِ، وَلِذَلِكَ عَصَفَتِ الرِّيحُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَأْسٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ- وَكَانَ مَوْتُهُ غَائِظًا لِلْمُنَافِقِينَ. زَادَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَجَدْنَا مُنَافِقًا عَظِيمَ النِّفَاقِ قَدْ مَاتَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا وَسَكَنَتِ الرِّيحُ آخِرَ النَّهَارِ، فَجَمَعَ النَّاسُ ظَهْرَهَمْ، وَفُقِدَتْ رَاحِلَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ، فَسَعَى لَهَا الرِّجَالُ
يَلْتَمِسُونَهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ فِي رُفْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَيْنَ يَسْعَى هَؤُلَاءِ؟ قَالَ أَصْحَابُهُ: يَلْتَمِسُونَ رَاحِلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّتْ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ ضَلَّتْ. فَقَالَ الْمُنَافِقُ: أَفَلَا يُحَدِّثَهُ اللهُ بِمَكَانِ رَاحِلَتِهِ؟ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ مَا قَالَ. وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللهُ، نَافَقْتَ فَلِمَ خَرَجْتَ وَهَذَا فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: خَرَجْتُ لِأُصِيبَ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا! وَلَعَمْرِي إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُحَدِّثُنَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ شَأْنِ النَّاقَةِ، فَسَبَّهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: وَاللهِ مَا نَكُونُ مِنْكَ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِكَ مَا صَحِبْتَنَا سَاعَةً، فَمَكَثَ الْمُنَافِقُ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهُمْ، فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَوَجَدَ اللهَ قَدْ حَدَّثَهُ حَدِيثَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: وَالْمُنَافِقُ يَسْمَعُ: إِنَّ رَجُلًا مِنِ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ حُلَّتْ أَوْ ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أفلا يحدثه الله بمكان نَاقَتِهِ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَنِي بِمَكَانِهَا وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ، وَهِيَ فِي الشِّعْبِ الْمُقَابِلِ لَكُمْ، وَقَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ، فَعَمَدُوا إِلَيْهَا فجاؤوا بِهَا، وَأَقْبَلَ الْمُنَافِقُ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى النَّفَرَ الَّذِينَ قَالَ عِنْدَهُمْ مَا قَالَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُحَمَّدًا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قُلْتُ؟ قَالُوا: اللهُمَّ لَا، وَلَا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا بَعْدُ، قَالَ: فَإِنِّي وَجَدْتُ عِنْدَ الْقَوْمِ حَدِيثِي، وَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلَّا الْيَوْمَ وَإِنْ كُنْتُ لَفِي شَكٍّ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ قَالَ أَصْحَابُهُ: فَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّصِيبِ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنُ اللَّصِيتِ أَوِ ابْنُ اللَّصِيتِ، وَلَمْ يَزَلْ- زَعَمُوا- فَشِلًا حَتَّى مَاتَ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِيَ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ، عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ، زَيْدُ بْنُ رفاعة بن التابوت [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ قِصَّةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَقْعَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ دُونَ الْبَقِيعِ، هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَخَافَهَا النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَافُوهَا فَإِنَّهَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفْرِ، فَوَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ كَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حدثنا حفص ابن غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدِمَ مِنَ سَفَرٍ، فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ، فَزَعَمَ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ، قَالَ: فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ. لَفْظُ حَدِيثِ حَفْصٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. فَقَالَ: هَذِهِ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، إِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ عَظِيمٌ مِنْ عظماء المنافقين.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بن عبد الله ابن أُبَيٍّ، قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَأْمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ [ (4) ] فو الله لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ بِهَا رَجُلٌ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا فَيَقْتُلَهُ فلا تذعني نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتَلِ عَبْدِ اللهِ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ حَيًّا حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: بَلْ نُحْسِنُ صُحْبَتَهُ وَنَتَرَفَّقُ بِهِ مَا صَحِبَنَا [ (5) ] . وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن أبي بكر، قا ل: كان عبد الله ابن أُبَيٍّ إِذَا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقَدْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا ضِغْنَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعْجِبُهُمْ أَنْ يَعْرِفَ لَهُ شَرَفَهُ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ لَهُ، لِمَا تَعْرِفُونَ مِنْ ضِغْنِهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ادنه.
باب حديث الإفك [1]
بَابُ حَدِيثِ الْإِفْكِ [ (1) ] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بن مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَنَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عن النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا. أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ [ (2) ] . قَالَتْ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ فَخَرَجَ سَهْمِي، فَهَلَكَ [فيّ] [ (3) ] من هلك.
قُلْتُ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي: مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّاهُ حَدِّثِينِي حَدِيثَكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ وَابْنُ مِلْحَانَ فَرَّقَهُمَا (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ. وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وَزَعَمُوا فِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ وَزَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ [ (4) ] أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا [ (5) ] ، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا نَزَلَ [ (6) ] الْحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلُ فِيهِ، وَسِرْنَا، حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ [ (7) ] وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ [ (8) ] بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ، إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ [ (9) ] ، قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي، وَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إذ ذاك خفاقا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ [ (10) ] اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ [ (11) ] مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ. وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بعد ما اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَأَقَمْتُ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَيَوجِّهُونُ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ [ (12) ] مِنْ وراء الجيش،
فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً، غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا موغر بين فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ [ (12) ] ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حين قدمت
شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ [ (13) ] فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كَنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ يَوْمًا بَعْدَ مَا نَقِهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاجِعِ، وَهُوَ مَبْرَزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى اللَّيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفُ [ (14) ] قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا، وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا [ (15) ] ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ [ (16) ] ! أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَمَاذَا قَالَ، وَفِي رواية القطان: رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قالت: أو ما عَلِمْتِ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا وَاللهِ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ. قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ [ (17) ] ؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يا
بنية هوّني عليك. فو الله لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ، وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ [ (18) ] عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا تَرْقَأُ لِي [ (19) ] دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. قَالَتْ: ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَأْمُرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فأما أسامة ابن زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، النِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ مِنَ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ [ (20) ] عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ [ (21) ] فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ [ (22) ] يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُنَا مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنَا أَذَاهُ فِي أَهْلِ بيتي، فو الله مَا عَلِمْتُ فِي أَهْلِي إلا خيرا، ولقد
ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ [ (23) ] ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وهو سيد الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُو اللهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ! فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ [ (24) ] ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،
فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُو اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ. قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كبدي. قالت: فبينا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي. قَالَ: فبينا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: فَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيبَرِّئُكِ اللهِ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَقَالَتُهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى ما تصفون» [ (25) ] .
قَالَتْ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَإِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ سَيُبَرِّئُنِي بَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: أَمْرٌ يُتْلَى- وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا. قالت: فو الله مَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شاتي، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا يَا عَائِشَةُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ، قَالَتْ: فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ، إِلَّا اللهَ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [ (26) ] . الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا. فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (27) ] ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: يَا زَيْنَبُ مَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْقَطَّانِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله بن بكير [ (28) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، فَقُلْتُ: لَا، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كُلُّهُمْ سَمِعَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَقُولُ: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، قَالَ فَقَالَ لِي: فَمَا كَانَ جُرْمُهُ؟ قال قلت:
سُبْحَانَ اللهِ! مِنْ قَوْمِكَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا عَائِشَةَ، تَقُولُ: كَانَ مُسِيئًا فِي أَمْرِي. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ [ (30) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْمُقْرِئُ بِوَاسِطَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةَ، وعُبَيْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَلَمَةَ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزَادَ: قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، وَمَا ذَاكَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَسَاهَمَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَخَرَجَ سَهْمِي، وَسَهْمُ أُمِّ سَلَمَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لحوم الفوافل [ (31) ] قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ، قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ من العمى.
قَالَ وَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ [ (32) ] . ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (33) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا تلى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَّةَ الَّتِي نَزَلَ بِهَا عُذْرِي عَلَى النَّاسِ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ كَانَ بَاءَ بِالْفَاحِشَةِ فِي عَائِشَةَ فَجُلِدُوا الْحَدَّ، قَالَ: وَكَانَ رَمَاهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانُ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَمَوْهَا بِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيِّ [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ قَدْ كَثَّرَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ يُعَرِّضُ بِهِ فيه وبأشباهه، فقال: أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أمسى بيضة البلد [ (35) ]
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً، وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ على رأسه، فيعدوا عَلَيْهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ عَدَا عَلَى حَسَّانَ بِالسَّيْفِ، فو الله مَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عَلِمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، خَلِّ سبيله، فستغدوا علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ، فَقَامَ إِلَيْهِ، فقال: ها أنا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ آذَانِي وَكَثَّرَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عَرَّضَ فِي الْهِجَاءِ، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، وها أنا ذا. فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ادعو إِلَيَّ حَسَّانَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: يَا حَسَّانُ! أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، يَقُولُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِمْ، يَا حَسَّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَكَ، فَقَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيرِينَ الْقِبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ، وَأَعْطَاهُ أَرْضًا كَانَتْ لِأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (36) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، قَالَ حِينَ ضَرَبَ حَسَّانَ: تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنْكَ فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إِذَا هو جيت لَسْتُ بِشَاعِرِ وَقَالَ حَسَّانُ لعائشة: رَأَيْتُكِ وَلْيَغِفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ... مِنَ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غرثى من لحوم الفوافل
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... بِكِ الدَّهْرَ بَلْ قِيلُ امْرِئٍ مُتَمَاحِلِ [ (37) ] فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوكُمْ كَمَا بَلَّغُوكُمُ ... فَلَا رَجَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي فَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ وَإِنَّ لَهُمْ عِزًّا يُرَى النَّاسُ دُونَهُ ... قِصَارٌ وَطَالَ الْعِزُّ كُلَّ التَّطَاولِ [ (38) ] وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، في ذِكْرِ مَا جَرَى بَيْنَ جَهْجَاهٍ وَبَيْنَ فِتْيَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْمَاءِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالَ: وَبَلَغَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الشَّاعِرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ جَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ وَبَيْنَ الْفِتْيَةِ الْأَنْصَارِيِّينَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ وَهُوَ يُرِيدُ الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ يَقْدَمُونَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلّم للإسلام: أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ زَاغُوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مُغْضَبًا مِنْ قَوْلِ حَسَّانَ فَرَصَدَهُ فَلَمَّا خَرَجَ ضَرَبَهُ السُّلَمِيُّ حَتَّى قِيلَ قَتَلَهُ لَا يُرَى إِلَّا أَنَّهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ ضَرَبَ حَسَّانَ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ضَرْبِهِ إِيَّاهُ بِالسَّيْفِ فَبَلَغَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ضَرْبَ السُّلَمِيِّ حَسَّانَ فَقَالَ لَهُمْ خُذُوهُ فَإِنْ هَلَكَ حَسَّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ فَخُذُوهُ فَأْسِرُوهُ وَأَوْثِقُوهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَرْسِلُوا الرَّجُلَ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ عَمَدْتُمْ إِلَى قَوْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشْتُمُونَهُمْ وَتُؤذُونَهُمْ وَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ نَصَرْتُمُوهُمْ فَغَضِبَ سَعْدٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَلِقَومِهِ فَقَالَ أَرْسِلُوا الرجل
فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَخَرَجَ بِهِ سَعْدٌ إِلَى أَهْلِهِ فَكَسَاهُ حُلَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَبَلَغَنَا أَنَّ السُّلَمِيَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ كَسَاكَ كَسَاهُ اللهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: كَسَانِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ إِذَا جاءك المنافقون، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْجَمَاعَةِ عَنْ عَائِشَةَ حَتَّى اسْتَعْذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ رَمْيِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي أَكْحَلِهِ وَوَفَاتِهِ مِنْ تِلْكِ الرَّمِيَّةِ بَعْدَ قُرَيْظَةَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ قِصَّةَ الْإِفْكِ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مَحْفُوظًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَنْفَجِرْ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمُرَيْسِيعِ، وَحَدِيثِ الْإِفْكِ. وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنِ مَنْدَةَ الْحَافِظُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَأَنَّ سَعْدًا مَاتَ بَعْدَ شَعْبَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب سرية نجد يقال أنها كانت في المحرم سنة ست من الهجرة، بعث فيها محمد بن مسلمة فجاء بسيد أهل اليمامة ثمامة بن أثال وما ظهر في أخذه وإسلامه من الآثار
بَابُ سَرِيَّةِ نَجْدٍ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ فِي الْمُحْرِمِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، بُعِثَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَجَاءَ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ وَمَا ظَهَرَ فِي أَخْذِهِ وَإِسْلَامِهِ مِنَ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كان دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ
الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى، فَيَسَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَأْتَ [ (1) ] يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم فو الله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم. واه الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَكَذَا [ (2) ] . وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (3) ] عَنِ الْمَقْبُرِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ، وَذَكَرَ أَوَّلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ كَانَ رَسُولَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا اللهَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ. ثُمَّ رُوِيَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ موسى ابن الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ إِسْلَامُ ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا اللهَ حِينَ عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَرَضَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ اللهُ مِنْهُ، وَكَانَ عَرَضَ لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَأَرَادَ قَتْلَهُ فَأَقْبَلَ ثُمَامَةُ مُعْتَمِرًا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَتَحَيَّرَ فِيهَا، حَتَّى أُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا ثُمَامُ؟ هَلْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا محمد: إن تقتل تقتل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تسأل مالا تعطه
فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ مَرَّ بِهِ، فَقَالَ: مالك يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ: خَيْرًا يا محمد: إن تقتل تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تَسْأَلْ مَالًا تُعْطَهْ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَعَلْنَا الْمَسَاكِينَ نَقُولُ: بَيْنَنَا مَا يَصْنَعُ بِدَمِ ثُمَامَةَ، وَاللهِ لَأَكْلَةٌ مِنْ جَزُورٍ سَمِينَةٍ مِنْ فِدَائِهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مالك يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ خَيْرًا يا محمد إن تقتل تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تَسْأَلْ مَالًا تُعْطَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامُ. فَخَرَجَ ثُمَامَةُ حَتَّى أَتَى حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَاغْتَسَلَ بِهِ وَتَطَهَّرَ، وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ وَمَا وَجْهٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَلَا دِينٌ أبغض إلي من دينك، وَلَا بَلَدٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، ثُمَّ لَقَدْ أَصْبَحْتُ وَمَا وَجْهٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَلَا دِينٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، وَلَا بَلَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ خَرَجْتُ معمرا، وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي فَيَسِّرْنِي صَلَّى الله عَلَيْكَ فِي عُمْرَتِي، فَيَسَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ وَعَلَّمَهُ، فَخَرَجَ مُعْتَمِرًا. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَتْهُ قُرَيْشٌ يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، قَالُوا: صَبَأَ ثُمَامَةُ فَأَغْضَبُوهُ فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَوْتُ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا، وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ. لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ- وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ- مَا بَقِيتُ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّي حَمْلَ الطَّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [ (4) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي ثُمَامَةَ- فَرُبِطَ بِعَمُودٍ مِنْ عَمَدِ الْحُجْرَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوهِمُ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ، وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَصَحُّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ وَالَّذِي رُوِيَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي إِرَادَةِ فِدَائِهِ يَدُلُّ عَلَى شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قِصَّةُ ثُمَامَةَ فِيمَا بَيْنَ خَيْبَرَ وَفَتَحِ مَكَّةَ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ: سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْآدَمِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثميلة يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ لَمَّا أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسِيرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَسْلَمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ يَعْنِي ثُمَّ رَجَعَ فَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ الْمِيرَةِ مِنَ الْيَمَامَةِ، حَتَّى أَكَلَتْ قُرَيْشٌ الْعِلْهِزَ [ (5) ] ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ قَالَ بَلَى قَالَ: فَقَدْ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (6) ] .
باب ذكر السرايا [1] التي كانت في سنة ست من الهجرة فيما زعم الواقدي
بَابُ ذِكْرِ السَّرَايَا [ (1) ] الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَخْبَرَنَا أبو عبد اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، أَوْ قَالَ: الْآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ [ (2) ] فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا إِلَى الْغَمْرِ [ (3) ] ، وَفِيهِمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ وَسِبَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَأَغَذَّا السَّيْرَ وَنَذِرَ الْقَوْمُ بِهِمْ، فَهَرَبُوا فَنَزَلَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَبَعَثَ الطَّلَائِعَ، فَأَصَابُوا مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى بَعْضِ مَاشِيَتِهِمْ، فَوَجَدُوا مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَسَاقُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ [ (4) ] . قَالَ: وَفِيهَا بعث سريّة أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى الْقَصَّةِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَسَارُوا لَيْلَهُمْ مُشَاةً، وَوَافَوْا ذَا الْقَصَّةِ مَعَ عمائة الصُّبْحِ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا فِي الْجِبَالِ، وَأَصَابُوا رَجُلًا وَاحِدًا فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (5) ] . وَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ، فَكَمَنَ الْقَوْمُ بِهِمْ. حَتَّى نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقَوْمِ
فَقُتِلَ أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَفْلَتَ مُحَمَّدٌ جَرِيحًا [ (6) ] . وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِالْحَمُومِ فَأَصَابَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ، فَدَلَّتْهُمْ عَلَى مَحِلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً وَأُسَرَاءَ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْأُسَرَاءِ زَوْجُ حَلِيمَةَ، فَلَمَّا قَفَلَ بِمَا أَصَابَ وَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، لِلْمُزَنِيَّةِ نَفْسَهَا وَزَوْجَهَا [ (7) ] . قَالَ: وَفِيهَا- يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الطَّرْفِ فِي جُمَادَى الْأُولَى إِلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَهَرَبَتِ الْأَعْرَابِ، وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، سَارَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْ نَعَمِهِمْ عِشْرِينَ بَعِيرًا قَالَ: وَغَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ. قَالَ: وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. إِلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى الْأُولَى وَفِيهَا أُخِذَتِ الْأَمْوَالُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أَبِي الْعَاصِ، فَاسْتَجَارَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَارَتْهُ [ (8) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى، فَأَقْبَلَ حَتَّى كَانَ بِحِسْمَى فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَتْرُكُوا مَعَهُ شَيْئًا، فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى حِسْمَى. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مِائَةِ رَجُلٍ إِلَى فَدَكٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر، وذلك
أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يَمُدُّوا يَهُودَ خَيْبَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ، وَأَصَابَ عَيْنًا وَأَقَرَّ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى خَيْبَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَصْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ ثَمَرَ خَيْبَرَ [ (9) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ سَرِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنْ أَطَاعُوا فَتَزَوَّجِ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ، فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَعِ وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ أَبُوهَا رَأْسَهُمْ وَمَلِكَهُمْ [ (10) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ إِلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا. أَمَا قِصَّةُ أَبِي الْعَاصِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَاقِدِيُّ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، وَكَانَتْ مَعَهُ بَضَائِعُ لِقُرَيْشٍ، فَأَقْبَلَ قَافِلًا فَلَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَاسْتَاقُوا عِيرَهُ، وَأَفْلَتَ، وقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَصَابُوا فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ، وَأَتَى أَبُو الْعَاصِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، وَسَأَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَدَّ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّرِيَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا وَلِغَيْرِهِ مِمَّا كَانَ مَعَهُ، وَهُوَ فَيْءُ اللهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تردوا
عَلَيْهِ، فَافْعَلُوا، وَإِنْ كَرِهْتُمْ فَأَنْتُمْ وَحَقُّكُمْ، قَالُوا: بَلْ نَرُدُّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَرَدُّوا- وَاللهِ عَلَيْهِ- مَا أَصَابُوا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي بِالشَّنَّةِ وَالرَّجُلَ بِالْإِدَاوَةِ، وَالرَّجُلَ بِالْحَبْلِ، فَمَا تَرَكُوا قَلِيلًا أَصَابُوهُ وَلَا كَبِيرًا إِلَّا وَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى النَّاسِ بَضَائِعَهُمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مَعِي مَالٌ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَيْهِ. قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، قَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْكُمْ، إِلَّا تَخَوُّفًا مِنْ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَسْلَمْتُ لِأَذْهَبَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ [ (11) ] . وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أَمْوَالَ أَبِي الْعَاصِ إِنَّمَا أَخَذَهَا أَبُو نُصَيْرٍ فِي الْهُدْنَةِ وَذَلِكَ يَرِدُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] وَأَمَّا قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ مِنْ أَهْلِ رِيفٍ فَاسْتَوخَمْنَا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَوْدٍ وَزَادٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فيها فيشربون مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الزَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، حَتَّى مَاتُوا وَهُمْ كَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ يَعْنِي قَوْلَهُ: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ المثلة.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ هَمَّامٌ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا قَالَ حدثنا محمد ابن عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُومُ وَهُوَ الْبِرْسَامُ فَقَالُوا هَذَا الْوَجَعُ. قَدْ وَقَعَ يَا رَسُولَ اللهِ فَلَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَرُحْنَا إِلَى الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَاخْرُجُوا وَكُونُوا فِيهَا فَخَرَجُوا فَقَتَلُوا أَحَدَ الرَّاعِيَيْنِ وَذَهَبُوا بِالْإِبِلِ وَجَاءَ الْآخَرُ وَقَدْ جُرِحَ قَالَ قَدْ قَتَلُوا صَاحِبِي وَذَهَبُوا بِالْإِبِلِ وَعِنْدَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ فَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُكْلٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابن الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الْهِلَالِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن الوليد القدني قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا وَاجْتَوَوَا الْأَرْضَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقُوا بِالْإِبِلِ وَاشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا قَالَ: فَذَهَبُوا فَكَانُوا فِيهَا مَا شَاءَ اللهُ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ قَالَ: فَجَاءَ الصَّرِيخُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشَّمْسُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ لَهُمْ فَكَوَاهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى
مَاتُوا وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. زَادَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ فقال اللهم عمّي عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ قَالَ فَعَمَّى الله عَلَيْهِمُ السَّبِيلَ فَأُدْرِكُوا فَأُتِيَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمل أعينهم [ (13) ] .
جماع أبواب عمرة الحديبية [1]
جُمَّاعُ أَبْوَابِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ [ (1) ] بَابُ تَارِيخِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ [النَّحْوِيُّ] [ (3) ] قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ سَنَةَ سِتٍّ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ. قَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ حَسَّانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تجهز يُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَتَجَهَّزَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ. أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عمر كلهن في ذي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الْعُمْرَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجعرانة حيث قسم غنائم حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وعمرة مع حجته. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (5) ] .
باب عدد من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية
بَابُ عَدَدِ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قال: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزهري، عن عروة ابن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ [ (1) ] قَلَّدَ الْهَدْيَ [ (2) ] وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [ (3) ] . وَاخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ فِي الْبِضْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كانوا ألفا وثلاثمائة [ (4) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ يَوْمَئِذٍ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ [ (5) ] . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ [ (6) ] ، فَذَكَرَهُ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقِيلَ عنه: ألف وخمس
مائة، وقيل: ألف وأربع مائة. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا [ (7) ] : كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ [ (8) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عن حُصَيْنٍ كَذَلِكَ [ (9) ] . وَخَالَفَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ، فَقَالَ: كَمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا وأربع مائة أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ [ (10) ] ، واستشهد البخاري بهذه
الرِّوَايَةِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخَرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ كَانَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؟ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ- يَرْحَمُهُ اللهُ- وَهِمَ، هُوَ حَدَّثَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (11) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَهْمَ، فَقَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: كُنَّا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ أُبْصِرُ لرأيتكم مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ [ (12) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَذَكَرَهُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ رُمْحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قال: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة [ (13) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقُلْنَا لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ألفا وأربع مائة بِخَيْلِنَا وَرِجَالِنَا. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ فَكَذَلِكَ قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربع مائة [ (14) ] .
باب سياق قصة الحديبية وما ظهر من الآثار فيها
بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِيهَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِيمَا حَدَّثَنَا عَنِ الْمَغَازِي، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ [ (1) ] ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيِهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ [ (2) ] عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ [ (3) ] قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ [ (4) ] أَتَاهُ عُيَيْنَةُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ، قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ [ (5) ] ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَهُمْ قَاتِلُوكَ أَوْ مُقَاتِلُوكَ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زِيَادٍ: وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ، قَالَا: جَمِيعًا: وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشِيرُوا عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ [ (6) ] الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ؟. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا جِئْنَا معتمرين، ولم نجيء لِقِتَالِ [أَحَدٍ] [ (7) ] ، وَلَكِنْ مَنْ حَالِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرُوحُوا إذا» . الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فخذوا ذات اليمين» ، فو الله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ [ (8) ] ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ
رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ [ (9) ] ، فَأَلَحَّتْ [ (10) ] ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ [ (11) ] الْقَصْوَاءُ [ (12) ] ، خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زِيَادٍ فِي حَدِيثِهِ: لَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُوحُوا إِذًا قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمِسْوَرُ وَمَرْوَانُ فِي حَدِيثِهِمَا: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ، رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً [ (13) ] يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا [ (14) ] ، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ، قَالَ: فَعَدَلَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ [ (15) ] قَلِيلِ الْمَاءِ إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ [ (16) ] الناس تبرضا،
فَلَمْ يُلْبِثْهُ [ (17) ] النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَطَشَ فَانْتَزَعَ سَهْمًا من كنانة ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فيه قال فو الله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّمِيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ [ (18) ] نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ [ (19) ] مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «إنا لم نجيء لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ [ (20) ] الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ [ (21) ] مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وإن هم أبوا فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهُ» . فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ نَعْرِضُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ، يَقُولُ: قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا بَلَى قَالَ: أَلَسْتُ بِالْوَلَدِ [ (22) ] ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لا،
قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا [ (23) ] عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنْ تكن الأخرى فو الله إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَوْشَابًا [ (24) ] مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ [ (25) ] ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، قَالَ: مَنْ ذَا [ (26) ] ؟ قال أبو بكر: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ [ (27) ] كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ (28) ] وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ [ (29) ] ؟ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ
الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ [ (30) ] صَحَابَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم، فو الله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا لِأَمْرِهِ، وَإِذَا تَوَضَّأَ ثَارُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُجِدُّنَ [ (31) ] إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. قَالَ: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ: وَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كنانة: دعوني ءاته، فقالوا ائتيه، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبَعَثَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَرَجَعَ لِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ دَعُونِي آتِهِ. قالوا: ائتيه فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ [ (32) ] ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كِتَابًا، فَدَعَا الْكَاتِبَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل أما الرحمن فو الله مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَطُوفَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيودِهِ،
قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكتاب بعد، قال: فو الله إِذًا لَا نُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَأَجِرْهُ لِي، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيرِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَرْنَاهُ. قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا! أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ! وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَاللهِ، مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي. قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى أَنَا أَخْبَرْتُكُ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بلى، قلت: فلم نعط الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغرزة [ (33) ] حتى تموت، فو الله إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أو ليس كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّهُ سَيَأْتِي الْبَيْتَ وَيَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَتَطُوفُ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا، قَالَ: فو الله ما قام
مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ بِحَالِقِكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ حَتَّى بَلَغَ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (34) ] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حتى بلغ بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرّجلين: والله إني لا أرى سيفك جيّد جِدًّا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «وَيْلُ امِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ [ (35) ] ، لَوْ كَانَ لَهُ أحد، فلما
سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ. وَيَتَفَلَّتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ. قَالَ: فو الله لَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ خَرَجَتْ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللهَ وَالرَّحِمَ، لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ، فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأُنْزِلَ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ [ (36) ] حَتَّى بَلَغَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (37) ] ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ شَوَاهِدُ وَفِيهَا زِيَادَاتٌ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ مُفَصَّلَةً فِي أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَّامِيِّ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْخُطَبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قال:
حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ [ (38) ] فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ ثُمَّ تَبَادَرَ النَّاسُ بَعْدُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» [ (39) ] فَقُلْنَا تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ [ (40) ] .
باب ما ظهر في البئر التي دعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الحديبية من دلالات النبوة
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي دَعَا فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ: بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أربع عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا، فَلَمْ نَتْرُكْ [ (2) ] فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا [ (3) ] ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ مِنْهَا، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكَهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا نَحْنُ وركائبنا.
لَفْظُ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رَجَاءٍ مِثْلُهُ إِلَى قَوْلِهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، قَالَ: نَزَلْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ بِئْرٌ فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ نَزَحُوهَا، فَلَمْ يدعو فِيهَا قَطْرَةً، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِدَلْوٍ فَنَزَعَ مِنْهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ بِفِيهِ فَمَجَّهُ فِيهَا، وَدَعَا اللهَ فَكَثُرَ مَاؤُهَا حَتَّى صَدَرْنَا وَرَكَائِبُنَا وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (4) ] وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أبي إسحاق. وأخبرنا الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ أَحْمَدُ وَحَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى هَوُ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا. قال: فعقدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى جَبَاهَا [ (5) ] : فَإِمَّا دَعَا، وأمَّا بَزقَ فِيهَا، فَجَاشَتْ [ (6) ] فَسَقَيْنَا، وَاسْتَقَيْنَا. لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ والمسور بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ حَرْبًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ فِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ انْزِلُوا» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا بِالْوَادِي مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْقُلُبِ [ (8) ] فَاغْرِزْهِ فِي جَوْفِهِ، فَفَعَلَ، فَجَاشَ بِالْمَاءِ بِالرَّوَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ [عَنْهُ] بِعَطَنٍ [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: فَذَكَرَ خُرُوجَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ فَسَبَقُوهُ إِلَى بَلْدَحَ، وَإِلَى الْمَاءِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ سُبِقَ نَزَلَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ، فَأَشْفَقَ الْقَوْمُ مِنَ الظَّمَاءِ وَالْقَوْمُ كَثِيرٌ، فَنَزَلَ فِيهَا رجال يميجونها، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ فِي الدَّلْوِ، وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمَّ مَجَّ بِهِ وَأَمَرَ أَنْ يُصَبَّ فِي الْبِئْرِ، وَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ وَدَعَا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَفَارَتْ بِالْمَاءِ، حَتَّى جَعَلُوا يَغْتَرِفُونَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَفَتَيْهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن ابن
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ صَاحِبُ بُدْنِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ أَنَا الَّذِي نَزَلْتُ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتَ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ، فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ [ (10) ] عَلَى النَّاسِ، فقالت: يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا ... إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا [ (11) ] يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجِّدُونَكَا [ (12) ] فَقَالَ نَاجِيَةُ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النَّاسِ: قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ... أَنِّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ... طَعَنْتُهَا تَحْتَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ [ (13) ] وَذَكَرَ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْبِئْرِ خَلَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْغِفَارِيُّ، وَدَلَّاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِعِمَامَتِهِ، فَمَاحَ فِي الْبِئْرِ، فَكَثُرَ الْمَاءُ، حَتَّى روي الناس، قال:
وَيُقَالُ بَلِ الْمَائِحُ فِي الْبِئْرِ: نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ [ (14) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: لَيْسَ لَنَا مَاءٌ، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي قَعْرِ قَلِيبٍ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، فَرَوِيَ النَّاسُ حَتَّى ضَرَبُوا بِعَطَنٍ. قَالَ: وَيُقَالُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ؟ فَنَزَلَ خَلَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْغِفَارِيُّ فذكره نحوه.
باب ما ظهر من الحديبية بخروج الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لأصحابه ماء يشربونه ويتوضؤون به من دلالات النبوة والأشبه أن ذلك كان مرجعهم عام الحديبية حين دعا في أزوادهم بالبركة
بَابُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِخُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهِ ماء يشربونه ويتوضّؤون بِهِ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرْجِعَهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ دَعَا فِي أَزْوَادِهِمْ بِالْبَرَكَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ. قال شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كنا ألفا وخمس مائة، وَذَكَرَ عَطَشًا أَصَابَهُمْ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيونُ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَوَسِعَنَا وَكَفَانَا، قَالَ قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا. كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا، إِذْ جَهَشَ الناس نحوه، فقال: مالكم؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَشْرَبُ، وَلَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ، إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ [ (2) ] بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِثْلَ الْعُيونِ، قَالَ: فَشَرِبُوا، وَتَوَضَّئُوا، قَالَ: قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْمَاءَ يَغُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، كَأَمْثَالِ الْعُيونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. ثُمَّ ذَكَرَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ (ح) . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرُ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، وَقَالَ: حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ من بين أَصَابِعِهِ قَالَ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ، وَشَرِبُوا، قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا آلوا مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ، قَالَ قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ، قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، غَزَوْنَا أَوْ سَافَرْنَا، ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ طَهُورٍ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ مَاءٌ غَيْرُهُ، فَعَبَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَدَحٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ، قَالَ فَرَكِبَ الناس ذلك القدح، وقال: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: على رسلكم
حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، ثُمَّ قال: أسبغوا الوضوء. فو الذي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي، لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيونَ: عُيونَ الْمَاءِ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ وَلَمْ يَرْفَعْهَا حَتَّى تؤووا أَجْمَعُونَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، يَعْنِي [ابْنُ] [ (7) ] إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ [ (8) ] ، حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا، فَأَمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا [ (9) ] ، فَبَسَطْنَا [ (10) ] لَهُ نِطْعًا [ (11) ] فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النِّطْعِ، قال: فتطاولت لأحزركم [ (12) ] هو؟
فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ [ (13) ] ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ لَهُ فِيهَا نُطْفَةٌ فَأَفْرَغَهَا فِي قَدَحٍ، فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً [ (14) ] أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَهُورٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَرَغَ الْوَضُوءُ لَفْظُ حَدِيثِ النَّضْرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَلَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا جَهَدْنَا، وَفِي النَّاسِ ظَهْرٌ فَانْحَرْهُ لَنَا فَنَأْكُلَ مِنْ لُحُومِهِ وَلِنَدَّهِنَ مِنْ شُحُومِهِ، وَلِنَحْتَذِيَ مِنْ جُلُودِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّ النَّاسَ إِنْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَقِيَّةُ ظَهْرٍ أَمْثَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْسُطُوا أَنْطَاعَكُمْ، وَعَبَاكُمْ. فَفَعَلُوا ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ زَادٍ وَطَعَامٍ فَلْيَنْثُرْهُ وَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: قَرِّبُوا أَوْعِيَتَكُمْ فَأَخَذُوا مَا شَاءَ اللهُ. يُحَدِّثُهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
وَحَدَّثَنِيهِ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ. وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا نَزَلَ مَرَّ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ قَالَ أَصْحَابُ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولُ اللهِ لَوِ انْتَحَرْنَا مِنْ ظُهُورِنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَحَسَوْنَا مِنَ الْمَرَقِ أَصْبَحْنَا غَدًا إِذَا غَدَوْنَا عَلَيْهِمْ وَبِنَا جَمَامٌ قَالَ لَا وَلَكِنِ ائْتُونِي بِمَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِكُمْ، فَبَسَطُوا أَنْطَاعًا، ثُمَّ صَبُّوا عَلَيْهَا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، فَأَكَلُوا حَتَّى تَضَلَّعُوا شِبَعًا، ثُمَّ لَفَّفُوا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ فِي جُرُبِهِمْ [ (15) ] .
باب ذكر البيان أن خروج الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غير مرة وزيادة ماء البئر ببركة دعائه كانت له عادة، وكل واحد منهما دليل واضح من دلائل النبوة
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَزِيَادَةَ مَاءِ الْبِئْرِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ كَانَتْ لَهُ عَادَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو زَكَرِيَّا [ (1) ] بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (ح) . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، وَأَمَرَ الناس أن يتوضؤوا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (2) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْنٍ، وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ [ (4) ] ، فَجَعَلَ الْقَوْمَ يتوضأون، فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الرَّبِيعِ. وَفِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن مسدد [ (5) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الرَّبِيعِ [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَى قُبَاءَ، فَأُتِيَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهِمْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ، قَالَ: فَأَدْخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَلَمْ يَسَعْهُ الْقَدَحُ، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ إِبْهَامَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: هَلُمُّوا إِلَى الشَّرَابِ، قَالَ أَنَسٌ: بَصُرَ عَيْنِي يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَلَمْ يَزَلِ الْقَوْمُ يَرِدُونَ الْقَدَحَ حَتَّى رَوَوْا مِنْهُ جَمِيعًا [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ يَتَوَضَّأُ وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ. قُلْنَا: كم هم [ (8) ] ؟ قال: ثمانين وَزِيَادَةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ السهمي [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجِدِ القوم ماء يتوضؤون فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ أَمَرَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ قال للقوم: هلموا فتوضؤوا، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَسُئِلَ أَنَسٌ كَمْ بَلَغُوا؟ قَالَ: كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ [ (10) ] . وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَنَسٍ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ إِلَى قُبَاءَ، وَرِوَايَةُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ أُخْرَى وَاللهُ أعلم. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله، حدثنا علي بن جمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ بِالزَّوْرَاءِ [ (11) ] دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بين
أَصَابِعِهِ، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (12) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (13) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ. وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه كَانُوا بِالزَّوْرَاءِ وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فَدَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ جَمِيعًا فَقُلْتُ لِأَنَسٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ كَمْ كَانُوا فَقَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ عَنْ مُعَاذٍ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّيْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زياد، قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، قَالَ: أتيت
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (15) ] إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَشَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، قَالَ بِشْرٌ: يَعْنِي سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَلَزِمْتُهُ وَكُنْتُ قَوِيًّا وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَيَسْتَأْخِرُونَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كَانَ أَذَانُ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلَاحَقَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أخا صداء؟ فَقُلْتُ: لَا، إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ. قَالَ الصُّدَائِيُّ فَرَأَيْتُ بَيْنَ إصبعين من أصابعه عينا تَفُورُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، نَادِ فِي أَصْحَابِي مَنْ كان له
حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ، فَنَادَيْتُ فِيهِمْ فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ هُوَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (16) ] وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْنَا يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا، فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا لَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا: أَنْ يَسْقِيَنَا مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعَ عَلَيْهَا وَلَا نتفرق، فدعا بسبع حصيات فَعَرَكَهُنَّ فِي يَدِهِ، وَدَعَا فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ، فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ. قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى قَعْرِهَا يَعْنِي الْبِئْرَ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ يَعْنِي الطَّرَسُوسِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْعُيونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: الوضوء المبارك [ (18) ] .
باب شهود عبد الله بن مسعود احدى هذه المرات رضي الله عنه التي خرج الماء فيها من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعهم تسبيح الطعام الذي كانوا يأكلونه معه
بَابُ شُهُودِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِحْدَى هَذِهِ الْمَرَّاتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّتِي خَرَجَ الْمَاءُ فِيهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَسَمَاعِهِمْ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ مَعَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (1) ] أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَعُدُّونَ الْآيَاتِ عَذَابًا، وَكُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَأُتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيَّ عَلَى الطهور المبارك، والبركة مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى تَوَضَّأْنَا كُلُّنَا [ (2) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي أَحْمَدَ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَرْقَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، وَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: حَيَّ عَلَى الْوَضُوءِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ. فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ [ (3) ] .
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم غداة مطروا بالحديبية
بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ مُطِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَعْفَرُ بْنُ هارون ابن إِبْرَاهِيمَ النَّحْوِيّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (1) ] الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللهِ وَبِفَضْلِ اللهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كافر بي.
وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ [ (2) ] .
باب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة حين نزل بالحديبية ودعائه أصحابه إلى البيعة
بَابُ إِرْسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ حِينَ نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَدُعَائِهِ أَصْحَابَهُ إِلَى الْبَيْعَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: محمد ابن عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي نُزُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: وَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ لِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَحَبَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِيَبْعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَا آمَنُهُمْ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ يَغْضَبُ لِي إِنْ أُوذِيتُ فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ (رَضِيَ الله عَنْهُ) فَإِنَّ عَشِيرَتَهُ بِهَا وَإِنَّهُ مُبَلِّغٌ لَكَ مَا أَرَدْتَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَقَالَ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا وَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ رِجَالًا بِمَكَّةَ مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ فَيَدْخُلَ عَلَيْهِمْ وَيُبَشِّرَهُمْ بِالْفَتْحِ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَشِيكٌ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ بِمَكَّةَ حَتَّى لَا يُسْتَخْفَى فِيهَا بِالْإِيمَانِ تَثْبِيتًا يُثَبِّتُهُمْ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَمَرَّ عَلَى قُرَيْشٍ بِبَلْدَحَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ. أَيْنَ؟، فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ لِأَدْعُوَكُمْ إِلَى اللهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- وَإِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا، فَدَعَاهُمْ عُثْمَانُ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: قَدْ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ فَانْفُذْ لِحَاجَتِكَ، وَقَامَ إِلَيْهِ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَرَحَّبَ
بِهِ، وَأَسْرَجَ فَرَسَهُ، فَحُمِلَ عُثْمَانُ عَلَى الْفَرَسِ فَأَجَارَهُ وَرَدَفَهُ أَبَانُ، حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ، وَأَخَا بَنِي كِنَانَةَ، ثُمَّ جَاءَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَمَا قَالُوا وَقِيلَ لَهُمْ وَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ إِنَّمَا جَاءَ الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ عُمَّارًا فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَلْيَطُوفُوا، فَشَتَمُوهُ، ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ: سُهَيْلَ بن عمرو، وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ، لِيُصْلِحُوا عَلَيْهِمْ فَكَلَّمُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُ إِلَى الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ، فَلَمَّا لَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ، وَقَدْ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَزَاوَرُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ وَطَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُشْرِكِينَ لَا يَخَافُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَنْتَظِرُونَ الصُّلْحَ وَالْهُدْنَةَ، إِذْ رَمَى رَجُلٌ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ رَجُلًا مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ فَكَانَتْ مُعَارَكَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَصَاحَ الْفَرِيقَانَ كِلَاهُمَا، وَارْتَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ فِيهِمْ، فَارْتَهَنَ الْمُسْلِمُونَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَارْتَهَنَ الْمُشْرِكُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَمَنْ كَانَ أَتَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْعَةِ، ونَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ، فَاخْرُجُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فَبَايعُوا، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا أَبَدًا، فَرَغَّبَهُمُ اللهُ تَعَالَى فَأَرْسَلُوا مَنْ كَانُوا ارْتَهَنُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعَوْا بِالْمُوَادَعَةِ وَالصُّلْحِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي كَيْفِيَّةِ الصُّلْحِ وَالتَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ، قَالَ: وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: خَلَصَ عُثْمَانُ مِنْ بَيْنِنَا إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظُنُّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ مَحْصُورُونَ» ، قَالُوا: وَمَا يَمْنَعُهُ يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ خَلَصَ، قَالَ: «ذَلِكَ ظَنِّي بِهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى يَطُوفَ مَعَنَا» ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: اشْتَفَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: بِئْسَ مَا ظَنَنْتُمْ بي، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ مَكَثْتُ بِهَا مُقِيمًا سَنَةً وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُقِيمٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَا
طُفْتُ بِهَا حَتَّى يَطُوفَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَأَبَيْتُ قَالَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللهِ وَأَحْسَنَنَا ظَنًّا [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُلِّغَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانُوا قَتَلُوهُ لَأُنَاجِزَنَّهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْقِتَالِ، عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ [ (2) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بَعْضُ آلِ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ: هَذِهِ لِي وَهَذِهِ لِعُثْمَانَ إِنْ كَانَ حَيًّا، ثُمَّ بَلَغَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ بَاطِلٌ فَرَجَعَ عُثْمَانُ [ (3) ] . قَالَ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقٌ بِإِبِطِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ صَبَا إِلَيْهَا يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمْ نُبَايِعِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم على الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نفر.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ وَجَدْنَا رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ مُخْتَبِئًا تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ [ (5) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ. وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ [ (6) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة، فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ سَمُرَةٌ [ (7) ] ، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (8) ] . وحَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَعْرَجِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ [ (11) ] ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى مَا تُبَايعُنِي؟ فَقَالَ أَبُو سِنَانٍ: عَلَى ما في نفسك.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ يَزِيدُ [بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ] ذَكَرَهُ- عَنْ سلمة، [ابن الْأَكْوَعِ] ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ يَزِيدُ قُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ؟ قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ، قَالَ: أَقْبِلْ فَبَايِعْ، قَالَ: فَدَنَوْتُ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عَلَى مَا [ (13) ] بَايَعْتَهُ يَا سَلَمَةُ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (14) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا. فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَاهَا يَعْنِي الرَّكِيَّةَ [ (16) ] فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ [ (17) ] فِيهَا فَجَاشَتْ [ (18) ] ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانَا إِلَى الْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ فَبَايَعَهُ أَوَّلُ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ النَّاسِ، قَالَ: «بَايِعْنِي يَا سَلَمَةُ!» قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قَدْ بَايَعْتُكَ أَوَّلَ النَّاسِ، قَالَ وَأَيْضًا، قَالَ: وَرَآنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزِلًا [ (19) ] فَأَعْطَانِي حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً [ (20) ] ، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ أَلَا تُبَايِعُ يَا سَلَمَةُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ، قَالَ: وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَقِيَنِي عَامِرٌ عَزِلًا فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ [ (21) ] اللهُمَّ ابغني [ (22) ] حبيبا
هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ [ (23) ] حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ [ (24) ] فَاصْطَلَحْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ [ (25) ] أَسْتَقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ [ (26) ] ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكَتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا [ (27) ] وَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْغَضْتُهُمْ ثُمَّ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى فَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الوادي [] الْمُهَاجِرِينَ قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ قَالَ فَاخْتَرَطْتُ [ (28) ] سَيْفِي، فَشَدَدْتُ [ (29) ] عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقَّدٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا [ (30) ] فِي يَدَيَّ ثُمَّ قُلْتُ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِي عَيْنَاهُ [ (31) ] ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ [ (32) ] يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُودُهُ [على فرس
مُجَفَّفٍ [ (33) ]] حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعُوهُمْ يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ [ (34) ] فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ [ (35) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (36) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ لِيُقَاتِلُوهُ [ (37) ] ، قَالَ: فَأَخَذَهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلْمًا [ (38) ] ، قَالَ: فَأَعْتَقَهُمْ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ (39) ] . قَالَ حَمَّادٌ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ الْكَلْبِيَّ قَالَ كَذَلِكَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ [ (40) ] آخَرَ عَنْ حَمَّادِ.
باب فضل من بايع تحت الشجرة قال الله عز وجل: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة 48: 18 [1]
بَابُ فَضْلِ مَنْ بَايَعَ تَحْتِ الشَّجَرَةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة، قَالَ: فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ. قَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ، قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِهَا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ أبي
مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عِنْدَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فِي قَابِلٍ [ (3) ] حَاجِّينَ فَخَفِيَ عَلَيْنَا مَكَانُهَا [ (4) ] فَإِنْ كَانَتْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ [ (5) ] . ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ، يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ» ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [ (7) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» [ (8) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَجَّاجٍ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَشْكُو حَاطِبًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» [ (10) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عن قتيبة.
باب كيف جرى الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو يوم الحديبية
بَابُ كَيْفَ جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَا: فَدَعَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالُوا اذْهَبْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُونَنَّ فِي صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، لَا تَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً. فَخَرَجَ سُهَيْلٌ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مُقْبِلًا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقَوْلُ، حَتَّى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَدِمَهَا خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ، وَالسُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَانَا مِنْ أَصْحَابِكَ بِغَيْرِ إِذَنِ وَلِيِّهِ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَاكَ مِنَّا بِغَيْرِ إِذَنِ وَلِيِّهِ رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُكْتَبَ الْكِتَابُ، قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كما مضى [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، كَتَبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. قَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ، فَأَبَى، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُوا مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ [ (2) ] . قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: السَّيْفُ بِقِرَابِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لِعَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ سهيل بن عمرو: او نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَصَدَّقْنَاكَ، وَلَمْ نُكَذِّبْكَ، اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَكَتَبَ: مَنْ أَتَانَا مِنْكُمْ رَدَدْنَاهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ أَتَاكُمْ مِنَّا تَرَكْنَاهُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُعْطِيهِمْ هَذَا قَالَ: «مَنْ أَتَاهُمْ مِنَّا فَأَبْعَدَهُ اللهُ وَمَنْ أَتَانَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ كَاتِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الصُّلْحِ، كَانَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو» ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ يَتَلَكَأُ وَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ إِلَّا مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهَا تُعْطِيهَا وَأَنْتَ مُضْطَهَدٌ» ، فَكَتَبَ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنِ عَمْرٍو [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سياه.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ، قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ. قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي أَنْفُسِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا، وَبَيْنَهُمْ. قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ ابْنُ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَى مَا نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ قال: يا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ فتح هُوَ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَجَعَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْلَى [ (6) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (7) ] .
باب قول الله - عز وجل -: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك 2: 196 [1] .
بَابُ قَوْلِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هشام جار أحمد ابن حَنْبَلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَضَرَنَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَ الْهَوَامُّ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَمَرَّ بِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ. قُلْتُ نَعَمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً، أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ... الْآيَةَ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَإِيَّايَ عُنِيَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَ أَبُو بِشْرٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيِّ [ (2) ] .
باب ما جرى في إحرامهم وتحللهم حين وقع الحصر
بَابُ مَا جَرَى فِي إِحْرَامِهِمْ وَتَحَلُّلِهِمْ حِينَ وَقَعَ الْحَصْرُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَا: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قوموا فانحروا، وحلوا، فو الله مَا قَامَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! أَلَا تَرَيْنَ إِلَى النَّاسِ، أَيْ آمُرُهُمْ بِالْأَمْرِ لَا يَفْعَلُونَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَلُمْهُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ دَخَلَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِمَّا رَأَوْكَ حَمَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ فِي الصُّلْحِ، وَرَجْعَتِكَ وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْكَ، فَاخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، حَتَّى تَأْتِيَ هَدْيَكَ فَتَنْحَرَ، وَتَحُلَّ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَعَلُوا كَالَّذِي فَعَلْتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدَهَا، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا، حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ، فَنَحَرَ، وَحَلَقَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، قَامُوا فَفَعَلُوا، وَنَحَرُوا، وَحَلَقَ بَعْضُهُمْ، وَقَصَّرَ بَعْضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ:
«وَلِلْمُقَصِّرِينَ» [ (1) ] . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لِمَ ظَاهَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَشْكُوا. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: حَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُلُّهُمْ، غَيْرَ رَجُلَيْنِ قَصَّرَا وَلَمْ يَحْلِقَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حَيْثُ حَلَّ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَانْصَرَفَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَارِبٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالْمُقَصِّرِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ.
قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُحِرَ أَوْ نَحَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فِيهَا جَمَلُ أبي جهل، فلما صدّق عَنِ الْبَيْتِ، حَنَّتْ كَمَا تَحِنُّ إِلَى أَوْلَادِهَا. أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلَيْهِ خِشَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ الزِّمَامُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الزِّمَامَ يَكُونُ فِي اللَّحْمِ، وَالْخِشَاشُ يَكُونُ فِي الْعَظْمِ، وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا لِيَغِيظَ بِهِ قُرَيْشًا [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهَا إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ قَامَ بِهَا ثَلَاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ فليح [ (4) ] .
أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (ح) . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي المعروف الفقيه الاسفرائني بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ: قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَيَحْيَى بْنِ يحيى [ (5) ] .
باب نزول سورة الفتح مرجعهم من الحديبية وما ظهر في وعد الله جل ثناؤه في تلك السورة من الفتح والمغانم، ودخول المسجد الحرام، ودعاء المحلقين من الأعراب إلى قوم أولى بأس شديد فوجد تصديق الفتح والمغانم الكثيرة، ودخول المسجد الحرام في حياة الرسول صلى
بَابُ نُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي وَعْدِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَدُعَاءِ الْمُحَلِّقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَوَجَدَ تَصْدِيقَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمَ الْكَثِيرَةِ، وَدُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ تَصْدِيقَ الدُّعَاءِ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ. فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ الْفَارُوقِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ، وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ فِي الرِّسَالَةِ وَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ وُجِدَ تَصْدِيقُ غَلَبَةِ الرُّومِ فَارِسَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ... وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (1) ] ، ويقال أن أوتي بَأْسٍ شَدِيدٍ» هَوَازِنُ فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُهُ أَيْضًا. فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله البوسنجيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ! نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، حَتَّى تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فلَمْ أَنْشِبْ أَنْ
سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ، قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (2) ] . لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وحديث القعبني نَحْوُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ [ (3) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، جَعَلَتْ نَاقَتُهُ تَثْقُلُ، فَتَقَدَّمْنَا فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ مِنَ السُّرُورِ مَا شَاءَ اللهُ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ عَرَّسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْرُسُنَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَدْرَكَنِي النَّوْمُ فَنِمْتُ، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إِلَّا بِالشَّمْسِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظْنَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ لَوْ شَاءَ أَنْ لَا تَنَامُوا عَنْهَا، لَمْ تَنَامُوا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ، ثُمَّ ذَهَبَ الْقَوْمُ فِي طَلَبِ رواحلهم، فجاؤوا بِهِنَّ غَيْرَ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اذْهَبْ هَاهُنَا، فَوَجَّهَنِي وَجْهًا، فَذَهَبْتُ حَيْثُ وَجَّهَنِي، فَوَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى بِشَجَرَةٍ، فَجِئْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى بِشَجَرَةٍ مَا كَانَ يَحُلُّهَا إِلَّا يد.
كَذَا قَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ أَقْبَلُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا كُنَّا، فَذَكَرَ مَوْضِعًا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ، قَالَ، بِلَالٌ: أَنَا. قَالَ: إِذًا تَنَامَ. قَالَ: فَنَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَيْقَظَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَقِيلَ: تَكَلَّمُوا لَعَلَّهُ يَسْتَيْقِظُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، وَكَذَلِكَ يفعل من نام أونسى. قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمَسْعُودِيِّ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ، تَأْرِيخَ نُزُولِ السُّورَةِ، حِينَ أَقْبَلُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَطْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعَهُ حَدِيثَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثَ الرَّاحِلَةِ، وَكَانَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعٌ، يَعْنِي ابْنَ يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا، إِذَا النَّاسُ يُوجِفُونَ الْأَبَاعِرَ، [ (4) ] قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ ما لوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نُوجِفُ مَعَ النَّاسِ، حَتَّى وَجَدْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا عَنْ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَعْضُ مَا يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ، قَرَأَ عَلَيْهِمْ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. أَوْ فتح هُوَ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَتْحٌ. قَالَ: ثُمَّ قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الجيش ألفا وخمس مائة، فيهم ثلاث مائة فارس، فكان للفارس سهمين. كَذَا رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ فِي قِسْمَةِ خَيْبَرَ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى وَبُنْدَارٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بُنْدَارٍ [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (7) ] أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. [ (8) ] قَالَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ [ (9) ] ، فَقَالَ: رَجُلٌ: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللهِ. هَذَا لَكَ، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... ، قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَحَدَّثْتُهُمْ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ، فَعَنْ أَنَسٍ، وَأَمَّا الثَّانِي لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... [ (10) ] ، فَعَنْ عِكْرِمَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ. عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الرَّصَاصِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ فَجَعَلَ الْأَوَّلَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَجَعَلَ الثَّانِيَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [ (11) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ إِمْلَاءً، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مَرْجِعَهُ من الحديبية، وأصحابه مخالطوا [ (12) ] الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ [ (13) ] فَقَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا تَلَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مَا يَفْعَلُ، بِكَ فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (14) ] مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَشَيْبَانَ بن عبد الرحمن، عن قَتَادَةَ هَكَذَا، وَفِي رِوَايَةِ شيبان وأصحابه،
مخالطوا الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ، وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ «وَلَمَّا نَزَلَتْ: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [ (15) ] . نَزَلَ بَعْدَهَا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ. قَدْ عَلِمْنَا مَا يُفْعَلُ بِكَ، مَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً.. [ (16) ] ، قَالَ: وَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ: الْجَنَّةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَا: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَاجِعًا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَتْحِ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فَكَانَتِ الْقَضِيَّةُ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، وَمَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ بَيْعَةِ رَسُولِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا أَمِنَ النَّاسُ وَتَفَاوَضُوا، لَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ، بالإسلام
إِلَّا دَخَلَ فِيهِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا عَظِيمًا [ (17) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (18) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله بن الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالُوا وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ رَاجِعًا، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا. بِفَتْحٍ، لَقَدْ صُدِدْنَا عَنِ الْبَيْتِ وَصُدَّ هَدْيُنَا، وَعَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَرَجَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِفَتْحٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ الْكَلَامُ! هَذَا أَعْظَمُ الْفَتْحِ، لَقَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ بِالرَّاحِ عَنْ بِلَادِهِمْ، وَيَسْأَلُونَكُمُ الْقَضِيَّةَ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَانِ، وَقَدْ رَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا وَقَدْ أَظْفَرَكُمُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِمْ، وَرَدَّكُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مَأْجُورِينَ، فَهَذَا أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا؟ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، والله
يَا نَبِيَّ اللهِ مَا فَكَّرْنَا فِيمَا فَكَّرْتَ فِيهِ، وَلَأَنْتَ أَعْلَمُ بِاللهِ- عَزَّ وَجَلَّ، وَبِالْأُمُورِ مِنَّا، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةَ الْفَتْحِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. إِلَى قَوْلِهِ: صِراطاً مُسْتَقِيماً [ (19) ] فَبَشَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِمَغْفِرَتِهِ، وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ، وَفِي طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ، وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا الْمُنَافِقُونَ مُعْتَلُّونَ بِهِ إِذَا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنْ لَنْ يَرْجِعَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا، وَظَنُّوا السُّوءَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ إِذَا انْطَلَقُوا إِلَى مَغَانِمَ لِيَأْخُذُوهَا، الْتَمَسُوا الْخُرُوجَ مَعَهُمْ لِعَرَضِ الدُّنْيَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ سَيُدْعَونَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، يُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ مَا يَبْتَلِيهِمْ، فَإِنْ أَطَاعُوا، أَثَابَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ. وَإِنْ تَوَلَّوْا كَفِعْلِهِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، عَذَّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَثَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفَتْحِ، وَالْمَغَانِمِ الْكَثِيرَةِ، «وَعَجَّلَ لَهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً» ، ثُمَّ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِكَفِّ أَيْدِي الْعَدُوِّ عَنْهُمْ، ثُمَّ بَشَّرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْ «لَوْ قَاتَلَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ، ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، ولأعطيّنكُم النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَيْهِمْ» . ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَصَدَّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، وَأَخْبَرَ أَنْ لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَوْ كَانَ قِتَالٌ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (20) ] . ثُمَّ ذَكَرَ الْحَمِيَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قلوبهم حين أبو أَنْ يُقِرُّوا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِاسْمِهِ، وَلِلرَّسُولِ بِاسْمِهِ، وَذَكَرَ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السَّكِينَةِ حَتَّى لَا يَحْمُوا كَمَا حَمِيَ الْمُشْرِكُونَ لِوَقْعِ الْقِتَالِ، فَيَكُونَ فِيهِ مَعَرَّةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أنه قد دق رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ إِلَى فَتْحاً قَرِيباً [ (21) ] هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة بمعناه. قَالَ: وَالْفَتْحُ الْقَرِيبُ، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنَ الظَّفَرِ عَلَى عَدُوِّهِ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ آمِنًا هُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَيَقُولُ نَاسٌ: الْفَتْحُ الْقَرِيبُ خَيْبَرُ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا. وَقَدْ سَمَّى اللهُ فَتْحَ خَيْبَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَتْحًا قَرِيبًا، قَالَ: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [ (22) ] فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ سَنَتَيْنِ، يَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة، وحديث عروة بمعناه. وَقَولُهُمَا سَنَتَيْنِ، يُرِيدَانِ بَقَاءَهُ، حَتَّى نَقْضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: قَوْلُهُ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللهِ، وَظُهُورِ أهل الكتاب على المجوس.
قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً، قَالَ: خَيْبَرُ، قَالَ: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها، قَالَ: فَارِسُ وَالرُّومُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَوْلُهُ، وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها. قَالَ: هُوَ مَا أَصَبْتُمْ بعده [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ قَدْ أحاط الله بها أَنَّهَا سَتَكُونُ، لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا عِلْمًا أَنَّهَا لَكُمْ [ (25) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أُرِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ آمِنِينَ محلقين رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ حِينَ نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَيْنَ رُؤْيَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (26) ] يَعْنِي النَّحْرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَفَتَحُوا خَيْبَرَ ثُمَّ اعْتَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ تَصْدِيقُ رُؤْيَاهُ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ [ (27) ] . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابَ: شغلتنا
أموالنا [ (28) ] يَعْنِي أَعْرَابَ الْمَدِينَةِ: [ (29) ] جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَتْبَعَهُمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ فَقَالُوا أَنَذْهَبُ مَعَهُ إِلَى قَوْمٍ جَاءُوهُ فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ فَيُقَاتِلُهُمْ فِي دِيَارِهِمْ فَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ غَافِلِينَ، فَأَرْسَلَهُمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَلِكَ الْإِظْفَارُ بِبَطْنِ مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَعَدَهُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً، وَعَجَّلَ لَهُ خَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ الْمُخَلَّفُونَ: ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ، وَهِيَ الْمَغَانِمُ الَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ وَأَمَّا الْمَغَانِمُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي وُعِدُوا فَمَا يَأْخُذُونَ إِلَى الْيَوْمِ وَقَوْلُهُ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، قَالَ: هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: فَارِسُ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قال:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يَقُولُ فَارِسُ. وَقِيلَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ [ (30) ] . قَالَ سَعِيدٌ: قِيلَ لِهُشَيْمٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَنْ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ أَقُولُ فَهُوَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَعَلَى هَذَا أُوجِدَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي إِيَاسِ بْنِ بَكْرٍ، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى حَرْبِ مُسَيْلِمَةَ، وَبَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي أَيَّامِ عَمْرٍو، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى حَرْبِ كِسْرَى، وَأَهْلِ فَارِسَ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: فَارِسُ وَالرُّومُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ تَنْحِيَةَ أَهْلِ الرُّومِ عَنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَتَصْدِيقُ أَوَائِلِهِ وُجِدَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ تَمَّ فِي أَيَّامِ عُمَرَ مَعَ فَتْحِ فَارِسَ [ (31) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ هَوَازِنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ: هَوَازِنُ، وَبَنُو حَنِيفَةَ. فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا فِي زَمَانِهِ وَالْآخَرُ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سفيان، عن سلمة ابن كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [ (32) ] . قَالَ السَّكِينَةُ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ هِيَ بعد ريح هفّافة.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: السَّكِينَةُ مِنَ اللهِ كَهَيْئَةِ الرِّيحِ لَهَا رَأْسٌ مِثْلُ رَأْسِ الْهِرَّةِ وَجَنَاحَانِ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابن صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ السَّكِينَةُ هِيَ: الرَّحْمَةُ [ (33) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْقَارِعَةُ: السَّرَايَا، أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دارهم، قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ وَنَحْوُهَا حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ [ (34) ] ، قال: القارعة
السَّرِيَّةُ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قَالَ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ، قال: فتح مكة [ (35) ] .
باب إسلام أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط [1] وهجرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدنة
بَابُ إِسْلَامِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ ابن أَبِي مُعَيْطٍ [ (1) ] وهِجْرَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهُدْنَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قاضى رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِيمَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ، كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَخَلَّيْتَ بينهما وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّ يَوْمَئِذٍ: أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَ الْمُؤْمِنَاتُ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ الله فيهم: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2) ] . قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ، وَلا يَزْنِينَ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ [ (3) ] الْآيَةَ. قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (4) ] .
باب ما جاء في حديث أبي بصير الثقفي وأصحابه
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ الثَّقَفِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، قَالَ: ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ انْغَلَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ له: أبو بصير ابن أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي مُنْقِذٍ: أَحَدُهُمَا زَعَمُوا مَوْلًى، وَالْآخَرُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ اسْمُهُ جَحْشُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ذَا جَلَدٍ، وَرَأْيٍ فِي أَنْفُسِ الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلَ لَهُمَا الْأَخْنَسُ فِي طَلَبِ أَبِي بَصِيرٍ جُعْلًا فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَ أَبَا بَصِيرٍ إِلَيْهِمَا، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ سَلَّ جَحْشٌ سَيْفَهُ، ثُمَّ هَزَّهُ فَقَالَ: لَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي هَذَا فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: أو
صارم سَيْفُكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْنِيهِ أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَبَضَ عَلَيْهِ ضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَيُقَالُ: بَلْ تَنَاوَلَ أَبُو بَصِيرٍ سَيْفَ الْمُنْقِذِيِّ بِفِيهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فَقَطَعَ إِسَارَهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَطَلَبَ الْآخَرَ فَجَمَزَ مَذْعُورًا مُسْتَخْفِيًا حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَأَقْبَلَ حَتَّى اسْتَغَاثَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ يَتْلُوهُ، فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَفَتْ ذِمَّتُكَ: دَفَعْتَنِي إِلَيْهِمَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ. سَيُعَذِّبُونَنِي وَيَفْتِنُونَنِي عَنْ دِينِي، فَقَتَلْتُ الْمُنْقِذِيَّ، وَأَفْلَتَنِي هَذَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ» ، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، بِسَلَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَمِّسْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ إِنِّي إِذَا خَمَّسْتُهُ لَمْ أُوَفِّ لَهُمْ بِالَّذِي عَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ شَأْنَكَ بِسَلَبِ صَاحِبِكَ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، فَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ مَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ كَانُوا قَدِمُوا مَعَهُ مُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ حَيْثُ قَدِمُوا فَلَمْ يَكُنْ طَلَبَهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ تُرْسِلْ قُرَيْشٌ كَمَا أَرْسَلُوا فِي أَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى كَانُوا بَيْنَ الْعِيصِ، وَذِي الْمَرْوَةِ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ عَلَى طَرِيقِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ مِمَّا يَلِي سِيفَ الْبَحْرِ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ يُكْثِرُ أَنْ يقول: اللهُ رَبِّيَ الْعَلِيُّ الْأَكْبَرُ ... مَنْ يَنْصُرِ اللهُ فَسَوْفَ يُنْصَرُ وَيَقَعُ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُقَدِّرُ وَانْفَلَتَ أَبُو جندل ابن سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَرِهُوا الثَّوَاءَ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَ أَبِي بَصِيرٍ فِي مَنْزِلٍ كَرِيهٍ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَطَعُوا بِهِ مَادَّاتِهِمْ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ زَعَمُوا وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ يُصَلِّي لِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو جَنْدَلٍ كَانَ هُوَ يَؤُمُّهُمْ، وَاجْتَمَعَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ حِينَ سَمِعُوا بِقُدُومِهِ نَاسٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَأَسْلَمَ، وَجُهَيْنَةَ، وَطَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى بَلَغُوا ثلاث مائة مُقَاتِلٍ، وَهُمْ مُسْلِمُونَ.
قَالَ: فَأَقَامُوا مَعَ أَبِي جَنْدَلِ وَأَبِي بَصِيرٍ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرُ قُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ يَسْأَلُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَمَنْ مَعَهُ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَأَمْسِكْهُ غَيْرَ حَرِجٍ أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَالرَّكْبَ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا يَصْلُحُ إِقْرَارُهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعَ أَبَا جَنْدَلٍ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُمْ فِيمَا أَحَبُّوا وَفِيمَا كَرِهُوا مِنْ رَأْيِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً هِيَ أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَصْحَابُهُمَا الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا هُنَالِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَانَ تَحْتَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذُوهُمْ وَمَا مَعَهُمْ وَأَسَرُوهُمْ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا لِصِهْرِ أَبِي الْعَاصِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الْعَاصِ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا، وَخَلَّوْا سَبِيلَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَبِيهَا كَانَ أَذِنَ لَهَا أَبُو الْعَاصِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ أَنْ تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهَا أَبُو الْعَاصِ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَسَرَ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَمَا أَخَذُوا لَهُمْ، فَكَلَّمَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّا صَاهَرْنَا نَاسًا، وَصَاهَرْنَا أَبَا الْعَاصِ، فَنِعْمَ الصِّهْرُ وَجَدْنَاهُ، وَإِنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي أَصْحَابٍ لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذَهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ، فَأَسَرُوهُمْ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَإِنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتَنِي أَنْ أُجِيرَهُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُجِيرُونَ أَبَا الْعَاصِ وَأَصْحَابَهُ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَصْحَابَهُ قول رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي الْعَاصِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ مِنَ الْأَسْرَى رَدَّ إِلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُمْ حَتَّى الْعِقَالَ، وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جندل وأبي بصير يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُمَا مِمَّنِ اتَّبَعَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْجِعُوا
إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَلَا يَعْتَرِضُوا لِأَحَدٍ مَرَّ بِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَعِيرَانِهَا، فَقَدِمَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَعَمُوا عَلَى أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ، وَأَبُو بَصِيرٍ يَمُوتُ، فَمَاتَ وَكِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ يَقْرَؤُهُ، فَدَفَنَهُ أَبُو جَنْدَلٍ مَكَانَهُ، وَجَعَلَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَقَدِمَ أَبُو جَنْدَلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَرَجَعَ سَائِرُهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَأَمِنَتْ عِيرَاتُ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ مَا أَدْرَكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ الْفَتْحَ، وَرَجَعَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَدِمَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الْمَدِينَةَ أَوَّلَ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَكَثَ بِالْمَدِينَةِ شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ مُجَاهِدًا إِلَى الشَّامِ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، هُوَ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَاصْطَحَبَا جَمِيعًا، وَخَرَجَ أَبُو جَنْدَلٍ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمْ يَزَالَا مُجَاهِدَيْنِ بِالشَّامِ، حَتَّى مَاتَا جَمِيعًا، وَمَاتَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهِ إِلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَاخِتَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا بَكْرِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَكَابِرَ وَلَدِهِ، فَهَذَا حَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَفْلَتَهُمْ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَصِيرٍ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَطَلَبَهُ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصٍ، فَرَدَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا، فَأَوْثَقَاهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَامَا، فَتَنَاوَلَ السَّيْفَ بِفِيهِ فأمرّه على
الْإِسَارِ فَقَطَعَهُ، فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا، وَطَلَبَ الْآخَرَ فَسَبَقَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو بَصِيرٍ فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى طَرِيقِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ، وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَخَرَجُوا مُسْلِمِينَ فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُدَّةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَرِهُوا الثَّوَاءَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَنَزَلُوا مَنْزِلًا قَطَعُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَادَّتَهُمْ مِنَ الشَّامِ وَطَرِيقِ عِيرَانِهِمْ، فَأَرْسَلُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ غَيْرُ حَرِجٍ أَيْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي جَنْدَلٍ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ أَيْدِي الْقَوْمِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ: أَنَّ طَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ فِيمَا كَرِهُوا وَفِيمَا أَحَبُّوا مِنْ رَأْيِ مَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ مِثْلَ سِنِي يُوسُفَ» ، فَجَهَدُوا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ قَطَعْتَ وَأَخَفْتَ مَنْ كَانَ يَحْمِلُ إِلَيْنَا حَتَّى هَلَكَ قَوْمُكَ فَأَمِّنِ النَّاسَ حَتَّى يَحْمِلُوا، فَأَمَّنَ النَّاسَ حَتَّى حَمَلُوا. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ نَصَبَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ ابن أَبِي رَبِيعَةَ، اللهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ مِثْلَ سِنِيِّ يُوسُفَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو حَتَّى نَجَّاهُمُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَذَكَرَ الدُّعَاءَ لِلِمُسْتَضْعَفِينَ [ (3) ] ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَخُذْهُمْ بِسِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ، فَأَكَلُوا الْعِلْهِزَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قال الوبر والدّم.
باب غزوة ذي قرد [1] حين أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري أو ابنه في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة
بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ [ (1) ] حِينَ أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ أَوِ ابْنُهُ فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغَابَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يؤَذَّنَ بِالْأُولَى [ (2) ] وَكَانَتْ لِقَاحُ [ (3) ] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ، فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وكنت راميا وأقول: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ [ (4) ] وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ [منهم] [ (5) ] ثلاثين بردة [ (6) ] .
قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ [ (7) ] فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ حَمَيْتُ [ (8) ] الْقَوْمَ [الْمَاءَ] وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ [ (9) ] ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا فَيُرْدِفُنِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْتُ أُرِيدُ الْغَابَةَ، فَسَمِعْتُ غُلَامًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَقُولُ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، قَالَ: فَصَعِدْتُ الثَّنِيَّةَ، فَنَادَيْتُ يَا صَبَاحَاهُ، يَا
صَبَاحَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَسْعَى فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ أَعْجَلْنَاهُمْ أَنْ يَسْقُوا لِشَفَتِهِمْ قَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ فِي غَطَفَانَ يُقْرَوْنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (11) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. (ح) قَالَ: وأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامٌ يَعْنِي بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أُنَدِّيهِ [ (12) ] مَعَ الْإِبِلِ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَتَلَ رَاعِيًا فَخَرَجَ فَطَرَدَهَا وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ أَنْ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ، وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ، فَجَعَلْتُ وَجْهِي مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَا صَبَاحَاهُ! ثُمَّ، اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ، جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُ فَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ، فجعلت أرميهم وأقول:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ فَأَرْمِيهِ، وَهُوَ عَلَى رَحْلِهِ فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ، حَتَّى انْتَظَمْتُ كَتِفَهُ، قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَإِذَا كنت بالشجرة أحرقتهم بالنبل، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَدَدْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَا شَأْنِي وَشَأْنُهُمْ أَتْبَعُهُمْ وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (13) ] إِلَّا خَلَّفْتُهُ وراء ظهري [ (14) ] واستنفذته مِنْ أَيْدِيهِمْ. قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَزَلْ [ (15) ] أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، يَسْتَخِفُّونَ [ (16) ] مِنْهَا وَلَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ [ (17) ] وَجَمَعْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضحى أتاهم
عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ مَدًّا لَهُمْ وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ [ (18) ] ، ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَأَنَا فَوْقَهُمْ. قَالَ عُيَيْنَةُ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحِ [ (19) ] مَا فَرَّقَنَا بِسَحَرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَقَالَ عُيَيْنَةُ لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ وَقَالَ لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ فَقَامَ إِلَيَّ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَلَمَّا أَسْمَعَهُمُ الصَّوْتُ قُلْتُ لَهُمْ أَتَعْرِفُونِي قَالُوا وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ اللهُ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِنِّي أَظُنُّ يَعْنِي فَرَجَعُوا فَقَالَ فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي ذَلِكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ [ (20) ] الشَّجَرَ فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَعَلَى أَثَرِ أَبِي قَتَادَةَ المقداد الكندي قال فولوا الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ وَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ فَأَعْرِضُ لِلْأَخْرَمِ فَآخُذُ عِنَانَ فَرَسِهِ قُلْتُ يَا أَخْرَمُ انْذَرِ الْقَوْمَ يَعْنِي احْذَرْهُمْ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ فَاتَّئِدْ حَتَّى تَلْحَقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، قَالَ فَخَلَّيْتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، فَيَلْحَقُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ إِلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ، حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَيعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شعب فيه
مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو قَرَدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَعَطَفُوا عَنْهُ واسندوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِيَّةِ ذِي شر وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيهِ، قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، قَالَ يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ [ (21) ] أَكْوَعُهُ بُكْرَةً [ (22) ] ، قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ، وَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بُكْرَةً فَاتَّبَعْتُهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَعَلِقَ بِهِ سَهْمَانِ وَيُخَلِّفُونَ فَرَسَيْنِ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الماء الذي حلّيتهم عَنْهُ ذُو قَرَدٍ، فَإِذَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَإِذَا بِلَالٌ قَدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم من كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةَ رَجُلٍ، فَآخُذَ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْعَشْوَةِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخَمِّرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُمْ فَقَالَ: «أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَاكَ يَا سَلَمَةُ» قُلْتُ نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَ وَجْهَكَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمْ يُقْرَوْنَ [ (23) ] الْآنَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ مَرُّوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هُرَّابًا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وبينها قريب من ضمرة وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ فَجَعَلَ يُنَادِي هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ الْمَدِينَةَ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرْدِفِي قُلْتُ لَهُ أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا، قَالَ: لَا، إِلَّا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي خَلِّنِي فَلْأُسَابِقِ الرَّجُلَ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ. قُلْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَطَفَرَ عَنْ راحلته وثنيت رجلي
فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ، ثُمَّ رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي، ثُمَّ عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ فَأَصُكَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدِي فَقُلْتُ سَبَقْتُكَ وَاللهِ، قَالَ: فَضَحِكَ وَقَالَ إِنْ أَظُنُّ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (24) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (25) ] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ عَقِيبَ غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، وَأَنَّهُمْ فَاتُوا بِبَعْضِ النَّعَمِ حَتَّى انْفَلَتَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَسَرُوهَا عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَكِبَتْهَا، وَجَاءَتْ بِهَا، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قَتَادَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ بَنِي لِحْيَانَ لَمْ يَقُمْ بَعْدَ قُدُومِهِ إِلَّا لَيَالِيَ [قَلَائِلَ] حَتَّى أَغَارَتْ بَنُو فَزَارَةَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَى لِقَاحِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِالْغَابَةِ، وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي
غِفَارٍ وَامْرَأَتُهُ، فَقَتَلُوا الْغِفَارِيَّ، وَاحْتَمَلُوا امْرَأَتَهُ، وَسَاقُوا لِقَاحَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عمرو بن الأكوع الْأَسْلَمِيُّ عَدَا وَمَعَهُ قَوْسُهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَابَةَ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَظَرَ إِلَى الْخَيْلِ تَجُوسُ فِي الْإِبِلِ فَعَلَا فِي سَلْعٍ ثُمَّ صَرَخَ: وَاصَبَاحَاهُ! الْفَزَعَ، الْفَزَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ فِي الْمَدِينَةِ: يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبُوا، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ثُمَّ تَرَامَتْ إِلَيْهِ الْخُيُولُ حَتَّى كَانُوا ثَمَانِيَةً فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى الْخَيْلِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ امْضِ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ فَإِنِّي بِالْأَثَرِ، فَمَضَتِ الْخَيْلُ حَتَّى لَحِقُوا بِالْقَوْمِ، فَقَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ حَبِيبَ بْنَ قُتَيْبَةَ، وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بْنُ محصن بن عمرو او بار وَأَبَاهُ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ عَلَى بَعِيرٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ الْخَيْلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لَهُ: الْأَخْرَمُ حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَكَانَ عَلَى فَرَسٍ جَامٍّ، فَقَالَ: قِفُوا يَا بَنِي اللَّكِيعَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِكُمْ أَرْبَابُكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ [ (26) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ يُقَالُ لَهُ: ذُو اللِّمَّةِ، فَلَمَّا قُتِلَ الرَّجُلُ جَالَ الْفَرَسُ فَلَمْ تقدر عَلَيْهِ حَتَّى أَتَى أَرِيَّةً [ (27) ] فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَدْ عَارَضَهُمْ بِرَمْيِهِمْ بِنَبْلِهِ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَإِذَا أُحْمِلَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَرَّ مِنْهَا، وَكَانَ مِثْلَ السَّبْعِ وَنَضَحَهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ، ثُمَّ يُعَارِضُهُمْ حَتَّى تَلَاحَقَ النَّاسُ، وَقَدْ فَاتُوا بِبَعْضِ النَّعَمِ، وَتَلَاحَقَ النَّاسُ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بن
الْأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلِّ سَبِيلِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ آخُذُ بِأَعْنَاقِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُغْبَقُونَ الْآنَ فِي غَطَفَانَ، فَأَقَامَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ لِكُلِّ مِائَةٍ جَزُورٌ فَأَكَلُوهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا [ (28) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا كَانَ الْأَخْرَمُ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ لِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، يُقَالُ لَهُ: الجناح فقيل وَاسْتُلِبَهُ يَوْمَئِذٍ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ نَذَرْتُ لِلَّهِ نَذْرًا أَنْ أَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّانِي اللهُ عَلَيْهَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَكِ اللهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا، إِنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا تَمْلِكِينَ، إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي، ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ [ (29) ] . قُلْتُ: وَزَعَمَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتِ الْعَضْبَاءَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. (ح) قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ [ (30) ] لِرَجُلٍ من بني
عَقِيلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ، فَأُسِرَ الرَّجُلُ وَأُخِذَتِ الْعَضْبَاءُ. قَالَ: فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي وَثَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَأْخُذُونَنِي وَتَأْخُذُونَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ [ (31) ] ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ، قَالَ: وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا تَشَهَّدَ، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ [ (32) ] أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ. وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي. وَإِنِّي ظَمْآنُ فَاسْقِنِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ حَاجَتُكَ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ فُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ، وَحَبَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءَ لِرَحْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا عَلَى مَسْرَحِ الْمَدِينَةِ، فَذَهَبُوا بِهِ، وَكَانَتِ الْعَضْبَاءُ فِي ذَلِكَ السَّرْحِ، وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَرَاحُوا إِبِلَهُمْ بِأَفْنِيَتِهِمْ، قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ مَا نَوَّمُوا، وَكَانَتْ كُلَّمَا وَضَعَتْ عَلَى بَعِيرٍ رَغَا، حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ، فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ فَرَكِبَتْهَا، ثُمَّ وَجَّهَتْهَا قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَنَذَرَتْ إِنِ اللهُ أَنْجَاهَا عليها لتنحرها، فَلَمَّا قَدِمَتْ عُرِفَتِ النَّاقَةُ، فَقِيلَ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَذْرِهَا. وَأَتَتْهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا، أَوْ بِئْسَمَا. جَزَتْهَا. إِنِ اللهُ تَعَالَى أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزهراني [ (33) ] .
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ الْفَزَارِيَّ، أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْغَابَاتِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَيُقَالُ إِنَّ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ كَانَ رَئِيسَ الْقَوْمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ يَطْلُبُونَهُمْ، وَأَسْرَعَ نَفَرٌ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ، أَمِيرُهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَدْرَكُوا الْقَوْمَ، فَاعْتَنَقَ أَبُو قَتَادَةَ مَسْعَدَةَ فَقَتَلَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بِيَدِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَخَذَ أَبُو قَتَادَةَ بُرْدَةً لَهُ حَمْرَاءَ، كَانَتْ عَلَيْهِ فَسَجَّاهَا عَلَى مَسْعَدَةَ. حِينَ قَتَلَهُ، ثُمَّ نَفَذُوا فِي أَثَرِ السَّرْحِ، وَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ. فَلَمَّا رَأَوْا رِدَاءَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى الْقَتِيلِ، ظَنُّوا أَنَّهُ أَبُو قَتَادَةَ فَاسْتَرْجَعَ أَحَدُهُمْ وَقَالَ: هَذَا أَبُو قَتَادَةَ قَتِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ قَتِيلُ أَبِي قَتَادَةَ، جَعَلَ عَلَيْهِ رِدَاءَهُ لِتَعْرِفُوهُ، فَخَلُّوا عَنْ قَتِيلِهِ، وَسَلَبِهِ. ثُمَّ إِنَّ فَوَارِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكُوا الْعَدُوَّ وَالسَّرْحَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَاسْتَنْقَذُوا السَّرْحَ، وَهَزَمَ اللهُ الْعَدُوَّ، وَيُقَالُ: قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ قِرْفَةَ امْرَأَةَ مَسْعَدَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَجْدَعُ: مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ [ (34) ] ، قَتَلَهُ أَوْبَارٌ، فَشَدَّ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَتَلَ أَوْبَارًا وَابْنَهُ عَمْرًا، وَيُقَالُ: كَانَا رَدِيفَيْنِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَهُ، وَمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، فِي شَأْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَقَتْلِهِ مَسْعَدَةَ، وَقَتْلِ الْأَخْرَمِ أَوْبَارٌ: مُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ الْأَجْدَعِ، وَقَتْلِ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنَ أَوْبَارًا وَابْنَهُ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنِ زَيْدٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَزْرَقِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ قَيْسِ بْنِ رَيْحَانَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اشْتَرَى فَرَسَهُ مِنْ دَوَابَّ دَخَلَتِ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ مَسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ! مَا هَذَا الْفَرَسُ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَرَسٌ أَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَهْوَنَ قَتْلَكُمْ وَأَشَدَّ جُرْأَتَكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ أَلْقَيَنَّكَ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالَ: آمِينَ. فَبَيْنَا أَبُو قَتَادَةَ ذَاتَ يَوْمٍ يَعْلِفُ فَرَسَهُ تَمْرًا فِي طَرَفِ بُرْدَتِهِ، إِذْ رَفَعَتْ رَأْسَهَا، وَصَرَّتْ أُذُنَهَا، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ حَسَّتْ بِرِيحِ خَيْلٍ، فَقَالَتْ لَهُ [أُمُّهُ] : [ (35) ] وَاللهِ يَا بُنَيَّ مَا كُنَّا نُرَامُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ حِينَ جَاءَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَفَعَتِ الْفَرَسُ أَيْضًا رَأْسَهَا، وَصَرَّتْ أُذُنَيهَا، فَقَالَ أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ حَسَّتْ بِرِيحِ خَيْلٍ. فَوَضَعَ عَلَيْهَا سَرْجَهَا، فَأَسْرَجَهَا وَأَخَذَ سِلَاحَهُ، ثُمَّ نَهَضَ، حَتَّى أَتَى مَكَانًا يُقَالُ لَهُ الزَّوْرَاءُ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ تُسَوِّطُ دَابَّتَكَ وَقَدْ أُخِذَتِ اللِّقَاحُ! وَقَدْ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا وَأَصْحَابُهُ.، فَقَالَ: أَيْنَ فَأَشَارَ لَهُ نَحْوَ الثَّنِيَّةِ، فَإِذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ جُلُوسًا عِنْدَ دِبَابٍ، فَقَمَعَ دَابَّتَهُ ثُمَّ خَلَّاهَا، فَمَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ لَهُ: امْضِ يَا أَبَا قَتَادَةَ صَحِبَكَ اللهُ.
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فَخَرَجْتُ، فَإِذَا بِإِنْسَانٍ يُحَاكُّنِي، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ هَجَمْنَا عَلَى الْعَسْكَرِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا قَتَادَةَ! مَا تَقُولُ، أَمَّا الْقَوْمُ فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: تَقُولُ إِنِّي وَاقِفٌ حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ أَنْ تَشُدَّ فِي نَاحِيَةٍ وَأَشُدَّ فِي نَاحِيَةٍ، فَوَثَبَ أَبُو قَتَادَةَ، فَشَقَّ الْقَوْمَ وَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي جَبْهَتِهِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فترعت فِدْحَهُ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنِّي قَدْ نَزَعْتُ الْحَدِيدَةَ [ (36) ] . وَمَضَيْتُ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ طَلَعَ عَلَيَّ فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ فَارِهٍ، وَأَدَاةٍ كَلِيلَةٍ عَلَى وَجْهِهِ مِغْفَرٌ لَهُ، فأَثْبَتَنِي وَلَمْ أُثْبِتْهُ، قَالَ: لَقَدْ لَقَّانِيكَ اللهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا مَسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مُجَالَدَةٌ، أَوْ مُطَاعَنَةٌ أَوْ مُصَارَعَةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ ذَاكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكَ، قَالَ: فَقَالَ صِرَاعٌ، فَأَحَالَ رِجْلَهُ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَحَلْتُ رِجْلِي عَنْ دَابَّتِي، ثُمَّ عَلَّقْتُ دَابَّتِي وَسِلَاحِي إِلَى شَيْءٍ، وَعَلَّقَ دَابَّتَهُ وَسِلَاحَهُ إِلَى شَيْءٍ، ثُمَّ تَوَاثَبْنَا فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ رَزَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الظَّفَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أنا على صدره فو الله إِنِّي لَمِنْ أَهَمِّ النَّاسِ مِنْ رَجُلٍ مُتَأَبِّطٍ قَدْ عَالَجْتُ مِنْهُ مَا عَالَجْتُ أَنْ أَقُومَ فَآخُذَ سَيْفِي أَنْ يَقُومَ فَيَأْخُذَ سَيْفَهُ وَأَنَا بَيْنَ عَسْكَرَيْنِ لَا آمَنُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيَّ أَحَدُهُمَا إِذَا شَيْءٌ يَمَسُّ رَأْسِي، فَإِذَا نَحْنُ قَدْ تَعَالَجْنَا، حَتَّى بَلَغْنَا سِلَاحَ مَسْعَدَةَ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى سَيْفِهِ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ السَّيْفَ قَدْ وَقَعَ بِيَدِي، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ اسْتَحْيِنِي، قَالَ: قُلْتُ لَا وَاللهِ، أَوَ تَرِدَ أُمُّكَ الْهَاوِيَةَ، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ النَّارُ، قَالَ ثُمَّ قَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَدْرَجْتُهُ فِي بُرْدِي، ثُمَّ أَخَذْتُ ثِيَابَهُ فَلَبِسْتُهَا، وَأَخَذْتُ سِلَاحَهُ ثُمَّ اسْتَوَيْتُ عَلَى فَرَسِهِ وَكَانَتْ فَرَسِي نَفَذَتْ حِينَ تَعَالَجْنَا، فرجعت راجعة إِلَى الْعَسْكَرِ، قَالَ فَعَرْقَبُوهَا ثُمَّ مَضَيْتُ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَنْشِبْ أَنَا حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا قَالَ فَأَلَحْتُ لَهُمْ فَوَقَفُوا فَلَمَّا أَنْ دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَمَلْتُ عَلَيْهِمْ حَمْلَةً فَطَعَنْتُ ابْنَ أَخِيهِ طَعْنَةً دَقَّقَتْ صُلْبَهُ، قَالَ: وَأَكْشَفَ مَنْ مَعَهُ، قَالَ: وَخَشِيتُ اللقاح برمحي.
قَالَ: وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ومن مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْعَسْكَرُ فَرُّوا، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْعَسْكَرِ إِذَا بِفَرَسِ أَبِي قَتَادَةَ قَدْ عُرْقِبَتْ، قَالَ: فقال الرجل مِنَ الصَّحَابَةِ يَا رَسُولَ اللهِ عُرْقِبَتْ فَرَسُ أَبِي قَتَادَةَ! قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحُ أُمِّكَ رُبَّ عَدُوٍّ لَكَ فِي الْحَرْبِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَالَجْنَا فِيهِ إِذَا هُمْ بِأَبِي قَتَادَةَ فِيمَا يَرَوْنَ سُجِّيَ فِي ثِيَابِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتُشْهِدَ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا قَتَادَةَ عَلَى آثَارِ الْقَوْمِ يَرْتَجِزُ فَدَخَلَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى فَرَسٍ قَدْ عُرْقِبَتْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ مُسَجًّى عَلَى ثِيَابِي، قَالَ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَسْعَى حَتَّى كَشَفَ الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مَسْعَدَةُ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ: مَسْعَدَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَبَّرَ النَّاسُ وَلَمْ يَنْشِبْ أن طلع عليكم أَبُو قَتَادَةَ يَحُوشُ اللِّقَاحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَجْهُكَ أَبَا قَتَادَةَ، أَبُو قَتَادَةَ سَيِّدُ الْفُرْسَانِ، بَارَكَ اللهُ فِيكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، وَفِي وَلَدِكَ، وَفِي وَلَدِ وَلَدِكَ، وَأَحْسَبُ عِكْرِمَةَ قَالَ: وَفِي وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِكَ، مَا هَذَا بِوَجْهِكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي سَهْمٌ أَصَابَنِي وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِمَا أَكْرَمَكَ، لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنِّي نَزَعْتُهُ، قَالَ: ادْنُ مِنِّي يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ فَنَزَعَ النَّصْلَ نَزْعًا رَفِيقًا، ثُمَّ بَزَقَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ راحته عليه، فو الذي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ مَا ضَرَبَ عَلَيَّ سَاعَةً قَطُّ وَلَا قَرَحَ عَلَيَّ .
جماع أبواب غزوة خيبر
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ بَابُ التَّارِيخِ لِغَزْوَةِ خَيْبَرَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ حَدَّثَنَا كما الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: ولَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم المدينة من الحديبية، مكث
بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا غَازِيًا إِلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ اللهُ وَعَدَهُ إِيَّاهَا وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] يَعْقُوبُ وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: هَذَا ذِكْرُ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا، فَذَكَرَهُنَّ وَقَالَ فِي جُمْلَتِهِنَّ: ثُمَّ قاتل يوم خيبر [ (4) ]
مِنْ سَنَةِ سِتٍّ [ (5) ] . وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ فحدثني عبد الله ابن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ افتتاح خيبر
فِي عَقِبِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ صَفَرٍ [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، والمسور بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا، قَالَا: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَتْحِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْبَرَ وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه خَيْبَرَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى سَارَ إِلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجِيعِ- وَادٍ بَيْنَ خَيْبَرَ وَغَطَفَانَ- فَتَخَوَّفَ أَنْ تَمُدَّهُمْ غَطَفَانُ، فَبَاتَ بِهِ حَتَّى أَصْبَحَ فَغَدَا إِلَيْهِمْ [ (7) ] . قُلْتُ: وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ فِي خُرُوجِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ [ (8) ] .
باب استخلافه على المدينة حين خرج إلى خيبر"سباع بن عرفطة" [1]
بَابُ اسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ «سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ» [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بْنُ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالُوا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ سِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ، قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَجَدْنَاهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى «كهيعص» وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَقُولُ: وَيْلٌ فِي صَلَاتِي وَيْلٌ لِأَبِي فُلَانٍ، لَهُ مِكْيَالَانِ إِذَا اكْتَالَ اكتال بالواف، وإذا كال كال
بِالنَّاقِصِ [ (2) ] ، قَالَ فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ صَلَاتِنَا أَتَيْنَا سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ فَزَوَّدَنَا شَيْئًا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سهماتهم [ (3) ] .
باب ما جاء في مسيره إلى خيبر ووصوله إليها ووعده أصحابه قبل فتحها بفتحها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسِيرِهِ إِلَى خَيْبَرَ وَوُصُولِهِ إِلَيْهَا وَوَعْدِهِ أَصْحَابَهُ قَبْلَ فَتْحِهَا بِفَتْحِهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِأَزْوَادٍ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ- مَوْلَى سَلَمَةَ- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ: أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، وَكَانَ عَامِرٌ رجلا شاعرا، فنزل
يحدو بالقوم، ويقول: اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَاخْفِرْ فِدًا لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَنْ هَذَا السَّابِقُ؟ قَالُوا: عَامِرٌ- قَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَالَ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ. يَعْنِي (الْجُوعَ) . الشَّدِيدَ ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ، قَالُوا لَحْمُ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهْرِيقُوهَا، وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟ قَالَ: أَوْ ذَلِكَ [ (2) ] .
قَالَ. فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ مَسَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيُرْجِعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِبًا، قَالَ: مالك، قُلْتُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ: مَنْ قَالَهُ، قُلْتُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَهُ! لَهُ أَجْرَانِ. وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ [ (3) ] . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ حَاتِمٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ حَدَّثَنَا عبدوس ابن الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا [ (5) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى خَيْبَرَ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَصَلَّيْنَا الْغَدَاةَ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكِبَ
الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ، وَخَرَجَ أَهْلُ خَيْبَرَ حِينَ أَصْبَحُوا بِمَسَاحِيهِمْ ومكاتلهم كما كانوا يصنعوا فِي أَرَضِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَالْجَيْشَ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ، ثُمَّ رَجَعُوا هَارِبِينَ إِلَى مَدِينَتِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. قَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمَيَّ لَتَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قُلْتُ لِلْأَنْصَارِيِّ مَا الْخَمِيسُ؟ قَالَ: الْجُنْدُ، الْجَيْشُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إذا أنزلنا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ [ (6) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ العزيز ابن صُهَيْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ الْأَنْصَارِيِّ، عن صالح بن
كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا وَأَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: قِفُوا فَوَقَفَ النَّاسُ فَقَالَ: اللهُمَّ رَبَّ السموات السبع وما اظللنا وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقْدِمُوا بِسْمِ اللهِ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتْبَعُ الْجَنَازَةَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَكَانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ عَلَى حِمَارٍ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِرَسَنٍ مِنْ لِيفٍ وَتَحْتَهُ، إِكَافٌ مِنْ ليف [ (9) ] .
باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر واخبار النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها على يدي علي بن ابي طالب رضي الله عنه ودعائه له وما ظهر ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَعْثِ السَّرَايَا إِلَى حُصُونِ خَيْبَرَ وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَفَتْحِهَا عَلَى يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَدُعَائِهِ لَهُ وَمَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ [ (1) ] لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَانَ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، قَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فو الله لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ، قَالَ عُمَرُ: فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَطُّ حَتَّى يَوْمِئِذٍ، فَدَعَا عَلِيًّا فَبُعِثَ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَقَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلَا تَلْتَفِتْ، قَالَ عليّ: على ما أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ: قَاتِلْهُمْ حتى يشهدوا وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابو بكر ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا، فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ! فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ فِي صَبَاحِهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (4) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ،، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا [ (5) ] وَذَكَرَ فِيهِ رُجُوعَهُمْ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي فَزَارَةَ قَالَ فَلَمْ نَمْكُثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ وَخَرَجَ عَامِرٌ فَجَعَلَ يقول: تَالَلَّهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا الْقَائِلُ، فَقَالُوا: عَامِرٌ، فَقَالَ: غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَمَا خَصَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَحَدًا بِهِ إِلَّا اسْتُشْهِدَ، فَقَالَ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابٍ] وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَالَ: فقدمنا خيبر فخرج مرحبا وَهُوَ يَخْطِرُ [ (6) ] بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي [ (7) ] السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ [ (8) ] إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَبَرَزَ لَهُ عَامِرٌ وَهُوَ يَقُولُ قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ [ (9) ] قَالَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفَلُ [ (10) ] لَهُ فَرَجَعَ بِسَيْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، وَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَنْفُرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أبكي، فقال: مالك؟ فَقُلْتُ: قَالُوا إِنَّ عَامِرًا بَطَلَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ [ (11) ] ، بَلْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ أَرْمَدُ [ (12) ] فَقَالَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ قَالَ فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، قَالَ: فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
قَالَ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيٌّ وهو يقول أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ [ (13) ] ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ [ (14) ] كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ أُوَفِّيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ [ (15) ] فَضَرَبَ مرحبا فغلق رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ الْفَتْحُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ فَقَاتَلَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ، وَقَدْ جَهَدَ ثُمَّ بَعَثَ الْغَدَ عمر رؤي اللهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، ليس بفرار.
قَالَ سَلَمَةُ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الرَّايَةَ فَامْضِ بِهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، فَخَرَجَ بِهَا وَاللهِ يَأْنَحُ [ (17) ] يَقُولُ يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً وَإِنَّا لَخَلْفَهُ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ حَتَّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: «عَلَيْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى» فَمَا رَجَعَ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَخَذَهُ عُمَرُ فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ وَقُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لأدفعن لو أتى غَدًا لِرَجُلٍ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ لَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ فَبِتْنَا طَيِّبَةً أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَاةَ، ثُمَّ دَعَا بِاللِّوَاءِ وَقَامَ قَائِمًا فَمَا مِنَّا مِنْ رَجُلٍ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى تَطَاوَلَتْ أَثَالُهَا، وَرَفَعْتُ رَأْسِي لِمَنْزِلَةٍ كَانَتْ لِي مِنْهُ فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ يَشْتَكِي عَيْنَهُ فَمَسَحَهَا ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ فَفَتَحَ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُرَيْدَةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ مَرْحَبٍ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَ أَوَّلُ حُصُونِ خَيْبَرَ فَتْحًا حِصْنَ نَاعِمٍ وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحًا مِنْهُ فَقَتَلَتْهُ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
ابن عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ [ (20) ] ، فَيَلْبَثُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَا يَخْرُجُ وَلَمَّا نَزَلَ خَيْبَرَ أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخَذَ رَايَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَضَ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَقَاتَلَ قِتَالًا أَشَدَّ مِنَ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأُعْطِيَنَّهَا غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ يَأْخُذُهَا عَنْوَةً» ، وَلَيْسَ ثَمَّ عَلِيٌّ، فَتَطَاوَلَتْ لَهَا قُرَيْشٌ وَرَجَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ ذَلِكَ، فَأَصْبَحَ وَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى أَنَاخَ قَرِيبًا وَهُوَ أَرْمَدُ قَدْ عَصَبَ عَيْنَهُ بِشَقَّةِ بُرْدٍ قَطَرِيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم مالك؟ قَالَ: رَمِدْتُ بَعْدَكَ، قَالَ ادْنُ مِنِّي، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ فَمَا وَجِعَهَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَنَهَضَ بِالرَّايَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ أُرْجُوَانٍ حَمْرَاءُ، قَدْ أَخْرَجَ خَمْلَهَا فَأَتَى مَدِينَةَ خَيْبَرَ مَرْحَبٌ صَاحِبُ الْحِصْنِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مُظَهَّرٌ يَمَانِيٌّ، وَحَجَرٌ قَدْ نَقَبَهُ مِثْلَ الْبَيْضَةِ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكٍ سِلَاحِي بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا اللُّيوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلِهِ الْمُغَلَّبُ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: أَنَا الَّذِي سَمَّتْهُ أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ شَدِيدِ الْقَسْوَرَهْ أَكِيلُهُمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ بِضَرْبَةٍ فَقَدَّ الْحَجَرَ وَالْمِغْفَرَ وَرَأْسَهُ وَوَقَعَ فِي
الْأَضْرَاسِ وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ مِنْ سَبْعَةٍ أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ [ (22) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَافْتَتَحُوهَا وَأَنَّهُ حَرِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا. تَابَعَهُ فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ زِيَادٍ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ رَجُلًا فَكَانَ جُهْدَهُمْ أَنْ أَعَادُوا الْبَابَ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، والْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَلْبَسُ فِي الْحَرِّ وَالشِّتَاءِ الْعَبَاءَ الْمُخَشَّمَ الثَّخِينَ وَمَا يُبَالِي الْحَرَّ، فَأَتَانِي أَصْحَابِي، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا فَهَلْ رَأَيْتَهُ، فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ يَخْرُجُ إِلَيْنَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ فِي الْعَبَاءِ الْمَحْشُوِّ الثَّخِينِ، وَمَا يُبَالِي الْحَرَّ وَيَخْرُجُ عَلَيْنَا فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ فِي الثَّوْبَيْنِ الْخَفِيفَيْنِ وَمَا يُبَالِي الْبَرْدَ، فَهَلْ سَمِعْتَ فِيَ ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالُوا: سَلْ لَنَا أَبَاكَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْمُرُ مَعَهُ فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيَ ذَلِكَ شَيْئًا فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَسَمَرَ مَعَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَمَا شَهِدْتَ مَعَنَا خَيْبَرَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا أَبَا بَكْرٍ فَعَقَدَ لَهُ وَبَعَثَهُ إِلَى الْقَوْمِ فَانْطَلَقَ فَلَقِيَ الْقَوْمَ ثُمَّ جَاءَ بِالنَّاسِ وَقَدْ هُزِمُوا فَقَالَ: بَلَى، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَعَقَدَ لَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى الْقَوْمِ فَانْطَلَقَ فَلَقِيَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ هُزِمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ويحب الله ورسوله يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ غَيْرَ فَرَّارٍ» فَدَعَانِي فَأَعْطَانِي الرَّايَةَ ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ اكْفِهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ» فَمَا وَجَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بَرْدًا وَلَا حَرًّا [ (24) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ عَنْ أُمِّ مُوسَى، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ لَا رَمِدْتُ وَلَا صُدِعْتُ مُذْ دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر [ (25) ] .
باب من زعم من أهل المغازي وغيرهم أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه كان قاتل مرحب وما جاء في قتل غيره ممن بارز من يهود خيبر
بَابُ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ قَاتِلَ مَرْحَبٍ وَمَا جَاءَ فِي قَتْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ بَارَزَ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ [ (26) ] . أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَوَعَظَ النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوْعِظَتِهِ دعا عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَرْمَدُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَاتَّبَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَاتَّبَعَتْهُمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الصَّبْرٍ، فَلَمَّا أَنْ
دَنَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ خَرَجَتْ إِلَيْهِ الْيَهُودُ بَغَادِيَتِهَا فَقُتِلَ صَاحِبُ غَادِيَةِ الْيَهُودِ، فَانْقَطَعُوا وَقَتَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ. لَفْظُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جابر ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يبَارِزُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: مَنْ لِهَذَا؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا وَاللهِ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ، قَتَلُوا أَخِي بِالْأَمْسِ، فَقَالَ: قُمْ إِلَيْهِ اللهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ [ (27) ] مِنْ شَجَرِ الْعُشْرِ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ مِنْ صَاحِبِهِ بِهَا كُلَّمَا لَاذَ بِهَا أَحَدُهُمَا اقْتَطَعَ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ، حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ، [ (28) ] ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا فَغَضَّتْ بِهِ، فَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتَّى قَتَلَهُ. فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا ارْتَجَزَ حِينَ ضَرَبَهُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَاضِ ... حُلْوٌ إِذَا شِئْتُ وَسُمٌّ قَاضِ وَكَانَ ارْتِجَازُ مرحب: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مجرّب
إِذَا اللُّيوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلِهِ الْمُغَلَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ ... إِنَّ حِمَايَ الْحِمَى لَا يُقْرَبُ [ (29) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، وَحَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ، وَمُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ قَالُوا [ (30) ] جَمِيعًا: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَتَلَ مَرْحَبًا [ (31) ] . قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حمل مرحب فَقَطَّرَهُ عَلِيٌّ بِالْبَابِ، وَفَتَحَ عَلِيٌّ الْبَابَ الْآخَرَ وَكَانَ لِلْحِصْنِ بَابَانِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ضَرَبَ سَاقَيْ مَرْحَبٍ فَقَطَعَهُمَا، فَقَالَ مَرْحَبٌ: أَجْهِزْ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: ذُقْ ذُقِ الْمَوْتَ كَمَا ذَاقَهُ أَخِي مَحْمُودٌ، وَجَاوَزَهُ وَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَلَبِهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا قَطَعْتُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَرَكْتُهُ إِلَّا لِيَذُوقَ الْمَوْتَ، وَقَدْ كُنْتُ قَادِرًا أَنْ أُجْهِزَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: صَدَقَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ سَلَبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ، وَكَانَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ سَيْفُهُ فِيهِ كِتَابٌ لَا يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى قَرَأَهُ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ فَإِذَا فِيهِ هَذَا سَيْفُ مَرْحَبْ. من يذقه يعطب [ (32) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ قُصُورِ خَيْبَرَ مُبَارِزًا الْحَارِثُ أَخُو مَرْحَبٍ فِي غَادِيَتِهِ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَرَجَعَ أَصْحَابُ الْحَارِثِ الْحِصْنَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَرَزَ عَامِرٌ وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلًا جَسِيمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَزَ وَطَلَعَ عَامِرٌ: «أَتَرَوْنَهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ» ، فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا حَتَّى ضَرَبَ سَاقَيْهِ، فَبَرَكَ ثُمَّ ذَفَّفَ [ (33) ] عَلَيْهِ وَأَخَذَ سِلَاحَهُ [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَاسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ. قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي يَاسِرُ ... شاك السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَاوِرُ إِذَا اللُّيوثُ أَقْبَلَتْ تُبَادِرُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلِهِ الْمَسَاوِرُ إِنَّ حِمَايَ فِيهِ مَوْتٌ حَاضِرُ فَقَالَتْ صَفِيَّةُ، لَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اللهِ يَقْتُلُ ابْنِي [يَا رَسُولَ اللهِ] ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ» . فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي زَبَّارْ ... قَدِمَ لِقَوْمٍ غَيْرُ نَكِسٍ فَرَّارْ
ابْنُ حُمَاةِ الْمَجْدِ وَابْنُ الْأَخْيَارْ ... يَاسِرُ لَا يَغْرُرْكَ جَمْعُ الْكُفَّارْ فَجَمْعُهُمْ مِثْلُ السَّرَابِ الْجَارْ ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ: وَكَانَ ذكر أنه عَلِيًّا هُوَ قَتَلَ يَاسِرًا [ (35) ] .
باب ما جاء في قصة العبد الأسود [1] الذي أسلم يوم خيبر على باب خيبر وقتل وشهادة المصطفى له بالمغفرة، وقصة المهاجر الذي أسلم طلب الشهادة فأدركها بخيبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ [ (1) ] الَّذِي أَسْلَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى بَابِ خَيْبَرَ وَقُتِلَ وَشَهَادَةِ الْمُصْطَفَى لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقِصَّةِ الْمُهَاجِرِ الَّذِي أَسْلَمَ طَلَبَ الشَّهَادَةِ فَأَدْرَكَهَا بِخَيْبَرَ أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عقبة، قال: وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، فَذَكَرَ قِصَّةَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلُوا يَعْنِي الْيَهُودَ حِصْنًا لَهُمْ مَنِيعًا يُقَالُ لَهُ الْعَمُوصُ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَتْ أَرْضًا وَخِمَةً شَدِيدَةَ الْحَرِّ، فَجَهَدَ الْمُسْلِمُونَ جَهْدًا شَدِيدًا فَوَجَدُوا أَحْمِرَةً إِنْسِيَّةً لِيَهُودَ، فَذَكَرَ قِصَّتَهَا وَنَهْيَ النبي صلى الله عليه وسلّم عن أكلها [ (2) ] ،
ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوجَ مَرْحَبٍ وَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِعْطَاءِ الرَّايَةِ رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، قَالَ: وَجَاءَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَسْوَدُ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ كَانَ فِي غَنَمٍ لِسَيِّدِهِ فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ قَدْ أَخَذُوا السِّلَاحَ سَأَلَهُمْ مَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ حَتَّى عَهِدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: مَاذَا تَقُولُ وَمَاذَا تَدْعُو إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ وأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَأَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ، قَالَ الْعَبْدُ: فَمَاذَا إِلَيَّ إِنْ أَنَا شَهِدْتُ وَآمَنْتُ بِاللهِ؟ قَالَ: لَكَ الْجَنَّةُ إِنْ مُتَّ عَلَى ذَلِكَ، فَأَسْلَمَ. قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ هَذِهِ الْغَنَمَ عِنْدِي أَمَانَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أخرجها من عسكرنا وارميها بِالْحَصْبَاءِ فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ» فَفَعَلَ فَرَجَعَتِ الْغَنَمُ إِلَى سَيِّدِهَا فَعَرَفَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ غُلَامَهُ قَدْ أَسْلَمَ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَوَعَظَ النَّاسَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِعْطَاءِ الرَّايَةِ عَلِيًّا وَدُنُوِّهِمْ مِنَ الْحِصْنِ وَقَتْلِ مَرْحَبٍ، قَالَ: وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ وَرَجَعَتْ عَادِيَةُ الْيَهُودِ وَاحْتَمَلَ الْمُسْلِمُونَ الْعَبْدَ الْأَسْوَدَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ فَأُدْخِلَ فِي الْفُسْطَاطِ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ هَذَا الْعَبْدَ وَسَاقَهُ إِلَى خَيْرٍ قَدْ كَانَ الْإِسْلَامُ مِنْ نَفْسِهِ حَقًّا، وَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ. زَادَ عُرْوَةُ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ هَذِهِ الْغَنَمُ عِنْدِي أَمَانَةٌ، قَالَ: أَخْرِجْهَا مِنَ الْمُعَسْكَرِ ثُمَّ صِحْ بها وارميها بِالْحَصْبَاءِ فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ، وَأَعْجَبَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَلِمَتُهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [ (3) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بن محمد العنزي،
قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ، فَأَخَذُوا إِنْسَانًا معه غنم يرعاها، فجاؤوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَكَلَّمَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَكَيْفَ بِالْغَنَمِ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَهِيَ لِلنَّاسِ الشَّاةُ وَالشَّاتَانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «احْصِبْ وُجُوهَهَا تَرْجِعْ إِلَى أَهْلِهَا» ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءَ أَوْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهِ وُجُوهَهَا فَخَرَجَتْ تَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلَتْ كُلُّ شَاةٍ إِلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى الصيف فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ سَجْدَةً قَطُّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخِلُوهُ الْخِبَاءَ، فَأُدْخِلَ خِبَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: لَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُ صَاحِبِكُمْ، لَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَإِنَّ عِنْدَهُ لَزَوْجَتَيْنِ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ قَالَ [ (4) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ قَبِيحُ الْوَجْهِ مُنْتِنُ الرِّيحِ لَا مَالَ لِي فَإِنْ قَاتَلْتُ هَؤُلَاءِ حَتَّى أُقْتَلَ أَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَالَ: نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَأَتَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ مَقْتُولٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَحْسَنَ اللهُ وَجْهَكَ وَطَيَّبَ رُوحَكَ وَكَثَّرَ مَالَكَ قَالَ: وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَيْهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ تُنَازِعَانِهِ جُبَّتَهُ عَنْهُ يَدْخُلَانِ فِيمَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَجُبَّتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المحمّدابادي، قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَآمَنَ وَاتَّبَعَهُ، فَقَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ غَنِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَسَّمَ، وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ قَالَ: قَسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ، ثُمَّ نَهَضُوا إِلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ» ، فَكَفَّنَهُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدَّمَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ، مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ اللهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ قُتِلَ شَهِيدًا أَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ. قَالَ عَطَاءٌ وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ .
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر وما ظهر عند بعض حصونها من دلالات النبوة
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ بَعْضِ حُصُونِهَا مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ بَعْضِ أَسْلَمَ أَنَّ بَعْضَ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ جُهِدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا شَيْءٌ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ حَالَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَيْسَ بِيَدِي مَا أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حِصْنٍ بِهَا غِنًى أَكْثَرَهُ طَعَامًا وَوَدَكًا، فَغَدَا النَّاسُ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا بِخَيْبَرَ حِصْنٌ أَكْثَرُ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَجَازَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا جَازَ انْتَهَوْا إِلَى حُصَيْنِهِمُ الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: لَمَّا تَحَوَّلَتِ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ وَحِصْنِ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ إِلَى قَلْعَةِ الزُّبَيْرِ، حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حِصْنٌ مَنِيعٌ إِنَّمَا هُوَ فِي رَأْسِ قُلَّةٍ فَأَقَامَ عَلَى مُحَاصَرَتِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ غَزَالٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! تُؤَمِّنُنِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ مِنْ أَهْلِ النَّطَاةِ وَتَخْرُجُ إِلَى أَهْلِ الشَّقِّ فَإِنَّ أَهْلَ الشَّقِّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْكَ، قَالَ: فَأَمَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ شَهْرًا مَا بَالَوْا لَهُمْ دُبُولٌ [ (2) ] تَحْتَ الْأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْكَ فَإِنْ قَطَعْتَ مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ أَصْحَرُوا [ (3) ] لَكَ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دُبُولِهِمْ فَقَطَعَهَا فَلَمَّا قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَشَارِبَهُمْ خَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ نَفَرٌ [ (4) ] وَأُصِيبَ مِنْ يَهُودَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَشَرَةٌ وَافْتَتَحَهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ هَذَا آخِرَ حُصُونِ النَّطَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من النَّطَاةِ تَحَوَّلَ إِلَى أَهْلِ الشَّقِّ [ (5) ] . وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِيُّ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ. مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: لَمَّا تَحَوَّلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى الشَّقِّ وَبِهِ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ مِنْهَا حِصْنُ أُبَيٍّ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلْعَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَمْوَانُ فَقَاتَلَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْحِصْنِ قِتَالًا شَدِيدًا، وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ [يُقَالُ لَهُ] [ (6) ] غَزَالٌ، فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ ثُمَّ حَمَلَ عليه الحباب عليه فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ، فَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ غَزَالٍ وَكَانَ أعزل فبادر راجعا
مُسْتَهْزِمًا إِلَى الْحِصْنِ وَتَبِعَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ عَرْقُوبَيْنِ فَوَقَعَ فَذَفَّفَ عَلَيْهِ. فَخَرَجَ آخَرُ فَصَاحَ مَنْ يبَارِزُ فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ من آل جحش فقيل الْجَحْشِيُّ، وَقَامَ مَكَانَهُ يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ، فَبَرَزَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ فَوْقَ الْمِغْفَرِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَبَدَرَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ذَفَّفَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ سَلَبَهُ وَدِرْعَهُ وَسَيْفَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ وأحجوا عَنِ الْبِرَازِ فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ إناثا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا وَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَتَقَحَّمُوا الْجُدُرَ كَأَنَّهُمُ الطَّبَاءُ حَتَّى صَارُوا إِلَى حِصْنِ النَّزَارِ بِالشَّقِّ وَجَعَلَ يَأْتِي مَنْ بَقِيَ مِنْ فَلِّ النَّطَاةِ إِلَى حِصْنِ النَّزَارِ فَغَلَّقُوهُ وَامْتَنَعُوا فِيهِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ وَزَحَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ فَقَاتَلَهُمْ فَكَانُوا أَشَدَّ أَهْلِ الشَّقِّ رَمْيًا لِلْمُسْلِمِينَ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ حَتَّى أَصَابَ النَّبْلُ ثِيَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَقَتْ بِهِ فَأَخَذَ النَّبْلَ فَجَمَعَهَا ثُمَّ أَخَذَ لَهُمْ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَحَصَبَ بِهِ حِصْنَهُمْ، فَرَجَفَ الْحِصْنُ بِهِمْ ثُمَّ سَاخَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى جَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوا أَهْلَهُ أَخْذًا [ (7) ] . وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ قَالُوا ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الْكُتَيْبَةِ وَالْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ حِصْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ الَّذِي، كَانُوا فِيهِ فَحَصَّنُوا أشد التحصين وجأهم كُلُّ فَلٍّ [ (8) ] كَانَ انْهَزَمَ مِنَ النَّطَاةِ وَالشَّقِّ فَتَحَصَّنُوا مَعَهُمْ فِي الْقَمُوصِ وَهُوَ فِي الْكُتَيْبَةِ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا فِي الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ وَجَعَلُوا لَا يَطْلُعُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ حَتَّى هَمَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
الصُّلْحَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَنَزَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَصَالَحَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِي حُصُونِهِمْ مِنَ المقابلة، وَتَرْكِ الذُّرِّيَّةِ لَهُمْ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيِّهِمْ وَيُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ وَعَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ، وَعَلَى الْبِرِّ الْأَثْوَبِ كَانَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إن كتمتوني شَيْئًا فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِهِ وَحَدَّثَنِيهِ مُكْنَفٌ، قَالَا: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنِهِمُ الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ حَتَّى إِذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا: الشَّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكُتَيْبَةَ، وَجَمَعَ حُصُونَهَمْ إِلَّا مَا كَانَ فِي ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكٍ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ، فَفَعَلَ فَكَانَ مِمَّنْ مَشَى بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُعَامِلَهُمُ الْأَمْوَالَ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ وَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ أَمْوَالُ خيبر فيأ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكٌ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ ولا ركاب [ (10) ] .
باب ما جرى بعد الفتح في الكنز الذي كتموه واصطفاء صفية بنت حيي، وقسمة الغنيمة والخمس على طريق الاختصار، فقد مضى في كتاب السنن ما احتجنا اليه من ذلك، وفي ذلك تصديق وعد الله عز وجل رسوله وتصديق الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به
بَابُ مَا جَرَى بَعْدَ الْفَتْحِ فِي الْكَنْزِ الَّذِي كَتَمُوهُ وَاصْطِفَاءِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْخُمْسِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ السُّنَنِ مَا احْتَجْنَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ تَصْدِيقُ وَعْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ وَتَصْدِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أُمَّتَهُ مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ ثُمَّ إِجْلَاءِ مَنْ أَجْلَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا جَرَى فِي الْحُمَّى الَّتِي أَصَابَتْهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمَقْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ، فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، قَالَ حَمَّادٌ وَالْخَمِيسُ: الْجَيْشُ. قَالَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا، وَتَبَسَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن مسدد [ (1) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحٍ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ الْتَمِسْ لِي غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ فَرَدَفَنِي وَأَنَا غُلَامٌ قَدْ رَاهَقْتُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ خَدَمْتُهُ، فَسَمِعْتُهُ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ. فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ، وَكَانَتْ عَرُوسًا وَقُتِلَ زَوْجُهَا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَدِّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَاتَّخَذَ حَيْسًا فِي نِطْعٍ صَغِيرٍ، وَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا بِعَبَاءَةٍ خَلْفَهُ، وَيَجْلِسُ عِنْدَ نَاقَتِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَجِيءُ صَفِيَّةُ فَتَضَعُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ تَرْكَبُ، فَلَمَّا بَدَا لَنَا أُحُدٌ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ اللهُمَّ وَإِنِّي أُحَرِّمُ لَابَتَيْهَا اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ لَفْظُ حَدِيثِ سعيد بن منصور.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُدَ [ (3) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ [ (4) ] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ وَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ، وَالْأَقِطَ، وَالسَّمْنَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وبَيْنَ النَّاسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ [ (5) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الاسفرائيني بِهَا، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عمر، فيما يحب أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ فَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجْلُوا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ [وَالْحَلْقَةُ] [ (6) ]
وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لِعَمِّ حُيَيٍّ: مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ، فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةً فَقَالَ قَدْ رَأَيْتُ حُسًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَاهُنَا، فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي حُقَيْقٍ وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ كُلَّ عَامٍ فيخرصها عليهم ثم يضمّينهم الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَرْصَهُ، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ، فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللهِ تُطْعِمُونِي السُّحْتَ، وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ. قَالَ وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خُضْرَةً فَقَالَ يَا صَفِيَّةُ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَرَأَيْتُ كَأَنْ وَقَعَ فِي حِجْرِي فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَالَ تَمَنَّيْنَ مَلِكَ يَثْرِبَ، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبْغَضِ النَّاسِ إِلَيَّ قَتَلَ زَوْجِي وَأَبِي فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكِ أَلَّبَ عَلَيَّ الْعَرَبَ، وَفَعَلَ وَفَعَلَ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ
وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ غَشُّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَلْقَوَا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَفَدَغُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ خَيْبَرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ رَئِيسُهُمْ لَا تُخْرِجْنَا دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِرَئِيسِهِمْ أَتُرَاهُ سَقَطَ عَنِّي قَوْلُ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ تُخُومَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، وَقَسَمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ. اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا الْيَهُودَ أَشَدَّ الْحِصَارِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَنَةَ عَلَى دِمَائِهِمْ، وَيَبْرُزُونَ لَهُ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ فَقَاضَاهُمْ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَهُوَ الدِّينَارُ
وَالدِّرْهَمُ، وَعَلَى الْحَلْقَةِ وَهِيَ الْأَدَاةُ، وَعَلَى الْبَزِّ، إِلَّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ اللهِ مِنْكُمْ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْمَلُوا فِي أَمْوَالِكُمْ عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ كُلَّ عَامٍ مَا أَقْرَرْنَاكُمْ، فَإِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ، فَنَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَمَ بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ آنِيَةً مِنْ فِضَّةٍ، وَمَالًا كَثِيرًا كَانَ فِي مَسْكِ جَمَلٍ عِنْدَ كِنَانَةَ ابن رَبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْآنِيَةُ وَالْمَالُ الَّذِي خَرَجْتُمْ بِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ حِينَ أَجْلَيْنَاكُمْ؟ قَالُوا: ذَهَبَ وَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَعْلَمَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُمَا، فَدَفَعَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الزُّبَيْرِ يُعَذِّبُهُمَا فَاعْتَرَفَ ابْنُ عَمِّ كِنَانَةَ فَدَلَّ عَلَى الْمَالِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَمَرَ الزُّبَيْرَ فَدَفَعَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَتَلَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ كِنَانَةَ هُوَ قَتَلَ مَحْمُودَ بْنَ مَسْلَمَةَ. وَاسْتَحَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَابْنَةِ عَمِّهَا وَكَانَتْ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَأَعْطَى ابْنَةَ عَمِّهَا دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَدَهَا دِحْيَةَ وَأَمْسَكَ صَفِيَّةَ وَسَبَاهَا، وَهِيَ عَرُوسٌ حِدْثَانٌ مَا دَخَلَتْ بَيْتَهَا، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إِلَى الرَّحْلِ، فَمَرَّ بِهَا بِلَالٌ وَسْطَ الْقَتْلَى، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَذَهَبَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ، وعُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَدَخَلَ بِهَا، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ رِجَالٌ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهَا إِيَّاهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعْرِضُوا عَنْهَا وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُضْرَةً فِي وَجْهِهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا بِوَجْهِكِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ رُؤْيَا قَبْلَ قُدُومِكَ عَلَيْنَا وَلَا وَاللهِ مَا أَذْكُرُ مِنْ شَأْنِكَ مِنْ شَيْءٍ قَصَصْتُهَا عَلَى زَوْجِي، فَلَطَمَ وَجْهِي، وَقَالَ تَمَنَّيْنَ هَذَا الْمَلِكَ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «وَمَاذَا رَأَيْتِ؟» قَالَتْ: رَأَيْتُ الْقَمَرَ زَالَ مِنْ مَكَانِهِ فَوَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأُعْجِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤيَاهَا. فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَرْتَحِلَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا رَكِبَ جَعَلَ ثَوْبَهُ الَّذِي
ارْتَدَى بِهِ عَلَى ظَهْرِهَا وَوَجْهِهَا ثُمَّ شَدَّ طَرَفَهُ تَحْتَهُ فَأَخَّرُوا عَنْهُ فِي الْمَسِيرِ وَعَلِمُوا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ نِسْوَتِهِ، ولَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذَهُ لِيَحْمِلَهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ أَجَلَّتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَضَعَ قَدَمَهَا عَلَى فَخِذِهِ، فَوَضَعْتُ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ رَكِبَتْ وَقَدْ بَاتَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةَ دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا قَرِيبًا مِنْ قُبَّتِهِ آخِذًا بِقَائِمِ السَّيْفِ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكْرَةً كَبَّرَ أَبُو أَيُّوبَ حِينَ أَبْصَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ قَالَ: لَمْ أَرْقُدْ لَيْلَتِي هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟» قَالَ: لَمَّا دَخَلْتَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ ذَكَرْتُ أَنَّكَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا وَعَامَّةَ عَشِيرَتِهَا فَخِفْتُ لعمر واللهِ أَنْ تَغْتَالَكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي هَذِهِ الْقِصَّةَ بِمَعْنَى مَا رَوَيْنَا إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي قِصَّةِ الْكَنْزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَأَلَ كِنَانَةَ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ عَنْ ذَلِكَ، وَسَأَلَ مَعَ كِنَانَةَ حُيَيَّ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَا: أَنْفَقْنَاهُ فِي الْحَرْبِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَحَلَفَا لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَتْ مِنْكُمَا ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إِنْ كَانَ عِنْدَكُمَا أَوْ قَالَ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَا: نَعَمْ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَنْ يُعَذِّبَ كِنَانَةَ فَعَذَّبَهُ حَتَّى خَافَهُ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ وَلَا نَدْرِي أعذب حييّ أَوْ لَا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ غُلَامًا لَهُمَا يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ كَانَ كَالضَّعِيفِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِهِ غَيْرَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَى كِنَانَةَ يَطُوفُ كُلَّ غَدَاةٍ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ فِيهَا فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تِلْكَ الْخَرِبَةِ فَوَجَدُوا فِيهَا ذَلِكَ الْكَنْزَ فَأُتِيَ بِهِ وَذَكَرَ قصة صفيّة [ (8) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» فَكَانُوا فِيهَا كَذَلِكَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ عُمَرَ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ محمد ابن إسحاق الاسفرائيني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمِرَارُ بْنُ حَمُّوَيْهِ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُدِعْتُ [ (10) ] بِخَيْبَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فِي النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهَا، وَقَالَ: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ» وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ فَفُدِعَتْ يَدَاهُ، وَلَيْسَ لنا هنا كعدوّ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ تُهْمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُخْرِجُنَا وَقَدْ أَمَّرَنَا مُحَمَّدٌ وَعَامَلَنَا عَلَى الْأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ [ (11) ] لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ، فأجلاهم وأعطاهم مالهم مِنَ التَّمْرِ مَالًا وَإِبِلًا وعروضا من أقتاب
وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (12) ] عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، وَهُوَ مِرَارُ بْنُ حَمُّوَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ كُلَّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَكَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ وَعَزَلَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاسِ [ (13) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (14) ] سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْبَرَ قَسَمَهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ فَعَزَلَ لِلْمُسْلِمِينَ الشَّطْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا يَجْمَعُ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم مَعَهُمْ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ، وَعَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُوَ الشَّطْرُ لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَطِيحَ وَالْكُتَيْبَةَ وَالسَّلَالِمَ وَتَوَابِعَهَا فَلَمَّا صَارَتِ الْأَمْوَالُ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُمَّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم اليهود فعاملهم [ (15) ] .
قُلْتُ: وَهَذَا لِأَنَّ بَعْضَ خَيْبَرَ فُتِحَ عَنْوَةً وَبَعْضَهَا صُلْحًا فَقَسَمَ مَا فُتِحَ عَنْوَةً بَيْنَ أَهْلِ الْخُمْسِ وَالْغَانِمِينَ وَعَزَلَ مَا فُتِحَ صُلْحًا لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ الشرفي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ خَيْبَرَ يَوْمَ أَشْرَكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ فِيهَا زَرْعٌ وَنَخْلٌ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مائة وسق تمر وعشرين وسق شعير لِكُلِّ امْرَأَةٍ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانَتِ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ عَلَى الشَّقِّ وَالنَّطَاةِ وَالْكُتَيْبَةِ، وَكَانَتِ الشَّقُّ وَالنَّطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتِ الْكُتَيْبَةُ خُمُسَ اللهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَطَعَامَ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَطَعَامَ رِجَالٍ مَشَوْا فِي الصُّلْحِ، مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ فَدَكٍ، مِنْهُمْ، مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَعْطَاهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ وَسْقًا شَعِيرًا وَثَلَاثِينَ وَسْقًا تَمْرًا، وَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ خَيْبَرَ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إِلَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا، فكان واديها: وادي
السُّرَيِّرِ، وَوَادِي خَاصٍ [ (17) ] ، وَهُمَا اللَّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ، وَكَانَتْ نَطَاةُ، وَالشَّقُّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا: نَطَاةُ عَنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَالشَّقُّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَقَسَمَهَا على ألف وثماني مائة سَهْمٍ، وَكَانَ ذَلِكَ عَدَدَ الَّذِينَ قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، خَيْلُهُمْ وَرِجَالُهُمُ: الرِّجَالُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ، وَالْخَيْلُ مِائَتَا فَرَسٍ، فَكَانَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ رَاجِلٍ سَهْمٌ، وَكَانَ لِكُلِّ مِائَةِ سَهْمٍ رَأْسٌ جُمِعَ إِلَيْهِ مِائَةُ رَجُلٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ في ذلك الرؤوس [ (18) ] . قَالَ: ثُمَّ قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خُمُسَهُ لِلْكُتَيْبَةِ وَهِيَ وَادِي خَاصٍ بَيْنَ أَهْلِ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ، وَبَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَسَامِيهِمْ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ يَعْنِي ابْنَ عمرو ابن السَّرْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عباس.
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ: أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ: سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: كَانَ مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ فَرَسٍ، فَقَسَمَ لِكُلِّ فَرَسٍ سهمين. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: كَانُوا يَوْمُ خَيْبَرَ أَلْفًا وأربع مائة، وَكَانَتِ الْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، وَالْبَغَوِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَنْفَالِ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ [ (20) ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ يَذْكُرُ خَيْبَرَ فِيهِ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَغَازِي. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعٍ، يَذْكُرُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَكَانَ أحد القراء الذين قرأوا الْقُرْآنَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ [ (21) ] الْأَبَاعِيرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ مَا لِلنَّاسِ قَالُوا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ [ (22) ] ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَتْحٌ هُوَ، قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ، فَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الجيش ألفا وخمس مائة فِيهِمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سهما.
كَذَا رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ حُفَّاظِ الرُّوَاةِ قَالُوا كانوا ألفا وأربع مائة وَرُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَرَسٍ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْبَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ [ (23) ] : أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمًا لَهُ، وَسَهْمًا لِلْقَرَابَةِ. قُلْتُ: يُرِيدُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهِيَ كَانَتْ حَيَّةً يَوْمَئِذٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلَاءِ إِخْوَتُكَ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي جَعَلَكَ اللهُ بِهِ مِنْهُمْ أَرَأَيْتَ إِخْوَتَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلٍ أَحَدٍ. فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ثُمَّ شَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى. اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ [ (24) ] بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَيُونُسَ عَنِ الزهري.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ دُلِّيَ جِرَابٌ [ (25) ] مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَالْتَزَمْتُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: لَا أُعْطِي مِنْ هَذَا أَحَدًا شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَبْتَسِمُ إِلَيَّ [ (26) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ: هَذَا لِي لَا أُعْطِي أَحَدًا شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قُلْتُ: أَكُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ الطَّعَامَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ [ (28) ] .
أخبرنا أبو محمد عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، قَدِمَ وَالثَّمَرَةُ خَضِرَةٌ، قَالَ: فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِيهَا، فَحُمُّوا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقْرِسُوا [ (29) ] الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ [ (30) ] ، ثُمَّ يُحْدِرُونَ [ (31) ] عَلَيْهِمْ بَيْنَ أَذَانَيِ الْفَجْرِ، وَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، قَالَ: فَفَعَلُوا فَكَأَنَّمَا نَشَطُوا مِنْ عُقُلٍ [ (32) ] . وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَوْصُولًا، وَرُوِيَ عَنْهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ [ (33) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنَ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَمَرَنِي فَقُلِّدْتُ سَيْفًا، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ [ (34) ] الْمَتَاعِ [ (35) ] . وَهُوَ فِيمَا بِهِ إِجَازَةٌ وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَلَمْ أَجِدْ نسخة
السَّمَاعِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيَّ أَخْبَرَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ ابن مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى خَيْبَرَ وَمَعِي زَوْجَتِي وَهِيَ حُبْلَى فَنُفِسَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ [لِي: «انْقَعْ] [ (36) ] لَهَا تَمْرًا فَإِذَا انْغَمَرَ بُلَّهُ، فَأْمُرْ بِهِ لِتَشْرَبَهُ» فَفَعَلَتْ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، فلما فتحنا خيبر أجذى النِّسَاءَ، وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنَّ فَأَجْدَى [ (37) ] زَوْجَتِي وَمَوْلُودِي الَّذِي وُلِدَ. قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ لَسْتُ أَدْرِي أَغُلَامٌ أَمْ جارية [ (38) ] .
باب قدوم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه والأشعريين عن النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر من أرض الحبشة وما جرى في قسمته لهم ولغيرهم ومن لم يقسم له وما روي في ذلك من دلالات النبوة.
بَابُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وأصحابه والأشعريين عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَا جَرَى فِي قِسْمَتِهِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ وَمَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ: أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ: أَحَدُهُمْ أَبُو رُهْمٍ، وَالْآخَرُ أَبُو بُرْدَةَ، إِمَّا قَالَ: بِضْعًا وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا، (أَيْ فِي الْحَبَشَةِ) فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ فَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَصْحَابِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بالعجرة. قَالَ: وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم زائدة، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ:
أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلِمَةً: كَذَبْتَ يَا عُمَرُ! كَلَّا وَاللهِ! كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبَغْضَاءِ [ (1) ] بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ، وَايْمُ اللهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنَخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ، وَاللهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قُلْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا، قَالَ: لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ. قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى، وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ، وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي، وَقَالَ: لَكُمُ الْهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ: هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهَاجَرْتُمْ إِلَيَّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (2) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّبِيعِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَبْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَرَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَدِمَ جَعْفَرُ مِنَ الْحَبَشَةِ تَلَقَّاهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَاللهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَفْرَحُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ؟ وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَجْلَحَ مُرْسَلًا دُونَ ذِكْرِ جَابِرٍ فِيهِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْرُوتِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد ابن أَبِي طَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ تَلَقَّاهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ جَعْفَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حَجَلَ، قَالَ: يَعْنِي يَمْشِي عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ إِعْظَامًا مِنْهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. فِي إِسْنَادِهِ إِلَى الثَّوْرِيِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَلَمْ يَقْسِمْ
مِنْ خَيْبَرَ شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يَأْذَنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ تَخَلَّفَ عَنْهُ مَخْرَجَهُ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي شُهُودِ خَيْبَرَ. وَذَكَرُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِخَيْبَرَ نَفَرٌ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ فِيهِمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ كَانُوا مِمَّنْ يُذْكَرُ أَنَّهُمْ قَدِمُوا مُهَاجِرَةَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانُوا مَعَهُمْ وَنَفَرٌ مِنْ دَوْسٍ فِيهِمُ: الطُّفَيْلُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَرَأَى- وَرَأْيُهُ الْحَقُّ- أَنْ لَا يُخَيِّبَ مَسِيرَهُمْ، وَلَا يُبْطِلَ سَفَرَهُمْ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَشْرَكَهُمْ فِي مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فَفَعَلُوا وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَحَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ الْقُرَشِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُسْهِمَ لِي فَتَكَلَّمَ بَعْضُ وَلَدَيْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا قَاتِلُ ابْنُ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: أَظُنُّهُ ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ يَا عَجَبِي لِوَبْرٍ قَدْ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَالٍّ يُعَيِّرُنِي بِقَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ تهنّى عَلَى يَدَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (5) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بعد ما افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لليف.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتٌ يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَقْسِمْ لَهُمْ، فَقَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبَرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَالٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَانُ اجْلِسْ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أبو عمرو والْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ مِثْلِهِ وَقَالَ: مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَتْ بَنُو فَزَارَةَ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ لِيُعِينُوهُمْ، فَرَاسَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُعِينُوهُمْ وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهُمْ وَلَكُمْ مِنْ خَيْبَرَ كَذَا وَكَذَا، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَتَاهُ مَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، فَقَالُوا: حَظَّنَا وَالَّذِي وَعَدْتَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَظُّكُمْ أَوْ قَالَ: «لَكُمْ ذُو الرُّقَيْبَةِ» [ (7) ] جَبَلٌ من
جِبَالِ خَيْبَرَ، فَقَالُوا: إِذًا تقاتلك، فَقَالَ: «مَوْعِدُكُمْ جَنَفًا» [ (8) ] فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ خَرَجُوا هَارِبِينَ [ (9) ] . لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ: جَنْفَاءُ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي فَزَارَةَ يُقَالُ لَهُ جَنْفَاءُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي لَمْ أَجِدْ نُسْخَةَ سَمَاعِي وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ قَالُوا كَانَ أَبُو شُيَيْمٍ الْمُزَنِيُّ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يُحَدِّثُ، يَقُولُ: لَمَّا نَفَرْنَا إِلَى أَهْلِهَا [بِحَيْفَاءَ] [ (10) ] مَعَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، رَجَعَ بِنَا عُيَيْنَةُ، فَلَمَّا كَانَ دُونَ خَيْبَرَ [بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْحُطَامُ] عَرَّسْنَا مِنَ اللَّيْلِ، فَفَزِعْنَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أَبْشِرُوا إِنِّي أَرَى اللَّيْلَةَ فِي النَّوْمِ أَنِّي أُعْطِيتُ ذَا الرُّقَيْبَةِ- جَبَلًا بِخَيْبَرَ- قَدْ وَاللهِ أَخَذْتُ بِرَقَبَةِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ فَوَجَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنِي مَا غَنِمْتَ مِنْ حُلَفَائِي، فَإِنِّي انْصَرَفْتُ عَنْكَ وَعَنْ قِتَالِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ وَلَكِنَّ الصِّيَاحَ الَّذِي سَمِعْتَ أَنْفَرَكَ إِلَى أَهْلِكَ» ، قَالَ أَجِزْنِي يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «لَكَ ذُو الرُّقَيْبَةِ» ، قَالَ عُيَيْنَةُ: مَا ذو
الرُّقَيْبَةِ، قَالَ: «الْجَبَلُ الَّذِي رَأَيْتَ فِيَ النَّوْمِ، أَنَّكَ أَخَذْتَهُ» ! فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ [ (11) ] . فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ تُوضَعُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، وَاللهِ لَيَظْهَرَنَّ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، يَهُودُ كَانُوا يُخْبِرُونَنَا هَذَا، أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ سَلَّامَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ يَقُولُ: إِنَّا نَحْسُدُ مُحَمَّدًا عَلَى النُّبُوَّةِ، حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ بَنِي هَارُونَ، وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَيَهُودُ لَا تُطَاوِعُنِي عَلَى هَذَا، وَلَنَا مِنْهُ ذِبْحَانِ: وَاحِدٌ بِيَثْرِبَ، وَآخَرُ بِخَيْبَرَ. قَالَ الْحَارِثُ: قُلْتُ لِسَلَّامٍ: يَمْلِكُ الْأَرْضَ جميعا؟ قال نعم والتوراة الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى وَمَا أُحِبُّ أَنْ تَعْلَمَ يهود بقولي فيه [ (12) ] .
باب ما جاء في نفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في جرح سلمة بن الأكوع يوم خيبر وبروه من ذلك
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُرْحِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ يَوْمَ خَيْبَرَ وبروه مِنْ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَسَوِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ، سَلَمَةُ أُصِيبَ سَلَمَةُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ مَعًا فَمَا اشْتَكَيْتُ مِنْهَا حَتَّى السَّاعَةِ. لَفْظُ حَدِيثِ الْقَاضِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (1) ] .
باب ما جاء في الرجل الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار وما صار إليه أمره وما ظهر في ذلك من علامات النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمَا صَارَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالْقَاسِمُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً ولا فاذّة إلّا اتبعتها يضر بها بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ الْيَوْمَ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ الْقَوْمُ ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لَا يَمُوتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أَبَدًا، فَاتَّبَعَهُ كُلَّمَا أَسْرَعَ أسرع، وإذا أَبْطَأَ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ، فَاشْتَدَّتْ جِرَاحَتُهُ وَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فيما يبدوا لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الجنة [ (1) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ. وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْيَمَانِ أَنَّ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَهُ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا مَرَّتَيْنِ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (2) ] شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يُدْعَى بِالْإِسْلَامِ إِنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ! فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، حَتَّى كَثُرَ بِهِ الْجِرَاحُ، فَأَثْبَتَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرْتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَدْ وَاللهِ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ! فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فاستخرج منهما أَسْهُمًا، فَانْتَحَرَ بِهَا، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بِلَالُ! قُمْ فَأَذِّنْ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَإِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] عَنْ أَبِي الْيَمَانِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قُلْتُ: وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ، وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَفِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ كَالدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اسْتَحَلَّ قَتْلَ نَفْسِهِ أَوْ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ مِنْهُ نِفَاقًا نَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ .
باب ما جاء في الرجل الذي كان قد غل في سبيل الله عز وجل وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ [فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:] [ (1) ] إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ» فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ الْيَهُودِ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ [ (2) ] .
باب ما جاء في الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وما ظهر في ذلك من عصمة الله جل ثناؤه ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ضرر ما أكل منه حتى بلغ فيه أمره واخبار ذراعها إياه بذلك حتى أمسك عن البقية
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِخَيْبَرَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ عِصْمَةِ اللهِ جَلَّ ثناؤه وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرَرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ حَتَّى بَلَغَ فِيهِ أَمْرُهُ وَإِخْبَارِ ذِرَاعِهَا إِيَّاهُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمْسَكَ عَنِ الْبَقِيَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَكَ أَبُوكَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: اجْمَعُوا مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنَ الْيَهُودِ، فَجَمَعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلَانٌ، قَالَ: كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ، قَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، قَالَ لَهُمْ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي آبَائِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَئُوا فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.
لَفْظُ حَدِيثِ شُعَيْبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن قتيبة وغيره [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ قَالَ: عَلَيَّ، قَالُوا: أَلَا تَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا. فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَجَبِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] [ (3) ] الْعَبَّاسِ: محمد بن
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ هُوَ ابْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم شَاةً مَسْمُومَةً، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَمْسِكُوا فَإِنَّهَا مَسْمُومَةٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَيُطْلِعُكَ اللهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ، قَالَ: فَمَا عَرَضَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (4) ] . حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ- رَحِمَهُ- اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزَامٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَبْدِ العزيز ابن عُثْمَانَ، عَنْ جَدِّي: عُثْمَانَ بن أبي جَبَلَةَ، قَالَ: كَمَا أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا شَاةً مَسْمُومَةً، وَإِمَّا بَرَقًا مَسْمُوطًا مَسْمُومًا، فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ إِلَيْهِ وَبَسَطَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ، قَالَ: أَمْسِكُوا، فَإِنَّ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا يُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ فَدَعَا صَاحِبَتَهَا، فَقَالَ: أَسَمَمْتِ هَذَا؟، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: أَحْبَبْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ أُرِيحَ النَّاسَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ رَسُولًا أَنَّكَ سَتُطْلَعُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُعَاقِبْهَا [ (5) ] . أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالك:
أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً [ (6) ] بِخَيْبَرَ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَقَالَتْ هَدِيَّةٌ وَحَذِرَتْ أَنْ تَقُولَ: مِنَ الصَّدَقَةِ فَلَا يَأْكُلُ، قَالَ: فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكُوا، ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: هَلْ سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟ قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْعَظْمُ لِسَاقِهَا، وَهُوَ فِي يَدِهِ. قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ، قَالَ فَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكَاهِلِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَعْمَرٌ وَأَمَّا النَّاسُ فَيَقُولُونَ قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم [ (7) ] .
هَذَا مُرْسَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَمَلَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحسين بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ جَابِرُ ابن عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً مَصْلِيَّةً ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَهُودِيَّةِ فَدَعَاهَا، فَقَالَ لَهَا: أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟ قَالَتِ الْيَهُودِيَّةُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ فِي يَدِي لِلذِّرَاعِ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَرَدْتِ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَنْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ. فَعَفَا عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُعَاقِبْهَا، وَتُوُفِّيَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَاحْتَجَمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ حَجَمَهُ أَبُو هند بالقرية وَالشَّفْرَةِ، وَهُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قال حدثنا وهب ابن بَقِيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ ابن مَعْرُورٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟ يَذْكُرُ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَتْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الْحِجَامَةِ. قُلْتُ وَرُوِّينَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بن البراء
أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد بن الفضل ابن مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَهْدَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْيَهُودِيَّةُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مَرْحَبٍ لِصَفِيَّةَ شَاةً مَصْلِيَّةً، وَسَمَّتْهَا وَأَكْثَرَتْ فِي الْكَتِفِ وَالذِّرَاعِ لِأَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّهُ أَحَبَّ أَعْضَاءِ الشَّاةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على صَفِيَّةَ وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِمُ الشَّاةَ الْمَصْلِيَّةَ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْكَتِفَ وَانْتَهَشَ مِنْهَا، وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا فَانْتَهَشَ مِنْهُ، فَلَمَّا اسْتَرَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُقْمَتَهُ اسْتَرَطَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّ كَتِفَ هَذِهِ الشَّاةِ يُخْبِرُنِي أَنْ قَدْ بُغِيَتْ فِيهَا، فَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ فِي أَكْلَتِي الَّتِي أَكَلْتُ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَلْفِظَهَا إِلَّا أَنِّي أَعْظَمْتُ أَنْ أُنْغِصَكَ طَعَامَكَ، فَلَمَّا أَسَغْتَ مَا فِي فِيكَ، لَمْ أَكُنْ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِكِ، وَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ اسْتَرَطْتَهَا وَفِيهَا بَغْيٌ، فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى عَادَ لَوْنُهُ مِثْلَ الطَّيْلَسَانِ،
وماطله وَجَعُهُ حَتَّى كَانَ لَا يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا حُوِّلَ [ (10) ] . قَالَ جَابِرٌ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاحْتَجَمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكَاهِلِ يَوْمَئِذٍ حَجَمَهُ مَوْلَى بَيَاضَةَ بالقون وَالشَّفْرَةِ، وَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَعْدَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ: مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ عَدَدًا حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانُ انْقَطَعَ الْأَبْهَرُ مِنِّي، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم شَهِيدًا [ (11) ] . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله في الحجامة [ (12) ] .
باب وقوع الخبر بمكة وورود الحجاج ابن علاط [1] على أهلها لأخذ ماله
بَابُ وُقُوعِ الْخَبَرِ بِمَكَّةَ وورود الحجاج ابن عِلَاطٍ [ (1) ] عَلَى أَهْلِهَا لِأَخْذِ مَالِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: وَكَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حِينَ سَمِعُوا بِخُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ تَرَاهُنٌ عَظِيمٌ، وَتَبَايُعٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَظْهَرُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَظْهَرُ الْحَلِيفَانِ، وَيَهُودُ خَيْبَرَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ ابن عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الْبَهْزِيُّ أَسْلَمَ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ أُمُّ شَيْبَةَ أُخْتُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ كَانَتْ لَهُ معادية أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا ظَهْرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْبَرَ قال الحجاج بن
عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأَتِي، وَإِنْ تَعْلَمْ هِيَ وَأَهْلُهَا بِإِسْلَامِي، فَلَا مَالَ لِي فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأُسْرِعَ السَّيْرَ، وَلِأَسْبِقَ الْخَبَرَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَمَعْنَاهُ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن نور، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا، وَأَنَا أُرِيدُ إِتْيَانَهُمْ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ، وَقُلْتُ شَيْئًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَقَالَ: لِامْرَأَتِهِ حِينَ قَدِمَ: أَخْفِ عَلَيَّ وَاجْمَعِي مَا كَانَ عِنْدَكَ لِي، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فإنهم قد استجيبوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ فَفَشَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَاشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَبْلَغَ مِنْهُمْ وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْعَبَّاسَ فَعُقِرَ، وَجَعَلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ قُثَمُ، وَاسْتَلْقَى وَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: حيّ قُثَمْ شِبْهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ ... نَبِيِّ ذِي النِّعَمْ بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ قَالَ مَعْمَرٌ: فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَأَرْسَلَ الْعَبَّاسُ غُلَامًا لَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ وَيْلَكَ مَا جِئْتَ بِهِ وَمَا تَقُولُ فَالَّذِي وَعَدَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتَ بِهِ، قَالَ الْحَجَّاجُ: يَا غُلَامُ أَقْرِئْ أَبَا الْفَضْلِ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: فَلْيَخَلُ لِي فِي بَعْضِ بُيوتِهِ فَآتِيَهِ فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْعَبْدُ بَابَ الدَّارِ، قَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرِحًا حَتَّى قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْحَجَّاجِ، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحَجَّاجُ فَأَخْبَرَهُ بِافْتِتَاحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَغُنْمِ أَمْوَالِهِمْ وَأَنَّ سِهَامَ اللهِ قَدْ جَرَتْ فِيهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ لِنَفْسِهِ وَخَيَّرَهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ، أَوْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ، وَلَكِنْ
جِئْتُ لِمَالٍ كَانَ هَاهُنَا أَنْ أَجْمَعَهُ، فَأَذْهَبَ بِهِ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُولَ، فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْتُ، فَأَخْفِ عَلَيَّ يَا أَبَا الْفَضْلِ ثَلَاثًا، ثُمَّ اذْكُرْ مَا شِئْتَ. قَالَ فَجَمَعَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَتَاعَهُ، ثُمَّ انْشَمَرَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ زَوْجُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ وَقَالَتْ: لَا يُحْزِنُكَ اللهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ، فَقَالَ: أَجَلْ لَا يُحْزِنُنِي اللهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللهِ إِلَّا مَا أَحْبَبْنَا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللهِ فِي خَيْبَرَ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ، لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ لَكِ فِي زَوْجِكِ حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ، قَالَتْ: أَظُنُّكَ وَاللهِ صَادِقًا. قَالَ: فَإِنِّي وَاللهِ صَادِقٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ لَكِ. ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى أَتَى مَجَالِسَ قُرَيْشٍ وَهُوَ يَقُولُ إِذَا مَرَّ بِهِمْ: لَا يُصِيبُكَ إِلَّا خَيْرٌ يَا أَبَا الْفَضْلِ، قَالَ: لَا يُصِيبُنِي إِلَّا خَيْرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ خَبَّرَنِي الْحَجَّاجُ بِكَذَا وَكَذَا، وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِحَاجَتِهِ، فَرَدَّ اللهُ مَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ، حَتَّى دَخَلُوا عَلَى الْعَبَّاسِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ. وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فَدَعَا الْعَبَّاسُ ابْنًا لَهُ يُدْعَى قُثَمَ وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ بِهِ تَشَدُّدًا لِأَعْدَاءِ اللهِ وَيَقُولُ. وَهُوَ يَرْتَجِزُ. يَا ابْنَ شَيْبَةَ ذِي الْكَرَمْ ... فَحُزْتَ بِالْأَنْفِ الْأَشَمْ يا بن ذِي نَعَمْ ... بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ وَسَقَطَ الرَّجَزُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ فِي الرَّجَزِ.
حيي قُثَمْ شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ ... نَبِيُّ ذِي النِّعَمْ بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ أَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ [ (2) ] .
باب انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وتوجهه إلى وادي القرى [1] وما قال في شأن من أصيب وقد غل في سبيل الله عز وجل
بَابُ انْصِرَافِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ خَيْبَرَ وَتَوَجُّهِهِ إِلَى وَادِي الْقُرَى [ (1) ] وَمَا قَالَ فِي شَأْنِ مَنْ أُصِيبَ وَقَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجل أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ، قَالَ: فَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَحْوَ وَادِي الْقُرَى وَقَدْ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ [ (2) ] الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ وَشِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عن القعنبي.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ ابن الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُذَامِيُّ، قَدْ وَهَبَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، وَكَانَ يُرَحِّلُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِوَادِي الْقُرَى انْتَهَيْنَا إِلَى يَهُودَ، وَقَدْ ثَوى إِلَيْهَا نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَدِ اسْتَقْبَلَتْنَا يَهُودُ بِالرَّمْيِ حَيْثُ نَزَلْنَا، وَلَمْ نَكُنْ عَلَى تَعْبِئَةٍ وَهُمْ يَصِيحُونَ فِي آطَامِهِمْ [ (3) ] ، فَيُقْبِلُ سَهْمٌ عَائِرٌ [ (4) ] أَصَابَ مِدْعَمًا فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمقسم لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ وَشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ. وَعَبَّى [ (5) ] رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، وَصَفَّهُمْ وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَرَايَةً إِلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إِلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَرَايَةً إِلَى عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ، وَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ، فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ، حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، كُلَّمَا قُتِلَ مِنْهُمْ رجل دعا من
بَقِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْضُرُ يَوْمَئِذٍ فَيُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَمْسَوْا، وَغَدَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ حَتَّى أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَفَتَحَهَا عَنْوَةً، وَغَنَّمَهُ الله أموالهم وأصابوا إناثا وَمَتَاعًا كَثِيرًا. فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْقُرَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَسَمَ مَا أَصَابَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَادِي الْقُرَى وَتَرَكَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِأَيْدِي يَهُودَ، وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا فَلَمَّا بَلَغَ يَهُودُ تَيْمَاءَ مَا وَطِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفَدَكَ وَوَادِيَ الْقُرَى، صَالَحُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ، وأقاموا بِأَيْدِيهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخْرَجَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَلَمْ يُخْرِجْ أَهْلَ تَيْمَاءَ وَوَادِي الْقُرَى، لِأَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي أَرْضِ الشَّامِ، وَيَرَى أَنَّ مَا دُونَ وَادِي الْقُرَى إِلَى الْمَدِينَةِ حِجَازٌ، وَأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الشَّامِ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ خَيْبَرَ، وَمِنْ وَرَاءِ وَادِي الْقُرَى وَغَنَّمَهُ اللهُ [ (6) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْجُرْفِ وَهُوَ يَقُولُ لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، قَالَتْ: فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَطَرَقَ أَهْلَهُ فَوَجَدَ مَا يَكْرَهُ، فَخَلَّى سَبِيلَهَا وَلَمْ يَهِجْهُ [ (7) ] وَضَنَّ بِزَوْجَتِهِ أَنْ يُفَارِقَهَا وَكَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ وَكَانَ يُحِبُّهَا فَعَصَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فرأى ما يكره [ (8) ] .
باب ما جاء في نومهم عن الصلاة حتى انصرفوا من خيبر، وما ظهر في ذلك الطريق من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى انْصَرَفُوا مِنْ خَيْبَرَ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ [ (1) ] مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَسَارَ لَيْلَةً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَنَا الْكَرَى عَرَّسَ [ (2) ] وَقَالَ لِبِلَالٍ «اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ» [ (3) ] قَالَ فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ [مُوَاجِهُ الْفَجْرِ] [ (4) ] فَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا
بِلَالُ! قَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَاقْتَادُوا [ (5) ] رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى لَهُمُ الصُّبْحَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ تعالى قال: أقم الصلاة لذكري» . [ (6) ] . قَالَ يُونُسُ وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَأُهَا كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ قَالَ عَنْبَسَةُ يَعْنِي عَنْ يُونُسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِذِكْرِي لَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ [ (7) ] يَحْيَى كَذَا فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ المهرجاني الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوسنجي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا، حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ فَرَغُوا فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ، فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إن ينزلوا، وأن يتوضؤوا، وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ، وَيُقِيمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ
إِلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمْ يزل يهدّئه كما يهدي الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (8) ] . فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَ رَجَعُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: مَنْ يَكْلَؤُنَا فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، قَالَ: فَفَعَلْنَا قَالَ فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ [ (9) ] . كَذَا قَالَ غُنْدَرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ الَّذِي حَرَسَهُمْ لَيْلَتَئِذٍ كَانَ بِلَالًا، وَكَذَلِكَ قَالَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ الْحَارِسَ كَانَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ. أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن سَهْلٍ الْمُجَوَّزُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، قَالَ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جامع بن
شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنْ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ إِنَّكَ تَنَامُ ثُمَّ عَادَ مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا ثُمَّ أَعَادَهُ مِرَارًا فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْتَ قَالَ فَحَرَسْتُهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ أَدْرَكَنِي قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ تَنَامُ، فَنِمْتُ فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فِي ظُهُورِنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى بِنَا الصُّبْحَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا تَنَامُوا عَنْهَا لَمْ تَنَامُوا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، فَهَكَذَا مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ إِبِلَ الْقَوْمِ تَفَرَّقَتْ، فَخَرَجَ النَّاسُ فِي طلبها فجاؤوا بِإِبِلِهِمْ إِلَّا نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: فخذها هَاهُنَا، فَأَخَذْتُ حَيْثُ قَالَ لِي فَوَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى عَلَى شَجَرَةٍ وَاللهِ مَا كَانَتْ تَحُلُّهَا يَدٌ، فَجِئْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، ونَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مبينا. كَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ يُوسُفَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ هَذِهِ الْقِصَّةُ بَعْدَ ذِكْرِ نُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ لِنُزُولِ السُّورَةِ دُونَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنْ كَانَ التَّارِيخُ لَهُمَا جَمِيعًا فَيُشْبِهُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ وَقَعَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ وَقَعَ مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَا فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ حَدِيثًا فِي الْمِيضَأَةِ، وَلَا أَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ مَرْجِعَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ أَوْ وَقْتًا آخَرَ وَاسْتَخَرْتُ اللهَ تَعَالَى فِي اسْتِخْرَاجِ حَدِيثِهِمَا هَاهُنَا فَوَقَعَتِ الْخِيَرَةُ عَلَى ذَلِكَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَرْجِعَهُمْ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَرَوَى زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب ذكر حديث عمران بن حصين وما ظهر في خبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبة المزادتين، ثم في ماء المزادتين حين أتي به وفي بقية الماء التي كانت معه من علامات النبوة ودلالات الصدق.
بَابُ ذِكْرِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمَا ظَهَرَ فِي خَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ صَاحِبَةِ الْمَزَادَتَيْنِ، ثُمَّ فِي مَاءِ الْمَزَادَتَيْنِ حِينَ أُتِيَ بِهِ وَفِي بَقِيَّةِ الْمَاءِ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَأَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا، قَالَ: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِ امْرَأَةً بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، امْرَأَةً مَعَهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ مَزَادَتَانِ [ (1) ] فَأْتِيَانِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَيَا الْمَرْأَةَ فَوَجَدَاهَا قَدْ رَكِبَتْ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ، فَقَالَا لَهَا: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَمَنْ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَهُوَ الصابئي، قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، فجاء بِهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ فِي إِنَاءٍ مِنْ مَزَادَتَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ عَادَ الْمَاءُ فِي الْمَزَادَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِعَزْلَاءِ الْمَزَادَتَيْنِ فَفُتِحَتْ ثُمَّ أَمَرَ الناس فملؤوا آنِيَتَهُمْ وَأَسْقِيَتَهُمْ، فَلَمْ يَدَعُوا يَوْمَئِذٍ إِنَاءً وَلَا سِقَاءً الا ملؤوه. قَالَ عِمْرَانُ: فَكَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهَا لَمْ تَزْدَدْ إِلَّا امْتِلَاءً، قَالَ: فَأَمَرَ النبي
صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهَا فَبُسِطَ ثُمَّ أَمَرَ أصحابه فجاؤوا مِنْ زَادِهِمْ حَتَّى مَلَأَ لَهَا ثَوْبَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي فَإِنَّا لَمْ نَأْخُذْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَقَانَا، قَالَ: فَجَاءَتْ أَهْلَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ، فَقَالَتْ: جِئْتُكُمْ مِنْ أَسْحَرِ النَّاسِ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، قَالَ: فَجَاءَ أَهْلُ ذَلِكَ الْحِوَاءِ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أحمد ابن حَنْبَلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِيَانِ ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا تِلْكَ الْوَقْعَةَ وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، قَالَ: فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ: فُلَانٌ- كَانَ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ ثُمَّ فُلَانٌ، وَنَسِيَهُمْ عَوْفٌ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا أَجْوَفَ جَلِيدًا، قَالَ: فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوَا الَّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ: لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ النَّاسُ الْعَطَشَ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ وَنَسِيَهُ عَوْفٌ، وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: اذْهَبَا فَابْغِيَانَا الْمَاءَ، قَالَ:
فَانْطَلَقَا فَيَلْقَيَانِ امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، قَالَ: فَقَالَا لَهَا فَانْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ لِي: أَيْنَ؟ قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي إِذًا. فَجَاءَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ يَعْنِي فَمَضْمَضَ فِي الْمَاءِ وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ، أَوِ السطيحتين، وأوكا أفواههما وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ [ (2) ] وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أَنِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا فسقا مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شاء، فكان آخر من ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ، قَالَ: وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ بِمَائِهَا، قَالَ: وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أَقْلَعَ عَنْهَا وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْئًا [ (3) ] مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْمَعُوا لَهَا فَجَمَعَ لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا طَعَامًا كَثِيرًا وَجَعَلُوهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْلَمِينَ وَاللهِ مَا رَزَيْنَاكِ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ سَقَانَا» . قَالَ: فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتِ: الْعَجَبُ! لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ بِمَائِي كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَدْ كان، قال: فو الله أنه لا سحر مَنْ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ، وَقَالَتْ بِأُصْبُعِهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ تَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا، قَالَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ يُغِيرُونَ عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ [ (4) ] الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أَدْرِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا فَهَلْ لَكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عند مُسَدَّدٍ [ (5) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ [ (6) ] عَوْفٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّاجِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا فَسَارَ بِأَصْحَابِهِ وَأَنَّهُمْ عَرَّسُوا قَبْلَ الصُّبْحِ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ فَسَبَّحَ وَكَبَّرَ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُوقِظَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَاسْتَيْقَظَ رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ، فَسَبَّحَ وَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ جِدًّا، حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ، فَقَالَ: لَمْ تَفُتْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَرَكِبُوا وَسَارُوا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلُوا مَعَهُ، وَكَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي نَامَ فِيهِ عَنِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «ائْتُونِي بِمَاءٍ» ، فَأَتَوْهُ بِجُرَيْعَةٍ مِنْ مَاءٍ فِي مَطْهَرَةٍ، فَصَبَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَوَضَّئُوا، فَتَوَضَّأَ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ أمر
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ، فَنُودِيَ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَائِمٌ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، قَالَ فَتَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَصَلِّ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ الْمَاءُ مِنْهُمْ، فَبَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَطْلُبُونَ لَهُ الْمَاءَ، فَانْطَلَقَ فِي نَفَرٍ فَسَارَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ثُمَّ لَقِيَ امْرَأَةً عَلَى رَاحِلَةٍ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ فَقَالَتْ: أَقْبَلْتُ إِنِّي اسْتَقَيْتُ لِأَيْتَامٍ، فَلَمَّا قَالَتْ لَهُ وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَاللهِ لَئِنِ انْطَلَقْنَا لَا نَبْلُغُ حَتَّى تَهْلِكَ دَوَابُّنَا، وَيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: بَلْ نَنْطَلِقُ بِهَاتَيْنِ الْمَزَادَتَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تنظر فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه وَأَصْحَابُهُ وَجَاءُوا بِالْمَرْأَةِ عَلَى بعيرها بين مزادتيهما فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللهِ: بِأَبِي وَأُمِّي إِنَّا وَجَدْنَا هَذِهِ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمَاءِ فَزَعَمَتْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ أَوْ زِيَادَةً، فَظَنَنَّا أَنْ لَمْ نَبْلُغْهُ حَتَّى يَهْلِكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَنِيخُوا لَهَا بَعِيرَهَا، فَأَنَاخُوا بِهَا بَعِيرَهَا، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَتِ: اسْتَقَيْتُ لِأَيْتَامٍ، وَقَدِ احْتبَسْتُ عَلَيْهِمْ جِدًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي بإناء فجاؤوا بِإِنَاءٍ، فَقَالَ: افْتَحُوا عَزْلَاءَ هَذِهِ الْمَزَادَةِ فَخُذُوا مِنْهَا مَاءً يَسِيرًا، ثُمَّ افْتَحُوا عَزْلَاءَ هَذِهِ فَخُذُوا مِنْهَا مَاءً يَسِيرًا أَيْضًا، فَفَعَلُوا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَعَا فِيهِ وَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَ: افْتَحُوا لِي أَفْوَاهَ الْمَزَادَتَيْنِ، فَفَتَحُوا فَحَثَا فِي هَذِهِ قَلِيلًا وَفِي هَذِهِ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: اشْرَبُوا، فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ قَالَ: اسْقُوا ظَهْرَكُمْ فَسَقَوَا الظَّهْرَ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاتُوا مَا كَانَ لَكُمْ مِنْ قِرْبَةٍ أَوْ مطهرة فاملؤوها» فجاؤوا بقربهم ومطاهرهم فملؤوها، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «شُدُّوا عَزْلَاءَ هَذِهِ، وَعَزْلَاءَ هَذِهِ، ثُمَّ قَالَ: ابْعَثُوا الْبَعِيرَ» فَبَعَثُوهَا فَنَهَضَتْ وَإِنَ المزادتين لتكاد ان تَفُطَّانِ مِنْ مَلْئِهِمَا ثُمَّ اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِسَاءَ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ
قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَاتُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ بِالْكُسَيْرَةِ مِنَ الْخُبْزِ، وَالشَّيْءِ مِنَ التَّمْرِ، حَتَّى جَمَعَ لَهَا، ثُمَّ أَخَذَ كِسَاءَهَا ذَلِكَ فَشَدَّهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: خُذِي هَذَا لِأَيْتَامِكِ، وَهَذَا مَاؤُكِ وَافِرًا، فَجَعَلَتْ تَعْجَبُ مِمَّا رَأَتْ ثُمَّ انْطَلَقَتْ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا فَقَالُوا قَدِ احْتبَسْتِ عَلَيْنَا فَمَا حَبَسَكِ؟ قَالَتْ حَبَسَنِي أَنِّي رَأَيْتُ عَجَبًا مِنَ الْعَجَبِ! أَرَأَيْتُمْ مَزْادَتَيَّ هَاتَيْنِ فو الله لَقَدْ شَرِبَ مِنْهُمَا قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ بَعِيرًا وَأَخَذُوا مِنَ الْقِرَبِ وَالْمَزَادِ وَالْمَطَاهِرِ مالا أُحْصِي، ثُمَّ إِنَّهُمَا الْآنَ أَوْفَرُ مِنْهُمَا يَوْمَئِذٍ فَلَبِثَتْ شَهْرًا أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.
باب ذكر حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في أمر الميضأة وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين احتبس أصحابه عنه: إن يطيعوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - يرشدوا، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي أَمْرِ الْمِيضَأَةِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ احْتَبَسَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ: أَنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَرْشُدُوا، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو محمد عبد الله بن يوسف الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، ثُمَّ تَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ [ (1) ] فِي الْمَسِيرِ. قال أبو قتادة: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ [ (2) ] اللَّيْلُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ فَنَعَسَ [ (3) ] النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَالَ عَلَى رَاحِلَتِهِ [فَأَتَيْتُهُ] ، فَدَعَمْتُهُ [ (4) ] مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا تَهَوَّرَ اللَّيْلُ [ (5) ] مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ
السَّحَرِ، فَمَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ [ (6) ] فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ قَالَ مُذْ كَمْ كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ: قُلْتُ مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مِنْكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ: حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ [ (7) ] ، ثُمَّ قَالَ: تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ ثُمَّ قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ فَاجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ [ (8) ] ، فَمَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، فَقُمْنَا فَزِعِينَ، فَقَالَ: ارْكَبُوا، فَسِرْنَا حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ [ (9) ] كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأْنَا مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ [ (10) ] ، وَبَقِيَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ، سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ، ثُمَّ نَادَى بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبْنَا فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ [ (11) ] مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا الَّذِي تَهْمِسُونَ دُونِي، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللهِ تَفْرِيطُنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ [ (12) ] ثم قال:
«إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ [ (13) ] إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَسْتَيْقِظُ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا [قَالَ] ثُمَّ قَالَ [ (14) ] : أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَسُولُ اللهِ بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَالَ نَاسٌ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ أَوْ قَالَ حِينَ ذَهَبَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا نَبِيَّ اللهِ هَلَكْنَا وَعَطِشْنَا، فَقَالَ: لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ [ (15) ] ثُمَّ قَالَ: أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي [ (16) ] يَعْنِي الْقَدَحَ الصَّغِيرَ فَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ فَلَمْ يَعُدْ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَا فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا [ (17) ] عَلَيْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسِنُوا الْمَلْأَ [ (18) ] كُلُّكُمْ سَيَرْوَى، ثُمَّ قَالَ: أَحْسِنُوا الرُّعَةَ، فَفَعَلُوا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ، حَتَّى مَا بَقِيَ أَحَدٌ غَيْرِي، وَغَيْرُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ صَبَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اشْرَبْ فَقُلْتُ لَا أَشْرَبُ حَتَّى يَشْرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ان ساقي
الْقَوْمِ آخِرُهُمْ فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً [ (19) ] . فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ إِنِّي لَأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ [ (20) ] فَقَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قُلْتُ يَا أَبَا نُجَيْدٍ حَدِّثْ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ، قُلْتُ: مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حِفْظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ [ (21) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (22) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَخَلَّفَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، وَتَخَلَّفْتُ عَنْهُ بِمِيضَأَةٍ، وَهِيَ الْإِدَاوَةُ، قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَنِي فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيضَأَةِ فَتَوَضَّأَ، وَقَالَ لِي احْفَظْهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لِبَقِيَّتِهَا شَأْنٌ وَسَارَ الْجَيْشُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أن يطيعوا أبا بكر وَعُمَرَ يَرْفُقُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ يَعْصُوهُمَا يَشُقُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَشَارَا عَلَيْهِمْ أَنْ لا
يَنْزِلُوا حَتَّى لَا يَبْلُغُوا الْمَاءَ، وَقَالَ بَقِيَّةُ النَّاسِ: بَلْ نَنْزِلُ حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا فَجِئْنَاهُمْ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَقَدْ هَلَكُوا مِنَ الْعَطَشِ فَدَعَانِي بِالْمِيضَأَةِ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَاصْطَبَّها ثُمَّ جَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ فَشَرِبُوا حَتَّى رووا، وتوضئوا وملؤوا كُلَّ إِنَاءٍ مَعَهُمْ، حَتَّى جَعَلَ يَقُولُ: هَلْ مِنْ مَائِي؟ قَالَ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهَا كَمَا أَخَذَهَا وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلًا.
باب ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما منح الأنصار المهاجرين حين قدموا المدينة بعد ما فتح الله تعالى عليه النضير وقريظة وخيبر
بَابُ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا مَنَحَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَا فَتَحَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ النَّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ وخَيْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَدِمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، وَكَانَ الْأَنْصَارُ أَهْلَ أَرْضٍ وَعَقَارٍ [ (1) ] فَقَاسَمَهُمُ الْأَنْصَارُ عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ والمؤونة، وَكَانَتْ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تُدْعَى أُمَّ سُلَيْمٍ، وَكَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ أَخَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا [ (2) ] لَهَا فَأَعْطَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتُهُ: أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ الى المدينة ردّ المهاجرون إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ [ (3) ] الَّتِي
كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ، وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّي عِذَاقَهَا وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضِنُهُ حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى وَالْمَنِيعِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابُ بْنُ خَيَّاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لَهُ مِنْ مَالِكِ النَّخَلَاتِ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ قَالَ فَجَعَلَ يَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ [أَنَسٌ] وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنِّي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ أَوْ كَمَا شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِيهِنَّ، قَالَ: فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي وَجَعَلَتْ تَقُولُ: كَلَّا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُعْطِيكَهُنَّ وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ، قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ أَيْمَنَ اتْرُكِي وَلَكِ كَذَا وَكَذَا» ، تَقُولُ: كَلَّا، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: كَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا عَشْرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْ عشرة أمثالها.
وَقَالَ شَبَابٌ فَلَوَتِ الثَّوْبَ مِنْ عُنُقِي وَقَالَ أَيْضًا، قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِ كَذَا لَكِ كَذَا» حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَهِيَ تَقُولُ: كَلَّا، وَاللهِ حَتَّى أُعْطَى عشرة أَمْثَالِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَهُوَ شَبَابٌ [ (5) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (6) ] .
جماع أبواب السرايا التي تذكر بعد فتح خيبر وقبل عمرة القضية وان كان تاريخ بعضها ليس بالواضح عند أهل المغازي
جُمَّاعُ أَبْوَابِ السَّرَايَا الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَبْلَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِالْوَاضِحِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى نَجْدٍ قِبَلَ بَنِي فَزَارَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عِكْرِمَةُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إياس ابن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى فَزَارَةَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ عَرَّسَ بِنَا أَبُو بَكْرٍ حَتَّى إِذَا مَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ أَمَرَنَا فَشَنَنَّا الْغَارَةَ فَوَرَدْنَا الْمَاءَ، فَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ قَتَلَ، وَنَحْنُ مَعَهُ. قَالَ سَلَمَةُ فَرَأَيْتُ عُنُقًا [ (1) ] مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ [ (2) ] فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ فَأَدْرَكْتُهُمْ فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوَا السَّهْمَ، قَامُوا فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فِيهِمْ عَلَيْهَا قِشَعٌ [ (3) ] مِنْ أَدَمٍ مَعَهَا ابْنَتُهَا مِنْ أَحْسَنِ
الْعَرَبِ فَجِئْتُ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ بَاتَتْ عِنْدِي فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» . قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ وَاللهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، قَالَ يَا سَلَمَةُ: هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ، قُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَا بِهَا أَسْرَى [ (4) ] مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ.
باب ذكر سرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عجز هوازن وراء مكة بأربعة أميال
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى عَجُزِ هَوَازِنَ وَرَاءَ مَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى تُرَبَةِ عَجُزِ [ (1) ] هَوَازِنَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فَخَرَجَ عُمَرُ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُونَ النَّهَارَ، فَأَتَى الْخَبَرُ هَوَازِنَ فَهَرَبُوا، وَجَاءَ عُمَرُ مَحَالَّهُمْ، فَلَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَانْصَرَفَ عُمَرُ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى سَلَكَ النَّجْدِيَّةَ فَلَمَّا كَانُوا بِالْجَدَدِ، قَالَ الْهِلَالِيُّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: هَلْ لَكَ فِي جَمْعٍ آخَرَ تَرَكْتُهُ مِنْ خَثْعَمٍ جَاءُوا سَائِرِينَ قَدْ أَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، إِنَّمَا أَمَرَنِي أَنْ أَصْمُدَ لِقِتَالِ هَوَازِنَ بِتُرَبَةَ، فَانْصَرَفَ عُمَرُ راجعا الى المدينة [ (2) ] .
باب ذكر سرية عبد الله بن رواحة [1] إلى يسير [2] بن رزام اليهودي وما ظهر في شجه عبد الله بن أنيس من الصحة ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ [ (1) ] إِلَى يسير [ (2) ] بن رزام اليهودي وَمَا ظَهَرَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ مِنَ الصِّحَّةِ بِبَرَكَةِ بُصَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِيهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا كَذَا قَالَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ابي
أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ السُّلَمِيُّ إِلَى اليسير ابن رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ، حَتَّى أَتَوْهُ بِخَيْبَرَ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِيَغْزُوهُ بِهِمْ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَعْمِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى تَبِعَهُمْ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَدِيفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغُوا قَرْقَرَةَ ثِبَارٍ [ (3) ] وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ البشير، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى سَيْفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَفَطِنَ لَهُ عَبْدُ اللهِ فَزَجَرَ بَعِيرَهُ ثُمَّ اقْتَحَمَ يَسُوقُ بِالْقَوْمِ حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنَ من السّير ضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا وَاقْتَحَمَ الْيُسَيْرُ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ [ (4) ] مِنْ شَوْحَطٍ فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ عَبْدِ اللهِ شَجَّةً مأمومة [ (5) ] كل رجل كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَدِيفِهِ فَقَتَلَهُ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ أَعْجَزَهُمْ شَدًّا وَلَمْ يُصَبْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ وقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَلَمْ تَقْحُ وَلَمْ تُؤْذِهِ حَتَّى مَاتَ. لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة [ (6) ] .
باب ذكر سرية بشير بن سعد الانصاري إلى بني مرة، وسرية غالب بن عبد الله الكلبي رضي الله عنهما
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ إِلَى بَنِي مُرَّةَ، وَسَرِيَّةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا إِلَى بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكٍ، فَخَرَجَ فَلَقِيَ رِعَاءَ الشَّاءِ [ (1) ] فَاسْتَاقَ الشَّاءَ وَالنَّعَمَ مُنْحَدِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَدْرَكَهُ الطَّلَبُ عِنْدَ اللَّيْلِ، فباتوا يرامونهم بِالنَّبْلِ، حَتَّى فَنِيَتْ نَبْلُ أَصْحَابِ بَشِيرٍ، فَأَصَابُوا أَصْحَابَهُ وَوَلَّى مِنْهُمْ مَنْ وَلَّى، وَقَاتَلَ بَشِيرٌ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى ضُرِبَ كَعْبَاهُ، وَقِيلَ: قَدْ مَاتَ، وَرَجَعُوا بِنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمْ وَتَحَامَلَ بَشِيرٌ حَتَّى انْتَهَى إِلَى فَدَكَ، فَأَقَامَ عِنْدَ يَهُودِيٍّ حَتَّى ارْتَفَعَ مِنَ الْجِرَاحِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَيْهِمْ حَتَّى أَتَاهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْخُدْرِيُّ بِالْخَبَرِ [ (2) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَحَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ الْأذَانُ قَالَ كَانَ مَعَ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا دَنَا غَالِبٌ مِنْهُمْ بَعَثَ الطَّلَائِعَ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُ فَأَقْبَلَ غَالِبٌ يُشِيرُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ مِنْهُمْ لَيْلًا وَقَدِ احْتَلَبُوا وَهَدَءُوا [ (3) ] قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِي وَلَا تَعْصُونِي، وَلَا تُخَالِفُوا لِي أَمْرًا، فَإِنَّهُ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ، ثُمَّ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلَانُ،! أَنْتَ وَفُلَانُ، وَقَالَ: يا فلان! أنت، وفلان لَا يُفَارِقْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ زَمِيلَهُ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يُرْفَعَ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَقُولَ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، وَإِذَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، وَجَرِّدُوا السُّيُوفَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِحَاطَتِهِمْ بِهِمْ قَالَ وَوَضَعْنَا السُّيُوفَ حَيْثُ شينا مِنْهُمْ وَنَحْنُ نَصِيحُ بِشِعَارِنَا أمت أمت، وخرج وَخَرَجَ أُسَامَةُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ مِرْدَاسٍ، فَأَبْعَدَ فقاله أَمِيرُنَا: أَيْنَ أُسَامَةُ فَجَاءَنَا بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَامَهُ أَمِيرُنَا، فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُ وَلَحَمْتُهُ السَّيْفَ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ أَمِيرُنَا: أَغْمَدْتَ سَيْفَكَ؟ قَالَ: لَا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُ حَتَّى أَوْرَدْتُهُ شَعُوبَ، قَالَ: قُلْنَا بِئْسَ وَاللهِ مَا صَنَعْتَ وَمَا جِئْتَ به تقتل امرءا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَنَدِمَ وَسُقِطَ فِي يَدَيْهِ. قَالَ فَاسْتَقْنَا الْغَنَمَ وَالنِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ، وَكَانَتْ سِهَامُهُمْ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الْغَنَمِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابن
إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عبد الله الكلبي كلب لَيْثٍ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ ابن نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنَ الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أسامة ابن زَيْدٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعْنِي مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السِّلَاحَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَاهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ! مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَقَالَ: فَمَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلَامِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهْدًا أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ فَقُلْتُ بَعْدَكَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ، يُحَدِّثُ قَالَ أَتَيْنَا الْحُرَقَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا
كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْبَزَّازُ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ ابراهيم البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم غالب بن عبد الله الْكَلْبِيَّ- كَلْبَ لَيْثٍ- إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ، وَكُنْتُ فِي سَرِيَّتِهِ فَمَضَيْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِقُدَيْدٍ لَقِينَا بِهِ الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيَّ، فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ مُسْلِمًا فَلَا يَضُرُّكَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ قَالَ فَأَوثَقَهُ رِبَاطًا وَخَلَّفَ عَلَيْهِ رُوَيْجِلًا أَسْوَدَ كَانَ مَعَنَا، قَالَ: امْكُثْ مَعَهُ حَتَّى نَمُرَّ عَلَيْكَ فَإِنْ نَازَعَكَ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ الْكَدِيدِ فَنَزَلْنَا عَشِيَّةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَبَعَثَنِي أَصْحَابِي إِلَيْهِ فَعَمِدْتُ إِلَى تَلٍّ يُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ فَانْبَطَحْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَنَظَرَ فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَّلِّ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ، إِنِّي لَأَرَى سَوَادًا عَلَى هَذَا التَّلِّ مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لَا تَكُونُ الْكِلَابُ اجْتَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَفْقِدُ شيئا. قال: فناولني قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ نَبْلِي، فَنَاوَلَتْهُ فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي جَبِينِي أَوْ قَالَ في جنبي،
فَنَزَعْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ، وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، ثم رماني بالآخر فوضعته فِي رَأْسِ مَنْكِبِي، فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَانِ وَلَوْ كَانَ رِيبَةً لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتُ فَابْتَغِي سَهْمَيَّ فَخُذِيهِمَا لَا تَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكِلَابُ قَالَ: وَمَهَّلْنَا حَتَّى إِذَا رَاحَتْ روايحهم، وَحَتَّى إِذَا أَحْلَبُوا وَعَطَنُوا وَسَكَنُوا وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ فَقَتَلْنَا مَنْ قَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ بِهِ، وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُغَوِّثًا قَالَ وَخَرَجْنَا سراعا حتى تمرّ بالحارث ابن مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَتَانَا صريخ الناس فجاءنا مالا قِبَلَ لَنَا بِهِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلَّا بَطْنُ الْوَادِي من قديد، فبعثه اللهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مطرا ولا حال، فَجَاءَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أحد يُقْدِمَ عَلَيْهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وقُوفًا يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا، مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا وَنُحْذِرُهَا- شَكَّ النُّفَيْلِيُّ- فَذَهَبْنَا سِرَاعًا حَتَّى أَسْنَدْنَا بِهَا فِي الْمَسْلَكِ، ثُمَّ حَدَرْنَا عَنْهُ، فَأَعْجَزْنَا الْقَوْمَ بِمَا فِي أَيْدِينَا [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: كَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَرِيَّةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيِّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ أَمِتْ أَمِتْ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قال: حدثنا
الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ عُتْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَهُ يَسَارٌ مَوْلَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ غِرَّةً مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَأَرْسِلْ مَعِي إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَذَكَرَ قِصَّةً فِي كَيْفِيَّةِ مَسِيرِهِمْ حَتَّى فَنِيَتْ أَزْوَادُهُمْ وَاقْتَسَمُوا التَّمْرَ عَدَدًا وَانْتَهَوْا إِلَى ضِرْسٍ [ (9) ] مِنَ الْحَرَّةِ قَالَ غَالِبٌ انْطَلِقْ بِنَا يَا يَسَارُ أَنَا وَأَنْتَ [وَنَدَعَ الْقَوْمَ] [ (10) ] كمينّا، فَفَعَلَا حَتَّى إِذَا كُنَّا مِنَ الْقَوْمِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ سَمِعْنَا حِسَّ النَّاسِ وَالرِّعَاءِ وَالْحَلْبِ، فَرَجَعَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى أَصْحَابِهِمَا، فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ الْحَيِّ قَرِيبًا وَقَدْ وَعَظَهُمْ أَمِيرُهُمْ غَالِبٌ وَرَغَّبَهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْإِمْعَانِ فِي الطَّلَبِ، وَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ: إِذَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، قَالَ: وَكَبَّرَ فَكَبَّرُوا مَعَهُ جَمِيعًا وَرَفَعُوا وَسْطَ مَحَالِّهِمْ، فَاسْتَاقُوا نَعَمًا وَشَاءً، وَقَتَلُوا مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ، وَصَادَفُوهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ: الْمَيْضَعَةُ [ (11) ]
باب ذكر سرية بشير بن سعد إلى جناب [1]
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى جَنَابٍ [ (1) ] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عبادة، عن بشير ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ حُسَيْلُ بْنُ نُوَيْرَةَ [ (2) ] وَكَانَ دَلِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيْنَ يَا حُسَيْلُ» ؟ قَالَ مِنْ يَمَنٍ وَجَنَابٍ قَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ تَرَكْتُ جَمْعًا مِنْ يَمَنٍ وَغَطَفَانَ وَجَنَابٍ [ (3) ] قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ عُيَيْنَةَ: إِمَّا أَنْ يَسِيرُوا إِلَيْنَا، وَإِمَّا أَنْ نَسِيرَ إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلُوا أَنْ سِرْ إِلَيْنَا، وَهُمْ يُرِيدُونَكَ أَوْ بَعْضَ أَطْرَافِكَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَذَكَرَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَقَالَا جَمِيعًا: ابْعَثْ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، فَعَقَدَ لَهُ لواء،
وَبَعَثَ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا اللَّيْلَ وَيَكْمُنُوا النَّهَارَ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ حُسَيْلٌ دَلِيلًا فَسَارُوا اللَّيْلَ وَكَمَنُوا النَّهَارَ حَتَّى أَتَوْا أَسْفَلَ خَيْبَرَ، فَنَزَلُوا سِلَاحَ [ (4) ] ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْقَوْمِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِغَارَتِهِمْ عَلَى سَرْحِ الْقَوْمِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ جَمْعَهُمْ فَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ فَخَرَجَ بَشِيرٌ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى مَحَالَّهُمْ فَيَجِدُوهَا وَلَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، فَرَجَعَ بِالنَّعَمِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِسِلَاحَ رَاجِعِينَ لَقُوا عَيْنًا [ (5) ] لِعُيَيْنَةَ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ لَقُوا جَمْعَ عُيَيْنَةَ وَعُيَيْنَةُ لَا يَشْعُرُ بِهِمْ، فَنَاوَشُوهُمْ حَتَّى انْكَشَفَ جَمْعُ عُيَيْنَةَ، وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فَأَسَرُوهُمَا، فَقَدِمُوا بِهِمَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَا، فَأَرْسَلَهُمَا. قَالَ وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَلَقِيَهُ مُنْهَزِمًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَتِيقٍ يعدوا بِهِ عَدْوًا سَرِيعًا فَاسْتَوْقَفَهُ الْحَارِثُ فَقَالَ: لَا، مَا أَقْدِرُ! خَلْفِي الطَّلَبُ، أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ يَرْكُضُ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ أَمَا آنَ لَكَ تَبْصُرُ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَطِئَ الْبِلَادَ وَأَنْتَ مُوضِعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، قَالَ الْحَارِثُ: فَتَنَحَّيْتُ عن سنين خَيْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي، فَأَقَمْتُ مِنْ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى اللَّيْلِ مَا أَرَى أَحَدًا وَمَا طَلَبُوهُ إِلَّا الرُّعْبَ الَّذِي دَخَلَهُ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: قَدْ أَقَمْتَ فِي مَوْضِعِي حَتَّى اللَّيْلِ مَا رَأَيْتُ مِنَ طَلَبٍ، قَالَ عُيَيْنَةَ: هُوَ ذَاكَ أَنِّي خِفْتُ الْإِسَارَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَ لَهُ الْحَارِثُ مِنْ نُصْرَةِ اللهِ تَعَالَى مُحَمَّدًا وَجَوَابِهِ بِأَنَّ نَفْسَهُ لَا تُقِرَّهُ، ثُمَّ ارْتِيَادَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هم فيها [ (6) ] .
باب سرية أبي حدرد الأسلمي [1] إلى الغابة
بَابُ سَرِيَّةِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ [ (1) ] إِلَى الْغَابَةِ أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ وَغَزْوَتِهِ إِلَى الْغَابَةِ مَا حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَأَصْدَقْتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي، فَقَالَ: كَمْ أَصْدَقْتَ؟ فَقُلْتُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ، لَوْ كُنْتُمْ تأخذونها من وادي مَا زَادَ، لَا، وَاللهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُكَ بِهِ [ (2) ] ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، أَوْ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي بَطْنٍ عَظِيمٍ مِنْ جُشَمٍ حَتَّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ قَيْسًا عَلَى حَرْبِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَا اسم
وَشَرَفٍ فِي جُشَمٍ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: اخْرُجُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى تَأْتُوا مِنْهُ بِخَبَرٍ وَعِلْمٍ، وَقَدَّمَ لَنَا شَارِفًا [ (3) ] عَجْفَاءَ، فَحَمَلَ عليها أحدنا فو الله مَا قَامَتْ بِهِ ضَعْفًا، حَتَّى دَعَمَهَا [ (4) ] الرِّجَالُ مِنْ خَلْفَهَا بِأَيْدِيهِمْ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ وَمَا كَادَتْ، وَقَالَ: تَبَلَّغُوا عَلَى هَذِهِ، فَخَرَجْنَا، وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنَ النَّبْلِ، وَالسُّيُوفِ حَتَّى إِذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنَ الْحَاضِرِ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَكَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ وَأَمَرْتُ صَاحِبَيَّ فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ وَقُلْتُ لَهُمَا: إِذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبَّرْتُ وَشَدَدْتُ فِي الْعَسْكَرِ فَكَبِّرُوا وَشُدَّا معي، فو الله إِنَّا لَكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ أَنْ نَرَى غُرَّةً أَوْ نَرَى شَيْئًا وَقَدْ غَشِيَنَا اللَّيْلُ حَتَّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ [ (5) ] ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرَحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَخَوَّفُوا عَلَيْهِ، فَقَامَ صَاحِبُهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَتَّبِعَنَّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرٌّ فَقَالَ نَفَرٌ مِمَّنْ مَعَهُ: وَاللهِ لَا تَذْهَبُ نَحْنُ نَذْهَبُ نَكْفِيكَ، فَقَالَ: لَا يَذْهَبُ إِلَّا أَنَا، قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَكَ فَقَالَ وَاللهِ لَا يَتَّبِعُنِي مِنْكُمْ أَحَدٌ، وَخَرَجَ حَتَّى يَمُرَّ بِي فَلَمَّا أَمْكَنَنِي نَفَحْتُهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعْتُهُ فِي فُؤَادِهِ، فو الله مَا تَكَلَّمَ فَوَثَبْتُ إِلَيْهِ فاحترزت رَأْسَهُ، ثُمَّ شَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَكَبَّرْتُ وَشَدَّ صاحباي، وكبروا فو الله مَا كَانَ إِلَّا النَّجَاءُ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ عِنْدَكَ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا خَفَّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَاسْتَقْنَا إِبِلًا عَظِيمَةً، وَغَنَمًا كَثِيرَةً، فَجِئْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِئْتُ بِرَأْسِهِ أَحْمِلُهُ مَعِي، فَأَعْطَانِي مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي فَجَمَعْتُ إِلَيَّ أهلي [ (6) ] .
باب السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامرا بعد ما حياهم بتحية الإسلام
بَابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ عَامِرًا بَعْدَ مَا حَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عبد الله ابن قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمٍ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ: الْحَارِثُ بْنُ ربعيّ، ومحلّم ابن جثّامة بن قيس، فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمٍ مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ [ (1) ] ، مَعَهُ مُتَيِّعٌ [ (2) ] لَهُ وَوَطْبٌ [ (3) ] مِنْ لَبَنٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَاهُ الْخَبَرَ، فَنَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً إلى آخر الآية [ (4) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ: إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَبَا قَتَادَةَ وَمُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى إِضَمٍ فَلَقِيَنَا عامر ابن الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ فَحَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَكَفَّ أَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو حَدْرَدٍ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمٌ فَقَتَلَهُ وَسَلَبَهُ بَعِيرًا لَهُ وَسِقَاءً وَوَطْبًا مِنْ لَبَنٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: آمَنْتُ» ؟ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (5) ] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ بْنِ سَعْدٍ الضَّمْرِيَّ يُحَدِّثُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَقَامَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَعَدَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، يَطْلُبُ بِدَمِ عامر بن الأضبط الأشجعي، وَهُوَ سَيِّدُ قَيْسٍ، وَجَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَرُدُّ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ وهو سيد خندق فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِ عَامِرِ بْنِ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيِّ: «هَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنَّا خَمْسِينَ بَعِيرًا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؟» ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: وَاللهِ لَا أَدَعُهُ حَتَّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنَ الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ مُكَيْتِلٍ وَهُوَ قَصْدٌ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَجِدُ لِهَذَا الْقَتِيلِ مَثَلًا فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ [ (6) ] إِلَّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فرميت
أُولَاهَا فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا [ (7) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا خَمْسِينَ بَعِيرًا الْآنَ، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى رَضُوا بِالدِّيَةِ، قَالَ قَوْمُ مُحَلِّمٍ: ائْتُوا بِهِ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ طُوَالٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ فِي حُلَّةٍ قَدْ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: زَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدُ كَذَا فِي كِتَابِي عَنِ ابْنِ حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ الضُّمَيْرِيَّ (ح) . وحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ سَعْدِ بْنِ ضُمَيْرَةَ السُّلَمِيَّ وَهَذَا حَدِيثُ وَهْبٍ وَهُوَ أَتَمُّ يُحَدِّثُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ قَالَ مُوسَى وَجَدِّهِ: وكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا يَعْنِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ وَهْبٍ أَنَّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ غِيَرٍ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمَ عُيَيْنَةُ فِي قَتْلِ الْأَشْجَعِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ
غَطَفَانَ وَتَكَلَّمَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لِأَنَّهُ مِنْ خندق، فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُيَيْنَةُ أَلَا تَقْبَلُ العير فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللهِ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ من الخرب وَالْحُزْنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي، قَالَ: ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عيينة لا تقبل العير» فَقَالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى أَنْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ وَفِي يَدِهِ دَرَقَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإسلام مثلا إلا غنم وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «خَمْسُونَ فِي فَوْرِنَا هَذَا، وَخَمْسُونَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ فِي طَرَفَيِ النَّاسِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي بَلَغَكَ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ. فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ بِسِلَاحِكَ فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ: اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» بِصَوْتٍ عَالٍ زَادَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النّصر، قَالَ: لَمْ يَقْبَلُوا الدِّيَةَ حَتَّى قَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَخَلَا بِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ سَأَلَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا تَتْرُكُونَهُ لِيُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنَعْتُمُوهُ إِيَّاهُ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَيَغْضَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ، أَوْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْعَنَكُمُ اللهُ بِلَعْنَتِهِ، لَكُمْ وَاللهِ، وَاللهِ لَتُسْلِمُنَّهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآتِيَنَّ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ الْقَتِيلَ كَافِرٌ مَا صَلَّى قَطُّ فَلَأُطِلَنَّ دَمَهُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ: أَخَذُوا الديّة [ (9) ] .
باب ذكر الرجل الذي قتل رجلا بعد ما شهد بالحق ثم مات فلم تقبله الأرض وما ظهر في ذلك من آثار
بَابُ ذِكْرِ الرَّجُلِ الَّذِي قتل رجلا بعد ما شَهِدَ بِالْحَقِّ ثُمَّ مَاتَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الحالق الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عتيق، وموسى ابن عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَوْهَبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: أَغَارَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَانْهَزَمَتْ، فَغَشِيَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْلُوهُ بِالسَّيْفِ قَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَتْلِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا نَقَّبْتَ عَنْهُ قَلْبَهُ» ، يُرِيدُ أَنْ يعَبِّرَ عَنِ الْقَلْبِ اللِّسَانُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تُوُفِّيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْقَاتِلُ، فَدُفِنَ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ أَهْلُهُ فَحَدَّثُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ادْفِنُوهُ، فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ أَهْلُهُ
فَحَدَّثُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْفِنُوهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فجاؤوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُوهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ الْأَرْضَ قَدْ أَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ فَاطْرَحُوهُ فِي غَارٍ مِنَ الْغِيرَانِ» . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْخَالِقِ ذَكَرَ دَفْنَهُ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَذْكُرِ الثَّالِثَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْغَنَوِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَذَكَرَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ قَبِيصَةُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَمِمَّا زَادَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (1) ] . فَبَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مَاتَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَاتَ فُلَانٌ فَدَفَنَّاهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ لَفَظَتْهُ، ثُمَّ دَفَنَّاهُ فَلَفَظَتْهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْعِظَةً لَكُمْ لِكَيْلَا يُقْدِمَ رَجُلٌ مِنْكُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَوْ يَقُولُ: إِنِّي مُسْلِمٌ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى شِعْبِ بَنِي فُلَانٍ فَادْفِنُوهُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ سَتَقْبَلُهُ فَدَفَنُوهُ فِي ذَلِكَ الشعب [ (2) ] .
باب سرية عبد الله بن حذافة [1] بن قيس ابن عدي بن السهمي رضي الله عنه
بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ [ (1) ] بْنِ قَيْسِ ابن عَدِيِّ بْنِ السَّهْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ (2) ] نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ ابن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَبْسِيُّ، قال أخبرنا وكيع،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى سَرِيَّةٍ بَعَثَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا قَالَ فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا. فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ وَكِيعٍ [ (4) ] . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخر عن الأعمش [ (5) ] .
باب ما جاء في عمرة القضية [1] وتصديق الله سبحانه وتعالى وعده بدخولهم المسجد الحرام آمنين
بَابُ مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ [ (1) ] وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعْدَهُ بِدُخُولِهِمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ آمِنِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ الْقَضِيَّةُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى [ (2) ] الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بَعَثَ سَرَايَا وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى اسْتَهَلَّ ذُو الْقَعْدَةِ، ثُمَّ نَادَى فِي النَّاسِ أَنْ تَجَهَّزُوا فِي الْعُمْرَةِ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَخَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ مِنْ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي صَدَّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ يَأْجِجَ [ (3) ] ، وَضَعَ الْأَدَاةَ كُلَّهَا الْحَجَفَ وَالْمَجَانَّ وَالرِّمَاحَ وَالنَّبْلَ، وَدَخَلُوا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ السُّيُوفِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ حزن العامرية،
فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ أُخْتُهَا أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَزَوَّجَهَا الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ «اكْشِفُوا عَنِ الْمَنَاكِبِ وَاسْعَوْا فِي الطَّوَافِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ» وَكَانَ يُكَابِدُهُمْ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ فَاسْتَكَفَّ أَهْلُ مَكَّةَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وهو يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَشِّحًا بالسيف، يقول: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ. ... أَنَا الشَّهِيدُ أَنَّهُ رَسُولُهْ. قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهْ. ... فِي صُحُفٍ تتلى: رَسُولِهْ. فَالْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ. ... كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ. ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عن مقتله. ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهْ. قَالَ وَتَغَيَّبَ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْظًا وَحَنْقًا [ (4) ] وَنَفَاسَةً وَحَسَدًا، خَرَجُوا إِلَى الْخَنْدَمَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَأَقَامَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْقَضِيَّةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فِي مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَصَاحَ حُوَيْطِبٌ نُنَاشِدُكَ اللهَ وَالْعَقْدَ لَمَا خَرَجْتَ مِنْ أَرْضِنَا فَقَدْ مَضَتِ الثَّلَاثُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَا أُمَّ
لَكَ لَيْسَ بِأَرْضِكَ وَلَا أَرْضِ آبَائِكَ وَاللهِ لَا يَخْرُجُ، ثُمَّ نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم سهيل وَحُوَيْطِبًا، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نَكَحْتُ فِيكُمُ امْرَأَةً، فَمَا يَضُرُّكُمْ أَنْ أَمْكُثَ حَتَّى أَدْخُلَ بِهَا، وَنَصْنَعُ وَنَضَعُ الطَّعَامَ فَنَأْكُلُ وَتَأْكُلُونَ مَعَنَا، قَالُوا: نُنَاشِدُكَ اللهَ وَالْعَقْدَ إِلَّا خَرَجْتَ عَنَّا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بَطْنَ سَرِفَ [ (5) ] ، وَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ وَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رَافِعٍ لِيَحْمِلَ مَيْمُونَةَ إِلَيْهِ حِينَ يُمْسِي، فَأَقَامَ بِسَرِفَ، حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ مَيْمُونَةُ، وَقَدْ لَقِيَتْ مَيْمُونَةُ وَمَنْ مَعَهَا عَنَاءً وَأَذًى مِنْ سُفَهَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَصِبْيَانِهِمْ، فَقَدِمَتْ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ أَدْلَجَ فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدَّرَ اللهُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ، فَمَاتَتْ حَيْثُ بَنَى بِهَا، وَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ [ (6) ] حَمْزَةَ، وَذُكِرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [ (7) ] ، فَاعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشهر الحرام صُدَّ فِيهِ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عِنْدَ قَوْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَاللهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إِلَّا طَائِعًا رَاضِيًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحِكَ لَا تُؤْذِ قَوْمًا زَارُونَا فِي رِحَالِنَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رَجَزَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَلَا قَوْلَ مَنْ قَالَ فَزَوَّجَهَا الْعَبَّاسُ. وَلِحَدِيثِهِمَا هَذَا شَوَاهِدُ وَفِيهَا زِيَادَاتٌ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ مُفَصَّلَةً فِي أبواب.
بسم الله الرحمن الرحيم باب ما يستدل به على معنى تسمية هذه العمرة بالقضاء والقضية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهِمْ، إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا. فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ قَامَ بِهَا ثَلَاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ سُرَيْجٍ [ (1) ] . وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُمْ كَتَبُوا: هَذَا مَا قاضى عليه محمد [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ يَعْنِي ابْنَ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً، وَلَكِنْ شَرْطًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يعتمروا قابل فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُمُ المشركون فيه [ (3) ] .
باب ما جرى في أمر الهدايا والأسلحة والرعب الذي وقع في قلوب المشركين من قدم الرسول صلى الله عليه وسلم [1]
بَابُ مَا جَرَى فِي أَمْرِ الْهَدَايَا وَالْأَسْلِحَةِ وَالرُّعْبِ الَّذِي وَقَعَ فِي قُلُوبِ المشركين من قدم الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَاضِرٍ الْحِمْيَرِيَّ، يُحَدِّثُ أَبِي: مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ، قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا عَامَ حَاصَرَ أَهْلُ الشَّامِ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَبَعَثَ مَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي بِهَدْيٍ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنَعُونَا أَنْ نَدْخُلَ الْحَرَمَ، فَنَحَرْتُ الْهَدْيَ مَكَانِي، ثُمَّ أَحْلَلْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ خَرَجْتُ لِأَقْضِيَ عُمْرَتِي، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَبْدِلِ الْهَدْيَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ [ (2) ] . خَالَفَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْأَمْرِ بِالْإِبْدَالِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَسْأَلُ كَثِيرًا هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْدَلَ هَدْيَهُ الَّذِي نَحَرَ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ؟ فَلَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، حَتَّى سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا حَاضِرٍ الْحِمْيَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ: حَجَجْتُ عَامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحَصْرِ الْأَوَّلِ فَأَهْدَيْتُ هَدْيًا، فَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتَ، فَنَحَرْتُ فِي الْحَرَمِ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْيَمَنِ، وَقُلْتُ: لِي بِرَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ، فَلَمَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلِ حَجَجْتُ فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا نَحَرْتُ عَلَيَّ بَدَلُهُ [أَمْ لَا] ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَبْدِلْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَدْ أَبْدَلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَبْدَلُوا ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَعَزَّتِ الْإِبِلُ عَلَيْهِمْ، فَرَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْبَقَرِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَانِمُ بْنُ أَبِي غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ عَلَى هَدْيِهِ يَسِيرُ بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ يَطْلُبُ الرَّعْيَ فِي الشَّجَرِ مَعَهُ أَرْبَعَةُ فِتْيَانٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي [عُمْرَةِ] الْقَضِيَّةِ سِتِّينَ بَدَنَةً [ (4) ] . فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ صَاحِبِ الْبُدْنِ أَسُوقُهَا [ (5) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يُلَبِّي وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ يُلَبُّونَ، وَمَضَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالْخَيْلِ إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، فَيَجِدُ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلُوا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَبِّحُ هَذَا الْمَنْزِلَ غَدًا إِنَّ شَاءَ اللهُ، وَرَأَوْا سِلَاحًا كَثِيرًا مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا حَتَّى أَتَوْا قُرَيْشًا، فَأَخْبَرُوهُمْ بِالَّذِي رَأَوْا مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ وَقَالُوا: وَاللهِ مَا أَحْدَثْنَا حَدَثًا، وَإِنَّا عَلَى كِتَابِنَا وَهُدْنَتِنَا، فَفِيمَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ؟ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّلَاحَ إِلَى بَطْنِ يَأْجِجَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَحْنَفِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتَّى لَقُوهُ بِبَطْنِ يَأْجِجَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالْهَدْيُ وَالسِّلَاحُ قَدْ تَلَاحَقُوا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا عُرِفْتَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا بِالْغَدْرِ! تَدْخُلُ بِالسِّلَاحِ فِي الْحَرَمِ عَلَى قَوْمِكَ، وَقَدْ شَرَطْتَ لَهُمْ أَلَّا تَدْخُلَ إِلَّا بِسِلَاحِ الْمُسَافِرِ السُّيُوفُ فِي الْقُرُبِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا أُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السِّلَاحَ [ (6) ] ، فَقَالَ: مِكْرَزٌ هَذَا الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ سَرِيعًا بِأَصْحَابِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَدْخُلُ بِسِلَاحٍ وَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ لَكُمْ، فَلَمَّا جَاءَ مِكْرَزٌ بِخَبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إلى رؤوس الْجِبَالِ، وَخَلَّوْا مَكَّةَ وَقَالُوا لا تنظر إِلَيْهِ وَلَا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ حَتَّى حُبِسَ بِذِي طُوًى، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ، يَتَحَدَّقُونَ [ (7) ] بِهِ، والمسلمون متوشحوا السُّيُوفِ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ [وَالْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي تُطْلِعُهُ عَلَى الْحَجُونِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ [ (8) ]] ، وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِزِمَامِ راحلته.
باب كيف كان قدومه بمكة [1] وطوافه بالبيت وطواف أصحابه واطلاع الله - عز وجل - نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قال المشركون
بَابُ كَيْفَ كَانَ قُدُومُهُ بِمَكَّةَ [ (1) ] وَطَوَافُهُ بِالْبَيْتِ وَطَوَافُ أَصْحَابِهِ وَإِطْلَاعُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبِسْطَامِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ: أَبُو الْقَاسِمِ اللَّخْمِيُّ بِأَصْبَهَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ [أَبِي] [ (2) ] سُوَيْدٍ الشَّبَامِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَشَى عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يقول: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ ... قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ [ (3) ] فِي تَنْزِيلِهْ بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهْ ... نَحْنُ قَاتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ كَمَا قَاتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ [ (4) ] وحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَبُو الْأَزْهَرِ السَّلِيطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بغرزه، وهو يقول: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تنزيله ضربا يزيل الهمام عَنْ مَقِيلِهْ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهْ يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهْ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ [ (6) ] اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، يَقُولُ: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ ... إِنِّي شَهِدْتُ [ (7) ] أَنَّهُ رَسُولُهْ خَلُّوا فَكُلُّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهْ ... يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهْ إِنِّي رَأَيْتُ الْحَقَّ فِي قُبُولِهْ ... نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ ... ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهْ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خليله [ (8) ]
قَالَ: وحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْقَضِيَّةِ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ قَالَ هِشَامٌ- مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ- وَالْمُسْلِمُونَ يُنْشِدُونَ حَوْلَهُ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَقُولُ: بِاسْمِ الَّذِي لَا دِينَ إِلَّا دِينُهْ ... بِاسْمِ الَّذِي مُحَمَّدٌ رَسُولُهْ خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ [ (9) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا، فَأَطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالُوا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ [ (10) ] وَأَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا، قَالُوا: هؤلاء الذين
ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا لِلْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ. لَفْظُ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا وَلَا الْإِطْلَاعَ، وَقَالَ: فَقَعَدُوا لَهُمْ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، قَالَ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (11) ] . ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ حَمَّادٍ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَكُمْ فَلَمَّا رَمَلُوا قَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا وَهَنَتْهُمْ [ (13) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عاصم
الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا [قُلْتُ: مَا صَدَقُوا وَمَا كَذَبُوا] ؟ [ (14) ] فَقَالَ: صَدَقُوا أَنَّهُ قَدْ رَمَلَ، وَكَذَبُوا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ: دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ [حَتَّى] تموتوا مَوْتَ النَّغَفِ [ (15) ] ، قَالَ: فَلَمَّا صَالَحُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَجِيئُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعقعان، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ، وَلَيْسَ [ (16) ] بِسُنَّةٍ [ (17) ] (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد رَمَلَ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ: قُلْتُ: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ والمشركون على قعقعان، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ قَوْمًا حُسَّدًا فَجَعَلُوا يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ أصحاب رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُعَفَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرُوهُمْ مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُونَ، فَرَمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُ وَقُوَّةَ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (18) ] . وَقَدْ بَقِيَ الرَّمَلُ مَشْرُوعًا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ زَالَتْ فقد حكى
جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رَمَلَ وَرَمَلُوا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: اعْتَمَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ حِينَ طَافَ مَعَ [ (20) ] صِبْيَانِ مَكَّةَ لَا يُؤذُونَهُ، قَالَ: سُفْيَانُ أُرَاهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قال إسماعيل، فرءانا ابْنُ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً أَصَابَتْهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (22) ] الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسُكَهُ فِي الْقَضَاءِ، دَخَلَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى أَذَّنَ بِلَالٌ الظُّهْرَ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ أَبَا الْحَكَمِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ [هَذَا] [ (23) ] الْعَبْدَ يَقُولُ مَا يَقُولُ، وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: الحمد لله الذي
أَذْهَبَ أَبِي قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أُسَيْدٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ أَبِي فَلَمْ يَشْهَدْ هَذَا الْيَوْمَ حِينَ يَقُومُ بِلَالُ بْنُ أُمِّ بِلَالٍ يَنْهَقُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ، وأما سهيل ابن عَمْرٍو وَرِجَالٌ مَعَهُ لَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ غَطَّوْا وُجُوهَهُمْ. قُلْتُ وَقَدْ رَزَقَ اللهُ تعالى أكثرهم الإسلام [ (24) ] .
باب ما جاء في تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها في سفره هذا
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي سَفَرِهِ هَذَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفْرَتِهِ فِي هَذِهِ الْعُمْرَةِ، وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهُ الْعَبَّاسُ إبن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى ابن أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ [وَكَانَتْ قُرَيْشٌ] [ (2) ] قَدْ وَكَّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالُوا: قَدِ انْقَضَى أَجَلُكَ فَاخْرُجْ عَنَّا، فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَعَرَّسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ» فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِطَعَامِكَ فَاخْرُجْ عَنَّا فَخَرَجَ وَخَلَّفَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ عَلَى مَيْمُونَةَ، حَتَّى أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفَ فَبَنَى [ (3) ] عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم هنالك [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ [ (5) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ الشَّرْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ لِيَ الثَّوْرِيُّ: لَا تَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قُلْتُ: لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَى سُفْيَانُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ خُثَيْمٍ فَحَدَّثَنَا هَاهُنَا- يَعْنِي بِالْيَمَنِ- وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا ثَمَّ يَعْنِي بِمَكَّةَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ [ (6) ] . وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ غَيْرَهُ فِي تَزَوُّجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف
السُّوسِيُّ، قَالَ: [ (7) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سُفْيَانَ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَهِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَالَتَهُ مَا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَا أَحَلَّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ أَنَّ ابْنَ الْمَرْزُبَانِ الْجَلَّابَ بِهَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن حبيب ابن الشَّهِيدِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ. وَفِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ بِسَرِفَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصحيح [ (9) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، [عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ] [ (10) ] قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فَكَانَ الْحِلُّ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى الناس.
باب ما جرى في خروج ابنة حمزة بن عبد المطلب [1]- رضي الله عنه - خلفهم من مكة
بَابُ مَا جَرَى فِي خُرُوجِ ابْنَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (1) ]- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَلْفَهُمْ مِنْ مَكَّةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ] [ (2) ] الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن البراء،
قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ: [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (3) ] قَالُوا: لَا نُقِرُّ [بِهَذَا] [ (4) ] لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رسول الله ما منعاك شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَنَا رَسُولُ [اللهِ] [ (5) ] وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، يَا عَلِيُّ امْحُ رَسُولَ اللهِ قَالَ: وَاللهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يكتب، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ السِّلَاحُ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ، أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَحَضَرَ الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ فَلْيَخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ تَتْبَعَهُمُ [ (6) ] ابْنَةُ حَمْزَةَ فَنَادَتْ: يَا عَمِّ! يَا عَمِّ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ- عَلَيْهَا السَّلَامُ-[ (7) ] دُونَكِ فَحَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي: [وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي] [ (8) ] وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: [هِيَ] ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ. وَقَالَ: لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلقي وخُلقي. وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا ومولانا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (9) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ وَغَيْرُهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن هاني بن هاني: وهبيرة بن يريم، عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ وَحْدَهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْقَضِيَّةِ وَرَوَى زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قِصَّةَ الْقَضِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ: وحدثني هانئ بن هاني وهبيرة بن يريم، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب فَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ. قَدْ أَخْرَجْتُهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ [بْنِ] [ (11) ] مَصْعَلَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَارَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ، كَانَتْ بِمَكَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم [فقال] : [ (12) ] على ما نَتْرُكُ ابْنَةَ عَمِّنَا يَتِيمَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِخْرَاجِهَا، فَخَرَجَ بِهَا فَتَكَلَّمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَكَانَ [وَصِيَّ حَمْزَةَ وَكَانَ] [ (13) ] النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا حِينَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا: ابْنَةُ أَخِي، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ جَعْفَرٌ قَالَ: الْخَالَةُ وَالِدَةٌ، وَأَنَا أَحَقُّ بِهَا لِمَكَانِ خَالَتِهَا عِنْدِي أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَا أَرَاكُمْ تَخْتَصِمُونَ هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَأَنَا أَخْرَجْتُهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَيْسَ لَكُمْ
إِلَيْهَا نَسَبٌ دُونِي، وَأَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ: أَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَمَوْلَى اللهِ وَمَوْلَى رسول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . [ (14) ] وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيٌّ فَأَخِي وَصَاحِبِي وَأَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَتُشْبِهُ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَنْتَ يَا جَعْفَرُ أَوْلَى بِهَا تَحْتَكَ خَالَتُهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى عَمَّتِهَا، فَقَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ [ (15) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَلَمَّا قَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ قَامَ جَعْفَرٌ فَحَجَلَ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ النَّجَاشِيُّ إِذَا أَرْضَى أَحَدًا قَامَ فَحَجَلَ حَوْلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَزَوَّجْهَا، فَقَالَ ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ هَلْ جَزَيْتُ سلمة [ (16) ] .
باب ذكر سرية ابن أبي العوجاء السلمي [1] إلى بني سليم
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ [ (1) ] إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا أَبُو الْعَوْجَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ [ (2) ] الْقَطَّانِ ثُمَّ غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي [ (3) ] الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ فِي نَاسٍ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ فَقُتِلَ هُوَ وأَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْوَاقِدِيُّ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ رَجَعَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ بَعَثَ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيَّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا، فَخَرَجَ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ عَيْنُ بَنِي سُلَيْمٍ مَعَهُ فَلَمَّا فَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ خَرَجَ الْعَيْنُ إِلَى قَوْمِهِ، فَحَذَّرَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ فَجَمَعُوا جَمْعًا كَثِيرًا، وَجَاءَهُمُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ، وَالْقَوْمُ مُعِدُّونَ، فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَوْا جَمْعَهُمْ دَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَرَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُمْ، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى مَا دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ، فَرَمَوْهُمْ سَاعَةً وَجَعَلَتِ الْأَمْدَادُ تَأْتِي حَتَّى أَحْدَقُوا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى قُتِلَ عَامَّتُهُمْ، وَأُصِيبَ صَاحِبُهُمُ [ (4) ] ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ جَرِيحًا مَعَ الْقَتْلَى، ثُمَّ تَحَامَلَ حَتَّى بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (5) ] .
باب ذكر إسلام عمرو بن العاص وما ظهر له على لسان النجاشي وغيره من آثار صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في الرسالة
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَا ظَهَرَ لَهُ عَلَى لِسَانِ النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ آثَارِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّسَالَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ، أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كُنْتُ لِلْإِسْلَامِ مُجَانِبًا مُعَانِدًا، حَضَرْتُ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَنَجَوْتُ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُدًا فَنَجَوْتُ، ثُمَّ حَضَرْتُ الْخَنْدَقَ فَنَجَوْتُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَمْ أَوْضَعَ اللهُ لِيُظْهِرَنَّ مُحَمَّدًا عَلَى قُرَيْشٍ فَلَحِقْتُ بِمَالِي بِالرَّهْطِ [ (1) ] وَأَقْلَلْتُ مِنَ النَّاسِ، يَقُولُ: أَقْلَلْتُ مِنْ لِقَائِهِمْ، فَلَمَّا حَضَرَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَكَّةَ جَعَلْتُ أَقُولُ: يَدْخُلُ مُحَمَّدٌ قَابِلًا مَكَّةَ بِأَصْحَابِهِ، مَا مَكَّةُ بِمَنْزِلٍ، وَلَا الطَّائِفُ، وَمَا شَيْءٌ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَنَا بَعْدُ نَاءٍ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَرَى لَوْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا لَمْ أُسْلِمْ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَجَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قَوْمِي وَكَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي وَيَسْمَعُونَ مِنِّي وَيُقَدِّمُونِي فِيمَا نَابَهُمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: كَيْفَ أَنَا فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: ذُو رَأْيِنَا ومد رهنا فِي [ (2) ] يُمْنِ نَقِيبَةٍ وَبَرَكَةِ أمر،
قَالَ: قُلْتُ: تَعْلَمُونَ أَنِّي وَاللهِ لَا أَرَى أَمْرَ محمد أمرا يعلوا الْأُمُورَ عُلُوًّا مُنْكَرًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَلْحَقُ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونُ مَعَهُ فَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَنَكُونُ تَحْتَ يَدِ النَّجَاشِيِّ أَحَبَّ إِلَيْنَا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَظْهَرْ قُرَيْشٌ فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، قَالُوا: «هَذَا الرَّأْيُ» قَالَ: فَاجْمَعُوا مَا تُهْدُونَهُ لَهُ وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ، فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فو الله إنا لعنك إِذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ يُزَوِّجُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَلَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ قَدْ سَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ سَرَرْتُ قُرَيْشًا، وَكُنْتُ قَدْ أَجْزَأْتُ [ (3) ] عَنْهَا حين قلت رَسُولَ مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (4) ] فَدَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَجَدْتُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَقَالَ مَرْحَبًا بِصَدِيقِي أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا قُلْتُ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَهْدَيْتُ لَكَ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَرَّبْتُهُ، إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ، فَفَرَّقَ مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بَطَارِقَتِهِ، وَأَقَرَّ بِسَائِرِهِ فَأُدْخِلَ فِي مَوْضِعٍ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُحْتَفَظَ بِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُ طِيبَ نَفْسِهِ، قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ رَسُولُ عَدُوٍّ لَنَا، قَدْ وَتَرَنَا، وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا، فَأَعْطِنِيهِ فَأَقْتُلَهُ، فَغَضِبَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَسَرَهُ، فَابْتَدَرَ مَنْخِرَايَ فَجَعَلْتُ أَتَلَقَّى الدَّمَ بِثِيَابِي فَأَصَابَنِي مِنَ الذُّلِّ مَا لَوِ انْشَقَّتْ لِيَ الْأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ. ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ مَا قُلْتُ مَا سَأَلْتُكَهُ، قَالَ: وَاسْتَحْيَا وَقَالَ: يَا عَمْرُو تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ مَنْ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَالَّذِي كَانَ يَأْتِي عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِتَقْتُلَهُ! قَالَ عَمْرٌو: وَغَيَّرَ
اللهُ قَلْبِي عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقَّ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ، وَتُخَالِفُ أَنْتَ! قُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَيُّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا قَالَ: نَعَمْ أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ اللهِ [تَعَالَى] [ (5) ] ، يَا عمرو فأطعني واتبعه، فو الله إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قُلْتُ: أفتيا يعني لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَنِي عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَعَا بِطَسْتٍ فَغَسَلَ عَنِّي الدَّمَ، وَكَسَانِي ثِيَابًا وَكَانَتْ ثِيَابِي [قَدِ] امْتَلَأَتِ الدَّمَ فَأَلْقَيْتُهَا ثُمَّ خَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي فَلَمَّا رَأَوْا كِسْوَةَ النَّجَاشِيِّ سُرُّوا بِذَلِكَ، وَقَالُوا: هَلْ أَدْرَكْتَ مِنْ صَاحِبِكَ مَا أَرَدْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، وَقُلْتُ أَعُودُ إِلَيْهِ. قَالُوا: الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ. فَفَارَقْتُهُمْ وَكَأَنِّي أَعْمِدُ لِحَاجَةٍ، فَعَمَدْتُ إِلَى مَوْضِعِ السُّفُنِ، فَأَجِدُ سَفِينَةً قَدْ شُحِنَتْ تُدْفَعُ فَرَكِبْتُ مَعَهُمْ، وَدَفَعُوهَا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشُّعَيْبَةِ [ (6) ] وَخَرَجْتُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَعِي نَفَقَةٌ فَابْتَعْتُ بَعِيرًا، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ، حَتَّى خَرَجْتُ عَلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، ثُمَّ مَضَيْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالْهَدَاةِ فَإِذَا رَجُلَانِ قَدْ سبقاني بغير كثير يريد أن مَنْزِلًا وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ، وَالْآخَرُ قَائِمٌ يُمْسِكُ الرَّاحِلَتَيْنِ، نَظَرْتُ فَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقُلْتُ: أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَعْمٌ وَاللهِ لَوْ أَقَمْتُ لَأَخَذَ بِرِقَابِنَا كَمَا يُؤْخَذُ بِرَقَبَةِ الضَّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا، قُلْتُ: وَأَنَا وَاللهِ قَدْ أَرَدْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَدْتُ الْإِسْلَامَ. فَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَرَحَّبَ بِي فَنَزَلْنَا جَمِيعًا فِي الْمَنْزِلِ، ثُمَّ رَافَقَنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لَقِيَنَا بِبِئْرِ أَبِي عَنَبَةَ يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ، يَا رَبَاحُ فَتَفَاءَلْنَا بِقَوْلِهِ، وَسِرْنَا ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ قَدْ أَعْطَتْ مَكَّةُ الْمَقَادَةَ بَعْدَ هَذَيْنِ! فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِينِي وَيَعْنِي خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَوَلَّى مُدْبِرًا إِلَى المسجد
سَرِيعًا فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَشَّرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِنَا، فَكَانَ مَا ظَنَنْتُ وَأَنَخْنَا بِالْحَرَّةِ، فَلَبِسْنَا مِنْ صَالِحٍ ثِيَابًا، وَنُودِيَ بِالْعَصْرِ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ وَإِنَّ لِوَجْهِهِ تَهَلُّلًا وَالْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ قَدْ سُرُّوا بِإِسْلَامِنَا وَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَايَعَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فبايع، ثم تقدمت فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرْفَعَ طَرْفِي [إِلَيْهِ] حَيَاءً مِنْهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَالْهِجْرَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا، فو الله مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَمْرِ حزبه مُنْذُ أَسْلَمْنَا [ (7) ] وَلَقَدْ كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَلَقَدْ كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بِتِلْكَ الْحَالِ، وَكَانَ عُمَرُ عَلَى خَالِدٍ كَالْعَاتِبِ. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَاشِدٌ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرٍو نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: فَقُلْتُ لِيَزِيدَ فَلَمْ يُوَقِّتْ لَكَ مَتَى قَدِمَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَبْلَ الْفَتْحِ، قُلْتُ: إِنَّ أبي أخبرني أن عمروا وَخَالِدًا وَعُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتُ: والله إني لا أرى
أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوًا مُنْكَرًا، وَاللهِ مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا مَا أَدْرِي كَيْفَ رَأْيُكُمْ فِيهِ قَالُوا: وَمَا هُوَ فَقُلْتُ: رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ عَلَى حَافَتِنَا، فَإِنْ ظَفَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا نَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ، فَنَكُونَ تَحْتَ يَدِ النَّجَاشِيِّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ [ (9) ] مُحَمَّدٍ فَقَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ قُلْتُ: فَابْتَاعُوا لَهُ هَدَايَا، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ، فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا وَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فَوَافَقْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، قَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ لِصَاحِبِي: هَذَا رَسُولُ مُحَمَّدٍ لَوْ قَدْ أَدْخَلْتُ هَدَايَاهُ سَأَلْتُهُ أَنْ يُعْطِيَنِيهِ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِصَدِيقِي هَلْ أَهْدَيْتَ لِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ الْهَدَايَا، فَلَمَّا تَعَجَّبَ لَهَا وَأَخَذَهَا. قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ دَخَلَ عَلَيْكَ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ وَتَرَنَا وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا، فَأَعْطِنِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَغَضِبَ أَشَدَّ غَضَبٍ خَلَقَهُ اللهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَ نَفْسِهِ [ (10) ] ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ وَلَوِ انْشَقَّتْ لِيَ الْأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا لَمْ أسألك [فقال] [ (11) ] تسئلني أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ تَقْتُلَهُ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ وَاللهِ وَيْحَكَ يَا عَمْرُو إِنِّي لَكَ نَاصِحٌ فَاتَّبِعْهُ وأسلم معه فو الله لَيَظْهَرَنَّ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ فَبَايِعْنِي أَنْتَ لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ فَقُلْتُ خَيْرًا فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جلست
عَلَى رَاحِلَتِي فَانْطَلَقْتُ وَتَرَكْتُهُمْ فو الله إِنِّي لَأَهْوِي إِذْ لَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ: أَذْهَبُ وَاللهِ أُسْلِمُ إِنَّهُ وَاللهِ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ [ (12) ] إِنَّ الرَّجُلَ لِنَبِيٌّ مَا أَشُكُّ فِيهِ فَقُلْتُ وَأَنَا وَاللهِ مَا جِئْتُ إلا لأني مسلم فقدقنا علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَتَقَدَّمَ خَالِدٌ فَبَايَعَ ثُمَّ تَقَدَّمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لِي: يَا عَمْرُو بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَالْهِجْرَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قبلها [ (13) ] .
باب ذكر إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِيَ يُحَدِّثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرَادَ بِي مِنَ الْخَيْرِ، قَذَفَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَحَضَرَنِي رُشْدِي، وَقُلْتُ: قَدْ شَهِدْتُ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ إِلَّا أَنْصَرِفُ وَأَنَا أَرَى فِي نَفْسِي أَنِّي مُوضِعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَظْهَرُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجْتُ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسقان، فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ، وَتَعَرَّضْتُ لَهُ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ أَمَامَنَا فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعْزَمْ لَنَا، وَكَانَتْ فِيهِ خِيَرَةٌ، فَأُطْلِعَ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِنَا مِنَ الْهُمُومِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَّا مَوْقِعًا وَقُلْتُ: الرَّجُلُ مَمْنُوعٌ، فَافْتَرَقْنَا وَعَدَلَ عَنْ سَنَنِ خَيْلِنَا [ (1) ] وَأَخَذْتُ ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَدَافَعَتْهُ قُرَيْشٌ بِالرَّاحِ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ؟ أين المذهب
إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا، وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ آمِنُونَ، فَأَخْرُجُ إِلَى هِرَقْلَ فَأَخْرُجُ مِنْ دِينِي إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ يَهُودِيَّةٍ فَأُقِيمُ مَعَ عجم تابع مَعَ عَيْبِ ذَلِكَ، أَوْ أُقِيمُ فِي دَارِي فِيمَنْ بَقِيَ. فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ فَتَغَيَّبْتُ وَلَمْ أَشْهَدْ دُخُولَهُ، فَكَانَ أَخِي الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، فَطَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدْنِي وَكَتَبَ إِلَيَّ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ! فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَقْلُكَ عَقْلُكَ، وَمِثْلُ الْإِسْلَامِ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ؟ قَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأْتِي اللهُ بِهِ فَقَالَ: مَا مِثْلُهُ جَهِلَ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَجِدَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا قَدْ فَاتَكَ، وَقَدْ فَاتَتْكَ مَوَاطِنُ صَالِحَةٌ، فَلَمَّا جَاءَنِي كِتَابُهُ نَشَطْتُ لِلْخُرُوجِ وَزَادَنِي رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنِّي فِي بِلَادٍ ضَيِّقَةٍ جَدْبَةٍ فَخَرَجْتُ إِلَى بِلَادٍ خَضْرَاءَ وَاسِعَةٍ. قُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْتُ لَأَذْكُرَنَّهَا لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُهَا فَقَالَ: هُوَ مَخْرَجُكَ الَّذِي هَدَاكَ اللهُ لِلْإِسْلَامِ وَالضِّيقُ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ الشِّرْكُ. فَلَمَّا أَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أُصَاحِبُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَلَقِيتُ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا وَهْبٍ أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ إِنَّمَا نَحْنُ كَأَضْرَاسٍ وَقَدْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَلَوْ قَدِمْنَا عَلَى مُحَمَّدٍ فَاتَّبَعْنَاهُ فَإِنَّ شَرَفَ مُحَمَّدٍ لَنَا شَرَفٌ فَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ وَقَالَ لِي: لَوْ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي مَا اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا، فَافْتَرَقْنَا وَقُلْتُ: [ (2) ] هَذَا رَجُلٌ قُتِلَ أَخُوهُ وَأَبُوهُ بِبَدْرٍ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ مَا قُلْتُ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ صَفْوَانُ، قُلْتُ: فاكتم
ذِكْرَ مَا قُلْتُ لَكَ قَالَ: لَا أَذْكُرُهُ فَخَرَجْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَأَمَرْتُ بِرَاحِلَتِي تَخْرُجُ إِلَى أَنْ أَلْقَى عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لِي صَدِيقٌ فَلَوْ ذَكَرْتُ لَهُ مَا أَرْجُو ثُمَّ ذَكَرْتُ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ وَأَنَا رَاحِلٌ مِنْ سَاعَتِي فَذَكَرْتُ لَهُ مَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ إِنَّمَا نَحْنُ بِمَنْزِلَةِ ثَعْلَبٍ في حجر لَوْ صُبَّ فِيهِ ذَنُوبٌ [ (3) ] مِنْ مَاءٍ خَرَجَ وَقُلْتُ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قُلْتُ لِصَاحِبِي فَأَسْرَعَ الْإِجَابَةَ وَقَالَ إِنِّي غَدَوْتُ الْيَوْمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْدُوَ وَهَذِهِ رَاحِلَتِي بِفَخٍّ مُنَاخَةٌ [ (4) ] قَالَ: فَاتَّعَدْتُ أَنَا وَهُوَ بِيَأْجِجَ إِنْ سَبَقَنِي أَقَامَ وَإِنْ سَبَقْتُهُ أَقَمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَدْلَجْنَا سَحَرًا فَلَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ حَتَّى الْتَقَيْنَا بِيَأْجِجَ فَغَدَوْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْهَدْأَةِ فَنَجِدُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِهَا فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ فَقُلْنَا وَبِكَ قَالَ: أَيْنَ مَسِيرُكُمْ قُلْنَا مَا أَخْرَجَكَ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمْ قُلْنَا الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْدَمَنِي قَالَ: فَاصْطَحَبْنَا جَمِيعًا حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَأَنَخْنَا بِظَهْرِ الْحَرَّةِ رِكَابَنَا فَأُخْبِرَ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَسُرَّ بِنَا، فَلَبِسْتُ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِي، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنِي أَخِي فَقَالَ أَسْرِعْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُخْبِرَ بِكَ فَسُرَّ بِقُدُومِكَ وَهُوَ يَنْتَظِرُكُمْ، فَأَسْرَعْنَا الْمَشْيَ فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يَتَبَسَّمُ إِلَيَّ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ، قَدْ كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلًا رَجَوْتُ أَنْ لَا يُسْلِمَكَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ رَأَيْتَ مَا كُنْتُ أَشْهَدُ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ عَلَيْكَ مُعَانِدًا عَنِ الْحَقِّ فَادْعُ اللهَ يَغْفِرْهَا لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّ [ (5) ] مَا كَانَ قَبْلَهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ كُلَّ مَا أَوْضَعَ فِيهِ مِنْ صَدٍّ عن سبيلك
قَالَ: خَالِدٌ وَتَقَدَّمَ عَمْرٌو وَعُثْمَانُ فَبَايَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قُدُومُنَا فِي صَفَرٍ سنة ثمان فو الله مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ يَوْمِ أَسْلَمْتُ يَعْدِلُ بِي أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فيما حذبه [ (6) ] .
باب سرية شجاع بن وهب الأسدي [1] رضي الله عنه فيما زعم الواقدي ...
بَابُ سَرِيَّةِ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ [ (1) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ ... أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا إِلَى جَمْعٍ مِنْ هَوَازِنَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَكَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ حَتَّى صَبَّحَهُمْ غَارِّينَ وَقَدْ أَوْعَزَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَلَّا يُمْعِنُوا فِي الطَّلَبِ فَأَصَابُوا نَعَمًا كَثِيرًا وَشَاءً فَاسْتَاقُوا ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَعَدَلُوا الْبَعِيرَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْغَنَمِ، وَغَابَتِ السَّرِيَّةُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: كَذَبُوا قَدْ أَصَابُوا فِي ذَلِكَ الْحَاضِرِ نِسْوَةً فَاسْتَاقُوهُنَّ [ (2) ] فكانت
فِيهِنَّ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ فَقَدِمُوا بِهَا الْمَدِينَةَ ثُمَّ قَدِمَ وَفْدُهُمْ مُسْلِمِينَ، فَكَلَّمُوا [ (3) ] رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي السَّبْيِ فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعًا وَأَصْحَابَهُ فِي رَدِّهِنَّ فَسَلَّمُوهُنَّ وَرَدَّهُنَّ إِلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ فَأَخْبَرْتُ شَيْخًا مِنَ الْأَنْصَارِ بِذَلِكَ فَقَالَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ الْوَضِيئَةُ فَكَانَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ، فَأَصَابَهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْوَفْدُ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتِ الْمُقَامَ عِنْدَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَهِيَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ له منها ولد [ (4) ] .
باب سرية أخرى قبل نجد فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله [تعالى] [1] عنه [2]
بَابُ سَرِيَّةٍ أُخْرَى قِبَلَ نَجْدٍ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (1) ] عَنْهُ [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا [بَعِيرًا] [ (3) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى ابن سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ (ح) .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ وَفِيهِمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا سِوَى ذَلِكَ بَعِيرًا، بَعِيرًا، فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ [ (5) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (6) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَنَفَّلَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَيْ أَقَرَّنَا عَلَى مَا نَفَّلَنَا صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ نَافِعٍ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهَا فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرًا، فَنَفَّلَنَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَقَسَمَ بَيْنَنَا غَنِيمَتَنَا، فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا اثنا عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ، وَمَا حَاسَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي أَعْطَانَا صَاحِبُنَا وَلَا عَابَ عَلَيْهِ مَا صَنَعَ فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا بِنَفْلِهِ.
باب سرية كعب بن عمير الغفاري [1] إلى قضاعة من ناحية الشام
بَابُ سَرِيَّةِ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيِّ [ (1) ] إِلَى قُضَاعَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيَّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَاتِ أَطْلَاحٍ [ (2) ] مِنَ الشَّامِ فَوَجَدُوا جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ كَثِيرًا فَدَعَوْهُمْ، إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَشَقُوهُمْ مِنَ النَّبْلِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى قُتِلُوا فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ جَرِيحٌ فِي الْقَتْلَى، فَلَمَّا بَرَدَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ تَحَامَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَمَّ بِالْبَعْثَةِ إِلَيْهِمْ فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ سَارُوا إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَتَرَكَهُمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: كَانَ كَعْبٌ يَكْمُنُ النَّهَارَ وَيَسِيرُ بِاللَّيْلِ حَتَّى دَنَا مِنْهُمْ فَرَآهُ عَيْنٌ لَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ بقتلهم فجاؤوا على الخيول فقتلوهم [ (3) ] .
باب ما جاء في غزوة مؤتة [1] وما ظهر في تأمير النبي صلى الله عليه وسلم أمراءها ثم في اخباره عن الوقعة قبل مجيء خبرها من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِي تَأْمِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَها ثُمَّ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْوَقْعَةِ قَبْلَ مَجِيءِ خَبَرِهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ [ (2) ] في المدينة
حَتَّى بَعَثَ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى [الْأُولَى] [ (3) ] مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، قَالَ وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ فِي مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ [ (4) ] . فَتَجَهَّزَ النَّاسُ وَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَوَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا وَدَّعُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا بِي حُبٌّ لِلدُّنْيَا، وَلَا صَبَابَةٌ إِلَيْهَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [ (5) ] فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللهُ وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ، وَدَفَعَ عَنْكُمْ. فقال ابن رواحة. لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا [ (6) ] أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبَدَا [ (7) ] حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَهُ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا [ (8) ] ثُمَّ أَتَى عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعَهُ، فَقَالَ: وَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاهُ مِنْ حَسَنٍ ... تَثَبُّتَ مُوسَى ونصرا كالذي نصرا [ (9) ]
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ [ (10) ] أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ [ (11) ] ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ بِمَأْرِبَ فِي مِائَةِ، أَلْفٍ مِنَ الروم وماية أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ فَأَقَامُوا بِمُعَانَ يَوْمَيْنِ فَقَالُوا نَبْعَثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ بِكَثْرَةِ عَدُوِّنَا، فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا أَمْرًا، فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ وَاللهِ إِنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ لَهَا إِيَّاهَا تَطْلُبُونَ: الشَّهَادَةُ، وما تقاتل النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا كَثْرَةٍ وَإِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَإِنْ يُظْهِرْنَا اللهُ بِهِ فَرُبَّمَا فَعَلَ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَهِيَ الشَّهَادَةُ وَلَيْسَتْ بِشَرِّ الْمَنْزِلَيْنِ، فَقَالَ النَّاسُ: وَاللهِ لَقَدْ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَانْشَمَرَ النَّاسُ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ حَتَّى لَقُوا جُمُوعَ الرُّومِ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا شَرَافٌ ثُمَّ انْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُؤْتَةَ قَرْيَةٌ فَوْقَ أَحْسَاءَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ كَاسِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَإِنْ قتل زيد فجعفر،
وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَفَتَّشْنَاهُ فَوَجَدْنَا فِيمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ بِضْعًا وَسَبْعِينَ [بَيْنَ] [ (13) ] طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٌ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْهَيْثَمُ الدُّورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرًا فَوَجَدْنَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ أَوْ بِضْعًا وَسَبْعِينَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحِ هَكَذَا الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِضْعًا وَتِسْعِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ مَهْصٍ الْيَهُودِيُّ فَوَقَفَ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ
جعفر فعبد لله ابن رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرحمن بن رواحة فليرتضي الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النُّعْمَانُ: أَبَا الْقَاسِمِ! إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَمَّيْتَ مَنْ سَمَّيْتَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أُصِيبُوا جَمِيعًا، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا اسْتَعْمَلُوا الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا إِنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَفُلَانٌ فَلَوْ سَمَّوْا مِائَةً أُصِيبُوا جَمِيعًا، ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ لِزَيْدٍ اعْهَدْ فَلَا تَرْجِعْ إِلَى مُحَمَّدٍ أَبَدًا إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا قَالَ زَيْدٌ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ صَادِقٌ [ (15) ] بَارٌّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَضَى النَّاسُ فَتَعَبَّأَ [ (17) ] لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنَ الأنصار يقال عباية ابن مَالِكٍ فَالْتَقَى النَّاسُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ربيعة بن عثمان، عن الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْتُ مُؤْتَةَ فَلَمَّا رَآنَا الْمُشْرِكُونَ رَأَيْنَا مَا لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ مِنَ الْعُدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالدِّيبَاجِ [ (18) ] وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ فَبَرَقَ بَصَرِي فَقَالَ لِي ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ: مالك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَأَنَّكَ تَرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً قُلْتُ نَعَمْ قَالَ تَشْهَدُ مَعَنَا بَدْرًا إِنَّا لَمْ نُنْصَرْ بالكثرة [ (19) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ مُؤْتَةَ حِينَ الْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ وهو يقول. يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيِّبَةٌ بَارِدَةٌ شَرَابُهَا وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... عَلَيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا [ (20) ] فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَالْتَوَى بِهَا بَعْضَ الِالْتِوَاءِ ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بِهَا بَعْضَ التَّرَدُّدِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ. [رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنه] [ (21) ] . أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ ... طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ
أن أنجلب الناس وشدّوا الرّنه ... مالي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّةْ [ (22) ] قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّةْ ... هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ ثُمَّ نَزَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أَيْضًا. يَا نَفْسُ إِلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ وَمَا تمنيت فقد أعطيتي ... إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ وإن تأخرت فقد شقيتي يُرِيدُ جَعْفَرًا وَزَيْدًا، ثُمَّ نَزَلَ فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقِ لَحْمٍ [ (23) ] ، فَقَالَ: شُدَّ بِهَا صُلْبَكَ فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ يَوْمَكَ هَذَا مَا لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ فَنَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، قَالَ: وَأَنْتِ فِي الدُّنْيَا فَأَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِسَيْفِهِ فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [ (24) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: اصْطَلِحُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: أَنْتَ لَهَا فَقَالَ لَا وَلَكِنِ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَجَاسَ بِالنَّاسِ فَدَافَعَ وَانْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنَّاسِ [ (25) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ صَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى مُؤْتَةَ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُهُمْ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَمِيرُهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى لَقُوا ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ الْغَسَّانِيَّ بِمُؤتَةَ وَبِهَا جُمُوعٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَالرُّومِ تَنُوخَ وَبَهْرَاءَ فَأَغْلَقَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ الْحِصْنَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ خَرَجُوا فَالْتَقَوْا عَلَى ذَرْعٍ أَحْمَرَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ ابن حَارِثَةَ، فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلَ ثم اصطلحوا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ فَهَزَمَ اللهُ الْعَدُوَّ وَأَظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَعَتَهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّ عَلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَلَائِكَةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا يَطِيرُونَ لَهُ جَنَاحَانِ قَالَ وَزَعَمُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُنْيَةَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نخبر أَهْلِ مُؤْتَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ، قَالَ: أَخْبِرْنِي [ (26) ] يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُمْ كُلَّهُ وَوَصَفَهُ [ (27) ] لَهُمْ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَرَكْتَ مِنْ حَدِيثِهِمْ حَرْفًا لَمْ تَذْكُرْهُ وإن أمرهم كلما ذَكَرْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفَعَ لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مُعْتَرَكَهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي المقبري الأسفرايني، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال:
نعى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ نَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ نَعَاهُمْ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن زَيْدٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهِسِنْجَانِيُّ وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حميد ابن هِلَالٍ عَنْ، أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَعَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَى زَيْدٍ فَأُصِيبُوا جَمِيعًا قَالَ أَنَسٌ: فَنَعَاهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْخَبَرُ قَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدُ سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قال: فَجَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ وَعَيْنَاهُ تذرفان لفظ حديث البسطاني. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَنِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْكَلْبِيُّ وَيَعْقُوبُ قالوا أخبرنا [ (30) ] إسماعيل
ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ، قَالَ: مَا سَرَّنِي أَنَّهُمْ عِنْدَنَا أَوْ سَرَّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا شَكَّ أَيُّوبُ لَفْظُ الْمَنِيعِيِّ وَقَالَ: الْآخَرُ وَمَا يَسُرُّهُمْ أَوْ يَسُرُّنِي أَنَّهُمْ عِنْدَنَا وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو ابن مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ حُبَابٍ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنَ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ فَغَشِيَهُ النَّاسُ فَغَشِيتُهُ فِيمَنْ غَشِيَهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم جَيْشَ الْأُمَرَاءِ، وَقَالَ عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَوَثَبَ جَعْفَرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كُنْتُ أَرْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ زَيْدًا عَلَيَّ، قَالَ: امْضِ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ، فَانْطَلَقُوا فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللهُ فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَأَمَرَ فَنُودِيَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا أَنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا شَهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ، [عَبْدُ الله] [ (32) ] ، ابن رَوَاحَةَ فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَهُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: اللهُمَّ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيوفِكَ فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ. فَمِنْ يَوْمِئِذٍ سُمِّي خَالِدٌ سَيْفَ اللهِ [ (33) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا بلغني أخذ زيد ابن حَارِثَةَ الرَّايَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا» ، ثُمَّ صَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ كَانَ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، مَا يَكْرَهُونَ فَقَالَ: ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ لَقَدْ رُفِعُوا إِلَيَّ فِي الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِيَ سَرِيرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ فَقُلْتُ عَمَّ هَذَا فَقِيلَ لِي مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ مَضَى [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ أَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ وَقَاتَلَ النَّاسُ مَعَهُ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَقُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: مَا قُتِلَ إِلَّا طَعْنًا بِالرِّمَاحِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ عَنْ عَاصِمِ بن عمر
ابن [ (35) ] قَتَادَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَدِيثِ قَالَا: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤتَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على الْمِنْبَرِ وَكُشِفَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مُعْتَرَكِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الدُّنْيَا فَقَالَ الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يُحَبَّبُ إِلَيَّ الدُّنْيَا فَمَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى [ (36) ] » . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ زَيْدٌ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَمَنَّاهُ الدُّنْيَا فَقَالَ: الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُمَنِّينِي الدُّنْيَا ثُمَّ مَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ مُعْتَرِضًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَا اعْتِرَاضُهُ قَالَ: لَمَّا أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ نَكَلَ فَعَاتَبَ نَفْسَهُ فَتَشَجَّعَ فَاسْتُشْهِدَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ فَسُرِّيَ عَنْ قَوْمِهِ [ (37) ] . وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا أَخَذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّايَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» [ (38) ] ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: لَمَّا قتل
ابْنُ رَوَاحَةَ مَسَاءً بَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا وَقَدْ جَعَلَ مُقَدَّمَتَهُ سَاقَتَهُ، وَسَاقَتَهُ مُقَدَّمَتَهُ، وميمنته ميسرته، وميسرته ميمنة فَأَنْكَرُوا مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ رَايَاتِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، وَقَالُوا قَدْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ فَرُعِبُوا فَانْكَشَفُوا مُنْهَزِمِينَ فَقُتِلُوا مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا قَوْمٌ [ (39) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى الْجَزَّارِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَدْ عَجَنْتُ عَجِينِي وَغَسَّلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ» ، فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَشَمَّهُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا يُبْكِيكَ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ، فَقُمْتُ أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ [ (40) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، يَقُولُ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ إِذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ تَكَلَّفَ جِيرَانُهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ طَعَامَهُمْ فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ قَدْ خَبَزُوا خُبْزًا صِغَارًا وَصَنَعُوا لَحْمًا فَجُعِلَ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ يَأْتُونَ بِهِ أَهْلَ الْمَيِّتِ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى مَيِّتِهِمْ مُشْتَغِلِينَ فَيَأْكُلُونَهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ حِينَ أُصِيبَ جَعْفَرٌ: لَا تُغْفِلُوهُمْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا يَوْمَهُمْ هَذَا ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ تركوا ذلك.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي حِكَايَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْخَبَرِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْلَى قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، يَقُولُ أَنَا أَحْفَظُ حِينَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّي فَنَعَى لَهَا أَبِي فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِي وَرَأْسِ أَخِي وَعَيْنَاهُ تُهْرَاقَانِ الدُّمُوعَ، حَتَّى تَقْطُرَ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنَّ جَعْفَرًا قَدْ قَدِمَ إِلَيْكَ إِلَى أَحْسَنِ الثَّوَابِ، فَاخْلُفْهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا خَلَفْتَ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ يَا أَسْمَاءُ أَلَا أُبَشِّرُكِ؟ قَالَتْ: بَلَى بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ ... إِنَّ اللهَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ، قَالَتْ: فَأَعْلِمِ النَّاسَ ذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي يَمْسَحُ بِيَدِهِ رَأْسِي حَتَّى رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَجْلَسَنِي أَمَامَهُ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ الْمَرْءَ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ، أَلَا إِنَّ جَعْفَرًا قَدِ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ جُعِلَ لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَدْخَلَنِي مَعَهُ، فَأَمَرَ بِطَعَامٍ فَصَنَعَ لِأَهْلِي وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِي فَتَغَدَّيْنَا عِنْدَهُ غَدَاءً طَيِّبًا مُبَارَكًا، عَمَدَتْ سَلْمَى خَادِمَتُهُ إِلَى شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ثُمَّ نَسَفَتْهُ ثُمَّ أَنْضَجَتْهُ وَأَدَمَتْهُ بِزَيْتٍ وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا فَتَغَدَّيْتُ أَنَا وَأَخِي مَعَهُ فَأَقَمْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَيْتِهِ نَدُورُ مَعَهُ كُلَّمَا صَارَ فِي بَيْتِ إِحْدَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى بَيْتِنَا فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُسَاوِمُ شَاةَ أَخٍ لِي، فَقَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَتِهِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَا بِعْتُ شَيْئًا وَلَا اشْتَرَيْتُ شَيْئًا إِلَّا بُورِكَ لِي فِيهِ [ (41) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ يعقوب
الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بكر [ (42) ] . وَذَلِكَ يُصَحِّحُ مَا رُوِّينَا. عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي فِي أَمْرِ الْجَنَاحَيْنِ وَيُؤَكِّدُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ جَعْفَرٍ، وَابْنِ حَارِثَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ نِسَاءَ جعفر وذكر بكاهنّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ. [فَذَهَبَ الرَّجُلُ] [ (43) ] . ثُمَّ أَتَى فَقَالَ [يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ] [ (44) ] . [قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ] [ (45) ] ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَتْ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ تُرِيدُ الرَّجُلَ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْعَنَاءِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثقفي
فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ لَمْ يَقُلِ الْمَسْجِدَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (46) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ [وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ] [ (47) ] بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْدَقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ [ (48) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَمْتِعَةِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ مِمَّا غَنِمُوا خَاتَمٌ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَتَلْتُ صَاحِبَهُ يَوْمَئِذٍ فَنَفَّلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ [ (49) ] . وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ: لَقِينَاهُمْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ فَصَافُّوا فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ يَشْتَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سِلَاحٌ مُذْهَبٌ وَسَرْجٌ مُذْهَبٌ فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي مَنْ لِهَذَا وَقَدْ رَافَقَنِي رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ كَانَ مَعَنَا فِي مَسِيرِنَا ذَلِكَ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا السَّيْفُ إِذْ
نَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ فَوَهَبَهُ مِنْهُ فَجَعَلَهُ فِي الشَّمْسِ وَأَوْتَدَ عَلَى أَطْرَافِهِ أَوْتَادًا، فَلَمَّا جَفَّ اتَّخَذَ مِنْهُ مَقْبَضًا وَجَعَلَهُ دَرَقَةً، فَلَمَّا رَأَى الْمَدَدِيُّ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الرُّومِيُّ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَنَ لَهُ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ خَرَجَ عَلَيْهِ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ فَقَعَدَ الْفَرَسُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَخَرَّ عَنْهُ الْعِلْجُ [ (50) ] فَشَدَّ عَلَيْهِ فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ [ (51) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنِي بُكَيْرُ بن مسمار عن عمار بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْتُ مُؤْتَةَ فَبَارَزَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ فَأَصَبْتُهُ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ لَهُ فِيهَا يَاقُوتَةٌ فَلَمْ تَكُنْ هِمَّتِي إِلَّا الْيَاقُوتُ فَأَخَذْتُهَا فَلَمَّا انْكَشَفْنَا فَانْهَزَمْنَا رَجَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَّلَنِيهَا يَعْنِي فَبِعْتُهَا زَمَنَ عُثْمَانَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَاشْتَرَيْتُ بِهَا حَدِيقَةَ نَخْلٍ [ (52) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (53) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَجَعَلُوا يَحْثُونَ عَلَيْهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللهُ. وبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (54) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حزم عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ لامرأة سلمة بن
هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَا لِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النَّاسُ يَا فُرَّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَانَ فِي غَزَاةِ مُؤْتَةَ. قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي فِرَارِهِمْ وَانْحِيَازِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ فَفُتِحَ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِ عَلَيْهِمْ وَاللهُ [تَعَالَى] أَعْلَمُ [مَا الصواب] [ (55) ] .
باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجبارين يدعوهم [إلى الإسلام] [1] وإلى الله عز وجل
بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إلى الْجَبَّارِينَ يَدْعُوهُمْ [إِلَى الْإِسْلَامِ] [ (1) ] وَإِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَبْلَ مُؤْتَةَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ حَمَّادٍ [ (2) ] . [وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (3) ] .
باب ما جاء في بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن [1] خليفة الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم وما جرى في سؤاله أبا سفيان بن حرب عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك وفيما رأى قيصر في منامه من آثار النبوة ودلالات
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَةَ بْنَ [ (1) ] خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى قَيْصَرَ وَهُوَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ وَمَا جَرَى فِي سُؤَالِهِ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا رَأَى قَيْصَرُ فِي مَنَامِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ عَلَى رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ عليه [الصلاة و] [ (2) ] السلام أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابن حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى
مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللهُ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا إِلَيَّ ها هنا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ [ (3) ] لِنَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي قَالَ: وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي، قال قيصرا: أَدْنُوهُ مِنِّي، ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفَيَّ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِلُهُ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثِرَ [ (4) ] أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: فَهُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ فَهَلْ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ: قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ وَنَحْنُ نَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَغْدِرَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهَا لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي
غَيْرُهَا قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ قَالَ: فَقَالَ: لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ: فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُوهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ: فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدِرُونَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلًا يُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ: فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وأمر بِهِ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي
أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تسلم وأسلم يؤتك الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فعليك إثم الأريسيين يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فلما أن قضى مقاتله عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ قَلْبِيَ الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ. لَفْظُ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ [ (5) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعد عَنْ أَبِيهِ [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (7) ] قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ: هَلْ ها هنا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ: قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قال: أيكم
أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ صَالِحٍ وقال: فما يأمرهم بِهِ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ قَالَ: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْكِتَابَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (8) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ [ (9) ] وَغَيْرِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ] [ (10) ] بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مِنْ فِيهِ قَالَ كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَضَرَتْنَا حَتَّى نَهَكَتْ أَمْوَالَنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَمْ نَأْمَنْ أَنْ وَجَدْنَا أَمْنًا فَخَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قريش فو الله مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا قَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً وَكَانَ وَجْهُ مَتْجَرِنَا مِنَ الشَّامِ غَزَّةَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَاهَا وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ قَيْصَرُ صَاحِبُ الرُّومِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي بِلَادِهِ مِنَ الْفُرْسِ فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَرُدَّ عَلَيْهِ صَلِيبَهُ الْأَعْظَمُ وَقَدْ كَانَ اسْتَلَبُوهُ إِيَّاهُ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَخَرَجَ مِنْهَا
يَمْشِي مُتَشَكِّرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ تُبْسَطُ لَهُ الْبُسْطُ وَتُطْرَحُ لَهُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ فَصَلَّى بِهَا فَأَصْبَحَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَهُوَ مَهْمُومٌ يُقَلِّبُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَتْ لَهُ بَطَارِقَتُهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَهْمُومًا فَقَالَ: أَجَلْ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أُرِيتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ فَقَالُوا: وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تَخْتَتِنُ إِلَّا يهودوهم تَحْتَ يَدَيْكَ فِي سُلْطَانِكَ فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُمْ فَابْعَثَ فِي مَمْلَكَتِكَ كُلِّهَا فَلَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ إِلَّا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ فَتَسْتَرِيحَ مِنْ هَذَا الْهَمِّ، فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ يُدَبِّرُونَهُ إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ يُحَدِّثُكَ [ (11) ] عَنْ حَدَّثٍ كَانَ بِبِلَادِهِ فَسَلْهُ عَنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي بِلَادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدِ اتَّبَعَهُ أَقْوَامٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلَاحِمُ فِي مَوَاطِنَ فَخَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: جَرِّدُوهُ فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ فَقَالَ: هَذَا وَاللهِ الَّذِي أُرِيتُ لَا مَا تَقُولُونَ أَعْطِهِ ثَوْبَهُ انْطَلِقْ لِشَأْنِكَ، ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِيَ الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عن شأنه فو الله إني وأصحابي لبغرّة إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَأَلَنَا مِمَّنْ أَنْتُمْ، فَأَخْبَرَنَاهُ، فَسَاقَنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فو الله مَا رَأَيْتُ مِنَ رَجُلٍ قَطُّ أَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الْأَغْلَفِ يُرِيدُ هِرَقْلَ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ: أَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا فَقُلْتُ: أَنَا قَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَأَجْلَسَهُمْ خَلْفِي وَقَالَ: إِنْ كَذَبَ فَرُدُّوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَقَدْ عَرَفْتُ أَنْ لَوْ كَذَبْتُ مَا رَدُّوا عَلَيَّ وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ وَأَسْتَحِي مِنَ الْكَذِبِ وَعَرَفْتُ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْوُوهُ عَنِّي ثُمَّ يَتَحَدَّثُوا [بِهِ عَنِّي] [ (12) ] بِمَكَّةَ فَلَمْ أَكْذِبْهُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا
الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ فَزَهَّدْتُ لَهُ شَأْنَهُ وَصَغَّرْتُ له أمره فو الله مَا الْتَفَتَ إِلَى ذَلِكَ مِنِّي وَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ فَقُلْتُ سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: مَحْضًا مِنْ أَوْسَطِنَا نَسَبًا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ فَهُوَ يَتَشَبَّهُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ لَهُ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ مُلْكَهُ؟ فَقُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَتْبَاعِهِ مَنْ هُمْ فَقُلْتُ الْأَحْدَاثُ وَالضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَأَمَّا أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَذَوُو الْأَسْنَانِ مِنْهُمْ فَلَا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَمَّنْ يَصْحَبُهُ أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ؟ قُلْتُ: قَلَّ مَا صَحِبَهُ رَجُلٌ فَفَارَقَهُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ: سِجَالٌ تُدَالُ عَلَيْنَا وَتُدَالُ عَلَيْهِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ يَغْدِرُ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَغْمِزُ فِيهِ إِلَّا هِيَ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ منه في مدّة ولا نأمن غدره فو الله مَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا مِنِّي فَأَعَادَ عَلَىَّ الْحَدِيثَ فَقَالَ: زَعَمْتَ أَنَّهُ مِنْ أَمْحَضِهِمْ نَسَبًا وَكَذَلِكَ يَأْخُذُ اللهُ النَّبِيَّ إِذَا أَخَذَهُ لَا يَأْخُذُهُ إِلَّا مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ لَهُ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوا عليه ملكه فقلت: لا وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمُ الْأَحْدَاثُ وَالْمَسَاكِينُ وَالضُّعَفَاءُ وكذلك وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَسَأَلْتُكَ عَمَّنْ يَتْبَعُهُ أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَصْحَبُهُ فَيُفَارِقُهُ وَكَذَلِكَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجَ مِنْهُ وَسَأَلْتُكَ كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فَزَعَمْتَ أَنَّهَا سِجَالٌ يذال عليكم وتذالون عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ تَكُونُ حَرْبُ الْأَنْبِيَاءِ وَلَهُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أنه لا يغدر فلين كُنْتَ صَدَقْتَنِي لَيَغْلِبَنِّي عَلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَغْسِلُ قَدَمَيْهِ الْحَقْ بِشَأْنِكَ فَقُمْتُ وَأَنَا أَضْرِبُ بِإِحْدَى يَدَيَّ عَلَى الْأُخْرَى [أَقُولُ] [ (13) ] أَيْ عِبَادَ اللهِ لَقَدْ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَصْبَحَ مُلُوكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُونَهُ في سلطانهم [ (14) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْقُفٌ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دِحْيَةُ [الْكَلْبِيُّ] [ (15) ] بْنُ خَلِيفَةَ عَلَى هِرَقْلَ بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ وأسلم يؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ عَلَيْكَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ كِتَابُهُ وَقَرَأَهُ أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَ فَخِذِهِ وَخَاصِرَتِهِ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْعِبْرَانِيَّةِ مَا يَقْرَأُ يُخْبِرُهُ مِمَّا جَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ النَّبِيُّ يُنْتَظَرُ لَا شَكَّ فِيهِ فَاتَّبِعْهُ فَأَمَرَ بِعُظَمَاءِ الرُّومِ فَجُمِعُوا لَهُ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُشْرِجَتْ عَلَيْهِمْ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ عُلَيَّةٍ لَهُ وَهُوَ مِنْهُمْ خَائِفٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنَّهُ جَاءَنِي كِتَابُ أَحْمَدَ وَإِنَّهُ وَاللهِ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِنَا نَعْرِفُهُ بِعَلَامَاتِهِ وَزَمَانِهِ فَأَسْلِمُوا وَاتَّبِعُوهُ تَسْلَمْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ وإخوتكم فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَابْتَدَرُوا أَبْوَابَ الدَّسْكَرَةِ فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً دُونَهُمْ فَخَافَهُمْ فَقَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ فَكَرَّهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَهُمْ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَغْمِزُكُمْ لَأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمْ مَا سَرَّنِي فَوَقَعُوا لَهُ سُجَّدًا ثُمَّ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ الدَّسْكَرَةِ فَخَرَجُوا. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَبَلَغَ هِرَقْلَ شَأْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا بَلَغَهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فأرسل إلى صاحب
الْعَرَبِ الَّذِي بِالشَّامِ فِي مُلْكِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرِجَالٍ مِنَ الْعَرَبِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَخَلُوا عليه في كنيسة إيليا الَّتِي فِي جَوْفِهَا فَقَالَ هِرَقْلُ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ لِتُخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الَّذِي بِمَكَّةَ مَا أَمْرُهُ، قَالُوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ قَالَ: فَأَخْبِرُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِهِ وَأَقْرَبِكُمْ بِهِ رَحِمًا قَالَ: قَالُوا: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّهِ وَقَدْ قَاتَلَهُ فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ ذَلِكَ أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهُ ثُمَّ أَجْلَسَ أَبَا سُفْيَانَ فَاسْتَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ [هُوَ] سَاحِرٌ كَذَّابٌ، قَالَ هِرَقْلُ: إِنِّي لَا أُرِيدُ شَتْمَهُ وَلَكِنْ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ: هُوَ وَاللهِ مِنْ بَيْتِ قُرَيْشٍ قَالَ: كَيْفَ عَقْلُهُ وَرَأْيُهُ؟ قَالَ: لَمْ نُعِبْ لَهُ عَقْلًا قَطُّ وَلَا رَأْيًا قَطُّ قَالَ هِرَقْلُ: هَلْ كَانَ حَلَّافًا كَذَّابًا مُخَادِعًا فِي أَمْرِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ مَا كَانَ كَذَلِكَ قَالَ: فَلَعَلَّهُ يَطْلُبُ مُلْكًا أَوْ شَرَفًا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَبْلَهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَتَّبِعُهُ مِنْكُمْ هَلْ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هِرَقْلُ: يَغْدِرُ إِذَا عَاهَدَ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَغْدِرَ مَرَّتَهُ هَذِهِ فَقَالَ هِرَقْلُ: وَمَا يُخَافُ مِنْ مَرَّتِهِ هَذِهِ، قَالَ: إِنَّ قَوْمِي أَمَدُّوا حُلَفَاءَهُمْ عَلَى حُلَفَائِهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ هِرَقْلُ: إِنْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ فَأَنْتُمْ أَغْدَرُ فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ: لَمْ يَغْلِبْنَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غَائِبٌ وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ ثُمَّ غَزَوْتُهُ مَرَّتَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ نَبْقَرُ الْبُطُونَ وَنَجْدَعُ الْآذَانَ وَالْفُرُوجَ فَقَالَ هِرَقْلُ: أَكَاذِبًا تَرَاهُ أَمْ صَادِقًا؟ فَقَالَ: بَلْ هُوَ كَاذِبٌ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيكُمْ نَبِيٌّ فَلَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ أَفْعَلَ النَّاسِ لِذَلِكَ الْيَهُودُ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فَقَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ يسئله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ أَكُلَّ مَرَّةٍ يَظْهَرُ عَلَيْكُمْ قَالَ: مَا
ظَهَرَ عَلَيْنَا قَطُّ إِلَّا وَأَنَا غَائِبٌ ثُمَّ قَدْ [ (16) ] غَزْوَتُهُمْ مَرَّتَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ فَبَقَرْنَا الْبُطُونَ وَجَدَعْنَا الْأُنُوفَ وَقَطَعْنَا الذُّكُورَ قَالَ قَيْصَرُ: أَتُرَاهُ كَاذِبًا أَوْ صَادِقًا، قَالَ: بَلْ هُوَ كَاذِبٌ قَالَ قَيْصَرُ: لَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَظْهَرُ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ فِيكُمْ نَبِيٌّ فَلَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ أَفْعَلَ النَّاسِ لذلك اليهود.
باب ما جاء في بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ابن هرمز وكتابه إليه ودعائه عنده تمزيق كتابه عليه وأجابه الله تعالى دعاءه وتصديقه قوله في هلاكه وهلاك جنوده وفتح كنوزه
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى ابن هُرْمُزَ وَكِتَابِهِ إِلَيْهِ وَدُعَائِهِ عنده تَمْزِيقِ كِتَابِهِ عَلَيْهِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ وَتَصْدِيقِهِ قَوْلَهُ فِي هَلَاكِهِ وَهَلَاكِ جُنُودِهِ وَفَتْحِ كُنُوزِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (1) ] ، وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ فِيمَا لَمْ أَجِدْ نُسْخَةَ سَمَاعِي وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بن هاني أَخْبَرَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِئُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُمْ إِلَى مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ فَقَالَ: الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولُ اللهِ وَاللهِ لَا نَخْتَلِفُ عَلَيْكَ أَبَدًا عَلَى شَيْءٍ فَمُرْنَا وَابْعَثْنَا فَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إِلَى كِسْرَى فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى كِسْرَى وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَأَذَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ كِسْرَى بإيوائه أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ ثُمَّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ فَارِسَ ثُمَّ أَذِنَ لِشُجَاعٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَمَرَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَضَ مِنْهُ قَالَ شُجَاعٌ: لَا حَتَّى أَدْفَعَهُ أَنَا كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كسرى: أذنه فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الْكِتَابَ ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ فَأَغْضَبَهُ حِينَ بَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَصَاحَ وَغَضِبَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ بِشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فَأُخْرِجَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَعَدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ سَارَ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ الطَّرِيقَيْنِ أَكُونُ إِذَا أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ كِسْرَى سَوْرَةُ غَضَبِهِ بَعَثَ إِلَى شُجَاعٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ فَطُلِبَ إِلَى الْحِيرَةِ فَسَبَقَ فَلَمَّا قَدِمَ شُجَاعٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ كِسْرَى وَتَمْزِيقِهِ كِتَابَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «مَزَّقَ كِسْرَى مُلْكَهُ» . اتَّفَقَ هَذَا الْمُرْسَلُ وَالْمَوْصُولُ قَبْلَهُ فِي تَمْزِيقِهِ كِتَابَهِ فِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَخْبَرَ عَنْ تَمْزِيقِهِ مُلْكَهُ وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يَدْفَعُ كِتَابَهُ إِلَى كِسْرَى وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَوْصُولَةٌ فَهِيَ أَوْلَى وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كُنُوزَ
كِسْرَى الَّتِي فِي الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (2) ] وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ زيان الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَيَفْتَتِحَنَّ رَهْطٌ مِنْ أُمَّتِي كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَضِ» فَكُنْتُ أَنَا وَأَبِي فِيهِمْ فَأَصَبْنَا مِنْ ذَلِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
باب ما جاء في موت كسرى وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَوْتِ كِسْرَى وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَسْوَدُ ابن عَامِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ» يَعْنِي كِسْرَى. قَالَ: وَقِيلَ لَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ ابْنَتَهُ فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ» . وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ وَجَدَ عِنْدَهُ رُسُلَ عَامِلِ كِسْرَى عَلَى صَنْعَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى صَاحِبِهِ بِصَنْعَاءَ يَتَوَعَّدُهُ وَيَقُولُ: أَلَا تَكْفِينِي رَجُلًا خَرَجَ بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دِينِهِ لتكفينه أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ فَبَعَثَ صَاحِبُ صَنْعَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَلَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللهُ عليه وسلم] [ (1) ] كِتَابَ صَاحِبِهِمْ تَرَكَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ ربك الليلة فانطلقوا
فَأَخْبَرُوهُ قَالَ دِحْيَةُ: ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ كِسْرَى قُتِلَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ بِمَعْنَاهُ وَسَمَّى الْعَامِلَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى فَقَالَ بَاذَانُ صَاحِبُ الْيَمَنِ فَلَمَّا جَاءَ بَاذَانَ الْكِتَابُ اخْتَارَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَتَبَ بِهِ كِسْرَى مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى دِينِ قَوْمِهِ أَوْ تَوَاعُدِهِ يَوْمًا بِلِقَائِهِ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْلِغَاهُ أَنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّهُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابن عَيَّاشٍ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ وَجْهَ سَعْدٍ خَيْرٌ أَوْ قَالَ الْخَيْرُ قَالَ، قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَ أَوْ قَالَ قُتِلَ كِسْرَى، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ كِسْرَى أَوَّلُ النَّاسِ هَلَاكًا فَارِسُ، ثُمَّ الْعَرَبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النبي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ الرَّسُولَ بِهَلَاكِ كِسْرَى فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ سَعْدًا مِنْ غَيْرِهِ فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَخْبَرَهُ بِتَصْدِيقِ اللهِ قَوْلَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، قَالَ [ (2) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ بُعِثَ لَهُ أَوْ قُيِّضَ لَهُ عَارِضٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْحَقَّ فَلَمْ يَفْجَأْ كِسْرَى إِلَّا الرَّجُلُ يَمْشِي وَفِي يَدَيْهِ عَصًا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أن
أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا [ (3) ] ؟ قَالَ كِسْرَى: نَعَمْ فَلَا تَكْسِرْهَا فَوَلَّى الرَّجُلُ فَلَمَّا ذَهَبَ أَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى حُجَّابِهِ فَقَالَ: مَنْ أَذِنَ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَيَّ، فَقَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ قَالَ: كَذَبْتُمْ [قَالَ] [ (4) ] ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَتَلْتَلَهُمْ ثُمَّ تَرَكَهُمْ فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ [الْمَعْهُودُ] [ (5) ] مَعَهُ الْعَصَا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا، قَالَ: نَعَمْ لَا تَكْسِرْهَا لَا تَكْسِرْهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ دَعَا كِسْرَى حُجَّابَهُ فَسَأَلَهُمْ مَنْ أَذِنَ لَهُ فَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَقُوا مِنْ كِسْرَى مِثْلَ مَا لَقُوا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حَتَّى إِذَا كَانَ الْحَوْلُ الْمُسْتَقْبَلُ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَهُ الْعَصَا فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ يَا كِسْرَى فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ الْعَصَا، قَالَ: لَا تَكْسِرْهَا فَكَسَرَهَا فَأَهْلَكَ اللهُ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حُدِّثْنَا عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ صَالِحٍ قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ بُعِثَ إِلَيْهِ وَقُيِّضَ لَهُ عَارِضٌ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْحَقَّ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْفَارِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ [بْنُ] [ (6) ] الشَّرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ دُونَ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ.
باب ما جاء في الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم إذا هلك قيصر فلا قيصر بعد وما روي عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ثبت ملكه وما ظهر من صدقه فيهما وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى [وهو الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم] [1]
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدُ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي قَيْصَرَ حِينَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ثَبَّتَ مُلْكَهُ وَمَا ظَهَرَ مِنْ صِدْقِهِ فِيهِمَا وَفِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ هَلَاكِ كِسْرَى [وَهُوَ الصَّادِقُ الصَّدُوقُ صلى الله عليه وسلم] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ [ (2) ] . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَمَّا أُتِيَ كِسْرَى بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَّقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمَزَّقَ مُلْكُهُ وَحَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ثَبَتَ مُلْكُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (3) ] . وَأَمَّا مَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مِنْ تَمْزِيقِ كِسْرَى كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
فِيهِ فَقَدْ مَضَى إِسْنَادُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَمَّا مَا قَالَ فِي قَيْصَرَ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَأَمَّا قَيْصَرُ فَوَضَعَهُ وَأَمَّا كِسْرَى فَمَزَّقَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُمَزَّقُونَ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَسَتَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ مَعَاشِهَا مِنْهُ وَتَأْتِي الْعِرَاقَ فَيُقَالُ لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفَهَا مِنِ انْقِطَاعِ مَعَاشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إِذْ فَارَقَتِ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ خِلَافِ مَلِكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ» [فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى يَثْبُتْ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ] [ (4) ] ، وَقَالَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَأَجَابَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا لَهُ وَكَانَ كَمَا قَالَ لَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعَ اللهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ عَنِ الشَّامِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي كِسْرَى مُزِّقَ مُلْكُهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ وَقَالَ فِي قَيْصَرَ ثَبَّتَ اللهُ مُلْكَهُ فَثَبَتَ لَهُ ملك ببلاد الرُّومِ إِلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عَنِ الشَّامِ وَكُلُّ هَذَا مُؤتَفِقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بعضا.
باب ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس
بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُقَوْقِسَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فيما لم أجد سَمَاعِي، وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسَ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَمَضَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُقَوْقِسَ فَقَبَّلَ الْكِتَابَ وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ وَسَرَّحَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً وَبَغْلَةً بِسَرْجِهَا وَخَادِمَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَهْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ فَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بن الحمامي المقري بِبَغْدَادَ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَانِيُّ قَاضِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الدُّولَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ، قَالَ: حدثنا
هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمُقَوْقِسَ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ قَالَ: فَحَيَّيْتُهُ بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ وَقَدْ جَمَعَ بَطَارِقَتَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَأُكَلِّمُكَ بِكَلَامٍ وَأُحِبُّ أَنْ تَفْهَمَهُ مِنِّي قَالَ: قُلْتُ: هَلُمَّ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِكَ أَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ، قُلْتُ: بَلَى هُوَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ أَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهَا، قَالَ: فقلت عيسى بن مَرْيَمَ أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخَذَهُ قَوْمُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ [ (2) ] أَلَّا يَكُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: أَنْتَ حَكِيمٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ هَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَكَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بِبَذْرَقَةٍ يُبَذْرِقُونَكَ إِلَى مَأْمَنِكَ، قَالَ: فَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ جَوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِطُرَفٍ مِنْ طُرَفِهِمْ. قَالَ هَارُونُ: تُوُفِّيَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
باب غزوة ذات السلاسل [1]
بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قال: أخبرنا أبو بكر محمد
ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: غَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتُ السَّلَاسِلِ [ (2) ] مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ فِي بَلِيٍّ وَسَعْدِ اللهِ، وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قُضَاعَةَ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَلِيٍّ وَهُمْ أَخْوَالُ الْعَاصِ [ (3) ] بْنِ وَائِلٍ وَبَعْثَهُ فِيمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قُضَاعَةَ وَأُمِّرَ عَلَيْهِمْ. قَالَ مُوسَى: فَخَافَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْتَمِدُّهُ فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَانْتُدِبَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ،
فَأَمَدَّ بِهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ [ (4) ] . قَالَ عُرْوَةُ: وَعَمْرٌو يَوْمَئِذٍ فِي سَعْدِ اللهِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنْ قُضَاعَةَ. قَالَ مُوسَى: فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عَمْرٍو، قَالَ: أَنَا أَمِيرُكُمْ وَأَنَا أَرْسَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَمِدُّهُ بِكُمْ، قال المهاجرون: بل أَنْتَ أَمِيرُ أَصْحَابِكَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرُ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا أَنْتُمْ مَدَدٌ أُمْدِدْتُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الْخُلُقِ لِيِّنَ الشِّيمَةِ سَعَى لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلَيْهِ] [ (5) ] ، وَعَهْدِهِ قَالَ: تَعْلَمُ يَا عَمْرُو أَنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى صَاحِبِكَ فَتَطَاوَعَا» وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي لَأُطِيعَنَّكَ فَسَلَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْإِمَارَةَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ غَزْوَةِ ذات السلاسل من أرض بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لِيَسْتَنْفِرَ الْعَرَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتِ امْرَأَةً مِنْ بَلِيٍّ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ
عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ يُقَالُ لَهَا السَّلَاسِلُ وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزَاةُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَسْتَمِدُّهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجَّهَهُ لَا تَخْتَلِفَا فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتَّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا جِئْتَ مَدَدًا إِلَيَّ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلًا لَيِّنًا [سَهْلًا] [ (7) ] هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا عَمْرُو إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَخْتَلِفَا وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: فَإِنِّي أَمِيرٌ عَلَيْكَ وَإِنَّمَا أَنْتَ مَدَدٌ لِي قَالَ: فَدُونَكَ فَصَلَّى عَمْرٌو بِالنَّاسِ [ (8) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي سَرِيَّةٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَكَانِ الْحَرْبِ أَمَرَهُمْ عَمْرٌو أَنْ لَا يُنَوِّرُوا نَارًا فَغَضِبَ عُمَرُ فَهَمَّ أَنْ يَأْتِيَهُ فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالْحَرْبِ فَهَدَّأَ عَنْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا [يُونُسُ] [ (9) ] عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ بَعْضِ مَشْيَخَتِهِمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأُؤمِّرُ الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ فِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَيْقَظُ عَيْنًا وَأَبْصَرُ بِالْحَرْبِ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ أن خالد
الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَيْشِ ذِي السَّلَاسِلِ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا لِمَنْزِلَةٍ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكِ قَالَ: فَأَبُوهَا قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ حَتَّى عَدَّ رَهْطًا قَالَ: قُلْتُ: فِي نَفْسِي لَا أَعُودُ أَسْأَلُ عَنْ هَذَا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّ عُبَيْدَةَ لَمَّا آبَ إِلَى عَمْرٍو، فَصَارُوا خَمْسَ مِائَةٍ سَارَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ حَتَّى وَطِئَ بِلَادَ بَلِيٍّ وَدَوْحَةَ وَكُلَّمَا انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ جَمْعٌ فَلَمَّا سَمِعُوا بِكَ تَفَرَّقُوا حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَقْصَى بِلَادِ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقِينَ وَلَقِيَ فِي آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَرُمِيَ يَوْمَئِذٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَأُصِيبَ ذِرَاعُهُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَهَرَبُوا وَأَعْجَزُوا هَرَبًا فِي الْبِلَادِ وَتَفَرَّقُوا وَدَوَّخَ عَمْرٌو مَا هُنَاكَ وَأَقَامَ أَيَّامًا لَا يُسْمَعُ لَهُمْ بِجَمْعٍ وَلَا مَكَانٍ صَارُوا فِيهِ فَكَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَ الْخَيْلِ فَيَأْتُونَ بِالشَّاءِ وَالنِّعَمِ وَكَانُوا يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ [لَهُمْ] [ (12) ] غَنَائِمُ تُقْسَمُ إِلَّا مَا لا ذكر له [ (13) ] . بإسناده قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عن سعيد بن
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ قَفَلُوا احْتَلَمَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ كَأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَرْدِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ قَدْ وَاللهِ احْتَلَمْتُ وَإِنِ اغْتَسَلْتُ مُتُّ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَعَثَ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ بَرِيدًا قَالَ عَوْفٌ: فَقَدِمْتُ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: صَاحِبُ الْجَزُورِ، قُلْتُ: نَعَمْ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ مِنْ مَسِيرِنَا وَمَا كَانَ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَبَيْنَ عَمْرٍو وَمُطَاوَعَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ أَخْبَرَتُهُ أَنَّ عَمْرًا صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ مَاءٌ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَيَمَّمَ فَأَسْكَتَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرٌو عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اغْتَسَلْتُ لَمُتُّ لَمْ أَجِدْ بَرْدًا قَطُّ مِثْلَهُ وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (14) ] وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً [ (15) ] فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ شَيْئًا [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بأصحابك وأنت جنب
فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- يَقُولُ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وعَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قبيس مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ قَالَ: فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ لَمْ يَذْكُرِ التَّيَمُّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: فِيهِ فَتَيَمَّمَ .
باب ما جاء في الجزور التي نحرت في غزوة ذات السلاسل وما جرى لعوف بن مالك الأشجعي فيها وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عوفا بعلمه بها قبل ان يخبره عوف [بن مالك رضي الله عنه] [1]
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَزُورِ الَّتِي نُحِرَتْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَمَا جَرَى لِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ فِيهَا وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَوْفًا بِعِلْمِهِ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَوْفُ [بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ وَهُمْ عَلَى جَزُورٍ قَدْ نَحَرُوهَا وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعُضُّوهَا، وَكُنْتُ امرءا جَازِرًا فَقُلْتُ لَهُمْ: تُعْطُونِي مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ أَقْسِمَهَا بَيْنَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَأَخَذْتُ الشَّفْرَتَيْنِ فَجَزَيْتُهَا مَكَانِي وَأَخَذْتُ مِنْهَا [ (2) ] جُزْءًا فَحَمَلْتُهُ إِلَى أَصْحَابِي فَأُطْعِمْنَا وَأَكَلْنَا، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: أَنَّى لَكَ هَذَا اللَّحْمُ يَا عَوْفُ؟ فَأَخْبَرْتُهُمَا فَقَالَا: لَا وَاللهِ مَا أَحْسَنْتَ حِينَ أَطْعَمَتْنَا هَذَا، ثُمَّ قَامَا يَتَقَيَّآنِ مَا فِي بُطُونِهِمَا مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كُنْتُ أَوَّلَ قَادِمٍ عَلَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ: عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَقُلْتُ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَقَالَ: صَاحِبُ الْجَزُورِ لَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ
شَيْئًا [ (3) ] . قَصَّرَ بِإِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ هَدْمٍ أَظُنُّهُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَزَوْنَا وَعَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَفِينَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ فَانْطَلَقْتُ أَلْتَمِسُ الْمَعِيشَةَ فالتقيت قوما يريدون ينحرون جَزُورًا لَهُمْ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ كَفَيْتُكُمْ نَحْرَهَا وَعَمَلَهَا وَأَعْطُونِي مِنْهَا فَفَعَلْتُ فَأَعْطَوْنِي مِنْهَا شَيْئًا فَصَنَعْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلَنِي مِنْ أَيْنَ هُوَ [فَأَخْبَرْتُهُ] [ (4) ] فَقَالَ: أَسْمَعُكَ قَدْ تَعَجَّلْتَ أَجْرَكَ وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يَعْنِي ابْنَ الْجَرَّاحِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَرَكْتُهَا قَالَ: ثُمَّ أَبْرَدُونِي فِي فَتْحٍ لَنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَزُورِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيَّ شَيْئًا. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ لَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: يَعْقُوبُ، وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فذكره.
باب سرية أبي عبيدة بن الجراح [1] رضي الله [تعالى] [2] عنه إلى سيف البحر وما رزق الله تلك السرية من البحر حين أصابتهم مخمصة
بَابُ سَرِيَّةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ [ (1) ] رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] عَنْهُ إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ وَمَا رَزَقَ اللهُ تِلْكَ السَّرِيَّةَ مِنَ الْبَحْرِ حِينَ أَصَابَتْهُمْ مَخْمَصَةٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ ابن عَبْدِ اللهِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ، وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ [ (3) ] صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، حتى
أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّي جَيْشَ الْخَبَطِ ذَلِكَ الْجَيْشُ، قَالَ: وَنَحَرَ رَجُلٌ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ، قَالَ: فَأَلْقَى إِلَيْنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْهُ حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا، وَصَلُحَتْ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ وَمَرَّ تَحْتَهُ. لَفْظُ حَدِيثِ الْجَرْجَرَائِيِّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي رِوَايَتِهِ فِي نَحْرِ الْجَزَائِرِ وَكَانَ يَرَوْنَهُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ (ح) . وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ قَالَ جَابِرٌ: وَأَنَا فِيهِمْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ: فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا تَعْنِي تَمْرَةٌ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ قال:
ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُجِّلَتْ ثُمَّ مرّ تحتها فلم يصيبهما لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بن هاني، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَشِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بَعْضُنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَوُضِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا دَابَّةٌ تُدْعَا الْعَنْبَرَ فَقَالَ أَبُو عبيد: مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْتِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدْرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ. وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ
أضلاعه فأقامتها ثُمَّ رَحَّلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مِنْهَا فَمَرَّ تَحْتَهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَهُ [ (6) ] فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا؟ قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَحْمَدَ ابن يونس [ (7) ] .
باب نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي النجاشي في اليوم اليوم الذي مات فيه بأرض الحبشة وذلك قبل فتح مكة
بَابُ نَعْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم النجاشي النجاشي في اليوم الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وأبو سعيد محمد ابن مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ ابن سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، أَنْبَأَنَا مُوسَى الْأَعْينُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى وَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. أَخْرَجَاهُ [ (1) ] فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ ابْنَ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمُ الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاتَ الْيَوْمَ رجل طالح فَصَلُّوا عَلَى أَصْحَمَةَ [ (4) ] . حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ سُفْيَانَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر عن أبي جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
[كَانَ] [ (5) ] لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِ النَّجَاشِيِّ نُورٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، وأَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوسنجيّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قِرْفَةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الزَّنْجِيَّ لِحُمْرَتِهِ وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُفْتِي بِمَكَّةَ بَعْدَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ، أُمِّ كُلْثُومٍ قَالَتْ لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَ: إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَوَاقٍ مِنْ مِسْكٍ وَحُلَّةً، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ مَاتَ، وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ إِلَّا سَتُرَدُّ عَلَيَّ، فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ أَظُنُّهُ قَالَ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُنَّ أَوْ فَهِيَ لَكُنَّ، قَالَ: فَكَانَ كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَاتَ النَّجَاشِيُّ وَرُدَّتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رُدَّتْ عَلَيْهِ أَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَلِكَ الْمِسْكِ، وَأَعْطَى سَائِرَهُ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَعْطَاهَا الْحُلَّةَ [ (6) ] . قَوْلُهُ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ مَاتَ يُرِيدُ وَاللهُ أَعْلَمُ قَبْلَ بُلُوغِ الْهَدِيَّةِ إِلَيْهِ وَهَذَا الْقَوْلُ صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ نَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ. تم السفر الرابع من كتاب دلائل النبوة ومعرفة احوال صاحب الشريعة ويليه الخامس وأوله: جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ حرسها الله. وآخر دعوانا ان الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الجزء الخامس السفر الخامس من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة تكملة أبواب جمّاع الغزوات جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ حرسها الله. غزوة حنين. جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ تَبُوكَ. جُمَّاعُ أَبْوَابِ وُفُودِ الْعَرَبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَجَّةَ الوداع.
المجلد الخامس
جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ [ (1) ] حَرَسَهَا اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] بَابُ نَقْضِ قُرَيْشٍ مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ [ (3) ] قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: [ (4) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا، قَالَا: كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ أَنَّهُ [ (5) ] مَنْ شَاءَ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنَوْ بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. [وَثَبُوا] [ (6) ] عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ لَيْلًا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: «الْوَتِيرُ» [ (7) ] قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَهَذَا اللَّيْلُ وَمَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانَوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، فَقَاتَلُوهُمْ مَعَهُ لِلطَّعْنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ عمر بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ما كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتَ شِعْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنشده إياها: [ (8) ] . اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا [ (9) ] كُنَّا وَالِدًا وَكُنْتَ وَلَدَا ... ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ الله يأتوا مددا [ (10) ]
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا [ (11) ] فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا [ (12) ] وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا ... وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَرْجُو أَحَدَا فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا ... قَدْ جَعَلُوا لِي بِكَدَاءَ مَرْصَدَا [ (13) ] هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... فَقَتَّلُونَا رُكَّعَا وَسُجَّدَا [ (14) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ» . فَمَا بَرِحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ عَنَانَةٌ [ (15) ] فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ، وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ، وَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُعْمِيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ [ (16) ] . زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ يَشُدُّ الْعَقْدَ وَيَزِيدُ فِي الْمُدَّةِ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، حَتَّى قَدِمُوا
علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَمُظَاهَرَةِ [ (17) ] بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، حَتَّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بِعُسْفَانَ قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَهُ فِي الْمُدَّةِ، وَقَدْ تَرَهَّبُوا لِلَّذِي صَنَعُوا، فَلَمَّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلًا قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَتَ يَا بُدَيْلُ؟ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سِرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السَّاحِلِ، وَفَى بَطْنِ هَذَا الْوَادِي، فَعَمَدَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَبْرَكِ راحلته، فأخذ من بعدها قُفَّتَهُ فَرَأَى فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلٌ مُحَمَّدًا. ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ: «أُمِّ حَبِيبَةَ» ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَتْهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْتِ بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ، أَوْ رَغِبْتِ بِهِ عَنِّي؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجِسٌ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ وَاللهِ لَقَدْ أَصَابَكِ شَيْءٌ بَعْدِي، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ، يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ، عُمَرُ: أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم! فو الله لَوْ لَمْ أَجِدْ لَكُمْ إِلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهَا حَسَنٌ غُلَامٌ يَدِبُّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّكَ أَمَسُّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا، وَأَقْرَبُهُمْ مِنِّي قَرَابَةً، وَقَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَلَا أَرْجِعَنَّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا، فَاشْفَعْ لِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، وَاللهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ، فَالْتَفَتَ إِلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ! هَلْ لَكِ أَنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكِ هَذَا فَيَجِيرُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا بَلَغَ بُنَيِّيَ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ
علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنِّي أَرَى الْأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ فَانْصَحْنِي، قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ، وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ الْحَقْ بِأَرْضِكَ، فَقَالَ: أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا، قَالَ: لَا، وَاللهِ مَا أَظُنُّهُ وَلَكِنْ لَا أَجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ. ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ، فَانْطَلَقَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا مَا وَرَاءَكَ، قَالَ: جِئْتُ محمدا فكلمته فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قحافة فو الله مَا وَجَدْتُ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ جِئْتُ عُمَرَ فَوَجَدْتُهُ أَعْدَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ جِئْتُ عَلِيًّا فَوَجَدْتُهُ أَلْيَنَ الْقَوْمِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ صنعته، فو الله مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي عَنِّي شَيْئًا أَمْ لَا؟ قَالُوا: بِمَاذَا أَمَرَكَ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ فَفَعَلْتُ فَقَالُوا: هَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لَا فَقَالُوا: وَيْحَكَ وَاللهِ إِنْ زَادَ الرَّجُلُ عَلَى أن لعبت بِكَ، فَمَا يُغْنِي عَنَّا مَا قُلْتَ فَقَالَ: لَا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا. الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي فَتْحِ مَكَّةَ، قَالَ [ (19) ] : ثُمَّ إِنَّ بَنِي نُفَاثَةَ مِنْ بَنِي الدِّئَلِ أَغَارُوا عَلَى بَنِي كَعْبٍ، وَهُمْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ بَنُو كَعْبٍ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ بَنُو نُفَاثَةَ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ، فَأَعَانَتْ بَنُو بَكْرٍ بَنِي نُفَاثَةَ، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ وَالرَّقِيقِ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ بَنُو مُدْلَجٍ، وَوَفَّوْا بِالْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بني الدّئل
رَجُلَانِ هُمَا سَيِّدَاهُمْ: سَلْمُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكُلْثُومُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ مِمَّنْ أَعَانَهُمْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ، وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو! فَأَغَارَتْ بَنُو الدِّئَلِ عَلَى بَنِي عَمْرٍو وَعَامَّتُهُمْ- زَعَمُوا نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وضعفاء الرجال- فالجؤهم، وَقَتَلُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ دَارَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «ارْجِعُوا فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ» وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَتَخَوَّفَ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْدُدِ الْعَقْدَ، وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِذَلِكَ قَدِمْتَ هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ قِبَلَكُمْ؟ قَالَ مَعَاذَ اللهِ نَحْنُ عَلَى عَهْدِنَا وَصُلْحِنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، لَا نُغَيِّرُ وَلَا نُبَدِّلُ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: جَدِّدِ الْعَقْدَ وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جِوَارِي فِي جِوَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ الذَّرَّ تُقَاتِلُكُمْ لَأَعَنْتُهَا عَلَيْكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كَانَ مِنْ حَلِفِنَا جَدِيدًا فَأَخْلَقَهُ اللهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُثْبَتًا [ (20) ] فَقَطَعَهُ اللهُ، وَمَا- كَانَ مِنْهُ- مَقْطُوعًا فَلَا وَصَلَهُ اللهُ، فَقَالَ- لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: جُزِيتَ مِنْ ذِي رَحِمٍ سُوءًا [ (21) ] ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ عُثْمَانُ: جِوَارِي فِي جِوَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ اتَّبَعَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارَ يُكَلِّمُهُمْ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: عَقْدُنَا فِي عَقْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا يَئِسَ مِمَّا عِنْدَهُمْ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهَا فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ، وَإِنَّمَا ذَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأْمُرِي أَحَدَ ابْنَيْكِ، قَالَتْ: إِنَّمَا هُمَا صَبِيَّانِ لَيْسَ مِثْلُهُمَا يُجِيرُ، قَالَ: فَكَلِّمِي عَلِيًّا، قَالَتْ: أَنْتَ فَكَلِّمْهُ، فَكَلَّمَ عَلِيًّا، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَفْتَاتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِجِوَارٍ، وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ
وَأَكْبَرُهَا وَأَمْنَعُهَا، فَأَجِرْ بَيْنَ عَشِيرَتِكَ، قَالَ: صَدَقْتَ وَأَنَا كَذَلِكَ، فَخَرَجَ فَصَاحَ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا وَاللهِ لَا أَظُنُّ أَنْ يَخْفِرَنِي أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا وَاللهِ مَا أَظُنُّ أَنْ يَخْفِرَنِي أَحَدٌ وَلَا يُرَدُّ جِوَارِي، فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى ذَلِكَ فَزَعَمُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أَدْبَرَ أَبُو سُفْيَانَ: «اللهُمَّ خُذْ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَلَا يَرَوْنَا إِلَّا بَغْتَةً وَلَا يَسْمَعُونَ بِنَا إلا فجأة» . وقد أَبُو سُفْيَانَ مَكَّةَ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: مَا وَرَاءَكَ؟ هَلْ جِئْتَ بِكِتَابٍ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ عَهْدِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ لَقَدْ أَبَى عَلَيَّ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ أَصْحَابَهُ فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا لِمَلِكٍ عَلَيْهِمْ أَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ قَالَ لِي: لِمَ تَلْتَمِسُ جِوَارَ النَّاسِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَلَا تُجِيرُ أَنْتَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِكَ وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَأَكْبَرُهَا وَأَحَقُّهَا أَنْ لَا يُخْفَرَ جِوَارُهُ، فَقُمْتُ بِالْجِوَارِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَذَكَرْتُ لَهُ أَنْ قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقُلْتُ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَخْفِرَنِي، فَقَالَ: أَنْتَ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: رَضِيتَ بِغَيْرِ رِضًا وَجِئْتَنَا بِمَا لَا يُغْنِي عَنَّا وَلَا عَنْكَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَعِبَ بِكَ عليّ لعمر اللهِ مَا جِوَارُكَ بِجَائِرٍ، وَإِنَّ إِخْفَارَكَ عَلَيْهِمْ لَهَيِّنٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَحَدَّثَهَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ: فَتَحَ اللهُ مِنْ وَافِدِ قَوْمٍ فَمَا جِئْتَ بِخَيْرٍ، وَرَأَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَابًا فَقَالَ: إِنَّ هَذَا السَّحَابَ لَيَنْصَبُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ أَعْذَرَ فِي الْجِهَازِ، وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُجَهِّزَهَ وَتُخْفِيَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى بَعْضِ حَاجَاتِهِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا حِنْطَةً تُنْسَفُ، أَوْ تُنَقَّى، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ لِمَاذَا تَصْنَعِينَ هَذَا الطَّعَامَ؟ فَسَكَتَتْ، فَقَالَ أَيُرِيدُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَ؟ فَصَمَتَتْ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ
يُرِيدُ بَنِي الْأَصْفَرِ- وَهُمُ الرُّومُ- فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا فِيهِ مِنْهُمْ بَعْضُ الْمَكْرُوهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَصَمَتَتْ، قَالَ: [فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَهْلَ نَجْدٍ فَذَكَرَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَصَمَتَتْ] [ (22) ] قَالَ: فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ قُرَيْشًا وَإِنَّ لَهُمْ مُدَّةً فَصَمَتَتْ قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ مَخْرَجًا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ بَنِي الْأَصْفَرِ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَتُرِيدُ أَهْلَ نَجْدٍ، قَالَ: لَا قَالَ: فلعل تُرِيدُ قُرَيْشًا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ، وَأَذَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، وكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ وَأَطْلَعَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى الْكِتَابِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُغَرْبِلُ حِنْطَةً لَهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بِالْجِهَازِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ فَتَجَهَّزْ، فَقَالَ: وَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَتْ: مَا سَمَّى لَنَا شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالْجِهَازِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَازِ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهِّزُوهُ، وَأَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى مَكَّةَ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ شِعْرَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي نَقْضِ قُرَيْشٍ عَهْدَهُمْ [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو [ (25) ] ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَتْ خُزَاعَةُ: اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يأتوا مددا
باب ما جاء في كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بغزو النبي [1] صلى الله عليه وسلم واطلاع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك وإجابته دعوته بتعمية خبره على قريش حتى بغتهم في بلادهم بغتة [2]
بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِطْلَاعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه وسلم على ذَلِكَ وَإِجَابَتِهِ دَعْوَتَهُ بِتَعْمِيَةِ خَبَرِهِ عَلَى قُرَيْشٍ حَتَّى بَغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ بَغْتَةً [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ السَّيْرِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، وَخَرَجَتْ بِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ [ (3) ] فَقَالَ: أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبٌ كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ يحَذِّرُهُمْ مَا قَدِ اجْتَمَعْنَا لَهُ فِي أَمَرِهِمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، - رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو] [ (5) ] عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبي رافع، وَهُوَ كَاتِبٌ لِعَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ. (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن حسن
ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رافع وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أنا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [ (6) ] فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً [ (7) ] مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. [قَالَتْ: مَا مَعِيَ كِتَابٌ، قُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ] [ (8) ] أَوْ لتلقين الثياب فأخرجت مِنْ عِقَاصِهَا [ (9) ] فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا [ (10) ] فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ وَلَمْ تَكُنْ لِي قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ [ (11) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ قَالَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الْآيَةَ [ (12) ] ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَا أَدْرِي: أَذَاكَ فِي الْحَدِيثِ، أَمْ قَوْلٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ [ (13) ] رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (14) ] عنه.
باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة الفتح [1] واستخلافه على المدينة، ووقت خروجه منها ودخوله مكة وصومه وفطره في مسيره
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ الْفَتْحِ [ (1) ] وَاسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَوَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَدُخُولِهِ مَكَّةَ وَصَوْمِهِ وَفِطْرِهِ فِي مَسِيرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسلم بن
شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيَّ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَامَ النَّاسُ [ (2) ] مَعَهُ حَتَّى أَتَى الْكَدِيدَ [ (3) ] مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ [ (4) ] وَأَمَجَ [ (5) ] أَفْطَرَ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى مَكَّةَ مُفْطِرًا، فَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ وَأَنَّهُ نُسِخَ مَا كَانَ قَبْلَهُ [ (6) ] . هَكَذَا ذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَوْلَهُ: فَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَدْ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: خَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سنة
ثَمَانٍ [ (7) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ لَا أَدْرِي أَخَرَجَ فِي ليالي مِنْ شَعْبَانَ، فَاسْتَقْبَلَ رَمَضَانَ، أَوْ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا دَخَلَ، غَيْرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْصَرَفَ [ (8) ] الشَّهْرُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، [ (9) ] عَنِ اللَّيْثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ عَلَى رأس ثمان سنين ونصف مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بمن
مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ [ (10) ] وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَلَمْ يَصُومُوا مِنْ بَقِيَّةِ رَمَضَانَ شَيْئًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْآخِرُ فَالْآخِرُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (11) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ دُونَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ في دخوله مكة [ (12) ] .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ لِبِضْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ [ (13) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ فَذَكَرَهُ وَأَدْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ. حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْفَتْحُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَكَانَ الْفَتْحُ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ. وَهَذَا الْإِدْرَاجُ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم غزوة
الْفَتْحِ: فَتْحِ مَكَّةَ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ، وَمَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفِ سَنَةٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَافْتَتَحَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ [ (14) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ ابن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنُ أَبِي بكر، وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي [عَشْرٍ] [ (15) ] بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ: أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّبَرَانِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي الْيَمَانِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: آذَنَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحِيلِ عَامَ الْفَتْحِ فِي لَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صُوَّامًا حَتَّى بَلَغْنَا الْكَدِيدَ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفِطْرِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ شَرْجَيْنِ مِنْهُمُ الصَّائِمُ وَالْمُفْطِرُ، حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا الْمَنْزِلَ الَّذِي نَلْقَى الْعَدُوَّ فِيهِ أَمَرَنَا بالفطر فأفطرنا أجمعون [ (17) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محرز، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ صَائِمًا حَتَّى أَتَى كُرَاعَ الْغَمِيمِ، والنَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاةً وَرُكْبَانًا، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ كَيْفَ فَعَلْتَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَرَفَعَهُ وَشَرِبَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. فَصَامَ بَعْضُ النَّاسِ، وَأَفْطَرَ بَعْضٌ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّ [بَعْضَهُمْ] [ (18) ] . صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» [ (19) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ [ (20) ] . وَفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَمَا حَلَّ عُقْدَةً حَتَّى انْتَهَى إِلَى الصُّلْصُلِ [ (21) ] وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوَا الْإِبِلَ وَكَانُوا عَشَرَةَ آلاف [ (22) ] .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ مِنْ أَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ .
باب إسلام أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة وما جاء فيه [وفي] غيره في مسيره
بَابُ إِسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَمَا جَاءَ فِيهِ [وَفِي] غَيْرِهِ فِي مَسِيرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عشرة آلاف من المسلمين، فَسَبَّعَتْ [ (1) ] سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ، وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المهاجرون وَالْأَنْصَارَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ صَانِعٌ. وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِثَنِيَّةِ الْعُقَابِ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا: أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ، فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بن
الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ: لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ [ (2) ] لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أظلم ليله ... فهذا أواتي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي [ (3) ] هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ [ (4) ] أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ [ (5) ] هُمُ مَا هُمُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهِمُ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدِ [ (6) ] أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ [ (7) ] فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَكُمْ ... وَقُلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ: غِيْرِي وَأَوْعِدِي [ (8) ] فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَلَا كَانَ عَنْ جَرْيٍ لِسَانِي وَلَا يَدِي قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدُدِ قَالَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ومن طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مطرّد [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ أَهْلُ مُؤْتَةَ، وَرَجَعُوا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّسْيرِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ بِالْعَقَبَةِ وَأَرْسَلَ الْجُنَاةَ يَجْتَنُونَ الْكَبَاثَ [ (10) ] فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ثَمَرُ الْأَرَاكِ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَنْ يَجْتَنِي فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ حَبَّةً طَيِّبَةً قَذَفَهَا فِي فِيهِ، وَكَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى دِقَّةِ سَاقَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَرْقَى فِي الشَّجَرَةِ فَيَضْحَكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «تَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فو الذي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ [ (11) ] مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا اجْتَنَى مِنْ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ وَخِيَارُهُ فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهْ ... إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهْ [ (12) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ» قَالُوا: كُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ، قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَاهَا» ، وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رمضان.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ مُخْتَصَرًا لَمْ يَذْكُرِ التَّارِيخَ فيه [ (13) ] .
باب نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وما جرى في أخذ أبي سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء وإسلامهم وعقد الأمان لأهل مكة بما شرط ودخوله مع المسلمين مكة وتصديق الله تعالى ما وعد رسوله صلى الله عليه وسلم
بَابُ نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَمَا جَرَى فِي أَخْذِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء وَإِسْلَامِهِمْ وَعَقْدِ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا شَرَطَ وَدُخُولِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَكَّةَ وَتَصْدِيقِ اللهِ تَعَالَى مَا وَعَدَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا، أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَبُو سُفْيَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْفَضْلِ انْصَرِفْ بِضَيْفِكَ اللَّيْلَةَ إِلَى أَهْلِكَ وَاغْدُ بِهِ» ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الشَّرَفَ وَالذِّكْرَ فَأَعْطِهِ شَيْئًا يَتَشَرَّفُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَمَا تَسَعُ دَارِي؟ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ: وَمَا تَسَعُ الْكَعْبَةُ فَقَالَ: من دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ: وَمَا يَسَعُ الْمَسْجِدُ فَقَالَ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ هَذِهِ وَاسِعَةٌ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ! [ (3) ] وَاللهِ لَإِنْ بَغَتَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِلَادِهَا فَدَخَلَ عَنْوَةً [ (4) ] مَكَّةَ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدهر، فجلس على
بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، وَقَالَ: أَخْرُجُ إِلَى الْأَرَاكِ لَعَلِّي أَرَى حَطَّابًا أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ دَاخِلًا يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، فخرجت فو الله إِنِّي لَأَطُوفُ بِالْأَرَاكِ أَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَقَدْ خَرَجُوا يَتَحَسَّبُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا، فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَذِهِ وَاللهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا [ (5) ] الْحَرْبُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَلْأَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَذَلُّ، فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! وَهُوَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: أَبَا الْفَضْلِ! فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: لَبَّيْكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فَمَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَقَدْ دَلَفَ إِلَيْكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ فَقُلْتُ. تَرْكَبُ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ لَئِنْ [ (6) ] ظَفَرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَرَدَفَنِي، فَخَرَجْتُ أَرْكُضُ بِهِ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرُوا إِلَيَّ قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ فَرَآهُ خَلْفِي، فَقَالَ عُمَرُ: أَبُو سُفْيَانَ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، ثُمَّ اشْتَدَّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ حَتَّى اقْتَحَمْتُ عَلَى بَابِ الْقُبَّةِ وَسَبَقْتُ عُمَرَ بِمَا تَسْبِقُ بِهِ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ، وَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللهِ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ وَقُلْتُ: وَاللهِ لَا ينَاجِيهِ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ فِيهِ عُمَرُ، قُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ، فو الله لَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْلًا يَا عَبَّاسُ، فو الله لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (7) ] : «اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ أَمَّنَّاهُ حتى تغدوا عَلَيَّ بِهِ بِالْغَدَاةِ» ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ- أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» ، [فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ] [ (8) ] وَاللهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَوَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ» ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ، أَمَا وَاللهِ هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْئًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: فَقُلْتُ: وَيْلَكَ تَشَهَّدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَبْلَ وَاللهِ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ، فَتَشَهَّدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ حِينَ تَشَهَّدَ أَبُو سُفْيَانَ: «انْصَرِفْ بِهِ يَا عَبَّاسُ فَاحْبِسْهُ عِنْدَ خَطْمِ [ (9) ] الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي حِينَ تَمُرُّ عَلَيْهِ جُنُودُ اللهِ» . فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا يَكُونُ لَهُ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتُهُ عِنْدِ خَطْمِ الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي فمرّت عليه
الْقَبَائِلُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَأَقُولُ سُلَيْمٌ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِسُلَيْمٍ، وَتَمُرُّ بِهِ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: أَسْلَمُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِأَسْلَمَ، وَتَمُرُّ جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ: مِنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِجُهُيْنَةَ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْحَدِيدِ لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا. قُلْتُ: الْحَقِ الْآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ، فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ [ (10) ] يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَقَالُوا: فَمَهْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ. [قَالُوا وَيْحَكَ وَمَا دَارُكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا قَالَ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ هُوَ آمِنٌ] [ (11) ] وَمَنْ غَلَّقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَمَّا أَيُّوبُ فَإِنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ وَلَمْ يَسُقْ شَيْخُنَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي عَقْدِ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا قَالَ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ سَائِرِ أَهْلِ الْمَغَازِي مِنْهَا [ (12) ] . مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَغِفَارٍ، وَأَسْلَمَ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ، وَقَادُوا الْخُيُولَ حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَلَمْ تَعْلَمْ بِهِمْ قُرَيْشٌ، وَبَعَثُوا أَبَا سفيان وحكيم بْنَ حِزَامٍ فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْأَرَاكِ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ عِشَاءً، وَإِذَا الْفَسَاطِيطُ وَالْعَسْكَرُ وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، وَفَزِعُوا مِنْهُ، وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ بَنُو كَعْبٍ حَاشَتْهَا الْحَرْبُ، قَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مَا بَلَغَ تَأْلِيبُهَا هَذَا أَفَتَنْجَعُ هَوَازِنُ أَرْضَنَا، وَاللهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَيْضًا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلًا تَقْبِضُ الْعُيونَ وَخُزَاعَةُ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَمْضِي، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَتْهُمُ الْخَيْلَ تَحْتَ اللَّيْلِ وَأَتَوْا بِهِمْ خَائِفِينَ لِلْقَتْلِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَوَجَأَ عُنُقَهُ وَالْتَزَمَهُ الْقَوْمُ وَخَرَجُوا بِهِ لِيَدْخُلُوا بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَبَسَهُ الْحَرَسُ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَخَافَ الْقَتْلَ، وَكَانَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً [ (13) ] لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فنادى بأعلا صَوْتِهِ: أَلَا تَأْمُرُ بِي إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَدَفَعَ عَنْهُ وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنْ يُقَيِّضَهُ إِلَيْهِ، وَفَشَا فِي الْقَوْمِ مَكَانُهُ أَنَّهُ عِنْدَ عَبَّاسٍ، فَرَكِبَ بِهِ عَبَّاسٌ تَحْتَ اللَّيْلِ وَسَارَ بِهِ فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ حَتَّى أَبْصُرُوهُ أَجْمَعَ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَجَأَ عُنُقَهُ: وَاللهِ لا تدنوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمُوتَ، فَاسْتَغَاثَ بِعَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنِّي مَقْتُولٌ، فَمَنَعَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَنْتَهِبُوهُ، فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ الْجَيْشِ، وَطَاعَتَهُمْ، قَالَ: لَمْ أَرْ كَاللَّيْلَةِ جَمْعًا لقوم.
فخلّصن عَبَّاسٌ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ، إِنْ لَمْ تُسْلِمْ وَتَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِهِ عَبَّاسٌ، فَلَا يَنْطَلِقُ بِهِ لِسَانُهُ، فَبَاتَ مَعَ عَبَّاسٍ. وَأَمَّا حَكِيمُ بْنُ حزام، وبديل بْنُ وَرْقَاءَ فَدَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْتَخْبِرُهُمَا عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فما نُودِيَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَحَشْحَشَ الْقَوْمُ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ! مَاذَا يُرِيدُونَ؟ فَقَالَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ، فيسّروا بِحُضُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ بِهِ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ يَمُرُّونَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَبْصَرَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا فَعَلُوهُ قَالَ لَهُ عَبَّاسٌ لَوْ نَهَاهُمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَأَطَاعُوهُ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ فَكَلِّمْهُ فِي قَوْمِكَ هَلْ عِنْدَهُ مِنْ عَفْوٍ عَنْهُمْ، فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدِ اسْتَنْصَرْتُ إِلَهِي وَاسْتَنْصَرْتَ إِلَهِكَ فو الله مَا لَقِيتُكَ مَرَّةً إِلَّا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كَانَ إلهي محقا وإلهك مُبْطِلًا لَظَهَرْتُ عَلَيْكَ، فَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ عَبَّاسٌ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي إِلَى قَوْمِكَ فَأُنْذِرَهُمْ وَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ عَبَّاسٌ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ؟ بَيِّنْ لِي مِنْ ذَلِكَ أَمْنًا يَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهِ، قَالَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَقُولُ لَهُمْ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّنَا وَأُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ مَعِي وَقَدْ خَصَصْتَهُ بِمَعْرُوفٍ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَدَارُ أَبِي سفيان بأعلا مَكَّةَ، وَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دار حكيم ابن حِزَامٍ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَدَارُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ. وَحَمَلَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَبَّاسًا عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ بْنُ
خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ، فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ أَرْدَفَهُ فَلَمَّا سَارَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَقْفِ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمَضِيقِ دُونَ الْأَرَاكِ حَتَّى مَرَّتْ بِهِ الْخَيْلُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ وُجُوهًا كَثِيرَةً لَا يَعْرِفُهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرْتَ أَوْ كَثَّرْتَ هَذِهِ الْوُجُوهُ عَلَيَّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَقَوْمُكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ صَدَّقُونِي إِذْ كَذَّبْتُمُونِي، وَنَصَرُونِي إِذْ أَخْرَجْتُمُونِي، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةْ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةْ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه بَعْضَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ. الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةْ ... الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةْ فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: مَا قَالَ: قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أبيه، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَقَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ إبن مُطْعِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟ قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَذَا أو دخل
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ كَذَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل ابن مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم ابن عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ: مِنْ أَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَادُوا الْخُيُولَ، فَأَخْفَى الله عَزَّ وَجَلَّ مَسِيرَهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَمَعَهُمَا بديل ابن وَرْقَاءَ، فَلَمَّا طَلَعُوا عَلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ بَلَغُوا الْأَرَاكَ، وَذَلِكَ عِشَاءً رَأَوُا النِّيرَانَ وَالْفَسَاطِيطَ وَالْعَسْكَرَ، وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ، فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذِهِ بَنُو كَعْبٍ حَشَّتْهَا الْحَرْبُ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، قَالُوا: فَلَعَلَّهُمْ هَوَازِنُ انْتَجَعُوا الْغَيْثَ بِأَرْضِنَا وَلَا وَاللهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَيْضًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى أَخَذَهُمْ نَفَرٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ عُيُونًا لَهُ بِخَطِيمِ أَبْعِرَتِهِمْ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ، قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وأصحابه، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَلْ سَمِعْتُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْجَيْشِ نَزَلُوا عَلَى أَكْبَادِ قَوْمٍ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِمْ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهِمُ الْعَسْكَرُ لَقِيَهُمْ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَجَارَهُمْ وَقَالَ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَعَشِيرَتُكَ، هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ فَادْخِلُوا [عَلَيْهِ
فَأَسْلَمُوا فَدَخَلُوا] [ (15) ] عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَمَكَثُوا عِنْدَهُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُحَادِثُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُمُ: اشْهَدُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَشَهِدُوا، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَشَهِدَ حَكِيمٌ، وَبُدَيْلٌ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ فَلَمَّا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ ثَارَ النَّاسُ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: مَاذَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: الصَّلَاةَ وَرَأَى أَبُو سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ [ (16) ] يَتَلَقَّوْنَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ مُلْكًا قَطُّ كَاللَّيْلَةِ وَلَا مُلْكَ كِسْرَى، وَلَا مُلْكَ قَيْصَرَ، وَلَا مُلْكَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَسَأَلَ أَبُو سُفْيَانَ الْعَبَّاسَ أَنْ يُدْخِلَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْخَلَهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمَّدُ قَدِ اسْتَنْصَرْتُ آلِهَتِي، واستنصرت إلهك فو الله مَا لَقِيتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كان إلهي محقا وإلهك مُبْطِلًا، لَقَدْ غَلَبْتُكَ فَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَجِئْتَ بِأَوْبَاشِ [ (17) ] النَّاسِ مَنْ يُعْرَفُ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ إِلَى أَصْلِكَ وَعَشِيرَتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ أَظْلَمُ وَأَفْجَرُ، قَدْ غَدَرْتُمْ بِعَقْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَظَاهَرْتُمْ عَلَى بَنِي كَعْبٍ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي حَرَمِ اللهِ وَأَمْنِهِ، فَقَالَ بُدَيْلٌ: قَدْ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ غَدَرُوا بِنَا وَاللهِ لَوْ أَنَّ قُرَيْشًا خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا مَا نَالُوا مِنَّا الَّذِي نَالُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ قَدْ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ حَقِيقًا أَنْ تَجْعَلَ عِدَّتَكَ وَكَيْدَكَ لِهَوَازِنَ، فَإِنَّهُمْ أَبْعَدُ رَحِمًا وَأَشَدُّ عَدَاوَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْمَعَهُمَا لِي رَبِّي: فَتْحَ مَكَّةَ، وَإِعْزَازَ الْمُسْلِمِينَ [ (18) ] بِهَا وَهَزِيمَةَ هَوَازِنَ، وَغَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ لَنَا [ (19) ] بِالْأَمَانِ، أَرَأَيْتَ إِنِ اعْتَزَلَتْ قُرَيْشٌ فَكَفَّتْ أَيْدِيَهَا آمِنُونَ هُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، مَنْ كَفَّ يَدَهُ وَأَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ
آمِنٌ، قَالُوا: فَابْعَثْنَا نُؤْذِنُ بِذَلِكَ فِيهِمْ: قَالَ: انْطَلِقُوا فَمَنْ دَخَلَ دَارَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ وَدَارَكَ يَا حَكِيمُ، وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَدَارُ أَبِي سُفْيَانَ بأعلا مَكَّةَ، وَدَارُ حَكِيمٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا تَوَجَّهَا ذَاهِبَيْنِ، قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي لَا آمَنُ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَيَكْفُرَ فَارْدُدْهُ حَتَّى نَقِفَهُ فَيَرَى جُنُودَ اللهِ مَعَكَ، فَأَدْرَكَهُ عَبَّاسٌ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَغَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: سَتَعْلَمُ أَنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ وَلَكِنْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، فَأَصْبِحْ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى جُنُودِ اللهِ وَإِلَى مَا عَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ فَحَبَسَهُمْ بِالْمَضِيقِ دُونَ الْأَرَاكِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى أَصْبَحُوا وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى لِتُصْبِحْ كُلُّ قَبِيلَةٍ قَدِ ارْتَحَلَتْ وَوَقَفَتْ مَعَ صَاحِبِهَا عِنْدَ رَايَتِهِ وَتُظْهِرْ مَا مَعَهَا مِنَ الْأَدَاةَ وَالْعُدَّةِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ عَلَى ظَهْرٍ وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَتَائِبُ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ أَفِي هَذِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قُضَاعَةُ، ثُمَّ مَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، فَرَأَى أَمْرًا عَظِيمًا رَعَّبَهُ اللهُ بِهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَخَيْلِهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَأَعْطَاهُ رَايَتَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَهَا بِالْحَجُونِ وَلَا يَبْرَحُ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَهَا حَتَّى يَأْتِيَهُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِيمَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ قُضَاعَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ وَنَاسًا أَسْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَ رَايَتَهُ عِنْدَ أَدْنَى الْبُيُوتِ، وَبِأَسْفَلِ مَكَّةَ: بَنُو بَكْرٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَهُذَيْلٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَحَابِيشِ قَدِ اسْتَنْصَرَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَكُونُوا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي كَتِيبَةِ الْأَنْصَارِ فِي مُقَدِّمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعَ سَعْدٌ رَايَتَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَلَا يقَاتِلُونَ أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ، وَابْنُ خطل، ومقيس بن صبابة أَحَدِ بَنِي لَيْثٍ وَهُوَ مِنْ كَلْبِ بْنِ عَوْفٍ وَأَمَرَ بِقَتْلِ قَيْنَتَيْنِ لِابْنِ خَطَلٍ كَانَتَا
تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (20) ] ، فَمَرَّتِ الْكَتَائِبُ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا عَلَى أَبِي
سُفْيَانَ وَحَكِيمٍ وَبُدَيْلٍ لَا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ كَتِيبَةٌ إِلَّا سَأَلُوا عَنْهَا حَتَّى مَرَّتْ عَلَيْهِمْ كَتِيبَةُ الْأَنْصَارِ فِيهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَنَادَى سَعْدٌ أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ:.
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةُ فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ فِي الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَ بِقَوْمِكَ أَنْ يُقْتَلُوا، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ مَرُّوا بِي نَادَانِي سعاد فَقَالَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةُ وَإِنِّي أُنَاشِدُكَ اللهَ فِي قَوْمِكَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَعَزَلَهُ، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ مَكَانَهُ عَلَى الْأَنْصَارِ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ، فَسَارَ الزُّبَيْرُ بِالنَّاسِ حَتَّى وَقَفَ بِالْحَجُونِ وَغَرَزَ بِهَا رَايَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَانْدَفَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ فَلَقِيَتْهُ بَنُو بَكْرٍ فَقَاتَلُوهُ فَهُزِمُوا، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَمِنْ هُذَيْلٍ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَانْهَزَمُوا وَقُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ حَتَّى بَلَغَ قَتَلُهُمْ بَابَ الْمَسْجِدِ، وَفَرَّ بَعْضُهُمْ حَتَّى دَخَلُوا الدُّورَ، وَارْتَفَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى الْجِبَالِ، وَأَتْبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسُّيُوفِ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأُخْرَيَاتِ النَّاسِ، وَصَاحَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ: مَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ، وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَتْ لَهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ- وَهِيَ امْرَأَتُهُ- قَبَّحَكَ اللهُ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ، وَقَبَّحَ عَشِيرَتَكَ مَعَكَ، وَأَخَذَتْ بِلِحْيَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَنَادَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الْأَحْمَقَ هَلَّا قَاتَلْتُمْ وَدَفَعْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَبِلَادِكُمْ فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَانَ: وَيْحَكِ اسْكُتِي، وَادْخُلِي بَيْتَكِ فَإِنَّهُ جَاءَنَا بِالْخَلْقِ، وَلَمَّا عَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَنِيَّةَ كَدَاءٍ نَظَرَ إِلَى الْبَارِقَةِ عَلَى الْجَبَلِ مَعَ فَضَضِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ وَقَدْ نَهَيْتُ عَنِ الْقِتَالِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: نَظُنُّ أَنَّ خَالِدًا قُوتِلَ وَبُدِئَ بِالْقِتَالِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَمَا كَانَ يَا رَسُولَ اللهِ لِيَعْصِيَكَ وَلَا يُخَالِفَ أَمْرَكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنِيَّةِ فَأَجَازَ عَلَى الْحَجُونِ، فَانْدَفَعَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَجُرِحَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ [ (21) ] أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَحُبَيْشُ بْنُ خَالِدٍ وَخَالِدٌ يُدْعَى الْأَشْعَرَ [ (22) ] وَهُوَ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ فِي قَتْلِ النَّفِيرِ أَنْ يُقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَكَانَ قَدِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ كَافِرًا فَاخْتَبَأَ [ (23) ] حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّاسُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُرِيدُ أَنْ يُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ لِيَقُومَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَشْعُرُوا بِالَّذِي كَانَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: لَوْ أَشَرْتَ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: أَجَارَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَقُتِلَتْ إِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ وَكُتِمَتِ الْأُخْرَى حَتَّى اسْتُؤْمِنَ لَهَا. وَدَخَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ زَعَمُوا بِمِحْجَنٍ، وَكَثُرَ النَّاسُ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَاسْتَكَفَّ [ (24) ] الْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ نَزَلَ، وَأُخْرِجَتِ الرَّاحِلَةُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى زَمْزَمَ فَاطَّلَعَ فِيهَا وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ تُغْلَبَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى سِقَايَتِهِمْ لَنَزَعْتُ مِنْهَا بِيَدِي [دَلْوًا] [ (25) ] » ثُمَّ انْصَرَفَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنَ الْمَقَامِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ الْمَقَامُ- زعموا-
لَاصِقًا بِالْكَعْبَةِ. فَأَخَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَانَهُ هَذَا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بسحل مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ، وَتَوَضَّأَ وَالْمُسْلِمُونَ يَبْتَدِرُونَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّونَهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَالْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ يَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا مُلْكًا قَطُّ بَلَغَ هَذَا وَلَا سَمِعْنَا بِهِ. وَمَرَّ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَامِدًا لِلْبَحْرِ، وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ هَرَبَ فَارًّا نَحْوَ الْبَحْرِ، وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ، فَأَرْسِلْنِي إِلَيْهِ بِأَمَانٍ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّكَ قَدْ أَمَّنْتَ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْرِكِ ابْنَ عَمِّكَ فَهُوَ آمِنٌ، فَطَلَبَهُ عُمَيْرٌ فَأَدْرَكَهُ، فَقَالَ: قَدْ أَمَّنَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ لَا وَاللهِ لأقر لَكَ حَتَّى أَرَى عَلَامَةً بِأَمَانٍ أَعْرِفُهَا، فَقَالَ عُمَيْرٌ: امْكُثْ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ بِهَا، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ صَفْوَانَ أَبَى أَنْ يُوقِنَ لِي حَتَّى يَرَى مِنْكَ آيَةً يَعْرِفُهَا، فَانْتَزَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بُرْدَ حَبَرَةٍ كَانَ مُعْتَجِرًا بِهَا حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، فَدَفَعَهُ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَمَّا رَأَى صَفْوَانُ الْبُرْدَ أَيْقَنَ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ وَأَقْبَلَ مَعَ عُمَيْرٍ حَتَّى دَخَلَ [ (26) ] الْمَسْجِدَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَعْطَيْتَنِي مَا يَقُولُ هَذَا مِنَ الْأَمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اجْعَلْ لِي شَهْرًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ لَكَ شَهْرَانِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَكَ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم صَفْوَانَ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَمَّنْتَنِي كَمَا قَالَ هَذَا إِنْ رَضِيتَ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْزَلَ أَبَا وَهْبٍ، قَالَ: لَا وَاللهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي، قَالَ: فَلَكَ تسير اربعة أشهر [ (27) ] .
وَأَقْبَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ يَوْمَئِذٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا، وَأَمَّنَهُ فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ مِنْ عَكٍّ، فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ لَهَا، وَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِكْرِمَةَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عليه ردأ حَتَّى بَايَعَهُ وَأَدْرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ بِتِهَامَةَ، فَأَقْبَلَ مَعَهَا وَأَسْلَمَ وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ حِينَ هُزِمَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَارًّا فَلَامَتْهُ وَعَجَّزَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ: وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانٌ وَفَرَّ عِكْرِمَةْ وَلَحِقَتْنَا بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ ... يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أدنى كلمه
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَهَا حِمَاسٌ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ [ (28) ] . قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: لِمَ قَاتَلْتَ وَقَدْ نهيتك عَنِ الْقِتَالِ؟ فَقَالَ هُمْ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ، وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاحَ وَأَشْعَرُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَدْ كَفَفْتُ يَدِي مَا اسْتَطَعْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ. قَالَ وَكَانَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَالْفَتْحُ فِي رَمَضَانَ سَنَةِ ثَمَانٍ. وَيُقَالُ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ أُرَانِي فِي الْمَنَامِ وَأَرَاكَ دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ، فَخَرَجَتْ إِلَيْنَا كَلْبَةٌ تَهِرُّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهَا اسْتَلْقَتْ عَلَى ظَهْرِهَا فَإِذَا هِيَ تَشْخَبُ لَبَنًا، فَقَالَ: ذَهَبَ كَلْبُهُمْ، وَأَقْبَلَ دَرُّهُمْ، وَهُمْ سَائِلُوكُمْ بِأَرْحَامِكُمْ، وَإِنَّكُمْ لَاقُونَ بَعْضَهُمْ، فَإِنْ لَقِيتُمْ أَبَا سُفْيَانَ فَلَا تَقْتُلُوهُ، فَلَقُوا أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمًا بِمَرٍّ، وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الشِّعْرَ فِي مَخْرَجِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ: عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ [ (29) ] يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْفِيَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [ (30) ]
فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ [ (31) ] وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... يُعِينُ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ [ (32) ] وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [ (33) ] هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ [ (34) ] فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ [ (35) ] ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وبحري لا تكيّده الدِّلَاءُ قَالَ: فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ. قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَانَ نَازِلًا بِذِي طُوًى، فَقَالَ: كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَالَ. عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ فَأَمَرَهُمْ فَأَدْخَلُوا الْخَيْلَ مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ [ (36) ] . أَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابو
عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَى قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي رُؤْيَاهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ مَا بَعْدَهَا، وَزَادَ فِي فِرَارِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [ (37) ] فَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بِتِهَامَةَ وَقَدْ كَانَ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَحَدٌ يَدْعُو شَيْئًا إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ. وَاللهِ لَئِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَحْدَهُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ، أُقْسِمُ بِاللهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ، مَعَ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الْقِيَامِ لَهُ. وَتَمَامُ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ [ (38) ] ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ، فَلَمْ يَرْضَ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ [عَلَيْهِ] قال: قد آن
لَكُمْ [ (39) ] أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [ (40) ] ، ثُمَّ أَدْلَعَ [ (41) ] لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِهِ فَرْيَ الْأَدِيمِ [ (42) ] ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يَخْلُصَ [ (43) ] لَكَ نَسَبِي فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أُخْلِصَ لَكَ نَسَبُكَ فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ. وقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى [ (44) ] . قال حسان: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الوفاء [ (45) ]
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي [ (46) ] ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ [ (47) ] ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي [ (48) ] إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ [ (49) ] مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ [ (50) ] وَأَظُنُّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ مُوعِدُهَا كَدَاءُ. يُبَارِينَ الْأَسِنَّةَ مُشْرَعَاتٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ صَالِحٍ. يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ [ (51) ] مُصْعِدَاتٍ [ (52) ] ... عَلَى أكتافها الأسل الظّماء [ (53) ]
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ [ (54) ] ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [ (55) ] فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا [ (56) ] ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ ... يَوْمٍ يُعِزُّ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ اللهُ قَدْ أَرْسَلْتَ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا [ (57) ] ... هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ [ (58) ] تُلَاقِي مِنْ مَعَدٍّ كُلَّ يَوْمٍ ... سِبَابٌ أَوْ قتال أو هجاء
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ: لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ [ (59) ] ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [ (60) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سعد [ (61) ] .
باب ما قالت الأنصار حين أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة بما اشترط، واطلاع الله جل ثناؤه رسوله عليه السلام على ما قالوا.
بَابُ مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ بِمَا اشْتَرَطَ، وَإِطْلَاعُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا قَالُوا. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ. وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ [ (1) ] ، وَمَعَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضِنَا الطَّعَامَ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يَصْنَعُ لَنَا، فَيُكْثِرُ فَيَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتُ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى رَحْلِي فَفَعَلْتُ وَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْعَشِيِّ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ فَقَالَ: سَبَقْتَنِي يَا أَخَا الْأَنْصَارِ فَدَعَوْتُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَعِنْدِي إِذْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ أَنْصَارِيًّا [قَالَ] [ (2) ] فَذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، وقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ [ (3) ] وَبَعَثَ زُبَيْرًا عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ [ (4) ] ، ثُمَّ رَآنِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فقلت: لبيك وسعديك
رَسُولَ اللهِ قَالَ: اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا تَأْتِينِي إِلَّا بِأَنْصَارِيٍّ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا قُرَيْشًا وَأَوْبَاشَهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يُرِيدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَخَذُوهُ [ (5) ] قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، فَهُوَ آمِنٌ، فَأَلْقَى النَّاسُ سِلَاحَهُمْ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَ وَمَعَهُ الْقَوْسُ آخِذٌ بِسِيَتِهَا [ (6) ] فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوَقًا» . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الصَّفَا فَعَلَا مِنْهُ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُوهُ وَالْأَنْصَارُ عِنْدَهُ يَقُولُونَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَجَاءَ الْوَحْيُ وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رُفِعَ الْوَحْيُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ فِي عَشِيرَتِهِ، كَلَّا فَمَا اسْمِي إِذًا (ثَلَاثَ مرات) كلّا إ! إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا قُلْنَا إِلَّا الضَّنَّ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ [ (7) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (8) ] شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ لَفْظًا وَيُنْقِصُ آخَرَ فَمِمَّا زَادَ قَالَ: وَأَوْبَشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وأَتْبَاعًا فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أُعْطِينَا الَّذِي سُئِلْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ فِي الْوَحْيِ: فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ قَالَ قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ، قَالَ: كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (9) ] . وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ [ (10) ] ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَفِيهِ مِنِ الزِّيَادَةِ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بن سلمة عن ثابت [ (11) ] وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِالْقَتْلِ قَبْلَ عَقْدِ الْأَمَانِ لَهُمْ بِمَا شَرْطَ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي. وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ يَسْتَفْتِحُهَا وَفَتَحَ الله عليكم
قال: فَمَا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ، قَالَ: وَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» [ (12) ] قَالَ: فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ [وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (13) ] .
باب من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة ولم يدخل فيما عقد من الأمان
بَابُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا عَقَدَ مِنَ الْأَمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ [ (1) ] : عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خطل، ومقيس بن صبابة، وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. فَأَمَّا عبد الله بن خطل فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ ابن حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ. وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ. وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ: أَهْلُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَاللهِ لَئِنْ لَمْ ينجيني فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ مَا يُنَجِّي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إن
أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدَيْهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ [ (2) ] . وَأَمَّا عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رأتى كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ لِيَقْتُلَهُ، قَالَ: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لبني خَائِنَةُ أَعْيُنٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَمَّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَّا أَرْبَعَةً مِنَ النَّاسِ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خطل، ومقيس بن صبابة الْكِنَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سعد ابن أَبِي سَرْحٍ، وَأُمُّ سَارَةَ، فَأَمَّا عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خَطَلٍ فَإِنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ آخِذٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: وَنَذَرَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللهِ بْنِ سَعْدِ إِذَا رَآهُ، وَكَانَ أَخَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْفَعَ لَهُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ اشْتَمَلَ عَلَى السَّيْفِ ثُمَّ أَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي حَلْقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ يَتَرَدَّدُ وَيَكْرَهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حَلْقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: قَدِ انْتَظَرْتُكَ أَنْ تُوَفِّيَ نَذْرَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هِبْتُكَ أَفَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيَّ؟ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِئَ. قَالَ: وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ خطأ فبعث
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ لِيَأْخُذَ عَقْلَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْعَقْلَ، وَرَجَعَ، نَامَ الْفِهْرِيُّ فَوَثَبَ مِقْيَسٌ فَأَخَذَ حَجَرًا فَجَلَدَ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَأَقْبَلَ يَقُولُ: شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرِّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمُّ وَتُنْسِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ قَتَلْتُ بِهِ فِهْرًا وغرّمت عقله ... سرات بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ حَلَلْتُ بِهِ نَذْرِي وَأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتِي ... وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ وَأَمَّا أُمُّ سَارَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِقُرَيْشٍ، وَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَكَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَأَعْطَاهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَتَاهَا رَجُلٌ فَبَعَثَ مَعَهَا بِكِتَابٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ حَاطِبٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] [ (3) ] الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَخُو هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يَطْلُبُ بِدَمِ أَخِيهِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَلَا يَحْسَبَنَّ إِلَّا مُشْرِكًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّمَا قُتِلَ أَخُوكَ خَطَأً فَأَمَرَ لَهُ بِدِيَتِهِ، فَأَخَذَهَا فَمَكَثَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِمَكَّةَ كَافِرًا، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بِقَتْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ ثُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبْيَاتَهُ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ [ (4) ] . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ وَفَرَّقَ جُيُوشَهُ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلُوا أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ إِلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ ابن خَطَلٍ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِابْنِ أَبِي سَرْحٍ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ الْوَحْيَ، فَرَجَعَ مُشْرِكًا وَلَحِقَ بِمَكَّةَ [ (5) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَطَلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَةٌ وَصَاحِبَتُهَا فَكَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ. وَالْحُوَيْرِثُ وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. ومقبس بْنُ صُبَابَةَ لِقَتْلِهِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً. وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ مِمَّنْ تُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ. وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَهَرَبَ وَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَهُوَ أَبُو كُرَيْبٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ النَّاسَ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ لَا يُؤَمَّنُونَ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ: ابْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ وَابْنُ نُقَيْدِرٍ يَعْنِي الْحَارِثَ، فَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأَمَّا ابْنُ سَرْحٍ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ عُثْمَانُ فَأُومِنَ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَلَمْ يُقْتَلْ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ قَتَلَهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ نُقَيْدِرٍ. وَقَيْنَتَيْنِ كَانَتَا لِمَقْيَسٍ فَقُتِلَتْ إِحْدَاهُمَا، وَأَفْلَتَتِ الْأُخْرَى، فَأَسْلَمَتْ. قَالَ الْقِتْبَانِيُّ أَبُو جَدِّهِ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعَ الْمَخْزُومِيُّ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ قَتَادَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى الْأَعْينُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ فَلَمَّا نَزَعَهُ] [ (6) ] جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: اقْتُلُوهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عن القعنبي وغيره [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الصَّدُوقُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فقال: اقتلوه [ (8) ] .
باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وهيئته يومئذ وطوافه بالبيت ودخوله الكعبة وما فعل بالأصنام وغير ذلك.
بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَيْئَتِهِ يَوْمَئِذٍ وَطَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَدُخُولِهِ الْكَعْبَةَ وَمَا فَعَلَ بِالْأَصْنَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بأعلا مَكَّةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءَ مِنْ أَعْلَى مكة [ (1) ] . قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ أَبِي يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَحْمُودٍ عن أبي أسامة [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّقْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ [جَعْفَرِ بْنِ] [ (3) ] حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ، فَتَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُسْرَجَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ادخلوها مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْجُمَحِيُّ، أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا وَضَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ قِيلَ هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ قَالَ: اقْتُلُوهُ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْوَلِيدِ. وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ابن خطل.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا معاوية ابن عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ (ح) . قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ، عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أبي الزبير، عن جابر ابن عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَكِيمٍ [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم دخل
يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الطُّوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاضِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو ابن حُرَيْثٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ حَرَقَانِيَّةٌ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ، عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَبْيَضَ وَرَايَتُهُ سَوْدَاءَ قِطْعَةَ مِرْطٍ مُرَجَّلٍ وَكَانَتِ الرَّايَةُ تُسَمَّى الْعُقَابُ. وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوًى وَرَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَتَوَاضَعُ لِلَّهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ قَدْ كَادَ عُثْنُوَنُهِ أَنْ يُصِيبَ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دخل
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِّنْ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ. كَذَا رَوَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ هَذَا مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ مَوْصُولًا. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكَلِّمُهُ فَأُرْعِدَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكِ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ. هَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سُورَةَ الْفَتْحِ، فَرَجَّعَ فَلَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ لَأَخَذْتُ فِي ذَلِكَ الصَّوْتِ [ (10) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَرَجَّعَ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْحٍ عَنْ شَبَابَةَ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجَ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَأَتَى إِلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعَنُ فِي عُنُقِهِ، وَيَقُولُ: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زهوقا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ [جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ] [ (13) ] جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (14) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ [ (15) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (16) ] ، وغيره كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عباس، قال:
دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ قَالَ: فَأَخَذَ قَضِيبَهُ فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى صَنَمٍ صَنَمٍ وَهُوَ يَهْوِي حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا [ (17) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ابن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَجَدَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا فَأَشَارَ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ بِعَصًا، وَقَالَ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (18) ] فَكَانَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ إِلَّا سَقَطَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ بِعَصًا [ (19) ] . قُلْتُ: هَذَا الْإِسْنَادُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَالَّذِي قَبْلَهُ يُؤكِّدُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: قَاتَلَهُمُ اللهُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَخَرَجَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (20) ] عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: الْبُخَارِيُّ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ لَمْ يَدْخُلْهُ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ فَقَالَ قَاتَلَهُمُ اللهُ وَاللهِ مَا اسْتَقْسَمَا بِالْأَزْلَامِ قَطُّ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي فِي آخَرِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ] [ (22) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ قَالَ: قال. ابن جريح أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ زَمَنَ الْفَتْحِ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا وَلَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيهِ [ (23) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ، عَبْدُ اللهِ فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (24) ] فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ. أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عَيْدَانٍ فَاكْتَسَرَهَا ثُمَّ قَامَ بِهَا عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَأَنَا أَنْظُرُ فَرَمَى بها [ (25) ] .
باب دعاء نائلة بالويل حين فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقوله: لا تغزوا بعد هذا اليوم أبدا فكان كما قال.
بَابُ دُعَاءِ نَائِلَةَ بِالْوَيْلِ حِينَ فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَقَوْلِهِ: لَا تُغْزَوْا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا فَكَانَ كَمَا قَالَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ [ (2) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَاءَتْ عَجُوزٌ حَبَشِيَّةٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَا عَجُوزًا شَمْطَاءَ حَبَشِيَّةً تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ فَقَالَ: تِلْكَ نَائِلَةُ أَيَسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، يقول: لا تغزا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللهُ أَعْلَمُ أنها لا تغزا بَعْدَهُ عَلَى كُفْرِ أَهْلِهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [عَبْدِ] اللهِ بْنِ [أَبِي] [ (3) ] يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ قال: حدثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطِيعًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ النَّهْيُ وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى إِسْلَامِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّهَا لَا تغزا بَعْدَهَا أَبَدًا كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ مالك بن برصاء.
باب ما جاء في بعثه خالد بن الوليد إلى نخلة كانت بها العزى وما ظهر في ذلك من الآثار
بَابُ مَا جَاءَ فِي بِعْثِهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةٍ كَانَتْ بِهَا الْعُزَّى وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد ابن فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى، فأتاها خالد ابن الْوَلِيدِ وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ [ (1) ] ، وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا، فَرَجَعَ خَالِدٌ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ السَّدَنَةُ وَهُمْ حُجَّابُهَا أَمْعَنُوا فِي الْجَبَلِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ [ (2) ] ، يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ وَإِلَّا فَمُوتِي بَرَغْمٍ، قَالَ: فَأَتَاهَا خَالِدٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعَرَهَا تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: تِلْكَ الْعُزَّى [ (3) ] .
باب ما روي في تأذين بلال بن رباح رضي الله عنه يوم الفتح على ظهر الكعبة
بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَأْذِينِ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مكة أمر بلالا فعلى الْكَعْبَةَ عَلَى ظَهْرِهَا فَأَذَّنَ عَلَيْهَا بِالصَّلَاةَ، فَقَالَ: بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ سَعِيدًا إِذْ قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا الْأَسْوَدَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ [ (2) ] فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ [ (3) ] . [يَغِيظُ الْمُشْرِكِينَ] [ (4) ] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو محمد أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوهاب قال: أنبأنا جعفر ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ] [ (5) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَذَّنَ فَوْقَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَلَا تَرَى: إِلَى هَذَا الْعَبْدِ أَيْنَ صَعِدَ فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنْ يَكُنِ اللهُ يَكْرَهُهُ فَسَيُغَيِّرُهُ [وَاللهُ أعلم] [ (6) ] .
باب اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح وصلاته وقت الضحى شكرا لله تعالى على ما أعطى.
بَابُ اغْتِسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ وَصَلَاتِهِ وَقْتَ الضُّحَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَى. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ [ (1) ] بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ فَرَّ إِلَيْهَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَأَجَارَتْهُمَا قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَقْتُلُهُمَا؟ [ (2) ] قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى [ (3) ] مَكَّةَ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَّبَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ يَا أُمَّ هَانِئٍ؟ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ كُنْتُ قَدْ أَمَّنْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي [ (4) ] فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتَلَهُمَا، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا فَالْتَحَفَ بِهِ ثم صلّى ثمان رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] مُخْتَصَرًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي الْوَلِيدِ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: ما أخبرنا أحمد أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يصلى الضحى إلا أمّ هاني فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بيتها وصلّى ثمان رَكَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ، قال: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا الشَّعْثَاءُ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ وقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جهل وبالفتح.
باب خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وفتاويه وأحكامه بمكة على طريق الاختصار.
بَابُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَفَتَاوِيهِ وَأَحْكَامِهِ بِمَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ. «أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا تَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ. وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَاكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يعيذ عاصيا [ (1) ] ولا
فَارًّا بِدَمٍ [ (2) ] ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ [ (3) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ اللَّيْثِ [ (4) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (5) ] عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ. وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْبَعْثَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَتَيْتُهُ فَدَخَلَتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا هَذَا إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ يُبَلِّغَهُ الشَّاهِدُ مِنَّا الْغَائِبَ أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ يُحَرِّمُهَا اللهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَنْ تَحِلَّ لِي إِلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ، غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا، أَلَا ثُمَّ قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَمَنْ قَالَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ قَاتَلَ بِهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ يا معشر
خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنِ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَثُرَ أَنْ يَقَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا، لَأَدِيَنَّهُ، فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ فَدَمُ قَاتَلِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ فَعَقْلُهُ [ (6) ] . قَالَ. لِيَ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ: إِنَّهَا لَا تَمْنَعُنَا سَافِكَ دَمٍ وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ، وَلَا مَانِعَ خَرْبَةٍ، فَقُلْتُ: قَدْ شَهِدْتُ وَغِبْتَ، وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ مِنَّا، فَقَدْ بَلَّغْتُكَ مَا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فِي الْقَتْلِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَرْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ، وَالْمُؤْمِنِينَ أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ. لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولا يلتقط ساقطتها إِلَّا مُنْشِدٌ [ (7) ] وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاةٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اكْتُبُوا لِأَبِي شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا الْإِذْخَرُ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً، فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَدَمٍ وَمَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ [ (9) ] ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، فَقَدْ أَمْضَيْتُهَا لِأَهْلِهَا [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ. إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةَ، وَالْخِنْزِيرَ وَالْأَصْنَامَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عند
ذَلِكَ: قَاتَلَ اللهُ الْيَهُوَدَ، إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ [ (11) ] ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ. أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً، وَالْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ تُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير عن سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَكَّةَ نَادَى مَنْ وَضَعَ السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيهِ وَفِيمَنْ لَمْ يؤَمِّنْهُمْ، وَفِي الِاغْتِسَالِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُونَ أَوْ مَاذَا يَظُنُّونَ؟ فقالوا: نبيّ وابن
عَمٍّ كَرِيمٍ، فَقَالَ: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين» [ (13) ] أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ [ (14) ] وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَضْعِ الدِّمَاءِ وَالرِّبَا أَوْ تَحْرِيمِ مَكَّةَ. ثُمَّ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، يَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَلَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا صَلَاةَ فِي سَاعَتَيْنِ، وَلَا صِيَامَ فِي يَوْمَيْنِ، وَلَا يُتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قُتِلَ رَجُلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَعْتَى [ (15) ] النَّاسِ عَلَى اللهِ [ثَلَاثَةٌ] [ (16) ] : مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي قَدْ عَاهَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ عَاهَرَ بِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا أَوْ بِأَمَةِ قَوْمٍ آخَرِينَ لَا يَمْلِكُهَا، ثُمَّ ادَّعَى وَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ، وَإِيَّاكُمْ وَاللَّبَّتَيْنِ، وَالطُّعْمَتَيْنِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا اللُّبَّتَانِ؟ قَالَ: أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدُكُمْ وَلَيْسَ بَيْنَ سَوْأَتِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، أَوْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ [ (17) ] يَخْرُجُ شِقُّهُ، فَقُلْتُ: فَمَا الطُّعْمَتَانِ؟ فَقَالَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أبو عمرو والْأَدِيبُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرِ اللهَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ [تَعَالَى] بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا اسرق فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: عُرْوَةُ قَالَتْ: عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد الصفار،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا فَتَحُوا مَكَّةَ أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، قَالَ: فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ [ (20) ] ، وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ، فَمَا رَآهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (21) ] فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَطَّارُ بِبَغْدَادَ إِمْلَاءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أَوْطَاسٍ [ (22) ] فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (23) ] عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَامُ أَوْطَاسٍ وَعَامُ الْفَتْحِ وَاحِدٌ فَهَذَا وَحَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ سواء [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ [ (25) ] : حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: [حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ عَمْرِو ابن عُثْمَانَ، عَنْ] [ (26) ] أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ؟ أَوْ قِيلَ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ: وَذَلِكَ زَمَنَ الْفَتْحِ، قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ، وَقَالَ زَمْعَةُ: «الْمُسْلِمَ» ، وَلَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَقَالَ: زَمْعَةُ «الْمُسْلِمُ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: فَقِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: فَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عن روح عنهما.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (28) ] مِنْ وَجْهٍ آخرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَقَالَ: مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ [ (29) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (30) ] إِذَا فَتَحَ اللهُ الْخَيْفَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ. أَخْرَجَهُ البخاري هكذا [ (31) ] .
باب بيعة الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح
بَابُ بَيْعَةِ النَّاسِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جريح، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ: الْأَسْوَدَ حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْفَلَةَ [ (1) ] ، قَالَ: وَقَرْنُ مَسْفَلَةَ الَّذِي إِلَيْهِ بُيُوتُ ابْنِ أَبِي ثُمَامَةَ، وَهُوَ دَارُ ابْنِ سَمُرَةَ، وَمَا حَوْلَهَا. قَالَ الْأَسْوَدُ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ النَّاسُ: الصِّغَارُ، وَالْكِبَارُ، وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ. قُلْتُ: مَا الشَّهَادَةُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله [ (2) ] .
باب إسلام أبي قحافة عثمان بن عامر بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - زمن الفتح.
بَابُ إِسْلَامِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- زَمَنَ الْفَتْحِ. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ، عَنْ أَبِيهِ: عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لَابْنَةٍ لَهُ كَانَتْ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ! أَشْرِفِي [ (1) ] بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ! مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا وَأَرَى رَجُلًا يَشْتَدُّ بَيْنَ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، فَقَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ يَا بُنَيَّةُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ: الْوَازِعُ [ (2) ] ، ثُمَّ قَالَ مَاذَا تَرَيْنَ فَقَالَتْ: أرى السواد انتشر قال: فَقَالَ: فَقَدْ وَاللهِ إِذًا دُفِعَتِ الْخَيْلُ فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي فَخَرَجَتْ سَرِيعًا حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ بِهِ إِلَى الْأَبْطَحِ لَقِيَتْهَا الْخَيْلُ، وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ [ (3) ] لَهَا مِنْ وَرِقٍ [ (4) ] فَاقْتَطَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ عُنُقِهَا، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى جَاءَ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
قَالَ: هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَجِيئَهُ؟ فَقَالَ: يَمْشِي هُوَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَقَالَ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ طَوْقَ اختي، فو الله مَا أَجَابَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَمَا أَجَابَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ احْتَسِبِي طَوْقَكِ، فو الله إِنَّ الْأَمَانَةَ الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَقَلِيلٌ [ (5) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جريح، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي قُحَافَةَ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ سَوَادًا [ (6) ] قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنَّأَ أَبَا بَكْرٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ [ (7) ] .
باب قصة صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وقصة امرأتيهما
بَابُ قِصَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَقِصَّةِ امْرَأَتَيْهِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نِسَاءً كُنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ: ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ، وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ، وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رؤوس النَّاسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ، وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْتَهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أنزل أَبَا وَهْبٍ، فَقَالَ: لَا، وَاللهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكَ تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا كَانَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا، فَقَالَ: بَلْ طَوْعًا، فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا،
وَالطَّائِفَ، وَهُوَ كَافِرٌ، وَامْرَأَتُهُ مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ. قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ [ (1) ] . وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تحت عكرمة ابن أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ وقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِهِمَا قَبْلَ هَذَا، وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَحَدٌ يَدْعُو شَيْئًا إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فَقَالَ: عِكْرِمَةُ وَاللهِ لَئِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَحْدَهُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ أُقْسِمُ بِاللهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ فَرَجَعَ فَبَايَعَهُ قَالَا: وَأَرْسَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي أَدَاةٍ ذُكِرَتْ لَهُ عِنْدَهُ فَسَأَلَهُ إياها
فقال: صفوان أين الأمان أَتَأْخُذُهَا غَصْبًا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُمْسِكَ أَدَاتَكَ فَأَمْسِكْهَا، وَإِنْ أَعَرْتَنِيهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ عَلَيَّ حَتَّى تُؤَدَّى إِلَيْكَ، قَالَ صَفْوَانُ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ وَقَدْ أَعَرْتُكَهَا فَأَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ زَعَمُوا مِائَةَ دِرْعٍ وَأَدَاتَهَا وَكَانَ صَفْوَانُ كَثِيرَ السِّلَاحِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: اكْفِنَا حَمْلَهَا فَحَمَلَهَا صَفْوَانُ. لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ [ (2) ] أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْهُذَلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ وَمِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ [وَمِنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ] [ (3) ] فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الضَّعْفِ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بَعَثَ إِلَى جَذِيمَةَ وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ عَنِ الواقدي. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ولَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ هَرَبَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إِلَى نَجْرَانَ، فَأَمَّا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ فَأَقَامَ بِنَجْرَانَ حَتَّى مَاتَ، مُشْرِكًا وَأَمَّا ابْنُ الزِّبَعْرَى، فَإِنَّهُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبْيَاتًا فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِنْهَا قوله: وَلَقَدْ شَهِدْتُ بِأَنَّ دِينَكَ صَادِقٌ ... حَقٌّ، وَإِنَّكَ فِي العباد جسيم فاغفر فذا لَكَ وَالِدَايَ كِلَاهُمَا ... زَلَلِي، فَإِنَّكَ رَاحِمٌ مَرْحُومُ وَذَكَرَ أبياتا كثيرة [ (4) ] .
باب إسلام هند بنت عتبة بن ربيعة
بَابُ إِسْلَامِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَخْبَاءٌ أَوْ أَهْلُ خباء- الشك من مِنَ ابْنِ بُكَيْرٍ- أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ، أَوْ خِبَائِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أَطْعَمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (1) ] ، وَرَوَاهُ ابْنُ المبارك عن
يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ: وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ لَمْ يَشُكَّ وَقَالَ: فِي آخِرِهِ: من الذي له عيالا. أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد بن حَلِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ فَذَكَرَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثم أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثم قال: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ [ (3) ] فَهَلْ عَلَيَّ خرج أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ فَقَالَ لَهَا: لَا عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَابْنِ أَخِي الزهري عن الزهري.
وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِسْلَامِهِ. وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ [ (6) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عن إسماعيل ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانَ جَالِسًا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ جَمَعْتُ لِمُحَمَّدٍ جَمْعًا إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَالَ إِذًا يُخْزِيَكَ اللهُ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ مَا أَيْقَنْتُ أَنَّكَ نَبِيٌّ حَتَّى السَّاعَةِ، إِنْ كُنْتُ لَأُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو السَّفَرِ وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلًا فِي مَعْنَاهُ. وَقَدْ أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِجَازَةً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَى أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَالنَّاسُ يطؤون عَقِبَهُ، فَقَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَوْ عَاوَدْتُ هَذَا الرَّجُلَ الْقِتَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ إِذًا يُخْزِيَكَ اللهُ قَالَ أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِمَّا تَفَوَّهْتُ بِهِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي مَوْصُولًا فِي أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ كِتَابِ الْإِكْلِيلِ [ (7) ] . وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَامِيُّ إِجَازَةً، قَالَ [أَنْبَأَنِي أَبُو عُمَرَ] [ (8) ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ. (ح) وَأَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْفَارِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَمْدُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ موسى ابن أَعْيَنَ- يَعْنِي الْجَزَرِيَّ-، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ. لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ دَخَلَ النَّاسُ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْفَتْحِ لَمْ يَزَالُوا فِي تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِهِنْدَ: أَتَرَيْنَ هَذَا مِنَ اللهِ؟ ثُمَّ أَصْبَحَ فَغَدَا أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتَ لِهِنْدَ: أَتَرَيْنَ هَذَا مِنَ اللهِ! نَعَمْ، هُوَ مِنَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ مَا سَمِعَ قَوْلِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وجل وهند [ (9) ] .
باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح
بَابُ مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (1) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ فَقِيلَ هَكَذَا وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْمَعْنِيُّ. (ح) وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قالا: حدثنا
حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ [ (2) ] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشَرَةَ قَصَرَ وَمَنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَتَمَّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الفتح فأقام بمكة ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا [قَوْمٌ] سَفْرٌ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابن عباس [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رُهْمٍ، قَالُوا: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْبُخَارِيُّ [ (5) ] رَحِمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ أَخْبَرَكَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَاقِفٌ
بِالْحَزْوَرَةِ [ (7) ] فِي سُوقِ مَكَّةَ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ [ (8) ]
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وذلك ان مكة لما فتحت صارت دار إسلام انقطعت الهجرة عنها
بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ مَكَّةَ لَمَّا فُتِحَتْ صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ عَنْهَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن بكر بن داسة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحُ- فَتْحُ مَكَّةَ-. لَا هِجْرَةَ [ (1) ] ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ [ (2) ] وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا [ (3) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (4) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى
ابن يَحْيَى عَنْ جَرِيرٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ إِمْلَاءً قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاشِعٌ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِأَخِي مَعْبَدٍ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايَعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، قَالَ: ذَهَبَتِ الْهِجْرَةُ بِمَا فِيهَا قَالَ: قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ قَالَ: فَلَقِيتُ مَعْبَدًا بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ [ (6) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ عَاصِمٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ [ (8) ] يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَأَصْحَابِي خَيْرٌ وَالنَّاسُ خَيْرٌ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَحَدَّثْتُ بِهِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَعِنْدَهُ: رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَانَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا حَدَّثَاكَ وَلَكِنَّ
هَذَا يَعْنِي زَيْدًا يَخَافُ أَنْ تَنْتَزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا يَخَافُ أَنْ تَنْتَزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ، يَعْنِي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، قَالَ فَشَدَّ عَلَيْهِ بِالدِّرَّةِ فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ، قَالَ: صَدَقْتَ .
باب إسلام سلمة بن أبي سلمة الجرمي [1] بعد الفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا كما قال الله عز وجل
بَابُ إِسْلَامِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ [ (1) ] بَعْدَ الْفَتْحِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الحسن ابن أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَيٌّ، أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْمَعَ مِنْهُ؟ فَلَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِالْحَدِيثِ قَالَ كُنَّا بِمَمَرِّ النَّاسِ فَيَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ: فَنَسْأَلُهُمْ مَا هَذَا الْأَمْرُ وَمَا لِلنَّاسِ فَيَقُولُونَ: نَبِيٌّ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ وَيَقُولُونَ انْظُرُوهُ فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ نَبِيٌّ فَصَدِّقُوهُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْعَةُ الْفَتْحِ نَادَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، فَانْطَلَقَ أَبِي فَبَدَرَ قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَقَدِمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ فَتَلَقَّيْنَاهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، وَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا، وَصَلَاةِ كَذَا وَكَذَا وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فِي أَهْلِ حِوَائِنَا فَلَمْ يَجِدُوا أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ بُرْدَةٌ عَلَيَّ تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ غَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ هَذَا، قَالَ: فَكُسِيتُ مُعَقَّدَةً مِنْ معقّر الْبَحْرَيْنِ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِسَبْعَةٍ فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ كفرحي بذلك.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (2) ] .
باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة
بَابُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرَايَا فِيمَا حَوْلَ مَكَّةَ يَدْعُونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالٍ، وَكَانَ مِمَّنْ بَعَثَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ، دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ وَابْنَ زَنْجُوَيْهِ (ح) . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي- أَحْسَبُهُ قَالَ: جَذِيمَةَ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ إلى
الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ بِهِمْ أَسْرًا وَقَتْلًا، قَالَ: وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، قَالَ: فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ لَهُ صَنِيعُ خَالِدٍ. [فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (2) ] وَرَفَعَ يَدَيْهِ اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُمْ عَلَى مَائِهِمْ، وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَمَّهُ الْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَعَوْفَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَخْذِهِمُ السِّلَاحَ ثُمَّ وَضْعِهِمُ السِّلَاحَ، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ فَأُسِرُوا وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا عَمِلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ [ (4) ] . ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَدِّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَاجْعَلِ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ، وَقَدْ
أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا فَوَدَى لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْطِيهِمْ ثَمَنَ مِيلَغَةِ [ (5) ] الْكَلْبِ فَبَقِيَ مَعَ عَلِيٍّ بَقِيَّةٌ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ: أُعْطِيكُمْ هَذَا احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيمَا لَا تَعْلَمُونَ، فَأَعْطَاهُمْ، إِيَّاهُ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابن بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عقبة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ فِي خَيْلِ ابْنِ الْوَلِيدِ الَّتِي أَصَابَ بِهَا بَنِي جَذِيمَةَ إِذَا فَتًى مِنْهُمْ مَجْمُوعَةٌ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ بِرُمَّةٌ يَقُولُ بِحَبْلٍ فَقَالَ لِي: يَا فَتَى هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرُّمَّةِ فَمُقَدِّمِي إِلَى هَذِهِ النِّسْوَةِ حَتَّى أَقْضِيَ إِلَيْهِنَّ حَاجَةً ثُمَّ تَصْنَعُونَ مَا بَدَا لَكُمْ، فَقُلْتُ لَيَسِيرٌ مَا سَأَلْتَ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِرُمَّتِهِ فَقَدَّمْتُهُ إِلَيْهِنَّ فَقَالَ: أَسْلَمِي حُبَيْشْ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشْ، ثُمَّ قال: أَرَيتُكِ إِذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بُّحلية أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ [ (7) ] أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ [ (8) ] فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ إِحْدَى الصَّفَائِقِ [ (9) ] أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ المفارق [ (10) ]
فَإِنِّي لَا ضَيَّعْتُ سِرَّ أَمَانَةٍ ... وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْكِ بَعْدَكِ رَائِقُ [ (11) ] سِوَى أَنَّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنِ الْوُدِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَامُقُ [ (12) ] فَقَالَتْ: وَأَنْتَ حُيِيتَ عَشْرَا وَسَبْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيًا تَتْرَى [ (13) ] ، ثُمَّ قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ. قَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنَا أَبُو فِرَاسٍ مِنْ بَنِي أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ وَقَدْ شَهِدُوا هَذَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالُوا فَلَمَّا قُتِلَ قَامَتْ إِلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تَرْشُفُهُ حَتَّى مَاتَتْ عَلَيْهِ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ لَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي مَا فِي آخِرِهِ عَنْ أَبِي فِرَاسٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [الْحُسَيْنُ ابن] [ (14) ] الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ عِصَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا قَالَ: فَبَعَثَنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَخَرَجْنَا قِبَلَ تِهَامَةَ فَأَدْرَكْنَا رَجُلًا يَسُوقُ بِظَعَائِنَ فَقُلْنَا لَهُ أَسْلِمْ قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ فَأَخْبَرَنَاهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَعْرِفُهُ قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ قَالَ: قُلْنَا نَقْتُلُكَ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرِيَّ حَتَّى أُدْرِكَ الظَّعَائِنَ قَالَ: قُلْنَا نَعَمْ وَنَحْنُ مُدْرِكُوكَ قَالَ: فَأَدْرَكَ الظَّعَائِنَ فَقَالَ اسلم حُبَيْشُ قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشِ، فَقَالَتِ الْأُخْرَى: أَسْلَمْ عَشْرَا وَتِسْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيًا تَتْرَى، ثم قال.
أَرَيتُكِ إِذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قبل إحدى الصّفائق أثني بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: شَأْنُكُمْ فَقَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَانْحَدَرَتِ الْأُخْرَى مِنْ هَوْدَجِهَا فَحَنَتْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْقَاضِي الْبَسْتِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْبَكْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ عَنِ ابْنِ عِصَامٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَاهُنَّ فَدَنَا إِلَى هَوْدَجِ ظَعِينَةٍ مِنْهُنَّ قَدْ وَصَفَهَا مِنْ حُسْنٍ وَجَمَالٍ فَأَنْشَأَ يَقُولُ. أَرَأَيْتِ إِنْ طَالَبْتُكُمْ فَلَحِقْتُكُمْ. فَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَقَالَتْ: بَلَى: قَالَ: فَقَالَ فَلَا ذَنْبَ لِي فَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَثِيبِي بِوُدٍّ، ثُمَّ قال اسلم حُبَيْشْ، قَبْلَ انْقِطَاعِ الْعَيْشْ، وقال: فَقَالَتِ: أَسْلِمْ عَشْرَا وَتِسْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيَةً تَتْرَى، ثُمَّ جَاءَ فَمَدَّ عُنُقَهُ فَقَالَ: شَأْنُكُمْ فَاصْنَعُوا مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ [فَنَزَلْنَا] [ (15) ] فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ تِلْكَ الظَّعِينَةَ نَزَلَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا فَحَنَتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَرَاغِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ فَغَنِمُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ فَقَالَ: لَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِنْهُمْ إِنِّي عَشِقْتُ امْرَأَةً فَلَحِقْتُهَا، فَدَعُونِي أَنْظُرْ إِلَيْهَا نَظْرَةً، ثُمَّ اصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ أَدْمَاءُ طَوِيلَةٌ، فَقَالَ. لَهَا أَسْلِمِي حُبَيْشْ قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشْ وَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِمَعْنَاهُمَا ثُمَّ قَالَ: قَالَتْ: نَعَمْ فَدَيْتُكَ قَالَ فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَشَهِقَتْ شَهْقَةً أَوْ شَهْقَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَحِيمٌ.
باب غزوة حنين [1] وما ظهر فيها على النبي صلى الله عليه وسلم من آثار النبوة
بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ [عُمَرَ بْنِ] [ (2) ] قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ الْمُكَدَّمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَدِيثِ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَسَارُوا إِلَيْهِ فَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ مَا لَا يُحَدِّثُ بِهِ بَعْضٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حديثهم:
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، جَمَعَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ بَنِي نَصْرٍ، وَبَنِي جُشَمَ، وَبَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَوْزَاعًا مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عامر، وعوف بن عامر، وَأَوْعَيَتْ مَعَهُ ثَقِيفٌ الْأَحْلَافَ، وَبَنُو مَالِكٍ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَسَاقَ مَعَهُ الْأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ حَتَّى تَعْلَمَ لَنَا مِنْ عِلْمِهِمِ فَدَخَلَ فِيهِمْ فَمَكَثَ فِيهِمْ يَوْمًا أَوِ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَذَبَ، فَقَالَ: ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ وَاللهِ لَئِنْ كَذَّبَتْنِي يَا عُمَرُ لَرُبَّمَا كَذَّبْتَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَقَالَ: «قَدْ كُنْتَ يَا عُمَرُ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللهُ» . ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا عِنْدَهُ مِائَةَ دِرْعٍ وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عِدَّتِهَا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فقال: بل عادية مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا عَلَيْكَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَائِرًا- زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى حُنَيْنٍ فِي أَلْفَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَعَشَرَةِ آلَافٍ كَانُوا مَعَهُ فَسَارَ بِهِمْ [ (3) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ ابن أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ أَمِيرًا [ (4) ] . وَزَادَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ أَقْبَلَ فِيمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جَمَعَ مِنْ قَبَائِلِ قَيْسٍ وَثَقِيفٍ، وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فِي شِجَارٍ [ (5) ]
لَهُ يُعَادُ بِهِ حَتَّى نَزَلَ النَّاسُ بِأَوْطَاسٍ [ (6) ] فَقَالَ دُرَيْدٌ حِينَ نَزَلُوا بِأَوْطَاسٍ فَسَمِعَ رُغَاءَ الْبَعِيرِ [ (7) ] ، وَنَهِيقَ الحمير [ (8) ] ، وبعار الشَّاءِ [ (9) ] ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: بِأَوْطَاسٍ، قَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ، لَا حَزْنٌ [ (10) ] ضَرِسٌ [ (11) ] وَلَا سهل [ (12) ] دهس [ (13) ] مالي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَبُكَاءَ الصغير، ونهيق الحمار، وبعار الشَّاءِ؟ فَقَالُوا: سَاقَ مَالِكٌ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. قَالَ: فَأَيْنَ مَالِكٌ؟ فَدُعِيَ مَالِكٌ، فَقَالَ يَا مَالِكُ! إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ، فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسُوقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ؟، قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَأَمْوَالَهُ [ (14) ] لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ، قَالَ: فَانْقَضَّ [ (15) ] بِهِ دُرَيْدٌ، وَقَالَ: يَا رَاعِيَ ضَأْنٍ وَاللهِ وَهَلْ يَرُدُّ وَجْهَ الْمُنْهَزِمِ شَيْءٌ؟ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ فَارْفَعِ الْأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ إِلَى عَلْيَاءِ قَوْمِهِمْ وَمُمْتَنَعِ بِلَادِهِمْ. ثُمَّ قَالَ دُرَيْدٌ: وَمَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ فَقَالُوا: لَمْ يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ،
فَقَالَ: غَابَ الْحَدُّ وَالْجِدُّ [ (16) ] لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، [وَلَوَدِدْتُ لَوْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ] [ (17) ] فَمَنْ حَضَرَهَا؟ فَقَالُوا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ [ (18) ] لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا رَأْيٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ كَبِرَتْ وَكَبِرَ عِلْمُكَ وَاللهِ لَتُطِيعُنَّ يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ أَوْ لَأَتِّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي، فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ [ (19) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهَ حُدِّثَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ بَعَثَ عُيُونًا مِمَّنْ مَعَهُ فَأَتَوْهُ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَتَأَنَا رِجَالٌ بِيضٌ على خيل بلق، فو الله مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا تَرَى، فَمَا رَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عِيسَى الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يوم حنين لن تغلب مِنْ قِلَّةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (21) ]
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [ (22) ] قَالَ الرَّبِيعُ [ (23) ] وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْهُمْ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ. خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَكَانَتْ لِقُرَيْشٍ شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ عظيمة،
يَأْتُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ فَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا سِلَاحَهُمْ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَكَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ خَضْرَاءَ، فَتَنَادَيْنَا مِنْ جَنْبَيِ الطَّرِيقِ، وَنَحْنُ نَسِيرُ إِلَى حُنَيْنٍ يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ أَكْبَرُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلهة إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَأْخُذُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» [ (24) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَى حُنَيْنًا مَرَّ بِشَجَرَةٍ تَعَلَّقَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (25) ] لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ [ (26) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّلُولِيُّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ سهل بن الْحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَ عَشِيَّةً فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَارِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي انْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبَائِهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمُ
اجْتَمَعُوا إِلَى حُنَيْنٍ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَارْكَبْ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ، وَلَا تَغُرَّنَّ مَنْ قِبَلِكَ، اللَّيْلَةَ» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَحْسَسْنَاهُ، فَثَوَّبَ بِالصَّلَاةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ» ، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى الشَّجَرَةِ [ (27) ] فِي الشِّعْبِ فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «هَلْ نَزَلْتَ [اللَّيْلَةَ] [ (28) ] ؟» قَالَ: لَا إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَوْجَبْتَ فَلَا عَلَيْكَ أَلَّا تَعْمَلَ بَعْدَهَا» [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ فَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عوف بمن
مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَسَبَقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَدُّوا، وَتَهَيَّئُوا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ [ (30) ] وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه فَانْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ [ (31) ] فَلَمَّا انْحَطَّ النَّاسُ ثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمِ الْخَيْلُ فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ لَا يُقْبِلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَانْحَازَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ اللهِ، أَنَا رَسُولُ اللهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، فَلَا شَيْءَ، وَرَكِبَتِ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِحَكَمَةِ [ (32) ] بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَهُوَ عَلَيْهَا قَدْ شَجَرَهَا، قَالَ: وَثَبَتَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَرَبِيعَةُ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ وَهُوَ ابن عبيد، وأسامة ابن زَيْدٍ، وَثَبَتَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ [ (33) ] ، وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ أَمَامَ هَوَازِنَ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ إِذَا أَدْرَكَ النَّاسَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَأَتْبَعُوهُ [فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هَوَى لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، فَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيِ الْجَمَلِ، فَوَقَعَ على
عَجُزِهِ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الرَّجُلِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَانْجَعَفَ عَنْ رَحْلِهِ، وَاجْتَلَدَ النَّاسُ فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأَسْرَى مُكَتَّفِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (34) ] . فَلَمَّا انْهَزَمَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ، تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضِّغْنِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبُحُورِ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ. وَزَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: سَارَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ الَّتِي يَسْتَقْسِمُ بِهَا لَفِي كِنَانَتِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَصَرَخَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ مَعَ أَخِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وَصَفْوَانُ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ اسْكُتْ فَضَّ الله فاك، فو الله لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ. قَالَ حسّان: رَأَيْتُ سَوَادًا مِنْ بَعِيدٍ فَرَاعَنِي ... إِذَا حَنْبَلٌ يَنْزُو عَلَى أُمِّ حَنْبَلِ [ (35) ] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي- وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ- الْيَوْمَ أَقْتُلُ مُحَمَّدًا فَأَرَدْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ شَيْءٌ حَتَّى تَغَشَّى فُؤَادِي فَلَمْ أُطِقْ ذَلِكَ، فَعَرَفْتُ أنه ممنوع [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ رَأَى مِنَ النَّاسِ مَا رَأَى: يَا عَبَّاسُ! اصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ مِنْ عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ ثُمَّ يَؤُمُّ الصَّوْتَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ، فَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ فَاقْتَتَلُوا فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ بِالْأَنْصَارِ، ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ وَأَشْرَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي رَكَائِبِهِ فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ [ (37) ] الْقَوْمِ، فَقَالَ: «الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» قَالَ: فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ إِلَّا وَالْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُكَتَّفُونَ فَقَتَلَ اللهُ مَا قَتَلَ مِنْهُمْ وَانْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْهُمْ وَأَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ: أَمْوَالَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، وَأَبْنَاءَهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. (ح) وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِدًا لِحُنَيْنٍ وَكَانَ أَهْلُ حُنَيْنٍ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَهْلُ مَكَّةَ يَظُنُّونَ حِينَ دَنَا مِنْهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَادِئٌ بِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بادئ
بِهَوَازِنَ، وَصَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَتَحَ اللهُ لَهُ مَكَّةَ، وَأَقَرَّ بِهَا عَيْنَهُ، وَكَبَتَ بِهَا [ (38) ] عَدُوَّهُ. فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى حُنَيْنٍ خَرَجَ مَعَهُ أَهْلُ مَكَّةَ لَمْ يَتَغَادَرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ: رُكْبَانًا، وَمُشَاةً حَتَّى خَرَجَ مَعَهُ النِّسَاءُ يَمْشِينَ عَلَى غَيْرِ دِينٍ، نُظَّارًا يَنْظُرُونَ، وَيَرْجُونَ الْغَنَائِمَ، وَلَا يَكْرَهُونَ الصَّدْمَةَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَلَا يَكْرَهُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصَّدْمَةُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ مُوسَى: وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ كُلَّمَا سَقَطَ تُرْسٌ أَوْ سَيْفٌ مِنْ مَتَاعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ أَعْطُونِيهِ أَحْمِلُهُ حَتَّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ. زَادَ مُوسَى: وَسَارَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كافر وامرأته مسلمة، فلم يفرق رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى. قَالَ مُوسَى، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَهْلِ حُنَيْنٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ يُنْعَشُ مِنَ الْكِبَرِ. وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ: يُرْعَشُ أَوْ يُنْعَشُ مِنَ الْكِبَرِ. قَالَ مُوسَى: وَمَعَهُمُ: النِّسَاءُ، وَالذَّرَارِيُّ، وَالنَّعَمُ، والنساء، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَبْدَ اللهِ] [ (39) ] بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى عَسْكَرِ الْقَوْمِ عَيْنًا، فَخَرَجَ حَتَّى دَنَا مِنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ لَيْلًا، فَسَمِعَ مَالِكًا وَهُوَ يُوصِي أَصْحَابَهُ، يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحْتُمْ فَاحْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَاكْسِرُوا أَغْمَادَ السُّيُوفِ، وَاجْعَلُوا مَوَاشِيَكُمْ صَفًّا وَنِسَاءَكُمْ صَفًّا، ثُمَّ احْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ. وَإِنَّ ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَمَا مَضَى. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ اعْتَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ [وَصَفْوَانُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ] [ (40) ] وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَرَاءَ تَلٍّ يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدُّبْرَةُ. وَصَفَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَغْلَةً لَهُ شَهْبَاءَ، فَاسْتَقْبَلَ الصُّفُوفَ فَأَمَرَهُمْ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَشَّرَهُمُ بِالْفَتْحِ إِنْ صَبَرُوا، وَصَدَقُوا فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، ثُمَّ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: لَقَدْ حَزَرْتُ مَنْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ النَّاسُ فَقُلْتُ مِائَةُ رَجُلٍ، وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِهَزِيمَةِ مُحَمَّدٍ وأصحابه فو الله لَا يَجْتَبِرُوَنَها أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: أَتُبَشِّرُنِي بِظُهُورِ الأعراب، فو الله لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنَ الْأَعْرَابِ. زَادَ عُرْوَةُ: وَغَضِبَ صَفْوَانُ لِحَسَبِهِ. قَالَ مُوسَى: وَبَعَثَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ غُلَامًا لَهُ، فَقَالَ: اسْمَعْ لِمَنِ الشِّعَارُ فَجَاءَهُ الْغُلَامُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ يَا بَنِي عُبَيْدِ اللهِ فَقَالَ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ وَكَانَ ذَلِكَ شِعَارُهُمْ فِي الْحَرْبِ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَشِيَهُ الْقِتَالُ قَامَ فِي الرِّكَابَيْنِ وَهُوَ عَلَى الْبَغْلَةِ وَيَقُولُونَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَدْعُوهُ، يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» ، وَنَادَى أَصْحَابَهُ وَذَمَّرَهُمْ: يَا أَصْحَابَ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ! اللهَ، اللهَ، الْكَرَّةَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، وَيُقَالُ: قَالَ يَا أَنْصَارَ اللهِ! وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ، وَأَمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يُنَادِيهِمْ بِذَلِكَ، وقبض قبضة من الحصاء فحصب بها وجوه
الْمُشْرِكِينَ وَنَوَاحِيَهِمْ كُلَّهَا وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ سِرَاعًا يُقَالُ إِنَّهُمْ يَبْتَدِرُونَ، وَقَالَ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، فَهَزَمَ اللهُ أَعْدَاءَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَصَبَهُمْ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَأَتْبَعَهُمْ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَغَنَّمَهُمُ اللهُ نِسَاءَهُمْ، وَذَرَارِيَّهُمْ، وَشَاءَهُمْ. وَفَرَّ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي نَاسٍ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ رَأَوْا نَصْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رسوله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَإِعْزَازَهُ دِينَهُ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ قِيَامُهُ فِي الرِّكَابَيْنِ وَلَا قَوْلُهُ: يَا أَنْصَارَ اللهِ، وَقَالَ فِي الْحَصْبَاءِ فَرَمَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لَا يَرْمِي نَاحِيَةً إِلَّا انْهَزَمُوا وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَعَطَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَزَمَهُمُ اللهُ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَذَكَرَهُ [ (41) ] . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي رَمْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الموصولة [ (42) ] .
باب ثبوت النبي صلى الله عليه وسلم واستنصاره ربه ودعائه على المشركين.
بَابُ ثُبُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِنْصَارِهِ رَبَّهُ وَدُعَائِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ الْبَرَاءُ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَاءُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سعيد الاسفرائيني، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ الاسفرائيني، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ أَبَا عُمَارَةَ أَلَسْتُمْ فَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِمْ وَخِفَافِهِمْ حُسَّرًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ أَوْ كَبِيرُ سِلَاحٍ، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً، لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، جَمْعَ هَوَازِنَ، وَبَنِي نَصْرٍ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا، مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، وَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ، وَقَالَ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَصَفَّهُمْ [ (2) ] رَوَاهُ الخاري [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ ابن خَيْثَمَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (4) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمَّ [ (5) ] يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ [ (6) ] اللهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ، قَالَ: وَكُنَّا وَاللهِ إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي يُحَاذِي بِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ زَكَرِيَّا [ (7) ] . وَرُوِّينَاهُ فِي حَدِيثِ شَبَابَةَ بْنِ عَاصِمٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أنا
ابْنُ الْعَوَاتِكِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبُرُلُّسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شَبَابَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ وَقَدْ قِيلَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَعْضِ [الْمَغَازِي] [ (8) ] أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ [ (9) ] . قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مِنْ سُلَيْمٍ اسْمُهُنَّ عَاتِكَةُ فَكَانَ إِذَا افْتَخَرَ قَالَ أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ [ (10) ] . قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ إِحْدَاهُنَّ أُمُّ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْأُخْرَى أُمُّ هَاشِمٍ، وَالثَّالِثَةُ جَدَّتُهِ مِنْ قِبَلِ زهرة.
باب رمي النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الكفار والرعب الذي ألقي في قلوبهم، ونزول الملائكة وما ظهر في كل واحد من هذه الأنواع من آثار النبوة
بَابُ رَمْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَ الْكُفَّارِ وَالرُّعْبِ الَّذِي أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ (ح) . وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [قَالَ] [ (1) ] : قَالَ الْعَبَّاسُ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حنين، فلزمت أنا وأبو سفان بْنُ الْحَارِثِ [ (2) ] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عَلَى بَغْلَةٍ [لَهُ بَيْضَاءَ [ (3) ] أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ
بَغْلَتَهُ [ (4) ] قِبَلَ الْكُفَّارِ. قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (5) ] أَكُفُّهَا ارادة ان لا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (6) ] : أَيْ عَبَّاسُ! نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ [ (7) ] فَقَالَ عَبَّاسٌ: وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا [ (8) ] فقلت بأعلا صوتي أي أصحاب السّمرة! قال: فو الله لَكَأَنَّمَا عَطْفَتُهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا [ (9) ] ، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَاهُ! يَا لَبَّيْكَاهُ! فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ [ (10) ] وَالدَّعْوَةُ فِي الْأَنْصَارِ [ (11) ] يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ:! فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ [ (12) ] قَالَ ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ قَالَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هيية فيما ارى قال فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا [ (13) ] وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ [ (14) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ الْجُذَامِيُّ، وَقَالَ: انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ عَلَى الْخَيْلِ خَيْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ أَزْهَرَ: ثُمَّ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَزَمَ اللهُ الْكُفَّارَ وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رِجَالِهِمْ يَمْشِي في
الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى رَجْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ ومحمد بْنِ رَافِعٍ، دُونَ رِوَايَةِ ابْنِ أَزْهَرَ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ [بْنُ سَلَمَةَ] [ (16) ] قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم حُنَيْنًا، فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تقدمت فاعلو ثَنِيَّةً، فَأَسْتَقْبِلُ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ وَتَوَارَى عَنِّي، فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَإِذَا [هُمْ] [ (17) ] قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى فَالْتَقُوا هُمْ وَصَحَابَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِإِحْدَاهُمَا، مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى، قَالَ: فَاسْتَطْلَقَ إزاري [ (18) ] فجمعتها جمعا، ومَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مُنْهَزِمًا [ (19) ] وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَى ابْنُ الْأَكْوَعِ فَزَعًا» فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ [ (20) ] فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَهَزَمَهُمُ اللهُ وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ، وَيُكَنَّى أَبَا هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي حُنَيْنٍ فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ، قَدْ حَانَ الرَّوَاحُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ أَجَلْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بِلَالُ! فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَيْرٍ! فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ قَالَ: أَسْرِجْ لِي فَرَسِي، فَأَتَاهُ بِدَفَّتَيْنِ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلَا بَطَرٌ، قَالَ: فَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ سِرْنَا يَوْمَنَا فَلَقِينَا الْعَدُوَّ وَتَشَامَّتِ الْخَيْلَانُ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللهِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاقْتَحَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسِهِ. وَحَدَّثَنِي مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فَحَثَا بِهَا وُجُوهَ [ (22) ] الْقَوْمِ، وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ. قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ فَأَخْبَرَنَا أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ مِنَ التُّرَابِ، وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَرِّ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْحَدِيدِ فَهَزَمَهُمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ [ (24) ] ، وَبَقِيتُ مَعَهُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَنَكَصْنَا عَلَى أَقْدَامِنَا نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ قَدَمًا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ قَالَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ يَمْضِي قُدُمًا، فَحَادَتْ بَغْلَتُهُ فَمَالَ عَنِ السَّرْجِ فَشَدَّ نَحْوَهُ فَقُلْتُ ارْتَفِعْ رَفَعَكَ اللهُ فَقَالَ نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَنَاوَلْتُهُ فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَامْتَلَأَ أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا، قَالَ: أَيْنَ الْمُهَاجِرَونَ وَالْأَنْصَارُ؟ قُلْتُ: هُمْ هُنَا قَالَ: اهْتِفْ فَهَتَفْتُ بِهِمْ فجاؤوا سُيُوفُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، كَأَنَّهُمُ الشُّهُبُ وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارَهُمْ [ (25) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَتَى هَوَازِنَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِثْلُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهَا وُجُوهَنَا فَانْهَزَمْنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَلَمْ ينسب عياضا [ (26) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، عَمَّنْ شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا قَالَ: لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلْبَ شَاةٍ فَجِئْنَا نَهُشُّ سُيُوفَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا غَشِينَاهُ فَإِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رِجَالٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا: شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَارْجِعُوا، فَهُزِمْنَا مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ: عَبْدُ الرحمن ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ الشعبي عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بَدَلٍ النَّصْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ شَهِدَ ذَاكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَعَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، قَالَا: انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قبضة من الحصا فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ فَانْهَزَمْنَا، فَمَا خُيِّلَ إِلَيْنَا إِلَّا أَنَّ كُلَّ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ فَارِسٌ يَطْلُبُنَا. قَالَ الثَّقَفِيُّ فَأَعْجَزْتُ عَلَى فَرَسِي حَتَّى دَخَلَتُ الطَّائِفَ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السايب الطائفيّ عن السايب بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَزِيدَ بن عامر السّواي أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَ انْكِشَافِهِ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَتَبِعَهُمُ الْكُفَّارُ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَبْضَةً مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ ارجعوا شاهت
الْوُجُوهُ، قَالَ فَمَا أَحَدٌ يَلْقَاهُ أَخُوهُ، إِلَّا وَهُوَ يَشْكُو قَذًى [ (29) ] فِي عَيْنَيْهِ وَيَمْحُ عَيْنَيْهِ [ (30) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَامِيِّ الْمُقْرِئُ- رَحِمَهُ اللهُ- بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: السائب يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بن عامر السّواي، وَكَانَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، قَالَ: فَنَحْنُ نَسْأَلُهُ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَيْفَ كَانَ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ لَنَا الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْتِ فَيَطِنُّ قَالَ كُنَّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا. وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عامر السوايّ قَالَ: سَأَلْنَاهُ كَيْفَ كَانَ الرُّعْبُ فَذَكَرَهُ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَعْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ (ح) . وحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ همام ابن مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (32) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَدْ عَرِيَ ذَكَرْتُ أَبِي وَعَمِّي وَقَتْلَ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ إِيَّاهُمَا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ قال فذهب لأجئه عَنْ يَمِينِهِ فَإِذَا أَنَا بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ بَيْضَاءُ. كَأَنَّهَا فِضَّةٌ يُكْشَفُ عَنْهَا الْعَجَاجُ، فَقُلْتُ عَمُّهُ وَلَنْ يَخْذُلَهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ عَنْ يَسَارِهِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقُلْتُ ابْنُ عَمِّهِ وَلَنْ يَخْذُلَهُ، قَالَ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أن أسوره سَوْرَةً بِالسَّيْفِ إِذْ رُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَأَنَّهُ بَرْقٌ فَخِفْتُ تَمْحَشَنِي فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْتُ الْقَهْقَرَى، وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا شَيْبُ يَا شَيْبُ ادْنُ مِنِّي اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ قَالَ: فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي وَلَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَقَالَ: يَا شَيْبُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ قَدْ مَضَى لَهُ شاهد عن مَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (33) ] . وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَاللهِ مَا أَخْرَجَنِي إِسْلَامٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ بِهِ وَلَكِنْ أَنِفْتُ أَنْ تَظْهَرَ هَوَازِنُ عَلَى قُرَيْشٍ فَقُلْتُ. وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرَى خَيْلًا بُلْقًا قَالَ: يَا شَيْبَةُ إِنَّهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا كَافِرٌ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ، فو الله مَا رَفَعَ يَدَهُ مِنْ صَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْتِقَاءِ النَّاسِ وَانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ وَنِدَاءِ الْعَبَّاسِ وَاسْتِنْصَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى هَزَمَ اللهَ الْمُشْرِكِينَ [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: إِنَا لَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ إِذْ نَظَرْتُ إِلَى مِثْلِ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ [ (35) ] يَهْوِي مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَإِذَا نَمْلٌ مَنْثُورٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِي فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ فَمَا كُنَّا نَشُكُّ أَنَّهَا الملائكة [ (36) ] .
[قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ] [ (37) ] وَقَالَ ابْنُ عَوْجَاءَ النَّصْرِيُّ: وَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ حُنَيْنٍ وَمَائِهِ ... رَأَيْنَا سَوَادًا مُنْكَرَ اللَّوْنِ أَخْصَفَا وَمَلْمُومَةً شَهْبَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا ... شَمَارِيخَ مِنْ عُودٍ إِذًا عَادَ صَفْصَفَا وَلَوْ أَنَّ قَوْمِيَ طَاوَعَتْنِي سَرَاتُهُمْ ... إِذًا مَا لَقِينَا الْعَارِضَ الْمُتَكَشِّفَا إِذًا مَا لَقِينَا جُنْدُ آلِ مُحَمَّدٍ ... ثَمَانِينَ أَلْفًا وَاسْتَمَدُّوا بِخِنْدِفَا وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ يَذْكُرُ مَسِيرَهُمْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ: أذكر مسيرهم للناس إذا جَمَعُوا ... وَمَالِكٌ فَوْقَهُ الرَّايَاتُ تَخْتَفِقُ وَمَالِكٌ مَالِكٌ مَا فَوْقَهُ أَحَدٌ ... يَوْمَيْ حُنَيْنٍ عَلَيْهِ التَّاجُ يَأْتَلِقُ حَتَّى لَقَوُا النَّاسَ حِينَ الْبَأْسِ يَقْدُمُهُمْ ... عَلَيْهِمِ الْبِيضُ وَالْأَبْدَانُ وَالدَّرَقُ فَضَارَبُوا النَّاسَ حَتَّى لَمْ يَرَوْا أَحَدًا ... حَوْلَ النَّبِيِّ وَحَتَّى جُنَّةِ الْغَسَقِ حَتَّى تَنَزَّلَ جِبْرِيلُ بِنَصْرِهِمُ ... فَالْقَوْمُ مُنْهَزِمٌ مِنْهُمْ وَمُعْتَلِقُ مِنَّا وَلَوْ غَيْرُ جِبْرِيلَ يُقَاتِلُنَا ... لَمَنَّعَتْنَا إِذًا أَسْيَافُنَا الْغُلُقُ وَقَدْ وَفَى عُمَرُ الْفَارُوقُ إِذْ هُزِمُوا ... بِطَعْنَةٍ بَلَّ مِنْهَا سَرْجَهُ الْعَلَقُ
باب قصة أبي قتادة وأبي طلحة رضي الله عنهما في سلب القتيل وقصة أم سليم رضي الله عنها يوم حنين
بَابُ قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي سَلَبِ الْقَتِيلِ وَقِصَّةِ أُمِّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ [عَنْ أَبِي قَتَادَةَ] [ (1) ] أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَامِ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ: قَالَ: أَمْرُ اللهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟» فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهَا [وَأَعْطِنِيهَا] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
لَاهَا اللهِ [ (2) ] إِذًا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيَنَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى
ابن سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أنبأنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ هَوَازِنَ جَاءَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَجَعَلُوهُمْ صُفُوفًا لِيُكَثِّرُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عِبَادَ اللهِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ثم قال: يا معاشر الْأَنْصَارِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» فَهَزَمَ اللهُ الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يُضْرَبْ بِسَيْفٍ وَلَمْ يُطْعَنْ بِرُمْحٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَئِذٍ: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا معك؟ قال: أَرَدْتُ وَاللهِ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ أَنْ أَبْعَجَ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخْبَرَ أَبُو طَلْحَةَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ اقْتُلْ مَنْ يَعْدُونَا مِنَ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سلمة [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَأَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى الطَّائِفِ. وقضينا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَمْنَا السُّيُوفَا نُخَبِّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنَّا أُلُوفَا فَذَكَرَ أَبْيَاتًا آخِرَهُنَّ: نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَوْ تُنِيبُوا ... إِلَى الْإِسْلَامِ إِذْعَانًا مُضِيفَا لِأَمْرِ اللهِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى ... يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلًا حَنِيفَا
باب ما جاء في جيش أوطاس
بَابُ مَا جَاءَ فِي جَيْشِ أَوْطَاسٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مع أبي عَامِرٍ، قَالَ: فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ، فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمُّ! مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامِرٍ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ قَاتِلِي، تَرَاهُ ذَلِكَ الَّذِي رَمَانِي، قَالَ أَبُو مُوسَى فَقَصَدْتُ لَهُ، فَاعْتَمَدْتُهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى عَنِّي ذَاهِبًا، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي؟ أَلَسْتَ عَرَبِيًّا؟ أَلَا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ أَنَا وَهُوَ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ فَقُلْتُ
قَدْ قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْتَزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا [ (1) ] مِنْهُ الْمَاءُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ثُمَّ قُلْ لَهُ إِنَّهُ يَقُولُ لَكَ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ: وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَى سَرِيرٍ مُرَمَّلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ وَقَدْ أَثَّرَ إلى السَّرِيرُ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا، وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي عَامِرٍ عَبْدِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ مِنَ النَّاسِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِي فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا» . قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: أَحَدُهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْآخَرُ لِأَبِي مُوسَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (2) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ بَرَّادٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوَا الطَّائِفَ، وَمَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ، وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ تَوَجَّهَ نَخْلَةَ
مِنْ ثَقِيفٍ إِلَّا بَنُو غَيْرَةَ، فَتَبِعَتْ خَيْلُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ فِي نَخْلَةَ مِنَ النَّاسِ وَلَمْ تَتْبَعْ مَنْ سَلَكَ الثَّنَايَا، فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعِ بْنِ وَهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ لَذْعَةَ وَلَذْعَةُ أُمُّهُ فَغَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ أَدْرَكَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي شِجَارٍ [ (4) ] لَهُ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَإِذَا هُوَ دُرَيْدٌ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ فَقَالَ دُرَيْدٌ مَاذَا تُرِيدُ قَالَ: قَتْلَكَ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، فَقَالَ دُرَيْدٌ: بِئْسَ مَا سَلَّحَتْكَ أُمُّكَ، خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخَّرِ الشِّجَارِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ، وَارْفَعْ عَنِ الْعِظَامِ، وَأَخْفِضْ عَنِ الدِّمَاغِ، فَإِنِّي كَذَلِكَ كُنْتُ أَقْتُلُ الرِّجَالَ، وَإِذَا أَتَيْتَ أُمَّكَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّكَ قَتَلْتَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَرُبَّ يَوْمٍ وَاللهِ قَدْ منعت فيك نِسَاءَكَ، فَقَتَلَهُ، فَزَعَمَتْ بَنُو سُلَيْمِ أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ لَمَّا ضَرَبْتُهُ وَوَقَعَ تَكَشَّفَ وَإِذَا عِجَانُهُ [ (5) ] وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ أَبْيَضُ كَالْقِرْطَاسِ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ أَعْرَاءً، فَلَمَّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إِلَى أُمِّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ فَقَالَتْ: لَقَدْ أَعْتَقَ أُمَّهَاتٍ لَكَ [ (6) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ فَأَدْرَكَ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ مَنِ انْهَزَمَ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ وَأَخَذَ الرَّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، فَقَاتَلَهُمْ فَفُتِحَ عَلَيْهِ فَهَزَمَهُمُ اللهُ وَزَعَمُوا أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدٍ هُوَ الَّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَهُ [ (7) ] . قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَيْمَنُ ابن عبيد.
وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ عَبْدُ الْعُزَّى: يَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ جَمَحَ بِهِ فَرَسٌ فَقُتِلَ. وَمِنَ الْأَنْصَارِ: سُرَاقَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ، ثُمَّ جُمِعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم سَبَايَا حُنَيْنٍ وَأَمْوَالُهُمْ وَكَانَ عَلَى الْغَنَائِمِ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبَايَا وَالْأَمْوَالِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ فَحُبِسَتْ بِهَا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى السَّبْيِ: مَحْمِيَةَ بْنَ الْجَزِّ، حَلِيفًا لِقُرَيْشٍ [ (8) ] .
باب مسير النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف [1] وذلك في شوال سنة ثمان
بَابُ مَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى الطَّائِفِ [ (1) ] وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةُ ثَمَانٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) . قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ [ (2) ] : وَقَاتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَحَاصَرَ الطَّائِفَ في شوال سنة ثمان [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ، وَتَرَكَ السَّبْيَ بِالْجِعْرَانَةِ وَمُلِئَتْ عُرُشُ مَكَّةَ مِنْهُمْ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْأَكَمَةِ عِنْدَ حِصْنِ الطَّائِفِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُقَاتِلُهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه وَتُقَاتِلُهُمْ ثَقِيفٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ أَبِي بَكْرَةَ بْنِ مَسْرُوحٍ أَخِي زِيَادٍ لِأُمِّهِ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحُ، وَقَطَعُوا طَائِفَةً مِنْ أَعْنَابِهِمِ لِيَغِيظُوهُمْ بِهَا، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: لَا تُفْسِدُوا الْأَمْوَالَ فَإِنَّهَا لَنَا أَوْ لَكُمْ، وَاسْتَأْذَنَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي مُنَاهَضَةِ الْحِصْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى أَنْ نَفْتَحَهُ وَمَا أُذِنَ لَنَا فِيهِ الْآنَ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ مُوسَى: وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ إِلَى الطَّائِفِ أَمَرَ بِقَصْرِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فَحُرِّقَ، وَأَقَادَ بِهَا رَجُلًا مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ قَتِيلٍ أُقِيدَ فِي الْإِسْلَامِ. وَزَادَ عُرْوَةُ فِي رِوَايَتِهِ، قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ حَاصَرُوا
ثَقِيفًا أَنْ يَقْطَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَمْسَ نَخْلَاتٍ أَوْ حَبَلَاتٍ مِنْ كُرُومِهِمْ فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا عَفَاءٌ لَمْ تُؤْكَلْ ثِمَارُهَا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا مَا أُكِلَتْ ثَمَرَتُهُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ، فَاقْتَحَمَ إِلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرَةَ بْنُ مَسْرُوحٍ أَخُو زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ لِأُمِّهِ، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعُولُهُ وَيَحْمِلُهُ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبَايَا وَالْأَمْوَالِ فَحُبِسَتْ بِالْجِعْرَانَةِ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرُهُ فَقُتِلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ اقْتَرَبَ مِنْ حَائِطِ الطَّائِفِ، فَكَانَتِ النَّبْلُ تَنَالُهُمْ وَلَمْ يَقْدِرِ [ (5) ] الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا حَائِطَهُمْ، فَلَمَّا أُصِيبَ أُولَئِكَ النَّفَرُ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ عَسْكَرِهِ عِنْدَ مَسْجِدِهِ الَّذِي بِالطَّائِفِ الْيَوْمَ، فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَمَعَهُ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ إِحْدَاهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ بَنَى عَلَى مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ عَمْرُو بْنُ وَهْبٍ مَسْجِدًا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدَ سَارِيَةٌ لَا تَطْلُعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فِيمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا سُمِعَ لَهَا نَقِيضٌ [ (6) ] .
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُكَدَّمِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِ رَقِيقٌ مِنْ رَقِيقِهِمْ أَبُو بَكْرَةَ وَكَانَ عَبْدًا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، وَالْمُنْبَعِثُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُهُ الْمُضْطَجِعُ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْبَعِثَ، قَالَ: وَيُحَنَّسُ، وَوَرْدَانُ فِي رَهْطٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ فَأَسْلَمُوا فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ أَهْلِ الطَّائِفِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْكَ فَقَالَ: لَا أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللهِ وَرَدَّ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ وَلَاءَ عَبْدِهِ فَجَعَلَهُ إِلَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِدُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَنْبَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْرَ الطَّائِفِ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ بَلَّغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ» فَبَلَّغْتُ يَوْمَئِذٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا. وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ عِدْلُ مُحَرَّرٍ وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . «وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ كُلَّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ وَفَاءَ كُلِّ عَظْمٍ بِعَظْمٍ» . «وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَإِنَّ اللهَ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (7) ] جاعل كل
عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا وَفَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهَا مِنَ النَّارِ [ (8) ] » . لَفْظُ حَدِيثَيْهِمَا سَوَاءٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ عِنْدِي مُخَنَّثٌ فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ أَخِي إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ غَدًا الطَّائِفَ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَوْلَهُ، فَقَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامِ [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلًى لِخَالَتِهِ فَاخِتَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ مُخَنَّثٌ يُقَالُ لَهُ مَاتِعٌ، يَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَرَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَفْطِنُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ ممّا يفطن
إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَرَبًا، فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: يَا خَالِدُ إِنِ افْتَتَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الطَّائِفَ فَلَا تُفْلِتَنَّ مِنْكَ بَادِيَةُ بِنْتُ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ لَا أَرَى هَذَا الْخَبِيثَ يَفْطِنُ لِمَا أَسْمَعُ، ثُمَّ قَالَ لِنِسَائِهِ: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ، فَحُجِبَ عَنْ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (10) ] . وفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي لَمْ أَجِدْهُ مِنْ سَمَاعِي، وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيَّ أَخْبَرَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: شَاوَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي حِصْنِ الطَّائِفِ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَى أَنْ تَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِهِمْ فَإِنَّا كُنَّا بِأَرْضِ فَارِسَ فنصب الْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَى الْحُصُونِ، وَتُنْصَبُ عَلَيْنَا، فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوِّنَا، وَيُصِيبُ مِنَّا بِالْمَنْجَنِيقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْجَنِيقٌ طَالَ الثَّوَاءُ [ (11) ] فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَعَمِلَ مَنْجَنِيقًا بِيَدِهِ، فَنَصَبَهُ عَلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، وَيُقَالُ: قَدِمَ بِالْمَنْجَنِيقِ يَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ وَدَبَّابَتَيْنِ [ (12) ] ، وَيُقَالُ: الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الْحَدِيدِ مُحْمَاةٌ بِالنَّارِ فَحَرَّقَتِ الدَّبَّابَةَ فَأَمَرَ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ أَعْنَابِهِمْ وَتَحْرِيقِهَا، فَنَادَى سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ لِمَ تَقْطَعُ أَمْوَالَنَا؟ إِمَّا أَنْ تَأْخُذَهَا إِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْنَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أَدَعُهَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ، فَتَرَكَهَا. وَقَالَ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حرب والمغيرة بْنِ شُعْبَةَ: كَلِّمَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنْ يَدَعَنَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ، فَكَلَّمَاهُ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (13) ] .
باب استئذان عيينة بن حصن بن بدر في مجيئه ثقيفا، واطلاع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم على ما قال لهم
بَابُ اسْتِئْذَانِ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ فِي مَجِيئِهِ ثَقِيفًا، وَإِطْلَاعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى مَا قَالَ لَهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ حَتَّى جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ أُكَلِّمَهُمْ لَعَلَّ اللهَ [أَنْ] [ (1) ] يَهْدِيَهُمْ، فَأَذِنَ لَهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْحِصْنَ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتُمْ تَمَسَّكُوا بِمَكَانِكُمْ وَاللهِ لَنَحْنُ أَذَلُّ مِنَ الْعَبِيدِ وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ لَتَمْلِكُنَّ الْعَرَبَ عِزًّا وَمَنَعَةً، فَتَمَسَّكُوا بِحِصْنِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَا يَتَكَاثَرَنَّ عَلَيْكُمْ قَطْعُ هَذَا الشَّجَرِ، ثُمَّ رَجَعَ عُيَيْنَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا قُلْتَ لَهُمْ يَا عُيَيْنَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُمْ وَأَمَرْتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَيْهِ، وَحَذَّرْتُهُمُ النَّارَ، وَدَلَلْتُهُمْ عَلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ! بَلْ قُلْتَ لَهُمْ: كَذَا وَكَذَا، فَقَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَدِيثَهُ، فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَتُوبُ إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَإِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ النَّاسُ فِي الْقَطْعِ، قَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ لِيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ: عَلَيَّ حَرَامٌ أَنْ أَقْطَعَ حَظِّي مِنَ الْكَرْمِ، فَقَالَ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ: إِنْ شِئْتَ قَطَعْتُ نَصِيبَكَ، فَمَاذَا تَرَى؟ قَالَ
عُيَيْنَةُ: أَرَى أَنْ تَدْخُلَ جَهَنَّمَ فَكَانَتْ هَذِهِ رِيبَةً مِنْ عُيَيْنَةَ فِي دِينِهِ، وَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ مِنْهُ، وَأَوْعَدَ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ الْعَمَلِ أولى لك فاولى [ (2) ] .
باب إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقفول من الطائف ودعائه لثقيف بالهداية وإجابة الله تعالى دعاءه
بَابُ إِذْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْقُفُولِ مِنَ الطَّائِفِ وَدُعَائِهِ لِثَقِيفٍ بِالْهِدَايَةِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- إِمْلَاءً، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَاصَرَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا- إِنْ شَاءَ اللهُ- فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: أَنَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَحْهُ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ غَدًا، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، فَضَحِكَ، النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا. وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُوسِ بْنِ سَلَمَةَ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الْأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَنَذْهَبُ وَلَمْ نَفْتَحْهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (2) ] . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لَمْ يَقُلْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ [ (3) ] . قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، قَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَقْفُلُ قَبْلَ أَنْ نَفْتَحَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ قَالَ فَغَدَوْا عَلَى الْقِتَالِ فَأَصَابَهُمْ جِرَاحَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، فَكَأَنَّهُمُ اشْتَهَوْا ذَلِكَ وَسَكَتُوا قَالُوا فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، فَذَكَرَهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (4) ] الْمَنِيعِيُّ [ (5) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الْأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلَابِيُّ، أَظُنُّهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: أَبُو الْعَبَّاسِ الشَّاعِرُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ فِي فَتْحِ الطَّائِفَ [الصَّحِيحُ] [ (6) ] ابْنُ عُمَرَ، وَاسْمُ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ مَوْلَى بَنِي كِنَانَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ كَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْجَيْشِ يُقَالُ لَهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، كَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ قَبْلَ ذلك تحت عثمان ابن مَظْعُونٍ، قَبْلَ بَدْرٍ، فَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَنْهَضَ إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ؟ قَالَ: لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا حَتَّى الْآنَ فِيهِمْ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ نَفْتَحَهَا الْآنَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَلَقِيَهَا خَارِجَةً مِنْ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ ذَكَرَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بَعْدُ؟ قَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الطَّائِفِ بَعْدُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اجْتَرَأَ عَلَى كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ فَتَنْهَضَ إِلَيْهِمْ لَعَلَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يَفْتَحُهَا فَإِنَّ أَصْحَابَكَ كَثِيرٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الْحَبْسُ، وَمَنْعُهُمْ مَعَايِشَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ، قَالَ: أَفَلَا آمُرُ النَّاسَ فَلَا يُسَرِّحُوا ظَهْرَهُمْ حَتَّى يَرْتَحِلُوا بِالْغَدَاةِ؟ قَالَ: بَلَى، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْقُفُولِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُسَرِّحُوا ظُهُوَرَهُمْ [ (7) ] فَأَصْبَحُوا وَارْتَحَلَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَكِبَ قَافِلًا اللهُمَّ اهدهم واكفنا مؤونتهم. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُكَدَّمِ عَمَّنْ أَدْرَكُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا [ (8) ] : حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ وَلَمْ يُؤْذَنْ فِيهِمْ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَاءَهُ وَفْدُهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَأَسْلَمُوا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أُهْدِيَتْ لِي قَعْبَةٌ [ (9) ] مملؤة زُبْدًا فَنَقَرَهَا دِيكٌ فَأَهْرَاقَ مَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَظُنُّ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تُدْرِكَ منهم يومك هذا اما تُرِيدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنَا مَا أَرَى ذلك [ (10) ] .
ثُمَّ إِنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ: فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ الطَّائِفَ حُلِيَّ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ حُلِيَّ الْفَارِعَةِ بِنْتِ عَقِيلٍ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْلَى نِسَاءِ ثَقِيفٍ فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُذِنَ فِي ثَقِيفٍ، فَخَرَجَتْ خَوْلَةُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا حَدِيثٌ حدثته خَوْلَةُ أَنَّكَ قُلْتَهُ فَقَالَ: قَدْ قُلْتُهُ، فَقَالَ: أَفَلَا أوذّن فِي النَّاسِ فِي الرَّحِيلِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَذَّنَ فِيهِمْ بالرحيل [ (11) ] .
باب رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وقسم الغنيمة وإعطاء المؤلفة، وما قالت الأنصار في ذلك
بَابُ رُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى الْجِعْرَانَةِ وَقَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَمَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ فِي ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دُحْنَا [ (1) ] حَتَّى نَزَلَ بِالْجِعْرَانَةِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ وَكَانَ مَعَهُ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ سِتَّةُ آلَافٍ مِنَ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ مَا لَا يُدْرَى [ (2) ] عِدَّتُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ح) . قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السُّمَيْطُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا، قَالَ: فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بأحسن صفوف
رَأَيْتُ، قَالَ: فَصَفَّ الْخَيْلَ ثُمَّ صَفَّ الْمُقَاتِلَةَ، ثُمَّ صَفَّ النِّسَاءَ، مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صَفَّ الْغَنَمَ، ثُمَّ صَفَّ النَّعَمَ، قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ- أَظُنُّهُ يُرِيدُ الْأَنْصَارَ-. قَالَ: وَعَلَى مُجَنَّبَةِ [ (3) ] خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ [ (4) ] خَلْفَ ظُهُوَرِنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا، وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ، وَمَنْ نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ، فَنَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يال المهاجرين [ (5) ] يال المهاجرين، ثم قال: يال الأنصار. يال الأنصار. قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَةٍ [ (6) ] قَالَ قُلْنَا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَايْمُ اللهِ مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ
اللهُ [تَعَالَى] [ (7) ] قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ، فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلْنَا. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ [مِنَ الْإِبِلِ] [ (8) ] وَيُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ قَالَ فَتَحَدَّثَتِ الْأَنْصَارُ بَيْنَهُمْ أَمَّا مَنْ قَاتَلَهُ فَيُعْطِيهُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُقَاتِلُهُ فَلَا يُعْطِيهِ؟ قَالَ: وَرُفِعَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَمَرَ بِسَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا يَدْخُلْ عَلَيَّ إِلَّا أَنْصَارِيٌّ، أَوْ قَالَ: إِلَّا الْأَنْصَارِ. قَالَ فَدَخَلْنَا الْقُبَّةَ، حَتَّى مَلَأْنَا الْقُبَّةَ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَوْ كَمَا قَالَ: مَا حَدِيثٌ أَتَانِي؟ قَالُوا: مَا أَتَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُوا بِرَسُولِ اللهِ حَتَّى تُدْخِلُوهُ بُيُوتَكُمْ، قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: لَوْ أَخَذَ النَّاسُ شِعْبًا، وَأَخَذَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا أَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَارْضَوْا أَوْ كَمَا قَالَ. لَفْظُ حَدِيثِ الْبَاهِلِيِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُنَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ [ (10) ] ، قَالَ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ [عَلِيُّ] [ (11) ] بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ ابن مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِذَرَارِيِّهِمْ، وَنَعَمِهِمْ، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ [ (12) ] فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ فَنَادَى يومئذ نداء لم يخلط بينها شَيْئًا قَالَ: فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، وَالْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ. قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى [ (13) ] وَتُعْطَى الْغَنِيمَةُ غَيْرَنَا، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ [فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَسَكَتُوا] [ (14) ] فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَتَذْهَبُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ: مُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ رَضِينَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، زَادَ مُعَاذٌ فِي رِوَايَتِهِ قال هشام: قلت
يَا أَبَا حَمْزَةَ [ (15) ] وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ. لَفْظُهُمَا سَوَاءٌ إِلَّا مَا بَيَّنْتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ مُعَاذٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ ابن عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ [فَطَفِقَ] [ (17) ] يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذووا رَأْيِنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُ الْأَنْصَارَ وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم:
«فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ برسول الله؟ فو الله مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلَقَّوَا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عَلَى الْحَوْضِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْغَنَائِمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَسَمَ لِلْمُتَأَلَّفِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَفِي سَائِرِ الْعَرَبِ مَا قَسَمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ وَاللهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، فَمَشَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: فِيمَ؟ فَقَالَ: فِيمَا كَانَ مِنْ قَسْمِكَ هذه
الْغَنَائِمَ فِي قَوْمِكَ، وَفِي سَائِرِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي مَا أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ [ (19) ] ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا فِيهَا فَأَعْلِمْنِي» ، فَخَرَجَ سَعْدٌ فَصَرَخَ فِيهِمْ فَجَمَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ إِلَّا اجْتَمَعَ لَهُ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ حَيْثُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَجْمَعَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ تَعَالَى وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» قَالُوا بَلَى ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟» فَقَالُوا: وَمَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ؟ الْمَنُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ: «أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ: جِئْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ، وَخَائِفًا فَأَمَّنَّاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ» ، فَقَالُوا: الْمَنُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «وَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى مَا قَسَمَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ إِلَى رِحَالِهِمْ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَلَكُوا شِعْبًا وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ [ (20) ] شِعْبَ الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امرءا من
الْأَنْصَارِ [ (21) ] ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ» ، فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ [ (22) ] وَقَالُوا رَضِينَا بِاللهِ وَرَسُولِهِ قَسْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَفَرَّقُوا [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً، وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً، هَذَانِ قُرَشِيَّانِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بن حصين مِائَةً، [وَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ مِائَةً] [ (24) ] وَأَعْطَى مالك بن عوف النصري مِائَةً وَأَعْطَى الْعَبَّاسَ بْنَ
مِرْدَاسٍ دُونَ الْمِائَةِ نَقَصَهُ مِنَ الْمِائَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ أُولَئِكَ، فَأَنْشَأَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، يقول: نهبي ونهب العبيد ... بين عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ [ (25) ] فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَأٍ ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعِ [ (26) ] وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمُ [ (27) ] ... وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ لَفْظُ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْبَيْتَ الثَّالِثَ وَلَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَلَا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ [ (28) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا [أَبُو] [ (29) ] جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) . وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: ثُمَّ قَسَمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِمَ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْهَا وَأَكْثَرَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ الْقَسْمَ، وَأَجْزَلَ لَهُمْ وقسم لغيرهم، ممن
خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْطِي الرَّجُلَ الْوَاحِدَ مِائَةَ نَاقَةٍ، وَالْآخَرَ أَلْفَ شَاةٍ، وَزَوَى كَثِيرًا مِنَ الْقَسْمِ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَوَجَدَتِ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهَا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَصْحَابُ كُلِّ مَوْطِنِ شِدَّةً، ثُمَّ آثَرَ قَوْمَهُ عَلَيْنَا، وَقَسَمَ فِيهِمْ قَسْمًا لَمْ يَقْسِمْهُ لَنَا، وَمَا نَرَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَنْزِلِهِمْ، فَجَمَعَهُمْ، وَقَالَ: «مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ غَيْرِ الْأَنْصَارِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى رَحْلِهِ» ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «حُدِّثْتُ أَنَّكُمْ عَتَبْتُمْ فِي الْغَنَائِمِ أَنْ آثَرْتُ بِهَا نَاسًا أَسْتَأْلِفُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُمْ يَفْقَهُوَنَ وَقَدْ أَدْخَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (30) ] قُلُوبَكُمُ الْإِيمَانَ وَخَصَّكُمْ بِالْكَرَامَةِ وَسَمَّاكُمْ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكْتُمْ وَادِيًا لَسَلَكْتُ [وَادِيَكُمْ] [ (31) ] فَارْضَوْا فَإِنَّمَا أَنْتُمْ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» ، فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَكَوْا فَكَثُرَ بُكَاؤُهُمْ، وَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَيَّ فِيمَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ» قَالُوا: وَجَدْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فِي ظُلُمَاتٍ فَأَخْرَجَنَا اللهُ مِنْهَا بِكَ إِلَى الْجَنَّةِ وَوَجَدْتَنَا عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَنَا اللهُ بِكَ، وَوَجَدْتَنَا ضَالِّينَ فَهَدَانَا اللهُ بِكَ، وَوَجَدْتَنَا أَذِلَّةً قَلِيلًا فَأَعَزَّنَا اللهُ [تَعَالَى] [ (32) ] بِكَ وَكَثَّرَنَا فَرَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، فَافْعَلْ مَا شِئْتَ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ فِي حِلٍّ مُحَلَّلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أما والله أَجَبْتُمُونِي بِغَيْرِ هَذَا لَقُلْتُ صَدَقْتُمْ، لَوْ قُلْتُمْ أَلَمْ تَأْتِنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَمُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَقَبِلْنَا مَا رَدَّ عَلَيْكَ النَّاسُ، لَقُلْتُ: صَدَقْتُمْ» . قَالَتِ الْأَنْصَارُ: بَلْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَيْنَا، وَعَلَى غَيْرِنَا الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، ثُمَّ بَكَوَا الثَّانِيَةَ حَتَّى
كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ وَبَكَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَكَانُوا بِالَّذِي سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنَ الْقَوْلِ أَقَرَّ عَيْنًا، وَأَشَدَّ اغْتِبَاطًا مِنْهُمْ بِالْمَالِ. وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ حِينَ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ وَهُوَ يَسْتَكْثِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَانَتْ نِهَابًا تَلَافَيْتُهَا ... بَكَرِّي عَلَى الْمُهْرِ فِي الْأَجْرَعِ [ (33) ] وَإِيقَاظِيَ الْقَوْمَ أَنْ يَرْقُدُوا ... إِذَا هَجَعَ النَّاسُ لَمْ أَهْجَعِ [ (34) ] فأصبح نهبي ونهب العبي ... - د بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ [ (35) ] وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَأٍ ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعِ [ (36) ] إِلَّا أَفَائِلَ أُعْطِيتُهَا ... عَدِيدَ قَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ [ (37) ] وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ شَيْخِي فِي الْمَجْمَعِ [ (38) ] وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ أَصْبَحَ نَهْبِي ونهب العبيد بين الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ لم يقل
كَذَلِكَ وَلَا وَاللهِ مَا أَنْتَ بِشَاعِرٍ وَمَا يَنْبَغِي لَكَ وَمَا أَنْتَ بِرَاوِيَةٍ، قَالَ: فَكَيْفَ؟ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَوَاءٌ هُمَا مَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ: بِالْأَقْرَعِ، أَمْ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ، فَفَزِعَ مِنْهَا، وَقَالُوا [ (39) ] : أَمَرَ بِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ يُمَثَّلُ بِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ أَنْ يَقْطَعُوهُ بِالْعَطِيَّةِ مِنَ الشَّاءِ وَالْغَنَمِ. قَالَ أَبُو عُلَاثَةَ: قَالَ أَبِي الْعُبَيْدُ فَرَسٌ لَهُ [ (40) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: كَانَ مَنْ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ أَصْحَابِ [الْمِئِينَ] [ (41) ] مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَائِرِ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَأَعْطَى ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ مِائَةَ بَعِيرٍ. وَأَعْطَى مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مِائَةَ بَعِيرٍ. وَمِنْ بني عبد الدار: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ مِائَةَ بَعِيرٍ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ: الْعَلَاءَ بْنَ حَارِثَةَ الثَّقَفِيَّ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَمَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النَّصْرِيَّ: مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْمِئِينَ.
وَأَعْطَى دُونَ الْمِائَةِ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أُهَيْبَ الزُّهْرِيَّ، وَعُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ، وَهِشَامَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بني عمر بْنِ لُؤَيٍّ فَأَعْطَاهُمْ دُونَ المئة وَلَا أَحْفَظُ عِدَّةَ مَا أَعْطَاهُمْ. وَأَعْطَى سَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ خَمْسِينَ مِنَ الْإِبِلِ. وَأَعْطَى قَيْسَ بْنَ عَدِيٍّ السَّهْمِيَّ خَمْسِينَ مِنَ الْإِبِلِ. وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسَ أبا عر فَسَخِطَهَا فَعَاتَبَ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَبْيَاتَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبُوا فَاقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ فَزَادُوهُ حَتَّى رَضِيَ فَكَانَ ذَلِكَ قَطْعَ لِسَانِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أعطيت عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَتَرَكْتَ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ الضَّمْرِيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بيده لجعيل ابن سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ كُلِّهَا مِثْلَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَلَكِنِّي تَأَلَّفْتُهُمَا لِيُسْلِمَا وَوَكَلْتُ جُعَيْلًا إِلَى إِسْلَامِهِ [ (42) ] .
باب اعتراض من اعترض من أهل النفاق في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن خروج أشباه له يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، وإخباره عن آيتهم وما ظهر في ذلك من علامات النبوة.
بَابُ اعْتِرَاضِ مَنِ اعْتَرَضَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ فِي قِسْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خُرُوجِ أَشْبَاهٍ لَهُ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، وَإِخْبَارِهِ عَنْ آيَتِهِمْ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ يَعْنِي أَبَا يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحنظلي، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ! قَالَ: فَقُلْتُ وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الرَّجُلُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى صَارَ كَالصِّرْفِ [ (1) ] ، قَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ الله ورسوله، ثم قال: يرحم الله
مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا [ (2) ] فَصَبَرَ قَالَ فَقُلْتُ لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ هَذَا حَدِيثًا. لَفْظُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَقَالَ إِسْحَاقُ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَآثَرَ نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، وَقَالَ: أَوْ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ [تَعَالَى] [ (3) ] . وَحَدِيثُ قُتَيْبَةَ وَعُثْمَانَ عَلَى لَفْظِ أَبِي خَيْثَمَةَ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: أَوْ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ [تَعَالَى] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ بِالْجِعْرَانَةِ [ (5) ] النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ، [قَالَ] [ (6) ] : وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرَتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أعدل،
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ. قَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هذا وأصحابه يقرؤون الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ [ (7) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أنبأنا أَبُو سَعِيدٍ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عثمان ابن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ زَمَنُ قَسْمِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغَانِمَ حُنَيْنٍ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: اعْدِلْ! فَقَالَ: قَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ. أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ محمد ابن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَتَلِيدُ بْنُ كِلَابٍ اللَّيْثِيُّ فَلَقِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ مُعَلِّقًا نَعْلَيْهِ فِي يَدَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ حَضَرْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ يكَلِّمُهُ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ حَدَّثَنَا فَقَالَ أَتَى ذُو الْخُوَيْصِرَةِ [التَّمِيمِيُّ] [ (8) ] رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه [وسلم] [ (9) ] وَهُوَ يَقْسِمُ الْمَقَاسِمَ بِحُنَيْنٍ
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ رَأَيْتُ مَا صَنَعْتَ قَالَ: وَكَيْفَ رَأَيْتَ قَالَ: لَمْ أَرَكَ عَدَلْتَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعَدْلُ عِنْدِي فَعِنْدَ مَنْ يَكُونُ!» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَقُومُ إِلَيْهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِهَذَا شِيعَةٌ يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ، حَتَّى يَمْرُقُوا كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا تَجِدُ شَيْئًا، وَتَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا تَجِدُ شَيْئًا، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلَا تَجِدُ شَيْئًا سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ [ (10) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: أَتَى ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ الْمَقَاسِمَ بِحُنَيْنٍ. فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (11) ] أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: بينا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا إِذْ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ- رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اعْدِلْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ وَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» . قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِيهِ أضرب عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يمرقون من
الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ [ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ [ (12) ] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ [ (13) ] وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ] [ (14) ] ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي قُذَذِهِ [ (15) ] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ [ (16) ] آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ [ (17) ] ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ وَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَوُجِدَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ [حَدَّثَنَا] [ (19) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، وَهُدْبَةُ بن خالد
قَالَا: [ (20) ] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (21) ] . وفي هذا والذي قتله خبر النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خُرُوجِ قَوْمٍ فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ، فَكَانَ كَمَا قَالَ، خَرَجُوا حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَقَتَلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَوَجَدُوا الْمُخْدَجَ كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ ظَهَرَتْ بَعْدَ وَفَاةِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّهَرِ، قَالَ: ابْتَغُوا فِيهِمْ- إِنْ كَانُوا الْقَوْمَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ- فَإِنَّ فِيهِمْ رَجُلًا مُخْدَجَ الْيَدِ، أَوْ مُودَنَ الْيَدِ، أَوْ مَثْدُونَ الْيَدِ [ (22) ] فَابْتَغَيْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ فَدَعَوْنَاهُ إِلَيْهِ فَجَاءَ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَاللهِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا قَضَى الله عَلَى لِسَانِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ قُلْتُ. أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (23) ] مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ عِنْدَ ذِكْرِ أَخْبَارِهِ عَنِ الْكَوَائِنِ بعده وبالله التوفيق.
باب وفود وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة [1] مسلمين ورد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم سباياهم
بَابُ وُفُودِ وَفْدِ هَوَازِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ [ (1) ] مُسْلِمِينَ وَرَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَبَايَاهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا [ (2) ] أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيَّانِ، أَنَّ لَيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: زَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحكم، والمسور بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ، مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وأحبّ الحديث
إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ مِنْ سَبْيِهِمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ إِلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمَرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ اللَّيْثِ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ إِلَى الْجِعْرَانَةِ، وَبِهَا السَّبْيُ، وَقَدِمَتْ عَلَيْهِ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فِيهِمْ تِسْعَةُ نَفَرٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَأَسْلَمُوا، وَبَايَعُوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ كَلَّمُوهُ فِيمَنْ أُصِيبَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فِيمَنْ أَصَبْتُمْ: الْأُمَّهَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ، وَهُنَّ مَخَازِي الْأَقْوَامِ، وَنَرْغَبُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَانَ رَحِيمًا جَوَّادًا كَرِيمًا فَقَالَ: سَأَطْلُبُ لَكُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَتِ الْمَقَاسِمُ مَوَاقِعَ فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ: أَطْلُبُ لَكُمُ السَّبْيَ، أَمِ الْأَمْوَالَ؟ قَالُوا: خَيَّرْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَ الْحَسَبِ وَبَيْنَ [الْمَالِ] ، فَالْحَسَبُ أَحَبُّ إِلَيْنَا وَلَا نَتَكَلَّمُ فِي شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أما الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ فَهُوَ لَكُمْ، وَسَوْفَ أُكَلِّمُ لَكُمُ الْمُسْلِمِينَ وَأَشْفَعُ لَكُمْ، فَكَلِّمُوهُمْ وَأَظْهِرُوا إِسْلَامَكُمْ، وَقُولُوا: نَحْنُ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَعَلَّمَهُمُ التَّشَهُّدَ، وَكَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْهَاجِرَةَ قَامُوا فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْكَلَامِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَتَكَلَّمَ خُطَبَاؤُهُمْ فَأَصَابُوا الْقَوْلَ، فَأَبْلَغُوا فِيهِ، وَرَغِبُوا إِلَيْهِمْ فِي رَدِّ سَبْيِهِمْ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغُوا فَشَفَعَ لَهُمْ وَحَضَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ رَدَدْتُ الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ، وَالَّذِي بِيَدِي عَلَيْهِمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُعْطِيَ وَيَأْخُذَ الْفِدَاءَ فَعَلَيَّ فِدَاؤُهُمْ فَأَعْطَى النَّاسُ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [ (4) ] سَأَلُوا الْفِدَاءَ. وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حدثني عروة ابن الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحكم والمسور بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أَذِنَ لِلنَّاسِ فِي عِتْقِ سَبْيِ هَوَازِنَ: إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ لَكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمَرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وأذنوا.
قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ سَبْيَ هَوَازِنَ الَّذِينَ رَدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَإِنَّهُ خَيَّرَ نِسَاءً كُنَّ عِنْدِ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ كَانَا قَدِ اسْتَسَرَّا الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُمَا، فَاخْتَارَتَا قَوْمَهُمَا. وَزَعَمُوا أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ أَبَى عَلَيْهِمْ، وَحَضَّ عَلَى مَنْعِهِمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ: لَا تألوا أَنْ تَحُضَّ عَلَيْنَا مَا بَقِينَا، فَقَدْ قَتَلْنَا بِكْرَكَ وَابْنَيْكَ، وَشَفَعْنَا أُمَّكَ نُسَيْكَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْدَمَ مَكَّةَ فَيَشْتَرِيَ لِلسَّبْيِ ثِيَابَ الْمُعَقَّدِ [ (5) ] ، فَلَا يَخْرُجُ الْحُرُّ مِنْهُمْ إِلَّا كَاسِيًا، وَقَالَ: احْبِسْ أَهْلَ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ بِمَكَّةَ عِنْدَ عَمَّتِهِمْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ الْوَفْدُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُولَئِكَ سَادَتُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أُرِيدُ بِهِمُ الْخَيْرَ، وَأَرْسَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَالِكِ ابن عَوْفٍ، وَكَانَ قَدْ فَرَّ إِلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، فَقَالَ: إِنْ جِئْتَنِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ إِلَيْكَ أَهْلَكَ، وَلَكَ عِنْدِي ماية نَاقَةٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ فِي كُلِّ سَبْيٍ فُدِيَ مِنَ الْعَرَبِ سِتَّ فَرَائِضَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِذَلِكَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ الْوَلَائِدَ مِنَ الْعَرَبِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: فَلَمْ يَرْضَ عُيَيْنَةُ، فَأَخَذَ عَجُوزًا وَقَالَ أُعَيِّرُ بِهَا هَوَازِنَ، فَمَا أَخْرَجَهَا عَنْ يَدِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ خَدَعَهُ عَنْهَا: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ فو الله لَقَدْ أَخَذْتُهَا مَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، وَلَا خَدُّهَا بِمَاجِدٍ [ (6) ] ، قَالَ حَقًّا مَا تَقُولُ قَالَ إِي
وَاللهِ قَالَ فَأَبْعَدَكَ اللهُ وإياها وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا عِوَضًا [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ فَلَمَّا أَصَابَ مِنْ هَوَازِنَ مَا أَصَابَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَسَبَايَاهُمْ أَدْرَكَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ وَقَدْ أَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَنَا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ، وَقَامَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ مِنَ السَّبَايَا خَالَاتُكَ وَعَمَّاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ [ (8) ] اللَّاتِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ، فَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا [ (9) ] ابْنَ أَبِي شَمِرٍ، أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ أَصَابَنَا مِنْهُمَا مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا مِنْكَ رَجَوْنَا عَائِدَتَهُمَا [ (10) ] وَعَطْفَهُمَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ ثُمَّ أَنْشَدَ أبياتا قالها امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ [ (11) ] امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا [ (12) ] قَدَرٌ ... مُمَزَّقٌ شَمْلُهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ أَبْقَتْ لَهَا الْحَرْبُ هُتَّافًا عَلَى حَزَنٍ ... عَلَى قُلُوبِهِمُ الْغَمَّاءُ وَالْغِمَرُ إِنْ لَمْ تَدَارَكْهُمْ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ يَمْلَؤُهُ مِنْ مخضها الدرر
لَا تَجْعَلنَّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ ... وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ إِنَّا لَنَشْكُرُ آلَاءً وَإِنْ كُفِرَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ قَالَ [ (13) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ، أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَبَيْنَ أَمْوَالِنَا: أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَإِذَا أَنَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ فَقُومُوا وَقُولُوا إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا سَأُعِينُكُمْ [ (14) ] عِنْدَ [ (15) ] ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ فَلَمَّا صَلَّى صلى الله عليه وسلم: بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، قَامُوا، فَقَالُوا: مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أماما كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَهُوَ لَكُمْ. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: ومَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. فقالت الْأَنْصَارُ: ومَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا. فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: بَلْ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتُّ فَرَائِضَ [ (16) ] مِنْ أَوَّلِ فَيْءٍ تُصِيبُهُ، فَرَدُّوا إِلَى النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ. ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْسِمْ عَلَيْنَا
فَيْأَنَا حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى شَجَرَةٍ، فَانْتَزَعَتْ عَنْهُ رِدَاءَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي فَوَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا القيتموني: بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ بَعِيرٍ وَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً فَجَعَلَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَقَالَ: ايها الناس! والله مالي من فيئكم ألا وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةِ، إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ، فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ، وَنَارٌ، وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ مِنْ [خُيوطِ شَعَرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَخَذْتُ هَذِهِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْدَعَةَ بَعِيرٍ] [ (17) ] لِي دَبِرَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَمَّا حَقِّي مِنْهَا لَكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا إِذْ بَلَغَ الْأَمْرُ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَرَمَى بِهَا مِنْ يَدِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا [ (18) ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: [ (19) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: رَيْطَةُ بِنْتُ [هِلَالِ بْنِ] [ (20) ] حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ، وَأَعْطَى عُثْمَانَ: زَيْنَبَ بِنْتَ حَيَّانَ، وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فُلَانَةَ، فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فبعث بجاريتي الى
أَخْوَالِي فِي بَنِي جُمَحَ، لِيُصْلِحُوا لِي مِنْهَا، حَتَّى أَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ آتِيَهُمْ إذ فَرَغْتُ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَشْتَدُّونَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: رَدَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَنَا، وَأَبْنَاءَنَا، فَقُلْتُ: دُونَكُمْ صَاحِبَتَكُمْ فَهِيَ فِي بَنِي جُمَحَ فَانْطَلَقُوا فَأَخَذُوهَا. [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (23) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلا- (ح) . قَالَ: وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، أَنَّ أيوب حدثه، أنه نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا. [قَالَ] : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَعْتَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا النَّاسِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ فَخَلِّ سَبِيلَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن أبي الطاهر [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَجْزَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ أَصَابَ جَارِيَتَهُ، فَخُطِبَتْ إِلَى ابْنِ عَمٍّ لَهَا، كَانَ زَوْجَهَا وَكَانَ سَاقِطًا لَا خَيْرَ فِيهِ، فَلَمَّا رُدَّتِ السَّبَايَا سَاقَهَا فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بِهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا عُثْمَانُ فَأَعْطَاهَا شَيْئًا بِمَا كَانَ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ زَوْجَهَا قَالَ لَهَا: وَيْحَكِ هَذَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكِ مِنِّي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، زَوْجِي، وَابْنُ عَمِّي. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَأَعَفَّ صَاحِبَتَهُ، وَعَلَّمَهَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ هَوَازِنَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ مَا فَعَلَ فَقَالُوا هُوَ بِالطَّائِفِ فَقَالَ: أَخْبِرُوا مَالِكًا أَنَّهُ إِنْ أَتَانِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَأُتِيَ مَالِكٌ بِذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّائِفِ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ خَافَ مِنْ ثَقِيفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فِيَحْبِسُوهُ فَأَمَرَ بِرَاحِلَةٍ لَهُ [ (25) ] ، فَهُيِّئَتْ وَأَمَرَ بِفَرَسٍ لَهُ، فَأَتَى بِهِ الطَّائِفَ، فَخَرَجَ لَيْلًا فَجَلَسَ عَلَى فَرَسِهِ فَرَكَضَهُ، حَتَّى أَتَى رَاحِلَتَهُ حَيْثُ أَمَرَ بِهَا فَجَلَسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَهُ بِالْجِعْرَانَةِ، أَوْ بِمَكَّةَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَاهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ حِينَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ليسلم: مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ ... فِي النَّاسِ كُلِّهِمُ بِمِثْلِ مُحَمَّدِ أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إِذَا اجْتَدَى ... وَإِذَا تَشَأْ يُخْبِرْكَ عَمَّا فِي غَدِ [ (26) ] وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عرّدت [ (27) ] أنيابها [ (28) ] ... أُّمّ العدى فيها بكل مهنّد
فَكَأَنَّهُ لَيْثٌ لَدَى أَشْبَالِهِ ... وَسْطَ الْهَبَاءَةِ وَخَادِرٌ [ (29) ] فِي مَرْصَدِ [ (30) ] فَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَتِلْكَ الْقَبَائِلِ مِنْ ثُمَالَةَ، وَسَلَمَةَ، وَفِيهِمْ كَانَ يُقَاتِلُ بِهِمْ ثَقِيفًا لَا يَخْرُجُ لَهُمْ سَرْحٌ إِلَّا أَغَارَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصِيبَهُ [ (31) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو: إِسْمَاعِيلُ بْنُ [ (32) ] نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ ابن يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ ثَوْبَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَمِّي عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: كُنْتُ غلاما أحمد عَظْمَ الْبَعِيرِ، وَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ [ (33) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ النَّجَّارِ الْمُقْرِئُ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ هَوَازِنَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أُخْتُكَ أَنَا شَيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهَا: إِنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَإِنْ يَكُ مِنِّي أَثَرًا لَنْ يَبْلَى قَالَ:
فَكَشَفَتْ عَنْ عَضُدِهَا ثُمَّ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ حَمَلْتُكَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ فَعَضَضْتَنِي هَذِهِ الْعَضَّةَ، فَبَسَطَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ قَالَ: سَلِي تُعْطَيْ وَاشْفَعِي تُشَفَّعِي [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ بن السايب حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بين يديه [ (35) ] .
باب عمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة
بَابُ عُمْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: وَأَهَلَّ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ اسْتَخْلَفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ، عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، وَكَانَتْ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ إِحْدَى ثَلَاثِ عُمَرَاتٍ اعْتَمَرَهُنَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (1) ] ثُمَّ صَدَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَلَّفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَأَنْزَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] الْقُرْآنَ، فَقَالَ: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ، شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [ (3) ] هَذِهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ بَعْدَهَا. قَالَ مُوسَى: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ [ (4) ] بِفَتْحِ حُنَيْنٍ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَمُعَاذُ بْنُ أَوْسٍ [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من الْجِعْرَانَةِ مُعْتَمِرًا، وَأَمَرَ بِبَقَايَا الفيء فحبس بمحنّة وَهُوَ بِنَاحِيَةِ كَذَا وَكَذَا الْمَوْضِعُ سَمَّاهُ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمْرَتِهِ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَخَلَّفَ مَعَهُ مُعَاذًا يُفَقِّهُ النَّاسَ فِي الدِّينِ وَيُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ، فَكَانَتْ عُمْرَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي بَقِيَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَحَجَّ النَّاسُ تِلْكَ السَّنَةَ عَلَى مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَحُجُّ عَلَيْهِ وَحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً- أَظُنُّهُ قَالَ- الْعَامَ الْمُقْبِلَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قسم غنائم حنين في ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حجته. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (7) ] . أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى: أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عثمان بن
خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا وَمَشَوْا أَرْبَعًا، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى [ (8) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا [ (9) ] أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْإِمَامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بن منبه [ (10) ] ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ، أَوْ قَالَ: أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَصْنَعُ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم الوحي فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ عَنْهُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا لَهُ غَطِيطٌ [قَالَ] [ (11) ] وَأَحْسَبُهُ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ [ (12) ] ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السائل عن
الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، أَوْ قَالَ: أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ. قَالَ: وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ قَدْ عَضَّ رَجُلًا فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَا الَّذِي عَضَّهُ، قَالَ: فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (13) ] وَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَقْضِمَهُ كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (14) ] . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ [ (15) ] . وَأَخْرَجَا حَدِيثَ الْعَضِّ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ عَطَاءٍ، وَقِصَّةُ الْعَضِّ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ [ (16) ] . وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النُّضَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، فَكَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَكْرَمَنَا بِالْإِسْلَامِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ نَمُتْ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ الْآبَاءُ، وَقُتِلَ عَلَيْهِ الْإِخْوَةُ وَبَنُو الْعَمِّ، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى حُنَيْنٍ، وَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ [ (17) ] بَعْدُ، قَالَ: وَنَحْنُ نُرِيدُ إِنْ كَانَتْ دَبْرَةً
عَلَى مُحَمَّدٍ أَنْ نُغِيرَ عليه، فلم يمكننا ذَلِكَ فَلَمَّا صَارَ بِالْجِعْرَانَةِ فو الله إِنِّي لَعَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ إِنْ شَعَرْتُ إِلَّا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّانِي، فَقَالَ: النُّضِيرُ! فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِمَّا أَرَدْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِمَّا حَالَ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ سَرِيعًا، فَقَالَ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تُبْصِرَ مَا أَنْتَ فِيهِ تُوضَعُ، قُلْتُ قَدْ أَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ زِدْهُ ثَبَاتًا، قَالَ النُّضَيْرُ فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنَّ قَلْبِي حَجَرٌ ثَبَاتًا فِي الدِّينِ وَبَصِيرَةً بِالْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ.
باب ما جاء في قدوم كعب بن زهير [1] على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما رجع إلى المدينة زمن الفتح
بَابُ مَا جَاءَ فِي قُدُومِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ [ (1) ] عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحسن بْنِ أَحْمَدَ الْأَسَدِيُّ بِهَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بن أبي سلمى والْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ أَبْنَاءُ زُهَيْرٍ، حَتَّى أَتَيَا أَبْرَقَ الْعَرَّافَ، فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ: اثْبُتْ فِي عَجَلٍ هَذَا الْمَكَانَ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ، فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ، فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا، فقال: أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غير ذلك دلّكا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بكأس روية ... وأ نهلك الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا [ (2) ] فَلَمَّا بَلَغَ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَهْدَرَ دَمَهُ، وَقَالَ: مِنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ: النَّجَاءَ، وَمَا أَرَاكَ تَنْفَلِتُ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَاكَ: أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِيهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَسْقَطَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ، وَأَقْبِلْ. فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَصِيدَةَ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً دون حلقة يلتفت هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ، وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ قَالَ كَعْبٌ: فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّفَةِ، فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمْتُ، فَقُلْتُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ» ، الْأَمَانَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا كعب ابن زُهَيْرٍ قَالَ: «الَّذِي يَقُولُ» ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «كَيْفَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ، فَأَنْشَدَهُ أَبُو بكر.
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رويّة ... وأ نهلك الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا قُلْتُ هَكَذَا، قَالَ: فَكَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ: سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رويّة ... وأ نهلك الْمَأْمُورُ مِنْهَا وَعَلَّكَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَأْمُورٌ وَاللهِ» ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَأَمْلَاهَا عَلَيَّ الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، وَهِيَ هَذِهِ القصيدة: بَانَتْ سُعَادُ فَقلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يغد مَعْلُولُ فَذَكَرَ أَبْيَاتًا، ثُمَّ قَالَ: تَسْعَى الْغُوَاةُ بِدَفَّيْهَا وَقِيلِهِمُ ... بِأَنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: يَسْعَى الْوُشَاةُ بِجَنْبَيْهَا وَقَوْلُهُمُ ... خَلُّوا طَرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ [ (3) ] وَفِي رِوَايَةٍ: فَقُلْتُ: خَلُّوا طَرِيقِي لَا أَبَا لَكُمُ ... كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ [ (4) ]
نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ [ (5) ] مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ ... الْفُرْقَانِ فيه مواعيظ وتفضيل وَفِي رِوَايَةٍ: مَهْلًا هَدَاكَ الَّذِي. لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَلَمْ أُذْنِبْ، وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الْأَقَاوِيلُ ثُمَّ ذَكَرَ أَبْيَاتًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ وَفِي رِوَايَةٍ: مُهَنَّدٌ مِنْ سيوف الله ... مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا وَقَالَ فِي عَصَبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا حِيلٌ مَعَازِيلُ وَفِي رِوَايَتِهِ: وَلَا ميل معازيل
ثُمَّ ذَكَرَ أَبْيَاتًا: قَالَ وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْقَصُ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، قَالَ: أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ ابن أَبِي سُلْمَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كعب ابن زُهَيْرٍ «بَانَتْ سُعَادُ» فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا بَلَغَ قوله: إِنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا أَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكُمِّهِ إِلَى الْخَلْقِ لِيَأْتُوا فَيَسْمَعُوا مِنْهُ. وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا شَيْخُنَا الْأَبْيَاتَ بِتَمَامِهَا فِي الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ مِنَ الأمالي وفيها زحف فَلَمْ أَنْقُلْهَا. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ مُنْصَرِفًا مِنَ [ (6) ] الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إِلَى أَخِيهِ: كَعْبٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ كَعْبٌ: الْمَأْمُونُ لِقَوْلِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَتْ تَقُولُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبْيَاتَهُ لِلْأَنْصَارِ [ (7) ] حِينَ غَضِبُوا مِنْ مَدْحِهِ قُرَيْشًا دُونَهُمْ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْمَغَازِي بأجزائي وبالله التوفيق.
جماع أبواب غزوة تبوك.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ تَبُوكَ. بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، وَتَأَهُّبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ وَمَا رُوِيَ فِي تَجْهِيزِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشَ وَاسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] عَلَى الْمَدِينَةِ وَتَخَلُّفِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ لِعُذْرٍ أَوْ نِفَاقٍ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَمَا ظَهَرَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ سِرِّ الْمُتَصَدِّقِ بِمَا أُصِيبَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى رَجَبٍ ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّهَيُّؤِ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَا كَانَ يَخْرُجُ فِي وَجْهٍ مِنْ مَغَازِيهِ إِلَّا أَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي أُرِيدُ الرُّومَ، فَأَعْلَمَهُمْ، وَذَلِكَ فِي زَمَانٍ مِنَ الْبَأْسِ، وَشِدَّةٍ مِنَ الْحَرِّ، وَجَدْبٍ مِنَ الْبِلَادِ، وَحِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، وَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمَقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالَهِمْ، وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ عَنْهَا، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي جِهَازِهِ إِذْ قَالَ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ: يَا جَدُّ هَلْ لَكَ فِي بَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ أَشَدُّ عُجْبًا بِالنِّسَاءِ [ (4) ] مِنِّي، وَإِنِّي أَخَافُ إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ يفتنني، فأذن
لِي يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [ (5) ] . يَقُولُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغْبَتِهِ بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَخَافُ مِنْ فِتْنَةِ نِسَاءِ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لمحيطة بالكافرين يَقُولُ لِمَنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) [ (6) ] . قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَرِهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ، وَحَضَّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النَّفَقَةِ وَالْحُمْلَانِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَحَمَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَاحْتَسَبُوا وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً عَظِيمَةً لَمْ يُنْفِقْ أَحَدٌ أَعْظَمَ مِنْهَا وَحَمَلَ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ أَبِي كريمة، عن الوليد ابن أَبِي هِشَامٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ قَالَ: فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: ثُمَّ حَثَّ عَلَى الْجَيْشِ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: ثُمَّ حَضَّ أَوْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على
الْجَيْشِ الثَّالِثَةَ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ ثَلَاثُ مِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَنَا شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَهَا، أَوْ قَالَ: بَعْدَ [ (7) ] الْيَوْمِ. تَابَعَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَكَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ضمرة ابن رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَفَرَّغَهَا عُثْمَانُ فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُهَا، وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ عُثْمَانُ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَهَا مِرَارًا [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ [مُحَمَّدُ] [ (9) ] بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ [ (10) ] الْعُسْرَةِ غَفَرَ اللهُ لَهُ،
فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ خِطَامًا وَلَا عِقَالًا؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ. أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ [ (12) ] إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ [ (13) ] ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ أصحابي أرسلوني
إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلَا أَشْعُرُ فَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، ومن مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً [ (14) ] إِذْ بَعَثَ بِلَالًا يُنَادِي: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ؟ فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ [ (15) ] ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ (لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ [ (16) ] ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ) فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ: إِنَّ اللهَ (أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم) يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَارْكَبُوهُنَّ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ وَاللهِ! لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلْتُهُ لَكُمْ، وَمَنْعَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُ إِيَّايَ بَعْدَ ذَلِكَ [ (17) ] لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ، فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ، حَتَّى أَتَوَا الَّذِينَ سَمِعُوا مَقَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مِنْ مَنْعِهِ [ (18) ] إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَائِهِ بَعْدُ، فَحَدَّثُوهُمْ بِمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى سَوَاءً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ [أبي] [ (19) ] اسامة [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ البكّاؤون، وَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو ليلى: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحُمَامِ بْنُ الْجَمُوحِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ وَهَرْمِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ الْفَزَارِيُّ، فَاسْتَحْمَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَقَالَ: «لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» «فَتَوَلَّوْا وأعينهم تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ» . فَبَلَغَنِي أَنَّ يَامِينَ بْنَ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ لَقِيَ أَبَا لَيْلَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ وعبد الله بن مغفل وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا فَقَالَا جِئْنَا إِلَى [ (21) ] رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا [ (22) ] لَهُ فَارْتَحَلَاهُ وَزَوَّدَهُمَا شَيْئًا مِنْ لَبَنٍ فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ فَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى مِنْ لَيْلَتِهِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (23) ] مَا يَحْمِلُنِي عليه،
وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ أَوْ جَسَدٍ [ (24) ] أَوْ عِرْضٍ ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ؟ فَلْيَقُمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ فو الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبْتَ فِي الزَّكَاةِ الْمُقْبِلَةِ [ (25) ] . وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ [ (26) ] مِنَ الْأَعْرَابِ فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يَعْذِرْهُمُ اللهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمُ النِّيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَخَلَّفُوا عَنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ، مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو بَنِي وَاقِفٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَكَانُوا رَهْطَ صِدْقٍ لَا يُتَّهَمُونَ فِي إِسْلَامِهِمْ [ (27) ] . قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ ابن مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ عَدُوُّ اللهِ عَلَى ذِي حِدَةٍ عَسْكَرَهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَمَا كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرّيب [ (28) ] .
وَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ، فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: مَا خَلَّفَهُ إِلَّا اسْتِثْقَالًا لَهُ وَتَخَفُّفًا مِنْهُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ: أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سِلَاحَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرُفِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا خَلَّفْتَنِي تَسْتَثْقِلُنِي وَتُخَفِّفُ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: كَذَبُوا، وَلَكِنِّي خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي فَارْجِعْ، فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ أَلَا تَرْضَى يَا عَلِيُّ أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ [ (29) ] . حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: خَلَّفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (29) ] وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِمَا [ (30) ]
باب لحوق أبي ذر رضي الله عنه وأبي خيثمة [رضي الله عنه] [1] برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه، وما ظهر فيما روي من قوله عند مجيئهما وإخباره عن حال أبي ذر وقت وفاته من آثار النبوة
بَابُ لُحُوقِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَبِي خَيْثَمَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَمَا ظَهَرَ فِيمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ مَجِيئِهِمَا وَإِخْبَارِهِ عَنْ حَالِ أَبِي ذَرٍّ وَقْتَ وَفَاتِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ [ (2) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ جَعَلَ لَا يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلَانٌ، فَيَقُولُ: دَعُوهُ إِنْ يده فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (3) ] بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ [تَعَالَى] مِنْهُ حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ، فَقَالَ: «دَعُوهُ إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللهُ بِكُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ مِنْهُ» ، فَيَلْزَمُ أَبُو ذَرٍّ بَعِيرَهُ فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ، أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، وَنَظَرَ نَاظِرٌ من المسلمين، فقال:
يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا ذَرٍّ [ (4) ] ، فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ وَاللهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ» . فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلَامَهُ إِذَا مُتُّ فَاغْسِلَانِي وَكَفِّنَانِي ثُمَّ احْمِلَانِي فَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّونَ بِكُمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا بِهِ كَذَلِكَ فَاطَّلَعَ رَكْبٌ [فَمَا] [ (5) ] أُعْلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُمْ تُوطَأُ سَرِيرَهُ، فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ، فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي، فَقَالَ: صَدَقَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ. فَنَزَلَ فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَجَنَّهُ [ (6) ] . وبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ أَخَا بَنِي سَالِمٍ رَجَعَ بَعْدَ مَسِيرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَيَّامًا إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشَيْنِ [ (7) ] لهما في حايط قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرَّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيَّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا فَلَمَّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشَيْنِ، فَنَظَرَ إِلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضح [ (8) ]
وَالرِّيحِ وَالْحَرِّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلٍّ بَارِدٍ وَمَاءٍ بَارِدٍ وَطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ فِي مَالِهِ مُقِيمٌ؟! مَا هَذَا بِالنَّصَفِ، ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللهِ لَا أُدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَهَيِّئَا لِي زَادًا فَفَعَلَتَا، ثُمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدْرَكَهُ بِتَبُوكَ حِينَ نَزَلَهَا، وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ [فِي الطَّرِيقِ يَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ] [ (9) ] فَتَرَافَقَا حَتَّى إِذَا دَنَوَا مِنْ تَبُوكَ، قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا [فَلَا عَلَيْكَ أَنْ] [ (10) ] تَخَلَّفَ عَنِّي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَفَعَلَ فَسَارَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ قَالَ النَّاسُ هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطَّرِيقِ مُقْبِلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ وَاللهِ أَبُو خَيْثَمَةَ، فَلَمَّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَوْلَى لَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ» [ (11) ] ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم تَجَهَّزَ غَازِيًا يُرِيدُ الشَّامَ، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَكَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَلَيَالِي الْخَرِيفِ، وَالنَّاسُ خَارِفُونَ فِي نَخِيلِهِمْ فَأَبْطَأَ عَنْهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَقَالُوا: «الرُّومُ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ» فَتَخَلَّفَ الْمُنَافِقُونَ، وَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا، فَاعْتَلُّوا وَثَبَّطُوا مَنْ أَطَاعَهُ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ عُذْرٌ مِنْهُمُ السَّقِيمُ وَالْمُعْسِرُ، وَجَاءَهُ سِتَّةُ نَفَرٍ كُلُّهُمْ مُعْسِرٌ يَسْتَحْمِلُونَهُ لَا يُحِبُّونَ التَّخَلُّفَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَا يَجِدُوا مَا ينفقون، مِنْهُمْ، مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: عَمْرُو بْنُ عَثْمَةَ، وَمَنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: أَبُو لَيْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، وَمَنْ بَنِي حَارِثَةَ، عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهَرْمِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَهُمْ يُدْعَوْنَ بَنِي الْبَكَّاءِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَكَوْا وَأَطْلَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ الْجِهَادَ، وَإِنَّهُ الْجِدُّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَعَذَرَهُمْ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [ (13) ] الْآيَةَ وَفِي الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا [ (14) ] .
وَأَتَاهُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ السُّلَمِيُّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ نَفَرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ فَإِنِّي ذُو ضَبَعَةٍ [ (15) ] وَعِلَّةٍ فِيهَا عُذْرٌ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: تَجَهَّزْ فَإِنَّكَ مُوسِرٌ لَعَلَّكَ أَنْ تُحْقِبَ [ (16) ] بَعْضَ بَنَاتِ الْأَصْفَرِ [ (17) ] ! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي، فَنَزَلَتْ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [ (18) ] وَخَمْسُ آيَاتٍ مَعَهَا يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ، وَكَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ غَنَمَةُ بْنُ وَدِيعَةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقِيلَ لَهُ: مَا خَلَّفَكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ؟ فَقَالَ الْخَوْضُ وَاللَّعِبُ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) [ (19) ] ثَلَاثُ آيَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ. وَتَخَلَّفَ أَبُو خَيْثَمَةَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَدَخَلَ حائطه والنخل مُدَلَّلَةٌ بِثَمَرِهَا، وَالْعَرِيشُ مَرْشُوشٌ، وَامْرَأَتُهُ مُخْتَضِبَةٌ مُتَزَيِّنَةٌ، قَالَ: فَنَظَرَ أَبُو خَيْثَمَةَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ: هَلَكْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لَئِنْ لَمْ
يدْرِكْنِيَ اللهُ بِتَوْبَةٍ أَصْبَحْتُ فِي ظِلَالِ النَّخْلِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْحَرِّ وَالسَّمُومِ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ [تَعَالَى] [ (20) ] وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَاخْتَطَمَ أَبُو خَيْثَمَةَ نَاضِحَهُ فِي الْمَنْخِرِ، وَتَزَوَّدَ تَمَرَاتٍ فِي ظَبْيَةٍ وَإِدَاوَةَ مَاءٍ فَنَادَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهُوَ يَرْتَحِلُ: يَا أَبَا خَيْثَمَةَ هَلُمَّ أُكَلِّمْكَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَلْتَفِتُ إِلَى أَهْلِي، وَلَا مَالِي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَيَسْتَغْفِرَ لِي. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ: كَانَ فِيمَا قِيلَ لَهُ هَلَكَ الْوَدِيُّ، لِوَدِيٍّ كَانَ غَرَسَهُ، فَقَالَ: الْغَزْوُ خَيْرٌ مِنَ الْوَدِيِّ، فَقَعَدَ عَلَى نَاضِحِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ وَأَدْرَكَهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ قَادِمًا مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْغَزْوَ، فَاصْطَحَبَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى تَبُوكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا وَإِنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ خَرَجَ، فَتَخَلَّفْ عَنِّي فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَتَخَلَّفَ عُمَيْرٌ، وَمَضَى أَبُو خَيْثَمَةَ، فَلَمَّا طَلَعَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِتَبُوكَ، أَشْرَفَ الْمُسْلِمُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا رَاكِبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ! فَأَتَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ [وَهُوَ] [ (21) ] يَبْكِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: مَا خَلَّفَكَ يَا أَبَا خَيْثَمَةَ أَوْلَى لَكَ، قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: كِدْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ أَهْلِكَ بِتَخَلُّفِي عَنْكَ، وَتَزَيَّنَتْ لِيَ الدُّنْيَا، وَتَزَيَّنَ لِي مَالِي فِي عَيْنِي، وَكِدْتُ أَنْ أَخْتَارَهُ عَلَى الْجِهَادِ، فَعَزَمَ اللهُ عَلَيَّ بِالْخُرُوجِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ يُرِيدُ الشَّامَ، وَكُفَّارَ الْعَرَبِ، فَكَانَ أَقْصَى أَثَرِهِ مَنْزِلَهُ مِنْ تَبُوكَ. لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَحَدِيثِ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي آخِرِهَا: وَكَانَ ذَلِكَ وَفِي زَمَانٍ قَلَّ مَاؤُهَا فِيهِ، فَاغْتَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَرْفَةً بِيَدِهِ مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهِ فَاهُ، ثُمَّ بَصَقَهُ فِيهَا فَفَارَتْ عَنْهَا حَتَّى امْتَلَأَتْ فَهِيَ كَذَلِكَ حتى الساعة.
باب سبب تسمية غزوة تبوك بالعسرة وما ظهر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في بقية الأزواد وفي الماء وإخباره عن قول المنافقين [1] في غيبته ثم بموضع ناقته من آثار النبوة.
بَابُ سَبَبِ تَسْمِيَةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِالْعُسْرَةِ وَمَا ظَهَرَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيَّةِ الْأَزْوَادِ وَفِي الْمَاءِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ [ (1) ] فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ بِمَوْضِعِ نَاقَتِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ [حَدَّثَنَا] [ (2) ] حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ- (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) [ (3) ] قَالَ: خَرَجُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى بَعِيرٍ، وَخَرَجُوا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَأَصَابَهُمْ يَوْمًا عَطَشٌ حَتَّى جَعَلُوا يَنْحَرُونَ إِبِلَهُمْ ليعصروا أكراشها، ويشربوها مَاءَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ عُسْرَةً مِنَ الْمَاءِ، وَعُسْرَةً مِنَ النَّفَقَةِ، وَعُسْرَةً مِنَ الظَّهِيرِ [ (4) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ
الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مَسِيرٍ فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ حَتَّى هَمَّ أَحَدُهُمْ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ [ (5) ] ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ، فَدَعَوْتَ اللهَ عَلَيْهَا. قَالَ فَفَعَلَ. قَالَ: فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَذُو النَّوَى بِالنَّوَى. قَالَ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَالَ يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهَا حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ شَكَّ الْأَعْمَشُ- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا [ (7) ] فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا [ (8) ] ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افْعَلُوا فَجَاءَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ [ (9) ]
وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ وَادْعُ اللهَ لَهُمْ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ [ (10) ] ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ، فَدَعَا بِنِطْعٍ [ (11) ] فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ، فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا ملأوه، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَحُجِبَ عَنِ الْجَنَّةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (12) ] وَرُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا. وَرَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَالَ: فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حُبَيْشٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تِهَامَةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِعُسْفَانَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَزَادَ: ثُمَّ أَذِنَ بالرحيل، فلما
ارْتَحَلُوا مُطِرُوا مَا شَاءُوا، فَنَزَلَ وَنَزَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ. وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي دُعَائِهِ فِي بَقِيَّةِ الْأَزْوَادِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ بِظُهُورِ الْبَرَكَةِ فِيهَا حَتَّى ملؤوا أَوْعِيَتَهُمْ وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدِّثْنَا مِنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَذْهَبُ يَلْتَمِسُ الرَّجُلَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ، وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا فَادْعُ اللهَ لَنَا، قَالَ: أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَظَلَّتْ ثم سكبت فملأوا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَصْبَحَ النَّاسُ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا اللهَ فَأَرْسَلَ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ، حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ وَاحْتَمَلُوا حَاجَتَهُمْ من الماء [ (14) ] .
قَالَ عَاصِمٌ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ مَعْرُوفًا نِفَاقُهُ كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَارَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ بِالْحَجَرِ مَا كَانَ وَدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا، فَأَرْسَلَ اللهُ السَّحَابَةَ فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ، فَأَقْبَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: وَيْحَكَ هَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: سَحَابَةٌ مَارَّةٌ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ضَلَّتْ نَاقَتُهُ فَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، وَعِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدٌ، وَكَانَ مُنَافِقًا فَقَالَ زَيْدٌ: لَيْسَ مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيخْبِرُكُمْ خَبَرَ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَمْرَ نَاقَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ عِنْدَهُ: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السَّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِيَ اللهُ، وَقَدْ دَلَّنِي اللهُ عَلَيْهَا، هِيَ فِي الْوَادِي قَدْ حَبَسَتْهَا الشَّجَرَةُ بِزِمَامِهَا فَانْطَلَقُوا فَجَاءُوا بِهَا، فَرَجَعَ عُمَارَةُ إِلَى رَحْلِهِ، فَحَدَّثَهُمْ عَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ خَبَرِ الرَّجُلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ إِنَّمَا قَالَ زَيْدٌ وَاللهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ، فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّ فِيَ رَحْلِي لَدَاهِيَةٌ، وَمَا أَدْرِي، اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللهِ فَلَا تَصْحَبْنِي، فَقَالَ: بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ زَيْدًا تَابَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَمْ يَزَلْ مُصِرًّا حَتَّى هَلَكَ [ (15) ] . وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ الرَّاحِلَةِ شَبِيهًا بِهَذِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْصُولًا.
باب ورود النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره على حجر ثمود ونهيه عن الدخول على أهله وخبره عن قوم يأتي الله بهم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا، فكان كما قال.
بَابُ وُرُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ عَلَى حِجْرِ ثَمُودَ وَنَهْيِهِ عَنِ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَخَبَرِهِ عَنْ قَوْمٍ يَأْتِي اللهُ بِهِمْ لَا يدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، فَكَانَ كَمَا قَالَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ يَعْنِي أَصْحَابَ ثَمُودَ، وَقَالَ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهِ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهْرِقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْكِينٍ [ (2) ] كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَمَرَ بِطَرْحِ [ «الْعَجِينِ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، وَأَبِي الشُّمُوسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَمَرَ بِإِلْقَاءِ الطَّعَامِ» ] [ (3) ] . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الْحِجْرَ أَرْضَ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَكَمِ بن موسى [ (4) ] .
وَأَخْرَجَاهُ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، هَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَتَابَعَهُ أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ الْغَضَائِرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّصْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ وَاسِطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ تَسَارَعَ قَوْمٌ إِلَى الْحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَنُودِيَ فِي النَّاسِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ، وَهُوَ يقول على ما تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللهُ [تَعَالَى] [ (6) ] عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: تَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ: رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنْبِئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ اسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْمٍ لَا يدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا [ (7) ] .
باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت إتيانهم عين تبوك، وما ظهر في ذلك، وفي وضوئه من تلك العين حتى كثر ماؤها وفيما قال لمعاذ فكان كما قال من آثار النبوة.
بَابُ إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عن وَقْتِ إِتْيَانِهِمْ عَيْنَ تَبُوكَ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ، وَفِي وُضُوئِهِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ حَتَّى كَثُرَ مَاؤُهَا وَفِيمَا قَالَ لِمُعَاذٍ فَكَانَ كَمَا قَالَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: عَامِرِ بْنِ وائلة أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شاء الله عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ. قَالَ فَجِئْنَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ قَالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَاءَهَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا [ (1) ] .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَرُوِّينَا زِيَادَةَ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ بِمَضْمَضَتِهِ فِيهَا، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: هِيَ كذلك حتى الساعة.
باب خرص [1] النبي صلى الله عليه وسلم [في مسيره] [2] وإخباره عن الريح التي تهب تلك الليلة، ودعائه للذي خنق، وما ظهر في كل واحد منها من آثار النبوة.
بَابُ خَرْصِ [ (1) ] النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي مَسِيرِهِ] [ (2) ] وَإِخْبَارِهِ عَنِ الرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَدُعَائِهِ لِلَّذِي خُنِقَ، وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ: مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى، عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُصُوهَا، فَخَرَصْنَاهَا، وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ [ (3) ] ، وَقَالَ: [لِلْمَرْأَةِ] [ (4) ] أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (5) ] ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ، فهبّت ريخ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ
بجبلي طيّء [ (6) ] ، وَجَاءَ [رَسُولُ] [ (7) ] ابْنِ الْعَلْمَاءِ صاحب أيلية إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم المرأة من حَدِيقَتِهَا: كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ فَقَالَتْ: بَلَغَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ خَيْرَ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بني ساعدة، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ، فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ خَيَّرَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَنَا آخِرَهَا دَارًا فَأَدْرَكَ سَعْدٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرَهَا، فقال: أو ليس بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْعَبَّاسِ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: وَأَهْدَى مَلِكُ الَأَيْلَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ وَقَالَ ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ ثُمَّ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] عَنْ سَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ، وقال: قال سليمان ابن بِلَالٍ، يُرِيدُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سهل ابن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَوْ عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- الشَّكُّ مِنِّي: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ وَنَزَلَهَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا، فَلَمَّا رَاحُوا مِنْهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ: لَا تَشْرَبُوا مِنْ مائها شيئا، ولا تتوضؤوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ: خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فاحتْمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى طَرَحَتْهُ بجبلي طيء، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، ثُمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ وَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ سَمَّى لِيَ الْعَبَّاسُ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَوْدَعَنِي إِيَّاهُمَا فَأَبَى عَبْدُ اللهِ أَنْ يُسَمِّيَهُمَا لنا [ (10) ] .
باب ما روي في خطبته [صلى الله عليه وسلم] بتبوك
بَابُ مَا رُوِيَ فِي خُطْبَتِهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِتَبُوكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ محمد ابن عِيسَى الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مُصْعَبِ بْنِ مَنْظُورِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَاسْتَرْقَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى لَيْلَةٍ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى كَانَتِ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا بِلَالُ اكْلَأْ لَنَا الْفَجْرَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ بِيَ النَّوْمُ فَذَهَبَ بِيَ الَّذِي ذَهَبَ بِكَ فَانْتَقَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ هَدَرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِتَبُوكَ فَحَمِدَ اللهَ [تَعَالَى] [ (1) ] وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَخَيْرَ الْمِلَلِ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَخَيْرَ السُّنَنِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ، وَأَشْرَفَ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ، وَخَيْرَ الْأُمُورِ عَوَازِمُهَا، وَشَرَّ الأمور
مُحْدَثَاتُهَا، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَشْرَفَ الْمَوْتِ قَتْلُ الشُّهَدَاءِ، وَأَعْمَى الْعَمَى الضَّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى، وَخَيْرَ الْأَعْمَالِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اتُّبِعَ، وَشَرَّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَمَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَشَرُّ الْمَعْذِرَةِ حِينَ يَحْضُرُ الْمَوْتُ، وَشَرُّ النَّدَامَةِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ إِلَّا دَبْرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُ اللهَ إِلَّا هَجْرًا، وَمِنَ أَعْظَمِ الْخَطَايَا اللِّسَانُ الْكَذَّابُ، وَخَيْرُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ، وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقْوَى، وَرَأْسُ الْحِكَمِ مَخَافَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرُ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ الْيَقِينُ، وَالِارْتِيَابُ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّيَاحَةُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْغُلُولُ مِنْ حثاء جهنم، والسّكركيّ مِنَ النَّارِ، وَالشِّعْرُ مِنْ إِبْلِيسَ، وَالْخَمْرُ جُمَّاعُ الْإِثْمِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَشَرُّ الْمَكَاسِبِ كَسْبُ الرِّبَا، وَشَرُّ الْمَأْكَلِ مَالُ الْيَتِيمِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَذْرُعٍ، وَالْأَمْرُ إِلَى الْآخِرَةِ وَمِلَاكُ الْعَمَلِ خَوَاتِمُهُ، وَشَرُّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَسِبَابُ الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ، وَقِتَالُ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ، وَأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، وَمَنْ يَتَأَلَّى عَلَى اللهِ يُكْذِبْهُ، وَمَنْ يَغْفِرْ يُغْفَرْ لَهُ، وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ يَكْظِمِ الْغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرَّزِيَّةِ يُعَوِّضْهُ اللهُ وَمَنْ يَتْبَعِ السُّمْعَةَ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ وَمَنْ يَصْبِرْ يُضَعِّفِ اللهُ لَهُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ يُعَذِّبْهُ اللهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمَّتِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمَّتِي، قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكم [ (2) ] .
باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك، ودعائه على من مر بين يديه، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، وَدُعَائِهِ عَلَى مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَوْلًى لِيَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، عن يزيد ابْنِ نِمْرَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا بِتَبُوكَ مُقْعَدًا، فَقَالَ: مَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: اللهُمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ فَمَا مَشَيْتُ عَلَيْهَا [ (1) ] بَعْدُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيْوَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ فَقَالَ: قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطَعَ اللهُ أَثَرَهُ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أبيه:
أَنَّهُ نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حَاجٌّ فَإِذَا رَجُلٌ مُقْعَدٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ فَقَالَ سَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَلَا تُحَدِّثْ بِهِ مَا سَمِعْتَ أَنِّي حَيٌّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بِتَبُوكَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ قِبْلَتُنَا، ثُمَّ صَلَّى إِلَيْهَا، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَنَا غُلَامٍ أَسْعَى حَتَّى مَرَرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَقَالَ: قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطَعَ اللهُ أَثَرَهُ [قَالَ] [ (3) ] فَمَا قُمْتُ عَلَيْهِمَا إِلَى يَوْمِي هَذَا [ (4) ] .
باب ما روي في صلاته بتبوك على معاوية بن معاوية الليثي [1]- رضي الله عنه - في اليوم الذي مات فيه بالمدينة
بَابُ مَا رُوِيَ فِي صَلَاتِهِ بِتَبُوكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيِّ [ (1) ]- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ أَخْبَرَنَا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالك، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِتَبُوكَ، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بِضِيَاءٍ وَشُعَاعٍ وَنُورٍ، لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ فِيمَا مَضَى [فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ مَا لِي أَرَى الشَّمْسَ الْيَوْمَ طَلَعَتْ بِضِيَاءٍ وَنُورٍ وَشُعَاعٍ لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ فِيمَا مَضَى] [ (2) ] ، فَقَالَ: ذَاكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيَّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ، فَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَفِيمَ ذَاكَ؟ قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ قِرَاءَةَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفِي مَمْشَاهُ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، فَهَلْ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ أَقْبِضَ لَكَ الْأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رجع.
تَابَعَهُ فِي بَعْضِ هَذَا الْمَتْنِ مَحْبُوبُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ. أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، يَعْنِي عَطَاءً، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مات معاية بْنُ مُعَاوِيَةَ [ (3) ] الْمُزَنِيُّ، أَفَتُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ، فَلَمْ تَبْقَ مِنْ شَجَرَةٍ وَلَا أَكَمَةٍ إِلَّا تَضَعْضَعَتْ لَهُ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ وَخَلْفَهُ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي كُلِّ صَفٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، قَالَ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! بِمَ نَالَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: مَحَبَّةَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يقرأها قَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَذَاهِبًا، وَجَائِيًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ [ (4) ] . قَالَ عُثْمَانُ: سَأَلْتُ أَبِي أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بِغَزْوَةِ تَبُوكَ بِالشَّامِ، وَمَاتَ مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ، وَرُفِعَ لَهُ سَرِيرُهُ حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ وَصَلَّى عليه.
باب ذكر كتابه ليحنة [1] بن رؤبة [2] وكتابه لأهل جرباء [3] وأذرح [4] وهو بتبوك.
بَابُ ذِكْرِ كِتَابِهِ لِيُحَنَّةَ [ (1) ] بْنِ رُؤْبَةَ [ (2) ] وَكِتَابِهِ لِأَهْلِ جَرْبَاءَ [ (3) ] وَأَذْرُحَ [ (4) ] وَهُوَ بِتَبُوكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ أَتَاهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُؤْبَةَ صَاحِبُ أَيْلَةَ [ (5) ] ، فَصَالَحَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ، وَأَتَاهُ أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، وَكَتَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ، فَكَتَبَ لِيُحَنَّةَ بْنَ رُؤْبَةَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللهِ [ (6) ] وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ [ (7) ] لِيُحَنَّةَ
ابن رُؤْبَةَ، وَأَهْلِ أَيْلَةَ أَسَاقِفَتِهِمْ وَسَائِرِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (8) ] ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ [ (9) ] الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا، فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَا يُرِيدُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ» [ (10) ] . هَذَا كِتَابُ جُهَيْمِ بْنِ الصَّلْتِ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، بِإِذْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَتَبَ لِأَهْلِ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (11) ] لِأَهْلِ أَذْرُحَ أَنَّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللهِ وَأَمَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مِائَةَ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ وَافِيَةً طَيْبَةً، وَاللهُ كَفِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالنُّصْحِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَخَافَةِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْكِتَابِ، قَالَ: [ (12) ] وَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَهْلَ أَيْلَةَ بُرْدَةً مَعَ كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ أَمَانًا لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ محمد بثلاثمائة دينار [ (13) ] .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَعَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَبَعَثَهُ إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ. [والله تعالى أعلم] [ (14) ] .
باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة [1] ، وما ظهر في إخباره عن وجوده وهو يصيد البقر من آثار النبوة
بَابُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ [ (1) ] ، وَمَا ظَهَرَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ وُجُودِهِ وَهُوَ يَصِيدُ الْبَقَرَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى أُكَيْدِرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ، كَانَ مَلِكًا عَلَى دُومَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ: إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ، فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ مَنْظَرَ الْعَيْنِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ صَافِيَةٍ، وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَأَتَتِ الْبَقَرُ تَحُكُّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ، قَالَتْ: فَمَنْ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَحَدَ، فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ لَهُ [ (2) ] ، وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِيهِمْ [ (3) ] أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: حَسَّانُ، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِمَطَارِدِهِمْ [ (4) ] فَتَلَقَّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْهُ وَقَتَلُوا أَخَاهُ حَسَّانَ، وَكَانَ عَلَيْهِ قَبَاءُ ديباج مخوص
بِالذَّهَبِ فَاسْتَلَبَهُ إِيَّاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا قَدِمَ بِالْأُكَيْدِرِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَرَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طيّء يُقَالُ لَهُ بُجَيْرُ بْنُ بُجْرَةَ يَذْكُرُ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ وَمَا كَانَتْ صَنْعَةُ الْبَقَرَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى اسْتَخْرَجَتْهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم. تَبَارَكَ سَائِقُ الْبَقَرَاتِ إِنِّي ... رَأَيْتُ اللهَ يَهْدِي كُلَّ هَادِ فَمَنْ يَكُ حَائِدًا عَنْ ذِي تَبُوكٍ ... فَإِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِالْجِهَادِ [زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِنَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ، فَأَتَى عَلَيْهِ تَسْعَوْنَ سَنَةً فَمَا تَحَرَّكَ لَهُ ضِرْسٌ وَلَا سِنٌّ] [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَلَمَّا تَوَجَّهَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ، بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ في أربع مائة وَعِشْرِينَ فَارِسًا إِلَى أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَلَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ قَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ وَفِيهَا أُكَيْدِرُ وَإِنَّمَا نَأْتِيهَا فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُلَقِّيكَ أُكَيْدِرَ أَحْسَبُهُ قَالَ: يَقْتَنِصُ فَتَقْتَنِصُ الْمِفْتَاحَ وَتَأْخُذَهُ فَيَفْتَحُ اللهُ لَكَ دُومَةَ. فَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهَا نَزَلَ فِي أَدْبَارِهَا لِذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّكَ تَلْقَاهُ يَصْطَادُ، فَبَيْنَمَا خَالِدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي مَنْزِلِهِمْ لَيْلًا إذ أقبلت
الْبَقَرُ حَتَّى جَعَلَتْ تَحْتَكُّ بِبَابِ الْحِصْنِ، وَأُكَيْدِرُ يَشْرَبُ وَيَتَغَنَّى فِي حِصْنِهِ بَيْنَ امْرَأَتَيْهِ، فَاطَّلَعَتْ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ فَرَأَتِ الْبَقَرَ تَحْتَكُّ بِالْبَابِ، وَالْحَائِطِ. فَقَالَتِ: امْرَأَتُهُ: لَمْ أَرَ كَاللَّيْلَةِ فِي اللَّحْمِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ الْبَقَرَةُ [ (6) ] تَحْتَكُّ بِالْبَابِ وَالْحَائِطِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أُكَيْدِرُ ثَارَ فَرَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ مُعَدَّةٍ، وَرَكِبَ عَلَمَتُهُ وَأَهْلُهُ فَطَلَبَهَا حَتَّى مَرَّ بِخَالِدٍ وَأَصْحَابِهِ فَأَخَذُوهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَأَوْثَقُوهُمْ، وَذَكَرَ خَالِدٌ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ خَالِدٌ لِأُكَيْدِرَ: أَرَأَيْتَكَ إِنْ أَجَرْتُكَ تَفْتَحْ لِي دُومَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ حَتَّى دَنَا مِنْهَا، فَثَارَ أَهْلُهَا وَأَرَادُوا أَنْ يَفْتَحُوا لَهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَخُوهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ لِخَالِدٍ: أَيُّهَا الرَّجُلُ خَلِّنِي فَلَكَ اللهُ لَأَفْتَحَنَّهَا لَكَ إِنَّ أَخِي لَا يَفْتَحُهَا لِي مَا عَلِمَ أَنِّي فِي وَثَاقِكَ، فَأَرْسَلَهُ خَالِدٌ فَفَتَحَهَا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَوْثَقَ أَخَاهُ وَفَتَحَهَا لِخَالِدٍ، ثُمَّ قَالَ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَدَخَلَ خَالِدٌ وَأَصْحَابُهُ فَذَكَرَ خَالِدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَهُ قَوْلَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي أَمَرَهُ، فَقَالَ لَهُ أُكَيْدِرُ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُهَا قَطُّ جَاءَتْنَا إِلَّا الْبَارِحَةَ يُرِيدُ الْبَقَرَ، وَلَقَدْ كُنْتُ أُضَمِّرُ لَهَا إِذَا أَرَدْتُ أَخْذَهَا، فَأَرْكَبُ لَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، وَلَكِنْ هَذَا الْقَدَرُ ثُمَّ قَالَ: يَا خَالِدُ إِنْ شِئْتَ حَكَّمْتُكَ، وَإِنْ شِئْتَ حَكَّمْتَنِي. فَقَالَ خَالِدٌ: بَلْ نَقْبَلُ مِنْكَ مَا أَعْطَيْتَ، فَأَعْطَاهُمْ ثَمَانِمِائَةٍ مِنَ السَّبْيِ، وَأَلْفَ بَعِيرٍ، وَأَرْبَعِمِائَةِ دِرْعٍ، وَأَرْبَعِمِائَةِ رُمْحٍ، وَأَقْبَلَ خَالِدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِأُكَيْدِرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَأَقْبَلَ مَعَهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُومَةَ عَظِيمُ أَيْلَةَ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ كَمَا بَعَثَ إِلَيَّ أُكَيْدِرُ فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (7) ] وَقَاضَاهُمَا عَلَى قَضِيَّةِ دُومَةِ [الْجَنْدَلِ] [ (8) ] وَعَلَى تَبُوكَ وَعَلَى أَيْلَةَ، وَعَلَى تَيْمَاءَ، وكتب لهما كتابا [ (9) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ الْقَيْسِيِّ، عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ، وبَعْثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْأَعْرَابِ مَعَهُ، وَقَالَ: انْطَلِقُوا فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أُكَيْدِرَ دُومَةَ [الْجَنْدَلِ] [ (10) ] يَقْتَنِصُ الْوَحْشَ، فَخُذُوهُ أَخْذًا فَابْعَثُوا بِهِ إِلَيَّ وَلَا تَقْتُلُوهُ وَحَاصِرُوا أَهْلَهَا، فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوا أُكَيْدِرَ دُومَةَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَخَذُوهُ، فَبَعَثُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرُوهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: تَجِدُونَ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ فِي الْإِنْجِيلِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَهُ ذِكْرًا! قَالَ: بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ إِنَّهُ لَفِي إِنْجِيلِكُمْ مَكْتُوبٌ كَهَيْئَةِ قَرَشَتْ وَلَيْسَ بِقَرَشَتْ، فَانْظُرُوا فَنَظَرُوا، فَقَالُوا: نَجِدُ الشَّيْطَانَ حَظَرَ حَظْرَةً بِقَلَمٍ لَا نَدْرِي مَا هِيَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: أَكَفَرَ هَؤُلَاءِ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَنْتُمْ سَتَكْفُرُونَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ مُسَيْلِمَةَ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا الَّذِي قُلْتَ لَنَا يَوْمَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، أَنَّا سَنَكْفُرُ. فَقَالَ: لَا ولكن أخرياتكم.
باب ما روي في سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وسبب رجوعه إن صح الخبر فيه.
بَابُ مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ وَسَبَبِ رُجُوعِهِ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ فِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ. أَنَّ الْيَهُوَدَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! إِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَنَّكَ نَبِيٌّ فَالْحَقْ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ، وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ، فَصَدَّقَ مَا قَالُوا فَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّامَ فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ أَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَا خُتِمَتِ السُّورَةُ: (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا) إلى قوله (تَحْوِيلًا) [ (1) ] . فَأَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: فِيهَا مَحْيَاكَ وَمَمَاتُكَ، وَمِنْهَا تُبْعَثُ، ثُمَّ قَالَ: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) إِلَى قَوْلِهِ (مَقاماً مَحْمُوداً) [ (2) ] .
فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: سَلْ رَبَّكَ- عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ مَسْأَلَةً، وَكَانَ جِبْرِيلُ لَهُ نَاصِحًا وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مُطِيعًا، فَقَالَ: «مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَسْأَلَ» ، فَقَالَ: قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نصيرا فَهَؤُلَاءِ الْآيَاتُ [ (3) ] نَزَلْنَ عَلَيْهِ فِي رَجَعْتِهِ مِنْ تَبُوكَ [ (4) ] .
باب رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، وأمره بهدم مسجد الضرار، ومكر المنافقين به في الطريق وعصمة الله تعالى إياه واطلاعه عليه، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ رُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم من تَبُوكَ، وَأَمْرِهِ بِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَمَكْرِ الْمُنَافِقِينَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ وَعِصْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ وَإِطْلَاعِهِ عَلَيْهِ، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَكَرَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَتَآمَرُوا [عَلَيْهِ] [ (2) ] أَنْ يَطْرَحُوهُ فِي عَقَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْعَقَبَةَ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ، فَلَمَّا غَشِيَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ خَبَرَهُمْ [ (3) ] ، فَقَالَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ بَطْنَ الْوَادِي فَإِنَّهُ أَوْسَعُ لَكُمْ، وَأَخَذَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ، وَأَخَذَ النَّاسُ بَطْنَ الْوَادِي إِلَّا النَّفَرَ الَّذِينَ مَكَرُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ اسْتَعَدُّوا وَتَلَثَّمُوا، وَقَدْ هَمُّوا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَمَشِيَا مَعَهُ مَشْيًا، وَأَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ النَّاقَةِ، وَأَمَرَ حذيفة أن يسوقها فبينا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بِالْقَوْمِ مِنْ وَرَائِهِمْ قَدْ غَشُوهُمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدَّهُمْ، وأبصر
حُذَيْفَةُ غَضَبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَرَجَعَ وَمَعَهُ مِحْجَنٌ، فَاسْتَقْبَلَ وُجُوهَ رَوَاحِلِهُمْ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا بِالْمِحْجَنِ، وَأَبْصَرَ الْقَوْمَ وَهُمْ مُتَلَثِّمُونَ، لَا يَشْعُرُ إِنَّمَا ذَلِكَ فِعْلُ الْمُسَافِرِ، فَرَعَّبَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَبْصَرُوا حُذَيْفَةَ، وَظَنُّوا أَنَّ مَكْرَهُمْ قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، فَأَسْرَعُوا حَتَّى خَالَطُوا النَّاسَ، وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتَّى أَدْرَكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ، قَالَ: اضْرِبِ الرَّاحِلَةَ يَا حُذَيْفَةُ، وَامْشِ أَنْتَ يَا عَمَّارُ، فَأَسْرَعُوا حَتَّى اسْتَوَى بِأَعْلَاهَا فَخَرَجُوا مِنَ الْعَقَبَةِ يَنْتَظِرُونَ النَّاسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لِحُذَيْفَةَ: هَلْ عَرَفْتَ يَا حُذَيْفَةُ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ أَوِ الرَّكْبُ، أَوْ أَحَدًا مِنْهُمْ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: عَرَفْتُ رَاحِلَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَقَالَ: كَانَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَغَشِيتُهُمْ وَهُمْ مُتَلَثِّمُونَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ شَأْنُ الرَّكْبِ وَمَا أَرَادُوا؟ قَالُوا: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ مَكَرُوا لِيَسِيرُوا مَعِي حَتَّى إِذَا أَظْلَمَتْ فِي الْعَقَبَةِ طَرَحُونِي مِنْهَا، قَالُوا: أَفَلَا تَأْمُرُ بِهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا جَاءَكَ النَّاسُ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ وَيَقُولُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَضَعَ يَدَهُ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَمَّاهُمْ لَهُمَا، وَقَالَ: اكْتُمَاهُمْ [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّنِيَّةَ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: أَنْ خُذُوا بَطْنَ الْوَادِي فَهُوَ أَوْسَعُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ الثَّنِيَّةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مَكْرِ الْمُنَافِقِينَ بِنَحْوٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ إِلَى قَوْلِهِ لِحُذَيْفَةَ: هَلْ عَرَفْتَ مِنَ الْقَوْمِ أَحَدًا؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنِّي أَعْرِفُ رَوَاحِلَهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إن الله
قَدْ أَخْبَرَنِي بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وَسَأُخْبِرُكَ بِهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ عِنْدَ وَجْهِ الصُّبْحِ، فَانْطَلِقْ إِذَا أَصْبَحْتَ فَاجْمَعْهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: ادْعُ «عَبْدَ اللهِ» أَظُنُّهُ ابْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَفِي الْأَصْلِ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي سَرْحٍ إِلَّا أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ ابْنَ أُبَيٍّ تَخَلَّفَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هَذَا [ (5) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَبَا [ (6) ] حَاضِرٍ الْأَعْرَابِيَّ، وَعَامِرًا وأبي عامر، والجلاس ابن سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَا نَنْتَهِي حَتَّى نَرْمِيَ مُحَمَّدًا مِنَ الْعَقَبَةِ اللَّيْلَةَ، وَلَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ خَيْرًا مِنَّا إِنَّا إِذًا لَغَنَمٌ وَهُوَ الرَّاعِي، وَلَا عَقْلَ لَنَا، وَهُوَ الْعَاقِلُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ، وفليح التَّيْمِيَّ، وَهُوَ الَّذِي سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْأَرْضِ، فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الَّذِي أَغَارَ عَلَى تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَسَرَقَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: حَمَلَنِي عَلَيْهِ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ لَمْ يُطْلِعْكَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذْ أَطْلَعَكَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلِمْتَهُ فَإِنِّي أَشْهَدُ الْيَوْمَ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَإِنِّي لَمْ أُؤْمِنْ بِكَ قَطُّ قَبْلَ السَّاعَةِ يَقِينًا، فَأَقَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَثْرَتَهُ، وَعَفَا عَنْهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِأَصْحَابِهِ اشْهَدُوا هَذِهِ اللَّيْلَةَ تَسْلَمُوا الدَّهْرَ كلّه، فو الله مَا لَكُمْ أَمْرٌ دُونَ أَنْ تَقْتُلُوا هَذَا الرَّجُلَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ مِنْ قِتْلِي لَوْ أَنِّي قُتِلْتُ، فَقَالَ عَدُوُّ اللهِ: يَا نَبِيَّ اللهِ! وَاللهِ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا أَعْطَاكَ اللهُ النَّصْرَ عَلَى عَدُوِّكَ، إِنَّمَا نَحْنُ بِاللهِ وَبِكَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ لِحُذَيْفَةَ ادْعُ مُرَّةَ بْنَ رَبِيعٍ وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى عَاتِقِ عَبْدِ اللهِ بن أبي، ثُمَّ قَالَ: تَمَطَّى، وَالنَّعِيمُ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ كَائِنٌ نَقْتُلُ الْوَاحِدَ الْمُفْرَدَ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَامَّةً بِقَتْلِهِ مُطْمَئِنِّينَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «وَيْحَكَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ الَّذِي قُلْتَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتُ قُلْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِنَّكَ لَعَالِمٌ بِهِ، وَمَا قُلْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا الَّذِينَ حَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِمْ وَمَنْطِقِهِمْ وَسِرِّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ، وَأَطْلَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِعِلْمِهِ، وَمَاتَ الِاثْنَا عَشَرَ مُنَافِقِينَ مُحَارِبِينَ لِلَّهِ [تَعَالَى] [ (7) ] وَرَسُولِهِ وَذَلِكَ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا» [ (8) ] . وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ رَأْسَهُمْ وَلَهُ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ الرَّاهِبُ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «الْفَاسِقَ» ، وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ أَخْزَاهُ اللهُ وَإِيَّاهُمْ، وَانْهَارَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَالَ مُجَمِّعٌ حِينَ بَنَى الْمَسْجِدَ إِنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ إِذَا بَنَيْنَاهُ اتَّخَذْنَاهُ لِسِرِّنَا وَنَجْوَانَا وَلَا يُزَاحِمُنَا فِيهِ أَحَدٌ فَنَذْكُرُ مَا شِئْنَا وَنُخَيِّلُ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا نُرِيدُ الْإِحْسَانَ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي الْأَوْرَاقِ الَّتِي لَمْ أَجِدْ سَمَاعًا فِيهَا مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي، عَنْ ثِقَةٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ تَبُوكَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تبوك، فقالوا: قد
بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصَلِّيَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، فَلَوْ قَدْ رَجَعْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ [- عَزَّ وَجَلَّ-] [ (9) ] أَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ» ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي أَوَانَ أتاه خبر السماء، فدعى مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ، وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ وَهُوَ أَخُو عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: انْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ، وَأَحْرِقَاهُ، فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى دَخَلَاهُ وَفِيهِ أَهْلُهُ فَحَرَّقَاهُ وَهَدَّمَاهُ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَنَزَلَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ [ (10) ] . وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ الَّذِينَ بَنَوْهُ وَذَكَرَ فِيهِمْ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَصْبَعِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَقُودُ بِهِ، وَعَمَّارٌ يَسُوقُهُ، أَوْ: أَنَا أَسُوقُهُ، وَعَمَّارٌ يَقُودُهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَقَبَةِ فَإِذَا أَنَا بِاثْنَىْ عشر راكبا، قد
اعْتَرَضُوهُ فِيهَا، قَالَ: فَأَنْبَهْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، فَصَرَخَ بِهِمْ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَرَفْتُمُ الْقَوْمَ؟ قُلْنَا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ، كَانُوا مُتَلَثِّمِينَ، وَلَكِنَّا قَدْ عَرَفْنَا الرِّكَابَ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا أَرَادُوا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: أَرَادُوا أَنْ يَزْحَمُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَقَبَةِ، فَيُلْقُوهُ مِنْهَا. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَلَا تَبْعَثُ إِلَى عَشَائِرِهِمْ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْكَ كُلُّ قَوْمٍ بِرَأْسِ صَاحِبِهِمْ؟ قَالَ: لَا، أَكْرَهُ أَنْ تَحَدَّثَ الْعَرَبُ بَيْنَهَا: أَنَّ مُحَمَّدًا قَاتَلَ بِقَوْمٍ، حَتَّى إِذَا أَظْهَرَهُ اللهُ بِهِمْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ يَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ ارْمِهِمْ بِالدُّبَيْلَةِ [ (12) ] . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الدُّبَيْلَةُ؟ قَالَ: شِهَابٌ مِنْ نَارٍ يَقَعُ عَلَى نِيَاطِ قَلْبِ [ (13) ] أَحَدِهِمْ فَيَهْلِكُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ الْعَسْكَرِيُّ [بِبَغْدَادَ] [ (14) ] ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، أَخْبَرَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمَّارٍ: أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ، أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنَّ حُذَيْفَةَ أَخْبَرَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخَيَّاطِ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ «شَاذَانَ» [ (15) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (16) ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: قُلْنَا لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ هَذَا أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ، فَإِنَّ الرَّأْيَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، أَمْ عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ فِي النَّاسِ كَافَّةً- وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي أُمَّتِي» ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ حَدَّثَنِي حُذَيْفَةُ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ فِي أمتي إثنا عَشَرَ مُنَافِقًا لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخَيَّاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تكفيهم الدبيلة شراج مِنَ النَّارِ تَظْهَرُ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ حَتَّى تَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ [ (17) ] . وَرُوِّينَا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّ اثْنَىْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يقوم الاشهاد، وعذّر ثلثة، قَالُوا: مَا سَمِعْنَا الْمُنَادِيَ، وَلَا عَلِمْنَا مَا أَرَادَ الْقَوْمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «وَالَّذِينَ اتخذوا مسجدا
ضرارا» هُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَامِرٍ: ابْنُوا مَسْجِدَكُمْ وَاسْتَمِدُّوا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ، فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ مَلَكِ الرُّومِ فَآتِيَ بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ، فَأُخْرِجَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا [ (18) ] فَرَغُوا مِنْ مَسْجِدِهِمْ أَتَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَتَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ- يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءَ- أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا إِلَى قَوْلِهِ: شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ- يَعْنِي قَوَاعِدَهُ- وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ- يَعْنِي الشَّكَّ- إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ [ (19) ]- يَعْنِي الْمَوْتَ-. كَذَا قَالَ: إِنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ وَعَلَيْهِ دَلَّ عَلَى مَا رُوِيَ فِي قَوْلِهِ فِيهِ رجال يريدون أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (20) ] أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ [قَالَ] حَدَّثَنَا يحيى ابن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الْخَرَّاطُ [قَالَ] حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:. مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قُلْتُ: كَيْفَ سَمِعْتَ أَبَاكَ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: قَالَ أَبِي: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ وَقَالَ هُوَ مَسْجِدِكُمْ هَذَا قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ يَذْكُرُ هَذَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [ (21) ] . قَالَ هَذَا، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ مَضَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ [قَالَ] [ (22) ] أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ دَنُوقَا، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ [قَالَ] حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ: هُوَ مَسْجِدِي هَذَا. وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] [ (23) ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ [قَالَ] أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ [قَالَ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زيد فذكره [ (24) ] .
باب تلقي الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من غزوة تبوك وما قال في المخلفين [من الأعراب] [1] بعذر والمخلفين بغير عذر
بَابُ تَلَقِّي النَّاسِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَمَا قَالَ فِي الْمُخَلَّفِينَ [مِنَ الْأَعْرَابِ] [ (1) ] بِعُذْرٍ وَالْمُخَلَّفِينَ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ [قَالَ] : أَذْكُرُ أَنَّا حِينَ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَبُوكَ خَرَجْنَا مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّاهُ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ السَّرْحِ [قَالَ] : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَلَقَّاهُ النَّاسُ فَلَقِيتُهُ مَعَ الصِّبْيَانِ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا خَلِيفَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَائِشَةَ يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ [ (5) ] وَالْوَلَائِدُ يقلن: طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا ... مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا ... مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعْ قُلْتُ: [ (6) ] وَهَذَا يَذْكُرُهُ عُلَمَاؤُنَا عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ مِنْ تَبُوكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ فَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا هَاهُنَا [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ [قَالَ] : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ
الْأَعْرَابِيِّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ (ح) . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن المحمدآباذي [قَالَ] : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ. لَفْظُ حَدِيثِ السَّعْدِيِّ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ، عَنِ حُمَيْدٍ [ (9) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ] [ (10) ] الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَمُّ أَبِي زَخْرِ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حميد ابن منيب، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي خُرَيْمَ بْنَ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ، يَقُولُ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ فَأَسْلَمْتُ فَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عبد
الْمُطَّلِبِ [رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِ] [ (11) ] يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لَا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلَالِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلَا مُضْغَةٌ وَلَا عَلَقُ بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْرًا وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ حَتَّى احْتَوَى بَيْتَكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأر ... ض وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فِي الضِّيَاءِ وَسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ [ (12) ] وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، - رَحِمَهُ اللهُ- إِجَازَةً: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو السُّكَيْنِ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: [حَدَّثَنِي ابْنُ أَوْسٍ، قَالَ: هَاجَرْتُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ] [ (13) ] وَزَادَ، وَقَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم هَذِهِ الْحِيرَةُ الْبَيْضَاءُ قَدْ رُفِعَتْ لِي، وَهَذِهِ الشَّيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلَةَ الْأَزْدِيَّةُ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعْتَجِرَةً بِخِمَارٍ أَسْوَدَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ نَحْنُ دَخَلْنَا الْحِيرَةَ فَوَجَدْتُهَا كَمَا تَصِفُ فَهِيَ لِي؟ قَالَ: هِيَ لَكَ. قَالَ ثُمَّ كَانَتِ الرِّدَّةُ فَمَا ارْتَدَّ أَحَدٌ من طي، وَكُنَّا نُقَاتِلُ مَنْ يَلِينَا عَلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْعَرَبِ فَكُنَّا نُقَاتِلُ قَيْسًا وَفِيهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَكُنَّا نقاتل بني اسد
وَفِيهِمْ طُلَيْحَةُ [بْنُ خُوَيْلِدٍ، فَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ] [ (14) ] يَمْدَحُنَا فَكَانَ بَعْضُ مَا قيل فينا: جَزَا اللهُ عَنَّا طَيِّئًا فِي دِيَارِهَا ... بِمُعْتَرَكِ الْأَبْطَالِ خَيْرَ جَزَاءِ هُمُ أَهْلُ رَايَاتِ السَّمَاحَةِ وَالنَّدَى ... إِذَا مَا الصَّبَا أَلَوَتْ بِكُلِّ خِبَاءِ هُمُ ضَرَبُوا قَيْسًا على الدين بعد ما ... أَجَابُوا مُنَادِيَ ظُلْمَةٍ وَعَمَاءِ ثُمَّ سَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ فَسِرْنَا مَعَهُ فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ مُسَيْلِمَةَ، أَقْبَلْنَا إِلَى نَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ فَلَقِينَاهُمْ مُرَّ بِكَاظِمَةَ فِي جَمْعٍ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ جَمْعِنَا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَعَدَا لِلْعَرَبِ وَالْإِسْلَامِ مِنْ هُرْمُزَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ خَالِدٌ وَدَعَاهُ إِلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ لَهُ فَقَتَلَهُ خَالِدٌ وَكَتَبَ بِخَبَرِهِ الى الصّديق فنقّله سَلَبَهُ فَبَلَغَتْ قَلَنْسُوَةُ هُرْمُزَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتِ الفرس إذا أشرف فِيهَا الرَّجُلُ جَعَلَتْ قَلَنْسُوَةً مِائَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا عَلَى طَرِيقِ الطَّفِّ إِلَى الْحِيرَةِ فَأَوَّلُ مَنْ يَلْقَانَا حِينَ دَخَلْنَاهَا الشَّيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلَةَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعْتَجِرَةً بِخِمَارٍ أَسْوَدَ، فَتَعَلَّقْتُ بِهَا وَقُلْتُ: هَذِهِ وَهَبَهَا لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَدَعَانِي خَالِدٌ عَلَيْهَا بِالْبَيِّنَةِ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، وَكَانَتِ الْبَيِّنَةَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّانِ، فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ فَنَزَلَ إِلَيْنَا أَخُوهَا: عَبْدُ الْمَسِيحِ يُرِيدُ الصُّلْحَ، قَالَ: بِعْنِيهَا. فَقُلْتُ: لَا أَنْقُصُهَا وَاللهِ عَنْ عَشَرَةِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَسَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ، فَقِيلَ: لَوْ قُلْتَ مِائَةَ أَلْفٍ لَدَفَعَهَا إِلَيْكَ، فَقُلْتُ؟: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ مِائَةٍ [ (15) ] .
حديث أبي لبابة وأصحابه
حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ [قَالَ] [ (1) ] حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ [قَالَ] : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ [قَالَ] : أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ [قَالَ] أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا حُلَفَاءَ لِأَبِي لُبَابَةَ فَاطَّلَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَتَأْمُرُنَا أَنْ نَنْزِلَ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَأُخْبِرَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ لَمْ تَرَ عَيْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَسِبْتَ أَنَّ اللهَ [تَعَالَى] [ (2) ] غَفَلَ عَنْ يَدِكَ حِينَ تُشِيرُ إِلَيْهِمْ بِهَا إِلَى حَلْقِكَ، فَلَبِثَ حِينًا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاتِبٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم تبوكا وَهِيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ فَتَخَلَّفَ عَنْهُ أَبُو لُبَابَةَ فِيمَنْ تَخَلَّفَ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْهَا، جَاءَهُ أَبُو لُبَابَةَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَعْرَضَ عنه رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَزِعَ أَبُو لُبَابَةَ، فَارْتَبَطَ بِسَارِيَةِ التَّوْبَةِ الَّتِي عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَبْعًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، لَا يَأْكُلُ فِيهِنَّ وَلَا يَشْرَبُ قَطْرَةً، وَقَالَ لَا يَزَالُ هَذَا مَكَانِي حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا أَوْ يَتُوبَ اللهُ [تعالى] عليّ،
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ مِنَ الْجَهْدِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ تَابَ اللهُ [تَعَالَى] عَلَيْهِ: فَنُودِيَ أَنَّ اللهَ [تَعَالَى] قَدْ تَابَ عَلَيْكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُطْلِقَ عَنْهُ [ (3) ] رِبَاطَهُ، فَأَبَى أَنْ يُطْلِقَهُ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَطْلَقَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ حِينَ أَفَاقَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَهَجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأَنْتَقِلُ إِلَيْكَ فَأُسَاكِنُكَ، وَإِنِّي أَخْتَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَرَسُولِهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ، فَهَجَرَ أَبُو لُبَابَةَ دَارَ قَوْمِهِ، وَسَاكَنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ تَابَ فَلَمْ يُرَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ [ (4) ] إِلَّا خَيْرٌ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي [قَالَ] :، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ [قَالَ] : آدَمُ [قَالَ] : حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، قَالَ: هُوَ أَبُو لُبَابَةَ إِذْ قَالَ لِقُرَيْظَةَ مَا قال، وأشار إليه إِلَى حَلْقِهِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا يَذْبَحُكُمْ إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْمِهِ. وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ارْتِبَاطَهُ كَانَ حِينَئِذٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ارْتِبَاطَهُ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ كَانَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً» [ (6) ] قَالَ كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ، قَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوثِقُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي» ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو لُبَابَةَ، وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى يُطْلِقَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْذِرَهُمْ، قَالَ: وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذِرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللهُ [تَعَالَى] [ (7) ] هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ: رَغِبُوا عَنِّي، وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا [أَنْ] [ (8) ] بَلَغَهُمْ ذَلِكَ: [قَالُوا] [ (9) ] وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللهُ [تَعَالَى] : هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يتوب عليهم» وَعَسَى مِنَ اللهِ وَاجِبٌ انه هو التواب الرحيم، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم فجاؤوا بِأَمْوَالِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، قَالَ: مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ أَمْوَالَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يَقُولُ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [ (10) ] فَخُذْ مِنْهُمُ الصَّدَقَةَ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ. وَكَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ منهم يوثقوا أنفسهم بالسواري فارجؤا لَا يَدْرُونَ أَيُعَذَّبُونَ أَوْ يُتَابُ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَوْلَهُ: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا إِلَى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ (11) ] يَعْنِي اسْتَقَامُوا. وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللهُ عنهما] [ (12) ] .
حديث كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم
حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ [قَالَ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ (ح) . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الحافظ. لَفْظًا، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ لَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ- قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ مِنْ بَنِيهِ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ إِلَّا غَزْوَةَ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبِ اللهُ أَحَدًا حِينَ تَخَلَّفَ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ يَعْنِي أَذْكَرَ [ (1) ] فِي النَّاسِ مِنْهَا. وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنه في
تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهَا رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، ولَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بعيدا ومغازا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، لَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافَظٌ- يُرِيدُ الدِّيوَانَ [ (2) ] . قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَا ظَنَّ أنه سيخص لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللهِ. وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، فَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَطَفِقْتُ [ (3) ] أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ [ (4) ] ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرَكَهُمْ وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا [ (5) ] مِنَ النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، فَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، قَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ الله! حسبه
بُرْدَاهُ يَنْظُرُ فِي عِطْفِهِ [ (6) ] ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ! وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي هَمِّي فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قد أَطَلَّ قَادِمًا رَاحَ عَنِّي البطال، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ: فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنْ وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا كَاذِبًا تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَسْخَطَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو عَفْوَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وو الله مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ» ، فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالُوا لَا وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لك، فو الله مَا زَالُوا يؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ قَالُوا: نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا: مِثْلَ مَا قُلْتَ وَقِيلَ لَهُمَا مَا قِيلَ لك فقلت: من
هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعٍ الْعَمْرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لِي رجظلين صَالِحَيْنِ، قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ [ (7) ] ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا [يَبْكِيَانِ] [ (8) ] ، فَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ [ (9) ] شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلَّى فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ [نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ] [ (10) ] مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فسلمت عليه فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، قَالَ: فَعُدْتُ لَهُ فَنَاشَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ. قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ وَيَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ [ (11) ] حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلَكِ غَسَّانَ وَكُنْتُ كَاتِبًا فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ، وَلَا مَضْيَعَةٍ،
فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ [ (12) ] بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ لَنَا أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ بِهَا؟ فَقَالَ: لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا، فَلَا تَقْرَبَنَّهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَتْ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ. قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُذْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لبلال بْنِ أُمَيَّةَ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا اسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِنِ اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ. فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ [ (13) ] : يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، وَآذَنَ [ (14) ] رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللهِ علينا حين صلّى
صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ إِلَيَّ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ ببشراه، والله مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ [ (15) ] فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّؤُنَنِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِيَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ. قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ [تَعَالَى] ؟ قَالَ: لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُشِّرِ بِبِشَارَةٍ يَبْرُقُ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الرَّسُولِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ [عَلَيْكَ] بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أني ألا أُحَدِّثُ إِلَّا صِدْقًا مَا بقيت، فو الله مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ابْتَلَاهُ اللهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا ابْتَلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ تَعَالَى] فِيمَا بَقِيَ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ
لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [ (16) ] . فو الله مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكُ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوهُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوهُ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [ (17) ] . قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا لهم فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فَيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا مِمَّنْ حَلَفَ وَاعْتَذَرَ، فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (19) ] أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبِي [قَالَ] : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ [قَالَ] : أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ تَلَقَّاهُ عَامَّةُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ، لَا تُكَلِّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَلَا تُجَالِسُوهُمْ حَتَّى آذَنَ لَكُمْ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْرِضُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَخِيهِ وَحَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُعْرِضُ عَنْ زَوْجِهَا، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ أَيَّامًا حَتَّى كَرِبَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا وَجَعَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْجَهْدِ وَالْأَسْقَامِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ فَرَحِمَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ. زَادَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوته تلك تبوكا، وَلَمْ يُجَاوِزْهَا وَأَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْهُ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَذَكَرَ أَنَّ إِذْرَجَ كَانَتْ فِيمَا صَالَحَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ اتَّفَقَا، وَكَانَ فِيمَنْ يخلف رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ الَّذِينَ ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ السُّلَمِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، وَمُرَارَةُ ابن الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ ذَكَرَا قِصَّةَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، يزيدان وينقصان، فمما زادا تَسْمِيَةُ مَلِكِ غَسَّانَ بِجَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ أَهَالِيهِمْ إِلَى الْبَرِيَّةِ فَضَرَبُوا الْفَسَاطِيطَ يَأْوُونَ إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ، وَيَتَعَبَّدُونَ لِلَّهِ فِي الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ حَتَّى عَادُوا أَمْثَالَ الرُّهْبَانِ، ثُمَّ ذكرا رُجُوعِ كَعْبٍ إِلَى سَلْعٍ
فَكَانَ يُقِيمُ بِهِ النَّهَارَ صَائِمًا، وَيَأْوِي إِلَى دَارِهِ بالليل، وذكرا أَنَّ رَجُلَيْنِ سَعَيَا يَبْتَدِرَانِ كعبا يبشرونه فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَارْتَقَى الْمَسْبُوقُ عَلَى سَلْعٍ فَصَاحَ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ بِتَوْبَةِ اللهِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكُمُ الْقُرْآنَ وزعموا أنّ الذين سَبَقَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ ذَكَرَا قِصَّةَ كَعْبٍ. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ، وَاعْتَلُّوا بِالْعِلَلِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ إِلَى قَوْلِهِ [تَعَالَى] [ (20) ] : لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [ (21) ] . وَذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِنِفَاقٍ فَقَالَ: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (22) ] ، في آيَاتٍ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْعُذْرِ مِمَّنْ تَخَلَّفَ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (23) ] ، وَآيَةً بَعْدَهَا. وَذَكَرَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِمَّنْ تَخَلَّفَ فَقَالَ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [ (24) ] . وَأَرْبَعَ آيَاتٍ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَالَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ حِينَ سَمِعَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُخَلَّفِينَ: وَاللهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. [فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ وهو
ابْنُ عَمِّهِ وَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ وَلَأَنْتُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ] [ (25) ] . وَيْلَكَ تَخَلَّفْتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَافَقْتَ، وَاللهِ مَا أَرَاهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَسْكُتَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَى سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ عَقْلًا، وَأَعْطَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَانْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِمَا قَالَ الْجُلَاسُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَحَلَفَ بِاللهِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ قَطُّ، وَلَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ عَامِرٌ: اللهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى رَسُولِكَ بَيَانًا شَافِيًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ إِلَى قَوْلِهِ: فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [ (26) ] وَاسْتُتِيبَ مِمَّا قَالَ، فَتَابَ، وَاعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، فَهَذَا فِي شَأْنِ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَرِوَايَةُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ [قَالَ] [ (27) ] : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا ابْنُ سَلْمَانَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، [قَالَ] : أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ مِنْ حُجُرِهِ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَادَ يَقْلِصُ عَنْهَا الظِّلُّ، قَالَ: سَيَأْتِيكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ فَلَا تُكَلِّمُوهُ، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَامَ تَسُبَّنِي أَنْتَ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، لِقَوْمٍ دَعَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا وَاعْتَذَرُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ،
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ [ (28) ] . وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ، عَنِ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ الْكِرْمَانِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلُ، عَنِ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلٍّ قَدْ كَادَ الظِّلُّ يَقْلِصُ عَنْهُ فَقَالَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (30) ] : أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ [قَالَ] : أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ح) . وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ [قَالَ] : أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَنَصَرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لِنَصْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَا شَاءَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (31) ] ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَافِقِينَ، فَمَنْ سَمَّيْتُ فَلْيَقُمْ، قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا
فُلَانُ، حَتَّى عَدَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فِيكُمْ أَوْ إِنَّ مِنْكُمْ فَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، قَالَ: فَمَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ مُتَقَنِّعٍ قَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بُعْدًا لَكَ سَائِرَ اليوم [ (32) ] .
باب ما جاء في مرض عبد الله بن أبي بن سلول ووفاته بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَرَضِ عَبْدِ اللهِ بن أبي بن سَلُولَ وَوَفَاتِهِ بَعْدَ رُجُوعِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَلَمَّا عَرَفَ فِيهِ الْمَوْتَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَنْهَاكَ عَنْ حُبِّ يَهُوَدَ، فَقَالَ: قَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَهْ [ (1) ] ؟ وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: مرض عبد الله بن أبي بن سَلُولَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ وَمَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ مَرَضُهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: «قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ حُبِّ يَهُوَدَ» ، فَقَالَ قَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَا نَفَعَهُ؟ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ هَذَا بِحِينِ عِتَابٍ! هُوَ الْمَوْتُ، فَإِنْ مِتُّ فَاحْضُرْ غُسْلِي، وَأَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفَّنُ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ الْأَعْلَى، وَكَانَ عَلَيْهِ قميصان، فقال ابن
أُبَيٍّ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَصَلِّ عَلَيَّ وَاسْتَغْفِرْ لِي [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ عبد الله بن أبي بعد ما أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ فَخِذَيْهِ، فَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ فَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ [ (3) ] . وَذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى مَا صَنَعَ بِالْعَبَّاسِ حِينَ أُسِرَ، وَذَلِكَ فِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ طَلَبْتِ الْأَنْصَارُ ثَوْبًا يَكْسُونَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا قَمِيصًا يَصْلُحُ عَلَيْهِ، إِلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَكَسَوْهُ إِيَّاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سفيان [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عِيسَى. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْحُبَابُ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعْطِهِ الْقَمِيصَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ. هَذَا مُرْسَلٌ وَقَدْ ثَبَتَ مَوْصُولًا مَا أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هاني، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ أَحَدَّثَكُمْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بن أبي بن سَلُولَ، أَتَى ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الله رسول [ (5) ] الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ عَنْهُ؟. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لهم» وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (6) ] فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ وَقَالَ نَعَمْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَغَيْرِهِ [ (7) ] .
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سَالِمُ ابن عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ قَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ! اطْلُبْ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَفِّنِّي فِيهِ، وَمُرْهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَرَفْتَ شَرَفَ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يَطْلُبُ إِلَيْكَ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِكَ تُكَفِّنُهُ فِيهِ وَتُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ! فَقَالَ: أَيْنَ؟ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لهم» . قَالَ: فَإِنِّي سَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ الْآيَةَ. قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ [ (8) ]
باب قصة ثعلبة بن حاطب وما ظهر فيها من الآثار.
بَابُ قِصَّةِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآثَارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا محمد ابن سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ: عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (1) ] ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُقَالُ: لَهُ ثَعْلَبَةُ مِنَ الأنصار أتى مجلسه فَأَشْهَدَهُمْ، فَقَالَ: لَئِنْ آتَانِي اللهُ مِنْ فَضْلِهِ آتَيْتُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وتصدقه مِنْهُ، وَوَصَلْتُ مِنْهُ الْقَرَابَةَ، فَابْتَلَاهُ اللهُ فَآتَاهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَأَخْلَفَ مَا وَعَدَ، فَأَغْضَبَ اللهَ بِمَا أَخْلَفَهُ بِمَا وَعْدَهُ فَقَصَّ اللهُ شَأْنَهُ فِي الْقُرْآنِ. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ [] شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا معاذ بن رفاعة السّلاميّ. عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْقَاسِمُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قال:
جَاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، قَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ! قَلِيلٌ تُطِيقُ شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، قَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ! قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، قَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلِي فَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُسَيِّرَ رَبِّي هَذِهِ الْجِبَالَ مَعِي ذَهَبًا لَسَارَتْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يرزقني مالا، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ آتَانِي اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (2) ] مَالًا لَأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ! قَلِيلٌ تُطِيقُ شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا. قَالَ فَاتَّخَذَ أَوِ اشْتَرَى غَنَمًا فَبُورِكَ لَهُ فِيهَا وَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، حَتَّى ضَاقَتْ بِهِ الْمَدِينَةُ فَتَنَحَّى بِهَا، فَكَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ بِالنَّهَارِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا يَشْهَدُهَا بِاللَّيْلِ، ثُمَّ نَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، فَتَنَحَّى بِهَا، وَكَانَ لَا يَشْهَدُ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ وَلَا بِالنَّهَارِ إِلَّا مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [ثُمَّ نَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، فَضَاقَ بِهِ مَكَانُهُ فَتَنَحَّى بِهِ فَكَانَ لَا يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلَا جِنَازَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (3) ] فَجَعَلَ يتَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَيَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَخْبَارِ، وَفَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ اشْتَرَى غَنَمًا، وَأَنَّ الْمَدِينَةَ ضَاقَتْ بِهِ، وَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ! وَيْحَ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ!. ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي وَأُمِّي أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها الْآيَةَ [ (4) ] فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
رَجُلَيْنِ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ، وَكَتَبَ لَهُمَا أَسْنَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَيْفَ يَأْخُذَانِهَا عَلَى وُجُوهِهَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَمُرَّا عَلَى ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ، وَرَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. فَخَرَجَا فَمَرَّا بِثَعْلَبَةَ فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: أَرِيَانِي كِتَابَكُمَا، فَنَظَرَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَةٌ، انْطَلِقَا حَتَّى تَفْرُغَا، ثُمَّ مُرَّا بِي. قَالَ: فَانْطَلَقَا وَسَمِعَ بِهِمَا السُّلَمِيُّ، فَاسْتَقْبَلَهُمَا بِخِيَارِ إِبِلِهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا عَلَيْكَ دُونَ هَذَا، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ إِلَّا بِخَيْرِ ما لي فَقَبِلَا. فَلَمَّا فَرَغَا مَرَّا بِثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: أَرِيَانِي كِتَابَكُمَا، فَنَظَرَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَةٌ انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي. فَانْطَلَقَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا: وَيْحَ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ، وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ الثَّلَاثَ الْآيَاتِ [ (5) ] . قَالَ: فَسَمِعَ بَعْضُ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ أَنْزَلَ [اللهُ] [ (6) ] فِيكَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقَدِمَ ثَعْلَبَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ صَدَقَةُ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ قَدْ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ، قَالَ: فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثِي التُّرَابَ عَلَى رَأْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا عَمَلُكَ بِنَفْسِكَ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى مَضَى. ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرِ! اقْبَلْ مِنِّي صَدَقَتِي، فَقَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يقْبَلْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلُهَا. فَلَمْ يَقْبَلْهَا أبو بكر.
ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَفْصٍ! يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْبَلْ مِنِّي صَدَقَتِي، قال: وتثقل عليه بِالْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَأَزْوَاجِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، أَقْبَلُهَا أَنَا! فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ، فَهَلَكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَفِيهِ نَزَلَتْ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ [ (7) ] قَالَ: وَذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ [ (8) ] . هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُوَرٌ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَإِنَّمَا يُرْوَى مَوْصُولًا بِأَسَانِيدَ ضِعَافٍ، فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَقَبُولِ صَدَقَتِهِ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ عُرِفَ نِفَاقُهُ قَدِيمًا ثُمَّ زِيَادَةُ نِفَاقِهِ وَمَوْتُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ الآية حديثا فلم ير كونه مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب حجة أبي بكر الصديق رضي الله [تعالى] [1] عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع، ونزول سورة براءة بعد خروجه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب [رضي الله عنه] [2] ليقرأها على الناس
بَابُ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (1) ] عَنْهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَنُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على ابن أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (2) ] لِيَقْرَأَهَا عَلَى النَّاسِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] : [ (3) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ [قَالَ] حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ بَقِيَّةَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ، ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَتْ بَرَاءَةُ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عليه [ (4) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْعَضْبَاءِ، حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطَّرِيقِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ [الصِّدِّيقُ] [ (5) ] قَالَ: أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ مَأْمُورٌ. ثُمَّ مَضَيَا، فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مشرك، ولا يطوف بالبيت عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّتِهِ [وَأَجَلَّ النَّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذَّنَ فِيهِمْ لِيَرْجِعَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَأْمَنِهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ ثُمَّ لَا عَهْدَ وَلَا ذِمَّةَ، إِلَّا أَحَدًا كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ فَهُوَ لَهُ: مُدَّتَهُ] [ (6) ] وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْصُولَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ ابْنُ ابْنَةِ: يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي أَنَّ [ (7) ] جَدِّي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى
أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا العام مشرك ولا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ وَيؤَذِّنَ بِهَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ: أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ كَافِرٌ وَلَا عُرْيَانٌ [ (8) ] لَفْظُ حَدِيثِ عَاصِمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ: «تِلْكَ الْحَجَّةُ فِي نَفَرٍ بَعَثَهُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ [ (9) ] ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَأَتْبَعَهُ
عَلِيًّا، فَبَيْنَا أَبُو بَكْرٍ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، إِذْ سَمِعَ رُغَاءَ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْوَاءِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَزِعًا، فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا عَلِيٌّ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّرَهُ عَلَى الْمَوْسِمِ وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَقَامَ عَلِيٌّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ «إِنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي بِهَا فَإِذَا أَبَحَّ قَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَنَادَى بِهَا [ (11) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ؟ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ [ (12) ] الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ [ (13) ] أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أبو حمة، حدثنا أبو قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا اسْتَوَى بِالتَّكْبِيرِ سَمِعَ الدَّعْوَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَوَقَفَ عَنِ التَّكْبِيرِ فَقَالَ: هَذِهِ رَغْوَةُ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الجدعاء، لقد
بَدَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي الْحَجِّ] فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا، فَإِذَا عَلِيٌّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَمِيرٌ أَمْ رَسُولٌ؟ قَالَ: بَلْ رَسُولٌ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةَ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ فِي مَوَاقِفِ الْحَجِّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ، قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ عَنْ مَنَاسِكِهِمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ، فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَقِرَاءَةُ عَلِيٍّ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ عَقِيبَ كُلِّ خُطْبَةٍ مِنْ خُطَبِهِ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْشَأَ النَّاسُ الْحَجَّ تَمَامَ سَنَةِ تِسْعٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى النَّاسِ، وَكَتَبَ لَهُ سُنَنَ الْحَجِّ، وَبَعَثَ مَعَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِآيَاتٍ مِنْ بَرَاءَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِمَكَّةَ، وَبِمِنًى وَبِعَرَفَةَ وَبِالْمَشَاعِرِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ: بَرِئَتْ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ حَجَّ بَعْدَ الْعَامِ أَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَأَجَّلَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَسَارَ عَلِيٌّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ يَقْرَأُ عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ «بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (16) ] الْآيَةَ. وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
باب قدوم وفد ثقيف وهم أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديق ما قال في غزوة ابن مسعود الثقفي رضي الله عنه ثم إجابة الله [تعالى] [1] دعاءه في هداية ثقيف
بَابُ قُدُومِ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَهُمْ أَهْلُ الطَّائِفِ عَلَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِ مَا قال في غزوة ابن مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ إِجَابَةِ اللهِ [تَعَالَى] [ (1) ] دُعَاءَهُ فِي هِدَايَةِ ثَقِيفٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: فَلَمَّا صَدَرَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ قَدِمَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، وقَدِمَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ، قَالَ: لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَى الطَّائِفِ، وَقَدِمَ الطَّائِفَ عَشِيًّا، فَجَاءَتْهُ ثَقِيفٌ فَحَيَّوْهُ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَنَصَحَ لَهُمْ فَاتَّهَمُوهُ وَعَصَوْهُ، وَأَسْمَعُوهُ مِنَ الْأَذَى مَا لَمْ يَكُنْ يَخْشَاهُمْ عَلَيْهِ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى إِذَا سَحَرَ وَطَلَعَ الْفَجْرُ قَامَ عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فِي دَارِهِ، فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ وَتَشَهَّدَ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَزَعَمُوا
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُهُ مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يَاسِينَ [ (2) ] دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللهِ فَقَتَلُوهُ. وَأَقْبَلَ بَعْدَ قَتْلِهِ مِنْ وَفْدِ ثَقِيفٍ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا هُمْ أَشْرَافُ ثَقِيفٍ فِيهِمْ: كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ، وَهُوَ رَأْسُهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَفِيهِمْ: عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرٍ، وَهُوَ أَصْغَرُ الْوَفْدِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ يُرِيدُونَ الصُّلْحَ وَالْقَضِيَّةَ حِينَ رَأَوْا أَنْ قَدْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَسْلَمَتْ عَامَّةُ الْعَرَبِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْزِلْ عَلَيَّ قَوْمِي فَأُكْرِمَهُمْ فَإِنِّي حَدِيثُ الْجُرْمِ فِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَمْنَعُكَ أَنْ تُكْرِمَ قَوْمَكَ، وَلَكِنْ مَنْزِلُهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ» وَكَانَ مِنْ جُرْمِ الْمُغِيرَةِ فِي قَوْمِهِ أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا لِثَقِيفٍ وَأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا مِنْ مِصْرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبُصَاقَ عَدَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ فَقَتَلَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَمْوَالِهِمْ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! خَمِّسْ مَالِي هَذَا! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا نَبُؤُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَجِيرًا لِثَقِيفٍ فَلَمَّا سَمِعْتُ بِكَ قَتَلْتُهُمْ وَهَذِهِ أَمْوَالُهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ وَأَبَى أَنْ يُخَمِّسَ مَا مَعَهُ، وَأَنْزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ وَبَنَى لَهُمْ خِيَامًا، لِكَيْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ وَيَرَوَا النَّاسَ إِذَا صَلَّوْا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ لَمْ يَذْكُرْ نَفْسَهُ، فَلَمَّا سمعه وَفْدُ ثَقِيفٍ، قَالُوا: يَأْمُرُنَا أَنْ نَشْهَدَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَشْهَدُ بِهِ فِي خُطْبَتِهِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُهُمْ [ (3) ] ، قَالَ: فَإِنِّي أَوَّلُ مَنْ شَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ. وَكَانُوا يَفِدُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ يَوْمٍ وَيُخَلِّفُونَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى رِحَالِهِمْ لِأَنَّهُ أَصْغَرُهُمْ، فَكَانَ عُثْمَانُ كُلَّمَا رَجَعَ الْوَفْدُ إِلَيْهِ وَقَالُوا بالهاجرة
عَمَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الدِّينِ، وَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآنَ، فَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ مِرَارًا حَتَّى فَقِهَ الدِّينَ وَعَلِمَ، وَكَانَ إِذَا وَجَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا عَمَدَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ يَكْتُمُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَجِبَ مِنْهُ وَأَحَبَّهُ. فَمَكَثَ الْوَفْدُ يَخْتَلِفُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا فَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عبد يا ليل: هَلْ أَنْتَ مُقَاضِينَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا، قَالَ: نَعَمْ إِنْ أَنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِالْإِسْلَامِ قَاضَيْتُكُمْ، وَإِلَّا فَلَا قَضِيَّةَ وَلَا صُلْحَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. قَالُوا: أَفَرَأَيْتَ الزِّنَا فَإِنَّا قَوْمٌ نَغْتَرِبُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْهُ، قَالَ: هُوَ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا [ (4) ] . قَالُوا: أَفَرَأَيْتَ الرِّبَا، فَإِنَّهَا أَمْوَالُنَا كُلُّهَا، قَالَ لكم رؤوس أَمْوَالِكُمْ [لَا تَظْلِمُونَ] [ (5) ] ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (6) ] . قَالُوا: أَفَرَأَيْتَ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا عَصِيرُ أَرْضِنَا، وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا، قَالَ إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ (7) ] . فَارْتَفَعَ الْقَوْمُ فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالُوا: وَيْحَكُمْ إِنَّا نَخَافُ إِنْ خَالَفْنَاهُ يَوْمًا كَيَوْمِ مَكَّةَ، انْطَلِقُوا نُكَاتِبْهُ عَلَى مَا سَأَلْنَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: نَعَمْ
لَكَ مَا سَأَلْتَ. أَرَأَيْتَ الرَّبَّةَ [ (8) ] مَاذَا نَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: اهْدِمُوهَا. قَالُوا: هَيْهَاتَ، لَوْ تَعْلَمُ الرَّبَّةُ أَنَّكَ تُرِيدُ هَدْمَهَا قَتَلَتْ أَهْلَهَا، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَبْدِ يَالِيلَ مَا أَحْمَقَكَ! إِنَّمَا الرَّبَّةُ حَجَرٌ، قَالَ [ (9) ] : إِنَّا لَمْ نَأْتِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! تَوَلَّ أَنْتَ هَدْمَهَا، فَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا لَنْ نَهْدِمَهَا أَبَدًا. قَالَ فَسَأَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَنْ يَكْفِيكُمْ هَدْمَهَا، فَكَاتَبُوهُ فَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ: ائْذَنْ لَنَا قَبْلَ رَسُولِكَ ثُمَّ ابْعَثْ فِي آثَارِنَا فَإِنِّي أَنَا أَعْلَمُ بِقَوْمِي، فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمُهُمْ، وَحَبَاهُمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِّرْ عَلَيْنَا رَجُلًا يَؤُمُّنَا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرٍ لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ كَانَ تَعَلَّمَ سُوَرًا مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَقِيفٍ فَاكْتُمُوهُمُ الْقَضِيَّةَ وَخَوِّفُوهُمْ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا سَأَلَنَا أُمُورًا أَبَيْنَاهَا عَلَيْهِ، سَأَلَنَا أَنْ نَهْدِمَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَنُبْطِلُ أَمْوَالَنَا فِي الرِّبَا، وَنُحَرِّمَ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، فَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ حِينَ دَنَا مِنْهُمُ الْوَفْدُ يَتَلَقَوْنَهَمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ قَدْ سَارُوا الْعَنَقَ، وَقَطَرُوا الْإِبِلَ، وَنَعَشُوا أَنْيَابَهُمْ كَهَيْئَةِ الْقَوْمِ قَدْ حَزِنُوا وَكُرِبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا بِخَبَرٍ فَلَمَّا رَأَتْ ثَقِيفٌ مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا جَاءَ وَفْدُكُمْ بِخَيْرٍ، وَلَا رَجَعُوا بِهِ، فَدَخَلَ الْوَفْدُ فَعَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ فَنَزَلُوا عِنْدَهَا، وَاللَّاتُ بَيْتٌ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الطَّائِفِ يُسَتَّرُ وَيُهْدَى لَهُ كَمَا يُهْدَى لَبَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ ثَقِيفٍ حِينَ نَزَلَ الْوَفْدُ إِلَيْهَا: إِنَّهُمْ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِرُؤْيَتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى أَهْلِهِ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَاصَّتَهُ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَأَلُوهُمْ مَاذَا جِئْتُمْ بِهِ وَمَاذَا رَجَعْتُمْ بِهِ؟ قَالُوا: أَتَيْنَا رَجُلًا فَظًّا غَلِيظًا يَأْخُذُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ قَدْ ظَهَرَ بِالسَّيْفِ وَأَدَاخَ لَهُ الْعَرَبُ، وَدَانَ لَهُ النَّاسُ فَعَرَضَ عَلَيْنَا أُمُورًا شِدَادًا هَدْمَ اللّات والعزى، وترك
الْأَمْوَالِ فِي الرِّبَا، إِلَّا رؤوس أَمْوَالِكُمْ، وَحَرَّمَ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: وَاللهِ لَا نَقْبَلُ هَذَا أَبَدًا، قَالَ الْوَفْدُ: أَصْلِحُوا السِّلَاحَ وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَرُمُّوا حِصْنَكُمْ، فَمَكَثَتْ ثَقِيفٌ بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً يُرِيدُونَ- زَعَمُوا- الْقِتَالَ، ثُمَّ أَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ، وَقَدْ أَدَاخَ الْعَرَبَ كُلَّهَا، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَأَعْطُوهُ مَا سَأَلَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْوَفْدُ أَنَّهُمْ قَدْ رُعِبُوا وَاخْتَارُوا الْأَمَانَ عَلَى الْخَوْفِ وَالْحَرْبِ قَالَ الْوَفْدُ: فَإِنَّا قَدْ قَاضَيْنَا وَأَعْطَيْنَاهُ مَا أَحْبَبْنَا وَشَرَطْنَا مَا أَرَدْنَا وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْفَاهُمْ وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إِلَيْهِ وَفِيمَا قَاضَيْنَاهُ عَلَيْهِ، فَافْهَمُوا مَا فِي الْقَضِيَّةِ، وَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللهِ، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ، لِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا الْحَدِيثَ وَغَمَمْتُمُونَا أَشَدَّ الْغَمِّ، فَقَالُوا: أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيْطَانِ، فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ وَمَكَثُوا أَيَّامًا، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِيهِمْ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَمَدُوا اللَّاتَ لِيَهْدِمُوهَا، وَاسْتَكْفَتْ ثَقِيفٌ كُلُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْحِجَالِ لَا تَرَى عَامَّةُ ثَقِيفٌ أَنَّهَا مَهْدُومَةٌ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَخَذَ الْكِرْزِينَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاللهِ لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيفٍ، فَضَرَبَ بِالْكِرْزِينِ، ثُمَّ سَقَطَ يَرْكُضُ فَارْتَجَّ أَهْلُ الطَّائِفِ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالُوا: أَبْعَدَ اللهُ الْمُغِيرَةَ قَدْ قَتَلَتْهُ الرَّبَّةُ وَفَرِحُوا حِينَ رَأَوْهُ سَاقِطًا وَقَالُوا: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَقْتَرِبْ وَلْيَجْتَهِدْ على هدمها فو الله لَا تُسْتَطَاعُ أَبَدًا، فَوَثَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ قَبَّحَكُمُ اللهُ يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ إِنَّمَا هِيَ لَكَاعِ حِجَارَةٌ وَمَدَرٌ، فَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللهِ وَاعْبُدُوهُ، ثُمَّ ضَرَبَ الْبَابَ فَكَسَرَهُ، ثُمَّ عَلَا عَلَى سُورِهَا وَعَلَا الرِّجَالُ مَعَهُ، فَمَا زَالُوا يَهْدِمُونَهَا حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى سَوَّوْهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ يَقُولُ لَيُغْضَيَنَّ الْأَسَاسُ فَلَيُخْسَفَنَّ بِهِمْ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةُ، قَالَ لِخَالِدٍ: دَعْنِي أَحْفُرُ أَسَاسَهَا فَحَفَرَهُ حَتَّى أَخْرَجُوا تُرَابَهَا وَانْتَزَعُوا حِلْيَتَهَا، وَأَخَذُوا ثِيَابَهَا، فَبُهِتَتْ ثَقِيفٌ فَقَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُمْ: أَسْلَمَهَا الرَّضَّاعُ وَتَرَكُوا الْمِصَاعَ، وَأَقْبَلَ الْوَفْدُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِحِلْيَتِهَا وَكِسْوَتِهَا، فَقَسَمَهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ، وَحَمِدُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَصْرِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْزَازِ دينه. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَرِوَايَةُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ [ (10) ] . وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قدم من تَبُوكَ الْمَدِينَةَ فِي رَمَضَانَ وَقَدِمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّهْرَ وَفْدٌ مِنْ ثَقِيفٍ، وَزَعَمَ [ (11) ] أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمُ اتَّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ رُجُوعِهِ وَقَتْلِهِ وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي دَمِهِ بَعْدَ مَا رُمِيَ، فَقَالَ: كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللهُ بِهَا وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللهُ إِلَيَّ، فَلَيْسَ فِيَّ إِلَّا مَا فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ عَنْكُمْ، فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ، فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ. فَأَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودً أَشْهُرًا. ثُمَّ ذَكَرَ قُدُومَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِسْلَامَهُمْ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، والمغيرة بن شعبة يَهْدِمَانِ الطَّاغِيَةَ، وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي مَالِهِ، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَعَلَاهَا يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ دُونَهُ بَنُو مُعَتِّبٍ خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى أَوْ يُصَابَ كَمَا أُصِيبَ عُرْوَةُ وَخَرَجَ [ (12) ] نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسَّرًا [ (13) ] يَبْكِينَ عَلَيْهَا ويقلن:
لَتَبْكِيَنَّ دَفَّاعْ [ (14) ] ... أَسْلَمَهَا الرَّضَّاعْ [ (15) ] لَمْ يُحْسِنُوا الْمِصَاعْ [ (16) ] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَضَرَبَ لَنَا قَيْسٌ عِنْدَ دَارِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: وَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِينَا يُفَطِّرُنَا، فَنَقُولُ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، مَا جِئْتُكُمْ حَتَّى أَفْطَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ يَدَهُ فَيَأْكُلُ وَنَأْكُلُ، قَالَ: وَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِينَا بِسَحُورِنَا. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَمُوا أَنْ لَا يُحْشَرُوا، وَلَا يُعْشَرُوا، وَلَا يُجَبُّوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا وَلَا تُعْشَرُوا وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فيه ركوع [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ [قَالَ] [ (18) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، [قال] : حدثنا أَبُو دَاوُدَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ، قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا، وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: «سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا» [ (19) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَتْ طاغيتهم [ (21) ] .
باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه ما كان سببا لشفائه ودعائه له حتى فارقه الشيطان وذهب عنه النسيان.
بَابُ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا كَانَ سَبَبًا لِشِفَائِهِ وَدُعَائِهِ لَهُ حَتَّى فَارَقَهُ الشَّيْطَانُ وَذَهَبَ عَنْهُ النِّسْيَانُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] : أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إن الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، قَالَ: فَقَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكِ ثَلَاثًا، قَالَ: فَفَعَلْتُ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ [ (2) ] ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، وَعَنْبَسَةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُوءَ حِفْظِي لِلْقُرْآنِ فَقَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ، ادْنُ مِنِّي يَا عُثْمَانُ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ
كَتِفَيَّ، وَقَالَ: اخْرُجْ يَا شَيْطَانُ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أُوَيْسٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَنَا أَصْغَرُ السِّتَّةِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَيْهِ [ (4) ] مِنْ ثَقِيفٍ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ قَرَأْتُ، سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْقُرْآنَ يَنْفَلِتُ مِنِّي، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ أُرِيدُ حِفْظَهُ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حُصَيْفَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُثْمَانُ: وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللهُ مَا كَانَ بِي، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وغيرهم [ (6) ] .
جماع أبواب وفود العرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [1]
جُمَّاعُ أَبْوَابِ وُفُودِ الْعَرَبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (1) ] ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي الْمَغَازِي فِيمَا لَمْ أَجِدْ نُسْخَةَ سَمَاعِي [وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً] [ (2) ] أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا أحمد ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ ضَرَبَتْ إِلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ يَضْرِبُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ [ (3) ] .
باب وفد عطارد بن حاجب في بني تميم
بَابُ وَفْدِ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ فِي بَنِي تَمِيمٍ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَدِمَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيُّ فِي أَشْرَافٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْهُمُ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَالزِّبْرِقَانَ بْنُ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَالْحَبْحَابُ [بْنُ يَزِيدَ] وَنُعَيْمُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ تَمِيمٍ، فِيهِمْ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، وَكَانَ الْأَقْرَعُ وَعُيَيْنَةُ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حُنَيْنًا وَالْفَتْحَ وَالطَّائِفَ، فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ دَخَلَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ: أَنِ اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ جِئْنَاكَ لِنُفَاخِرَكَ فَائْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَذِنْتُ لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُمْ، فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا الَّذِي لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا، وَالَّذِي وَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا، نَفْعَلُ بِهَا الْمَعْرُوفَ، وَجَعَلَنَا أَعَزَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا وَأَيْسَرَهُ عُدَّةً، فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النَّاسِ؟ أَلَسْنَا رؤوس النَّاسِ وَأُولِي فَضْلِهُمْ، فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيَعُدَّ مِثْلَ مَا عَدَدْنَا، فَلَوْ شِئْنَا لَأَكْثَرْنَا مِنَ
الْكَلَامِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحِي مِنَ الْإِكْثَارِ لِمَا أَعْطَانَا، أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلِنَا وَأَمْرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَمْرِنَا، ثُمَّ جَلَسَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ: قُمْ فَأَجِبْهُ، فَقَامَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ قَضَى فِيهِنَّ أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيُّهُ، عِلْمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَطُّ إِلَّا مِنْ فَضْلِهِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فانزل عليه كتابه، وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ، فَكَانَ خِيرَةَ اللهِ مِنَ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ فَآمَنَ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ، وَذَوِي رَحِمِهِ أَكْرَمُ النَّاسِ أَحْسَابًا وَأَحْسَنُهُمْ وُجُوهًا، وَخَيْرُ النَّاسِ فِعْلًا، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ الْخَلْقِ إِجَابَةً، وَاسْتَجَابَ اللهُ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عليه وسلم] [ (1) ] ، نَحْنُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ [ (2) ] وَوُزَرَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، فَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ نَكَثَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللهِ أَبَدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا. أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ قِيَامَ الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ وَإِنْشَادَهُ [ (3) ] ، وَجَوَابَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ [ (4) ] إِيَّاهُ.
فلما فرغ حسّان مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ: [وَأَبِي] [ (5) ] إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ خَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَشَاعِرُهُ أَشْعُرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَأَصْوَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا. فَلَمَّا فَرَغُوا أَجَازَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلَّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَكَانَ يُبْغِضُ ابْنَ الْأَهْتَمِ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيْكَ السَّلَامُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ غلام مِنَّا فِي رِحَالِنَا، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ وَأَزْرَى بِهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ- حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ قَيْسٍ- يهجوه، فذكر بياتا قالهنّ [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ، أَخْبَرَنِي عَنْ هَذَا الزِّبْرِقَانُ، فَأَمَّا هَذَا فَلَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ لِقَيْسٍ، قَالَ: وَأُرَاهُ كَانَ قَدْ عَرَفَ قَيْسًا، قَالَ: فَقَالَ مُطَاعٌ فِي أُذُنَيْهِ شَدِيدُ الْعَارِضَةِ، مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: قَدْ قَالَ مَا قَالَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي أَفْضَلُ مِمَّا قَالَ، قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو وَاللهِ مَا عَلِمْتُكَ إِلَّا زَمْرَ الْمُرُوءَةِ ضَيِّقَ الْعَطِيَّةِ، أَحْمَقَ الْأَبِ، لَئِيمَ الْخَالِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ صَدَقْتَ فِيهِمَا جَمِيعًا أَرْضَانِي فَقُلْتُ بِأَحْسَنَ مَا أَعْلَمُ فيه، واسخطني فقلت بأسوء مَا أَعْلَمُ فِيهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إن مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا. هَذَا مُنْقَطِعٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا. أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ كَامِلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَّافُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ مَحْفُوظٍ عَنْ أَبِي الْمُقَوِّمِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَبُو الْمُقَوِّمِ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: [ (7) ] . جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ التَّمِيمِيُّونَ، فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ، فَقَالَ: يَا رسول الله أنا سَيِّدُ تَمِيمٍ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ وَالْمُجَابُ أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَآخُذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذَلِكَ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، إِنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ مَانِعٌ لِجَانِبِهِ مُطَاعٌ فِي أُذُنَيْهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيْرَ مَا قَالَ،
وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا الْحَسَدُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ: أَنَا أَحْسُدُكَ، فو الله إِنَّكَ لَئِيمُ الْخَالِ، حَدِيثُ الْمَالِ، أَحْمَقُ الْوَلَدِ، مُضَيَّعٌ فِي الْعَشِيرَةِ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِيمَا قُلْتُ أَوَّلًا، وَمَا كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ آخِرًا، وَلَكِنِّي رَجُلٌ إِذَا رَضِيتُ قُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ وَإِذَا غَضِبْتُ قُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتُ، وَلَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَى جَمِيعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ الْمُجَوَّزُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْهَيْثَمِ: عُتْبَةُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خاتم بْنِ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوسنجي، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سليمان، عن قيس ابن الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ. أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (9) ] [أَنْ يَغْتَسِلَ] [ (10) ] بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ الله عنهما-[ (11) ] يعلّمانه [ (12) ] .
باب وفد بني عامر [1] ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل وكفاية الله تعالى شره، وشر أربد بن قيس بعد أن عصم منها نبيه صلى الله عليه وسلم، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ [ (1) ] وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَكِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى شَرَّهُ، وَشَرَّ أَرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ بَعْدَ أَنْ عَصَمَ مِنْهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثُمَامَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: وَفَدَ أَبِي فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنْتَ سَيِّدُنَا، وَذُو الطَّوْلِ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَهْ مَهْ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَجِرَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، السَّيِّدُ اللهُ، السَّيِّدُ اللهُ، السَّيِّدُ اللهُ. وذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ عَنِ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم] [ (2) ] وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ فِيهِمْ: عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلٍ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ، وَخَالِدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَيَّانُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مَالِكٍ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ
رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ، فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلٍ، فَقَالَ: [ (3) ] تَالَلَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ مِنْ تَتَبُّعِ الْعَرَبِ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتَّبِعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ إِذَا قَدِمْنَا عَلَى الرَّجُلِ فَإِنِّي شَاغِلٌ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسَّيْفِ [ (4) ] فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ! خَالِّنِي [ (5) ] ، فَقَالَ: «لَا، وَاللهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللهِ وَحْدَهُ» ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِّنِي، فَقَالَ: «لَا حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ» فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا حُمْرًا، وَرِجَالًا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ» فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: وَيْحَكَ يَا أَرْبَدُ!! أَيْنَ مَا كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِهِ؟ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ لَا أَخَافُ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا، قَالَ: لَا أَبَا لَكَ لَا تعجل عليّ فو الله مَا هَمَمْتُ بِالَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ مَرَّةٍ: لادخلت بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ أَفَأَضْرِبُكَ بِالسَّيْفِ؟ ثُمَّ خَرَجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ فَقَتَلَهُ اللهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ، ثُمَّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ حَتَّى قَدِمُوا [ (6) ] أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا مَا وراك يَا أَرْبَدُ فَقَالَ لَقَدْ دَعَانَا إِلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ عِنْدِي فَأَرْمِيَهُ بِالنَّبْلِ هَذِهِ حَتَّى أَقْتُلَهُ،
فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمَلٌ يَتْبَعُهُ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى [ (7) ] عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا وَكَانَ أَرْبَدُ أَخًا لِلَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمِّهِ، فَبَكَاهُ وَرَثَاهُ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فِي قِصَّتَيْ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَالَ يَحْيَى: فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا «اللهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بِمَا شِئْتَ، وَابْعَثْ عَلَيْهِ دَاءً يَقْتُلُهُ» ، فَبَعَثَ اللهُ عَلَيْهِ طَاعُونًا فَقَتَلَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن رحا، أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (9) ] أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ حزام بْنِ مِلْحَانَ قَالَ، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ] : أُخَيِّرْكَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ، وَيَكُونُ لِي أَهْلُ الْمَدَرِ، وأَكُونَ خَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ أَغْزُوَكَ بِغَطَفَانَ بِأَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ، قَالَ: فَطُعِنَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: أَغُدَّةٌ كفرة الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي فَرَكِبَ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (10) ] فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ- رَحِمَهُ اللهُ-، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَاهِرٍ الْحُسَيْنِيُّ بِالْمَدِينَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، بْنُ يَحْيَى ابن الْحَسَنِ بْنِ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُؤَمَّلٍ، عَنْ أَبِيهَا عَنْ جَدِّهَا مُؤَمَّلِ بْنِ جَمِيلٍ، قَالَ:. أَتَى عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا عَامِرُ أَسْلِمْ، قَالَ: أُسْلِمُ عَلَى أَنَّ الْوَبَرَ لِي، وَلَكَ، الْمَدَرُ، قَالَ: لَا. ثُمَّ قَالَ: يَا عَامِرُ أَسْلِمْ، قَالَ: أُسْلِمُ عَلَى أَنَّ الْوَبَرَ لِي، وَلَكَ الْمَدَرُ، قَالَ: فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا جُرْدًا، وَرِجَالًا مُرْدًا، أَوْ لَأَرْبِطَنَّ بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَرَسًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اكْفِنِي عَامِرًا وَاهْدِ قَوْمَهُ فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ، صَادَفَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: سَلُولِيَّةُ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَنَامَ فِي بَيْتِهَا، فَأَخَذَتْهُ غُدَّةٌ فِي حَلْقِهِ، فَوَثَبَ عَلَى فَرَسِهِ وَأَخَذَ رُمْحَهُ، وَأَقْبَلَ يَجُولُ، وَهُوَ يَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ حَالُهُ حَتَّى سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ مَيِّتًا، وَاللهُ أَعْلَمُ [ (11) ] .
باب وفد عبد القيس [1] وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعهم قبل قدومهم
بَابُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ [ (1) ] وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطُلُوعِهِمْ قَبْلَ قُدُومِهِمْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-[تَعَالَى] [ (2) ] أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يقول:
إن وفد عبد القيس لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ الْخَزَايَا وَلَا النَّدَامَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَإِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّهُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ [ (3) ] ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ [ (4) ] ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرَ، فَاحْفَظُوهُنَّ وَادْعُوا إِلَيْهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (5) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ
الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيَ الْوَفْدَ، وَذَكَرَ أبا نَضْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ، أَوْ عَمِلْنَا بِهِ، فَقَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ:، وَتَصُومُوا رَمَضَانَ: وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ؟ قَالَ: جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ، ثُمَّ تُلْقُونَ فِيهِ مِنَ الْقَطْيَاءِ وَالتَّمْرِ، ثُمَّ تَصُبُّونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، حَتَّى يَغْلِيَ فَإِذَا سَكَنَ شَرِبْتُمُوهُ حَتَّى [ (6) ] إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ، قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ بِهِ ضَرْبَةٌ كَذَلِكَ، قَالَ: كُنْتُ أخبأها حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فَفِيمَا نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: اشْرَبُوا فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ الَّتِي يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا. قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ لَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الْأَدَمِ، قَالَ: وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ. قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ: الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا إسماعيل بن محمد ابن إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ السَّمْحِ، حدثنا قيس بن
حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ حُجَيْرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا هُودُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مَزْيَدَةَ الْعَصَرِيَّ [ (8) ] ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ إِذْ قَالَ لَهُمْ: سَيَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَاهُنَا رَكْبٌ هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَجَّهَ نَحْوَهُمْ فَلَقِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَاكِبًا، فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: فَمَا أَقْدَمَكُمْ هَذِهِ الْبِلَادَ أَتِجَارَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَمَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدْ ذَكَرَكُمْ آنِفًا [ (9) ] فَقَالَ خَيْرًا، ثُمَّ مَشَى مَعَهُمْ حَتَّى أَتَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ لِلْقَوْمِ: هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي تُرِيدُونَهُ، فَرَمَى الْقَوْمُ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ رَكَائِبِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ مَشَى إِلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ هَرْوَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَعَى حَتَّى أَتَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذُوا بِيَدِهِ فَقَبَّلُوهَا، وَتَخَلَّفَ الْأَشَجُّ فِي الرِّكَابِ حَتَّى أَنَاخَهَا، وَجَمَعَ مَتَاعَ الْقَوْمِ، ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِيَدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ جَبْلٌ جُبِلَتْ عَلَيْهِ أَمْ تَخَلُّقًا مِنِّي؟ قَالَ: بَلْ جَبْلٌ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى مَا يُحِبُّ اللهُ وَرَسُولُهُ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْنَقُ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَبَانَ بِنْتُ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ، عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ، وَانْتَظَرَ الْمُنْذِرُ الْأَشَجُّ حَتَّى أَتَى عيتبه، فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أم الله
جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا، قَالَ: بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي على خلقتين يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي قِلَابَةَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ- بَعْدَ جُمُعَةٍ بِالْمَدِينَةِ- جُمُعَةُ الْبَحْرَيْنِ بحواثاء قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَبْدِ الْقَيْسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ [ (12) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ عَمْرِو بْنِ حَنَشِ بْنِ يَعْلَى الْعَبْدِيُّ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فِي عَبْدِ الْقَيْسِ، فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي عَلَى دِينِي، وَإِنِّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِكَ، فَتَضْمَنُ لِي مَا فِيهِ، قَالَ: نَعَمْ، أَنَا ضَامِنٌ لَكَ أَنَّ الَّذِيَ أَدْعُوكَ إِلَيْهِ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ احْمِلْنَا، قَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عليه،
فَقَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالَّ مِنْ ضَوَالِّ النَّاسِ، فَنَتَبَلَّغُ عَلَيْهَا، قَالَ: لَا، تِلْكَ حَرَقُ النَّارِ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ رُجُوعَ الْجَارُودِ إِلَى قَوْمِهِ وَأَنَّهُ كَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ صُلْبًا عَلَى دِينِهِ حَتَّى هلك [ (13) ] .
باب وفد بني حنيفة [1]
بَابُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] : [ (2) ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ، فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَأَتَوْا بِمُسَيْلِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، يَسْتُرُونَهُ بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي يَدَهِ عَسِيبٌ [ (3) ] مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثِّيَابِ كَلَّمَهَ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ الَّذِي فِي يَدِي مَا أَعْطَيْتُكَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا، زَعَمَ أَنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلَّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رَحْلِهِمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا لَهُ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا، وَرِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِأَشَرِّكُمْ مَكَانًا، يَعْنِي لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَهُ بِالَّذِي أَعْطَاهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْيَمَامَةَ ارْتَدَّ عَدُوُّ اللهِ، وَتَنَبَّأَ، وَقَالَ: إِنِّي أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِأَشَرِّكُمْ مَكَانًا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْجَعُ السَّجَاعَاتِ فَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى بَيْنَ صِفَاقٍ وَحَشَا، وَوَضَعَ عَنْهُمُ الصَّلَاةَ، وَأَحَلَّ لَهُمُ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ [ (4) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللهِ! إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَمْرِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَمْرِ، وَلَكِنْ قُرَيْشٌ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ بِهَذَا الْكِتَابِ. فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يَورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عشر [ (5) ] .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ بِكِتَابِهِ يَقُولُ لَهُمَا وَأَنْتُمَا تَقُولَانِ بِمِثْلِ مَا يَقُولُ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا [ (6) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أَثَالٍ رَسُولَيْنِ لمُسَيْلِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ، وَلَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا [ (7) ] . قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ فَأَمَّا ابْنُ أَثَالٍ فَقَدْ كَفَانَا اللهُ وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَلَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي حَتَّى أَمْكَنَ اللهُ تَعَالَى منه. قلت: أما تمامة بْنُ أَثَالٍ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ فِي إِسْلَامِهِ. وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ بِالْكُوفَةِ حِينَ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللهِ ابن مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنِّي مَرَرْتُ بِبَعْضِ مَسَاجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ وهم يقرؤون قِرَاءَةً مَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطَّاحِنَاتُ طَحْنًا وَالْعَاجِنَاتُ عَجْنًا، وَالْخَابِزَاتُ خَبْزًا، وَالثَّارِدَاتُ ثَرْدًا وَاللَّاقِمَاتُ لَقْمًا، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَأَتَى بِهِمْ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَرَأْسُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ النَّوَّاحِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنَّا بِمَحْذُورِ الشَّيْطَانِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا كُنَّا نَحْدِرُهُمْ إِلَى الشَّامِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكْفِيَنَاهُمْ. أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، يَقُولُ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَا بِهِ لَحِقْنَا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَحْقَنَا بِالنَّارِ، قَالَ [ (8) ] وَكُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ نُلْقِي ذَاكَ وَنَأْخُذُهُ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا حَثْيَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِغَنَمٍ فَحَلَبْنَاهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَطَفْنَا بِهِ. قَالَ: وَكُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ نَقُولُ جَاءَ مُنَصِّلُ الْأَسِنَّةِ لَا نَدَعُ حَدِيدَةً فِيهَا سَهْمٌ وَلَا حَدِيدَةً فِي رُمْحٍ إِلَّا انْتَزَعْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ صَلْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ [ (9) ] .
باب رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسود العنسي ومسيلمة الكذابين، وتصديق الله سبحانه رؤياه وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ وَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَيْنِ، وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ رُؤْيَاهُ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي الْأَمَالِي، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عبيد ابن إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظُ، بِهَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ دِيزِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: إِنْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّي أَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ يُجِيبُكَ عَنِّي، ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِنَّكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِيَ يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا: كَذَّابَيْنَ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي، فَهَذَا أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (1) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَقَالَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ، وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وصَاحِبُ الْيَمَامَةِ] [ (3) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (4) ] ، وَقَدْ صَدَّقَ اللهُ تَعَالَى رُؤْيَا رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، أَمَّا الْأَسْوَدُ صَاحِبُ صَنْعَاءَ فَإِنَّهُ قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بْنُ الدَّيْلَمِيِّ. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ، وعيسى ابن مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ- كَانَ جَاوَرَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بُزُرْجَ، قَالَ: خَرَجَ أَسْوَدُ الْكَذَّابُ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَنْسٍ، وَكَانَ مَعَهُ شَيْطَانَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا سُحَيْقٌ،
وَالْآخَرِ شُقَيْقٌ، وَكَانَا يُخْبِرَانِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَحْدُثُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، فَسَارَ الْأَسْوَدُ حَتَّى أَخَذَ ذِمَارَ، وَكَانَ بَاذَانُ إِذْ ذَاكَ مَرِيضًا بِصَنْعَاءَ، فَلَمَّا مَاتَ، جَاءَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ وَهُوَ عَلَى قَصْرِ ذِمَارَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَوْتِ بَاذَانَ، فَنَادَى الْأَسْوَدُ فِي قَوْمِهِ: يَا آلَ يَحَابِرَ، وَيَحَابِرُ فَخِذٌ مِنْ مُرَادٍ: إِنَّ سُحَيْقًا قَدْ أَجَارَ ذِمَارَ، وَأَبَاحَ لَكُمْ صَنْعَاءَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خُرُوجِهِ إِلَى صَنْعَاءَ وَأَخْذِهِ صَنْعَاءَ، وَاسْتِنْكَاحِهِ الْمَرْزُبَانَةَ امْرَأَةَ بَاذَانَ، وَإِرْسَالِهَا إِلَى دَاذَوَيْهِ خَلِيفَةِ بَاذَانَ، وَفَيْرُوزَ، وَخُرَّزَاذَ بْنِ بُزُرْجَ وَجُرْجُسْتَ هَذَا الشَّيْطَانُ فَائْتَمِرُوا بِهِ وَأَنَا أَكْفِيكُمُوهُ، وَأَنَّهُمُ ائْتَمِرُوا بِقَتْلِهِ مَعَ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَاجْتَمَعَ دَاذَوَيْهِ وَفَيْرُوزُ وَأَصْحَابُهُمَا، وَكَانَ عَلَى بَابِ الْأَسْوَدِ أَلْفُ رَجُلٍ يَحْرُسُونَهُ، فَجَعَلْتِ الْمَرْزُبَانَةُ تَسْقِيهِ خَمْرًا صِرْفًا فَكُلَّمَا قَالَ: شُوبُوهُ، صَبَّتْ عَلَيْهِ مِنْ خَمْرٍ كَانَ حَتَّى سَكِرَ، فَدَخَلَ فِي فِرَاشِ بَاذَانَ، وَكَانَ مِنْ رِيشٍ. فَانْقَلَبَ عَلَيْهِ الْفِرَاشُ وَجَعَلَ دَاذَوَيْهِ وَأَصْحَابُهُ يَنْضَحُونَ الْجِدَارَ بِالْخَلِّ وَيَحْفِرُونَهُ مِنْ نَحْوِ بُيُوتِ أَهْلِ بُزُرْجَ بِحَدِيدَةٍ، حَتَّى فَتَحُوهُ قَرِيبًا مِنْهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي دُخُولِ دَاذَوَيْهِ وَجُرْجُسْتَ، فَلَمْ يُرْزَقَا قَتَلَهُ، فَخَرَجَا فَدَخَلَ فَيْرُوزُ وَابْنُ بُزُرْجَ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِمَا الْمَرْأَةُ: أَنَّهُ فِي الْفِرَاشِ، فَتَنَاوَلَ فَيْرُوزُ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَعَصَرَ عُنُقَهُ فَدَقَّهَا وَطَعَنَهُ ابْنُ بُزُرْجَ بِالْخِنْجَرِ فَشَقَّهُ مِنْ تَرْقُوَتِهِ إِلَى عَانَتِهِ، ثُمَّ احْتَزَّ رَأْسَهُ، وَخَرَجُوا وَأَخْرَجُوا الْمَرْأَةَ مَعَهُمْ وَمَا أَحَبُّوا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (5) ] . وَأَمَّا قَتَلُ مُسَيْلِمَةَ فِي حَرْبِ الْيَمَامَةِ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَشْهُوَرٌ وَسَنَأْتِي عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
باب وفد طيء [1] منهم زيد الخيل وعدي ابن حاتم وما قال لزيد وإخباره صلى الله عليه وسلم عديا ببعض ما يكون بعده وما ظهر فيه من آثار النبوة
باب وفد طيّء [ (1) ] مِنْهُمْ زَيْدُ الْخَيْلِ وَعَدِيُّ ابن حَاتِمٍ وَمَا قَالَ لِزَيْدٍ وَإِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدِيًّا بِبَعْضِ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وفد طيّء فِيهِمْ: زَيْدُ الْخَيْلِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ كَلَّمُوهُ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الإسلام، فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمَّ جَاءَنِي إِلَّا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ لِي فِيهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ زَيْدِ الْخَيْلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّمَا كَانَ فِيهِ» ثُمَّ سَمَّاهُ زَيْدَ الْخَيْرِ، وَقَطَعَ لَهُ كَذَا وَكَذَا وَأَرَضِينَ مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أن يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمَّى
الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ» ! يُقَالُ قَدْ سَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمٍ غَيْرِ الْحُمَّى، وَغَيْرِ أُمِّ مِلْدَمٍ، فَلَمْ يُثْبِتْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ، يُقَالُ لَهُ: قِرَدَةُ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَمَاتَ بِهَا، فَلَمَّا مَاتَ عَمَدْتِ امْرَأَتُهُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ كُتُبٍ مَعَهُ فَحَرَّقَتْهَا بِالنَّارِ. [ (2) ] ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَفِرَارَهُ وَأَخْذَ خَيْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُخْتَهُ وَقُدُومَهُمْ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم] مَنَّ عَلَيْهَا وَكَسَاهَا وَأَعْطَاهَا نَفَقَةً، فَخَرَجَتْ مَعَ رَكْبٍ حَتَّى قَدِمَتِ الشَّامَ وَأَشَارَتْ عَلَى أَخِيهَا بِالْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ قَدِمَ عليه وأسلم [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله ابن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
قَالَ: سَمِعْتُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ حُبَيْشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: [ (4) ] . جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ رُسُلَهُ وَأَنَا بِعَقْرَبٍ فَأَخَذُوا عَمَّتِي، وَنَاسًا، قَالَ: فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُفُّوا لَهُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! غَابَ الْوَافِدُ، وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ، قَالَ: مَنْ وَافِدُكِ؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: الَّذِي فَرَّ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ تَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ قَالَ: سَلِيهِ حِمْلَانًا، قَالَ: فَسَأَلَتْهُ فَأَمَرَ لَهَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَتْنِي فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلْتَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا ائْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ أَوْ صَبِيٌّ، فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مُلْكَ كِسْرَى، وَلَا قَيْصَرَ، فَقَالَ لِي: يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ، مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ اللهُ أَكْبَرُ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ، فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ، وَقَالَ: إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُوَدُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَلَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تَرْضَخُوا مِنَ الْفَضْلِ ارْتَضَخَ امْرُؤٌ بِصَاعٍ، بِبَعْضِ صَاعٍ، بِقَبْضَةٍ، بِبَعْضِ قَبْضَةٍ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ: بِتَمْرَةٍ، بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَإِنْ أَحَدَكُمْ لَاقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَائِلٌ مَا أَقُولُ: أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَمَاذَا قَدَّمْتَ؟ فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، فَلَا يَجِدُ شَيْئًا، فَمَا يَتَّقِي النَّارَ إِلَّا بِوَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَبِكَلِمَةٍ لَيِّنَةٍ، إِنِّي لَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ لَيَنْصُرَنَّكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ لَيُعْطِيَنَّكُمْ، أَوْ لَيَفْتَحُ لَكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظعينة
بَيْنَ الْحِيرَةِ وَيَثْرِبَ أَوْ أَكْثَرُ مَا تَخَافُ السَّرِقَةَ عَلَى ظَعِينَتِهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ وهما الثُّمَالِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا أَزْهَدَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فِي خَيْرٍ عَجَبًا، لِرَجُلٍ يَجِيئُهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فِي الْحَاجَةِ فَلَا يَرَى نَفْسَهُ لِلْخَيْرِ أَهْلًا، فَلَوْ كَانَ لَا يَرْجُو ثَوَابًا وَلَا يَخْشَى عِقَابًا لَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يسَارِعَ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى سُبُلِ النجاحِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: نَعَمْ، وَمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ: لمّا أتى بسبايا طيّء وَقَفَتْ جَارِيَةٌ حَمْرَاءُ لَعْسَاءُ ذَلْفَاءُ عَيْطَاءُ، شَمَّاءُ الْأَنْفِ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ وَالْهَامَةِ، دَرْمَاءُ الْعَيْنِ، خَدِلَةُ السَّاقَيْنِ، لَفَّاءُ الْفَخِذَيْنِ، خَمِيصَةُ الْخَصْرَيْنِ، ضَامِرَةُ الْكَشْحَيْنِ، مَصْقُولَةُ الْمَتْنَيْنِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجَبْتُ بِهَا وقلت: لا طلبنّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلَهَا فِي فَيْئِي فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ أُنْسِيتُ جَمَالَهَا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ فَصَاحَتِهَا، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّىَ عَنَّا وَلَا تُشْمِتْ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ فَإِنِّي ابْنَةُ سَيِّدِ قَوْمِي، وَإِنَّ أَبِي كَانَ يَحْمِي الذِّمَارَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَيَكْسُو الْعَارِي، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُفْشِي السَّلَامَ، وَلَا يَرُدُّ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ طيّء، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جَارِيَةُ! هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَاللهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ دينار، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا بحسن الخلق [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ حُذَيْفَةَ، قَالَ رَجُلٌ: كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي لَا أَسْأَلُهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهْتُهُ أَشَدَّ مَا كَرِهْتُ شَيْئًا قَطُّ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ مِمَّا يَلِي الرُّومَ، ثُمَّ كَرِهْتُ مَكَانِي أَشَدَّ مِمَّا كَرِهْتُ مَكَانِيَ الْأَوَّلَ، فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُهُ فَسَمِعْتُ مِنْهُ فَأَتَيْتُهُ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فاسْتَشْرَفَنِيَ النَّاسُ، وَقَالُوا: جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ، جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ! أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَقُلْتُ إِنِّي عَلَى دِينٍ، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا ثَلَاثًا، قَالَ: أَلَسْتَ رَكُوسِيًّا [ (6) ] ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَلَسْتَ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ [ (7) ] ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ، قَالَ: فَوَجَدْتُ بِهَا عَلَيَّ غَضَاضَةً. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَمْنَعَكَ أَنْ تُسْلِمَ أَنْ تَرَى بِمَنْ عِنْدَنَا خَصَاصَةً، وَتَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا إِلْبًا وَاحِدًا، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَهَا، قَالَ: فَإِنَّ الظَّعِينَةَ سَتَرْحَلُ مِنَ الْحِيرَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَلَتُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، قُلْتُ: كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى يَهُمَّ الرَّجُلُ مَنْ يَقْبَلُ مَالَهُ مِنْهُ صَدَقَةً، قَالَ: فَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْحَلُ مِنَ الْحِيرَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَكُنْتُ فِي أَوَّلِ خَيْلٍ أَغَارَتْ عَلَى الْمَدَائِنِ وو والله لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةَ إِنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (8) ] .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] [ (9) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ [قَالَ] : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى اسْمَيْنِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ البوسنجي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ: مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ محمد ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَمِمَّا زَادَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمِ فَلَمَّا رَآنِي قَامَ قَائِمًا وَأَخَذَ الْوِسَادَةَ فَأَلْقَاهَا إِلَيَّ فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا وَجَلَسَ هُوَ بِالْأَرْضِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ صَنَعَ مَا صَنَعَ وَقَعَتْ عَلَيَّ غَضَاضَةٌ وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُ عُلُوَّا فِي الدُّنْيَا وَلَا فَسَادًا [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ زَاجٌ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ أَنْبَأَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَشَكَاهُ قَطْعَ السَّبِيلِ، قَالَ: يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ
عَنْهَا، قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَمُرَّنَّ الظَّعِينَةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحِيحُ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ- قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وبين نفسي فأين زعّار طيء الَّذِينَ سَعَّرُوا الْبِلَادَ- وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، قَالَ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفَّيْهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، قَالَ عَدِيٌّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ تَمْرَةً فَبِكَلِمَةٍ طَيْبَةٍ. قَالَ عَدِيٌّ: قَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْكُوفَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَكُنْتُ فيمن افتح كُنُوزَ ابْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ سَتَرَوْنَ مَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ [ (11) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ النَّحْوِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أنبأنا سفيان الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ بِكُمْ إِذَا خَرَجَتِ الظَّعِينَةُ مِنْ قُصُورِ الْيَمَنِ حَتَّى تَأْتِيَ الْحِيرَةَ لَا تَخَافُ إِلَّا اللهَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَأَيْنَ طيء وَخَيْلُهَا وَرِجَالُهَا وَمَقَانِبُهَا؟ قَالَ: إِذًا يَكْفِيكَ اللهُ طَيِّئًا وَمَنْ سِوَاهَا. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا حَامِدٌ، حدثنا سفيان،
عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ: لَا تَخَافُ إِلَّا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهَا. قَالَ عَدِيٌّ: فَأَشْهَدُ لَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ خَرَجَتْ مِنْ صَنْعَاءَ حَتَّى نَزَلَتِ الْحِيرَةَ لَا تَخَافُ شَيْئًا إِلَّا اللهَ تَعَالَى.
باب قدوم جرير بن عبد الله البجلي [1] على النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره أصحابه فيما بين خطبته بدخوله على صفته ثم دعائه له حين بعثه في رجال من أحمس إلى ذي الخلصة وما ظهر في كل واحد منهما [من] آثار النبوة
بَابُ قُدُومِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ [ (1) ] عَلَى النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَإِخْبَارِهِ أَصْحَابَهُ فِيمَا بَيْنَ خُطْبَتِهِ بِدُخُولِهِ عَلَى صِفَتِهِ ثُمَّ دُعَائِهِ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ فِي رِجَالٍ مِنْ أَحْمَسَ إِلَى ذِي الْخَلَصَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [مِنْ] آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدَوِيُّ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ: مُحَمَّدُ ابن مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ: الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ يونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شِبْلٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا دَنَوْتُ مِنْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَخْتُ رَاحِلَتِي، وَحَلَلْتُ عَيْبَتِي [ (2) ] فَلَبِسْتُ حُلَّتِي، فَدَخَلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَمَانِي النَّاسُ بِالْحَدَقِ، فَقُلْتُ لِجَلِيسِي: يَا عَبْدَ اللهِ! هَلْ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ أَمْرِي شَيْئًا؟ قَالَ [ (3) ] : نَعَمْ ذَكَرَكَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إِذْ عَرَضَ لَهُ في
خُطْبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَوْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، وَإِنَّ عَلَى وَجْهِهِ لَمِسْحَةَ مَلَكٍ فَحَمِدْتُ اللهَ عَلَى مَا أَبْلَانِي. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو: عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الخراسانيّ، حدثنا حسين بْنُ عُمَرَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: يَا جَرِيرُ! لِأَيِّ شَيْءٍ جِئْتَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ لَأُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَأَلْقَى إِلَيَّ كِسَاءً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جَرِيرُ! أَدْعُوكَ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَأَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَتُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ» ، قَالَ: فَفَعَلْتُ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرَانِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، أَنْبَأَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قال:
قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةَ [ (5) ] ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كِفْلٌ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، قَالَ: فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» . قَالَ: فَسِرْتُ إِلَيْهَا فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ أَحْمَسَ، فَأَتَيْنَاهَا، فَحَرَّقْنَاهَا نَارًا، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا كَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ قَدْ سُيِّرَتْ فِيهَا نُصُبٌ لَهُمْ، قَالَ قَيْسٌ فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ أَحْمَسَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا، كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَارَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ، قَالَ قَيْسٌ: فَبَعَثَ جَرِيرٌ بَشِيرًا. أَبَا أَرْطَاةَ- لَفْظُ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ خَالِدٍ [ (6) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ إسماعيل [ (7) ] .
باب قدوم وائل بن حجر [1]
بَابُ قُدُومِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ [ (1) ] ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ يَحْيَى، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا ظُهُورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي مُلْكٍ عَظِيمٍ وَطَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، فَرَفَضْتُ ذَلِكَ وَرَغِبْتُ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ وَفِي دِينِهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَصْحَابُهُ أَنَّهُ بَشَّرَهُمْ بِمَقْدَمِي قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ بِثَلَاثٍ وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ فِي التَّارِيخِ [ (2) ] .
باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن
بَابُ قُدُومِ الْأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقْدَمُ قَوْمٌ هُمْ أَرَقُّ مِنْكُمْ قُلُوبًا فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ مِنْهُمْ: أَبُو مُوسَى، فَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ. غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّهْ ... مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ قُلْتُ: وَقَدْ مَضَى قَبْلَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُدُومَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَعَ أَصْحَابِهِ كَانَ مع أبي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مِنْ الْحَبَشَةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ فَقَدِمَ بِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا طَاهِرٌ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: تَلَوْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [ (1) ] فقال لي
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ قَوْمُكَ يَا أَبَا مُوسَى أَهْلُ الْيَمَنِ» [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ [ (3) ] وَالْخُيَلَاءُ [ (4) ] فِي الْفَدَّادِينَ [ (5) ] أَهْلِ الْوَبَرِ [ (6) ] ، قِبَلَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْأِيَادِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ النَّصِيبِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن محمد ابن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ كَأَنَّهُمُ السَّحَابُ، هُمْ خِيَارُ مَنْ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِلَّا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا نَحْنُ، قَالَ: إِلَّا أَنْتُمْ كَلِمَةً ضَعِيفَةً [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ، قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قَالُوا: قَدْ قَبْلِنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ [ (9) ]
باب قدوم الحكم بن حزن [1] وحكاية صفة خطبته [صلى الله عليه وسلم] يوم الجمعة
بَابُ قُدُومِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ [ (1) ] وَحِكَايَةِ صِفَةِ خُطْبَتِهِ [صلى الله عليه وسلم] يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَخْبَرَنَا ابْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ أَبُو الصَّلْتِ الْحَوْشَبِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ الطَّائِفِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلْفِيُّ، ولَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، قَالَ: قَدِمْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ، أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ، قَالَ: فَأَذِنَ لَنَا فَدَخَلْنَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَيْنَاكَ لِتَدْعُوَ لَنَا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَدَعَا لَنَا بِخَيْرٍ، وَأَمَرَ بِنَا فَأُنْزِلْنَا، وَأَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ تَمْرٍ، وَالشَّأْنُ يَوْمَئِذٍ إِذْ ذَاكَ دُونٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ قَالَ: عَصًا، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ طَيِّبَاتٍ خَفِيفَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ إِنْ تَفْعَلُوا، وَلَنْ تُطِيقُوا كُلَّمَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وأبشروا [ (2) ] .
باب قدوم زياد بن الحارث الصدائي [1] على النبي صلى الله عليه وسلم، وما روي في قصته من خروج الماء من بين أصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ظهر في البئر التي شكا إليه قلة مائها ببركة دعائه من آثار النبوة
بَابُ قُدُومِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ [ (1) ] عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا رُوِيَ فِي قِصَّتِهِ مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي شَكَا إِلَيْهِ قِلَّةَ مَائِهَا بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلْوَشَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْأَسَدَ آبَادِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يحدث، قَالَ:. أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى قَوْمِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ارْدُدِ الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِإِسْلَامِ قَوْمِي وَطَاعَتِهِمْ، فَقَالَ لِيَ: اذْهَبْ فَرُدَّهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ رَاحِلَتِي قَدْ كَلَّتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَرَدَّهُمْ. قَالَ الصُّدَائِيُّ: وَكَتَبْتُ إِلَيْهِمْ كِتَابًا، فَقَدِمَ وَفْدُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَخَا صُدَاءَ! إِنَّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ، فَقُلْتُ بَلِ اللهُ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا أُؤَمِّرُكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رسول
اللهِ، قَالَ: فَكَتَبَ لِي كِتَابًا أَمَّرَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مُرْنِي بِشَيْءٍ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ، قَالَ: نَعَمْ، فَكَتَبَ لِي كِتَابًا آخَرَ، قال الصدايّ: فَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مَنْزِلًا فَأَتَاهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَشْكُونَ عَامِلَهُمْ وَيَقُولُونَ أَخَذَنَا بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ فعل ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ. قال الصّدايّ فَدَخَلَ قَوْلُهُ فِي نَفْسِي، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَصُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ، فَقَالَ السَّائِلُ: فَأَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إن الله عز وجل لَمْ يَرْضَ فِيهَا بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ أَوْ أَعْطَيْنَاكَ حقك. قال الصّدايّ فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي أَنِّي سَأَلْتُهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَأَنَا غَنِيٌّ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَشَى [ (2) ] مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فَلَزِمْتُهُ، وَكُنْتُ قَرِيبًا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ، وَيَسْتَأْخِرُونَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كَانَ أَوَانُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ نَاحِيَةَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَهُوَ يَتَلَاحَقُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: «هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أخا صداء» ؟ قُلْتُ: لَا إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَرَأَيْتُ بَيْنَ
إصبعين من أصابعه عينا تَفُورُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، نَادِ أَصْحَابِي مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ، فَنَادَيْتُ فِيهِمْ فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّ أَخَا صُدَاءَ هُوَ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ، فَقَالَ الصُّدَائِيُّ: فَأَقَمْتُ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الصَّلَاةَ أَتَيْتُهُ بِالْكِتَابَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَعْفِنِي مِنْ هَذَيْنِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَدَا لَكَ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا نَبِيَّ اللهِ تَقُولُ: «لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ [ (3) ] مُؤْمِنٍ وأنا أومن بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَسَمِعْتُكَ تَقُولُ لِلسَّائِلِ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَهُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ» وَسَأَلْتُكَ وَأَنَا غَنِيٌّ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ ذَاكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْبَلْ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ، فَقُلْتُ: أَدَعُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُؤَمِّرْهُ عَلَيْكُمْ، فَدَلَلْتُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا، وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا لَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا أَنْ يَسَعَنَا مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعَ عَلَيْهَا ولا نتفرق، فَدَعَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَعَرَكَهُنَّ فِي يَدِهِ وَدَعَا فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذْكُرُوا اسْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا فَمَا اسْتَطَعْنَا بَعْدُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى قَعْرِهَا يَعْنِي البئر [ (4) ] .
باب ما جاء في قدوم عبد الرحمن بن أبي عقيل [1] على النبي صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي قُدُومِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ [ (1) ] عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَتَيْنَاهُ فَأَنَخْنَا بِالْبَابِ وَمَا فِي النَّاسِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ نَلِجُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مَا فِي النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ مِنَّا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا سَأَلْتَ رَبَّكَ مُلْكًا كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: فَلَعَلَّ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدِ اللهِ أَفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا أَعْطَاهُ دَعْوَةً، فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ بِهَا دُنْيَا فَأُعْطِيَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إِذَا عَصَوْهُ فَأُهْلِكُوا بِهَا، وَإِنَّ اللهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ رَبِّي شَفَاعَةً لأمتي يوم القيامة [ (2) ]
باب قصة دوس [1] والطفيل بن عمرو رضي الله عنه وما ظهر بين عينيه من النور ثم في رأس سوطه، وما كان في رؤياه وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من براهين الشريعة
بَابُ قِصَّةِ دَوْسٍ [ (1) ] وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَا ظَهَرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنَ النُّورِ ثُمَّ فِي رَأْسِ سَوْطِهِ، وَمَا كَانَ فِي رُؤْيَاهُ وَفِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّرِيعَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ [قَالَ] [ (2) ] حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَائْتِ بِهِمْ ثَلَاثًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ سُفْيَانَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ هُوَ ابْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ باليلة مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ، قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلَامٌ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ؟ قُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللهِ فَأَعْتَقْتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (4) ] . وَقَدْ مَضَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ فِيهِمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ وَنَفَرًا مِنْ دَوْسٍ فِيهِمُ الطُّفَيْلُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ. حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (5) ] إِمْلَاءً، [قَالَ أَخْبَرَنَا] [ (6) ] أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو لُبَابَةَ الْمَيْهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: كَانَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَمَشَى إِلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ، وَكَانَ الطُّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا، فَقَالُوا لَهُ إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ [ (7) ] وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا فَلَا تَكْلِمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ منه، قال: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيَّ حِينَ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ.
قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقُمْتُ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ، فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا فقلت في نفسي: وثكل أُمَّاهُ، وَاللهِ إِنِّي لِرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُ، قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي كذا وكذا، فو الله ما برحوا يخوّفوني أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِيهِ، فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمَرَكَ. قَالَ: فَعَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاللهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ، فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ [ (8) ] اللهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ فَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً. قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ يُقَالُ لَهَا كَذَا وَكَذَا تُطْلِعَنِي عَلَى الْحَاضِرِ، وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ! قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِ دِينِهِمْ، قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ وَأَنَا أَهْبِطُ إِلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحَتُ فِيهِمْ. فَلَمَّا نَزَلَتُ أَتَانِي أَبِي وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، قَالَ: لَمَ يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: يَا بُنَيَّ فَدِينِي دِينُكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَاذْهَبْ يَا أَبَتِ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثيابك، ثم تعال
حَتَّى أُعَلِّمَكَ مَا عُلِّمْتُ، قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ. ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتِ مِنِّي، قَالَتْ: لَمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قُلْتُ: فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ: أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ. قَالَ: قُلْتُ فَاذْهَبِي إِلَى حَنَى ذِي الشَّرَى فَتَطَهَّرِي مِنْهُ وَكَانَ ذُو الشَّرَى صَنَمًا لدوس وكان الحنى حِمًى حَوْلَهُ وَبِهِ وَشْلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ إِلَيْهِ، قَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي أَتَخْشَى عَلَيَّ الصِّبْيَةَ مِنْ ذِي الشَّرَى شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ لَا أَنَا ضَامِنٌ لَكِ، قَالَ: فَذَهَبَتْ وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ. ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الزِّنَا، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا» ، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ إِلَى اللهِ وَارْفُقْ بِهِمْ» فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَنَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، ثُمَّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ يَسَارٍ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، خَرَجَ الطُّفَيْلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ، ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَمَامَةِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فَاعْبُرُوهَا لِي: رَأَيْتُ أَنَّ رَأْسِي قَدْ حُلِقَ، وَأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَأَنَّ امْرَأَةً لَقِيَتْنِي فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا، وَرَأَيْتُ أَنَّ ابْنِي يَطْلُبُنِي طَلَبًا حَثِيثًا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنِّي. قَالُوا: خَيْرًا رَأَيْتَ: قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي قَدْ أَوَّلْتُهَا. قَالُوا: وَمَا أَوَّلْتَهَا؟، قَالَ: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي، وَأَمَّا
الْمَرْأَةُ الَّتِي أَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ فَأُغَيَّبُ فِيهَا، وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إِيَّايَ ثُمَّ حَبْسُهُ عَنِّي فَإِنِّي أُرَاهُ سَيَجْتَهِدَ لِأَنْ يُصِيبَهُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَا أَصَابَنِي. فَقُتِلَ الطُّفَيْلُ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ عَمْرٌو جِرَاحًا شَدِيدًا، ثُمَّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ شَهِيدًا فِي زَمَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-[ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: [يَا رَسُولَ اللهِ!] [ (10) ] هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ [ (11) ] وَمَنَعَةٍ [ (12) ] ؟ (قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) فَأَبَى ذَاكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ مَعَهُ الطُّفَيْلُ وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوَا [ (13) ] الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ [ (14) ] فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ [ (15) ] فَشَخَبَتْ [ (16) ]
يَدَاهُ فَمَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّ الطُّفَيْلُ رُؤْيَاهُ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ! وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ [ (17) ] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (18) ] .
باب قصة مزينة ومسألتهم [1] وظهور البركة في التمر الذي منه أعطاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بَابُ قِصَّةِ مُزَيْنَةَ وَمَسْأَلَتِهِمْ [ (1) ] وَظُهُوَرِ الْبَرَكَةِ فِي التَّمْرِ الَّذِي مِنْهُ أَعْطَاهُمْ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ [ (2) ] رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَلَمَّا أَرَدْنَا أن نتصرف، قَالَ: يَا عُمَرُ زَوِّدِ الْقَوْمَ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ مَا أَظُنُّهُ يَقَعُ مِنَ الْقَوْمِ مَوْقِعًا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فزودهم. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ عُمَرُ فَأَدْخَلَهُمْ مَنْزِلَهِ، ثُمَّ أَصْعَدَهُمْ إِلَى عُلَيَّةٍ، فَلَمَّا دَخَلْنَا إِذَا فِيهَا مِثْلُ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ، فَأَخَذَ الْقَوْمُ مِنْهُ حَاجَتَهُمْ، قَالَ النُّعْمَانُ: وَكُنْتُ فِي آخِرِ مِنْ خَرَجَ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا فِيهَا مِنَ التَّمْرِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصفار، حدثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ- أَبُو عُثْمَانَ-، حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَقُلْنَا: مَا مَعَنَا مِنْ زَادٍ نَتَزَوَّدُهُ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ زَوِّدْهُمْ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا فَضْلَةٌ مِنْ تَمْرٍ لَا تُغْنِي عَيْشَتَنَا، فَانْطَلَقَ بِنَا عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى علّيّة له لِيَفْتَحَهَا، فَإِذَا فِيهَا مِثْلُ الْبَكْرِ الْأَوْرَقِ [ (4) ] مِنْ تَمْرٍ، فقال: هلمّوا فتزوّدا مِنْ هَذَا التَّمْرِ، فَتَزَوَّدْنَا، فَكُنْتُ مِنْ آخِرِهِمْ فَنَظَرْتُ وما أفقد موضع تَمْرَةٍ مِنْ مَكَانِهَا، وَقَدْ تَزَوَّدْنَا مِنْهُ أَرْبَعَمِائَةٍ. تَابَعَهُ زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قَالَ لَنَا النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَأَمَرَنَا بِأَمْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ! زَوِّدْهُمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا عِنْدِي مَا أُزَوِّدُهُمْ، قَالَ: زَوِّدْهُمْ فَفَتَحَ لَنَا عُلَيَّةً فِيهَا قَدْرٌ مِنْ تَمْرٍ مِثْلُ الْجَمَلِ الْبَارِكِ، فَتَزَوَّدْنَا مِنْهَا أَرْبَعَمِائَةِ رَاكِبٍ، قَالَ: فَكُنْتُ فِي آخِرِ مَنْ خَرَجَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهَا فَمَا فَقَدْتُ مِنْهَا مَوْضِعَ تَمْرَةٍ. وأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا إسماعيل ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ الْمُزَنِيِّ، قال: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَرْبَعُونَ رَجُلًا [ (6) ] أَوْ أَرْبَعُمِائَةٍ تَسْأَلُهُ الطَّعَامَ، فَقَالَ لِعُمَرَ: اذْهَبْ فَأَعْطِهِمْ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ! مَا هِيَ إِلَّا آصُعٌ مِنْ تَمْرٍ مَا أَرَى يُقَيِّظْنَ بَنِيَّ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَعْطِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعٌ وَطَاعَةٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ عُمَرُ الْمِفْتَاحَ مِنْ حُجْزَتِهِ فَفَتَحَ، فَإِذَا شِبْهُ الْفَصِيلِ الرَّابِضِ مِنْ تَمْرٍ، قَالَ: خُذُوا، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَا أَحَبَّ، ثُمَّ الْتَفَتُّ وَكُنْتُ مِنْ آخِرِ الْقَوْمِ وَكَأَنَّا لَمْ نَرْزَأْهُ تَمْرَةً. قُلْتُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَوْلُهُ مَا أَرَى يُقَيِّظْنَ بَنِيَّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِمْ لِقَيْظِهِمْ وَالْقَيْظُ هُوَ حَرَارَةُ الصَّيْفِ.
باب قدوم فروة بن مسيك المرادي [1] وعمرو بن معدي كرب، وقدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة على النبي صلى الله عليه وسلم
بَابُ قُدُومِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيِّ [ (1) ] وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، وَقُدُومِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيُّ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ مُبَاعِدًا لَهُمْ، وَقَدْ كَانَ قُبَيْلُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ هَمْدَانَ وَمُرَادٍ وَقْعَةٌ أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادٍ حَتَّى أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ يُقَالُ لَهُ يَوْمُ «الرَّدْمِ» ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شعرا: لَمَّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعْرَضَتْ ... كَالرِّجْلِ خَانَ الرِّجْلَ عِرْقُ نَسَائِهَا يَمَّمْتُ رَاحِلَتِي أَؤُمُّ مُحَمَّدًا ... أَرْجُو فَوَاضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرَائِهَا [ (2) ] فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ فِيمَا بَلَغَنِي: يَا فَرْوَةُ هَلْ سَاءَكَ مَا أَصَابَ قَوْمَكَ يَوْمَ الرَّدْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ ما أصاب
قَوْمِي يَوْمَ الرَّدْمِ، لَا يَسُوءُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَكَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا خَيْرًا. وَاسْتَعْمَلَهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلِّهَا، وَبَعَثَ معه خالد ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (3) ] . قَالَ وقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ فَأَسْلَمَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّ عَمْرٌو. قُلْتُ: يَعْنِي فِيمَنِ ارْتَدَّ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (4) ] : وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَمْرًا لَمْ يَأْتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم وقد قال: إنني بالنبي موقنة نفسي ... وَإِنْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ عِيَانَا سَيِّدَ الْعَالَمِينَ طُرًّا وَأَدْنَا ... هُمُ إِلَى اللهِ حِينَ ثَابَ مَكَانَا جَاءَنَا بِالنَّامُوسِ مِنْ لَدْنِ اللهِ ... وَكَانَ الْأَمِينُ فِيهِ الْمُعَانَا حُكْمُهُ بَعْدُ حِكْمَةٌ وَضِيَاءٌ ... قَدْ هُدِينَا بِنُورِهَا مِنْ عَمَانَا وَرَكِبْنَا السَّبِيلَ حِينَ رَكِبْنَاهُ ... جَدِيدًا بِكُرْهِنَا وَرِضَانَا وَعَبَدَ الْإِلَهَ حَقًّا وَكُنَّا ... لِلْجَهَالَاتِ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَا وَائْتَلَفْنَا بِهِ وَكُنَّا عَدُوًّا ... وَرَجَعْنَا بِهِ مَعًا إِخْوَانَا فَعَلَيْهِ السلام واللم مِنَّا ... حَيْثُ كُنَّا مِنَ الْبِلَادِ وَكَانَا إِنْ نَكُنْ لَمْ نَرَ النَّبِيَّ فَإِنَّا ... قَدْ تَبِعْنَا سَبِيلَهُ إِيمَانَا فِي أَبْيَاتٍ أُخَرَ ذَكَرَهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدِمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ. حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: قَدِمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِينَ أَوْ سِتِّينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ [ (5) ] مَسْجِدَهُ قَدْ رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ [ (6) ] . وَتَكَحَّلُوا وَلَبِسُوا جُبَابَ الْحِبَرَاتِ مُكَفَّفَةً [ (7) ] بِالْحَرِيرِ فَلَمَّا دَخَلُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: أَوَلَمْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذَا الحديد فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَشَقُّوهُ، وَنَزَعُوهُ، وَأَلْقَوْهُ، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَثُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ [وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ] [ (8) ] [قَالَ] : [ (9) ] فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَاسِبُوا بِهَذَا النَّسَبِ ابْنَ رَبِيعَةَ بن الحارث، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَا تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إِذَا سَارَا بِأَرْضِ الْعَرَبِ سُئِلَا: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ يَتَعَزَّزُونَ بِذَلِكَ فِي الْعَرَبِ وَيَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ بَنِي آكِلِ الْمُرَارِ مِنْ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نَقْفُو أُمَّنَا [ (10) ] وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، أَنْبَأَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَجَّاجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ هَيْصَمٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَفْدُ كِنْدَةَ وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنِّي أَفْضَلُهُمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ألمستم مِنَّا؟ قَالَ: لَا نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لا نقفوا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، فَكَانَ الْأَشْعَثُ يَقُولُ: لَا أُوتَى بِرَجُلٍ نَفَى رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ.
باب قدوم صرد بن عبد الله [1] على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد من الأسد [2] وإسلامه ورجوعه إلى جرش وقدوم رجلين من جرش على النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره إياهما بإصابة صرد قومهما في الساعة التي أصابهم فيها، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ قُدُومِ صُرَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (1) ] عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدٍ مِنَ الْأَسْدِ [ (2) ] وَإِسْلَامِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَى جُرَشَ وَقُدُومِ رَجُلَيْنِ مِنْ جُرَشَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهُمَا بِإِصَابَةِ صُرَدَ قَوْمَهُمَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَصَابَهُمْ فِيهَا، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَزْدِيُّ [فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ فِي وَفْدٍ مِنَ الْأَزْدِ] [ (3) ] ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِجُرَشَ [ (4) ] وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَدِينَةٌ مُغْلَقَةٌ وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، وَقَدْ ضَوَتْ [ (5) ] إِلَيْهِمْ خَثْعَمُ فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِمَسِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَامْتَنَعُوا مِنْهُ فِيهَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ فِي جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ كَشَرٌ [ (6) ] ظنّ أهل
جُرَشَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتَّى إِذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جُرَشَ بَعَثُوا مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ وَيَنْظُرَانِ، فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الْفِطْرِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: بِأَيِّ بِلَادٍ شَكَرٌ؟ فَقَالَ الْجُرَشِيَّانِ: يَا رَسُولَ اللهِ بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشَرٌ، وَكَذَلِكَ يُسَمِّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِكَشَرٍ، وَلَكِنْ شَكَرٌ، قَالَ: فَمَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِنَّ بُدْنَ اللهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ» ، فَجَلَسَ الرَّجُلَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَإِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَا لَهُمَا: وَيْحَكُمَا أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَنْعِي لَكُمَا قَوْمَكُمَا، فَقُومَا فَسَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- فَيَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا، فَقَامَا إِلَيْهِ فَسَأَلَاهُ [ذَلِكَ] [ (7) ] فَقَالَ اللهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إِلَى قَوْمِهِمَا، فوجدا قَوْمَهُمَا أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ، فَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَأَسْلَمُوا، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ لِلْفَرَسِ وَالرَّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ: بقرة الحرث [ (8) ] .
باب قدوم ضمام بن ثعلبة [1] على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ قُدُومِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ [ (1) ] عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَعَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ: مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغلِظٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّهُ بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا؟ فَقَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللهَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَعْبُدَهُ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ نَعَمْ» ، ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً [الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَفَرَائِضَ الْإِسْلَامِ] [ (2) ] ، كُلَّهَا يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الَّتِي كَانَ قَبْلَهَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الفرائض وأجتنب ما نهيني عَنْهُ لَا أَزِيدُ وَلَا أُنْقِصُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَلَّى: إِنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ [ (3) ] يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ بِئْسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ اتَّقِ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَالْجُنُونَ، فَقَالَ: وَيْلَكَ إِنَّهُمَا وَاللهِ لَا تَضُرَّانِ وَلَا تَنْفَعَانِ، إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عنه، فو الله مَا أَمْسَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضَرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمٌ [ (4) ] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قُلْتُ وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قِصَّةَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ تَزِيدُ وَتُنْقَصُ ومن ذلك الوجه أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] .
باب قدوم معاوية بن حيدة [1] القشيري ودخوله [2] على النبي صلى الله عليه وسلم، وإجابة الله عز وجل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ألجأه إلى القدوم عليه.
بَابُ قُدُومِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ [ (1) ] الْقُشَيْرِيِّ وَدُخُولِهِ [ (2) ] عَلَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِجَابَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَلْجَأَهُ إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، لَفْظًا عَنْ دَاوُدَ الْوَرَّاقِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ معاوية ابن حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأَلْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعِينَنِي عَلَيْكُمْ بِالسَّنَةِ تُحْفِيكُمْ [ (3) ] وَبِالرُّعْبِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي قُلُوبِكُمْ، قَالَ: فَقَالَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، أَمَا إِنِّي قد خلقت هذا وهكذا ألّا أومن بِكَ وَلَا أَتَّبِعَكَ فَمَا زَالَتِ السَّنَةُ تُحْفِينِي، وَمَا زَالَ الرُّعْبُ يُجْعَلُ فِي قَلْبِي حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ، أَفَبِاللهِ الَّذِي أَرْسَلَكَ، أَهُوَ أَرْسَلَكَ بِمَا تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَهُوَ أَمَرَكَ بِمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي نِسَائِنَا، قَالَ: هُنَّ «حَرْثٌ لَكُمْ فأتوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» [ (4) ] ، وَأَطْعِمُوهُمْ مما تأكلوا واكسوهم مما تلبسوا، ولا
تَضْرِبُوهُمْ وَلَا تُقَبِّحُوهُمْ، قَالَ: أَفَيَنْظُرُ أَحَدُنَا إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ إِذَا اجْتَمَعَا؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِذَا تَفَرَّقَا، قَالَ: فَضَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَحْيُوا، قَالَ: وَسَمِعَهُ يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِمُ الْفِدَامُ [ (5) ] فَأَوَّلُ مَا يَنْطِقُ مِنَ الْإِنْسَانِ كفه وفخذه [ (6) ] .
باب قدوم طارق بن عبد الله [1] وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم وقول المرأة التي كانت معهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بَابُ قُدُومِ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (1) ] وَأَصْحَابِهِ عَلَى النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَوْلِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُمْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ بِسُوقِ الْمَجَازِ إِذْ أَقْبَلُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ لَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا، وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا غُلَامٌ [ (2) ] مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُ بِهِ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى [ (3) ] ، قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ النَّاسُ وَهَاجَرُوا خَرَجْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ [ (4) ] نُرِيدُ الْمَدِينَةَ نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا، فَلَمَّا دَنَوْنَا من
حِيطَانِهَا وَنَخْلِهَا، قُلْنَا: لَوْ نَزَلْنَا فَلَبِسْنَا ثِيَابًا غَيْرَ هَذِهِ إِذَا رَجُلٌ فِي طِمْرَيْنِ [ (5) ] لَهُ فَسَلَّمَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ؟ قُلْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ، قَالَ: وَأَيْنَ تُرِيدُونَ قُلْنَا نُرِيدُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، قَالَ: مَا حَاجَتُكُمْ فِيهَا قُلْنَا نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا، قَالَ [ (6) ] : وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ [ (7) ] لَنَا وَمَعَهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ مَخْطُومٌ، فَقَالَ: أَتَبِيعُونَ جَمَلَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا نَعَمْ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ: فَمَا اسْتَوْضَعَنَا مِمَّا قُلْنَا شَيْئًا، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَانْطَلَقَ، فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهُ بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَنَخْلِهَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا وَاللهِ مَا بِعْنَا جَمَلَنَا مِمَّنْ نَعْرِفُ، وَلَا أَخَذْنَا لَهُ ثَمَنًا، قَالَ: تَقُولُ الْمَرْأَةُ الَّتِي مَعَنَا: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ وَجْهَهُ شَقَّةُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَنَا ضَامِنَةٌ لِثَمَنِ جَمَلِكُمْ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ، هَذَا تَمْرُكُمْ فَكُلُوا وَاشْبَعُوا وَاكْتَالُوا وَاسْتَوْفُوا، فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، وَاكْتَلْنَا وَاسْتَوْفَيْنَا، ثُمَّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْنَا مِنْ خُطْبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ خَيْرٌ لَكُمْ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ أَوْ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَنَا فِي هَؤُلَاءِ دِمَاءٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: «إِنَّا لَا نَجْنِي عَلَى وَلَدٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ طَارِقٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ: قَالَتِ الظَّعِينَةُ: فَلَا تَلَاوَمُوا فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ لَا يَغْدِرُ بِكُمْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ.
باب وفد نجران [1] وشهادة الأساقفة لنبينا صلى الله عليه وسلم بأنه النبي الذي كانوا ينتظرونه، وامتناع من امتنع منهم من الملاعنة وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ وَفْدِ نَجْرَانَ [ (1) ] وَشَهَادَةِ الْأَسَاقِفَةِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ، وَامْتِنَاعِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ بِالْمَدِينَةِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ النَّدِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ فَأَرَادَ النَّاسُ مَنَعَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُمْ فَاسْتَقْبَلُوا الْمَشْرِقَ فَصَلُّوا صَلَاتَهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ كُرْزِ ابن علقمة، قال:
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ سِتُّونَ رَاكِبًا، مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَالْأَرْبَعَةُ وَعِشْرُونَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ منهم إليهم يؤول أَمْرُهُمُ: الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ صَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ وَالَّذِينَ لَا يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَأَمْرِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ. وَالسَّيِّدُ ثُمَالُهُمْ [ (2) ] وصاحب رجلهم وَمُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ. وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَأَسْقُفُّهُمْ [ (3) ] وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامَهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتَّى حَسُنَ عَمَلُهُ فِي دِينِهِمْ وَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ [ (4) ] مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ قَدْ شَرَّفُوهُ وَمَوَّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ. فَلَمَّا وُجِّهُوَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ نَجْرَانَ جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجِّهًا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ يُسَايِرُهُ، إِذْ عَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ، فَقَالَ لَهُ كُوزٌ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ، يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ: بَلْ أَنْتَ تَعِسْتَ، فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ يَا أَخُ؟ فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ، قَالَ لَهُ كُوزٌ: فَمَا يَمْنَعُكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ قَالَ: مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ شَرَّفُونَا وَمَوَّلُونَا وَأَكْرَمُونَا، وَقَدْ أَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ وَلَوْ فَعَلْتُ نزعوا منا كلما تَرَى، فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ حَتَّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس، قَالَ: اجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَأَحْبَارُ يَهُوَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَازَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُوَدِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا نَصْرَانِيًّا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ، وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ (6) ] ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ حِينَ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ النَّصَارَى وَالْأَحْبَارُ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَتُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيٌّ، يُقَالُ لَهُ الرَّبِّيسُ: وَذَلِكَ تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ، وَإِلَيْهِ تَدْعُو؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي وَلَا أَمَرَنِي، فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ (7) ] . ثُمَّ ذَكَرَ مَآخِذَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى آبَائِهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إِذَا هُوَ جَاءَهُمْ وإقراره بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ إِلَى قَوْلِهِ: مِنَ الشَّاهِدِينَ [ (8) ] .
زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى بن مَرْيَمَ ثُمَّ نَزَلَتْ فِيهِمْ فَاتِحَةُ آلِ عِمْرَانَ إِلَى رَأْسِ الثَّمَانِينَ مِنْهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ يَشُوعَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ يُونُسُ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِ «طس» [ (9) ] سُلَيْمَانَ بِسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَى أُسْقُفِّ نَجْرَانَ، وَأَهْلِ نَجْرَانَ: إِنْ أَسْلَمْتُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ وَالسَّلَامُ. فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَّ الْكِتَابُ وَقَرَأَهُ فَظِعَ بِهِ وذعره ذعرا شديدا، فعبث إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ وَدَاعَةَ، وَكَانَ مِنْ [أَهْلِ] [ (10) ] هَمْدَانَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَتْ مُعْضِلَةٌ قَبْلَهُ، لَا الْأَيْهَمُ، وَلَا السَّيِّدُ، وَلَا الْعَاقِبُ، فَدَفَعَ الْأُسْقُفُّ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى شُرَحْبِيلَ، فَقَرَأَهُ فقال للأسقف: يَا أَبَا مَرْيَمَ! مَا رَأْيُكَ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا وَعَدَ اللهُ إبراهيم
فِي ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَمَا يُؤْمِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، لَيْسَ لِي فِي النُّبُوَّةِ رَأْيٌ، لَوْ كَانَ أمر مِنَ أَمْرِ الدُّنْيَا أَشَرْتُ عَلَيْكَ فِيهِ، وَجَهِدْتُ لَكَ، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ: تَنَحَّ فَاجْلِسْ فَتَنَحَّى شُرَحْبِيلُ فَجَلَسَ نَاحِيَةً. فَبَعَثَ الْأُسْقُفُّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرٍ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ: فَاجْلِسْ، فَتَنَحَّى فَجَلَسَ نَاحِيَةً. فَبَعَثَ الْأُسْقُفُّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: جَبَّارُ بْنُ فَيْضٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ أَحَدُ بَنِي الْحِمَاسِ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ وَعَبْدِ اللهِ، فَأَمَرَهُ الْأُسْقُفُّ فَتَنَحَّى فَجَلَسَ نَاحِيَةً. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمْعًا أَمَرَ الْأُسْقُفُّ بِالنَّاقُوسِ فَضُرِبَ بِهِ، وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ فِي الصَّوَامِعِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزِعُوا بِالنَّهَارِ وَإِذَا كَانَ فَزَعُهُمْ لَيْلًا ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعَ حِينَ ضُرِبَ النَّاقُوسُ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ أَهْلُ الْوَادِي أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ، وَطُولُ الْوَادِي مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلرَّاكِبِ السَّرِيعِ وَفِيهِ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ قَرْيَةً، وَعِشْرُونَ وَمِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الْوَادِي مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ بْنَ وَدَاعَةَ الْهَمْدَانِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَصْبَحِيَّ وَجَبَّارَ بْنَ فَيْضٍ الْحَارِثِيَّ فَيَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ وَلَبِسُوا حُلَلًا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ، وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، وَتَصَدَّوْا لَكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وَالْخَوَاتِيمُ الذَّهَبُ، فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَا مَعْرِفَةً لَهُمْ، كَانَا يَجْدَعَانِ الْعَتَائِرَ إِلَى نَجْرَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَشْتَرُوا لَهُمَا مِنْ بَزِّهَا وَثَمَرِهَا وَذُرَتِهَا، فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي
مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ وَيَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! إِنَّ نَبِيَّكُمَا كَتَبَ إِلَيْنَا بِكِتَابٍ فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لَكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا: أَنَعُودُ أَمْ نَرْجِعُ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وهو فِي الْقَوْمِ: مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُلَلَهُمْ هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ، ثُمَّ يعودون إِلَيْهِ. فَفَعَلَ وَفْدُ نَجْرَانَ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا حُلَلَهُمْ وَخَوَاتِيمَهُمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا فَرَدَّ بِسَلَامِهِمْ ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَعَهُمْ» . ثُمَّ سَاءَلَهُمْ وَسَاءَلُوهُ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى قَالُوا لَهُ: مَا تَقُولُ فِي عيسى بن مَرْيَمَ؟ فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا وَنَحْنُ نَصَارَى يَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أَنْ نَعْلَمَ مَا تَقُولُ فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمَا بِمَا يُقَالُ فِي عِيسَى» . فَأَصْبَحَ الْغَدُ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [ (11) ] .
فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْغَدَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيلٍ لَهُ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ لِصَاحِبَيْهِ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَيَا جَبَّارُ بْنَ فَيْضٍ قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رأي، وَإِنِّي وَاللهِ أَرَى أَمْرًا مُقْبِلًا إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا فَكُنَّا أَوَّلَ الْعَرَبِ طَعَنَ فِي عَيْنِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ قَوْمِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ وَإِنَّا لِأَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نبيا مرسلا فلا عنّاه فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْرٌ وَلَا ظُفُرٌ إِلَّا هَلَكَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: فَمَا الرَّأْيُ يَا أَبَا مَرْيَمَ فَقَدْ وَضَعَتْكَ الْأُمُورُ عَلَى ذِرَاعٍ، فَهَاتِ رَأْيَكَ، فَقَالَ: رَأْيِي أَنْ أُحَكِّمَهُ فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَتَلَقَّى شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ شُرَحْبِيلُ: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَيْلَتُكَ إِلَى الصَّبَاحِ فَمَهْمَا حَكَمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدٌ يُثَرِّبُ عَلَيْكَ! فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَا لَهُ: مَا تَرِدُ الْوَادِي وَلَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: كَافِرٌ أَوْ قَالَ جَاحِدٌ موفق.
فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَاعِنُهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَجْرَانَ إِذْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْأَوَاقِي فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَمَعَ كُلِّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ مِنَ الْفِضَّةِ فَمَا زَادَتْ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ نَقَصَتْ عَنِ الْأَوَاقِي فَبِالْحِسَابِ، وَمَا قَضَوْا مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عُرُوضٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِالْحِسَابِ، وَعَلَى نَجْرَانَ مُؤْنَةُ رُسُلِي، وَمُتْعَتُهُمْ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَدُونَهُ، وَلَا تُحْبَسُ رُسُلِي فَوْقَ شَهْرٍ، وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةٌ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا إِذَا كَانَ كَيَدٌ وَمَعَرَّةٌ، وَمَا هَلَكَ مِمَّا أَعَارُوا رُسُلِي مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى رُسُلِي حَتَّى يؤَدُّوهُ إِلَيْهِمْ، وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَأَنْ لَا يُغَيِّرُوا مِمَّا كَانُوا عليه وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلَّتِهِمْ، وَلَا يغيّروا أسقف من اسقفيته وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا وَاقِهًا مِنْ وُقَيْهَاهُ [ (12) ] ، وكلما تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دِنْيَةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيَّةٍ وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ، وَمَنْ سَأَلَ فِيهِمْ حَقًّا فَبَيْنَهُمُ النِّصْفُ غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلَا مَظْلُومِينَ بِنَجْرَانَ، وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبَلٍ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ رَجُلٌ بِظُلْمِ آخَرَ، وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ جِوَارُ اللهِ عَزَّ وجل وذمة مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ، مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُثْقَلِينَ بِظُلْمٍ. شَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْلَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ [ (13) ] وَكَتَبَ. حتى إذا قبضوا
كِتَابَهُمُ انْصَرَفُوا إِلَى نَجْرَانَ فَتَلَقَّاهُمُ الْأُسْقُفُّ وَوُجُوهُ نَجْرَانَ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ مِنْ نَجْرَانَ وَمَعَ الْأُسْقُفِّ أَخٌ لَهُ مِنْ أُمِّهِ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ مِنَ النَّسَبِ يُقَالُ لَهُ بِشْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَلْقَمَةَ، فَدَفَعَ الْوَفْدُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى الْأُسْقُفِّ فَبَيْنَا هو يقرأه وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَعَهُ وَهُمَا يَسِيرَانِ إِذْ كَبَّتْ بِبِشْرٍ نَاقَتُهُ فَتَعَّسَ بِشْرٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَنِّي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ عِنْدَ ذَلِكَ قَدْ وَاللهِ تَعَّسْتَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، فَقَالَ: بِشْرٌ: لَا جَرَمَ وَاللهِ لَا أَحُلُّ عَنْهَا عُقَدًا حَتَّى آتِيَهُ، فَضَرَبَ وَجْهَ نَاقَتِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَثَنَى الْأُسْقُفُّ نَاقَتَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ افْهَمْ عَنِّي إِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ هَذَا لِيَبْلُغَ عَنِّي الْعَرَبَ مَخَافَةَ أَنْ يَرَوْا أَنَّا أَخَذْنَا حَقَّهُ أَوْ رَضِينَا نُصْرَتَهُ، أَوْ بَخَعْنَا لِهَذَا الرَّجُلِ بِمَا لَمْ تَبْخَعْ بِهِ الْعَرَبُ، وَنَحْنُ أَعَزُّهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ دَارًا، فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ: لَا وَاللهِ لَا أَقْبَلُ مَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِكِ أَبَدًا فَضَرَبَ بِشْرٌ نَاقَتَهُ وهو مولّي لِلْأُسْقُفِّ ظَهْرَهُ وَهُوَ يَقُولُ: إِلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِيَنُهَا [ (14) ] ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَزَلْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم حَتَّى اسْتُشْهِدَ أَبُو عَلْقَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَدَخَلَ وَفْدُ نَجْرَانَ فَأَتَى الرَّاهِبَ لَيْثُ بْنُ أَبِي شَمِرٍ الزُّبَيْدِيُّ وَهُوَ فِي رَأْسِ صَوْمَعَةٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ نَبِيًّا بُعِثَ بِتِهَامَةَ، وَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْأُسْقُفِّ فَأَجْمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الْوَادِي عَلَى أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِ شُرَحْبِيلُ بْنُ وَدَاعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ شرحبيل، وحبّار بْنُ فَيْضٍ فَتَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِهِ، فَسَارُوا حَتَّى أَتَوَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُلَاعَنَةِ، فَكَرِهُوَا مُلَاعَنَتَهُ وَحَكَّمَهُ شُرَحْبِيلُ، فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ حُكْمًا وَكَتَبَ لَهُمْ بِهِ كِتَابًا، ثُمَّ أَقْبَلَ الْوَفْدُ بِالْكِتَابِ حَتَّى دَفَعُوا إِلَى الْأُسْقُفِّ، فَبَيْنَا الْأُسْقُفُّ يقرأه
وَبِشْرٌ مَعَهُ إِذْ كَبَّتْ بشر نَاقَتُهُ فَتَعَّسَهُ، فَشَهِدَ الْأُسْقُفُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَانْصَرَفَ أَبُو عَلْقَمَةَ نَحْوَهُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ الرَّاهِبُ: أَنْزِلُونِي وَإِلَّا رَمَيْتُ نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ فَأَنْزَلُوهُ، فَانْطَلَقَ الرَّاهِبُ بِهَدِيَّةٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا هَذَا الْبُرْدُ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْخُلَفَاءُ، وَالْقَعْبُ وَالْعَصَا، وَأَقَامَ الرَّاهِبُ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ يَسْمَعُ كَيْفَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ وَالسُّنَنُ وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وَأَبَى اللهُ لِلرَّاهِبِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ، وَاسْتَأْذَنَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجْعَةِ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكَ حَاجَتُكَ يَا رَاهِبُ إِذْ أَبِيتَ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ إِنَّ لِي حَاجَةً وَمَعَاذَ اللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ حَاجَتَكُ وَاجِبَةٌ يَا رَاهِبُ، فَاطْلُبْهَا إِذَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يَعُدْ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِنَّ الْأُسْقُفَّ أَبَا الْحَارِثِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ وَوُجُوهُ قَوْمِهِ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ يَسْمَعُونَ مَا يُنْزِلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَكَتَبَ لِلْأُسْقُفِّ هَذَا الْكِتَابَ وَلِأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) لِلْأُسْقُفِّ أَبِي الْحَارِثِ وَكُلِّ أَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ وَكَهَنَتِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَأَهْلِ بِيَعِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَمُتَوَاطِئِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ لَا يُغَيَّرُ أسقفّ من أسقفيّته، وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ، وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلَا سُلْطَانِهِمْ وَلَا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا نَصَحُوا اللهَ وَأَصْلَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُثْقَلِينَ بِظُلْمٍ وَلَا ظَالِمِينَ. وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَلَمَّا قَبَضَ الْأُسْقُفُّ الْكِتَابَ اسْتَأْذَنَ فِي الِانْصِرَافِ إِلَى قَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ فَأَذِنَ لَهُمْ فَانْصَرَفُوا حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا عبد الله ابن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. أَنَّ السَّيِّدَ وَالْعَاقِبَ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَا تلاعنه، فو الله لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنْتَهَ لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالُوا لَهُ: نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ فَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمَا رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُهُ فَقَالَ: قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» كَذَا قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ موسى عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ [ (16) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُخْتَصَرًا [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَبَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قال:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَجْرَانَ فَقَالُوا: فِيمَ؟ قَالُوا: أرأيت ما تقرؤون: يا أخت هارون، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُوسَى [ (18) ] مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَفَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ أَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ. لَفْظُ حَدِيثِ السُّوسِيِّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة [ (19) ] .
باب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أهل نجران، وبعثه إلى اليمن بعد خالد بن الوليد رضي الله عنه
بَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَبَعْثِهِ إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب رضي اللهُ عَنْهُ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو سَعِيدِ بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ خَالِهِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خَيْلِهِ الَّتِي بَعَثَهُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَجَفَانِي عَلِيٌّ بَعْضَ الْجَفَاءِ، فَوَجَدْتُ فِي نَفْسِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ اشْتَكَيْتُهُ فِي مَجَالِسِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ مَنْ لَقِيتُهُ وَأَقْبَلْتُ يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ فَلَمَّا رَآنِي أَنْظُرُ إِلَى عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَيَّ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَلَسْتُ، قَالَ: إِنَّهُ وَاللهِ يَا عَمْرُو بْنُ شَاسٍ لَقَدْ آذَيْتَنِي! فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
أَعُوذُ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ أَنْ أوذي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمَغْرَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَيَانٍ أَوْ نِيَارٍ عَنْ خَالِهِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ أَتَمَّ مِنْهُ [ (2) ] . وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ وَحْدَهُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، قَالَ: إِنَّمَا وَجَدَ جَيْشُ علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ [بِالْيَمَنِ] [ (3) ] لِأَنَّهُمْ حِينَ أَقْبَلُوا خَلَّفَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَيَعْمِدُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَعَمَدَ الرَّجُلُ فَكَسَا كُلَّ رَجُلٍ حُلَّةً، فَلَمَّا دَنَوْا خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَسْتَقْبِلُهُمْ فَإِذَا عَلَيْهِمُ الْحُلَلُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا هَذَا قَالُوا [ (4) ] كَسَانَا فُلَانٌ. قَالَ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا قَبْلَ تَتَقَدَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَيَصْنَعَ مَا شَاءَ، فَنَزَعَ الْحُلَلَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَوْهُ لِذَلِكَ، وَكَانُوا قَدْ صَالَحُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا بُعِثَ عَلِيٌّ إِلَى جِزْيَةٍ مَوْضُوعَةٍ هَذَا مَا بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بن يسار [ (5) ] .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُوزَجَانِيُّ، حَدَّثَنَا أبو عبيدة ابن أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ الْبَرَاءُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَقَمْنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ نَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يجِيبُوهُ، ثُمَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْفِلَ [ (6) ] خَالِدًا إِلَى رَجُلٍ كَانَ مِمَّنْ يَمَّمَ مَعَ خَالِدٍ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَقِّبَ [ (7) ] مَعَ عَلِيٍّ فَلْيُعَقِّبْ مَعَهُ، قَالَ الْبَرَاءُ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ خَرَجُوا لَنَا فَصَلَّى بِنَا عَلِيٌّ ثُمَّ صَفَّنَا صَفًّا وَاحِدًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ جَمْعًا فَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ خَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، [فِي الصَّحِيحِ] [ (8) ] مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن ابراهيم ابن يُوسُفَ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،
أَخْبَرَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ، أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ فَأَخَذَ مِنْهُ جَارِيَةً، فَأَصْبَحَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ قَالَ خَالِدٌ لِبُرَيْدَةَ أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ بُرَيْدَةُ: وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا [ (10) ] فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ، قَالَ: أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبَّهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنْبَأَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: اللهُمَّ اهْدِ قلبه، وثبّت لسانه، فو الذي فَلَقَ الْحَبَّةَ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنِ اثْنَيْنِ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال، عن سعيد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَكُنْتُ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ فَلَمَّا أَخَذَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ سَأَلْنَاهُ أَنْ نَرْكَبَ مِنْهَا وَنُرِيحَ إِبِلَنَا، فَكُنَّا قَدْ رَأَيْنَا فِي إِبِلِنَا خَلَلًا، فَأَبَى عَلَيْنَا، وَقَالَ: إِنَّمَا لَكُمْ مِنْهَا سَهْمٌ كَمَا لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ، وَانْطَلَقَ مِنَ الْيَمَنِ رَاجِعًا أَمَّرَ عَلَيْنَا إِنْسَانًا وَأَسْرَعَ هُوَ فَأَدْرَكَ الْحَجَّ، فَلَمَّا قَضَى حَجَّتَهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ إِلَى أَصْحَابِكَ حَتَّى تَقْدَمَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَقَدْ كُنَّا سَأَلْنَا الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ مَا كَانَ عَلِيٌّ مَنَعَنَا [إِيَّاهُ] [ (13) ] نَفْعَلَ، فَلَمَّا جَاءَ عَرَفَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ قَدْ رُكِبَتْ، رَأَى أَثَرَ الْمَرْكَبِ، فَذَمَّ الَّذِي أمّره
وَلَامَهُ فَقُلْتُ: أَنَا إِنْ شَاءَ اللهُ إِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لَأَذْكُرَنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَلَأُخْبِرَنَّهُ مَا لَقِينَا مِنَ الْغِلْظَةِ وَالتَّضْيِيقِ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ مَا كُنْتُ حَلَفْتُ عَلَيْهِ، فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ خَارِجًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعِي وَرَحَّبَ بِي وَسَأَلَنِي وَسَأَلْتُهُ، وَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: قَدِمْتُ الْبَارِحَةَ، فَرَجَعَ مَعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ فَقَالَ: هَذَا سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُ، فَدَخَلْتُ فَحَيَّيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَجَاءَنِي وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَسَأَلَنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنْ أهلي فأخفى الْمَسْأَلَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِينَا مِنْ عَلِيٍّ مِنَ الْغِلْظَةَ وَسُوءِ الصُّحْبَةِ وَالتَّضْيِيقِ، فَانْتَبَذَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلْتُ أَنَا أُعَدِّدُ مَا لَقِينَا مِنْهُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي وَسَطِ كَلَامِي ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، وَكُنْتُ مِنْهُ قَرِيبًا ثُمَّ قَالَ: سَعْدُ بْنَ مَالِكٍ الشَّهِيدُ! مَهْ، بَعْضَ قَوْلِكَ لِأَخِيكَ عليّ، فو الله لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَخْشَنُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سَعْدُ بْنَ مَالِكٍ أَلَا أُرَانِي كُنْتُ فِيمَا يَكْرَهُ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَمَا أَدْرِي لَا جَرَمَ وَاللهِ لَا أَذْكُرُهُ بِسُوءٍ أَبَدًا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابن حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: وَقَدِمَ عَلِيُّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيِّ
شَيْءٍ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا يَحِلَّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ جابر [ (15) ] .
باب بعث معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمن وما ظهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ثم في رؤيا معاذ بن جبل من براهين الشريعة.
بَابُ بَعْثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَى الْيَمَنِ وَمَا ظَهَرَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ ثُمَّ فِي رُؤْيَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّرِيعَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُمَا: «تَطَاوَعَا وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. (ح) وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسَدَّدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ أحدهما عن يميني
وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِي وَكِلَاهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ؟ قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا، وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ، قَالَ: «لَنْ نَسْتَعْمِلَ أَوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ» ، فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ مُعَاذٌ قَالَ: انْزِلْ وَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُوَدِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ دِينَهُ دِينَ السَّوْءِ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: نَعَمْ اجْلِسْ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ تَذَاكَرَا قِيَامَ اللَّيْلِ، فَقَالَ مُعَاذٌ، أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ أَوْ أَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي [ (2) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ: «إِنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ» ، وَقَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى وِسَادَةً، وَقَالَ: انْزِلْ، وَقَالَ: ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ مِنْ دِينِ السَّوْءِ فَتَهَوَّدَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هاني، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ:
بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ بَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافِهِ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ [ (3) ] فَقَالَ لَهُمَا يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَمَلِهِ فَكَانَ إِذَا سَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَرْضٍ وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَسَارَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي أَرْضِهِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ: بِمَاذَا يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ؟ قَالَ أَبُو مُوسَى: فَقُلْتُ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا أَنَا بِنَازِلٍ حَتَّى يُقْتَلَ، فَقَالَ: انْزِلْ فَإِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِنَازِلٍ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ فَقُتِلَ، وَنَزَلَ. فَقَالَ مُعَاذٌ لِأَبِي مُوسَى كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَا عَبْدَ اللهِ؟ فَقَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقَ [ (4) ] الْقَدَحِ قَالَ فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ نَوْمَةً ثُمَّ أَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي [ (5) ] مِنَ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي وَأَحْتَسِبُ [ (6) ] نَوْمَتِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عوانة [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، [قَالَ] : [ (8) ] حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا [ (9) ] أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ قَوْمِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْأَبْطَحِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «كَيْفَ قُلْتُ» ، قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلَالًا كَإِهْلَالِكَ، فَقَالَ: «أَسُقْتَ هَدْيًا؟» ، قُلْتُ: لَا، لَمْ أَسُقْ هَدْيًا، قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» ، قَالَ: فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، قَالَ: فَمَكَثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ [ (10) ] . وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَبَا مُوسَى رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الوداع وأما معاذ ابن جَبَلٍ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي» فَبَكَى مُعَاذٌ خَشَعًا لِفِرَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبْكِ يَا مُعَاذُ، الْبُكَاءُ، أَوْ إِنَّ الْبُكَاءَ مِنَ الشَّيْطَانِ» [ (11) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، [قَالَ] [ (12) ] : أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ، [قَالَ] : حدثنا ابن [ (13) ] [قال] ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبد الله بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَجُلًا سَمْحًا شَابًّا حَلِيمًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ عَامُ فَتْحِ مَكَّةَ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْيَمَنِ أَمِيرًا فَمَكَثَ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدِمَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ مُعَاذًا عَلَى مَكَّةَ عَامَ فَتْحِهَا مَعَ عتّاب ابن أَسِيدٍ لِيُعَلِّمَ أَهْلَهَا ثُمَّ كَانَ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا جَمِيلًا سَمْحًا مِنْ خَيْرِ شَبَابِ قَوْمِهِ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ حَتَّى دَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا أَغْلَقَ مَالَهُ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ فَفَعَلَ، فَلَمْ يَضَعُوا لَهُ شَيْئًا فَلَوْ تُرِكَ لِأَحَدٍ بِكَلَامِ أَحَدٍ لَتُرِكِ لِمُعَاذٍ بِكَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَدَعَاهُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْرَحْ أَنْ بَاعَ مَالَهُ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، قَالَ: فَقَامَ مُعَاذٌ وَلَا مَالَ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ معاذا إلى اليمن يستجيره قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تجر
فِي هَذَا الْمَالِ مُعَاذٌ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ وقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ عُمَرُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تُطِيعَنِي تَدْفَعُ هَذَا الْمَالَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَإِنْ أَعْطَاكَهُ فَاقْبَلْهُ، قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ لِمَ أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ليجيرني، فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ انْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَرْسِلْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَخُذْ مِنْهُ وَدَعْ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ، إِنَّمَا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ليجيره فَلَسْتُ بِآخِذٍ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ مُعَاذٌ انْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلَّا فَاعِلًا الَّذِي قُلْتَ، رَأَيْتُنِي الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ- أَحْسَبُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَالَ: أُجَرُّ إِلَى النَّارِ وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي، قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِكُلِّ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ حَتَّى جَاءَ بِسَوْطِهِ، وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْهُ شَيْئًا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُوَ لَكَ لَا آخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَلَمَّا حج ويحتمل أن بكون أَرَادَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (14) ] . وَلِرُؤْيَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ هَذَا شَاهِدٌ آخَرُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] [ (15) ] : حَدَّثَنَا [ (16) ] أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّكُونِيُّ بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامِ بن حفص بن ابن غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَخْلَفُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَاسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَلَقِيَ مُعَاذًا بِمَكَّةَ وَمَعَهُ رَقِيقٌ،
فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أُهْدَوْا لِي، وهؤلاء لِأَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَكَ أَنْ تَأْتِيَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ، فَلَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي الْبَارِحَةَ وَأَنَا أَنْزُو إِلَى النَّارِ وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي وَمَا أُرَانِي إِلَّا مُطِيعَكَ، قَالَ: فَأَتَى بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُهْدُوا لِي وَهَؤُلَاءِ لَكَ، قَالَ: فَإِنَّا قَدْ سَلَّمْنَا لَكَ هَدِيَّتَكَ، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا هُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ فَقَالَ مُعَاذٌ لِمَنْ تصلون، قالوا: الله، قَالَ: فَأَنْتُمْ لَهُ فَأَعْتَقَهُمْ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَرَأَ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ إِبْرَاهِيمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (18) ] . وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقْتَ خُرُوجِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ بِأَبْيَنَ مِمَّا مَضَى. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرٍ مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ وَرَسُولُهُمْ إِلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَنُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَالنُّعْمَانُ، قَيْلَ ذِي رُعَيْنٍ، وَهَمْدَانُ، وَمَعَافِرُ، وَبَعَثَ إِلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنَ: مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ
الرَّهَاوِيَّ بِإِسْلَامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمُ الشِّرْكَ، وَأَهْلَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى نَعِيمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى النُّعْمَانِ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ، وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدَ ذَلِكُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» فَذَكَرَ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِ إِسْلَامِهِمْ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ رِسَالَةَ مُعَاذِ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ زَيْدٍ وَمَالِكِ بْنِ عُبَادَةَ وَمَالِكِ بْنِ مُرَّةَ وَذَكَرَ أَنَّ أَمِيرُهُمْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَإِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ وَآمُرُكُمْ بِهِمْ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ مَنْظُورٌ إِلَيْهِمْ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته [ (19) ] .
باب ذكر فروة بن عمرو الجذامي [1]
بَابُ ذِكْرِ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ النَّافِرَةِ الْجُذَامِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرُّومِ عَلَى مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَنْزِلَهُ مَعَانُ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَ الرُّومَ ذَلِكَ مِنْ إِسْلَامِهِ طَلَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الرُّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ عَفْرَى بفلسطين فقال: أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنَّ حَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَفْرَى فَوْقَ إِحْدَى الرَّوَاحِلِ [ (2) ]
عَلَى بَكْرَةٍ [ (3) ] لَمْ يَضْرِبِ الْفَحْلُ أُمَّهَا ... ؟ مُشَذَّبَةٍ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ [ (4) ] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُمْ لَمَّا قدّموه ليقتلوه قال: بَلِّغْ سَرَاةَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّنِي سِلْمٌ لِرَبِّي أَعْظُمِي وَمُقَامِي ثُمَّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ عَلَى ذلك الماء [ (5) ] .
باب بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني الحارث بن كعب
بَابُ بَعْثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، أَوْ جمادى الأولى سَنَةَ عَشْرٍ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، فَإِنِ اسْتَجَابُوا لَكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَأَقِمْ فِيهِمْ، وَعَلِّمْهُمْ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلْهُمْ. فَخَرَجَ خَالِدٌ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِسْلَامِهِمْ وَكِتَابَ خَالِدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَجَوَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم [ (1) ] وأمره إياه بأن
يُبَشِّرَهُمْ وَينْذِرَهُمْ وَيُقْبِلَ مَعَهُ وَفْدُهُمْ وَأَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُهُمْ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذُو الْغُصَّةِ [ (2) ] فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: اتتم الذين إذا زجروا استقدموا ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا حَتَّى أَجَابَهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: نَعَمْ، فَقَالَ لَوْ أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إِلَيَّ أَنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، فَقَالَ يَزِيدُ ابن عَبْدِ الْمَدَانِ: أَمَا وَاللهِ مَا حَمِدْنَاكَ، وَلَا حَمِدْنَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: فممن حَمِدْتُمْ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: حَمِدْنَا اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- الَّذِي هَدَانَا بِكَ، فَقَالَ: صَدَقْتُمْ ثُمَّ قَالَ: بم كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَغْلِبُ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ قَاتَلَنَا أَنَّا كُنَّا نَنْزِعُ عَنْ يَدٍ، وَكُنَّا نَجْتَمِعُ فَلَا نَفْتَرِقُ، وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمٍ، قَالَ: فَقَالَ صَدَقْتُمْ، ثُمَّ أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيَّةِ شَوَّالٍ، أَوْ فِي صَدْرِ ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمْ يَمْكُثُوا إِلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (3) ] .
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم إلى اليمن
كتاب رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى الْيَمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: هَذَا كِتَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عِنْدَنَا الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ يُفَقِّهُ أَهْلَهَا وَيُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ، وَيَأْخُذُ صَدَقَاتِهِمْ، فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَعَهْدًا، وَأَمَرَهُ فِيهِ أَمْرَهُ فَكَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ الله ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [ (1) ] ، عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي أَمْرِهِ، فَإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ كَمَا أَمَرَهُ وَأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ، وَيَأْمُرَهُمْ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِيهِ وَيَنْهَى النَّاسَ، وَلَا يَمَسَّ أَحَدٌ الْقُرْآنَ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُخْبِرَ النَّاسَ بِالَّذِي لَهُمْ وَالَّذِي عَلَيْهِمْ وَيَلِينَ لَهُمْ فِي الْحَقِّ، وَيَشُدَّ عَلَيْهِمْ فِي الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ الظُّلْمَ وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [ (2) ] ويبشّر
النَّاسَ بِالْجَنَّةِ وَبِعَمَلِهَا وَيُنْذِرَ النَّاسَ النَّارَ وَعَمَلَهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النَّاسَ حَتَّى يُفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَعَالِمَ الْحَجِّ، وَسُنَنَهِ وَفَرَائِضَهُ، وَمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَالْحَجَّ الْأَكْبَرَ وَالْحَجَّ الْأَصْغَرَ فَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ، وَيَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا فَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَيَنْهَى أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُغْضِيَ إِلَى السَّمَاءِ بِفَرْجِهِ وَلَا يَعْقِدُ شَعْرَ رَأْسِهِ إِذَا عَفَا فِي قَفَاهُ، وَيَنْهَى النَّاسَ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ هَيْجٌ أَنْ يَدْعُوا إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَا إِلَى الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ فَلْيَعْطِفُوا [فِيهِ] [ (3) ] بِالسَّيْفِ حَتَّى يَكُونَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرَ النَّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، وَأَرْجُلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وأن يمسحوا رؤوسهم كَمَا أَمَرَ [ (4) ] اللهُ وَأُمِرُوا بِالصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالْخُشُوعِ وَأَنْ يُغَلِّسَ بِالصُّبْحِ وَيُهَجِّرَ بِالْهَاجِرَةِ حَتَّى [ (5) ] تَمِيلَ الشَّمْسُ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ فِي الْأَرْضِ وَالْمَغْرِبُ حِينَ يقبل الليل ولا توخّر حَتَّى تَبْدُوَ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ وَالْعِشَاءُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَمَرَهُ [ (6) ] بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِذَا نُودِيَ بِهَا، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرَّوَاحِ إِلَيْهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا كَتَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ فِيمَا سَقَى الْعَيْنُ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سَقَتِ الْقِرَبُ فَنِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا شَاةٌ فَإِنَّهَا فَرِيضَةُ اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (7) ] الَّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُوَدِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِسْلَامًا
خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ فَدَانَ دِينَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ يَهُوَدِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يُغَيَّرُ عَنْهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ مِنَ الثِّيَابِ فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللهِ عَزَّ وجل وذمة رسوله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَدُوُّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ [ (8) ] . وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو ابن حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْصُولًا بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ وَفِي الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَنُقْصَانٌ عَنْ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (9) ] .
باب قدوم تميم الداري على النبي صلى الله عليه وسلم واخباره اياه بأمر الجساسة [1] وما سمع من الدجال في خروج النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان من آمن به
بَابُ قُدُومِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهُ بِأَمْرِ الْجَسَّاسَةِ [ (1) ] وَمَا سَمِعَ مِنَ الدَّجَّالِ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَضْرَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ بِنَيْسَابُورَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن أَحْمَدَ بْنِ حَبِيبٍ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ غَيْلَانَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ فَسَقَطُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فَخَرَجُوا إِلَيْهَا يَلْتَمِسُونَ الْمَاءَ فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعْرَهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ! قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا قَالَ لَا أُخْبِرُكُمْ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْجَزِيرَةِ، فَدَخَلْنَاهَا فَإِذَا رَجُلٌ مُقَيَّدٌ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ قُلْنَا قَدْ آمَنَ بِهِ النَّاسُ وَاتَّبَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ قَالَ: ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ، قَالَ: أَفَلَا تُخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ [ (2) ] ما
فَعَلَتْ؟ قَالَ: فَأَخْبَرْنَاهُ عَنْهَا فَوَثَبَ وَثْبَةً كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْسَانَ هَلْ أَطْعَمَ بَعْدُ، فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ، فَوَثَبَ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا لَوْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ لَوَطِئْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا غَيْرَ طَيْبَةَ، قَالَتْ: فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَ النَّاسَ، فَقَالَ: هَذِهِ طَيْبَةُ، وَذَاكَ الدَّجَّالُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو طَارِقٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عفان حدثنا أسباط ابن مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَامِرٍ عَنْ فَاطِمَةَ بنت قيس فنكر هَذَا الْحَدِيثَ بِزِيَادَاتِ أَلْفَاظٍ فِيهِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَقِيتُ مُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَلَقِيتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقْتَ وَأَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَمَكَّةُ مِثْلُهَا [ (4) ] . قُلْتُ: وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ فاطمة بنت قيس.
باب ما روي في قدوم هامة بن هيم بن لاقيس بن إبليس على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه
بَابُ مَا رُوِيَ فِي قُدُومِ هَامَةَ بْنِ هَيْمَ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بن سهل الغازي الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ بِيَدِهِ عَصًا، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: نَغَمَةُ جِنٍّ وغمعمتهم [ (1) ] مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا هَامَةُ بْنُ هَيْمَ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَانِ، فَكَمْ أَتَى عَلَيْكَ مِنَ الدُّهُورِ؟ قَالَ: أَفْنَيْتُ الدُّنْيَا عُمُرَهَا إِلَّا قَلِيلًا لَيَالِيَ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ كُنْتُ غُلَامًا ابْنَ أَعْوَامٍ أَفْهَمُ الْكَلَامَ وَأَمُرُّ بِالْآكَامِ، وَآمُرُ بِفَسَادِ الطَّعَامِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ عمل الشيخ المقوسّم وَالشَّابِّ الْمُتَلَوِّمِ، قَالَ: ذَرْنِي مِنَ التِّرْدَادِ إِنِّي تَائِبٌ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ، فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمن به من قومك فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانِي وَقَالَ: لَا جرم أني على ذلك مِنَ النَّادِمِينَ وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ: قُلْتُ يَا نُوحُ إني ممن اشترك
فِي دَمِ السَّعِيدِ الشَّهِيدِ هَابِيلَ بْنِ آدَمَ فَهَلْ تَجِدُ لِي عِنْدَ رَبِّكَ تَوْبَةً؟ قَالَ: يَا هَامُ هُمَّ بِالْخَيْرِ وَافْعَلْهُ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ إِنِّي قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ تَابَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَالِغٌ أَمْرُهُ مَا بَلَغَ إِلَّا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ قُمْ فَتَوَضَّأْ وَاسْجُدْ لِلَّهِ [ (2) ] سَجْدَتَيْنِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ مِنْ سَاعَتِي مَا أَمَرَنِي بِهِ فَنَادَانِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ نَزَلَتْ توْبَتُكَ مِنَ السَّمَاءِ، قَالَ: فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا جَزْلًا. وَكُنْتُ مَعَ هُوَدٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي، فَقَالَ: لَا جَرَمَ إِنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَكُنْتُ مَعَ صَالِحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي، فَقَالَ: أَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَكُنْتُ زَوَّارَ يَعْقُوبَ. وَكُنْتُ مَعَ يُوسُفَ بِالْمَكَانِ الْأَمِينِ، وَكُنْتُ أَلْقَى إِلْيَاسَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَأَنَا أَلْقَاهُ الْآنَ. وَإِنِّي لَقِيتُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَعَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ، وقال: اني لَقِيتَ عِيسَى يَعْنِي ابْنَ مَرْيَمَ فَأَقْرِئْهُ عَنْ مُوسَى السَّلَامَ، وَإِنَّ عِيسَى قَالَ: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (3) ] فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى عِيسَى السَّلَامُ مَا دَامَتِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا هَامُ بِأَدَائِكَ الْأَمَانَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ افْعَلْ بِي مَا فَعَلَ مُوسَى: إِنَّهُ عَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ، فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ «وَالْمُرْسَلَاتِ» وَعَمَّ يَتَساءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقَالَ: ارفع إلينا
حَاجَتَكَ يَا هَامَةُ، وَلَا تَدَعْ زِيَارَتَنَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْعَهُ إِلَيْنَا، فَلَسْنَا نَدْرِي أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ. قُلْتُ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ قَدْ رَوَى عَنْهُ الْكِبَارُ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يُضَعِّفُونَهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَقْوَى مِنْهُ وَاللهُ اعلم [ (4) ] .
باب ما روي في التقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالياس عليه السلام وإسناد حديثه ضعيف والله أعلم
بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْتِقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِسْنَادُ حَدِيثِهِ ضَعِيفٌ وَاللهُ أَعْلَمُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيُّ ببخارا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَحْمُودٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَإِذَا رَجُلٌ فِي الْوَادِي يَقُولُ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمَرْحُومَةِ الْمَغْفُورَةِ الْمُثَابِ لَهَا قَالَ: فَأَشْرَفْتُ عَلَى الْوَادِي، فَإِذَا رَجُلٌ طُولُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ [قَالَ] : [ (2) ] قُلْتُ: أَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خَادِمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قُلْتُ: هُوَ [ (3) ] ذَا يَسْمَعُ كَلَامَكَ، قَالَ: فَأْتِهِ فَأَقْرِئْهُ السلام وقل به: أَخُوكَ إِلْيَاسُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَجَاءَ حَتَّى لَقِيَهُ فَعَانَقَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَعَدَا يَتَحَدَّثَانِ [ (4) ] فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ اني مآكل فِي السَّنَةِ إِلَّا يَوْمًا، وَهَذَا يَوْمُ فِطْرِي فَآكُلُ أنا وأنت،
قَالَ: فَنَزَلَتْ عَلَيْهِمَا مَائِدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهَا خُبْزٌ وَحُوتٌ وَكَرَفْسٌ، فَأَكَلَا وَأَطْعَمَانِي وَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ، ثُمَّ وَدَّعَهُ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ مَرَّ فِي السَّحَابِ نَحْوَ السَّمَاءِ. قُلْتُ هَذَا الَّذِي رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى جَائِزٌ وَبِمَا خَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ يُشْبِهُ، إِلَّا أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الحديث ضعيف [ (5) ] بتمرّة وَفِيمَا صَحَّ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ كِفَايَةٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.
باب ما روي في سماعه كلام الخضر عليه السلام. وإسناده ضعيف
بَابُ مَا رُوِيَ فِي سَمَاعِهِ كَلَامَ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، [حَدَّثَنَا] [ (1) ] مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَ كَلَامًا مِنْ زَاوِيَةٍ وَإِذَا هُوَ بِقَائِلٍ يَقُولُ اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مَا يُنَجِّينِي مِمَّا خَوَّفْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ: أَلَا تَضُمُّ إِلَيْهَا أُخْتَهَا، فَقَالَ: اللهُمَّ ارْزُقْنِي شَوْقَ الصَّادِقِينَ إِلَى مَا شَوَّقْتَهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ مَعَهُ: اذْهَبْ يَا أَنَسُ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. اسْتَغْفِرْ لِي، فَجَاءَ أَنَسٌ فَبَلَّغَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَنَسُ أَنْتَ [رَسُولُ] [ (2) ] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيَّ؟ فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ فَرَجَعَ وَاسْتَثْبَتَهُ [فَقَالَ] [ (3) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ لَهُ: نَعَمْ فَقَالَ: نَعَمْ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَقُلْ لَهُ فَضَّلَكَ [اللهُ] [ (4) ] عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِمِثْلِ مَا فَضَّلَ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُوَرِ، وَفَضَّلَ أُمَّتَكَ
عَلَى الْأُمَمِ مِثْلَ مَا فَضَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (5) ]
باب ما جاء في قصة وصي عيسى بن مريم [1] عليه السلام وظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان صحت الرواية.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ وَصِيِّ عِيسَى بن مَرْيَمَ [ (1) ] عَلَيْهِ السَّلَامُ وَظُهُورِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيَهِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حُبَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو: عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ بِبَغْدَادَ إِمْلَاءً فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وثَلَاثِمِائَةٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ بِالْقَادِسِيَّةِ أَنْ وَجِّهْ نَضْلَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى حُلْوَانَ الْعِرَاقِ، فَلْيُغِرْ عَلَى ضَوَاحِيهَا، قَالَ: فَوَجَّهَ سَعْدٌ نَضْلَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ فَخَرَجُوا حتى أتو حُلْوَانَ الْعِرَاقِ، فَأَغَارُوا عَلَى ضَوَاحِيهَا فَأَصَابُوا غَنِيمَةً وَسَبْيًا، فَأَقْبَلُوا يَسُوقُونَ الْغَنِيمَةَ وَالسَّبْيَ حَتَّى أَدْرَكَهُمُ الْعَصْرُ وَكَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَأَلْجَأَ نَضْلَةُ الْغَنِيمَةَ وَالسَّبْيَ إِلَى سَفْحِ جَبَلٍ ثُمَّ قَامَ، فَأَذَّنَ، فَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: وَمُجِيبٌ مِنَ الْجَبَلِ يُجِيبُهُ: [قَالَ] [ (2) ] : كَبَّرْتَ كَبِيرًا يَا نَضْلَةُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ فَقَالَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ يَا نَضْلَةُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالَ: هُوَ الدِّينُ وَهُوَ الَّذِي بَشَّرَنَا به عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَى رَأْسِ أُمَّتِهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: طُوبَى لِمَنْ مَشَى إِلَيْهَا وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: أَفْلَحَ مَنْ أَجَابَ مُحَمَّدًا، وَهُوَ الْبَقَاءُ لِأُمَّتِهِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: أَخْلَصْتَ الْإِخْلَاصَ يَا نَضْلَةُ فَحَرَّمَ اللهُ جَسَدَكَ عَلَى النَّارِ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ قُمْنَا فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَلَكٌ أَنْتَ أَمْ سَاكِنٌ مِنَ الْجِنِّ أَوْ مِنْ عِبَادِ اللهِ [الصَّالِحِينَ] ؟ [ (3) ] أَسْمَعْتَ صَوْتَكَ فَأَرِنَا شَخْصَكَ، فَإِنَّا وَفْدُ اللهِ [وَوَفْدُ رسوله صلى الله عليه وسلم] [ (4) ] ووفد عمر ابن الْخَطَّابِ، قَالَ: فَانْفَلَقَ الْجَبَلُ عَنْ هَامَةٍ كَالرَّحَى أَبْيَضَ الرَّأْسِ [ (5) ] وَاللِّحْيَةِ عَلَيْهِ طِمْرَانَ مِنْ صُوفٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقُلْنَا عَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكُ اللهُ؟ فَقَالَ: أَنَا ذُرَيْبُ بْنُ بَرْثَمْلَا وَصِيُّ العبد الصالح عيسى بن مَرْيَمَ أَسْكَنَنِي هَذَا الْجَبَلَ وَدَعَا لِي بِطُولِ الْبَقَاءِ [ (6) ] إِلَى نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَتَبَرَّأُ مِمَّا نَحَلْتَهُ النَّصَارَى، فَأَمَّا إِذْ فَاتَنِي لِقَاءُ محمد صلى الله عليه وسلم فاقرؤوا عُمَرَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُولُوا له يا عمر سدّ وَقَارِبْ فَقَدْ دَنَا الْأَمْرُ وَاخْتَبِرُوهُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي أُخْبِرُكُمْ بِهَا يَا عُمَرُ إذا ظهرت هذه الخصاب فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْهَرَبَ الْهَرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَانْتَسَبُوا فِي غَيْرِ مَنَاسِبِهِمْ وَانْتَمَوْا بِغَيْرِ مَوَالِيهِمْ وَلَمْ يَرْحَمْ كَبِيرُهُمْ صَغِيرَهُمْ [وَلَمْ يُوَقِّرْ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ] [ (7) ] وَتُرِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وترك النهي على الْمُنْكَرِ فَلَمْ يُنْتَهَ عَنْهُ وَتَعَلَّمَ عَالِمُهُمُ الْعِلْمَ لِيَجْلِبَ به الدراهم والدنانير
وَكَانَ الْمَطَرُ قَيْظًا وَالْوَلَدُ غَيْظًا وَطَوَّلُوا الْمَنَابِرَ وَفَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ وَزَخْرَفُوا الْمَسَاجِدَ، وَأَظْهَرُوا الرُّشَا، وَشَيَّدُوا الْبِنَاءَ، وَاتَّبَعُوا الْهَوَى وَبَاعُوا الدِّينَ بِالدُّنْيَا، وَاسْتَخَفُّوا الدِّمَاءَ، وَتَقَطَّعَتِ الْأَرْحَامُ وَبِيعَ الْحُكْمُ، وَأُكِلَ الرِّبَا، وَصَارَ التَّسَلُّطُ فَخْرًا، وَالْغِنَى عِزًّا، وَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَرَكِبَتِ النِّسَاءُ السُّرُوجَ، قَالَ: ثُمَّ غَابَ عَنَّا وَكَتَبَ بِذَلِكَ نَضْلَةُ إِلَى سَعْدٍ فَكَتَبَ سَعْدٌ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ ائْتِ [أَنْتَ] [ (8) ] وَمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، حَتَّى تَنْزِلَ هَذَا الْجَبَلَ فَإِذَا لَقِيتُهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ بَعْضَ أَوْصِيَاءِ عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ ذَلِكَ الْجَبَلَ بِنَاحِيَةِ الْعِرَاقِ، فَنَزَلَ سَعْدٌ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، حَتَّى نَزَلَ الْجَبَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُنَادِي بِالْأَذَانِ فِي كُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ كَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ لِمَالِكِ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ نَافِعٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُوَلٌ لَا يُسْمَعُ بِذِكْرِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ حَدَّثَنِي [ (9) ] جَدِّي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَرَامَةَ مُسْتَمْلِي بن الحمامي الكوفة، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الرَّمْلِيِّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْعِرَاقِ فَسَارَ فِيهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِحُلْوَانَ أَدْرَكَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي سَفْحِ جَبَلِهَا فَأَمَرَ مُؤَذِّنَهُ نَضْلَةَ فَنَادَى بِالْأَذَانِ فَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ
أَكْبَرُ، فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ مِنَ الْجَبَلِ كَبَّرْتَ يَا نَضْلَةُ كَبِيرًا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ، قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ، قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ كَلِمَةٌ مَقْبُولَةٌ، قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: الْبَقَاءُ لَأُمَّةِ أَحْمَدَ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ كَبَّرْتَ كَبِيرًا، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ حُرِّمْتَ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ لَهُ نَضْلَةُ يَا هَذَا قَدْ سمعنا قَدْ سَمِعْنَا كَلَامَكَ فَأَرِنَا وَجْهَكَ، قَالَ: فَانْفَلَقَ الْجَبَلُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ هَامَتُهُ مِثْلُ الرَّحَى فَقَالَ لَهُ نَضْلَةُ: يَا هَذَا مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا ذُرَيْبُ بْنُ بَرْثَمْلَا وَصِيُّ الْعَبْدِ الصَّالِحِ عِيسَى بن مَرْيَمَ، دَعَا لِي بِطُولِ الْبَقَاءِ، وَأَسْكَنَنِي هَذَا الْجَبَلَ إِلَى نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ فأكسر الصليب وأقتل الخنزير وأتبرأ مِمَّا عَلَيْهِ النَّصَارَى مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: قُبِضَ فَبَكَى بُكَاءً طَوِيلًا حَتَّى خُضِّلَتْ لِحْيَتُهُ بِالدُّمُوعِ، ثُمَّ قَالَ مَنْ قَامَ فِيكُمْ بَعْدَهُ قُلْنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: مَا فَعَلَ، قُلْنَا: قُبِضَ، قَالَ: فَمَنْ قَامَ فِيكُمْ بَعْدَهُ، قُلْنَا: عُمَرُ، قَالَ: قُولُوا لَهُ يَا عُمَرُ سَدِّدْ، وَقَارِبْ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَقَارَبَ خِصَالًا إِذَا رَأَيْتَهَا فِي أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَالْهَرَبَ الْهَرَبَ إِذَا اكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَكَانَ الْوَلَدُ غَيْظًا، وَالْمَطَرُ قَيْظًا، وَزُخْرِفَتِ الْمَصَاحِفُ وَذُوِّقَتِ الْمَسَاجِدُ وَتَعَلَّمَ عَالِمُهُمْ لِيَأْكُلَ بِهِ دِينَارَهُمْ وَدِرْهَمَهُمْ وَخَرَجَ الْغَنِيُّ فَقَامَ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَكَانَ أَكْلُ الرِّبَا فِيهِمْ شَرَفًا، وَالْقَتْلُ فِيهِمْ عِزًّا، فَالْهَرَبَ الْهَرَبَ. قَالَ: فَكَتَبَ سَعْدٌ بِهَا إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ صَدَقْتَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ وصيّ عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَقَامَ سَعْدٌ بِذَلِكَ الْمَكَانِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا يُنَادِي بِالْأَذَانِ فَلَا يُسْتَجَابُ. هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَشْبَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ .
باب ما جاء في شأن [سيدنا] [1] إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وذلك قبل حجة الوداع.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ [سَيِّدِنَا] [ (1) ] إِبْرَاهِيمَ بْنِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ السَّرَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمِصْرَ بَعَثَ بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حِكَايَةً عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: كَانَ مولدُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ فَهِيمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاتَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَكَانَ وَفَاتُهُ فِي بَنِي مَازِنٍ عِنْدَ أُمِّ بُرْدَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا. قُلْتُ: وَقَدْ قِيلَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ ابْنُ سَبْعِينَ لَيْلَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الْأَيْلِيُّ، وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصفار، حدثنا تمام، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ» ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ يَعْنِي امْرَأَةَ قَيْنٍ [ (2) ] كَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِالصَّبِيِّ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَكِيدُ [ (3) ] بِنَفْسِهِ فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِيَ الرَّبَّ، وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» . لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا إِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ. رَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَالَ: وَقَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ [ (4) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم:
«إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا يُتِمُّ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحفاظ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ ابن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سليمان بن بلال، عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ مَاتَ.
باب حجة الوداع [1]
بَابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ [ (1) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ الْبَرْمَهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ حِجَجٍ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَاجْتَمَعَ فِي الْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ لِأَرْبَعٍ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَلَّى، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا أَخَذَتْ بِهِ الْبَيْدَاءُ لَبَّى وَأَهْلَلْنَا لَا ننوي إلا بالحج [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. (ح) وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو المقري، وَأَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ سَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَحَلَّ زِرِّي الْأَعْلَى [ (3) ] ثُمَّ حَلَّ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَأَهْلًا، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَجَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ [ (4) ] مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبَيْهِ عَلَى الْمِشْجَبِ [ (5) ] فَصَلَّى بِنَا فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بيده، فقعد تِسْعًا، وقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ [ (6) ] فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ
عَمَلِهِ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَأَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ [بِنْتُ عُمَيْسٍ] [ (7) ] مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي [ (8) ] بِثَوْبٍ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكِبَ الْقَصْوَاءَ [ (9) ] حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ قَالَ جَابِرٌ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ [ (10) ] بَصَرِي مِنْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ [ (11) ] وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ [ (12) ] رَمَلَ ثَلَاثًا [ (13) ] وَمَشَى أَرْبَعًا، ثم تقدّم إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ [ (14) ] فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [ (15) ] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، قَالَ: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إليّ عن
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ثُمَّ رَجَعَ الْبَيْتَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا دَنَا [ (16) ] مِنَ الصَّفَا قَرَأَ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [ (17) ] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، وقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، نَجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ [ (18) ] قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا [ (19) ] مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيِ، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ، قَالَ: فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: قَدْ دَخَلْتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا [ (20) ] بِالَّذِي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ عَنْهُ وَأَنْكَرْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ لَمَّا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحْلِلْ قَالَ: فَكَانَ
جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً، ثُمَّ حَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوَا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ [ (21) ] فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَهُ [ (22) ] رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِّلَتْ [ (23) ] لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَأَوَّلُ [ (24) ] دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ أَمَانَةَ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُوَنَهُ فَإِنْ فعلته ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كتاب الله وأنتم مسؤولون عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا نشهد أن قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا الى السماء ويسنكتها إِلَى النَّاسِ اللهُمَّ اشْهَدِ اللهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ
نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخْرَاتِ [ (25) ] ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى [ (26) ] غاب القرص أردف أسامة بن زيد خلقه، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى الله عليه وسلم) وقد شَنَقَ [ (27) ] لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ [ (28) ] وَيَقُولُ بَيَدِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ» كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ وَهَلَّلَهُ وَكَبَّرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا، حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم) مَرَّ الظُّعُنُ يَجْرِينَ [ (29) ] ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ [الْآخَرِ] [ (30) ] فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ وَصَرَفَ [الْفَضْلُ] [ (31) ] وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرًا [ (32) ] حَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْمَسْجِدِ فَرَمَى سبع حصيات بكبّر مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ [ (33) ] رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المنحر
فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، وَأَعْطَى عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (34) ] فَنَحَرَ مَا غَبَرَ [ (35) ] ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطَبَخَهُ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وشرب مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا [ (36) ] بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ!، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ [ (37) ] عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. لَفْظُ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (38) ] إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: يُحْيِي وَيُمِيتُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ أَشْعَرَ [ (39) ] بُدْنَهُ مِنْ جَانِبِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ [ (40) ] ، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَلَتَ عَنْهَا الدَّمَ [ (41) ] وَقَالَ هِشَامٌ: ثُمَّ أماط عنها
الدَّمَ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ قَالَ هشام: وأهل عتد الظُّهْرِ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ [ (42) ] . قَالَ شُعْبَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فَقَالَ وَكَانَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ قَتَادَةَ يَعْنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ [ (43) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي بِتَمْرٍ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي صَالِحٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (44) ] . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [ (45) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ وسعديك والخير بيديك
وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [ (46) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصنعاني، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَطَاءٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ جَمْعٍ قَالَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْفَضْلَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَفْظُ حَدِيثِ عِيسَى وَحَدِيثُ أَبِي عَاصِمٍ مُخْتَصَرٌ فِي التَّلْبِيَةِ فَقَطْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي [ (47) ] عَاصِمٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ [ (48) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو طاهر المحمدآبادي، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ لَا ضَرْبَ وَلَا طَرْدَ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ [ (49) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِمِنًى فَدَعَا بِذِبْحٍ فَذُبِحَ ثُمَّ دَعَا بِالْحَلَّاقِ فَأَخَذَ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا أَبُو طَلْحَةَ فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ [ (50) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ شَهِدَ الْمَنْحَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَلَمْ يصِبْهُ وَلَا صَاحِبَهِ قَالَ فَحَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ في توبه، فَأَعْطَاهُ فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رجال وقلم أظفاره فَأَعْطَى صَاحِبَهُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا الْمَخْضُوبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ [ (51) ] ، وَالسَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَقُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذِي الْحِجَّةِ فَقُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلَدَ الحرام،
قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ، أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضُ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَحَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةٍ» ، قَالُوا: شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةٍ» ، قَالُوا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: «أَتَعْلَمُونَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمَ» . قَالُوا: يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: «فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وأموالكم وأعراضكم ألا يحقها كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا» كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ أَلَا نَعَمْ. [ (52) ]
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ نَازِلًا [ (53) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ وابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ ضُحًى وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَعِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ [ (54) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا [ (55) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ: هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ ابن يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ، عَنْ أُمِّهِ [ (56) ] ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتُرُهُ مِنْ رَمْيِ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلْيَرْمِهَا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ حَجَرًا، قَالَتْ: فَرَمَى وَرَمَى النَّاسُ، قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا بِهِ مَسٌّ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ ابْنِي هَذَا، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَدَخَلَتْ بَعْضَ الْأَخْبِيَةِ فَجَاءَتْ بِتَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَمَجَّ فِيهِ وَدَعَا فِيهِ وَأَعَادَهُ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَقَالَ: «اسْقِيهِ وَاغْسِلِيهِ فِيهِ» ، قَالَ: فتبعتها فقلت هيتي لِي مِنْ هَذَا الْمَاءِ، فَقَالَتْ: خُذِي مِنْهُ فَأَخَذْتُ مِنْهُ حَفْنَةً فَسَقَيْتُهُ ابْنِي عَبْدَ اللهِ فَعَاشَ فَكَانَ مِنْ بِرِّهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، قَالَتْ: وَلَقِيتُ الْمَرْأَةَ فَزَعَمَتْ أَنَّ ابْنَهَا بَرِئَ وَأَنَّهُ غُلَامٌ لَا غُلَامَ خَيْرٌ مِنْهُ [ (57) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ هُوَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَجَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَوْ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ اللهُمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فيها ولا سمعة [ (58) ] .
باب ما جاء في نعي النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إلى الناس في حجة الوداع وذلك حين نزل عليه قوله عز وجل: إذا جاء نصر الله والفتح 110: 1 إلى آخر السورة وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم 5: 3 الآية ثم إخباره في خطبته بأن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم و
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْيِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ إِلَى الناس في حجة الوداع وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الْآيَةَ ثُمَّ إِخْبَارِهِ فِي خُطْبَتِهِ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَكَانَ كَمَا قَالَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [عَبْدُ اللهِ] [ (1) ] بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُوَدِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آية في كتابكم تقرؤونها لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُوَدِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [ (2) ] ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ جَعْفَرٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ يَهُوَدِيٌّ، فَقَرَأَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَقَالَ الْيَهُوَدِيُّ: لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ يَوْمِ جُمُعَةٍ يَوْمِ عَرَفَةَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَنْبَأَنَا عَمْرٌو، وحَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالُوا: لِمَ تَدْخُلُ أَوْ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَنِي مَعَهُمْ فَرَأَيْتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا فَتْحَ اللهُ عَلَيْنَا، قَالَ: وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بحمد ربك واستغفره، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا تَعْلَمُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ [ (5) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ،
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَقَالُوا: فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَجَلٌ أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُنِيرٍ [ (7) ] الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرِّيدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِّلَتْ لَهُ فَرَكِبَ فَوَقَفَ بِالْعَقَبَةِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَضْعِ الدَّمِ وَالرِّبَا وَاسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيحَرِّمُونَهُ عَامًا، وَذَلِكَ أنهم كانوا يجعلون صفر عَامًا حَرَامًا، وَعَامًا حَلَالًا، وَعَامًا حَرَامًا، وَذَلِكَ النَّسِيءُ. أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ عَامَ الْفَتْحِ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو علاثة:
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَجَمَعَ النَّاسَ وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ، ثُمَّ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: اسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ قَوْلِي فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا [ (8) ] : أَمْرَيْنِ بِيِّنَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَيْضًا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بِمَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَذَكَرَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بن تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا أَمْرًا بَيِّنًا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خشرم [ (9) ] .
وَكَذَلِكَ حَدَّثَتْ بِهِ سَرَّاءُ بِنْتُ نَبْهَانَ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الرّؤوس [ (10) ] وَسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَى: لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ هَذَا [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي سَرَّاءُ بِنْتُ نَبْهَانَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَذَكَرَتْ حَدِيثًا وَذَكَرَتْ هَذَا اللَّفْظَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ثَوْرِ ابن زَيْدٍ الدِّيلِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحَاوَرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلَا تَظْلِمُوا ولَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، [وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (12) ] .
باب [ما جاء في] [1] انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] [ (1) ] انْصِرَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ [ (2) ] بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَخْتَرِيُّ، وأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ مِنًى قَالَ: «إِنَّا نَازِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (3) ] بِالْمُحَصَّبِ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» ، وَذَاكَ أَنَّ قُرَيْشًا تَقَاسَمُوا عَلَى بَنِي هاشم وعلى بني الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُخَالِطُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الأوزاعي [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيَالِي الْحَجِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى قَضَى اللهُ الْحَجَّ وَتَفَرَّقْنَا مِنْ مِنًى، فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَرَ بِهَا، قَالَتْ: فَأَتَيْنَاهُ بِالْمُحَصَّبِ فَقَالَ فَرَغْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ ثُمَّ ارْتَحَلَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَفْلَحَ [ (5) ] .
باب عدد حجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره
بَابُ عَدَدِ حَجَّاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَعُمَرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ ابن مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَمْ غَزَوْتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَنَّهُ حج بعد ما هَاجَرَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا. - قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ قَبْلِهِ- وَوَاحِدَةٌ بِمَكَّةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ زُهَيْرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زُهَيْرٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا
سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَحَجَّةَ الْوَدَاعِ. كَذَا قَالَ عَنِ ابن جريح هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مُرْسَلًا. وَقَدْ أَخْبَرَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بعد ما هَاجَرَ، مَعَهَا عُمْرَةٌ وَسَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَدَنَةً وَجَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِتَمَامِهَا مِنَ الْيَمَنِ، فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ، فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَنَحَرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وأمر مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَطُبِخَتْ، وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا، تَفَرَّدَ بِهِ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ سُفْيَانَ. وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ، هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مُرْسَلًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ إِذَا رَوَى حِفْظًا رُبَّمَا غَلَطَ فِي الشَّيْءِ. قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَحَجَّةٌ مَعَهَا عُمْرَةٌ، فَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَرَنَ، فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ تَصِحُّ عِنْدَهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمَا فِي إِسْنَادِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَغَيْرِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ
ابن سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عمر كلهن في ذي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عَمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العام المقبل في ذي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حيث قسم غنائم حنين فِي ذِي الْقَعْدَةِ [ (2) ] ، وَعُمْرَةً مع حجته. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً في شوال [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عُمَرٍ كُلَّهَا في ذي القعدة [ (5) ] .
باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدد سراياه [1] .
بَابُ عَدَدِ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَعَدَدِ سَرَايَاهُ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَمَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ تِسْعَ غَزَوَاتٍ يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حاتم ابن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ من البعوث سبع
غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ: فِي الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي، الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ يَزِيدَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ يُرِيدُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ [ (5) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب، حدثنا
بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَاتَلَ مِنْهَا فِي ثَمَانٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنْبَأَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ ابن واقد، عن بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَرِيَّةً، قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَالْمُرَيْسِيعِ، وَقُدَيْدٍ، وَخَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشَرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَا وعبد اللهِ بْنُ عُمَرَ لِدَةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ [بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن
الْمِهْرَجَانِيُّ الْعَدْلُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ] [ (8) ] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. قُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: أَيَّتُهَا كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُسَيْرُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (9) ] ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمٍ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: ذُو الْعُشَيْرَةِ أَوْ ذُو الْعُسَيْرَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، قَالَ جَابِرٌ: وَقَدْ شَهِدْتُ مع
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، وغَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَلَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا، وَلَا أُحُدًا، مَنَعَنِي أَبِي، فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ قَطُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ رَوْحٍ [ (11) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب، حدثنا العباس ابن مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَجَّاجًا الصَّوَّافَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، شَهِدْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَ فِي آخِرِ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ يُزْجِي الضَّعِيفَ وَيرْدِفُ، وَيَتَحَامَلُ النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ: وكَانَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ ثَمَانَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ: سَمِعْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، يَقُولُ: أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ وَهْمًا أَوْ سَمِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حنبل
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ، كَمْ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً، ثَمَانِ غَزَوَاتٍ يَغِيبُ فيها الْأَشْهُرَ وَسَائِرُهُنَّ يَغِيبُ فِيهَا الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِي. قُلْتُ كَمْ غزا أنس؟ قال: ثمان غَزَوَاتٍ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ البغدادي نيسابور، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَاقَعَ مِنْهَا فِي ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، فَجَمِيعُ غَزَوَاتِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ غَزْوَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ [أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ] [ (13) ] أَنْبَأَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ يَعْقُوبُ، وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى، عَنْ شِهَابٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (ح) وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالُوا واللفظ متقارب:
هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا يَوْمَ بَدْرٍ فِي رَمَضَاَنَ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ، ثُمَّ قاتل بني المصطلق وَبَنِي لِحْيَانَ فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمُ حُنَيْنٍ وَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ لِتَمَامِ سَنَةِ عَشْرٍ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَلَمْ يَكنْ فِيهَا قِتَالٌ وَكَانَتْ أَوَّلَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا الْأَبْوَاءُ، وَغَزْوَةُ ذِي الْعُسَيْرَةِ مِنْ قِبَلِ يَنْبُعَ- يُرِيدُ كُرَزَ بْنَ جَابِرٍ- وَكَانَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ، وَغَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةُ، وَغَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَغَزْوَةُ بُوَاطٍ بِحَرَّانَ، وَغَزْوَةُ الطَّائِفِ، وَغَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَغَزْوَةُ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بُعُوثًا فَكَانَ أَوَّلُ بَعْثٍ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ نَحْوَ قرَيْشٍ فَلَقُوا بَعْثًا عَظِيمًا عَلَى مَاءٍ يُدْعَى أَحْبَاءَ وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ ابْنَ جَحْشٍ نَحْوَ مَكَّةَ فَلَقِيَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ بِنَخْلَةَ فَقَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَأَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: عُثْمَانَ بْنَ عَبدِ الله، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، فَفُدِيَا بعد ما قَدِمَا الْمَدِينَةَ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا حَتَّى بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْ سَيْفِ الْبَحْر مِنْ الْجَارِ إِلَى جُهَيْنَةَ فَلَقَوْا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ فِي ثَلَاثِينَ وَمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ نَحْوَ ذِي الْقُصَّةِ من طريق العراق وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو وقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَعْنِقْ لَيَمُوتُ إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ فَاسْتُشْهِدُوا جَمِيعًا وَمَنْ مَعَهُ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ
أرْبَعَ مِرَارٍ: مَرَّةً مِنْ نَحْوِ بَنِي قُرَدٍ مِنْ هُذَيْلٍ، وَمَرَّةً نَحْوَ حَذَامِ مِنْ نَحْوِ الْوَادِي، وَمَرَّةَ نَحْوَ مُؤْتَةَ، وَغَزْوَةُ الْجَمُومِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَحْوَ أَهْلِ تُرْبَةَ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَحْوَ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ نَحْوَ بَنِي مُرَّةَ بَفَدَكَ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ وَأَبَا قَتَادَةَ مَسْعُودَ بْنَ سِنَانٍ، وَأَسْوَدَ بْنَ الْخُزَاعِيِّ فَقَتَلُوا رَافِعَ بْنَ أَبِي الْحَقِيقِ [وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ] [ (14) ] بِخَيْبَرَ وَأَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا رَآهُمْ، قَالَ: أَفْلَحَتِ الْوُجُوهُ، قَالُوا: أَفْلَحَ وَجْهُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَقَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا بِالسَّيْفِ الَّذِي قُتِلَ بِهِ فَسَلَّهُ وَهُوَ قَائِمٌ [ (15) ] عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَاَلَ رَسُوُلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلْ هَذَا طَعَامُهُ فِي ذُبَابِ السَّيْفِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ نَحْوَ ذَاتِ أَبَاطِحَ مِنَ الْبَلْقَاءِ فَأُصِيبَ كَعْبٌ وَمَنْ مَعَهُ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ نَحْوَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ مِنْ مَشَارِقِ الشَّامِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ نَحْوَ وَادِي الْقُرَى يَوْمَ قُتِلَ مَسْعُودُ بن عروة، زاد بن بِشْرَانَ، قَال: وَلَيْسَ هُوَ الثقفي، ثم اتفقا.
وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأُصِيبَتْ بَنُو بَكْرٍ بِالْكُدَيْدٍ. [وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَرْطَاءِ مِنْ هَوَازِنَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْعَوْجَاءِ قِبَلَ بَنِي سُلَيْمٍ فَقُتِلَ بِهَا أَبُو الْعَوْجَاءِ] [ (16) ] . وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عُكَّاشَةَ بْنَ مُحْصِنٍ نَحْوَ الْغَمْرَةِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِمَ بْنَ أَبِي الْأَقْلَحِ وَأَصْحَابَهُ نَحْوَ هُذَيْلٍ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْحِجَازِ. زَادَ يَعْقُوبُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ الْخَرَّارُ ثُمَّ اتَّفَقَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرٍ اعْتَمَرَ مِنَ الْحَجَفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ سنة سِتٍّ وَاعْتَمَرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مْنِ سَنَةِ سَبْعٍ أَمْنًا هَوُ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ اعْتَمَرَ الثَّالِثَةَ فِي ذي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ يَوْمَ أَقْبَلَ مِنَ الطَّائِفِ مِنَ الْجِعْرَانَةِ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أحمد ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَبُوكَ وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا بِنَفْسِهِ سِتًّا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، فَأَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَدَّانُ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بُوَاطٍ إِلَى نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الَّتِي قَتَلَ اللهُ [ (18) ] فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ وَأَشْرَافَهَا ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ حَتَّى بَلَغَ الْكُدْرَ- مَاءً لِبَنِي سليم- ثم غزا
غَزْوَةَ السَّوِيقِ يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حَتَّى بَلَغَ قُرْقُرَةَ الْكُدْرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ إِلَى نَجْدٍ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ فَوْقَ الْفَرَعِ، ثُمَّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، ثُمَّ غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ لَقِيَ فِيهَا [ (19) ] ثُمَّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ لَا يُرِيدُ فِيهَا قِتَالًا فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ، [ثُمَّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ لَقِيَ فِيهَا، ثُمَّ غَزْوَةُ الطَّائِفِ حَاصَرَ فِيهَا] [ (20) ] ، ثُمَّ غَزْوَةُ تَبُوكَ، قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ، وَالْمُصْطَلِقِ، وَخَيْبَرَ، والفتح، وحنين، والطائف، قالت: وَكَانَتْ سَرَايَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبُعُوثُهُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ بَعْثٍ وَسَرِيَّةٍ: غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ إِلَى أَسْفَلِ ثَنِيَّةِ الْمُرَّةِ وَهِيَ مَاءٌ بِالْحِجَازِ. ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ وَبَعْضُ النَّاسِ يُقَدِّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ. وَغَزْوَةُ سعد بن أبي وقاص. وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ إِلَى نَخْلَةَ. وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ. وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ الرَّجِيعَ لَقِيَ فِيهَا. وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ لَقَوْا فِيهَا.
وَغَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ. وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ. وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ. وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ الله الكلبي كلب ليث الْكَدِيدَ لَقَوْا فِيهَا الْمُلَوِّحَ. وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ مِنْ أَهْلِ فَدَكٍ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ أَرْضَ بن سُلَيْمٍ لَقَوْا فِيهَا. وَغَزْوَةُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ. وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنَ مَاءً مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ لَقَوْا فِيهَا فَقُتِلَ فِيهَا مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ. وَغَزْوَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ هَوَازِنَ. [وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُرَّةَ بِفَدَكٍ] [ (21) ] . وغزوة بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِ كَدَاءٍ. وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُوحَ مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا جُذَامَ مِنْ أَرْضِ حَسْمَاءَ لَقَوْا فِيهَا. وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا الطَّرْقَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ. وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى لَقِيَ فيها بني فزارة.
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ مَرَّ بَيْنَ خَيْبَرَ أَحَدُهُمَا الَّتِي أَصَابَ فِيهَا يَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ اليهودي. وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتِيكٍ إِلَى خَيْبَرَ فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ، وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أُحُدٍ وَبَدْرٍ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَقَتَلَهُ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَنَسٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ فَقَتَلَهُ. وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى مُؤْتَةَ فَأُصِيبُوا فِيهَا. وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيِّ ذَاتَ الطِّلَاحِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَأُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عيينة بن حصن بن حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَقَوْا فِيهَا وَغَزْوَةُ غالب بن عبد الله الكلبي كليب لَيْثٍ أَرْضَ بَنِي مُرَّةُ لَقَوْا فِيهَا. وغَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتُ السَّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ. وغزوة ابن ابي جدرد وَأَصْحَابِهِ إِلَى بَطْنِ أَضُمَ قَبْلَ الْفَتْحِ لَقَوْا فِيهَا. وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ أَيْضًا إِلَى الْغَابَةِ لَقَوْا فِيهَا. كَذَا قَالَ هُنَا: ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ وَقَالَ فِيمَا مَضَى أَبِي جَدْرَدٍ [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ خُرُوجُهُ فِي صَفَرٍ غَازِيًا عَلَى رَأْسِ اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ وَهِيَ غَزْوَةُ الأبواء، ثم غزا
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ يُرِيدُ قُرَيْشًا حَتَّى بَلَغَ بُوَاطَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى كَذَا في كتاب مُقَيَّدٌ بِالْبَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ غَزْوَةَ الْعُشَيْرَةِ فِي جُمَادَى الْأُولَى، ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوجَهُ فِي طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ بَدْرٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ السَّوِيقِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ ثُمَّ غَزْوَةُ نَجْدٍ يُرِيدُ غَطَفَانَ، ثُمَّ غَزْوَةُ نَجْرَانَ يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَبَنِي سُلَيْمٍ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ غَزْوَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بني النضير واجلائهم، ثُمَّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إِلَى بَدْرٍ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ غَزَا دُومَةَ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ صَدْرِ ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى إِلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَمْ يُقِمْ إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ ابن غصين عَلَى لِقَاحَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا يَعْنِي قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ إِلَى خَيْبَرَ، ثُمَّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ يَعْنِي لِلْعُمْرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، ثُمَّ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ بَعَثِهِ إِلَى مُؤْتَةَ جُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا، ثُمَّ خَرَجَ فَفَتَحَ مَكَّةَ وَسَارَ إِلَى حُنَيْنٍ، ثُمَّ سَارَ مِنْ حُنَيْنٍ إِلَى الطَّائِفِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى رَجَبٍ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوَةِ الرُّومِ، وَخَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا [ (23) ] [وَاللهُ تَعَالَى أعلم] [ (24) ] .
باب ما جاء في تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه عز وجل لقوله تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث 93: 11 [1] وما جاء في خصائصه على طريق الاختصار فقد ذكرنا في كتاب النكاح من كتاب السنن ما خص به من الأحكام
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحَدُّثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [ (1) ] وَمَا جَاءَ فِي خَصَائِصِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ جِيءَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيَّ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَشِلُونَهَا. [ (2) ] رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، وَأَبُو صَادِقِ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وهب، أخبرني
يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيَّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، وَابْنُ مِلْحَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ، زَادَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ بَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ لَهُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، وَأَبُو صَادِقٍ الْعَطَّارُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ! أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا [ (5) ] عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال:
نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى الْعَدُوِّ وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَبَيْنَا انا نايم أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدَيَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (6) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ: أَخْبَرَنَا أَبُو [ (7) ] الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ (8) ] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُوَرًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ:، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقُلْتُ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِيَ التُّرَابُ طَهُوَرًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَاءُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الإسفرائيني بِهَا، أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنبأنا
هُشَيْمٌ، عَنْ يَسَارٍ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتِ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً، وَطَهُوَرًا، وَمَسْجِدًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيَّ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ هُشَيْمٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (11) ] . حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ- رَحِمَهُ اللهُ- إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا وَالِدِي، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: طَلَبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي فَقِيلَ لِي: خَرَجَ إِلَى بَعْضِ النَّوَاحِي، فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَأَطَالَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أُوتِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ خَمْسًا لَمْ يُؤْتَهَا أَحَدٌ قَبْلِي: إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ يُرْعَبُ الْعَدُوُّ مِنِّي وَهُوَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وجعلت الى الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوَرًا، وَأُحِلَّتِ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَ، فَاخْتَبَأْتُهَا شَفَاعَةً لِأُمَّتِي لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الحسن
الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ ابن عَفَّانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو حَمَّادٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُوَرًا وَمَسْجِدًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ، وَأُعْطِيتُ الرُّعْبَ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، فَيَقْذِفُ اللهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ يَعْزِلُونَ الْخُمُسَ فَتَجِيءُ نَارٌ فَتَأْكُلُهُ، وَأُمِرْتُ أَنَا أَنْ أَقْسِمَهَا فِي فُقَرَاءِ أُمَّتِي، وَلَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ سُؤْلَهُ وَأَخَّرْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي [ (13) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيِّ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أُعْطِيَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ الْمُقْحِمَاتِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ،، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوَرًا وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَأُوتِيتُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْهُ قَبْلِي، وَلَا يُعْطَى مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدِي [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ فُورَكٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عن واثلة ابن الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ [الطِّوَالَ] [ (16) ] ، وَمَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ [ (17) ] ، وَمَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ [ (18) ] . حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُزَاحِمٍ الْأَدِيبُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ. ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللهُ لَهُ، النَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ: الْيَهُوَدُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَمُسْلِمٌ من
حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ فَرُّوخَ [ (20) ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ بَنِي [ (21) ] آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ [ (22) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَنْبَأَنَا أَبِي: قَالَ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ رَجُلٌ مِنَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ حَدَّثَنَا [ (23) ] أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُتِيَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ [ (25) ] مِنْهَا، نَهْسَةً، فَقَالَ: أَنَا سَيِّدُ
النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ [ (26) ] فيسمعهم الداعي وينقذهم [ (27) ] البصر وتدنوا الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلَا تَرَوْنَ أَلَا تَرَوْنَ مَا بَلَغَكُمْ، أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، وَخَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولم يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي. نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ» . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كِذْبَاتِهِ. نَفْسِي. نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى» . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ فضّلك الله برسالته
وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا، فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى: «إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله ولم يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قتلت نفسا لم أمر بِقَتْلِهَا نَفْسِي. نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى» . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ اللهِ وَكَلِمَتُهُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى: «إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا. نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلم» . فَيَأْتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي بَابَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ. سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ [ (28) ] النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ [ (29) ] لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ [ (30) ] أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى [ (31) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانُ الْغَزَّالُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا أَوَّلُ شَفِيعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَعَهُ مُصَدِّقٌ غَيْرُ وَاحِدٍ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ [ (32) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: [ (33) ] . سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي أَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ جَبْهَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلَقَيْهَا فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ فَيَفْتَحُونَ لِي فَأَجِدُ الْجَبَّارَ فَأَسْجُدُ لَهُ، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ وَتَكَلَّمْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي. أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى أُمَّتِكَ فَمَنْ وَجَدْتَ في قبله مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ مِنَ الْإِيمَانِ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ نِصْفُ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، ثُمَّ فِي إِخْرَاجِ كُلِّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا [ (34) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ فِي آخَرِينَ بِبَغْدَادَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ وَزُهَيْرٍ عَنْ هَاشِمٍ [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عطاء بن جبّاب، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا قَائِدُ الْمُرْسَلِينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ [ (36) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أنبأنا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّاسِ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ وَلَا فَخْرَ» [ (37) ] تَابَعَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فورك، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا [ (38) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَلَهُ دَعْوَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ دَعْوَةٌ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي ادَّخَرْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا وَإِنِّي سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَتَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلَا فخر» ، وذكر حديث الشافعة بِطُولِهِ [ (39) ] وَفِيهِ ذِكْرُ عِيسَى فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي اتّخذت
وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ مَتَاعًا فِي وِعَاءٍ قَدْ ختم عليه لكان يُوصَلُ إِلَى مَا فِي الْوِعَاءَ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ، فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ قَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَأْتُونِي النَّاسُ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَنَا فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ؟ فَأَقُومُ وَتَتْبَعُنِي أُمَّتِي غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُوَرِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ، نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا، وَتَقُولُ الْأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونُوا [ (40) ] أَنْبِيَاءَ كُلَّهَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْتَهِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ: أَحْمَدُ، فَيُفْتَحُ لِي فَأَنْتَهِي إِلَى رَبِّي وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، فَيُقَالُ [لِيَ] [ (41) ] : ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ [فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي] [ (42) ] فَيُقَالُ: اذْهَبْ فَأَخْرِجْ (مِنَ النَّارِ) [ (43) ] مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ كَذَا وَكَذَا فَأَنْطَلِقُ فَأُخْرِجُهُمْ [مِنَ النَّارِ] ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَخِرُّ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ فَتُحَدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجُهُمْ [ (44) ] » . [أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِيمَاءَ الْمُقْرِئُ، قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ الْقَاضِي السِّجْزِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا [ (45) ] عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ [ (46) ] النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ خَيَّرَ لِآدَمَ بَنِيهِ، فَجَعَلَ يَرَى فَضَائِلَ بَعْضِهِمْ عَلَى [ (47) ] بَعْضٍ، قَالَ: فَرَآنِي نُورًا سَاطِعًا فِي أَسْفَلِهِمْ فَقَالَ يَا رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ أَحْمَدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَهُوَ أَوَّلُ شَافِعٍ» ] [ (48) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّوَيْهِ، أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا منصور ابن أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَابَةَ الشَّاهِدُ بِهَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَضْلُ بْنُ الْفَضْلِ الشَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ البزاز، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أيسوا لواء والكرم يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَمَفَاتِيحُ الْجِنَّانِ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [ (49) ] » - وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْبَهَانِيِّ «الْكَرَامَةُ وَالْمَفَاتِيحُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي-، وَقَالَ: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ» تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ، هَكَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّلْبَغَانِيُّ بِبَيْهَقَ. أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ (ح) وَحَدَّثَنَا غيدان الْأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُسْنَدِ، أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إدريس، حدثنا الْأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقاما محمودا» . قَالَ: الشَّفَاعَةُ [ (50) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قال:
إن الله عز وجل اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمُ الْخَلَائِقِ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ خَمْسَةٌ: نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَيْرُهُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وَسَلَّمَ» [ (51) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَعْظَمَ أَيَّامِ الدُّنْيَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَإِنَّ أَكْرَمَ خَلِيقَةِ اللهِ عَلَى اللهِ: أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ فَأَيْنَ الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَضَحِكَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! وَهَلْ تَدْرِي مَا الْمَلَائِكَةُ؟ إِنَّمَا الْمَلَائِكَةُ خَلْقٌ كَخَلْقِ الْأَرْضِ، وَخَلْقِ السَّمَاءِ، وَخَلْقِ السَّحَابِ، وَخَلْقِ الْجِبَالِ، وَخَلْقِ الرِّيَاحِ، وَسَائِرِ الْخَلَائِقِ، وَإِنَّ أَكْرَمَ الْخَلَائِقِ عَلَى اللهِ: أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ وَإِنَّ النَّارَ فِي الْأَرْضِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللهُ الْخَلَائِقَ أُمَّةً أُمَّةً، وَنَبِيًّا نَبِيًّا، حَتَّى يَكُونَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ آخِرَ الْأُمَمِ مَرْكَزًا،
قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ؟ فَيَقُومُ وَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا فَيَأْخُذُونَ الْجِسْرَ فَيَطْمِسُ اللهُ أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ فَيَتَهَافَتُونَ فِيهَا مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَيَنْجُو النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحُونَ مَعَهُ، وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ يُرُونَهُمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَى يَمِينِكَ، عَلَى يَسَارِكَ، عَلَى يَمِينِكَ، عَلَى يَسَارِكَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُلْقَى لَهُ كُرْسِيٌّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (52) ] . قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ تَمَّتْ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ مِمَّا كَانَ يُصِيبُ الْأُمَمَ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ مِنَ الْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَالْقَذْفِ فَذَلِكَ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ، حَدَّثَنَا حفص ابن عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ يَعْنِي ابْنَ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- فَضَّلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ، قَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! مَا فَضْلُهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللهَ- عَزَّ وجل- قال لِأَهْلِ السَّمَاءِ: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ (53) ] ، وقَالَ اللهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (54) ] قَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى، يَقُولُ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [ (55) ] ، وَقَالَ اللهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [ (56) ] فَأَرْسَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَالُوا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِي ذكر النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْآيَةِ فَقَدْ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ يَعْنِي الْمَكِّيَّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: نافِلَةً لَكَ [ (57) ] ، قَالَ: لَمْ تَكُنِ النَّافِلَةُ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ [ (58) ] غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَمَا عُمِلَ مِنْ عَمِلٍ مَعَ الْمَكْتُوبِ فَهُوَ نَافِلَةٌ سِوَى الْمَكْتُوبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ فِي كَفَّارَةِ ذُنُوبِهِمْ فَلَيْسَ لِلنَّاسِ نَوَافِلُ إِنَّمَا هِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ
الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْكَلْبِيُّ، وَأَنَا سَأَلْتُهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (59) ] أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ الضبغيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا خَلَقَ اللهُ خَلْقًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمَا سَمِعْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ فَقَالَ: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (60) ] وَحَيَاتِكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو سَعَيدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبَى عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمُّوَيْهِ بْنِ عَبَّادٍ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانَ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَدَقَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فُضِّلْتُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخَصْلَتَيْنِ كَانَ شَيْطَانِي كَافِرًا فَأَعَانَنِي اللهُ حَتَّى أَسْلَمَ وَكُنَّ أَزْوَاجِي عَوْنًا لِي، وَكَانَ شَيْطَانُ آدَمَ كَافِرًا وَزَوْجَتُهُ كَانَتْ عَوْنًا لَهُ عَلَى خَطِيئَتِهِ فهذا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانَ [ (61) ] وَهُوَ فِي عِدَادِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْعَدْلُ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيُّ بِمِصْرَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا مِنْ رَهْطِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أنبأنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ، قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا آدَمُ! وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ يَا رَبِّ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكِ رَفَعَتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ وَإِذْ سَأَلْتَنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ. تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ [ (62) ] ، مِنَ هَذَا الْوَجْهِ عَنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ [وَاللهُ أَعْلَمُ] [ (63) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الصُّوفِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَثِ الْكُوفِيِّ بِمِصْرَ وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ حَدَّثَنَا [ (64) ] أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جعفر ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَنَا أَبِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ لَيْسَتْ لَهُمْ كُنًى إِلَّا آدَمُ فَإِنَّهُ يُكَنَّى بِأَبِي محمد توقيرا وتعظيما» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الصّحّاف الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (65) ] ، قَالَ: لَا تَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ! وَلَكِنْ قُولُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ يَا نَبِيَّ الله.
باب ما جاء في التخيير بين الأنبياء
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [ (1) ] فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي الْفَضْلِ، فَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّمَا هِيَ فِي مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَفْضِيلِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِأَنَّ الْمُخَايَرَةَ إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَ أَهْلِ دِينَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَفْضِيلِ مَنْ يُرِيدُ تَفْضِيلَهُ إِلَى الْإِزْرَاءِ بِالْآخَرِ فَيَكْفُرُ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمُخَايَرَةُ مِنْ مُسْلِمٍ يُرِيدُ الْوقُوفَ عَلَى الْأَفْضَلِ فَيُقَابِلُ بَيْنَهُمَا لِيَظْهَرَ لَهُ رُجْحَانُ الْأَرْجَحِ، فَلَيْسَ هَذَا بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، لِأَنَّ الرُّسُلَ إِذَا كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ وَكَانَ فَضْلُ الْأَفْضَلِ يُوجِبُ لَهُ فَضْلَ حَقٍّ وَكَانَ الْحَقُّ إِذَا وَجَبَ لَا يُهْتَدَى إِلَى أَدَائِهِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَمَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّهِ كَانَتْ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَفْضَلِ حَاجَةٌ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ دَلَالَةٌ وَطَلَبُ الْعِلْمِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَعْلَامِهِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ مِمَّا يُنْكَرُ وَاللهُ أَعْلَمُ، وهذا قول أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ أَنْبَأَنَا علي بن محمد ابن عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ المسيّب، أنا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُوَدِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ يُقْسِمُ بِقَسَمٍ، فَقَالَ الْيَهُوَدِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ فَلَطَمَ الْيَهُوَدِيَّ، فَذَهَبَ الْيَهُوَدِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِ [ (2) ] عَنْ أَبِي الْيَمَانِ] [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ يُونُسُ ابن حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ أَوْ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كدا قَالَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ [ (4) ] . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله بن يعقوب، حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا يَهُوَدِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَةً لَهُ فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُوَدِيِّ وَذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ هَكَذَا بِطُولِهِ [ (5) ] . أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا وهب بن عمرو بن يحيى، عن عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُوَدِ بِالسُّوقِ وَهُوَ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَضَرَبَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: أَيْ خَبِيثُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الْيَهُوَدِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فُلَانٌ ضَرَبَ وَجْهِي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «لَمَ ضَرَبْتَ وَجْهَهُ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَرَرْتُ وَهُوَ بِالسُّوقِ يَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَقُلْتُ أَيْ خَبِيثُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ فَضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَجِدُ مُوسَى آخِذًا بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أدري
أَصُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ حُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ» . لَفْظُ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ يُونُسَ، وَاخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى [ (6) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرٍو [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ السُّكَّرِيُّ بِالْبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ سَمِعَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ عَنْ شعبة [ (9) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أُمِّهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عندر عَنْ شُعْبَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (10) ] . فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّفْضِيلِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَضِّلَ نَفْسَهُ عَلَى يونُسَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَقَ وَذَهَبَ مُغَاضِبًا وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَا ظَنَّ أَنَّهُ يُصِيبُهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَيُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْإِمْسَاكِ عَنِ الْكَلَامِ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً. وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ [ (11) ] رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ تَرْكُ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِزْرَاءِ بِبَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَسَادِ الِاعْتِقَادِ فِيهِمْ وَالْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَبِغَرَضِ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ [ (12) ] . ثُمَّ تَكَلَّمَ [ (13) ] عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يُونُسَ بْنِ مَتَى، فَقَالَ:
قَدْ يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ خِلَافًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَالسَّيِّدُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسُودِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَاضِحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْفَضْلِ وَالسُّؤْدَدِ، وَتَحَدُّثٌ بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى [ (14) ] عَلَيْهِ وَإِعْلَامٌ لِأُمَّتِهِ وَأَهْلِ دَعْوَتِهِ، عُلُوَّ مَكَانِهِ عِنْدَ رَبِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْ خُصُوصِيَّتِهِ لِيَكُونَ إِيمَانُهُمْ بِنُبُوَّتِهِ وَاعْتِقَادِهِمْ لِطَاعَتِهِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَكَانَ بَيَانُ هَذَا لِأُمَّتِهِ وَإِظْهَارُهُ لَهُمْ مِنَ اللَّازِمِ لَهُ وَالْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ دُونَ نَفْسِهِ. (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَامًا مُطْلَقًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، وَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْهَضْمِ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ لِرَبِّهِ يَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةٌ مِنَ اللهِ وَخُصُوصِيَّةٌ مِنْهُ لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي، وَلَا بَلَغْتُهَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي فَلَيْسَ لِي أَنِ افْتَخِرَ بِهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ فِيمَا نَرَى وَاللهُ أَعْلَمُ [لِمَا قَدْ قَصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ شَأْنِهِ وَمَا كَانَ] [ (15) ] مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَخَرَجَ مُغَاضِبًا لَهُ وَلَمْ يَصْبِرْ كما صبر أولوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَأَشْبَهُهُمَا بمعنى
الْحَدِيثِ، فَقَدْ جَاءَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَعَمَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ فَدَخَلَ هُوَ فِي جُمْلَتِهِمْ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى» [ (17) ] وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ السِّيَادةَ يَعْنِي قَوْلَهُ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَامَةِ إِذَا قُدِّمَ فِي الشَّفَاعَةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَضَّلًا فِي الدَّارَيْنِ مِنْ قِبَلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلُهُ: «وَلَا فَخْرَ» ، مَعْنَاهُ: أَيْ إِنَّمَا أَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ مُعْتَدًّا بِالنِّعْمَةِ لَا فَخْرًا وَاسْتِكْبَارًا فَلَعَلَّ مَنْ فَخَرَ تَزَيَّدَ فِي فَخْرِهِ، يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ مِنِّي عَلَى سَبِيلِ الْفَخْرِ الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّزْيِيدُ وَالْكِبْرُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، يَذْكُرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ [ (18) ] .
وَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا أَيْضًا مَذْهَبَ التَّوَاضُعِ وَكَانَ يُشِيرُ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: لِوَفْدِ بَنِي عَامِرٍ حِينَ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَذُو الطَّوْلِ عَلَيْنَا فَقَالَ: مَهْ مَهْ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ السَّيِّدُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (19) ] ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ الله ورسوله» [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أنس بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَا سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَخَيْرُنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِيَ فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» [ (21) ] . قُلْتُ: وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي التَّفْضِيلِ ذَكَرَ فِي مَرَاتِبِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَخَصَائِصِهِ وُجُوهًا لَا يَحْتَمِلُ ذِكْرَهَا بِأَجْمَعِهَا هَذَا الْكِتَابُ وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى وَجْهٍ مِنْهَا عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ:
(فَمِنْهَا) : أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَسُولَ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَأَنَّهُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ. (وَمِنْهَا) : أَنَّ شَرَفَ الرَّسُولِ بِالرِّسَالَةِ، وَرِسَالَتُهُ أَشْرَفُ الرِّسَالَاتِ بِأَنَّهَا نَسَخَتْ مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الرِّسَالَاتِ وَلَا تَأْتِي بَعْدَهَا رِسَالَةٌ تَنْسَخُهَا. (وَمِنْهَا) : أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْسَمَ بِحَيَاتِهِ. (وَمِنْهَا) : أَنَّهُ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ إِنْزَالِ الْمَلَكِ عَلَيْهِ أو صعاده إِلَى مَسَاكِنِ الْمَلَائِكَةِ، وَبَيْنَ إِسْمَاعِهِ كَلَامَ الْمَلَكِ وَإِرَائِهِ إِيَّاهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا، وَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ إِخْبَارِهِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِطْلَاعِهِ عَلَيْهِمَا فَصَارَ الْعِلْمُ لَهُ وَاقِعًا بِالْعَالَمَيْنِ دَارُ التَّكْلِيفِ وَدَارُ الْجَزَاءِ عِيَانًا. (وَمِنْهَا) : قِتَالُ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ. (وَمِنْهَا) : مَا أَخْبَرَ عَنْ خَصَائِصِهِ الَّتِي يَخُصُّهُ اللهُ تَعَالَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (22) ] . (وَمِنْهَا) : أَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يخَاطِبْهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِالنَّبِيِّ أَوِ الرَّسُولِ، وَدَعَا سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَسْمَائِهِمْ وَحِينَ دَعَا الْأَعْرَابُ نبينا صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِاسْمِهِ أَوْ كُنْيَتِهِ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (23) ] وَأَمَرَهُمْ بِتَعْظِيمِهِ وَبِتَفْخِيمِهِ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّقْدِيمِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ فَوْقَ صَوْتِهِ، وَعَابَ مَنْ نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِشَرْحِهِ الْكِتَابُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ. (وَمِنْهَا) : أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- أَعْلَامًا، وقد
ذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّ أَعْلَامَ نَبِيِّنَا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْلُغُ أَلْفًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-: وَفِيهَا مَعَ كَثْرَتِهَا مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يَنْحُو اخْتِرَاعَ الْأَجْسَامِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي أَعْلَامِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا مَا كَانَ مِنْ أَعْلَامِهِ هَذَا مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ إِلَى مَبْعَثِهِ إِلَى هِجْرَتِهِ إِلَى وَفَاتِهِ مُؤَرَّخًا بِتَارِيخِهِ أَوْ عِنْدَ قُدُومِ الْوُفُودِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَعْلَامِهِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِي أَكْثَرِهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ غَفَلْتُ عَنْهَا مَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ قَبْلَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخَرْنَا اللهَ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِهِ [ (24) ] عَقِيبَ هَذَا وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. *** تم السفر الخامس من كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ويليه السادس وأوله: جماع أبواب دلائل النبوة سِوَى مَا مَضَى فِي هَذَا الْكِتَابِ، وآخر دعوانا: أن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الجزء السادس السفر السادس من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة جماع أبواب الدلائل انقياد الشجر ومشي العذق، وسجود البعير وحنين الجذع. جماع أبواب دعواته الْمُسْتَجَابَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ. جُمَّاعُ أَبْوَابِ أَسْئِلَةِ الْيَهُودِ وغيرهم. جُمَّاعُ أَبْوَابِ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم بالكوائن بعده.
المجلد السادس
جماع أبواب دلائل النبوة سِوَى مَا مَضَى فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا ظهر منها على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ الولادة إلى أن بعث بالرسالة ثم من وقت الرسالة إلى وقت الهجرة ثم من وقت الهجرة إلى آخر مغازيه المعروفة وأسفاره المشهورة مؤرخا بتواريخه المنقولة وسوى ما مضى في ذكر الوفود والبعوث.
باب انقياد الشجر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما جمع الخبر المنقول فيه من ذكر خروج الماء من بين أصابعه وغير ذلك من علامات [1] النبوة.
بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَمَا جَمَعَ الْخَبَرُ الْمَنْقُولُ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ خُرُوجِ الماء من بين أَصَابِعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ [ (1) ] النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْآدَمِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ مِهْرَانَ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَنَا: أَبُو الْيَسَرِ [ (2) ] صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، فَذَكَرَ مَا سَمِعَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مَسْجِدِهِ، فَذَكَرَ مَا سَمِعَ مِنْهُ إِلَى أَنْ قَالَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا واديا
أَفْيَحَ [ (3) ] فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يقضي حاجته وأتبعته بأدواة مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا بِشَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي [ (4) ] ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ [تَعَالَى] [ (5) ] » ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ [ (6) ] الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ: «انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ» فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ [ (7) ] فِيمَا بَيْنَهُمَا لَأَمَ [ (8) ] بَيْنَهُمَا يَعْنِي جَمَعَهُمَا، فَقَالَ: «الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ» فَالْتَأَمَتَا. قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ [ (9) ] مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِي [يَعْنِي] [ (10) ] فَيَبْتَعِدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِيَ فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، قَالَ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ، قَالَ: يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، [قَالَ] [ (11) ] فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأَقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِيَ فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكٍ، وَغُصْنًا عن يسارك.
قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ [ (12) ] فَانْذَلَقَ [ (13) ] لِي فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى إِذَا قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي، وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: «إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ [ (14) ] عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ» . قَالَ: فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جَابِرُ! نَادِ بِوَضُوءٍ، فَقُلْتُ: أَلَا وَضُوءَ أَلَا وَضُوءَ، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطْرَةٍ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءَ فِي أَشْجَابٍ [ (15) ] لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ [ (16) ] مِنْ جَرِيدٍ، فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً [ (17) ] فِي عَزْلَاءِ [ (18) ] شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ [ (19) ] فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ» ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَيَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ [ (20) ] ، ثُمَّ أَعْطَانِيهِ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ! نَادِ
بِجَفْنَةٍ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ [ (21) ] قَالَ فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَبَسَطَهَا فِي الْجَفْنَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ، وَقَالَ: «خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ عَلَيَّ وَقُلْ بِسْمِ اللهِ» فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: بِسْمِ اللهِ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ (أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ) [ (22) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ» ، قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوَوْا، قَالَ: فَقُلْتُ هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الجفنة وهي ملأى. وشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْجُوعَ، فَقَالَ عَسَى اللهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ، فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا [ (23) ] عَلَى شِقِّهَا النَّارَ، فَاشْتَوَيْنَا وَطَبَخْنَا، وَأَكَلْنَا وَشَبِعْنَا. قَالَ جَابِرٌ فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا [ (24) ] مَا يَرَانَا أَحَدٌ حَتَّى خَرَجْنَا فَأَخَذْنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا فَقَوَّسْنَاهُ، ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ بِهِ رَأْسَهُ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ الْأَدَمِيِّ رَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدِ بن عبّاد [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ هُوَ ابن زريق، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: زُلْزِلَتْ فِينَا عَلَى عَهْدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَخُبِّرَ بِذَاكَ، فَقَالَ: إِنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وَسَلَّمَ كُنَّا نَرَى الْآيَاتِ بَرَكَاتٍ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهَا تَخْوِيفًا، بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ إِلَّا يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِي صَحْفَةٍ، وَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَنَادَى حَيَّ لِأَهْلِ الْوُضُوءِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فأقبل الناس فتوضؤوا وَشَرِبُوا وَجَعَلْتُ لَا هَمَّ لِي إِلَّا مَا أَجْعَلُ فِي بَطْنِي لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ، قَالَ الْأَعْمَشُ فَحَدَّثْتُهُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ فَقَالَ: قَدْ حَدَّثَنِيهِ جَابِرٌ فَقُلْتُ لَهُ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ، قَالَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةٍ قَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ شَوَاهِدِهِ [ (26) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَحُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَصَابَنَا عَطَشٌ فَجَهَشْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ مَاءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيونُ، قَالَ: «خُذُوا بِسْمِ اللهِ» ، فَشَرِبْنَا فَوَسِعَنَا وَكَفَانَا، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا وخمسمائة [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَرْدِسْتَانِيُّ الْحَافِظُ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: شَكَا النَّاسُ [ (28) ] إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشَ، قَالَ: فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسٍّ فَصَبَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْعُسِّ، وَقَالَ: وَاسْتَقُوا [ (29) ] ، فَرَأَيْتُ الْعُيونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [ (30) ] .
باب مشي العذق الذي دعاه محمد صلى الله عليه وسلم إليه حتى وقف بين يديه ثم رجوعه إلى مكانه بإذنه وما في ذلك من دلائل النبوة.
بَابُ مَشْيِ الْعِذْقِ الَّذِي دَعَاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ رُجُوعِهِ إِلَى مَكَانِهِ بِإِذْنِهِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَائِشَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الْحَجُونِ كَئِيبًا لَمَّا أَذَاهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ: اللهُمَّ أَرِنِي الْيَوْمَ آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا، قَالَ: فَأَمَرَ فَنَادَى شَجَرَةً مِنْ قِبَلِ عَقَبَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَ هَذَا مِنْ قَوْمِي [ (1) ] . وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَنَادَى شَجَرَةً مَا جَانِبِ الْوَادِي فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدَّا وَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَعْدَهُ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي أَبْوَابِ الْمَبْعَثِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ [عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] [ (2) ] .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ، وَقَدْ دَخَلَهُ مِنَ الْغَمِّ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ: رَبِّ أَرِنِي مَا أَطْمَئِنُ إِلَيْهِ وَيُذْهِبُ عَنِّي هَذَا الْغَمَّ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ ادْعُ أَيَّ أَغْصَانِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شِئْتَ، فَدَعَا غُصْنًا فَانْتُزِعَ مِنْ مَكَانِهِ ثُمَّ خَدَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ» ، فَرَجَعَ الْغُصْنُ فَخَدَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ، فَحَمِدَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَجَعَ وَقَدْ كَانَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَفَضَّلْتَ أَبَاكَ وَأَجْدَادَكَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ إلى قوله وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [ (3) ] . قُلْتُ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَوْصُولِ شَاهِدٌ، وَقَدْ سَخَّرَ تَعَالَى الشَّجَرَةَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَعَلَهَا آيَةً لِنُبُوَّتِهِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ آيَةً، وَشَهِدَتْ لَهُ الشَّجَرَةُ بِالنُّبُوَّةِ فِي بَعْضِ الرواية، وذلك في ما ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْوَرَّاقُ، أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي سَفَرٍ فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ تُرِيدُ؟» قَالَ: إِلَى أَهْلِي. قَالَ: «هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ؟» قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ، قَالَ: هَلْ مِنْ شَاهِدٍ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «هَذِهِ الشَّجَرَةُ» ، فدعاها رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَ ثَلَاثًا، فَشَهِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: إِنْ يتّبعوني آتيك بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا الْعِذْقَ فَجَعَلَ الْعِذْقُ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ فِي الْأَرْضِ فَجَعَلَ يَنْقُزُ حَتَّى أَتَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ، فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ وَآمَنَ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: إِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ بِكَ جُنُونٌ دَاوَيْتَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَادْعُ ذَلِكَ الْعِذْقَ
فَدَعَاهُ، فَجَاءَ يَنْقُزُ عَلَى ذَنَبِهِ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَرَجَعَ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَامِرٍ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَسْحَرَ مِنْ هَذَا [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قِشْمِرْدُ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا محمد بن حازم وَهُوَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَرِنِي الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ حَتَّى أُدَاوِيَكَ فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ الْعَرَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ أَبْسَطُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُنُونَ وَرَوَاهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ [ (7) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ الخسرو جزري، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَلَاءِ الْجُرْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْعَبْدُ الصَّالِحُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ عِنْدِي طِبًّا وَعِلْمًا فَمَا تَشْتَكِي؟ هَلْ يَرِيبُكَ مِنْ نَفْسِكِ شَيْءٌ؟ إِلَى مَنْ تَدْعُو؟ قَالَ: «أَدْعُو إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِسْلَامِ» ، قَالَ: إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا فَهَلْ لَكَ مِنْ آيَةٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ آيَةً» وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَجَرَةٌ، فَقَالَ لِغُصْنٍ مِنْهَا: «تَعَالَ يَا غُصْنُ» ، فَانْقَطَعَ الْغُصْنُ مِنَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ فَرَجَعَ. قَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ عَامِرِ بْنَ صَعْصَعَةَ لَا أَلُومُكَ عَلَى شَيْءٍ قُلْتَهُ أَبَدًا [ (8) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجعد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يَقُولُ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ وَحَوْلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْذَاقٌ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: هَلْ لَكَ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: فَدَعَا عِذْقًا مِنْهَا فَأَقْبَلَ يَخُدُّ الْأَرْضَ وَيَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَرَجَعَ. قَالَ: فَخَرَجَ الْعَامِرِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: يَا آلَ عامر بن صعصعة! وَاللهِ لَا أُكَذِّبُهُ بِشَيْءٍ يَقُولُهُ أَبَدًا [ (9) ] . كَذَا قَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصْدِيقَ الرَّجُلِ إِيَّاهُ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوَهَّمَهُ سِحْرًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ فَآمَنَ وَصَدَّقَ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وفيما ذكرنا كفاية.
باب ذكر المعجزات الثلاث التي شهدهن جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره في الشجرتين والصبي والجمل، وما [كان] [1] في كل واحد منهن من آثار النبوة.
بَابُ ذِكْرِ الْمُعْجِزَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي شَهِدَهُنَّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الشَّجَرَتَيْنِ وَالصَّبِيِّ وَالْجَمَلِ، وَمَا [كَانَ] [ (1) ] فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي سَفَرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ تَبَاعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ وَلَا شَجَرٌ، فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ خُذِ الْإِدَاوَةَ وَانْطَلِقْ بِنَا» ، فَمَلَأْتُ الْإِدَاوَةَ مَاءً، فَانْطَلَقْنَا فَمَشَيْنَا حَتَّى لَا نَكَادُ نُرَى، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جَابِرُ! انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا» ، فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ. ثُمَّ رَجَعْنَا فَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا فَسِرْنَا كَأَنَّمَا عَلَيْنَا الطَّيْرُ يُظِلُّنَا فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ قَدْ عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَعَهَا صَبِيٌّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إن ابني هذا
يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يَدَعُهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنَاوَلَهُ، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «اخْسَأْ عَدُوَّ اللهِ! أَنَا رَسُولُ اللهِ» [قَالَ] : فَأَعَادَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا فَكُنَّا بِذَلِكَ الْمَاءِ عَرَضَتْ لَنَا الْمَرْأَةُ مَعَهَا كَبْشَانِ تَقُودُهُمَا وَالصَّبِيُّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْبَلْ مِنِّي هَدِيَّتِي، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ عَادَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «خُذُوا أَحَدَهُمَا مِنْهَا، وَرُدُّوا الْآخَرَ» . ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَنَا فَجَاءَ جَمَلٌ نَادٌّ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْجَمَلِ» ، فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! [قَالَ: فَمَا شَأْنُهُ] [ (2) ] قَالَ سَنَوْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمَّا كَبِرَتْ سِنُّهُ وَكَانَ عَلَيْهِ شُحَيْمَةٌ وَأَرَدْنَا نَحْرَهُ لِنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم تَبِيعُونِيهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ لَكَ، قَالَ: «فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كان النساء لأزواجهن» [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ، عَنْ زَمْعَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ بْنَ خَبَّابٍ الْكُوفِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ إِلَى مَكَّةَ فَذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ، فَكَانَ يُبْعِدُ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، قَالَ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَتَوَارَى بِهِ، فَبَصُرَ بِشَجَرَتَيْنِ فَذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ وَقِصَّةَ الْجَمَلِ بِنَحْوٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَنْفَرِدُ بِهَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ زِيَادٍ أَظُنُّهُ ابْنَ سَعْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بكير، عن الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أبيه، قال:
سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَفَرًا فَرَأَيْتُ مِنْهُ أَشْيَاءَ عَجَبًا، نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى هَاتَيْنِ الْأَشَاءَتَيْنِ فَقُلْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكُمَا: أَنْ تَجْتَمِعَا، فَانْطَلَقْتُ فَقُلْتُ لَهُمَا ذَلِكَ، فَانْتُزِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ أَصْلِهَا فَنَزَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا فَالْتَقَتَا جَمِيعًا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ مِنْ وَرَائِهِمَا، ثُمَّ قَالَ [ (5) ] : انْطَلِقْ فَقُلْ لَهُمَا: فَلْتَعُدْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَكَانِهَا، فَأَتَيْتُهُمَا فَقُلْتُ لَهُمَا ذَلِكَ: فَنَزَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حَتَّى عَادَتْ إِلَى مَكَانِهَا. وَأَتَتِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنِي هَذَا بِهِ لَمَمٌ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ يَأْخُذُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْنِيهِ» ، فَأَدْنَتْهُ مِنْهُ، فَتَفَلَ فِي فِيهِ، وَقَالَ: «اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ أَنَا رَسُولُ اللهِ» ، ثُمَّ قَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَجَعْنَا فَأَعْلِمِينَا مَا صَنَعَ» ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَهُ وَمَعَهُ كَبْشَانٍ، وَأَقِطٌ، وَسَمْنٌ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْ هَذَا الْكَبْشَ» فَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَرَادَ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا رَأَيْنَا بِهِ شَيْئًا مُنْذُ فَارَقْتَنَا. ثُمَّ أَتَاهُ بَعِيرٍ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَأَى عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ فَبَعَثَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا لِبَعِيرِكُمْ هَذَا يَشْكُوكُمْ» ؟ فَقَالُوا: كُنَّا نَعْمَلُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَبِرَ وَذَهَبَ عَمَلُهُ تَوَاعَدْنَا لِنَحْرِهِ غَدَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَنْحَرُوهُ وَاجْعَلُوهُ فِي الْإِبِلِ يَكُونُ فِيهَا» [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَعَمْرٌو الْأَوْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال:
رأيت مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ يُونُسَ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ: خُذْ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ، وَرُدَّ الْآخَرَ، وَخُذِ السَّمْنَ وَالْأَقِطَ [ (7) ] . مُرَّةُ أَبُو يَعْلَى هُوَ مُرَّةُ بْنُ أَبِي مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ وَقِيلَ فِيهِ عَنْ يَعْلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَجَبًا خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِصَبِيٍّ لَهَا بِهِ لَمَمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ أَنَا رَسُولُ اللهِ» ، قَالَ: فَبَرَأَ فَلَمَّا رَجَعْنَا جَاءَتْ أُمُّ الْغُلَامِ بِكَبْشَيْنِ وَشَيْءٍ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «يَا يَعْلَى خُذْ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ، وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ، وَخُذِ السَّمْنَ وَالْأَقِطَ» ، قَالَ: فَفَعَلْتُ. هَذَا أَصَحُّ، وَالْأَوَّلُ وَهْمٌ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ يَعْنِي رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِيهِ وَهْمٌ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ يَعْلَى نَفْسِهِ، وَهِمَ فِيهِ وَكِيعٌ مَرَّةً، وَرَوَاهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَرَّةً. قُلْتُ: وَقَدْ وَافَقَهُ فِيمَا زَعَمَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ وَهِمَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَهْمُ مِنَ الْأَعْمَشِ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا حَمْدَانُ بْنُ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي: كُنْتُ معه في طريق
مَكَّةَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا، بِهِ لَمَمٌ، مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابن هَذَا كَمَا تَرَى، فَقَالَ: إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَهُ، فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ مَضَى فَمَرَّ عَلَى بَعِيرٍ نَادٍّ جرانه يرعوا، فَقَالَ عَلَيَّ بِصَاحِبِ هَذَا، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ، هَذَا يَقُولُ نُتِجْتُ عِنْدَهُمْ فَاسْتَعْمَلُونِي، حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ أَرَادُوا أَنْ يَنْحَرُونِي. قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَرَأَى شَجَرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ، فَمُرْهُمَا فَلْتَجْتَمِعَا لِي. قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا انْصَرَفَ مَرَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَقَدْ هَيَّأَتْ أُمُّهُ أَكْبُشًا، فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ، وَقَالَتْ: مَا عَادَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّمَمِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا كَفَرَةُ، أَوْ فَسَقَةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» . رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ رَأَيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْتَقَى عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ، وَوَضَعَ جِرَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ» ؟ فَجَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِعْنِيهِ» ، قَالَ: [بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ. قَالَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ] [ (8) ] ، وَإِنَّهُ لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ، قَالَ: أَمَّا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ قد شكا كَثْرَةَ الْعَمَلِ، وَقِلَّةَ الْعَلَفِ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تشقّ الأرض
حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ فأنت امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْخَرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «اخْرُجْ إِنِّي مُحَمَّدٌ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ» . قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ مَسِيرِنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجُزُرٍ وَلَبَنٍ فَأَمَرَ [لَهَا] [ (9) ] أَنْ تَرُدَّ الْجُزُرَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَشَرِبُوا اللَّبَنَ، فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْبًا بَعْدَكَ [ (10) ] . الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ فِي أَمْرِ الشَّجَرَتَيْنِ أَصَحُّ لِمُوَافَقَتِهَا رِوَايَةَ جَابِرِ بْنِ عبد الْأَنْصَارِيِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الشَّجَرَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حِكَايَةً عَنْ وَاقِعَةٍ أُخْرَى. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْغِفَارِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابن أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ، أَنْبَأَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحِجَّةِ الَّتِي حَجَّهَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ الرَّوْحَاءِ، نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ تَؤُمُّهُ فَحَبَسَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا ابْنِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَفَاقَ مِنْ يَوْمِ وَلَدْتُهُ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، قَالَ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فَوَضَعَهُ فِيمَا بَيْنَ صَدْرِهِ وَوَاسِطَةِ الرَّحْلِ، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، وَقَالَ: اخْرُجْ يَا عَدُوَّ اللهِ، فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ، قَالَ: ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، وَقَالَ: خُذِيهُ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ، قَالَ أُسَامَةُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجَّتَهُ انْصَرَفَ حَتَّى إِذَا نَزَلَ بَطْنَ الرَّوْحَاءِ أَتَتْهُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ بِشَاةٍ قَدْ شَوَتْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أُمُّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَقَيْتُكَ بِهِ فِي مُبْتَدَئِكَ، قَالَ: «وَكَيْفَ هُوَ؟» [قَالَ] : [ (11) ] فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَابَنِي مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدُ، فَقَالَ لِي: يَا أُسَيْمُ- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَاهُ رَخَّمَهُ: خُذْ مِنْهَا الشَّاةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أُسَيْمُ! نَاوِلْنِي ذِرَاعَهَا فَنَاوَلْتُهُ وَكَانَ أَحَبُّ الشَّاةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ مُقَدَّمَهَا، ثُمَّ قَالَ: «يَا أُسَيْمُ! نَاوِلْنِي ذِرَاعًا» فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أُسَيْمُ! نَاوِلْنِي ذِرَاعًا» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ وَقَدْ نَاوَلْتُكَ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَا زِلْتَ تُنَاوَلَنِي ذِرَاعًا مَا قُلْتُ لَكَ نَاوِلْنِي ذِرَاعًا» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أُسَيْمُ! انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ خَمَرٍ لِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ دَحَسَ النَّاسُ الْوَادِيَ فَمَا فِيهِ مَوْضِعٌ فَقَالَ انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ نَخْلٍ أَوْ حِجَارَةٍ» ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ [قد] [ (12) ] رأيت نَخْلَاتٍ مُتَقَارِبَاتٍ وَرَجْمًا مِنْ حِجَارَةٍ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى النَّخْلَاتِ فَقُلْ لَهُنَّ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تُدَانِينَ لِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَقُلْ لِلْحِجَارَةِ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُنَّ فَقُلْتُ ذَاكَ لهن، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَقَدْ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى النَّخْلَاتِ يَخْدُدْنَ الْأَرْضَ خَدًّا حَتَّى اجْتَمَعْنَ، وَأَنْظُرُ إِلَى الْحِجَارَةِ يتقافزن حتى
صِرْنَ رَجْمًا خَلْفَ النَّخْلَاتِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ ذَاكَ لَهُ، قَالَ: خُذِ الْإِدَاوَةَ وَانْطَلِقْ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَانْصَرَفَ، قَالَ: «يَا أُسَيْمُ عُدْ إِلَى النَّخْلَاتِ وَالْحِجَارَةِ، فَقُلْ لَهُنَّ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَرْجِعْنَ إِلَى مَوَاضِعِكُنَّ» [ (13) ] . قَدْ مَضَى شَوَاهِدُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْتُ: وَلِمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ فِي أَمْرِ الْبَعِيرِ الذي شكا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَهَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَأَنَّهُ غَيْرُ الْبَعِيرِ الَّذِي أَرَادُوا نَحْرَهَ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، قَالَ: وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ [أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ] [ (14) ] فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ إِلَيْهِ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ ذَفْرَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَسْمَاءَ فَمَسَحَ سَرَاتَهُ إِلَى سَنَامِهِ وَذَفْرَيْهِ، فَسَكَنَ فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلِ» ؟ قَالَ: فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ، فَقَالَ: «أَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إيّاها، فإنه شكا
إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» . لَفْظُ أَبَى عَبْدِ اللهِ [ (15) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ يَزِيدُ وينقص [ (16) ] .
باب ذكر البعير الذي سجد للنبي صلى الله عليه وسلم وأطاع أهله بعد ما امتنع عليهم ببركته.
بَابُ ذِكْرِ الْبَعِيرِ الَّذِي سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطَاعَ أَهْلَهُ بعد ما امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ بِبَرَكَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق الاسفرائيني، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ثِقَةٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ نَاضِحًا لِبَعْضِ بَنِي سَلِمَةَ اعْتَلَمَ فَصَالَ عَلَيْهِمْ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى عَطِشَتْ نَخْلَةٌ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَاشْتَكَى ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ، وَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ النَّخْلِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَدْخُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «ادْخُلُوا فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ» ، فَلَمَّا رَآهُ الْجَمَلُ أَقْبَلَ يَمْشِي وَاضِعًا رَأْسَهُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَجَدَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْتُوا جَمَلَكُمْ فَاخْطِمُوهُ وَارْتَحِلُوهُ» ، فَأَتَوْهُ فَخَطَمُوهُ وَارْتَحَلُوهُ، فَقَالُوا: سَجَدَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حِينَ رَآكَ، فَقَالَ: «لَا تَقُولُوا ذَلِكَ لِي، لَا تَقُولُوا مَا لَمْ أَبْلُغْ فَلَعَمْرِي مَا سَجَدَ لِي وَلَكِنَّ اللهَ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (1) ] سَخَّرَهُ لِي» [ (2) ] . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ حفص بن أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ قَيْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنَا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَعِنْدَنَا بَكْرَةٌ صَعْبَةٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا، قَالَ: فَدَنَا مِنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَحَفَلَ فَاحْتَلَبَ فَشَرِبَ [ (3) ] . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْفَسَوِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا فَائِدٌ أَبُو الْوَرْقَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ آتٍ، قَالَ: إِنَّ نَاضِحَ آلِ فُلَانٍ قَدْ أَبَقَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَنَهَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَضْنَا مَعَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَقْرَبْهُ، فَإِنَّا نَخَافُهُ عَلَيْكَ، فَدَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْبَعِيرِ، فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ سَجَدَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْبَعِيرِ، فَقَالَ: هَاتُوا السِّفَارَ [ (4) ] ، قَالَ: فَجِيءَ بِالسِّفَارِ فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِهِ، وَقَالَ: «ادْعُوا لِي صَاحِبَ الْبَعِيرِ» ، قَالَ: فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ الْبَعِيرُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَحْسِنْ عَلْفَهُ، وَلَا تَشُقَّ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ» ، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَهِيمَةٌ مِنَ الْبَهَائِمِ تَسْجُدُ لَكَ لِعَظِيمِ حَقِّكَ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ [ (5) ] .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَحْلَجِ، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ قَوْمٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ بَعِيرًا لَنَا قَطَنَ [ (6) ] فِي حَائِطٍ، قَالَ: فَجَاءَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تَعَالَهْ فَجَاءَ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ، قَالَ: فَخَطَمَهُ وَأَعْطَاهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَحَدٌ لَا يَعْلَمُ أَنِّي نَبِيٌّ إِلَّا كَفَرَةُ الْجِنِّ والإنس [ (7) ] .
باب ذكر الوحش الذي كان يقبل ويدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم [1] .
بَابُ ذِكْرِ الْوَحْشِ الَّذِي كَانَ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِأَهْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِآلِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِبَ وَذَهَبَ وَجَاءَ، فَإِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في البيت [ (3) ] .
باب ما جاء في الحمرة التي فجعت ببيضتها أو بفرخيها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحُمَّرَةِ الَّتِي فُجِعَتْ بِبَيْضَتِهَا أَوْ بِفَرْخَيْهَا، فَشَكَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ حَالَهَا. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً فَأَخْرَجَ بَيْضَةَ حُمَّرَةٍ، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ» ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا، فَقَالَ: «رُدَّهُ، رَدَّهُ رَحْمَةً لَهَا» [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فِيهَا فَرْخَا حُمَّرَةٍ، فأخذناهما،
قَالَ: فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَهِيَ تُعَرِّضُ، فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِفَرْخَيْهَا» ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: رُدُّوهُمَا، قَالَ: فَرَدَدْنَاهُمَا إِلَى مَوَاضِعِهِمَا. كَذَا فِي كِتَابِي تُعَرِّضُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُفَرِّشُ: يَعْنِي تَقْرَبُ لِلْأَرْضِ وَتُرَفْرِفُ بِجَنَاحَيْهَا، وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، وَهُوَ فِي السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سُنَنِ أبي داود [ (2) ] .
باب ما جاء في كلام الظبية التي فجعت بخشفها [1] وشهادتها لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَلَامِ الظَّبْيَةِ الَّتِي فَجَعَتْ بِخِشْفِهَا [ (1) ] وَشَهَادَتِهَا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ: خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! حُلَّنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَ خِشْفِي، ثُمَّ أَرْجِعَ فَتَرْبِطَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ قَوْمٍ» ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ لَهُ، فَحَلَّهَا، فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ نَفَضَتْ مَا فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى خِبَاءَ أَصْحَابِهَا فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ فَوَهَبُوهَا لَهُ، فَحَلَّهَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ عَلِمَتِ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا [ (2) ] . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ: حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الهوري، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ: عَمْرُو بن علي،
حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَزَّالُ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ ابن أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَمَرَرْنَا بِخِبَاءِ أَعْرَابِيٍّ فَإِذَا ظَبْيَةٌ مَشْدُودَةٌ إِلَى الْخِبَاءِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ اصْطَادَنِي وَلِي خِشْفَانِ فِي الْبَرِيَّةِ، وَقَدْ تَعَقَّدَ اللَّبَنُ فِي أَخْلَافِي، فَلَا هُوَ يَذْبَحَنِي فَأَسْتَرِيحُ، وَلَا يَدَعَنِي فَأَرْجِعُ إِلَى خِشْفَيَّ فِي الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنْ تَرَكْتُكِ تَرْجِعِينَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَإِلَّا عَذَّبَنِي اللهُ عَذَابَ الْعَشَّارِ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْ تَلَمَّظُ، فَشَدَّهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخِبَاءِ، وَأَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ وَمَعَهُ قِرْبَةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَتَبِيعُنِيهَا؟ قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَطْلَقَهَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (3) ] . قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَأَنَا وَاللهِ رَأَيْتُهَا تَسِيحُ فِي الْبَرِيَّةِ، وَتَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ [ (4) ] .
باب ما جاء في شهادة الضب لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة وما ظهر في ذلك من دلالات النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الضَّبِّ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّامَغَانِيُّ مِنْ سَاكِنِي قَرْيَةِ نَامِينَ مِنْ بَيْهَقَ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ بِجُرْجَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَحْفَلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ صَادَ ضَبًّا، وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَيَشْوِيَهُ وَيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا رَأَى الْجَمَاعَةَ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَجَاءَ حَتَّى شَقَّ النَّاسُ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ وَلَا أَمْقَتَ، وَلَوْلَا أَنْ يُسْمِيَنِي قَوْمِي عَجُولًا لَعَجَلْتُ عَلَيْكَ فَقَتَلْتُكَ فَسُرِرْتُ بِقَتْلِكَ: الْأَسْوَدِ، وَالْأَحْمَرِ، وَالْأَبْيَضِ، وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي فَأَقُومَ فَأَقْتُلَهُ، قَالَ: «يَا عُمَرُ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا» ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ؟ وَقُلْتَ غَيْرَ الْحَقِّ؟ وَلَمْ تُكْرِمْنِي فِي مَجْلِسِي! قَالَ: وَتُكَلِّمُنِي أَيْضًا! اسْتِخْفَافًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمَنْتُ بِكَ أَوْ يُؤْمِنَ بِكَ هَذَا الضَّبُّ، وَأَخْرَجَ
الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ضَبُّ! فَأَجَابَهُ الضَّبُّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا زَيْنَ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ، قَالَ: مَنْ تَعْبُدُ يَا ضَبُّ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشِهِ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانِهِ، وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلِهِ، وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتِهِ، وَفِي النَّارِ عِقَابِهِ، قَالَ: فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ قَالَ: رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ، وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا أَتْبَعُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ [وَاللهِ] [ (1) ] لَقَدْ جِئْتُكَ وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكَ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَالِدَيَّ، وَمِنْ عَيْنَيَّ، وَمِنِّي، وَإِنِّي لَأُحِبُّكَ بِدَاخِلِي وَخَارِجِي وَسِرِّي وَعَلَانِيَّتِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ بِي، إِنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِصَلَاةٍ، وَلَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِقُرْآنٍ. قَالَ: فَعَلِّمْنِي فَعَلَّمَهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ: زِدْنِي فَمَا سَمِعْتُ فِي الْبَسِيطِ وَلَا فِي الرَّجَزِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. قَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ! إِنَّ هَذَا كَلَامَ اللهِ لَيْسَ بِشَعْرٍ، إِنَّكَ إِنْ قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَرَّةً كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ قَرَأْتَ مَرَّتَيْنِ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ، وَإِذَا قَرَأْتَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نِعْمَ الْإِلَهُ إِلَهًا يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيعْطِي الْجَزِيلَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ مَالٌ» ؟ قَالَ: فَقَالَ مَا فِي بَنِي سُلَيْمٍ قَاطِبَةً رَجُلٌ هُوَ أَفْقَرُ مِنِّي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:» أَعْطُوهُ، فَأَعْطُوهُ حَتَّى أَبْطَرُوهُ، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لَهُ عِنْدِي نَاقَةً عُشَرَاءَ دُونَ الْبُخْتِيَّةِ وَفَوْقَ الْأَعْرَى، تَلْحِقُ وَلَا تُلْحَقُ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ يَوْمَ تَبُوكَ أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَدْفَعُهَا إِلَى الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: قَدْ وَصَفْتَ نَاقَتَكَ فَأَصِفُ مَا لَكَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ
كَنَاقَةٍ مِنْ دُرَّةٍ جَوْفَاءَ قَوَائِمُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ، وَعُنُقُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَصْفَرَ، عَلَيْهَا هَوْدَجٌ وَعَلَى الْهَوْدَجِ السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ، وَتَمُرُّ بِكَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، يَغْبِطُكَ بِهَا كُلُّ مَنْ رَآكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَضِيتُ. فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَلَقِيَهُ أَلْفُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى أَلْفِ دَابَّةٍ مَعَهُمْ أَلْفُ سَيْفٍ وَأَلْفُ رُمْحٍ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نَذْهَبُ إِلَى هَذَا الَّذِي سَفَّهَ آلِهَتَنَا فَنَقْتُلُهُ! قَالَ: لَا تَفْعَلُوا أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ، فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ دَخَلُوا، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَقَّاهُمْ بِلَا رِدَاءٍ، فَنَزَلُوا عَنْ رِكَابِهِمْ يُقَبِّلُونَ حَيْثُ وَافَوْا مِنْهُ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنَا بِأَمْرِكَ، قَالَ: كُونُوا تَحْتَ رَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمْ يُؤْمِنْ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا غَيْرِهِمْ أَلْفٌ غَيْرُهُمْ [ (2) ] . قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي الْمُعْجِزَاتِ بِالْإِجَازَةِ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظِ، فَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ يَذْكُرُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الوليد السلمي حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ أَبُو أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، كَانَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى يُحَدِّثُ بِهَذَا مَقْطُوعًا، وَحَدَّثَنَا بِطُولِهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ مَعَ رَعِيفٍ الْوَرَّاقِ. قُلْتُ: وَرَوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَمْثَلُ الْإِسْنَادِ فِيهِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب ما جاء في مجيء الذئب مجلس النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب شيئا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَجِيءِ الذِّئْبِ مَجْلِسَ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ شَيْئًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَنَا أُصَلِّي فِي نَعْلَيَّ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ، إِنِّي لَسْتُ أَنَا الَّذِي أَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ. قَالَ: وَجَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْعَى غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَعَلَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا لَيُرِيدُ شَيْئًا» ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَا تَجْعَلْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ نَصِيبًا فِي أَمْوَالِنَا، فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ، فَانْطَلَقَ الذِّئْبُ يَسْعَى وَهُوَ يَعْوِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذِّئْبُ وَمَا الذِّئْبُ [ (1) ] [قُلْتُ] [ (2) ] الْحَارِثِيُّ هَذَا هُوَ أَبُو الْأَدْبرِ اسْمُهُ زِيَادٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عمير، عن أبي الأدبر الْحَارِثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَنْتَ الَّذِي نَهَيْتَ النَّاسَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَجَاءَ الذِّئْبُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَأَقْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا وَافِدُ الذِّئَابِ، جَاءَ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا، قَالُوا: لَا وَاللهِ لَا نَفْعَلُ، وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ حَجَرًا فَرَمَاهُ، فَأَدْبَرَ الذِّئْبُ وَلَهُ عُوَاءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: الذِّئْبُ وَمَا الذِّئْبُ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْبَقِيعِ، فَإِذَا الذِّئْبُ مُفْتَرِشًا ذِرَاعَيْهِ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أُوَيْسٌ يَسْتَفْرِضُ فَافْرِضُوا لَهُ» ، قَالُوا: نَرَى رَأْيَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ شَاةٌ فِي كُلِّ عَامٍ» ، قَالُوا: كَثِيرٌ. قَالَ: «فَأَشَارَ إِلَى الذِّئْبِ أَنْ خَالِسْهُمْ، فَانْطَلَقَ الذئب [ (4) ] .
باب ما في كلام الذئب وشهادته لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة وما ظهر في ذلك من دلالات النبوة.
بَابُ مَا فِي كَلَامِ الذِّئْبِ وَشَهَادَتِهِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، قَالَ [ (1) ] أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَاعٍ يَرْعَى بِالْحَرَّةَ إِذْ عَرَضَ ذِئْبٌ لِشَاةٍ مِنْ شِيَاهِهِ، فَحَالَ الرَّاعِي بَيْنَ الذِّئْبِ وَالشَّاةِ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّاعِي: أَلَا تَتَّقِي اللهَ، تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ سَاقَهُ اللهُ [ (2) ] إِلَيَّ، فَقَالَ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ الْإِنْسِ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِنِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، فَسَاقَ الرَّاعِي شَاةً حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَزَوَى إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِ الذِّئْبِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ لِلرَّاعِي: قُمْ فَأَخْبِرْهُمْ، قَالَ: فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا قَالَ الذِّئْبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ الرَّاعِي أَلَا إِنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلَامُ السِّبَاعِ لِلْإِنْسِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ شِرَاكُ نَعْلِهِ، وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ عبد الله بن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَعْرَابِيٌّ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا عَلَيْهَا الذِّئْبُ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَأَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَأَخَذَهَا، وَانْطَلَقَ الذِّئْبُ يَمْشِي، ثُمَّ رَجَعَ الذِّئْبُ مُسْتَذْفِرًا بِذَنَبِهِ مُسْتَقْبِلَ الْأَعْرَابِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ أَلَا تَحَرَّجُ تَنْزِعُ رِزْقًا رَزَقَنِيهُ اللهُ، فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ يَتَكَلَّمُ، قَالَ لذئب: وَاللهِ إِنَّكَ لَتَدَعْ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، قَالَ: وَمَا [ (4) ] أَعْجَبُ مِنْ هذا؟
قَالَ: نَبِيُّ اللهِ فِي النَّخْلَاتِ يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَاقَ الْأَعْرَابِيُّ غَنَمَهُ حَتَّى ألجأ إِلَى بَعْضِ الْمَدِينَةِ، وَسَعَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَأَذِنَ لَهُ فَحَدَّثَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَصَدَّقَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ الصَّلَاةَ فَاحْضُرْنِي» ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيْنَ صَاحِبُ الْغَنَمِ» ؟ فَقَامَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدِّثْ بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَمِعْتَ» ، فَحَدَّثَ الْأَعْرَابِيُّ بِمَا سَمِعَ وَبِمَا رَأَى، ثُمَّ قَالَ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُكُمْ [ (5) ] مِنْ أَهْلِهِ فَتُخْبِرُهُ نَعْلُهُ، أَوْ سَوْطُهُ، أَوْ عَصَاهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ» . قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ الْفَزَارِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ الْفَزَارِيِّ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ فِي غَنَمٍ لَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوٍ مِنْ مَعْنَاهُ، وَقَالَ فِيهِ: فَقَالَ الذِّئْبُ مِمَّ تَعْجَبُ؟ فَقَالَ: أَعْجَبُ مِنْ مُخَاطَبَتِكَ إِيَّايَ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ ذلك رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ فِي النَّخْلَاتِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا قَدْ خَلَا، وَيُحَدِّثُ بِمَا هُوَ آتٍ، وَأَنْتَ هَا هُنَا تَتْبَعُ غَنَمَكَ. وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي فَكَلَّمَهُ الذِّئْبُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أبو أحمد ابن فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي [ (8) ] أَبُو طَلْحَةَ حدثنا سفين بْنُ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيَّ قَالَ مُحَمَّدٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قُلْتُ: قَدْ مَضَى مَا يُقَوِّيهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [ (9) ] الْمَالِينِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، أَحَدُ حُفَّاظِ عَصْرِهِ وَعُلَمَاءِ دَهْرِهِ فَلَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا فِي وَلَدِ مُكَلِّمِ الذِّئْبِ إِلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ وَفِي إِشْهَارِ ذَلِكَ فِي وَلَدِهِ قُوَّةُ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ أَحْمَدَ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الْمَغْرِبِيَّ، يَقُولُ: خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ الْبُلْدَانِ عَلَى حِمَارٍ فَجَعَلَ الْحِمَارُ يَجْذِبُنِي عَنِ الطَّرِيقِ فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ ضَرَبَاتٍ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ: اضْرِبْ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، فَإِنَّمَا عَلَى دِمَاغِكَ هُوَ ذَا تُضْرَبُ. قُلْتُ لَهُ: كَلَّمَكَ كَلَامًا يُفْهَمُ؟ فَقَالَ: كَمَا تُكَلِّمُنِي وأكلمك.
باب ما جاء في تسخير الله عز وجل الأسد"لسفينة" مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما روي في معناه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْخِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْأَسَدَ «لِسَفِينَةَ» مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ كَرَامَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: رَكِبْتُ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَانْكَسَرَتْ فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْهَا فَأَخْرَجَنِي إِلَى أَجَمَةٍ فِيهَا أَسَدٌ، إِذْ أَقْبَلَ الْأَسَدُ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ! أَنَا سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَقْبَلَ نَحْوِي حَتَّى ضَرَبَنِي بِمَنْكِبِهِ، ثُمَّ مَشَى مَعِي حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ، قَالَ: ثُمَّ هَمْهَمَ سَاعَةً وَضَرَبَنِي بِذَنَبِهِ، فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي. وَأَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. أَنَّ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَكِبْتُ الْبَحْرَ فَانْكَسَرَتْ بِي سَفِينَتِي الَّتِي كُنْتُ فِيهَا فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِهَا، فَطَرَحَنِي اللَّوْحُ إِلَى أَجَمَةٍ فِيهَا الْأَسَدُ، فَدَخَلْتُ فَخَرَجَ إِلَيَّ الْأَسَدُ، فَأَقْبَلَ إِلَيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ! أَنَا مَوْلَى رَسُولِ
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَأَقْبَلَ إِلَيَّ يَدْفَعُنِي بِمَنْكِبَيْهِ، فَأَخْرَجَنِي مِنَ الْأَجَمَةِ، وَوَقَّفَنِي عَلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ هَمْهَمَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي فَكَانَ هَذَا آخِرَ عَهْدِي بِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَبْدُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الْحَجَبِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ الْجَيْشَ بِأَرْضِ الرُّومِ أَوْ أُسِرَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا يَلْتَمِسُ الْجَيْشَ، فَإِذَا هُوَ بِالْأَسَدِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ! إِنِّي مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِنْ أَمْرِي كَيْتَ وَكَيْتَ، فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ يُبَصْبِصُهُ، حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِهِ كُلَّمَا سَمِعَ صَوْتًا أَهْوَى إِلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الْجَيْشَ ثُمَّ رَجَعَ الْأَسَدُ [ (1) ] ، [وَاللهُ تَعَالَى هو أعلم] [ (2) ] .
باب ما جاء في معجزة أخرى ظهرت له في مولاه سفينة وبذلك سمي سفينة
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُعْجِزَةٍ أُخْرَى ظَهَرَتْ لَهُ فِي مَوْلَاهُ سَفِينَةَ وَبِذَلِكَ سُمِّيَ سَفِينَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ حَشْرَجِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَفِينَةَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَا أَنَا بِمُخْبِرِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: سَمَّانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفِينَةَ، قُلْتُ: وَلِمَ سَمَّاكَ سَفِينَةَ؟ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَتَاعُهُمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: «ابْسُطْ كِسَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ، فَجَعَلُوا فِيهِ مَتَاعَهُمْ، فَحَمَلُوهُ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «احْمِلْ فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةُ» ، فَلَوْ حَمَلْتُ مِنْ يَوْمَئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ، أَوْ بَعِيرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ خَمْسَةٍ، أَوْ سِتَّةٍ، أَوْ سَبْعَةٍ مَا ثَقُلَ عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَخْفُوَ [ (1) ] .
باب ما جاء في المجاهد في سبيل الله الذي بعث حماره بعد ما نفق.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِي بُعِثَ حِمَارُهُ بَعْدَ مَا نَفَقَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بَرْهَانَ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الشُّكْرِيُّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ نَفَقَ حِمَارُهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثَنِيَّةِ [ (1) ] مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحْيِي الْمَوْتَى، وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِنَّةً، أَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَبْعَثَ لِي حِمَارِي، فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ [ (2) ] . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَمَثَلُ هَذَا يَكُونُ كَرَامَةً لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ مِثْلُ هَذَا كَمَا مَضَى فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، [ (3) ] وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وكأنه سمعه منهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأَحْمَدُ بْنُ بُجَيْرٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ قَوْمًا أَقْبَلُوا مِنَ الْيَمَنِ مُتَطَوِّعِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَنَفَقَ حِمَارُ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَرَادُوهُ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُمْ، فَأَبَى، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثَنِيَّةِ أَوْ قَالَ الدَّفِينَةِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ، وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحْيِي الْمَوْتَى، وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ مِنَّةً، وَإِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَبْعَثَ لِي حِمَارِي، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْحِمَارِ فَضَرَبَهُ فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ، فَأَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ، فَأَجْرَاهُ، فَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ، مَا شَأْنِي إِنَّ اللهَ بَعَثَ لِي حِمَارِي. قَالَ الشَّعْبِيُّ فَأَنَا رَأَيْتُ الْحِمَارَ بِيعَ أَوْ يُبَاعُ بِالْكُنَاسَةِ مَوْضِعٍ مَشْهُورٍ بِالْكُوفَةِ [ (4) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ: أَنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ رَجُلٌ مِنَ النَّخَعِ، يُقَالُ لَهُ: نُبَاتَةُ بْنُ يَزِيدَ، خَرَجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ غَازِيًا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسِرِّ عَمِيرَةَ نَفَقَ حِمَارُهُ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَبَاعَهُ بَعْدُ بِالْكُنَاسَةِ، فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعَ حِمَارًا أَحْيَاهُ اللهُ لَكَ! قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِهِ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ، فَحَفِظْتُ هَذَا الْبَيْتَ: وَمَنَّا الَّذِي أَحْيَا الْإِلَهُ حِمَارَهُ* وَقَدْ مَاتَ مِنْهُ كل عضو ومفصل [ (5) ]
باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم التي أحيا الله تعالى بدعائها ولدها بعد ما مات، وما جاء في الكرامات التي ظهرت على العلاء بن الحضرمي وأصحابه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجِرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَحْيَا اللهُ تَعَالَى بِدُعَائِهَا وَلَدَهَا بَعْدَ مَا مَاتَ، وَمَا جَاءَ فِي الْكَرَامَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَأَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرُو بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي الدُّمَيْكِ بِبَغْدَادَ، (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: عُدْنَا شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ وَعِنْدَهُ أُمٌّ لَهُ عَجُوزٌ عَمْيَاءُ، قَالَ: فَمَا بَرِحْنَا أَنْ فَاضَ، يَعْنِي: مَاتَ، وَمَدَدْنَا عَلَى وَجْهِهِ الثَّوْبَ، وَقُلْنَا لِأُمِّهِ: يا هذه احْتَسِبِي مُصَابَكِ عِنْدَ اللهِ، قَالَتْ: أَمَاتَ ابْنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمَ أَنِّي هَاجَرْتُ إِلَيْكَ وَإِلَى نَبِيِّكَ رَجَاءَ أَنْ تُعِينَنِي عِنْدَ كُلِّ شَدِيدَةٍ فَلَا تَحْمِلْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ الْيَوْمَ. قَالَ أنس: فو الله مَا بَرِحْتُ حَتَّى كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَطَعِمَ وَطَعِمْنَا مَعَهُ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ: أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خداس بْنِ عَجْلَانَ الْمُهَلَّبِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بن
إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: عُدْتُ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ مَاتَ، فَأَغْمَضْنَاهُ وَمَدَدْنَا عَلَيْهِ الثَّوْبَ، قَالَ بَعْضُنَا لِأُمِّهِ: احْتَسِبِيهِ، قَالَتْ: وَقَدْ مَاتَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَتْ أَحَقٌّ مَا تَقُولُونَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَمَدَّتْ يَدَيْهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: اللهُمَّ إِنِّي آمَنْتُ بِكَ، وَهَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِكَ، فَإِذَا نَزَلَتْ بِي شَدِيدَةٌ دَعَوْتُكَ فَفَرَّجْتَهَا، فَأَسْأَلُكَ اللهُمَّ لَا تَحْمِلْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ الْيَوْمَ، قَالَ: فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى أَكَلْنَا وَأَكَلَ مَعَنَا [ (2) ] . صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُرِّيُّ [ (3) ] مِنْ صَالِحِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُصَّاصِهِمْ، تَفَرَّدَ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ عَنْ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ مُرْسَلًا بَيْنَ ابْنِ عَوْفٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو اللَّيْثِ سهل بْنُ مُعَاذٍ التَّمِيمِيُّ بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ إِدْرِيسُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا لَوْ كَانُوا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَا تَقَاسَمَتْهَا الْأُمَمُ، لَكَانَ عَجَبًا، قُلْنَ: مَا هُنَّ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: كُنَّا فِي الصُّفَّةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مُهَاجِرَةٌ وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا قَدْ بَلَغَ، فَأَضَافَ الْمَرْأَةَ إِلَى النِّسَاءِ، وَأَضَافَ ابْنَهَا إِلَيْنَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَهُ وَبَاءُ الْمَدِينَةِ، فَمَرِضَ أَيَّامًا ثُمَّ قُبِضَ، فَغَمَّضَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وأمر بِجَهَازِهِ، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُغَسِّلَهُ، قَالَ: يَا أَنَسُ ائْتِ أُمَّهُ، فَأَعْلِمَهَا، قَالَ: فَأَعْلَمْتُهَا، فَجَاءَتْ حَتَّى جَلَسَتْ عِنْدَ [ (4) ] قَدَمَيْهِ فَأَخَذَتْ بِهِمَا، ثُمَّ قَالَتِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ لَكَ طَوْعًا وَخَلَعْتُ الْأَوْثَانَ زُهْدًا، وَهَاجَرْتُ إِلَيْكَ رَغْبَةً، اللهُمَّ لَا تُشَمِّتْ بِي عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ مَا لَا طَاقَةَ لِي بحملها، قال: فو الله مَا تَقَضَّى كَلَامُهَا حَتَّى حَرَّكَ قَدَمَيْهِ، وَأَلْقَى الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعَاشَ حَتَّى قبض الله رسول صلى الله عليه وسلم، وَحَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ. قَالَ: ثُمَّ جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعْنِي جَيْشًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: وَكُنْتُ فِي غَزَاتِهِ، فَأَتَيْنَا مَغَازِيَنَا فَوَجَدْنَا الْقَوْمَ قَدْ نَذَرُوا بِنَا فَعَفَوْا آثَارَ الْمَاءِ، قَالَ: وَالْحَرُّ شَدِيدٌ، فَجَهَدَنَا الْعَطَشُ، وَدَوَابَّنَا، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: فَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ لِغُرُبِهَا صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا [قَالَ] [ (5) ] فو الله مَا حَطَّ يَدَهُ حَتَّى بَعَثَ اللهُ رِيحًا، وَأَنْشَأَ سَحَابًا، فَأَفْرَغَتْ حَتَّى مَلَأْتِ الْغُدُرَ وَالشِّعَابَ، فَشَرِبْنَا، وَسَقَيْنَا، وَاسْتَقَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا عَدُوَّنَا وَقَدْ جَاوَزُوا خَلِيجًا فِي الْبَحْرِ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَوَقَفَ عَلَى الْخَلِيجِ، وَقَالَ: يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ، ثُمَّ قَالَ: أَجِيزُوا بِاسْمِ اللهِ، قَالَ: فَأَجَزْنَا مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَأَصَبْنَا الْعَدُوَّ غِيلَةً، فَقَتَلْنَا، وَأَسَرْنَا، وَسَبَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا الْخَلِيجَ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَجَزْنَا مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يسير حتى رؤي فِي دَفْنِهِ، قَالَ: فَحَفَرْنَا لَهُ وَغَسَّلْنَاهُ وَدَفَنَّاهُ، فَأَتَى رَجُلٌ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنْ دَفْنِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْنَا: هَذَا خَيْرُ الْبَشَرِ، هَذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَلْفِظُ الْمَوْتَى، فَلَوْ نَقَلْتُمُوهُ إِلَى مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ إِلَى أرض
تَقْبَلُ الْمَوْتَى، فَقُلْنَا مَا جَزَاءُ صَاحِبِنَا أَنْ تُعَرِّضَهُ لِلْسِبَاعِ تَأْكُلُهُ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عَلَى نَبْشِهِ، قَالَ: فَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى اللَّحْدِ إِذَا صَاحِبُنَا لَيْسَ فِيهِ، وَإِذَا اللَّحْدُ مَدُّ الْبَصَرِ، نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، قَالَ: فَأَعَدْنَا التُّرَابَ إِلَى الْقَبْرِ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَاسْتِسْقَائِهِمْ [ (6) ] وَمَشْيِهِمْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ قِصَّةِ الْمَوْتِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا، وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ: يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ يَا عَظِيمُ يَا عَلِيُّ، وَهُوَ فِي الثَّانِي مِنْ كِتَابِ التَّارِيخِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَهْمِ بْنِ منجاب، عن سهم ابن مِنْجَابٍ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَذَكَرَهُ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ: يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ، يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ وَفِي سَبِيلِكَ نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، فَاسْقِنَا غَيْثًا نَشْرَبُ مِنْهُ وَنَتَوَضَّأُ، وَإِذَا تَرَكْنَاهُ فَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ نَصِيبًا غَيْرَنَا، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: فَاجْعَلْ لَنَا سَبِيلًا إِلَى عَدُوِّكَ، وَقَالَ فِي الْمَوْتِ: اخْفِ جُثَّتِي وَلَا تُطْلِعْ عَلَى عَوْرَتِي أَحَدًا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ [ (7) ] . أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ بِشْرَانَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، فَذَكَرَ بَعْضَ مَعْنَاهُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ مَادَّةٌ، وَالْأَعَاجِمُ خَلْفَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: بِسْمِ
اللهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ فَرَسَهُ، فَانْدَفَعَ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ النَّاسُ [ (8) ] بِسْمِ اللهِ، ثُمَّ اقْتَحَمُوا فَارْتَفَعُوا عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ، قَالُوا: دِيوَانٌ دِيوَانٌ، ثُمَّ ذَهَبُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ فَمَا فَقَدُوا إِلَّا قَدَحًا كَانَ مُعَلَّقًا بِعَذَبَةِ سَرْجٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَصَابُوا الْغَنَائِمَ فَاقْتَسَمُوهَا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ: مَنْ يُبَادِلُ صَفْرَاءَ بِبَيْضَاءَ [ (9) ] . قُلْتُ: كُلُّ هَذَا يَرْجِعُ إِلَى إِكْرَامِ اللهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ وَإِعْزَازَهُ دِينَهُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقَهُ مَا وَعْدَهُ مِنْ إِظْهَارِهِ وَإِظْهَارِ شَرِيعَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن سهيل، وهارون ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى الدِّجْلَةِ وَهِيَ تَرْمِي الْخَشَبَ مِنْ مَدِّهَا، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ وَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَنَدْعُوَ اللهَ. هذا إسناد صحيح [ (10) ] .
باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة والقائمين بعده بالخلافة، والرواية في ذلك صحيحة ثابتة وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الْمَيِّتِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ وَالْقَائِمِينَ بَعْدَهُ بِالْخِلَافَةِ، وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ محمد بن عمر وكِشْمِرْدُ، أَنْبَأَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيَّ ثَمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَسَجَّى فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ أَنَّهُمْ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الضَّعِيفُ فِي نَفْسِهِ الْقَوِيُّ فِي أَمْرِ اللهِ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتِ اثْنَتَانِ أَتَتِ الْفِتَنُ وَأَكَلَ الشَّدِيدُ الضَّعِيفَ، وَقَامَتِ السَّاعَةُ وَسَيَأْتِيكُمْ مِنْ جَيْشِكُمْ خَبَرُ بِئْرِ أَرِيسَ وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ [ (1) ] . قَالَ يَحْيَى: قَالَ سَعِيدٌ: ثُمَّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ خَطْمَةَ فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ فَسُمِعَ جَلْجَلَةٌ فِي صَدْرِهِ ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صَدَقَ صَدَقَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا قُرَيْشُ بْنُ
الْحَسَنِ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عبد الرحمن ابن يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابن أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: جَاءَنَا يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى حَلْقَةِ الْقَاسِمِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكِتَابِ أَبِيهِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ أَبِي هَاشِمٍ، سَلَامٌ عَلَيْكِ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكِ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَإِنَّكِ كَتَبْتِ إِلَيَّ لِأَكْتُبَ إِلَيْكِ بِشَأْنِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَجَعٌ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصَحِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَتُوُفِّيَ بَيْنَ صَلَاةِ الْأُولَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَأَضْجَعْنَاهُ لِظَهْرِهِ وَغَشَّيْنَاهُ بُرْدَيْنِ وَكِسَاءً فَأَتَانِي آتٍ فِي مَقَامِي وَأَنَا أُسَبِّحُ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: إِنَّ زَيْدًا قَدْ تَكَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا وَقَدْ حَضَرَهُ قَوْمٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَقُولُ أَوْ يُقَالُ عَلَى لِسَانِ الْأَوْسَطِ أَجْلَدُ الْقَوْمِ الَّذِي كَانَ لَا يُبَالِي فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَوْمَةَ لَائِمٍ، كَانَ لَا يَأْمُرُ النَّاسَ أَنْ يَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، عَبْدُ اللهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَدَقَ صَدَقَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ يُعَافِي النَّاسَ مِنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، خَلَتْ لَيْلَتَانِ وَهِيَ أَرْبَعٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَا نِظَامَ، وَأُبِيحَتِ الْأَحْمَاءُ، ثُمَّ ارْعَوَى الْمُؤْمِنُونَ، وَقَالُوا: كِتَابُ اللهِ وَقَدَرُهُ أَيُّهَا النَّاسُ أَقْبِلُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَمَنْ تَوَلَّى فَلَا يَعْهَدَنَّ ذَمًّا كَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا اللهُ أَكْبَرُ هَذِهِ الْجَنَّةُ وَهَذِهِ النَّارُ [هَؤُلَاءِ] [ (2) ] وَالنَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ هَلْ أَحْسَسْتَ لِي خَارِجَةَ لِأَبِيهِ، وَسَعْدًا اللَّذَيْنِ قُتِلَا يَوْمَ أُحُدٍ كَلَّا إِنَّها لَظى، نَزَّاعَةً لِلشَّوى، تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، وَجَمَعَ فَأَوْعى [ (3) ] ، ثُمَّ خَفَضَ صَوْتَهُ فَسَأَلْتُ الرَّهْطَ عَمَّا سَبَقَنِي مِنْ كلامه، فقالوا:
سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَنْصِتُوا أَنْصِتُوا فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَإِذَا الصَّوْتُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ، فَكَشَفْنَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ رَسُولِ اللهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْأَمِينُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ كَانَ ضَعِيفًا فِي جِسْمِهِ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللهِ صَدَقَ صَدَقَ وَكَانَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ، وَمَعْنَاهُ زَادَ فِي وَسَطِ الْحَدِيثِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى تَمَامِ سَنَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ إِمَارَةِ عُثْمَانَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَأَمَّا قَوْلُهُ خَلَتْ لَيْلَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ فَالسَّنَتَانِ اللَّتَانِ خَلَتَا مِنْ إِمَارَةِ عُثْمَانَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَحْفَظُ الْعِدَّةَ الْأَرْبَعَ الْبَوَاقِيَ، وَأَتَوَقَّعُ مَا هُوَ كَائِنٌ فيهنّ، فكان فيهنّ انتزاع أَهْلِ الْعِرَاقِ وَخِلَافُهُمْ وَإِرْجَافُ الْمُرْجِفِينَ وَطَعْنُهُمْ عَلَى أَمِيرِهِمُ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَالسَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. قُلْتُ [ (5) ] : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ حَبِيبِ [بْنِ سَالِمِ عَنِ النُّعْمَانِ] [ (6) ] بْنِ بَشِيرٍ وَذَكَرَ فِيهِ بِئْرَ أَرِيسَ كَمَا ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْأَمْرُ فِيهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ خِلَافَتِهِ سِتُّ سِنِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَتْ عُمَّالٌ وَظَهَرَتْ أَسْبَابُ الْفِتَنِ كَمَا قِيلَ عَلَى لِسَانِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّارِيخِ: زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الموت [ (7) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَهُ وَقَدْ رُوِيَ فِي التَّكَلُّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ جَمَاعَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَتْلَى مُسَيْلِمَةَ تَكَلَّمَ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عُثْمَانُ الْأَمِينُ الرَّحِيمُ لَا أَدْرِي أَيْشِ قَالَ لِعُمَرَ. وَقَدْ أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عُمَرَ، وحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَنْبَأَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: بَيْنَمَا هُمْ يُصَوِّرُونَ الْقَتْلَى يَوْمَ صِفِّينَ أَوْ يَوْمَ الْجَمَلِ إِذْ تَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْقَتْلَى، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عُمَرُ الشَّهِيدُ، عُثْمَانُ الرَّحِيمُ، ثُمَّ سَكَتَ. خَالِدٌ الطَّحَّانُ أَحْفَظُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وأوثق والله أعلم [ (8) ] .
باب ما جاء في شهادة الرضيع والأبكم لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة إن صحت فيه الرواية.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الرَّضِيعِ وَالْأَبْكَمِ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ إِنْ صَحَّتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، حَدَّثَنَا شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ- وَانْصَرَفْنَا مِنْ عَدَنَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا لحردة- قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَرِّضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُعَرِّضِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ الْيَمَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ مِثْلُ دَارَةِ الْقَمَرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا: جَاءَهُ رَجُلٌ بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلَامُ! مَنْ أَنَا؟» قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ! قَالَ: «صَدَقْتَ بَارَكَ اللهُ فِيكَ» ، ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى شَبَّ، قَالَ: قَالَ أَبِي: فَكُنَّا نُسَمِيهِ: «مُبَارَكُ الْيَمَامَةِ» . قَالَ: شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ: وَقَدْ كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى مَعْمَرٍ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدَ، أنبأنا أبو الحسين
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ بِثَغْرِ صَيْدَا، أَنْبَأَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَحْبُوبِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدٍ أَبُو الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَدِّي شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَرِّضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، [عَنْ أَبِيهِ] [ (2) ] ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَوَجْهُهُ كَدَارَةِ الْقَمَرِ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ، وَقَدْ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلَامُ! مَنْ أَنَا» ؟ فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللهُ فِيكَ، ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا [ (3) ] . وَرَوَاهُ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْقَزْوِينِيُّ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَحْبُوبِ بْنِ شَاصُونَةَ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ [ (4) ] : وَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ الْيَمَنَ دَخَلْتُ حَرْدَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَوَجَدْتُ فِيهَا لِشَاصُونَةَ أَعْقَابًا، وَحُمِلْتُ إِلَى قَبْرِهِ فَزُرْتُهُ. قُلْتُ [ (5) ] : وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ الْكُوفِيِّينَ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ بِخِلَافِهِ فِي وَقْتِ الْكَلَامِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَبْسِيُّ، أَنْبَأَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمِرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
أُتِيَ بِصَبِيٍّ قَدْ شَبَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمِرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ تَحَرَّكَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ مُنْذُ وُلِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْنِيهِ» ، فَأَدْنَتْهُ مِنْهُ، فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟» فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ الله [ (6) ] .
باب ما جاء في تسبيح الطعام الذي كانوا يأكلونه مع نبينا [محمد] [1] صلى الله عليه وسلم وما في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْبِيحِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ مَعَ نَبِيِّنَا [مُحَمَّدٍ] [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عبد الله حدثني [ (2) ] الحسن ابن سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَعُدُّونَ الْآيَاتِ عَذَابًا، وَكُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «حي على الطهور الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ السَّمَاءِ» ، حَتَّى تَوَضَّأْنَا كُلُّنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا حَاضِرُ بْنُ مُظَهَّرٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ أَوْ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَيْهِ بِآيَةِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُمَا بَيْنَمَا هُمَا يَأْكُلَانِ مِنْ صَحْفَةٍ إِذَا سَبَّحَتْ وَمَا فِيهَا، أَوْ بِمَا فِيهَا، [فَانْظُرْ هَذِهِ الْكَرَامَةَ] [ (4) ] .
باب ما جاء في تسبيح الحصيات في كف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في كف بعض أصحابه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَيَاتِ فِي كَفِّ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ فِي كَفِّ بَعْضِ أَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ [ (1) ] ، حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَنْبَأَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ [ (2) ] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: سُوَيْدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ، كُنْتُ رَجُلًا أَتَتَبَّعُ خَلَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَوْمًا جَالِسًا وَحْدَهُ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَسَلَّمَ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ عُمَرَ، وبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، أَوْ قَالَ: تِسْعُ حَصَيَاتٍ، فَأَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي كَفِّهِ، فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتَ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سمعت لهن حنينا كحنين النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ
عُمَرَ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ» [ (3) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَصَالِحٌ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرِ السِّنِّ كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبْذَةِ ذَكَرَ لَهُ فَذَكَرَ هذا الحديث عن أبي ذر.
باب ما جاء في حنين الجذع الذي كان يخطب عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاوزه إلى المنبر، وقد مضى بعض طرقه عند [ذكر] [1] اتخاذ المنبر وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَنِينِ الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم حِينَ جَاوَزَهُ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُ طُرُقِهِ عِنْدَ [ذِكْرِ] [ (1) ] اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ فَاجْعَلُوهُ، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، كَانَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسْكِتُهُ قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عُبَيْدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْقَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرَ حَنَّ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ، فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَفْصِ بْنِ [ (3) ] الْعَلَاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ سَالِمٍ أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ [ (4) ] إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتُسْمِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ هِيَ اللَّاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ وُضِعَ مَوْضِعُهُ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَدَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبُ عَلَيْهِ، فَمَرَّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ ذَلِكَ الْجِذْعَ الَّذِي كان يخطب إِلَيْهِ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ [ (5) ] ، وَعَادَ رُفَاتًا [ (6) ] .
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ [ (7) ] وَفِي حَدِيثِ الرَّقِّيِّ زِيَادَةُ أَحْرُفٍ [وَنُقْصَانُ أَحْرُفٍ] [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّازِيَّ، قَالَ: قَالَ أَبِي: قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-: مَا أَعْطَى اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى هيّء لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ، فَهَذَا أكبر من ذاك.
باب [ما جاء في] [1] وجود رائحة الطيب من كل طريق سلكه نبينا صلى الله عليه وسلم وسجود الحجر والشجر الذي يمر عليه له ومجه مسكا أو أطيب من المسك في الدلو الذي [كان] [2] يشرب منه.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] [ (1) ] وُجُودِ رَائِحَةِ الطِّيبِ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ سَلَكَهُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَسُجُودِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ لَهُ وَمَجِّهِ مِسْكًا أَوْ أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ فِي الدَّلْوِ الَّذِي [كَانَ] [ (2) ] يَشْرَبُ مِنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنْبَأَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدثنا إسحاق ابن الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِصَالٌ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقٍ فَيَتْبَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ سَلَكَهُ مِنْ طِيبِ عرقه أَوْ رِيحِ عَرَقِهِ- الشَّكُّ مِنْ إِسْحَاقَ- وَلَمْ يَكُنْ مَرَّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تَمَضْمَضَ مِنْ دَلْوٍ مَجَّ فِيهِ مِسْكًا أَوْ أَطْيَبَ مِنْ مِسْكٍ، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ اسْتَنْثَرَ خَارِجًا مِنْهُ. وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ فِي طِيبِهِ قَدْ مَضَتْ فِي بَابِ صفة عرقه [ (3) ] .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عُلْوَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْغَائِطَ دَخَلْتُ فِي أَثَرِهِ، فَلَا أَرَى شَيْئًا إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَشُمُّ رَائِحَةَ الطِّيبِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ! أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ أَجْسَادَنَا نَبَتَتْ عَلَى أَرْوَاحِ أَهْلِ الْجَنَّةَ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَهَذَا مِنْ مَوْضُوعَاتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْمَشْهُورَةِ فِي مُعْجِزَاتِهِ كِفَايَةٌ عَنْ كَذِبِ ابْنِ عُلْوَانَ [ (4) ] .
باب ما جاء في تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لعمه العباس - رضي الله عنه - ولبني عمه إن صحت الرواية.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَأْمِينِ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ وَحَوَائِطِ الْبَيْتِ عَلَى دُعَاءِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلِبَنِي عَمِّهِ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ [ (1) ] ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ الْوَقَّاصِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو محمد عبد الله بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو قتيبة مسلم ابن الْفَضْلِ الْبَغْدَادِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّي مَالِكُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَا أَبَا الْفَضْلِ لَا تَرُمْ مَنْزِلَكَ غَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ حَتَّى آتِيَكُمْ فَإِنَّ لِي فِيكُمْ حَاجَةً، فَانْتَظَرُوهُ حَتَّى جَاءَ بَعْدَ مَا أَضْحَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالُوا: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالُوا: أَصْبَحْنَا بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا وَأَمِّنَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ أَحْمَدُ اللهَ، فَقَالَ: تَقَارَبُوا، تَقَارَبُوا، تَقَارَبُوا، يَزْحَفُ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى إِذَا أَمْكَنُوهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بِمُلَاءَتِهِ، وَقَالَ: يا رب هذا
عَمِّي وَصَفْوُ أَبِي، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِي هَذِهِ قَالَ: فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ، فَقَالَتْ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ [ (2) ] . لَفْظُ حَدِيثِ الْهَرَوِيِّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ الْوَقَّاصِيُّ هَذَا، وَهُوَ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْهُ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ: لا أعرفه.
باب ما جاء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وراء ظهره.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هل ترون قبلتي ها هنا، فو الله مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمْ إِنِّي لَأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (1) ] . قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ قَوْلَهُ: إِنِّي لَأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي كَرَامَةً مِنَ اللهِ [تَعَالَى] [ (2) ] ، أَبَانَهُ بِهَا من خلقه.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَمَامَكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي فِي الرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، ولا ترفعوا رؤوسكم فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي، وَمِنْ خَلْفِي، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ [آخَرَ] [ (3) ] عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ (5) ] ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَرَى مَنْ خَلْفَهُ مِنَ الصُّفُوفِ كَمَا يَرَى مَنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [ (6) ] . وَرَوَى زُهَيْرُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ محمد بن المغيرة [ (7) ] ، عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، قالت:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى فِي الظَّلْمَاءِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوْءِ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا ابْنُ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ عُبَادَةَ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (9) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمَّارٍ الشَّهِيدُ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى بِاللَّيْلِ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يَرَى بِالنَّهَارِ [مِنَ الضَّوْءِ] [ (10) ] .
باب ما جاء في البرقة التي برقت لابني ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجا من عنده حتى مشيا في ضوئها كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَرْقَةِ الَّتِي بَرَقَتْ لِابْنَيِ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا كَرَامَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا كَامِلُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْعِشَاءَ، فَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَلَى ظَهْرِهِ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا وَضْعًا رَفِيقًا، فَإِذَا عَادَ عَادَا، فَلَمَّا صلى جعل واحدا ها هنا وواحدا ها هنا، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا أَذْهَبُ بِهِمَا إِلَى أُمِّهِمَا [قَالَ: لَا] [ (1) ] فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَقَالَ: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا، فَمَا زَالَا يَمْشِيَانِ فِي ضَوْئِهَا حَتَّى دَخَلَا [ (2) ] .
باب ما جاء في إضاءة عصى الرجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى خرجا من عنده في ليلة مظلمة حتى مشيا في ضوئها كرامة لنبي الله صلى الله عليه وسلم، وما روي في إضاءة عصى أبي عبس، ثم ما جاء في إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي حتى جمعوا ظهورهم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِضَاءَةِ عَصَى الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا كَرَامَةً لِنَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَمَا رُوِيَ فِي إِضَاءَةِ عَصَى أَبِي عَبْسٍ، ثُمَّ مَا جَاءَ فِي إِضَاءَةِ أَصَابِعِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ حَتَّى جَمَعُوا ظُهُورَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أنس ابن مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ مُعَاذٍ [ (1) ] . قَالَ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ مَعْمَرٌ- يَعْنِي- مَا أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أن أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ [ (2) ] تحدثا عند
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُمَا، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ وَلَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ [ (3) ] . قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يَعْنِي مَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَتَحَدَّثَا عِنْدَهُ حَتَّى إِذَا خَرَجَا أَضَاءَتْ لَهُمَا عَصَا أَحَدِهِمَا فَمَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، فَلَمَّا تَفَرَّقَ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصَاهُ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا [ (4) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا [ (5) ] مَيْمُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَبْسٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ أَبَا عَبْسٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ، فَخَرَجَ لَيْلَةً مُظْلِمَةً مَطِيرَةً فَنُوِّرَ لَهُ فِي عَصَاهُ
حَتَّى دَخَلَ دَارَ بَنِي حَارِثَةَ [ (6) ] . قُلْتُ: وَكَانَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البخاري، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَتَفَرَّقْنَا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حتى جمعوا عليها ظهرهم، وَمَا هَلَكَ مِنْهُمْ، وَإِنَّ أَصَابِعِي لَتُنِيرُ. وَفِي رِوَايَةِ السُّلَمِيِّ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: نَفَرَتْ دَوَابُّنَا فِي سَفَرٍ ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ إِصْبَعِي حَتَّى جمعوا عليها ظهرهم وَإِنَّ إِصْبَعِي لَتُنِيرُ [ (7) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرُو بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّقْرِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: تَفَرَّقْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حَتَّى جَمَعُوا عَلَيْهَا ظهرهم، وما هلك منهم، وَإِنَّ أَصَابِعِي لَتُنِيرُهُ [وَاللهُ تعالى أعلم] [ (8) ] .
باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري رضي الله عنه شرفا للمصطفى صلى الله عليه وسلم وتنويها باسم من آمن به
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَرَامَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَرَفًا لِلْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْوِيهًا بِاسْمِ مَنْ آمَنَ بِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْمَلٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَبِثْتُ فِي الْمَسْجِدِ ثَلَاثًا لَا أَطْعَمُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَائِبٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْمَلٍ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى خَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَانْزِلْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِمِيُّ إِذَا صَلَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَأَخَذَ رَجُلَيْنِ فَذَهَبَ بِهِمَا، فَصَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَضَرَبَ يَدَهُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَذَهَبَ بِي، فَأُتِينَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلْتُ أَكْلًا شَدِيدًا وَمَا شَبِعْتُ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ خَرَجَتْ نَارٌ بِالْحَرَّةِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تَمِيمٍ فَقَالَ: قُمْ إِلَى هَذِهِ النَّارِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَمَنْ أَنَا وَمَا أَنَا، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ، قَالَ: وَتَبِعْتُهُمَا فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ فَجَعَلَ تَمِيمٌ يَحُوشُهُمَا بِيَدِهِ حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ، وَدَخَلَ تَمِيمٌ خَلْفَهَا، قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ. قَالَهَا ثَلَاثًا. لفظ حديث الصغاني [ (1) ] .
باب ما جاء في التمثال الذي وضع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذهبه الله عز وجل [1] .
بَابُ مَا جَاءَ فِي التِّمْثَالِ الَّذِي وَضَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى اللَّخْمِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللهِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْنُسٍ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ فَوَضَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَأَذْهَبَهُ الله عز وجل [ (2) ] .
جماع أبواب دعوات نبينا صلى الله عليه وسلم المستجابة في الأطعمة والأشربة وبركاته التي ظهرت فيما دعا فيه وغير ذلك من دعواته على طريق الاختصار فلا سبيل إلى نقل جميعها لما فيه من الإكثار.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ دَعَوَاتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمُسْتَجَابَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَبَرَكَاتِهِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِيمَا دَعَا فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَعَوَاتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى نَقْلِ جَمِيعِهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِكْثَارِ.
باب ما جاء في ظهور بركته في الشاة التي لم يكن فيها لبن حتى نزل لها لبن، وقد مضى ذلك في ذكر نزوله بمخيمتي أم معبد [1] ونزوله قبل ذلك بالأغنام التي كان يرعاها ابن أم معبد.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ظُهُورِ بَرَكَتِهِ فِي الشَّاةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَبَنٌ حَتَّى نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ في ذكر نزوله بمخيمتي أُمِّ مَعْبَدٍ [ (1) ] وَنُزُولِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْأَغْنَامِ الَّتِي كَانَ يَرَعَاهَا ابْنُ أُمِّ مَعْبَدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: [ (2) ] . كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا فِي غَنَمٍ لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَرْعَاهَا فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ هَلْ عِنْدَكَ لَبَنٌ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ، قال: «ائتني بِشَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ» ، فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ ضَرْعَهَا وَيَدْعُو حَتَّى أَنْزَلَتْ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصُحَيْفَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: اشْرَبْ فَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ، ثم قال للضرع: قلص فَقَلَصَ، فَعَادَ كَمَا كَانَ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: «إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» ، قَالَ: فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ
سُورَةً مَا نَازَعَنِيهَا بَشَرٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: جِئْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي قَدْ كَادَتْ تَذْهَبُ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ [ (3) ] ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقْبَلُنَا أَحَدٌ [ (4) ] حَتَّى انْطَلَقَ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَحْلِهِ وَلِآلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَعْنُزٍ يَحْتَلِبُونَهَا، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَزِّعُ اللَّبَنَ بَيْنَنَا، وَكُنَّا نَرْفَعُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نصيبه فيجيء فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُ الْيَقْظَانَ، وَلَا يُوقِظُ النَّائِمَ، فَقَالَ لِي الشَّيْطَانُ لَوْ شَرِبْتَ هَذِهِ الْجَرْعَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فيحتفونه فَمَا زَالَ حَتَّى شَرِبْتُهَا، فَلَمَّا شَرِبْتُهَا نَدَمَنِي، وَقَالَ: مَا صَنَعْتَ يَجِيءُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَجِدُ شَرَابَهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلَكَ، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَشَرِبَا شَرَابَهُمَا وَنَامَا، وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ يَأْخُذْنِي النَّوْمُ وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ لِي إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي بَدَتْ فِيهَا قَدَمَايَ، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ بَدَا رَأْسِي، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يَجِيءُ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُصَلِّيَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى شَرَابِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ يَدْعُو الْآنَ عَلَيَّ فَأَهْلِكُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي، فَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ وَأَخَذْتُ الشَّمْلَةَ وَانْطَلَقْتُ إِلَى الْأَعْنُزِ أَجُسُّهُنَّ أَيُّهُنَّ أَسْمَنُ كَيْ أَذْبَحَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ فَأَخَذْتُ إِنَاءً لِآلِ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ، فَحَلَبْتُ حَتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، ثُمَّ ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ لِي إِحْدَى سَوْآتِكَ [ (5) ] يَا مقداد، فأنشأت
أُخْبِرُهُ بِمَا صَنَعْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَتْ إِلَّا رَحْمَةً مِنَ اللهِ [ (6) ] لَوْ كُنْتَ أَيْقَظْتَ صَاحِبَيْكَ فَأَصَابَا مِنْهَا» فَقُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبْتَهَا أَنْتَ وَأَصَبْتُ فَضْلَتَكَ مَنْ أَخْطَأْتُ مِنَ النَّاسِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ من حديث شَبَابَةَ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ الاسفرائني، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْمُهَاجِرُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَزْوَاجِهِ أَوْ إِلَى أَبْيَاتِهِ التِّسْعَةِ يَطْلُبُ طَعَامًا وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ فَنَظَرَ إِلَى عَنَاقٍ فِي الدَّارِ مَا نُتِجَتْ شَيْئًا قَطُّ، فَمَسَحَ مَكَانَ الضَّرْعِ: فَدَفَعْتُ بِضَرْعٍ مُدَلًّى بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَ: فَدَعَا بِقَعْبٍ فَحَلَبَ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَبْيَاتِهِ قَعْبًا ثُمَّ قَعْبًا، ثُمَّ حَلَبَ فَشَرِبَ وَشَرِبُوا، قَالَ عَلِيٌّ لَمْ يَذْكُرْ لَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا به مرسلا.
باب ما جاء في دعائه لأهله وهو يريد نفسه ومن في نفقته بالكفاف من الرزق فرزقوا ذلك وصبروا عليه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِأَهْلِهِ وَهُوَ يُرِيدُ نَفْسَهُ وَمَنْ فِي نَفَقَتِهِ بِالْكَفَافِ مِنَ الرِّزْقِ فَرُزِقُوا ذَلِكَ وَصَبَرُوا عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَجَاءٍ الْأَدِيبُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (1) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ كَيْفَ كَانَ عيشهم.
باب ما جاء في دعوة أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في طعامه ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ في طَعَامِهِ بِبَرَكَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَنَا مَالِكٌ (ح) . وَأَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ الإسفرائني بِهَا، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ [ (1) ] فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خمارا لها فلفّت الخبر بِبَعْضِهِ- زَادَ يَحْيَى: ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي. وَرَدَّتْنِي [ (2) ] بِبَعْضِهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ لَقَدْ جَاءَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «هَلُمِّي. مَا عِنْدَكِ. يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» ! فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا [ (3) ] فَأَدَمَتْهُ [ (4) ] ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا- زَادَ قُتَيْبَةُ: ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى: ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقُتَيْبَةَ وَحَدِيثُ الشَّافِعِيِّ مُخْتَصَرٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (6) ] أَبُو الحسن: علي بن محمد ابن سَخْتَوَيْهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدَيَّ وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ وَزَادَ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَأَرْسَلَكِ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ، نَعَمْ، فَقَالَ: بِطَعَامٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِيَ نَحْوَ حَدِيثِ يَحْيَى [بْنِ يَحْيَى] [ (7) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ طَعَامًا، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: قُومُوا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا صَنَعْتُ شَيْئًا لَكَ، فَقَالَ: فَمَسَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةَ، وَقَالَ: أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي عَشَرَةً [وَقَالَ كُلُوا وَأَخْرَجَ لَهُ شَيْئًا بَيْنَ أَصَابِعِهِ] [ (8) ] فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَخَرَجُوا وَقَالَ: أَدْخِلْ عَشَرَةً، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا، فَمَا زَالَ يَدْخُلُ عَشَرَةٌ وَيَخْرُجُ عَشَرَةٌ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ، فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، قَالَ: ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي شيبة، وأخرجه أيضا من
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى [ (10) ] ، وَيَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عبد الله ابن أَبِي طَلْحَةَ، وَعَمْرِو بْنِ عبد الله بن أبي طَلْحَةَ، ويَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَأَفْضَلُوا مَا بَلَغَ جِيرَانَهُمْ [ (11) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اذْهَبْ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَغَدَّا عِنْدَنَا فَافْعَلْ، فَقَالَ: وَمَنْ عِنْدِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجِئْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا مُدْهَشٌ لِمَنْ أَقْبَلَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا صَنَعْتَ يَا أَنَسُ! فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَهَذَا غَدَاؤُكَ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكِ سَمْنٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَدْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عُكَّةٌ، وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ، قَالَ: فَأَتَيْتُهَا، قَالَ: فَجِئْتُهُ بِهَا، فَفَتَحَ رِبَاطَهَا، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ عَظِّمْ فِيهِ الْبَرَكَةَ، فَقَالَ: اقْلِبِيهَا فاقلبتها فَعَصَرَهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُسَمِّي، فَأَخَذَتْ تَقَعُ فَأَكَلَ مِنْهَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، فَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلٌ فَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: كُلِي وَأَطْعِمِي جِيرَانَكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ [ (12) ] عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، وَفِي الْبَابِ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وعن هشام عن
محمد بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ، وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرِ فَحَبَسَتْهُ فَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فذكرت الْحَدِيثَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، وَفِي مِثْلِ هَذَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ وَقَدْ مَضَى فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ.
باب ما جاء في القصعة التي كانت تمد من السماء وما ظهر فيها من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَصْعَةِ الَّتِي كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنُ بِشْرَانَ، الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ هُوَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَتَعَاقَبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مُنْذُ غُدْوَةٍ، يَقُومُ قَوْمٌ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِسَمُرَةَ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ، قال: قَالَ: فَمِنْ أَيْشِ تَعْجَبُ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا من ها هنا وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ. وَأَشَارَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ إِلَى السَّمَاءِ. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بن الحسين ابن نَصْرٍ الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ قَصْعَةً كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ مِنْهَا قَالَ فَكُلَّمَا شَبِعَ قَوْمٌ قَامُوا وَجَلَسَ مَكَانَهَمْ أُنَاسٌ آخَرُونَ قَالَ كَذَلِكَ إِلَى صَلَاةِ الْأُولَى، قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَمَا تُمَدُّ بِشَيْءٍ! فَقَالَ سَمُرَةُ: فَمِمَّ تَعْجَبُ لَوْ كَانَتْ تُمَدُّ بِشَيْءٍ لَمْ تَتَعَجَّبْ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ ها هنا، فَأَوْمَأَ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ كما قال [ (2) ] .
باب ما جاء في دعوة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وما ظهر في طعامه ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَا ظهر في طعامه ببركة رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إسحاق الاسفرايني، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا وَلِأَبِي بَكْرٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمَا، فَأَتَيْتُهُمَا بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي بِثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ وَقُلْتُ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ أَزِيدُهُ، فَكَأَنِّي تَغَافَلْتُ، قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي بِثَلَاثِينَ مِنْ أشراف الأنصار، فدعوتهم فجاؤوا فَقَالَ اطْعَمُوا فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي سِتِّينَ قَالَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (1) ] قَالَ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي ذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا كُلُّهُمْ مِنَ الأنصار [ (2) ] .
باب ما جاء في البركة التي ظهرت في الشاة التي اشتراها من الاعرابي
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَرَكَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الشَّاةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنَ الْأَعْرَابِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟» فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْعَانٌّ [ (1) ] طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ؟ أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةٌ؟ قَالَ: لَا بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَأَمَرَ بِهَا فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِسَوَادِ الْبَطْنِ [ (2) ] أَنْ يُشْوَى، قَالَ: وَايْمُ اللهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ إِلَّا وَقَدْ حَزَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَ لَهُ، قَالَ: وَجَعَلَ فِيهَا قَصْعَتَيْنِ فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحُمِلَتَا عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ كَمَا قال:
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [ (3) ] بْنِ مُعَاذٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَارِمٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ [ (4) ] سُلَيْمَانَ.
باب ما ظهر في النخل التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه وأطعمت من سنته من آثار النبوة، واستبرائه عند قدومه عليه، وما وصف له من حاله
بَابُ مَا ظَهْرَ فِي النَّخْلِ الَّتِي غَرَسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَطْعَمَتْ مِنْ سَنَتِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ، وَاسْتِبْرَائِهِ عِنْدَ قُدُومِهِ عَلَيْهِ، وَمَا وَصَفَ لَهُ مِنْ حَالِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا موسى ابن إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سَلْمَانَ، لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ عَلَى طَبَقٍ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ! قَالَ: إِنِّي لَا آكُلُ الصَّدَقَةَ، فَرَفَعَهَا، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهَا، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَدِيَّةٌ لَكَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. قَالُوا: لِمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لِقَوْمٍ، قَالَ: فَاطْلُبْ إِلَيْهِمْ أَنْ يُكَاتِبُوكَ، قَالَ فَكَاتَبُونِي عَلَى كَذَا وَكَذَا نَخْلَةٍ اغْرِسُهَا لَهُمْ وَيَقُومُ عَلَيْهَا سَلْمَانُ حَتَّى تُطْعِمَ، قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَرَسَ النَّخْلَ كُلَّهُ إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَأَطْعَمَ نَخْلُهُ مِنْ سَنَتِهِ إِلَّا تِلْكَ النَّخْلَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ غَرَسَهَا؟ قَالُوا: عُمَرُ، فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا [ (1) ] . وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَغْرِسُ إِلَّا وَاحِدَةً
غَرَسْتُهَا بِيَدِي فَعَلِقْنَ جَمِيعًا إِلَّا وَاحِدَةً. وَرُوِّينَا قِصَّةَ إِسْلَامِ سَلْمَانَ وَمَا سَمِعَ مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- مِنْ أَصْلِهِ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ الْكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ أَبْنَاءِ الْأَسَاوِرَةِ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الْكُتَّابِ، وَكَانَ مَعِي غُلَامَانِ إِذَا رَجَعَا مِنَ الْكُتَّابِ دَخَلَا عَلَى قِسٍّ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا فَقَالَ لَهُمَا: [ (3) ] أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ لَا تَأْتِيَانِي بِأَحَدٍ؟ قَالَ: فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ! إِذَا سَأَلَكَ أَهْلُكَ مَنْ حَبَسَكَ؟ فَقُلْ: مُعَلِّمِي، وَإِذَا سَأَلَكَ مُعَلِّمُكَ مَنْ حَبَسَكَ فَقُلْ: أَهْلِي، فَقَالَ لِي يَا سَلْمَانُ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَحَوَّلَ فَقُلْتُ: أَنَا مَعَكَ. قَالَ: فَتَحَوَّلَ وَأَتَى قَرْيَةً فَنَزَلَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ: يَا سَلْمَانُ احْتَفِرْ فَاحْتَفَرْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: صُبَّهَا عَلَى صَدْرِي، فَصَبَبْتُهَا، فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِهَا عَلَى صَدْرِهِ، وَيَقُولُ: وَيْلٌ لِلْقِسِ، فَمَاتَ. قَالَ فَنَفَخْتُ فِي بُوقِهِمْ، ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ، فَحَضَرُوهُ، قَالَ: وَهَمَمْتُ بِالْمَالِ أَنْ أَحْتَمِلَهُ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وجل صرفني عنه.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْقِسِّيسُونَ قُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالًا فَوَثَبَ شَبَابٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، فَأَخَذُوهُ، فَلَمَّا دُفِنَ قُلْتُ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ! دُلُّونِي عَلَى عَالِمٍ أَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: لَا نَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الْآنَ وَجَدْتَ حِمَارَهُ عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارٍ فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ. قَالَ: فَلَمْ أَرَهُ إِلَى الْحَوْلِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ مَا صَنَعْتَ لي؟ قال: وانك لها هنا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ يَتِيمٍ خَرَجَ فِي أَرْضِ ثُمَامَةَ، وَإِنْ تَنْطَلِقِ الْآنَ تُوَافِقْهُ وَفِيهِ ثَلَاثٌ: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةِ، وَعِنْدَ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ الْيُمْنَى خَاتَمُ نُبُوَّةٍ مِثْلُ بَيْضَةٍ لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الْآنَ تُوَافِقْهُ. فَانْطَلَقْتُ تَرْفَعُنِي أَرْضٌ وَتَخْفِضُنِي أُخْرَى حَتَّى أَصَابَنِي قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَاسْتَعْبَدُونِي فَبَاعُونِي حَتَّى وَقَعْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْعَيْشُ عَزِيزًا، فَسَأَلْتُ أَهْلِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْمًا فَفَعَلُوا [ (4) ] ، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا، وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ اسْتَوْهَبْتُ أَهْلِي يَوْمًا فَوَهَبُوا لِي يَوْمًا، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ فَبِعْتُهُ بِأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَنَعْتُ طَعَامًا فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ بِيَدِهِ: بِسْمِ اللهِ، خُذُوا، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا مَعَهُ. وَقُمْتُ إِلَى خَلْفِهِ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فَإِذَا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ كَأَنَّهُ بَيْضَةٌ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَمَا ذَاكَ أَرَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الْقِسُّ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبَرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: لَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مسلمة [ (5) ] .
باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة على لبن يسير وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ عَلَى لَبَنٍ يَسِيرٍ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَانَ يَقُولُ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ، مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ فِيهِ فَمَرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي [ (1) ] فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ، قَالَ الْحَقْ، وَمَضَى فَاتَّبَعْتُهُ، فَدَخَلَ وَاسْتَأْذَنْتُ فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ، قَالَ: أَبَا هِرٍّ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الْحَقْ بِأَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي، قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، إِذَا أَتَتْهُ صدقة يبعث
بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ. قُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، وَإِنِّي لَرَسُولٌ، فَإِذَا جَاءُوا أَمَرَنِي أَنْ أُعْطِيَهُمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى اسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: خُذْ فَأَعْطِهِمْ، فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهُ الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأَعْطِيهُ لِلْآخَرِ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، وَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ، قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ، فَقَعَدْتُ وَشَرِبْتُ فَقَالَ: اشْرَبْ، فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: اشرب فشربت، فما زال يَقُولُ فَاشْرَبْ فَأَشْرَبُ حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: فَأَرِنِي فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ، فَحَمِدَ اللهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (2) ] .
باب ما جاء في البركة التي ظهرت في الطعام الذي قدم في دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى أضيافه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَرَكَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الطَّعَامِ الَّذِي قُدِّمَ فِي دَارِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَضْيَافِهِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَرَّةً: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةٍ [ (1) ] ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ وَسَادِسٍ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ، قَالَ: فَهُوَ وَأَنَا وَأَبِي وَأُمِّي، وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ أَوْ قَالَ ضَيْفِكَ؟ قال: أو ما عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ- تَعْنِي- فَغَلَبُوهُمْ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ يَا غُنْثَرُ! فَجَدَّعَ وَسَبَّ [ (2) ] وَقَالَ كُلُوا، وَقَالَ وَاللهِ لَا
أَطْعَمُهُ أَبَدًا، قَالَ: فَايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، قَالَ شَبِعْنَا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! مَا هَذَا؟ قَالَتْ لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي [ (3) ] لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثُ مِرَارٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَعْنِي يَمِينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، قَالَ: وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَمَضَى الْأَجَلُ فَعَرَّفْنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ نَاسٌ اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ أَوْ كَمَا قَالَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُعْتَمِرٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ [ (4) ] .
باب ما جاء في دعاء المرأة بالرزق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء الآخر برد إبله وابنه عليه، وقول الله عز وجل ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب 65: 2 - 3
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ الْمَرْأَةِ بِالرِّزْقِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُعَاءِ الْآخَرِ بِرَدِّ إِبِلِهِ وَابْنِهِ عَلَيْهِ، وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ (1) ] أخبرنا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَهْلَهُ فَرَأَى مَا بِهِمْ مِنَ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ، فَقَالَتِ امْرَأَتَهُ: اللهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَنَخْتَبِزُ، قَالَ: فَإِذَا الْجَفْنَةُ مَلْأَى خَمِيرًا، وَالرَّحَى تَطْحَنُ، وَالتَّنُّورُ مَلْأَى خُبْزًا وَشِوَاءً، فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ: عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ رِزْقٌ، فَرَفَعَ الرَّحَى فَكَنَسَ مَا حَوْلَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ تَرَكْتُهَا لَدَارَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ [عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ] [ (3) ] حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ ذَا حَاجَةٍ، فَخَرَجَ يَوْمًا وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَوْ أَنِّي حَرَّكْتُ رَحَايَ وَجَعَلْتُ فِي تَنُّورِي سَعَفَاتٍ فَسَمِعَ جِيرَانِي صَوْتَ الرَّحَى وَرَأَوَا الدُّخَانَ، فَظَنُّوا أَنَّ عِنْدَنَا طَعَامًا وَلَيْسَ بِنَا خَصَاصَةٌ، فَقَامَتْ إِلَى تَنُّورِهَا فَأَوْقَدَتْهُ وَقَدْ تَحَرَّكَ الرَّحَى، فَاقْبَلَ زَوْجُهَا وَقَدْ سَمِعَ الرَّحَى، فقامت إليه أتَفْتَحُ لَهُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَا كُنْتِ تَطْحَنِينَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَخَلَ وَإِنَّ رَحَاهُمَا لَتَدُورُ، وَتَصُبُّ دَقِيقًا، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْبَيْتِ وِعَاءٌ إِلَّا مليء، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى تَنُّورِهَا فَوَجَدْتُهُ مَمْلُوءًا خُبْزًا، فَاقْبَلَ زَوْجُهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَمَا فَعَلَتِ الرَّحَى؟ قَالَ: رَفَعْتُهَا وَنَفَضْتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَرَكْتُمُوهَا مَا زَالَتْ كَمَا هِيَ لَكُمْ حَيَاتَكُمْ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُرَاهُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَغَارُوا عَلَيَّ فَذَهَبُوا بِابْنِي وَإِبِلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَكَذَا وَكَذَا أَهْلَ بَيْتٍ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: تِسْعَةَ أَبْيَاتٍ، مَا فِيهِنَّ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَلَا مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ. فَسَلِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ لَهُ: مَا رَدَّ عَلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخْبَرَهَا، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ إِبِلَهُ وَابْنَهُ أَوْقَرَ مَا كَانَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَأَمَرَهُمْ بِمَسْأَلَةِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ علي ابن بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَغَارُوا عَلَيَّ، فَذَهَبُوا بِإِبِلِي وَابْنِي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ دُونَ ذِكْرِ عَبْدِ اللهِ ابن مَسْعُودٍ فِي إِسْنَادِهِ، دُونَ قَوْلِهِ أُرَاهُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ: نِعِمَّا رَدَّ عَلَيْكَ.
باب ما جاء في دعائه لابنته فاطمة عليهما السلام وما ظهر فيه من الإجابة
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنَ الْإِجَابَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَافِظُ بِهَمَذَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكَيْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، حَدَّثَنَا مُسْهِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عُتْبَةَ أَبِي مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، وَقَدْ ذَهَبَ الدَّمُ مِنْ وَجْهِهَا، وَغَلَبَتِ الصُّفْرَةُ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ادْنِي يَا فَاطِمَةُ، ثُمَّ ادْنِي يَا فَاطِمَةُ، فَدَنَتْ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَوَضَعَهَا عَلَى صَدْرِهَا فِي مَوْضِعِ الْقِلَادَةِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ مُشْبِعَ الْجَاعَةِ، وَرَافِعَ الْوَضِيعَةِ، ارْفَعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، قَالَ عِمْرَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ ذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ مِنْ وَجْهِهَا، وَغَلَبَ الدَّمُ كَمَا كَانَتِ الصُّفْرَةُ غَلَبَتْ عَلَى الدَّمِ، قَالَ عِمْرَانُ: فَلَقَيْتُهَا بَعْدُ فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: مَا جعلت بَعْدَ ذَلِكَ، يَا عِمْرَانُ [ (1) ] ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَآهَا قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ والله، أعلم [ (2) ] .
باب ما جاء في مزود ابي هريرة رضي الله عنه وما ظهر فيه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وما ظَهْرَ فِيهِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الإسفرائيني الفقيه، أنبأنا بشر ابن أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْمُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمَرَاتٍ فَقُلْتُ ادْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فَقَبَضَهُنَّ ثُمَّ دَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةَ، ثُمَّ قَالَ: خُذْهُنَّ فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ أَوْ قَالَ: فِي مِزْوَدِكَ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ فَأَدْخِلْ يَدَكَ فَخُذْ وَلَا تَنْثِرْهُنَّ نَثْرًا، قَالَ: فَحَمَلَتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ الْمِزْوَدُ [ (1) ] مُعَلَّقًا بِحَقْوِيَّ [ (2) ] لَا يُفَارِقُ حَقْوَيَّ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عباس الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ زياد ابو
زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ لِي، قَالَ جيء بِهِ. قَالَ: فَجِئْتُ بِالْمِزْوَدِ، قَالَ: هَاتِ نِطْعًا، فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ فَبَسَطْتُهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ فَإِذَا هُوَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ تَمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي، حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: ادْعُ فُلَانًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ ادْعُ فُلَانًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ فُلَانًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ تَمْرٌ، قَالَ: فَقَالَ لِي اقْعُدْ فَقَعَدْتُ، فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ، قَالَ: وَفَضَلَ تَمْرٌ، فَأَخَذَهُ فَأَدْخَلَهُ فِي الْمِزْوَدِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا فَأَدْخِلْ يَدَكَ فَخُذْ وَلَا تَكْفَأْ فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ، قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيدُ تَمْرًا إِلَّا أَدْخَلْتُ يَدِي فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رِجْلَيَّ فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَذَهَبَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ محمد المقري، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا ابْنُ الخطاب، حدثنا سهل ابن اسلم العذري، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُصِبْتُ بِثَلَاثِ مَصَائِبَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ أُصَبْ بِمِثْلِهِنَّ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ، وَقَتْلِ عُثْمَانَ، وَالْمِزْوَدِ، قَالُوا: وَمَا الْمِزْوَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قال: كنا
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَمَعَكَ شَيْءٌ؟، قَالَ: قُلْتُ تَمْرًا [فِي مِزْوَدٍ مَعِي قَالَ جيء بِهِ فَأَخْرَجْتُ مِنْهُ تَمْرًا فَأَتَيْتُهُ- قَالَ فَمَسَّهُ] [ (5) ] فَدَعَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ ادْعُ عَشَرَةً فَدَعَوْتُ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى أَكَلَ الْجَيْشُ كُلُّهُ وَبَقِيَ مِنْ تَمْرِ الْمِزْوَدِ، قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلَا تَكُبَّهُ، قَالَ: فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُمَرَ كُلَّهَا وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُثْمَانَ كُلَّهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْتُهِبَ مَا فِي بَيْتِي، وَانْتُهِبَ الْمِزْوَدُ، الا أخبركم أكلت أَكَلْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ وَسْقٍ. لَفْظُ حَدِيثِ المقرئ [ (6) ] .
باب ما جاء في امتلاء النحي [1] الذي أهريق ما فيه
بَابُ مَا جَاءَ فِي امْتِلَاءِ النِّحْيِ [ (1) ] الَّذِي أُهَرِيقَ مَا فِيهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهِلَالِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ طَعَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى أَصْحَابِهِ عَلَى هَذَا لَيْلَةً، وَعَلَى هَذَا لَيْلَةً، فَدَارَ عَلَيَّ فَعَمِلْتُ طَعَامَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ فَتَحَرَّكَ النِّحْيُ فَأُهْرِيقَ مَا فِيهِ فَقُلْتُ عَلَى يَدَيَّ أُهَرِيقُ طَعَامُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَقُلْتُ لَا أَسْتَطِيعُ يَا رَسُولَ اللهِ فَرَجَعْتُ فَإِذَا النِّحْيُ يَقُولُ قَبْ قَبْ فَقُلْتُ فَضْلَةٌ فَضَلَتْ فِيهِ فَاجْتَبَذَتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مُلِئَ إِلَى يَدَيْهِ فَأَوْكَيْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ تركته لمليء الى فيه فأوكه [ (2) ] .
باب ما ظهر فيما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة - رضي الله عنها - من الشعير، وفيما اعطى الرجل من الشعير، وفيما بقي عند المرأة من السمن في العكة، التي كانت تهدي منها للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيما أهدت تلك المرأة الأخرى إليه من السمن
بَابُ مَا ظَهَرَ فِيمَا خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مِنَ الشَّعِيرِ، وَفِيمَا أَعْطَى الرَّجُلَ مِنَ الشَّعِيرِ، وَفِيمَا بَقِيَ عِنْدَ الْمَرْأَةِ مِنَ السَّمْنِ فِي الْعُكَّةِ، الَّتِي كَانَتْ تُهْدِي مِنْهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَفِيمَا أَهْدَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى إِلَيْهِ مِنَ السَّمْنِ فِي الْعُكَّةِ، وَفِيمَا أَعْطَى أَبَا حُبَاشٍ مِنْ فَضْلَةِ الشَّاةِ، وَفِيمَا أَعْطَى فَضْلَةً مِنْ فَضْلِ شَرَابِهِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَآثَارِ النُّبُوَّةِ [الشَّرِيفَةِ، وَالدَّلَالَاتِ الْعَظِيمَةِ] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَقِيَ فِي بَيْتِي إِلَّا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، ثم أكلته فَفَنِيَ، وَلَيْتَنِي لَمْ أَكِلْهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي شَيْءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ثُمَّ أكلته فَفَنِيَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحسن بن محمد ابن أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَمَنْ ضَيَّفَهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ. وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا، فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَنِيهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعَصَرْتِيهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، وَقَالَ: وَضَيْفُهُمَا [ (3) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ بْنِ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عِكْرِمَةَ، عَنْ جَدِّهِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ اسْتَعَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّزْوِيجِ فَأَنْكَحَهُ امْرَأَةً فَالْتَمَسَ شَيْئًا فَلَمْ يَجِدْهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبَا رَافِعٍ، وَأَبَا أَيُّوبَ بِدِرْعِهِ فَرَهَنَاهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَطَعِمْنَا مِنْهُ نِصْفَ سَنَةٍ ثُمَّ كِلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَمَا أَدْخَلْنَاهُ. قَالَ نَوْفَلٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتَ مِنْهُ مَا عشت [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَجِيحٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا خَلَفُ ابن خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أُمِّ أَوْسٍ الْبَهْزِيَّةِ، قَالَتْ: سَلَيْتُ سَمْنًا لِي فَجَعَلْتُهُ فِي عُكَّةٍ وَأَهْدَيْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ [ (5) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ وَتَرَكَ فِي الْعُكَّةِ قَلِيلًا، وَنَفَخَ فِيهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: رُدُّوا عَلَيْهَا عُكَّتَهَا، فَرَدُّوهَا عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمْنًا، فَظَنَنْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمْ يقْبَلْهَا فَجَاءَتْ وَلَهَا صُرَاخٌ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا سَلَيْتُهُ لَكَ لِتَأْكُلَهُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَقَالَ: اذْهَبُوا فَقُولُوا لَهَا: فَلْتَأْكُلْ سمنها، وتدعو بِالْبَرَكَةِ، فَأَكَلْتُ بَقِيَّةَ عُمُرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَوَلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَوَلَايَةَ عمر- رضي الله عنه- وَوَلَايَةَ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [وَمُعَاوِيَةَ] [ (6) ] مَا كَانَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: [ (8) ] أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَلَامَةَ أَحَدُ بَنِي حَسَنٍ الْكَعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (9) ] عَمِّي أَبُو مُصَرِّفٍ: سَعِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مسعود ابن خَالِدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَلَامَةَ [ (10) ] أَنَّهُ أَجْزَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم شاة،
وَكَانَ عِيَالُ خَالِدٍ كَثِيرًا، يَذْبَحُ الشَّاةَ وَلَا يَبُدُّ عِيَالَهُ عَظْمًا عَظْمًا، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: أَرِنِي دَلْوَكَ يَا أَبَا حُبَاشٍ، فَصَنَعَ فِيهَا فَضِيلَةَ الشَّاةِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لِأَبِي حُبَاشٍ، فَانْقَلَبَ بِهِ فَنَثَرَهُ لَهُمْ، وَقَالَ: تَوَاسُوا فِيهِ فَأَكَلَ مِنْهُ عِيَالُهُ وَأَفْضَلُوا [ (11) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ عَنْ جَدِّهِ نَضْلَةَ ابن عَمْرٍو (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَلِيٌّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا حَامِدٌ، [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ] [ (12) ] بْنُ مَعْنٍ أَنْبَأَنَا [ (13) ] جَدِّي مُحَمَّدَ بْنَ مَعْنِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَضْلَةَ بْنِ أَبِي نَضْلَةَ أَنَّهُ لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَحَلَبَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَاءً فَشَرِبَ، ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَةَ إِنَائِهِ، قَالَ: فَامْتَلَأَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ فَأُكْثِرُ، وَفِي رِوَايَةِ حَامِدٍ: إِنِّي كُنْتُ لَأَشْرَبَ السَّبْعَةَ فَمَا أَمْتَلِئُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أن الْمُؤْمِنَ لَيَشْرَبُ فِي مِعًى وَلَحَدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ. قُلْتُ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، نَضْلَةَ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ [ (14) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن الحسن المهوجاني أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن
بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ لَهُ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ [ (15) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا [ (16) ] مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ضَافَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، قَالَ: قَالَ فَطَلَبَ لَهُ شَيْئًا فَلَا يَجِدُ إِلَّا كِسْرَةً فِي كُوَّةٍ، قَالَ: فَجَزَّأَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَجْزَاءً، وَدَعَا عَلَيْهَا وَقَالَ: كُلْ فَأَكَلَ وَأَفْضَلَ قَالَ: فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ [فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلِمْ قَالَ إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ] [ (17) ] . وَحَدَّثَ أَبُو سَعَيدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبَى عُثْمَانَ الزَّاهِدُ أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَطَرٍ، أَنْبَأَنَا سَهْلُ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ إِلَّا كِسْرَةً قَدْ يبست
فِي جُحْرٍ فَأَخْرَجَهَا فَفَتَّهَا أَجْزَاءً، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ: «كُلْ يَا أَعْرَابِيُّ» ، فَجَعَلَ الْأَعْرَابِيُّ يَأْكُلُ حَتَّى شَبِعَ وَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةً، فَجَعَلَ الْأَعْرَابِيُّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ.
باب ما جاء في القوم الذين كانوا لا يشبعون فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاجتماع على الطعام وتسمية الله تعالى عليه ففعلوا فشبعوا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا لَا يَشْبَعُونَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ وَتَسْمِيَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فَشَبِعُوا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ» ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ يُبَارِكْ لَكُمْ فيه» [ (1) ] .
باب ما ظهر في بقية أزواد القوم ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الزيادة وآثار النبوة.
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي بَقِيَّةِ أَزْوَادِ الْقَوْمِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزِّيَادَةِ وآثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الأشجعي، عن مالك ابن مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم في مسير فنفذت أَزْوَادُ الْقَوْمِ، قَالَ: حَتَّى هَمَّ أَحَدُهُمْ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ [ (1) ] ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ فَدَعَوْتَ اللهَ عَلَيْهَا، قَالَ: فَفَعَلَ، قَالَ: فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ [قَالَ مُجَاهِدٌ وَذُو النَّوَى بِنَوَاهُ] ، قَالَ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَالَ: يَمُصُّونَهُ، وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهَا حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ [النَّضْرِ بْنِ] أَبِي النضر [ (2) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى اللَّخْمِيُّ التِّنِّيسِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ فَاسْتَأْذَنَ بَعْضُ النَّاسِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ ظُهُورِهِمْ، وَقَالُوا: يُبَلِّغْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَمَّ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي نَحْرِ ظُهُورِهِمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ بِنَا إِذَا نَحْنُ لَقِينَا الْعَدُوَّ غَدًا جِيَاعًا رِجَالًا وَلَكِنْ [إِنْ] [ (3) ] رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَدْعُوَ النَّاسَ بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ فَتَجْمَعَهَا ثُمَّ تَدْعُوَ اللهَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُبَلِّغُنَا بِدَعْوَتِكَ أَوْ قَالَ: سَيُبَارِكُ لَنَا فِي دَعْوَتِكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [النَّاسَ] [ (4) ] بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجِيئُونَ بِالْحَفْنَةِ، [وَقَالَ] [ (5) ] بَعْضُهُمْ بِالْحَثْيَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَفَوْقَ ذَلِكَ فَكَانَ أَعْلَاهُمْ مَنْ جَاءَ بِصَاعِ تَمْرٍ فَجَمَعَهَا، ثُمَّ قَامَ، فَدَعَا بِمَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ دَعَا الْجَيْشَ بِأَوْعِيَتِهِمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا، قَالَ: فَمَا بَقِيَ فِي الجيش وعاء إلا ملؤوه وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَلْقَى اللهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهِمَا إِلَّا حُجِبَ عَنِ النار» [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَنَا سعيد ابن سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا خُنَيْسٍ الْغِفَارِيَّ يَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي غَزْوَةِ تِهَامَةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِعُسْفَانَ جَاءَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! جَهَدَنَا الْجُوعُ، فَأْذَنْ لَنَا فِي الظَّهْرِ أَنْ نَأْكُلَهُ قَالَ نَعَمْ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ [ (7) ] اللهِ مَا صَنَعْتَ! أَمَرْتَ النَّاسَ أَنْ يَأْكُلُوا الظَّهْرَ، فَعَلَى مَاذَا يَرْكَبُونَ؟ قَالَ: فَمَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَأْمُرَهُمْ- وَأَنْتَ أَفْضَلُ رَأَيًا- فَيَجْمَعُوا أَفْضَلَ أَزْوَادِهِمْ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ تَدْعُوَ اللهَ لَهُمْ، فَإِنَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ لَكَ، فَأَمَرَهُمْ فَجَمَعُوا فَضْلَ أَزْوَادِهِمْ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ دَعَا اللهَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: ائْتُوا بِأَوْعِيَتِكُمْ فَمَلَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ وِعَاءَهُ، ثُمَّ أَذِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [بِالرَّحِيلِ فَلَمَّا ارْتَحَلُوا مُطِرُوا مَا شَاءُوا وَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم] [ (8) ] ، وَنَزَلُوا مَعَهُ، وَشَرِبُوا مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، وَهُمْ بِالْكُرَاعِ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ بِهِ، فَجَاءَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَجَلَسَ اثْنَانِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ الْآخَرُ مُعْرِضًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفْرِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا وَاحِدٌ فَاسْتَحْيَا مِنَ اللهِ فَاسْتَحْيَى اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَقْبَلَ تَائِبًا إِلَى اللهِ فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عنه [ (9) ] .
باب فيما ظهر من الكرامات على أم شريك في هجرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر من دلالات النبوة في العكة التي أهدتها له.
بَابٌ فِيمَا ظَهَرَ مِنَ الْكَرَامَاتِ عَلَى أُمِّ شَرِيكٍ فِي هِجْرَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْعُكَّةِ الَّتِي أَهْدَتْهَا لَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي الْمُسَاوِرِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ شَرِيكٍ أَسْلَمَتْ فِي رَمَضَانَ، فَأَقْبَلَتْ تَطْلُبُ مَنْ يَصْحَبُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَتْ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ شَرِيكٍ؟ قَالَتْ: أَطْلُبُ رَجُلًا يَصْحَبُنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَعَالَيْ فَأَنَا أَصْحَبُكِ، قَالَتْ: فَانْتَظِرْنِي حَتَّى املأ سقاي مَاءً، قَالَ: مَعِي مَاءٌ لَا تُرِيدِينَ مَاءً، فَانْطَلَقَتْ مَعَهُمْ فَسَارُوا يَوْمَهُمْ حَتَّى أَمْسَوْا، فَنَزَلَ الْيَهُودِيُّ وَوَضَعَ سُفْرَتَهُ فَتَعَشَّى، فَقَالَ: يَا أُمَّ شَرِيكٍ! تَعَالَيْ إِلَى الْعِشَاءِ، فَقَالَتِ: اسْقِنِي مِنَ الْمَاءِ فَإِنِّي عَطْشَى وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آكُلَ حَتَّى أَشْرَبَ، فَقَالَ: لَا أَسْقِيكَ حَتَّى تَهَوَّدِي، فَقَالَتْ: لَا جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا [غَرَّبْتَنِي وَمَنَعْتَنِي أَحْمِلَ مَاءً فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا أَسْقِيكَ من قطرة حتى تهوّدين! فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ] [ (1) ] ، لَا أَتَهَوَّدُ أَبَدًا بَعْدَ إِذْ هَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ، فَأَقْبَلَتْ إِلَى بَعِيرِهَا فَعَقَلَتْهُ، وَوَضَعَتْ رَأْسَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ فَنَامَتْ، قَالَتْ: فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا بَرْدُ دَلْوٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَبِينِي، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فنظرت إلى
مَاءٍ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ، ثُمَّ نَضَحْتُ عَلَى سِقَاءٍ حَتَّى ابْتَلَّ، ثُمَّ مَلَأْتُهُ، ثُمَّ رُفِعَ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَوَارَى مِنِّي فِي السَّمَاءِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جَاءَ الْيَهُودِيُّ، فَقَالَ: يَا أُمَّ شَرِيكٍ! قُلْتُ: وَاللهِ قَدْ سَقَانِي اللهُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْزَلَ عَلَيْكِ مِنَ السَّمَاءِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَاللهِ، لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ رَفَعَ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لَسْتُ أَرْضَى نَفْسِي لَكَ، وَلَكِنْ بُضْعِي لَكَ فَزَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ، فَزَوَّجَهَا زَيْدًا، وَأَمَرَ لَهَا بِثَلَاثِينَ صَاعًا، وَقَالَ كُلُوا وَلَا تَكِيلُوا، وَكَانَ مَعَهَا عُكَّةُ سَمْنٍ هَدِيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَتْ لِجَارِيَةٍ لَهَا: بَلِّغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قُولِي أُمُّ شَرِيكٍ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَقُولِي هَذِهِ عُكَّةُ سَمْنٍ أَهْدَيْنَاهَا لَكَ، فَانْطَلَقَتْ بِهَا فَأَخَذُوهَا فَفَرَّغُوهَا، وقَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلِّقُوهَا ولا تأكلوها» ، فَعَلَّقُوهَا فِي مَكَانِهَا فَدَخَلَتْ أُمُّ شَرِيكٍ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهَا مَمْلُوءَةً سَمْنًا، فَقَالَتْ: يَا فُلَانَةُ أَلَيْسَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَنْطَلِقِي بِهَذِهِ الْعُكَّةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقالت: قد وَاللهِ انْطَلَقْتُ بِهَا كَمَا قُلْتِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهَا أَصُوبُهَا مَا يَقْطُرُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: عَلِّقُوهَا ولا توكئوها، فَعَلَّقْتُهَا فِي مَكَانِهَا وَقَدْ أَوْكَتْهَا أُمُّ شَرِيكٍ حِينَ رَأَتْهَا مَمْلُوءَةً، فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى فَنِيَتْ، ثُمَّ كَالُوا الشَّعِيرَ فَوَجَدُوهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ [ (2) ] . قُلْتُ وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلِحَدِيثِهِ فِي الْعُكَّةِ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَنْ جابر ابن عَبْدِ اللهِ فِي أُمِّ مَالِكٍ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ والله أعلم.
باب ما جاء في ما ظهر على أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته من الكرامات في هجرتها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَا ظَهَرَ عَلَى أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَحَاضِنَتِهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ فِي هِجْرَتِهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ السَّمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سِنَانٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، قَالُوا: هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ مِنَ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ مَعَهَا زَادٌ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الرَّوْحَاءِ وَذَلِكَ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ عَطِشَتْ عَطَشًا شَدِيدًا، قَالَتْ: فَتَسَمَّعْتُ حَفِيفًا شَدِيدًا فَوْقَ رَأْسِي [قَالَتْ] [ (1) ] فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا دَلْوٌ مُدَلًّى مِنَ السَّمَاءِ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ فَتَنَاوَلْتُهُ بِيَدَيَّ حَتَّى اسْتَمْسَكْتُ بِهِ، قَالَتْ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رَوِيتُ، قَالَتْ: فَلَقَدْ أَصُومُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ الشَّدِيدِ، ثُمَّ أَطُوفُ فِي الشَّمْسِ كَيْ أَظْمَأَ فَمَا ظَمِئْتُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ [ (2) ] . [وَاللهِ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (3) ] .
باب ما جاء فيما ظهر على أبي أمامة حين بعث رسولا إلى قومه من الكرامات.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا ظَهَرَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ حِينَ بُعِثَ رَسُولًا إِلَى قَوْمِهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: قَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ الْبُوزَنْجِرْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظُنُّهُ قَالَ إِلَى أَهْلِهِ، فَأَتَيْتُهُمْ وَهُمْ عَلَى طَعَامٍ- يَعْنِي الدَّمَ فِي خُوَانٍ [ (1) ]- وَقَالُوا لِي: كُلْ، قَالَ قُلْتُ: إِنِّي لَأَنْهَاكُمْ عَنْ هَذَا الطَّعَامِ وأَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ، فَكَذِّبُونِي وَزَبَرُونِي، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ عَنْ ذَا وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ، وَقَدْ نَزَلَ بِي جَهْدٌ، فَنِمْتُ فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ وَعَظُمَ بَطْنِي، فَقَالَ الْقَوْمُ: أَتَاكُمْ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِكُمْ وَأَشْرَافِكُمْ فَرَدَدْتُمُوهُ، اذْهَبُوا إِلَيْهِ فَأَطْعِمُوهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا يَشْتَهِي، فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ، قَالَ: قُلْتُ: لَا حَاجَةَ لِي فِي طَعَامِكُمْ وَشَرَابِكُمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَطْعِمْنِي وَسَقَانِي، فَانْظُرُوا إِلَى حَالَتِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، فَآمَنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُهُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ صَدَقَةُ بْنُ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قُلْتُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي فَأَرَيْتُهُمْ بَطْنِي فَأَسْلَمُوا عن آخرهم [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وَأَبُو صَادِقٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ابْنَ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا صدقة ابن هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى قَوْمِي، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ وَأَنَا طَاوٍ وَهُمْ يَأْكُلُونَ الدَّمَ، فَقَالُوا: هَلُمَّ فَقُلْتُ إِنَّمَا جِئْتُكُمْ لِأَنْهَاكُمْ عَنْ هَذَا، قال: فاستهزؤوا بِي وَكُنْتُ بِجَهْدٍ، فَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَاكُمْ رَجُلٌ مِنْ سَرَاةِ قَوْمِكُمْ، فَمَا لَكُمْ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَطْعَمُوهُ وَلَوْ مَذْقَةً، قَالَ: فَوَضَعْتُ رَأْسِي فَنِمْتُ فَأَتَانِي آتٍ فَنَاوَلَنِي إِنَاءً فَأَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُهُ فَاسْتَفَقْتُ وَقَدْ كَظَّنِي بَطْنِي فَنَاوَلَونِي إِنَاءً قَالُوا خُذْ قُلْتُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ قَالُوا: قَدْ رَأَيْنَاكَ بِجَهْدٍ، قَالَ، قُلْتُ: إِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، فَأَرَيْتُهُمْ بَطْنِي فَأَسْلَمُوا عَنْ آخِرِهِمْ [ (3) ] .
باب ما جاء في إجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضافه ضيف ولم يكن عنده شيء.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ضَافَهُ ضَيْفٌ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرٍ- كَذَا فِي كِتَابِي- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: وَفِيمَا ذَكَرَ عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ضَيْفًا فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ [ (1) ] لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ، قَالَ، فَأُهْدِيَتْ إِلَيْهِ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ [ (2) ] [وَفِي رِوَايَةِ الْمُقْرِئِ: فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَقَالَ] [ (3) ] : هَذِهِ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ عَنْهُ، والصحيح عن
زُبَيْدٍ، قَالَ: أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. [مُرْسَلًا] مِنْ قَوْلِ زُبَيْدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عن مسعد، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بِشْرِ بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي السائب، حدثنا وائلة بْنُ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: حَضَرَ رَمَضَانُ وَنَحْنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَصُمْنَا فَكُنَّا إِذَا أَفْطَرْنَا أَتَى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ فَعَشَّاهُ، فَأَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةٌ لَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، ثُمَّ أَتَتْ عَلَيْنَا الْقَائِلَةُ فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ يَسْأَلُهَا هَلْ عِنْدَنَا شَيْءٌ؟ فَمَا بَقِيَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا أَرْسَلَتْ تُقْسِمُ: مَا أَمْسَى فِي بَيْتِهَا مَا يَأْكُلُ ذُو كَبِدٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُمَا بِيَدِكَ لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرُكَ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا وَمُسْتَأْذِنٌ يَسْتَأْذِنُ فَإِذَا بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ وَرُغُفٍ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا سَأَلْنَا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَهَذَا فَضْلُهُ، وَقَدْ ذَخَرَ لَنَا عنده رحمته [ (4) ] .
باب ما ظهر في مزادتي المرأة ببركة دعاء رسول الله [1] صلى الله عليه وسلم من الزيادة وآثار النبوة. قد مضى بعض طرق هذا الحديث في آخر غزوة خيبر
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي مَزَادَتَيِ الْمَرْأَةِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ [ (1) ] صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَآثَارِ النُّبُوَّةِ. قَدْ مَضَى بَعْضُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، إِمْلَاءً سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حدثنا مسلم بْنُ زَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا [ (2) ] لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقِظُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ مَنَامِهِ أَحَدٌ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَالشَّمْسُ قَدْ بَزَغَتْ، فَقَالَ: ارْتَحِلُوا فَسَارَ بِنَا حَتَّى ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَلَمْ يُصِلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: يَا فُلَانُ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّى، وَعَجَّلَنِي رَسُولُ اللهِ فِي رُكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ أَطْلُبُ الْمَاءَ، وَكُنَّا قَدْ عَطِشْنَا شَدِيدًا فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ [ (3) ] رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ [ (4) ] قُلْنَا لَهَا: اين
الماء؟ قالت: أي هاه، أي هاه [ (5) ] لَا مَاءَ، فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا [ (6) ] حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الذي حدّثنا غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُوتِمَةٌ [ (7) ] فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَجَّ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ [ (8) ] الْعُلْيَاوَيْنِ فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، وَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا [ (9) ] غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا وَهِيَ تَكَادُ تَنْضَرِجُ مِنَ الْمَاءِ [ (10) ] ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: «هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ» فَجَمَعْنَا لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى صُرَّ لَهَا صُرَّةً، فَقَالَ: اذْهَبِي فَأَطْعِمِي هَذَا عِيَالَكِ وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقَدْ لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا فَهَدَى الله عَزَّ وَجَلَّ لِذَلِكَ الصِّرْمَ [ (11) ] بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ [ (12) ] .
باب حديث الميضأة وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق قد مضى في ذلك حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن ابي قتادة ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح
بَابُ حَدِيثِ الْمِيضَأَةِ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ قَدْ مَضَى فِي ذَلِكَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عبد الله ابن رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ تَعْطَشُوا فَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ يُرِيدُ الْمَاءَ، وَلَزِمَتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَمَالَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَالَ، فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ وَمَالَ، فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ ثُمَّ مَالَ، فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ ثُمَّ مَالَ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ فَقَالَ مَنِ الرَّجُلِ؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. فَقَالَ: حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ عَرَّسْنَا» ، فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ فَنَزَلَ فَقَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَا رَاكِبٌ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً، فَقَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا. قَالَ: فَنِمْنَا فَمَا يقظنا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَارَ وَسِرْنَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قال: فأتيني بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: سوّأ هيها فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ جَرْعَةٌ فَقَالَ ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا شَأْنٌ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى
الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا فَقَالَ بَعْضٌ لِبَعْضٍ: [ (1) ] فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا مِنَ الْغَدِ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ قَالَ: ظُنُّوا بِالْقَوْمِ، فَقُلْنَا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ إِنْ لَا تُدْرِكُوا الماء غدا تعطشوا، فأتوا النَّاسُ الْمَاءَ فَقَالَ: أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، قَالَا: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ ليسبقكم الى الماء ويخلّنكم، وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا قَالَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رَفَعَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولُ اللهِ! أُهْلِكْنَا، عَطِشْنَا، انْقَطَعَتِ الْأَعْنَاقُ. قَالَ: لَا هُلْكَ عَلَيْكُمُ [الْيَوْمَ] [ (2) ] ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ ائْتِنِي بِالْمِيضَأَةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: حُلَّ لِي غُمْرِي يَعْنِي قَدَحَهُ فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسِنُوا الْمَلَأَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ، فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَصَبَّ لِي، فَقَالَ: اشْرَبْ يَا أَبَا قَتَادَةَ، قُلْتُ: اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا، فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ مِنَ الْمِيضَأَةُ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنَّ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غيري [ (3) ] .
قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ تَوَسَّدَ يَمِينُهُ، وَإِذَا عَرَّسَ قُرْبَ الصُّبْحِ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ سَاعِدَهُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ] [ (4) ] الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الله ابن عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يَعْنِي الضُّبَعِيَّ، حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِدُّوا السَّيْرَ، فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَاءً، إِنْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ وَعَطِشْتُمْ عَطَشًا شَدِيدًا أَنْتُمْ وَدَوَابُّكُمْ، قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَتَمَامُ الْحَدِيثِ فِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِي يَعْلَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةٍ أَنَا تَاسِعُهُمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ لَكُمْ أَنْ نُعَرِّسَ قَلِيلًا ثُمَّ نَلْحَقَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَرَّسُوا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَيْقَظَ أَصْحَابُهُ فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا وَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ فَفَعَلُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟ قَالَ (رَجُلٌ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ مَعِي مِيضَأَةُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قال) [ (5) ] جيء بِهَا، فَجَاءَ بِهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَمَسَحَهَا بِكَفِّهِ، وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ فِيهَا، فَقَالَ لأصحابه: تعالوا فتوضؤا فجاؤوا فَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (6) ] حَتَّى تَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَقَامَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِصَاحِبِ الْمِيضَأَةِ: ازْدَهِرْ بِمِيضَأَتِكَ، فسيكون
لَهَا نَبَأٌ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَبْلَ النَّاسِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ النَّاسَ، فَعَلُوا؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ لَهُمْ: فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَسَيَرْشُدُ النَّاسَ، وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَقَّ عَلَى النَّاسِ وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا رِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَاحِبُ الْمِيضَأَةِ قَالَ: هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: جِئْنِي بِمِيضَأَتِكَ، فَجَاءَ بِهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُمْ: تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا، فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَرِبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَرِكَابَهُمْ وملأوا كُلَّ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا فَضَرَبَ وجُوهَ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ وَأَمْكَنَ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَأَسَرُوا أُسَارَى وَاسْتَاقُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ وَافِرَيْنِ صَالِحَيْنِ.
باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ بِقُبَاءَ مِنْ بَرَكَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ الشَّرْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (1) ] ، أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَاهُمْ بِقُبَاءَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ بِئْرٍ هُنَاكَ، قَالَ: فَدَلَلْتُهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْضَحُ عَلَى حِمَارِهِ فَيَنْزَحُ فَنَسْتَخْرِجُهَا لَهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِذَنُوبٍ [ (2) ] فَسُقِيَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ تَفَلَ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُعِيدَ فِي الْبِئْرِ، قَالَ: فَمَا نُزِحَتْ بَعْدُ! قَالَ: فَمَا بَرِحْتُهُ فَرَأَيْتُهُ بَالَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى [ (3) ] . قُلْتُ: وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ آثَارٌ ظَاهِرَةٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَتَبُوكَ وَغَيْرِهِمَا قَدْ مَضَى ذِكْرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا بِحَمْدِ اللهِ تعالى.
باب ما جاء في الشاة التي ظهرت فحلبت فأروت ثم ذهبت فلم توجد
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّاةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فَحَلَبَتْ فَأَرْوَتْ ثُمَّ ذَهَبَتْ فَلَمْ تُوجَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا عِصْمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا خَلَفُ ابن خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ لَنَا كُنَّا أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَنَزَلْنَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَجَاءَتْ شُوَيْهَةٌ لَهَا قَرْنَانِ، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَحَلَبَهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ قَالَ: يَا نَافِعُ! أَمْلِكْهَا اللَّيْلَةَ وَمَا أَرَاكَ تَمْلِكُهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَتَدَتْ لَهَا وَتِدًا، ثُمَّ قُمْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَلَمْ أَرَ الشَّاةَ، وَرَأَيْتُ الْحَبْلَ مَطْرُوحًا، فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَنِي، فَقَالَ: يَا نَافِعُ! ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا [ (1) ] . وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ أَنْبَأَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الرِّيَاحِيُّ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ يَعْنِي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِبْ لِيَ الْعَنْزَ، قَالَ: وَعَهْدِي بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا عَنْزَ فِيهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ بِعَنْزٍ حَافِلٍ، قَالَ: فَاحْتَلَبْتُهَا وَاحْتَفَظْتُ بِالْعَنْزِ [وَأَوْصَيْتُ بِهَا] [ (2) ] قَالَ فَاشْتَغَلْنَا [ (3) ] بِالرِّحْلَةِ فَفَقَدْتُ الْعَنْزَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَدْتُ الْعَنْزَ! قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ لَهَا رَبًّا [ (4) ] . أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنَةِ خَبَّابٍ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَاعْتَقَلَهَا وَحَلَبَهَا، النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: ائتني بِأَعْظَمَ إِنَاءٍ لَكُمْ، فَأَتَيْنَاهُ بِجَفْنَةِ الْعَجِينِ، فَحَلَبَ فِيهَا حَتَّى مَلَأَهَا ثُمَّ قَالَ: اشربوا وجيرانكم [ (5) ] .
باب استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم واجابة الله تعالى إياه في سقياه، ثم دعائه بالكشف حين شكوا اليه كثرة المطر، واجابة الله تعالى إياه فيما دعاه وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ اسْتِسْقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي سُقْيَاهُ، ثُمَّ دُعَائِهِ بِالْكَشْفِ حِينَ شَكَوْا إِلَيْهِ كَثْرَةَ الْمَطَرِ، وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِيمَا دَعَاهُ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ وأَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ [ (1) ] عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَتْ سَحَابٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ: رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وسال
الْوَادِي- وَادِي قَنَاةٍ- شَهْرًا!، ولم يجيء أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا [أَبُو دَاوُدَ] [ (3) ] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: قَدْ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ، هَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَمَدَّ يَدَهُ وَدَعَا، قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ، فَهَاجَتْ رِيحٌ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَتْ، ثُمَّ أَرْسَلْتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللهَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ زِيَادٍ الْأَزْدِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خُثَيْمٍ الْهِلَالِيِّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنبأنا أبو محمد ابن حَيَّانَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، حدثنا أحمد ابن رَشِيدِ بْنِ خُثَيْمٍ الْهِلَالِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ عَمِّي، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يُيَطُّ وَلَا صَبِيٌّ يَصِيحُ، وأنشده. أَتَيْنَاكَ وَالْعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُهَا ... وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الصَّبِيُّ اسْتِكَانَةً ... مِنَ الْجُوعِ ضَعْفًا مَا يُمَرُّ وَلَا يُخْلِي وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا ... سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ وَالْعِلْهِزِ الْفَسْلِ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا ... وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا، طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ تَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ وَتُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ وَتُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ، فو الله مَا رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَحْرِهِ حَتَّى أَلْقَتِ السَّمَاءُ بِأَبْرَاقِهَا، وَجَاءَ أَهْلُ الْبِطَانَةِ يَعْنِجُونَ يَا رَسُولَ اللهِ! الْغَرَقَ الْغَرَقَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَحْدَقَ بِهَا كَالْإِكْلِيلِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيًّا قَرَّتَا عَيْنَاهُ مَنْ يُنْشِدُنَا قَوْلَهُ؟ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله كأنك أردت: وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّالُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ كَذَبْتُمْ وبيت الله يبزي محمدا ... وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
قَالَ وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كنانة، وقال: لَكَ الْحَمْدُ وَالْحَمْدُ مِمَّنْ شَكَرْ ... سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ الْمَطَرْ دَعَا اللهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً ... إِلَيْهِ وَأَشْخَصَ مِنْهُ الْبَصَرْ فَلَمْ يَكُ إِلَّا كَإِلْقَاءِ الرِّدَاءِ ... أَوِ اسْرَعَ حَتَّى رَأَيْنَا الدُّرَرْ رِقَاقُ الْعَوَالِي جَمُّ الْبُعَاقِ ... أَغَاثَ بِهِ اللهُ عَيْنَا مُضَرْ وَكَانَ كَمَا قَالَ عَمُّهُ ... أَبُو طَالِبٍ أَبْيَضٌ ذُو غُرَرْ بِهِ اللهُ يَسْقِي الْغَمَامَ ... وَهَذَا الْعَيَانُ لِذَاكَ الْخَبَرْ وَمَنْ يَشْكُرِ اللهَ يَلْقَى الْمَزِيدَ ... وَمَنْ يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَى الْغِيَرْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَكُ شَاعِرٌ يُحْسِنُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رُشَيْدِ بْنِ خُثَيْمٍ الْكُوفِيُّ الْهِلَالِيُّ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَمِّي سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَتَيْنَاكَ، فَذَكَرَهُ زَادَ فِيهِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَزَادَ فِي الدُّعَاءِ سَرِيعًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، قال: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وأنا أنظر
إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشُ كُلُّ مِيزَابٍ، فَأَذْكُرُ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ فَقَالَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سَالِمُ عَنْ أَبِيهِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا محمد ابن أَبِي ذِئْبٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَاهُ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، فَنَزَلُوا فِي دَارِ رَمْلَةِ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدِمُوا عَلَى إِبِلٍ صِغَارٍ عِجَافٍ وَهُمْ مُسْنِتُونَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَنْ بِلَادِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَسْنَتَتْ بِلَادُنَا، وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا، وَحَرِبَتْ عِيَالُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا وَتَشَفَّعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ وَيَشْفَعْ رَبُّكَ إِلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَيْلَكَ، أَنَا شَفَعَتُ إِلَى رَبِّي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ رَبُّنَا إِلَيْهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ يَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ كَمَا يئط الرجل الْجَدِيدُ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ لَيَضْحَكُ مِنْ شَعَثِكُمْ وَأَذَاكُمْ وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ فقال الأعرابيّ أو يضحك رَبُّنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: نَعَمْ،! فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لن
نَعْدِمَ يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ قَوْلِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ: اللهُمَّ اسْقِ بَلَدَكَ وَبَهِيمَتَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيْتَ، اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا، طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرْقٍ وَلَا مَحْقٍ. اللهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اسْقِنَا، فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، قَالَ فَلَا وَاللهِ مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ قَزَعَةٍ وَلَا سَحَابٍ وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاءٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ثُمَّ أمطرت فو الله مَا رَأَوَا الشَّمْسَ سِتًّا وَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ التَّمْرُ مِنْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَعْنِي الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا حَتَّى رؤي بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، على الآكام والضراب وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْمَدِينَةِ كَانْجِيَابِ الثَّوْبِ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ، أَنْبَأَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالسِّنْدِيِّ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: اسْتَسْقَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اسْقِنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ نَرَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اسْقِنَا، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، فَأَسْبَلَتِ السَّمَاءُ وَمَطَرَتْ، وصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ طَافَ الْأَنْصَارُ بِأَبِي لُبَابَةَ، يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ إِنَّ السَّمَاءَ وَاللهِ لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَقُومَ عُرْيَانًا تَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِكَ بِإِزَارِكَ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ فَأَقْلَعَتِ السَّمَاءُ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الضُّحَى [ (9) ] فِي الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اسْقِنَا ثَلَاثًا، اللهُمَّ ارْزُقْنَا سَمْنًا وَلَبَنًا وَشَحْمًا وَلَحْمًا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابًا فَسَارَتْ رِيحٌ وَغَيْرُهُ ثُمَّ اجْتَمَعَ سَحَابٌ فَغَبَّتِ السَّمَاءُ، فَصَاحَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْصَرَفْتُ أَمْشِي بِمَشْيِهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا حَدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَبِّهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ بْنِ السَّبْطِ، قَالَ: لِكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ، أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ البهري، حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ أَبُوكَ، وَاحْذَرْ، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مُضَرُ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ شُعْبَةُ: وَزَادَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنِّي آتِيكَ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَمْ يُخْطَمْ لَهُمْ فَحْلٌ، وَلَمْ يَتَزَوَّدُ لَهُمْ رَاعٍ» ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عَمْرٍو فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا غَدَقًا طَبَقًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، قَالَ شُعْبَةُ وَزَادَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا جُمُعَةً حَتَّى مُطِرْنَا.
باب استسقاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجابة الله تعالى في سقياهم
بَابُ اسْتِسْقَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى فِي سُقْيَاهِمْ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا قَحَطُوا خَرَجَ فَاسْتَسْقَى وَأَخْرَجَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ، وَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. وَفِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ الْيَوْمَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، فَيُسْقَوْنَ. سَقَطَ مِنْ كِتَابِ شَيْخِي «أَبِي مُحَمَّدٍ» ذِكْرُ أَنَسٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (1) ] عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ [مَوْصُولًا] [ (2) ] .
باب ما جاء في استسقاء أنس بن مالك [رضي الله عنه] [1] خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرضه
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِسْقَاءِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] خَادِمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْضِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شُعَيْبٍ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: جَاءَ قَيِّمُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي أَرْضِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ أَعَطِشَتْ أَرْضُكَ، فَتَرَدَّا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى مَا قَضَى اللهُ لَهُ، ثُمَّ دَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ فَجَاءَتْ وَغَشِيَتْ أَرْضَهُ وَمَطَرَتْ حَتَّى مَلَأَتْ صِهْرِيجَهُ وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضُ أَهْلِهِ فَقَالَ انْظُرُوا أَيْنَ بَلَغَتْ؟ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ [ (2) ] .
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في التمر الموروث عن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه حتى قضى منه دينه وكأنه لم ينقص منه شيء وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّمْرِ الْمَوْرُوثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَحَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا، فلما حضر جذاذ النَّخْلِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وترك عليه دين كثير، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، قَالَ: اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نظروا إليه أعزوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ طَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَنَا وَاللهِ رَاضٍ أَنْ أَدَّى اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلَا أَرْجِعُ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلِمَ وَاللهِ البيادر كلها، حتى أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ تَمْرَةٌ وَاحِدَةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (1) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ، أَوْ عَنِ الْفَضْلِ بن
يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنْبَأَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، أنه أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ، فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيَشْفَعَ إِلَيْهِ، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ تَمْرَ نَخْلَهِ بِالَّذِي لَهُ، فَأَبَى، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ جِدَّ لَهُ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ فَجَدَّ بعد ما رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْفَاهُ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِي فَعَلَ، فَوَجَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ فأخبره أنه قد وقّاه، وَأَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ الَّذِي فَضَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْ ذَلِكَ ابْنَ الْخَطَّابِ، فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حَيْثُ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُبَارِكَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا [ (3) ] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي سَائِرِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ حَضَرُوا وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَوْفَاهُمْ دُيُونَهُمْ وَهَذَا فِي الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَتَاهُ بَعْدَهُمْ وَطَالَبَ بِدَيْنِهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَدِّ مَا بَقِيَ عَلَى النَّخْلَاتِ وَإِيفَائِهِ حَقَّهُ وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في بعير جابر بن عبد الله وقد أعيا حتى صار ببركة دعائه في أول الركب، وما ظهر فيه وفي فرس أبي طلحة بركوبه وفي دابة جعيل الأشجعي، وفي ناقة الفتى ببركته من آثار النبوة.
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَقَدْ أَعْيَا حَتَّى صَارَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ فِي أَوَّلِ الرَّكْبِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِ وَفِي فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ بِرُكُوبِهِ وَفِي دَابَّةِ جُعَيْلٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَفِي نَاقَةِ الْفَتَى بِبَرَكَتِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَتَكِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، فَقَالَ: فَلَحِقَنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ وَدَعَا لَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ بِأُوقِيَةٍ» ، قُلْتُ: لَا قَالَ: «بِعْنِيهِ بِأُوقِيَتَيْنِ» فَبِعْتُهُ، وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى أَثَرِي وَقَالَ: أَتَرَى أَنِّي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ وهمالك. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ مغيرة، عن
الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاحَقَ بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي، قَدْ أَعْيَا وَلَا يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: مَا لِبَعِيرِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: عَلِيلٌ، قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: «أَفَتَبِيعُنِيهِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ [ (4) ] الْمُقْرِئُ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَعْيَا بَعِيرِي فَنَخَسَهُ فَوَثَبَ فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ. قُلْتُ: عَلَى أَنَّ لِي ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: «وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» [ (5) ] ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُ فَزَادَنِي أُوقِيَةً، ثُمَّ وَهَبَهُ لِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
فَزِعَ النَّاسُ، فَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لبحر، قال: فو الله مَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ جُعَيْلٍ [الْأَشْجَعِيِّ] [ (8) ] قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ] [ (9) ] وَأَنَا عَلَى فَرَسٍ لِي جَعْفَاءَ ضَعِيفَةٍ، قَالَ: فَكُنْتُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: «سريا صَاحِبَ الْفَرَسِ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! جَعْفَاءُ ضَعِيفَةٌ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِخْفَقَةً مَعَهُ فَضَرَبَهَا بِهَا، وَقَالَ: «اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهَا» ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَا أَمْسِكُ رَأْسَهُ إِنْ تَقَدَّمَ النَّاسُ، قَالَ: فَلَقَدْ بِعْتُ مِنْ بَطْنِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا [ (10) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْبُسْتِيُّ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ مُظَفَّرٍ الْبَكْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَشْجَعِيُّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ ومَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ علي، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ: فَتًى، فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَقَالَ: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا» . قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا، قَالَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا» ؟ فَذَكَرَ شَيْئًا، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ تَنْحِتُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذِهِ الْجِبَالِ مَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ شَيْءٌ نَعْطِيكَهُ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثَكَ فِي وَجْهٍ تُصِيبُ فِيهِ، فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ، وَبَعَثَ الرَّجُلَ فِيهِمْ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعْيَتْنِي نَاقَتِي أَنْ تَنْبَعِثَ، قَالَ: فَنَاوَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُعْتَمِدِ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ، فَأَتَاهَا فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُهَا تَسْبِقُ الْقَائِدَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنْ مَرْوَانَ [ (11) ] [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عوف، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بَعِيرًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا فَادْعُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهِ» ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا أَنْ نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعِيرًا آخَرَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال: يا
رَسُولَ اللهِ! إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرَيْنِ فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِمَا، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَحْمِلَنِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ: «اللهُمَّ! احْمِلْهُ عَلَيْهِ» ، قَالَ: فَمَكَثَ عِنْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً. هَذَا مُرْسَلٌ وَدُعَاؤُهُ صَارَ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، ثُمَّ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْبَعِيرِ الدُّعَاءَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَيْهِ، وَقَعَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ زَكَاةٍ وَأَطْيَبَهَا وَأَنْمَاهَا.
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تصرع وتنكشف بالعافية إن لم تصبر أو بأن لا تنكشف إن صبرت ولها الجنة وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصْرَعُ وَتَنْكَشِفُ بِالْعَافِيَةِ إِنْ لَمْ تَصْبِرْ أَوْ بِأَنْ لَا تَنْكَشِفَ إِنْ صَبَرَتْ وَلَهَا الْجَنَّةُ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ [الْمَالِينِيُّ] [ (1) ] (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ هَذَا الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَأَنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ لِي، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكَ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفُ فَدَعَا لَهَا. لَفْظُ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ يَحْيَى [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، حدثنا حماد ابن شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَنَا مَخْلَدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ [ (3) ] تِلْكَ الْمَرْأَةَ طَوِيلَةً سَوْدَاءَ عَلَى ستر الكعبة.
باب ما جاء في استئذان الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرساله إياها إلى أهل قباء لتكون لهم كفارة، وظهور ما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِئْذَانِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَإِرْسَالِهِ إِيَّاهَا إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ لِتَكُونَ لَهُمْ كَفَّارَةً، وَظُهُورِ مَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أُمِّ طَارِقٍ مَوْلَاةِ سَعْدٍ، قَالَتْ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ فَسَكَتَ سَعْدٌ، ثُمَّ أَعَادَ فَسَكَتَ سَعْدٌ [ثُمَّ أَعَادَ فَسَكَتَ سَعْدٌ] [ (1) ] فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَنِي سَعْدٌ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ تَأْذَنَ لَكَ إِلَّا أَنَّا أَرَدْنَا أَنْ تَزِيدَنَا، فَسَمِعْتُ صَوْتًا عَلَى الْبَابِ يَسْتَأْذِنُ وَلَا أَرَى شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «مَنْ أَنْتِ» ؟ قَالَتْ: أَنَا أُمُّ مِلْدَمٍ، قَالَ: «لَا مَرْحَبًا بِكِ وَلَا أَهْلًا! تَهْدِينَ إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاذْهَبِي إِلَيْهِمْ» [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الْحُمَّى قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «إن
شِئْتُمْ أَنْ تُرْفَعَ عَنْكُمْ رُفِعَتْ، وَإِنْ شِئْتُمْ كَانَ طَهُورًا!» قَالُوا: بَلْ تَكُونَ لَنَا طَهُورًا [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَتِ الْحُمَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ أَنْتِ، قَالَتْ: أُمُّ مِلْدَمٍ، قَالَ: «أَتُرِيدِينَ أهل قباء؟» قالت نعم، قَالَ: فَحُمُّوا وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَاشْتَكَوْا إِلَيْهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ لَقِينَا مِنَ الْحُمَّى. قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنَّ شِئْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ طَهُورًا» ، قَالُوا: بَلْ تَكُونَ لَنَا طَهُورًا [ (4) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ لَاحِقٍ، أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّ أَهْلَ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ» ، وَبِهِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لها: «من أن؟» قَالَتْ: أَنَا الْحُمَّى أُبَرِئُ اللَّحْمَ، وَأَمُصُّ الدَّمَ، قَالَ: «اذْهَبِي إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ» ، فَأَتَتْهُمْ فجاؤوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدِ اصْفَرَّتْ وُجُوهُهُمْ، فَشَكَوَا الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا شِئْتُمْ؟ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فكشفها عنكم، وإن
شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهَا فَأَسْقَطَتْ ذُنُوبَكُمْ» ، قَالُوا: بَلْ نَدَعُهَا يَا رَسُولَ اللهِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ الْغَنَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَتِ الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْعَثْنِي إِلَى أَحَبِّ قَوْمِكَ، أَوْ إِلَى أَحَبِّ أَصْحَابِكَ إِلَيْكَ- شَكَّ قُرَّةُ- فَقَالَ: «اذْهَبِي إِلَى الْأَنْصَارِ» ، قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصُبَّتْ عَلَيْهِمْ فصرعتهم، فجاؤوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: قَدْ أَتَتْ عَلَيْنَا، فَادْعُ اللهَ لَنَا بِالشِّفَاءِ، قَالَ: فَدَعَا لَهُمْ فَكُشِفَتْ عَنْهُمْ، قَالَ فَاتَّبَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ [اللهَ] [ (6) ] لِي إِنِّي لَمِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّ أَبِي لَمِنَ الْأَنْصَارِ فَادْعُ اللهَ لِي كَمَا دَعَوْتَ لَهُمْ، فَقَالَ: «أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ أَنْ أَدْعُوَ لَكَ فَيُكْشَفُ عَنْكِ أَوْ تَصْبِرِينَ و [تجب] [ (7) ] لَكِ الْجَنَّةُ» ، فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ بَلْ أَصْبِرُ ثَلَاثًا، وَلَا أَجْعَلْ مِنَ اللهِ بِجَنَّتِهِ خَطَرًا أَبَدًا. قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي قَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (8) ] . أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ صُبَيْحٍ أَخْبَرَهُمْ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدٍ، مِنْ أَهْلِ عَبَّادَانَ، أَنْبَأَنَا الْمُحَبَّرُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمُقْرِئِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقَّعِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ قَسَّمْهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَجَعَلَ لِكُلِّ
مِائَةٍ: سَهْمًا، وَهِيَ مُخْضَرَّةٌ مِنَ الْفَوَاكِهِ، فَوَاقَعَ النَّاسُ الْفَاكِهَةَ فَمَغَثَتْهُمُ الْحُمَّى، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ، وَسِجْنُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ من النار، فإذ أَخَذَتْهُمْ فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، فَصُبُّوهَا عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ- يَعْنِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ، قَالَ: فَفَعَلُوا فَذَهَبَ عَنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ وِعَاءً إِذَا مُلِئَ شَرًّا مِنَ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاجْعَلُوا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ، وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ، وَثُلُثًا للريح» [ (9) ] .
باب ما جاء في رشه على جابر بن عبد الله من وضوئه حتى عقل بعد ما كان لا يعقل.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رَشِّهِ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مِنْ وَضُوئِهِ حَتَّى عَقَلَ بَعْدَ مَا كَانَ لَا يَعْقِلُ. أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنْبَأَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ فَوَجَدَنِي لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، فَرَشَّ مِنْهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [ (1) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ [ (2) ] .
باب ما جاء في أمره بالغسل للمعين، وما ظهر فيه من الشفاء.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِهِ بِالْغُسْلِ لِلْمَعِينِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْمَهْرَجَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، فَلُبِطَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مَكَانَهُ، فأتى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ بِهِ أَحَدًا؟ قَالُوا نَتَّهِمُ بِهِ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ [فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ] [ (1) ] فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَلَا بَرَّكْتَ! اغْسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ لَهُ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلِهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ دَاخِلَةُ إِزَارِهِ هُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الجلدة [ (2) ] .
باب ما جاء في أمره الرجل الذي شكا إليه استطلاق بطن أخيه بسقي العسل، وما جعل الله تعالى فيه من الشفاء، وليس ذلك من الطب بسبيل.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِهِ الرَّجُلَ الَّذِي شَكَا إِلَيْهِ اسْتِطْلَاقَ بَطْنِ أَخِيهِ بِسَقْيِ الْعَسَلِ، وَمَا جَعَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الطِّبِّ بِسَبِيلِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أَخِي قَدِ اسْتَطْلَقَ [ (1) ] بَطْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «اسْقِهِ عَسَلًا» ، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» ، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: «صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا» ، فَسَقَاهُ، فَبَرَأَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ [ (2) ] بُنْدَارٍ.
باب ما في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا فِي تَعْلِيمِهِ الضَّرِيرَ مَا كَانَ فِيهِ شِفَاؤُهُ حِينَ لَمْ يَصْبِرْ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، قال: سمعت عامر بْنَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ. أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِيَ، قَالَ: «فَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، وإن شِئْتَ دَعَوْتُ اللهَ» ، قَالَ: فَادْعُهُ. قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدَعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِيهَا لِي، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي» [ (1) ] . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ زَادَ مُحَمَّدَ بْنَ يُونُسَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ فَقَامَ وقد
أَبْصَرَ، وَرَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّيَالِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يزيد الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ ابن سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ وَهُوَ الْخَطْمِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قل: اللهم إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجَلِّي لِي بَصَرِي، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي، قال عثمان: فو الله مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعَيدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبَى عُثْمَانَ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللهُ، أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الشَّاشِيُّ الْقَفَّالُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي حَاجَتِهِ، وَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فشكا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قل: اللهم إني أسألك وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ
إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَتَقْضِي لِي حَاجَتِي، وَاذْكُرْ حَاجَتَكَ، ثُمَّ رُحْ حَتَّى أَرْفَعَ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَصَنَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَاءَ الْبَوَّابُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ، فَقَالَ انْظُرْ مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَقَالَ [لَهُ] [ (2) ] جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيَّ حتى كلمته فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ مَا كَلَّمْتُهُ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: أو تصبر؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، وصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجَلِّي لِي عَنْ بَصَرِي، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي قَالَ عثمان: فو الله ما تفرقنا وطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا بِطُولِهِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ أَلْحَقْتُهَا بِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سهل، عَنْ عَمِّهِ وَهُوَ عُثْمَانُ بن حنيف.
باب ما جاء في تعليمه عائشة رضي الله عنها دعاء الحمى فقالته فذهبت
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا دُعَاءَ الْحُمَّى فَقَالَتْهُ فَذَهَبَتْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ [ (1) ] جَارُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ وَلَدِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِيَ مَوْعُوكَةٌ، فَقَالَ: مَالِي أَرَاكِ هَكَذَا، فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي هَذِهِ الْحُمَّى وَسَبَّتْهَا، فَقَالَ: لَا تَسُبِّيهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتِ عَلَّمْتُكِ كَلِمَاتٍ إِذَا تَلَوْتِهِمْ أَذْهَبَهَا اللهُ تَعَالَى عَنْكِ، قَالَتْ: فَعَلِّمْنِي، قَالَ: قُولِي: اللهُمَّ ارْحَمْ جِلْدِيَ الرَّقِيقَ، وَعَظْمِيَ الدَّقِيقَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِيقِ يَا أُمُّ مِلْدَمٍ، إِنْ كُنْتِ آمَنْتِ بِاللهِ الْعَظِيمِ فَلَا تَصْدَعِي الرَّأْسَ وَلَا تُنْتِنِي الْفَمَ، وَلَا تَأْكُلِي اللَّحْمَ، وَلَا تَشْرَبِي الدَّمَ وَتَحَوَّلِي مِنِّي إِلَى مَنِ اتَّخَذَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، قَالَ: فَقَالَتْهَا، فَذَهَبَتْ عنها [ (2) ] .
باب ما جاء في دعائه لصاحب القرحة حتى صح وبرئت القرحة
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِصَاحِبِ الْقُرْحَةِ حَتَّى صَحَّ وَبَرِئَتِ الْقُرْحَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ بِرِجْلِهِ قُرْحَةٌ قَدْ أَعْيَتْ عَلَى الْأَطِبَّاءِ، فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَى رِيقِهِ، ثُمَّ رَفَعَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ، فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَى التُّرَابِ، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا عَلَى الْقُرْحَةِ ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِكَ اللهُمَّ رِيقُ بَعْضِنَا بِتُرْبَةِ أَرْضِنَا لِيُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا. هَذَا الدُّعَاءُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَوْصُولًا.
باب ما جاء في الدعاء الذي علمه أبا بكر رضي الله عنه في الدين فدعا به فقضى الله عنه دينه
بَابُ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الدَّيْنِ فَدَعَا بِهِ فَقَضَى الله عَنْهُ دَيْنَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الحافظ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أحمد ابن الْهَيْثَمِ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن سعيد الْأَيْلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. أَنَّ أَبَاهَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ دُعَاءً كَانَ يُعَلِّمُنَاهُ وذكر أن عيسى بن مَرْيَمَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (2) ] كَانَ يُعَلِّمُهُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَبَلُ دَيْنٍ ذَهَبًا قَضَاهُ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ فَارِجَ الْهَمِّ وَكَاشِفَ الْغَمِّ مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهَا أَنْتَ
تَرْحَمُنِي فَارْحَمْنِي بِرَحْمَةٍ تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ عَلَيَّ دَيْنٌ وَكُنْتُ لِلدَّيْنِ كَارِهًا، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَنِي اللهُ بِفَائِدَةٍ، فَقَضَى اللهُ مَا كَانَ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَكَانَ لِأَسْمَاءَ عَلَيَّ دِينَارٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، فَكُنْتُ أَسْتَحِي مِنْهَا كُلَّمَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا، فَكُنْتُ أَدْعُو بِذَلِكَ الدُّعَاءِ [فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَنِي اللهُ بِرِزْقٍ مِنْ] [ (3) ] غَيْرِ مِيرَاثٍ وَلَا صَدَقَةٍ، فَقَضَيْتُهَا وَحَلَّيْتُ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ثَلَاثَ أَوَاقٍ، وَفَضَلَ لَنَا فَضْلٌ حَسَنٌ. لَفْظُ حَدِيثِ الصَّغَانِيِّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (4) ] الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن القاسم ابن مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم دُعَاءً عَلَّمَنِيهِ، قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَمَ يُعَلِّمَهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَبَلُ ذَهَبٍ دَيْنًا فَدَعَا بِذَلِكَ لَقَضَاهُ اللهُ عَنْهُ. فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ عَائِشَةَ. تَفَرَّدَ بِهِ الْحَكَمُ عَنِ الأيليّ [ (5) ] .
باب ما جاء في نفثه في عينين كانتا مبيضتين لا يبصر صاحبهما بهما حتى أبصر
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفْثِهِ فِي عَيْنَيْنِ كَانَتَا مُبْيَضَّتَيْنِ لَا يُبْصِرُ صَاحِبُهُمَا بِهِمَا حَتَّى أَبْصَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَامَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ خَالَهَا حَبِيبَ بْنَ فُوَيْكٍ حَدَّثَهَا، أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَعَيْنَاهُ مُبْيَضَّتَانِ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا، فَسَأَلَهُ مَا أَصَابَكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أُمْرِئُ [ (1) ] جَمَلِي فَوَقَعَتْ رِجْلَيَّ عَلَى بِيضٍ فَأُصِيبَ بَصَرِي، فَنَفَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنِهِ فَأَبْصَرَ، فَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ، وَإِنَّهُ لِابْنِ ثَمَانِينَ وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَمُبْيَضَّتَانِ [ (2) ] وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِهَا فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أصيبت [ (3) ] .
باب في نفثه صلى الله عليه وسلم في يد محمد بن حاطب وقد احترقت حتى برئت
بَابٌ فِي نَفْثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَقَدِ احْتَرَقَتْ حَتَّى بَرِئَتْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ ابن حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاطِبٍ، يَقُولُ: وَقَعَتْ عَلَى يَدَيَّ الْقِدْرُ، فَاحْتَرَقَتْ فَانْطَلَقَتْ بِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ عَلَيْهَا وَيَقُولُ: أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ [وَأَحْسَبُهُ قَالَ] [ (1) ] وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ ابن يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: صَنَعَتْ أُمِّي مَرِيعَةً، فَأَهْرَاقَتْ عَلَى يَدَيَّ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ كَلَامًا لَمْ أَحْفَظْهُ، وَسَأَلْتُهَا عَنْهُ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قَالَ: أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ [بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ] [ (4) ] ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ [ (5) ] ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَمِيلٍ أُمِّ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَتْ: أَقْبَلْتُ بِكَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ بِلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ طَبَخْتُ لَكَ طَبِيخًا فَفَنِيَ الْحَطَبُ، فَرُحْتُ لِطَلَبِ الْحَطَبِ، فَتَنَاوَلْتَ الْقِدْرَ فَانْكَفَتْ عَلَى ذِرَاعِكَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا مُحَمَّدَ بْنَ حَاطِبٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمَيِّ بِكَ، فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِكَ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيكَ، وَجَعَلَ يَتْفُلُ عَلَى يَدَيْكَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءٌ لَا يفاد سَقَمًا، قَالَتْ: فَمَا قُمْتُ بِكَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى برئت يدك.
باب ما جاء في نفثه في كف شرحبيل الجعفي ووضع كفه على السلعة التي كانت بكفه حتى ذهبت
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفْثِهِ فِي كَفِّ شُرَحْبِيلَ الْجُعْفِيِّ وَوَضْعِ كَفِّهِ عَلَى السَّلْعَةِ الَّتِي كَانَتْ بِكَفِّهِ حَتَّى ذَهَبَتْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ عُقْبَةَ بن عبد الرحمن ابن شُرَحْبِيلَ الْجُعْفِيُّ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَبِكَفِّي سَلْعَةٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذِهِ السَّلْعَةُ قَدْ آذَتْنِي تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ قَائِمِ السَّيْفِ أَنْ أَقْبِضَ عَلَيْهِ عَنَانَ الدَّابَّةِ، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ لِي: افْتَحْ كَفَّكَ فَفَتَحْتُهَا ثُمَّ قَالَ: اقْبِضْهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: افْتَحْهَا فَفَتَحْتُهَا، فَنَفَثَ فِي كَفِّي، وَوَضَعَ كَفَّهُ عَلَى السَّلْعَةِ فَمَا زَالَ يَطْحَنُهَا بِكَفِّهِ حَتَّى رَفَعَهَا عَنْهَا، وَمَا أَدْرِي أَيْنَ أَثَرُهَا. وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَبَا سَبْرَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي بِظَهْرِ كَفِّي سَلْعَةً قَدْ مَنَعْتَنِي مِنْ خِطَامِ رَاحِلَتِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ [فَجَعَلَ] [ (1) ] يَضْرِبُ بِهِ عَلَى السَّلْعَةِ وَيَمْسَحُهَا، فَذَهَبَتْ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بنيه، أَحَدُهُمَا: سَبْرَةُ، وَالْآخَرُ عَزِيزٌ، فَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمن.
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ فَرَحِ بْنِ سَعِيدٍ [الْوَاقِدِيِّ] [ (2) ] عَنْ عَمِّهِ ثَابِتِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ كَانَ بِوَجْهِهِ جَدْرَةٌ يَعْنِي الْقُوبَاءَ وَقَدِ الْتَمَعَتْ وَجْهَهُ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَلَمْ يُمْسِ، ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمِنْهَا أثر.
باب ما جاء في تفله في جراحة خبيب بن إساف ويقال: ابن يسار [1] ، وبرئهه [2]
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْلِهِ فِي جِرَاحَةِ خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ وَيُقَالُ: ابْنُ يسار [ (1) ] ، وبرئهه [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ هُوَ الْمِيكَالِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَبْدُ الله بن محمد ابن خَلَّادٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا الْمُسْتَلِمُ أبو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم إنا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا نَشْتَهِي مَعَكَ مَشْهَدًا، قَالَ: أَسْلَمْتُمْ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَأَصَابَتْنِي ضَرْبَةٌ عَلَى عَاتِقِي فَخَانَتْنِي فَتَغَلَّقَتْ يَدِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَتَفَلَ فِيهَا وَأَلْزَقَهَا، فَالْتَأَمَتْ، وَبَرَأَتْ وَقَتَلْتُ الَّذِي ضَرَبَنِي ثُمَّ تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ فقتلته، وحَدَّثَتْنِي فَكَانَتْ تَقُولُ لَا عَدِمْتُ رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ، فَأَقُولُ: لَا عَدِمْتِ رَجُلًا عَجَّلَ أَبَاكِ إِلَى النَّارِ [ (3) ] .
باب ما جاء في دعائه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولغيره بالشفاء وإجابة الله تعالى له فيما دعاه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ رضي الله عنه وَلِغَيْرِهِ بِالشِّفَاءِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ فِيمَا دَعَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَمَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أَتَى علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا شَاكٍ أَقُولُ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَجْلِي قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِي وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَارْفَعْنِي، وَإِنْ كَانَ بَلَاءٌ فَصَبِّرْنِي، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اشْفِهِ أَوْ قَالَ: اللهُمَّ عَافِهِ، قَالَ عَلِيٌّ فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِي ذَلِكَ بَعْدُ. وَقَدْ مَضَى فِي فَتْحِ خَيْبَرَ دُعَاؤُهُ لَهُ، وَفِي بَعْثِهِ إِلَى الْيَمَنِ دُعَاؤُهُ لَهُ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ الدُّعَاءَ الَّذِي عَلَّمَهُ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ عَقِيبَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يَرْكَعْهُنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى كَانَ لَا يَأْخُذُ فِيمَا خَلَا أَرْبَعَ آيَاتٍ فَصَارَ يَأْخُذُ أَرْبَعِينَ آيَةً وَنَحْوَهَا [ (1) ] ، وما
يَسْمَعُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ مَضَى حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَأَخَذَتْ أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا وَغَيْرَهُمَا الْحُمَّى، فَدَعَا بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَنَقْلِهَا إِلَى الْجُحْفَةِ وإجابة الله تعالى له فِيمَا دَعَاهُ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا، ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عن أيوب
السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدٍ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ، عَنْ أَبِيهِ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ بِمَكَّةَ فَبَكَى فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: قَدْ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتَ مِنْهَا كَمَا مَاتَ سَعْدُ بن خَوْلَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَتِي أَوَمَا أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ فَبِالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَالنِّصْفِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَبِالثُّلُثِ، قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّكَ إِنْ تَدَعْ أَهْلَكَ بِخَيْرٍ [أَوْ قَالَ] [ (2) ] بِعَيْشٍ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. وَقَالَ بِيَدِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا كَثِيرٌ أَبُو الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَصَابَهَا وَرَمٌ فِي رَأْسِهَا وَوَجْهِهَا، وَأَنَّهَا بَعَثَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ اذْكُرِي وَجَعِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِينِي، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَ أَسْمَاءَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَسْمَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهَا وَرَأْسِهَا مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ أَذْهِبْ عَنْهَا سُوءَهُ وَفُحْشَهُ بِدَعْوَةِ نَبِيِّكَ الطيب
الْمُبَارَكِ الْمَكِينِ عِنْدَكَ، بِسْمِ اللهِ. صَنَعَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَذَهَبَ الْوَرَمُ. قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي كَثِيرًا: يَصْنَعُ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ يَقُولُهَا وِتْرًا ثَلَاثًا. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هَذَا ابْنِي وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ كَمَا تَرَى فَادْعُ اللهَ أَنْ يُمِيتَهُ! فَقَالَ: أَدْعُو اللهَ أَنْ يَشْفِيَهُ، وَيَشِبَّ وَيَكُونَ رَجُلًا صَالِحًا، فَيُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَدَعَا لَهُ فَشَفَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَشَبَّ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَقَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ [فَقُتِلَ] [ (4) ] فَدَخَلَ الْجَنَّةَ. هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي الْفَوَائِدِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْأَصَمُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْعَبَّاسِ الْكَابُلِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ [ (5) ] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ بِابْنِي هَذَا جُنُونًا وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ غَدَائِنَا وعَشَائِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا، قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ فَثَعَّ ثَعَّةً فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مِثْلُ الْجَرْوِ الْأَسْوَدِ فَسَعَى. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنبأنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُوحِ، ابن ذَكْوَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ مَعَ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ إِلَى مُؤْتَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَشْتَكِي ضِرْسِي آذَانِي، وَاشْتَدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَأَدْعُوَنَّ لَكَ بِدَعْوَةٍ لَا يَدْعُو بِهَا مُؤْمِنٌ مَكْرُوبٌ إِلَّا كَشَفَ اللهُ عَنْهُ كَرْبَهُ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى الْخَدِّ الَّذِي فِيهِ الْوَجَعُ، وَقَالَ: اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ سُوءَ مَا يَجِدُ وَفُحْشَهُ بِدَعْوَةِ نَبِيِّكَ الْمُبَارَكِ الْمَكِينِ عِنْدَكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ [ (6) ] ، قَالَ: فَشَفَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَبْرَحَ. هَذَا مُنْقَطِعٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهِ، أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ قدر تقور بِلَحْمٍ فَأَعْجَبَتْنِي شَحْمَةٌ فَأَخَذْتُهَا فَازْدَرَتُّهَا، فَاشْتَكَيْتُ مِنْهَا سَنَةً، ثُمَّ إِنِّي ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهَا أَنْفُسُ سَبْعَةِ أَنَاسِيَّ، ثُمَّ مَسَحَ بَطْنِي فألقيتها خضراء، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا اشْتَكَيْتُ بَطْنِي حَتَّى السَّاعَةِ. كَذَا عَنْ رَافِعٍ فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ يَعْقُوبَ. قَالَ يعقوب: واظنّ
أَنَّ الْمَدَائِنِيَّ كَانَ صَيَّرَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَكَانَ كَمَا شَاءَ اللهُ، وَكَانَ عِنْدَ أَبِي بُكَيْرِ: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ غَلَطٌ. عُبَيْدٌ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بن عاض، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قِدْرٌ تَجِيشُ بِلَحْمٍ، وَإِذَا فِيهَا شَحْمَةٌ، فَأَهْوَيْتُ فَأَخَذْتُهَا فَالْتَقَمْتُهَا، فَاشْتَكَيْتُ بَطْنِي عَلَيْهَا سَنَةً، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي أَنْفُسِ سَبْعَةِ أُنَاسٍ، قَالَ: فَمَسَحَ بَطْنِي فَوَضَعْتُهَا خَضْرَاءَ، فَمَا اشْتَكَيْتُ بَطْنِي بَعْدُ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا هَيْثَمٌ الْبُكَاءُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ مَرِضَ فَعَادَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ادْعُ رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُ أَنْ يُعَافِيَنِي، فَقَالَ: «اللهُمَّ اشْفِ عَمِّي» فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّ رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُ لَيُطِيعُكَ قَالَ وَأَنْتَ يَا عَمَّاهُ لَئِنْ أَطَعْتَ اللهَ لُيُطِيعَنَّكَ تَفَرَّدَ بِهِ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، وَالْهَيْثَمُ [ (7) ] ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.
وَفِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَأَنْزَى أَخِي: عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ فَرَسًا لَهُ خَنْدَقًا. [فَأَصَابَ رِجْلَهُ جِدَارُ الْخَنْدَقِ] [ (8) ] فَدَمَّتْهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ فَمَسَحَهَا وَقَالَ بِسْمِ اللهِ، فَمَا آذاه منها شيء [ (9) ] .
باب ما جاء في المرأتين اللتين اغتابتا وهما صائمتان، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالة صدق القرآن، وفيه حديث الصبي الذي كان يجن فدعا له فخرج من جوفه جرو أسود.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اغْتَابَتَا وَهُمَا صَائِمَتَانِ، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدِلَالَةِ صِدْقِ الْقُرْآنِ، وَفِيهِ حَدِيثُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُجَنُّ فَدَعَا لَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ جَرْوٌ أَسْوَدُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَا: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا، وإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا تَمُوتَانِ مِنَ الْعَطَشِ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَوْ سَكَتَ، ثُمَّ عَادَ، قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: بِالْهَاجِرَةِ، فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّهُمَا وَاللهِ قَدْ مَاتَتَا أَوْ كَادَتَا تَمُوتَانِ، فَقَالَ: ادْعُهُمَا فجاءتا، قال: فجيء بقدح، أو عسّ فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا قِيئِي، فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ [وَدَمٍ] [ (1) ] وَصَدِيدٍ، حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى: قيئي فَقَاءَتْ قَيْحًا وَدَمًا وَصَدِيدًا وَلَحْمًا عَبِيطًا، وَغَيْرَهُ حَتَّى مَلَأْتِ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللهُ لَهُمَا، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمَا، جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَعَلَتَا تَأْكُلَانِ لُحُومَ النَّاسِ. كَذَا قَالَ عُبَيْدٌ وهو الصحيح [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ أَظُنُّهُ قَالَ فِي حَلْقَةِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِصِيَامٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ قَدْ بَلَغَهُمَا الْجَهْدُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: ادْعُهُمَا، فَجَاءَتَا بِعُسٍّ أَوْ قَدَحٍ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا، فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا قِيئِي، فَقَاءَتْ لَحْمًا وَدَمًا عَبِيطًا وَقَيْحًا وَدَمًا، وَقَالَ لِلْأُخْرَى: مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللهُ لَهُمَا، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمَا، أَتَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَلَمْ يَزَالَا يَأْكُلَانِ لُحُومَ النَّاسِ حَتَّى امْتَلَأَتْ أَجْوَافُهُمَا قَيْحًا. كَذَا قَالَ عَنْ سَعْدٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي الْفَوَائِدِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْأَصَمُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْكَابُلِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِابْنٍ، لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ بِابْنِي هَذَا جُنُونٌ وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ غَدَائِنَا، وَعِنْدَ عَشَائِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا، قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ رَأْسَهُ وَدَعَا، فَثَعَّ ثَعَّةً فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مثل الجر والأسود، فسعى.
باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب [1]- رضي الله عنه - حين شك في القراءة وإجابة الله تعالى له فيما دعاه في الحال
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [ (1) ]- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ وإجابة اللهِ تَعَالَى لَهُ فِيمَا دَعَاهُ فِي الْحَالِ أَخْبَرَنَا أَبُو محمد: عبد الله بن يوسف الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ [حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ] [ (2) ] أَنْبَأَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِرَجُلَيْنِ قَدِ اخْتَلَفَا فِي الْقِرَاءَةِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَاسْتَقْرَأَهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَحَسَنْتُمَا، قَالَ أُبَيٌّ فَدَخَلَ فِي قَلْبِي مِنَ الشَّكِّ أَشَدُّ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ، قَالَ فَارْفَضَضْتُ عَرْقًا، وَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى اللهِ فَرَقًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فقال: اقرؤا الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلٌّ شَافٍ كَافٍ [ (3) ] .
باب ما جاء في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - باستجابة الدعاء، وما ظهر من إجابة الله تعالى دعاء رسوله فيه
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ إِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَ رَسُولِهِ فِيهِ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدٍ: اللهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ [ (1) ] . وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أحمد ابن سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ. كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَشَكَوْا سَعْدًا، قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ! فَقَالَ: عَهْدِي بِهِ وَهُوَ حَسَنُ الصَّلَاةِ، فَدَعَاهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ صَلَّيْتُ بِهِمْ أَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ [ (2) ] وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ [ (3) ] ، فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ. أَبَا إِسْحَاقَ! فَبَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ، فَطِيفَ بِهِ فِي مَسَاجِدِ الْكُوفَةِ، فَلَمْ يُقَلْ لَهُ إِلَّا خَيْرًا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَسْجِدٍ فَإِذَا رَجُلٌ يُدْعَا: أَبَا سعدة [ (4) ] ، فقال:
اللهُمَّ إِنْ كَانَ لَا يَنْفِرُ فِي السَّرِيَّةِ وَلَا يُقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ، قَالَ: فَغَضِبَ سَعْدٌ وَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَأَشْدُدْ فَقْرَهُ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ الْفِتَنَ، قَالَ: فَزَعَمَ ابْنُ عُمَيْرٍ أَنَّهُ رَآهُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، قَدِ افْتَقَرَ وَافْتُتِنَ، فَمَا يَجِدُ شَيْئًا. قِيلَ كَيْفَ أَنْتَ أَبَا سَعْدَةَ؟ فَيَقُولُ: كبير مفتون أجبت فِيَّ دَعْوَةُ سَعْدٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْدَانَ، وَأَبُو نَصْرِ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّفَّارُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: بَيْنَمَا سَعْدٌ يَمْشِي إِذْ مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَشْتِمُ عَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: إِنَّكَ لَتَسِبُّ قَوْمًا قَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا سَبَقَ، وَاللهِ لَتَكُفَّنَّ عَنْ سَبِّهِمِ أَوْ لَأَدْعُوَنَّ اللهَ عَلَيْكَ، قَالَ: يُخَوِّفْنِي كَأَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ يَسُبُّ أَقْوَامًا قَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنْكَ مَا سَبَقَ، فَاجْعَلْهُ الْيَوْمَ نَكَالًا. قَالَ: فَجَاءَتْ بُخْتِيَّةٌ فَأَفْرَجَ النَّاسُ فَتَخَبَّطَتْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ يَتَّبِعُونَ سَعْدًا، وَيَقُولُونَ: اسْتَجَابَ اللهُ لَكَ أبا إسحاق [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (7) ] يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ لَبِيبَةَ عَنْ جَدِّهِ قَالَ دَعَا سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّ لِيَ بَنِينَ صِغَارًا فَأَخِّرْ عَنِّيَ الْمَوْتَ حَتَّى يَبْلُغُوا فَأَخَّرَ الْمَوْتَ عنه عشرين سنة [ (8) ] .
باب ما جاء في دعائه لعبد الله بن عباس - رضي الله عنه - بالفقه في الدين والعلم بالتأويل وإجابة الله دعاءه فيه
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ وَإِجَابَةِ اللهِ دُعَاءَهُ فِيهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بن أبي يزيد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [ (1) ] ، قَالَ: اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمُسْنِدِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ ابن حَرْبٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي النَّضْرِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأبو عُثْمَانَ بْنِ عَبْدَانَ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفَيَّ أَوْ عَلَى مَنْكِبَيَّ- شَكَّ شُعْبَةُ- ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عوف، أَنْبَأَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَدْرَكَ أَسْنَانَنَا مَا عَاشَرَهُ رَجُلٌ مِنَّا، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ [ (4) ] [وَاللهِ تَعَالَى أَعْلَمُ بالصواب] [ (5) ] .
باب دعاؤه لأنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه بكثرة المال والولد وإجابة الله تعالى له فيه.
بَابٌ دُعَاؤُهُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وإجابة اللهِ تَعَالَى لَهُ فِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ لَهُ- تَعْنِي أَنَسًا- قَالَ: «اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا رَزَقْتَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ شُعْبَةَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، أَنْبَأَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سليم، وهِيَ أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِخِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أُنَيْسٌ أتيتك به يخدمك،
فَادْعُ اللهَ لَهُ: قَالَ: اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، قال أنس: فو الله إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي، وَوَلَدَ وَلَدِي يَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مَعْنٍ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً [ (3) ] . قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، قَالَ: فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا. قَالَ أَنَسٌ: وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ قَدْ دُفِنَ مِنْ صُلْبِي إِلَى مَقْدَمِ الحجاج البصرية: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ أَنْبَأَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهَا رَيْحَانٌ يجيء
مِنْهَا رِيحُ الْمِسْكِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَسَمِعْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ أُنَيْسٌ فَدَعَا لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ دَعَوَاتِ قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ، وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الْآخِرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ أَخُو خَطَّابٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِهْرَانَ الْهَدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا رَسُولَ اللهِ: أَنَسٌ خَادِمُكَ ادْعُ اللهَ لَهُ. قَالَ: «اللهُمَّ عَمِّرْهُ، وَأَكْثِرْ مَالَهُ، وَاغْفِرْ لَهُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ أَنَسًا عُمِّرَ مِائَةً إِلَّا سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ [ (7) ] . قُلْتُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي فَضَائِلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا خَطَّابُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَوْمٌ فِي الْمَسْجِدِ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ يَدْعُونَ، فَقَالَ تَرَى بِأَيْدِيهِمْ مَا أَرَى؟ فَقُلْتُ: وَمَا بِأَيْدِيهِمْ؟ قَالَ: بِأَيْدِيهِمْ نُورٌ، قُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُرِيَنِيهِ، فَدَعَا، فَأَرَانِيهِ، فَأَسْرَعَ، فَرَفَعْنَا أَيْدِينَا. قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يتابع عليه [ (8) ] .
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة لحمل أم سليم من أبي طلحة
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ لِحَمْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ ابْنٌ فَمَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَلَمَّا مَاتَ غَطَّتْهُ أُمُّهُ بِثَوْبٍ فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ أَمْسَى ابْنِي؟ قَالَتْ: أَمْسَى هَادِئًا، فَتَعَشَّى ثُمَّ قَالَتْ لَهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعَارَكَ عَارِيَةً ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْكَ إِذًا جَزِعْتَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَتْ: فَإِنَّ اللهَ أَعَارَكَ ابْنَكَ، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْكَ، قَالَ: فَغَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهَا، وَقَدْ كَانَ أَصَابَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا» ، قَالَ: فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ زَمَانِهِ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ، كَانَتْ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تحب أَبِي طَلْحَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا فَمَاتَ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى حَاجَتِهِ فَلَمَّا جَاءَ مِنَ اللَّيْلِ أَتَتْهُ
امْرَأَتُهُ بِتُحْفَتِهِ الَّتِي كَانَتْ تَأْتِيَهُ بِهَا، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهَا مَا يَطْلُبُ الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا رَأَيْتَ كَمَا فَعَلَ جِيرَانُنَا هَؤُلَاءِ أَنَّهُمُ اسْتَعَارُوا عَارِيَةً فَجَاءَ أَصْحَابُهَا يَطْلُبُونَهَا فَأَبَوْا أَنْ يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعُوا! قَالَتْ: فَأَنْتَ هُوَ كَانَ ابْنُكَ عَارِيَةً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا، فَتَلَقَّتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَ عَبَايَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُ لِذَلِكَ الْغُلَامِ سَبْعَةَ بَنِينَ كُلَّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ. وَرَوَاهُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَوْصُولًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ فِي آخِرِ قِصَّةِ تَحْنِيكِهِ ذَلِكَ الصَّبِيَّ: ثُمَّ مَسَحَ نَاصِيَتَهُ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْمَسْحَةُ غُرَّةً فِي وَجْهِهِ [ (2) ] .
أخبرنا أبو الحسن المقري أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ أُبَيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرُّقَادِ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ. فَذَكَرَهُ.
باب ما جاء في إشارته على أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه وغيره بما يكون سببا للحفظ وإجابة أبي هريرة رضي الله عنه إليه، وتحقيق الله سبحانه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر فيه من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِشَارَتِهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ بِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحِفْظِ وَإِجَابَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَيْهِ، وَتَحْقِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنْبَأَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن الْأَعْرَجِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى الْآيَةَ [ (1) ] ، قَالَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَاللهُ الْمَوْعِدُ، وَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟ وَمَا بَالُ الْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟ وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ تَشْغَلُهُمْ صَفَقَاتُهُمْ فِي الْأَسْوَاقِ، وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ أَرَضُوهُمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا، وَإِنِّي كُنْتُ امْرءًا مِسْكِينًا، وَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْضُرُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسَوْا، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ حَدِيثِي، ثُمَّ يَقْبِضُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي أَبَدًا» ، قَالَ: فَبَسَطْتُ ثَوْبِي أَوْ قَالَ نَمِرَتِي، ثُمَّ حَدَّثَنَا فقبضته إليّ، فو الله مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، وَايْمُ اللهِ لَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا، ثُمَّ تَلَا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الآية كلها.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (2) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ. وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي دُعَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ عِلْمًا لَا يُنْسَى وَتَأْمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى دُعَائِهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَغَيْرِهِ فِي تَصْدِيقِهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ [ (3) ] .
باب ما جاء في دعائه لأم أبي هريرة بالهداية وإجابة الله تعالى له فيها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِأُمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْهِدَايَةِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ فِيهَا. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو: عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيرٍ الْغُبَرِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ، إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّنِي، قَالَ قُلْتُ وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا [ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَأَنَا دَعَوْتُهَا] [ (1) ] ، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (2) ] فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي أُبَشِّرُهَا بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كُنْتُ عَلَى الْبَابِ إِذَا الْبَابُ مُغْلَقٌ فَدَفَعْتُ الْبَابَ، فَسَمِعَتْ حِسِّي فَلَبِسَتْ ثِيَابَهَا، وَجَعَلَتْ عَلَى رَأْسِهَا خِمَارًا، وَقَالَتْ: ارْفُقْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَفَتَحَتْ لِي، فَلَمَّا دَخَلْتُ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللهِ، قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، كَمَا كُنْتُ أَبْكِي مِنَ الْحُزْنِ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَبْشِرْ يَا رَسُولَ اللهِ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ، وَهَدَى اللهُ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا» ، فَمَا عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّنِي وَأُحِبُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، وَذَكَرَ فيه غسلها [ (3) ] .
باب ما جاء في الشاب الذي لم ينفتح لسانه بالشهادة عند الموت، حتى رضيت عنه والدته.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّابِّ الَّذِي لَمْ يَنْفَتِحْ لِسَانُهُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، حَتَّى رَضِيَتْ عَنْهُ وَالِدَتُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَرْقَاءِ [ (1) ] ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَاهُنَا شَابًّا يَجُودُ بِنَفْسِهِ، يُقَالُ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ قَالَ فَنَهَضَ وَنَهَضْنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ، يَا شَابُّ: «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لِمَ» ؟ قَالَ: أُقْفِلَ عَلَى قَلْبِي كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَهَا، عَمَرَ الْقُفْلُ قَلْبِي، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: بِعُقُوقِي وَالِدَتِي. قَالَ: «أَحَيَّةٌ وَالِدَتُكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا، فَلَمَّا جَاءَتْ، قَالَ لَهَا: «هَذَا ابْنُكِ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَرَأَيْتِ إِنْ أُجِّجَتْ نَارٌ ضَخْمَةٌ فَقِيلَ لَكِ: أتشفعين له أم
تُلْقِينَهُ فِيهَا» ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ: أَشْفَعُ لَهُ، قَالَ: «فَأَشْهِدِي اللهَ وَأَشْهِدِينِي بِرِضَاكِ عَنْهُ» ، فَقَالَتِ: اللهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ رَسُولَكَ بِرِضَاي عَنْهُ، قَالَ: فَقَالَ يَا شَابُّ: «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» . قَالَ: فَقَالَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» ، قَالَ: فَقَالَ ثَلَاثًا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَكَ بِي مِنَ النَّارِ» [ (2) ] .
باب ما جاء في اليهودي الذي شمته فقال له: هداك الله، فأسلم إن صح.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْيَهُودِيِّ الَّذِي شَمَّتَهُ فَقَالَ لَهُ: هَدَاكَ اللهُ، فَأَسْلَمَ إِنْ صَحَّ. حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: كَامِلُ بْنُ أَحْمَدُ الْمُسْتَمْلِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ الْخُلْعَانِيُّ السِّمْنَانِيُّ بِدَامَغَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محمد ابن يُونُسَ السِّمْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزَامٍ السَّلِيطِيُّ الْبَصْرِيُّ، حدثنا محمد ابن عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ صَاحِبُ الْمَدْرَسَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزْدَادَ الرَّازِيُّ إِمْلَاءً بِبُخَارَى، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْمُقْرِئُ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: الْعَبَّاسُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزَامٍ، أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَبُو سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ يَهُودِيٌّ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، فَعَطَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِيِّ: «هَدَاكَ اللهُ» ، فَأَسْلَمَ [ (1) ] . هَذَا إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ.
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم للسائب [بن يزيد] [1] رضي الله عنه، وما ظهر فيه ببركة دعائه من الآثار.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِبِ [بْنِ يَزِيدَ] [ (1) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ مِنَ الْآثَارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر ابن دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: مَاتَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ جَلْدًا مُعْتَدِلًا، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا قَدْ مَيَعْتُ بِسَمْعِي وَبَصَرِي إِلَّا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ فَادْعُ اللهَ لَهُ. قَالَ: فَدَعَا لِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ: حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، أَنْبَأَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ مَوْلَى السَّائِبِ، قَالَ: كَانَ رَأْسُ السَّائِبِ أَسْوَدَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، وَوَصَفَ بِيَدِهِ أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ الْهَامَةِ إِلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَكَانَ سَائِرُهُ مُؤَخَّرَهُ، وَلِحْيَتُهُ، وَعَارِضَاهُ أَبْيَضَ، فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْجَبَ [ (3) ] شَعْرًا مِنْكَ، قَالَ: وَمَا تَدْرِي يَا بُنَيَّ لِمَ ذَلِكَ؟ إِنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِي وَأَنَا مَعَ الصِّبْيَانِ، فَقَالَ، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَخُو النَّمِرِ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، وَقَالَ: «بَارَكَ اللهُ فِيكَ» فَهُوَ لَا يَشِيبُ أَبَدًا [ (4) ] .
باب ما روي في شأن اليهودي الذي أخذ من لحية النبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا رُوِيَ فِي شَأْنِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَخَذَ مِنْ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ابن جَعْفَرٍ الرُّصَافِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيُّ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ. أَنَّ يَهُودِيًّا أَخَذَ مِنْ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ جَمِّلْهُ، فَاسْوَدَّتْ لحيته بعد ما كَانَتْ بَيْضَاءَ. لَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ. أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ جَمِّلْهُ» ، قَالَ: فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ، حَتَّى صَارَ أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ قَتَادَةَ يَذْكُرُ أَنَّهُ عَاشَ نَحْوًا مِنْ تِسْعِينَ سَنَةً فَلَمْ يَشِبْ. وَرَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ لِأَبِي دَاوُدَ مُخْتَصَرًا أَنَّ يَهُودِيًّا حَلَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ جَمِّلْهُ» فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ [ (1) ] .
باب ما جاء في شأن أبي زيد: عمرو بن أخطب الأنصاري [1] رضي الله عنه ودعائه له وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ أَبِي زَيْدٍ: عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ الْأَنْصَارِيِّ [ (1) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَدُعَائِهِ لَهُ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي [ (2) ] أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْنُ مِنِّي» [قَالَ] [ (3) ] فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ» [ (4) ] قَالَ: فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ إِلَّا نُبَذٌ يَسِيرٌ وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَتَقَبَّضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ. قُلْتُ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا الحسين بن واقد،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نَهِيكٍ الْأَزْدِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ، وَهُوَ أَبُو زَيْدٍ، قَالَ: اسْتَسْقَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَفِيهِ شَعْرَةٌ، فَرَفَعْتُهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ، فَقَالَ: «اللهُمَّ جَمِّلْهُ» قَالَ: فَرَأَيْتُهُ ابْنَ ثَلَاثِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَمَا فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ [ (5) ] ، وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَاشَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ.
باب ما جاء في مسحه صلى الله عليه وسلم رأس محمد بن أنس [1] ، وحنظلة [2] ، وعينيهما، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْحِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَ مُحَمَّدِ بْنِ أَنَسٍ [ (1) ] ، وَحَنْظَلَةَ [ (2) ] ، وَعَيْنَيْهِمَا، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْعُكْبَرِيَّ أَخْبَرَهُمْ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (3) ] ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ الْمَكِّيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ الزُّهْرِيِّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (4) ] يَحْيَى بْنُ مُوسَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ] [ (5) ] أَنْبَأَنَا إِدْرِيسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَنَسٍ الظَّفَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي يُونُسُ، عَنْ أبيه، قال:
قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ أُسْبُوعَيْنِ، فَأُتِيَ بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَمَسَحَ رَأْسِي وَحَجَّ بِي حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: «سَمُّوهُ اسْمِي وَلَا تَكْنُوهُ بِكُنْيَتِي» قَالَ قَالَ يُونُسُ: فَلَقَدْ عُمِّرَ أَبِي حَتَّى شَابَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَبِي، وَمَا شَابَ مَوْضِعُ يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَأْسِهِ وَلَا مِنْ لِحْيَتِهِ [ (6) ] . وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيَّ أَخْبَرَهُمْ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا الذَّيَّالُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ حُذَيْمِ بْنِ حَنِيفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي حَنْظَلَةَ يُحَدِّثُ أَبِي وَأَعْمَامَهُ: أن حنيفة جمع بنيه فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَصِيَّتِهِ وَقُدُومَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ: حُذَيْمٌ، وَحَنْظَلَةُ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنَا رَجُلٌ ذُو سِنٍّ، وَهَذَا ابْنِي حَنْظَلَةُ فَسَمِّتْ [ (7) ] عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلَامُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَهُ: بُورِكَ فِيكَ أَوْ قَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيكَ، وَرَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتِي بِالشَّاةِ الْوَارِمِ ضَرْعِهَا، وَالْبَعِيرِ وَالْإِنْسَانِ بِهِ الْوَرَمُ، فَيَتْفُلُ فِي يَدِهِ ويَمْسَحُ بِصَلْعَتِهِ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ عَلَى أَثَرِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَيَمْسَحُهُ فَيَذْهَبُ عَنْهُ [ (8) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ: حَنْظَلَةُ بْنُ حِذْيَمٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَنْظَلَةُ بْنُ حَنِيفَةَ بْنِ حِذْيَمٍ، قَالَ قَالَ حِذْيَمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي رَجُلٌ ذُو بَنِينَ، وَهَذَا أَصْغَرُ بَنِيَّ فَسَمِّتْ
عَلَيْهِ، قَالَ: تَعَالَ يَا غُلَامُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَمَسَحَ بِرَأْسِي، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيكَ، أَوْ بُورِكَ فِيكَ، فَرَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ فَيَمْسَحُ فِيهَا يَدَهُ يَقُولُ بِسْمِ اللهِ، فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ [ (9) ] . وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَاسْمُهُ مَدْلُولٌ، أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ مُقَدَّمُ رَأْسِ أَبِي سُفْيَانَ أَسْوَدَ مَا مَسَّتْهُ يَدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَائِرُهُ أَبْيَضَ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَطَرِ بْنِ الْعَلَاءِ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عمته وقطفة مَوْلَاةٍ لَهُمْ قَالَتْ سَمِعْنَا أَبَا سُفْيَانَ فَذَكَرَهُ [ (10) ] . وأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَبَّانِيُّ قَالَ: ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيْنَا، قَالَ: أَنْبَأَنَا فِطْرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي آمِنَةُ بِنْتُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ مَدْلُوكٍ «أَبِي سُفْيَانَ» . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَوْنٍ الْمَسْعُودِيُّ «أَبُو حَمْزَةَ» ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدَّتِهَا، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِسَيِّدِي عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: إِيشِ تَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: أَذْكَرُ أَنِّي غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ أَوْ سُدَاسِيٌّ أَجْلَسَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ، ودعا لي ولولدي بِالْبَرَكَةِ، قَالَتْ جَدَّتِي: فَنَحْنُ نَعْرِفُ ذَلِكَ أَنَّا لَا نَهْرَمُ. وَفِيمَا أَنْبَأَنِي [ (11) ] أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْعُكْبَرِيُّ حدثنا
أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبَّادٍ الْفَرْغَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَضَّاحِ بْنُ سَلَمَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْجُهَنِيِّ، ثُمَّ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيَّالَةِ فَأَسْلَمْتُ وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي، فَمَاتَ عَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةُ سَنَةٍ، وَمَا شَابَتْ مِنْهُ شَعْرَةٌ مَسَّتْهَا يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ [ (12) ] . وَرُوِّينَا عَنْ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ الشَّاعِرِ [ (13) ] : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ عَلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ عُمِّرَ مَالِكٌ حَتَّى شَابُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ وَمَا شَابَ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (14) ] . ورُوِّينَاهُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ عَاصِمٍ امْرَأَةِ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَكَانَ أَطْيَبَنَا رِيحًا، فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ عُتْبَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا شَكَا إِلَيْهِ أَخَذَ إِزَارَ عُتْبَةَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ وَنَفَثَ فِيهِمَا وَمَسَحَ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَهْرِهِ، وَالْأُخْرَى عَلَى بَطْنِهِ قَالَ: فَهَذِهِ الرِّيحُ مِنْ ذَلِكَ [ (15) ] .
باب ما روي في شأن قتادة بن ملحان وما ظهر على وجهه ببركة مسح النبي صلى الله عليه وسلم إياه من النور
بَابُ مَا رُوِيَ فِي شَأْنِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ وَمَا ظَهَرَ عَلَى وَجْهِهِ بِبَرَكَةِ مَسْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ مِنَ النُّورِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ح) . وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبِي، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَهَذَا لَفْظُ حديث بن مَعِينٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ، قَالَ نَرَاهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. قَالَ فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ قَتَادَةَ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَسَحَ وَجْهَهُ، قَالَ: وَكُنْتُ قَلَّمَا رَأَيْتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ كَانَ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانُ [ (2) ] .
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالبركة فكثر ماله حتى صولحت امرأة من نسائه من ربع الثمن على ثمانين ألفا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْبَرَكَةَ فَكَثُرَ مَالَهُ حَتَّى صُولِحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ مِنْ رُبْعِ الثَّمَنِ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا. أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ «بارك الله لك أو لم وَلَوْ بِشَاةٍ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ [ (1) ] وَحِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبِيرُ شَيْءٍ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عفاف بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عوف قدم المدينة
فَآخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَخِي، إِنِّي أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالًا، فَانْظُرْ شَطْرَ مَالِي فَخُذْهُ، وَلِيَ امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا لَكَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَدَلُّوهُ عَلَى السُّوقِ، فَاشْتَرَى، وَبَاعَ، وَرِبْحَ، وَجَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ أَقَطٍ وَسَمْنٍ ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَلْبَثَ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ ردع مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، قَالَ: فَمَا أَصْدَقْتَهَا، فَقَالَ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذهب، قال: أو لم وَلَوْ بِشَاةٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ تَحْتَهُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً [ (2) ] . قُلْتُ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَفِي قَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ، إِشَارَةٌ الى ذلك.
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم لعروة البارقي [1] في البركة في بيعه وطهورها بعده في ذلك، وكذلك في تجارة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ [ (1) ] فِي البركة في بيعه وطهورها بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي تِجَارَةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبَى طَالِبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، سَمِعَ قَوْمَهُ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَاةَ أُضْحِيَّةٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَى النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو منصور المظفر بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بن جعفر [ (3) ] وهو
يَبِيعُ شَيْئًا يَلْعَبُ بِهِ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي تجارته» [ (4) ] .
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة لأمته في بكورها
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ لِأُمَّتِهِ فِي بُكُورِهَا حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ [ (1) ] ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْعَثُ سَرِيَّةً إِلَّا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا فَكَانَ يَبْعَثُ غِلْمَانَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَضَعُهُ [ (2) ] .
باب في دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن هشام بالبركة وظهورها بعده
بَابٌ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ بِالْبَرَكَةِ وَظُهُورِهَا بَعْدَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ هِشَامٍ مِنَ السُّوقِ، أَوْ إِلَى السُّوقِ لِيَشْتَرِيَ الطَّعَامَ فَيَتَلَقَّاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ، فَيَقُولَانِ: أَشْرِكْنَا فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَيُشْرِكُهُمْ فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ هكذا [ (1) ] .
باب ما روي في دعائه بإذهاب البرد عن أهل مسجده وإجابة الله تعالى دعاءه
بَابُ مَا رُوِيَ فِي دُعَائِهِ بِإِذْهَابِ الْبَرْدِ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدِهِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [ (1) ] الْمَالِينِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُسْتَمْلِي، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ [ (2) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَذَّنْتُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا، فَقَالَ: أَيْنَ النَّاسُ يَا بِلَالُ؟ قُلْتُ: مَنَعَهُمُ الْبَرْدُ فَقَالَ: اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الْبَرْدَ، فَرَأَيْتُهُمْ يَتَرَوَّحُونَ [ (3) ] . تَفَرَّدَ بِهِ أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ وَمِثْلُهُ قَدْ مَضَى فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ حُذَيْفَةَ في قصة الخندق.
باب ما جاء في تفله في فم عبد الله بن عامر بن كريز، وما أصابه من بركته
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْلِهِ فِي فَمِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بن كُرَيْزٍ، وَمَا أَصَابَهُ مِنْ بَرَكَتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ أَنَّ عَامِرَ بْنَ كُرَيْزٍ أَتَى بِابْنِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ سِنِينَ، أو ست سِنِينَ، فَتَفَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَزْدَرِدُ رِيقَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَتَلَمَّظُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا مُسْقًى؟ قَالَ: فَكَانَ يُقَالُ: لَوْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَدَحَ حَجَرًا أَمَاهَهُ، يَعْنِي يَخْرُجُ مِنَ الْحَجَرِ الْمَاءُ مِنْ بَرَكَتِهِ [ (1) ] .
باب ما جاء في تفله في أفواه المرتضعين يوم عاشوراء فتكفوا به إلى الليل
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْلِهِ فِي أَفْوَاهِ الْمُرْتَضَعِينَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَتَكَفَّوْا بِهِ إِلَى اللَّيْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصفار، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَتْنَا عُلَيَّةُ بِنْتُ الْكُمَيْتِ الْعَتَكِيَّةُ، عَنْ أُمِّهَا: أُمَيْمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِأَمَةِ اللهِ بِنْتِ رُزَيْنَةَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَمَةَ اللهِ! أَسَمِعْتِ أُمَّكِ رُزَيْنَةَ [ (1) ] تَذْكُرُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ يُعَظِّمُهُ وَيَدْعُو بَرُضَعَائِهِ وَرُضَعَاءِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، وَيَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَيَقُولُ لِلْأُمَّهَاتِ: لَا تُرْضِعْنَهُنَّ إِلَى اللَّيْلِ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ لم يقل الْعَتَكِيَّةَ وَقَالَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي أُمَيْمَةُ وَلَمْ يَقُلْ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
باب ما جاء في تحنيكه محمد بن ثابت بن قيس بن شماس وبزاقه في فيه وما ظهر في ذلك ببركته من الآثار
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْنِيكِهِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قيس بن شماس وبُزَاقِهِ فِي فِيهِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ بِبَرَكَتِهِ مِنَ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ: الْحَسَنُ بْنُ يعقوب ابن يُوسُفَ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ: زَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ أَبَاهُ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَارَقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهِيَ حَامِلٌ بِمُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ حَلَفْتُ أَنْ لَا تُلْبِنَهُ مِنْ لَبَنِهَا، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَزَقَ فِي فِيهِ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرِ عَجْوَةٍ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، وَقَالَ: اخْتَلِفْ بِهِ فَإِنَّ اللهَ رَازِقُهُ، فَأَتَيْتُهُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ تَسْأَلُ عَنْ ثَابِتِ ابن قَيْسٍ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا تُرِيدِينَ مِنْهُ؟ أَنَا ثَابِتٌ، فَقَالَتْ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ كَأَنِّي أُرْضِعُ ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ! فَقَالَ: فَأَنَا ثَابِتٌ، وَهَذَا ابْنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: وَإِذَا دِرْعُهَا يَنْعَصِرُ مِنْ لبنها [ (1) ] .
باب ما جاء في دعائه لزوجين أحدهما يبغض الآخر بالألفة واستجابة الله دعاءه فيهما
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِزَوْجَيْنِ أَحَدُهُمَا يُبْغِضُ الْآخَرَ بِالْأُلْفَةِ وَاسْتِجَابَةِ اللهِ دُعَاءَهُ فِيهِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ [ (1) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَهُ فَعَرَضَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمَعِي زَوْجٌ لِي فِي بَيْتِي مِثْلُ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ادْعِي زَوْجَكِ فَدَعَتْهُ وَكَانَ خَرَّازًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُ امْرَأَتُكَ يَا عَبْدَ اللهِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا جَفَّ رَأْسِي مِنْهَا فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ في
الشَّهْرِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: أتبغضينه؟ قَالَتْ: نَعَمْ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أدنيا رؤوسكما فَوَضَعَ جَبْهَتَهَا عَلَى جَبْهَةِ زَوْجِهَا، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا وَحَبِّبْ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ النَّمَطِ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَطَلَعَتِ الْمَرْأَةُ تَحْمِلُ أَدَمًا عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَأَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَرَحَتْ وَأَقْبَلَتْ فَقَبَّلَتْ رِجْلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَنْتِ وَزَوْجُكِ؟ فَقَالَتْ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا طَارِفٌ وَلَا تَالِدٌ وَلَا وَالِدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللِّهْبِيُّ وَهُوَ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ لِلْمَنَاكِيرِ. قُلْتُ: قَدْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
باب ما جاء في شأن من شكا إليه الصداع
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ مَنْ شَكَا إِلَيْهِ الصُّدَاعَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن [أَبِي] عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ الكبي، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [ (1) ] قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: فِرَاسُ بْنُ عَمْرٍو أَصَابَهُ صُدَاعٌ شَدِيدٌ فَذَهَبَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ الصُّدَاعَ [الَّذِي بِهِ] [ (2) ] فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاسًا فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ بِجِلْدَةِ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَجَذَبَهَا حَتَّى تَنَقَّضَتْ فَنَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ جَبِينِهِ شَعْرَةٌ فَذَهَبَ عَنْهُ الصُّدَاعُ فَلَمْ يَصْدَعْ. قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: فَرَأَيْتُهَا كَأَنَّهَا شَعْرَةٌ قُنْفُذٍ فَقَالَ: فَهَمَّ بِالْخُرُوجِ عَلَى عَلِيٍّ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-[ (3) ] مَعَ أَهْلِ جروزاء قَالَ: فَأَخَذَهُ أَبُوهُ فَأَوْثَقَهُ وَحَبَسَهُ فَسَقَطَتْ تِلْكَ الشَّعَرَةُ
فَلَمَّا رَآهَا شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا مَا هَمَمْتَ بِهِ فَأَحْدِثْ تَوْبَةً فَأَحْدَثَ وَتَابَ. قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: فَرَأَيْتُهَا قَدْ سَقَطَتْ، فَرَأَيْتُهَا [ (4) ] بَعْدَ مَا نَبَتَتْ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ هَكَذَا. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَأَخَذَ بِجَبْهَتِهِ فَنَبَتَتْ شَعْرَةٌ فِي جَبْهَتِهِ كَأَنَّهَا هُلْبَةُ فَرَسٍ فَشَبَّ الْغُلَامُ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْخَوَارِجِ أَجَابَهُمْ فَسَقَطَتِ الشَّعَرَةُ عَنْ جَبْهَتِهِ فَأَخَذَهُ أَبُوهُ فَقَيَّدَهُ وَحَبْسَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَعَظْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: أَلَمْ تَرَ [إِلَى] [ (5) ] بَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَعَتْ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيهِمْ قَالَ: فَرَدَّ اللهُ بَعْدُ الشَّعَرَةَ فِي جَبْهَتِهِ إِذْ تَابَ. وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو أَبُو عَبْدِ اللهِ الْعُكْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حدثنا علي ابن زيد فذكره.
باب ما جاء في دعائه لنابغة [1] وإجابة الله - تعالى - له فيما دعاه به
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِنَابِغَةَ [ (1) ] وَإِجَابَةِ اللهِ- تَعَالَى- لَهُ فِيمَا دَعَاهُ بِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدٍ السُّكَّرِيُّ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّابِغَةَ نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ يَقُولُ أَنْشَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ هَذَا الشَّعْرَ فَأَعْجَبَهُ. «بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَثَرَاؤُنَا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مظهر» فَقَالَ لِي: إِلَى أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ. «فَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا» «وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَدْتَ لَا يُفْضَضُ فُوكَ. قَالَ يَعْلَى: فَلَقَدْ رأيته ولقد
أَتَى عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَمَا ذَهَبَ لَهُ سِنٌّ [ (2) ] . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَابِغَةَ يَقُولُ: سَمِعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأنا أَنْشُدُ مِنْ قُولِي: بَلَغَنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرُّمًا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ مَظْهَرَا ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِيَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ سِنَّهُ كَأَنَّهَا الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ مَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ وَلَا تَفَلَّتَتْ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي قِمَاشٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمٍ الْبَاهِلِيِّ: عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ سُلَيْمٍ فَذَكَرَهُ.
باب ما جاء في دعائه - صلى الله عليه وسلم - لأبي أمامة [1] وأصحابه حين سأل الدعاء بالشهادة بالسلامة وإصابة الغنيمة فكان كما دعاه
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي أُمَامَةَ [ (1) ] وَأَصْحَابِهِ حِينَ سَأَلَ الدُّعَاءَ بِالشَّهَادَةِ بِالَّسَلَامَةِ وَإِصَابَةِ الْغَنِيمَةِ فَكَانَ كَمَا دَعَاهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أبو سهل ابن زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ رجاء ابن حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: أَنْشَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوًا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ لِي بِالشَّهَادَةِ فَقَالَ: اللهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ. قَالَ: فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ فَقَالَ: اللهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ قَالَ: فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوًا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَتَيْتُكَ مَرَّتَيْنِ أَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ لِي بِالشَّهَادَةِ فَقَالَ: اللهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ، قَالَ: فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا. ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ آخُذُهُ عَنْكَ يَنْفَعُنِي اللهُ
بِهِ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ قَالَ: فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ لَا يُلْقَوْنَ إِلَّا صِيَامًا، فَإِذَا رَأَوْا نَارًا أَوْ دُخَانًا فِي مَنْزِلِهِمْ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدِ اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَمَرْتَنِي بِأَمْرٍ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ آخَرَ يَنْفَعْنِيَ اللهُ بِهِ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَ لَكَ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خِطْئَةً. هَكَذَا رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عن رجاء [ (2) ] ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ [ (3) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ الْهِلَالِيِّ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ مختصرا.
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن والشام والعراق بالهداية وما ظهر فيه من الإجابة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ بِالْهِدَايَةِ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنَ الْإِجَابَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أبي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ قَالَ: لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ وَحُطْ مِنْ وَرَائِهِمْ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَأَحِطْ مِنْ وَرَائِهِمْ. وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنس ابن مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قِبَلَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اللهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، ثُمَّ نظر قبل
الشَّامِ قَالَ: اللهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ فَقَالَ: اللهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا [ (2) ] . قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَغَازِيهِ وَأَسْفَارِهِ سَائِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي دَعَوَاتِهِ وَاسْتِنْصَارِهِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي إِعَادَتِهَا هَا هُنَا تطويل وبالله التوفيق.
باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم على من أكل بشماله ودعائه على من كان يختلج بوجهه وغيرهما وما ظهر في كل واحد منهما من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَكَلَ بِشِمَالِهِ وَدُعَائِهِ عَلَى مَنْ كَانَ يَخْتَلِجُ بِوَجْهِهِ وَغَيْرِهِمَا وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْإِسْفَاطِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَبْصَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بشر ابن رَاعِيَ الْعَنْزِ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ قَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ، قَالَ: فَمَا وَصَلَتْ يَدُهُ إِلَى فِيهِ بَعْدُ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ. قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ تَأْكُلُ بِشِمَالِهَا فَقَالَ: مَالِهَا تَأْكُلُ بِشِمَالِهَا أخذها داء غزّة، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ فِي يَمِينِي قُرْحَةً. قَالَ: وَإِنْ. قَالَ يَزِيدُ إِنَّ سُبَيْعَةَ لَمَّا مَرَّتْ بِغَزَّةَ أَصَابَهَا الطَّاعُونُ فَقَتَلَهَا قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ نُعَيْمٍ الرُّعَيْنِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ نَهِيكٍ الْحَجَرِيِّ، عَنْ دُخَيْنٍ الْحَجَرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حدثنا ضرار ابن صُرَدٍ حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، يَقُولُ: كَانَ فُلَانٌ يَجْلِسُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا تَكَلَّمَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ [بِشَيْءٍ] [ (4) ] اخْتَلَجَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ حَتَّى مَاتَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ ابن أَبِي سَعِيدٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: كُنَّا عَلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم نَنْتَظِرُهُ فَخَرَجَ فَاتَّبَعْنَاهُ حَتَّى أَتَى عَقَبَةً مِنْ عِقَابِ الْمَدِينَةِ فَقَعَدَ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا يَتَلَقَّيْنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ سُوقًا وَلَا يَبِيعُ مُهَاجِرٌ لِلْأَعْرَابِيِّ وَمَنْ بَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ ردّها ردّ معها
مِثْلَ- أَوْ قَالَ: مِثْلَيْ- لَبَنِهَا قَمْحًا قَالَ: وَرَجُلٌ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَاكِيهِ وَيُلَمِّضُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَلِكَ فَكُنْ قَالَ: فَرَفَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلِيطَ بِهِ شَهْرَيْنِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ حِينَ أَفَاقَ وَهُوَ كَمَا حَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِنْدُ بْنُ خَدِيجَةَ [ (5) ] زَوَّجَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِأَبِي الْحَكَمِ فَجَعَلَ يَغْمِزُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْ بِهِ وَزَعًا فَرَجَفَ مَكَانَهُ، وَالْوَزَعُ ارْتِعَاشٌ، كَذَا فِي كِتَابِي. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْحَكَمِ أَبِي مَرْوَانَ فَجَعَلَ الْحَكَمُ يَغْمِزُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِي. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِي فَقَالَتْ: تَرَكْتُ الْمَلَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَاقَدُوا فِي الْحِجْرِ فَحَلَفُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ ويِسَافٍ وَنَائِلَةَ إِذَا هُمْ رَأَوْكَ يَقُومُونَ إِلَيْكَ فَيَضْرِبُونَكَ بِأَسْيَافِهِمْ فيقتلوك لَيْسَ فِيهِمْ رَجُلٌ إِلَّا قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْكَ، قال: لا تبك يَا بُنَيَّةُ! ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَلَمَّا نظروا طأطؤوا ونكّسوا رؤوسهم إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَمَاهُمْ بِهِ ثُمَّ قَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَصَابَ ذَلِكَ التُّرَابُ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كافرا.
قُلْتُ وَلَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مُعْجِزَاتٌ قَدْ مَضَتْ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى التِّنِّيسِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلَى ابْنُ نِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ نِمْرَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ مُقْعَدًا بِتَبُوكَ فَسَأَلْتُ عَنْ إِقْعَادِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطَعَ اللهُ أَثَرَهُ، قَالَ: فَقَعَدْتُ. قَالَ: وَكَانَ عَلَى أَتَانٍ أَوْ عَلَى حِمَارٍ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى كَلْبٍ مَرَّ بِهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْمَرْوَزِيُّ بِنَيْسَابُورَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ الْبَصْرِيُّ كَتَبْتُ عَنْهُ بِبَلْخَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ طَرِيفٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ إِذْ مَرَّ بِهِمْ كُلَيْبٌ فَقَطَعَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ فَدَعَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَمَا بَلَغَتْ رِجْلُهُ حَتَّى مَاتَ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنِ الدَّاعِي عَلَى هَذَا الْكَلْبِ آنِفًا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إذا دعا بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَلَوْ دَعَوْتُ بِهَذَا الِاسْمِ لِجَمِيعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ لَغَفَرَ لَهُمْ قَالُوا: كَيْفَ دَعَوْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ المنان بديع السموات وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اكْفِنَا هَذَا الْكَلْبَ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ فَمَا بَرِحَ حَتَّى مَاتَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَذَلِكَ مُرْسَلًا مُخْتَصَرًا. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبَغْدَادِيِّ، أَنْبَأَنَا مُعَاذُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عُمَرُ- يَعْنِي ابْنَ ذَرٍّ [أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ] [ (6) ] بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَسَنَحَ كَلْبٌ لَيَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَخَرَّ الْكَلْبُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ دَعَا عَلَى هَذَا الْكَلْبِ» ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا دَعَوْتُ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «دَعَوْتَ عَلَيْهِ فِي سَاعَةٍ مُسْتَجَابٌ فِيهَا الدُّعَاءُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا أُمُّ الْأَسْوَدِ الْخُزَاعِيَّةُ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ نَائِلَةَ الْخُزَاعِيَّةُ قَالَتْ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: قَيْسٌ، فَقَالَ: لَا أَقَرَّتْهُ الْأَرْضُ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُ أَرْضًا يَسْتَقِرُّ بِهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا [ (7) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أحمد ابن سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ [ (8) ] ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً [ (9) ] وَأَرْسَلَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي حَاجَةٍ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ
فَقُلْتُ: أَتَيْتُ وَهُوَ يَأْكُلُ فَأَرْسَلَنِي [ (10) ] فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ [ (11) ] وَمَنْ حَدِيثِ أُمَيَّةِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَقِيبَ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّهُ اسْتُجِيبَ لَهُ فِيمَا دَعَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُعَاوِيَةَ- رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدْ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلَّا إِلَيَّ فَاخْتَبَأْتُ عَلَى بَابِ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً فَقَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ» وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَقِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «فَاذْهَبْ فَادْعُهُ» فَأَتَيْتُهُ فَقِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ» ، قَالَ: فَمَا شَبِعَ بَطْنُهُ» ، قَالَ: فَمَا شبع بَطْنُهُ أَبَدًا وَرُوِيَ عَنْ هُرَيْمٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ تدل على الاستجابة.
باب ما جاء في قوله للرجل: ضرب [الله] [1] عنقه في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ لِلرَّجُلِ: ضَرَبَ [اللهُ] [ (1) ] عُنُقَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْبَانِ قَدْ خَلِقَا وَلَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهُ ضَرَبَ اللهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا» ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «فِي سَبِيلِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-» فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سبيل الله [ (2) ] .
باب ما روي في دعائه صلى الله عليه وسلم على من كذب عليه
بَابُ مَا رُوِيَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَطَّارُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جابر السقطيّ، حدثنا درخث بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الْجَزَرِيُّ، عَنِ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلًا فَكَذَبَ عَلَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ مَيِّتًا قَدِ انْشَقَّ بَطْنُهُ وَلَمْ تقبله الأرض [ (1) ] .
باب ما جاء في دعائه على من احتكر بالجذام وإجابة الله - تعالى - دعاءه فيمن احتكر في زمان عمر - رضي الله عنه -.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ عَلَى مَنِ احْتَكَرَ بِالْجُذَامِ وَإِجَابَةِ اللهِ- تَعَالَى- دُعَاءَهُ فِيمَنِ احْتَكَرَ فِي زَمَانِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي المقري أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ رَافِعٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى، عَنْ فرّخ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: أُلْقِيَ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ مَكَّةَ طَعَامٌ كَثِيرٌ وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى الطَّعَامَ فَقَالَ: مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ قَالُوا: طَعَامٌ جُلِبَ إِلَيْنَا، قَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيهِ وَفِيمَنْ جَلَبَهُ إِلَيْنَا، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ احْتُكِرَ. قَالَ: مَنِ احْتَكَرَهُ؟ قَالُوا: فَرُّوخُ مَوْلَى عُثْمَانَ وَفُلَانُ مَوْلَاكَ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللهُ بِالْجُذَامِ أَوْ بِالْإِفْلَاسِ قَالَ فَرُّوخُ: أُعَاهِدُ اللهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا أَعُودُ فَحَوَّلَ تِجَارَتَهُ إِلَى بَرِّ مِصْرَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَقَالَ: نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ فَزَعَمَ أَبُو يَحْيَى أَنَّهُ رَأَى مَوْلَى عُمَرَ بَعْدَ حِينٍ مَجْذُومًا وَذَلِكَ رَوَاهُ جماعة عن الهيثم، وأبو يحيى هو مكيّ [ (1) ] .
باب ما جاء في دعائه ربه - عز وجل - فيما سحر به وإجابة الله - سبحانه - إياه فيما دعاه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ رَبَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِيمَا سُحِرَ بِهِ وَإِجَابَةِ اللهِ- سُبْحَانَهُ- إِيَّاهُ فِيمَا دَعَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الشاذياخي فِي آخَرِينَ قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْبَأَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ الشَّيْءَ وَمَا صَنَعَهُ وَأَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ ثُمَّ قَالَ: «أُشْعِرْتُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعَ الرَّجُلَ؟ قَالَ الْآخَرُ: مَطْبُوبٌ قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ فِي مَاذَا قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ فِي ذَرْوَانَ وَذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ» ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحناء ولكأنّ نخلها رؤوس الشَّيَاطِينِ» ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَّا أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِيَ اللهُ كَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [ (1) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَرَضًا شَدِيدًا فَأَتَاهُ مَلَكَانِ فَقَعَدَا أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: مَا تَرَى؟ قَالَ: طُبَّ، قَالَ: وَمَا طَبَّهُ؟ قَالَ: سُحِرَ قَالَ: وَمَا سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ الْيَهُودِيُّ. قَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ فِي بِئْرِ آلِ فُلَانٍ تَحْتَ صَخْرَةٍ فِي رَكِيَّةٍ فَأْتُوا الرَّكِيَّ فَانْزِحُوا مَاءَهَا وَارْفَعُوا الصَّخْرَةَ ثُمَّ خُذُوا الْكِرْبَةَ فَاحْرِقُوهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا الرَّكِيَّ فَإِذَا مَاؤُهَا مِثْلُ مَاءِ الْحِنَّاءِ فَنَزَحُوا الْمَاءَ ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وَأَخْرَجُوا الْكِرْبَةَ فَأَحْرَقُوهَا فَإِذَا فِيهَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَاتَانِ السُّورَتَانِ فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، الِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ [ (2) ] .
باب ما جاء في قلنسوة خالد بن الوليد واستنصاره بما جعل فيها من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَلَنْسُوَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَاسْتِنْصَارِهِ بِمَا جَعَلَ فِيهَا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عيسى الجبري أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَقَالَ اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوهَا ثُمَّ طَلَبُوهَا فَوَجَدُوهَا فَإِذَا هِيَ قَلَنْسُوَةٌ خَلِقَةٌ فَقَالَ خَالِدٌ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إلا رزقت النّصر. [ (1) ]
باب ما جاء في استنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء الله - تعالى - على ركانة [1] في المصارعة ونصرة الله - تعالى - إياه عليه وما روي في تلك القصة من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِنْصَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْمَاءِ اللهِ- تَعَالَى- عَلَى رُكَانَةَ [ (1) ] فِي الْمُصَارَعَةِ وَنُصْرَةِ اللهِ- تَعَالَى- إِيَّاهُ عَلَيْهِ وَمَا رُوِيَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ: «أَسْلِمْ» ، فَقَالَ: لَوْ عُلِمَ أن ما تقول حقا لَفَعَلْتُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رُكَانَةُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ: «أَرَأَيْتَ إِنْ صَرَعْتُكَ أَتَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ» ؟ قَالَ: نَعَمْ- فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ فَقَالَ لَهُ: عُدْ يَا مُحَمَّدُ فَعَادَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ الثَّانِيَةَ فَصَرَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَانْطَلَقَ رُكَانَةُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا سَاحِرٌ لَمْ أَرَ مِثْلَ سِحْرَ هَذَا قَطُّ وَاللهِ مَا مَلَكْتُ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا حَتَّى وَضَعَ جَنْبِي إِلَى الْأَرْضِ. وروينا فِي كِتَابِ السُّنَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُصَارَعَتِهِ رُكَانَةَ عَلَى شَاةٍ وَإِسْلَامِهِ وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمَهُ [ (2) ] . وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ المدني
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ جَدِّهِ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُنَيْمَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ نَرْعَاهَا فِي أَوَّلِ مَا رَأَى إِذْ قَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا! فَقُلْتُ: عَلَى مَاذَا؟ قَالَ: عَلَى شَاةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعَنِي فَأَخَذَ مِنِّي شَاةً ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي الثَّانِيَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعَنِي وَأَخَذَ مِنِّي شَاةً فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ هَلْ يَرَانِي إِنْسَانٌ فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: لَا يَرَانِي بَعْضُ الرُّعَاةِ فَيَجْتَرِئُونَ عَلَيَّ وَأَنَا فِي قَوْمِي مِنْ أَشَدَّهُمْ، قَالَ: هَلْ لَكَ فِي الصِّراعِ الثَّالِثَةَ؟ وَلَكَ شَاةٌ. قُلْتُ: نَعَمْ! فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعَنِي فَأَخَذَ شَاةً فَقَعَدْتُ كَئِيبًا حَزِينًا. فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ يَزِيدَ وَقَدْ أَعْطَيْتُ ثَلَاثًا مِنْ غَنَمِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنِّي كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَشَدُّ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي الرَّابِعَةِ؟ فَقُلْتُ: لَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُكَ فِي الْغَنَمِ فَإِنِّي أَرَدُّهَا عَلَيْكَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ ظَهَرَ أَمْرُهُ فَأَتَيْتُهُ فَأَسْلَمْتُ وَكَانَ مِمَّا هَدَانِي اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَصْرَعْنِي يَوْمَئِذٍ بِقُوَّتِهِ وَلَمْ يَصْرَعُنِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِقُوَّةِ غَيْرِهِ. وَهَذَا فِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ إِجَازَةً أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيَّ أَخْبَرَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حدثنا أبو أويس فكرّه. وَهَذِهِ الْمَرَاسِيلُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ فِيهِ أَصْلًا وَهُوَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
الْمُؤَمَّلِ [ (3) ] ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو عَرُوبَةَ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ السُّلَمِيُّ بِحَرَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَالُ لَهُ: رُكَانَةُ وَكَانَ مِنْ أَقْتَلِ النَّاسِ وَأَشَدَّهُ وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ إِضَمٌ فَخَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ ذَاتَ يَوْمٍ فَتَوَجَّهَ قِبَلَ ذَلِكَ الْوَادِي فَلَقِيَهُ رُكَانَةُ وَلَيْسَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فَقَامَ إِلَيْهِ رُكَانَةُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ الَّذِي تَشْتُمُ آلِهَتَنَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَتَدْعُو إِلَى إِلَهِكَ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَلَوْلَا رَحِمٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَا كَلَّمْتُكَ الْكَلَامَ- يَعْنِي أَقَتُلُكَ- وَلَكِنِ ادْعُ إِلَهِكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ يُنْجِيكَ مِنِّي وَسَأَعْرِضُ عَلَيْكَ أَمْرًا هَلْ لَكَ أَنْ أُصَارِعَكَ وَتَدْعُو إِلَهِكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ يُعِينَكَ عَلَيَّ فَأَنَا أَدْعُو اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ تَخْتَارَهَا فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ! فَاتَّخَذَا، وَدَعَا نبي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَهَهُ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ أَنْ يعِينَهُ عَلَى رُكَانَةَ وَدَعَا رُكَانَةُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى: أَعِنِّي الْيَوْمَ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ فَقَالَ رُكَانَةُ: قُمْ فَلَسْتَ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَخَذَلَهُ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَا وَضَعَ جَنْبِي أَحَدٌ قَبْلَكَ. فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: عُدْ فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ أُخْرَى تَخْتَارَهَا فَأَخَذَهُ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَهَهُ كَمَا فَعَلَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَصَرَعَهُ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ عَلَى كَبِدِهِ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: قُمْ فَلَسْتَ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَخَذَلَهُ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، وَمَا وَضَعَ جَنْبِي أَحَدٌ قَبْلَكَ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ عُدْ فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ أُخْرَى تَخْتَارَهَا فَأَخَذَهُ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَهَهُ فَصَرَعَهُ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: لَسْتَ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذِهِ [ (4) ] وَإِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَخَذَلَهُ اللَّاتُ وَالْعُزَّى فَدُونَكَ ثَلَاثِينَ شَاةً مِنْ غَنَمِي فَاخْتَرْهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُرِيدُ ذَلِكَ وَلَكِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ يَا رُكَانَةُ وَأَنْفِسُ بِكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى النَّارِ إِنَّكَ إِنْ تَسْلَمْ تَسْلَمْ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: لَا إِلَّا أَنْ تُرِيَنِي آيَةً فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ: اللهُ عَلَيْكَ شَهِيدٌ إِنْ أَنَا دَعَوْتُ رَبِّي فَأَرَيْتُكَ آيَةً لَتُجِيبَنَّنِي إِلَى مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَقَرِيبٌ مِنْهُ شَجَرَةُ سَمُرٍ ذَاتَ فُرُوعٍ وَقُضْبَانٍ فَأَشَارَ إِلَيْهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَالَ لَهَا: أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللهِ فَانْشَقَّتْ بِاثْنَتَيْنِ فَأَقْبَلْتُ عَلَى نِصْفِ شِقِّهَا [ (5) ] وَقُضَبَانِهَا وَفُرُوعِهَا حَتَّى كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ رُكَانَةَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: أَرَيْتَنِي عَظِيمًا فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَيْكَ اللهُ شَهِيدٌ إِنْ أَنَا دَعَوْتُ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- أَمَرَ بِهَا فَرَجَعْتُ لَتُجِيبَنَّنِي إِلَى مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ! فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ بِقُضْبَانِهَا وَفُرُوعِهَا حَتَّى الْتَأَمَتْ بِشِقِّهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ رَأَيْتُ عَظِيمًا وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَتَحَدَّثَ نِسَاءُ الْمَدِينَةِ وَصِبْيَانُهُمْ أَنِّي إِنَّمَا جِئْتُكَ لِرُعْبٍ دَخَلَ قَلْبِي مِنْكَ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَتْ نِسَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَصِبْيَانُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ جَنْبِي قَطُّ وَلَمْ يَدْخُلْ قَلْبِي رُعْبٌ سَاعَةً قَطُّ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَلَكِنْ دُونَكَ فَاخْتَرْ غَنَمَكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ لِي حَاجَةٌ إِلَى غَنَمِكَ إِذْ أَبَيْتَ أَنْ تُسْلِمَ فَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَلْتَمِسَانِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهُمَا أَنَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ قِبَلَ وَادِي إِضَمٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ وَادِي رُكَانَةَ لَا يَكَادُ يُخْطِئُهُ فَخَرَجَا فِي طَلَبِهِ وَأَشْفَقَا أَنْ يَلْقَاهُ رُكَانَةُ فَيَقْتُلُهُ فَجَعَلَا يَصْعَدَانِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ وَيَتَشَرَّفَانِ مَخْرَجًا لَهُ إِذْ نَظَرا إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا فَقَالَا: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَيْفَ تَخْرُجُ إِلَى هَذَا الْوَادِي وَحْدَكَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ جِهَةُ رُكَانَةَ وَأَنَّهُ مِنْ أَقْتَلِ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ تَكْذِيبًا لَكَ فَضَحِكَ إِلَيْهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصِلْ إِلَيَّ وَاللهُ مَعِي فَأَنْشَأَ يحَدِّثُهُمَا حَدِيثَهُ وَالَّذِي فَعَلَ بِهِ وَالَّذِي أَرَاهُ فَعَجِبَا من
ذَلِكَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَصَرَعْتَ رُكَانَةَ فَلَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ وَضَعَ جَنْبَهُ إِنْسَانٌ قَطُّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنِّي دَعَوْتُ رَبِّي فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ وَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَعَانَنِي بِبُضْعَ عَشْرَةَ وَقُوَّةَ عَشَرَةٍ. أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا: عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الشَّامِيُّ [ (6) ] وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ إِلَّا أَنَّ مَعَهَ مَا يُؤَكِّدُ حَدِيثَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم للرماة ارموا وأنا مع ابن الأذرع وما ظهر في ذلك من الآثار
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرُّمَاةِ ارْمُوا وَأَنَا مع ابن الأذرع وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ، وإسماعيل بن إسرائيل اللُّؤْلُؤِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى نَاسٍ مِنْ أسلم ينتفلون فَقَالَ: حَسَنٌ هَذَا اللهْوُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ارْمُوا وأنا مع ابن الأذرع فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا: لَا وَاللهِ لَا نَرْمِي مَعَهُ وَأَنْتَ مَعَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِذًا يَفْضُلُنَا فَقَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ جَمِيعًا فَقَالَ: لَقَدْ رَمَوْا عَامَّةً يَوْمَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى السَّوَاءِ مَا فَضَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا [ (1) ] . وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ.
باب ما جاء في أسماعه صلى الله عليه وسلم خطبته العوائق في خدورهن [1] وهو في موضعه من المسجد
بَابُ مَا جَاءَ فِي إسْمَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خطبته العوائق فِي خُدُورِهِنْ [ (1) ] وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ إِبْرَاهِيمَ] [ (2) ] أَنْبَأَنَا أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خطبة أسمع العوائق فِي خُدُورِهَا، - أَوْ قَالَ فِي بُيُوتِهَا- فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلٍ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتْبَعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتْبَعِ اللهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتْبَعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَلَّامٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا فَضَالَةُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: اجْلِسُوا فَسَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم اجلسوا
فَجَلَسَ فِي بَنِي غُنْمٍ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَاكَ ابْنُ رَوَاحَةَ سَمِعَكَ وَأَنْتَ تَقُولُ لِلنَّاسِ: اجْلِسُوا، فَجَلَسَ فِي مَكَانِهِ. وَرُوِيَ مُرْسَلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنْبَأَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي لَيْلَى أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابن رَوَاحَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: اجْلِسُوا فَجَلَسَ مَكَانَهُ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ خُطْبَتِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: زَادَكَ اللهُ حِرْصًا عَلَى طَوَاعِيَةِ اللهِ- تَعَالَى- وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ السِّقَاءُ أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا عَلَى عَرِيشِ أَهْلِي. وأخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قالا: حدثنا أبو العابس- هُوَ الْأَصَمُّ- حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ- هُوَ الدُّورِيُّ- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، قَالَ: نَزَلْتُ أَنَا وَمُجَاهِدُ عَلَى يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ بْنِ أُمِّ هَانِئٍ فَحَدَّثَنَا عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَأَنَا عَلَى عريشي [ (4) ] .
جماع أبواب أسئلة اليهود وغيرهم واستبرائهم عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام من هدي إلى الإسلام منهم
جُمَّاعُ أَبْوَابِ أَسْئِلَةِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتِبْرَائِهِمْ عَنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَإِسْلَامِ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ
باب مسائل عبد الله بن سلام [1] رضي الله عنه، وإسلامه حين عرف صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته
بَابُ مَسَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ [ (1) ] رَضِيَ الله عَنْهُ، وَإِسْلَامِهِ حِينَ عَرَفَ صِدْقَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِسَالَتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّفَّارِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ سَهْلِ بْنِ كَثِيرٍ الْوَشَّاءُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عمر بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئِ بْنِ الْحَمَّامِيِّ- رَحِمَهُ اللهُ- بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مَقْدَمَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ! مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أُمِّهِ وَإِلَى أَبِيهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا جِبْرِيلُ آنِفًا. قال
ابْنُ سَلَامٍ [ (2) ] : ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تُخْرِجْهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ تَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ بمد حُوتٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَهُ» . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أُمِّهِ» . زَادَ الْأَنْصَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ» . قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِذَا عَلِمُوا إِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ عَنِّي بَهَتُونِي عِنْدَكَ. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ فِيكُمْ؟ قَالُوا: حَبْرُنَا وَابْنُ حَبْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ؟ قَالُوا أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. قَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ قَالَ: هَذَا مَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَحْذَرُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَغَيْرِهِ عَنْ حُمَيْدٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا أَتَى قُبَاءَ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى بِالصَّلَاةَ» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ «فِي مَجِيءِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَجُلُوسِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُجُوعِهِ إِلَى عَمَّتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي لِمَ احْتَبَسْتَ؟ فَقَالَ: يَا عَمَّةُ كُنْتُ عِنْدَ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: عِنْدَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ؟! فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ عِنْدَ مُوسَى ابن عِمْرَانَ. فَقَالَتْ: عِنْدَ النَّبِيِّ الَّذِي يُبْعَثُ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مِنْ عِنْدِهِ جِئْتُ، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ. إِلَّا أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ: ذَا [ (4) ] أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَوَّلُ نُزُلٍ يَنْزِلُهُ [ (5) ] ، قَالَ: أَهْلُ الْجَنَّةِ بِلَامٍ وَنُونٍ، فَقَالَ: مَا بِلَامٍ وَنُونٍ؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَحُوتٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِ أَحَدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا ثُمَّ يَقُومَانِ يَزْفَنَانِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. وَأَمَّا الشَّبَهُ: فَأَيُّ النُّطْفَتَيْنِ سَبَقَتْ إِلَى الرَّحِمِ مِنَ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ فَالْوَلَدُ أَشْبَهُ. وَأَمَّا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ: فَإِنَّهُمَا كَأَنَّهُمَا شَمْسَيْنِ: فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [ (6) ] . وَالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ هُوَ الْمَحْوُ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» . ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَسَأَلَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ وَمَا أَحَالُوا بِهِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ: «أَجَزْنَا الشَّهَادَةَ الْأُولَى» أَمَّا هَذِهِ فلا.
باب مسائل الحبر، ومعرفته اصابة النبي صلى الله عليه وسلم في جواب مسألته وصدقه في نبوته
بَابُ مَسَائِلِ الْحَبْرِ، وَمَعْرِفَتِهِ إِصَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَابِ مَسْأَلَتِهِ وَصِدْقِهِ فِي نُبُوَّتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدٍ: وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَسْمَاءٍ الرَّحَبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ. قَالَ: «كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا مُحَمَّدُ، فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا. فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قُلْتُ: لَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتَهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اسْمِيَ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي مُحَمَّدٌ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: يَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي فَنَكَتَ [ (1) ] بِعُودٍ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ: سَلْ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ [ (2) ] . قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً [ (3) ] قَالَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فما
تُحْفَتُهُمْ [ (4) ] حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ: زِيَادَةُ كَبِدِ نُونٍ [ (5) ] . قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قَالَ: يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا. قَالَ: مَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ: يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنِي. قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ. قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ ذَكَّرَا بِإِذْنِ اللهِ وَإِنْ عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ أَنَّثَا بِإِذْنِ اللهِ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ نَبِيٌّ ثُمَّ انْصَرَفَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إنه سَأَلَنِي هَذَا الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِيَ اللهُ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (6) ] فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي الْمُخْتَارِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أصحابنا أنعم بَيْنَا هُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ لَهُمْ فَاعْتَرَضَهُمْ يَهُودِيٌّ جَعْدٌ أَحْمَرُ مُتَلَفِّفٌ بِطَيْلَسَانٍ. فَقَالَ فِيكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ؟ فِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ فَقُلْنَا: إِيَّاكَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ: فَقَالَ: مِنْ أَيِّ الْفَحْلَيْنِ يَكُونُ الْوَلَدُ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَدِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ عَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ بُيِّنَ لَهُ فَقَالَ: مِنْ كُلٍّ يكون.
فَقَالَ: مَا مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَا مِنْ مَاءِ الْمَرْأَةِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حَتَّى وَدِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ عَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ بُيِّنَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَبَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ فَمِنْهَا الْعِظَامُ وَالْعَصَبُ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَحَمْرَاءُ رَقِيقَةٌ فَمِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله [ (7) ] .
باب ما جاء في مسائل عصابة من اليهود ومعرفة اصابته فيما قال
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسَائِلِ عِصَابَةٍ مِنَ الْيَهُودِ وَمَعْرِفَةِ إِصَابَتِهِ فِيمَا قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ ابن حَوْشَبٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكُ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: سَلُوا. عَمَّا شِئْتُمْ وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ إِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ صِدْقًا لَتُبَايِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ: أَخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا، وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى مِنْهُ حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى؟ وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا الشَّيْءُ فِي النَّوْمِ؟ وَمَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي فَأَعْطُوهُ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ. قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ- يَعْقُوبَ- مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا طَالَ سَقَمُهُ مِنْهُ فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا: لَئِنْ شَفَاهُ اللهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ، وَكَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانَ الْإِبِلِ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ
بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللهِ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللهِ وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللهِ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اشْهَدْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ! قَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ. قَالُوا أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا مَنْ وَلِيِّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ. قَالَ: وَلِيِّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثُ اللهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وهو وليه قال فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ.. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [ (1) ] . وَنَزَلَتْ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [ (2) ] .
باب ما جاء في مسائل اليهوديين ومعرفتهما بصدق النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسَائِلِ الْيَهُودِيَّيْنِ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِصِدْقِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّتِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَمْرِو ابن مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَسَّالٍ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهِبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ [ (1) ] فَنَسْأَلَهُ. فَقَالَ الْآخَرُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَكَ تَقُولُ، نَبِيٌّ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ فَانْطَلَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ [ (2) ] قَالَ: لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ فَيَقْتُلَهُ وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً- شَكَّ شُعْبَةُ. وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً- الْيَهُودَ- أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ. فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا، فَقَالَا: إِنَّ دَاوُدَ سَأَلَ رَبَّهُ أَلَّا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَنَحْنُ نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودَ [ (3) ] .
باب رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في عقوبة الزاني وما ظهر من ذلك من كتمانهم ما أنزل الله تعالى في التوراة من حكمه وصفة نبيه عليه السلام [1]
بَابُ رُجُوعِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي عُقُوبَةِ الزَّانِي وَمَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كِتْمَانِهِمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ مِنْ حُكْمِهِ وَصِفَةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بن الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعِنْدَ سَعِيدٍ رَجُلٌ وَهُوَ يوَقِّرُهُ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ نَفَرٌ مِنْ يَهُودَ وَقَدْ زَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنْ أَفْتَانَا حَدًّا دُونَ الرَّجْمِ فَعَلْنَاهُ وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللهِ حِينَ نَلْقَاهُ بِتَصْدِيقِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، - قَالَ مُرَّةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ- وَإِنْ أَمَرَنَا بِالرَّجْمِ عَصَيْنَاهُ فَقَدْ عَصَيْنَا اللهَ فِيمَا كَتَبَ عَلَيْنَا مِنَ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا ترى فِي رَجُلٍ مِنَّا زَنَا بعد ما أُحْصِنَ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا وَقَامَ مَعَهُ رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى بَيْتِ مِدْرَاسِ الْيَهُودِ فَوَجَدَهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ على من زنا
إِذَا أُحْصِنَ؟ قَالُوا: نُجِبَّهُ [ (2) ] وَالتَّجْبِيهُ أَنْ تَحْمِلُوا اثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ فَيُوَلُّوا ظَهْرَ أَحَدِهِمَا ظَهْرَ الْآخَرِ قَالَ فَسَكَتَ حَبْرُهُمْ وَهُوَ فَتًى شَابٌّ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم صامتا ألظ النِّشْدَةَ فَقَالَ حَبْرُهُمْ: أَمَا إِذَا نَشَدْتَهُمْ فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَمَا أَوَّلُ مَنْ تَرَخَّصْتُمْ أَمْرَ اللهِ. فَقَالَ زَنَا رَجُلٌ مِنَّا ذُو قَرَابَةٍ بِمِلْكٍ مِنْ مُلُوكِنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ فَزَنَا بَعْدَهُ آخَرَ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ أَنْ يَرْجِمَهُ فَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ فَقَالُوا لَا وَاللهِ لَا تَرْجُمُهُ حَتَّى يُرْجَمَ فلانا: ابْنُ عَمِّهِ فَاصْطَلَحُوا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا فَرُجِمَا [ (3) ] . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، يَزِيدُ [ (5) ] وَيُنْقِصُ، فَمِمَّا زَادَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِابْنِ صُورِيَّا أَنْشُدُكَ بِاللهِ وَأُذَكِّرُكَ أَيَّامَهُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَا بَعْدَ إِحْصَانِهِ بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ؟ فَقَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ، أَمَا وَاللهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَكِنَّهُمْ يَحْسِدُونَكَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَّا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ
[ (6) ] إِلَى قَوْلِهِ: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ. يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوهُ وَتَغَيَّبُوا، وَتَخَلَّفُوا وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ قَالَ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ [ (7) ] للتجيبة [أَيِ الرَّجْمُ] [ (8) ] وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا الى آخر القصة [ (9) ] .
باب ما جاء في اليهودي الذي اعترف بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة واسلم عند موته. واليهودي الذي اعترف بوجود صفته حين ناشده
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْيَهُودِيِّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِصِفَةِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ وَأَسْلَمَ عِنْدَ مَوْتِهِ. وَالْيَهُودِيِّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِوُجُودِ صِفَتِهِ حِينَ نَاشَدَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا يَهُودِيُّ! أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْفَتَى: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَجِدُ لَكَ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَقِيمُوا هَذَا مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَلُوا أَخَاكُمْ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّ اللهَ- عَزَّ وجل ابتعث نبيه لِإِدْخَالِ رِجَالٍ الْجَنَّةَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ كَنِيسَةً فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ امسك وفي
نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: مَالُكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ، وَقَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: لُوا أَخَاكُمْ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ المؤدب، حدثنا صالح ابن عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ- يَعْنِي ابْنَ كُلَيْبٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْفَلْتَانِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِذْ شَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى رَجُلٍ فَدَعَا فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَيَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَيَأْبَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: أَتَقْرَأَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ: وَالْإِنْجِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَالْفُرْقَانَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ لَوْ شِئْتَ لَقَرَأْتُهُ قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَأَشْيَاءَ حَلَّفَهُ بِهَا تَجِدُنِي فِيهِمَا قَالَ: نَجِدُ مِثْلَ نَعْتِكَ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِكَ كُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِينَا فَلَمَّا خَرَجْتَ رَأَيْنَا أَنَّكَ هُوَ فَلَمَّا نَظَرْنَا إِذَا أَنْتَ لَسْتَ بِهِ قَالَ: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: نَجِدُ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ قَلِيلٌ. قَالَ: فَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَنَا هُوَ، إِنَّ أُمَّتِي لَأَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا وسبعين وسبعين [ (3) ] .
باب ما جاء في قول الله عز وجل قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 2: 94 [1] وإخبار الله تعالى بأنهم لن يتمنوه ابدا فكان كما اخبر، وما روي من احتراق من يهزأ بالأذان ويدعو على المؤذن بالاحتراق
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (1) ] وَإِخْبَارِ اللهِ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ، وَمَا رُوِيَ مِنَ احْتِرَاقِ مَنْ يَهْزَأُ بِالْأَذَانِ وَيَدْعُو عَلَى الْمُؤَذِّنِ بِالِاحْتِرَاقِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ الدَّهَّانُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّادُ، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: قُلْ لَهُمْ: يَا مُحَمَّدُ: إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةِ، يَعْنِيَ: الْجَنَّةَ كَمَا زَعَمْتُمْ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ فَتَمَنَّوَا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إِنَّهَا لَكُمْ خَالِصَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَفْعَلُوا. يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [ (2) ] يَعْنِي عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عليم بالظالمين إِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنْ كُنْتُمْ فِي مَقَالَتِكُمْ صَادِقِينَ فَقُولُوا: اللهُمَّ أَمِتْنَا. فو الذي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ مِنْكُمْ إِلَّا غُصَّ بَرِيقِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ، فَأَبَوْا أَنْ يَفْعَلُوا وَكَرِهُوا مَا قَالَ لَهُمْ فَنَزَلَ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يَعْنِي: عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «وَاللهُ عليهم بالظالمين» أَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَنَّوْا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآية:
وَاللهِ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَمَنَّوَا الْمَوْتَ لَمَاتُوا فَكَرِهَ أَعْدَاءُ اللهِ الْمَوْتَ فَلَمْ يَتَمَنَّوَا الْمَوْتَ جَزَعًا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْمَوْتَ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً [ (3) ] قَالَ: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا. «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ» أَمْرَ اللهِ. قَالَ: وَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَادَى بِالصَّلَاةِ فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: قَدْ قَامُوا، لَا قَامُوا، فَإِذَا رَأَوْهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا اسْتَهْزَءُوا بِهِمْ وَضَحِكُوا مِنْهُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ تَاجِرٌ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي يُنَادِي بِالْآذَانِ، قَالَ: أَحْرَقَ اللهُ الْكَاذِبَ، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إذا دَخَلَتْ جَارِيَتُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْهَا فِي الْبَيْتِ فَالْتَهَبَتْ فِي الْبَيْتِ فَأَحْرَقَتْهُ.
باب ما جاء في تعجب الحبر الذي سمعه يقرأ سورة يوسف لموافقتها ما في التوراة وسؤال من سأله عن أسماء النجوم التي رآها ساجدة له
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعَجُّبِ الْحَبْرِ الَّذِي سَمِعَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ لِمُوَافَقَتِهَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَسْؤَالِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَسْمَاءِ النُّجُومِ الَّتِي رَآهَا سَاجِدَةً لَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَحْبُوبٍ الدَّهَّانُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا محمد ابن مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَكَانَ قَارِئًا لِلْتَوْرَاةِ فَوَافَقَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ كَمَا أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ لَهُ الْحَبْرُ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ عَلَّمَكَهَا؟ قَالَ: اللهُ عَلَّمَنِيهَا. قَالَ: فَتَعَجَّبَ الْحَبْرُ لِمَا سَمِعَ مِنْهُ فَرَجَعَ إِلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَتَعْلَمُونَ وَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ وَنَظَرُوا إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَى قِرَاءَتِهِ لِسُورَةِ يُوسُفَ فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ عَلَّمَكَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: عَلَّمَنِيهَا اللهُ وَنَزَلَ: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [ (1) ] » يَقُولُ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرِهِمْ وَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ علمتهم، فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ.
باب مطلب أسماء النجوم التي سجدت ليوسف [عليه السلام] [2] .
بَابُ مَطْلَبِ أَسْمَاءِ النُّجُومِ الَّتِي سَجَدَتْ لِيُوسُفَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: بُسْتَانِيٌّ [ (3) ] الْيَهُودِيِّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ النُّجُومِ الَّتِي رَآهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا سَاجِدَةً لَهُ مَا أَسْمَاؤُهَا قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِشَيْءٍ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَأَخْبَرَهُ فَبَعَثَ نبي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِيِّ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: «وَأَنْتَ لَتُسْلِمْ إِنْ أَخْبَرْتُكَ» ، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَرَثَانُ) أَوْ قَالَ (حَرَثَالٌ) (وَطَارِقٌ) (وَالذَّيَّالُ) (وَذُو الْكَنَفَاتِ) (وَذُو الْقَرْعِ) (وَوَثَّابٌ) (وَعَمُودَانُ) (وَقَابِسُ) (وَالضَّرُوحُ) (وَالْمُصَبِّحُ) (وَالْفَيْلَقُ) (وَالضِّيَاءُ) (وَالنُّورُ) [ (4) ] ، رَآهَا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ أَنَّهَا سَاجِدَةٌ لَهُ فَلَمَّا قَصَّ يُوسُفُ رُؤْيَاهُ عَلَى يَعْقُوبَ قَالَ لَهُ هذا أمر متشتت يَجْمَعُهُ اللهُ مِنْ بَعْدُ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: هَذِهِ وَاللهِ أَسْمَاؤُهَا [ (5) ] . قَالَ الْحَكَمُ: الضِّيَاءُ هُوَ الشَّمْسُ وَهُوَ أَبُوهُ وَالنُّورُ هُوَ الْقَمَرُ وَهِيَ أُمُّهُ. تَفَرَّدَ بِهِ الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ- وَاللهُ أعلم.
باب استبراء زيد بن سعنة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا وقف عليها وأبصر علامات النبوة فيها أسلم وانقاد
بَابُ اسْتِبْرَاءِ زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ أَحْوَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا وَأَبْصَرَ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِيهَا أَسْلَمَ وَانْقَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو عمر ابن مَطَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ خُشْنَامُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْعَنْبَرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ إِمْلَاءً فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ الْحَبْرُ: إِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لأن أخالطه فأعرف حمله مِنْ جَهْلِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب رضي الله عنه فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةُ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَمَحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينَهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ [ (1) ] إِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيًّا. فَقَالَ رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، - وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ- مَا بَقِيَ مَعَكَ مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ! هَلْ لَكَ أَنْ تُبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا يَا يَهُودِيُّ! وَلَكِنِّي أُبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا وَلَا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ. قُلْتُ: نَعَمْ!، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا فَأَعْطَاهُ الرَّجُلَ وَقَالَ: احْمِلْ إِلَيْهِمْ وَأَعِنْهُمْ- وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَسَنُ: فَأَعْطَاهُ الرَّجُلَ فَقَالَ أَحْمِلْ إِلَيْهِمْ وَأَعِنْهُمْ [ (2) ] . قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ فَلَمَّا كَانَ قِبَلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِنَازَةٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ دَنَا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ إِلَيْهِ فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا تَقْضِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي فو الله مَا عَلِمْتُكُمْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُمَاطَلَتِكُمْ عِلْمٌ. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهٍ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ! أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ مَا أَرَى- زَادَ الْحَسَنُ: اكْفُفْ يَدَكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ خُشْنَامُ ذَلِكَ. وقالا: فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ! أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا. أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التَّبَاعَةِ. اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ. قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ أُزِيدَكَ مَكَانَ مَا رُعْتُكَ فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا! فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ قَالَ: الْحَبْرُ؟. قُلْتُ: الْحَبْرُ. قَالَ فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ما
فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ قُلْتُ، يَا عُمَرُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ وَلَا تُزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَقَدْ خَبَرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي- فَإِنِّي أَكْثَرُهُمْ مَالًا- صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مشاهد كثيرة وتُوُفِّيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ. رَحِمَ اللهُ زَيْدًا [ (3) ] . هَذَا لَفْظُ خُشْنَامَ وَهُوَ أَتَمُّهُمَا. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْكُوفِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يُقَالُ لَهُ فُلَانُ حَبْرٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَنَانِيرُ فَتَقَاضَاهَا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا يَهُودِيُّ! مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ قَالَ: فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ يَا مُحَمَّدُ حَتَّى تُعْطِيَنِي. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذًا أَجْلِسُ مَعَكَ» فَجَلَسَ مَعَهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالْغَدَاةَ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَدَّدُونَهُ وَيَتَوَعَّدُونَهُ فَفَطِنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: مَا الَّذِي تَصْنَعُونَ بِهِ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ
يَهُودِيٌّ يَحْبِسُكَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «مَنَعَنِي رَبِّي أَنْ أَظْلِمَ مُعَاهَدًا وَلَا غَيْرَهُ» . فَلَمَّا تَرَجَّلَ النَّهَارُ قَالَ الْيَهُودِيُّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَشَطْرُ مَالِي فِي سَبِيلِ الله، أما والله ما فعلت الَّذِي فَعَلْتُ بِكَ إِلَّا لِأَنْظُرَ إِلَى نَعْتِكَ فِي التَّوْرَاةِ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَمُهَاجِرُهُ بِطَيْبَةَ وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا مُتَزَيِّنٍ بِالْفُحْشِ وَلَا قَوْلِ الْخَنَا. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ الله. وهذا مالي فَاحْكُمْ فِيهِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ. وَكَانَ الْيَهُودِيُّ كَثِيرُ الْمَالِ.
باب ما روي فيما أصاب من خالف أمره في الرحيل [1]
بَابُ مَا رُوِيَ فِيمَا أَصَابَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فِي الرَّحِيلِ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَنَوِيُّ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا [ (2) ] بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ وأبو الجماهير مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَاشِدُ بْنُ دَاوُدَ الصَّنْعَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسِيرٍ لَهُ إِنَّا مُدْلِجُونَ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ فَلَا يَرْحَلَنَّ مَعَنَا مُضْعِفٌ وَلَا مُصْعِبٌ، فَارْتَحَلَ رَجُلٌ عَلَى نَاقِهٍ لَهُ صَعْبَةٍ فَسَقَطَ فَانْدَقَّتْ فَخِذُهُ فَمَاتَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَنَادَى: إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ ثلاثا [ (3) ] .
باب ما روي في إخباره بما أصاب المشرك - الذي سأل عن كيفية الله سبحانه - من العذاب
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا أَصَابَ الْمُشْرِكَ- الَّذِي سَأَلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ اللهِ سُبْحَانَهُ- مِنَ الْعَذَابِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا دَيْلَمُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى رأس من رؤوس الْمُشْرِكِينَ يَدْعُوهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ الْمُشْرِكُ هَذَا الْإِلَهُ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ ذَهَبٍ هُوَ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ مِنْ نُحَاسٍ؟! فَتَعَاظَمَ مَقَالَتُهُ فِي صَدْرِ رَسُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِ» فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِ» ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- صَاعِقَةً مِنَ السَّمَاءِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَدْرِي فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ- عَزَّ وجل- قد أَهْلَكَ صَاحِبَكَ وأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ [ (1) ] الآية.
باب ما روي فيما أصاب الذي كذب عليه، وقوله للذين بعثهما إليه: ولا أراكما تدركانه فلم يدركاه
بَابُ مَا رُوِيَ فِيمَا أَصَابَ الَّذِي كَذَبَ عَلَيْهِ، وَقَوْلِهِ لِلَّذَيْنَ بَعَثَهُمَا إِلَيْهِ: وَلَا أُرَاكُمَا تُدْرِكَانِهِ فَلَمْ يُدْرِكَاهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِيَ فُلَانَةَ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا: جَاءَنَا هَذَا بِشَيْءٍ مَا نَعْرِفُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزِلُوا الرَّجُلَ وَأَكْرِمُوهُ حَتَّى آتِيَكُمْ بِخَبَرِ ذَلِكَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. فَقَالَ: «اذْهَبَا فَإِنْ أَدْرَكْتُمَاهُ فَاقْتَلَاهُ وَلَا أُرَاكُمَا تُدْرِكَانِهِ» . قَالَ: فَذَهَبَا فَوَجَدَاهُ قَدْ لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلْتُهُ فَرَجَعَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . هَذَا مُرْسَلٌ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارث، وَسَمَّى الرَّجُلَ الَّذِي كَذَبَ، فَقَالَ: جُدْجُدٌ الْجُنْدَعِيُّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْتَرَابَاذِيُّ، الْحَاكِمُ بِسَمَرْقَنْدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ بِبُخَارَى. قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ الْجُنَيْدِ الْكَسِّيُّ النَّحْوِيُّ ثِقَةٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِسْطَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ فَرْقَدٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارث أن جدجد الْجُنْدَعِيَّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَرِّبُهُ فَأَتَى الْيَمَنَ فَعَشِقَ فِيهِمُ امْرَأَةً فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ تَبْعَثُوا إِلَيَّ بِفَتَاتِكُمْ، فَقَالُوا: عَهْدُنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَرِّمُ الزِّنَا ثُمَّ بَعَثُوا رَجُلًا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَقَالَ: «ائْتِهِ فَإِنْ وَافَقْتَهُ حَيًّا فَاقْتُلْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَحَرِّقْهُ بِالنَّارِ» ، قَالَ: فَخَرَجَ جُدْجُدٌ مِنَ اللَّيْلِ يَسْتَسْقِي مِنَ الْمَاءِ فَلَدَغَتْهُ أَفْعَى فَقَتَلَتْهُ فَقَدِمَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَوَافَقَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ فَحَرَّقَهُ بِالنَّارِ فَمِنْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين وصدقه في ذلك
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَصِدْقِهِ فِي ذَلِكَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن محمد البرثيّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سُفْيَانُ: أُرَاهُ عياض، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ. قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَافِقِينَ فَمَنْ سَمَّيْتُهُ فَلْيَقُمْ، فَقَامَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ. فَقَالَ: «إِنَّ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ مُنَافِقِينَ فَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ» . فَمَرَّ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِرَجُلٍ مُتَقَنِّعٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فَقَالَ، مَا شَأْنُكَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بُعْدًا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فذكره.
باب ما روي في إخباره صلى الله عليه وسلم [الرجل] [1] الذي وصف بالاجتهاد في العبادة بما حدثته نفسه وبغير ذلك من حاله
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الرَّجُلَ] [ (1) ] الَّذِي وُصِفَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ بِمَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ذَكَرُوا رَجُلًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا قُوَّتَهُ فِي الْجِهَادِ وَاجْتِهَادَهُ فِي الْعِبَادَةِ فَإِذَا هم بالرجل مقبل، قَالُوا: هَذَا الَّذِي كُنَّا نَذْكُرُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى فِي وَجْهِهِ سَنْعَةً مِنَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ- وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ- هَلْ حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! ثُمَّ ذَهَبَ فَاخْتَطَّ مَسْجِدًا وَصَفَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ يُصَلِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: مَنْ يَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا! فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي فَهَابَ أَنْ يَقْتُلَهُ فَانْصَرَفَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي فَهِبْتُ أَنْ أَقْتُلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا! فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا، قَالَ أَنْتَ إِنْ أَدْرَكْتَهُ فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ قَدِ انْصَرَفَ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَوَّلُ قَرْنٍ خَرَجَ فِي أُمَّتِي لَوْ
قَتَلْتُهُ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ بَعْدَهُ مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ على ثنتين وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلَّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً [ (2) ] قَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ هِيَ الجماعة.
باب ما جاء في إخباره المرأة الصائمة بما كان من شأنها في حفظ لسانها
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ الْمَرْأَةَ الصَّائِمَةَ بِمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا فِي حِفْظِ لِسَانِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ فِي لِسَانِهَا ذَرَابَةً فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَمْسَتْ دَعَاهَا إِلَى طَعَامِهِ فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً فَقَالَ: مَا صُمْتِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْآخَرُ تَحَفَّظَتْ بَعْضَ التَّحَفُّظِ، فَلَمَّا أَمْسَتْ دَعَاهَا إِلَى طَعَامِهِ، فَقَالَتْ: أَمَا إِنِّي كُنْتُ الْيَوْمَ صَائِمَةً. قَالَ: كَذَبْتِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْآخَرُ تَحَفَّظَتْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَمَّا أَمْسَتْ دَعَاهَا إِلَى طَعَامِهِ قَالَتْ أَمَّا أَنَا كُنْتُ صَائِمَةً. قَالَ الْيَوْمَ صُمْتِ [ (1) ] . هَذَا حديث مرسل.
باب ما جاء في وعده من استعف بالإعفاف ومن استغنى بالإغناء ووجود صدقه في أبي سعيد الخدري وغيره
بَابُ مَا جَاءَ فِي وَعْدِهِ مَنِ اسْتَعَفَّ بِالْإِعْفَافِ وَمَنِ اسْتَغْنَى بِالْإِغْنَاءِ وَوُجُودِ صِدْقِهِ فِي أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الضّبغيّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كعب ابن عُجْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. أَنَّهُ قَالَ: أَصَابَنَا جُوعٌ مَا أَصَابَنَا مِثْلُهُ قَطُّ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، قَالَتْ لِي أُخْتِي فُرَيْعَةُ: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلْهُ لنا فو الله يَخِيبُ سَائِلُهُ، لِأَنَّكَ مِنْهُ بِإِحْدَى اثْنَتَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فَيُعْطِيَكَ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ فَيَقُولَ أَعِينُوا أَخَاكُمْ فَلَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ لَهُ جِدَارٌ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَكَانَ أَوَّلُ مَا فَهِمْتُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ فَقُلْتُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ وَاللهِ لَكَأَنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذَا. لَا جَرَمَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا شيئا بعد ما سَمِعْتُ مِنْكَ. فَجَلَسْتُ فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعْتُ وَفُرَيْعَةُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ أَقْصَى الْآجَامِ إِلَى بَابِهِ. قَدْ أَدَامَهَا الْجُوعُ. قَالَ: فَلَمَّا حَصَلْتُ بِبَقِيعِ الزُّبَيْرِ أَبْصَرَتْ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مالك؟ فو الله مَا يَخِيبُ سَائِلُهُ فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَتْ: أَحْسَنْتَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَإِنِّي وَاللهِ لَأُتْعِبُ نَفْسِي تَحْتَ الْأُجُمِ إِذْ وَجَدْتُ مِنْ دَرَاهِمِ يَهُودَ فَابْتَعْنَا بِهِ وأكلنا، ثم والله ما زال النبي
صلى الله عليه وسلم مُحْسِنًا [ (1) ] . وَرَوَاهُ هِلَالُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَرَجَعْتُ فَمَا سَأَلْتُ أَحَدًا بَعْدَهُ شَيْئًا فَجَاءَتِ الدُّنْيَا، فَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَكْثَرَ أَمْوَالًا مِنَّا. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ: مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ. فَرَجَعْتُ وَقُلْتُ: لَا أَسْأَلُهُ فَلَأَنَا أكثر قومي مالا.
باب ما روي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم السائل بما أراد أن يسأله عنه قبل سؤاله
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّائِلَ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ قَبْلَ سُؤَالَهَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٍ الْأَسَدِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ وَابِصَةَ الْأَسَدِيَّ، قَالَ: جِئْتُ لِأَسْأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَسْأَلَهُ: جِئْتَ يَا وَابِصَةَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، قُلْتُ: أَيْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لِلَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ: الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرَكَ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا [ (2) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللهِ. يَعْنِي ابْنَ مِكْرَزٍ عَنْ وَابِصَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: دَعُونِي أَدْنُ مِنْهُ فَقَالَ: ادْنُ يَا وَابِصَةُ ادْنُ يَا وَابِصَةُ فَدَنَوْتُ حَتَّى مَسَسْتُ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ فَقَالَ: يَا وَابِصَةَ أُخْبِرُكَ بِمَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ
فَقَالَ جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: يَا وَابِصَةُ! اسْتَفْتِ قَلْبَكَ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ. الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ الْبَغْدَادِيُّ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْصَارِيٌّ وَالْآخَرُ ثَقَفِيٌّ فَابْتَدَرَ الْمَسْأَلَةَ لِلْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَخَا ثَقِيفَ إِنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَدْ سَبَقَكَ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي أَبْدَأُ بِهِ فَقَالَ: سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْنَاكَ بِالَّذِي جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْهُ قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ صَلَاتِكَ بِاللَّيْلِ وَعَنْ رُكُوعِكَ وَعَنْ سُجُودِكَ وَعَنْ صِيَامِكَ وَعَنْ غُسْلِكَ مِنَ الْجَنَابَةِ. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّ ذَلِكَ الَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ قَالَ: أَمَّا صَلَاتُكَ بِاللَّيْلِ فَصَلِّ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَ اللَّيْلِ وَنَمْ وَسَطَهُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ صَلَّيْتُ وَسَطَهُ؟ قَالَ: فَأَنْتَ إِذًا إِذًا. قَالَ: وَأَمَّا رُكُوعُكَ فَإِذَا أَرَدْتَ فَاجْعَلْ كَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَافْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْتَصِبْ قَائِمًا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَكَانِهِ فَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَنْقُرْ وَأَمَّا صِيَامُكَ فَصُمِ اللَّيَالِيَ الْبِيضَ يَوْمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَيَوْمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَيَوْمَ خَمْسَةَ عَشَرَ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ: يَا أَخَا الْأَنْصَارِ اسأل عَنْ حَاجَتِكَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْنَاكَ بِالَّذِي جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْهُ، قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ خُرُوجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَتَقُولُ: ماذا لي
فِيهِ؟ وَعَنْ وُقُوفِكَ بِعَرَفَاتٍ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ، وَعَنْ حَلْقِكَ رَأْسَكَ وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ وَعَنْ طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ وَتَقُولُ مَاذَا لِي فِيهِ، وَعَنْ رَمْيِكَ الجماز، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّ هَذَا الَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ. قَالَ: أَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامِ قَالَ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ مَوْطَأَةٍ تَطَأَهَا رَاحِلَتُكَ أَنْ تُكْتَبَ لَكَ حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْكَ سَيِّئَةٌ، وَإِذَا وَقَفْتَ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةَ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي وَهُمْ لَمْ يَرَوْنِي فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ ذَنُوبًا أَوْ قَطْرِ السَّمَاءِ أَوْ عَدَدِ أَيَّامِ الدُّنْيَا غَسَلَهَا عَنْكَ، وَأَمَّا رميك الجماز فَإِنَّ ذَلِكَ مَدْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ، فَإِذَا حَلَقْتَ رَأْسَكَ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَسْقُطُ مِنْ رَأْسَكَ أَنْ تُكْتَبَ لَكَ حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْكَ سَيِّئَةٌ، فَإِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ خَرَجْتَ مِنْ ذُنُوبِكَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ [ (4) ] . وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ السِّمْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَرْحَبِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجُنْدَعِيُّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن عُمَرَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ- وَأَظُنُّهُ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَلِمَاتٌ أَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ تُعَلِّمُنِيهِنَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَدْرِي مَالَهُ حَتَّى يُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ فِي الطَّوَافِ: خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الدِّبَاغُ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ المخزومي حدثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ [ (5) ] فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفَ فَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَدَعَوْا لَهُ دُعَاءً حَسَنًا. ثُمَّ قَالَا: جِئْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ نَسْأَلُكَ قَالَ إِنْ شِئْتُمَا أَنْ أُخْبِرَكُمَا بِمَا تَسْأَلَانِ عَنْهُ فَعَلْتُ وَإِنْ شِئْتُمَا أَنْ أَسْكُتَ وَتَسْأَلَانِي فَعَلْتُ. قَالَا: أَخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللهِ نَزْدَدْ إِيمَانًا- أَوْ نَزْدَدْ يَقِينَا- شَكَّ إِسْمَاعِيلُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا أَرَادَا أَنْ يَسْأَلَا عَنْهُ بِنَحْوٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ ذِكْرَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ. فَقَالَ: وَأَمَّا طَوَافُكَ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّكَ لَا تَضَعُ رِجْلًا وَلَا تَرْفَعُهَا إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَكَ بِهَا حَسَنَةً وَمَحَا عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً وَيَرْفَعُ لَكَ بِهَا دَرَجَةً. وَأَمَّا رَكَعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِنَّهَا كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً. ثُمَّ ذَكَرَ الْوقُوفَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارِ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ الْمُوجِبَاتِ. وأما تحرك فَمَدْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَعْدَهُ وَقَالَ فَقَالَ الثَّقَفِيُّ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الصَّلَاةَ. فَإِذَا غَسَلْتَ وَجْهَكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ أَظْفَارِ يَدَيْكَ فَإِذَا مَسَحْتَ بِرَأْسِكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ عَنْ رَأْسِكَ وَإِذَا غَسَلْتَ رِجْلَيْكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ أَظْفَارِ قَدَمَيْكَ، ثُمَّ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَاقْرَأْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ ثُمَّ إِذَا رَكَعْتَ فَأَمْكِنْ يَدَيْكَ مِنْ رُكْبَتَيْكَ وَافْرُقْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا. ثُمَّ إِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ وَجْهَكَ مِنَ السُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا وَصَلِّ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ. قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ صَلَّيْتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ قَالَ: فَإِنَّكَ إِذًا أَنْتَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عن
رَجُلَيْنِ مِنْ كِنْدَةَ مِنْ قَوْمِهِ قَالَا، اسْتَطَلْنَا يَوْمًا فَانْطَلَقْنَا إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، فَوَجَدْنَاهُ فِي ظِلِّ دَارِهِ جَالِسًا، فَقُلْنَا: إِنَّا اسْتَطَلْنَا يَوْمًا فَجِئْنَا نَتَحَدَّثُ عِنْدَكَ، فَقَالَ: وَأَنَا اسْتَطَلْتُ يَوْمِي، فَخَرَجْتُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْبَابِ مَعَهُمْ مَصَاحِفُ فَقَالُوا مَنْ يَسْتَأْذِنُ لَنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ مَالِي وَلَهُمْ يَسْأَلُونَنِي عَمَّا لَا أَدْرِي إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلِّمْنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَالَ أَبْغِنِي وَضُوءًا فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لِي وَأَنَا أَرَى السُّرُورَ وَالْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ أَدْخِلِ الْقَوْمَ عَلَيَّ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِي فَأَدْخِلْهُ قَالَ: فَأَذِنْتُ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ عَمَّا جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكَلَّمُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَتَكَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ أَقُولَ. قَالُوا قُلْ فَأَخْبِرْنَا. فَقَالَ: جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ إِنَّ أَوَّلَ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا مِنَ الرُّومِ أُعْطِيَ مُلْكًا فَسَارَ حَتَّى أَتَى سَاحِلَ أَرْضِ مِصْرَ فَابْتَنَى مَدِينَةً يقال له الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شَأْنِهَا بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلَكًا فَفَرَّعَ بِهِ فَاسْتَعْلَى بَيْنَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ؟ فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَعْلَى بِهِ ثَانِيَةً ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ؟ فَنَظَرَ فَقَالَ: لَيْسَ أَرَى شَيْئًا فَقَالَ لَهُ: الْمَدِينَتَيْنِ هُوَ الْبَحْرُ الْمُسْتَدِيرُ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مَسْلَكًا تَسْلُكُ بِهِ فَعَلِّمَ الْجَاهِلَ وَثَبِّتِ الْعَالِمَ، قَالَ: ثُمَّ جَوَّزَهُ فَابْتَنَى السَّدَّ جَبَلَيْنِ زَلِقَيْنِ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمَا سَارَ فِي الْأَرْضِ فَأَتَى عَلَى أُمَّةٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلَابِ فَلَمَّا قَطَعَهُمْ أَتَى عَلَى قَوْمٍ قِصَارٍ فَلَمَّا قَطَعَهُمْ أَتَى عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْحَيَّاتِ تَلْتَقِمُ الْحَيَّةُ مِنْهُمُ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ ثُمَّ أَتَى عَلَى الْغَرَانِيقِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ.. آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً [ (7) ] فَقَالَ هَذَا نَجِدُهُ فِي كتابنا [ (8) ] .
باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن قبر أبي رغال وما فيه من الذهب
بَابُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ وَمَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ، وَكَانَ هَذَا الْحَرَمُ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمُهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبَ، إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوا مَعَهُ الْغُصْنَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أحمد بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ وَتَمْتَامٌ قَالَا: حَدَّثَنَا الرَّبَاحِيُّ وَهُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَوْ مَسِيرٍ فَمَرُّوا بِقَبْرٍ فَقَالَ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ كَانَ مِنْ قَوْمِ ثَمُودَ فَلَمَّا أَهْلَكَ اللهُ قَوْمَهُ بِمَا أَهْلَكُهُمْ بِهِ مَنَعَهُ بِمَكَانِهِ مِنَ الْحَرَمِ فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ ذَا الْمَكَانَ أَوِ الْمَوْضِعَ فَمَاتَ فَدُفِنَ مَعَهُ قَضِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَابْتَدَرْنَاهُ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ.
باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم [1] عن امر السفينة
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (1) ] عَنْ أَمْرِ السَّفِينَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فِي أَصْحَابِهِ يَوْمًا فَقَالَ اللهُ أَنْجِ أَصْحَابَ السَّفِينَةِ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً فَقَالَ قَدِ اسْتَمَرَّتْ فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: قَدْ جَاءُوا يَقُودُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ وَالَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ الأشعريين وَالَّذِي قَادَهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ زَبِيدٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللهُ فِي زُبَيْدٍ، قَالَ: وَفِي رِمَعٍ [ (2) ] قَالَ: بَارَكَ اللهُ فِي زُبَيْدٍ، قَالُوا: وَفِي رِمَعٍ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَفِي رِمَعٍ [ (3) ] . وَفِي هَذَا إِخْبَارُهُ عَنِ احْتِبَاسِ السَّفِينَةِ وَإِشْرَافِهَا عَلَى الْغَرَقِ ثُمَّ دُعَاؤُهُ لَهَا بِالنَّجَاةِ ثُمَّ إِخْبَارُهُ عَنِ اسْتِمْرَارِهَا وَنَجَاتِهَا ثُمَّ بِقُدُومِهَا ثُمَّ بِمَنْ يَقُودُهُمْ فَكَانَ الْجَمِيعُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَعَلَى آلِهِ] [ (4) ] صَلَاةً لَا تَنْقَطِعُ.
باب ما جاء في اللحم الذي صار حجرا وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن سببه فكان كما قال
بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَّحْمِ الَّذِي صَارَ حَجَرًا وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِهِ فَكَانَ كَمَا قَالَ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ الشَّاشِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ، عَنِ الْهَيْثَمِ، بْنِ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ [ (1) ] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَتْ: أُهْدِيَتْ إِلَيَّ قِدْرَةٌ مِنْ لَحْمٍ، فَقُلْتُ لِلْخَادِمِ: ارْفَعِيهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَجِيءَ- قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِلْخَادِمِ: قَرِّبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِدْرَةَ اللَّحْمَ قَالَتْ: فَجَاءَتْ بِهَا فَأَرَتْهَا أُمَّ سَلَمَةَ فَإِذَا هِيَ قَدْ صَارَتْ مَرْوَةَ حَجَرٍ قَالَتْ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مالك يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: لَعَلَّهُ قَامَ عَلَى بَابِكُمْ سَائِلٌ فَأَهَنْتُمُوهُ قَالَتْ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَإِنَّ ذَاكَ لِذَاكَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ مولى لعثمان، قال:
أُهْدِيَ لِأُمِّ سَلَمَةَ بَضْعَةٌ مِنْ لَحْمٍ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ أَتَمَّ مِنَ الْأُولَى حَدَّثَنَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَلْخِيُّ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرَّاءِ بِبَلْخَ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ فَارِسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عن الجريري عن مولى لِعُثْمَانَ قَالَ: أُهْدِيَ لِأُمِّ سلمة بضعة من لحم وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ اللَّحْمَ فَقَالَتْ لِلْخَادِمِ ضَعِيهِ فِي الْبَيْتِ لَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ فَيَأْكُلُهُ فَوَضَعَتْهُ فِي كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ وَجَاءَ سَائِلٌ فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ تَصَدَّقُوا بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ فَقَالُوا لَهُ: بَارَكَ اللهُ فِيكَ فَذَهَبَ السَّائِلُ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ أَطْعَمُهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! قَالَتْ لِلْخَادِمِ: اذْهَبِي فَأْتِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ اللَّحْمِ، فَذَهَبَتْ فَلَمْ تَجِدْ فِي الْكُوَّةِ إِلَّا قِطْعَةَ مَرْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: أَتَاكُمُ الْيَوْمَ السَّائِلُ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَقُلْنَا لَهُ: بَارَكَ اللهُ فِيكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَإِنَّ ذَلِكَ اللَّحْمَ عَادَ مَرْوَةَ لَمَّا لَمْ تُطْعِمُوهُ السَّائِلَ.
باب ما جاء في إخباره بإسلام ابي الدرداء فكان كما اخبر صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِإِسْلَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَعْبُدُ صَنَمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رواحة وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ دَخَلَا بَيْتَهُ فَسَرَقَا صَنَمَهُ فَرَجَعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَجَعَلَ يَجْمَعُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَيَقُولُ وَيْحَكَ هَلِ امْتَنَعْتَ أَلَا دَفَعَتْ عَنْ نَفْسِكَ؟! فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لَوْ كَانَ يَنْفَعُ أَحَدًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْ أَحَدٍ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَنَفَعَهَا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، اعَدِّي لِي فِي الْمُغْتَسَلِ مَاءً فَجَعَلَتْ لَهُ مَاءً فَاغْتَسَلَ وَأَخَذَ حُلَّتَهُ فَلَبِسَهَا ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ رَوَاحَةَ مُقْبِلًا فَقَالَ هَذَا أَبُو الدَّرْدَاءِ مَا أُرَاهُ جَاءَ إِلَّا فِي طَلَبِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَا إِنَّمَا جَاءَ لِيُسْلِمَ فَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَنِي بِأَبِي الدَّرْدَاءِ ان يسلم [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره بحال من نحر نفسه فكان كما اخبر صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِحَالِ مَنْ نَحَرَ نَفْسَهُ فَكَانَ كَمَا أُخْبِرَ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ فُلَانًا مَاتَ. فَقَالَ لَمْ يَمُتْ فَعَادَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ إِنَّ فُلَانًا مَاتَ فَقَالَ: لَمْ يَمُتْ فَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا مَاتَ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ [ (1) ] . تَابَعَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سِمَاكٍ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا فِي الصَّلَاةِ [ (2) ] . وَأَمَّا إِخْبَارُهُ بِحَالِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَشُدُّ الْقِتَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَوْ حُنَيْنٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرِ.
باب ما جاء في إشارته إلى ما صار إليه امر ماعز بن مالك
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ أَمْرُ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ابن صَالِحٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ حَدَّثَنَا الْفَيْدُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْجَعْدَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَاعِزٍ حَدَّثَهُ أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا أَنَّ مَاعِزًا أَسْلَمَ آخِرَ قَوْمِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْهِ إِلَّا يَدُهُ فَبَايَعَهُ عَلَى ذا [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره من قال في نفسه شعرا في الشكاية عن ولده بذلك إن صحت الرواية
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ مَنْ قَالَ فِي نَفْسِهِ شِعْرًا فِي الشِّكَايَةِ عَنْ وَلَدِهِ بِذَلِكَ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ النَّهَاوَنْدِيُّ حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو دُجَانَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَكَمِ الْمَعَافِرِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ خَلَصَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْمَدَنِيُّ، عَنِ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبِيهِ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ادْعُهُ لِيَهْ قَالَ: فَجَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِنَّ ابْنَكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ تَأْخُذُ مَالَهُ فَقَالَ: سَلْهُ هَلْ هُوَ إِلَّا عَمَّاتُهُ أَوْ قَرَابَاتُهُ أَوْ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي، قَالَ: فَهَبَطَ جِبْرِيلُ الْأَمِينُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ! إِنَّ الشَّيْخَ قَدْ قَالَ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاكَ؟ قَالَ: لَا يَزَالُ يَزِيدُنَا اللهُ بِكَ بَصِيرَةً وَيَقِينًا نَعَمْ! قُلْتُ: قَالَ: هات فأنشأ يقول: غدوتك مَوْلُودًا وَعُلْتُكَ يَافِعًا ... تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتُنْهَلُ
إذا ليلة ضاقتك بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ ... لِسُقْمِكَ إِلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ تَخَافُ الرِّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا ... لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ مُوَكَّلُ كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي ... طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنَايَ تَهْمُلُ فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي ... إِلَيْكَ مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ جَعَلْتَ جَزَائِي غلظة وفظاطة ... كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتَكَ إِذَا لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي ... كَمَا يَفْعَلُ الْجَارُ الْمُجَاوِرُ تَفْعَلُ قَالَ: فَبَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخَذَ بِتَلْبِيبِ ابْنِهِ وَقَالَ: أَنْتَ ومالك لأبيك [ (2) ]
باب ما جاء في إخباره صاحب الجنبذة بصنيعه. وما ثبت عن ابن عمر انهم كانوا يتقون الكلام والانبساط مخافة ان ينزل فيهم القرآن بما قالوا وفعلوا
بَابُ مَا جَاءَ فِي إخباره صاحب الجنبذة بِصَنِيعِهِ. وَمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ بِمَا قَالُوا وَفَعَلُوا أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَاذَانَ، حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي شَهْمٍ، قَالَ: مَرَّتْ بِيَ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَخَذْتُ بِكَشْحِهَا، قَالَ: وَأَصْبَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايُعُ النَّاسَ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ يُبَايِعْنِي، فَقَالَ: صَاحِبُ الْجُبَيْذَةَ بِالْأَمْسِ، قَالَ: قُلْتُ: وَاللهِ لَا أَعُودُ، فَبَايَعَنِي [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ خَلَفٍ الصُّوفِيُّ الِاسْفِرَائِينِيُّ بِهَا. حدثنا محمد ابن دَاوُدَ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَوْسَقَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا محمد ابن أَبَانَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي شَهْمٍ قَالَ رَأَيْتُ جَارِيَةً فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى خَاصِرَتِهَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَى النَّاسُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيُبَايِعُوهُ فَبَسَطْتُ يَدِي فَقُلْتُ: بَايِعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ الْجَبْذَةَ أَمْسِ أَمَا إِنَّكَ صَاحِبُ الْجَبْذَةِ أَمْسِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْنِي فو الله لَا أَعُودُ أَبَدًا، قَالَ: نَعَمْ إِذًا ! أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ
السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ذَكَرَ سفيان، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا شَيْءٌ فَلَمَّا تُوُفِّيَ تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْفِرْيَابِيِّ: «كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا الْقُرْآنَ. فَلَمَّا مَاتَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ المقري حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تَالَلَّهِ لَقَدْ كَانَ أَحَدُنَا يَكُفُّ عَنِ الشَّيْءِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ وَإِيَّاهَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ تَخَوُّفًا أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ شيء من القرآن.
باب ما جاء في إخباره عوف بن مالك بما كان منه في نحر الجزور
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي نَحْرِ الْجَزُورِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عن ربيعة لقيط عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ هَدْمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَعْنِي: ابْنَ الْجَرَّاحِ فَأَصَابَتْنِي مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ فَوَجَدْتُ قَوْمًا يُرِيدُونَ أَنْ يَنْحَرُوا جَزُورًا فَقُلْتُ أكفيكم عملهما وَنَحْرَهَا وَتُطْعِمُونِي مِنْهَا شَيْئًا قَالُوا نَعَمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: تَعَجَّلْتَ أَجْرَكَ وَمَا أَنَا بِآكِلِهِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِثْلَهُمَا فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: صَاحِبُ الْجَزُورِ؟ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ حدثنا بان الْمُبَارَكَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنَا يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ هَدْمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ: ثُمَّ أَنِّي بُعِثْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحٍ فَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ الْجَزُورِ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. لَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ.
قُلْتُ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ مَضَى فِي مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْفَارِهِ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ إِخْبَارِهِ عَنْ سَرَائِرِ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ بِإِعْلَامِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ. وَفِي إِعَادَتِهِ هَاهُنَا تَطْوِيلُ الْكِتَابِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ- وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
باب امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الشاة التي أخذت بغير إذن مالكها، وما ظهر في ذلك من حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أكل الحرام
بَابُ امْتِنَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الشَّاةِ الَّتِي أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ اللهِ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: «أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» ، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِيَ امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا» فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ تُشْتَرَى لِي شَاةٌ فَلَمْ تُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أطعميه للأسارى [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره عن السحابة التي مطرت بواد باليمن
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ السَّحَابَةِ الَّتِي مَطَرَتْ بِوَادٍ بِالْيَمَنِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصَابَتْنَا سَحَابَةٌ وَلَمْ نَطَّلِعْ فِيهَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالسَّحَابِ دَخَلَ عَلَيَّ آنِفًا فَسَلَّمَ عَلَيَّ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَسُوقُ بِالسَّحَابِ إِلَى وَادٍ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ: ضَرِيحٌ فَجَاءَنَا رَاكِبٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ السَّحَابَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ مُطِرُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ» . عَامِرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ هَذَانِ لَا أَعْرِفُهُمَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا فِي إِخْبَارِهِ عَنْ مَلَكِ السَّحَابِ بِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّهُمْ أُمْطِرُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّهُ سَأَلَهُ مَتَى تُمْطَرُ بَلَدُنَا فَقَالَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا. وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَحَفِظُوهُ ثُمَّ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدُوا تَصْدِيقَهُ فَآمَنُوا وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: زَادَكُمُ اللهُ إِيمَانًا [ (1) ] . وَهَذَا الْمُرْسَلُ يُؤَكِّدُ هَذَا الموصول.
جماع أبواب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده، وتصديق الله جل ثناؤه رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع ما وعده
جُمَّاعُ أَبْوَابِ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْكَوَائِنِ بَعْدَهُ، وَتَصْدِيقِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَا وَعْدَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شوذب المقري الْوَاسِطِيُّ بِهَا، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ غَيْرُ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا [ (1) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ أخبرنا علي ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَالِبِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عن
الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ. فَقَدْ كُنْتُ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَعْرِفُهُ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَرَاهُ فَيَعْرِفُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ وَإِنَّهُ لَيَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ رَجَاءٍ الْأَدِيبُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا عَلْبَاءُ بن أحمد الْيَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظهر
ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى أَظُنَّهُ قَالَ حَضَرَتِ الْعَصْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَحْفَظُنَا أَعْلَمُنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (5) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ يَعْنِي: أَبَا عَاصِمٍ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَخَطَبَنَا حَتَّى كَانَ الْعَصْرُ لَمْ يَشُكَّ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَأَخْبَرَنَا بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَعَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ.
باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بإتمام الله تعالى أمره وإظهاره دينه وتصديق الله سبحانه قوله، قال الله - عز وجل -: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون 9: 33.
بَابُ إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِإِتْمَامِ اللهِ تَعَالَى أَمْرَهُ وَإِظْهَارِهِ دِينَهُ وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ، قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْخُرَاسَانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ اللهَ لَنَا؟ قَالَ: فَجَلَسَ مُحْمَارًّا وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَتُحْفَرُ لَهُ الحفرة فيوضع الميشار عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ أَوْ يُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ عَصَبِهِ وَلَحْمِهِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرُ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ. لَفْظُ حَدِيثِ جَعْفَرٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: قَدْ أَظْهَرَ اللهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- دِينَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِنَ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ: دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ. فَقَهَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهَا وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ صلى الله عليه وسلم هَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلُّهُ.
باب قول الله - عز وجل -: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون 24: 55 [
بَابُ قَوْلِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] ثُمَّ وَعْدِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِالْفُتُوحِ الَّتِي تَكُونَ بَعْدَهُ وَتَصْدِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعْدَهُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ السُّنِّيِّ الْبَيْهَقِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ: مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا لَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتِ النِّسَاءَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بُنْدَارٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ
الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانُ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْمُغِيرَةِ الْخُرْسَانِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ السَّرَّاجُ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْحَدِيثَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ والنصر والتمكن فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» . قَالَ الصَّائِغُ: رَوَاهُ رَجُلَانِ- عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارِزْمِيُّ الْحَافِظُ- بِبَغْدَادَ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن النَّيْسَابُورِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالِ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ» . فَقَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وأملوا ما يسركم، فو الله مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا فَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ من أنماط» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَّى؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ لكم أنماط» فَأَنَا أَقُولُ الْيَوْمَ لِامْرَأَتِي نحن عَنْكِ أَنْمَاطَكِ فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا ستكون لكم أنماط بعدي فأتركها.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ- يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِهْرَانَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ «أَنَّى تَكُونُ لِي أَنْمَاطٌ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ [ (6) ] فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ثُمَّ يُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] [ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] » [ (7) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ هِشَامٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ يَقُولُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ لِي: يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاسِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ فِيكُمْ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ. قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا [ (10) ] فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ عَلَى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا قَالَ فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن شرحبيل بن حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (11) ] .
وَرَبِيعَةُ هُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبَطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ وَخَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى ابن أَعْيَنَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَسَدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا فَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبَطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا [ (12) ] : يَعْنِي- أَنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ مِنْهُمْ. لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ ابن مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَسُئِلَ عَنِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» فَقَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ هَاجَرُ كَانَتْ قِبْطِيَّةً هِيَ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: مَارِيَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ قِبْطِيَّةٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن يعقوب حدثنا محمد ابن إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُجَاهِدِ الطَّائِيُّ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا: حَدَّثَنَا أبو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا سَعْدُ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا الْمُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَشَكَا الْفَاقَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَا! وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: لَئِنْ طَالَتِ الْحَيَاةُ لَتَرَى الظَّعِينَةَ يَرْتَحِلُونَ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى يَطُوفُوا بِالْكَعْبَةِ آمِنِينَ لَا يَخَافُونَ إِلَّا اللهَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوزُ كِسْرَى قَالَ: قُلْتُ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟! فَقَالَ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ. وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لترى الرجل يخرج ملء كَفِّهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يلتمس من يقبله فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَيَقُولُ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولِي فَيُبَلِّغَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا فَأُغْنَيْتُكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَبِكَلِمَةٍ طَيْبَةٍ» . قَالَ عَدِيٌّ فَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ يَرْتَحِلُونَ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى يَطُوفُوا بِالْكَعْبَةِ آمِنِينَ لَا يَخَافُونَ إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ كُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ الثَّالِثَةَ: يُخْرِجُ الرَّجُلُ مِلْءُ كَفِّهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلَهُ. إِنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَبُو الْقَاسِمِ حَدَّثَنِيهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (13) ] وَقَدْ أَخْرَجْتُهُ عَلَى لَفْظِ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابٍ آخَرَ. قُلْتُ: وَقَدْ صَدَّقَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الثَّالِثَةِ في زمن عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَذَلِكَ يَرِدُ ذِكْرُهُ- إن شاء الله.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ الْعَدَوِيِّ- يَعْنِي: جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ حَدَّثَنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ الدِّينُ قَيِّمًا حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا خَلِيفَةً [ (14) ] مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يَخْرُجَ كَذَّابُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، ثُمَّ يَخْرُجَ- أَوْ قَالَ- وَيَخْرُجَ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ: قَصْرُ كِسْرَى وَآلِ كِسْرَى، وَإِذَا أَعْطَى اللهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَأَنَا فَرَطُكُمْ [ (15) ] عَلَى الْحَوْضِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ [ (16) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَهْرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلَكَ كِسْرَى ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وِلَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عبد الرزاق [ (17) ] .
وَإِنَّمَا أَرَادَ هَلَاكَ قَيْصَرَ الَّذِي كَانَ مَلِكَ الشَّامِ وَتَنْحِيَةَ مُلْكِ الْأَقَاصِرَةِ عَنْهَا فَصَدَّقَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَنَحَّى عَنِ الشَّامِ مُلْكَ الْأَقَاصِرَةِ وَنَحَّى عَنِ الدُّنْيَا مُلْكَ الْأَكَاسِرَةِ وَبَقِيَ لِلْأَقَاصِرَةِ مُلْكٌ بِالرُّومِ لِقَوْلِهِ: «ثَبَتَ مُلْكُهُ» حِينَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللهُ تَعَالَى فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ لِقَوْلِهِ: «تَمَزَّقَ مُلْكُهُ» حِينَ مَزَّقَ كِتَابَهُ. وَقَدْ مَضَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ: «لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» إِشَارَةً إِلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لِأَنَّ كُنُوزَهُمَا نُقِلَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، بَعْضُهَا فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرُهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ وَقَدْ أَنْفَقَاهَا فِي الْمُسْلِمِينَ فَعَلِمْنَا أَنَّ مَنْ أَنْفَقَهَا كَانَ لَهُ إنفاقها وكان واليّ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ مُصِيبًا فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي بِخَطِّ يَدَيَّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُتِيَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي الْقَوْمِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: فَأَلْقَى إِلَيْهِ سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ فَجَعَلَهُمَا فِي يَدَيْهِ فَبَلَغَا مَنْكِبَيْهِ فَلَمَّا رَآهُمَا فِي يَدَيْ سُرَاقَةَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ- سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ فِي يَدِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ: وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسُرَاقَةَ. وَنَظَرَ إِلَى ذِرَاعَيْهِ: كَأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كسرى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ أَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى: الْبَسْهُمَا فَفَعَلَ فَقَالَ: قُلِ: اللهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ قَالَ: قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّامَغَانِيُّ مِنْ سَاكِنِي بَيْهَقَ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الْمُعْجَمِ لِشُيُوخِهِ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ الْقَطِيعِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم مُثِّلَتْ إِلَيَّ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ الكلام وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْنَةَ بُقَيْلَةَ قَالَ: هِيَ لَكَ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهَا فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ أَتَبِيعُهَا قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: بِكَمْ. [قَالَ] [ (18) ] احْكُمْ مَا شِئْتَ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا. قَالُوا لَهُ لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا قَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ؟! أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ، أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ حَدَّثَنَا مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَوَالِيِّ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ خِرْ لِي قَالَ: عَلَيْكَ بالشام فمن أتى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ [ (19) ] . حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُثْمَانَ الزَّاهِدُ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْحُسَيْنِ الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ،
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ ورَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ فَقُلْتُ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ فَإِنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ. فَسَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ يَقُولُ: مَنْ تَكَفَّلَ اللهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةٌ عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ. يَرُدُّ الْحَدِيثَ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ ابن حَوَالَةَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْعُرْيَ وَالْفَقْرَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ، فَقَالَ: أبشروا، فو الله لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ أَرْضَ فَارِسَ وَأَرْضَ الرُّومِ وَأَرْضَ حِمْيَرَ، وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً: جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، وَحَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ فَيَسْخَطَهَا. قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهِ الرُّومُ ذَوَاتِ الْقُرُونِ؟! قَالَ وَاللهِ لَيَفْتَحَنَّهَا اللهُ عَلَيْكُمْ وَلَيَسْتَخْلِفَنَّكُمْ فِيهَا حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ الْبِيضُ مِنْكُمْ قُمُصُهُمْ الْمُلْحَمَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرَّوَيْجِلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ، مَا أَمَرَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلُوهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (20) ] . قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: نَعْرِفُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جزء بن سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ [ (21) ] وَكَانَ عَلَى
الْأَعَاجِمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكَانَ إِذَا رَاحُوا إِلَى مَسْجِدٍ نَظَرُوا إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ قِيَامًا حَوْلَهُ فَعَجِبُوا لِنَعْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ حَبِيبٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ زُغْبِ الْأَيَادِي، قَالَ: نَزَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَوَالَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ فَرَضَ لَهُ فِي الْمِائَتَيْنِ فَأَبَى إِلَّا مِائَةً. قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ فَرَضَ لَكَ فِي مِائَتَيْنِ فَأَبَيْتَ إِلَّا مائة؟ فو الله مَا مَنَعَهُ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَيَّ أَنْ يَقُولَ لَا أُمَّ لَكَ أَوَ لَا يَكْفِي ابْنَ حَوَالَةَ مِائَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ؟ ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا عَلَى أَقْدَامِنَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ لِنَغْنَمَ فَقَدِمْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بِنَا مِنَ الْجَهْدِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَهُونُوا عَلَيْهِمْ [ (22) ] ، وَلَا تَكِلْهُمْ إلى أنفسهم فَيَعْجَزُوا عَنْهَا. وَلَكِنْ تَوَحَّدْ بِأَرْزَاقِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: لَيُفْتَحَنَّ لَكُمُ الشَّامَ ثُمَّ لَتَقْتَسِمُنَّ كُنُوزَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَلَيَكُونَنَّ لِأَحَدِكُمْ مِنَ الْمَالِ كَذَا وَكَذَا حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُعْطَى مِائَةُ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، وَقَالَ: يَا ابْنَ حَوَالَةَ! إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ أَتَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسَكِ [ (23) ] . قُلْتُ أَرَادَ بِالسَّاعَةِ انْخِرَامَ ذَلِكَ الْقَرْنِ- وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَرَادَ بِكُنُوزِ فَارِسَ وَبِكُنُوزِ الرُّومِ مَا كَانَ مِنْهُمْ بِالشَّامِ حِينَ تُفْتَحُ الشَّامُ تُؤْخَذُ كُنُوزُهُمْ بِهَا وَقَدْ وُجِدَ ذلك.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا [ (24) ] وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا [ (25) ] وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ [ (26) ] إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ. شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. قَالَ يَحْيَى: يُرِيدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْقَفِيزَ وَالدِّرْهَمَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى الْأَرْضِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَعِيشَ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ [ (27) ] . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ [ (28) ]- رَحِمَهُ اللهُ- فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَمْ يَكُنْ. وَهُوَ فِي عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَائِنٌ. فَخَرَجَ لَفْظُهُ عَلَى لفظ
الْمَاضِي، لِأَنَّهُ مَاضٍ فِي عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي إِعْلَامِهِ بِهَذَا قَبْلَ وقُوعِهِ مَا دَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّتِهِ وَدَلَّ عَلَى رِضَاهُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا وَظَّفَهُ عَلَى الْكَفَرَةِ مِنَ الْجِزَى فِي الْأَمْصَارِ. وَفِي تَفْسِيرِ الْمَنْعِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُمُ سَيُسْلِمُونَ وَسَيَسْقُطُ عَنْهُمْ مَا وُظِّفَ عَلَيْهِمْ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» لِأَنَّهُ بَدَأَهُمْ فِي عِلْمِ اللهِ وَفِيمَا قَدَّرَ وَفِيمَا قَضَى أَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَ فَعَادُوا مِنْ حيث بدءوا. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «مَنَعَتِ العراق درهما» إِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الطَّاعَةِ. وَهَذَا وَجْهٌ- وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. قَالَ الشَّيْخُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: وَتْفسِيرُهُ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو مُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ قَالَ: بُنْدَارُ بْنُ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ وَقَالَا: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِرْهَمٌ وَلَا قَفِيزٌ قَالُوا: مِمَّا ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ مِنَ الْعَجَمِ. وَقَالَ بُنْدَارٌ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ. وَقَالَا يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً وَقَالَ هُنَيَّةً. وَقَالَا ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ قَالَ: مِمَّا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ [حَثْيًا] [ (29) ] لا
يَعُدُّهُ عَدًّا [ (30) ] ، ثُمَّ قَالَ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَعُودَنَّ الْأَمْرُ كَمَا بَدَأَ لَيَعُودَنَّ كُلُّ إِيمَانٍ إِلَى الْمَدِينَةِ كما بدأ بهما حَتَّى يَكُونَ كُلُّ إِيمَانٍ بِالْمَدِينَةِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَهَا اللهُ خَيْرًا مِنْهُ وَلَيَسْمَعَنَّ نَاسٌ بِرُخْصٍ مِنْ أَسْعَارٍ وَرِزْقٍ فَيَتَّبِعُونَهُ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. رَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى.. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرٌو سَمِعَ جَابِرَ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ [ (31) ] مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هل فيكم من صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ: نَعَمْ! فَيَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَيُقَالُ: نَعَمْ! فَيَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَاحَبَهُمْ، فَيُقَالُ: نَعَمْ! فَيَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ. كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بن عيينة [ (32) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتُبْعَثُ بُعُوثٌ فَكُنْ فِي بَعْثٍ يَأْتِي خُرَاسَانَ ثُمَّ اسْكُنْ مَدِينَةَ مَرْوَ فَإِنَّهُ بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ وَقَالَ لَا يُصِيبُ أَهْلَهَا سُوءٌ [ (33) ] . حَدَّثَنَا [ (34) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ مُوسَى الْخُوَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَخِيهِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: أن نبي الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهُ سَتُبْعَثُ بَعْدِي بُعُوثٌ فَكُونُوا فِي بَعْثٍ يُقَالُ لَهُ: خُرَاسَانُ ثُمَّ انْزِلُوا كُورَةً يُقَالُ لَهَا مَرْوُ، ثُمَّ اسْكُنُوا مَدِينَتَهَا فَإِنَّ مَدِينَتَهَا بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ وَلَا يُصِيبُ أَهْلَهَا سُوءٌ [ (35) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ بْنِ حُرَيْثٍ الْعَبْدَانِي حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ- فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِسْطَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي سَهْلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا: أَبِي أَوْسٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَخِي سَهْلٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بُرَيْدَةُ إِنَّهُ سَتُبْعَثُ بَعْدِي بُعُوثٌ فَكُنْ فِي بَعْثِ أَهْلِ المشرق ثم تبعث
بَيْنَهُمْ بُعُوثٌ فَكُنْ فِي بَعْثِ أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ ثُمَّ تُبْعَثُ بَيْنَهُمْ بُعُوثٌ فَانْزِلُوا فِي كُورَةٍ يُقَالُ لَهَا مَرْوُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ - فَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي فَتْحَ فَارِسَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى جَمِيعِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْفَارِسِيَّةِ إِلَى أَقْصَى خُرَاسَانَ وَفِي بَعْضِهَا غُنَيْمَةٌ عَنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ- وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ وَهُوَ عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةٌ الْجُمُعَةِ: «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بهم» [ (36) ] قَالَ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُهُ حَتَّى سَأَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِيهِمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا [ (37) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ سَلْمَانُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِي الْقُرْآنِ إِذَا تَوَلَّيْنَا اسْتُبْدِلُوا ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَنَا [ (38) ]- قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَخِذَ سَلْمَانَ وَقَالَ: هَذَا وَقَوْمُهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ مُنَاطًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ [ (39) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ابن كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِرْقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم شَاةٌ وَالطَّعَامُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ. فَقَالَ لِأَهْلِهِ: أَصْلِحُوا هَذِهِ الشَّاةَ وَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخُبْزِ فَأَثْرِدُوا وَاغْرِفُوا عَلَيْهِ وَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الْغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ فَالْتَفُّوا عَلَيْهَا فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلَنِي جَبَّارًا عَنِيدًا كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذُرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا كُلُوا فو الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسٌ وَالرُّومُ حَتَّى يَكْثُرَ الطَّعَامُ فَلَا يُذْكَرُ عَلَيْهِ اسْمُ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-[ (40) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا السَّالَحِينِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسْتَوْرِدَ [ (41) ] صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ يَقُولُ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْكُمُ الرُّومُ إِنَّمَا هَلَكَتُهُمْ مَعَ السَّاعَةِ. فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَلَمْ أَزْجُرْكَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ [ (42) ] . قُلْتُ: لَعَلَّهُ إِذْ كَانَ صَحِيحًا إِنَّمَا زَجَرَهُ عَنْ رِوَايَتِهِ لِئَلَّا يَعْرِضَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِهِمْ فَإِنَّ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ إِنَّمَا أَرَادَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ- وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَعَ السَّاعَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ قَوْمًا مِنَ الْأَعَاجِمِ حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ، صِغَارَ الْأَعْيُنِ كَأَنَّ وجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» . قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (43) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا الْمَنِيعِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَعْنِي: مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: بَلَغَنِي أَنَّ أَصْحَابَ بَابِلَ كَانَتْ نِعَالُهُمُ الشَّعَرَ. قُلْتُ: هُمْ قَوْمٌ مِنَ الْخَوَارِجِ خَرَجُوا فِي نَاحِيَةِ الرِّيِّ فَأَكْثَرُوا الْفَسَادَ وَالْقَتْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قُوتِلُوا وَأَهْلَكَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ السِّقَاءُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ جَبْرِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْهِنْدِ فَإِنْ أَدْرَكْتُهَا أُنْفِقْ فِيهَا مَالِي وَنَفْسِي فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ القاسم السّبّاري بِمَرْوَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَاشَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي عمارة عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قال: قَالَ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ كَأَنَّمَا تَتْبَعُنِي غَنَمٌ سوء ثُمَّ أَرْدَفَتْهَا غَنَمٌ بِيضٌ حَتَّى لَمْ تُرَ السُّودُ فِيهَا فَقَصَّهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هِيَ الْعَرَبُ تَبِعَتْكَ ثُمَّ أَرْدَفَتْهَا الْعَجَمُ حَتَّى لَمْ يُرَوْا فِيهَا. قَالَ: أَجَلْ كَذَلِكَ عَبَرَهَا الْمَلِكُ سَحَرًا. هَذَا مُرْسَلٌ. وَرَوَى أَيْضًا حُصَيْنُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مُرْسَلًا بَعْضَ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابن سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ [ (44) ] ، فَأُوِّلَتِ الرِّفْعَةُ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةُ، فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ [ (45) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عن القعبني [ (46) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ يَخْدُمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَكَانَ تُعْجِبُهُ خِدْمَتُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَعْتِقْ سَعْدًا قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مالنا ما هن غَيْرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَتَتْكَ الرِّجَالُ. يَعْنِي: السَّبْيُ.
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن خلفاء يكونون بعده فكانوا
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خُلَفَاءَ يَكُونُونَ بَعْدَهُ فَكَانُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ يَعْنِي الْقَزَّازَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ [ (1) ] كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا [ (2) ] بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ [ (3) ] .
باب ما جاء في إخباره عن ملوك يكونون بعد الخلفاء فكانوا كما أخبر صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ مُلُوكٍ يَكُونُونَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ فَكَانُوا كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ فُضَيْلٍ الْخَطْمِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا كَانَ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ بِهَدْيِهِ وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَعْمَلُونَ مَا تُنْكِرُونَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الصَّغَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ [ (1) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبُرُلُّسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، أَبُو ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ، وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيُّ، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِكِتَابِ اللهِ، وَيَعْدِلُونَ فِي عِبَادِ اللهِ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ، فَمُغَيِّرُ بِيَدِهِ، وَمُغَيِّرُ بِلِسَانِهِ، وَمُغَيِّرُ بِقَلْبِهِ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، ومعاذ ابن جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ بَدَأَ هَذِهِ الْأُمَّةَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عضوضا، وكائنا عِزَّةً وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ: يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوَا الله عز وجل» [ (3) ] .
باب في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مدة الخلافة بعده، ثم تكون ملكا فكان كما أخبر
بَابُ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَنْ مُدَّةِ الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ- أَوْ قَالَ- مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ. قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ لِي سَفِينَةُ أَمْسِكْ أبا بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَعُمَرُ عَشْرًا، وَعُثْمَانُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَعَلِيٌّ سِتًّا، قَالَ: قُلْتُ لِسَفِينَةَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ بِخَلِيفَةٍ، قَالَ: كَذِبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ. وَاللَّفْظُ لِسَوَّارٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ زَادَ- يَعْنِي: سَوَّارٌ وَقَالَ: وَعَلِيٌّ كَذَا، وَهَذَا لِأَنَّ خِلَافَتَهُ كَانَتْ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا شَهْرَيْنِ، وَالزِّيَادَةُ فِي خِلَافَةِ أبي
بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ، وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا. وَفِيمَا [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ» [ (3) ] . قَالَ لِي سَفِينَةُ أَمْسِكْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ وَخِلَافَةُ عُمَرَ وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، يقول: «خلافة نبوة ثَلَاثِينَ عَامًا ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ رَضِينَا بالملك [ (4) ] .
باب ما جاء في إخباره بأن الله تعالى يأبى ثم المؤمنون أن يكون بعده الخليفة إلا أبا بكر وإن لم يستخلفه في غير الصلاة نصا فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْبَى ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ يَكُونَ بَعْدَهُ الْخَلِيفَةُ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ نَصًّا فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إبراهيم بن سعد، عن صالح ابن كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُدِئَ فِيهِ فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهْ! فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ. قُلْتُ- غَيْرَى- كَأَنِّي بِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَرُوسًا فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ [ (1) ] ادْعِي لِي أَبَاكِ [ (2) ] وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَيَتَمَنَّى [وَيَقُولُ] [ (3) ] : أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ [بْنِ هَارُونَ] ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أبا بكر.
باب ما جاء في إخباره عن رؤياه - ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي - بقصر مدة أبي بكر بعده وزيادة مدة عمر بن الخطاب بعد أبي بكر فكانا كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ رُؤْيَاهُ- وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَحْيٌ- بِقَصْرِ مُدَّةِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ وَزِيَادَةِ مُدَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَا كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي فِي آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ [ (1) ] عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُهُ، فَنُزِعَتْ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا [ (2) ] أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ- وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ- ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا [ (3) ] فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسَ بِعَطَنٍ [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الدَّابَرْدِيُّ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ- فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: فَنَزَعْتُهُ. وَقَالَ: فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدَانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، وَهِشَامٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّيَ أسقي غنما سودا إذا خالطتهم غنم عنز إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ، إِذْ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ الدَّلْوَ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَرْوَى النَّاسَ وَصَدَرَ الشَّاءُ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرْيَ عُمَرَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوَّلْتُ أَنَّ الْغَنَمَ السُّودَ الْعَرَبُ وَأَنَّ الْعُفْرَ إِخْوَانُكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَعَاجِمِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَوْلُهُ: وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ قِصَرُ مُدَّتِهِ وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ وَشُغْلُهُ بِالْحَرْبِ مَعَ أَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّزَيُّدِ الَّذِي بَلَغَهُ عُمَرُ فِي طُولِ مُدَّتِهِ.
باب ما جاء في الإخبار عن الولاة بعده وما وقع من الفتنة في آخر عهد عثمان، ثم في أيام علي - رضي الله عنهما - حتى لم يستقم له أمر الولاية كما استقام لأصحابه واغتمام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْوُلَاةَ بَعْدَهُ وَمَا وَقَعَ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي آخِرِ عَهْدِ عُثْمَانَ، ثُمَّ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- حَتَّى لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ أَمْرُ الْوِلَايَةِ كَمَا اسْتَقَامَ لِأَصْحَابِهِ وَاغْتِمَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً [ (1) ] تَنْطِفُ [ (2) ] السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ [ (3) ] مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَعَلَا، ثُمَّ أَخَذَ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا، ثُمَّ أَخَذَ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْبُرْ» ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الَّذِي تَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ وَأَمَّا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ مِنْهُ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ فَأَخَذْتَ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكِ فَيَعْلُو، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ
رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ بَعْضًا وأخطأت بعضا» ، قال: فو اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَتُخْبِرَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ. قَالَ: «لَا تُقْسِمْ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن يعقوب حدثنا بحر ابن نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (4) ] . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا صَوَّبَهُ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا وَخَطَأَهُ فِي الِافْتَيَاتِ بِالتَّعْبِيرِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَوْضِعُ الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الرُّؤْيَا شَيْئَانِ وَهُمَا السَّمْنُ وَالْعَسَلُ فَعَبَرْهُمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَعْبُرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ وَإِنَّمَا هُمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لِأَنَّهَا بَيَانُ الْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي هَذَا الْقَوْلُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ وَوُزِنَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ فَرَجَحَ عُمَرُ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا» فَذَكَرَ مِثْلَهُ. لَمْ يَذْكُرٍ الْكَرَاهِيَةَ فَاسْتَاءَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَعْنِي سَاءَهُ ذَلِكَ فَقَالَ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نِيطَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِيطَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِعُمَرَ» فَقَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَأَمَّا مَا ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم. تَابَعَهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَكَذَا. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حدثنا
عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرِو ابن أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ ابن دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ [ (6) ] إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا [ (7) ] فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَانْتَشَطَتْ [ (8) ] فَانْتَضَحَ [ (9) ] عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ [ (10) ] . قُلْتُ: ضَعْفُ شُرْبِ أَبِي بَكْرٍ: قِصَرُ مُدَّتِهِ وَالِانْتِضَاحُ مِنْهُ عَلَى عَلِيٍّ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمُنَازَعَةَ فِي وَلَايَتِهِ- وَاللهُ أعلم.
باب ما جاء في إخباره عن صدق أبي بكر في إيمانه وشهادته لعمر وعثمان بالشهادة فاستشهدا بعده كما أخبر، مع ما فيه من امره الجبل بالثبوت بعد الرجفة وضربه إياه برجله فسكن
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ صِدْقِ أَبِي بَكْرٍ فِي إِيمَانِهِ وَشَهَادَتِهِ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالشَّهَادَةِ فَاسْتَشْهَدَا بَعْدَهُ كَمَا أَخْبَرَ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ الْجَبَلَ بِالثُّبُوتِ بَعْدَ الرَّجْفَةِ وَضَرْبِهِ إِيَّاهُ بِرِجْلِهِ فَسَكَنَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثت أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا! وَقَالَ رَوْحٌ: حِرَاءُ أَوْ أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ. قَالَ مَكِّيٌّ: فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بِرِجْلِهِ وَقَالَ: اثْبُتْ عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَالُوا عَنْهُ أُحُدٌ كما قال مكي [ (1) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ حِرَاءَ ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ مَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مثله [ (2) ] .
باب ما جاء في إخباره عن صدق أبي بكر في تصديقه وشهادته لعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير بالشهادة فاستشهدوا كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ صِدْقِ أَبِي بَكْرٍ فِي تَصْدِيقِهِ وَشَهَادَتِهِ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بِالشَّهَادَةِ فَاسْتُشْهِدُوا كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ وَحُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ قَالَا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ على حراء هو وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (1) ] .
باب ما جاء في دعائه لعكاشة بن محصن وإدراكه الشهادة ببركة دعائه وظهور دلالات الصدق فيما أخبر عن حاله
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ لِعُكَّاشَةِ بْنِ مِحْصَنٍ وَإِدْرَاكِهِ الشَّهَادَةَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَظُهُورِ دَلَالَاتِ الصِّدْقِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ حَالِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِيَ مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِيَ مِنْهُمْ، قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ [ (1) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ. وَمَشْهُورٌ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْمَغَازِيِّ أَنَّ عُكَّاشَةَ اسْتُشْهِدَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عنه [ (2) ] .
باب ما جاء في إخباره عن حال ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه وشهادته له بالشهادة والجنة فقتل شهيدا يوم مسيلمة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما ظهر في رؤيا من رآه من الآثار
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ حَالِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَالْجَنَّةِ فَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَا ظَهَرَ فِي رُؤْيَا مَنْ رَآهُ مِنَ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الحسن الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [ (1) ] . وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ حَبِطَ عَمَلِي وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَجَلَسَ فِي أَهْلِهِ حَزِينًا، قَالَ: فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ؟ قَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْهَرُ لَهُ بِالْقَوْلِ، حَبِطَ عَمَلِي وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: لَا! بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ: فَكَانَ فينا بعض
انْكِشَافٍ فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ فَقَالَ: بِئْسَ مَا تُعَوِّدُونَ أَقْرَانَكُمْ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ؟! نَهَى اللهُ الْمَرْءَ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْحَمْدَ، وَنَهَى الله عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْخُيَلَاءِ وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْجَمَالَ، وَنَهَى أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ وَأَنَا امْرُؤٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: يا ثابت أو ما تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ فَعَاشَ حَمِيدًا وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ بِمَرْوَ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْبَغْدَادِيُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْأَعْرَجُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ثَابِتَ ابن قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدْ خَشِيتُ أَنَّ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ؟ قَالَ: نَهَانَا اللهُ أَنْ نُحِبَّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْحَمْدَ. وَنَهَانَا عَنِ الْخُيَلَاءِ وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْجَمَالَ وَنَهَانَا أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ وَأَنَا جَهِيرُ الصَّوْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ثَابِتُ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! وَقَالَ: فَعَاشَ حَمِيدًا وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مسيلمة الكذاب [ (3) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ جَاءَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ أَكْفَانَهُ وَقَدِ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ فَبِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ مُنْذُ الْيَوْمِ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْرَانِنَا سَاعَةً ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ سَاعَةً فَقُتِلَ وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ قَدْ سُرِقَتْ فَرَآهُ رَجُلٌ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقَالَ: إِنَّ دِرْعِي فِي قِدْرٍ تَحْتَ إِكَافٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَطَلَبَ الدِّرْعَ فَوَجَدَ حَيْثُ قَالَ فَأَنْفَذُوا وَصِيَّتَهُ [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ الْبَيْرُوتِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقُلْتُ حَدِّثْنِي حَدِيثَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ فَقَالَ قُمْ مَعِي فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَفَعَنَا إِلَى دَارٍ فَأَدْخَلَنِي عَلَى امْرَأَةٍ فَقَالَ هَذِهِ ابْنَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَسَلْهَا فَقُلْتُ حَدِّثِينِي عَنْهُ رَحِمَكِ اللهُ. قَالَتْ إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ.. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى مَا رَوَيْنَا فِي الْأَخْبَارِ قَبْلَهُ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَسْتَ مِنْهُمْ بَلْ تَعِيشُ حَمِيدًا وَتُقْتَلُ شَهِيدًا وَيُدْخِلُكَ اللهُ الْجَنَّةَ» . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ أَتَى مُسَيْلِمَةُ فَلَمَّا لَقِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَانْكَشَفُوا فَقَالَ ثَابِتٌ وَسَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ احْتَفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ حُفْرَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْقَوْمُ فَثَبَتَا وَقَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا. وَعَلَى ثَابِتٍ يَوْمَئِذٍ دِرْعٌ لَهُ نَفِيسَةٌ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ المسلمين
فَأَخَذَهَا فَبَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَائِمٌ فَأَتَاهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ: أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ: هَذَا حُلْمٌ فَتُضَيِّعَهُ إِنِّي لَمَّا قتلت مربي رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ دِرْعِي وَمَنْزِلُهُ فِي أَقْصَى النَّاسِ وَعِنْدَ خِبَائِهِ فَرَسٌ يَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ وَقَدْ كَفَأَ عَلَى دِرْعِي بُرْمَةً وَجَعَلَ فَوْقَ الْبُرْمَةِ رَحْلًا. فائت خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمُرْهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى دِرْعِي فَيَأْخُذَهُ وَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى خَلِيفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا وَلِي مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا. وَفُلَانٌ مِنْ رَقِيقِي عَتِيقٌ فَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ: هَذَا حُلْمٌ فَتُضَيِّعَهُ فَأَتَى الرَّجُلُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَأَخْبَرَهُ فَبَعَثَ إِلَى الدِّرْعِ فَنَظَرَ إِلَى خِبَاءٍ فِي أَقْصَى النَّاسِ وَإِذَا عِنْدَهُ فَرَسٌ يَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَنَظَرَ فِي الْخِبَاءِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَدَخَلُوا فَرَفَعُوا الرَّحْلَ فَإِذَا تَحْتَهُ بُرْمَةٌ ثُمَّ رَفَعُوا الْبُرْمَةَ فَإِذَا الدِّرْعُ تَحْتَهَا فَأَتَوْا بِهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ حَدَّثَ الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ بِالرُّؤْيَا فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أُجِيزَتْ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَّا ثابت [ (5) ] .
باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم بكفاية الله تعالى عباده شر الأسود العنسي ومسيلمة الكذابين فقتلا جميعا
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى عِبَادَهُ شَرَّ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ وَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَيْنِ فَقُتِلَا جَمِيعًا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنَّ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْأَمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ. وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَسَيجِيبُكَ عَنِّي فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وَضَعَ فِيَ يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (1) ] . وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا حَدِيثُ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْوُفُودِ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ رَجُلٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا أَتَاهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ سَجَدَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَيْلِمَةَ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أن هَذَا رَجُلٌ أُخِّرَ لِهَلَكَةِ قومه.
باب ما جاء في تحذيره الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان وإخباره بالتبديل الذي وجد بعد وفاته حتى قاتلهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بمن ثبت على دينه من أهل الإسلام
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْذِيرِهِ الرُّجُوعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَإِخْبَارِهِ بِالتَّبْدِيلِ الَّذِي وُجِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَتَّى قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَنْ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ [ (1) ] . وَبَلَغَنِي عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الرِّدَّةِ قَتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَاهُ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا أَيْ فرقا مختلفين
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَتَكُونُوا فِي ذَلِكَ مُضَاهِينَ لِلْكُفَّارِ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ مُتَعَادُونَ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رقاب بعض. وَالْمُسْلِمُونَ مُتَآخُونَ يَحْقُنُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا أَيْ مُتَكَفِّرِينَ بِالسِّلَاحِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مِنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا.. وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» . قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ «فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي!! فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ! فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (2) ] . وَقَالَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: «.. وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ
ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ الْآيَةَ [ (3) ] فَارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَبِمَنْ ثَبَتَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ وَلَمْ تَأْخُذْهُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ حَتَّى قَهَرُوهُمْ وَرَجَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ! رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنِ الْحَسَنِ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ. تَابَعَهُ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ- فِي أَهْلِ الْيَمَنِ- فَمَنْ بَقِيَ مِنْ مُهَاجِرِي الْيَمَنِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ قَاتَلُوا أَهْلَ الرِّدَّةِ فَوُجِدَ- بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ- تَصْدِيقُ الْخَبَرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ- وبالله التوفيق.
باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين [1] لا يعبدون الشيطان في جزيرة العرب - يريد أصحابه فمن بعدهم فكان كما قال. ثم كان ما اخبر به من التحريش بينهم في آخر أيامه
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ [ (1) ] لَا يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ- يُرِيدُ أَصْحَابَهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَكَانَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ كَانَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ النَّوْقَانِيُّ [ (2) ] بِهَا، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، حدثنا مؤمل ابن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ [ (3) ] بَيْنَهُمْ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنِ التَّحْرِيشَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ [ (4) ] .
باب ما جاء في إخباره ابنته بوفاته وبأنها أول اهل بيته لحوقا به فكانا كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ ابْنَتَهُ بِوَفَاتِهِ وَبِأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ لُحُوقًا بِهِ فَكَانَا كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَقُلْتُ: اسْتَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ لِمَ تَبْكِينْ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبُ مِنْ حَزَنٍ؟! فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ لَهَا، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كل سنة مرة، وأنه عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجْلِي، وَإِنَّكَ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر عن زكريا [ (1) ] .
وَاخْتَلَفُوا فِي مُكْثِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَتْ فَقِيلَ مَكَثَتْ شَهْرَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٌ وَقِيلَ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ. وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا [ (2) ] شُعَيْبٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: عَاشَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. أَخْرَجَاهُ في الصحيح [ (3) ] .
باب إخباره بما يرجع إليه مقال سهيل بن عمرو بن عبد شمس [1] ورجوعه إلى ذلك فكان كما اخبر
بَابُ إِخْبَارِهِ بِمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَقَالُ سُهَيْلِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس [ (1) ] وَرُجُوعِهِ إِلَى ذَلِكَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَنْزِعُ ثَنِيَّةَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا يَقُومُ خَطِيبًا فِي قَوْمِهِ أَبَدًا! فَقَالَ: دَعْهَا، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسُرَّكَ يَوْمًا. قَالَ سُفْيَانُ فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نَفَرَ مِنْهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مُحَمَّدٌ إِلَهُهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَاللهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ [ (2) ] . قُلْتُ: ثُمَّ لَحِقَ سُهَيْلٌ فِي أَيَّامِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالشَّامِ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى مَاتَ بِهَا فِي طاعون عمواس.
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن حال البراء بن مالك الأنصاري [1] بأنه ممن لو أقسم على الله لأبره وتصديق الله جل ثناؤه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه رضى الله عنه
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ [ (1) ] بِأَنَّهُ مِمَّنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ وَتَصْدِيقِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا محمد بن عزير [ (2) ] الأيلي عن سلامة ابن رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ مِنْ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ. وَإِنَّ الْبَرَاءَ لَقِيَ زَحْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا: يَا بَرَاءُ! أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّكَ فَأَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ. قَالَ: أُقْسِمُ عليك يا رب لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ، ثُمَّ الْتَقَوْا عَلَى قَنْطَرَةِ السُّوسِ، فَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: أَقْسِمْ يَا بَرَاءُ عَلَى رَبِّكَ قَالَ: أُقْسِمُ عليك يا رب لما مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا [ (3) ] . قُلْتُ: قُتِلَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ يَوْمَ تُسْتَرَ في عهد عمر.
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بمحدثين كانوا في الأمم وأنه إن يكن في أمته منهم احد فعمر بن الخطاب فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُحَدَّثِينَ كَانُوا فِي الْأُمَمِ وَأَنَّهُ إِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ ابن مُوسَى، حَدَّثَنِيهِ الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (1) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ- كُوفِيٌّ- عَنِ الوليد بن القيزار، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا كُنَّا
نُنْكِرُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. تَابَعَهُ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَالشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسَ الْعَقَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الهيثم الدّير عاقوليّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَجَّاجِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ جَرِيرٍ الْعَسَّالُ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمران عُمَرَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ فَبَيْنَمَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يَصِيحُ يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، فَقَدِمَ رَسُولٌ مِنَ الْجَيْشِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ يَا سَارِيَ الْجَبَلَ فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللهُ فَقُلْنَا لِعُمَرَ: كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ وَحَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ بِذَلِكَ [وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (3) ] .
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بمن يكون أسرع لحوقا به زوجاته [1] فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ يَكُونُ أَسْرَعَ لُحُوقًا بِهِ زَوْجَاتِهِ [ (1) ] فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّنَا أَسْرَعُ لُحُوقًا بِكَ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، قَالَتْ: فَأَخَذْنَا قَصَبَةً نَذْرَعُهَا وَكَانَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ أَطْوَلَنَا ذِرَاعًا قَالَتْ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ سَوَّدَهُ بِنْتُ زَمْعَةَ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ طُولُ يَدِهَا الصَّدَقَةُ. وَكَانَتِ امْرَأَةً تُحِبُّ الصَّدَقَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ. كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَسْرَعَهُنَّ لُحُوقًا بِهِ كَانَتْ سَوْدَةَ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ أَطْوَلَ يَدًا بِالصَّدَقَةِ وَكَانَتْ هِيَ أَسْرَعُ لحوقا به [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيُّهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا قَالَتْ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَنَا يَدًا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ [ (4) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ إِلَّا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب حدثنا أحمد ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قُلْنَ النِّسْوَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَيُّنَا أَسْرَعُ لُحُوقًا بك قال أطولكن يدا فَأَخَذْنَ يَتَذَارَعْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ عُلِمْنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ.
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن خبر التابعين أويس القرني [1] ووصفه إياه وقدومه على امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصفة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بأن خبر التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ [ (1) ] وَوَصْفِهِ إِيَّاهُ وَقُدُومِهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ فِيهِ: وَقُضِيَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ أَنْ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَوَفَدَ فِيهِمْ رَجُلٌ كَانَ يُؤْذِيهِ- يَعْنِي: يؤْذِي أُوَيْسًا- قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: اما ها هنا مِنَ الْقَرَنِيِّينَ أَحَدٌ؟ قَالَ: فَدُعِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَلَا يَدَعُ بِهَا إِلَّا أُمًّا لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللهُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ فَأُذْهِبَ عَنْهُ إِلَّا مِثْلُ مَوْضِعِ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَأْمُرْهُ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ لَكُمْ- وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. هَذَا الْقَدْرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُلَيْمَانَ [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الضَّبِّيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: «لَمَّا أَقْبَلَ أَهْلُ الْيَمَنِ جَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَسْتَقْرِئُ الرِّفَاقَ فَيَقُولُ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ قَرَنٍ حَتَّى أَتَى عَلَى قَرَنٍ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: قَرَنٌ فَوَقَعَ زِمَامُ عُمَرَ أَوْ زِمَامُ أُوَيْسٍ، فَنَاوَلَهُ عُمَرُ فَعَرَفَهُ بِالنَّعْتِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أُوَيْسٌ. قَالَ: هَلْ كَانَتْ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: هَلْ بِكَ مِنَ الْبَيَاضِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ! دَعَوْتُ اللهَ فَأَذْهَبَهُ عَنِّي إِلَّا مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ مِنْ سُرَّتِي لِأَذْكُرَ بِهِ رَبِّي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا رَبَّهُ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ فِي سُرَّتِهِ. قَالَ: فَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَفَّانَ مُخْتَصَرًا لَمْ يَذْكُرِ الْقِصَّةِ فِي أَوَّلِهِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ- وَفِي رِوَايَةِ
المقري- إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ [ (4) ] سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: كَانَ بك برص فبرأت مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ! فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يستغفر لك فافعل» - فاستغفره لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ. قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عمالها- وفي رواية المقري أَلَا أَكْتُبُ إِلَى عَامِلِهَا- فَيَسْتَوْصُوا بِكَ خَيْرًا؟ فَقَالَ: لَأَنْ أَكُونَ فِي غَمْرِ الناس- وفي رواية المقري فِي غِمَارِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَسَأَلَ عُمَرَ عَنْ أُوَيْسٍ كَيْفَ تَرَكْتَهُ قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ- وفي رواية المقري- رَثَّ الثِّيَابِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبرأه فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» . فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ أَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفَرَ لِي وَقَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: فَكَسَوْتُهُ بُرْدًا فَكَانَ إِذَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذَا؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ بِطُولِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى [ (5) ] وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ عَنْ مُعَاذٍ عن هشام [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَصْفَرِ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ عَمُّ الْأَحْنَفِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي التَّابِعِينَ رَجُلٌ مِنْ قَرَنٍ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ يَخْرُجُ بِهِ وَضَحٌ فَيَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْهُ فَيُذْهِبَهُ فَيَقُولُ: اللهُمَّ دَعْ لِي فِي جَسَدِي مِنْهُ مَا أَذْكُرُ بِهِ نِعَمَكَ عَلَيَّ فَيَدَعْ لَهُ فِي جَسَدِهِ مَا يَذْكُرُ بِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ [ (7) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ: فِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَضَرَبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ [ (9) ] . قَالَ الثَّقَفِيُّ: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِنَّهُ أويس القرني.
باب ما روي في إخباره بأنه يكون في أمته رجل يقال له صلة بن أشيم [1] فكان بعد وفاته على صفته
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ [ (1) ] فَكَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى صِفَتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزَِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ كَذَا وَكَذَا [ (2) ] » . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: قَالَتْ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ: مَا كَانَ صِلَةُ يَجِيءُ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهِ إِلَى فِرَاشِهِ إِلَّا حَبْوًا يَقُومُ حَتَّى يَفْتُرَ فِي الصَّلَاةِ. قُلْتُ: وَصِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ صَاحِبُ كَرَامَاتٍ وَفِي ذكرها هنا تطويل [ (3) ] .
باب ما جاء في إخباره بولادة غلام بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وإذنه إياه في أن يسميه باسمه ويكنيه بكنيته فكان ذلك في محمد ابن الحنفية [1]
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِوِلَادَةِ غُلَامٍ بَعْدَهُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَإِذْنِهِ إِيَّاهُ فِي أَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ وَيُكْنِيَهُ بِكُنْيَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ الْكَلْبِيُّ حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ [ (2) ] الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «سَيُولَدُ لَكَ بَعْدِي غُلَامٌ قَدْ نَحَلْتَهُ اسْمِي وَكُنْيَتِي» [ (3) ] .
باب في إخباره أم ورقة [1] بأنها تدرك [2] الشهادة فاستشهدت في عهد عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه
بَابٌ فِي إِخْبَارِهِ أُمَّ وَرَقَةَ [ (1) ] بِأَنَّهَا تُدْرِكُ [ (2) ] الشَّهَادَةَ فَاسْتُشْهِدَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن أحمد المقري: ابْنُ الْحَمَامِيِّ- بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَزَا بَدْرًا قَالَتْ تَأْذَنُ لِي فَأَخْرُجُ مَعَكَ أُدَاوِي جَرْحَاكُمْ وَأُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللهَ تَعَالَى يُهْدِي لِي شَهَادَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى مُهْدٍ لَكِ شَهَادَةً فَكَانَ يُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا. وَأَنَّهَا غَمَّتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا وَغُلَامٌ كَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهُمَا فَقَتَلَاهَا فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَقِيلَ إِنَّ أُمَّ وَرَقَةَ قَتَلَتْهَا جَارِيَتُهَا وَغُلَامُهَا وَأَنَّهُمَا هَرَبَا فَأُتِيَ بِهِمَا فَصَلَبْتُهُمَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبَيْنِ بِالْمَدِينَةَ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «انْطَلِقُوا نَزُورُ الشهيدة» [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُمَيْعٍ حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ: أُمَرِّضْ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي شَهَادَةً، قَالَ: «قَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللهَ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ» ، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا فَأَذِنَ لَهَا قَالَ وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا وَجَارِيَةً فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَدَفَنَاهَا فَأَصْبَحَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا: يَعْنِي فَجِيءَ بِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ [ (4) ] .
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالطاعون الذي وقع بالشام في أصحابه في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّاعُونِ الَّذِي وَقَعَ بِالشَّامِ فِي أَصْحَابِهِ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيَّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي خِبَاءٍ مِنْ أَدَمٍ فَجَلَسْتُ بِفِنَاءِ الْخِبَاءِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ وَقَالَ: ادْخُلْ يَا عَوْفُ! فَقُلْتُ: أَكُلِّي أَمْ بَعْضِي؟ قَالَ: كُلُّكَ فَدَخَلْتُ فَوَافَيْتُهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا مَكِيثًا ثُمَّ قَالَ، يَا عَوْفُ احْفَظْ خِلَالًا سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ إِحْدَاهُنَّ مَوْتِي، قَالَ عَوْفٌ: فَوُجِمْتُ عِنْدَهَا وَجْمَةً شَدِيدَةً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ: إِحْدَى، فَقُلْتُ: إِحْدَى. ثُمَّ قَالَ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. أَظُنُّهُ قَالَ ثُمَّ مُوتَانٌ يَظْهَرُ فِيكُمْ يَسْتَشْهِدُ اللهُ بِهِ ذَرَارِيَّكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ وَيُزَكِّي بِهِ أَمْوَالَكُمْ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ بَيْنَكُمْ ... » وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فيكم كقعاص الغنم [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شُرَحْبِيلَ بْنَ شُفْعَةَ، قَالَ: وَقَعَ الطَّاعُونُ بِالشَّامِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنَّهُ رِجْسٌ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ فَقَالَ ابْنُ حَسَنَةَ: أَنَا صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَأَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ، وَإِنَّهُ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَوَفَاةُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ فَاجْتَمِعُوا لَهُ وَلَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَقَالَ: صَدَقَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ فَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا مُوسَى نَزَلَ مَنْزِلًا فَأَتَيْنَاهُ فَسَمِعْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، قُلْنَا: هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَفِي كُلٍّ شُهَدَاءُ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ كُرَيْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ قَيْسٍ أَخِي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي فِي سَبِيلِكَ بالطعن والطاعون [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَيَّانَ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّ الطَّاعُونَ وَقَعَ بِالنَّاسِ يَوْمَ جِسْرِ عَمُوسَةَ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا هَذَا الْوَجْهُ رِجْسٌ فَتَنَحَّوْا مِنْهُ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ، فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبَكُمْ وَإِنِّي وَاللهِ لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَصَلَّيْتُ وَإِنَّ عَمْرًا لَأَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ [ (4) ] أَهْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاءٌ أَنْزَلَهُ اللهُ فَاصْبِرُوا فَقَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ، وَإِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ سَتَقْدَمُونَ الشَّامَ فَتَنْزِلُونَ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا جِسْرُ عَمُوسَةَ يَخْرُجُ بِكُمْ فِيهَا خُرْجَانٌ لَهَا ذُبَابٌ كَذُبَابِ الدُّمَّلِ يَسْتَشْهِدُ اللهُ بِهِ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ وَيُزَكِّي بِهِ أَمْوَالَكُمْ» [ (5) ] . اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمَ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْزُقْ مُعَاذًا وَآلَ مُعَاذٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَظِّ الْأَوْفَى وَلَا تُعَافِهِ مِنْهُ، قَالَ: فَطُعِنَ فِي السَّبَّابَةِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَيَقُولُ: اللهُمَّ بَارِكَ فِيهَا فَإِنَّكَ إِذَا بَارَكْتَ فِي الصَّغِيرِ كَانَ كَبِيرًا، ثُمَّ طُعِنَ ابْنُهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (6) ] . قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ (7) ] .
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتنة التي تموج موج البحر وأنها لا تكون في أيام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى يكسر بابها وكسر بابها قتل عمر رضي الله عنه
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَتَّى يُكْسَرَ بَابُهَا وَكَسْرُ بَابِهَا قَتْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا! قَالَ: هَاتِ! إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، فَقُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَوَلَدِهِ، وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا: الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَيْسَ يَنَالُكَ مِنْ تِلْكَ شَيْءٌ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَرَأَيْتَ الْبَابَ يُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قُلْتُ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا. قَالَ: قُلْتُ أَجَلْ. فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا دُونَهُ لَيْلَةٌ. وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثَتْهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ، قَالَ فَهِبْنَا حُذَيْفَةَ أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ، فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: عُمَرُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمِنْ حَدِيثِ
جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ شَقِيقٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ أَلْقَى الشَّامُ بَوَائِنَهُ وَصَارَ بَثْنِيَّةً وَعَسَلًا أَنْ سِرْ إِلَى أَرْضِ الْهِنْدِ وَالْهِنْدُ يَوْمَئِذٍ فِي أَنْفُسِنَا الْبَصْرَةُ وَأَنَا لِذَاكَ كَارِهٌ فَقَالَ رَجُلٌ اتَّقِ اللهَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ ظَهَرَتْ فَقَالَ أَمَّا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا، إِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَهُ وَالنَّاسُ «بِذِي بِلِيَّانَ» أَوْ فِي «ذِي بِلِيَّانَ» مَكَانُ كَذَا وَكَذَا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ فَيَتَفَكَّرُ هَلْ يَجِدُ مَكَانًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ مَا نَزَلَ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ فَلَا يَجِدُ أُولَئِكَ الْأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ فَنَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكَنِيَ وَإِيَّاكُمْ أُولَئِكَ الْأَيَّامُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ وَهُوَ يَهُمُّهُ فَأَلْقَى بَوَائِنَهُ بَثْنِيَّةً وَعَسَلًا. أَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا غَيْرِي وَيَبْعَثَنِي إِلَى الْهِنْدِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ تَحْتِهِ: اصْبِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ ظَهَرَتْ، فَقَالَ وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ؟! إِنَّمَا ذَاكَ بَعْدَهُ، إِنَّمَا ذَاكَ بَعْدَهُ، إِذَا كَانَ النَّاسُ «بِذِي بَلِيٍّ» وَذِي «بَلِيٍّ» وَيَذْكُرُ الرَّجُلُ هَلْ يَجِدُ أَرْضًا لَيْسَ بِهَا مِثْلُ الَّذِي يَفِرُّ مِنْهُ وَلَا يجده [ (2) ] .
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالبلوى التي أصابت عثمان بن عفان رضي الله عنه والفتنة التي ظهرت في أيامه والعلامة التي دلت على قبره وقبر صاحبيه [رضي الله عنهما]
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَلْوَى الَّتِي أَصَابَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَالْفِتْنَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي أَيَّامِهِ وَالْعَلَامَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى قَبْرِهِ وَقُبِرِ صَاحِبَيْهِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: تَوَضَّأْتُ فِي بَيْتِي ثُمَّ خَرَجْتُ فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ الْيَوْمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ، فَسَأَلْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: خَرَجَ وتوجه ها هنا فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ حَتَّى جِئْتُ بِئْرَ أَرِيسَ وَبَابَهَا مِنْ جَرِيدٍ، فَمَكَثْتُ عِنْدَ بَابِهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ، فَجِئْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى قُفِّ بِئْرِ أَرِيسَ فَتَوَسَّطَهُ، ثُمَّ دَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْبَابِ فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ دَقَّ الْبَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ قَالَ وَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجنة قال فخرجت مُسْرِعًا حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ قَالَ: فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي الْقُفِّ عَلَى يَمِينِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ كنت تركت
أَخِي يَتَوَضَّأُ وَقَدْ كَانَ قَالَ لِي أَنَا عَلَى أَثَرِكَ فَقُلْتُ إِنْ يَرِدَ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكَ الْبَابِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ عُمَرُ قُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ قَالَ: وَجِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ: فَجِئْتُ فَأَذِنْتُ لَهُ وَقُلْتُ لَهُ، رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكُ بِالْجَنَّةِ فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى يَسَارِهِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَقُلْتُ إِنْ يَرِدَ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ. يُرِيدُ: أَخَاهُ، فَإِذَا تَحْرِيكُ الْبَابِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ وَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ هَذَا عُثْمَانُ يَسْتَأْذِنُ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى أَوْ بَلَاءٍ يُصِيبُهُ قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْذَنُ لَكَ، وَيبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى أَوْ بَلَاءٍ يُصِيبُكَ فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ فِي الْقُفِّ مَجْلِسًا فَجَلَسَ وُجَاهَهُمْ مِنْ شَقِّ الْبِئْرِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ. قَالَ شُعْبَةُ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبَغْدَادِيِّ [ (3) ] بِهَرَاةَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى [ (4) ] بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ [ (5) ] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بن
حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بجير، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ: انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ أَبَا بَكْرٍ فَتَجِدَهُ فِي دَارِهِ جَالِسًا مُحْتَبِيًا فَقُلْ إِنَّ النَّبِيَّ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (6) ] يَقْرَأُ عَلَيْكَ السلام ويقول أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ الثَّنِيَّةَ فَتَلْقَى عُمَرَ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ فقل أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ انْصَرِفْ حَتَّى تَأْتِيَ عُثْمَانَ فَتَجِدَهُ فِي السُّوقِ يَبِيعُ وَيَبْتَاعُ فَقُلْ إِنَّ النَّبِيَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ أبشر بالجنة بَعْدَ بَلَاءٍ شَدِيدٍ قَالَ: فانطلقت حَتَّى أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَوَجَدْتُهُ فِي دَارِهِ جَالِسًا مُحْتَبِيًا كَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَسَلَّمَ] [ (7) ] فَقُلْتُ إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السلام ويقول: أبشر بالجنة قَالَ: فَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقَامَ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ الثَّنِيَّةَ فَإِذَا عُمَرُ رَاكِبٌ عَلَى جَمَلِهِ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ كَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السلام ويقول أبشر بالجنة قَالَ فَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَقُلْتُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ فَأَجِدُ عُثْمَانَ فِيهَا يَبِيعُ وَيَبْتَاعُ كَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ بَعْدَ بَلَاءٍ شَدِيدٍ قَالَ فَأَيْنَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُلْتُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَقْبَلْنَا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ زَيْدًا أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ أَبْشِرْ بالجنة بعد بلاء شديد وَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي يَا رَسُولَ اللهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَغَنَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُكَ فَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟ فَقَالَ: هُوَ ذاك.
قُلْتُ: عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ حَفِظَ هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ إِلَيْهِمْ وَأَبُو مُوسَى لَمْ يُعْلِمْهُ فَقَعَدَ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا جَاءُوا رَاسَلَهُمْ عَلَى لِسَانِ أَبِي مُوسَى بِمِثْلِ ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُقْتَلُ أَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ. (مِنْهَا) مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عمر، وعثمان بن أحمد ابن السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ادْعُ لِي- أَوْ لَيْتَ عِنْدِي رجل مِنْ أَصْحَابِي، قَالَتْ: قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا! قَالَتْ: قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: لَا! قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: لَا! قُلْتُ: فَعُثْمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَجَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: قُومِي قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَى عُثْمَانَ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنِ الْمُطَّلِبِ- هَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ ويرث دنياكم شراركم [ (9) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.. زَادَ: وَلَا تَقُمُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابن لُكَعٍ. وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حُذَيْفَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، وَشُعَيْبُ ابن اللَّيْثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ التُّجِيبِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَوْتِي وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهُ، وَمِنَ الدَّجَّالِ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَلَسَ يَوْمًا مَعَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَكُونُ فِيكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَا يَلْبَثُ خَلْفِي إِلَّا قَلِيلًا وَصَاحِبُ رَحَى دَارِ الْعَرَبِ يَعِيشُ حَمِيدًا وَيَمُوتُ شَهِيدًا فقال رجل: يا
رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ! ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: وَأَنْتَ يَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا كَسَاكَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ. وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَئِنْ خَلَعْتَهُ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخَيَّاطِ [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أبي حامد المقري، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو أُمِّي: أَبُو حَبِيبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فِيهَا وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا أَوْ قَالَ: اخْتِلَافًا وَفِتْنَةً فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ مَا تَأْمُرُنَا بِهِ؟ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رَبْعِيٍّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ رَأْسِ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ يَهْلَكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هلك وإلا تروحى عَنْهُمْ سَبْعِينَ سَنَةً. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنْ هَذَا أَوْ مِنْ مُسْتَقْبِلِهِ قَالَ: مِنْ مُسْتَقْبِلَهِ [ (13) ] .
تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ. وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي هَذَا إِشَارَةً إِلَى الْفِتْنَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا قَتْلُ عُثْمَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ إِلَى الْفِتَنِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ. وَأَرَادَ بِالسَّبْعِينَ- وَاللهُ أَعْلَمُ- مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهُ بَقِيَ مَا بَيْنَ أَنِ اسْتَقَرَّ لَهُمُ الْمُلْكُ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الدُّعَاةُ بِخُرَاسَانَ وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهَنُ فِيهِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ أَنَّ رَجُلًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُدَيْسٍ [ (14) ] ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ أُنَاسٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ فِي جَبَلِ لُبَانٍ أَوِ الْجَلِيلِ أَوْ جَبَلِ لُبْنَانٍ [ (15) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَخَذَ ابْنَ عُدَيْسٍ فِي زَمَنِ أَهْلِ مِصْرَ فَجَعَلَهُ فِي بَعْلَبَكَّ فَهَرَبَ مِنْهُ فَطَلَبَهُ سُفْيَانُ بْنُ مُجِيبٍ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ رَامٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِنُشَّابَةٍ فَقَالَ ابْنُ عُدَيْسٍ أَنْشُدُكَ اللهُ فِي دَمِي فَإِنِّي مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ: إِنَّ الشَّجَرَ كَثِيرٌ فِي الْجَبَلِ أَوْ قَالَ الْجَلِيلِ فَقَتَلَهُ [ (16) ] . قَالَ ابْنُ لَهِيعَةُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ الْبَلَوِيِّ سَارٍ بِأَهْلِ مِصْرَ
إِلَى عُثْمَانَ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ قُتِلَ ابْنُ عُدَيْسً بَعْدَ ذَلِكَ بِعَامٍ أَوِ اثْنَيْنِ بِجَبَلِ لُبْنَانٍ أَوْ بِالْجَلِيلِ. وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُدَيْسٍ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ ثُمَّ فِي قَتْلِهِ. وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ. قُلْتُ: وَبَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَلَوِيُّ هُوَ رَأْسِ الْفِتْنَةِ لَا يَحِلُّ أَنْ يُحَدَّثَ عَنْهُ بِشَيْءٍ. وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثُونَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْبَلَوِيَّ هَذَا خَطَبَ حِينَ حُصِرَ عُثْمَانُ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: عُثْمَانُ أَضَلُّ عَيْبَةٍ بِفَلَاةٍ عَلَيْهَا قُفْلٌ ضَلَّ مِفْتَاحُهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانُ فَقَالَ: كَذَبَ الْبَلَوِيُّ مَا سَمِعَهَا مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَا سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
باب ما جاء في إخباره عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره بأنهم يدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها وما ظهر من صدقه فيما قال. وما جاء في إخباره عما لأطفال عقبة بن أبي معيط وظهور آثار صدقه فيما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرَهُ بِأَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا وَمَا ظَهَرَ مِنْ صِدْقِهِ فِيمَا قَالَ. وَمَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَمَّا لِأَطْفَالِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَظُهُورِ آثَارِ صِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ إِيَاسٍ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أبو بكر ابن عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: لَعَلَّكُمْ سَتُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيوتِكُمْ لِلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً [ (1) ] . قُلْتُ هَذَا وَمَا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرُ فَإِذَا أَمْكَنَهُ فَقَدْ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ الْقَاسِمِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ سَيَلِي أَمْرَكُمْ قَوْمٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ وَيُحْدِثُونَ الْبِدْعَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ؟ قَالَ: يَا
ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ، قَالَهَا ثَلَاثًا [ (2) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ بِالْكُوفَةِ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَ أَبِي فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ أَجَاءَكَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرٌ فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ أَمِ ابْتَدَعْتَ الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَمْ يَأْتِنَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرٌ، وَمَعَاذَ اللهِ أَنْ أَكُونَ ابْتَدَعْتُ أَبَى الله عَلَيْنَا ورسله أَنْ نَنْتَظِرَكَ فِي صَلَاتِنَا وَنَتَّبِعَ حَاجَتَكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَرَادَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ عُقْبَةَ: أَتَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مسعود- وَكَانَ فِي أَنْفُسِنَا مَوْثُوقُ الْحَدِيثِ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ. قَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ قَالَ: النَّارُ فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ مَا رَضِيَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (3) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حمشاد الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكِلَابِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الوليد بن
عُقْبَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَعَلَ أَهْلُ مَكَّةَ يَأْتُونَ بِصِبْيَانِهِمْ فَيَمْسَحُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على رؤوسهم وَيَدَعُو لَهُمْ فَخَرَجَتْ بِي أمي إليه وأما مطيب بالخلوق فلم يَمْسَحْ رَأْسِي وَلَمْ يَمَسَّنِي وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ أُمِّي خَلَّقْتَنِي بِالْخَلُوقِ فَلَمْ يَمَسَّنِي مِنْ أَجْلِ الْخَلُوقِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ سَلَحَ يَوْمَئِذٍ فَتَقَذَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَمَسَّهُ وَلَمْ يَدْعُ لَهُ. وَالْخَلُوقُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الدُّعَاءِ لِطِفْلٍ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ مُنِعَ بَرَكَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِسَابِقِ عِلْمِ اللهِ فِيهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ-[ (4) ] . وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ [تَعَالَى] [ (5) ] إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [ (6) ] فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو علي الروذباري، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ بِهَا، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: صَلَّى الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ أَرْبَعًا وَهُوَ سَكْرَانُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَزِيدُكُمْ؟! فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَذَكَرَ الحديث في جلده [ (7) ] .
باب ما جاء في إخباره عن حال ابي ذر - رضي الله عنه - عند موته وما أوصاه به من الخروج عن المدينة عند ظهور الفتن
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ حَالِ أَبِي ذَرٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَ مَوْتِهِ وَمَا أَوْصَاهُ بِهِ مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ بْنُ الرَّقَاشِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ الْخَزَّازُ عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا بَلَغَ الْبِنَاءُ سَلْعًا فَاخْرُجْ مِنْهَا، فَلَمَّا بَلَغَ الْبِنَاءُ سَلْعًا وَجَاوَزَ خَرَجَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الشَّامِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي رُجُوعِهِ ثُمَّ خُرُوجِهِ إِلَى الرَّبَذَةِ وَمَوْتَهُ بِهَا. وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ ذَرٍّ، قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ بَكَيْتُ فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيكَ فَقُلْتُ: وَمَالِي لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَنًا لِي وَلَا لَكَ قَالَ: فَأَبْشِرِي وَلَا تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: «لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفْرِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ فَأَنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ فَقُلْتُ أَنَّا وَقَدْ ذَهَبَ الْحَاجُّ وَتَقَطَّعَتِ الطَّرِيقُ قَالَ اذْهَبِي فَتَبَصَّرِي، قَالَتْ: فَكُنْتُ أَشْتَدُّ إِلَى الْكَثِيبِ ثُمَّ أَرْجِعُ
فَأُمَرِّضُهُ فَبَيْنَمَا أَنَا وَهُوَ كَذَلِكَ إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَى رِحَالِهِمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ تَخُدُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ قَالَ عَلِيٌّ قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ تَخُدُّ أَوْ تَخُبُّ قَالَ بِالدَّالِ قَالَتْ فَأَلَحْتُ بِثَوْبِي فَأَسْرَعُوا إِلَيَّ حَتَّى وَقَفُوا عَلَيَّ فَقَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ! قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمِّهَاتِهِمْ- وَأَسْرَعُوا إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَبْشِرُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ يشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا مِنْ أُولَئِكَ النَّفْرِ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ هَلَكَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لِي أَوْ لِامْرَأَتِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلَّا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي أَوْ لَهَا أَنِّي أَنْشُدُكُمُ اللهَ ثُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ يُكَفِّنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا أَوْ بَرِيدًا أَوْ نَقِيبًا. وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفْرِ إِلَّا وَقَدْ قَارَفَ مَا قَالَ، إِلَّا فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أُكَفِّنُكَ يَا عَمِّ أُكَفِّنُكَ، فِي رِدَائِي هَذَا أَوْ فِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزَلِ أُمِّي. قَالَ: أَنْتَ فَكَفِّنِّي فَكَفَّنَهُ الْأَنْصَارِيُّ مِنَ النَّفْرِ الَّذِينَ حَضَرُوهُ وَقَامُوا عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ فِي نَفَرٍ كُلُّهِمْ يَمَانٍ [ (1) ] . وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: فَأَبْشِرِي وَلَا تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَمُوتُ- بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ- وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ فَيَصْبِرَانِ وَيَحْتَسِبَانِ فيريان النار أبدا.
باب ما جاء في إخباره عن حال أبي الدرداء [1] رضي الله عنه وانه يموت قبل وقوع الفتن فكان كما اخبر - وما جاء في رؤيا عامر بن ربيعة
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ حَالِ أَبِي الدَّرْدَاءِ [ (1) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَإِنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ وُقُوعِ الْفِتَنِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ- وَمَا جَاءَ فِي رُؤْيَا عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حدثنا سعيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: لَيَرْتَدَّنَّ أَقْوَامٌ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ قَالَ أَجَلْ وَلَسْتَ مِنْهُمْ قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ- هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ- حَدَّثَنَا عَبْدُ الغفار ابن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ شَيْخٍ مِنَ السَّلَفِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ فَلَا أُلْفِيَنَّ أُنَازَعُ أَحَدَكُمْ فَأَقُولُ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيُقَالُ: هَلْ تَدْرِي مَا أحدثوا بعدك [ (3) ] .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ! فَتُوُفِّيَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ وَقَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْفِتَنُ. تَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: لَسْتَ مِنْهُمْ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ- وَذَلِكَ حِينَ تَشَعَّبَ النَّاسُ فِي الطَّعْنِ عَلَى عُثْمَانَ فَصَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ فَأُتِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ: سَلْ أَنْ يُعِيذَكَ اللهُ. مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ فَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ اشْتَكَى فَلَمْ يَخْرُجْ قَطُّ إِلَّا لِجِنَازَةٍ.
باب ما جاء في إخباره بالفتن التي ظهرت في [آخر] [1] ايام عثمان بن عفان وفي ايام علي بن ابي طالب رضي الله عنهما - وان القتل للموقن منهم كفارة، واختياره لمحمد بن مسلمة البدري [2]- رضي الله عنه - وغيره ان يكفوا، ثم إخباره بأن محمد بن مسلمة لا تضره
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِالْفِتَنِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي [آخِرِ] [ (1) ] أَيَّامِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفِي أَيَّامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُوقِنِ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ، وَاخْتِيَارِهِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْبَدْرِيِّ [ (2) ]- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَغَيْرِهِ أَنْ يَكُفُّوا، ثُمَّ إِخْبَارِهِ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ ... أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟! إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ كَانَ يَقُولُ: قَالَ حُذَيْفَةُ بن
الْيَمَانِ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَمَا بِي أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: مِنْهُنَّ ثلاث لا يكون يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ. مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ. قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى [ (4) ] . قُلْتُ: وَمَاتَ حُذَيْفَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْأُولَى بِقَتْلِ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَبْلَ الْفِتْنَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَهُنَّ ثَلَاثٌ لَمْ يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا وَهُنَّ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَبَرِ فِيمَا نَعْلَمُ- وَاللهُ أَعْلَمُ- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم من نَوْمٍ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المقري أخبرنا الحسن بن
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَمَّا نَزَلَتْ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [ (6) ] مَا كُنَّا نَشْعُرُ أَنَّهَا وَقَعَتْ حَيْثُ وَقَعَتْ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ صُهْبَانَ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَا: سَمِعْنَا الزُّبَيْرَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قَالَ: لَقَدْ تَلَوْتُ هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا وَمَا أُرَانِي مِنْ أَهْلِهَا فَأَصْبَحْنَا مِنْ أَهْلِهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ: سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ فِتْنَةً فَعَظَّمَ أَمَرَهَا فَقُلْنَا- أَوْ قَالُوا- يَا رَسُولَ اللهِ لَئِنْ أَدْرَكَتْنَا هَذِهِ لَتُهْلِكَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا! إِنَّ بِحَسْبِكُمُ الْقَتْلَ. قَالَ سَعِيدٌ [ (7) ] فَرَأَيْتُ إِخْوَانِي قُتِلُوا [ (8) ] . قُلْتُ: يُرِيدُ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا لَا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا
فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ وَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَا أَسْتَقِرُّ بِمِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِهِمْ حَتَّى تَنْتَهِيَ هَذِهِ الْفِتْنَةُ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقِ، عَنْ شُعْبَةَ [ (9) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ ضبيعة ابن حُصَيْنٍ الثَّعْلَبِيِّ بِمَعْنَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ [ (10) ] . قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ: هَذَا عِنْدِي أَوْلَى، أَعْنِي حَدِيثَ أَبِي عَوَانَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةُ الْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلَا وَإِنَّ الْقَاعِدَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ فِيهَا أَلَا وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ فَإِذَا نَزَلَتْ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ أَلَا وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ أَلَا وَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ- جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ- أَرَأَيْتَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غَنَمٌ، وَلَا أَرْضٌ، وَلَا إِبِلٌ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: فَلْيَأْخُذْ حَدَّ سَيْفِهِ لَيَعْمِدْ بِهِ إِلَى صَخْرَةٍ ثُمَّ لِيَدُقَّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ. اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، إِذْ قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللهِ-! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ- أَرَأَيْتَ إِنْ أُخِذَ بِيَدِي حَتَّى يَكُونَ يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ- شَكَّ عُثْمَانُ- فَيَحْذِفَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ فَيَقْتُلَنِي فَمَاذَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِي؟ قَالَ: «يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ فَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النار» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن عُثْمَانَ الشَّحَّامِ [ (11) ] . وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَمَنْ أَبَاحَ قِتَالَ أَهْلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى كَيْفِيَّةِ قِتَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا تَعَوَّدُوا قِتَالَ الْكُفَّارِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ قِتَالَ أَهْلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالْكَفِّ صِيَانَةً لَهُمْ- وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
باب [1] ما جاء في إخباره بأن واحدة من أمهات المؤمنين تنبح عليها كلاب الحوأب وما روي في إشارته على علي - رضي الله عنه - بأن يرفق بها وما روي في توبتها من خروجها وتلهفها على ما خفي عليها من ذلك وكونها من أهل الجنة مع زوجها - صلى الله عليه وسلم، و
بَابُ [ (1) ] مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ وَمَا رُوِيَ فِي إِشَارَتِهِ عَلَى عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِأَنْ يَرْفُقَ بِهَا وَمَا رُوِيَ فِي تَوْبَتِهَا مِنْ خُرُوجِهَا وَتَلَهُّفِهَا عَلَى مَا خَفِيَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ وَكَوْنِهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ زَوْجِهَا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ عَنْهَا- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَتَتْ عَلَى الْحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: «أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ» [ (2) ] ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسُ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَالِيًا، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَتْ عَائِشَةُ بَعْضَ دِيَارَ بَنِي عَامِرٍ نَبَحَتْ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ، فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: الْحَوْأَبِ، قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَيْفَ
بِإِحْدَاكُنَّ إِذَا نَبَحَتْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ» ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: لَا بَعْدُ تَقَدُّمِي وَيَرَاكِ النَّاسُ وَيُصْلِحُ اللهُ ذَاتَ بَيْنَهُمْ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْجُنَيْدُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: ذكر النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَ بَعْضِ نِسَائِهِ: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ أَنْ لَا تَكُونِي أَنْتَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا [ (5) ] . قُلْتُ: وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ تُوُفِّيَ قَبْلَ مَسِيرِهَا. وَكَانَ قَدْ أَخْبَرَنَا الطُّفَيْلُ وَعَمْرُو بْنُ ضَلِيعٍ بِمَسِيرِ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كَتِيبَةٍ وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا عَنْ سَمَاعٍ. أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرٌو إِلَى حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ أُمَّ أَحَدِكُمْ تَغْزُوهُ فِي كَتِيبَةٍ تَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ مَا صَدَّقْتُمُونِي. رَوَاهُ أَيْضًا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ حُذَيْفَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَدِدْتُ أني ثكلت
عَشَرَةً مِثْلَ وَلَدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَنِّي لَمْ أَسِرْ مَسِيرِيَ الَّذِي سِرْتُ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ذَكَرَ سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لوددت إذا مِتُّ وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ وَائِلًا، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ
الْعَبَّاسِ الشِّبَامِيُّ [ (8) ] عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْهُجَنَّعِ [ (9) ] ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ مَا يَمْنَعُكَ أَلَّا تَكُونَ قَاتَلْتَ عَلَى بَصِيرَتِكَ يَوْمَ الْجَمَلِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ قَوْمٌ هَلْكَى لَا يُفْلِحُونَ قَائِدُهُمُ امْرَأَةٌ قَائِدُهُمْ فِي الْجَنَّةِ [ (10) ] .
باب ما جاء في إخباره عن قتال الزبير مع علي رضي الله عنهما وترك الزبير قتاله حين ذكره
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ قِتَالِ الزُّبَيْرِ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَتَرْكِ الزُّبَيْرِ قِتَالَهُ حِينَ ذَكَّرَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا وَلَّى زُبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ بَلَغَ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: لَوْ أَنَّ ابْنَ صَفِيَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ مَا وَلَّى وَذَاكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: «أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ» ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي؟ فَقَالَ: «فَكَيْفَ بِكَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ» ؟ قَالَ: فَيرَوْنَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى لِذَلِكَ. هَذَا مُرْسَلٌ [ (1) ] . وَقَدْ رُوِيَ مَوْصُولًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ الْهَاشِمِيُّ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا منجاب ابن الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ فَضَالَةَ يُحَدِّثُ أَبِي عَنِ أَبِي حَرْبِ بن الأسود الدّئليّ عَنْ أَبِيهِ، دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ صَاحِبِهِ، قَالَ: لَمَّا دَنَا عَلِيٌّ
وَأَصْحَابُهُ مِنْ طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَدَنَتِ الصُّفُوفُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، خَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَنَادَى: ادْعُوا لِيَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَإِنِّي عَلِيٌّ فَدُعِيَ لَهُ الزُّبَيْرُ فَأَقْبَلَ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا زُبَيْرُ نَشَدْتُكَ بِاللهِ أَتَذْكُرُ يَوْمَ مَرَّ بِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ تُحِبُّ عَلِيًّا؟ فَقُلْتُ: أَلَا أُحِبُّ ابْنَ خَالِي وَابْنَ عَمِّي وَعَلَى دِينِي، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَتُحِبُّهُ؟ فَقُلْتُ [ (2) ] : يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أُحِبُّ ابْنَ عَمَّتِي وَعَلَى دِينِي، فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ أَمَا وَاللهِ لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ لَهُ ظَالِمٌ، قَالَ: بَلَى وَاللهِ لَقَدْ نَسِيتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرْتُهُ الْآنَ وَاللهِ لَا أُقَاتِلُكَ فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ عَلَى دَابَّتِهِ يَشُقُّ الصُّفُوفَ فَعَرَضَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: ذَكَّرَنِي عَلِيٌّ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ لَهُ ظَالِمٌ فَلَا أُقَاتِلُهُ. قَالَ: وَلِلْقِتَالِ جِئْتَ إِنَّمَا جِئْتَ تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُصْلِحُ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ، قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ أَلَّا أُقَاتِلَهُ، قَالَ: فَأَعْتِقْ غُلَامَكَ جِرْجِسَ وَقِفْ حَتَّى تَصْلُحَ بَيْنَ النَّاسِ فَأَعْتِقْ غُلَامَهُ وَوَقَفَ فَلَمَّا اخْتَلَفَ أَمْرُ النَّاسِ ذَهَبَ عَلَى فَرَسِهِ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ بشير، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ [ (4) ] ، عَنْ أَبِي جَرْوٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، وَعَلِيٌّ يَقُولُ لَهُ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ يَا زُبَيْرُ أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّكَ تُقَاتِلُنِي وَأَنْتَ لِي ظَالِمٌ» ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي نسيت [ (5) ] .
باب ما روي في إخباره صلى الله عليه وسلم عن قتل زيد بن صوحان [1] شهيدا فكان كما أخبر. قتل يوم الجمل
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ [ (1) ] شَهِيدًا فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْهُذَيْلِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَسْبِقُهُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ إِلَى الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ» [ (2) ] . هُذَيْلُ بْنُ بِلَالٍ غَيْرُ قَوِيٍّ [ (3) ] فَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْرَابِيُّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ- يَعْنِي الْأَزْرَقُ- حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَاشِمَةِ: لَمَّا فُرِغَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ وَنَزَلَتْ عَائِشَةُ مَنْزِلَهَا دَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: خَالِدُ بْنُ الْوَاشِمَةِ! قَالَتْ: مَا فَعَلَ طَلْحَةُ؟ قُلْتُ: أُصِيبَ! قَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- يَرْحَمُهُ اللهُ- قَالَتْ: مَا فَعَلَ الزُّبَيْرُ؟ قُلْتُ: أُصِيبَ! قَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- يَرْحَمُهُ اللهُ- قُلْتُ: بَلْ نَحْنُ لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فِي زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، قَالَتْ: وَأُصِيبَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- يَرْحَمُهُ اللهُ- فَقُلْتُ: يَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ذَكَرْتِ طَلْحَةَ فَقُلْتِ: يَرْحَمُهُ اللهُ وَذَكَرْتِ الزُّبَيْرَ فَقُلْتِ يَرْحَمُهُ اللهُ وَذَكَرْتِ زَيْدًا فَقُلْتِ يَرْحَمُهُ اللهُ وَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاللهِ لَا يَجْمَعْهُنَّ اللهُ فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا قَالَتْ: أو لا تَدْرِي أَنَّ رَحْمَةَ اللهِ وَاسِعَةٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (4) ] ؟ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَاشِمَةِ بِنَحْوِهِ.
باب ما جاء في إخباره [صلى الله عليه وسلم] [1] باقتتال فئتين عظيمتين تكون بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة يريد - والله أعلم - دعوى الإسلام فكان كما أخبر في حرب صفين
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (1) ] بِاقْتِتَالِ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ يُرِيدُ- وَاللهُ أَعْلَمُ- دَعْوَى الْإِسْلَامِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ فِي حَرْبِ صِفِّينَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَخْبَرَنَا علي ابن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا واحدة» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ سِتِّينَ أَلْفًا فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا وَكَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا فَقُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا.
باب ما جاء في إخباره عن الفئة الباغية منهما بما جعله علامة لمعرفتهم
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ مِنْهُمَا بِمَا جَعَلَهُ عَلَامَةً لِمَعْرِفَتِهِمْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي: أَبَا قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ الصَّفَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، مُؤَذِّنُ الْبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمَيَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَتْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَقَاتِلُهُ فِي النّار» .
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدَانَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ كَمَا مَضَى. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ مَوْلَاةٍ لِعَمَّارٍ، قَالَتِ: اشْتَكَى عَمَّارٌ شَكْوَى أَرِقَ مِنْهَا فَغُشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ وَنَحْنُ نَبْكِي حَوْلَهُ فَقَالَ: مَا تَبْكُونَ أَتَخْشَوْنَ أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي؟ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَقْتُلُنِي الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَأَنَّ آخِرَ أُدْمِي مِنَ الدُّنْيَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ [ (3) ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، ومحمد ابن كَثِيرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُتِيَ بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَضَحِكَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُضْحِكُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آخِرُ شَرَابٍ أَشْرَبُهُ حَتَّى أَمُوتَ [ (4) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْفَضْلُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ وَاشْتَدَّ الحرب قال عمار: ايتوني بِشَرَابٍ أَشْرَبُهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آخِرُ شَرَابٍ تَشْرَبُهَا مِنَ الدُّنْيَا شَرْبَةَ لَبَنٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقُتِلَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ القاضي، قالا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ- يَعْنِي ابْنَ رُزَيْقٍ-، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ الله عز وجل قد أَمَّنَنَا مِنْ أَنْ يَظْلِمَنَا وَلَمْ يَؤُمِّنَّا مِنْ أَنْ يَفْتِنَّا أَرَأَيْتَ إِنْ أَدْرَكْتُ فِتْنَةً؟! قَالَ: عَلَيْكَ بِكِتَابِ اللهِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ كُلُّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الْحَقِّ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نَقْرَأُ:.. جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [ (6) ] فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا جَاهَدْتُمْ فِي أَوَّلِهِ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ الْأُمَرَاءَ وَبَنُو المغيرة الوزراء.
باب [1] ما جاء في إخباره عن الحكمين اللذين بعثا في زمان علي - رضي الله عنه -
بَابُ [ (1) ] مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ بُعِثَا فِي زَمَانِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى [ (2) ] ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، وَحَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ إِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَلِيٍّ بِشَطِّ الْفُرَاتِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا فَلَمْ يَزَلِ اخْتِلَافُهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى بَعَثُوا حَكَمَيْنِ فَضَلَّا وَأَضَلَّا، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَخْتَلِفُ فَلَا يَزَالُ اخْتِلَافُهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَبْعَثُوا حَكَمَيْنِ ضَلَّا وضلّ من اتّبعهما [ (3) ] .
باب ما جاء في إخباره بأن مارقة تمرق بين هاتين الطائفتين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فكان كما أخبر. خرج أهل النهروان وقتلهم أولى الطائفتين بالحق
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّ مَارِقَةً تَمْرُقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. خَرَجَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ وَقَتَلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةِ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ الْقَاسِمِ [ (1) ] ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ وَدَاوُدَ بن أبي هند عن أَبِي نَضْرَةَ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو المقري، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٍ تَقْتُلُهُمْ أَقْرَبُ الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْحَقِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عن عمران ابن حدير، عن لا حق، قَالَ: كَانَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالنَّهْرَوَانِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي الْحَدِيدِ فَرَكِبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا تِسْعَةُ رَهْطٍ فَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ ذَلِكَ [ (4) ] .
باب ما جاء في إخباره بخروجهم وسيماهم والمخدج الذي فيهم [وأجر من قتلهم] [1] واسم من قتل المخدج منهم وإشارته على علي رضي الله عنه بقتالهم وما ظهر بوجود الصدق في إخباره من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِخُرُوجِهِمْ وَسِيمَاهُمْ وَالْمُخْدَجِ الَّذِي فِيهِمْ [وَأَجْرِ مَنْ قَتَلَهُمْ] [ (1) ] وَاسْمِ مَنْ قَتَلَ الْمُخْدَجَ مِنْهُمْ وَإِشَارَتِهِ عَلَى علي رضي الله عنه بِقِتَالِهِمْ وَمَا ظَهَرَ بِوُجُودِ الصِّدْقِ فِي إِخْبَارِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ سُلَيْمِ- يَعْنِي: أَبَا الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنُّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ ابن بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْكِلَابِيِّ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ وَزَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي- أَظُنُّهُ قَالَ-: نَبْهَانَ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ قَالُوا يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَعْطَيْتُهُمْ أَتَأَلَّفُهُمْ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ [ (2) ] ، نَاتِئُ الْجَبِينِ [ (3) ] ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَنَا. يَأْمَنُنِي أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونَنِي؟ فَاسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ فَأَبَى ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ مِنْ ضئضيء [ (4) ] هذا قوم يقرأون الْقُرْآنَ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَاللهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف، وَالضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يُقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: [ (6) ] يَا رَسُولَ اللهِ اعْدِلْ قَالَ [وَيْحَكَ] [ (7) ] وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ: لَا.. أَلَا إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ [ (8) ] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ [ (9) ] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ [ (10) ] وَالدَّمَ يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ آيَتُهُمْ رجل
أَدْعَجُ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ [ (11) ] . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ قَتَلَهُمْ فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى، وَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ آخَرَ [ (12) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يُسَيْرَ بْنِ عَمْرٍو قال: سألت سهل ابن حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَذْكُرُ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ المشرق: يخرج قوم يقرأون الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَعْدُو [ (13) ] تَرَاقِيَّهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ [ (14) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةِ. وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ.. وَقَالَ: وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الْعِرَاقِ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «نَحْوَ الْمَشْرِقِ» [ (15) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ يُسَيْرَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: يَتِيهُ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مُحَلَّقَةٌ رُءُوسُهُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ [ (16) ] . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَرَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ [ (17) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَشَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ بَعْدِي قَوْمًا مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ. قَالَ شَيْبَانُ: ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: أُرَاهُ قَالَ- سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ. قَالَ ابْنُ الصَّامِتُ فَلَقِيتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ فَقَالَ: وَأَنَا أَيْضًا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عن شيبان [ (18) ] .
أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ يُحْسِنُونَ الْقَوْلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ- أَوِ الْعَمَلَ- يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَمَنْ قَتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللهِ مِنْهُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: التَّحْلِيقُ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفُ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُونِي أُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ. وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ. فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ الأعمش [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِي، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبِيدَةَ قَالَ ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ. فَقَالَ: فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ الْيَدِ مَثْدُونُ [ (21) ] الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَنَبَّأْتُكُمْ مَا وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ [ (22) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (23) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا الْمُزَكِّي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ ابن يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَنَبَّأْتُكُمْ بِالَّذِي وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ مَرْفُوعًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُحَدِّثُكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْهُ- يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قلت: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ، أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ. قَالَ: فَوَجَدُوا رَجُلًا يَدُهُ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَعَلَيْهِ شَعَرَاتٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ ابن عون [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ بِيضٌ فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ. فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ [ (25) ] فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ [قَالَ سَلَمَةُ] [ (26) ] فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ فَرَجَعْتُمْ قَالَ: فَوَحَشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَسَلُّوا السُّيوفَ وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ قَالَ: فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ. فلم يجروه، فَقَامَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ فَالْتَمَسَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا الْمَعْنَى [ (27) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْوَخِيِّ السُّحَيْمِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالنَّهْرَوَانِ قَالَ: الْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَوْهُ، قَالَ: ارْجِعُوا فَالْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ فو الله مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ حَتَّى قَالَ لِي ذَلِكَ مِرَارًا فَرَجَعُوا فَقَالَ قَدْ وَجَدْنَاهُ تَحْتَ الْقَتْلَى فِي الطِّينِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِيًّا لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ كَشُعَيْرَاتِ الَّتِي عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ فَسُرَّ بِذَلِكَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد الله بن شوذب المقري الْوَاسِطِيُّ بِهَا، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ ابن دُكَيْنٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى. رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَجَعَلَ يَقُولُ: الْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَخَذَ يَعْرَقُ وَيَقُولُ: وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ فَوَجَدُوهُ فِي نَهْرٍ أَوْ دَالِيَةٍ. فَسَجَدَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي
عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ قِرْوَاشٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الثُّدَيَّةِ فَقَالَ: شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ رَاعِي الْخَيْلِ- أَوْ لِلْخَيْلِ- يَحْتَدِرُهُ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ يُقَالُ لَهُ: الْأَشْهَبُ- أَوِ ابْنُ الْأَشْهَبِ عَلَامَةٌ فِي قَوْمٍ ظَلَمَةٍ. قَالَ سُفْيَانُ فَأَخْبَرَنِي عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْأَشْهَبُ- أَوِ ابْنُ الْأَشْهَبِ- وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَامِدٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَيْطَانَ الرَّدْهَةِ يَعْنِي: الْمُخْدَجَ- يُرِيدُ بِهِ- وَاللهِ أَعْلَمُ قَتَلَهُ أَصْحَابُ عَلِيٍّ بِأَمْرِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمَتْ عَائِشَةُ أَنَّ جَيْشَ الْمَرْوَةِ وَأَهْلَ النَّهَرِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. قَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: جَيْشُ الْمَرْوَةِ قَتَلَةُ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَامِرٍ الْكِنْدِيُّ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ الْكَاتِبُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: هَذَا كِتَابُ جَدِّي: مُحَمَّدَ بْنَ أَبَانَ فَقَرَأْتُ فِيهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنْ ذِي الثُّدَيَّةِ الَّذِي أَصَابَهُ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الْحَرُورِيَّةِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَتْ: فَاكْتُبْ لِي. بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَهُمْ فَرَجَعْتُ إِلَى الْكُوفَةِ وَبِهَا
يَوْمَئِذٍ أَسْبَاعٌ فَكَتَبْتُ شَهَادَةَ عَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ سَبْعٍ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بِشَهَادَتِهِمْ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهَا. قَالَتْ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ عَايَنُوهُ؟ قُلْتُ: لَقَدْ سَأَلْتَهُمْ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ عَايَنَهُ. قَالَتْ: لَعَنَ اللهُ فُلَانًا فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ بِنِيلِ مِصْرَ ثُمَّ أَرْخَتْ عَيْنَيْهَا فَبَكَتْ فَلَمَّا سَكَتَتْ عَبْرَتُهَا. قَالَتْ: رَحِمَ اللهُ عَلِيًّا لَقَدْ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَحْمَائِهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْجُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فِطْرٌ يَعْنِي: ابْنَ خَلِيفَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ بعض بيوت نسأله فَقُمْنَا مَعَهُ غَشًى فَانْقَطَعَ شسع نَعْلِهِ فَأَخَذَهَا عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَتَخَلَّفَ عَلَيْهَا لِيُصْلِحَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَقُمْنَا مَعَهُ نَنْتَظِرُهُ وَنَحْنُ قِيَامٌ، وَفِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ، فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ النَّعْلِ، فَأَتَيْتُهُ لِأُبَشِّرَهُ قَبْلُ بِهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا، كَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ سمعه [ (28) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا أبو معاوية، عن الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ. قَالَ: وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ.
باب ما جاء في إخباره زوجته ميمونة بنت الحارث انها لا تموت بمكة فماتت بسرف سنة ثمان وثلاثين
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ زَوْجَتَهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَنَّهَا لَا تَمُوتُ بِمَكَّةَ فَمَاتَتْ بِسَرِفَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَصَمِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، قَالَ: ثَقُلَتْ مَيْمُونَةُ بِمَكَّةَ، وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنْ بَنِي أَخِيهَا أَحَدٌ، فَقَالَتْ أَخْرِجُونِي مِنْ مَكَّةَ فَإِنِّي لَا أَمُوتُ بِهَا. إِنَّ رسول الله- صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنِي أَنْ لَا أَمُوتُ بِمَكَّةَ فَحَمَلُوهَا حَتَّى أَتَوْا بِهَا سَرِفَ إِلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَهَا فِي مَوْضِعِ الْقُبَّةِ فَمَاتَتْ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَزَادَ قَالَ: فَمَاتَتْ فَلَمَّا وَضَعْتُهَا فِي لَحْدِهَا أَخَذْتُ رِدَائِي فَوَضَعْتُهُ تَحْتَ خَدِّهَا فِي اللَّحْدِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ ابْنُ عباس فرمى به.
باب ما روى في إخباره بتأمير علي - رضي الله عنه - وقتله فكانا كما أخبر
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ بِتَأْمِيرِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَتْلِهِ فَكَانَا كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ أَبُو فَضَالَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا لِعَلِيِّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنَ مَرَضٍ أَصَابَهُ ثَقُلَ مِنْهُ، قال: فقال له أبي: وَمَا يُقِيمُكَ بِمَنْزِلِكَ هَذَا لَوْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ لَمْ ويلك إِلَّا أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ تُحْمَلُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنْ أَصَابَكَ أجلك ولتك أَصْحَابُكَ وَصَلَّوْا عَلَيْكَ فَقَالَ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أُؤَمَّرَ ثُمَّ تُخْضَبُ هَذِهِ- لِحْيَتُهُ- مِنْ دَمِ هَذِهِ يَعْنِي: هَامَتَهُ فَقُتِلَ وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ [ (1) ] . وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ يَقْوَى بِشَوَاهِدَ. مِنْهَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ
إِلَى عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ وَلَكِنْ مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى هَذِهِ تَخْضِبُ هَذِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ الْوَادِعِيُّ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْبَصْرَةِ مِنَ الْخَوَارِجِ إِلَى عَلِيٍّ فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْجَعْدُ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. بَلْ مَقْتُولٌ قَتْلًا. فَذَكَرَهُ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ: لِلِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ فَمَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبُعٍ: وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ لَأَبَرْنَا عِتْرَتَهُ فَقَالَ: أَنْشُدُ أَنْ يُقْتَلَ بِي غَيْرُ قَاتِلِي. قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: لَا! وَلَكِنِّي أَتْرُكْكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَقَدْ تَرَكْتَنَا هَمَلًا؟ قَالَ: أَقُولُ اللهُمَّ اسْتَخْلَفْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ ثُمَّ قَبَضْتَنِي وَتَرَكْتُكَ فِيهِمْ فَإِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ [ (4) ] . وَرَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عن أبي
سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَا جَمِيعًا، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ الْحِمَّانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ بَعْدِي. لَفْظُ حَدِيثِ فِطْرٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَعْلَبَةُ بْنُ يَزِيدَ الْحِمَّانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا قُلْتُ: كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّ مِمَّا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ بَعْدِي [ (5) ] . فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ- فِي خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ فِي إِمَارَتِهِ ثُمَّ فِي قَتْلَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ الْوِشَاحِ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَدِمْتُ دِمَشْقَ وَأَنَا أُرِيدُ الغزو فأتيت
عَبْدَ الْمَلِكِ لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ فِي قُبَّةٍ عَلَى فَرْشِ يَفُوقُ الْقَائِمَ وَالنَّاسَ. تَحْتَهُ سِمَاطَانِ فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ فَقَالَ: يَا ابْنَ شِهَابٍ أَتَعْلَمُ مَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ صَبَاحَ قُتِلَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: هَلُمَّ، فَقُمْتُ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ حَتَّى أَتَيْتُ خَلْفَ الْقُبَّةِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَأَحْنَى عَلَيَّ فَقَالَ: مَا كَانَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَمْ يُرْفَعْ حَجَرٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ قَالَ: فَقَالَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَعْلَمُ هَذَا غَيْرِي وَغَيْرُكَ وَلَا يُسْمَعَنَّ مِنْكَ. قَالَ: فَمَا تَحَدَّثْتَ بِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ. هكذا رُوِيَ هَذَا فِي مَقْتَلِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عنه- بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ قَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
باب ما جاء في إخباره بسيادة ابن ابنته الحسن بن علي بن ابي طالب وإصلاحه بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِسِيَادَةِ ابْنِ ابْنَتِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإِصْلَاحِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكَرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرِهِ. عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَمَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المسلمين [ (2) ] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ وَزَادَ: «عَظِيمَتَيْنِ» وَلَمْ يَذْكُرْ «ضَمَّهُ إِلَيْهِ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَآدَمُ قَالَا حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ آدَمُ: قَالَ الْحَسَنُ فَلَمَّا وَلِيَ مَا أُهَرِيقَ فِي سَبَبِهِ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ. أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، وَمُسَدَّدٌ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي الرَّبِيعِ- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ أَصْحَابَهُ يَوْمًا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَصَعِدَ إِلَيْهِ الْمِنْبَرَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ أَلَا إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَإِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- لَعَلَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْمَاسَرْجِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ- يَعْنِي: الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ- وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ يُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَوْ نَظَرْتُمْ مَا بَيْنَ جَابَرْسَ إِلَى جَابَلْقَ مَا وَجَدْتُمْ رَجُلًا جَدُّهُ نَبِيٌّ غَيْرِي وَغَيْرَ أَخِي وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْتَمِعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ومتاع إلى حين. قَالَ مَعْمَرٌ: جَابَرْسُ وَجَابَلْقُ الْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ. (وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ [ (7) ] ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَالَ يَعْقُوبُ: وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ بن علي- رضي الله عَنْهُ-. وَقَالَ هُشَيْمٌ: لَمَّا سَلَّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ بِالنُّخَيْلَةِ: قُمْ فَتَكَلَّمْ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى. وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ أَلَا وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَقٌّ لِامْرِئٍ كَانَ أَحَقُّ بِهِ أَوْ حَقٌّ لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنَ دِمَائِهِمْ، وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حين ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ) [ (8) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا الحجاج بن
أَبِي مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ قِصَّةً فِي خُطْبَةِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا حَسَنُ فَكَلِّمِ النَّاسَ. فَقَامَ حَسَنٌ فَتَشَهَّدَ فِي بَدِيهَةِ أَمْرٍ لَمْ يُرَوِّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا وَإِنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ مُدَّةً وَالدُّنْيَا دُوَلٌ وَإِنَّ اللهَ- تَعَالَى- قَالَ لِنَبِيِّهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.
باب ما جاء في إخباره بملك معاوية بن أبي سفيان، إن صح الحديث فيه أو إشارته إلى ذلك في الأحاديث المشهورة وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِمُلْكِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، إِنَّ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ أَوْ إِشَارَتِهِ إِلَى ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى الْخِلَافَةِ إِلَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي: «يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ مَلَكْتَ فَأَحْسِنْ» [ (1) ] . إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [ (2) ] هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ: مِنْهَا: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ جَدِّهِ سَعِيدٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخَذَ الْإِدَاوَةَ فَتَبِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ وُلِّيتَ أَمْرًا فَاتَّقِ اللهَ وَاعْدِلْ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَظُنُّ أَنِّي مُبْتَلًى بِعَمَلٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم [ (3) ] .
وَمِنْهَا حَدِيثُ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَوْ عَثَرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ- أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ-» [ (4) ] . يَقُولُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَعَهُ اللهُ بِهَا. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ. (ح) وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخِلَافَةُ بِالْمَدِينَةِ وَالْمُلْكُ بِالشَّامِ [ (5) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِدْرِيسَ: عَائِذُ اللهِ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ [ (6) ] . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَرُوِي من وجه آخر.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدَ، أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ» [ (7) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَصَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي» . وَزَادَ صَفْوَانُ: «حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ» . وَقَالَ: إِنِّي أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ [ (8) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ أَنَّهُ سمع سليم ابن عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ عَمُودًا مِنْ نُورٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي سَاطِعًا حَتَّى اسْتَقَرَّ بِالشَّامِ» [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ صِفِّينَ: اللهُمَّ الْعَنْ أَهْلَ الشَّامِ، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لَا تَسُبَّ أَهْلَ الشَّامِ جَمًّا غَفِيرًا فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ [ (10) ] .
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بناس من أمته يركبون البحر غزاة في سبيل الله كالملوك على الأسرة. وشهادته بأن أم حرام بنت ملحان منهم - وتصديق الله سبحانه قوله في زمن معاوية بن أبي سفيان ...
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاسٍ مِنْ أُمَّتِهِ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ. وَشَهَادَتِهِ بِأَنَّ أم حرام بنت ملحان مِنْهُمْ- وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ... أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ قَعْنَبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مَالِكٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن عَبْدِ السَّلَامِ الْوَرَّاقُ. (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَشِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيَّانِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ [ (1) ] فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي [ (2) ] رَأْسَهُ فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضحك
قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ [ (3) ] هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ- أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ- يَشُكُّ أَيُّهُمَا قَالَ: قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ» - كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى- قَالَتْ: فَقُلْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ» فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ. لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (4) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أحمد بن عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ أَنَّهَا قَالَتْ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ تَبَسَّمَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ، فَقَعَدَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا، فَأَجَابَهَا بِمِثْلِ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ» . فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيَةً أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزَاتِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّامَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لتركبها
فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ محمد ابن رُمْحٍ كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهُوَ بِسَاحِلِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرَامٍ. قَالَ عمير: فحدثنا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا» . قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: «أَنْتِ فِيهِمْ» ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَوَّلِ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» ، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا! قَالَ ثَوْرٌ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهِ وَهُوَ فِي الْبَحْرِ. قَالَ هِشَامٌ رَأَيْتُ قَبْرَهَا وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ بِالسَّاحِلِ بِقَاقِيسَ سَنَةَ إِحْدَى وتسعين. وقال غير: بِقَرْقِيسَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ [ (6) ] .
باب ما جاء في إخباره بتكلم رجل من أمته بعد موته من خير التابعين فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِتَكَلُّمِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ فَقِيلَ لِي: إِنَّ أَخَاكَ قَدْ مَاتَ فَجِئْتُ فَوَجَدْتُ أَخِي مُسَجًّى عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَأَنَا عِنْدَ رَأْسِهِ أَسْتَغْفِرُ لَهُ وَأَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ إِذْ كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكَ فَقُلْنَا سُبْحَانَ اللهِ أَبَعْدَ الْمَوْتِ؟! قَالَ: بَعْدَ الْمَوْتِ. إِنِّي قَدِمْتُ عَلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- بَعْدَكُمْ فَتُلُقِّيتُ بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ وَكَسَانِي ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ وَوَجَدْتُ الْأَمْرَ أَيْسَرَ مِمَّا تَظُنُّونَ وَلَا تَتَّكِلُوا إِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ أُخْبِرَكُمْ وَأُبَشِّرَكُمْ فَاحْمِلُونِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أَبْرَحَ حَتَّى أَلْقَاهُ، ثُمَّ طَفِيَ كَمَا هُوَ. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَا يَشُكُّ حَدِيثِيٌّ فِي صِحَّتِهِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ. قَالَ: تُوُفِّيَ أَخِي وَكَانَ أَصْوَمَنَا فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ وَأَقْوَمَنَا فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ وَخَرَجْتُ فِي
شِرَاءِ كَفَنِهِ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ- أَوْ قَالَ: الْبَيْتِ- وَقَدْ كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقُلْنَا: أَبَعْدَ الْمَوْتِ؟! قَالَ: نَعَمْ إِنِّي قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي بَعْدَكُمْ فَتَلَقَّانِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ وَكَسَانِي ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ وَإِنِّي لَقِيتَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَدْ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَبْرَحَ حَتَّى آتِيَهُ فَعَجِّلُوا بِي وَلَا تَجِسُّونِي وَالْأَمْرُ أَيْسَرُ مِمَّا فِي أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَغْتَرُّوا. قَالَ: فَمَا شَبَّهْتُ نَفْسَهُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَّا حَصَاةً أَلْقَيْتُهَا فِي مَاءٍ فَرَسَبَتْ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَوْتِهِ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا حَدَّثَنَا سريج ابن يُونُسَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْغَطَفَانِيُّ وَحَفْصُ بْنُ يَزِيدَ قَالَا بَلَغَنَا ابْنَ حِرَاشٍ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْحَكَ أَبَدًا حَتَّى يَعْلَمَ هُوَ فِي الْجَنَّةِ أَوْ فِي النَّارِ فَمَكَثَ كَذَلِكَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَضْحَكُ حَتَّى مَاتَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. فَقَالَتْ: صَدَقَ أَخُو بَنِي عَبْسٍ- رَحِمَهُ اللهُ- سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَتَكَلَّمُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ التَّغْلِبِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، قَالَ: مَاتَ الرَّبِيعُ فَسَجَّيْتُهُ فَضَحِكَ فَقُلْتُ: يَا أَخِي أَحْيَاةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟! قَالَ: لَا وَلَكِنِّي لَقِيتُ رَبِّي- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَلَقِيَنِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَوَجْهٍ غَيْرِ غَضْبَانَ فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ الْأَمْرَ؟ قَالَ: يَسِيرٌ وَلَا تَغْتَرُّوا. قَالَ فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ قَالَتْ: صَدَقَ رِبْعِيٌّ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ الْمَوْتِ [ (2) ] .
باب ما روى في إخباره بقتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء من ارض الشام فكان كما أخبر [صلى الله عليه وسلم] [1]
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ بِقَتْلِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا بِعَذْرَاءَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَكَانَ كَمَا أخبر [صلى الله عليه وَسَلَّمَ] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ سَيُقْتَلُ مِنْكُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ بِعَذْرَاءَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ فَقُتِلَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ [ (2) ] . قَالَ يَعْقُوبُ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ذَكَرَ زِيَادُ بن سُمَيَّةَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَبَضَ حُجْرٌ عَلَى الْحَصْبَاءِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا وَحَصَبَتْ مَنْ حَوْلَهِ زِيَادًا فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ حُجْرًا حَصَبَنِي وَأَنَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ حُجْرًا فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ دِمَشْقَ بَعَثَ مَنْ يَتَلَقَّاهُمْ فَالْتَقَى معم بِعَذْرَاءَ فَقَتَلَهُمْ. قُلْتُ: عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ روي عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ مرفوعا [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ عَذْرَاءَ: حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَأَيْتُ قَتْلَهُمْ صَلَاحًا لِلْأُمَّةِ، وَإِنَّ بَقَاءَهُمْ فَسَادٌ لِلْأُمَّةِ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ نَاسٌ يَغْضَبُ اللهُ لَهُمْ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ [ (4) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ قَتَلْتَ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ وَفَعَلْتَ الَّذِي فَعَلْتَ أَمَا خَشِيتَ أَنِ اخْتَبَأَ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ؟ فَقَالَ: لَا. إِنِّي فِي بَيْتٍ أَمَانٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. كَيْفَ أَنَا فِيمَنْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ حَاجَاتِكِ وَأَمْرِكِ؟ قَالَتْ: صَالِحٌ. قَالَ: فَدَعِينِي وَحُجْرًا حَتَّى نَلْتَقِيَ عِنْدَ ربنا [ (5) ] .
باب ما روي في إخباره نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في النار
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ آخِرَهُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ لِعَشَرَةٍ فِي بَيْتٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ. فِيهِمْ: سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ. قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَ سَمُرَةُ آخِرُهُمْ مَوْتًا. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ الْعَبْدِيَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمَاعٌ- فَاللهُ أَعْلَمُ [ (1) ] وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ. قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ فَأَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ فَلَا يَبْدَأُ بِشَيْءٍ يَسْأَلُنِي حَتَّى يَسْأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بِحَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَرِحَ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا عَشَرَةً فِي بَيْتٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَنَظَرَ فِي وجُوهِنَا وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ
فَقَدْ مَاتَ مِنَّا ثَمَانِيَةٌ وَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ ذُقْتُ الْمَوْتَ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حماد بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ [ (3) ] ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ سَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ سَأَلَنِي عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ فَقُلْتُ لِأَبِي محذورة مالك إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكَ سَأَلْتَنِي عَنْ سَمُرَةَ وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ سَأَلَنِي عَنْكَ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَسَمُرَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ، فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُورَةَ ثُمَّ سَمُرَةُ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ذُكِرَ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو بَدَلَ أَبِي مَحْذُورَةَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قال: سمعت ابن طاووس وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَلِرَجُلٍ آخَرَ: آخِرُكُمْ مَوْتًا، فِي النَّارِ فَمَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَهُمْ وَبَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَغِيظَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَاتَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ يَعْنِي فَإِذَا سَمِعَهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، وَصَعِقَ وَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَبْلَ سَمُرَةَ فَقَتَلَ سَمُرَةُ بَشَرًا كثيرا.
هَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ يُؤَكِّدُ مَا قَبْلَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ قَالَ كُنَّا فِي مَجْلِسِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي أَصْحَابِ الْخَزِّ فَقَالُوا مَا فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ نَشِفَتْ مِنَ الدَّمِ مَا نَشِفَتْ هَذِهِ يَعْنُونَ دَارَ الْإِمَارَةِ قُتِلَ فِيهَا سَبْعُونَ أَلْفًا فَجَاءَ يُونُسُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا قَالَ نَعَمْ مِنْ بَيْنِ قَتِيلٍ وَقَطِيعٍ قِيلَ لَهُ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: زِيَادٌ وَابْنُ زِيَادٍ وَسَمُرَةُ قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ: كَانَ وَاللهِ قَدَرًا لَمْ يَكُنْ عَنْهَا مُرَحَّلٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حدثنا حنبل ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ يُرِيدُ: أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا عبد الصمد ابن عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: كَانَ سَمُرَةُ- مَا عَلِمْتُ- عَظِيمَ الْأَمَانَةِ صَدُوقَ الْحَدِيثِ يُحِبُّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ. قُلْتُ: بِهَذَا وَبِصُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرْجُو لَهُ بَعْدَ تَحْقِيقِ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ سَمُرَةَ مَاتَ فِي الْحَرِيقِ فَصَدَقَ بِذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُورَدَ النَّارَ بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَنْجُوَ بإيمانه فَيَخْرُجَ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ- وَاللهِ أَعْلَمُ-. وَبَلَغَنِي عَنْ هِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ الرَّقِّيِّ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ: أَنَّ سَمُرَةَ اسْتَجْمَرَ فَغَفَلَ عَنْهُ أَهْلُهُ حتى أخذته النار [ (4) ] .
باب ما جاء في إخباره ببقاء عبد الله بن سلام على الإسلام حتى يموت وانه لا ينال الشهادة فكان كما اخبر - توفي على الإسلام في أول ايام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين -
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِبَقَاءِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَمُوتَ وَأَنَّهُ لَا يَنَالُ الشَّهَادَةَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ- تُوُفِّيَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ. [أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ] [ (1) ] حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ قَالَ: فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ فِيهِمَا. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَدَخَلْتُ مَعَهُ فَحَدَّثْتُهُ فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ الْقَوْمَ- لَمَّا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ- قَالُوا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُهُ وَسَأُحَدِّثُكَ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ رَأَيْتُ كَأَنِّيَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَذَكَرَ مِنْ خُضْرَتِهَا وَسَعَتِهَا- وَسَطَهَا عَمُودُ حَدِيدٍ، أَسْفَلَهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ. فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِيَ: اصْعَدْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ: فَخَرَجَ مِنْصَفٌ- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ- الْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ. قَالَ: فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فَقَالَ لِيَ اصْعَدْ عَلَيْهِ قَالَ فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ فِي الْعُرْوَةِ فَقَالَ: اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدَيَّ قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا فَقَالَ أَمَّا الرَّوْضَةُ فَرَوْضَةُ
الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْعَمُودُ فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى. أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ. قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ [ (2) ] . وَفِي حَدِيثِ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَأُتِيَ بِي حَتَّى أُتِيَ بِي جَبَلًا فَقَالَ لِيَ: اصْعَدْ فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِي حَتَّى فَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ ذَكَرَ لَهُ رُؤْيَاهُ: وَأَمَّا الْحَبْلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ وَلَنْ تَنَالَهُ. وَهُوَ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرَّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ أُخْرَى حَيْثُ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يَنَالُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ولم ينلها.
باب ما جاء في شهادة لرافع بن خديج بالشهادة وظهور صدقه. في ذلك زمن معاوية
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةٍ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِالشَّهَادَةِ وَظُهُورِ صِدْقِهِ. فِي ذَلِكَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ الْوَاشِحِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. - يَعْنِي: ابْنَ رَافِعٍ- عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رُمِيَ قَالَ عَمْرَةُ: لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ- يَوْمَ أُحُدٍ أَوْ يَوْمَ حُنَيْنٍ- بِسَهْمٍ فِي ثُنْدُوَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْزِعُ السَّهْمَ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَافِعُ إِنْ شِئْتَ نَزَعْتُ السَّهْمَ وَالْقُطْبَةَ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتَ نَزَعْتُ السَّهْمَ وَتَرَكْتُ الْقُطْبَةَ وَشَهِدْتُ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ شَهِيدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: انْزِعِ السَّهْمَ وَدَعِ الْقُطْبَةَ، وَاشْهَدْ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنِّي شَهِيدٌ قَالَ: فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ خِلَافَةُ مُعَاوِيَةَ انْتُقِضَ ذَلِكَ الْجُرْحُ فمات بعد العصر [ (1) ] .
باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِتَنِ الَّتِي ظَهَرَتْ بَعْدَ السِّتِّينَ مِنْ أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. (ح) قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ هلاك أمتي على رؤوس أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قُلْنَا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ. هَذَا حَدِيثُ أَبِي مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ [ (1) ] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ عمرو ابْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ سَمَّيْتُهُمْ: بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ حَيْوَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْخُزَاعِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي مَسَرَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةَ، أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (4) ] فَقَالَ: يَكُونُ خَلْفٌ مِنْ بَعْدِ سِتِّينَ سَنَةً أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثُمَّ يَكُونُ خَلْفٌ يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ. وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةٌ: مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ وَفَاجِرٌ. قَالَ بَشِيرٌ: فَقُلْتُ لِلْوَلِيدِ: مَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ؟ فَقَالَ: الْمُنَافِقُ كَافِرٌ بِهِ وَالْفَاجِرُ يَتَأَكَّلُ بِهِ، والمؤمن يؤمن به.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ. وَحَدِيثُ الْقَطَّانِ مُخْتَصَرٌ إِلَى قَوْلِهِ يَلْقَوْنَ غَيًّا [ (5) ] . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا يُؤَكِّدُ هَذَا التَّارِيخَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ صِفِّينَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَكْرَهُوا إِمَارَةَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ لَوْ فَقَدْتُمُوهُ لَقَدْ رَأَيْتُمُ الرؤوس تَنْزُو مِنْ كَوَاهِلِهَا كَالْحَنْظَلِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ الْبَيْرُوتِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرِ بن هاني، أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَشِيَ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ لَا تُدْرِكُنِي سَنَةُ السِّتِّينَ وَيْحَكُمْ تَمَسَّكُوا بَصُدْغَيْ مُعَاوِيَةَ. اللهُمَّ لَا تُدْرِكُنِي إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ [ (6) ] . وَهُمَا إِنَّمَا يَقُولَانِ مِثْلَ هَذَا الشَّيْءِ سَمِعَاهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي خَلْدَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ غَزَا النَّاسُ فَغَنِمُوا وَسَلِمُوا فَكَانَ فِي غَنِيمَتِهِمْ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ فَصَارَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمِهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَزِيدُ فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ وَأَبُو ذَرٍّ يومئذ بالشام قال:
فَاسْتَغَاثَ الرَّجُلُ بِأَبِي ذَرٍّ عَلَى يَزِيدَ فَانْطَلَقَ مَعَهُ فَقَالَ لِيَزِيدَ: رُدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- قَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ وَلَّى عَنْهُ فَلَحِقَهُ يَزِيدُ فَقَالَ أُذَكِّرُكَ بِاللهِ: أَنَا هُوَ قَالَ: اللهُمَّ لَا وَرَدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ [ (7) ] . قُلْتُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. لَكِنَّ سَمِيَّهُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ- وَاللهُ أَعْلَمُ-[ (8) ] . وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ إِرْسَالٌ بَيْنَ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي ذَرٍّ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَخْبَرَنَا: أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ غُنَيْمٍ الْبَعْلَبَكِّيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ مُعْتَدِلًا قَائِمًا بِالْقِسْطِ حَتَّى يَثْلِمَهُ رَجُلٌ من بني أمية [ (9) ] .
باب ما روي في إخباره بقتل ابن ابنته أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان كما أخبر [صلى الله عليه وسلم] [1] وما ظهر عند ذلك من الكرامات التي هي دالة على صحة نبوة جده عليه السلام
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ بِقَتْلِ ابْنِ ابْنَتِهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَكَانَ كما أخبر [صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ الْكَرَامَاتِ الَّتِي هِيَ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ جَدِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ وأبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو محمد ابن أبي حامد المقري، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ لِلنَّوْمِ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ حَائِرٌ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرْقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ حَائِرٌ دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ يُقَلِّبُهَا فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ- لِلْحُسَيْنِ- فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ أَرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا [ (2) ] . تَابَعَهُ مُوسَى الْجُهَنِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ زَيْدٍ النَّخَعِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبَانَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي، حدثنا محمد
ابن مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَأَيْتُ حُلْمًا مُنْكَرًا اللَّيْلَةَ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكِ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حِجْرِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتِ خَيْرًا تَلِدُ فَاطِمَةُ- إِنْ شَاءَ اللهُ غُلَامًا فَيَكُونُ فِي حِجْرِكِ فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ فَكَانَ فِي حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَدَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم تُهْرِيقَانِ الدُّمُوعَ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا لَكَ؟ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا فَقُلْتُ: هَذَا؟! قَالَ: نَعَمْ! وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ- يَعْنِي: ابْنَ حَسَّانَ- حَدَّثَنَا عُمَارَةُ- يَعْنِي: ابْنَ زَاذَانَ-، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ قَالَ: فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَقَعُ عَلَى مَنْكِبِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ! قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ فَأَخَذَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا فَكُنَّا نَسْمَعُ أَنْ يُقْتَلَ بَكَرْبَلَاءَ [ (4) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ. وَأَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِجَازَةً، أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بن
يَحْيَى أَخْبَرَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. وأَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ زِيَادٍ السَّمِّذِيِّ أَخْبَرَهُمْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ: ابْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ غَزِيَّةَ، وَهُوَ: عُمَارَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ لِعَائِشَةَ مَشْرُبَةٌ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ لَقِيَّ جِبْرِيلَ لَقِيَهُ فِيهَا فَرَقِيَهَا مَرَّةً مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ لَا يَطْلُعَ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ قَالَ: وَكَانَ رَأْسُ الدَّرَجَةِ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَدَخَلَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَرَقِيَ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى غَشِيَهَا فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنِي، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَهُ عَلَى فَخِذِهِ قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيُقْتَلُ، تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: أُمَّتِي؟! قَالَ: نَعَمْ. وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِالْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا. فَأَشَارَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى: الطَّفِّ بِالْعِرَاقِ فَأَخَذَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ فَأَرَاهُ إِيَّاهَا [ (5) ] . هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عُمَارَةَ مَوْصُولًا، فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن محمد بن إسحاق الاسفرايني حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَالِمٍ الْأَسَدِيُّ. قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأُخْبِرَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهُ إِلَى الْعِرَاقِ فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: أَيْنَ
تُرِيدُ؟ قَالَ: الْعِرَاقَ- وَمَعَهُ طُومَيْرٌ وَكُتُبٌ. فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمْ. فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ الْآخِرَةِ فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّكُمْ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللهِ لَا يَلِيَهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا وَمَا صَرَفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكُمْ إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، فَارْجِعُوا فَأَبَى وَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عمر وقال: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيلٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ ذَاتَ يَوْمٍ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ فَأُحْصِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَوُجِدَ قَدْ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ شَوْقٍ الْعَبْديَّةُ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الْأَزْدِيَّةِ قَالَتْ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ مَلْآنُ دَمًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ أَوَّلُ مَا عُرِفَ الزُّهْرِيُّ تَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ الْوَلِيدُ أَيُّكُمْ يَعْلَمُ مَا فَعَلَتْ أَحْجَارُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي. قَالَتْ: كُنْتُ أَيَّامَ الْحُسَيْنِ جَارِيَةً شَابَّةً فَكَانَتِ السَّمَاءُ أَيَّامًا عَلَقَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْوَرْسَ عَادَ رَمَادًا وَلَقَدْ رَأَيْتُ اللَّحْمَ كَأَنَّ فِيهِ النَّارَ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ: أَصَابُوا إِبِلًا فِي عَسْكَرِ الْحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ فَنَحَرُوهَا وَطَبَخُوهَا قَالَ فَصَارَتْ مِثْلَ الْعَلْقَمِ فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَسِيغُوا مِنْهَا شَيْئًا.
باب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره بقتل أهل الحرة فكان كما أخبر
بَابُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي إِخْبَارِهِ بِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرَّةِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أيوب بن بشير المعافري أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ فَلَمَّا مَرَّ بِحَرَّةِ زُهْرَةٍ وَقَفَ فَاسْتَرْجَعَ فَسَاءَ ذَلِكَ مَنْ مَعَهُ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَفَرِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ سَفَرِكُمْ هَذَا. قَالُوا فَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ يُقْتَلُ بِهَذِهِ الْحَرَّةِ خِيَارُ أُمَّتِي بَعْدَ أَصْحَابِي. هَذَا مُرْسَلٌ [ (1) ] . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ آيَةٍ مِنْ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يُؤَكِّدُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ. قَالَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ جُوَيْرِيَةُ حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَوْ دخلت
عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا» [ (2) ] قَالَ: لَأَعْطَوْهَا يَعْنِي: إِدْخَالَ بَنِي حَارِثَةَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُفَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ فُلَيْحٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَفَدَ عَلَى يَزِيدَ فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ- وَكَانَ مَرْضِيًّا صَالِحًا- فَقَالَ أَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أُكْرَمَ وَاللهِ لَرَأَيْتُ يَزِيدَ ابْنَ مُعَاوِيَةَ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا فَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى خُلْعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَخَلَعُوهُ [ (4) ] . قَالَ يَعْقُوبُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ: عَبْدُ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيُّ، وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَقُتِلَ مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَارِيُّ [ (5) ] . وَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ. قَالَ يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ. حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ فِيهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ: هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ قُتِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى كَادَ لَا يَنْفَلِتُ أَحَدٌ. وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ ابْنَا
زَيْنَبَ رَبِيبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. قَالَ جَرِيرٌ: وَهُمَا ابْنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ [ (7) ] . قَالَ يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: أَنْهَبَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَزَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنَّهُ افْتُضَّ فِيهَا أَلْفُ عَذْرَاءَ. مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الَّذِي جَاءَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُسْرِفًا لِإِسْرَافِهِ فِي الْقَتْلِ والظلم [ (8) ] .
باب ما روي في إخباره قيس بن خرشة حين قال: والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت به بأنه لا يضره إذا بشر فكان كما أخبر
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ قَيْسَ بْنَ خَرَشَةَ حِينَ قَالَ: وَاللهِ لَا أُبَايِعُكَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا وَفَيْتُ بِهِ بِأَنَّهُ لَا يَضُرَّهُ إِذًا بَشَرٌ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ. وهو: عبد الله ابْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: اصْطَحَبَ قَيْسُ بْنُ خَرَشَةَ وَكَعْبٌ حَتَّى إِذَا بَلَغَا صِفِّينَ وَقَفَ ثُمَّ نَظَرَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَيُهْرَاقَنَّ بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ لَا يُهَرَاقُ بِبُقْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلُهُ فَغَضِبَ قَيْسٌ وَقَالَ مَا يُدْرِيكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا هَذَا؟ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللهُ بِهِ! فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنَ الْأَرْضِ شِبْرٌ إِلَّا مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى مُوسَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ وَمَنْ قَيْسُ بْنُ خَرَشَةَ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ وَمَا تَعْرِفُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بِلَادِكَ!! قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْرِفُهُ. قَالَ: إِنَّ قَيْسَ بْنَ خَرَشَةَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى مَا جَاءَ مِنَ اللهِ وَعَلَى أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: يَا قَيْسُ عَسَى أَنْ يُمَدَّ بِكَ الدَّهْرُ أَنْ يَلِيَكَ بَعْدِي مَنْ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ بِالْحَقِّ مَعَهُمْ. قَالَ قَيْسٌ وَاللهِ لَا أُبَايِعُكَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا وَفَيْتُ لَكَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إذا لَا يَضُرُّكَ بَشَرٌ. وَكَانَ قَيْسٌ يَعِيبُ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَابْنَهُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْتَ الَّذِي تَفْتَرِي عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ إِنْ
شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ: وَمَنْ ذَاكَ؟ قَالَ: أَنْتَ وَأَبُوكَ، وَالَّذِي أَمَّرَكُمَا. قَالَ قَيْسٌ: وَمَا الَّذِي افْتَرَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: تَزْعُمُ أَنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ بَشَرٌ. قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: لَتَعْلَمَنَّ الْيَوْمَ أَنَّكَ قَدْ كَذَبْتَ ائْتُونِي بِصَاحِبِ الْعَذَابِ وَبِالْعَذَابِ. قَالَ: فَمَالَ قَيْسٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ، بَلَغَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ زِيَادًا كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنِّي قَدْ ضَبَطْتُ الْعِرَاقَ بِشِمَالِي، وَيَمِينِي فَارِغَةٌ. يَسْأَلُهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْحِجَازَ وَالْعَرْضَ. يَعْنِي بِالْعَرْضِ: الْيَمَامَةَ وَالْبَحْرَيْنِ، فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ فِي سُلْطَانِهِ فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّكَ تَجْعَلُ فِي الْقَتْلِ كَفَّارَةً لِمَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ. فَمَوْتًا لِابْنِ سُمَيَّةَ لَا قَتْلَ. قَالَ: فَخَرَجَ فِي إِبْهَامِهِ طَاعُونَةٌ فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جُمُعَةٌ حَتَّى مَاتَ فَبَلَغَ ابْنَ عُمَرَ مَوْتُهُ، فَقَالَ: إِلَيْكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ لَا الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَكَ ولا الآخرة أدركت.
باب ما جاء في إخباره بأن عبد الله ابن عباس - رضي الله عنه - يذهب بصره في آخر عمره وأنه يؤتى علما فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَذْهَبُ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَأَنَّهُ يُؤْتَى عِلْمًا فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللهِ سَايَرَهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ بَعَثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا فَرَجَعَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِ الرَّجُلِ مَعَهُ فَلَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ أَرْسَلْتَ إِلَيْكَ ابْنِي فَوَجَدَ عِنْدَكَ رَجُلًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمُكَ فَرَجَعَ. قَالَ: وَرَآهُ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: أَتَدْرِي مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ ذَاكَ الرَّجُلُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَذْهَبَ بصره ويؤتى علما [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره بأن زيد بن أرقم [1] يبرأ من مرضه ثم يعمى بعده فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ [ (1) ] يَبْرَأُ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ يَعْمَى بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السَّرَّاجُ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غَانِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَمُّوَيْهِ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حدثنا نباتة بن بِنْتِ بُرَيْدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادَةَ [ (2) ] ، عَنْ أُنَيْسَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِيهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى زَيْدٍ يَعُودُهُ مِنْ مَرَضٍ كَانَ بِهِ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ مَرَضِكَ بَأْسٌ، وَلَكِنْ كَيْفَ بِكَ عُمِّرْتَ بَعْدِي فَعَمِيتَ؟! قَالَ: إِذًا أَحْتَسِبُ وَأَصْبِرُ. قَالَ: إِذًا تَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. قَالَ، فَعَمِيَ بعد ما مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ ثُمَّ مَاتَ [ (3) ] . كَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي. وإنما هي بناتة بِنْتُ بُرَيْدٍ عَنْ حَمَّادَةَ.
باب ما جاء في إخباره بمن يكون بعده من الكذابين وإشارته إلى من يكون منهم من ثقيف فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِمَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْكَذَّابِينَ وَإِشَارَتِهِ إِلَى مَنْ يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ ثَقِيفٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغَضَائِرِيُّ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا دَجَّالًا، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (1) ] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ
الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجُ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا مِنْهُمْ مُسَيْلِمَةُ وَالْعَنْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ. وَشَرُّ قَبَائِلِ الْعَرَبِ: بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو حَنِيفَةَ وَثَقِيفٌ» . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ وَلَهُ إِفْرَادَاتٌ، وَحَدَّثَ عَنْهُ الثِّقَاتُ مِنَ النَّاسِ، وَلَمْ أَرَ بِحَدِيثِهِ بَأْسًا. قُلْتُ: وَلِحَدِيثِهِ هَذَا فِي الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ. مِنْهَا: مَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عن أبي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ: أَمَا إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا [ (2) ] ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ [ (3) ] . وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الزبير الحميري الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّا، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى أسماء
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّهْ إِنَّ أمير المؤمنين أوماني بِكِ، فَهَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ؟ فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ وَلَكِنِّي أُمُّ الْمَصْلُوبِ عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ، وَمَا لِي مِنْ حَاجَةٍ وَلَكِنِ انْتَظَرْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنَ رَسُولِ الله سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ» . فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مُبِيرُ الْمُنَافِقِينَ [ (4) ] !! وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي عُلْوَانَ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عِصْمَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا [ (5) ] . وَقَدْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أكابرِ التَّابِعِينَ عَلَى الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ بِمَا كَانَ يَسْتَبْطِنُ [ (6) ] . وَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَذَّابَيْنِ الَّذِينَ أَخْبَرَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِمْ بَعْدَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: كُنْتُ أَبْطَنَ شَيْءٍ بِالْمُخْتَارِ- يَعْنِي: الْكَذَّابَ- قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: دَخَلْتَ وَقَدْ قَامَ جِبْرِيلُ قَبْلُ مِنْ هَذَا الْكُرْسِيِّ!! قَالَ: فَأَهْدَيْتُ إِلَى قَائِمِ السَّيْفِ- يَعْنِي: لِأَضْرِبَهُ-، حَتَّى ذَكَرْتُ حديثا حدثته عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ رُفِعَ لَهُ لِوَاءُ الْغَدْرِ يَوْمَ القيامة» . فكففت عنه [ (7) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ رِفَاعَةَ الْقِتْبَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ فَسَمِعْتُهُ يَوْمًا، يَقُولُ: قَامَ جِبْرِيلُ مِنْ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ!! فَأَرَدْتُ أَنْ أَسُلَّ سَيْفِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ حَمِقٍ الْخُزَاعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» . قَالَ: فَتَرَكْتُهُ [ (8) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: فَاخَرْتُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ فَغَلَبْتُهُمْ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا رَآنِي غَلَبْتُهُمْ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ فَجَاءَ بِكِتَابٍ فَقَالَ لِي: هَاكَ اقْرَأْ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ مِنَ الْمُخْتَارِ إِلَيْهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَقَالَ يَقُولُ الْأَحْنَفُ أَنَّى فِينَا مِثْلُ هَذَا [ (9) ] ؟! وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قِصَّةَ مَا كَانَ فِي الْكِتَابِ مِنْ مَوْضُوعِهِ الَّذِي كَانَ يُعَارِضُ بِهِ الْقُرْآنَ- وَبِاللهِ الْعِصْمَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ معاد، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، سمع مرّة يعني الهمذاني، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ- يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ- الْقُرْآنُ
مَا مِنْهُ حَرْفٌ أَوْ قَالَ آيَةٌ- شَكَّ عَمْرٌو- إِلَّا وَقَدْ عَمِلَ بِهِ قَوْمٌ أَوْ قَالَ- بِهَا قَوْمٌ أو سيعلمون بِهَا. قَالَ مُرَّةُ: فَقَرَأْتُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [ (10) ] فَقُلْتُ مَنْ عَمِلَ بِهَذِهِ حَتَّى كَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَلِعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا سُئِلَ عَنِ الْوَحْيِ وَالْمَوْضُوعِ يُرِيدُونَ مَا كَانَ الْمُخْتَارُ يَدَّعِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا يُسَمَّى الْمَوْضُوعُ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا الْمَوْضُوعَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ يَعْنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي خُرُوجِ الْكَذَّابَيْنِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَتَرَى هَذَا مِنْهُمْ- يَعْنِي الْمُخْتَارَ-؟ قَالَ عَبِيدَةُ: أَمَا إنه من الرؤوس.
باب ما جاء في إخباره بالمبير الذي يخرج من ثقيف وتصديق الله سبحانه قوله في الحجاج بن يوسف الثقفي غفر الله لنا ولجميع المسلمين
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِالْمُبِيرِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ فِي الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ غَفَرَ اللهُ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ [ (1) ] ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ [ (2) ] ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللهِ لَأُمَّةٌ أنت أشرّها للأمّة خَيْرٍ. ثُمَّ نَفَذَ [ (3) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ [ (4) ] فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ وَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ من يسحبك
بِقُرُونِكِ [ (5) ] ، قَالَ: فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي. قَالَ: فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتَيَّ [ (6) ] فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ [ (7) ] حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، أَنَا وَاللهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ، أَنَا وَاللهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ. أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طعام رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَبِي مِنَ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أن في ثقيف كذابا وَمُبِيرًا. فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ. قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُكْرَمٍ [ (8) ] . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بكر. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَذَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَخْبَرَا بِخُرُوجِهِ وَلَا يَقُولَانِ ذَلِكَ إِلَّا تَوْقِيفًا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو اليمان حدثنا جرير. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن
يُوسُفَ الْفَقِيهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْيَمَانِ أن جرير بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي عَذْبَةَ الْحِمْصِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنَ الشَّامِ وَنَحْنُ حُجَّاجٌ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَتَاهُ آتٍ مِنْ قِبَلِ الْعِرَاقِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدْ حَصَبُوا إِمَامَهُمْ وَقَدْ كَانَ عَوَّضَهُمْ بِهِ مَكَانَ إِمَامٍ كَانَ قَبْلَهُ فَحَصَبُوهُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ مُغْضَبًا فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَنْ ها هنا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ؟ فَقُمْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ تَجَهَّزُوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ. ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ لَبَّسُوا عَلَيَّ فَأَلْبِسْ عَلَيْهِمْ، اللهُمَّ عَجِّلْ لَهُمُ الْغُلَامَ الثَّقَفِيَّ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ [ (9) ] . زَادَ الدَّارِمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: عَلِمَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ الْحَجَّاجَ خَارِجٌ لَا مَحَالَةَ. فَلَمَّا أَغْضَبُوهُ اسْتَعْجَلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا. قَالَ عُثْمَانُ: وَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هَذَا أَحَدُ الْبَرَاهِينِ فِي أَمْرِ الْحَجَّاجِ قَالَ: صَدَقْتَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي معاوية ابن صَالِحٍ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ حدثه عن شريح ابن عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَذَبَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَهْلَ
الْعِرَاقِ قَدْ حَصَبُوا أَمِيرَهُمْ فَخَرَجَ غَضْبَانَ فَصَلَّى لَنَا الصَّلَاةَ فَسَهَا فِيهَا حَتَّى جَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: من ها هنا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَامَ رَجُلٌ ثُمَّ قَامَ آخَرُ ثُمَّ قُمْتُ أَنَا ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا فَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ اسْتَعِدُّوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ اللهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ لَبَّسُوا عَلَيَّ فَأَلْبِسْ عَلَيْهِمْ وَعَجِّلْ عَلَيْهِمْ بِالْغُلَامِ الثَّقَفِيِّ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ [ (10) ] . زَادَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ- قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَمَا وُلِدَ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا جعفر ابن سُلَيْمَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَهْلِ الْكُوفَةِ! اللهُمَّ كَمَا ائْتَمَنْتُهُمْ فَخَانُونِي وَنَصَحْتُ لَهُمْ فَغَشُّونِي فَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ فَتَى ثَقِيفٍ الذَّبَالِ الْمَيَّالِ يَأْكُلُ، خُضْرَتَهَا وَيَلْبَسُ فَرْوَتَهَا وَيْحَكُمْ فِيهَا بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ. قال: وتوفي الْحَسَنُ وَمَا خُلِقَ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ [ (11) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي: يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: الشَّابُّ الذَّبَالُ أَمِيرُ الْمِصْرَيْنِ يَلْبَسُ فَرْوَتَهَا وَيَأْكُلُ خُضْرَتَهَا وَيَقْتُلُ أَشْرَافَ أَهْلِهَا يَشْتَدُّ مِنْهُ الْفَرَقُ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الْأَرَقُّ يُسَلِّطُهُ اللهُ على شيعته [ (12) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِرَجُلٍ: لَا مُتَّ حَتَّى تُدْرِكَ فَتَى ثَقِيفٍ. قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَتَى ثَقِيفٍ؟ قَالَ: لَيُقَالَنَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اكْفِنَا زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا جَهَنَّمَ، رَجُلٌ يَمْلِكُ عِشْرِينَ أَوْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لَا يَدَعُ لِلَّهِ مَعْصِيَةً إِلَّا ارْتَكَبَهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْقَ إِلَّا مَعْصِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَابٌ مُغْلَقٌ لَكَسْرَهَ حَتَّى يَرْتَكِبَهُ يَقْتُلُ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ [ (13) ] . قُلْتُ: قَدِمَ الْحَجَّاجُ مَكَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَحَاصَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ التِّنِّيسِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يحيى ابن يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثِهَا وَجِئْنَا بِالْحَجَّاجِ لَغَلَبْنَاهُمْ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْأَخْنَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ قَالَ: مَا بَقِيَتْ لِلَّهِ حُرْمَةٌ إِلَّا وَقَدِ انْتَهَكَهَا الْحَجَّاجُ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي فَقَالَ: مَاتَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! قَالَ: فَقَالَ أَبِي: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ حَبَسَ رَجُلٌ عَلَيْهِ لِسَانَهُ وَعَلِمَ مَا يَقُولُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَرِحَ الْخَفَاءُ هَذَا نِسَاءُ وَافِدِ بْنِ سَلَمَةَ قَدْ نَشَرْنَ أَشْعَارَهُنَّ وَخَرَّقْنَ ثِيَابَهُنَّ يَنُحْنَ عَلَيْهِ. قَالَ: أَفَعَلُوا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (14) ] .
باب ما جاء في إخباره [صلى الله عليه وسلم] [1] بالشر الذي يكون بعد الخير الذي جاء به، ثم بالخير الذي يكون بعد ذلك، ثم بالشر الذي يكون بعده. وما يستدل به على إخباره بعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وإشارته إلى ما ظهر من عدله وإنصافه في ولايته
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (1) ] بِالشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْخَيْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ، ثُمَّ بِالْخَيْرِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ بِالشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ. وَمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إِخْبَارِهِ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَإِشَارَتِهِ إِلَى مَا ظَهَرَ مِنْ عَدْلِهِ وإِنْصَافِهِ فِي وَلَايَتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ! قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَفِيهِ دَخَنٌ [ (2) ] . قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ! دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قَالَ: قُلْتُ: صِفْهُمْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: نَعَمْ هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قَالَ: قُلْتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وأنت كذلك.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بن مزيد قال: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ حِينَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ الرِّدَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَفِي مَسْأَلَةِ حُذَيْفَةَ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دخن قال الأوزاعي: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَالْخَيْرُ: الْجَمَاعَةُ وَفِي وُلَاتِهِمْ مَنْ تُعْرَفُ سِيرَتُهُ وَفِيهِمْ مَنْ تُنْكَرُ سِيرَتُهُ. قَالَ: فَلَمْ يَأْذَنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِهِمْ مَا صَلَّوَا الصَّلَاةَ [ (4) ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: - وَكَانَ ثِقَةً- قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ قَالَ: فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: يا بشير ابن سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ. وَكَانَ حُذَيْفَةُ قَاعِدًا مَعَ بَشِيرٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ، أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ تَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً تَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ [ (5) ] . قَالَ: فَقَدِمَ عُمَرُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ- وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ الْحَدِيثَ وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْجَبْرِيَّةِ، قَالَ فَأَخَذَ يَزِيدُ الْكِتَابَ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُمَرَ فَسُرَّ بِهِ وأعجبه [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ لَاحِقٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلًا بِوَجْهِهِ شَيْنٌ يَلِي، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا. قَالَ نَافِعٌ مِنْ قَبْلِهِ: وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَهْرَوَيْهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سِنَانٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قُلْتُ: أَخْبَرُكُمْ عُثْمَانُ بْنُ طَالُوتَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ كَثِيرًا: لَيْتَ شَعْرِي هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي وَجْهِهِ عَلَامَةٌ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا فَأَمَرَ ابْنُ أَيُّوبَ بِالْحَدِيثِ [ (8) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ- فِي التَّارِيخِ-، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا عَجَبًا يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الدُّنْيَا لَنْ تَنْقَضِيَ حَتَّى يَلِيَ رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ يَعْمَلُ بِمِثْلِ عَمَلِ عُمَرَ. قَالَ: فَكَانُوا يَرَوْنَهُ بِلَالَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَكَانَ بِوَجْهِهِ أَثَرٌ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأُمُّهُ ابْنَةُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ الله عنه-.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابن الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ وَجَدَ نَشْطَةً فَقَالَ لِرَجُلٍ: مَنِ الْخُلَفَاءُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ. فَقَالَ سَعِيدٌ: الْخُلَفَاءُ أَبُو بَكْرٍ وَالْعُمَرَانِ. فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَدْ عَرَفْنَاهُمَا. فَمَنْ عُمَرُ الْآخَرُ؟! قَالَ: يُوشِكُ إِنْ عِشْتَ أَنْ تَعْرِفَهُ. يُرِيدُ: عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَصْبَغَ: قَالَ أَبِي: الرَّجُلُ- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ-. وَرُوِيَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسم عن ملك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ مَاتَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِسَنِينِ- وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: إِنَّمَا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا: ثَلَاثِينَ شَهْرًا لَا وَاللهِ مَا مَاتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِينَا بِالْمَالِ الْعَظِيمِ فَيَقُولُونَ اجْعَلُوا هَذَا حَيْثُ تَرَوْنَ فِي الْفُقَرَاءِ فَمَا يَبْرَحُ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَالِهِ يَتَذَكَّرُ مَنْ يَضَعُهُ فِيهِمْ فَلَا يَجِدُهُ فَيَرْجِعُ بِمَالِهِ. قَدْ أَغْنَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّاسَ. قُلْتُ: وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ تَصْدِيقُ مَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: « ... وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَى الرَّجُلَ يخرج ملء كفه ذهبا أَوْ فِضَّةً يَلْتَمِسُ مَنْ يقبله فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الضُّبَعِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَعْنٍ الْأَنْصَارِيُّ أَسْنَدَهُ. قَالَ: بينا عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْشِي إِلَى مَكَّةَ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ إذ رَأَى حَيَّةً مَيْتَةً، فَقَالَ: عَلَيَّ بِمِحْفَارٍ فَقَالُوا: نَكْفِيكَ- أَصْلَحَكَ اللهُ- قَالَ: لَا، ثُمَّ أَخَذَهُ فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ وَدَفَنَهُ فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ لَا يَرَوْنَهُ- رَحْمَةُ اللهُ عَلَيْكَ يَا سُرَّقُ- فَأَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَمُوتُ يَا سُرَّقُ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَدْفِنُكَ خَيْرُ أُمَّتِي» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ أَنْتَ- يَرْحَمُكَ اللهُ- قَالَ أَنَا رَجُلٌ مِنْ الْجِنِّ وَهَذَا سُرَّقُ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْجِنِّ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ وَأَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَمُوتُ يَا سُرَّقُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَيَدْفِنُكَ خَيْرُ أُمَّتِي [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ- وَلَيْسَ بِابْنِ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلَ بِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا رَحَلَ قَالَ لِي مَوْلَايَ: ارْكَبْ مَعَهُ فَشَيِّعْهُ قَالَ: فَرَكِبْتُ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَإِذَا نَحْنُ بِحَيَّةٍ مَيْتَةٍ مَطْرُوحَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَنَزَلَ عُمَرُ فَنَحَّاهَا وَوَارَاهَا ثُمَّ رَكِبَ فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ وَهُوَ يَقُولُ يَا خَرْقَاءُ يَا خَرْقَاءُ. قَالَ فَالْتَفَتْنَا يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ نَرَ أَحَدًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَسْأَلُكَ بِاللهِ أَيُّهَا الْهَاتِفُ إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَظْهَرُ إِلَّا ظَهَرْتَ وَإِنْ كُنْتَ مِمَّنْ لَا يَظْهَرُ أَخْبِرْنَا مَا الْخَرْقَاءُ؟ قَالَ: الْحَيَّةُ الَّتِي دَفَنْتُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا يَوْمًا: يَا خَرْقَاءُ تَمُوتِينَ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَدْفِنُكِ خَيْرُ مُؤْمِنٍ مِنَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ قَالَ: أَنَا مِنَ التِّسْعَةِ أَوِ السَّبْعَةِ- شَكِّ التَّرْقُفِيُّ- الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ قَالَ: فِي هَذَا الْوَادِي- شَكَّ التَّرْقُفِيُّ أَيْضًا- فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: الله
أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: اللهِ إني سمعت هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرُ وَانْصَرَفْنَا [ (10) ] . قُلْتُ: إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا انْضَمَّ إِلَى الْأَوَّلِ قَوِيَا فِيمَا اجْتَمَعَا فِيهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب ما روى من إخباره بحال وهب بن منبه وغيلان القدري ان صح هذا الحديث ولا أراه يصح
بَابُ مَا رُوِيَ مِنْ إِخْبَارِهِ بِحَالِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَغَيْلَانَ الْقَدَرِيِّ إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَلَا أُرَاهُ يَصِحُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَبِيبٍ الْمُفَسِّرُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْقَرْقَسَانِيُّ حَدَّثَنَا الْأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ وَهْبُ يَهَبُ اللهُ لَهُ الْحِكْمَةَ وَرَجُلٌ يُقَالُ لَهُ غَيْلَانُ هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ. تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ الْجَزَرِيُّ وَكَانَ ضَعِيفًا فِي الْحَدِيثِ [ (1) ] . وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَضْعَفَ مِنْ هَذَا. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مسلم، حدثنا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَنْعِقُ الشَّيْطَانُ بِالشَّامِ نَعْقَةً يُكَذِّبُ ثُلُثَاهُمْ بِالْقَدَرِ. وَفِي هَذَا- إِنْ صَحَّ- إِشَارَةٌ إِلَى غَيْلَانَ الْقَدَرِيِّ وَمَا ظَهَرَ بِالشَّامِ بِسَبَبِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ حَتَّى قتل [ (2) ] .
باب ما روي في إشارته إلى من يكون بعده من قريظة يدرس القرآن
بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ قُرَيْظَةَ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أحمد بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ فِي أَحَدِ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لَا يَدْرُسُهَا أَحَدٌ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُعَتِّبٍ أَنَّ مُعَتِّبَ بْنَ بُرْدَةَ.. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَكُونُ فِي أَحَدِ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لَا يَدْرُسُهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ قَالَ: فَكَانَ يَرَوْنَ أَنَّهُ: مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ. قَالَ أَبُو ثَابِتٍ: الْكَاهِنَانِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ. هَذَا مُرْسَلٌ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلًا.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ الزُّبَيْرِيَّ- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَخْرُجُ مِنَ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ سُفْيَانُ: يَرَوْنَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مِنَ القرظي [ (2) ] .
باب ما جاء في إخباره بانخرام قرنه الذي كان فيه على رأس مائة سنة فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سالم ابن عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لَيْلَةً فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى مَا يُحَدِّثُونِي مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ. يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخَرُّمُ ذَلِكَ الْقَرْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن يعقوب حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ حدثنا حجاج هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ- قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ: بِشَهْرٍ: تَسْأَلُونَ عَنِ السَّاعَةِ وإنما عليها عِنْدَ اللهِ. فَأُقْسِمُ بِاللهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تأتي علمها مِائَةُ سَنَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ الْجَمَّالِ وَغَيْرِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ. قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ فَقَالَ لِي: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ لقي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ كَمَا مَضَى [ (3) ] . وَأَبُو الطُّفَيْلِ وُلِدَ عَامَ أُحُدٍ، وَمَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ الْمِائَةُ مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مَوْتُهُ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ مِنْ وَقْتِ إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِمَا أَخْبَرَ وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ الْوَلِيدِ
ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُمَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الطُّفَيْلٍ: أَدْرَكْتُ ثَمَانِ سِنِينَ مِنْ حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَوُلِدْتُ عَامَ أُحُدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ يَقُولُ: آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الطُّفَيْلِ مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ يُرِيدُ بَعْدَ الْمِائَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.
باب ما جاء في إخباره بعمر من سماه فعاش إليه وبهلاك من ذكره فهلك سريعا كما قال
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِعُمْرِ مَنْ سَمَّاهُ فَعَاشَ إِلَيْهِ وَبِهَلِاكِ مَنْ ذَكَرَهُ فَهَلَكَ سَرِيعًا كَمَا قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيْوَةَ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا قَالَ فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ. زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ: وَكَانَ في وجهه ثألول. قَالَ: لَا يَمُوتُ هَذَا حتى يذهب الثألول مِنْ وَجْهِهِ فَلَمْ يَمُتْ حتى ذهب الثألول مِنْ وَجْهِهِ. أَنْبَأَنِيهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَزِيَادَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، قَالَ: وَضَعَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ: هَذَا الْغُلَامُ يَعِيشُ قَرْنًا: قَالَ: فَعَاشَ مِائَةَ سنة [ (1) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [ (2) ] فَكَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ فَوُلِدَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عَلَى رَأْسِ أَلْفَيْ سَنَةٍ مِنْ خَلْقِ آدَمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ الْبَيْهَقِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّافِعِيُّ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ لِيَرَاهُ، فَأَدْرَكَهُ أَبُوهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ مَعَهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَهْلِكَ فَهَلَكَ في تلك السنة.
باب ما جاء في إخباره برجل يكون في أمته يقال له: الوليد صاحب ضرر فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِرَجُلٍ يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ يُقَالُ لَهُ: الْوَلِيدُ صَاحِبُ ضَرَرٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ أُمِّهَا غُلَامٌ فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ غَيِّرُوا اسْمَهُ فَسَمُّوهُ عَبْدَ اللهِ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ هُوَ شَرٌّ لِأُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ. هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَبَّاسِ السَّكْسَكِيُّ، حَدَّثَنَا الوليد ابن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم غُلَامٌ فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلْتُمْ تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ. إِنَّهُ سَيَكُونُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ عَلَى قومه [ (1) ] .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: فَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ لِفِتْنَةِ النَّاسِ بِهِ حِينَ خَرَجُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَانْفَتَحَتِ الْفِتَنُ عَلَى الْأُمَّةِ وَالْهَرْجُ.
باب ما جاء في إخباره بصفة بني عبد الحكم بن أبي العاص إذا كثروا فكانوا كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِصِفَةِ بَنِي عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ إِذَا كَثُرُوا فَكَانُوا كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ بِبُخَارَى أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أيوب ابن سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا اتَّخَذُوا دِينَ اللهِ دَغَلًا وَعِبَادَ اللهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللهِ دُوَلًا [ (1) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عطبة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا اتَّخَذُوا دِينَ اللهِ دَغَلًا، وَمَالَ اللهِ دُوَلًا، وَعِبَادَ اللهِ خَوَلًا [ (2) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد الصفار حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ- وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أبي
قَبِيلٍ أَنَّ ابْنَ مَوْهَبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ فَكَلَّمَهُ فِي حَاجَتِهِ فَقَالَ: اقْضِ حَاجَتِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فو الله إِنَّ مُؤْنَتِي لَعَظِيمَةٌ وَإِنِّي أَبُو عَشَرَةٍ وَعَمُّ عَشَرَةٍ وَأَخُو عَشَرَةٍ فَلَمَّا أَدْبَرَ مَرْوَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى السَّرِيرِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَشْهَدُ بِاللهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو الْحَكَمِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا اتَّخَذُوا مَالَ اللهِ بَيْنَهُمْ دُوَلًا وَعِبَادَ اللهِ خَوَلًا وَكِتَابَ اللهِ دَغَلًا فَإِذَا بَلَغُوا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ كَانَ هَلَاكُهُمْ أَسْرَعَ مِنْ لَوْكِ تَمْرَةٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللهُمَّ نَعَمْ [ (3) ] ! وَذَكَرَ مَرْوَانُ حَاجَةً لَهُ فَرَدَّ مَرْوَانُ عَبْدَ الْمَلِكِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هَذَا فَقَالَ أَبُو الْجَبَابِرَةِ الْأَرْبَعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللهُمَّ نَعَمْ! (وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ) [ (4) ] .
باب ما جاء في رؤياه في ملك بني أمية
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَاهُ فِي مُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَوْهِيَارَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ [ (1) ] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّمَا هِيَ دُنْيَا أُعْطُوهَا، فَقَرَّتْ عَيْنُهُ. وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (2) ] يَعْنِي بَلَاءً لِلنَّاسِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ الصَّفَّارُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ. (ح) قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْعُمَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْإِمَامُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ أَبُو طَالِبٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مَازِنِ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ الله
عَنْهُمَا فَقَالَ: يَا مُسَوِّدَ وَجْهِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تُؤَنِّبْنِي- رَحِمَكَ اللهُ- فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى بَنِي أُمَيَّةَ يَخْطُبُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ رَجُلًا فَرَجُلًا فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَمْلِكُهُ بَنُو أُمَيَّةَ فَحَسْبُنَا ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ لَا يزيد، ولا ينقص [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ الْبَغْدَادِيُّ- بِهَا- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الزُّرَقِيُّ حَدَّثَنَا الزَّنْجِيُّ عَنِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ بَنِي الْحَكَمِ أَوْ بَنِي أَبِي الْعَاصِ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِي كَمَا تَنْزُو القردة» ، قال: فما رؤي النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيُّ- الشَّيْخُ الْفَاضِلُ- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عمرو ابن مُرَّةَ- وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: جَاءَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ كَلَامَهُ، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ فِيهِ أَوَ وَلَدَ حَيَّةً عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَعَلَى مَنْ يَخْرُجُ من صلبه إلا المؤمنون وَقَلِيلٌ مَا هُمْ يُشَرَّفُونَ فِي الدُّنْيَا وَيُوضَعُونَ فِي الآخرة، ذو ومكر وَخَدِيعَةٍ يُعَظَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا حِمْصِيٌّ.
باب ما جاء في الإخبار عن ملك بني العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْعَلَاءِ الْحَضْرَمِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ لَهُمْ مِثْلُ أَجْرِ أَوَّلِهِمْ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْفِتَنِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيِّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَأَنَا حَاضِرٌ فَأَجَازَهُ فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ هَلْ تَكُونُ لَكُمْ دَوْلَةٌ؟ قَالَ: أَعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي. قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَمَنْ أَنْصَارُكُمْ؟ قَالَ: أَهْلُ خُرَاسَانَ وَلِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ بَطَحَاتٌ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قال:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ- وَنَحْنُ نَقُولُ: اثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا ثُمَّ لَا أَمِيرَ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا ثُمَّ هِيَ السَّاعَةُ- فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا أَحْمَقَكُمْ!! إِنَّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَنْصُورَ وَالسَّفَّاحَ وَالْمَهْدِيُّ يَدْفَعُهَا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَذَاكَرُوا الْمَهْدِيَّ فَقَالَ يَكُونُ مِنَّا ثَلَاثَةٌ أَهْلَ الْبَيْتِ سَفَّاحٌ وَمَنْصُورٌ وَمَهْدِيٌّ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. يَرْوِيهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. قَالَ: مِنَّا السَّفَّاحُ، وَالْمَنْصُورُ، وَالْمَهْدِيُّ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَنِ يُقَالُ لَهُ السَّفَّاحُ يَكُونُ عَطَاؤُهُ حثيا» [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ الشِّبَامِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدِ ابن أَبَانَ الْجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ هَذِهِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ وَلَدُ خَلِيفَةٍ لَا تَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تُقْبِلُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ خُرَاسَانَ فَيَقْتُلُونَكُمْ مَقْتَلَةً لَمْ تَرَوْا مِثْلَهَا» ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا: «فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأْتُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ» . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَانَ ثُمَّ تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ قَوْمٌ ثُمَّ يَجِيءُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأْتُوهُ فَبَايِعُوهُ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الخسرو جرديّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. وَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَبَايِعُوهُمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ. تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرزاق عن الثوري.
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن غَالِبٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِذَا أَقْبَلُوا بِرَايَاتِ السُّودِ مِنْ عَقِبِ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا وَلَوْ حَبْوًا فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ الْمَهْدِيَّ» [ (7) ] . وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا، قَالَ:» إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتَ السُّودَ خَرَجَتْ مِنْ قِبَلَ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ الْمَهْدِيَّ. أَنْبَأَنِيهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ الْعَطَّارُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَخْرُجُ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ خُرَاسَانِ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تنصبّ بإيلياء» [ (8) ] .
تَفَرَّدَ بِهِ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ. وَيُرْوَى قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ- وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَدِّثٌ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى يَنْزِلُوا الشَّامَ وَيَقْتُلُ اللهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ كُلَّ جَبَّارٍ وَعَدُوٍّ لَهُمْ [ (9) ] . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ [ (10) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي الْبَسْتِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أحمد ابن الْمُظَفَّرُ الْبَكْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمَا فَتَحَ اللهُ فِي أَوَّلِينَا فَأَرْجُو أَنْ يَخْتِمَهُ بِنَا [ (11) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بن ديزيك، حدثنا إسماعيل ابن أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ دِينَارٍ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَامِرِيِّ عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فِيكُمُ النُّبُوَّةُ وَالْمَمْلَكَةُ [ (12) ] .
تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَامِرِيُّ عن سُهَيْلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ إِسْحَاقَ، وأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، مَوْلَى الْعَبَّاسِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «انْظُرْ هَلْ تَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ شَيْءٍ» ، قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: «مَا تَرَى» ، قُلْتُ: الثُّرَيَّا، فَقَالَ: «إِنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِعَدَدِهَا مِنْ صُلْبِكَ» [ (13) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ سَمِعَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ بَغْدَادِيٌّ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ الْعَبَّاسِ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن عَبْدَةَ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ ميمون ابن مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا مَعَهُ جِبْرِيلُ وَأَنَا أَظُنُّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَوَسِخُ الثِّيَابِ وَسَيَلْبَسُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَادَ فَقُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرَرْتُ وَكَانَ مَعَكَ دِحْيَةُ، قَالَ: فَذَكَرَهُ وَذَكَرَ قِصَّةَ ذَهَابِ بَصَرِهِ وَرَدِّهَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ [ (14) ] .
باب ما جاء في إخباره باثني عشر أميرا وبيان ذلك بالاستدلال بالإخبار ثم إخباره بجور بعض الولاة وظهور المنكرات فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا وَبَيَانِ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْإِخْبَارِ ثُمَّ إِخْبَارِهِ بِجَوْرِ بَعْضِ الْوُلَاةِ وَظُهُورِ الْمُنْكَرَاتِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا» فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ [ (1) ] . وَلَيْسَ فِي إِثْبَاتِهِ هَذَا الْعَدَدُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ أَرَادَ اثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ الْأُمَّةُ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ. وَذَلِكَ لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ الْأُمَّةُ» فَسَمِعْتُ كَلَامًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَفْهَمْهُ فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ، رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَا، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مستقيم أَمْرُهَا ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا- أَوْ عَلَى غَيْرِهَا- حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: يَكُونُ الْهَرْجُ [ (2) ] . فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَيَانُ الْعَدَدِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْعَدَدِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ بَيَانُ وُقُوعِ الْهَرْجِ وَهُوَ الْقَتْلُ بَعْدَهُمْ. وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْعَدَدُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى وَقْتِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ وَقَعَ الْهَرْجُ وَالْفِتْنَةُ الْعَظِيمَةُ كَمَا أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ مُلْكُ الْعَبَّاسِيَّةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَزِيدُونَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ، إِذَا تَرَكْتَ الصُّفَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ أَوْ عُدَّ مَعَهُمْ مَنْ كَانَ بَعْدَ الْهَرْجِ الْمَذْكُورِ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثنان» .
وَأَخْبَرَنَاهُ [ (3) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (4) ] . وَالْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الدِّينِ- وَاللهُ أَعْلَمُ- إِقَامَةُ مَعَالِمِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَعَاطَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَا يَحِلُّ. فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنَ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «سَيَكُونُ بَعْدِي خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ مَا يَعْلَمُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. وَسَيَكُونُ بَعْدَهُمْ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ بَرِئَ وَمَنْ أَمْسَكَ يَدَهُ سَلِمَ. وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ [اللهِ] [ (5) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «أَعَاذَكَ اللهُ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ» . قَالَ وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: «أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي وَلَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي» [ (6) ] . وَفِي رِوَايَةِ الدَّبَرِيِّ: «وَلَا يَهْدُونَ بِهِدَايَتِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَالصَّلَاةُ قُرْبَانٌ أَوْ قَالَ: بُرْهَانٌ» . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّهْمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّانُ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهَا سَتَكُونُ أُثْرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» ، قَالُوا: فَمَا يَصْنَعُ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَسَلُوا اللهَ الَّذِي لَكُمْ» .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ [ (7) ] . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ يَعْمَلُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، ثُمَّ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي الْأُمَرَاءِ، فَمَنْ عَدَلَ مِنْهُمْ وَعَمِلَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْجَلْدِ- وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْكُتُبِ- مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ أَبِي بَحْرٍ. قَالَ: كَانَ أَبُو الْجَلْدِ جَارًا لِي، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ- يَحْلِفُ عَلَيْهِ-: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَنْ تُهْلَكَ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ يَعْمَلُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يَعِيشُ فِي أَرْبَعِينَ وَالْآخَرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. قُلْتُ: وَمَعْقُولٌ لِكُلِّ مَنْ خُوطِبَ بِمَا رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً- وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا، أَنَّهُ أَرَادَ خُلَفَاءَ أَوْ أُمَرَاءَ تَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةٌ وَعُدَّةٌ وَقُوَّةٌ وَسُلْطَةٌ، وَالنَّاسُ يُطِيعُونَهُمْ وَيَجْرِي حُكْمُهُمْ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا أُنَاسٌ لَمْ تَقُمْ لَهُمْ رَايَةٌ وَلَمْ تَجُزْ لَهُمْ عَلَى النَّاسِ وِلَايَةٌ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْإِمَارَةَ بِمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ حَقِّ الْقَرَابَةِ وَالْكِفَايَةِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُمُ الْخَبَرُ، إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ بِخِلَافِ الخبر- والله أعلم.
باب ما جاء في إخباره باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِاتِّسَاعِ الدُّنْيَا عَلَى أُمَّتِهِ حَتَّى يَلْبَسُوا أَمْثَالَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيُغْدَا وَيُرَاحُ عَلَيْهِمْ بِالْجِفَانِ وَيَتَنَافَسُوا فِيهَا حَتَّى يَضْرِبَ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ حدثنا داود ابن أَبِي هِنْدَ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدئلي، عَنْ طَلْحَةَ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ الصُّفَّةَ فَقَدِمْتُهَا وَلَيْسَ لِي بِهَا عَرِيفٌ فَنَزَلْتُ الصُّفَّةَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَافِقُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا مُدًّا مِنْ تَمْرٍ فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ في صلاته إذا نَادَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ وَتَخَرَّقَتْ عَنَّا الْخُنُفُ قَالَ: وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَصَاحِبِي مَكَثْنَا بِضْعَ عشرة ليلة مالنا طَعَامٌ غَيْرُ الْبَرِيرِ- وَالْبَرِيرُ تَمْرُ الْأَرَاكِ- حَتَّى أَتَيْنَا إِخْوَانَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ فَآسَوْنَا مِنْ طَعَامِهِمْ وَكَانَ جُلُّ طَعَامِهِمُ التَّمْرَ- وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ قَدَرْتُ لَكُمْ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ- أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ يَلْبَسُونَ مِثْلَ أَسْتَارِ الكعبة ويغدا وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ بِالْجِفَانِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ أَوِ الْيَوْمَ قَالَ بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَانٌ وَأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى يُحَنَّسَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إذا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ [ (2) ] وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ (3) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحسن المقري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ - والله تعالى أعلم بالصواب.
باب ما جاء في إخباره بما دعا لأمته وبما أجيب فيه وبما لم يجب وبما كان يخاف عليهم منه وبأن السيف إذا وضع فيهم لم يرفع عنهم وبما وقع من الردة والكذابين وبطائفة من أمته لا يزالون على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله وصدقه في جميع ما أخبر به صلى ال
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا دَعَا لِأُمَّتِهِ وَبِمَا أُجِيبَ فِيهِ وَبِمَا لَمْ يُجَبْ وَبِمَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَبِأَنَّ السَّيْفَ إِذَا وُضِعَ فِيهِمْ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ وَبِمَا وَقَعَ مِنَ الرِّدَّةِ وَالْكَذَّابِينَ وَبِطَائِفَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَصِدْقِهِ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بن علي ابن دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَنَاجَى رَبَّهُ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- ثَلَاثَةً: سَأَلْتُهُ أَلَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ [ (1) ] . وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ: لَا يُهْلِكُ جَمَاعَتَهُمْ بِالْغَرَقِ كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ وَلَا يُهْلِكُ جَمَاعَتَهُمْ بِالسَّنَةِ كَمَا أَهْلَكَ بَعْضَ الْأُمَمِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْبَلَايَا. أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ المدكر حدثنا أبو
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ إِمْلَاءً حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالِ الْأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَى [ (2) ] لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ [ (3) ] وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّتِي أَلَّا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ [ (4) ] وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا أَوْ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي. قَالَ: وَقَالَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، وَقُتَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَنَا أَسْمَعُ- قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: إِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ مَا يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَلَمْ يرد عليه. قلنا يا فلان! مَا شَأْنُكَ سَأَلْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْكَ، فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ قَالَ: فَمَسَحَ الرُّحَضَاءَ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ كَأَنَّهُ حَمِدَهُ- وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّهُ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ [ (6) ] أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتُهَا اسْتَقْبَلَتْ مَطْلَعَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالِ حُلْوٌ خَضِرٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمَالِ مَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ- أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي يَأْخُذُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللهِ وَمَالِ رَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدوري حدثنا يونس
ابن مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ وَثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ وَحَبِيبٍ عَنْ خطان بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ، قَالُوا أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا أَلْفًا قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَالُوا وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ عُقُولُنَا قَالَ: إِنَّهُ يُنْتَزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ [ (8) ] . قَالَ أَبُو مُوسَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ إِنْ أَدْرَكْنَاهَا. وَقَالَ يُونُسُ: إِنْ أَدْرَكَتْنَا إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَاهَا لَمْ نُصِبْ فِيهَا دَمًا وَلَا مَالًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ كُرْزَ بْنَ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيَّ قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَعْرَابِ نَجْدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتَهًى؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ السلام. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ ثُمَّ مَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ تَقَعُ الفتن كأنها الظّل. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: كَلَّا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ تَعُودُونَ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ [ (9) ] .
باب ما جاء في إخباره بكون المعادن وأنه يكون فيها من شرار خلق الله عز وجل فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِكَوْنِ الْمَعَادِنِ وَأَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا مِنْ شِرَارِ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ إِمْلَاءً حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسامة عَبْدُ اللهِ بْنُ أُسَامَةَ الْكَلْبِيُّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُعَيْرُ بْنُ الْخِمْسِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِطْعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَتْ أَوَّلَ صَدَقَةٍ جَاءَتْ بِهِ بَنُو سُلَيْمٍ مِنْ مَعْدَنٍ لَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ مِنْ مَعْدَنٍ لَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَكُونُ مَعَادِنُ وَيَكُونُ فِيهَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ [ (1) ] . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ أَمَا إِنَّهُ سَتَكُونُ مَعَادِنُ يَكُونُ فِيهَا شِرَارُ الْخَلْقِ أَوْ مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ كَذَا. رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ ذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عن
رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ فِضَّةٍ مِنْ مَعْدِنٍ لَنَا فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ سَتَظْهَرُ مَعَادِنُ وَسَيَحْضَرُهَا شِرَارُ النَّاسِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِضَّةٍ فَقَالَ هَذَا مِنْ مَعْدَنٍ لَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ مَعَادِنُ يَحْضُرُهَا شِرَارُ النَّاسِ [ (2) ] . هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
باب ما جاء في إخباره بقوم في أيديهم مثل أذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِقَوْمٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ونساء كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَغْدُونَ فِي غَضِبِ اللهِ، وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ونساء كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ [ (2) ] الْمَائِلَةِ لَا يدخلن الجنة ولا
يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ جرير [ (3) ] .
باب إخباره بتداعي الأمم على من شاء الله من أمته إذا ضعفت نيتهم
بَابُ إِخْبَارِهِ بِتَدَاعِي الْأُمَمِ عَلَى مَنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِذَا ضَعُفَتْ نَيِّتُهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كثير ولكنكم غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وكراهية الموت [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره بزمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور وبزمان لا يبالي المرء بما أخذ المال بحلال أو بحرام فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِزَمَانٍ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهِ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ وَبِزَمَانٍ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، قَالَ: نَزَلْتُ الْجَدِيلَةَ جَدِيلَةَ قَيْسٍ فَسَمِعْتُ شَيْخًا أَعْمَى يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهِ بَيْنَ الْعَجْزِ أَوِ الْفُجُورِ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ مِنْكُمْ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الشاذياخي، فِي آخَرِينَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي المرأة بِمَا أَخَذَ الْمَالَ بِحَلَالٍ أَمْ بِحَرَامٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ [ (2) ] .
باب ما جاء في إخباره بحال أمته بعده في تمنيهم رؤيته فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِحَالِ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ فِي تَمَنِّيهِمْ رُؤْيَتَهُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ- رَحِمَهُ اللهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ! لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَا يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ (1) ] .
باب ما جاء في إخباره بقوم لم يروه فيؤمنون به فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِقَوْمٍ لَمْ يَرَوْهُ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ قَدْ مَضَى الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [ (1) ] فِي بَابِ الْفُتُوحِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الفقيه، حدثنا صالح ابن مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ قَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَتَى أَلْقَى إِخْوَانِي؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي لَمْ يَرَوْنِي يُؤْمِنُونَ بِي وَيُصَدِّقُونَنِي ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِيمَانًا؟ قَالُوا مَلَائِكَةُ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ قَالَ: وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ يُوحَى إِلَيْهِمْ؟ قَالُوا: فَأَصْحَابُ النَّبِيِّينَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَأَنْبِيَاءُ اللهِ فِيهِمْ؟! وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي لَمْ يُدْرِكُونِي يُؤْتَوْنَ بِكِتَابٍ مِنْ رَبِّهِمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُصَدِّقُونَهُ. هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ، قَالَ وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ قَالَ وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟ قَالُوا: فَنَحْنُ قَالَ: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ أَعْجَبَ الْخَلْقِ إِلَيَّ إِيمَانًا لَقَوْمٌ يَكُونُونَ بَعْدَكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كِتَابٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَوْصُولًا.
باب ما جاء في إخباره بسماع أصحابه حديثه ثم بسماع من تبعهم ما سمعوه ثم بسماع من تبع التابعين ما سمعوه وان بعض من يبلغه حديثه قد يكون أوعى له من بعض من سمعه. وإخباره بمن يأتيهم من الآفاق يتفقهون ووجود جميع ما أخبر به كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِسَمَاعِ أَصْحَابِهِ حَدِيثَهُ ثُمَّ بِسَمَاعِ مَنْ تَبِعَهُمْ مَا سَمِعُوهُ ثُمَّ بِسَمَاعِ مَنْ تَبِعَ التَّابِعِينَ مَا سَمِعُوهُ وَأَنَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ حَدِيثُهُ قَدْ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. وَإِخْبَارِهِ بِمَنْ يَأْتِيهُمْ مِنَ الْآفَاقِ يَتَفَقَّهُونَ وَوُجُودِ جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكَرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي خُطْبَتِهِ. قَالَ فِي آخِرِهِ أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضُ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ.
فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَالَ: نَضَّرَ اللهُ رَجُلًا سَمِعَ مِنَّا كَلِمَةً فَبَلَّغَهَا كَمَا سَمِعَ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ [ (3) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ قَوْمٌ مِنَ الْآفَاقِ يَتَفَقَّهُونَ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يوصينا بكم.
باب ما جاء في إخباره بظهور الاختلاف في أمته وإشارته عليهم بملازمة سنته وسنة الخلفاء الراشدين من أمته
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِظُهُورِ الِاخْتِلَافِ فِي أُمَّتِهِ وَإِشَارَتِهِ عَلَيْهِمْ بِمُلَازَمَةِ سُنَّتِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ أُمَّتِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي وَأَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُزَاحِمٍ الصَّفَّارُ الْأَدِيبُ. - لَفْظًا- قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَظَهُمْ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. تَابَعَهُ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ لُحَيٍّ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَامَ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً- يَعْنِي الْأَهْوَاءَ- كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَرَازِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَعْنِي الْأَهْوَاءَ وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَعْدَهُ.
باب ما جاء في إخباره بذهاب العلم وظهور الجهل فذهب ذلك في زماننا هذا من اكثر البلدان واستولى على أهليها الجهل وظهر سائر ما روى في ذلك الخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِذَهَابِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ فَذَهَبَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ وَاسْتَوْلَى عَلَى أَهْلِيهَا الْجَهْلُ وَظَهَرَ سَائِرُ مَا رَوَى فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم-: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ [ (1) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مِنْ أَبِي أُسَامَةَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [ (2) ] .
باب ما جاء في إخباره عن رجال سترتفع بهم المسألة حتى يقولوا هذا الله خلق كل شيء فمن خلقه؟
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ رِجَالٍ سَتَرْتَفِعُ بِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَهُ؟ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الحسين القلوي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللهُ أَكْبَرُ سَأَلَ عَنْ هَذَا اثْنَانِ وَهَذَا الثَّالِثُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ رِجَالًا سَتَرْتَفِعُ بِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُولُوا: اللهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ القلوي أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ [ (1) ] ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَزَادَ فِيهِ رَجُلًا آخَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: فَقُولُوا: اللهُ كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكَانَ بعد كل شيء.
باب ما جاء في إخباره باتباع من كان في قلبه زيغ متشابهات الكتاب فلا تكاد ترى مبتدعا إلا قد ترك المحكمات وأقبل على المتشابهات يسأل عن تأويلها ويفتتن ويفتن من تبعه نسأل الله التوفيق لاستعمال السنة، ونعوذ به من متابعة اهل الزيغ والبدعة
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِاتِّبَاعِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ مُتَشَابِهَاتِ الْكِتَابِ فَلَا تَكَادُ تَرَى مُبْتَدِعًا إِلَّا قَدْ تَرَكَ الْمُحْكَمَاتِ وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُتَشَابِهَاتِ يَسْأَلُ عَنْ تَأْوِيلِهَا وَيَفْتَتِنُ وَيَفْتِنُ مَنْ تَبِعَهُ نَسْأَلُ اللهَ التَّوْفِيقَ لِاسْتِعْمَالِ السُّنَّةِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ مُتَابَعَةِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْبِدْعَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [ (1) ] قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ. وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّئِلِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا القعبني، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن القعبني [ (2) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ خَنْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ منه آيات محكمات إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ.. قَالَ أَيُّوبُ وَلَا أَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يُجَادِلُ بِالْمُتَشَابِهِ.
باب [1] ما جاء في إخباره بظهور الروافض والقدرية إن صح الحديث فيه فظهروا
بَابُ [ (1) ] مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِظُهُورِ الرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثَ فِيهِ فَظَهَرُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَهْلٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي كَثِيرٌ النَّوَّاءُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ: الرافضة برءاء مِنَ الْإِسْلَامِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو شُعَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ يَرْفُضُونَ الْإِسْلَامَ [ (2) ] .
تَفَرَّدَ بِهِ النَّوَّاءُ وَكَانَ مِنَ الشِّيعَةِ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ يَرْفُضُونَ الْإِسْلَامَ وَيَلْفِظُونَهُ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ. وَرُوِيَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المقري حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بالقدر [ (3) ] .
باب ما جاء في إخباره بشبعان على أريكته يحتال في رد سنته بالحوالة على ما في القرآن من الحلال والحرام دون السنة فكان كما أخبر وبه ابتدع من ابتدع وظهر الضرر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بَشَبْعَانَ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَحْتَالُ فِي رَدِّ سُنَّتِهِ بِالْحَوَالَةِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ دُونَ السُّنَّةِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ وَبِهِ ابْتَدَعَ مَنِ ابْتَدَعَ وَظَهَرَ الضَّرَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلَّ لَكُمُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابُ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- اتَّبَعْنَاهُ [ (2) ] .
باب ما جاء في إخباره عما يكون في آخر أمته من الكذابين والشياطين الذين يكذبون في الحديث فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ عَمَّا يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِهِ مِنَ الْكَذَّابِينَ وَالشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَكْذِبُونَ فِي الْحَدِيثِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرٍ عن المقري [ (1) ] . وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ ابن مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يزيد المقري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ النَّصْرِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَطُوفَ إِبْلِيسُ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَقُولُ: حَدَّثَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ رَأَى قَاصًّا يَقُصُّ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ: فَطَلَبْتُهُ فَإِذَا هُوَ شَيْطَانُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ السَّرَّاجُ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الْفَزَارِيُّ يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ شَيْخٍ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ أَكْتُبُ عَنْهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ الشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ رَجُلٌ: حَدَّثَنِي الشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ فَقَالَ عَنِ الْحَارِثِ فَقَالَ قَدْ وَاللهِ رَأَيْتُ الْحَارِثَ وَسَمِعْتُ مِنْهُ قَالَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَدْ وَاللهِ رَأَيْتُ عَلِيًّا وَشَهِدْتُ مَعَهُ صِفِّينَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قَرَأْتُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَلَمَّا قُلْتُ وَلَا يؤوده حِفْظُهُمَا الْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا.
باب ما جاء في إخباره بما يظهر في أمته بعد خيار القرون من تغير الناس فكان كما أخبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا يَظْهَرُ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ خِيَارِ الْقُرُونِ مِنْ تَغَيُّرِ النَّاسِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بشر ابن الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُجْرَةَ، دَخَلَ عَلَيَّ زَهْدَمٌ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ بَعْدَهُمْ يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ [ (1) ] . وَالْأَخْبَارُ فِي إِخْبَارِهِ بِالْكَوَائِنِ بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ وَظُهُورُ أَكْثَرِهَا حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَيَظْهَرُ بَاقِيهَا كَثِيرَةٌ، وَالْمَقْصُودُ بِالْكِتَابِ قَدْ حَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السّلام.
تم السفر السادس من دلائل النبوة ويليه السفر السابع وهو الأخير وأوله: «جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على عَهْدِهِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» . وآخر دعوانا ان الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الجزء السابع السفر السابع من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة* جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على عهده. * جُمَّاعُ أَبْوَابِ كَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَظُهُورِ آثَارِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ رَأَى جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- من أصحابه. جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ووفاته.
المجلد السابع
جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على عَهْدِهِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَغَيْرِهَا- وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. (ح) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا من النبوة» [ (1) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٌ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [ (2) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ [ (4) ] .
باب رؤية [1] عبد الله بن عمر في منامه ما يدل على ذلك
بَابُ رُؤْيَةِ [ (1) ] عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي مَنَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ
الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا يَقُصُّونَهَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ فِيهَا مَا شَاءَ اللهُ وَأَنَا غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ، أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلَاءِ، فَقُلْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ أَتَانِي مَلَكَانِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ [ (2) ] مِنْ حَدِيدٍ يَغْتَالَانِي إِلَى جَهَنَّمَ فَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أَرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنَ نزاع نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ. لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلَاةَ، فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى جَهَنَّمَ [ (3) ] وَهِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ لَهَا قُرُونٌ كَقُرُونِ الْبِئْرِ عَلَى كُلِّ قَرْنٍ مَلَكٌ مَعَهُ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا فِيهَا رجال معلّقون بالسلاسل رؤوسهم أَسْفَلَهُمْ، فَعَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي ذَاتَ الْيَمِينِ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَرَى عَبْدَ اللهِ رَجُلًا صَالِحًا» . قَالَ نَافِعٌ [ (4) ] : فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ، عَنْ عفان [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. (ح) قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ ابن يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِهِ قِطْعَةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَلَا يُرِيدُ مِنَ الْجَنَّةِ مَكَانًا إِلَّا طَارَتْ بِهِ إِلَيْهِ وَرَأَى أَنَّهُ ذُهِبَ بِهِ إِلَى النَّارِ فَأَسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّهُ نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَقَصَّتْ حَفْصَةُ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ» . قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُطِيلُ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي النعمان، عن حماد [ (6) ] .
باب رؤية طلحة بن عبيد الله التيمي - رضي الله عنه - في منامه ما يدل على ذلك
بَابُ رُؤْيَةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي مَنَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَحَيْوَةَ بْنِ شريح، عن يزيد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِسْلَامُهُمَا مَعًا [ (1) ] وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ. فَقَالَ طَلْحَةُ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ- يَعْنِي فِي النَّوْمِ- إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي مَاتَ الآخر منهما، ثم رج فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ. فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ، فَحَدَّثَ النَّاسَ فَعَجِبُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ» ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الَّذِي كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ
اجْتِهَادًا فَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَدَخَلَ الْآخَرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟ قَالُوا: بَلَى! وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟ قَالُوا. بَلَى! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وَقِيلَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رُؤْيَا طَلْحَةَ مَوْصُولًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مرسل حسن [ (2) ] .
باب رؤية عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري [1]- رضي الله عنه - في منامه ما يدل على ذلك
بَابُ رُؤْيَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ [ (1) ]- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي مَنَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم ابن الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَبْدُ الله ابن زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ- يَعْنِي بَيْنَنَا رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ-، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ! أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى! قَالَ، فَقَالَ: تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ. قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- وَهُوَ فِي بَيْتِهِ- فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أَرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» [ (2) ] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، فِي الْإِقَامَةِ. وَرَوَاهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ- أَوِ الْمُؤْمِنِينَ- وَاحِدَةً حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَقَّسُوا أَوْ كَادُوا يُنَقِّسُوا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَمَّا رَجَعْتُ- لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ- رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ لَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ يَقِظًا غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَاكَ اللهُ خَيْرًا فَمُرْ بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنِّي لما سبقت استحييت.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَذَكَرَهُ.
باب رؤيا أبي سعيد الخدري أو غيره في المنام ما يدل على ذلك
بَابُ رُؤْيَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْمَنَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ علي بن محمد المقري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أَقْرَأُ سُورَةَ (ص) ، فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى السَّجْدَةِ سَجَدَ كُلُّ شَيْءٍ رَأَيْتُ: الدَّوَاةُ وَالْقَلَمُ وَاللَّوْحُ فَعَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَمَرَ بِالسُّجُودِ فِيهَا [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن حمشاد بْنِ سَخْتَوَيْهِ الْعَدْلُ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ جُرَيْجٍ: يَا حَسَنُ! حَدَّثَنِي جَدُّكَ عُبَيْدُ اللهِ بن أبي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنِّي أَصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ فَقَرَأْتُ (ص) فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى السَّجْدَةِ سَجَدْتُ فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللهُمَّ اكْتُبْ
لِي بِهَا عِنْدَكَ ذِكْرًا وَاجْعَلْ لِي بِهَا عِنْدَكَ زُخْرًا وَأَعْظِمْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، قَالَ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَرَأَ (ص) فَلَمَّا أَتَى عَلَى السَّجْدَةِ سَجَدَ قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ.
باب رؤية الطفيل بن سخبرة [1] في منامه. ما يدل على ذلك
بَابُ رُؤْيَةِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ [ (1) ] فِي مَنَامِهِ. مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي المقري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ طُفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا، قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أَتَيتُ عَلَى رَهْطٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ الْيَهُودُ فَقُلْتُ: إِنَّكُمْ لَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عُزَيرٌ ابْنُ اللهِ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى رَهْطٍ مِنَ النَّصَارَى فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ النَّصَارَى، فَقُلْتُ: إِنَّكُمْ لَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنْ تَقُولُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِهِ نَاسًا ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَذَا أَحَدًا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ! فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خَطِيبًا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ طُفَيْلًا رَأَى رُؤْيَا فَأَخَبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ وَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: كَلِمَةً وَكَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنْكُمْ عَنْهَا فَلَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ محمد [ (2) ] .
باب رؤية الأنصاري في المنام وما يدل [1] على ذلك
بَابُ رُؤْيَةِ الْأَنْصَارِيِّ فِي الْمَنَامِ ومَا يَدُلُّ [ (1) ] عَلَى ذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الحسن ابن مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْنَا [ (2) ] أَنْ نُسَبِّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، قَالَ: فَأُتِيَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي نَوْمِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسَبِّحُوا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَاجْعَلُوهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَافْعَلُوا [ (3) ] .
باب رؤية من رأى أبا أمامة [1] تصلي عليه الملائكة كلما دخل وكلما خرج لإكثاره من ذكر الله - عز وجل -
بَابُ رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى أَبَا أُمَامَةَ [ (1) ] تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ كُلَّمَا دَخَلَ وَكُلَّمَا خَرَجَ لِإِكْثَارِهِ مِنْ ذَكَرَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ! إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْكَ كُلَّمَا دَخَلْتَ وَكُلَّمَا خَرَجْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ وَكُلَّمَا جَلَسْتَ. قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: اللهُمَّ غَفْرًا. دَعُونَا عَنْكُمْ، وَأَنْتُمْ لَوْ شِئْتُمْ صَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ قَرَأَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [ (2) ] .
باب رؤية المرأة الصالحة في منامها ما يدل على ذلك وما ظهر من صدقها في رؤياها
بَابُ رُؤْيَةِ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ فِي مَنَامِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَمَا ظَهَرَ مِنْ صِدْقِهَا فِي رُؤْيَاهَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ خرّزاد الْأَنْطَاكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ. (ح) وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى- يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ-، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ، فَإِذَا رَأَى الرَّجُلَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ خَيْرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْهِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُتِيتُ وَأَنَا فِي أَهْلِي فَانْطُلِقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ وَجْبَةً ارْتَزَّتْ لَهَا الْجَنَّةُ، فَإِذَا أَنَا بِفُلَانِ ابن فُلَانٍ، وَفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، حَتَّى عَدَّتِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا قَدْ جِيءَ بِهِمْ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُمْ، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ طُلْسٌ، فَقِيلَ لَهُمُ: اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى نَهْرِ كَذَا. قَالَ: وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فَخَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ النَّهَرِ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَأُتُوا بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ فَقَعَدُوا عَلَيْهَا ثُمَّ أُتُوا بِصَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا بُسْرَةٌ فَأَكَلُوا مِنْ بُسْرِهَا مَا شَاءُوا. قال: وما أعلمه إِلَّا قَالَتْ: فَلَا يَقْلِبُوهَا مِنْ شِقٍّ إِلَّا أَكَلُوا مِنْ فَاكِهَةٍ مَا أَرَادُوا وَأَكَلْتُ مَعَهُمْ فَجَاءَ الْبَشِيرُ مِنْ تِلْكَ السَّرِيَّةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَانَ مِنْ أَمْرِنَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنْ أَمْرِنَا كَذَا،
وَاسْتُشْهِدَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، حَتَّى عَدَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّرِيَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيَّ بِالْمَرْأَةِ، فَجَاءَتْ فَقَالَ: قُصِّي رُؤْيَاكِ عَلَى هَذَا فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ: إِنَّهُ لَكَمَا قَالَتْ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عُبَيْدٍ الصفار [ (1) ] .
باب رؤية عبد الله بن سلام [رضي الله عنه] [1] في منامه ما عبر بالثبات على الإسلام حتى يموت فكان كذلك
بَابُ رُؤْيَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] فِي مَنَامِهِ مَا عُبِرَ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَمُوتَ فَكَانَ كَذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ جَالِسًا، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ خُشُوعٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ: رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ فَذَكَرَ مِنْ خُضْرَتِهَا وَسَعَتِهَا مَا شَاءَ اللهُ، فِي وَسَطِهَا عَمُودُ حَدِيدٍ فِي أَعْلَاهُ؟ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهُ فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَرْقَ فَجَمَعْتُ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فَرَقَيْتُ حَتَّى صِرْتُ فِي أَعْلَاهَا، فَأَخَذْتُ الْعُرْوَةَ فَقِيلَ لِي: اسْتَمْسِكْ. فَاسْتَيْقَظْتُ فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَمَّا الرَّوْضَةُ فَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تموت» [ (2) ] .
وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مسعود. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ محمد، عن أزهر [ (3) ] .
باب ما جاء في رؤيا المرأة التي حلفت على دخول الجنة عند عائشة - رضي الله عنها -
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا الْمَرْأَةِ الَّتِي حَلَفَتْ عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ عِنْدَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْمِهْرَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ وَمَعَهَا نِسْوَةٌ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: وَاللهِ لَأَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ، وَمَا زَنَيْتُ، وَمَا سَرَقْتُ. فَأُتِيَتْ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهَا: أَنْتِ الْمُتَأَلِّيَةُ لَتَدْخُلِنَّ الْجَنَّةَ، كَيْفَ وَأَنْتِ تَبْخَلِينَ بِمَا لَا يُغْنِيكِ وَتَتَكَلَّمِينَ فِيمَا لَا يَعْنِيكِ؟ فَلَمَّا أَصْبَحَتِ الْمَرْأَةُ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا بِمَا رَأَتْ وَقَالَتِ: اجْمَعِي النِّسْوَةَ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدَكِ حِينَ قُلْتِ مَا قُلْتِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ عَائِشَةُ فَجِئْنَ فَحَدَّثَتْهُنَّ الْمَرْأَةُ بِمَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ.
باب ما جاء في رؤيا رجال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان وفي رواية في العشر الأواخر منه
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا رِجَالٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَفَى رِوَايَةٍ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أُرِيَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي الْمَنَامِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَسْمَعُ رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ [ (1) ] عَلَى أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا [ (2) ] فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، حدثنا سعدان بن
نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عن أبيه، يبلغ بْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَى رَجُلٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى هَذَا فَاطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي، فَقَالَ: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي وَالسَّبْعِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» [ (4) ] . أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. فذكره.
باب ما جاء في رؤيا عبد الله بن عباس في منامه في ليلة القدر
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي مَنَامِهِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنِ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيتُ وَأَنَا نَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَقِيلَ لِي: إِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، فَقُمْتُ وَأَنَا نَاعِسٌ فَتَعَلَّقْتُ بِبَعْضِ أَطْنَابِ فُسْطَاطِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَنَظَرْتُ فِي اللَّيْلَةِ فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَطْلُعُ مَعَ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ [ (1) ] .
وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ فَأَيَّةُ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ نَزَلَتْ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ فَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي فَضِيلَتِهَا- وَاللهُ أَعْلَمُ. سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ- رَحِمَهُ اللهُ. يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيَّ- بِمَكَّةَ- يَقُولُ: كُنْتُ لَيْلَةً مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدٍ بِمِصْرَ، وَبَيْنَ يَدَيَّ أَبُو عَلِيٍّ الْكَعْكِيُّ فَأَشْرَفْتُ عَلَى النَّوْمِ فَرَأَيْتُ كَأَنَّ السَّمَاءَ فُتِحَتْ أَبْوَابًا وَالْمَلَائِكَةَ يَنْزِلُونَ بِالتَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ فَانْتَبَهْتُ وَكُنْتُ أَقُولُ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ السَّابِعِ والعشرين.
باب ما روي في رؤيا ابن زمل [1] الجهني وفي إسناده ضعف
بَابُ مَا رُوِيَ فِي رُؤْيَا ابْنِ زَمْلٍ [ (1) ] الْجُهَنِيِّ وَفَى إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْمُسْتَفَاضِ الْفِرْيَابِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَهْبٍ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسَرِّحٍ الْجِرَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْقُرَشِيُّ الْحَرَّانِيُّ [ (2) ] ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الله
الْجُهَنِيِّ [ (3) ] ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنِ ابْنِ زَمْلٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إذا صَلَّى الصُّبْحَ، قَالَ- وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ-: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا، سَبْعِينَ مَرَّةً، ثُمَّ يَقُولُ: سَبْعِينَ بِسَبْعِمِائَةٍ، «لَا خَيْرَ لِمَنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ» ، ثُمَّ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَكَانَ تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا، ثُمَّ يَقُولُ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا» ؟ قَالَ ابْنُ زَمْلٍ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ! قَالَ: «خَيْرٌ تُلَقَّاهُ وَشَرٌّ تُوَقَّاهُ، وَخَيْرٌ لَنَا وَشَرٌّ عَلَى أَعْدَائِنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اقْصُصْ رُؤْيَاكَ» . فَقُلْتُ: رَأَيْتُ جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى طَرِيقٍ رَحْبٍ سَهْلٍ لَاحِبٍ وَالنَّاسُ على الجادّة منطلقين فبيناهم كَذَلِكَ إِذْ أَشْفَى ذَلِكَ الطَّرِيقُ عَلَى مَرْجٍ لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُ يَرِفُّ رَفِيفًا يَقْطُرُ مَاؤُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَإِ. قَالَ: فَكَأَنِّي بِالرَّعْلَةِ الْأُولَى حِينَ أَشْفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا ثُمَّ أَكَبُّوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَظْلِمُوهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. قَالَ: «فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُنْطَلِقِينَ، ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ أَضْعَافًا فَلَمَّا أَشْفَوْا عَلَى الْمَرْجِ [كَبَّرُوا ثُمَّ أَكَبُّوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ] [ (4) ] مِنْهُمُ الْمُرْتِعُ وَمِنْهُمُ الْآخِذُ الضِّغْثَ [ (5) ] وَمَضَوْا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ عُظْمُ النَّاسِ فَلَمَّا أَشْفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا وَقَالُوا: هَذَا خَيْرُ الْمَنْزِلِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَمِيلُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ لَزِمْتُ الطَّرِيقَ حَتَّى أُتِيَ أَقْصَى الْمَرْجِ فَإِذَا أَنَا بِكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى مِنْبَرٍ فِيهِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ وَأَنْتَ فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَإِذْ عَنْ يَمِينِكَ رَجُلٌ آدم شعث [ (6) ] أَقْنَى، إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ يَسْمُو فَيَفْرَعُ [ (7) ] الرِّجَالَ طُولًا وَإِذَا عَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ
رَبْعَةٌ تَارٌّ أَحْمَرُ كَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ أَصْغَيتُمْ لَهُ إِكْرَامًا لَهُ وَإِذَا أَمَامَكُمْ رَجُلٌ شَيْخٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِكَ خَلْقًا وَوَجْهًا كُلُّكُمْ تَؤُمُّونَهُ تُرِيدُونَهُ وَإِذَا أَمَامَ ذَلِكَ نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ وَإِذَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّكَ تَبْعَثُهَا. قَالَ: فَانْتَقَعَ لَوْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا مَا رَأَيْتَ مِنَ الطَّرِيقِ السَّهْلِ الرَّحْبِ اللَّاحِبِ فَذَاكَ مَا حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى، وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْجُ الَّذِي رَأَيْتَ فَالدُّنْيَا وَغَضَارَةُ عَيْشِهَا مَضَيْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي لَمْ نَتَعَلَّقْ مِنْهَا، وَلَمْ تَتَعَلَّقْ مِنَّا، وَلَمْ نُرِدْهَا، وَلَمْ تُرِدْنَا ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ بَعْدِنَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَّا أَضْعَافًا فَمِنْهُمُ الْمُرْتِعُ وَمِنْهُمُ الْآخِذُ الضِّغْثَ وَلَجُّوا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ عُظْمُ النَّاسِ فَمَالُوا فِي الْمَرْجِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَمَضَيْتَ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ فلن تزل عَلَيْهَا حَتَّى تَلْقَانِي وَأَمَّا الْمِنْبَرُ الَّذِي فِيهِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ وَأَنَا فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً فَالدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ أَنَا فِي آخِرِهَا أَلْفًا وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي الْآدَمُ الشَّثْلُ فَذَلِكَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذَا تَكَلَّمَ يَعْلُو الرِّجَالَ بِفَضْلِ كَلَامِ اللهِ إِيَّاهُ وَالَّذِي رَأَيْتَ مِنَ التَّارِّ الرَّبْعَةِ الْكَثِيرِ خِيلَانِ الْوَجْهِ كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ فَذَاكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نُكْرِمُهُ لِإِكْرَامِ اللهِ إِيَّاهُ. وَأَمَا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَوَجْهًا فَذَلِكَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ كُلُّنَا نَؤُمُّهُ وَنَقْتَدِي بِهِ وَأَمَّا النَّاقَةُ الَّتِي رَأَيْتَ وَرَأَيْتَنِي أَبْعَثُهَا فَهِيَ السَّاعَةُ عَلَيْنَا تَقُومُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِي» ، قَالَ: فَمَا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عن رُؤْيَا بَعْدَ هَذَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثَهُ بها متبرعا [ (8) ] .
باب ما جاء في الرجل الذي رأى في منامه الناس قد جمعوا للحساب وما في ذلك من شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي رَأَى فِي مَنَامِهِ النَّاسَ قَدْ جُمِعُوا لِلْحِسَابِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَرَفِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ التّرسيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبِ الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا فِي مَنَامِهِ. قَالَ الرَّجُلُ: رَأَيْتُ النَّاسَ جُمِعُوا لِلْحِسَابِ ثُمَّ دُعِيَتِ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ مَنْ آمَنَ مِنْ أُمَّتِهِ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ نُورَانِ يَمْشِي بِهِمَا، وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ نُورٌ وَاحِدٌ يَمْشِي بِهِ حَتَّى دُعِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذْ لِكُلِّ شَعْرٍ مِنْ رَأْسِهِ ووجه نُورٌ عَلَى حِدَةٍ يَتَبَيَّنُهُ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ مُؤْمِنٍ نُورَانِ كَنُورِ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَنْشَدَهُ كَعْبٌ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَرَأَيْتَهَا فِي مَنَامِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ! وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهَا. فَقَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ إِنَّ هَذِهِ لِصِفَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ لَكَأَنَّمَا قَرَأَهَا مِنَ التَّوْرَاةِ.
باب ما جاء في الرجل الذي سمع صاحب القبر الذي اتكأ عليه ما يكون ترغيبا في طاعة الله - عز وجل -
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَ صَاحِبَ الْقَبْرِ الَّذِي اتَّكَأَ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ تَرْغِيبًا فِي طَاعَةِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أخبرنا سليمان ابن أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ مِينَا، أَوِ ابْنِ مِينَا، أَوْ مِينَاسٍ، أَنَّهُ خَرَجَ فِي ثِيَابٍ خِفَافٍ فِي يَوْمٍ دَفِيءٍ فِي جِنَازَةٍ، قَالَ: فَانْتَهَيْتُ إِلَى قَبْرٍ فَصَلَّيْتُ عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اتَّكَأْتُ عَلَيْهِ قَالَ: فَرُبَّمَا سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُولُ: قَالَ: فو الله إِنَّ قَلْبِي لَيَقْظَانُ إِذْ دَعَانِي: إِلَيْكَ عَنِّي لَا تُؤْذِنِي فَإِنَّكُمْ قَوْمٌ تَعْمَلُونَ وَلَا تَعْلَمُونَ وَإِنَّا قَوْمٌ نَعْلَمُ وَلَا نَعْمَلُ وَلَأَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مِينَا- أَوْ مِينَاسَ-، قَالَ: لَبِسْتُ ثِيَابًا لِي خِفَافًا وَدَخَلْتُ الْجَبَّانَ فَأَصَابَنِي بَرْدٌ شَدِيدٌ فَمِلْتُ إِلَى قَبْرٍ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعْتُ عَلَى الْقَبْرِ فو الله إِنِّي لَنَبْهَانٌ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا فِي الْقَبْرِ يَقُولُ: قُمْ فَقَدْ آذَيْتَنِي، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ وَلَا تَعْلَمُونَ وَنَعْلَمُ وَلَا نَعْمَلُ فو الله لَأَنْ أَكُونَ صَلَّيْتُ مِثْلَ رَكْعَتَيْكَ هَذِهِ الْخَفِيفَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
باب ما جاء في الرجل الذي سمع صاحب قبر يقرأ سورة الملك
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَ صَاحِبَ قَبْرٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْمُلْكِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابن سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بن أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم خِبَاءً عَلَى قَبْرٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (1) ] حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ الْمُنْجِيَةُ، هِيَ الْمَانِعَةُ، تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. تَفَرَّدَ بِهِ يحيى بن عمرو النكدي، وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلَّا أَنَّ لِمَعْنَاهُ شَاهِدًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابن عُمَرَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: يُؤْتَى رَجُلٌ مِنْ جَوَانِبِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَتْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ تُجَادِلُ عَنْهُ حَتَّى مَنَعَتْهُ. قَالَ: فَنَظَرْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ فَإِذَا هِيَ: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (2) ] .
باب ما جاء في سماع يعلى بن مرة [1] ضغطة في قبر
بَابُ مَا جَاءَ فِي سَمَاعِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ [ (1) ] ضَغْطَةً فِي قَبْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى مَقَابِرَ فَسَمِعْتُ ضَغْطَةً فِي قَبْرٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: سَمِعْتُ ضَغْطَةً فِي قَبْرٍ، قَالَ: وَسَمِعْتَ يَا يَعْلَى؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ فِي يَسِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ. قُلْتُ: وَمَا هُوَ- جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلًا فَتَّانًا يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ، وَكَانَ لَا يَتَنَزَّهُ عَنِ الْبَوْلِ. قُمْ يَا يَعْلَى إِلَى هَذِهِ النَّخْلَةِ؟ فَأْتِنِي مِنْهَا بِجَرِيدَةٍ فَجِئْتُهُ بِهَا فَشَقَّهَا بِاثْنَتَيْنِ فَقَالَ: اغْرِسْ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ رِجْلَيْهِ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُرَفَّهَ أَوْ يُخَفَّفَ عَنْهُ مَا لَمْ يَيْبَسْ هَاتَانِ [ (2) ] . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (3) ] .
باب ما قيل لعبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) [1] في غشيته
بَابُ مَا قِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) [ (1) ] فِي غَشْيَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَيْلَةَ غُشِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي وَجَعِهِ غَشْيَةً حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ فَاضَتْ نَفْسُهُ، حَتَّى قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ وَجَلَّلُوهُ ثَوْبًا وَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ لِتَسْتَعِينَ بِمَا أُمِرَتْ أَنْ تَسْتَعِينَ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ فَلَبِثُوا سَاعَةً وَهُوَ فِي غَشْيَتِهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ كَبَّرَ، فَكَبَّرَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَمَنْ يَلِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: غُشِيَ عَلَيَّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: صَدَقْتُمْ، إِنَّهُ انْطَلَقَ بِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ شِدَّةٌ وَفَظَاظَةٌ، فَقَالَا: انْطَلِقْ نُحَاكِمْكَ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ، فَانْطَلَقَا بِي حَتَّى لَقِيَا رَجُلًا، فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبَانِ بِهَذَا؟ فَقَالَا: نُحَاكِمُهُ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ، قَالَ: ارْجِعَا، فَإِنَّهُ من الذي كَتَبَ اللهُ لَهُمُ السَّعَادَةَ، وَالْمَغْفِرَةَ، فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَأَنَّهُ سَيَتَمَتَّعُ بِهِ بَنُوهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرًا، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [ (2) ] . قُلْتُ: وَفِي هَذَا تَصْدِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي حَيَاتِهِ بِالْجَنَّةِ.
باب ما قيل لعبد الله بن رواحة في غشيته
بَابُ مَا قِيلَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي غَشْيَتِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ عن النعمان ابن بَشِيرٍ، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رواحة فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ [ (1) ] تَبْكِي وتقول: وا جبلاه! وَاعَضُدَاهْ! فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا قِيلَ لِي: أَنْتَ كَذَلِكَ، فَنَهَانَا عَنِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] مِنْ حَدِيثِ: مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وعبثر [ (3) ] ، عن حصين [ (4) ] .
باب ما جاء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر بكل خير.. بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: [حَدَّثَنَا] [ (1) ] أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي [ (2) ] . وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فقد رأى الحقّ» [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا [ (4) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي نصر الدّارورديّ بِمَرْوَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَهُ [ (5) ] بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (6) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ دُونَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطاهر وحرملة عن بن وَهْبٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ [دُونَ الرِّوَايَةِ] [ (7) ] ، وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ: حَدَّثَنَا] [ (9) ] مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ [قَالَ حَدَّثَنَا] السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، [قَالَ: حَدَّثَنَا] الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ، [قَالَ: حَدَّثَنَا] عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، [قَالَ: حَدَّثَنَا] ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، مِنْ [أَصْلِ] [ (11) ] كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أبو العباس
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا [ (12) ] أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ [ (13) ] الْحَارِثِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، أَخْبَرَنَا سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ ابن الْخَطَّابِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ لَا يَنْظُرُنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ [مَا شَأْنِي؟ فَالْتَفَتَ] [ (14) ] إِلَيَّ. فَقَالَ: أَلَسْتَ الْمُقَبِّلَ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. لَا أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ [امْرَأَةً مَا بَقِيتُ] [ (15) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ [الذُّهْلِيُّ] [ (16) ] أَخْبَرَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحَطٌ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: اسْتَسْقِ اللهَ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ ائْتِ عُمَرَ، فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّكُمْ مُسْقَوْنَ. وَقُلْ لَهُ: عَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ. فَأَتَى الرَّجُلُ عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ، فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: يَا رَبُّ مَا آلُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: أَغْفَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ تَمَنَّى عُثْمَانُ أُمْنِيَةً لَحَدَّثْتُكُمْ، قَالَ: قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللهُ حَدِّثْنَا فَلَسْنَا نَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِي هَذَا، فَقَالَ: إِنَّكَ شَاهِدٌ مَعَنَا الْجُمُعَةَ [ (17) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد، أخبرنا إبراهيم ابْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُثْمَانَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) ، رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، فَقُتِلَ، وَهُوَ صَائِمٌ. وَرُوِيَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْفَضَائِلِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، [قَالَ حَدَّثَنَا] [ (18) ] بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ نِصْفَ النَّهَارِ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، فِي يَدِهِ قَارُورَةٌ، فِيهَا دَمٌ، فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ. قَالَ: فَأَحْصَوْا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوُجِدَ قَدْ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ [ (19) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ قَالَ: حدثنا رزيق قَالَ: حَدَّثَتْنِي سَلْمَى قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَالِكٍ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفًا.
الْأَخْبَارُ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [فِي الْمَنَامِ] كَثِيرَةٌ، وَبِذِكْرِهَا يَطُولُ الْكِتَابُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا بَيَانُ مَا قَصَدْنَا بِهَذَا الباب وبالله التوفيق [ (20) ] .
جماع أبواب كيفية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهور آثاره على وجهه، ومن رأى جبريل - عليه السلام - من أصحابه، وغير ذلك من دلائل النبوة، وآثار الصدق فيما جاء به من عند الله تعالى.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ كَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَظُهُورِ آثَارِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ رَأَى جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ أَصْحَابِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَآثَارِ الصِّدْقِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى.
باب كيف كان يأتيه الوحي وكيف كان يكون عند نزوله، وما ظهر لأصحابه في ذلك من آثار الصدق
بَابُ كَيْفَ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَكَيْفَ كَانَ يَكُونُ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَمَا ظَهَرَ لِأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الصِّدْقِ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَدْلُ، قَالَ أَخْبَرَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ الْبُوشَنْجِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِينِي أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ [ (2) ] ، فَيَفْصِمُ [ (3) ] عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ: وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي، وَأَعِي مَا يَقُولُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ [ (4) ] عَرَقًا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْبَرَنَا مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَشْكِيبٌ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، فَتَضْرِبُ عَلَى جِرَانِهَا مِنْ ثِقَلِ مَا يُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ جَبِينُهُ لَيَطُفُّ بِالْعَرَقِ في اليوم الشالي، إِذَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ. تَابَعَهُ مَعْمَرُ بْنُ هِشَامٍ فِي أَوَّلِهِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ القطان،
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ- وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ- كَرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَّا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ. فِي فَتْحِ مَكَّةَ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا [ (9) ] مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (9) ] أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ يُونُسَ بْنَ سُلَيْمٍ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ- صَاحِبُ أَيْلَةَ- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عبد القارئ. قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، يُسْمَعُ عِنْدَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النحل [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [ (11) ] قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْوَحْيِ كَانَ يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ. قال: متعجّل بأخذه. [إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، أَيْ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ فَنَقْرَأَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قرآنه، قَالَ: إِذَا قَرَأْنَاهُ أَنْزَلْنَاهُ فاستمع له إنا علينا بيانه ان تبينه بِلِسَانِكَ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ، أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (12) ] ، عن
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة [ (13) ] .
باب فتور الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم فترة حتى شق عليه وأحزنه، وظهرت عليه آثار ذلك،
بَابُ فُتُورِ الْوَحْيِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَتْرَةً حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ وَأَحْزَنَهُ، وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارُ ذَلِكَ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-[ (1) ] وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [ (2) ] . وَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ، وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [ (3) ] . وَقَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.. إِلَى قَوْلِهِ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارِزْمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (5) ] أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ: قَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ. فَنَزَلَتْ: وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ، بْنِ الْحَمَّامِيِّ
الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ محمد بن بشير السَّقَطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي.، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا، زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَجَاءَتْهُ. امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن زهير [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا أَبْطَأَ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ، جَزِعَ مِنْ ذَلِكَ جَزَعًا شَدِيدًا فَقُلْتُ لَهُ مِمَّا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ: لَقَدْ قَلَاكَ رَبُّكَ مِمَّا يَرَى مِنْ جَزَعِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. قُلْتُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ انْقِطَاعٌ فَإِنْ صَحَّ فَقَوْلُ خَدِيجَةَ يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ السُّؤَالِ أَوِ الِاهْتِمَامِ بِهِ] [ (8) ] أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي عِيسَى الدَّرَابَجِرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ، مِمَّا تَزُورُنَا. فَنَزَلَتْ: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.. [ (9) ] إلى آخر الآية.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ القاضي، أخبرنا أحمد ابن سَعِيدٍ الْجَمَّالُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن الأوراعي، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِي بَعْدِي، كَفْرًا كَفْرًا فَسَرَّنِي ذَلِكَ. فَنَزَلَتْ: وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. إِلَى قَوْلِهِ:.. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى. قَالَ: أُعْطِيَ أَلْفَ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، تُرَابُهَا الْمِسْكُ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا ينبغي
لَهُ.. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ يَقُولُ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَيْرُ قَبِيصَةَ. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ: عَنِ الثَّوْرِيِّ، فَوَقَفَهُ. قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عن سُفْيَانَ مَرْفُوعًا. وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ ابن مَخْلَدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ، عَلَى مِصْرَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ مَعَهُ فَتَمَثَّلَ مَسْلَمَةُ بِبَيْتٍ مِنْ شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ رَأَى مَا نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ، لَعَلِمَ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ سَيِّدٌ قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ كَثِيرٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنَ عَمْرٍو: وَيَوْمَئِذٍ قَدْ كَانَ سَيِّدًا كَرِيمًا قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ كَثِيرٍ. فَقَالَ مَسْلَمَةُ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: أَمَّا الْيَتِيمُ، فَقَدْ كَانَ يَتِيمًا مِنْ أَبَوَيْهِ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ، فَكُلُّ مَا كَانَ بِأَيْدِي الْعَرَبِ إِلَى الْقِلَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ وسليمان ابن حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ، عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، أَظُنُّهُ، عَنْ سعيد
ابن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَأَلْتُ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- مَسْأَلَةً وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ إِيَّاهَا، قُلْتُ: يَا رَبِّ. إِنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلِي رُسُلٌ، مِنْهُمْ من كان يحي الْمَوْتَى، وَمِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ. قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ. قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ. [قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُكَ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ] [ (11) ] قَالَ: أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، أَلَمْ أَضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، أَلَمْ أَرْفَعْ لَكَ ذِكْرَكَ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ! هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ. زَادَ عَارِمٌ، فِي آخِرِهِ، قَالَ: فَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ.. قَالَ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي، وَاللهُ أَعْلَمُ، ذِكْرَهُ عِنْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالْآذَانِ، وَيُحْتَمَلُ ذِكْرُهُ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ وَالْوُقُوفِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ. قَالَ: رَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَلَيْسَ خَطِيبٌ وَلَا مُتَشَهِّدٌ وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ إِلَّا يُنَادِي بِهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْدُونُ السِّمْسَارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حسّان بن
إِبْرَاهِيمَ الْكِرْمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ، وَلِقَوْمِكَ.. [ (12) ] قَالَ: شَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، وَفِي قَوْلِهِ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ.. [ (13) ] ، قال: فيه شرفكم.
باب ما جاء في رؤية من رأى جبريل عليه السلام يوم بني قريظة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ. قَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا أَخْبَارًا فِي ذِكْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَئِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْغُبَارَ سَاطِعًا فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ [ (1) ] .
وَذَكَرْنَا، عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَغَيْرِهِ أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي أَثَرٍ فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي غَنْمٍ، فَسَأَلَهُمْ: مَرَّ عَلَيْكُمْ فَارِسٌ آنِفًا؟ قَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ، تَحْتَهُ نَمَطٌ أَوْ قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، عَلَيْهِ اللَّأْمَةُ، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ. وَكَانَ يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- [ (2) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْزَابِ، دَخَلَ مُغْتَسَلًا لِيَغْتَسِلَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ، وَمَا وَضَعْنَا، أسلحتنا. انهد إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ التُّرَابُ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى بِرْزُونَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ طَرْفُهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: رَأَيْتِيهِ. ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (4) ] .
رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي الْفَضَائِلِ.
باب ما جاء في رؤية ام سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصُبُ رَايَتَهُ، أَوْ كَمَا قَالَ: وَثَبُتَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ: فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا؟ أَوْ كَمَا قَالَتْ: قُلْتُ: هَذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ: فَقُلْتُ: لِأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟. قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الأعلى [ (1) ] .
باب ما جاء في رؤية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومن كان معه من الصحابة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جبريل - عليه السلام -
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: لَقِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنَا لَهُ الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَالَ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ فَقُولُوا لَهُمْ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ مِنْكُمْ بَرِيءٌ، وأنتم منه برءاء ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ. بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ هَذَا. وَلَا هَذَا صَاحِبُ سَفَرٍ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ آتِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَجَاءَ فَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. فَقَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةِ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْبَعْثِ بِعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ. قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ما المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. قَالَ: فَمَا أَشْرَاطُهَا؟ قَالَ أَنْ تَرَى [ (1) ] الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، وَوَلَدَتِ الْإِمَاءُ أَرْبَابَهُنَّ. ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ: فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَلَبِثَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ عَنْ كَذَا، وَكَذَا؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ. جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. [وَذَكَرَ الْحَدِيثَ] [ (2) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ [ (3) ] . وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ كَهْمَسِ [ (4) ] بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ فِيهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يرى عليه أسر السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ فِينَا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي كُلِّ مَا نَجِيبُهُ بِهِ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. مَا الْإِيمَانُ؟ .. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ. أَخْرَجَاهُ في الصحيح [ (5) ] .
باب ما جاء في رؤية حارثة بن النعمان جبريل عليه السلام جالسا في المقاعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَالِسًا فِي الْمَقَاعِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ. قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَالِسٌ فِي الْمَقَاعِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمَرَرْتُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، وَقَدْ رَدَّ عليك السّلام [ (1) ] .
باب ما جاء في رؤية عبد الله بن عباس جبريل عليه السلام.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ، فَكَانَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: يَا بُنَيَّ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ابْنَ عَمِّكَ كَانَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي فرك فَقُلْتُ يَا أَبَاهُ. إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ: كَذَا، وَكَذَا، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدَكَ رَجُلٌ تُنَاجِيهِ وَيُنَاجِيكَ، فَهَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. هُوَ الَّذِي كَانَ يشغلني عنك [ (1) ] .
باب ما جاء في رؤية الأنصاري جبريل عليه السلام وحديثه معه
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْأَنْصَارِيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَدِيثِهِ مَعَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سعيد بن أبي عمرو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَنْزِلِهِ، سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّاخِلِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ دَخَلَ، فَلَمْ يَرَ أَحَدًا. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُكَ تُكَلِّمُ غَيْرَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ- لَقَدْ دَخَلْتُ الدَّاخِلَ اغْتِمَامًا بِكَلَامِ النَّاسِ مِمَّا بِي مِنَ الْحُمَّى. فَدَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ بَعْدَكَ أَكْرَمَ مَجْلِسًا وَلَا أَحْسَنَ حَدِيثًا مِنْهُ، قَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيَلُ. وَإِنَّ مِنْكُمْ لَرِجَالًا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يُقْسِمُ عَلَى اللهِ لا برّه. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
باب ما جاء في رؤية محمد بن مسلمة الأنصاري البدري جبريل عليه السلام
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: مَرَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، وَاضِعًا خَدَّهُ عَلَى خَدِّ رَجُلٍ، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَادَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: فَقُمْتُ لَهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تُسَلِّمَ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْتُكَ فَعَلْتَ بِهَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا مَا فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَ عَلَيْكَ حَدِيثَكَ، فَمَنْ كَانَ يَا رَسُولَ اللهِ يُكَلِّمُكَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَمْ يُسَلِّمْ. أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: وَمَا قَالَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: ما زال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى كُنْتُ أَنْتَظِرُ مَتَى يَأْمُرُنِي فأورّثه [ (1) ] .
باب ما جاء في رؤية حذيفة بن اليمان الملك الذي روى أنه استأذن ربه في التسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الْمَلَكَ الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ أَسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَشَجُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْرِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَبِعْتُهُ، فَإِذَا عَارِضٌ قَدْ عَرَضَ لَهُ، فَقَالَ لِي: «يَا حُذَيْفَةُ هَلْ رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَسْتَأْذَنَ رَبَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، وَيُبَشِّرُنِي بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَقَدْ أَخْرَجْتُهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ بِطُولِهِ [ (1) ] . زَادَ ابْنُ قَتَادَةَ: لَمْ يَهْبِطْ إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَهَا، - يَعْنِي الْمَلَكَ- وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ الْأَحْزَابِ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَأَى جَمَاعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعَثَهُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم طليعة.
باب ما جاء في رؤية عمران بن حصين الملائكة، وتسليمهم عليه وذهابهم عنه حين اكتوى، وعودهم إليه بعد ما تركه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَلَائِكَةَ، وَتَسْلِيمِهِمْ عَلَيْهِ وَذَهَابِهِمْ عَنْهُ حِينَ اكْتَوَى، وَعَوْدِهِمْ إليه بعد ما تَرَكَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، عَنْ مطرف ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ذَاتَ يَوْمٍ: إِذَا أَصْبَحْتَ فَاغْدُ عَلَيَّ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي: مَا غَدَا بِكَ؟ قُلْتُ: الْمِيعَادُ. قَالَ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَاكْتُمْهُ عَلَيَّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا أُبَالِي أَنْ تُفْشِيَهُ عَلَيَّ. (فَأَمَّا) الَّذِي تَكْتُمُ عَلَيَّ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ انْقَطَعَ قَدْ رَجَعَ، يَعْنِي تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ. (وَالْآخَرُ) تَمَتُّعُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مسلم [ (1) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ، بْنِ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ، الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. (ح) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ لِي: أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ [ (2) ] ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ انْقَطَعَ عَنِّي، فَلَمَّا تَرَكْتُ عَادَ إِلَيَّ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ [ (3) ] . وَفَى رِوَايَةِ شَبَابَةَ: وَأَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ، رُفِعَ عَنِّي ذَلِكَ، فَلَمَّا تَرَكْتُ ذَلِكَ عَادَ إِلَيِّ، يَعْنِي تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ: إِنَّ ابْنَ حُصَيْنٍ بَعْدَ أَنِ اكْتَوَى، وَكَانَ يأتيه آت ينبهه
لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا اكْتَوَى أَمْسَكَ عَنْهُ، فَلَمَّا سَقَطَتْ عَنْهُ آثَارُ الْمَكَاوِي عَادَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمُ: اعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي كَانَ يَأْتِينِي قَدْ عَادَ إِلَيَّ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ فِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ عَلَيَّ فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ فَحَدِّثْ إِنْ شِئْتَ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي التَّارِيخِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن أَبِي زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ غَزَالَةَ، قَالَتْ: كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ يَأْمُرُنَا أَنْ نَكْنُسَ الدَّارَ، وَنَسْمَعُ السَّلَامَ عَلَيْكُمْ وَلَا نَرَى أَحَدًا. قَالَ أَبُو عِيسَى: يَعْنِي هَذَا تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ. وَفِي حَدِيثِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حماد ابن سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرِنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ. فَقَالَ:» إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرَاهُ» ، قَالَ: بَلَى فَأَرِنِيهُ. قَالَ: «فَاقْعُدْ» . فَقَعَدَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى خَشَبَةٍ كَانَتْ فِي الْكَعْبَةِ، يُلْقِي الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا ثِيَابَهُمْ إِذَا طَافُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْفَعْ طَرْفَكَ، فَانْظُرْ» فَرَفَعَ طَرْفَهُ، فَرَأَى قَدَمَيْهِ مِثْلَ الزَّبَرْجَدِ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. هَكَذَا رُوِيَ هَذَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عمار وهو مرسل.
باب في رؤية أسيد بن الحضير [1] ، وغيره السكينة والملائكة التي نزلت عند قراءة القرآن
بَابٌ فِي رُؤْيَةِ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ [ (1) ] ، وَغَيْرِهِ السَّكِينَةَ وَالْمَلَائِكَةَ الَّتِي نَزَلَتْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ، كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ [ (2) ] فَتَغَشَّتْهُ [ (3) ] سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو [ (4) ] ، وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفُرُ [ (5) ] فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ [ (6) ] تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى ابن يَحْيَى [ (7) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةً إِذْ رَأَى دَابَّتَهُ تَرْكُضُ، أَوْ قَالَ: فَرَسَهُ تَرْكُضُ، فَنَظَرَ فَإِذَا مِثْلُ الضَّبَابَةِ، أَوْ مِثْلُ الْغَمَامَةِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ [ (9) ] ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأَ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَأَشَفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، حَدَّثَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَقْرَأُ الْبَارِحَةَ، وَالْفَرَسُ مَرْبُوطَةٌ إِذْ جَالَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ ابْنَ الْحُضَيْرِ، اقرأ ابن الخضير» ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَرَأْتُ فَجَالَتْ فَسَكَتُّ فَسَكَنَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ ابن الخضير» ، فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى [ (10) ] ، وَكَانَ قَرِيبًا، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الظُّلَّةِ [ (11) ] فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، عَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَتَدْرِي مَا ذَلِكَ» ؟ قَالَ، قُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ، أَتَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ» . قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّحَاحِ فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خباب [ (12) ] .
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدٍ، ومِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عن أسيد.
باب سماع الصحابي قراءة من أسمعه قرآنه وأخفاه شخصه [والحمد لله وحده]
بَابُ سَمَاعِ الصَّحَابِيِّ قِرَاءَةَ مَنْ أَسْمَعَهُ قُرْآنَهُ وَأَخْفَاهُ شَخْصَهُ [وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ، كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ... فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشِّرْكِ» . وَسِرْنَا فَسَمِعْنَا رَجُلًا يَقْرَأُ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ» . فَكَفَفْتُ رَاحِلَتِي لَأَنْظُرَ مَنْ هُوَ. فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَمَا رَأَيْتُ أحدا.
باب سماع عوف بن مالك وغيره صوت الملك الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة.
بَابُ سَمَاعِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ صَوْتَ الْمَلَكِ الَّذِي أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّفَاعَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسْنَا، وَافْتَرَشَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا ذِرَاعَ رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ بَعْضَ اللَّيْلِ، وَإِذَا لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ. فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ قَيْسٍ قَائِمَانِ، فَقُلْتُ لَهُمَا، هَلْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ؟ فَقَالَا: لَا. وَأَنَا أَسْمَعُ صَوْتًا، فَإِذَا مِثْلُ هَزِيزِ الرَّحَا، وَأَتَانَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي، فَخَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ. فَقُلْنَا: نُنَاشِدُكَ اللهَ وَالصُّحْبَةَ، لَمَا جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِي» ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ، فَيَقُولُ: «أَنْتَ مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِي» ، فَلَمَّا أَضَبُّوا عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا [ (1) ] .
باب الرقية [1] بكتاب الله عز وجل، وما جعل الله عز وجل فيه من الشفاء حتى ظهرت آثاره.
بَابُ الرُّقْيَةِ [ (1) ] بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ حَتَّى ظَهَرَتْ آثَارُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنُ قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ الرَّجُلُ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنْمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. فَتَبَسَّمَ، قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ إِنَّهَا رُقْيَةٌ» ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا إِلَيَّ بِسَهْمٍ مَعَكُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أبي بشر [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَعِنْدَهُمْ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: أعندك
شَيءٌ تُدَاوِي بِهِ هَذَا؟ فَإِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ. قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَبَرَأَ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ شَاةٍ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «كُلْ فَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ، فَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ» [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ابن حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُهُ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ [ (4) ] ، وَكَانَ تُعْجِبُهُ خِدْمَتُهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ يَهُودُ حَتَّى سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم [ (5) ] ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُوبُ وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعُهُ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ. إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ [ (6) ] ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: مَا وَجَعُهُ؟
قَالَ: الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ مَطْبُوبٌ [ (7) ] . قَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: بِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ بِمِشْطٍ وَمِيشَاطَةٍ [ (8) ] ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ [ (9) ] بِذِي ذَرْوَانَ [ (10) ] ، وَهِيَ تَحْتَ رَاعُوفَةَ الْبِئْرِ [ (11) ] . فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا عَائِشَةَ، فَقَالَ «يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أنَّ الله- عز وجل- قَدْ أَنْبَأَنِي بِوَجَعِي» ؟ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَغَدَا مَعَهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الْبِئْرِ، فَإِذَا مَاؤُهَا كَأَنَّهُ نُقُوعِ الْحِنَّاءِ [ (12) ] ، وَإِذَا نَخْلُهَا- الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا- قَدِ الْتَوَى سَعَفُهُ كَأَنَّهُ رؤوس الشياطين [ (13) ] .
قَالَ: فَنَزَلَ رَجُلٌ فَاسْتَخْرَجَ جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ الرَّاعُوفَةِ، فَإِذَا فِيهَا مِشْطُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ مُرَاطَةِ رَأْسِهِ، وَإِذَا تِمْثَالٌ مِنْ شَمْعٍ تِمْثَالُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَإِذَا فِيهَا إِبَرٌّ مَغْرُوزَةٌ، وَإِذَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى عَشَرَةَ عُقْدَةً فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَحَلَّ عُقْدَةً، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، وَحَلَّ عُقْدَةً. حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، [ثُمَّ قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وَحَلَّ عُقْدَةً، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا] [ (14) ] ، وَحَلَّ الْعُقَدَ كُلَّهَا [ (15) ] . وَجَعَلَ لَا يَنْزِعُ إِبْرَةً إِلَّا وَجَدَ لَهَا أَلَمًا، ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ رَاحَةً. فَقِيلَ، يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ قَتَلْتَ الْيَهُودِيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «قَدْ عَافَانِي اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَمَا وَرَاءَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ أَشَدُّ» قَالَ: فَأَخْرَجَهُ. قَدْ رُوِّينَا فِي هَذَا، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ وَرُوِّينَاهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي أَبْوَابِ دَعَوَاتِهِ دُونَ ذِكْرِ المعوذتين.
باب ما جاء في تحرز النبي صلى الله عليه وسلم بما علمه جبريل عليه السلام حين كادته الشياطين، ثم تعليمه ذلك خالد بن الوليد وذهاب ما نجده من ذلك عنه [رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين]
بَابُ مَا جَاءَ فِي تُحَرُّزِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ، ثُمَّ تَعْلِيمِهِ ذَلِكَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَذَهَابِ مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ] [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ: حَدَّثَنَا كَيْفَ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَحَدَّرَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ، مَعَهُمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَزِعَ مِنْهُمْ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ، قَالَ: «وَمَا أَقُولُ» ؟ قَالَ: «قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ، اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَنْ شَرِّ مَا يَبْرَحُ فِيهَا، وَمَنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَشَرِّ الطَّوَارِقِ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ. يَا رَحْمَنُ» . قَالَ: فَطُفِئَتْ نَارُ الشَّيْطَانِ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ الزَّوْزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر
مُحَمَّدُ بْنُ خَنْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. إِنَّ كَائِدًا مِنَ الْجِنِّ يَكِيدُنِي، قَالَ: قُلْ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْهَا، وَمَنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» ، قَالَ: فَفَعَلْتُ فَأَذْهَبَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِّي.
باب ما جاء في الجني أو الشيطان الذي أراد كيده وهو في الصلاة، فأمكنه الله - عز وجل - منه
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجِنِّيِّ أَوِ الشَّيْطَانِ الَّذِي أَرَادَ كَيْدَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَأَمْكَنَهُ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ، لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ. فَأَخَذْتُهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، حَتَّى ذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي» [ (1) ] قَالَ: فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ [ (2) ] وَقَالَ فِيهِ غَيْرُهُ: فَذَعَتُّهُ يَعْنِي كتفته [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، يَعْنِي ابْنَ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ. فَقَالَ: «إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ، لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ. فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ. وَاللهِ! لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مُوثَقًا [ (4) ] يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمُرَادِيِّ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- إِمْلَاءً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ دُحَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَهْوِي قُدَّامَهُ. فَلَمَّا صَلَّى سَأَلُوهُ: فَقَالَ: ذَاكَ الشَّيْطَانُ كَانَ يُلْقِي عَلَيَّ شَرَرَ النَّارِ ليثنني عَنِ الصَّلَاةِ، فَتَنَاوَلْتُهُ. وَلَوْ أخذته
مَا انْفَلَتَ مِنِّي حَتَّى يُنَاطَ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [ (6) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِمْلَاءً وقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ فَخَنَقَتْهُ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى يَدِي، وَقَالَ: أَوْجَعْتَنِي أَوْجَعْتَنِي وَلَوْلَا مَا دَعَا سُلَيْمَانُ، لَأَصْبَحَ مَنَاطًا إِلَى اسْطُوَانَةٍ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [ (7) ] .
باب ما جاء في أن مع كل أحد قرينه من الجن، وأن الله تعالى أعان رسوله صلى الله عليه وسلم على قرينه، فلم يأمره إلا بخير
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ قَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعَانَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى قَرِينِهِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ إِلَّا بِخَيْرٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ هَكَذَا قُرِئَ عَلَى شَيْخِنَا بِضَمِّ الْمِيمِ [ (1) ] . وَكَذَلِكَ قَيَّدَهُ فِي كِتَابِهِ. وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ الْعَطَّارُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَالِيًا إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُقِيمَا إِسْنَادَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَرَادَ- وَاللهُ أَعْلَمُ- بِالْجِنِّ وَالشَّيْطَانِ. فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ شَيْطَانٌ. فَقَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: وَلَا أَنَا. وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي بِإِسْلَامِهِ، أَوْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ. قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي بِإِسْلَامِهِ إِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ يُؤَكِّدُ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَأَسْلَمَ مِنَ الْإِسْلَامِ دُونَ السَّلَامَةِ، وَكَأَنَّ شعبة أو من دون شَكَّ فِيهِ. وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ- رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ قَالَ: وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يَأْمُرْ بِخَيْرٍ. وَزَعَمَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ الرُّوَاةَ يَرْوُونَ، فَأَسْلَمَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ. فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فَأَسْلَمُ: أَيْ أَجِدُ السَّلَامَةَ مِنْهُ. وَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يسلم قط.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. (ح) وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ، فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فقال: مالك يَا عَائِشَةُ! أَغِرْتِ؟ قُلْتُ: ومالي لَا أَغَارُ عَلَى مِثْلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَارَكِ شَيْطَانُكِ، قُلْتُ: وَمَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ. قُلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِي [ (3) ] . وَقَالَ فِي متنه: حتى أسلم.
باب ما جاء في كون الأذان حرزا من الشيطان والغيلان
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَوْنِ الْأَذَانِ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَالْغِيلَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بَسْطَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ قَالَ: وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا، أَوْ صَاحِبٌ لَنَا. فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ. قَالَ: وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي، فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ. وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَتَأَخَّرْ مناد بِالصَّلَاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ [ (1) ] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بَسْطَامٍ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (3) ] أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا تَغَوَّلَتْ لِأَحَدِكُمُ الْغِيلَانُ. فَلْيُؤَذِّنْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ. أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ رَجُلًا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَلَمَّا كَانَ ببعض الطريق، عَرَضَتْ لَهُ الْغُولُ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى سَعْدٍ قَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: أَلَمْ أَقَلْ لَكُمْ إِنَّا كُنَّا إِذَا تَغَوَّلَتْ لَنَا الْغُولُ أَنْ نُنَادِيَ بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى عُمَرَ، فَبَلَغَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَرَضَ لَهُ يَسِيرُ مَعَهُ، فَذَكَرَ مَا قَالَ لَهُ سَعْدٌ فَنَادَى بِالْأَذَانِ، فَذَهَبَ عَنْهُ فَإِذَا سَكَتَ عَرَضَ لَهُ، فَإِذَا أَذَّنَ ذَهَبَ عَنْهُ.
باب ما جاء في التعوذ بكلمات الله تعالى عن الحرز من السموم
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعَوُّذِ بِكَلِمَاتِ اللهِ تَعَالَى عَنِ الْحِرْزِ مِنَ السُّمُومِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: لَدَغَتْ رَجُلًا عَقْرَبٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ قَالَ حِينَ أَمْسَى، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرُّهُ [ (1) ] . قَالَ: فَقَالَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي فَلَدَغَتْهَا حية. فلم تضرّها.
باب ما في تسمية الله - عز وجل - من الحرز من السم
بَابُ مَا فِي تَسْمِيَةِ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْحِرْزِ مِنَ السُّمِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: نَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الحيرة عَلَى أُمِّ بَنِي الْمَرَازِبَةِ، فَقَالُوا لَهُ: احْذَرِ السُّمَّ لَا تَسْقِيكَهُ الْأَعَاجِمُ، فَقَالَ: ائْتُونِي. فَأُتِيَ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَهُ فَقَالَ: «بِاسْمِ اللهِ» ، فَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا.
باب ما جاء في الشيطان الذي أخذ من الزكاة وما في آية الكرسي من الحرز
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّيْطَانِ الَّذِي أَخَذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَمَا فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ مِنَ الْحِرْزِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قالا: حدثنا عثمان ابن الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَلَّانِي [ (1) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ رَمَضَانَ أَنْ أَحْتَفِظَ بِهَا، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ، وَشَكَا حَاجَتَهُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ [فَأَصْبَحْتُ] [ (2) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، وَجَهْدًا، فَرَحِمْتُهُ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ. حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ. جَاءَ يَحْثُو [ (3) ] الطَّعَامَ فَأَخَذَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ: لَأَرْفَعَنَّكَ [ (4) ] إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَعَمْتَ لِي أَنَّكَ لَا تَعُودُ، وَأَرَاكَ قَدْ عدت.
قَالَ: دَعْنِي. فَشَكَا عِيَالًا، وَحَاجَةً شَدِيدَةً ( [5) ] فَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَرَحِمَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَجَهْدًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ. فَعَادَ الثَّالِثَةَ فَأَخَذَهُ فَقَالَ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذِهِ ثَلَاثُ لَيَالٍ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَا تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ! فَقَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي لَا أَعُودُ، وَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا. إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ [ (6) ] عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حافظ، ولا يَقْرَبَنَّكَ الشَّيْطَانُ حَتَّى تُصْبِحَ. قَالَ: وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ. فَأَصْبَحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ. عَلَّمَنِي شَيْئًا زَعَمَ أَنَّ اللهَ يَنْفَعُنِي بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي إِذَا أَوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي أَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيَّ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُنِي الشَّيْطَانُ حَتَّى أُصْبِحَ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ. يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثٍ؟ قُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الوليد بن مزيد قال: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنٌ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ جرين فِيهِ تَمْرٌ. وَكَانَ أَبِي يَتَعَاهَدُهُ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ تُشْبِهُ الْغُلَامَ الْمُحْتَلِمَ قَالَ: فَسَلَّمْتُ. فَرَدَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ مَا أَنْتَ؟ جِنِيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ: جِنِيٌّ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَنِي. فَإِذَا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ وَشَعْرُ كَلْبٍ. قَالَ: فَقَالَ أُبَيٌّ هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ. قَالَ: لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ، مَا فِيهِمْ أَحَدٌ أَشَدُّ مِنِّي. قَالَ: فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ نُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: فَمَا الَّذِي يُحْرِزُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. آيَةَ الْكُرْسِيِّ. قَالَ: فَتَرَكَهُ، ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ الْخَبِيثُ. كَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ جَدِّهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ جَرِينُ تَمْرٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ الْبُوسَنْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: حَدِّثْنِي عَنْ قِصَّةِ الشَّيْطَانِ حِينَ أَخَذْتَهُ، فَقَالَ جَعَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقَةِ
الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلْتُ التَّمْرَ فِي غُرْفَةٍ، فَوَجَدْتُ فِيهَا نُقْصَانًا، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ يَأْخُذُهُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ الْغُرْفَةَ فَأَغْلَقْتُ الْبَابَ عَلَيَّ فَجَاءَتْ ظُلْمَةٌ عَظِيمَةٌ فَغَشِيَتِ الْبَابَ، ثُمَّ تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ فِيلٍ، ثُمَّ تَصَوَّرَ فِي صُورَةٍ أُخْرَى، فَدَخَلَ مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَشَدَدْتُ إِزَارِي عَلَيَّ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، قَالَ: فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ فَضَبَطْتُهُ فَالْتَفَّتْ يَدَايَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللهِ. فَقَالَ: خَلِّ عَنِّي فَإِنِّي كَبِيرٌ ذُو عِيَالٍ كَثِيرٍ، وَأَنَا فَقِيرٌ، مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ، وَكَانَتْ لَنَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ صَاحِبُكُمْ، فَلَمَّا بعث أخرجنا منها، فخلّ عني فَلَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، فَنَادَى مُنَادٍ بِهِ: أَيْنَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. فَقُمْتُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ يَا مُعَاذُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَيَعُودُ فَعُدْ. قَالَ: فَدَخَلْتُ الْغُرْفَةَ، وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ الْبَابُ، فَدَخَلَ مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، فَصَنَعْتُ بِهِ كَمَا صَنَعْتُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَقَالَ: خَلِّ عَنِّي فَإِنِّي لَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ. فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللهِ. أَلَمْ تَقُلْ لَا أَعُودُ. قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعُودُ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ أَحَدٌ مِنْكُمْ خَاتِمَةَ الْبَقَرَةِ فَيَدْخُلَ أَحَدٌ مِنَّا فِي بَيْتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [ (8) ] . تابعه زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ بْنَ خَالِدٍ الحنفي. الْمَرْوَزِيَّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدٌ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قال:
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِي طَعَامٌ فَتَبَيَّنْتُ فِيهِ النُّقْصَانَ فَكُنْتُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا غُولٌ قَدْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ، فَقَبَضْتُ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ، حَتَّى أَذْهَبَ بِكِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الْعِيَالِ لَا أَعُودُ. فَحَلَفَتْ لِي فَخَلَّيْتُهَا فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ وَهِيَ كَذُوبٌ، وَتَبَيَّنَ لِي النُّقْصَانُ، قَالَ: فَإِذَا هِيَ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهَا. فَقَالَتْ لِي كَمَا قَالَتْ لِي فِي الْأُولَى. وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَعُودَ، فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَذَبَتْ، وَهِيَ كَذُوبٌ. ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي النُّقْصَانُ، فَكَمَنْتُ لَهَا، فَأَخَذْتُهَا فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكِ أَوْ أَذْهَبُ بِكِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. فَقَالَتْ: ذَرْنِي حَتَّى أُعَلِّمَكَ شَيْئًا، إِذَا قُلْتَهُ لَمْ يَقْرَبْ مَتَاعَكَ أَحَدٌ مِنَّا. إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأَ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَخَلَّيْتُهَا. فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَدَقْتَ وَهِيَ كَذُوبٌ، صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ. كَذَا قَالَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا غَيْرُ قِصَّةِ مُعَاذٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مَحْفُوظَيْنِ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ أن زيدا بْنَ ثَابِتٍ خَرَجَ إِلَى حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ جَلَبَةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْجَانِّ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ تُطَيِّبُوا لَنَا مِنْ ثِمَارِكُمْ، فَنُصِيبُ مِنْهَا، ثُمَّ عَلَّمَهُ مَا يُعَوِّذُ بَيْنَهُمْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ.
باب ما روي [1] في شأن الرجل الذي تبعه شيطانان، ثم ردا عنه، وأمر بالسلام على نبينا محمد عليه السلام
بَابُ مَا رُوِيَ [ (1) ] فِي شَأْنِ الرَّجُلِ الَّذِي تَبِعَهُ شَيْطَانَانِ، ثُمَّ رُدًّا عَنْهُ، وَأُمِرَ بِالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَاتَّبَعَهُ رَجُلَانِ، وَآخَرُ يَتْلُوهُمَا، يَقُولُ: ارْجِعَا، حَتَّى أَدْرَكَهُمَا، فَرَدَّهُمَا، ثُمَّ لَحِقَ الْأَوَّلَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ، وَإِنِّي لَمْ أَزَلْ بِهِمَا، حَتَّى رَدَدْتُهُمَا عَنْكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا. وَلَوْ كَانَ يَصْلُحُ لَنَا لَبَعَثْنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ، وَحَدَّثَهُ فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ عَنِ الخلوة.
باب ما جاء في استنصار حبيب بن مسلمة [1] وكان من الصحابة بلا حول ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم] [2] وما جاء في دعائه مع أصحابه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِنْصَارِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ [ (1) ] وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِلَا حول ولا قوة إلا بِاللهِ [الْعُلِيِّ الْعَظِيمِ] [ (2) ] وَمَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الْأَشْيَاخِ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَانَ يَسْتَحِبُّ إِذَا لَقِيَ عَدُوًّا أَوْ نَاهَضَ حِصْنًا قَوْلَ: لَا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله وَإِنَّهُ نَاهَضَ يَوْمًا حِصْنًا، فَانْهَزَمَ الرُّومُ، فَقَالَهَا، وَقَالَهَا الْمُسْلِمُونَ، فَانْصَدَعَ الْحِصْنُ [ (3) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ أَنَّهُ أُمِّرَ عَلَى جَيْشٍ، فَدَرَّبَ الدُّرُوبَ. فَلَمَّا أَتَى الْعَدُوَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَا يَجْتَمِعُ مَلَأٌ [ (4) ] فَيَدْعُوا بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ بَعْضُهُمْ إِلَّا أَجَابَهُمُ اللهُ. ثُمَّ إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا، وَاجْعَلْ أُجُورَنَا أُجُورَ الشُّهَدَاءِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ الْهِيَاطُ [ (5) ] أَمِيرُ الْعَدُوِّ، فَدَخَلَ عَلَى حَبِيبٍ سرادقه [ (6) ] .
باب ما جاء في حرز الربيع بنت معوذ بن عفراء [1]
بَابُ مَا جَاءَ فِي حِرْزِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر ابن خَنْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أيوب سليمان ابن بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ،، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّبَذِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، تُخْبِرُ عَنِ أُمِّهَا الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا قَابِلَةٌ، قَدْ أَلْقَيْتُ عَلَيَّ مِلْحَفَةً لِي، إِذْ جَاءَنِي أَسْوَدُ يُعَالِجُنِي عَنْ نَفْسِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُوَ يُعَالِجُنِي، أَقْبَلَتْ صحيفة من ورقة صَفْرَاءُ تَهْوِي مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى وَقَعَتْ عِنْدَهُ، فَقَرَأَهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ رَبِّ لَكِينٍ إِلَى لَكِينٍ أَمَّا بَعْدُ- فَدَعْ أَمَتِي بِنْتَ عَبْدِيَ الصَّالِحِ، فَإِنِّي لَمْ أَجْعَلْ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلًا. قَالَتْ: فَانْتَهَرَنِي بِقَرْصَةٍ. وَقَالَ: أَوْلَى لَكِ. فَمَا زَالَتِ القرصة
فِيهَا حَتَّى لَقِيَتِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قال: أخبرنا محمد ابن قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كانت ابنة عوف بن عَفْرَاءَ، مُسْتَلْقِيَةً عَلَى فِرَاشِهَا، فَمَا شَعُرَتْ إِلَّا بِزِنْجِيٍّ، قَدْ وَثَبَ عَلَى صَدْرِهَا، وَوَضَعَ يَدَهُ فِي حَلْقِهَا، فَإِذَا صَحِيفَةٌ صَفْرَاءُ، تَهْوِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى صَدْرِي. فَأَخَذَهَا- تَعْنِي الزَّنْجِيُّ- فَقَرَأَهَا، فَإِذَا فِيهَا: مِنْ رَبِّ لَكِينٍ إِلَى لكين: اجتنب ابن الْعَبْدِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، فَقَامَ وَأَرْسَلَ يَدَهُ مِنْ حَلْقِي، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رُكْبَتِي، فَاسْوَدَّتْ، حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ رَأْسِ الشَّاةِ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا ابْنَةَ أَخِي إِذَا حِضْتِ، فَاجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكِ بإن شَاءَ اللهُ- قَالَ: فَحَفِظَهَا اللهُ بِأَبِيهَا، إِنَّهُ عَلِيٌّ كَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا. كَذَا فِي كِتَابِي بنت عوف بن عَفْرَاءَ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ، وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيُّ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَفَاةُ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهَا نَاسٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ عُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهَا وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا، إِذْ سَمِعُوا نَقِيضًا مِنَ السَّقْفِ فَإِذَا ثُعْبَانٌ أَسْوَدُ قَدْ سَقَطَ، كَأَنَّهُ جِذْعٌ عَظِيمٌ، فَأَقْبَلَ يَهْوِي نَحْوَهَا إِذْ سَقَطَ رَقٌّ أَبْيَضُ فِيهِ مَكْتُوبٌ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» .
مِنْ رَبِّ كَعْبٍ إِلَى كَعْبٍ- لَيْسَ لَكَ عَلَى بَنَاتِ الصَّالِحِينَ سَبِيلٌ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْكِتَابِ سَمَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ.. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بن أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، وَأَنَّهُ كَانَ يَوْمًا قَاعِدًا فِي أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ فُلَانَةَ تَدْعُوكَ. فَذَكَرَ امْتِنَاعَهُ حَتَّى رَدَّتْ إِلَيْهِ الرَّسُولَ، فَقَامَ إِلَيْهَا سَعْدٌ، فَقَالَ: مالك أَجُنِنْتِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى حَيَّةٍ عَلَى الْفِرَاشِ. فَقَالَتْ: تَرَى هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ يَتْبَعُنِي، إِذْ كُنْتُ فِي أَهْلِي، وَإِنِّي لَمْ أَرَهُ مُنْذُ دَخَلْتُ عَلَيْكَ قَبْلَ يَوْمِي هَذَا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَلَا تَسْمَعُ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتِي، تَزَوَّجْتُهَا بِمَالِي، وَأَحَلَّهَا اللهُ لِي، وَلَمْ يُحِلَّ لك منها شيء، فَاذْهَبْ. فَإِنَّكَ إِنْ عُدْتَ قَتَلْتُكَ. قَالَ: فَانْسَابَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ، وَأَمَرَ سَعْدٌ إِنْسَانًا يَتْبَعُهُ أَيْنَ يَذْهَبُ. فَاتَّبَعَهُ حَتَّى دَخَلَ مِنْ بَابِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي وَسَطِهِ وَثَبَ وَثْبَةً فَإِذَا هُوَ فِي السَّقْفِ. قَالَ: فَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
باب ما يذكر من حرز أبي دجانة [1]
بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ حِرْزِ أَبِي دُجَانَةَ [ (1) ] أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيَهِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ علي ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَبِيبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دُجَانَةَ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي دُجَانَةَ، وَاسْمُ أَبِي دُجَانَةَ «سِمَاكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْزَانَ الْأَنْصَارِيُّ» أَمْلَاهُ عَلَيْنَا بِمَكَّةَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ بِبَابِ الصَّفَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ [ (2) ] ، وَكَانَ مَخْضُوبَ اللِّحْيَةِ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي سَلَمَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي خَالِدُ بْنُ أَبِي دُجَانَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي أَبَا دُجَانَةَ يَقُولُ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي فِرَاشِي، إِذْ سَمِعْتُ فِي دَارِي صَرِيرًا كَصَرِيرِ الرَّحَى، وَدَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ، وَلَمْعًا كَلَمْعِ الْبَرْقِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَزِعًا مَرْعُوبًا، فَإِذَا أَنَا بِظِلٍّ أَسْوَدَ مَوْلًى يَعْلُو، وَيَطُولُ فِي صَحْنِ دَارِي فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهِ فَمَسَسْتُ جِلْدَهُ، فَإِذَا جِلْدُهُ كَجِلْدِ الْقُنْفُذِ، فَرَمَى فِي وَجْهِي مِثْلَ شَرَرِ النَّارِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَقَنِي، [وَأَحْرَقَ دَارِي] [ (3) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَامِرُكَ عَامِرُ سُوءٍ يَا أَبَا دُجَانَةَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! وَمِثْلُكَ يُؤْذَى يَا أَبَا دُجَانَةَ! ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، فَأُتِيَ بِهِمَا فَنَاوَلَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: اكْتُبْ يَا أَبَا الْحَسَنِ. فَقَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى مَنْ طَرَقَ الدَّارَ مِنَ الْعُمَّارِ، وَالزُّوَّارِ، وَالصَّالِحِينَ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ لَنَا، وَلَكُمْ فِي الْحَقِّ سَعَةً، فَإِنْ تَكُ عَاشِقًا مُولَعًا، أَوْ فَاجِرًا مُقْتَحِمًا أَوْ رَاغِبًا حَقًّا أَوْ مُبْطِلًا، هَذَا كِتَابُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْطِقُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وَرُسُلُنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ، اتْرُكُوا صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا، وَانْطَلِقُوا إِلَى عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، وَإِلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ. لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ ترجعون. يُغْلَبُونَ «حم» لَا يُنْصَرُونَ، حم عسق، تُفَرِّقَ أَعْدَاءَ اللهِ، وَبَلَغَتْ حُجَّةُ اللهِ، وَلَا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.. قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ فَأَدْرَجْتُهُ وَحَمَلْتُهُ إِلَى دَارِي، وَجَعَلْتُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَبِتُّ لَيْلَتِي فَمَا انْتَبَهْتُ إِلَّا مِنْ صُرَاخِ صَارِخٍ يَقُولُ: يَا أَبَا دُجَانَةَ! أحرقتنا،
وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، الْكَلِمَاتُ بِحَقِّ صَاحِبِكَ لَمَا رَفَعْتَ عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ، فَلَا عَوْدٌ لَنَا فِي دَارِكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي أَذَاكَ، وَلَا فِي جِوَارِكَ، وَلَا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ. قَالَ أَبُو دُجَانَةَ فَقُلْتُ لَا، وَحَقِّ صَاحِبِي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرفعنه حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: فَلَقَدْ طَالَتْ عَلَيَّ لَيْلَتِي بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَنِينِ الْجِنِّ وَصُرَاخِهِمْ وَبُكَائِهِمْ، حَتَّى أَصْبَحْتُ فَغَدَوْتُ، فَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ مِنَ الْجِنِّ لَيْلَتِي، وَمَا قُلْتُ لَهُمْ. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا دُجَانَةَ ارفع عن القوم، فو الذي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا إِنَّهُمْ لَيَجِدُونَ أَلَمَ الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. تَابَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرٍ الرَّازِيِّ الْحَافِظِ عَنْ أَبِي دُجَانَةَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي حِرْزِ أَبِي دُجَانَةَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ [ (4) ] [وَاللهُ تَعَالَى اعلم بالصواب] [ (5) ] .
باب ما روى في الأمان من السرق والحرق
بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْأَمَانِ مِنَ السَّرَقِ وَالْحَرَقِ أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد الله بن محمد ابن بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قال: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين ابن مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي مَنْصُورُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَهْشَلُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [ (1) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ أَمَانٌ مِنَ السَّرَقِ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَاهَا حَيْثُ أَخَذَ مَضْجَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَارِقٌ فَجَمَعَ مَا فِي الْبَيْتِ وَحَمَلَهُ، وَالرَّجُلُ لَيْسَ بِنَائِمٍ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الباب فوجد الْبَابِ مَرْدُودًا فَوَضَعَ الْكَارَةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَضَحِكَ صَاحِبُ الدَّارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَحْصَنْتُ بَيْتِيَ فَذَهَبَ اللِّصُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ [ (2) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ! قال: حدثنا
الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ، عَنْ طَلْقٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ. احْتَرَقَ بَيْتُكَ قَالَ: مَا احْتَرَقَ بَيْتِي. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ احْتَرَقَ بَيْتُكَ. قَالَ مَا احْتَرَقَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ. انْبَعَثَتِ النَّارُ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى بَيْتِكَ طُفِئَتْ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ إن الله عز وجل لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ. قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ مَا نَدْرِي أَيُّ كَلَامِكَ أَعْجَبُ. قَوْلُكَ: مَا احْتَرَقَ، أَوْ قَوْلُكَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ. قَالَ: ذَاكَ لِكَلِمَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، مَنْ قَالَهَا. أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهَا آخِرَ النَّهَارِ لَمْ تُصِبْهُ حَتَّى يُصْبِحَ. اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَمِنْ شَرٍّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا. إِنَّ رَبِّي عَلَى صراط مستقيم [ (3) ] .
باب ما جاء في مصارعة امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) شيطانا لقيه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُصَارَعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) شَيْطَانًا لَقِيَهُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي الجنود، عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ شَيْطَانًا فَصَرَعَهُ، أَحْسِبُهُ قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ شَيْئًا، لَا تَقُولُهُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَجَ. أَظُنُّهُ فَعَلَّمَهُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ. قَالَ زِرٌّ فَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: مَنْ تَرَوْنَهُ إِلَّا ابْنَ الْخَطَّابِ [ (1) ] . قُلْتُ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ لَقِيَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ فَذَكَرَهُ. وَذَكَرَ صفته.
باب ما جاء في قتال عمار بن ياسر مع الجن، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنه
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِتَالِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَعَ الْجِنِّ، وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ يَقُولُ: قَدْ قَاتَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ. فَقِيلَ: هَذَا الْإِنْسُ قَدْ قَاتَلْتَ. فَكَيْفَ قَاتَلْتَ الْجِنَّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى بِئْرٍ أَسْتَقِي مِنْهَا، فَلَقِيتُ الشَّيْطَانَ فِي صُورَتِهِ، حَتَّى قَاتَلَنِي فَصَرَعْتُهُ، ثُمَّ جَعَلْتُ أُدْمِي أَنْفَهُ بِفِهْرٍ مَعِي، أَوْ حَجَرٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَمَّارًا لَقِيَ الشَّيْطَانَ عِنْدَ بِئْرٍ فَقَاتَلَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ سَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِالْأَمْرِ. فَقَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمَّارٍ بِمِثْلِهِ. هَذَا الْإِسْنَادُ الْأَخِيرُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ. أَلَيْسَ فِيكُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
باب ما جاء في سؤال إبليس عن الدين ليشكك [1] الناس فيه
بَابُ مَا جَاءَ فِي سُؤَالِ إِبْلِيسَ عَنِ الدِّينِ لِيُشَكِّكَ [ (1) ] النَّاسَ فِيهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْبَحِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَقْبَحِهِمْ ثِيَابًا، وَأَنْتَنِ النَّاسِ رِيحًا، جَلْقٌ جَافٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. فَقَالَ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ. قَالَ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: مَنْ خَلَقَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: سُبْحَانَ اللهِ، وَأَمْسَكَ بِجَبْهَتِهِ، وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَقَامَ الرَّجُلُ فَذَهَبَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، فَقَالَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ: فَطَلَبْنَاهُ فَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا إِبْلِيسُ جَاءَ يُشَكِّكُكُمْ فِي دينكم [ (2) ] .
باب ما ظهر على من ارتد عن الإسلام في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ومات على ردته من النكال، ثم من قتل من شهد بالحق من ذلك، وما في كل واحد منهما من دلائل النبوة.
بَابُ مَا ظَهَرَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنَ النَّكَالِ، ثُمَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّصْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَانْطَلَقَ هَارِبًا، حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ. قَالُوا، هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ [ (1) ] فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ، فأصبحت الأرض قد نبدته عَلَى وَجْهِهَا [ (2) ] ، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ [ (3) ] . زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ مِرَارًا [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد
ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، قَالَ: فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَعَادَ نَصْرَانِيًّا وَكَانَ يَقُولُ: مَا أَرَى يحسن محمدا إِلَّا مَا كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فَأَقْبَرُوهُ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ. قَالُوا: هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرْضَ دِينَهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا، فَأَلْقَوْهُ. قَالَ: فَحَفَرُوا لَهُ، فَأَعْمَقُوا فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ مِنَ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. بِمَعْنَاهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَمِمَّا زَادَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْبَلُهُ الْأَرْضُ، فَذُكِرَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ أَتَى الْأَرْضَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا. فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا دَفَنَّاهُ مِرَارًا، فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ [ (5) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ السُّمَيْطِ بْنِ السُّمَيِّرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ، بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، قَالَ: فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مِنَ المشركين،
فَلَمَّا غَشِيَهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَتَلَهُ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. إِنِّي قَدْ أَحْدَثْتُ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: وَمَا أَحْدَثْتَ؟ قَالَ: إِنِّي حَمَلْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَلَمَّا غَشَيْتُهُ بِالرُّمْحِ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مُتَعَوِّذٌ، فَقَتَلْتُهُ، قَالَ: «فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ» ؟ فَقَالَ: وَيَسْتَبِينُ لِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَقَدْ قَالَ لَكَ بِلِسَانِهِ، فَلَمْ تُصَدِّقْ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ» . قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ مَاتَ فَدَفَنَّاهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَقُلْنَا: عَدُوٌّ نَبَشَهُ. قَالَ: فَأَمَرْنَا غِلْمَانَنَا، وَمَوَالِيَنَا فَحَرَسُوهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَقُلْنَا: اغْفَلُوا عَنْهُ، فَحَرَسْنَاهُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَنَاهُ، قَالَ: إِنَّهَا لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللهَ أَحَبَّ أَنْ يُعَظِّمَ الذَّنْبَ. ثُمَّ قَالَ، «اذْهَبُوا إِلَى سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، فَانْضِدُوا عَلَيْهِ من الحجارة» [ (6) ] .
باب ما أعطي الأنبياء من الآيات وما أعطي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الآية الكبرى، التي عجز عنها قومه، حتى آمن عليها من أراد الله به منهم خيرا.
بَابُ مَا أُعْطِيَ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْآيَاتِ وَمَا أُعْطِيَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَةِ الْكُبْرَى، الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا قَوْمُهُ، حَتَّى آمَنَ عَلَيْهَا مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ مِنْهُمْ خَيْرًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ، إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ ما مثله من عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وغيره عَنِ اللَّيْثِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ علي
الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مَا صُدِّقْتُ. إِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُسَيْنٍ الجعفي [ (2) ] .
باب ما جاء في نزول القرآن وهو نزول الملك بما حفظ من كلام الله - عز وجل - إلى السماء الدنيا، ثم نزوله به مفصلا على نبينا صلى الله عليه وسلم من وقت البعث إلى حال الوفاة [صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ وَهُوَ نُزُولُ الْمَلَكِ بِمَا حَفِظَ مِنْ كَلَامِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نُزُولِهِ بِهِ مُفَصَّلًا عَلَى نبينا صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ الْبَعْثِ إِلَى حَالِ الْوَفَاةِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (1) ] . حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ (2) ] . قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوقِعِ النُّجُومِ، فَكَانَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، بَعْضُهُ فِي أَثَرِ بَعْضٍ. قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ، وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا ... [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ
بِعِشْرِينَ سَنَةً: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [ (4) ] . وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [ (5) ] .
باب تتابع الوحي عليه في آخر عمره
بَابُ تَتَابُعِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ. (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن صالح ابن كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسٌ أَنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ. أَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّيَ. وأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عن عمرو الناقد [ (1) ] .
باب آخر سورة نزلت جميعا وما فيها من نعيه صلى الله عليه وسلم
بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ جَمِيعًا وَمَا فِيهَا مِنْ نَعْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّبِيعِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ.. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.. قَالَ: صَدَقْتَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ جعفر ابْنِ عَوْنٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ، أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَعْلَمَهُ. إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (2) ] فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَضَى. وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلَ مَا تَعْلَمُ [ (3) ] .
باب آخر سورة نزلت وآخر آية نزلت فيما قال البراء بن عازب، ثم فيما قال غيره
بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَآخَرِ آيَةٍ نَزَلَتْ فِيمَا قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، ثُمَّ فِيمَا قَالَ غَيْرُهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمَةَ، عَنْ وَكِيعٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ، بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَسْتَفْتُونَكَ.... رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غندر عن شعبة [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمُنَادِي. (ح) وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... [ (3) ] نَزَلَتْ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْتِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا [ (4) ] . زَادَ الْمُنَادِي فِي رِوَايَتِهِ نَزَلَتْ بِمِنًى كَذَا فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ. وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ. النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ
أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ، آيَةُ الرِّبَا [ (7) ] . وَإِنَّا لَنَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لَا نَدْرِي، لعلَّ لَيْسَ بِهِ بأسٌ وَنَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ لعلَّ بِهِ بأسٌ [ (8) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ آخِرُ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ- آيَةُ الرِّبَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدْ آبَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي الشَّعْرَانِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَاهُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَرُوزِيُّ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ خَمْسَةَ أَوْثُقٍ مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ، بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... [ (11) ] . قُلْتُ: هَذَا الِاخْتِلَافُ يَرْجِعُ- وَاللهُ أَعْلَمُ- إِلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ أَوَاخِرِ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ. وَاللهُ أَعْلَمُ [ (12) ] .
باب ذكر السور التي نزلت بمكة والتي نزلت بالمدينة
بَابُ ذِكْرِ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَالَّتِي نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ابن وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَا: أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... ، وَن، وَالْقَلَمِ..، وَالْمُزَّمِّلَ، وَالْمُدَّثِّرَ، وتَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ..، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ..، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى..، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى..، وَالْفَجْرِ، وَالضُّحَى، وَالِانْشِرَاحَ أَلَمْ نَشْرَحْ..، وَالْعَصْرِ، والعاريات، والكوثر، وأَلْهاكُمُ..، وأَ رَأَيْتَ..، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ..، وأصحاب الفيل، والفَلق، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ..، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ..، وَالنَّجْمِ، وعَبَسَ وَتَوَلَّى..، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ..، وَالشَّمْسِ وَضُحاها..، وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ..، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ..، ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ ... ، وَالْقَارِعَةَ، وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ... ، وَالْهُمَزَةَ، والمرسلات، ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ..، وَلَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ... ، وَالسَّماءِ
وَالطَّارِقِ..، واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ..، ص وَالْقُرْآنِ ... ، وَالْجِنَّ، وَيس، وَالْفُرْقَانَ، وَالْمَلَائِكَةَ، وَطه، وَالْوَاقِعَةَ، وَطسم، وَطس، وَطسم، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالتَّاسِعَةَ، وَهُودَ، وَيُوسُفَ، وَأَصْحَابَ الْحِجْرِ، وَالْأَنْعَامَ، وَالصَّافَّاتِ، وَلُقْمَانَ، وَسَبَأَ، وَالزُّمَرَ، وَحم الْمُؤْمِنِ، وَحم الدُّخَانِ، وَحم السَّجْدَةِ، وحمعسق، وَحم الزُّخْرُفِ، وَالْجَاثِيَةَ، وَالْأَحْقَافَ، وَالذَّارِيَاتِ، وَالْغَاشِيَةَ، وَأَصْحَابَ الْكَهْفِ، وَالنَّحْلَ، وَنُوحَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالْأَنْبِيَاءَ، وَالْمُؤْمِنُونَ، وَالم السَّجْدَةَ، وَالطُّورِ، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ... ، والحاقة، وسَأَلَ سائِلٌ ... ، عَمَّ يَتَساءَلُونَ ... ، وَالنَّازِعَاتِ، وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ... ، وإِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ... ، وَالرُّومَ، وَالْعَنْكَبُوتَ. وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ... ، وَالْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالْأَنْفَالُ، وَالْأَحْزَابُ، والمائدة، والممتحنة، والنساء، إِذا زُلْزِلَتِ..، وَالْحَدِيدُ، وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ، وَالرَّحْمَنُ، وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ... ، والطلاق، لَمْ يَكُنِ ... ، وَالْحَشْرُ، وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ..، وَالنُّورُ، وَالْحَجُّ، والمنافقون، والمجادلة، والحجرات، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ..، وَالصَّفُّ، وَالْجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَالْفَتْحُ، وَبَرَاءَةٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالتَّاسِعَةُ يُرِيدُ سُورَةَ يُونُسَ قُلْتُ: وَقَدْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، والأعراف، كهيعص ... فِيمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ [ (1) ] . وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ السُّوَرَ الَّتِي سَقَطَتْ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي ذِكْرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، مَعَ الْمُرْسَلِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ [ (2) ] . وَفِي بَعْضِ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ آيَاتٌ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَأُلْحِقَتْ بِهَا، قد ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّدُ بْنُ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا كَانَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ «يا أيها الناس» فَبِمَكَّةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من الْقُرْآنِ، فِيهِ ذِكْرُ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ، وَمَا يُثَبِّتُ بِهِ الرَّسُولَ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنَ الْفَرَائِضِ والسنن نزل بالمدينة [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ: لما. قَالَ لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ. فَإِنَّا نَقْرَأُهُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ إِنَّهُ نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالسَّاعَةُ أدهى وأمرّ» [ (4) ] . وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، والنساء، إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ قَالَ: فَأَخْرَجَتِ الْمُصْحَفَ لَهُ. فَأَمْلَيْتُ أَنَا السُّوَرَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ: فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ، أَيِ السُّوَرَ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (5) ] . حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن أَحْمَدَ بْنِ دُلَّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ، فَانْدَقَّتْ كَفُّ رَاحِلَتِهِ الْعَضْبَاءَ من ثقل السورة.
باب ما جاء في عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم في كل عام مرة، وعرضه عليه في العام الذي قبض فيه مرتين
بَابُ مَا جَاءَ فِي عَرَضِ الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَعَرْضِهِ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ مِنْ كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا [ (1) ] . قَالَ: وَكَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كُلَّ رَمَضَانَ. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ [ (2) ] . رَوَى الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَرَوَى الْحَدِيثَ الثَّانِي عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي بكر.
باب ما جاء في تأليف القرآن [1] ، وقوله عز وجل إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون 15: 9 [2] وما ظهر من الآيات فيما نسخ من رسمه وفيما لم ينسخ منه
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ [ (1) ] ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (2) ] وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ فِيمَا نُسِخَ مِنْ رَسْمِهِ وَفِيمَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وهب ابن جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ [ (3) ] . قُلْتُ: وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ تَأْلِيفَ مَا نَزَلَ مِنَ الْكِتَابِ: الْآيَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ فِي سُوَرِهَا، وَجَمْعَهَا فَيهَا بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَانَتْ مُثْبَتَةً فِي الصُّدُورِ،
مَكْتُوبَةً فِي الرِّقَاعِ، وَاللِّخَافِ، والعشب، فَجَمَعَهَا مِنْهَا فِي صُحُفٍ، بِإِشَارَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، ثُمَّ نَسَخَ مَا جَمَعَهُ فِي الصُّحُفِ، فِي مَصَاحِفَ بإشارة عثمان ابن عَفَّانَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) عَلَى مَا رَسَمَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ- قَدِمَ عَلَيْنَا- مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ إِمْلَاءً قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ [ (4) ] ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ [ (5) ] فَأَتَيْتُهُ. فَإِذَا عُمَرُ جَالِسٌ عِنْدَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ جَاءَنِي، فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ [ (6) ] يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ [ (7) ] ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنِ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ كلها [ (8) ] ، فيذهب
قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ نَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ. حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَآهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ، فَاجْمَعْهُ [ (9) ] . قال زيد: فو الله لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ، مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرُونِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ من الرقاع [ (10) ] والعشب [ (11) ] ، وَاللِّخَافِ [ (12) ] ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ- مَعَ خُزَيْمَةَ- أَوْ أَبِي خزيمة [ (13) ]
الْأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ [ (14) ] لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (15) ] . فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ [ (16) ] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُهَا. فَالْتَمَسُوهَا، فَوَجَدُوهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (17) ] . فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ [ (18) ] قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ، وَأَذْرَبِيجَانَ. قَالَ: فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.. أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ، كَمَا اخْتَلَفَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَبَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَرْسِلِي بِالصُّحُفِ، نَنْسَخْهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدَّهَا عَلَيْكِ، فَبُعِثَ بِهَا إِلَيْهِ، فَدَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَأَمَرَهُ وَعَبْدَ
الله بن الزبير، وسعيدا بْنَ الْعَاصِ، وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ: مَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدٌ فَاكْتِبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَكَتَبُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ، وَأَمَرَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ صُحُفٍ أَنْ تُمْحَى أَوْ تُحْرَقَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي «التَّابُوتِ» فَقَالَ زَيْدٌ: «التَّابُوةُ» ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ: «التَّابُوتُ» ، فَرَفَعُوا اخْتِلَافَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبُوهَا «التَّابُوتَ» ، فَإِنَّهَا بِلِسَانِهِمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو الْوَلِيدِ. إِلَّا أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ ذَكَرِ فِي حَدِيثِهِ، أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ الْقَوْمَ أَنْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ. فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَخَالَفَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ عُثْمَانَ، رَدَّ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَدَّ الصَّحِيفَةَ إِلَى حَفْصَةَ. وَوَصَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا، هُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي التَّابُوتِ. فَقَالَ الرَّهْطُ الْقُرَشِيُّونَ: التَّابُوتُ. وَقَالَ زَيْدُ: «التَّابُوهُ» فَرَفَعُوا اخْتِلَافَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبُوهُ التَّابُوتَ فَإِنَّهَ لِسَانُ قُرَيْشٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ [ (19) ] . قُلْتُ: وَالَّذِي يَعْمَلُ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ مُؤَلَّفَةً فِي سُوَرِهَا، مَا رُوِّينَا فِي
كِتَابِ السُّنَنِ [ (20) ] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَرَأَ فِي صَلَاةِ كَيْتَ بِسُورَةِ كَيْتَ، وَفِي صَلَاةِ كَيْتَ بِسُورَةِ كَيْتَ، وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ حَفِظُوا جَمِيعَ الْقُرْآنَ، وَحَفَظُوهُ فِي صُدُورِهِمْ، مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَذَكَرُوا مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ، كَانَتْ مُؤَلَّفَةً فِي سُوَرِهَا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ مُثْبَتَةً، وَعَلَى الرِّقَاعِ وَغَيْرِهَا مَكْتُوبَةً. فَرَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ جَمْعَهَا فِي صُحُفٍ. ثُمَّ رَأَى عُثْمَانُ نَسْخَهَا فِي مَصَاحِفَ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِلَّا أَنَّ سُورَةَ بَرَاءَةٌ كَانَتْ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ يُبَيِّنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَهَا مِنَ التَّأْلِيفِ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةٌ بِالْأَنْفَالِ، فَقَرَنَتْهَا الصَّحَابَةُ بِالْأَنْفَالِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ؟ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٌ؟ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ. مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟
فَقَالَ عُثْمَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ، ذَوَاتُ عَدَدٍ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، يَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُهُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا] [ (22) ] . فَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وبراءة مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةٌ بِقِصَّتِهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ (23) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ هَوْذَةَ، وَحَدِيثُ رَوْحٍ قَرِيبٌ مِنْهُ. قُلْتُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعْهُ فِي مُصْحَفٍ وَآخَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْمَنُ وُرُودَ النَّسْخِ عَلَى أَحْكَامِهِ وَرُسُومِهِ فَلَمَّا خَتَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ بِوَفَاةِ نَبِيِّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وكان قَدْ وَعَدَ لَهُ حِفْظَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (24) ] وَفَّقَ خُلَفَاءَهُ لِجَمْعِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَحَفِظَهُ كَمَا وَعَدَهُ، وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي إِثْبَاتِ رَسْمِهِمَا لَا أَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ فِي نُزُولِهِمَا. وَالَّذِي رُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّمَا هي القراءة
الْأُولَى، وَكَأَنَّهُمَا فِيمَا خَالَفَا فِيهِ لَمْ يَشْهَدِ النَّسْخَ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَى أَقْضَانَا، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَقْرَأُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ أُبَيٌّ [ (25) ] . وَأُبَيٌّ يَقُولُ: أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَدَعَهُ لِشَيْءٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [ (26) ] . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: حَمْزَةُ ابن الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وإنه عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى أَجَلِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَضَى. وَرُوِّينَا عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْقِرَاءَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، هَذِهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَأُهَا النَّاسُ. أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ، فَذَكَرَهُ. قُلْتُ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نُزُولِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قُرْآنًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ النُّزُولِ. وَفِي إِثْبَاتِ الصَّحَابَةِ رَسْمَهَا، حَيْثُ كَتَبُوهَا فِي مَصَاحِفِهِمْ، دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنِ ادَّعَى نُزُولَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِّينَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ ما يؤكل مَا ذَكَرْنَا فِي جَمْعِ الْقُرْآنِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَذَكَرْنَا فِيهِ أَيْضًا وُجُوهَ النَّسْخِ، وَهُوَ أَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ، وَبَقِيَ رَسْمُهُ، وَذَكَرْنَا مِثَالَ هَذَيْنِ، وَمِنْهُ مَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَحُكْمُهُ. وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ وَرَدَ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ من مال لا تبغي وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ» وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً تشبهها بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا. غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ فتُكتَبَ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، فتُسألون عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ [ (27) ] .
وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ وَرَدَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبَغْدَادِيِّ بِهُرَاةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ رَهْطًا مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَخْبَرُوهُ أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً «قَدْ كَانَ وَعَاهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فَأَتَى بَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ، لِيَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَآخَرُ، حَتَّى اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا جَمَعَهُمْ، فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ السُّورَةِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ السُّورَةِ فَسَكَتَ سَاعَةً لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ، فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فِيهِ. قُلْتُ: وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: وَابْنُ الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ [ (28) ] . وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُنْسَخْ رَسْمُهُ فَإِنَّهُ بَقِيَ [ (29) ] ، بِحَمْدِ اللهِ، ونعمته، محفوظا إلى
الْآنَ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ الدَّهْرُ كَذَلِكَ مَحْفُوظًا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ زِيَادَةٌ: وَلَا نُقْصَانٌ كَمَا قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ... [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ، قال: أخبرنا أبو سهل الأسفرائيني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ قَالَ: حدثنا علي ابن عَبْدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ، وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. قَالَ: حَفِظَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَا يَزِيدُ فِيهِ بَاطِلًا وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ حَقًّا، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (31) ] . قَالَ: هَذِهِ نَظِيرَتُهَا [ (32) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ العزيز ابن جُرَيْجٍ الطُّومَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ فَهْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ يَقُولُ: كَانَ لِلْمَأْمُونِ وَهُوَ أَمِيرٌ إِذْ ذَاكَ مَجْلِسُ نَظَرٍ، فَدَخَلَ فِي مجلسة النَّاسِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ، حَسَنُ الثَّوْبِ. حَسَنُ الْوَجْهِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، قَالَ فَتَكَلَّمَ. فَأَحْسَنَ الْكَلَامَ الْعِبَارَةَ قَالَ: فَلَمَّا أَنْ تَقَوَّضَ الْمَجْلِسُ، دَعَاهُ الْمَأْمُونُ فَقَالَ لَهُ إِسْرَائِيلِيٌّ؟: قَالَ نَعَمْ! قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَلَ بِكَ، وَأَصْنَعَ، وَوَعَدَهُ، فَقَالَ: دِينِي، وَدِينُ آبَائِي، فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ جَاءَنَا مُسْلِمًا، قَالَ: فَتَكَلَّمَ عَلَى الْفِقْهِ، فَأَحْسَنَ الْكَلَامَ. فَلَمَّا أَنْ تَقَوَّضَ [ (33) ] الْمَجْلِسُ دَعَاهُ الْمَأْمُونُ. فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ صَاحِبَنَا بِالْأَمْسِ؟ قَالَ لَهُ بَلَى! قَالَ: فَمَا كَانَ سبب إسلامك؟
قَالَ: انْصَرَفْتُ مِنْ حَضْرَتِكَ. فأجبت أَنْ أَمْتَحِنَ هَذِهِ الْأَدْيَانَ، وَأَنَا مَعَ مَا تَرَانِي حَسَنُ الْخَطِّ فَعَمَدْتُ إِلَى التَّوْرَاةِ. فَكَتَبْتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ فَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْكَنِيسَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْتُ إِلَى الْإِنْجِيلِ. فَكَتَبْتُ ثَلَاثَ نَسْخٍ فَزِدْتُ فِيهَا، ونقصت وَأَدْخَلْتُهَا الْبَيْعَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْتُ إِلَى الْقُرْآنِ فَعَمِلْتُ ثَلَاثَ نَسْخٍ، وَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ وَأَدْخَلْتُهَا [إِلَى] [ (34) ] الْوَرَّاقِينَ، فَتَصَفَّحُوهَا، فَلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَةَ، وَالنُّقْصَانَ، رَمَوْا بِهَا فَلَمْ يَشْتَرُوهَا. فَعَلِمْتُ أَنَّ هَذَا كِتَابٌ مَحْفُوظٌ، فَكَانَ هَذَا سَبَبُ إِسْلَامِي. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ. فَحَجَجْتُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَقِيتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ لِي مِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: قُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ؟ قَالَ: فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجل في التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [ (35) ] فَجَعَلَ حِفْظَهُ إِلَيْهِمْ. فَضَاعَ. وَقَالَ- عَزَّ وَجَلَّ- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (36) ] فَحَفِظَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ. قُلْتُ: وَفِي الْكِتَابِ، ثُمَّ فِي أَخْبَارِ السَّلَفِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ كَانُوا إِذَا غَيَّرُوا شَيْئًا مِنْ أَدْيَانِهِمْ، غَيَّرُوهُ أَوَّلًا مِنْ كُتُبِهِمْ. وَاعْتَقَدُوا خِلَافَهُ بِقُلُوبِهِمْ، ثُمَّ أَتْبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، أَقْوَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ حَفِظَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَثَبَّتَهُمْ عَلَى عَقَائِدِهِمْ، حَتَّى لَا يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ فِعْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَفْلَةٍ خِلَافَهَا- وَالْحَمْدُ لِلَّهِ- عَلَى حِفْظِ دِينِهِ، وَعَلَى مَا هَدَانَا لِمَعْرِفَتِهِ وَنَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ إِلَى الْمَمَاتِ، وَالْمَغْفِرَةَ يَوْمَ تُحْشَرُ الْأَمْوَاتُ إِلَهٌ سُمَيْعُ الدُّعَاءِ، فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وعلى آله وسلم.
جماع أبواب مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، ودلالات الصدق.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ، وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ.
باب ما جاء في نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه إلى أبي مويهبة مولاه [1] ، وإخباره إياه بما اختاره لنفسه فيما خير فيه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ إِلَى أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَاهُ [ (1) ] ، وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهُ بِمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خُيِّرَ فِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ [بْنِ حُنَيْنٍ] مَوْلَى الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْبَهَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا [ (2) ] الْبَقِيعَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: لِيَهْنَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، وَالْخُلْدَ فِيهَا. ثُمَّ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: وَاللهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ
ابْتُدِئَ بِوَجَعِهِ الَّذِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الرِّيَاحِيُّ [ح] [ (4) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَامِيِّ الْمُقْرِئُ رَحِمَهُ اللهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَّادُ،، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الوهاب الرباحي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَذَكَرَاهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طاووس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ الْخَزَائِنَ وَخُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَبْقَى حَتَّى أَرَى مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي، وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ فَاخْتَرْتُ التَّعْجِيلَ. هَذَا مُرْسَلٌ، وَهُوَ شَاهِدٌ لحديث أبي مويهبة [ (6) ] .
باب ما جاء في نعيه نفسه صلى الله عليه وسلم إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها، وإخباره إياها بأنها أول أهل بيته به لحوقا، فكان كما قال.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْيِهِ نَفْسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهَا بِأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ بِهِ لُحُوقًا، فَكَانَ كَمَا قَالَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَعَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ. فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ فَبَكَيْتُ. قَالَتْ: ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ
[عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (2) ] لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، مَا تُخْطِئُ، مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ أَبِيهَا. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي فَأَقْعَدَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ. فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ وَتَبْكِينَ! فَلَمَّا قُدِّمَ، قُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي بِمَا سَارَّكِ. مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: أَسْأَلُكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ، لَمَا أَخْبَرْتِينِي بِمَا سَارَّكِ فَقَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ. قَالَتْ: سَارَّنِي فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كل سنة مرة، وأنه عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا عِنْدَ اقْتِرَابِ أَجَلِي. فَاتَّقِي اللهَ، وَاصْبِرِي فَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ. ثُمَّ سَارَّنِي فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَعْنِي فَضَحِكْتُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كَامِلٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ. إِذْ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ، قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قال:
حَدَّثَنَا ابْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ أُمَّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ، حَدَّثَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ لِفَاطِمَةَ: يَا بُنَيَّةُ أَحْنِي عَلَيَّ، فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ، فَنَاجَاهَا سَاعَةً، ثُمَّ انْكَشَفَتْ عَنْهُ، وَهِيَ تَبْكِي وَعَائِشَةُ حَاضِرَةٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ: أَحْنِي عَلَيَّ يَا بُنَيَّةُ فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا سَاعَةً، ثُمَّ انْكَشَفَتْ تَضْحَكُ. قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ. أَيْ بُنَيَّةُ أَخْبِرِينِي مَاذَا نَاجَاكِ أَبُوكِ؟ قالت فاطمة، أو شكت رَأَيْتِهِ نَاجَانِي عَلَى حَالِ سِرٍّ! وَظَنَنْتِ أَنِّي أُخْبِرُ بِسِرِهِ وَهُوَ حَيٌّ! قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ سِرًّا دُونَهَا. فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ: أَلَا تُخْبِرِينِي بِذَلِكَ الْخَبَرِ؟ قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ، فَنَعَمْ. نَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَنِي بِالْقُرْآنِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ. وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا عَاشَ بَعْدَهُ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَأَخْبَرَنِي، أَنَّ عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَاشَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، فَلَا أَرَانِي إِلَّا ذَاهِبًا عَلَى رَأْسِ السِّتِّينَ، فَأَبْكَانِي ذَلِكَ. وَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ رَزَنَةً مِنْكُمْ، فَلَا تَكُونِي مِنْ أَدْنَى امْرَأَةٍ صَبْرًا. وَنَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ، فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ. وَقَالَ: إِنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْبَتُولِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ [ (4) ] . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ المسيب أن عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ كَانَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. فَإِنْ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَوَهْبٍ فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ، والله أعلم،
بِمَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ، بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبيد الصفار، فال: حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي. فَبَكَتْ، ثُمَّ ضَحِكَتْ، قَالَتْ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: اصْبِرِي. فَإِنَّكِ أَوَّلُ اهلي لا حقا بِي فَضَحِكْتُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، أَتَسْأَلُهُ، وَلَنَا بَنُونَ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّمَ قَالَ: فَسَأَلَهُمْ عَنْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ: فَقُلْتُ أَنَا: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ السُّورَةَ إِلَى آخِرِهَا إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ [ (5) ] . قُلْتُ: مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى: أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ هَذِهِ السُّورَةَ. فَكَانَتْ عَلَامَةً لِاقْتِرَابِ أَجَلِهِ. وَعَارَضَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَتْ عَلَامَةً أُخْرَى لِأَجَلِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِعُمْرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَتْ عَلَامَةً أُخْرَى لِأَجَلِهِ، وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِيمَا رُوِّينَا، وَفِيمَا نَرْوِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ. فَكَانَتْ عَلَامَةً أُخْرَى لِأَجَلِهِ. فَأَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرُّوَاةِ مَا سمع.
باب ما جاء في إشارته إلى عائشة رضي الله عنها في ابتداء مرضه بما يشبه النعي، ثم إخباره إياها بحضور أجله وما في حديثها من أنه صلى الله عليه وسلم توفي شهيدا
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ بِمَا يُشْبِهُ النَّعْيَ، ثُمَّ إِخْبَارِهِ إِيَّاهَا بِحُضُورِ أَجَلِهِ وَمَا فِي حَدِيثِهَا مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ شَهِيدًا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ مَحْفُوظٍ الْفَقِيهُ الْجَنْزَرُوذِيُّ، وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ التُّرْكِيُّ. ح وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وا رأساه. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ، وَأَدْعُوَ لَكِ. فقالت عائشة: وا ثكلياه! وَاللهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: بل أنا وا رأساه، لَقَدْ هَمَمْتُ، أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِهِ، فَأَعْهَدَ، أنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ [ (1) ] ، فَقُلْتُ: يَأْبَى اللهُ، وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ. أَوْ يَدْفَعُ اللهُ، وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَدِّعُ، وَأَنَا أَشْتَكِي رَأْسِي، فقلت: وا رأساه. فَقَالَ بَلْ أَنَا وَاللهِ يا عائشة وا رأساه. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: وَمَا عَلَيْكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي فُوُلِّيتُ أَمْرَكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَوَارَيْتُكِ فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ، لَقَدْ خَلَوْتَ بِبَعْضِ نِسَائِكَ فِي بَيْتِي آخِرَ النَّهَارِ، فَأَعْرَسْتَ بِهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَمَادَى بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَاسْتَقَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنَّا لَنَرَى بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْجَنْبِ، فَهَلُمُّوا فَلْنَلُدَّهُ، فَلَدُّوهُ [ (3) ] ، وَأَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: عَمُّكَ الْعَبَّاسُ تَخَوَّفَ أَنْ تَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ، لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لَدَدْتُمُوهُ، إِلَّا عَمِّي الْعَبَّاسَ، فَلُدَّ أَهْلُ الْبَيْتِ كُلُّهُمْ، حَتَّى مَيْمُونَةُ. وَإِنَّهَا الصَّائِمَةُ يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِي، وَهُوَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ- لَمْ تُسَمِّهِ- تَخُطُّ قَدَمَاهُ بِالْأَرْضِ إِلَى بَيْتِ عائشة [ (4) ] .
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي مَعَ الْعَبَّاسِ، لَمْ تُسَمِّهِ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا! قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه [ (5) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْأَشْقَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، قال: حدثنا يونس، عن بن شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ- الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ-، «يَا عَائِشَةُ، لَمْ أَزَلْ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، فَقَالَ: وَقَالَ يُونُسُ [ (6) ] . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ. وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا، واتّخذه شهيدا.
باب ما جاء في استئذانه [أزواجه] [1] في أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنها -، ثم ما جاء في اغتساله وخروجه إلى الناس، وصلاته بهم وخطبته إياهم ونعيه نفسه إليهم، وإشارته إلى أمن الناس عليه في صحبته، وماله ليدلهم بذلك على عظم شأنه وكبر محله [علي
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِئْذَانِهِ [أَزْوَاجَهُ] [ (1) ] فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، ثُمَّ مَا جَاءَ فِي اغْتِسَالِهِ وَخُرُوجِهِ إِلَى النَّاسِ، وَصَلَاتِهِ بِهِمْ وَخُطْبَتِهِ إِيَّاهُمْ وَنَعْيِهِ نَفْسَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِشَارَتِهِ إِلَى أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِهِ، وَمَالِهِ لِيَدُلَّهُمْ بِذَلِكَ عَلَى عِظَمِ شَأْنِهِ وَكِبَرِ محله [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ. (ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى ابن مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَاشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ الْعَبَّاسِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ؟ فَقَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّهِ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا! قَالَ: عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لما أُدْخِلَ بَيْتِي، فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ،
قَالَ: هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أوليتهنّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ ضَبَطَهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ [ (3) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، وَيَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُثَنَّى (ح) . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ سَالِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَبِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللهِ، فَاخْتَارَ الرَّجُلُ مَا عِنْدَ اللهِ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ. أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ يُخَيَّرُ، فَكَانَ الْمُخَيَّرُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ: لَا تَبْكِ يَا أَبَا بَكْرٍ. إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا لا تخدته، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ
بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدَانَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خَطَبَ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَعِيشَ فِيهَا، وَيَأْكُلَ مِنَ الدُّنْيَا [ (6) ] مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-، فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (7) ] ، قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ أَنْ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا صَالِحًا، خَيَّرَهُ رَبُّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولُ اللهِ! بَلْ نَفْدِيكَ بِأَمْوَالِنَا، وَأَبْنَائِنَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ، وَذَاتِ يَدِهِ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا من أمتي خليلا لا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ. وَلَكِنْ وُدٌّ، وَإِخَاءٌ وَإِيمَانٌ، وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ» [ (8) ] .
وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو الْمُعَلَّى الْأَنْصَارِيُّ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حِينَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ، بعد ما اغْتَسَلَ لِيَعْهَدَ إِلَى النَّاسِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا، لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ. سُدُّوا عَنِّي كل خوجة في المسجد غير خوجة أَبِي بَكْرٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ وَهْبِ ابن جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو الدُّقِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ لِي مِنْكُمْ إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ [ (10) ] ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا. وَإِنَّ رَبِّي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا. وَإِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كانوا قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم
وصلحائهم مساجدا، فلا تتخذوا القبور مساجدا فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (11) ] . قُلْتُ: وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابن حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، مُلْتَحِفًا بِمِلْحَفَةٍ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ مِثْلَ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا، وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلْيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ، قَالَ: فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْغَسِيلِ [ (12) ] . وَوَصِيَّتُهُ بِالْأَنْصَارِ، - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا» - إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنْ لَا حَقَّ لِلْأَنْصَارِ فِي الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ- «دَسْمَاءَ» أَرَادَ بِهِ سَوْدَاءَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأبو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ، أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ: «أَفِيضُوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى، حَتَّى أَخْرُجَ فَأَعْهَدَ إلى النَّاسِ» ،
ففعلوا، فَخَرَجَ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا ذَكَرَ، بعد حمد الله وثناء عَلَيْهِ، ذِكْرَ أَصْحَابِ أُحُدٍ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَدَعَا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ تَزِيدُونَ، وَالْأَنْصَارُ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنَّهُمْ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ قَدْ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللهِ» ، فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْبُيُوتِ الشَّارِعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْضَلَ عِنْدِي يَدًا فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ» [ (13) ] . هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَفِيهِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ تَارِيخِ هَذِهِ الْخُطْبَةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ بعد ما اغْتَسَلَ، لِيَعْهَدَ إِلَى النَّاسِ، وَيَنْعِيَ نَفْسَهُ إِلَيْهِمْ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ زُبَيْدِ بْنِ طُوسَا، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنِ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ، فَأَحْدَقَ النَّاسُ بِالْمِنْبَرِ، [وَاسْتَكْفَوْا] ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَقَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ السَّاعَةَ» ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، فَلَمَّا قَضَى تَشَهُّدَهُ، كَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنِ اسْتَغْفَرَ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللهِ، فَاخْتَارَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ، فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي، نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا، وَأُمَّهَاتِنَا، وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: على رسلك [ (14) ] .
باب ما روي في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بذله نفسه وماله بحق إن كان لأحد قبله حتى يلقى الله تعالى، وليست لأحد عنده مظلمة، وما ذكر بها لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) .
بَابُ مَا رُوِيَ فِي خُطْبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من بَذْلِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِحَقٍّ إِنْ كَانَ لِأَحَدٍ قِبَلَهُ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى، وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ، وما ذكر بها لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَبَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى القزاز، عن الحارث ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِيَاسٍ اللَّيْثِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ فَقَالَ: خُذْ بِيَدِي يَا فَضْلُ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، حَتَّى قَعَدَ على المنبر، قم قَالَ: نَادِ فِي النَّاسِ يَا فَضْلُ. فَنَادَيْتُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. قَالَ: فَاجْتَمَعُوا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ.. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وَلَنْ تَرَوْنِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فِيكُمْ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ غَيْرَهُ غَيْرَ مُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَهُ فِيكُمْ، أَلَا فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَعِدْ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا، فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَعِدْ، وَلَا يَقُولَنَّ قَائِلٌ: أَخَافُ الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي، وَلَا مِنْ خُلُقِي. وَإِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا، إِنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ، وَحَلَّلَنِي، فَلَقِيتُ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ.
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لِي عِنْدَكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. فَقَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا أُكَذِّبُ قَائِلًا. وَلَا مُسْتَحْلِفُهُ عَلَى يَمِينٍ فِيمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي؟ قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّهُ مَرَّ بِكَ سَائِلٌ فَأَمَرْتَنِي، فَأَعْطَيْتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. قال: أعطيه يَا فَضْلُ. قَالَ: فَأَمَرْتُهُ فَجَلَسَ. ثُمَّ عَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْغُلُولِ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عِنْدِي ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: وَلِمَ غَلَلْتَهَا؟ قَالَ: كُنْتُ إِلَيْهَا مُحْتَاجًا، فَقَالَ: خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ. ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه سلم فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أحسّ نفسه شيئا فليقم، أدعوا اللهَ- عَزَّ ذِكْرُهُ لَهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَمُنَافِقٌ وَإِنِّي لَكَذُوبٌ، ولنؤوم. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وَيْحَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ تَعَالَى. لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مه يا بن الْخَطَّابِ! فَضُوحُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ فَضُوحِ الْآخِرَةِ. اللهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَإِيمَانًا، وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا شَاءَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عُمَرُ مَعِي، وَأَنَا مَعَ عُمَرَ، وَالْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عمر» [ (1) ] .
باب ما جاء في همه بأن يكتب لأصحابه كتابا حين اشتد به الوجع يوم الخميس، ثم بدا له اعتمادا على ما وعده الله - تعالى - من حفظ دينه، وإظهار أمره [صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي هَمِّهِ بِأَنْ يَكْتُبَ لِأَصْحَابِهِ كِتَابًا حِينَ اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا وَعَدَهُ اللهُ- تَعَالَى- مِنْ حِفْظِ دِينِهِ، وَإِظْهَارِ أَمْرِهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (1) ] حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: (ح) : وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمَ الْخَمِيسِ.. وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى. قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ، قَالَ [ (2) ] : اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَجَعُهُ قَالَ: ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. قَالَ: فَتَنَازَعُوا- وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ [ (3) ]- فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ، اسْتَفْهِمُوهُ. قَالَ: فَذَهَبُوا يُعِيدُونَ عَلَيْهِ. قَالَ: دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مما
تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [ (4) ] . قَالَ: وَأَوْصَاهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ فَقَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ [ (5) ] ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ [ (6) ] بِنَحْوٍ مِمَّا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ. قَالَ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ. أَوْ قَالَهَا، فَنَسِيتُهَا [ (7) ] . هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَهُوَ أَتَمُّ زَادَ عَلِيٌّ: قَالَ سُفْيَانُ إِنَّمَا زَعَمُوا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ عَنْ سفيان [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَقَالَ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قد غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ القرآن، حسبنا كتاب
اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمُ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ، كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَغَطِهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ. عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَغَيْرِهِ. عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (9) ] . وَإِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) بِمَا قَالَ التَّخْفِيفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَلَوْ كَانَ مَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ شَيْئًا مَفْرُوضًا، لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ. لَمْ يَتْرُكْهُ بِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ «بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» [ (10) ] كَمَا لَمْ يَتْرُكْ تَبْلِيغَ غَيْرِهِ بِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا حَكَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ، أَنْ يَكْتُبَ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ ترك كتبته اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ تَقْدِيرِ اللهِ تَعَالَى، ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ حِينَ قال: وا رأساه، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَكْتُبَ، وَقَالَ: يَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى خِلَافَتِهِ، بِاسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ عَجَزَ عَنْ حُضُورِهَا، وَإِنْ كَانَ المراد به
رَفْعُ الْخِلَافِ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلِمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ دِينَهُ بِقَوْلِهِ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..) [ (11) ] وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْدُثُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً. وَفِي نَصِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، مَعَ شِدَّةِ وَعْكِهِ، مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ نَصًا، أَوْ دَلَالَةً، تَخْفِيفًا عَلَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِكَيْ لَا تَزُولَ فَضِيلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ، بِمَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَيْهِ. وَفِيمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [إذا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ، فَلَهُ أجران. وإذا اجتهد فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ] [ (12) ] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَيَانَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ أَحْرَزَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُمُ الْأَجْرَيْنِ الْمَوْعُودَيْنِ، أَحَدُهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَالْآخَرُ بِإِصَابَةِ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّلَالَةِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَإِنَّهُ أَحْرَزَ مَنِ اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ أَجْرًا وَاحِدًا بِاجْتِهَادِهِ، وَرَفَعَ إِثْمَ الْخَطَأِ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَأْتِ بَيَانُهَا نَصًا، وَإِنَّمَا وَرَدَ خَفِيًّا. فَأَمَّا مَسَائِلُ الْأُصُولِ، فَقَدْ وَرَدَ بَيَانُهَا جَلِيًّا، فَلَا عُذْرَ لِمَنْ خَالَفَ بَيَانَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ بِالدَّلَالَةِ، مَعَ طَلَبِ التَّخْفِيفِ عَلَى صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَفِي ترك رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ رَأْيَهُ، وبالله التوفيق.
باب ما جاء في أمره، حين اشتد به المرض - أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالناس
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِهِ، حِينَ اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ- أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ، لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَعَاوَدَتْهُ مِثْلَ مَقَالَتِهَا. فَقَالَ: أَنْتُنَّ صُوَيْحِبَاتُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَقَدْ عَاوَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ ذَلِكَ. وَمَا حَمَلَنِي عَلَى مُعَاوَدَتِهِ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ، [وَإِلَّا أَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ] [ (1) ] ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سليمان [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بَيْتِي قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ. إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ. فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا بِي إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ. فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَرِضَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ. مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يَسْتَطِيعُ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ [ (4) ] . قال:
فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ، لَمْ يَفْهَمِ النَّاسُ قُرْآنَهُ مِنَ الْبُكَاءِ. فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَفْهَمِ النَّاسُ قُرْآنَهُ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُتُنَّ لَعَمْرِي إِنَّكُنَّ صَاحِبَاتُ يُوسُفَ. فَقَالَتْ لِي حَفْصَةُ: لَعَمْرِي مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ [ (6) ] .
باب ما جاء في آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر الصديق أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها حين وجد من نفسه خفة وصلاة أبي بكر بهم فيما بينهما أياما
بَابُ مَا جَاءَ فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، وَأَوَّلِ صَلَاةٍ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالنَّاسِ، وَالصَّلَاةِ الَّتِي حَضَرَهَا حِينَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً وَصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ بِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَيَّامًا أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، وأَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ مِنْ أَصْلِهِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ إِمْلَاءً، قَالَ: حدثنا عبيد ابن شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ بن خالد، عن بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يقرأ في المغرب (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) .. مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (1) ] عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ الله ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ، فَصَلَّى بِنَا
المغرب، فقرأ (ب الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً..) فَمَا صَلَّى بَعْدَهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ [ (2) ] . قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَتْ- وَاللهُ أَعْلَمُ- بالناس مبتدأ بِهَا. فَإِنَّمَا تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَارًا. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: بَلَى! ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ [ (3) ] ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ [ (4) ] فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا. هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا. هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ. قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا. وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ [ (5) ] فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، قَالَتْ: فَأَتَاهُ الرَّسُولُ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا، يَا عُمَرُ صلّ
بِالنَّاسِ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي. قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ. وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هَاتِ. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهُمَا. فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الْآخَرَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ [ (6) ] . وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَعَلَّقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ أُخْتِهَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن الأعمش.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَكَذَلِكَ رَوَى حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَيُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ فِي بُرْدَةٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. كَذَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جعفر بن أبي كَثِيرٍ. وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ثَوْبٍ واحد برد مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ، قَالَ: ادْعُ لِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَجَاءَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى نَحْرِهِ. فَكَانَتْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ. الَّتِي صَلَّاهَا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ صَلَاةُ
الصُّبْحِ. فَإِنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، وَهِيَ الَّتِي دَعَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا، فَأَوْصَاهُ فِي مَسِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي. قُلْتُ: فَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم صَلَّى خَلْفَهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ مَرَّةً. وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ مَرَّةً. وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُمَا الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَغَيْرِهِ، بَيَانُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بَعْضَهَا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ. وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ خلفه بعد ما افْتَتَحَهَا بِالنَّاسِ. وَهِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ، أَوِ الْأَحَدِ، فَلَا يَتَنَافَيَانِ.
باب ما جاء في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على آخر صلاة صلاها بالناس في حياته وإشارته إليهم بإتمامها خلفه. وارتضائه صنيعهم، وذلك في صلاة الفجر من يوم الإثنين، وهو اليوم الذي توفي فيه، وقول من زعم أنه خرج، فصلى منها ركعة خلف أبي بكر ب
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ فِي حَيَاتِهِ وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ بِإِتْمَامِهَا خَلْفَهُ. وَارْتِضَائِهِ صَنِيعَهُمْ، وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، وَقَوْلِ مِنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ، فَصَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ بعد ما أَمَرَهُ بِالتَّقَدُّمِ ثُمَّ صَلَّى لِنَفْسِهِ أُخْرَى أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إسحاق الصَّغَانِيُّ، وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ- وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ- كَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سِتْرَ الْحُجْرَةِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ [ (1) ] ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يضحك، قال: فهمنا أَنْ نُفْتَتَنَ وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَحٍ بِرُؤْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَأَشَارَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (2) ] ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَمَعْمَرٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ ثَلَاثًا [ (4) ] فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ. فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْهُ، حِينَ وَضَحَ لَنَا وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَيُومِئُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ. فَأَرْخَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ. فَلَمْ يُوصَلْ إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ [ (5) ] . فَهَذَانِ عَدْلَانِ شَهِدَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُؤَكِّدُ رِوَايَةَ أَنَسٍ، وَيَشْهَدُ لَهَا بِالصِّحَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لم يبق من مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ. فَقَمِنٌ [ (6) ] أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (7) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، مَوْلَى الْعَبَّاسِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ السِّتْرَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. فَقَالَ: اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا، يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. فَإِذَا رَكَعْتُمْ فَعَظِّمُوا اللهَ، وَإِذَا سَجَدْتُمْ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ. فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ [ (8) ] .
الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، ثُمَّ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. ثُمَّ حَدِيثُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةَ، لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْأَحَدِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ- حِينَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً- لِصَلَاةِ الظُّهْرِ إِمَّا يَوْمَ السَّبْتِ، وَإِمَّا يَوْمَ الْأَحَدِ، بعد ما افْتَتَحَ أَبُو بَكْرٍ صَلَاتَهُ بِهِمْ. فَافْتَتَحَ صَلَاتَهُ، وَعَلَّقُوا صَلَاتَهُمْ بِصَلَاتِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ وَهُمْ قِيَامٌ، وَصَلَّى مَرَّةً أُخْرَى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدَ وَمَنْ تَابَعَهُ، فَيَكُونُ جُمْلَةُ مَا صَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا افْتَتَحَهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي سَبْرَةَ كَمْ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. قُلْتُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، فِي مَغَازِيهِ، إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، حَتَّى وَقَفَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَةً، فَلَمَّا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ أَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَغَازِي أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَرِوَايَةُ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَا يُنَافِي مَا رَوَيْنَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَنَسٍ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ مَحْمُولًا عَلَى
أَنَّهُ رَآهُمْ وَهُمْ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ مَا حَكَى هُوَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، أَوْ خَرَجَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ مَا حَكِيَا، فَنَقَلَا بَعْضَ الْخَبَرِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُمَا مَا تَرَكَاهُ، كَمَا نَقَلَ أَحَدُهُمَا فِيمَا رَوَيَاهُ ما ترك صَاحِبُهُ. وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
قدم رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، يَعْنِي مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَعَاشَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَهَا. بَعْدَ صَدَرَةِ الْمُحَرَّمِ، وَاشْتَكَى فِي صَفَرٍ، فَوَعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ يُمَرِّضْنَهُ. وَقَالَ نِسَاؤُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَيَأْخُذُكَ وَعْكٌ مَا وَجَدْنَا مِثْلَهُ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ [غَيْرَكَ] [ (10) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمَا يُعَظَّمُ لَنَا الْأَجْرُ، كَذَلِكَ يَشْتَدُّ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ. وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَعْكُ أَيَّامًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَنْحَازُ إِلَى الصَّلَوَاتِ حَتَّى غُلِبَ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَأَذَّنَهُ بِالصَّلَاةِ فَنَهَضَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنَ الضَّعْفِ، وَنِسَاؤُهُ حَوْلَهُ، فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَأْمُرْهُ فَلْيُصَلِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ: وَإِنَّهُ إِنْ أَقَامَ فِي مَقَامِكَ بَكَى فَأْمُرْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَعُدْتُ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ. قَالَتْ: فَصَمَتُّ عَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقْلَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَعْكُ، فَأَصْبَحَ مُفِيقًا، فَغَدَا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ يَتَوَكَّأَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَغُلَامٍ لَهُ يُدْعَى نُوبَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الْأُخْرَى، فَتَخَلَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ، يُفْرِجُونَ لَهُ، حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهِ، فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ قُرْآنَهُ، قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَمَّ فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ [ (11) ] ، ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ قَضَى سُجُودَهُ، يَتَشَهَّدُ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ، أَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ انصرف إلى جزع من جزوع الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ سَقْفُهُ من جريد،
وَخُوصٍ، لَيْسَ عَلَى السَّقْفِ كَثِيرُ [ (12) ] طِينٍ، إِذَا كَانَ الْمَطَرُ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ طِينًا، إِنَّمَا هُوَ كَهَيْئَةِ الْعَرِيشِ. وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ تَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ، وَخَرَجَ فِي نَقْلِهِ إِلَى الْجُرُفِ، فَأَقَامَ تِلْكَ الْأَيَّامَ بِشَكْوَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَى جيش عامتهم الْمُهَاجِرُونَ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُغِيرَ عَلَى مُؤْتَةَ، وَعَلَى جَانِبِ فِلَسْطِينَ- حَيْثُ أُصِيبَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ- فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُونَ لَهُ بِالْعَافِيَةِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ فَقَالَ: اغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، وَالنَّصْرِ وَالْعَافِيَةِ، ثُمَّ أَغِرْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ أَنْ تُغِيرَ. قَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يكون اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عافاك، فائذن لِي، فَأَمْكُثَ حَتَّى يَشْفِيَكَ اللهُ، فَإِنِّي إِنْ خَرَجْتُ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، خَرَجْتُ وَفِي نَفْسِي مِنْكَ قُرْحَةٌ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْكَ النَّاسَ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: قَدْ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يكون اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَفَاهُ، ثُمَّ رَكِبَ فلحق بأهله بالسّناح، وَهُنَالِكَ كَانَتِ امْرَأَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَانْقَلَبَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهَا. وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَوَعِكَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ أَشَدَّ الْوَعْكِ. وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ، وَأَخَذَ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ يُغْمَى، زَعَمُوا عَلَيْهِ السَّاعَةَ، ثُمَّ يَفِيقُ، ثُمَّ يَشْخَصُ بَصَرُهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً قَالَ ذَلِكَ- زَعَمُوا مِرَارًا- كُلَّمَا أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ، فَظَنَّ النِّسْوَةُ أَنَّ الْمَلَكَ خَيَّرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَيُعْطَى
فِيهَا مَا أَحَبَّ، وَبَيْنَ الْجَنَّةِ فَيَخْتَارُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْجَنَّةَ، وَمَا عِنْدَ اللهِ مِنْ حُسْنِ الثَّوَابِ. وَاشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَجَعُ، فَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَرْسَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ إِلَى حَمِيمِهَا، فَلَمْ يَرْجَعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى صَدْرِ عَائِشَةَ فِي يَوْمِهَا: يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: صَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ حَجَّةِ التَّمَامِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَى فِي صَفَرٍ، وَوَعَكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ، فَذَكَرَ مَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى، وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ رَافِعًا صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَابُ الْمَسْجِدِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ سُعِّرَتِ النَّارُ، وَأَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. وَهَذَا الْمُرْسَلُ شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَمَا سَبَقَهُ بِهِ، وَهُوَ فِيمَا تَقَدَّمَ- وَاللهُ أَعْلَمُ-. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّبَذِيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سِتْرًا، أَوْ فَتْحَ بَابًا، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا، قَالَ مُصْعَبٌ: فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ يُصَلُّونَ، فَحَمِدَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُرَّ بِالَّذِي رَأَى مِنْهُ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا مِنْ نَبِيٍّ يَتَوَفَّاهُ اللهُ حَتَّى يَؤُمَّهُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِهِ، أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّمَا عَبْدٌ مِنْ أُمَّتِي أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ مِنْ بعدي، فليتعزا بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ مُصِيبَتِهِ الَّتِي يُصَابُ بِهَا مِنْ بَعْدِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي، أَشَدَّ مِنْ مُصِيبَتِهِ بِي» . قُلْتُ: مَعْنَى مَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ مَوْجُودٌ فِيمَا رُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا آخِرُ الْحَدِيثِ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا صَحِيحًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
باب ما يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم من ألفاظه في مرض موته، وما جاء في حاله عند وفاته.
بَابُ مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ أَلْفَاظِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَمَا جَاءَ فِي حَالِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ. قَدْ مَضَى قَوْلُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ «حِينَ كَشَفَ السِّتْرَ، وَمَضَى قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ» . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ [ (1) ] بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، طَفِقَ [ (2) ] يَطْرَحُ خَمِيصَةً ( [3) ] لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغَتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ [ (4) ] : لَعْنَةُ [ (5) ] اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجدا- يحذّر مثل ما صنعوا [ (6) ]-.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بكير، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدا لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ رَجَاءٍ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ- عَزَّ وَجَلَّ» [ (7) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. كَذَا قَالَ [ (7) ] [ (8) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ-، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. حَتَّى جَعَلَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا بِلِسَانِهِ. كَذَا قَالَ. وَالصَّحِيحُ مَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «اللهَ اللهَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، قَالَتْ: فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ به، وما يفيض [ (9) ] .
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ أُمِّ مُوسَى، عَنْ عَلِيٍّ، مُخْتَصَرًا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، وَيَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ. فَذَهَبْتُ ادْعُوا بِهِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى.. [فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى] [ (10) ] وَدَخَلَ عبد الرحمن بن أبي بَكْرٍ، وَبِيَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً. قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا، فَنَقَضْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا أَحْسَنَ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ. قَالَتْ: فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْآخِرَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (11) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرِو ابن زُهَيْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عمرو ذكر أنّ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ ريقي وريقه عند
الْمَوْتِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَخِي بِسِوَاكٍ مَعَهُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إلى صَدْرِي فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ وَيَأْلَفُهُ. فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ، أَيْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ لَهُ فَأَمَرَّهُ عَلَى فِيهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ إِصْبَعَهُ الْيُسْرَى، فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى.. فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ [ (12) ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ، وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكْرَةِ الْمَوْتِ [ (13) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ مَرَضُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَرَضَتْ لَهُ بُحَّةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَظَنَنَّا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَيَّرُ [ (14) ] . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ. ثُمَّ يُخَيَّرَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي- غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفٍ وَقَالَ: اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَنَا. وَهُوَ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ، حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. ثُمَّ يُخَيَّرَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرَّفِيقُ الْأَعْلَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ بِشْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ، زَادَ فِيهِ: قُلْتُ إِذًا لَا تَخْتَارُنَا. وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ [ (15) ] . أَخْبَرَنَا [أَبُو طَاهِرٍ] [ (16) ] الْفَقِيهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنَدٌ إِلَى صَدْرِهَا يَقُولُ اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [ (17) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عبد الله بن
: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُ وَجْهَهُ وَأَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ، فَقَالَ: «لَا:.. بَلْ أَسْأَلُ اللهَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الْأَسْعَدَ مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ [ (18) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَكِ شَكْوَى إِلَّا سَأَلَ اللهَ الْعَافِيَةَ. حَتَّى كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْعُو بِالشِّفَاءِ، وَيَقُولُ: «يَا نَفْسُ مَا لَكِ تَلُوذِينَ كُلَّ مَلَاذٍ» ، قَالَ: وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي مَرَضِهِ وَيَقُولُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ شَفَيْتُكَ وَكَفَيْتُكُ، وَإِنْ شِئْتَ تَوَفَّيْتُكَ وَغَفَرْتُ لَكَ. قَالَ: ذَلِكَ إِلَى رَبِّي يَصْنَعُ بِي مَا يَشَاءُ وَكَانَ لَمَّا نُزِلَ بِهِ، دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ، وَيَقُولُ اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى كُرَبِ الْمَوْتِ. ادْنُ مِنِّي يَا جِبْرِيلُ ادْنُ مِنِّي يَا جِبْرِيلُ ادْنُ مِنِّي يَا جِبْرِيلُ. هَذَا إِسْنَادٌ مُنْقَطِعٌ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، هَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ، وَتَفْضِيلًا لَكَ وخاصة لك.
يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ: يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّانِي، هَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ، هَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ مَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَمَعَهُمَا مَلَكٌ فِي الْهَوَاءِ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ مِنْهُمْ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ. قَالَ: فَسَبَقَهُمْ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ [ (19) ] . إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ، وَتَفْضِيلًا لَكَ، وَخَاصَّةً لَكَ، يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ. يَقُولُ: كَيْفَ نجدك؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» ، قَالَ: وَاسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا أَحْمَدُ هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ يَا جِبْرِيلُ» ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ، فِيمَا أَمَرْتَنِي، إِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ نَفْسَكَ، قَبَضْتُهَا، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهَا، تَرَكْتُهَا، قَالَ: وَتَفْعَلُ ذَلِكَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ! قَالَ: نَعَمْ! بِذَلِكَ أُمِرْتُ. قَالَ جِبْرِيلُ: يَا أَحْمَدُ إِنَّ اللهَ قد اشتقاك إِلَى لِقَائِكَ. قَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، امْضِ لَمَّا أُمِرْتَ بِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ آتٍ، يَسْمَعُونَ حِسَّهُ، وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، لِأَهْلَ الْبَيْتِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللهِ خَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَعَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فا أرجو فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ، حُرِمَ المصاب الثَّوَابَ. قُلْتُ: قَوْلُهُ إِنَّ الله قد اشتقاك إِلَى لِقَائِكَ، إِنْ صَحَّ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ قَدْ أَرَادَ فِي قُرْبَتِكَ وَكَرَامَتِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بن يعقوب، حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِفَاطِمَةَ: يَا بُنَيَّةُ، وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ أَبَاكِ مَا لَيْسَ اللهُ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، لِمُوَافَاةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْمُفَسِّرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَالَتْ: فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: وا كرباه. قَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا لِمُوَافَاةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ [ (20) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس بن حبيبة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ. قَالَ: ثَابِتٌ: وَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْمَوْتِ، أَوْ قَالَتْ وَهُوَ ثَقِيلٌ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ، يَا أَبَتَاهُ جِنَانُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ [ (21) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا ثَقُلَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ يَعْنِي الْكَرْبَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وا كرب أَبَتَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَلَمَّا مَاتَ بَكَتْ فَاطِمَةُ. فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ، يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ أَنْعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ.
قَالَ أَنَسٌ: فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ؟ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ [ (22) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، فَلَمَّا خَرَجَتْ نَفْسُهُ لَمْ أَجِدْ رِيحًا قَطُّ، أَطْيَبَ مِنْهَا [ (23) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا فَمِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِي، وَحَدَاثَةِ سِنِّي، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي حِجْرِي، فَأَخَذْتُ وِسَادَةً، فَوَسَّدْتُهَا رَأْسَهُ، وَوَضَعْتُهُ مِنْ حِجْرِي، ثُمَّ قُمْتُ مَعَ النِّسَاءِ أَبْكِي وألدم [ (24) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ [ (25) ] ، أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بحجري أَلْقَى إِلَيَّ الْكَلِمَةَ، تَقَرُّ بِهَا عَيْنِي، فَمَرَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَعَصَبْتُ رَأْسِي، وَنِمْتُ عَلَى فِرَاشِي فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مالك يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْتُ: أَشْتَكِي رَأْسِي، فَقَالَ: بَلْ أَنَا وا رأساه أَنَا الَّذِي أَشْتَكِي رَأْسِي، وَذَلِكَ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ مَقْبُوضٌ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِيءَ بِهِ يُحْمَلُ فِي كِسَاءٍ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَأُدْخِلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَرْسِلِي إِلَى النِّسْوَةِ، فَلَمَّا جِئْنَ، قَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ فَائْذَنَّ لِي فَأَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، قُلْنَ: نَعَمْ. فَرَأَيْتُهُ يَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وَيَعْرَقُ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَيِّتًا قَطُّ، فَقَالَ أَقْعِدِينِي، فَأَسْنَدْتُهُ إِلَيَّ، وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقَلَبَ رَأْسَهُ، فَرَفَعْتُ يَدِي عَنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ مِنْ رَأْسِي فَوَقَعَتْ مِنْ فِيهِ نُقْطَةٌ بَارِدَةٌ عَلَى تُرْقُوَتِي أَوْ صَدْرِي، ثُمَّ مَالَ فَسَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ، فَسَجَّيْتُهُ بِثَوْبٍ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَيِّتًا قَطُّ، فَعَرَفْتُ الْمَوْتَ بِغَيْرِهِ، فَجَاءَ عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ وَمَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَأَذِنْتُ لَهُمَا، وَمَدَدْتُ الْحِجَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَائِشَةُ. مَا لِنَبِيِّ اللهِ؟ قُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وجهه، فقال: وا غماه، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْغَمُّ، ثُمَّ غَطَّاهُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْمُغِيرَةُ. فَلَمَّا بَلَغَ عَتَبَةَ الْبَابِ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عُمَرُ، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبْتَ، مَا مَاتَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَأْمُرَ بِقِتَالِ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ أَنْتَ تَحُوشُكَ فِتْنَةٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَا عَائِشَةُ، قُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ على صدغيه، ثم
قال: وا نبياه! وا صفياه! وا خليلاه! صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ. إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (26) ] . وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [ (27) ] . كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [ (28) ] . ثُمَّ غَطَّاهُ، وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ إِلَى قَوْلِهِ ... ذَائِقَةُ الْمَوْتَ.، فَقَالَ عُمَرُ: أَفِي كِتَابِ اللهِ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَبَايِعُوهُ، فَحِينَئِذٍ، بَايَعُوهُ [ (29) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ،، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ ب ن ابراهيم، هو بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يحي بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولُ اللهِ، وَاللهِ لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، أَمَا الْمَوْتَةُ الَّتِي كتبت عليك فقدمتّها، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خرج، وعمر يكلم
النَّاسَ- فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللهَ، فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ، أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (30) ] فَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لم يعلمون أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ، حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا. قَالَ: وحَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَرَفْتُ، أَوْ قَالَ: فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ، وَعَرَفْتُ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [ (31) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، مِنِ الْغَدِ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قُلْتُ لكم أمس: مقالة، وإنهما لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ: وَإِنِّي وَاللهِ مَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ، الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ، فِي كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللهُ، وَلَا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ، رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم،
وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو، أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا، يُرِيدُ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَنَا. فَاخْتَارَ اللهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي عِنْدَهُ، عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللهُ بِهِ رَسُولَهُ، فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا بِمَا هَدَى اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (32) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي ذِكْرِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: وَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيُوعِدُ مَنْ قَالَ: قَدْ مَاتَ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ، ويَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَشْيَتِهِ لَوْ قَدْ قَامَ، قَطَعَ وَقَتَلَ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَائِمٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَقْرَأُ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... إِلَى قَوْلِهِ.. وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ قَدْ ملؤه، وَيَبْكُونَ، وَيَمُوجُونَ لَا يَسْمَعُونَ، فَخَرَجَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفَاتِهِ فَلْيَحْدُنَا قَالُوا: لَا. قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ يَا عُمَرُ مِنْ عِلْمٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْعَبَّاسُ: أَشْهَدُ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيْهِ فِي وَفَاتِهِ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَقَدْ ذَاقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَوْتَ. قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السُّنْحِ [ (33) ] عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى نَزَلَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَقْبَلَ مَكْرُوبًا حَزِينًا فَاسْتَأْذَنَ فِي بَيْتِ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قد تُوُفِّيَ عَلَى الْفِرَاشِ وَالنِّسْوَةُ حَوْلَهُ، فَخَمَّرْنَ وُجُوهَهُنَّ، وَاسْتَتَرْنَ من أبي
بَكْرٍ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَائِشَةَ. فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَنَا عَلَيْهِ، يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: لَيْسَ مَا يَقُولُ ابْنُ الْخَطَّابِ شَيْءٌ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا، وَمَا أَطْيَبَكَ مَيِّتًا، ثُمَّ غَشَّاهُ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ خَرَجَ سَرِيعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، يَتَوَطَّأُ رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى آتَى الْمِنْبَرَ، وَجَلَسَ عُمَرُ حَتَّى رَأَى أَبَا بَكْرٍ مُقْبِلًا إِلَيْهِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ نَادَى النَّاسَ، فَجَلَسُوا وَأَنْصَتُوا فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ، بِمَا عَلَّمَهُ مِنَ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَعَى نَبِيَّكُمْ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَنَعَاكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ، فَهُوَ الْمَوْتُ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى قَوْلِهِ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقُرْآنِ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَقَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَقَالَ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وَقَالَ: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّرَ مُحَمَّدًا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَبْقَاهُ، حَتَّى أَقَامَ دِينَ اللهِ، وَأَظْهَرَ أَمْرَ اللهِ، وَبَلَّغَ رِسَالَةَ اللهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَرَكَكُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ. فَلَنْ يَهْلِكَ هَالِكٌ إِلَّا مِنْ بَعْدِ الْبَيِّنَةِ وَالشِّفَاءِ فَمَنْ كَانَ اللهُ رَبَّهُ، فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا وَيُنَزِّلُهُ إِلَهًا، فَقَدْ هَلَكَ إِلَهُهُ، وَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاعْتَصِمُوا بِدِينِكُمْ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ دِينَ اللهِ قَائِمٌ، وَإِنَّ كَلِمَةَ اللهِ تَامَّةٌ، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرُ مَنْ نَصَرَهُ وَمُعِزُّ دِينَهُ، وَإِنَّ كِتَابُ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَهُوَ النُّورُ وَالشِّفَاءُ، وَبِهِ هَدَى اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَفِيهِ حَلَالُ اللهِ وَحَرَامُهُ، وَاللهِ لَا نُبَالِي مَنْ أَجْلَبَ عَلَيْنَا مِنْ خَلْقِ اللهِ، إِنَّ سُيُوفَ اللهِ لَمَسْلُولَةٌ، مَا وَضَعْنَاهَا بَعْدُ وَلَنُجَاهِدَنَّ مَنْ خَالَفَنَا كَمَا جَاهَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَلَا يُبْقِيَنَّ أَحَدٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [ (34) ] . فو الله إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّهُ سَيَبْقَى فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا، وَأَنَّهُ لَلَّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَكَرَ لَهُ مَا حَمَلَهُ عَلَى مَقَالَتِهِ، الَّتِي قَالَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ هَذَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: أَوْ لَمَّا شُكَّ فِي مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْضُهُمْ، قَدْ مَاتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَمُتْ، فَوَضَعَتْ أَسْمَاءُ، بِنْتُ عُمَيْسٍ يَدَهَا بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: قَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ رُفِعَ الْخَاتَمُ مِنْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَكَانَ هَذَا الَّذِي عُرِفَ بِهِ مَوْتُهُ [ (35) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ،، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ، فَمَرَّ بِي جُمَعٌ آكُلُ، وَأَتَوَضَّأُ، مَا تَذْهَبُ رِيحُ المسك من يدي.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَبِي عَمْرٍو، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس عن الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ طَلْحَةَ مَوْلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَمِيصُ الْبَطْنِ.
باب ما يستدل به على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه، ولم يوص إلى أحد بعينه، في أمر أمته، وإنما نبه على الخلافة بما ذكرنا من امر الصلاة
بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، فِي أَمْرِ أُمَّتِهِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافَةِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ، بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَقَالَ: رَاغِبٌ، وَرَاهِبٌ [ (1) ] . قَالُوا: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وميتا! لوددت أنّ خطّتي مِنْكُمُ الْكَفَافَ. لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي [ (2) ] ،
يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ، فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مُسْتَخْلِفٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامٍ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بن أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر، قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مسالم عن ابن عمر [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأسود بن قسيس، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجَمَلِ، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ. إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا، حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ، فَأَقَامَ، وَاسْتَقَامَ، حَتَّى ضَرَبَ الدِّينَ بِجِرَانِهِ، ثُمْ إِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا، فَكَانَتْ أمور يفضي اللهُ فِيهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَسْتَخْلِفَ وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ. قُلْتُ: شَاهِدُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي الْفَوَائِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
الْأَنْصَارِيُّ. وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ. كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ: أَنْتَ وَاللهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ: عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللهِ لَأَرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يَتَوَفَّاهُ اللهُ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا إِنِّي أَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ. فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، كَلَّمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه إِنَّا وَاللهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَنَاهَا، لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ أَبَدًا. وَإِنِّي، وَاللهِ، لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرِ بْنِ شُعَيْبٍ [ (5) ] . وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن كعب ابن مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ يَوْمَ تَبَطَّنَ فِيهِ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ فِي الْعَصَا وَزَادَ فِي آخِرِهِ.. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ [ (6) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن منصور
الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ مِنْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَلَقِيَهُمَا رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بَارِئًا. قَالَ، فَقَالَ: الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ أَنْتَ بَعْدَ ثَلَاثٍ. عَبْدُ الْعَصَا. قَالَ: ثُمَّ خَلَا بِهِ. فَقَالَ: إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي أَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَنِّي خَائِفٌ أَنْ لَا يَقُومَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ وَجَعِهِ هَذَا. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَيْنَا عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ لَا يَكُنْ إِلَيْنَا، أَمَرْنَاهُ أَنْ يَسْتَوصِيَ بِنَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْنَاهُ فَسَأَلْنَاهُ فَلَمْ يُعْطِنَاهَا؟ أَتَرَى النَّاسَ يُعْطُونَاهَا؟ وَاللهِ لَا أَسْأَلُهَا إِيَّاهُ أَبَدًا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ لَنَا: أَيُّهُمَا كَانَ أَصَوْبَ عِنْدَكُمْ رَأَيَا؟ فَنَقُولُ: الْعَبَّاسُ. فَيَأْبَى، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا سَأَلَهُ عَنْهَا، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَمَنَعَهُ النَّاسُ كَانُوا قَدْ كَفَرُوا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا سَأَلَهُ عَنْهَا كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّنِّيُّ بِمَرْوَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، هُوَ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حِينَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَكَادُ أَعْرِفُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ، فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ، نَسْأَلْهُ مَنْ يَسْتَخْلِفُ، فَإِنْ يَسْتَخْلِفْ مِنَّا فَذَاكَ، وَإِلَّا أَوْصَى بِنَا. قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْعَبَّاسِ كَلِمَةً فِيهَا جَفَاءٌ. فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: ابْسُطْ يَدَكَ فَلْنُبَايِعْكَ. قَالَ: فَقَبَضَ يَدَهُ، فَقَالَ عَامِرٌ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا أَطَاعَ الْعَبَّاسَ فِي أَحَدِ الرَّأْيَيْنِ، كَانَ خَيْرًا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ.
قَالَ عَامِرٌ: لَوْ أَنَّ الْعَبَّاسَ شَهِدَ بَدْرًا مَا فَضَلَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَأْيًا، وَلَا عَقْلًا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، عن بْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَتْ بِمَا أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ دَعَا بِطَسْتٍ لِيَبُولَ فِيهَا، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي- فَانْخَنَسَ، أَوْ قَالَ: فَانْخَنَثَ. فَمَاتَ، وَمَا شَعَرْتُ- فِيمَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ- أَنْ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ أَزْهَرَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ [ (7) ] ، وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ابن شَرِيكٍ التَّيْمِيُّ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُهُ أَكَانَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى: فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. كَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا، فَقَالَتْ عائشة ألا ندعوا لَكَ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: ادْعُوهُ قالت حفصة ألا ندعوا عُمَرَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ادْعُوهُ. قَالَتْ أُمُّ الفضل: ألا ندعوا الْعَبَّاسَ عَمَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ادْعُوهُ. فَلَمَّا حَضَرُوا رَفَعَ رَأْسَهُ، فَلَمْ
يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ عُمَرُ: قُومُوا بِنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتْ، لَهُ إِلَيْنَا حَاجَةٌ ذَكَرَهَا، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: لِيُصَلِّ بِالنَّاسَ أَبُو بَكْرٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الإسفرائنيّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ. قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَلِمَا أَمَرَنَا بِالْوَصِيَّةِ. قَالَ: أُوصِي بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ طَلْحَةُ وَقَالَ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ: أَبُو بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِهِ، عَنْ مَالِكٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَأُهُ، لَيْسَ كِتَابَ اللهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ مُعَلَّقَةٌ فِي سَيْفِهِ، فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَدْ كَذَبَ. وَفِيهَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها
يَعْنِي حَدَثًا، أَوْ أَوَى مُحْدِثًا. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ والناس أجمعين، لا يقبل اللهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ [ (9) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ، فَيُقَالُ قَدْ فَعَلْنَا كَذَا، وَكَذَا، فَيَقُولُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَشَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ، إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فِي صَحِيفَةٍ، فِي قِرَابِ سَيْفِي قَالَ: فلما نَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ، فَإِذَا فِيهَا، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ أَوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. وَإِذَا فِيهَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ. وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ المدينة ما بين حرّيتها وحماها. لا يختلا خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُلْتَقَطُ لُقْطَتُهَا، إِلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا. يَعْنِي مُنْشِدًا، وَلَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرًا وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَإِذَا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ يُكَافَأُ، دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عهده [ (10) ] .
وَأَمَّا الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَحْيَى بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا؟ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا حَفِظْتَ وَصِيَّتِي يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ. الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ شَرَطْتُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَلَّا أُخَرِّجَ فِي هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثًا أَعْلَمُهُ مَوْضُوعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى ابن مَعِينٍ يَقُولُ: حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ [ (11) ] مِمَّنْ يَكْذِبُ. وَيَضَعُ الْحَدِيثَ، وَفِيمَا قَرَأْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الْمَدْخَلِ، حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الثقات. أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً. وَهُوَ سَاقِطٌ بِمَرَّةٍ قُلْتُ وَلِحَمَّادِ بْنِ عُمَرَ قِصَّةٌ أُخْرَى بِإِسْنَادٍ آخَرَ مُسْنَدٍ مُرْسَلٍ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ قَالَ: هَذَا مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ
سُورَةُ النَّصْرِ. فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الْفِتْنَةِ، وَهُوَ أَيْضًا حَدِيثٌ، مُنْكَرٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، بْنِ الْفَضْلِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حدنا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمْ يُوصِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلا بثلاث للرهابيين بجادّ مائة واسق عَنْ خَيْبَرَ، وَلِلدَّارِيِّينَ بِجَادِّ مائة وسق، وللشانيئين بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ وَلِلْأَشْعَرِيِّينَ بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ.
باب ذكر الحديث الذي روي عن ابن مسعود [رضي الله عنه] [1] عن النبي صلى الله عليه وسلم في نعيه نفسه إلى أصحابه. وما أوصاهم به، وإسناده ضعيف بالمرة
بَابُ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي نَعْيِهِ نَفْسَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ. وَمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِالْمَرَّةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الطَّوِيلُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شراحيل، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: قَدْ دَنَا الْفِرَاقُ. وَنَعَى إِلَيْنَا نَفْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِكُمْ، حَيَّاكُمُ اللهُ، هَدَاكُمُ اللهُ، نَصَرَكُمُ اللهُ، نَفَعَكُمُ اللهُ، وَفَّقَكُمُ اللهُ، سَدَّدَكُمُ اللهُ، وَقَاكُمُ اللهُ، أَعَانَكُمُ اللهُ، قَبِلَكُمُ اللهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَأُوصِي اللهَ بِكُمْ، وَأَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى: ذِكْرُهُ: قَالَ: ذَكَرَهُ لِي وَلَكُمْ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً. وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [ (2) ] ، وَقَالَ: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ [ (3) ] ، قُلْنَا: فَمَتَى أَجَلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «قَدْ دنا الأجل
وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَالْكَأْسِ الْأَوْفَى، وَالْفَرْشِ الْأَعْلَى، قُلْنَا فَمَنْ يُغَسِّلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ، قُلْنَا: فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فِي ثِيَابِي هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ أَوْ فِي يَمِنَةٍ، أَوْ فِي بَيَاضِ مِصْرَ» ، قُلْنَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَبَكَى وَبَكَيْنَا، فَقَالَ: «مَهْلًا غَفَرَ اللهُ لَكُمْ، وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا، إِذَا غَسَّلْتُمُونِي، وَحَنَّطْتُمُونِي، وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ، خَلِيلَايَ، وَجَلِيسَايَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ، مَعَ جُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ، ثُمَّ ادْخُلُوهَا أَفْوَاجًا وَفُرَادَى، وَلَا تُؤْذُونِي بِبَاكِيَةٍ، وَلَا بِرَنَّةٍ، وَلَا بِصَيْحَةٍ وَمَنْ كَانَ غَائِبًا مِنْ أَصْحَابِي فَأَبْلِغُوهُ عَنِّي السَّلَامَ وَأُشْهِدُكُمْ بِأَنِّي قَدْ سَلَّمْتُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَابَعَنِي على ديني هذا مند الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، قُلْنَا: فَمَنْ يُدْخِلُكَ قَبْرَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: «رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ، يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ» [تَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ سَلَّامٌ الطَّوِيلُ] [ (4) ] .
باب ما جاء في الوقت واليوم والشهر [والسنة] [1] التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مدة مرضه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَقْتِ وَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ [وَالسَّنَةِ] [ (1) ] الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي مُدَّةِ مَرَضِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ أَيُّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، قُلْتُ: يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، قَالَ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَمُوتَ فِيهِ، فَمَاتَ فِيهِ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ بِطُوسَ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَنُبِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَفَتَحَ مَكَّةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وتوفي يوم الإثنين [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، زَادَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَنُبِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ قُلْتُ: وَقَدْ خُولِفَ فِي قَوْلِهِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَزَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَوْمَ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قال: حدثنا بن لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَا: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْوَجَعُ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ، وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ، وَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى صَدْرِ عَائِشَةَ، وَفِي يَوْمِهَا يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ. زَادَ إِبْرَاهِيمُ: حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ بِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوَّلَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ لِاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ صَفَرٍ، وَبَدَأَهُ وَجَعُهُ عِنْدَ وَلِيدَةٍ لَهُ، يُقَالُ لَهَا رَيْحَانَةُ، كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مَرِضَ فِيهِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ شَكْوَى شَدِيدَةً، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ، اشْتَكَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ [ (4) ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بُدِئَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ اشْتَكَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى، وَإِذَا ثَقُلَ، صَلَّى أَبُو بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، فَاسْتَكْمَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ عشر سنين كوامل.
باب ما جاء في مبلغ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم توفي
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَبْلَغِ سِنِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ تُوُفِّيَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ جَامِعُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْوَكِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدْ أَبَاذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ فِيمَ قَرَأَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، وَلَا بِالْأَدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ: وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَيْسَ بِالسَّبْطِ، وَالْبَاقِي مِثْلَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن يوسف، وغيره عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! بِسِنِّ أَيِّ الرِّجَالِ كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِذْ بُعِثَ، قَالَ: كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَاذَا؟ قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً يَوْمَ قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ، قَالَ: بِسِنِّ أَيِّ الرِّجَالِ هُوَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: كَأَشَبِّ الرِّجَالِ، وَأَحْسَنِهِ، وَأَجْمَلِهِ، وَأَلْحَمِهِ، قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! هَلْ غَزَوْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: نعم! غزوت معه حنين. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ الطَّيَالِسِيُّ وَلَقُبُهُ زُنَيْجٌ، قَالَ: حدثنا حكام بن سالم، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ، قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ أبو بكر وهو بن
ثلاث وستين، وقبض عمرو هو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عن بن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وهو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، قَالَ بن شهاب: وأخبرنا بن الْمُسَيِّبِ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَوْحٍ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر محمد بن عمرو
الرذاذ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْمُنَادِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ وَسِتِّينَ سَنَةً. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّبَرَانِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، وأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وستين، وعمرو هو ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ الْجَارُودِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ وَهُوَ ابْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: ابْنُ كَمْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا شَدِيدٌ عَلَى مِثْلِكَ أَنْ لَا يَعْلَمَ مِثْلَ هَذَا مِنْ قَوْمِهِ، تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عماد ابن أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَا يَحْسَبُ؟ قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا يَرَى الضَّوْءَ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَثَمَانِيًا يُوحَى إِلَيْهِ، وَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ حَمَّادٍ [ (9) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ عَنْ هُشَيْمٍ، وَقِيلَ عَنْ هُشَيْمٍ: ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عبد الله، قال: حدثنا معاذ ابن هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عن دعقل بْنِ حَنْظَلَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- قُبِضَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ عَمَّارٍ، وَمَنْ تَابَعَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ أَصَحُّ، فَهُمْ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ، وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) .
باب ما جاء في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أبيه عباد، ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثِيَابِهِ، كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا، أَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ، أَنِ اغْسِلُوا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَهُ أَيْدِيهِمْ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي، مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا غَسَّلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ [ (1) ] . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَشَاهِدُهُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَدَمِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامٍ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُمْ بِمُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ، لَا تُخْرِجُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه، وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصُهُ، وَعَلَى يَدِ عَلِيٍّ خِرْقَةٌ يُغَسِّلُهُ بِهَا، فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْقَمِيصِ، وَغَسَّلَهُ، وَالْقَمِيصُ عَلَيْهِ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: غَسَّلَهُ عَلِيٌّ، وَأُسَامَةُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: وَأَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ، وَهُوَ يُغَسِّلُهُ: بِأَبِي وَأُمِّي- طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا [ (4) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: غَسَّلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَمْ أر شيئا.
وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا صلى الله عليه وسلم، وولي دفنه، وإجنانه دون النَّاسِ أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلُحِدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَحْدًا، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا. وَرَوَى أَبُو عُمَرَ بْنُ كَيْسَانَ [الْقَصَّارُ يَرْوِي عَنْ مَوْلَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ بِلَالٍ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَسْبَاطٌ. قَالَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ] [ (5) ] عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا يرى لحد عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ، فَكَانَ الْعَبَّاسُ، وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِ الْمَاءَ وَرَاءَ السِّتْرِ. قَالَ عَلِيٌّ فَمَا تَنَاوَلْتُ عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّمَا يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غُسْلِهِ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عمر ابن كَيْسَانَ فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ الَّذِي غَسَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ: فَمَا كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَرْفَعَ مِنْهُ عُضْوًا، لِنَغْسِلَهُ، إِلَّا رُفِعَ لَنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى عَوْرَتِهِ، فَسَمِعْنَا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ صَوْتًا لَا تَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَةِ نَبِيِّكُمْ [ (7) ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ الْعَلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرَ، قال:
كَانَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يُغَسِّلَانِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَنُودِيَ عَلِيٌّ: ارْفَعْ طَرْفَكَ إِلَى السَّمَاءِ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ جعفر عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ، قَالَ: غُسِّلَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ ثَلَاثًا بِالسِّدْرِ، وَغُسِّلَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا الْغَرْثُ بِقُبَاءٍ، كَانَتْ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ مِنْهَا، وَوَلَّى سَفْلَتَهُ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ مُحْتُضِنُهُ، وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَقُولُ: أَرِحْنِي قُطِعَتْ وَتِينِي إِنِّي لَأَجِدُ شَيْئًا يَتَسَطَّلُ عَلَيَّ [ (9) ] .
باب ما جاء في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنوطه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَفَنِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَنُوطِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٍ (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ هَاشِمُ بْنُ يَعْلَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَهُوَ خَالُهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ. لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، وَلَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ [ (2) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، هو بن غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، يَمَانِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ، قَالَ فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ: فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدٍ حِبَرَةٍ. فَقَالَتْ: قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ، وَلَكِنَّهُمْ رُدُّوهُ، وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (3) ] عَنْ حَفْصٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ حُلَّةٌ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتِ الْحُلَّةَ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَفَّنَهُ فِيهَا، فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ [ (4) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُرْدَيْنِ حِبَرَةٍ كَانَا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بَكْرٍ، وَلُفَّ فِيهِمَا ثُمَّ نُزِعَا عَنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ أَمْسَكَ تِلْكَ الْحُلَّةَ لِنَفْسِهِ، حَتَّى يُكَفَّنَ فِيهَا إِذَا مَاتَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا: مَا كُنْتُ أُمْسِكُ لِنَفْسِي شَيْئًا مَنَعَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَبْدُ اللهِ. قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُلَّةَ كَانَتْ لِعَبْدِ اللهِ، وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُدْرِجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بكر، ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (5) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُدْرِجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ، ثُمَّ أُخِّرَ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَنَهُمْ طَاعَةً، وَأَحَبَّهُمْ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، أَحَدُهَا بُرْدٌ حِبَرَةٌ، وَأَنَّهُمْ لَحَدُوا لَهُ فِي الْقَبْرِ، ولم يشقوه.
قُلْتُ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ، بَيَانُ سَبَبِ الِاشْتِبَاهِ عَلَى النَّاسِ، وَأَنَّ الْحِبَرَةَ أُخِّرَتْ عَنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ، بُرُودٍ، يَمَنِيَّةٍ، غِلَاظٍ، إِزَارٍ، وَرِدَاءٍ، أَوْ لِفَافَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَازِمٍ الْعَبْدَوِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّوَاسِيُّ، عَنْ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هَارُونَ ابن سَعْدٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، هَذَا حَدِيثُ الدَّوْرَقِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِسْكٌ، فَذَكَرَهُ.
باب ما جاء في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم -
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس عن بن بكير، عن بن إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن عبيد ابن عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ، أَرْسَالًا، حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أَدْخَلُوا النِّسَاءَ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، أَرْسَالًا، لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدٍ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي ابْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا أُدْرِجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَكْفَانِهِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ حُجْرَتِهِ، ثُمَّ كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ، رُفَقًا رُفَقًا، لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ. قَالَ: الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَجَدْتُ صَحِيفَةً كِتَابًا بِخَطِّ أَبِي، فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ عَلَى سَرِيرِهِ، دَخَلَ أبو بكر وعمر،
وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَدْرُ مَا يَسَعُ الْبَيْتُ، وَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، كَمَا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ صَفُّوا صُفُوفًا، لَا يَؤُمُّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ: حِيَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، حَتَّى أَعَزَّ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] دِينَهُ، وَتَمَّتْ كَلِمَتَهُ، وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا، مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وبينه، حتى يعرّفه بِنَا، وَتُعَرِّفَنَا بِهِ، فَإِنَّهُ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً. لَا نَبْغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا، وَلَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا، فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ، آمِينَ فَيَخْرُجُونَ، وَيَدْخُلُ آخَرُونَ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ الصبيان [ (3) ] .
باب ما جاء في حفر قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَفْرِ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفُرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، يَضْرَحُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْمٍ يَلْحَدُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَأَخَذَ بِأَعْنَاقِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ أَنْتَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاذْهَبْ أَنْتَ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ أَيَّهُمَا جَاءَ حَفَرَ لَهُ، وَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَبَا عُبَيْدَةَ. فَلُحِدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. قُلْتُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ بُنِيَ عَلَيْهِ، فِي لَحْدِهِ اللَّبِنُ، وَيُقَالُ هِيَ تِسْعُ لِبَنَاتٍ عددا [ (1) ] .
باب ما جاء في دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَفْنِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: غَسَّلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَوَلِيَ دَفْنَهُ وَإِجْنَانَهُ دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَلُحِدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لحد، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، عَنِ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَوْضُوعًا عَلَى سَرِيرِهِ، مِنْ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ إِلَى أَنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ، وَسَرِيرُهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُقْبِرُوهُ، نَحَّوَا السَّرِيرَ، قِبَلَ رِجْلَيْهِ، فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب، وقثم
ابن الْعَبَّاسِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَشُقْرَانُ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُجَاعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا زياد ابن خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ قَبْرَ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَسَوَّى لَحْدَهُ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي سَوَّى لُحُودَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ابن الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الَّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب، وَالْفَضْلُ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ: يَا عَلِيُّ: أَنْشُدُكَ اللهَ، وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ، فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ، فَكَانُوا خَمْسَةً، وَقَدْ كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ، أَخَذَ قَطِيفَةً، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، وَيَفْتَرِشُهَا فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ وَقَالَ وَاللهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا تُوُفِّيَ، أُلْقِيَ فِي قَبْرِهِ، أَوْ قَالَ فِي لَحْدِهِ، قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المحمدآبادي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْحَبٍ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَرْبَعَةً أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابن الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَكَّارٍ السُّلَمِيُّ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوتَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا النُّعْمَانُ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَخْبَرَهُ، قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَهَاجَرَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، لِثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ، وَكَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَاسْتَخْفَى عَشْرَ سِنِينَ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ يُقَاتِلُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً وَنِصْفًا، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ النَّاسُ أَرْسَالًا أَرْسَالًا، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَطَهَّرَهُ ابْنُ عَمِّهِ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يُنَاوِلُهُمُ الْمَاءَ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ رِيَاطٍ بِيضٍ، يَمَانِيَّةٍ، فَلَمَّا كُفِّنَ وَطُهِّرَ دَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، صَلَّوْا عَلَيْهِ، عُصَبًا، عُصَبًا تَدْخُلُ الْعُصْبَةُ تُصَلِّي وَتُسَلِّمُ، لَا يُصَفُّونَ وَلَا يُصَلِّي بين أيديهم، مصلّى، حَتَّى فُرَغَ مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ، ثُمَّ دُفِنَ فَأَنْزَلَهُ فِي الْقَبْرِ عَبَّاسٌ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَشْرِكُونَا فِي مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ قَدْ أَشْرَكَنَا فِي حَيَاتِهِ، فَنَزَلَ مَعَهُمْ فِي الْقَبْرِ، وَوَلِيَ ذَلِكَ مَعَهُمْ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا فَرَغُوا مِنْ غَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَتَكْفِينِهِ، وَضَعُوهُ حَيْثُ تُوُفِّيَ، وَصَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ،
وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَكَانَتْ صَلَاةُ النَّاسِ، عَنْ غَيْرِ إِمَامٍ. بَدَأَ الْمُهَاجِرُونَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ الْمُهَاجِرُونَ، أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ، يَفْعَلُونَ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَلَبِثَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ الْغَدَ فِي الضُّحَى، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي الزُّهْرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ لِثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَدْخَلَنِي عَلَيْهَا قَالَ: حَتَّى تَسْمَعَهُ مِنْهَا، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَامِي فِي جَوْفِ لَيْلَةِ الأربعاء [ (5) ] .
باب ما جاء فيمن كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ كَانَ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدَّعِي، قَالَ: أَخَذْتُ خَاتَمِي فَأَلْقَيْتُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقُلْتُ حِينَ خَرَجَ الْقَوْمُ: إِنَّ خَاتَمِي قَدْ سَقَطَ فِي الْقَبْرِ، وَإِنَّمَا تَرَكْتُهُ عَمْدًا، لِأَمَسَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَأَكُونَ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ [ (1) ] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي زَمَانِ عُمَرَ، [أَوْ زَمَانِ عُثْمَانَ] [ (2) ] فَنَزَلَ عَلِيٌّ عَلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ، فسكبت له غسل، فَاغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ، دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْحَسَنِ جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ، قَالَ: أَظُنُّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ أَحْدَثَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالُوا: أَجَلْ. عَنْ ذَلِكَ جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ، فَقَالَ: كَذَبَ، كَانَ أَحْدَثَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُثَمُ بن العباس [ (3) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: أَلْقَى الْمُغِيرَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ إِنَّمَا أَلْقَيْتَهُ لِنَقُولَ نَزَلْتَ فِي قَبْرِ النبي صلى الله عليه وسلم خَاتِمَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فنزل فأعطاه أوامر رجلا فأعطاه [ (4) ] .
باب ما جاء في موضع قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَوْضِعِ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابن بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقِيلَ لَهُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَعَمْ فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قيل ويصلي عليه! وكيف يصلي عَلَيْهِ؟ قَالَ: تَجِيئُونَ عُصَبًا، عُصَبًا، فَتُصَلُّونَ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ: قَالُوا: هَلْ يُدْفَنُ؟ وَأَيْنَ؟ فَقَالَ: حَيْثُ قَبَضَ اللهُ رُوحَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ [ (1) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَمْرِهِ أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْتِهِ، ثُمَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ فِي دَفْنِهِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ يونس بن بكير.
زَادَ: ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ صَاحِبُكُمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُغَسِّلُوهُ بَنُو أَبِيهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ السَّبَّاكُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا حسين ابن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفُرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي مَضَى فِي حَفْرِ قَبْرِهِ. قَالَ: فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: فدفنه في سجدة، وَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ، فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي تُوُفِّيَ عَلَيْهِ، فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ، إِلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، أَرْسَالًا الرِّجَالُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ منه، أَدْخَلَ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنَ النِّسَاءِ، دَخَلَ الصِّبْيَانُ. وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ. ثُمَّ دُفِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ أَوْسَطِ اللَّيْلِ، لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ [ (2) ] . هَكَذَا وَجَدْتُهُ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (3) ] ، حَدِيثَ الدَّفْنِ وَاخْتِلَافَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَدْفِنُهُ، مَعَ النَّاسِ، أَوْ فِي بُيُوتِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيًّا،
إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ. فَدُفِنَ حَيْثُ كَانَ فِرَاشُهُ، رُفِعَ الْفِرَاشَ، وَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَقَدْ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ داود ابن الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا، كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ، فَقَدْ كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ، وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا خَبَرًا وَعِلْمًا، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا قبض نبيّ إلّا قبض حَيْثُ تُوُفِّيَ. وَهُوَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيُّ بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد ابن بَالَوَيْهِ الْعَفْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْخَطْمِيُّ، قَالَ: حدثنا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: عَرَضَتْ عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رؤيا، وكان أعير النَّاسِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ وَقَعْنَ فِي حِجْرِي، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ دُفِنَ فِي بَيْتِكِ، خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ [ (5) ] .
باب ما جاء في صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ (ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّاهُ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطَيَّةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الحمراء هـ. قبر النبي صلى الله عليه وسلم قبر أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَبْرِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الرَّوذْبَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمًا، وَأَبَا بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَعُمَرَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ النَّبِيِّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُبُورَهُمْ مُسَطَّحَةٌ لِأَنَّ الْحَصْبَاءَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا عَلَى الْمُسَطَّحِ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عياشى، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (1) ] ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَسْطُوحًا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رُشَّ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ رَشًّا، قَالَ: وَكَانَ الَّذِي رَشَّ الْمَاءَ عَلَى قَبْرِهِ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ بِقِرْبَةٍ بَدَأَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِالْمَاءِ إِلَى الْجِدَارِ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدُورَ مِنَ الْجِدَارِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حدثنا الْحَجَبِيُّ وسَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ. وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزَ قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَافَ وَخِيفَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن موسى ابن إِسْمَاعِيلَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ [ (2) ] .
باب ما جاء في عظم المصيبة التي نزلت بالمسلمين بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي عِظَمِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَانْجَانَ الصَّرَّامُ بِهَمَذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أضار مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ، ما رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا عَنْ دَفْنِهِ، حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا [ (1) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْكَرِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ، حَتَّى لَمْ يَنْظُرْ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ أَحَدُنَا يَبْسُطُ يَدَهُ، فَلَا يُبْصِرُهَا، فلما فَرَغْنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخُزَاعِيُّ، قال: حدثنا حماد
ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: شَهِدْتُ الْيَوْمَ الَّذِي تُوُفِّيَ، فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَ يَوْمًا، كَانَ أَقْبَحَ مِنْهُ [ (2) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ زَائِرًا، وَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ شَرَابًا، فَإِمَّا كَانَ صَائِمًا، وَإِمَّا كَانَ لَا يُرِيدُهُ، فَرَدَّهُ فَأَقْبَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: انْطَلِقَ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا، بَكَتْ، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ. قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَبْكِي، أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي، أَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ [ (3) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا، قَالَ: وَرَجَعَ النَّاسُ حِينَ فرع أَبُو بَكْرٍ مِنْ خُطْبَتِهِ، وَأُمُّ أَيْمَنَ قَاعِدَةٌ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ يَا أُمَّ أَيْمَنَ؟ قَدْ أَكْرَمَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) نَبِيَّهُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرَاحَهُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ، كَانَ يَأْتِينَا غَضًّا جَدِيدًا، كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَدِ انْقَطَعَ وَرُفِعَ وَعَلَيْهِ أبكي
فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنِ الْحُلَيْسِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قالت: نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ نَبْكِي، لَمْ نَنَمْ، وَرَسُولُ اللهِ فِي بُيُوتِنَا وَنَحْنُ نَسْكُنُ لِرُؤْيَتِهِ عَلَى السَّرِيرِ، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ الْكَرَازِينَ فِي السَّحَرِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَصِحْنَا وَصَاحَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ صَيْحَةً وَاحِدَةً وَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالْفَجْرِ، فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَكَى، فَانْتَحَبَ، فَزَادَنَا حُزْنًا، وَعَالَجَ النَّاسَ الدُّخُولُ إِلَى قَبْرِهِ، فَغُلِّقَ دُونَهُمْ، فَيَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ! مَا أُصِبْنَا بَعْدَهَا بِمُصِيبَةٍ إِلَّا هَانَتْ إِذَا ذَكَرْنَا مُصِيبَتَنَا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حدثنا يحيى ابن آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا غَرَسْتُ نَخْلَةً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ الْمُزَنِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عن القاسم ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: بَلَى، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، تَكْرِيمًا لَكَ، وَتَشْرِيفًا لَكَ، وَخَاصَّةً لَكَ، أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ. يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، وَقَالَ لَهُ: ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ
الثَّالِثَ فَقَالَ لَهُ: كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ. وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ، يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ائْذَنْ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، فَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ رُوحَكَ قَبَضْتُهُ، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ، فقال: أو تفعل يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ! بِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ. فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: «امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ» ، فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ، سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، إن في الله عزاء مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. لَقَدْ رُوِّينَا هَذَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللهَ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ، أَيْ أَرَادَ رَدَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ إِلَى آخِرَتِكَ لِيَزِيدَ فِي كَرَامَتِكَ، وَنِعْمَتِكَ وَقُرْبَتِكَ [ (4) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ، سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: إِنَّ فِي اللهِ عزاء من كل مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فَبِاللهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ. وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر البغدادي، قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرْتَعِدِ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابر ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، يَسْمَعُونَ الْحِسَّ، وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي الله عزاء من كل مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فأرجو، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، (وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ) هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ، فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عباد ابن عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَبَكَوْا حَوْلَهُ، وَاجْتَمَعُوا فَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ، صَبِيحٌ، فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ، فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فِي اللهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مصيبة وَعِوَضًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللهِ فَأَنِيبُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا، وَنَظَرُهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَاءِ، فَانْظُرُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ، فَانْصَرَفَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، تَعْرِفُونَ الرجل، قالوا: أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) نَعَمْ هَذَا أَخُو رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ضَعِيفٌ [ (5) ] ، وَهَذَا منكر بمرّة.
باب معرفة أهل الكتاب بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وقوع الخبر إليهم بما يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، بصفته، وصورته، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
بَابُ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَبْلَ وُقُوعِ الْخَبَرِ إِلَيْهِمْ بِمَا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، بِصِفَتِهِ، وَصُوَرَتِهِ، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالْيَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، ذَا كُنَاعٍ، وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَقَدْ مَضَى صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ، مُنْذُ ثَلَاثٍ، قَالَ: فأقبلت وأقبل مَعِي، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. قَالَ: فقال لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ- إن شاء الله- ورجع إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، فَقَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ،، قَالَ لي: ذو عمر يَا جَرِيرُ، إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لَمْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كنت إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ، تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ، كَانُوا مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ، وَيَرْضَوْنَ رِضَى الْمُلُوكِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: لَقِيَنِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ صَاحِبَكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عمروا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كثير ابن عفير بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ نَاعِمِ بْنِ أُجَيْلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى الْحِيرَةِ، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْنَا وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَارْتَابَ أَصْحَابِي، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ، فَقُلْتُ: قَدْ مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، وَثَبَتُّ عَلَى إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ، أُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَمَرَرْتُ بِرَاهِبٍ، كُنَّا لَا نَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرٍ أَرَدْتُهُ، لَقَحَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: ائْتِ بِاسْمِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَأَتَيْتُهُ بِكَعْبٍ، فَقَالَ: أَلْقِهِ فِي هَذَا الشَّعْرِ لِشَعْرٍ أَخْرَجَهُ، فَأَلْقَيْتُ الْكَعْبَ فِيهِ، فَصَفَّحَ فِيهِ، فَإِذَا بِصِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَمَا رَأَيْتُهُ وَإِذَا بِمَوْتِهِ فِي الْحِينِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَدَّتْ بَصِيرَتِي فِي إِيمَانِي، وَقَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَعْلَمْتُهُ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَّهَنِي إِلَى الْمُقَوْقِسِ، فَرَجَعْتُ، فَوَجَّهَنِي أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ، وَلَمْ أَعْلَمْ بِهَا، فَقَالَ لِي: عَلِمْتَ أَنَّ الرُّومَ قَتَلْتِ الْعَدُوَّ، وَهَزَمَتْهُمْ، قُلْتُ: كَلَّا، قال: ولما، قُلْتُ: إِنَّ اللهَ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، قَالَ: إِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ صَدَقَكُمْ، قُتِلَتِ الرُّومُ، وَاللهِ قَتْلَ عَادٍ، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَهْدَى إِلَى، عمرو إليهم، وَكَانَ مِمَّنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرُ، وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْعَبَّاسَ، قَالَ: كعب، قَالَ
كَعْبٌ: وَكُنْتُ شَرِيكًا لِعُمَرَ فِي الْبَزِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا فَرَضَ الدِّيوَانَ، فَرَضَ لِي فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ [ (2) ] .
باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجور، قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ: لَا وَاللهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ، دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ، الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [ (1) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، ولا أوصى بشيء [ (2) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. أَخْبَرَنَا أبو زكريا ابن أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عن ذر، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تَسْأَلُونِي عَنْ مِيرَاثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا وَلِيدَةً، قَالَ مِسْعَرٌ: أَرَاهُ قَالَ: وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ مَاتَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي إِلَّا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ، فَكِلْتُهُ، فَفَنِيَ، وَلَيْتَنِي لَمْ أَكِلْهُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ [ (3) ] . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّقِيقِيُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شعير.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ [ (4) ] . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بن محمد بن إبراهيم الموسآيّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: حدثنا عبيس ابن مَرْحُومٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي دِرْعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، فِي مَوْضِعِ الصَّدْرِ، وَحَلَقَتَانِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ أَبِي: فَلَبِسْتُهَا، فَجَعَلْتُ أَخُطُّهَا فِي الْأَرْضِ شَيْئًا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقَدْ دُعِيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، قَالَ أَنَسٌ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ تَمْرٍ» ، وَإِنَّ لَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَ نِسْوَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعًا له، عن يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ، أَخَذَ مِنْهُ طعاما كما وَجَدَ لَهَا، مَا يَفْتَكُّهَا بِهِ. حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا، مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ تِلْكَ الَّتِي تُدْعَى الْمُلَبَّدَةُ، فَأَقْسَمَتْ بِاللهِ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ الثوبين.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (5) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مما يصنع باليمن وكبسا مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةُ، فَقَالَتْ: مِنْ هَذَيْنِ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ [ (6) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ، سَطْرٌ مُحَمَّدٌ وَسَطْرٌ رَسُولٌ وَاللهُ سَطْرٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ [ (7) ] . أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْوَلِيدِ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد ابن عَمْرِو بْنِ طَلْحَةَ الدُّوَلِيُّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أنّ عليّ ابن الْحُسَيْنِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا! قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِي سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيَّ، وَايْمُ اللهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ،، لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، حَتَّى تَبْلُغَ نَفْسِي، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ ابن حَنْبَلٍ [ (8) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسْدِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ، جَرْدَاوَيْنِ لهما قبلان، قَالَ: فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ بَعْدُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ الْأَسَدِيِّ [ (9) ] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
وكان قد أتصدع، فثلثه بِفِضَّةٍ، قَالَ: هُوَ قَدَحٌ جبير، عَرِيضٌ، مِنْ نِضَارٍ، قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا، وَأَمَّا الْبُرْدُ الَّذِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ، فَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ محمد ابن إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي قِصَّةِ التَّبُوكِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَعْطَى أَهْلَ أَيْلَةَ بُرْدَةً، مَعَ كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ، أَمَانًا لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُرْشِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَرْتِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ: الْمُرْتَجِزُ، وَحِمَارٌ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، وَبَغْلَةٌ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلُ، وسيفه ذو الفقار، وورعه ذُو الْفُضُولِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ الْبُرْجُمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بن الجرار، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَحْوَهُ، وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ أَسْمَاءَ أَفْرَاسِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ السَّاعِدِيِّينَ: لِزَازُ، وَاللَّحِيفُ، وَقِيلَ اللُّحَيْفُ، وَالظِّرْبُ، وَالَّذِي رَكِبَهُ لِأَبِي طَلْحَةَ، يُقَالُ لَهُ: الْمَنْدُوبُ، وَنَاقَتُهُ القسواء، وَالْعَضْبَاءُ، وَالْجَدْعَاءُ، وَبَغْلَتُهُ الشَّهْبَاءُ، وَالْبَيْضَاءُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهُنَّ إِلَّا مَا رُوِّينَا، فِي بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَسِلَاحِهِ، وَأَرْضٍ
جَعَلَهَا صَدَقَةً، وَمَنْ ثِيَابِهِ، وَنَعْلِهِ، وَخَاتَمِهِ، وَمَا رُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (10) ] . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وَأَخْبَرَنَا ابْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَلَهُ بردان في الحقّ، يُعْمَلَانِ هَذَا مُنْقَطِعٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ جُبَّةُ صُوفٍ فِي الْحِيَاكَةِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عُصَيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ فَدُفِنَتْ مَعَهُ، بَيْنَ جَنْبِهِ، وَبَيْنَ قَمِيصِهِ. مخول ابن إِبْرَاهِيمَ مِنَ الشِّيعَةِ يَأْتِي بِإِفْرَادٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ، وَالضَّعْفُ عَلَى رِوَايَاتِهِ بَيِّنٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ: أَخْبَرَكَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ: مِيرَاثَهَا مِنْ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَاطِمَةُ حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا، صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ!، يَعْنِي مَالَ اللهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ، وَإِنِّي وَاللهِ لأغير صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا، بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا. فَوَجَدْتُ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، فَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَإِنِّي لَا آلُو فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَتْرُكَ فِيهَا أَمْرًا، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا، إِلَّا صَنَعْتُهُ. وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ إسحاق بن البغدادي بهراة، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ وَنَحْوِهِ، بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ فَكَانَ فِيمَا زَادَ، قَالَ: فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، وَقَالَ: قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ، وَمَا قَدْ أَعْطَاكَ اللهُ، وَإِنَّا لَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا، سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِأَمْرٍ، وَكُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا حَقًّا وَذَكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَحَقَّهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَتَكَلَّمُ، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ [ (11) ] ، وَذَكَرَ بَعْضَهَا رُوِّينَا فِي هَذَا
الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَتَكِيُّ بِنِيسَابُورَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ، أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ هذا أبو بكر يستئذن عَلَيْكِ، فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ أأذن، قَالَ: نَعَمْ! فَأَذِنَتْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا، وَقَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ إِلَّا لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللهِ، وَمَرْضَاةِ رَسُولِهِ، وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَاوُدَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحسين ابن عَلِيٍّ، أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ لَحَكَمْتُ بِمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي فَدَكَ. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْتُ فِي كتاب و «قسم الْفَيْءِ» مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ، مِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَاقْتَصَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ
باب تسمية ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده رضي الله عنهم
بَابُ تَسْمِيَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَوْلَادِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنْبَعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، وَهُوَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الرُّصَافِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ، فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: الْقَاسِمَ، بِهِ كَانَ يُكْنَى، وَالطَّاهِرَ وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ. فَأَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا أَبُو الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، بْنِ عَبْدِ شَمْسِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَلَدَتْ لِأَبِي الْعَاصِ جَارِيَةً اسْمُهَا: أُمَامَةُ فَتَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أبي طالب، بعد ما تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُ أُمَامَةُ. فَخَلَفَ عَلَى أُمَامَةَ بَعْدَهُ، الْمُغِيرَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابن هَاشِمٍ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ. وَأُمُّ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَخَدِيجَةُ خَالَتُهُ، أُخْتُ أُمِّهِ. وَأَمَّا رُقَيَّةُ بِنْتُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَلَدَتْ
لَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ، بِهِ كَانَ يُكْنَى عُثْمَانُ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى كُنِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَمْرِو ابن عُثْمَانَ، وَبِكُلٍّ قَدْ كَانَ يُكْنَى، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ رُقَيَّةُ زَمَنَ بَدْرٍ، فَتَخَلَّفَ عُثْمَانُ عَلَى دَفْنِهَا، فَذَلِكَ مَنَعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بَدْرًا، وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُوُفِّيَتْ رُقَيَّةُ بنت رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرًا بِفَتْحِ بَدْرٍ. فَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومَ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَزَوَّجَهَا أَيْضًا عُثْمَانُ، بَعْدَ أُخْتِهَا رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ لَمْ تَلِدْ لَهُ شَيْئًا. وَأَمَّا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَكْبَرَ وَحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ بِالْعِرَاقِ، بِالطَّفِّ، وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ فَهَذَا مَا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ مِنْ عَلِيٍّ. فَأَمَّا زَيْنَبُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ، وَقَدْ وَلَدَتْ لَهُ علي بن عبد الله، وَأَخًا لَهُ آخَرَ يُقَالُ لَهُ عَوْفٌ، وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ تَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدَ ابن عُمَرَ، ضُرِبَ لَيَالِيَ قِتَالِ ابْنِ مُطِيعٍ ضَرْبًا لَمْ يَزَلْ يَنْهَمُ مِنْهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بَعْدَ عُمَرَ عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَلَمْ تَلِدْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بَعْدَ عَوْنِ بْنِ جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا بُثَيْنَةُ، بُعِثَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، عَلَى سَرِيرٍ فَلَمَّا قَدِمْتِ الْمَدِينَةَ تُوُفِّيَتْ ثُمَّ خَلَفَ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَوْنِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَلَمْ تَلِدْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَهُ. وَتَزَوَّجَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ، الأول منهم عتيق ابن عَائِدِ بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ جَارِيَةً فَهِيَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ بَعْدَ عَتِيقِ بْنِ عَائِدٍ، أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ، وتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِمَكَّةَ،
قَبْلَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ. وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنَ النِّسَاءِ، فَزَعَمُوا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا.. فَقَالَ: لَهَا بَيْتٌ مِنْ قَصَبِ اللُّؤْلُؤِ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ أُرِيَ فِي النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ يُقَالُ لَهُ هِيَ امْرَأَتُكُ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتٍّ فَنَكَحَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بنى بعائشة بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَعَائِشَةُ يَوْمَ بَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ، وَهِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، بْنِ عَامِرِ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ تَيْمِ بْنِ مرة، بن لؤي، ابن غَالِبِ، بْنِ فِهْرٍ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بٌكرا. وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيقٌ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانُ وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ، ابن عَبْدِ الْعُزَّى، بْنِ رَبَاحِ، بْنِ عَبْدِ اللهِ، بْنِ قِرَاطِ، بْنِ رِزَاحِ، بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ ابن حزاقة ابن قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حُزَاقَةَ، بْنِ سَهْمِ، بْنِ عمرو ابن هَصِيصِ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرٍ، مَاتَ عَنْهَا مُؤْمِنًا. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَاسْمُهَا هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، ابْنَ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عُمَرَ، بْنِ مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ أَبِي سَلَمَةَ، وَاسْمُهُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ، ابْنَ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عُمَرَ، بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ لِأَبِي سَلَمَةَ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، وُلِدَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ آخِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاةً بَعْدَهُ، وَدُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ، بْنِ عبد ودّ، ابن نَصْرِ، بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ، بْنِ عَامِرِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ السَّكْرَانِ بْنِ عَمْرِو، بْنِ عَبْدِ شَمْسِ، بْنِ عَبْدِ وائل، ابن
نَصْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ حِسْلِ، بْنِ عَامِرِ، بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، بْنِ حَرْبِ، بْنِ أُمَيَّةَ، بْنِ عَبْدِ شَمْسِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرٍ. كَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشِ، ابن رياب، بْنِ بَنِي أُسَيْدِ، بْنِ خُزَيْمَةَ، مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَتْ مَعَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَوَلَدَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ جَارِيَةً يَقُولُ لَهَا: حَبِيبَةُ، وَاسْمُ أُمِّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ أَنْكَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُمُّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ، وَصَفِيَّةُ عَمَّةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُخْتُ عَفَّانَ لِأَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَقَدِمَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم شرحبيل بن حَسَنَةَ. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، ابن رِيَابِ، بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ عَمَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْكَلْبِيِّ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ اسْمَهُ، وَشَأْنُهُ وشَأْنَ زَوجِهِ. وَهِيَ أَوَّلُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاةً بَعْدَهُ. وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ جُعِلَ عَلَيْهَا النَّعْشُ، جَعَلَتْ لَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ، وَهِيَ أم عبد الله ابن جَعْفَرٍ كَانَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَإِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ النَّعْشَ، فَصَنَعَتْهُ لِزَيْنَبَ يَوْمَ تُوُفِّيَتْ. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ، وَهِيَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ، وَهِيَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. كَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جحش بن رياب، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَتُوُفِّيَتْ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ، لَمْ تَلْبَثْ مَعَهُ إِلَّا يَسِيرًا. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ بْنِ بَحِيرِ، بْنِ الْهَرَمِ رُوَيْبَةَ، بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ، بْنِ عَامِرِ، بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ
نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ، الْأَوَّلُ منهما، بن عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ، مَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ خلف عليها أبو دهم، بن عبد العزّى، ابن أَبِي قَيْسِ، بْنِ عَبْدِ وُدِّ، بْنِ نَصْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ حِسْلِ، بْنِ عَامِرِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرٍ. وَسَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارِ، بْنِ الحارث، ابن عَائِدِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. وَالْمُصْطَلِقُ اسْمُهُ خُزَيْمَةُ، يَوْمَ وَاقَعَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، بِالْمُرَيْسِيعِ، وَسَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، يَوْمَ خَيْبَرَ، وَهِيَ عَرُوسٌ، بِكِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَهَذِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَسَمَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ لِنِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَقَسَمَ لِجَوْيَرِيَّةَ، وَصَفِيَّةَ سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا سبي. وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَسَمَ لَهُمَا وَحَجَبَهُمَا. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ طِبْيَانَ بْنِ عَمْرٍو مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ، فَدَخَلَ بِهَا، فَطَلَّقَهَا. قَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ حَجَّاجُ: وَحَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، يَعْنِي الزهريّ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَتْ: فَدَلَّ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا الْحِجَابُ، يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ لَكَ فِي أُخْتِ أُمِّ شَبِيبٍ؟ وَأُمُّ شَبِيبٍ امْرَأَةُ الضَّحَّاكِ. وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عُمَرَ بْنِ كِلَابٍ، أَخِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ، وَهُمْ رَهْطُ زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ، فَأُنْبِئَ أَنَّ بِهَا بَيَاضًا فَطَلَّقَهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا.
وَتَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتَ بَنِي الْجَوْنِ الْكِنْدِيِّ، وَهُمْ حُلَفَاءُ فِي بَنِي فَزَارَةَ، فاستعازت مِنْهُ، فَقَالَ: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. قَالَ: وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سُرِّيَّةٌ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا اسْمُهُ إِبْرَاهِيمَ، فَتُوُفِّيَ وَقَدْ مَلَأَ الْمَهْدَ، وَكَانَتْ لَهُ وَلِيدَةٌ، يُقَالُ لَهَا رَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ بَنِي خَنَاقَةَ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، أَعْتَقَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا قَدِ احْتَجَبَتْ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ كَعْبٍ الْجُونِيَّةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ بِنْتَ زَيْدٍ، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي كِلَابٍ، ثُمَّ بَنِي الْوَحِيدِ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَطَلَّقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا. فَسَمَّى الْمَرْأَتَيْنِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّهِمَا الزُّهْرِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَالِيَةَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ زَكَرِيَّا بن أبي زائدة، عن الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَهَبْنَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءٌ أَنْفُسَهُنَّ، فَدَخَلَ بِبَعْضِهِنَّ، وَأَرْجَأَ بَعْضَهُنَّ فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ حَتَّى تُوُفِّيَ. وَلَمْ يَنْكِحْنَ بَعْدَهُ، مِنْهُنَّ أُمُّ شَرِيكٍ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ مِنَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ، وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي قِصَّةِ الْجُونِيَّةِ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ، فَأَلْحَقَهَا بِأَهْلِهَا، أَنَّ اسْمَهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لِابْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ هِيَ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ الْجُونِيَّةُ. قَالَ: وَيُقَالُ:
إِنَّ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا مُلَيْكَةُ اللَّيْثِيَّةُ، قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمَيْمَةُ وَاللهُ أَعْلَمُ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْكِلَابِيَّةَ اسْمُهَا عَمْرَةُ، وَهِيَ الَّتِي وَصَفَهَا أَبُوهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَمْرَضْ قَطُّ، فَرَغِبَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ المعلّا الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، قَالَ: فَذَكَّرَهُنَّ وَزَادَ أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أُمَّ شَرِيكٍ الْأَنْصَارِيَّةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ غَيْرَتَهُنَّ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَتَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ الصَّلْتِ مِنْ بَنِي حَرَامٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَخَطَبَ جَمْرَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّةِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةُ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَزَادَ فِيهِنَّ قُتَيْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ، قَالَ: وَلَمْ تَكُنْ قَدِمَتْ عَلَيْهِ، وَلَا رَآهَا، وَلَا دَخَلَ بِهَا، وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ تُخَيَّرَ قُتَيْلَةُ إِنْ شَاءَتْ يُضْرَبْ عَلَيْهَا الْحِجَابُ، وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ شَاءَتْ فَلْتَنْكِحْ مَنْ شَاءَتْ، فَاخْتَارَتِ النِّكَاحَ، فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِحَضْرَمَوْتَ، فَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُحَرِّقَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا هِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا دَخَلَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَلَا ضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ. قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمْ يُوصِ فِيهَا بِشَيْءٍ وَأَنَّهَا ارْتَدَّتْ، فَاحْتَجَّ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِارْتِدَادِهَا. فَلَمْ تَلِدْ لِعِكْرِمَةَ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا. وَزَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْضًا فِي الْعَدَدِ فَاطِمَةَ بِنْتَ شُرَيْحٍ، وَسَنَا بِنْتَ أَسْمَاءَ السُّلَمِيَّةَ وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهٍ أَنَّ الَّتِي ارْتَدَّتْ، هِيَ الْبَرْصَاءُ مِنْ بَنِي عَوْفِ ابن سَعْدِ بْنِ ذِبْيَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَهْدِيٍّ الْقُشَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ بْنُ قَتَادَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ وَقُبِضَ عَنْ تِسْعٍ، فَأَمَّا اثْنَتَانِ مِنْهُنَّ فَأَفْسَدَهُمَا فَطَلَّقَهُمَا، وَذَاكَ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِإِحْدَاهُمَا: إِذَا دَنَا مِنْكِ، فَتَمَنَّعِي. فَتَمَنَّعَتْ فَطَلَّقَهَا، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَتْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا مَاتَ ابْنُهُ فَطَلَّقَهَا، مِنْهُنَّ خَمْسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَحَفْصَةُ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأُمُّ حبيبة بنت أبي سفيان، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الْخَيْبَرِيَّةُ. قُبِضَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَؤُلَاءِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ: وَلَدَتْ، خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً، غُلَامَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ، وَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَالْقَاسِمَ، وَعَبْدَ اللهِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مات إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ يُتِمُّ رَضَاعَهُ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَلَوْ عَاشَ لَأَعْتَقْتُ أخواله من القبط.
تم كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي والحمد لله أولا وأخيرا
تم كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة لأبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي والحمد لله أولا وأخيرا جاء في نهاية النسخة (ح) . والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. كمل الخبر المبارك، وبتمامه نجز كتاب دلائل النبوة للإمام العالم العلامة البحر الفهامة الحافظ المحقق المدقق الزاهد أبي بَكْرٍ، أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ البيهقي سقى الله ثراه من سحاب الرحمة والرضوان، رواية ولد ولده الشيخ السديد أبي الحسن عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي رحمه الله ورضي عنه على يد الحصر المنقر احمد بن حسن شهاب الدين الخطيب المنياوي المالكي عفى عنه. والحمد لله وحده. وجاء في ختام نسخة (أ) : آخر الجزء التاسع، وبتمامه تم جميع كتاب دلائل النبوة، ومعرفة أحوال صاحب الشريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه للبيهقي رضي الله عنه، ووافق فراغ هذا السفر ليلة الإثنين الثامن عشرة من جمادي الآخرة سنة ست وستين وستمائة كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي علي السعدي الشافعي- عفا الله عنه-، ولطف به، والحمد لله، وصلّى الله على محمد وآله وصحبه وأزواجه وذريته، وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.
قرأت جميع هذا السفر التاسع من دلائل النبوة، وما قبله، وهي ثمانية غير هذا مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ على الشيخ الإمام ربه السلف شرف الدين أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٍ بن إبراهيم بن القاسم الميدومي وفقه الله بسنده المذكور في أول كل سفر منها، وأصح ذلك وثبت في مجالس آخرها يوم الا.. السادس من شهر المحرم سنة سبع وستين وستمائة كتبه محمد بن عبد الحكم ابن أبي علي الحسن السعدي الشافعي عفا الله عنه ولطف به، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى تسليما كثيرا. وجاء في نهاية النسخة (ك) : تم الكتاب بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله محمد المصطفى وآله أجمعين، وفرغ من كتابته الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن أحمد الأنصاري في التاسع من جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وأربعمائة غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات انه غفور رحيم. ثم معارضات، وسماعات نوهنا عنها في تقدمتنا للجزء الأول.