دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني

أبو نعيم الأصبهاني

§دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الثِّقَةُ الْحَافِظُ سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ فِي مَنْزِلِهِ بِدَارِ الْخِلَافَةِ عَمَّرَهَا اللَّهُ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُطَرَّزُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي دَارِهِ بِأَصْبَهَانَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَنَا الْإِمَامُ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ

: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُولِي النِّعَمَ الْجِسَامَ، وَمُسْدِي الْآلَاءِ الْعِظَامِ، الَّذِي تَرَادَفَتْ أَيَادِيهِ السَّابِغَةُ، وَثَبَتَتْ حُجَجُهُ الْبَالِغَةُ بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَةِ، وَالْعَلَامَاتِ اللَّائِحَةِ، مُخْتَرِعِ الْمَلَكُوتِ مِنَ الْأَرْضِينَ وَالسَّمَوَاتِ، وَمُبْدِعِ الصَّنَائِعِ الْمُتْقَنَةِ الْوَاقِعَةِ لِخَلْقِهِ بِالْحَرَكَاتِ مِنْهُمْ وَالسَّكَنَاتِ، وَالْمُنْشِئِ لِبَرِيَّتِهِ قَوَامَهُمْ وَأَقْوَاتَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ وَأَلْوَانِ الثَّمَرَاتِ، الظَّاهِرِ آيَاتِهِ لِلْمُؤَيِّدِينَ بِالْعَقْلِ الرَّصِينِ، وَالْمُمَدِّينَ بِالنَّظَرِ الْمَكِينِ، الْمُوَفَّقِينَ لِلتَّفَكُّرِ فِيمَا أَشْهَدَهُمْ مِنْ لَطَائِفِ التَّرْكِيبِ وَأَعَانَهُمْ بِالنَّظَرِ فِي تَوَالِي التَّرْتِيبِ، وَتَحْوِيلِ الْأَعْيَانِ الْمُنْتَقِلَةِ مِنْ طَبَقَةٍ إِلَى طَبَقَةٍ، وَصَنْعَةٍ إِلَى صَنْعَةٍ، الدَّالُّ كُلُّهُ عَلَى تَدْبِيرِ الْعَالِمِ الْحَكِيمِ وَالْقَادِرِ الرَّحِيمِ، الْقَامِعِ لِسُلْطَانِ الْمُبْطِلِينَ بِالْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ، الْقَاطِعِ لِطُغْيَانِ الْمُنْكِرِينَ بِالْأَدِلَّةِ الزَّاهِرَةِ، الَّذِي أَزَاحَ عِلَلَ الْمُكَلَّفِينَ بِالرُّسُلِ، الْمُؤَيَّدِينَ بِالْآيَاتِ بِمَا أُعْطُوا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [سورة: الحديد، آية رقم: 25] وَقَالَ {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سورة: النساء، آية رقم: 165] فَأَلْزَمَ الْخَلِيقَةَ بِهِمُ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ لَهَمْ بِمَا بَلَّغُوا عَنْهُ الْمَحَجَّةَ، فَحَيَّ مَنْ حَيَّ بِمَا بَعَثَهُمْ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَهَلَكَ بِمُفَارَقَتِهِمْ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى

خَيْرِ مَبْعُوثٍ خَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ، وَغَنَمَ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ النَّبَالَةَ وَالْجَلَالَةَ، وَقَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ، وَرَفَعَ فِكْرَهُ لِذِكْرِهِ، مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مَا عَبَدَ عَابِدٌ وَسَجَدَ سَاجِدٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ سَأَلْتُمْ - عَمَّرَ اللَّهُ بِالْبَصَائِرِ طُوِيَّاتِكُمْ، وَنَوَّرَ فِي الْمَسِيرِ إِلَى وِفَاقِهِ أَوْعِيَتَكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ - جَمْعَ الْمُنْتَشِرِ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي النُّبُوَّةِ، وَالدَّلَائِلِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَالْحَقَائِقِ، وَخَصَائِصِ الْمَبْعُوثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّنَاءِ السَّاطِعِ، وَالشِّفَاءِ النَّافِعِ، الَّذِي اسْتَضَاءَ بِهِ السُّعَدَاءِ، وَاشْتَفَى بِهِ الشُّهَدَاءِ، وَاسْتَوْصَلَ دُونَهُ الْبُعَدَاءُ، فَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ وَاسْتَوْفَقْتُهُ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزِ، وَاعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَالِقَ الْحَكِيمَ أَنْشَأَ الْخَلْقَ مُخْتَلِفِي الصُّوَرِ وَالْجَوَاهِرِ، مُتَفَاوِتِي الْأَمْزِجَةِ وَالْبَصَائِرِ، أَجْزَاؤُهُمْ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْقُوَّةِ مُتَفَاضِلَةٌ، وَأَخْلَاقُهُمْ فِي النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ مُتَفَاوِتَةٌ، فَمِنْ مُعْتَدِلٍ فِي امْتِزَاجِهِ، مُسْتَغْنٍ بِصِحَّتِهِ عَنِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَقَاقِيرِ، وَمُتَوَسِّطٌ فِي الِاعْتِدَالِ يُطَيِّبُهُ الْقَلِيلُ مِنَ الْأَبَارِيزِ، وَسَاقِطٍ رَذِيلٍ لَا يُقِيمُهُ الْعَزِيزُ مِنَ الْعَنَاصِرِ، كَذَلِكَ الْأَرْوَاحُ مِنْهُمْ صَافٍ ذَكِيٌّ، بِالْحِكْمَةِ مَشْغُوفٌ، وَإِلَى التَّعَرُّفِ وَالتَّبَصُّرِ مَلْهُوفٌ، حَرِيصٌ عَلَى مَا اسْتَبَقَ إِلَيْهِ السُّعَدَاءُ، وَمِنْهَا رَوْحٌ أَكْدَرُ بَطِيْءٌ، عَنِ الْمَعَارِفِ وَالْبَصَائِرِ مَعْصُوفٌ، وَعَنِ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ مَصْرُوفٌ، خَمِيصٌ إِلَى مَا اسْتَلَدَّهُ الْبُعَدَاءُ، وَمِنْهَا رُوحٌ مُتَوَسِّطٌ، حَطَّ بِهِ عَنْ كَمَالِ الصَّفَاءِ وَالذَّكَاءِ، وَنَحَّى بِهِ مِنْ تِلَالِ الْكَدَرِ وَالْعَمَى، فَلِتَفَاوُتِ الْأَشْبَاحِ وَالْأَرْوَاحِ اخْتَلَفَتِ الْأَقْوَالُ وَالْأَحْوَالُ، فَالْمَحْنُوُّ بِصَافِي

الْأَرْوَاحِ يَحِنُّ جَوْهَرُهُ دَائِمًا إِلَى صَفْوَةِ الرَّوْحَانِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْعُلَى فِي السَّمَوَاتِ، وَالْمَحْنُوُّ بِكَدَرِ الْأَرْوَاحِ يَمِيلُ جَوْهَرُهُ دَائِمًا إِلَى مُمَاثَلَةِ الْمُسَخَّرَةِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْأَنْعَامِ، الْمُرَكَّبَةُ مِنَ الْكَدَرِ وَالظُّلُمَاتِ، فَإِذَا اخْتْلَفَتِ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَمْزِجَةُ فَالْمَخْلُوقُ عَلَى أَعْدَلِ التَّرْتِيبِ وَأَصْفَى التَّرْكِيبِ مِنْ لُبَابِ الْبَشَرِ وَصِبَابِ النَّشْرِ مَنِ ارْتَاحَ لِلتَّأَلُّهِ وَالصَّلَاحِ وَاهْتَنَّ لِلتَّشْمِيرِ، وَالصَّلَاحُ مَخْصُوصٌ بِالْبِشَارَةِ وَالنَّذَارَةِ، مَقْصُودٌ بِالنَّفْثِ وَالْإِيمَاءِ مِنَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، مُمَدٌّ بِالْمَوْهِبَةِ الْإِلَاهِيَةِ، والْأَثَرَةِ الْعُلْوِيَّةِ، وَيَسْعَدُ بِالْقَبُولِ مِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ مِنَ الْمُقْبِلِينَ، وَيُحْجَبُ بِالنُّفُورِ عَنْهُ وَالتَّكَبُّرِ عَنْهُ الْعُمَاةُ مِنَ الْمُدْبِرِينَ، فَأُولَئِكَ الْمَقْصُودُونَ هُمُ الدُّعَاةُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَالسَّادَةُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، فَالنُّبُوَّةُ: سِفَارَةُ الْعَبْدِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْأَلْبَابِ مِنْ خَلِيقَتِهِ، وَلِهَذَا تُوصَفُ أَبَدًا بِالرِّسَالَةِ وَالْبِعْثَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ النُّبُوَّةَ إِزَاحَةُ عِلَلِ ذَوْيِ الْأَلْبَابِ فِيمَا تَقْصُرُ عُقُولُهُمْ عَنْهُ مِنْ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، وَلِهَذَا يُوصَفُ دَائِمًا بِالْحُجَّةِ وَالْهِدَايَةِ لِيَزِيحَ بِهَا عِلَلَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْهِدَايَةِ وَالتَّثْقِيفِ، وَمَعْنَى النَّبِيِّ: هُوَ ذُو النَّبَأِ وَالْخَبَرِ، أَيْ يِكُونُ مُخْبِرًا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ «النَّبْوَةِ» الَّتِي هِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ عَنِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنْ يُخَصَّ بِضَرْبٍ مِنَ الرِّفْعَةِ، فَجُعِلَ سَفِيرًا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ وَصْفَهُ بِالشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ، وَمَنْ جَعَلَ النُّبُوَّةَ مِنَِ الْإِنْبَاءِ الَّتِي هِيَ الْإِخْبَارُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَمَعْنَى الرَّسُولِ: فَهُوَ الْمُرْسَلُ، فَعُولٌ عَلَى لَفْظِ مَفْعَلٍ، وَإِرْسَالُهُ: أَمْرُهُ إِيَّاهُ بِإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ

، وَمَعْنَى الْوَحْيِ: مِنَ الْوَحَا وَهُوَ الْعَجَلَةُ، فَلَمَّا كَانَ الرَّسُولُ مُتَعَجِّلًا لِمَا يَفْهَمُ، قِيلَ لِذَلِكَ التَّفَهُّمِ «وَحْيٌ» ، وَلَهُ مَرَاتِبٌ وَوُجُوهٌ فِي الْقُرْآنِ وَحْيٌ إِلَى الرَّسُولِ: وَهُوَ أَنْ يُخَاطِبَهُ الْمَلَكُ شِفَاهًا، أَوْ يَلْقِيَ فِي رَوْعِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [سورة: الشورى، آية رقم: 51] يُرِيدُ بِذَلِكَ خِطَابًا يُلْقِي فَهْمَهُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَعِيَهُ وَيَحْفَظَهُ. وَمَا عَدَاهُ مِنْ غَيْرِ خِطَابٍ إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ إِعْلَامٍ وَإِلْهَامٍ، وَتَوْقِيفٌ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ وَلَا خِطَابٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [سورة: النحل، آية رقم: 68] ، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [سورة: القصص، آية رقم: 7] وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ النُّبُوَّةَ الَّتِي هِيَ السِّفَارَةُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِخَصَائِصَ أَرْبَعَةٍ يَهَبُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ إِزَالَةَ عِلَلِ الْعُقُولِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالسَّلَامَةِ مِنْ آفَاتٍ أَرْبَعَةٍ يُعْصَمُ مِنْهَا، فَالسَّفِيرُ السَّعِيدُ بِالْمَوَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ سَلِيمٌ عَنِ الْآفَاتِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْعَاقِلُ السَّلِيمُ مِنَ الْآفَاتِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ بِسَعِيدٍ بِالْمَوَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، فَالْمَوَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ: أَوَّلُهَا: الْفَضِيلَةُ النَّوْعِيَّةُ. وَثَانِيهَا: الْفَضِيلَةُ الْإِكْرَامِيَّةُ. وَثَالِثُهَا: الْإِمْدَادُ بِالْهِدَايَةِ. وَرَابِعُهَا: التَّثْقِيفُ عِنْدَ الزَّلَّةِ، وَالْآفَاتُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي يُعْصَمُ مِنْهَا السَّلِيمُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. أَوَّلُهَا: الْكُفْرُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَثاَنِيهَا: التَّقَوُّلُ عَلَى اللَّهِ، وَثَالِثُهَا: الْفِسْقُ فِي أَوَامِرِ اللَّهِ، وَرَابِعُهَا: الْجَهْلُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ، فَمَعْنَى الْفَضِيلَةِ النَّوْعِيَّةِ: أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي سِيَرِ الْمُلُوكِ وَالْأَحْمَدَ فِي حُكْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ مُبَلِّغًا عَنْهُمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَالْمُسْتَقِلُّ بِأَثْقَالِ الرِّسَالِةِ قَدْ ثَقَّفَتْهُ خِدْمَتُهُ، وَخَرَّجَتْهُ أَيَّامُهُ، وَالْعُقُولُ تَشْهَدُ أَنَّ مِثْلَهُ مُقَيَّضًا مُرْتَادًا عِنْدَ الْمُرْسِلِ لِمِثْلِهِ فِي الْإِبْلَاغِ وَالتَّأْدِيَةِ عَنْهُ، فَاللَّهُ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ لَا يَخْتَارُ لِلرِّسَالَةِ

إِلَّا الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ، الَمُزَيَّنَ بِكُلِّ الْمَنَاقِبِ، وَلِهَذَا لِمْ يُوجَدْ نَبِيٌّ قَطُّ بِهِ عَاهَةٌ فِي بَدَنِهِ أَوِ اخْتِلَاطٌ فِي عَقْلِهِ، أَوْ دَنَاءَةٌ فِي نَسَبِهِ، أَوْ رَدَاءَةٌ فِي خُلُقِهِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سورة: الأنعام، آية رقم: 124] . وَمَعْنَى الْفَضِيلَةِ الْإِكْرَامِيَّةِ: أَنَّ الْمُلُوكَ مَتَى أَرْسَلُوا رَسُولًا اخَتْارُوهُ لِلْوِفَادَةِ، أَيَّدُوهُ فِي حَالِ الْإِرْسَالِ بِلَطَائِفَ وَكَرَامَاتٍ وَزَوَائِدَ وَمُعَاوَنَاتٍ يُيَسِّرُ الْخَطْبَ عَلَيْهِ فَوْقَ مَا كَانَ مَكَّنَهُ مِنْهُ، وَخَوَّلَهُ فِي مَاضِي خِدْمَتِهِ، فَاللَّهُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ إِذَا أَمَرَهُ لِلْإِبْلَاغِ عَنْهُ أَمَدَّهُ بِزَوَائِدَ تُقَوِّي قَلْبَهُ، وَتَشْحَذُ قَرِيحَتَهُ، وَتُمَكِّنُهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَالْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ، وَالْحُكْمِ الْمَدِيدِ، كَمَا أَيَّدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَلِّ الْعُقْدَةِ مِنْ لِسَانِهِ، وَإِشْرَاكِهِ هَارُونَ فِي الْإِرْسَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [سورة: القصص، آية رقم: 34] فَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [سورة: طه، آية رقم: 36] ، وَمَعْنَى الْإِمْدَادِ بِالْهِدَايَةِ: فَإِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا اخْتَارُوا لِلْإِبْلَاغِ عَنْهُمْ مَنْ عَلِمُوا مِنْهُ الْكَفَاءَةَ وَالِاسْتِغْلَالَ بِمَا وَلُّوهُ فَلَا يُخْلُونَهُ مِنْ كَتْبٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ تَتَضَمَّنُ الرُّشْدَ وَالْهِدَايَةَ، عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى صَنِيعَةِ الْآدَمِيِّينَ. فَاللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ مَتَى قَلَّدَ عَبْدًا قَلَائِدَ الرِّسَالَةِ فَحِكْمَتُهُ تَقْضِي أَنْ لَا يُخْلِيَهُ مِنْ مَوَادِّ الْإِرْشَادِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْعُلُومَ الْمُكْتَسَبَةَ لَا تَنَالُ إِلَّا تَعْرِيفًا، وَلَا تُصَابُ الْمَصَالِحُ الْكُلِّيَّةُ إِلَّا تَوْفِيقًا، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {كَذَلِكَ لِنُثَبِتَّ بِهِ فُؤَادَكَ} [سورة: الفرقان، آية رقم: 32] ، {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ} [سورة: الإسراء، آية رقم: 74] ، وَمَعْنَى التَّثْقِيفَ عِنْدَ الزَّلَّةِ: فَمَا بَعَثَ مَلِكٌ وَاحِدًا يُحَبِّبُ بِهِ الرَّعِيَّةَ إِلَى طَاعَةٍ فَيَرَى طَبْعَهُ مَائِلًا فِي حَالَ الْإِبْلَاغِ إِلَّا زَجَرَهُ عِنْدَ أَدْنَى هَفْوَةٍ بِأَبْلَغِ

مَزْجَرَةٍ، يُثَقِّفُهُ بِهَا صِيَانَةً لِمَحِلِّهِ وَحِفْظًا لِحِرَاسَتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ مَنْ يَنْتَهِ عَنْ فَلَتَاتِهِ أَوْشَكَ أَنْ يَأْلَفَهُ وَيَعْتَادَهُ، فَاللَّهُ اللَّطِيفُ بِعِبَادِهِ، الْوَافِي لِأَوْلِيَائِهِ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، لَا يَعْدِمُ وَافِدَهُ وَصَفِيَّهُ الْمُرَشَّحَ لِحَمْلِ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ التَّنْبِيهَ وَالتَّثْقِيفَ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [سورة: هود، آية رقم: 46] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ} [سورة: ص، آية رقم: 22] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [سورة: ص، آية رقم: 34] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [سورة: هود، آية رقم: 112] ، {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [سورة: الأنفال، آية رقم: 68] وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [سورة: الأنعام، آية رقم: 35] ، فَهَذِهِ الْخَصَائِصُ الْأَرْبَعَةُ لَا تُنَالُ بِالِاكْتِسَابِ وَالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهَا مَوْهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَأَثَرَةٌ عُلْوِيَّةٌ، حِكَمُهَا مُعَلَّقَةٌ بِتَدْبِيرٍ مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا يُظْهِرُهَا إِلَّا فِي أَخَصِّ الْأَزْمِنَةِ، وَأَحَقِّ الْأَمْكِنَةِ، عِنْدَ إِحْسَاسِ الْحَاجَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَإِطْبَاقِ الدَّهْمَاءِ عَلَى الضُّلَّالِ مِنَ الْبَرِيَّةِ، وَكُلُّهَا أَعْلَى مِنْ أَنْ تَفُوزَ بِهِ الْعُقُولُ الْجُزْئِيَّةُ، أَوْ تُحَصِّلُهَا الْمَسَاعِي الْمُكْتَسَبَةُ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [سورة: آل عمران، آية رقم: 179] وَقَوْلُهُ {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة: إبراهيم، آية رقم: 11] وَقَوْلُهُ {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}

[سورة: الجن، آية رقم: 27] ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَحْصُرَهَا عَدَدٌ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَنْصُرَهَا سَنَدٌ، فَأَعْظَمُ مُعْجِزَاتِهِ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ أُمُّ الْمُعْجِزَاتِ الَّذِي لَا يَدْفَعُهُ الْإِنْكَارُ وَلَا الْجَحْدُ، وَقَدْ حَرَّرَ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي مَسَائِلِه وَإِبْطَالِ طَعْنِ الَمَلَاحِدَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَبَيَّنُوا فَسَادَ مَقَالَاتِهِمْ، وَبُطْلَانَ مُعَارَضَاتِهِمْ بِمَا يُعَارِضُ بِهِ أَمْثَالُهُمْ مِنَ الْجَائِرِينَ عَنْ مَنْهَجِ النُّبُوَّةِ وَمَنَارِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَأَنَّ بَعْثَةَ الْمُرْسَلَينَ مِمَّا لَا يَسْتَحِيلُ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُمْكِنِ وَالْمَقْدُورِ، وَأَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هُوَ مِنَ الْجَائِزِ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ أَقْسَامٌ، مِنْهَا مَا يَجُوزُ دُخُولُ نَوْعٍ مِنْهَا تَحْتَ مَقْدُورِنَا عَلَى وَجْهٍ، وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ. وَذِكْرُ الْكَلَامِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي حَالَةٍ وَمُفْتَرِقَتَانِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى، وَذِكْرُ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ بِه التَّحَدِّي فَسُمِّيَ مُعْجِزًا، وَذِكْرُ الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ مِنْ بَرْهَمِيٍّ وَفَلْسَفِيٍّ وَطَبَائِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ سَكَتْنَا عَنْ ذَلِكَ إِذِ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَالِانْفِصَالُ عَنْ مُعَارَضَتِهِمْ مُسْلَمٌ إِلَى أَرْبَابِهِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالنُّظَّارِ، وَقَصَدْنَا جَمْعَ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ وَتَجْبِيَتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمُنْتَشِرِ مِنَ الْآبَارِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمَشْهُورِ مِنْ مَرْوِيِّ الْأَخْبَارِ، وَرَتَّبْنَاهُ تَرْتِيبَ مَنْ تَقَدَّمْنَا مِنْ رُوَاةِ الْآثَارِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ، وَجَعَلْنَا ذَلِكَ فُصُولًا، ذَكَرْنَاهَا لِتَسْهُلَ عَلَى الْمُتَحَفِّظِ أَنْوَاعُهُ وَأَقْسَامُهُ فَيَكُونَ أَجْمَعَ لِفَهْمِهِ، وَأَقْرَبَ مِنْ ذِهْنِهِ، وَأَبْعَدَ مِنْ تَحَمُّلِ الْكُلْفَةِ فِي طَلَبِهِ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ فِي ذَلِكَ وَفِي كُلِّ مَا نُرِيدُهُ وَنَقْصُدُهُ.

الفصل الأول في ذكر ما أنزل الله تعالى في كتابه من فضله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى جعل بعثته للعالمين رحمة، فقال: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، فأمن أعداءه من العذاب مدة حياته عليه السلام , وذلك قوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، فلم

§الفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ فَضْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بِعْثَتَهُ لِلْعَالَمِينَ رَحْمَةً، فَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، فَأَمَّنَ أَعْدَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] ، فَلَمْ يُعَذِّبْهُمْ مَعَ اسْتِعْجَالِهِمْ إِيَّاهُ تَحْقِيقًا لِمَا نَعَتَهُ بِهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمْ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مَا عَذَّبَهُمْ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَأَسْرٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41]

1 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا قُتَيْبَةُ، ثنا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ»

2 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -[40]-، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " §إِنَّمَا بُعِثْتُ نِعْمَةً، وَلَمْ أُبْعَثْ عَذَابًا وَمِنْ فَضَائِلِهِ: إِخْبَارُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِجْلَالِ قَدْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبْجِيلِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا خَاطَبَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أَخْبَرَ عَنْهُ إِلَّا بِالْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ الَّتِي لَا أَجَلَّ مِنْهَا فَخْرًا، وَلَا أَعْظَمَ خَطَرًا، وَخَاطَبَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْمِهِمْ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ بِالْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ الْمَرْتَبَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُمْلَتِهِمْ بِمُشَارَكَتِهِ مَعَهُمْ فِي الْخِطَابِ وَالْخَبَرِ، فَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، فَمَا ذَكَرَهُمْ إِلَّا بِأَسْمَائِهِمْ، وَالْكِنَايَةُ عَنِ الِاسْمِ غَايَةُ التَّعْظِيمِ لِلْمُخَاطَبِ الْمُجَلَّلِ، وَالْمَدْعُوِّ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَلَغَ بِهِ غَايَةَ التَّعْظِيمِ كُنِّيَ عَنِ اسْمِهِ، إِنْ كَانَ مَلِكًا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَإِنْ كَانَ أَمِيرًا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْأَمِيرُ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةً قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْخَلِيفَةُ، وَإِنْ كَانَ دَيَّانًا قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْحَبْرُ، أَيُّهَا الْقِسُّ، أَيُّهَا الْعَالِمُ، أَيُّهَا الْفَقِيهُ، فَفَضَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَلَغَ بِهِ غَايَةَ الرُّتْبَةِ، وَأَعَالِيَ الرِّفْعَةِ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: 64] ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41] ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ -[41]-، وَخَاطَبَ آدَمَ وَمَنْ دُونَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ بِأَسْمَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] ، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَ {يَا نُوحُ اهْبِطْ} [هود: 48] ، {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42] ، وَ {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [هود: 76] ، وَ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] ، وَ {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [الأعراف: 144] ، وَقَالَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] ، وَ {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} [المائدة: 110] ، وَ {إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الصف: 6] ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: 53] ، وَ {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} [الأعراف: 77] ، وَ {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ} ، {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} [ص: 34] ، وَ {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} [مريم: 7] ، وَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] ، كُلُّ أُولَئِكَ خُوطِبُوا بِأَسْمَائِهِمْ؛ فَكُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِاسْمِهِ أَضَافَ إِلَيْهِ ذِكْرَ الرِّسَالَةِ، فَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] ، وَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29] ، وَقَالَ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40] ، وَقَالَ: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 2] ، فَسَمَّاهُ لِيَعْلَمَ مَنْ جَحْدَهُ أَنَّ أَمْرَهُ وَكِتَابَهُ هُوَ الْحَقُّ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ إِلَّا بِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يُعْلَمِ اسْمُهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ لَوْ لَمْ يُسَمُّوا فِي الْكِتَابِ مَا عُرِفَتْ أَسَامِيهُمْ كَتَسْمِيَةِ اللَّهِ لَهُ مُحَمَّدًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ زِيَادَةٌ فِي جَلَالَتِهِ، وَنَبَالَتِهِ، وَنَبَاهَتِهِ، وَشَرَفِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمٍ لِلَّهِ كَمَا مَدَحَهُ عَمُّهُ فَقَالَ: [البحر الطويل] وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ ثُمَّ جَمَعَ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ اسْمِ خَلِيلِهِ وَنَبِيِّهِ، فَسَمَّى خَلِيلَهُ بِاسْمِهِ -[42]- وَكَنَّى حَبِيبَهُ بِالنُّبُوَّةِ، فَقَالَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68] ، فَكَنَّاهُ إِجْلَالًا، وَرَفَعَهُ لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ، وَنَبَاهَتِهِ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْبَعْثِ، فَقَالَ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} ، وَقَالَ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7]

3 - وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، ثنا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} [الأحزاب: 7] قَالَ: §" كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَنَّ النَّاسَ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَاطِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَاطِبُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُلَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، كَقَوْلِهِمْ: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] ، وَقَوْلِهِ: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112] ، وَ {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا} [هود: 53] ، وَ {يَا صَالِحُ ائْتِنَا} [الأعراف: 77] ، وَقَالَ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] ، فَنَدَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى تَكْنِيَتِهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؛ تَرْفِيعًا لِمَنْزِلَتِهِ، وَتَشْرِيفًا -[43]- لِمَرْتَبَتِهِ، خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ مِنْ بَيْنِ رُسُلِهِ، وَأَنْبِيَائِهِ

4 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأنا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَا: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] قَالَ: " كَانُوا §يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ؛ إِعْظَامًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ "

5 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {§لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] يُرِيدُ يَصَيِحُ مِنْ بَعِيدٍ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُجُرَاتِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [الحجرات: 3] وَمِنْ فَضَائِلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَصَّلَ مُخَاطَبَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَإِجْلَالًا، وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأُمَمِ كَانُوا يَقُولُونَ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَرُسُلِهِمْ: رَاعِنَا سَمْعَكَ، فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يُخَاطِبُوا -[44]- رَسُولَهُمْ بِهَذِهِ الْمُخَاطَبَةِ الَّتِي فِيهَا مَغْمَزٌ وَضَعَةٌ، وَذَمَّهُمْ أَنْ يَسْلُكُوا بِنَبِيِّهِمْ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: 104]

6 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " {§لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] ، وَذَلِكَ أَنَّهَا سُبَّةٌ بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقَالَ: {وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: 104] يُرِيدُ اسْمَعْنَا، فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَهَا: مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَقُولُهَا فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَانْتَهَتِ الْيَهُودُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ مَنَ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا يَدْفَعُونَ وَيَرُدُّونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا قَرَفَهُمْ بِهِ مُكَذِّبُوهُمْ مِنَ السَّفَهِ، وَالضَّلَالِ، وَالْكَذِبِ، وَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأعراف: 60] ، فَقَالَ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ: {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ} [الأعراف: 61] ، وَقَوْلُهُمْ لِهُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف: 66] ، فَقَالَ نَافِيًا عَنْ نَفْسِهِ مَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ: {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ} [الأعراف: 67] . وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: 101] ، فَقَالَ مُوسَى مُجِيبًا لَهُ: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102] -[45]- ، فَنَزَّهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ؛ تَشْرِيفًا لَهُ، وَتَعْظِيمًا، فَقَالَ: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2] ، وَقَالَ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] ، وَقَالَ: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] ، وَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا رَمَوْهُ بِهِ مِنَ السِّحْرِ، وَالْكَهَانَةِ وَالْجُنُونِ، فَقَالَ: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود: 17] ، وَذَبَّ اللَّهُ عَنِ اسْتِهْزَائِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لَهُ: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 7] ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} [سبأ: 8] . وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى، فَقَالَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ بِمَسَاقِطِ النُّجُومِ، وَطَوَالِعِهَا، وَنُزُولِ الْقُرْآنِ، وَمَوَاقِعِهِ أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، فَقَالَ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] ؛ تَبْرِئَةً لَهُ، وَتَنْزِيهًا عَنْ مُتَابَعَةِ الْهَوَى. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَهُ، وَأَنَّهُ غَفَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى: {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا} [القصص: 33] ، وَقَالَ: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ لَهُ} [القصص: 16] ، فَنَصَّ عَلَى ذَنْبِهِ، وَسَأَلَ رَبَّهُ الْمَغْفِرَةَ، وَأَخْبَرَ عَنْ دَاوُدَ إِذْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ، فَقَالَ: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: 23] ، فَذَكَرَ الظُّلْمَ وَالْبَغْيَ، فَقَالَ: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى -[46]- نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] ، فَقَالَ: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} ، وَنَصَّ عَلَى زَلَلِهِمْ، وَخَطَايَاهُمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ غُفْرَانِهِ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ زَلَلِهِ إِكْرَامًا لَهُ، وَتَشْرِيفًا، فَقَالَ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] ، فَهَذَا غَايَةُ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَخْذُ اللَّهِ الْمِيثَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، إِنْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ آمَنُوا بِهِ، وَنَصَرُوهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَيُدْرِكُ أَحَدٌ مِنْهُمُ الرَّسُولَ إِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَالنُّصْرَةُ لَهُ؛ لِأَخْذِ الْمِيثَاقِ مِنْهُ، فَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ أَتْبَاعًا لَهُ، يَلْزَمُهُمُ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ لَهُ لَوْ أَدْرَكُوهُ

7 - وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الدَّعَّاءُ، ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: أَتَيْتُ الْنَبَيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعِي كِتَابٌ أَصَبْتُهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ:، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، §لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي، وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنْ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ عَلَى الْعَالَمِ فَرْضًا مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فِيهِ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ، كَمَا فَرَضَ طَاعَتَهُ، فَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ طَاعَتِي، أَوْ مِنْ كِتَابِي، أَوْ بِأَمْرِي -[47]-، وَوَحْيِي، بَلْ فَرَضَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ عَلَى الْخَلْقِ طُرًّا، كَفَرْضِ التَّنْزِيلِ لَا يُرَادُّ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُحَاجُّ، وَلَا يُنَاظَرُ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِ مُوسَى، فَقَالُوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55] . وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ قَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ فِي كِتَابِهِ عِنْدَ ذِكْرِ طَاعَتِهِ، وَمَعْصِيَتِهِ، وَفَرَائِضِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَوَعْدِهِ، وَوَعِيدِهِ، فَقَالَ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] ، وَقَالَ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1] ، وَقَالَ: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: 62] ، وَقَالَ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] ، وَقَالَ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 14] ، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] ، وَقَالَ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] ، {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] ، وَقَالَ: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ} [التوبة: 16] ، وَقَالَ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 63] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] ، وَقَالَ: {وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 29] ، وَقَالَ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13] ، وَقَالَ {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} ، وَقَالَ {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ، وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59] ، وَقَالَ: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] ، وَقَالَ: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 74] ، وَقَالَ: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ -[48]- وَرَسُولَهُ} [التوبة: 90] ، وَقَالَ: {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] ، قَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَحْوَالِ؛ تَعْظِيمًا لَهُ، وَتَشْرِيفًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وُسُلَّمَ

ما روي في تقدم نبوته قبل تمام خلق آدم صلوات الله عليهما وسلامه

§مَا رُوِيَ فِي تَقَدُّمِ نُبُوَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ

8 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمِهْرَجَانِ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «§بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ،»

9 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «§إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ،»

10 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ،»

11 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،»

12 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُمَرَ - وَرَّاقِ الْحُمَيْدِيِّ -، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، يَقُولُ: " §لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ، وَظَهَرَ أَمْرَهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَانِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى، فَقَالُوا لِي: مِنْ أَهْلِ الْحَرَامِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذُوا بِيَدِي، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا، لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا: انْظُرْ، هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا الَّذِي بُعِثَ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، فَقُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ -[50]-، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُورٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَقُلْتُ: لَا أُخْبِرُكُمُ، حَتَّى أَعْلَمَ مَا تَقُولُونَ، قَالُوا: هُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَشَارُوا إِلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، قَالُوا: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا لِي: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا لَخَلِيفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ "

13 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْقُرَشِيِّ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ، وَنُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَجُلًا، آخَرَ قَدْ سَمَّاهُ بُعِثُوا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: " §فَدَخَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَهُوَ بِالْغُوطَةِ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، وَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ حَوْلَهُ أَسْوَدُ، فَقَالَ: يَا هِشَامُ، كَلِّمْهُ، فَكَلَّمَهُ وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الثِّيَابُ السُّودُ؟ قَالَ: لَبِسْتُهَا نَذْرًا، وَلَا أَنْزِعُهَا، حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ كُلِّهَا، قَالَ: فَقُلْنَا: فَوَاللَّهِ، لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَمُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَنْتُمْ إِذًا السَّمْرَاءُ؟ قُلْنَا: السَّمْرَاءُ -[51]- قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، قُلْنَا: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ، قُلْنَا: نَحْنُ هُمْ وَاللَّهِ، قَالَ: فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَوَصَفْنَا لَهُ صَوْمَنَا، قَالَ: فَكَيْفَ صَلَاتُكُمْ؟ فَوَصَفْنَا لَهُ صَلَاتَنَا، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ غَشِيَهُ سَوَادٌ، حَتَّى صَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ مِنْ طَابِقٍ، قَالَ: قُومُوا، فَأَمَرَ بِنَا إِلَى الْمَلِكِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَلَقِيَنَا الرَّسُولُ بِبَابِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَتَيْتُكُمْ بِبِغَالٍ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَتَيْتُكُمْ بِبَرَاذِينَ؟ فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا نَحْنُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ قَالَ: فَأَرْسَلَ أَنْ خَلِّ سَبِيلَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلْنَا مُتَعَمِّمِينَ، مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوفَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَابِ الْمَلِكِ، إِذَا هُوَ فِي غُرْفَةٍ عَالِيَةٍ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، قَالَ: فَرَفَعْنَا رُءوسَنَا، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَنَفَضَتِ الْغُرْفَةُ كُلُّهَا، حَتَّى كَأَنَّهَا عِذْقٌ نَفَضَتْهُ الرِّيحُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا إنَّ هَذَا لَيْسَ لَكُمْ، أَنْ تَجْهَرُوا بِدِينِكُمْ عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا، فَدَخَلْنَا، فَإِذَا هُوَ عَلَى فِرَاشٍ إِلَى السَّقْفِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ حُمْرٌ، وَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ أَحْمَرُ، وَإِذَا عِنْدَهُ بَطَارِقَةُ الرُّومِ، قَالَ: وَإِذَا هُوَ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَنَا بِرَسُولٍ، فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، لَا نُكَلِّمُهُ بِرَسُولٍ، وَإِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ نُكَلِّمَكَ، فَائْذَنْ لَنَا نُكَلِّمْكَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ ضَحِكَ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ فَصِيحٌ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ نَفَضَ السَّقْفُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ هُوَ -[52]- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ عِنْدَكُمْ؟ فَقُلْنَا: هَذِهِ الْكَلِمَةُ قَالَ: الَّتِي قُلْتُمَاهَا قَبْلُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَإِذَا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادِ عَدُوِّكُمْ نَفَضَتْ سُقُوفُهُمْ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِذَا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادِكُمْ نَفَضَتْ سُقُوفُكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، وَمَا رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا، وَمَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ مُيِّزْتَ بِهِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ فَمَا تَقُولُونَ إِذَا فَتَحْتُمُ الْمَدَائِنَ؟ قَالُوا: نَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: تَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِكُمْ بَيْنَكُمْ؟ قُلْنَا: إِنَّ تَحِيَّةً بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتُكَ لَا تَحِلُّ لَنَا فَنُحَيِّيكَ بِهَا، قَالَ: وَمَا تَحِيَّتُكُمْ؟ قُلْنَا: تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَبِهَا كُنْتُمْ تُحَيُّونَ نَبِيَّكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: وَبِهَا يُحَيِّيكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُورَثُ مِنْكُمْ؟ قُلْنَا: مَنْ كَانَ أَقْرَبَ قَرَابَةٍ، قَالَ: وَكَذَلِكُمْ مُلُوكُكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَمَرَ لَنَا بِمَنْزِلٍ كَبِيرٍ، وَمَنْزِلٍ حَسَنٍ، قَالَ: فَمَكَثْنَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا لَيْلًا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَاسْتَعَادَنَا كَلَامَنَا، فَأَعَدْنَاهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا عِنْدَهُ شِبْهُ الرَّبْعَةِ الْعَظِيمَةِ مُذَهَّبَةٌ، وَإِذَا فِيهَا أَبْوَابٌ صِغَارٌ -[53]-، فَفَتَحَ مِنْهَا بَابًا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ طَوِيلٌ أَكْثَرُ النَّاسِ شَعْرًا، فَقَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا آدَمُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ، عَظِيمٌ، لَهُ شَعَرٌ كَشَعْرِ الْقِبْطِ، أَعْظَمُ النَّاسِ إِلْيَتَيْنِ، أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا نُوحٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ حَيُّ يَتَبَسَّمُ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، فَقَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، قَالَ: قُلْنَا: النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ، ثُمَّ قَعَدَ، ثُمَّ قَالَ: آللَّهِ بِدِينِكُمْ، إِنَّهُ نَبِيُّكُمْ؟ قُلْنَا: آللَّهِ بِدِينِنَا إِنَّهُ نَبِيُّنَا، كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيًّا، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ آخِرَ الْأَبْوَابِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ؛ لِأَنْظُرَ مَاذَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ عَابِسٌ، فَقَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا مُوسَى، وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ يُشْبِهُهَ غَيْرَ أَنَّ فِي عَيْنَيْهِ قُبْلًا، وَفِي رَأْسِهِ اسْتِدَارَةٌ، فَقَالَ: هَذَا هَارُونُ، ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، أَوْ -[54]- بَيْضَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ مَرْبُوعٌ، فَقَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا دَاوُدُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً، أَوْ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى فَرَسٍ طَوِيلِ الرِّجْلَيْنِ، قِصِيرِ الظَّهْرِ، كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ جَنَاحٌ تَحُفُّهُ الرِّيحُ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: سُلَيْمَانُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا صُورَةُ شَابٍّ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ، صَلْتُ الْجَبِينِ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ، يُشْبِهُهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَأَمَرَ بِالرَّبْعَةِ، فَرُفِعَتْ، فَقُلْنَا: هَذِهِ صُورَةُ نَبِيِّنَا، قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُ فَهَذِهِ الصُّوَرُ الَّتِي لَمْ نَرَهَا كَيْفَ نَعْرِفُهَا أَنَّهَا هِيَ؟ فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ صُورَةَ نَبِيٍّ نَبِيٍّ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ صُوَرَهُمْ فِي خِرَقِ الْحَرِيرِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَصَابَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي خِزَانَةِ آدَمَ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَلَمَّا كَانَ دَانْيَالُ صَوَّرَهَا هَذِهِ الصُّوَرَ، فَهِيَ بِأَعْيَانِهَا، فَوَاللَّهِ لَوْ تَطِيبُ نَفْسِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ مُلْكِي مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا لِأَشَدِّكُمْ مَلَكَةً، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ تَطِيبَ نَفْسِي قَالَ: فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا، وَأَخْرَجَنَا. وَفِي رِوَايَةِ شُرَحْبِيلَ: فَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، إِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ، كَأَنَّهُ صُورَةُ آدَمَ سَبْطٍ رَبْعَةٍ، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ حَسَنُ الْوَجْهِ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا لُوطٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ -[55]-، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، مُشْرَبِ حُمْرَةٍ، أَحْنَى خَفِيفِ الْعَارِضَيْنِ، حَسَنِ الْوَجْهِ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا إِسْحَاقُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ تُشْبِهُ صُورَةَ إِسْحَاقَ، إِلَّا أَنَّ عَلَى شَفَتِهِ السُّفْلَى خَالًا قَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا يَعْقُوبُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنِ الْقَامَةِ، يَعْلُو وَجْهَهُ النُّورُ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ كَأَنَّهُ صُورَةُ آدَمَ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الشَّمْسُ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُو

ذكر فضيلته صلى الله عليه وسلم بطيب مولده، وحسبه ونسبه

§ذِكْرُ فَضِيلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطِيبِ مَوْلِدِهِ، وَحَسَبِهِ وَنَسَبِهِ

14 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي، حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي، لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ»

15 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ، صَافِيًا، مُهَذَّبًا، لَا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا،»

16 - حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا، فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ، فَجَعَلُوا مَثَلَكَ مَثَلَ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي رَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ §جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ، ثُمَّ حِينَ خَلَقَ الْقَبَائِلَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ قَبِيلَتِهِمْ، وَحِينَ خَلَقَ الْأَنْفُسَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ حِينَ خَلَقَ الْبُيُوتَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ، فَأَنَا خَيْرُهُمْ أَبًا، وَخَيْرُهُمْ نَفْسًا،»

17 - حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] ، مَا زَالَ النَّبِيُِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يَتَقَلَّبُ فِي أَصْلَابِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "

18 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا، §فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَسَكَنَهَا، وَأَسْكَنَ سَائِرَ سَمَاوَاتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الْأَرَضِينَ سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا، فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنِي آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بَنِي آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ -[59]- الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشًا، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ،»

الفصل الثالث ذكر فضيلته صلى عليه وسلم بأسمائه

§الْفَصْلُ الثَّالِثُ ذِكْرُ فَضِيلَتِهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْمَائِهِ

19 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ»

20 - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، ثنا سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" إِنَّ لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةَ أَسْمَاءٍ - قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ -[62]-: حَفِظْتُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً -: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَالْفَاتِحُ، وَالْخَاتِمُ، وَالْعَاقِبُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي " قَالَ أَبُو يَحْيَى: وَزَعَمَ سَيْفٌ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ لَهُ: إِنَّ الِاسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ: طه ويس

الفصل الرابع ذكر الفضيلة الرابعة بإقسام الله بحياته، وتفرده بالسيادة لولد آدم في القيامة، وما فضل به هو وأمته على سائر الأنبياء وجميع الأمم صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ الرَّابِعُ ذِكْرُ الْفَضِيلَةِ الرَّابِعَةِ بِإِقْسَامِ اللَّهِ بِحَيَاتِهِ، وَتَفَرُّدِهِ بِالسِّيَادَةِ لِوَلَدِ آدَمَ فِي الْقِيَامَةِ، وَمَا فُضِّلَ بِهِ هُوَ وَأُمَّتُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمِيعِ الْأُمَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

21 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " §مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا ذَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ، فَقَالَ: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] "

22 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] قَالَ: " §وَحَيَاتِكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الْقَسَمِ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ -[64]- الْأَقْسَامَ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْمُعَظَّمِينَ وَالْمُبَجَّلِينَ وَالْمُكَرَّمِينَ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا جَلَالَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعْظِيمُ أَمْرِهِ، وَمَا شَرَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَتَنْبِيهِهِ عِبَادَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَدُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَعُرِفَتْ جَلَالَةُ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ بِالْقَسَمِ الْوَاقِعِ عَلَى حَيَاتِهِ إِذْ هُوَ أَعَزُّ الْبَرِيَّةِ، وَأَكْرَمُ الْخَلِيقَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا

23 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْعَتْكِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّيِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، لِوَاءُ الْحَمْدِ مَعِي، وَتَحْتَهُ آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،»

24 - حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَنَا أَوَّلُهُمْ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا، وَقَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا شَافِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أُبْلِسُوا، لِوَاءُ الْكَرَامَةِ وَمَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ -[65]- وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ،»

25 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أُرْسِلْتُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَإِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ أَمَامِي شَهْرًا، وَأُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَكَانَتْ مِنْ كُنُوزِ الْعَرْشِ، وَخُصِّصْتُ بِهَا دُونَ الْأَنْبِيَاءِ فَأُعْطِيتُ الْمَثَانِيَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَالْمَائِدَةَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَالْحَوَامِيمَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنِّي وَعَنْ أُمَّتِي وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَآدَمُ وَجَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ تَحْتَهُ، وَإِلَيَّ مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِي تُفْتَحُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا -[66]- سَائِقُ الْخَلْقِ إِلَى الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا إِمَامُهُمْ، وَأُمَّتِي بِالْأَثَرِ،»

26 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، ثنا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ يَأْتِي أَهْلُ الْبَقِيعِ، فَيُحْشَرُونَ مَعِي، ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ، فَأُحْشَرُ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ،»

27 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ، قَالَ: ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ شَخْصٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ الْجَنَّةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُهَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُ مَرْيَمَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ،»

28 - حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ،»

29 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّلَقِيُّ، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمِ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§أَنَا سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا بُعِثُوا، وَسَائِقُهُمْ إِذَا وَرَدُوا، وَمُبَشِّرُهُمْ إِذَا أُبْلِسُوا، وَإِمَامُهُمْ إِذَا سَجَدُوا، وَأَقْرَبُهُمْ مَجْلِسًا مِنَ الرَّبِّ تَعَالَى إِذَا اجْتَمَعُوا، أَقُومُ فَأَتَكَلَّمُ فَيُصَدِّقُنِي، وَأَشْفَعُ فَيُشَفِّعُنِي، وَأَسْأَلُ فَيُعْطِينِي،»

30 - حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ ابْتَاهَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ إِدْرِيسَ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " §فُضِّلْتُ عَلَى النَّبِيِّينَ بِسِتٍّ: أُوتِيتُ -[68]- جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ "، قَالَ - يَعْنِي الزُّهْرِيَّ - وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَمَعَ لَهُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ وَالْأَمْرَيْنِ، أَوْ نَحْوَهُ

31 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ مُوسَى لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ، وَقَرَأَهَا فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَالَ: يَا رَبِّي، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ السَّابِقُونَ الْمَشْفُوعُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْمُسْتَجِيبُونَ الْمُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَءُونَهَا ظَاهِرًا، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً يَأْكُلُونَ الْفَيْءَ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً يَجْعَلُونَ الصَّدَقَةَ فِي بُطُونِهِمْ يُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي -[69]- الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً يُؤْتَوْنَ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَالْعِلْمَ الْآخِرَ، فَيَقْتُلُونَ قُرُونَ الضَّلَالَةِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَاجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ فَأُعْطَى عِنْدَ ذَلِكَ خَصْلَتَيْنِ، فَقَالَ: {يَا مُوسَى، إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144] ، قَالَ: قَدْ رَضِيتُ يَا رَبِّ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَرَائِبِ حَدِيثِ سُهَيْلٍ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، تَفَرَّدَ بِهِ الرَّبِيعُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَفِيهِ لِينٌ

الفصل الخامس. هذا يجمع فصولا ثلاثة ذكره في الكتب المتقدمة، والصحف السالفة المدونة عن الأنبياء، والعلماء من الأمم الماضية

§الْفَصْلُ الْخَامِسُ. هَذَا يَجْمَعُ فُصُولًا ثَلَاثَةً ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالصُّحُفِ السَّالِفَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ

32 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: " §أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَشْعِيَاءَ: أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ أَوْحِي عَلَى لِسَانِكَ، فَقَامَ أَشْعِيَاءُ خَطِيبًا , فَلَمَّا أَطْلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِسَانَهُ بِالْوَحْيِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَهُ، وَقَدَّسَهُ، وَهَلَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا سَمَّاءُ اسْمَعِي، وَيَا أَرْضُ أَنْصِتِي، وَيَا جِبَالُ أَوِّبِي، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ أَنْ يَفُضَّ شَأْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ بِنِعْمَتِهِ، وَاصْطَفَاهُمْ لِنَفْسِهِ، وَخَصَّهُمْ بِكَرَامَتِهِ، فَذَكَرَ مُعَاتَبَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَزَعَمُوا إِنْ شَاءُوا أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْغَيْبِ لِمَا تُوحِي إِلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ وَالْكَهَنَةُ اطَّلَعُوا، وَكُلُّهُمْ مُسْتَخِفٌّ بِالَّذِي يَقُولُ وَيَسُرُّهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَعْلَمُ مَا يُبْدُونَ وَمَا يَكْتُمُونَ، وَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَضَاءً أَثْبَتُّهُ، وَحَتْمًا حَتَّمْتُهُ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُ دُونَهُ أَجَلًا مُؤَجَّلًا، لَا بُدَّ أَنَّهُ وَاقِعٌ، فَإِنْ صَدَقُوا بِمَا يَنْتَحِلُونَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فَيُخْبِرُونَكَ مَتَى هَذِهِ الْعِدَّةُ، وَفِي أَيِّ زَمَانٍ تَكُونُ، وَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا يَشَاءُونَ فَلْيَأْتُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا -[72]- أَمْضَيْتُهُ، فَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يُؤَلِّفُوا مَا يَشَاءُونَ فَلْيُؤَلِّفُوا مِثْلَ هَذِهِ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِهَا أُدَبِّرُ، أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَضَاءِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ، وَإِنِّي قَضَيْتُ يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ أَجْعَلَ النُّبُوَّةَ فِي غَيْرِهِمْ، وَأَنْ أُحَوِّلَ الْمُلْكَ عَنْهُمْ وَأَجْعَلَهُ فِي الرُّعَاءِ، وَالْعِزَّ فِي الْأَذِلَّاءِ، وَالْقُوَّةَ فِي الضُّعَفَاءِ، وَالْغِنَى فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْكَثْرَةَ فِي الْأَقِلَّاءِ، وَالْمَدَائِنَ فِي الْفَلَوَاتِ، وَالْآجَامَ وَالْمَفَاوِزَ فِي الْغِيطَانِ، وَالْعِلْمَ فِي الْجَهَلَةِ، وَالْحِكْمَةَ فِي الْأُمِّيِّينَ، فَسَلْهُمْ مَتَى هَذَا؟ وَمَنِ الْقَائِمُ بِهَذَا؟ وَعَلَى يَدَيْ مَنْ أُثْبِتُهُ، وَمَنْ أَعْوَانُ هَذَا الْأَمْرِ وَأَنْصَارُهُ إِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "

33 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ جَدِّهِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: وَالْآجَامَ فِي الصَّحَارِي، وَالْبَرَارِيَّ فِي الْمَفَاوِزِ وَالْغِيطَانِ، وَزَادَ: فَإِنِّي مُبْتَعِثٌ لِذَلِكَ §نَبِيًّا أُمِّيًّا، لَيْسَ أَعْمَى مِنْ عُمْيَانٍ، وَلَا ضَالًّا مِنَ الضَّالِّينَ، أَفْتَحُ بِهِ آذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأَعْيُنًا عُمْيًا، مَوْلِدُهُ مَكَّةَ، وَمُهَاجَرُهُ بِطِيْبَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ، عَبْدِي الْمُتَوَكِّلُ الْمُصْطَفَى الْمَرْفُوعُ الْحَبِيبُ الْمُتَحَبَّبُ الْمُخْتَارُ، لَا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ، رَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ، يَبْكِي لِلْبَهِيمَةِ الْمُثْقَلَةِ، وَيَبْكِي لِلْيَتِيمِ فِي حِجْرِ الْأَرْمَلَةِ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا مُتَزَيِّءٍ بِالْفُحْشِ، وَلَا قَوَّالٍ بِالْخَنَا، أُسَدِّدُهُ بِكُلِّ جَمِيلٍ، وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ -[73]- خُلُقٍ كَرِيمٍ، أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبِرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ، وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ، أَهْدِي بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ، وَأُعَلِّمُ بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ، وَأَرْفَعُ بِهِ الْخَمَالَةِ، وَأُسَمِّي بِهِ بَعْدَ النُّكْرَةِ، وَأُكْثِرُ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَأُغْنِي بِهِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ قُلُوبٍ وَأَهْوَاءٍ مُشَتَّتَةٍ، وَأُمَمٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَوْحِيدًا بِي، وَإِيمَانًا بِي، وَإِخْلَاصًا لِي، وَتَصْدِيقًا لِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلِي، وَهُمْ رُعَاةُ الشَّمْسِ، طُوبَى لِتِلْكَ الْقُلُوبِ وَالْوُجُوهِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي أَخْلَصَتْ لِي، أَلْهَمْتُهُمُ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّوْحِيدَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ، وَمَضَاجِعِهِمْ وَمُنْقَلَبِهِمْ، وَمَثْوَاهُمْ، وَيُصَفُّونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ حَوْلَ عَرْشِي، هُمْ أَوْلِيَائِي، وَأَنْصَارِي أَنْتَقِمُ بِهِمْ مِنْ أَعْدَائِي عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، يُصَلُّونَ لِي قِيَامًا، وَقُعُودًا وَرُكُوعًا وَسُجُودًا، وَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أُلُوفًا، وَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِي صُفُوفًا وَزُحُوفًا، أَخْتِمُ بِكِتَابِهِمُ الْكُتُبَ، وَبِشَرِيعَتِهِمُ الشَّرَائِعَ، وَبِدِينِهِمُ الْأَدْيَانَ، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِكِتَابِهِمْ وَيَدْخُلْ فِي دِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ، وَأَجْعَلُهُمْ أَفْضَلَ الْأُمَمِ، وَأَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، إِذَا غَضِبُوا هَلَّلُونِي، وَإِذَا قُبِضُوا كَبَّرُونِي، وَإِذَا تَنَازَعُوا سَبَّحُونِي، يُطَهِّرُونَ الْوُجُوهَ وَالْأَطْرَافَ، وَيَشُدُّونَ الثِّيَابَ إِلَى الْأَنْصَافِ، وَيُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ عَلَى التِّلَالِ، وَالْأَشْرَافِ، قُرْبَانُهُمْ دِمَاؤُهُمْ، وَأَنَاجِيلُهُمْ صُدُورُهُمْ -[74]-، رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ لُيُوثًا بِالنَّهَارِ، يُنَادِي مُنَادِيهِمْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، لَهُمْ دَوِيُّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ، وَعَلَى دِينِهِمْ، وَمَنَاهِجِهِمْ، وَشَرِيعَتِهِمْ، ذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ، وَأَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "

34 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ، قَالَ: " §كَانَ لَنَا جَارٌ يَهُودِيُّ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ - قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا، عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي، مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي - فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ، وَالْحِسَابَ، وَالْمِيزَانَ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ، قَالَ: ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا: وَيْحَكَ، وَتَكُونُ دَارٌ فِيهَا جَنَّةٌ، وَنَارٌ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟ ‍ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ، وَلَوَدَّ أَنَّ حَظَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمُ مِنَ التَّنُّورِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، يُحْمُونَهُ، ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ، فَيُطْبِقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْجُو مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا، قَالُوا: وَيْحَكَ، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ هَذِهِ -[75]- الْبِلَادِ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ، وَالْيَمَنِ، قَالُوا: فَمَتَى نَرَاهُ؟ فَرَمَى بِطَرْفِهِ، فَرَآنِي مُضْطَجِعًا بِفِنَاءِ بَابِ أَهْلِي، وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ، وَهُوَ حَيُّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا، وَحَسَدًا، فَقُلْنَا لَهُ: وَيْلَكَ يَا فُلَانُ، أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ لَنَا مَا قُلْتَ: قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ يُوشَعُ. "

35 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي، عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ سَبْعٍ، أَعْقِلُ مَا سَمِعْتُ، إِذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ عَلَى أُطُمِهِ يَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، حَتَّى اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟ قَالَ: §«طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ»

وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَارَيَةَ سَمِعْتُ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيرٍ، شَهْرٍ، أَوْ نَحْوِهِ: " §وَاللَّهِ إِنِّي لَفِي مَنْزِلِي ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَأَنَا أَحْفَظُ مَا أَرَى، وَأَعِي مَا أَسْمَعُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي إِذَا دَخَلَ عَلَيْنَا فَتًى مِنَّا يُقَالُ لَهُ: ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَهُوَ يَوْمُ نَجْوَى، فَتَحَدَّثَ، فَقَالَ: زَعَمَ يَهُودِيُّ مِنْ يَهُودِ قُرَيْظَةَ السَّاعَةَ، وَهُوَ -[76]- يُلَاحِينِي قَدْ أَظَلَّ خُرُوجُ نَبِيٍّ يَأْتِي بِكِتَابٍ مِثْلِ كِتَابِنَا، يَقْتُلُكُمْ قَتْلَ عَادٍ. قَالَ حَسَّانُ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى فَارِعٍ - يَعْنِي أُطُمَ - حِسَانٍ فِي السَّحَرِ، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مَا أَسْمَعُ صَوْتًا قَطُّ أَنْفَذَ مِنْهُ، فَإِذَا يَهُودِيُّ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسٌ، فَقَالُوا: مَا لَكَ وَيْلَكَ؟ قَالَ حَسَّانُ: فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: هَذَا كَوْكَبُ أَحْمَدَ قَدْ طَلَعَ. هَذَا كَوْكَبٌ لَا يَطْلُعُ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أَحْمَدُ. قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَعْجَبُونَ لِمَا يَأْتِي مِنْهُ. فَكَانَ حَسَّانُ عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، سِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّينَ سَنَةً فِي الْإِسْلَامِ

أَخْبَرَنَا بِذَلِكُ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، بِهِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي أَبُو سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: §" لَمَّا صَاحَ الْيَهُودِيُّ مِنْ فَوْقِ الْأُطُمِ: هَذَا كَوْكَبُ أَحْمَدَ قَدْ طَلَعَ، وَهُوَ لَا يَطْلُعُ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو قَيْسٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِيِّ قَدْ تَرَهَّبَ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، فَقَالَ: يَا أَبَا قَيْسٍ، انْظُرْ مَا يَقُولُ هَذَا الْيَهُودِيُّ، قَالَ: انْتِظَارِي النَّبِيَّ صَنَعَ بِي هَذَا، فَأَنَا أَنْتَظِرُهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ، وَأَتَّبِعَهُ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَقَدْ كَانَ صَدَّقَ النَّبِيَّ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَخْرُجْ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ -[77]- 36 - قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الْكَعْبِيُّ، عَنْ فُطَيْرٍ الْحِرَّاثِيِّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ حُوَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا وَيَهُودُ فِينَا كَانُوا يَذْكُرُونَ نَبِيًّا يُبْعَثُ بِمَكَّةَ اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُهُ، وَهُوَ فِي كُتُبِنَا، وَمَا أَخَذَ عَلَيْنَا مِنْهُ، وَصِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى يَأْتُوا عَلَى نَعْتِهِ قَالَ: وَأَنَا غُلَامٌ وَمَا أَرَى أَحْفَظُ، وَمَا أَسْمَعُ أَعِي، إِذْ سَمِعْتُ صِيَاحًا مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَرَى قَوْمًا فَزِعُوا وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ حَدَثَ، ثُمَّ خَفِيَ الصَّوْتُ، ثُمَّ عَادَ، فَصَاحَ، فَفَهِمْنَا صِيَاحَهُ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، هَذَا كَوْكَبُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ. قَالَ: فَجَعَلْنَا نَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَمْنَا دَهْرًا طَوِيلًا، وَنَسِينَا ذَلِكَ، فَهَلَكَ قَوْمٌ، وَحَدَّثَ آخَرُونَ، وَصِرْتُ رَجُلًا كَبِيرًا، فَإِذَا مِثْلُ ذَلِكَ الصَّيَّاحِ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، قَدْ خَرَجَ أَحْمَدُ وَتَنَبَّأَ، وَجَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ سَمِعْتَ أَنَّ بِمَكَّةَ رَجُلًا خَرَجَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ قَوْمِنَا، وَتَأَخَّرَ مَنْ تَأَخَّرَ، وَأَسْلَمَ فِتْيَانٌ مِنَّا أَحْدَاثٌ، وَلَمْ يُقْضَ لِي أَنْ أُسْلِمَ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ.

37 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، أَنَّهَا قَالَتْ: " §كُنْتُ أَحَبَّ وَلَدِ أَبِي إِلَيْهِ، وَإِلَى عَمِّي أَبِي يَاسِرٍ، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا، إِلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[78]- الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ فِنَاءَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا، حَتَّى كَانَ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَالَتْ: فَأَتَيَا كَالَّيْنِ، كَسْلَانَيْنِ، سَاقِطَيْنِ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَا، قَالَتْ: فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا، كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَعَ مَا بِهِمَا مِنَ الْهَمِّ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاللَّهِ مَا بَقِيتُ أَبَدًا. "

38 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيًّا، كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنَ النَّخْلِ، وَكَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَتِهِ، وَبِمَا يَجِدُ فِي عِلْمِهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ إِلْفُ دِينِهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَاكَ، حَتَّى إِذْ كَانَ يَوْمُ أُحِدٍ، وَكَانَ يَوْمَ السَّبْتِ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقٌّ، قَالُوا: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ، قَالَ: لَا سَبْتَ بَعْدَ الْيَوْمِ. ثُمَّ أَخَذَ سِلَاحَهُ، وَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِأُحِدٍ، وَعَهِدَ إِلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ: إِنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ فَمَالِي لِمُحَمَّدٍ، يَصْنَعُ فِيهِ مَا أَرَاهُ اللَّهُ. فَلَمَّا اقْتَتَلَ النَّاسُ -[79]- قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَقُولُ: §«مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ» . وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَهُ، فَعَامَّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا

39 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ نَمْلَةَ بْنِ أَبِي نَمْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي نَمْلَةَ، قَالَ: §«كَانَتْ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ يَدْرُسُونَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبِهِمْ، وَيُعَلِّمُونَ الْوِلْدَانَ بِصِفَتِهِ، وَاسْمِهِ، وَمُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ظَهَرَ حَسَدُوا، وَبَغُوا، وَأَنْكَرُوا»

40 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُسَاحِقِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، وَرُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ، يَقُولُ: جِئْتُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَوْمًا، لِأَتَحَدَّثَ فِيهِمْ، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي هُدْنَةٍ مِنَ الْحَرْبِ، فَسَمِعْتُ يُوشَعَ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ: أَظَلَّ خُرُوجُ نَبِيٍّ، يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ خَلِيفَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَشْهَلِيُّ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ: مَا صِفَتُهُ؟ قَالَ: رَجُلٌ لَيْسَ بِقَصِيرٍ، وَلَا بِالطَّوِيلِ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، يَلْبَسُ الشَّمْلَةَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهَذَا الْبَلَدُ مُهَاجَرُهُ. قَالَ: فَخَرَجْتُ إلَى قَوْمِي بَنِي خُدْرَةَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَتَعَجَّبُ مِمَّا قَالَ، فَأَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُ: وَيُوشَعُ يَقُولُ هَذَا وَحْدَهُ، كُلُّ يَهُودِ يَثْرِبَ تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ أَبِي مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَجِدُ جَمْعًا، فَتَذَاكَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: قَدْ طَلَعَ -[80]- الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ الَّذِي لَمْ يَطْلُعْ إِلَّا بِخُرُوجِ نَبِيٍّ وَظُهُورِهِ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا أَحْمَدُ، وَهَذِهِ مُهَاجَرُهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَهُ أَبِي هَذَا الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَوْ أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَذَوُوهُ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ كُلُّهُمْ لَهُ تَبَعٌ»

41 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنُ صَيْفِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ كَانَ قَدْ تَرَهَّبَ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الرَّاهِبُ، كَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ: مَا كَانَ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْصَفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، كَانَ يَأْلَفُ الْيَهُودَ، وَيُسَائِلُهُمْ عَنِ الدِّينِ، وَيُخْبِرُونَهُ بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَسَأَلَ النَّصَارَى، فَأَخْبَرُوهُ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيِّ، فَأَقَامَ مُتَرَهِّبًا، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ، وَأَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: " §جِئْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَأَنَا عَلَيْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:، إِنَّكَ لَسْتَ عَلَيْهَا، قَالَ: بَلَى , أَدْخَلْتَ يَا مُحَمَّدُ فِي الْحَنِيفِيَّةِ مَا لَيْسَ فِيهَا، قَالَ:، مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنِّي جِئْتُ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، قَالَ أَبُو عَامِرٍ، الْكَاذِبُ - أَمَاتَهُ اللَّهُ طَرِيدًا، غَرِيبًا، وَحِيدًا - يُعَرِّضُ -[81]- بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّكَ جِئْتَ كَذَلِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:، أَجَلْ، فَمَنْ كَذَبَ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ، فَكَانَ هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ لَحِقَ بِالشَّامِ، فَمَاتَ طَرِيدًا، غَرِيبًا، وَحِيدًا

42 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ: " §هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ عَلَامَةُ إِسْلَامِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُعْنَةَ، وَأُسَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ؟ نَفَرٌ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ، لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَا بَنِي نَضِيرٍ، نَسَبُهُمْ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ، أَوْ ذُهَيْلٍ، أَتَوْا بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودِ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيَّبَانِ، قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَنَوَاتٍ، فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا، فَكُنَّا إِذَا قَحَطَ الْمَطَرُ قُلْنَا لَهُ: يَا ابْنَ الْهَيَّبَانِ، قُمْ، فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مُخْرِجِكُمْ صَدَقَةً، فَيَقُولُونَ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا تَمْرًا، أَوْ مُدًّا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ، قَالَ: فَنُخْرِجُهَا، فَيَخْرُجُ بِنَا إِلَى ظَاهَرِ حَرَّتِنَا، فَيَسْتَسْقِي لَنَا، فَوَاللَّهِ مَا يَبْرَحُ مِنْ مَجْلِسِهِ، حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ السَّرَاحُ سَائِلَةً، وَنُسْقَى بِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثًا: ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ -[82]- أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْجُوعِ وَالْبُؤْسِ؟ قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدِمْتُ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ لِتَوَكُّفِ خُرُوجِ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، هَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ، فَلَا يَسْبِقَنَّكُمْ إِلَيْهِ يَا مَعَاشِرَ الْيَهُودِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِي وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ، فَقَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالُوا: بَلَى، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ بِصِفَتِهِ، وَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، فَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَأَهْلِيهِمْ "

43 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، §أَنَّ يَهُودَ، كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَسْلِمُوا، وَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ، وَإِنَّا أَهْلُ الشِّرْكِ، وَتُخْبِرُونَا بِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ، فَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ: مَا هُوَ بِالَّذِي كُنَّا نَذْكُرُ لَكُمْ مَا جَاءَنَا بشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {فَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ -[83]- وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} "

44 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ بْنِ بَحْرٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، قَالَ: §" كَانَ سَبَبُ اسْتِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ رُؤْيَا بُخْتُنَصَّرَ، فَإِنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فَزِعَ مِنْهَا، فَدَعَا كَهَنَتَهُ، وَسَحَرَتَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْكَرْبِ فِي رُؤْيَاهُ، وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَعْبُرُوهَا لَهُ؟ فَقَالُوا: قُصَّهَا عَلَيْنَا، قَالَ: قَدْ نَسِيتُهَا، فَأَخْبِرُونِي بِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا: فَإِنَّا لَا نَقْدِرُ أَنْ نُخْبِرَكَ بِتَأْوِيلِهَا حَتَّى تَقُصَّهَا. فَغَضِبَ، وَقَالَ: اخْتَرْتُكُمْ، وَاصْطَنَعْتُكُمْ لِمِثْلِ هَذَا، اذْهَبُوا فَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَتَيْتُمُونِي بِتَأْوِيلِهَا، وَإِلَّا قَتَلْتُكُمْ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ دَانْيَالَ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ، فَقَالَ لِصَاحِبِ السِّجْنِ، - وَهُوَ إِلَيْهِ مُحْسِنٌ -: هَلْ لَكَ أَنْ تَذْكُرَنِي لِلْمَلِكِ، فَإِنَّ عِنْدِي عِلْمَ رُؤْيَاهُ، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَنَالَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ مَنْزِلَةً، وَتَكُونَ سَبَبَ عَافِيَتِي، قَالَ لَهُ صَاحِبُ السِّجْنِ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ سَطْوَةَ الْمَلِكِ، لَعَلَّ غَمَّ السِّجْنِ حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَتَرَوَّحَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلْمٌ، مَعَ أَنِّي أَظُنُّ إِنْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا عِلْمٌ فَأَنْتَ هُوَ، قَالَ دَانْيَالُ: لَا تَخَفْ عَلَيَّ، فَإِنَّ لِي رَبًّا يُخْبِرُنِي بِمَا شِئْتُ مِنْ حَاجَتِي. فَانْطَلَقَ صَاحِبُ السِّجْنِ، فَأَخْبَرَ بُخْتُنَصَّرَ بِذَلِكَ، فَدَعَا دَانْيَالَ، فَأُدِخَلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا يَسْجُدُ لَهُ، فَوَقَفَ دَانْيَالَ، فَلَمْ يَسْجُدْ، فَقَالَ الْمَلِكُ لِمَنْ فِي الْبَيْتِ: اخْرُجُوا فَخَرَجُوا، فَقَالَ بُخْتُنَصَّرَ لِدَانْيَالَ -[84]-: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِي؟ قَالَ دَانْيَالُ: إِنَّ لِي رَبًّا آتَانِي هَذَا الْعِلْمَ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ عَلَى أَنْ لَا أَسْجُدَ لِغَيْرِهِ، فَخَشِيتُ أَنْ أَسْجُدَ لَكَ؛ فَيَنْسَلِخَ عَنِّي هَذَا الْعِلْمُ، ثُمَّ أَصِيرُ فِي يَدِكَ أُمِّيًّا، فَلَا تَنْتَفِعُ بِي، فَتَقْتُلُنِي، فَرَأَيْتُ تَرْكَ السَّجْدَةَ أَهْوَنَ مِنْ قَتْلِي، وَخَطَرُ سَجْدَةٍ أَهْوَنُ مِنَ الْكَرْبِ، وَالْبَلَاءِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، فَتَرَكْتُ السُّجُودَ نَظَرًا إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ بُخْتُنَصَّرَ: لَمْ يَكُنْ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْكَ حِينَ وَفَيْتَ لِإِلَهِكَ، وَأَحَبُّ الرِّجَالِ عِنْدِي الَّذِينَ يُوفُونَ لِأَرْبَابِهِمْ بِالْعُهُودِ، فَهَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ عِنْدِي عِلْمُهَا، وَتَفْسِيرُهَا، رَأَيْتَ صَنَمًا عَظِيمًا رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، أَعْلَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَأَوْسَطُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَسْفَلُهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَسَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ، وَرِجْلَاهُ مِنْ فَخَّارٍ، فَبَيْنَا أَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ قَدْ أَعْجَبَكَ حُسْنَهُ، وِإِحْكَامَ صَنْعَتِهِ قَذَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَقَعَ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِهِ، فَدَقَّهُ حَتَّى طَحَنَهُ، فَاخْتَلَطَ ذَهَبُهُ، وَفِضَّتُهُ وَنُحَاسُهُ، وَحَدِيدُهُ، وَفَخَّارُهُ، حَتَّى تَخَيَّلَ إِلَيْكَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ عَلَى أَنْ يُمَيِّزُوا بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ لَأَذْرَتْهُ، وَنَظَرْتَ إِلَى الْحَجَرِ الَّذِي قُذِفَ بِهِ يَرْبُو، وَيَعْظُمُ وَيَنْتَشِرُ، حَتَّى مَلَأَ الْأَرْضَ كُلَّهَا، فَصِرْتَ لَا تَرَى إِلَّا السَّمَاءَ، وَالْحَجَرَ، فَقَالَ لَهُ بُخْتُنَصَّرَ: صَدَّقْتَ هَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ، فَمَا تَأْوِيلُهَا؟ قَالَ دَانْيَالُ: فَأَمَّا الصَّنَمُ، فَأُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ، وَفِي أَوْسَطِهِ، وَفِي آخِرِهِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ فَهَذَا الزَّمَانُ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا، وَأَنْتَ مَلِكٌ لَهَا، وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَابْنُكَ يَمْلِكُ بَعْدَكَ، وَأَمَّا النُّحَاسُ، فَإِنَّهُ الرُّومُ، وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَفَارِسُ، وَأَمَّا الْفَخَّارُ فَأُمَّتَانِ يَمْلِكُهُمَا امْرَأَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي مَشْرِقِ الْيَمَنِ، وَالْأُخْرَى فِي غَرْبِ الشَّامِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي قُذِفَ بِهِ -[85]- الصَّنَمُ فَدِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقْذِفُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَيْهَا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَبِيًّا أُمِّيًّا مِنَ الْعَرَبِ، فَيُدَوِّخُ اللَّهُ بِهِ الْأُمَمَ، وَالْأَدْيَانَ، كَمَا رَأَيْتَ الْحَجَرَ دَوَّخَ أَصْنَافَ الصَّنَمِ، وَيُظْهِرُهُ عَلَى الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ كَمَا رَأَيْتَ الْحَجَرَ ظَهَرَ عَلَى الْأَرْضِ، وَانْتَشَرَ فِيهَا، حَتَّى عَلَاهَا، فَيُمَحِّصُ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ، وَيُزْهِقُ بِهِ الْبَاطِلَ، وَيَهْدِي بِهِ الضَّلَالَةَ، وَيُعَلِّمُ بِهِ الأُمِّيِّينَ، وَيُقَوِّي بِهِ الضَّعَفَةَ، وَيُعِزُّ بِهِ الْأَذِلَّةَ، وَيَنْصُرُ بِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، قَالَ بُخْتُنَصَّرَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا اسْتَعَنْتُ بِهِ مُنْذُ وُلِّيتُ الْمُلْكَ عَلَى شَيْءٍ غَلَبَنِي غَيْرَكَ، وَلَا أَحَدَ لَهُ عِنْدِي يَدٌ أَعْظَمُ مِنْ يَدِكَ، وَأَنَا أُجَازِيكَ بِإِحْسَانِكَ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِمَا يَلِيهَا.

45 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عِيسَى الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى بْنِ كَعْبٍ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرِهِمْ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ. قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَعَ بَنِي مَالِكٍ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى الْمُقَوْقِسِ قَالَ لَهُمْ: كَيْفَ خَلَصْتُمْ إِلَيَّ مِنْ طَلَبَتِكُمْ، وَمُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ؟ قَالُوا: لَصَقْنَا بِالْبَحْرِ، وَقَدْ خِفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعْتُمْ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ؟ قَالُوا: مَا تَبِعَهُ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ -[86]- قَالَ: لِمَ؟ قَالُوا: " §جَاءَنَا بِدِينٍ مُحْدَثٍ لَا تَدِينُ بِهِ الْآبَاءُ، وَلَا يَدِينُ بِهِ الْمَلِكُ، وَنَحْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ قَوْمُهُ؟ قَالَ: اتَّبَعَهُ أَحْدَاثُهُمْ، وَقَدْ لَاقَاهُ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فِي مَوَاطِنَ، مَرَّةً تَكُونُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَةُ، وَمَرَّةً تَكُونُ لَهُ، قَالَ: أَلَا تُخْبِرُونَنِي، وَتَصْدُقُونَنِي إِلَى مَاذَا يَدْعُو؟ قَالُوا: يَدْعُو إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كَانَ يَعْبُدُ الْآبَاءُ، وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، قَالَ: وَمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، أَلَهُمَا وَقْتٌ يُعْرَفُ، وَعَدَدٌ يَنْتَهِي؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، كُلُّهَا لِمَوَاقِيتَ، وَعَدَدٍ سَمُّوهُ لَهُ، وَيُؤَدُّونَ مِنْ كُلِّ مَال بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِثْقَالًا، وَكُلِّ إِبِلٍ بَلَغَتْ خَمْسًا شَاةً، وَأَخْبَرُوهُ بِصَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِذَا أَخَذَهَا، أَيْنَ يَضَعُهَا؟ قَالُوا: يَرُدُّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا، وَالزِّنَا، وَالْخَمْرِ، وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: هُوَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْطَ وَالرُّومَ تَبِعُوهُ، وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَهَذَا الَّذِي تَصِفُونَ مِنْهُ بُعِثَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِهِ، وَسَتَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ حَتَّى لَا يُنَازِعَهُ أَحَدٌ، وَيَظْهَرُ دِينُهُ إِلَى مُنْتَهَى -[87]- الْخُفِّ، وَالْحَافِرِ، وَمُنْقَطِعِ الْبُحُورِ، وَيُوشِكُ قَوْمُهُ يُدَافِعُونَهُ بِالرِّمَاحِ. قَالَ: قُلْنَا: لَوْ دَخَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَهُ مَا دَخَلْنَا، قَالَ: فَأَنْغَضَ رَأْسَهُ وَقَالَ: أَنْتُمْ فِي اللَّعِبِ. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِي قَوْمِهِ؟ قُلْنَا: هُوَ أَوْسَطُهُمْ نَسَبًا، قَالَ: كَذَلِكَ الْمَسِيحُ، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، قَالَ: كَيْفَ صِدْقُهُ فِي حَدِيثِهِ؟ قَالَ: قُلْنَا: مَا يُسَمَّى إِلَّا الْأَمِينُ مِنْ صِدْقِهِ، قَالَ: انْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ، أَتَرَوْنَهُ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ قَالَ: فَمَنْ تَبِعَهُ؟ قُلْنَا: الْأَحْدَاثُ، قَالَ: هُمْ - وَالْمَسِيحِ - أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ يَهُودُ يَثْرِبَ فَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ؟ قُلْنَا: خَالَفُوهُ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَسَبَاهُمْ، وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، قَالَ: هُمْ حَسَدَةٌ، حَسَدُوهُ، أَمَا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ مَا نَعْرِفُ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ سَمِعْنَا كَلَامًا ذَلَّلَنَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَضَّعَنَا، وَقُلْنَا: مُلُوكُ الْعَجَمِ يُصَدِّقُونَهُ، وَيُخَافُونَهُ فِي بُعْدِ أَرْحَامِهِمْ مِنْهُ، وَنَحْنُ أَقْرِبَاؤُهُ وَجِيرَانُهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَهُ قَدْ جَاءَنَا دَاعِيًا إِلَى مَنَازِلِنَا. قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَرَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا، فَأَقَمْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، لَا أَدَعُ كَنِيسَةً إِلَّا دَخَلْتُهَا -[88]-، وَسَأَلْتُ أَسَاقِفَهَا مِنْ قِبْطِهَا، وَرُومِهَا، عَمَّا يَجِدُونَ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَسْقُفٌ مِنَ الْقِبْطِ هُوَ رَأْسُ كَنِيسَةِ أَبِي غَنِيٍّ، كَانُوا يَأْتُونَهُ بِمَرْضَاهِمْ، فَيَدْعُو لَهُمْ، لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَحَدٌ، وَهُوَ نَبِيُّ قَدْ أَمَرَنَا عِيسَى بِاتِّبَاعِهِ، وَهُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ، اسْمُهُ أَحْمَدُ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ، وَلَا بِالْآدَمِ، يُعْفِي شَعْرَهُ، وَيَلْبَسُ مَا غَلُظَ مِنَ الثِّيَابِ، وَيَجْتَزِئُ بِمَا لَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلَا يُبَالِي مَنْ لَاقَى، يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ، يُفْدُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، هُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبًّا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَآبَائِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْقَرَظِ، وَمِنْ حَرَمٍ يَأْتِي إِلَى حَرَمٍ، يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ، يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: زِدْنِي فِي صِفَتِهِ، قَالَ: يَأْتَزِرُ عَلَى وَسَطِهِ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ، وَيُخَصُّ بِمَا لَمْ يُخَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُشَدَّدًا عَلَيْهِمْ، لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ -[89]- قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الْمَلِكُ، وَقَالَتِ الْأَسَاقِفَةُ الَّذِينَ كُنْتُ أُسَائِلُهُمْ، وَأَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقِبْطِ وَالرُّومِ، وَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُمْ ذَلِكَ فِي الْيَوْمَيْنِ، وَالثَّلَاثَةِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَنُعُوتُهُ وَصِفَاتُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَعِنْدَ الرَّهَابِنَةِ، وَالْأَسَاقِفَةِ، وَالْأَحْبَارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مُسْتَفِيضٌ، وَكَانُوا يَرْجِعُونَ فِي أَمْرِ بِعْثَتِهِ، وَإِرْسَالِهِ إِلَى عِلْمٍ مُتَيَقَّنٍ كَالضَّرُورِيِّ؛ لِتَبْشِيرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَبِإِرْسَالِهِ، وَإِيصَائِهِمْ أُمَّتَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ إِنْ أَدْرَكَتْهُ، وَمَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ وَالْعُهُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ آبَائِهِمْ، وَأَسْلَافِهِمْ

46 - وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ الْمَخْزُومِيُِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: كَانَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ يَجْمَعُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَرُبَةً، فَيَخْطُبُهُمْ، فَيَقُولُ: " §أَمَّا بَعْدُ، فَاسْمَعُوا، وَتَعَلَّمُوا، وَافْهَمُوا، وَاعْلَمُوا، لَيْلٌ سَاجٍ، وَنَهَارٌ ضَاحٍ، وَالْأَرْضُ مِهَادٌ، وَالسَّمَاءُ بِنَاءٌ، وَالْجِبَالُ أَوْتَادٌ، وَالنُّجُومُ أَعْلَامٌ، وَالْأَوَّلُونَ كَالْآخِرِينَ، وَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ وَالزَّوْجُ إِلَى بِلًى صَائِرِينَ، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَصْهَارَكُمْ، وَثَمِّرُوا أَمْوَالَكُمْ، فَهَلْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَالِكٍ رَجَعَ، أَوْ مَيِّتٍ -[90]- نُشِرَ، الدَّارُ أَمَامَكُمْ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مَا تَقُولُونَ، حَرَمُكُمْ زَيِّنُوهُ، وَعَظِّمُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَسَيَأْتِي لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، وَسَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيُّ كَرِيمٌ. ثُمَّ يَقُولُ: [البحر الطويل] نَهَارٌ وَلَيْلٌ كُلُّ أَوْبٍ بِحَادِثٍ ... سَوَاءٌ عَلَيْهَا لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا يَؤُوبَانِ بِالْأَحْدَاثِ حِينَ تَأَوَّبَا ... وَبَالنِّعَمِ الضَّافِي عَلَيْنَا سُتُورُهَا عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ... فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صَدُوقًا خَبِيرُهَا ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِيهَا ذَا سَمْعٍ، وَبَصَرٍ، وَيَدٍ، وَرِجْلٍ لَتَنَصَّبْتُ فِيهَا تَنَصُّبَ الْجَمَلِ، وَلَأَرْقَلْتُ فِيهَا إِرْقَالَ الْفَحْلِ. ثُمَّ يَقُولُ: [البحر البسيط] يَا لَيْتَنِي شَاهِدٌ فَحْوَاءَ دَعْوَتِهِ ... حِينَ الْعَشِيرَةُ تَبْغِي الْحَقَّ خِذْلَانَا وَكَانَ بَيْنَ مَوْتِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَبَيْنَ مَبْعَث النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً"

47 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَخْبَرَنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بَيْعَةً لَنَا، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، وَتَمَضْمَضَ مِنْهُ، وَصَبَّ لَنَا فِي إِدَاوَةٍ، ثُمَّ قَالَ: " §اذْهَبُوا بِهَذَا الْمَاءِ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ، فَاكْسِرُوا بَيْعَتَكُمْ، وَانْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ، وَاتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا، قُلْنَا: إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ، وَالْحَرَّ شَدِيدٌ، وَالْمَاءَ يَنْشَفُ، قَالَ:، فَأَمِدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا،. قَالَ -[91]-: فَخَرَجْنَا وَتَشَاحَحْنَا عَلَى حَمْلِ الْإِدَاوَةِ، أَيُّنَا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا نَوْبًا عَلَى كُلِّ رَجُلٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا، فَفَعَلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَاهِبُنَا يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ، فَأَذَّنَّا، فَقَالَ رَاهِبُنَا لَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ: دَعْوَةُ حَقٍّ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ تَلْعَةً مِنْ تِلَاعِنَا، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يُرَ بَعْدُ

قصة إسلام زيد بن سعنة

§قِصَّةُ إِسْلَامِ زَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ

48 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ، وثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا ابْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ، إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ وَجَهْلَهُ قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ، وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَاهُ -[92]- رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَرْيَةَ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ، وَإِنِّي أَخْشَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ، قَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ - أُرَاهُ عَلِيًّا -، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنْ أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا عَلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَبَايَعَنِي، فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي، فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَى الرَّجُلَ، وَقَالَ: أَعْجِلْ عَلَيْهِمْ وَأَغِثْهُمْ بِهَا، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَدَنَا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ إِلَيْهِ أَتَيْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِجَوَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، وَقُلْتُ: أَلَا تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا لَمُطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِطَرْفِهِ وَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ، وَتَفْعَلُ بِهِ مَا أَرَى؟ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ ثُمَّ قَالَ -[93]-: أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ، أَنْ §تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ، فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مَكَانَ مَا رُعْتَهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ، فَقَضَانِي حَقِّي، وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ؟، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رُعْتُكَ، فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ، قَالَ: الْحَبْرُ؟ قُلْتُ: الْحَبْرُ، قَالَ: فَمَا دَعَاكَ أَنْ تَقُولَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتَ، وَتَفْعَلُ بِهِ مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: يَا عُمَرُ كُلُّ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ، لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا فَقَدْ خَبَرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي - فَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا - صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَسَعُهُمْ كُلَّهُمْ؟ قُلْتُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً، ثُمَّ قُتِلَ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ شَهِيدًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ

49 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ -[94]- عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ بْنِ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدَةَ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَوِيَّةَ بْنِ خَلِيفَةَ، وَكَانَ، خَلِيفَةُ مُسْلِمًا قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ سَوَاءَةَ بْنِ جُشُمِ بْنِ سَعْدٍ فَقُلْتُ: كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ مُحَمَّدًا؟ فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَدِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ نُرِيدُ ابْنَ جَفْنَةَ، فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْهُ نَزَلْنَا إِلَى شَجَرَاتٍ وَغَدِيرٍ، فَقُلْنَا: لَوِ اغْتَسَلْنَا وَزَهَّيْنَا ثِيَابَنَا هَهُنَا مِنْ قَشَفِ السَّفَرِ، فَجَعَلْنَا نَتَحَدَّثُ، فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا دِيرَانِيُّ مِنْ قَائِمٍ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَسْمَعُ لُغَةَ قَوْمٍ لَيْسَتْ بِلُغَةِ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ، قُلْنَا: نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمُضَرِيِّينَ؟ قُلْنَا: مِنْ خَنْدَفَ، قَالَ: " §إِنَّهُ سَيُبْعَثُ وَشِيكًا نَبِيُّ مِنْكُمْ، فَخُذُوا نَصِيبَكُمْ مِنْهُ تَسْعَدُوا، قُلْنَا: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، فَأَتَيْنَا ابْنَ جَفْنَةَ، فَقَضَيْنَا حَاجَتَنَا، ثُمَّ انْصَرَفْنَا، فَوُلِدَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا ابْنٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ "

توقع الكهان وملوك الأرض بعثته

§تَوَقُّعُ الْكُهَّانِ وَمُلُوكِ الْأَرْضِ بَعْثَتَهُ

50 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، إِمْلَاءً سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ بُكَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الطَّائِيِّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " §لَمَّا ظَهَرَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزِنَ عَلَى الْيَمَنِ، وَظَفَرَ بِالْحَبَشَةِ، وَنَفَاهُمْ عَنْهَا، - وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ - أَتَتْهُ وُفُودُ الْعَرَبِ وَأَشْرَافُهَا وَشُعَرَاؤُهَا تُهَنِّئُهُ وَتَمْدَحُهُ، فَأَتَاهُ وَفْدُ قُرَيْشٍ، وَفِيهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَوُهَيْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فِي نَاسٍ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ بِصَنْعَاءَ، وَهُوَ فِي رَأْسِ قَصْرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ غُمْدَانُ. قَالَ: فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَإِذَا الْمَلِكُ مُتَضَمِّخٌ بِالْعَبِيرِ يَنْطِفُ وَبِيصُ -[96]- الْمِسْكِ مِنْ مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ وَالْمَقَاوِلُ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ دَنَا مِنْهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْكَلَامِ، فَقَالَ لَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزِنَ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُلُوكِ أَذِنَّا لَكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّكَ مَحَلًّا رَفِيعًا، شَامِخًا مَنِيعًا، وَأَنْبَتَكَ مَنْبَتًا طَابَتْ أَرُومَتُهُ، وَغُذِّيَتْ جُرْثُومَتُهُ، وَثَبَتَ أَصْلُهُ، وَبَسَقَ فَرْعُهُ، فِي أَطْيَبِ مَوْطِنٍ، وَأَكْرَمِ مَعْدِنٍ، فَأَنْتَ - أَبَيْتَ اللَّعْنَ - رَأْسُ الْعَرَبِ وَرَبِيعُهَا الَّذِي تَخْصِبُ بِهِ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ رَأْسُ الْعَرَبِ الَّذِي لَهُ تَنْقَادُ، وَعَمُودُهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَادُ، وَمَعْقِلُهَا الَّذِي تَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، سَلَفُكَ لَنَا خَيْرُ سَلَفٍ، وَأَنْتَ لَنَا مِنْهُمْ خَيْرُ خَلَفٍ، وَلَمْ يَهْلِكْ مَنْ أَنْتَ خَلَفُهُ، وَلَمْ يَخْمَلْ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ سَلَفُهُ، نَحْنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ وَسَدَنَةُ بَيْتِهِ، أَشْخَصَنَا إِلَيْكَ الَّذِي أَبْهَجَنَا، لِكَشْفِكَ الْكَرْبَ الَّذِي فَدَحَنَا، فَنَحْنُ وَفْدُ التَّهْنِئَةِ، لَا وَفْدُ الْمُرْزِئَةِ. فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزِنَ: وَأَيُّهُمْ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ: ابْنُ أُخْتِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، وَنَاقَةً وَرَحْلًا، وَمُسْتَنَاخًا سَهْلًا، وَمُلْكًا رِبَحْلًا، يُعْطِي عَطَاءً جَزْلًا، قَدْ سَمِعَ الْمَلِكُ مَقَالَتَكُمْ، وَعَرَفَ قَرَابَتَكُمْ، وَقَبِلَ وَسِيلَتَكُمْ، فَأَنْتُمْ أَهْلُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَكُمُ الْكَرَامَةُ مَا أَقَمْتُمْ، وَالْحِبَاءُ إِذَا ظَعَنْتُمْ، انْهَضُوا إِلَى دَارِ الضِّيَافَةِ وَالْوُفُودِ -[97]-، وَأَمَرَ لَهُمْ بِالْإِنْزَالِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يَأْمُرُهُمْ بِالِانْصِرَافِ، ثُمَّ انْتَبَهَ لَهُمُ انْتِبَاهَةً، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَدْنَاهُ، وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ، وَاسْتَحْيَاهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي مُفَوِّضٌ إِلَيْكَ مِنْ سِرِّ عِلْمِي مَا لَوْ غَيْرُكَ يَكُونُ لَمْ أَبُحْ بِهِ، وَلَكِنْ وَجَدْتُكَ مَعْدِنَهُ، فَأَطْلَعْتُكَ طَلْعَهُ، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَطْوِيًّا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ وَالْعِلْمِ الْمَخْزُونِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ لِأَنْفُسِنَا، وَاحْتَجَبْنَاهُ دُونَ غَيْرِنَا خَبَرًا عَظِيمًا، وَخَطَرًا جَسِيمًا، فِيهِ شَرَفُ الْحَيَاةِ، وَفَضِيلَةُ الْوَفَاةِ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَلِرَهْطِكَ عَامَّةً، وَلَكَ خَاصَّةً، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَثْلُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ سَرَّ وَبَرَّ، فَمَا هُوَ؟ - فِدَاكَ أَهْلُ الْوَبَرِ، زُمَرًا بَعْدَ زُمَرٍ، قَالَ: إِذَا وُلِدَ بِتِهَامَةَ غُلَامٌ بِهِ عَلَامَةٌ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ، كَانَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَلَكُمْ بِهِ الزَّعَامَةُ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: - أَبَيْتَ اللَّعْنَ - لَقَدْ أُبْتَ بِخَيْرٍ مَا آبَ بِهِ وَافِدُ قَوْمٍ، وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْمُلْكِ وَإِعْظَامِهِ وَإِجْلَالِهِ لَسَأَلْتُهُ مِنْ بِشَارَتِهِ إِيَّايَ مَا أَزْدَادُ بِهِ سُرُورًا. قَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزِنَ: هَذَا زَمَنُهُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ، أَوْ قَدْ وُلِدَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ، يَمُوتُ أَبُوهُ، وَأُمُّهُ، وَيَكْفُلُهُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ، وَقَدْ وَجَدْنَاهُ مِرَارًا، وَاللَّهُ بَاعِثُهُ جِهَارًا، وَجَاعِلٌ لَهُ مِنَّا أَنْصَارًا يُعِزُّ بِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ، وَيُذِلُّ بِهِمْ أَعْدَاءَهُ، وَيَضْرِبُ بِهِمُ النَّاسَ عَنْ عَرْضٍ، وَيَسْتَبِيحُ بِهِمْ كَرَائِمَ الْأَرْضِ -[98]-، يَعْبُدُ الرَّحْمَنَ، وَيَدْحَرُ الشَّيْطَانَ، وَيُخْمِدُ النِّيرَانَ، وَيَكْسِرُ الْأَوْثَانَ، قَوْلُهُ فَصْلٌ، وَحُكْمُهُ عَدْلٌ، يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُبْطِلُهُ. قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ عَزَّ جَارُكَ، وَسَعِدَ جَدُّكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، وَنَمَا أَمْرُكَ، وَطَالَ عُمْرُكَ، وَدَامَ مُلْكُكَ، فَهَلِ الْمَلِكُ سَارِّي بِإِفْصَاحٍ، فَقَدْ أَوْضَحَ بَعْضَ الْإِيضَاحِ؟ فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزِنَ: وَالْبَيْتِ ذِي الْحُجُبِ، وَالْعَلَامَاتِ عَلَى النُّصُبِ، إِنَّكَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَجَدُّهُ غَيْرَ كَذِبٍ قَالَ: فَخَرَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَاجِدًا، فَقَالَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقَدْ ثَلُجَ صَدْرُكَ، وَعَلَا أَمْرُكَ، فَهَلْ أَحْسَسْتَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُ لَكَ؟ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ كَانَ لِيَ ابْنٌ، وَكُنْتُ بِهِ مُعْجَبًا، وَعَلَيْهِ رَقِيقًا، فَزَوَّجْتُهُ كَرِيمَةً مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَكَفَلْتُهُ أَنَا وَعَمُّهُ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ، وَفِيهِ كُلُّ مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَلَامَةٍ. قَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزِنَ: إِنَّ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ، فَاحْتَفِظْ بِابْنِكَ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَهُ أَعْدَاءٌ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلًا، وَاطْوِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ دُونَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ مَعَكَ، فَإِنِّي لَسْتُ آمَنُ أَنْ تَدْخُلَهُمُ النَّفَاسَةُ، مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ الرِّئَاسَةُ، فَيَبْغُونَ لَهُ الْغَوَائِلَ، وَيَنْصِبُونَ لَهُ الْحَبَائِلَ، وَهُمْ فَاعِلُونَ أَوْ أَبْنَاؤُهُمْ، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُجْتَاحِي قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَسِرْتُ بِخَيْلِي وَرَجِلِي، حَتَّى أُصَيِّرَ يَثْرِبَ دَارَ مُلْكِي، فَإِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ النَّاطِقِ، وَالْعِلْمِ السَّابِقِ، أَنَّ بِيَثْرِبَ اسْتِحْكَامُ أَمْرِهِ، وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، وَأَهْلُ نُصْرَتِهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أَقِيهِ مِنَ الْآفَاتِ، وَأَحْذَرُ عَلَيْهِ الْعَاهَاتِ، لَأَوْطَأْتُ أَسْنَانَ الْعَرَبِ كَعْبَهُ، وَلَأَعْلَنْتُ عَلَى حَدَاثَةٍ مِنْ سِنِّهِ ذِكْرَهُ، وَلَكِنِّي صَارِفٌ إِلَيْكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ بِمَنْ مَعَكَ -[99]-، ثُمَّ أَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَعَشَرَةِ أَعْبُدٍ، وَعَشْرِ إِمَاءٍ، وَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَخَمْسَةِ أَرْطَالٍ ذَهَبًا، وَكَرْشٍ مَمْلُوءَةٍ عَنْبَرًا، وَأَمَرَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِعَشَرَةِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ، فَأْتِنِي بِخَبَرِهِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ، فَهَلَكَ ابْنُ ذِي يَزِنَ قَبْلَ رَأْسِ الْحَوْلِ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: لَا يَغْبِطُنِي يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِجَزِيلِ عَطَاءِ الْمَلِكِ وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ إِلَى نَفَادٍ، وَلَكِنْ لِيَغْبِطُنِي بِمَا يَبْقَى لِي شَرَفُهُ وَذِكْرُهُ، وَلِعَقِبِي مِنْ بَعْدِي، وَكَانَ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَا ذَاكَ؟ قَالَ: سَيُعْلَنُ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ. "

51 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، ثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ قُتَيْبَةَ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: " §بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، فِي الْحِجْرِ، إِذْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، فَفَزِعْتُ مِنْهَا فَزَعًا شَدِيدًا، فَأَتَيْتُ كَاهِنَةَ قُرَيْشٍ، وَعَلَيَّ مُطْرَفُ خَزٍّ وَجَمَّتِي تَضْرِبُ مَنْكِبِي، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْ فِي وَجْهِيَ التَّغَيُّرَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ قَوْمِي، فَقَالَتْ: مَا بَالُ سَيِّدَنَا قَدْ أَتَانَا مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ، هَلْ رَأَيْتَ مِنَ حِدْثَانِ الدَّهْرِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: بَلَى، - وَكَانَ لَا يُكَلِّمُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى يُقَبِّلَ يَدَهَا الْيُمْنَى، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهَا يَبْدُو بِحَاجَتِهِ، وَلَمْ أَفْعَلْ، لِأَنِّي كُنْتُ كَبِيرَ قَوْمِي -، فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، كَأَنَّ شَجَرَةً نَبَتَتْ قَدْ نَالَ رَأْسُهَا السَّمَاءَ، وَضَرَبَتْ بِأَغْصَانِهَا الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، وَمَا رَأَيْتُ نُورًا أَزْهَرَ مِنْهَا أَعْظَمَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ سَبْعِينَ ضِعْفًا، وَرَأَيْتُ الْعَرَبَ -[100]- وَالْعَجَمَ سَاجِدِينَ لَهَا، وَهِيَ تَزْدَادُ كُلَّ سَاعَةٍ عِظَمًا وَنُورًا وَارْتِفَاعًا، سَاعَةَ تُزْهِرُ، وَرَأَيْتُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَلَّقَ بِأَغْصَانِهَا، وَرَأَيْتُ قَوْمًا مِنْ قُرَيْشٍ يُرِيدُونَ قَطْعَهَا، فَإِذَا دَنَوْا مِنْهَا أَخَّرَهُمْ شَابٌّ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهًا، وَلَا أَطْيَبَ مِنْهُ رِيحًا، فَيَكْسِرُ أَضْلُعَهُمْ، وَيَقْلَعُ أَعْيُنَهُمْ، فَرَفَعْتُ يَدَيَّ لِأَتَنَاوَلَ مِنْهَا نَصِيبًا فَمَنَعَنِي الشَّابُّ، فَقُلْتُ: لِمَنِ النَّصِيبُ؟ فَقَالَ: النَّصِيبُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِهَا وَسَبَقُوكَ إِلَيْهَا، فَانْتَبَهْتُ مَذْعُورًا فَزِعًا، فَرَأَيْتُ وَجْهَ الْكَاهِنَةِ قَدْ تَغَيَّرَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ صُلْبِكَ رَجُلٌ يَمْلِكُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، وَيَدِينُ لَهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: لَعَلَّكَ تَكُونُ هَذَا الْمَوْلُودَ، فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ والنَّبيُِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ، وَيَقُولُ: كَانَتِ الشَّجَرَةُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَبَا الْقَاسِمِ الْأَمِينَ، فَيُقَالُ لَهُ: أَلَا تُؤْمِنُ بِهِ؟ فَيَقُولُ: السُّبَّةَ وَالْعَارَ "

52 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى أَبُو غَزِيَّةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ: لَقِيتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ حِرَاءً يُصَلِّي فِيهِ، وَإِذَا هُوَ قَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ سُوءٌ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فِيمَا أَظْهَرَ مِنْ خِلَافِهِمْ وَاعْتِزَالِ آلِهَتِهِمْ، وَمَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو: يَا عَامِرُ، إِنِّي خَالَفْتُ قَوْمِي، فَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ يَعْبُدُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ بَعْدِهِ، وَمَا كَانَ يُصَلُّونَ إِلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ، فَأَنَا أنْتَظِرُ نَبِيًّا -[101]- مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَلَا أُرَانِي أُدْرِكُهُ، فَأَنَا يَا عَامِرُ أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيُّ، فَإِنْ طَالَتْ بِكَ الْمُدَّةُ فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَسَأُخْبِرُكَ يَا عَامِرُ مَا نَعْتُهُ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، قُلْتُ: هَلُمَّ، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالطَّوِيلِ، وَلَا بِكَثِيرِ الشَّعْرِ، وَلَا بِقَلِيلِهِ، وَلَيْسَ تُفَارِقُ عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَاسْمُهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ وَمَبْعَثُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ قَوْمُهُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُونَ مَا جَاءَ بِهِ، حَتَّى يُهَاجِرَ إِلَى يَثْرِبَ فَيَظْهَرُ أَمْرُهُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ، فَإِنِّي بَلَغْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكُلُّ مَنْ أَسْأَلُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ يَقُولُ: هَذَا الدِّينُ وَرَاءَكَ، وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ غَيْرُهُ، قَالَ عَامِرٌ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِيَ الْإِسْلَامُ مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَلَمَّا تَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ رَجُلًا حَلِيفًا فِي قَوْمِي، وَكَانَ قَوْمِي أَقَلَّ قُرَيْشٍ عَدَدًا، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى اتِّبَاعِهِ ظَاهِرًا، فَأَسْلَمْتُ سِرًّا، وَكُنْتُ أَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " §لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّةِ يَسْحَبُ ذَيْلًا لَهُ، أَوْ ذُيُولًا،

53 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §وَيْحَكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُهُ نَجِدُهُ فِي كَتُبِنَا، وَلَكِنِّي أَخَافُ الرُّومَ عَلَى نَفْسِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّبَعْتُهُ، فَاذْهَبْ إِلَى ضَغَاطِرَ الْأُسْقُفِ فَاذْكُرْ لَهُ أَمْرَهُ، فَهُوَ وَاللَّهِ فِي الرُّومِ أَعْظَمُ مِنِّي، وَأَجْوَزُ عِنْدَهُمْ قَوْلًا، حَتَّى أَنْظُرَ مَاذَا يَقُولُ. قَالَ: فَجَاءَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ، وَإِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ قَالَ

: فَقَالَ ضَغَاطِرُ: صَاحِبُكَ وَاللَّهِ نَبِيُّ مُرْسَلٌ نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ، وَنَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا بِاسْمِهِ قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ فَأَلْقَى ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ سُودًا، وَلَبِسَ ثِيَابًا بِيضًا، ثُمَّ أَخَذَ عَصَاهُ، فَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ وَهُمْ فِي الْكَنِيسَةِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَنَا كِتَابُ أَحْمَدَ يَدْعُونَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ أَحْمَدَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَلَمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ وَقَدْ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ إِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا، فَضَغَاطِرُ وَاللَّهِ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ مِنِّي وَأَجْوَزَ قَوْلًا مِنِّي

54 - حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ،: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ، بِعَبَّادَانَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّاسِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَجَّهَ إِلَى سَعْدٍ أَنْ وَجِّهْ، نَضْلَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى حُلْوَانَ الْعِرَاقِ لِيُغِيرَ عَلَى ضَوَاحِيهَا وَلِيَفْتَتِحَهَا، قَالَ: فَوَجَّهَ سَعْدٌ نَضْلَةَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَتَوْا حُلْوَانَ الْعِرَاقِ، فَأَغَارُوا عَلَى ضَوَاحِيهَا فَفَتَحُوهَا، فَأَصَابُوا غَنِيمَةً وَسَبْيًا، وَكَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ، فَأَلْجَأَ نَضْلَةُ الْغَنِيمَةَ وَالسَّبْيَ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ، ثُمَّ قَامَ فَأَذَّنَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، فَسَمِعَ مُجِيبًا مِنَ الْجَبَلِ: " §كَبَّرْتَ كَبِيرًا يَا نَضْلَةُ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِذَا مُجِيبٌ يُجِيبُهُ: بِذَلِكَ شَهِدَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا مُجِيبٌ يُجِيبُهُ: نَبِيٌّ بُعِثَ وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: طُوبَى لِمَنْ مَشَى إِلَيْهَا وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَجَابَ مُحَمَّدًا وَهُوَ الْبَقَاءُ لِأُمَّتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ قُمْنَا، فَقُلْنَا: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ -[103]- اللَّهُ؟ قَالَ: أنَّا وَفْدُ اللَّهِ وَوَفْدُ نَبِيِّهِ وَوَفْدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَانْفَلَقَ عَنْ شَيْخٍ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مِنَ الصُّوفِ، رَأْسُهُ كَرَأْسِ رَحَاءٍ، فَقُلْنَا: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا زُرَيْبُ بْنُ بَرثْمَلَا وَصِيُّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، أَسْكَنَنِي فِي هَذَا الْجَبَلِ، وَدَعَا لِي بِطُولِ الْحَيَاةِ إِلَى حِينِ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ فَيَنْزِلُ فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَتَبَرَّأُ مِمَّا عَلَيْهِ النَّصَارَى، أَمَا إِذْ فَاتَنِي لِقَاءُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُولُوا: يَا عُمَرُ، سَدِّدْ وَقَارِبْ، فَقَدْ دَنَا الْأَمْرُ، وَأَخْبِرُوهُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَالْهَرَبَ الْهَرَبَ، إِذَا اسْتَغْنَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَانْتَسَبُوا إِلَى غَيْرِ مَنَاسِبِهِمْ، وَانْتَمَوْا إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِمْ، وَلَمْ يَرْحَمْ كَبِيرُهُمْ صَغِيرَهُمْ، وَلَمْ يُوَقِّرْ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَتُرِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَتُرِكَ الْمُنْكَرُ وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ، وَتَعَلَّمَ الْعُلَمَاءُ الْعِلْمَ لِيَجْلِبُوا إِلَيْهِمُ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ، وَكَانَ الْمَطَرُ قَيْظًا، وَالْوَلَدُ غَيْظًا، وَطَوَّلُوا الْمَنَارَ، وَفَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ، وَزَخْرَفُوا الْمَسَاجِدَ، وَشَيَّدُوا الْبِنَاءَ، وَبَاعُوا الدِّينَ بِالدُّنْيَا، وَقَطَعُوا الْأَرْحَامَ، وَبَاعُوا الْأَحْكَامَ، وَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَسَلَّمَ، وَرَكِبَتِ الْفُرُوجُ السُّرُوجَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قِيَامُ السَّاعَةِ، قَالَ: ثُمَّ غَابَ عَنَّا، فَكَتَبَ سَعْدٌ إِلَى عُمَرَ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَبَرِ نَضْلَةَ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ: لِلَّهِ أَبُوكَ، سِرْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى نَزَلَ ذَلِكَ الْجَبَلَ، فَسَارَ سَعْدٌ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يُنَادِي بِالْأَذَانِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَلَا جَوَابَ "

55 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ -[104]- الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَيُّكُمْ يَعْرِفُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ؟، قَالُوا: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:، فَمَا فَعَلَ؟، قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ مَا أَنْسَاهُ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بِسُوقِ عُكَاظٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَوْرَقَ أَحْمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ عَلَيْهِ حَلَاوَةٌ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ اجْتَمِعُوا وَاسْتَمِعُوا وَاحْفَظُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، لَيْلٌ دَاجٍ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، بِحَارٌ تَزْخَرُ، وَنُجُومٌ تُزْهِرُ، وَمَطَرٌ وَنَبَاتٌ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ، وَذَاهِبٌ وَآتٍ، وَضَوْءٌ وَظَلَامٌ، وَبِرٌّ وَآثَامٌ، لِبَاسٌ وَمَرْكَبٌ، وَمَطْعَمٌ وَمَشْرَبٌ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَنُجُومٌ تَمُورُ، وَبِحَارٌ لَا تَغُورُ، أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا حَقًّا، لَئِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ رِضًا لَيَكُونُ سَخَطًا، إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَحَبُّ الْأَدْيَانِ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، مَا لِي أَرَى النَّاسَ -[105]- يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ، أَرَضُوا بِالْمُقَامِ هُنَاكَ فَأَقَامُوا، أَمْ تُرِكُوا هُنَاكَ فَنَامُوا؟ ثُمَّ قَالَ: أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بَرًّا لَا إِثْمَ فِيهِ مَا لِلَّهِ عَلَى الْأَرْضِ دِينٌ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينٍ أَظَلَّكُمْ إِبَّانُهُ، وَأَدْرَكَكُمْ أَوَانُهُ، طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَهُ فَاتَّبَعَهُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَدْرَكَهُ فَفَارَقَهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: [البحر الكامل] فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِينَ ... مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا ... لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَا ... تَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ ... حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:، يَرْحَمُ اللَّهُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ، لَأَرْجُو أَنْ يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ،. وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ فِي مَلَاعِبِنَا إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْنَا مِنْ شُرْفَةِ الْجَبَلِ، وَرَأَيْتُ طَيْرًا كَثِيرًا، وَوَحْشًا كَثِيرًا فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَإِذَا ابْنُ سَاعِدَةَ مُؤْتَزِرٌ بِشَمْلَةٍ مُرْتَدٍ بِأُخْرَى، وَبِيَدِهِ هَرَاوَةٌ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى عَيْنٍ مِنْ مَاءٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَا وَإِلَهِ السَّمَاءِ لَا يَشْرَبُ الْقَوِيُّ قَبْلَ الضَّعِيفِ، بَلْ يَشْرَبُ الضَّعِيفُ قَبْلَ الْقَوِيِّ -[106]-، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْقَوِيَّ مِنَ الطَّيْرِ يَتَأَخَّرُ عَنْ شُرْبِ الضَّعِيفِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْقَوِيَّ مِنَ الْوَحْشِ يَتَأَخَّرُ عَنْ شُرْبِ الضَّعِيف» ِ، فَلَمَّا تَنَحَّى مَا حَوْلَهُ، هَبَطْتُ إِلَيْهِ مِنْ ثَنِيَّةِ الْجَبَلِ، فَرَأَيْتُهُ وَاقِفًا بَيْنَ قَبْرَيْنِ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ؟ قَالَ: صَلَّيْتُهَا لِإِلَهِ السَّمَاءِ، قُلْتُ: وَهَلْ لِلسَّمَاءِ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللَّاتِ وَالْعُزَّى؟، فَانْتَفَضَ. ثُمَّ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَخَا إِيَادٍ، إِنَّ لِلسَّمَاءِ إِلَهًا عَظِيمَ الشَّأْنِ، هُوَ الَّذِي خَلَقَهَا فَسَوَّاهَا، وَبِالْكَوَاكِبِ زَيَّنَهَا، وَبِالْقَمَرِ الْمُنِيرِ وَالشَّمْسِ أَشْرَقَهَا، أَظْلَمَ لَيْلَهَا، وَأَضَاءَ نَهَارَهَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

الفصل السابع ذكر ما سمع من الجن وأجواف الأصنام والكهان بالإخبار عن نبوته صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ السَّابِعُ ذِكْرُ مَا سُمِعَ مِنَ الْجِنِّ وَأَجْوَافِ الْأَصْنَامِ وَالْكُهَّانِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

56 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، §أَنَّ أَوَّلَ خَبَرٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهَا تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ، فَجَاءَ فِي صُورَةِ طَائِرٍ أَبْيَضَ، فَوَقَعَ عَلَى حَائِطٍ لَهُمْ فَقَالَتْ لَهُ: أَلَا تَنْزِلُ إِلَيْنَا فَتُحَدِّثُنَا وَنُحَدِّثُكَ، وَتُخْبِرُنَا وَنُخْبِرُكَ؟ قَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ حَرَّمَ الزِّنَا، وَمَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ. "

57 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو رِضْوَانَ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ، يَقُولُ: " §كَانَتِ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ يَغْشَاهَا جَانٌّ، يَتَكَلَّمُ وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ قَالَ: فَغَابَ فَلَبِثَ مَا لَبِثَ فَلَمْ يَأْتِهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ إِلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ إِذْ هُوَ يَطْلُعُ مِنْ كُوَّةٍ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ لَوْذَانَ، مَا كَانَتْ لَكَ عَادَةٌ تَطْلُعُ مِنَ -[108]- الْكُوَّةِ، فَمَا بَالُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ خَرَجَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ، وَإِنِّي سَمِعْتُ مَا جَاءَ بِهِ، فَإِذَا هُوَ يُحَرِّمُ الزِّنَا، فَعَلَيْكِ السَّلَامُ. "

58 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: §" خَرَجْنَا فِي عِيرٍ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كُنَّا بِأَفْوَاهِ الشَّامِ وَبِهَا كَاهِنَةٌ فَتَعَرَّضْنَا لَهَا، فَقَالَتْ: أَتَانِي صَاحِبِي فَوَقَفَ عَلَى بَابِي، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، خَرَجَ أَحْمَدُ وَجَاءَ أَمْرٌ لَا يُطَاقُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَرَجَعْتُ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. "

59 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ يَحْيَى بْنِ نُبَاتَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " §خَرَجْنَا فِي عِيرٍ لَنَا إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنَّا بَيْنَ الزَّرْقَاءِ وَمَعَانَ قَدْ عَرَّسْنَا مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا بِفَارِسٍ يَقُولُ وَهُوَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: أَيُّهَا النِّيَامُ هُبُّوا، فَلَيْسَ هَذَا حِينُ رُقَادٍ، قَدْ خَرَجَ أَحْمَدُ، وَقَدْ طُرِدَتِ الْجِنُّ كُلَّ مَطْرَدٍ، فَفَزِعْنَا وَنَحْنُ رُفْقَةٌ حَزَاوِرَةٌ، كُلُّهُمْ قَدْ سَمِعَ بِهَذَا، فَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِنَا، فَإِذَا هُمْ يَذْكُرُونَ اخْتِلَافًا بِمَكَّةَ بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَنَبِيٍّ خَرَجَ فِيهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ أَحْمَدُ. "

60 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، وَأَبُو عُمَرَ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثنا مِنْجَابٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ، عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " §هَتَفَ هَاتِفٌ مِنَ الْجِنِّ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: [البحر الخفيف] قَبَّحَ اللَّهُ رَأْيَ كَعْبِ بْنِ فِهْرٍ ... مَا أَرَقَّ الْعُقُولَ وَالْأَحْلَامْ دِينُهَا أَنَّهَا يُعَنَّفُ فِيهَا ... دِينُ آبَائِهَا الْحَمَاةُ الْكِرَامْ حَالَفَ الْجِنَّ حِينَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ ... وَرِجَالَ النَّخِيلِ وَالْآطَامْ هَلْ كَرِيمٌ مِنْكُمْ لَهُ نَفْسُ حُرٍّ ... مَاجِدُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَعْمَامْ يُوشِكُ الْخَيْلُ إِنْ تَرَاهَا تَهَادَى ... تَقْتُلُ الْقَوْمَ فِي بِلَادِ التِّهَامْ ضَارِبٌ ضَرْبَةً تَكُونُ نَكَالًا ... وَرَوَاحًا مِنْ كُرْبَةٍ وَاغْتِمَامْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَصْبَحَ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ شَاعَ بِمَكَّةَ، فَأَصْبَحَ الْمُشْرِكُونَ يَتَنَاشَدُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَهَمُّوا بِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا شَيْطَانٌ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْأَوْثَانِ يُقَالُ لَهُ مِسْعَرٌ، وَاللَّهُ يُخْزِيهِ» قَالَ: فَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا هَاتِفٌ عَلَى الْجَبَلِ يَقُولُ: [البحر الرجز] نَحْنُ قَتَلْنَا مِسْعَرَا لَمَّا طَغَى وَاسْتَكْبَرَا -[110]- وَسَفَّهَ الْحَقَّ وَسَنَّ الْمُنْكَرَا قَنَّعْتُهُ سَيْفًا جَرُوفًا مُبْتِرَا بِشَتْمِهِ نَبِيَّنَا الْمُطَهَّرَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهُ سَمْحَجٌ، سَمَّيْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ، آمَنَ بِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ فِي طَلَبِهِ مُنْذُ أَيَّامٍ» فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ

61 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْأُيُلِّيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِبَدْءِ إِسْلَامِي، بَيْنَا أَنَا فِي طَلَبِ نَعَمٍ لِي إِذْ جَنَّ اللَّيْلُ بِأَبْرَقَ الْعِزَافِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَائِهِ، وَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِي فَقَالَ: [البحر الرجز] عُذْ يَا فَتَى بِاللَّهِ ذِي الْجَلَالِ ... وَالْمَجْدِ وَالنَّعْمَاءِ وَالْأَفْضَالِ وَاقْرَأْ بِآيَاتٍ مِنَ الْأَنْفَالِ ... وَوَحِّدِ اللَّهَ وَلَا تُبَالِ قَالَ: فَارْتَعْتُ مِنْ ذَلِكَ رَوْعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، قُلْتُ: [البحر الرجز] يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ مَا تَقُولُ ... أَرُشْدٌ عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ بَيِّنْ لَنَا هُدِيتَ مَا الْعَوِيلُ فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ذُو الْخَيْرَاتِ ... يَدْعُو إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالنَّجَاةِ -[111]- يَأْمُرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصَّلَاةِ ... وَيَزَعُ النَّاسَ عَنِ الْهَنَاتِ قَالَ: فَأَتْبَعْتُ رَاحِلَتِي، وَقُلْتُ: أَرْشِدْنِي رُشْدًا بِهَا هُدِيتَا ... لَا جُعْتَ يَا هَذَا، وَلَا عُرِيتَا وَلَا صَحِبْتَ صَاحِبًا مَقِيتَا ... لَا يَثْوِيَنَّ الْخَيْرُ إِنْ ثُوِيتَا قَالَ: فَأَتْبَعَنِي، وَهُوَ يَقُولُ: صَاحَبَكَ اللَّهُ وَسَلَّمَ نَفْسَكَا ... وَبَلَّغَ الْأَهْلَ وَسَلَّمَ رَحْلَكَا آمِنْ بِهِ أَفْلَحَ رَبِّي حَقَّكَا ... وَانْصُرْ نَبِيًّا عَزَّ رَبِّي نَصْرَكَا قَالَ: فَدَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَطَلَعْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: ادْخُلْ رَحِمَكَ اللَّهُ، فَقَدْ بَلَغَنَا إِسْلَامُكَ، فَقُلْتُ: لَا أُحْسِنُ الطُّهُورَ، فَعُلِّمْتُ، وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَأَنَّهُ الْبَدْرُ، وَهُوَ يَقُولُ: «§مَا مِنْ مُسْلِمٍ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً يَعْقِلُهَا، يَحْفَظُهَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَأُنَكِّلَنَّ بِكَ، قَالَ: فَشَهِدَ لَهُ شُوَيْخُ قُرَيْشٍ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ. "

62 - حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْقِرَبِيُّ، وثنا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا بَشِيرُ بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَنْصُورٍ الْأَنْبَارِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ -[112]-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الْمَارَّ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا سَوَادُ بْنُ قَارَبٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، لَهُ فِيهِمْ شَرَفٌ وَمَوْضِعٌ، وَهُوَ الَّذِي أَتَاهُ رَئِيُّهُ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَيَّ بِهِ؟ فَدُعِيَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ سَوَّادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ الَّذِي أَتَاكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ؟ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أَحَدٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ فَقَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ، أَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ أَتَانِي رَئِيٌّ، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ، فَافْهَمْ وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: [البحر السريع] §عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتِجْسَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا خَيْرُ الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا فَلَمْ أَرْفَعْ بِقَوْلِهِ رَأْسًا، وَقُلْتُ: دَعْنِي أَنَامُ، فَإِنِّي أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَلَمَّا أَنْ -[113]- كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ، أَتَانِي، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ قُمْ، فَافْهَمْ، وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْجِنِّيُّ، وَجَعَلَ يَقُولُ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتِطْلَابِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا صَادِقُ الْجِنِّ كَكَذَّابِهَا فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَيْسَ قُدَامُهَا كَأَذْنَابِهَا قَالَ: فَلَمْ أَرْفَعْ بِقَوْلِهِ رَأْسًا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّالِيَةُ أَتَانِي، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ افْهَمْ، وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْجِنِّيُّ يَقُولُ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَخْبَارِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأْكَوارِهَا تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... بَيْنَ رَوَابِيهَا وَأَحْجَارِهَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِي حُبُّ الْإِسْلَامِ، وَرَغِبْتُ فِيهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ شَدَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَانْطَلَقْتُ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لِي فِي الْمَسْجِدِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَعَقَلْتُ نَاقَتِي، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: اسْمَعْ مَقَالَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ادْنُهُ، ادْنُهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِي، حَتَّى صِرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: هَاتِ، فَأَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ، فَقُلْتُ -[114]-: [البحر الطويل] أَتَانِي نَجِيِّي بَعْدَ هَدْءٍ وَرَقْدَةٍ ... فَلَمْ أَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبِ ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ... أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ فَشَمَّرْتُ مِنْ ذَيْلِ الْإِزَارِ وَوَسَّطَتْ ... بِيَ الذَّعْلَبُ الْوَجْنَاءُ بَيْنَ السَّبَاسِبِ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ ... وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ وَسِيلَةً ... إِلَى اللَّهِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمِينَ الْأَطَائِبِ فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ قَالَ: فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِإِسْلَامِي فَرَحًا شَدِيدًا، حَتَّى رُؤِيَ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْكَ"

63 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُنْذِرِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَافَى، قَالَ -[115]-: كَانَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ مَازِنُ بْنُ الْغَضُوبِ، يَسْدُنُ صَنَمًا بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَمَايَا مِنْ عُمَانَ، وَكَانَ بَنُو الصَّامِتِ، وَبَنُو خُطَامَةَ، وَمُهْرَةَ، وَهُمْ إِخْوَانُ مَازِنٍ لِأُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حُوَيْصٍ أَحَدِ بَنِي نِمْرَانَ، قَالَ مَازِنٌ: " فَعَتَرْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ صَنَمٍ عَتِيرَةً، - وَهِيَ الذَّبِيحَةُ -، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ الصَّنَمِ يَقُولُ: [البحر الرجز] يَا مَازِنُ اسْمَعْ تُسَرْ ظَهَرَ خَيْرٌ وَبَطَنَ شَرْ بُعِثَ نَبِيٌّ مِنْ مُضَرْ بِدِينِ اللَّهِ الْأَكْبَرْ فَدَعْ نَحِيتًا مِنْ حَجَرْ تَسْلَمْ مِنْ حَرِّ سَقَرْ . قَالَ: فَفَزِعْتُ لِذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، ثُمَّ عَتَرْنَا بَعْدَ أَيَّامٍ عَتِيرَةً أُخْرَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ الصَّنَمِ يَقُولُ: أَقْبِلْ إِلَيَّ أَقْبِلْ تَسْمَعْ مَا لَا يُجْهَلْ هَذَا نَبِيُّ مُرْسَلْ جَاءَ بِحَقٍّ مُنَزَّلْ فَآمِنْ بِهِ كَيْ تَعْدِلْ عَنْ حَرِّ نَارٍ تُشْعَلْ وَقُودُهَا بِالْجَنْدَلْ . قَالَ مَازِنٌ: فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، وَإِنَّهُ لَخَيْرٌ يُرَادُ بِي، وَقَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَقُلْنَا مَا الْخَبَرُ وَرَاءَكَ؟ قَالَ ظَهَرَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ يَقُولُ لِمَنْ أَتَاهُ: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ. فَقُلْتُ هَذَا نَبَأُ مَا سَمِعْتُ، فَسِرْتُ إِلَى الصَّنَمِ فَكَسَّرْتُهُ جُذَاذًا، وَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشُرِحَ لِيَ الْإِسْلَامُ، فَأَسْلَمْتُ، وَقُلْتُ: [البحر البسيط] كَسَّرْتُ بَاجِرَ أَجْذَاذًا وَكَانَ لَنَا ... رَبًّا نَطِيفُ بِهِ ضَلًّا بِتِضْلَالِ -[116]- بِالْهَاشِمِيِّ هَدَانَا مِنْ ضَلَالَتِنَا ... وَلَمْ يَكُنْ دِينُهُ مِنِّي عَلَى بَالِ يَا رَاكِبًا بَلِّغَنْ عَمْرًا وَإِخْوَتَهُ ... أَنِّي لِمَنْ قَالَ رَبِّي بَاجِرٌ قَالِ يَعْنِي بِعَمْرٍو وَإِخْوَتِهِ بَنِي خُطَامَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرُؤٌ مُولَعٌ بِالطَّرَبِ، وَبِالْهَلُوكِ مِنَ النِّسَاءِ، وَبِشُرْبِ الْخَمْرِ، فَأَلَحَّتْ عَلَيْنَا السُّنُونَ، فَأَذْهَبْنَ الْأَمْوَالَ، وَأَهْزَلْنَ الذَّرَارِي وَالْعِيَالَ، وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي مَا أَجِدُ، وَيَأْتِينَا بِالْحَيَا، وَيَهِبْ لِي وَلَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ بِالطَّرَبِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَبِالْحَرَامِ الْحَلَالَ، وَبِالْإِثْمِ وَبِالْعُهْرِ عِفَّةً، وَأْتِهِ بِالْحَيَا، وَهَبْ لَهُ وَلَدًا» . قَالَ: فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِّي مَا أَجِدُ، وَأَخْصَبَتْ عُمَانُ، وَتَزَوَّجْتُ أَرْبَعَ حَرَائِرَ، وَحَفِظْتُ شَطْرَ الْقُرْآنِ، وَوَهْبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي حَيَّانَ بْنَ مَازِنٍ، وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ: [البحر الطويل] إِلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ خَبَّتْ مَطِيَّتِي ... تَجُوبُ الْفَيَافِي مِنْ عُمَانَ إِلَى الْعَرْجِ لِتَشْفَعَ لِي يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَا ... فَيَغْفِرَ لِي رَبِّي فَأَرْجِعَ بِالْفُلْجِ إِلَى مَعْشَرٍ خَالَفْتُ فِي اللَّهِ دِينَهُمْ ... فَلَا رَأْيُهُمْ رَأْيِي، وَلَا شَرْجُهُمْ شَرْجِي وَكُنْتُ امْرَأً بِالْعُهْرِ وَالْخَمْرِ مُولَعًا ... شَبَابِيَ حَتَّى آذَنَ الْجِسْمُ بِالنَّهْجِ -[117]- فَبَدَّلَنِي بِالْخَمْرِ خَوْفًا وَخَشْيَةً ... وَبِالْعُهْرِ إِحْصَانًا، فَحَصَّنَ لِي فَرْجِي فَأَصْبَحْتُ هَمِّي فِي الْجِهَادِ وَنِيَّتِي ... فَلِلَّهِ مَا صَوْمِي، وَلِلَّهِ مَا حَجِّي"

64 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا الْمِنْجَابُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ، عَنِ ابْنِ خَرُّبُوذَ الْمَكِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ خَثْعَمٍ قَالَ: §كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تُحَرِّمُ حَلَالًا، وَلَا تُحِلُّ حَرَامًا، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَيَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا، فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ وَثَنٍ جُلُوسٌ، وَقَدْ تَقَاضَيْنَا إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ قَدْ وَقَعَ بَيْنَنَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَنَا، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ، وَهُوَ يَقُولُ: [البحر الرجز] يَا أَيُّهَا النَّاسُ ذَوُو الْأَجْسَامِ مَا أَنْتُمُ وَطَائِشُ الْأَحْلَامِ وَمُسْنِدُو الْحُكْمِ إِلَى الْأصْنَامِ هَذَا نَبِيُّ سَيِّدُ الْأَنَامِ أَعْدَلُ فِي الْحُكْمِ مِنَ الْحُكَّامِ يَصْدَعُ بِالنُّورِ وَبِالْإِسْلَامِ وَيَزَعُ النَّاسَ عَنِ الْآثَامِ مُسْتَعْلِنٌ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ قَالَ: فَفَزِعْنَا، وَتَفَرَّقْنَا مِنْ عِنْدِهِ، وَصَارَ ذَلِكَ الشِّعْرُ حَدِيثًا، حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَجِئْتُ، فَأَسْلَمْتُ"

65 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو سَرِيَّةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُوَيْلِدٌ الضَّمْرِيُّ، قَالَ: " §كُنَّا عِنْدَ صَنَمٍ جُلُوسًا، إِذْ سَمِعْنَا مِنْ جَوْفِهِ صَائِحًا يَصِيحُ: ذَهَبَ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ لِلْوَحْيِ، وَرُمِيَ بِالشُّهُبِ، لِنَبِيٍّ بِمَكَّةَ اسْمُهُ أَحْمَدُ -[118]-، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى يَثْرِبَ، يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْبِرِّ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِ الصَّنَمِ، فَسَأَلْنَا، فَقَالُوا: خَرَجَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ اسْمُهُ أَحْمَدُ "

66 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الذِّمَارِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاذِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَصَّافِيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ إِسْحَاقَ الْخُزَاعِيِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: §" كَانَ أَوَّلُ إِسْلَامِي أَنَّ مِرْدَاسًا أَبِي لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَانِي بِصَنَمٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: ضِمَادٌ، فَجَعَلْتُهُ فِي بَيْتٍ، وَجَعَلْتُ آتِيهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ رَاعَنِي، فَوَثَبْتُ إِلَى ضِمَادٍ مُسْتَغِيثًا، فَإِذَا بِالصَّوْتِ فِي جَوْفِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: [البحر الكامل] قُلْ لِلْقَبِيلَةِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلِّهَا ... هَلَكَ الْأَنِيسُ وَعَاشَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْدَى ضِمَادُ وَكَانَ يُعْبَدُ مُدَّةً ... قَبْلَ الْكِتَابِ إِلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِي قَالَ: فَكَتَمْتُهُ النَّاسَ فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ مِنَ الْأَحْزَابِ بَيْنَا أَنَا فِي إِبِلِي بِطَرَفِ الْعَقِيقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ رَاقِدٌ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: النُّورُ الَّذِي وَقَعَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، وَلَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ مَعَ صَاحِبِ النَّاقَةِ الْعَضْبَاءِ، فِي دِيَارِ إِخْوَانِ بَنِي الْعَنْقَاءِ -[119]-، فَأَجَابَهُ هَاتِفٌ عَنْ شِمَالِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: بَشِّرِ الْجِنَّ وَأَبْلَاسَهَا، إِنْ وَضَعَتِ الْمَطِيُّ أَحْلَاسَهَا، وَكَلَأَتِ السَّمَاءُ أَحْرَاسَهَا، قَالَ: فَوَثَبْتُ مَذْعُورًا، وَعَلِمْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُرْسَلٌ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَأَجْشَمْتُ السَّيْرَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى ضِمَادٍ، فَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَدْتُهُ شِعْرًا، أَقُولُ فِيهِ: [البحر الطويل] لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَجْعَلُ جَاهِلًا ... ضِمَادًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مُشَارِكَا وَتَرْكِي رَسُولَ اللَّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... أُولَئِكَ أَنْصَارٌ لَهُ مَا أُولَئِكَا كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَزْنَ يَبْتَغِي ... لِيَسْلُكَ فِي وَعَثِ الْأُمُورِ الْمَسَالِكَا فَآمَنْتُ بِاللَّهِ الَّذِي أَنَا عَبْدُهُ ... وَخَالَفْتُ مَنْ أَمْسَى يُرِيدُ الْمَهَالِكَا وَوَجَّهْتُ وَجْهِي نَحْوَ مَكَّةَ قَاصِدًا ... أُبَايِعْ نَبِيَّ الْأَكْرَمِينَ الْمُبَارَكَا نَبِيٌّ أَتَانَا بَعْدَ عِيسَى بِنَاطِقٍ ... مِنَ الْحَقِّ فِيهِ الْفَصْلُ فِيهِ كَذَلِكَا أَمِينٌ عَلَى الْفُرْقَانِ أَوَّلُ شَافِعٍ ... وَأَوَّلُ مَبْعُوثٍ يُجِيبُ الْمَلَائِكَا تَلَاقَى عُرَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ انْتِقَاضِهَا ... فَأَحْكَمَهَا حَتَّى أَقَامَ الْمَنَاسِكَا عَنَيْتُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... تَوَسَّطْتَ فِي الْفَرْعَيْنِ وَالْمَجْدِ مَالِكَا وَأَنْتَ الْمُصَفَّى مِنْ قُرَيْشٍ إِذَا سَمَتْ ... عَلَى ضَمْرِهَا تَبْقَى الْقُرُونَ الْمُبَارَكَا إِذَا انْتَسَبَ الْحَيَّانُ كَعْبٌ وَمَالِكٌ ... وَجَدْنَاكَ مَحْضًا وَالنِّسَاءَ الْعَوَاتِكَا"

67 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيَاضِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، قَالَ: §" كُنْتُ اتَّخَذْتُ لِي مَجْلِسًا بِالْمَدِينَةِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ: بَيْنَمَا أَنَا نِصْفُ النَّهَارِ جَالِسٌ فِي فَيْءِ شَجَرَةٍ، إِذْ طَلَعَتْ عَلَيَّ نَعَامَةٌ بَيْضَاءُ، عَلَيْهَا رَجُلٌ أَبْيَضُ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ، تَزِفُّ بِهِ زَفِيفًا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: آخُذُ هَذَا وَاللَّهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنِّي مَوْقِفَ الْمُسْتَجِيزِ، فَقَالَ: عَبَّاسُ يَا عَبَّاسَهَا، يَا ابْنَ قِيلَ مِرْدَاسِهَا، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا، وَالْحَرْبِ قَدْ جَرَعَتْ أَنْفَاسَهَا، وَإِنَّ السَّمَاءَ مَنَعَتْ أَحْرَاسَهَا، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَانْصَرَفْتُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْأَلُ، وَأَعْرِضُ هَذَا الْكَلَامَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ ابْنُ عَمٍّ لِي، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ مُسْتَخْفِيًا "

68 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ -[121]- سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَطَاءٍ الصَّقْرِيِّ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مِنْ وَلَدِ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، {عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَاشِدٍ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: كَانَ الصَّنَمُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سُواعٌ بِالْمَعَلَّاةِ} مِنْ رُهَاطٍ يَدِينُ لَهُ هُذَيْلٌ، وَبَنُو ظُفُرٍ مِنْ سُلَيْمٍ، فَأَرْسَلَتْ بَنُو ظُفُرٍ رَاشِدَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ سُلَيْمٍ إِلَى سُوَاعٍ، قَالَ رَاشِدٌ: فَأَلْفَيْتُ مَعَ الْفَجْرِ إِلَى صَنَمٍ قَبْلَ سُوَاعٍ، وَإِذَا صَارِخٌ يَصْرُخُ مِنْ جَوْفِهِ: " §الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، مِنْ خُرُوجِ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يُحَرِّمُ الزِّنَا، وَالرِّبَا، وَالذَّبْحَ لِلْأَصْنَامِ، وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ وَرُمِينَا بِالشُّهُبِ، الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، ثُمَّ هَتَفَ صَنَمٌ آخَرُ مِنْ جَوْفِهِ: تُرِكَ الضِّمَارُ، وَكَانَ يُعْبَدُ، خَرَجَ أَحْمَدُ، نَبِيٌّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ، وَيَأْمُرُ بِالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْبِرِّ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، ثُمَّ هَتَفَ مِنْ جَوْفِ صَنَمٍ آخَرَ هَاتِفٌ: [البحر الكامل] إِنِّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِي نَبِيٌّ يُخْبِرُ بِمَا سَبَقَ، وَبِمَا يَكُونُ فِي غَدِ. قَالَ رَاشِدٌ: فَأَلْفَيْتُ سُوَاعًا مَعَ الْفَجْرِ، وَثَعْلَبَانِ يَلْحَسَانِ مَا حَوْلَهُ، وَيَأْكُلَانِ مَا يُهْدَى لَهُ، ثُمَّ يَعْرُجَانِ عَلَيْهِ بِبَوْلِهِمَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ: [البحر الطويل] أَرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بِرَأْسِهِ ... لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ وَذَلِكَ عِنْدَ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَجَازِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَسَامَعَ النَّاسُ بِهِ -[122]-، فَخَرَجَ رَاشِدٌ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَمَعَهُ كَلْبٌ لَهُ، وَاسْمُ رَاشِدٍ يَوْمَئِذٍ ظَالِمٌ، وَاسْمُ كَلْبِهِ رَاشِدٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: ظَالِمٌ، قَالَ: «فَمَا اسْمُ كَلْبِكَ؟» ، قَالَ: رَاشِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْمُكَ رَاشِدٌ، وَاسْمُ كَلْبِكَ ظَالِمٌ» وَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ مَعَهُ، ثُمَّ طَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيعَةً بِرُهَاطٍ، وَوَصَفَهَا لَهُ فَأَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَعْلَاةِ مِنْ رُهَاطٍ شَأْوَ الْفَرَسِ، وَرَمْيِة ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَجَرٍ، وَأَعْطَاهُ إِدَاوَةً مَمْلُوءَةً مَاءً، وَتَفَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: «فَرِّغْهَا فِي أَعْلَى الْقَطِيعَةِ، وَلَا تَمْنَعِ النَّاسَ فُضُولَهَا» . فَفَعَلَ، فَجَاءَ الْمَاءُ مَعِينًا مُجِمَّةً إِلَى الْيَوْمِ، فَغُرِسَ عَلَيْهَا النَّخْلُ، وَيُقَالُ: إِنَّ رُهَاطًا كُلَّهَا تَشْرَبُ مِنْهُ، وَسَمَّاهَا النَّاسُ مَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ رُهَاطٍ يَغْتَسِلُونَ مِنْهَا، وَيَسْتَشْفُونَ بِهَا، وَبَلَغَتْ رَمْيَةُ رَاشِدٍ الرُّكَيْبَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ رُكَيْبُ الْحَجَرِ، وَغَدَا رَاشِدٌ إِلَى سُوَاعٍ، فَكَسَرَهُ"

69 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، إِمْلَاءً قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " §بَلَغَنَا أَنَّكَ تَذْكُرُ سَطِيحًا، وَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ -[123]- خَلَقَهُ، لَمْ يَخْلُقْ مِنْ وَلَدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْئًا يُشْبِهُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ سَطِيحًا الْغَسَّانِيَّ لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ -، الْوَضَمُ: شَرَائِحُ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ -، وَكَانَ يُحْمَلُ عَلَى وَضَمِهِ، فَيُؤْتَى بِهِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَظْمٌ، وَلَا عَصَبٌ إِلَّا الْجُمْجُمَةَ، وَالْكَفَّانِ، وَكَانَ يُطْوَى مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ، كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَتَحَرَّكُ، إِلَّا لِسَانَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ حُمِلَ عَلَى وَضَمِهِ، فَأُتِيَ بِهِ مَكَّةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ ابْنَا عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، وَالْأَحْوَصُ بْنُ فِهْرٍ، وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، انْتَمَوْا إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِمْ، فَقَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ جُمَحٍ أَتَيْنَاكَ، بَلَغَنَا قُدُومُكَ، فَرَأَيْنَا أَنَّ زِيَارَاتَنَا إِيَّاكَ حَقٌّ لَكَ، وَاجِبٌ عَلَيْنَا، فَأَهْدَى إِلَيْهِ عَقِيلٌ صَفِيحَةً هِنْدِيَّةً، وَصَعْدَةً رُدَيْنِيَّةً، فَوُضِعَتْ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ؛ لِيَنْظُرُوا، هَلْ يَرَاهَا سَطِيحٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: يَا عَقِيلُ، نَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا عَقِيلُ، وَالْعَالِمِ الْخَفِيَّةَ، وَالْغَافِرِ الْخَطِيَّةَ، وَالذِّمَّةِ الْوَفِيَّةِ، وَالْكَعْبَةِ الْمَبْنِيَّةِ، إِنَّكَ لَجَائِي بِالْهَدِيَّةِ، الصَّفِيحَةِ الْهِنْدِيَّةِ، وَالصَّعْدَةِ الرُّدَيْنِيَّةِ، قَالُوا: صَدَقْتَ يَا سَطِيحُ، فَقَالَ سَطِيحٌ: وَآلَاتٍ بِالْفَرَحِ، وَقَوْسِ قُزَحٍ، وَسَائِرِ القَرْحِ، وَاللَّطِيمِ الْمُنْبَطِحِ، وَالنَّخْلِ، وَالرُّطَبِ، وَالْبَلَحِ، إِنَّ الْغُرَابَ حَيْثُ مَرَّ سَنَحَ، فَأَخْبِرْ أَنَّ الْقَوْمَ لَيْسُوا مِنْ جُمَحٍ، وَإِنَّ نَسَبَهُمْ فِي قُرَيْشٍ ذِي الْبُطَحِ، قَالُوا: صَدَقْتَ يَا سَطِيحُ، نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، أَتَيْنَاكَ لِنَزُورَكَ لِمَا بَلَغَنَا مِنْ عِلْمِكَ، فَأَخْبِرْنَا عَمَّا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا -[124]- هَذَا، وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ، لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ عِلْمٌ، قَالَ: الْآنَ صَدَقْتُمْ، خُذُوا مِنِّي مِنَ إِلْهَامِ اللَّهِ إِيَّايَ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فِي زَمَانِ الْهَرَمِ، فَتَبَيَّنُوا بَصَائِرَكُمْ، وَبَصيْرَةَ الْعَجَمِ، لَا عِلْمَ عِنْدَكُمْ، وَلَا فَهْمَ، وَيَنْشَأُ مِنْ عَقِبِكُمْ ذُوو فَهْمٍ، يَطْلُبُونَ أَنْوَاعَ الْعِلْمِ، فَيَكْسِرُونَ الصَّنَمَ، وَيَتَّبِعُونَ الرَّدْمَ، وَيَقْتُلُونَ الْعَجَمَ، يَطْلُبُونَ الْغَنَمَ، قَالُوا: يَا سَطِيحُ، مِمَّنْ يَكُونُ أُولَئِكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: وَالْبَيْتِ ذِي الْأَرْكَانِ، وَالْأَمْنِ، وَالسُّكَّانِ، لَيَنْشَوَنَّ مِنْ عَقِبِكُمْ وِلْدَانٌ، يَكْسِرُونَ الْأَوْثَانَ، وَيُنْكِرُونَ عِبَادَةَ الشَّيْطَانِ، وَيُوَحِّدُونَ الرَّحْمَنَ، وَيَنْشُرُونَ دِينَ الدَّيَّانِ، يُشْرِفُونَ الْبُنْيَانَ، وَيَقْتَنُونَ الْقِيَانَ، قَالُوا: يَا سَطِيحُ، مِنْ نَسْلِ مَنْ يَكُونُ أُولَئِكَ؟ قَالَ: وَأَشْرَفِ أَشْرَافٍ، وَالْمُفْضِي لِإِسْرَافِ، وَالْمُزَعْزِعِ لِلْأَخْفَافِ، وَالْمُضْعِفِ لِلْأَضْعَافِ، لَيَنْشَوَنَّ الْآلَافَ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَبْدِ مَنَافٍ، نَشْوًا يَكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ، قَالُوا: يَا سَوْأَتَاهُ يَا سَطِيحُ، مِمَّا تُخْبِرُ مِنَ الْعِلْمِ بِأَمْرِهَا، وَمِنْ أَيِّ بَلَدٍ يَخْرُجُ أُولَئِكَ؟ قَالَ: وَالْبَاقِي الْأَبَدِ، وَالْبَالِغِ الْأَمَدِ، لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ذِي الْبَلَدِ، فَتًى يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، يَرْفُضُ يَغُوثَ، وَالْفَنَدَ، يَبْرَأُ عَنْ عِبَادَةِ الضِّدَد، يَعْبُدُ رَبًّا انْفَرَدَ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ مَحْمُودًا، مِنَ الْأَرْضِ مَفْقُودًا، فِي السَّمَاءِ مَشْهُودًا، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الصِّدِّيقُ، إِذَا قَضَى صَدَقَ، وَفِي رَدِّ الْحُقُوقِ لَا خَرَقَ وَلَا نَزَقَ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الْحَنِيفُ، مُجَرَّبٌ غِطْرِيفٌ، وَيَتْرُكُ قَوْلَ الْعَنِيفِ، قَدْ ضَافَ الْمُضِيفَ، وَأَكْرَمَ الْتحنِيفَ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ دَاعِيًا لِأَمْرِهِ مُجَرِّبًا، فَيَجْتَمِعُ لَهُ جُمُوعًا -[125]-، وَعُصَبًا، فَيَقْتُلُونَهُ نِقْمَةً، وَغَضَبًا، فَيُؤْخَذُ الشَّيْخُ، فَيُذْبَحُ إِرَبًا، فَيَقُومُ بِهِ رِجَالٌ خُطَبَاءُ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ النَّاصِرُ، يَخْلِطُ الرَّأْيَ بِرَأْيِ النَّاكِرِ، يُظْهِرُ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، ثُمَّ يَلِي بَعْدَهُ ابْنُهُ يَأْخُذُ جَمْعَهُ، وَيَقِلُّ حَمْدُهُ، وَيَأْخُذُ الْمَالَ، وَيَأْكُلُهُ وَحْدَهُ، وَيَكْنِزُ الْمَالَ لِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ يَلِي مِنْ بَعْدِهِ عِدَّةُ الْمُلُوكِ، لَا شَكَّ الدَّمُ فِيهِمْ مَسْفُوكٌ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ "

70 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا، عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: §أنَّ مَلِكًا مِنْ لَخْمٍ مِنْ أَهْلِ الْمَلِكِ الْأَوَّلِ قَبْلَ حَسَّانَ ذِي نُوَاسٍ يُقَالُ لَهُ: رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ، رَأَى رُؤْيَا فَظِعَ بِهَا حِينَ رَآهَا، وَهَالَتْهُ، وَأَنْكَرَهَا، فَبَعَثَ إِلَى الْحَزَأَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مَنْ كَانَ فِي مَمْلَكَتِهِ مِنَ الْكُهَّانِ، وَالْمُنَجِّمِينَ، وَالْعُرَّافِ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فَظِعْتُ بِهَا، وَهَالَتْنِي، فَأَخْبِرُونِي عَنْهَا، قَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، اقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بَتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إِنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إِلَى خَبَرِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا، فَلْيَبْعَثْ إِلَى سَطِيحٍ وَشِقٍّ، فَإِنَّهُمَا يُخْبِرَانِ عَمَّا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُمَا أَعْلَمُ مَنْ نَرَاهُ، وَكَانَ سَطِيحٌ رَجُلًا مِنْ غَسَّانَ، وَكَانَ شِقٌّ مِنْ بَجِيلَةَ -[126]-، قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ فِي حَدِيثِهِ: يُقَالُ لَهُ سَطِيحٌ الذِّئْبِيُّ لِنَسَبِهِ إِلَى الذِّئْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَشِقُّ بْنُ صَعْبِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ بَرَانُوكَ بْنِ نَذِيرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْقَرِ بْنِ أَنْمَارٍ، فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهِمَا، فَقَدِمَ إِلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِمَا مِثْلُهُمَا مِنَ الْكُهَّانِ، فَلَمَّا قَدِمَ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَلِكُ: يَا سَطِيحُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا حِينَ رَأَيْتُهَا، وَإِنَّكَ إِنْ تَصِفْهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَكَ تُصِبْ تَأْوِيلَهَا، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: رَأَيْتَ {حُممَة خَرَجَتْ مِنْ ظُلْمَةٍ، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَة، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلُّ ذَاتِ} جُمْجُمَةً مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْعَتْمَةِ، فَقَالَ الْمَلِكُ، وَاللَّهِ مَا أَخْطَأْتَ مِنْ رُؤْيَايَ فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا يَا سَطِيحُ؟ قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمُ الْحَبَشُ، وَيَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى جُرَشٍ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ، إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، مَتَى هُوَ كَائِنٌ يَا سَطِيحُ، فِي زَمَانِنَا هَذَا، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: بَلْ بَعْدَهُ بِحِينٍ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً يَمْضِينَ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَفَيَقُومُ، أَوْ يَدُومُ سُلْطَانُهُمْ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: يَنْقَطِعُ لِبِضْعٍ وَسِتِّينَ مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ يُقْتَلُونَ أَجْمَعِينَ -[127]-، وَيَخْرُجُونَ هَارِبِينَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَنِ الَّذِي يَقْتُلُهُمْ، وَيْلِي إِخْرَاجَهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُ ابْنُ ذِي يَزِنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنٍ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي الْيَمَنِ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: يَنْقَطِعُ قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيٌّ زَكِيٌّ، رَضِيٌّ، وَفِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَلِيِّ، قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ يَا سَطِيحُ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ، وَالْآخِرِينَ، يَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ، وَيَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، قَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالشَّفَقِ، وَالْغَسَقِ، وَالْفَلَقِ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ لَحَقٌّ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدِمَ شِقٌّ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مِثْلَ مَا قَالَ لِسَطِيحٍ؛ لَيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ شِقٌّ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، رَأَيْتَ حِمَمَةً خَرَجَتْ مِنْ ظُلْمَةٍ، فَوَقَعَتْ فِي رَوْضَةٍ، وَأَكَمَةٍ، بِأَرْضٍ بَهْمَةٍ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلُّ نَسَمَةٍ، صَحِيحَةٍ مُسْلِمَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إِنْسَانٍ، لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمُ السُّودَانُ، وَلَيَغْلِبَنَّ عَلَى كُلِّ طِفْلَةٍ الْبَنَانَ، وَلَيَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى نَجْرَانَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: يَا شِقُّ، وَأَبِيكَ إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ، فِي زَمَانِنَا، أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: بَعْدَهُ بِزَمَانٍ، ثُمَّ يَسْتنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ، فَيُذِيقُهُمْ أَشَدَّ الْهَوَانِ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَنْ هُوَ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّأْنِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بَدَنِيٍّ، وَلَا مُدْنٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزِنَ، قَالَ: فَهَلْ يَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَوْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: يَنْقَطِعُ بِرَسُولٍ يَأْتِي بِحَقٍّ -[128]- وَعَدْلٍ، مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى يَوْمِ الْفَصْلِ، قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ يَا شِقُّ؟ قَالَ: يَوْمَ يُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنَ السَّمَاءِ دَعَوَاتٌ، فَيَسْمَعُ الْأَحْيَاءُ، وَالْأَمْوَاتُ، وَيَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنِ اتَّقَى الْفَوْزُ، وَالْخَيْرَاتُ، قَال لَهُ الْمَلِكُ: مَا تَقُولُ يَا شِقُّ؟ قَالَ: وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ لَحَقٌّ مَا فِيهِ مِنْ أَمْضٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا جَهَّزَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَكَتَبَ لَهُمَا إِلَى مَلِكِ فَارِسَ، وَهُوَ شَابُورُ، فَأَسْكَنَهُمُ الْحِيرَةَ "

الفصل الثامن في تزويج أمه آمنة بنت وهب

§الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي تَزْوِيجِ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ

71 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْجَوَّازُ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُخَرِّمِيُّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، مَوْلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: " §قَدِمْتُ الْيَمَنَ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ، فَنَزَلْتُ عَلَى حَبْرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الزَّبُورِ، - يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ -: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: مِنْ أَيِّهِمْ؟ قُلْتُ: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى بَعْضِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً، قَالَ: فَفَتَحَ أَحَدَ مَنْخِرَيَّ، ثُمَّ فَتَحَ الْآخَرَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فِيَ إِحْدَى يَدَيْكَ مُلْكًا، وَفِي الْأُخْرَى نُبُوَّةٌ، وَإِنَّا نَجِدُ ذَلِكَ فِي بَنِي زُهْرَةَ، فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ شَاعَةٍ؟ قُلْتُ: وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: الزَّوْجَةُ، قُلْتُ -[130]-: أَمَّا الْيَوْمُ فَلَا، فَقَالَ: فَإِذَا رَجَعْتَ فَتَزَوَّجْ فِيهِمْ، فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَكَّةَ، فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بِنْتَ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَمْزَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَهْبٌ وَوُهَيْبٌ أَخَوَانِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَجَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَبِيهِ "

72 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّندِي، ثنا النَّضْرُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ: §" أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي بِنَاءٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الطِّينِ وَالْغُبَارِ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِهِ: فَمَرَّ بِلَيْلَى الْعَدَوِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، وَرَأَتْ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ دَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، وَقَالَتْ لَهُ: إِنْ وَقَعْتَ بِي فَلَكَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: حَتَّى أَغْسِلَ عَنِّي هَذَا الطِّينَ الَّذِي عَلَيَّ، وَأَرْجِعَ إِلَيْكِ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَوَقَعَ بِهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَثْعَمِيَّةِ، وَقَالَ عَامِرٌ: إِلَى لَيْلَى الْعَدَوِيَّةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكِ فِيمَا قُلْتِ؟ قَالَتْ: لَا يَا عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّكَ مَرَرْتَ بِي، وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ نُورٌ، ثُمَّ رَجَعْتَ إِلَيَّ، وَقَدِ انْتَزَعَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ مِنْكَ، فَحَمَلَتْ آمِنَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ سَعِيدٍ

73 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْجَوَّازِ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: " §نَحْنُ أَعْظَمُ خَلْقِ اللَّهِ بَرَكَةً، وَأَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ وَلَدًا، خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَاتَ يَوْمٍ مُتَحَضِّرًا مُتَرَجِّلًا، حَتَّى جَلَسَ فِي الْبَطْحَاءِ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ لَيْلَى الْعَدَوِيَّةُ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَرْجِعُ إِلَيْكِ، وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَقَالَ لَهَا: اخْرُجِي، فَوَاقَعَهَا، وَخَرَجَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ لَيْلَى، قَالَتْ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَيْكِ، قَالَتْ لَيْلَى: لَقَدْ دَخَلْتَ بِنُورٍ مَا خَرَجْتَ بِهِ، وَلَئِنْ كُنْتَ أَلْمَمْتَ بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ لَتَلِدَنَّ مَلِكًا "

74 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " §لَمَّا خَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِابْنِهِ لِيُزَوِّجَهُ، مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ أَهْلِ تُبَالَةَ مُتَهَوِّدَةٍ، قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّةُ، فَرَأَتْ -[132]- نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: يَا فَتَى، هَلْ لَكَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْآنَ، وَأُعْطِيَكَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: [البحر الرجز] أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهْ ... وَالْحِلُّ لَا حَلَّ فَأَسْتَبِينَهْ فَكَيْفَ لِي الْأَمْرُ الَّذِي تَبْغِينَهْ ثُمَّ مَضَى مَعَ أَبِيهِ، فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ نَفْسَهُ دَعَتْهُ إِلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ الْخَثْعَمِيَّةُ، فَأَتَاهَا، فَقَالَتْ: يَا فَتَى، مَا صَنَعْتَ بَعْدِي؟ قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، قَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ فِيَ وَجْهِكَ نُورًا، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ فِيَّ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُصَيِّرَهُ حَيْثُ أَحَبَّ، ثُمَّ قَالَتْ فَاطِمَةُ الْخَثْعَمِيَّةُ: [البحر الكامل] إِنِّي رَأَيْتُ مَخِيلَةً لَمَعَتْ ... فَتَلَأْلَأَتْ بِحنَاتِمِ الْقَطْرِ فَلِمَائها نُورٌ يُضِيءُ لَهُ ... مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْبَدْرِ وَرَجَوْتُهُ فَخْرًا أَبُوءُ بِهِ ... مَا كُلُّ قَادِحٍ زَنْدَهُ يُورِي . وَلَهَا أَيْضًا: لِلَّهِ مَا زُهْرِيَّةٌ سَلَبَتْ ... ثَوْبَيْكَ مَا اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي وَلَهَا أَيْضًا: [البحر الطويل] وَمَا كُلُّ مَا يَحْوِي الْفَتَى مِنْ تِلَادِهِ ... لِحَزْمٍ، وَلَا مَا فَاتَهُ لِتَوَانِ فَأَجْمِلْ إِذَا طَالَبْتَ أَمْرًا فَإِنَّهُ ... سَيَكْفِيكَهُ جَدَّانِ يَعْتَلِجَانِ سَيَكْفِيكَهُ إِمَّا يَدٌ مُقَفْعِلَةٌ ... وَإِمَّا يَدٌ مَبْسُوطَةٌ بِبَنَانِ -[133]- وَلَمَّا حَوَتْ مِنْهُ أَمِينَةُ مَا حَوَتْ ... فَحِيزَتْ بِفَخْرٍ مَا لِذَلِكَ ثَانٍ"

75 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: §" كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَحْسَنَ رَجُلٍ رُؤِيَ قَطُّ، خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ بِهَذَا الْفَتَى، فَتَصْطَبُّ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِنِّي أَرَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا، فَتَزَوَّجَتْهُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَجْأَةً، فَحَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَفِي ابْتِغَاءِ الْيَهُودِ وَالْيَهُودِيَّةِ وُضِعَ هَذَا النُّورُ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فِيهَا، وَذِكْرُهُمْ بَنِي زُهْرَةَ وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ فِيهِمْ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْخُبْرِ وَالْبِشَارَةِ بِذَلِكَ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِعْثَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ آيَاتٌ وَاضِحَةٌ، وَبَرَاهِينٌ صَحِيحَةٌ لَائِحَةٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَبَعْثتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الفصل التاسع في ذكر حمل أمه ووضعها وما شاهدت من الآيات، والأعلام على نبوته صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي ذِكْرِ حَمْلِ أُمِّهِ وَوَضْعِهَا وَمَا شَاهَدَتْ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْأَعْلَامِ عَلَى نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

76 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أُمِّي، §أَنَّهَا حَضَرَتْ آمِنَةَ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدَلَّى، حَتَّى قُلْتُ: لَتَقَعَنَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا وَضَعَتْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْتُ وَالدَّارُ، حَتَّى جَعَلْتُ لَا أَرَى إِلَّا نُورًا "

77 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا يُحَدِّثَانِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ -[136]-: " §كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِرْبًا، وَكَانَتْ أُمِّي الشِّفَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ابْنَةَ عَمِّ أَبِيهِ، فَكَانَتْ تُحَدِّثُنَا عَنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ أُمِّي الشِّفَاءُ بِنْتُ عَمْرٍو: لَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ عَلَى يَدَيَّ، فَاسْتَهَلَّ، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ، قَالَتِ الشِّفَاءُ: فَأَضَاءَ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى بَعْضِ قُصُورِ الشَّامِ، قَالَتْ: ثُمَّ أَلْبَنْتُهُ، وَأَضْجَعْتُهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ غَشِيَتْنِي ظُلْمَةٌ وَرُعْبٌ وَقُشْعَرِيرَةٌ، ثُمَّ أُسْفِرَ عَنْ يَمِينِي، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَيْنَ ذَهَبْتَ بِهِ؟ قَالَ: ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ، قَالَتْ: وَأَسْفَرَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ عَاوَدَنِي الرُّعْبُ بِهِ؟ قَالَ: إِلَى الْمَشْرِقِ، وَلَنْ يَعُودَ أَبَدًا، فَلَمْ يَزَلِ الْحَدِيثُ مِنِّي عَلَى بَالٍ حَتَّى ابْتَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ، فَكُنْتُ فِي أَوَّلِ النَّاسِ إِسْلَامًا "

78 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: §رَأَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهَا، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَسَيِّدِ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا وَلَدْتِيهِ فَسَمِّيهِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدًا، وَعَلِّقِي عَلَيْهِ هَذِهِ، قَالَ: فَانْتَبَهَتْ، وَعِنْدَ رَأْسِهَا صَحِيفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٌ فِيهَا -[137]-: [البحر الرجز] أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ وَكُلِّ خَلْقٍ رَائِدْ مِنْ قَائِمٍ وَقَاعِدْ عَنِ السَّبِيلِ عَانِدْ عَلَى الْفَسَادِ جَاهِدْ مِنْ نَافِثٍ، أَوْ عَاقِدْ وَكُلِّ خَلْقٍ مَارِدْ يَأْخُذُ بِالْمَرَاصِدْ فِي طَرْقِ الْمَوَارِدْ أَنْهَاهُمْ عَنْهُ بِاللَّهِ الْأَعْلَى، وَأَحُوطُهُ مِنْهُمْ بِالْيَدِ الْعَلْيَا، وَالْكَفِّ الَّذِي لَا يُرَى، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، وَحِجَابُ اللَّهِ دُونَ عَادِيهِمْ، لَا يَطْرُدُونَهُ، وَلَا يَضُرُّونَهُ فِي مَقْعَدٍ، وَلَا مَنَامٍ، وَلَا مَسِيرٍ، وَلَا مَقَامٍ، أَوَّلِ اللَّيَالِي، وَآخِرِ الْأَيَّامِ، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِهَذَا"

79 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ، يُقَالُ لَهُ رَجُلُ صِدْقٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَبُو غَزِيَّةَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ لِمُرْضِعَتِهِ: " §انْظُرِي ابْنِي هَذَا فَسَلِي عَنْهُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّهَ خَرَجَ مِنِّي شِهَابٌ أَضَاءَتْ لَهُ الْأَرْضُ كُلُّهَا، حَتَّى رَأَيْتُ قُصُورَ الشَّامِ، فَسَلِي عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتُ يَوْمٍ مَرَّتْ بِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْمَجَازِ إِذَا كَاهِنٌ مِنْ تِلْكَ الْكُهَّانِ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَتْ: لَأَسْأَلَنَّ عَنِ ابْنِي هَذَا مَا أَمَرَتْنِي بِهِ أُمُّهُ آمِنَةُ قَالَ: فَجَاءَتْ بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْكَاهِنُ أَخَذَ بِذِرَاعَيْهِ وَقَالَ: أَيْ قَومُ اقْتُلُوهُ اقْتُلُوهُ أَيْ قَوْمُ اقْتُلُوهُ اقْتُلُوهُ قَالَتْ: فَوَثَبَتْ عَلَيْهِ، فَأَخَذَتْ بِعَضُدَيْهِ وَاسْتَغَثْتُ، فَجَاءَ أُنَاسٌ كَانُوا مَعَنَا، فَلَمْ يَزَالُوا، حَتَّى انْتَزَعُوهُ مِنْهُ، وَذَهَبُوا بِهِ "

80 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، ثنا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو هَمَّامٍ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: «§تُوُفِّيَ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ نَارَتِ الظِّرَابُ لِوَضْعِهِ، وَاتَّقَى الْأَرْضَ بِكَفَّيْهِ، حِينَ وَقَعَ، وَأَصْبَحَ يَتَأَمَّلُ السَّمَاءَ بِعَيْنَيْهِ، وَكَفَأُوا عَلَيْهِ بُرْمَةً ضَخْمَةً، فَانْفَلَقَتْ عَنْهُ فِلْقَتَيْنِ»

81 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَاصِمِيُّ، قَالَ: ثنا الْغَلَابِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَكِيمِ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمَّتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ، يُحَدِّثُ أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، لَمَّا وَلَدَتْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، §جَاءَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَهُ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هُوَ وَدِيعَتِي عِنْدَكَ لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ، ثُمَّ أَمَرَ فَنُحِرَتِ الْجَزَائِرُ، وَذُبِحَتِ الشَّاءُ، وَأُطْعِمَ أَهْلُ مَكَّةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ نُحِرَ فِي كُلِّ شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكَّةَ جَزُورًا، لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلَا سَبْعٌ، وَلَا طَائِرٌ "

82 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ، وثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ -[139]- مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: ثنا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ الْبَجَلِيُّ، زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ آلِ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَتَتْ لَهُ مَنْ عُمُرِهِ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلِّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرَّافَةً، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ مَا رَأَى فَتَصَبَّرَ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى لَا يَكْتُمُ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ فَلَبِسَ تَاجَهُ وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمُوبَذَانِ، فَقَالَ: يَا مُوبَذَانُ إِنَّهُ قَدْ سَقَطَ مِنْ إِيَوانِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرَّافَةً وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَقَالَ: وَأَنَا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ رَأَيْتُ كَأَنَّ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا حَتَّى عَبَرَتْ دِجْلَةَ وانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِ فَارِسَ، قَالَ: فَمَا تَرَى ذَلِكَ يَا مُوبَذَانُ؟ قَالَ: وَكَانَ رَأْسَهُمْ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ: حَدَثٌ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْعَرَبِ، فَكَتَبَ حِينَئِذٍ كِسْرَى: مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ابْعَثْ إِلَيَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يُخْبِرُنِي بِمَا أَسْأَلُهُ عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدَ الْمَسِيحِ بْنَ حَيَّانَ بْنِ نُفَيْلَةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ -[140]- فَقَالَ: يَسْأَلُنِي الْمَلِكُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ أَعْلَمْتُهُ، وَإِلَّا أَعْلَمْتُهُ بِمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُهُ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ الْمَلِكُ، فَقَالَ عِلْمُهُ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ فِي مَشَارِفِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ سَطِيحٌ، قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ وَاسْأَلْهُ وأَخْبِرْنِي بِمَا يُخْبِرُكَ بِهِ، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى سَطِيحٍ وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يُجِبْهُ سَطِيحٌ فَأَقْبَلَ يَقُولُ: [البحر الرجز] أَصَمُّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ أَمْ فَازَ فَازَ أَمْ بِهِ سَافُ الْعَنَنْ يَا فَصْلَ الْخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ فُتِنْ وأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ تَحْمِلُهُ وَجْنَاءُ تَهْوِي مِنْ وَجَنْ حَتَّى أَتَى عَارِيَ الْجَآجِي وَالْقَطَنْ أَصَكُّ مُهِمُّ النَّابِ صِرَارُ الْأُذُنْ قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ يَهْوِي إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحِ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لِارْتِجَاسِ الْإِيَوَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِ فَارِسَ، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا ظَهَرَتِ التِّلَاوَةُ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةُ وخَرَجَ صَاحِبُ الْهَرَاوَةُ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ، فَلَيْسَتِ الشَّامُ لِسَطِيحٍ بِشَامٍ، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ عَلَى عَدَدِ الشُّرَّافَاتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ: ثُمَّ مَاتَ سَطِيحٌ وَقَامَ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَهُوَ يَقُولُ: [البحر البسيط] شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمِّ شِمِّيرُ ... لَا يَفْزَعَنَّكَ تَشْرِيدٌ وَتَغْوِيرُ -[141]- فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ ... يَهَابُ صَوْلَتَهَا الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامٌ وَإِخْوَتُهُ ... وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلمُوا ... أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ إِلَّا أَنْ رَأَوْا شِعْبًا ... فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَجْمُوعَانِ فِي قَرَنٍ ... فَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ قَالَ: فَرَجَعَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى كِسْرَى فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا يَكُونُ أُمُورٌ وَأُمُورٌ، قَالَ: فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ وَمَلَكَ الْبَاقُونَ بَعْدَهُ

83 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى الرَّقَاشِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى كِسْرَى فِيكَ؟ قَالَ: §بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ سُورِ جِدَارِ بَيْتِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تَلَأْلَأَ نُورًا، فَلَمَّا رَآهَا فَزِعَ فَقَالَ: لِمَ تَفْزَعُ يَا كِسْرَى؟ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا فَاتَّبِعْهُ تَسْلَمْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ، قَالَ: سَأَنْظُرُ

الفصل العاشر ذكر ما جرى على أصحاب الفيل عام مولده صلى الله عليه وسلم وقصة الفيل من أشهر القصص قد نطق بها القرآن

§الْفَصْلُ العَاشِرُ ذِكْرُ مَا جَرَى عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ عَامَ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَّةِ الْفِيلِ مِنْ أَشْهَرِ الْقَصَصِ قَدْ نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ

84 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ يَقُولُ لِقَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ اللَّيْثِيِّ يَا قَبَاثُ أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلِّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: §رَسُولُ اللَّهِ صَلِّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنِّي وأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلِّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ وَتَنَبَّأَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ

85 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَايِنِيُّ، ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: §«وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ»

86 - حَدَّثَنَا أحمدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، أَنَّهُ قَالَ: §" كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَصْحَابِ الْفِيلِ أَنَّ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ الْحَبَشِيَّ كَانَ مَلِكَ الْيَمَنِ، وَأَنَّ ابْنَ ابْنَتِهِ أَكْشُومَ بْنَ الصَّبَّاحِ الْحِمْيَرِيَّ خَرَجَ حَاجًّا، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ نَزَلَ بِكَنِيسَةٍ بِنَجْرَانَ، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَخَذُوا مَا فِيهَا مِنَ الْحُلِيِّ، وَأَخَذُوا مَتَاعَ أَكْشُومَ، فَانْصَرَفَ إِلَى جَدِّهِ الْحَبَشِيِّ مُغْضَبًا، فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ مَا لَقِيَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا تَأَلَّى بِيَمِينٍ أَنْ يَهْدِمَ الْبَيْتَ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ شِمْرُ بْنُ مَصْفُودَ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ خَوْلَانَ، وَنَفَرٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا أَرْضَ خَثْعَمٍ، فَتَنَحَّتْ -[145]- خَثْعَمٌ عَنْ طَرِيقِهِمْ، وَكَلَّمَهُمُ التَّقْتَالُ الْخَثْعَمِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ: هَذَانِ عَلَى شِمْرَانِ قَوْسِي عَلَى أَكَلَتْ، وَسَهْمَيْ قُحَافَةَ، فَأَنَا جَارٌ لَكَ، فَسَارَ مَعَهُ وَأَحَبَّهُ، فَقَالَ لَهُ التَّقْتَالُ: إِنِّي أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَأَهْدَاهُمْ بِطَرِيقِهِمْ، فَطَفِقَ يَجُبُّهُمْ فِي مَسِيرِهِمُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَهْمَةِ، حَتَّى تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ عَطَشًا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَارِسٌ مِنْ خَثْعَمٍ، وَنَصْرٍ، وَثَقِيفٍ، فَقَالُوا: مَا حَاجَتُكَ إِلَى طَرِيقِنَا؟ وَإِنَّمَا هِيَ قَرْيَةٌ صَغِيرَةٌ، لَكِنَّا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ بِمَكَّةَ يُعْبَدُ، وَهُوَ حِرْزٌ لِمَنْ يُجَاءُ إِلَيْهِ , مَنْ مَلَكَهُ تَمَّ لَهُ مُلْكُ الْعَرَبِ، فَعَلَيْكَ بِهِ، وَدَعْنَا مِنْكَ، فَأَتَاهُ، حَتَّى بَلَغَ الْمَغْمَسَ، فَوَجَدَ إِبِلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِائَةَ نَاقَةٍ مُقَلَّدَةٍ، فَأَنْهَبَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَاءَهُ، وَكَانَ جَمِيلًا، وَكَانَ لَهُ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ ذُو نفر، فَسَأَلَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ إِبِلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أُطِيقُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَدْخَلْتُكَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: فَافْعَلْ، فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ: قُضِيَتْ كُلُّ حَاجَةٍ جِئْتَ تَطْلُبُهَا قَالَ: إِنَّا فِي بَلَدٍ حَرَامٍ فِي سَبِيلٍ بَيْنَ أَرْضِ الْعَرَبِ وَبَيْنَ أَرْضِ الْعَجَمِ، وَكَانَتْ لِي مِائَةُ نَاقَةٍ مُقَلَّدَةٍ تَرْعَى هَذَا الْوَادِي بَيْنَ مَكَّةَ وَتِهَامَةَ، عَلَيْهَا نَمِيرُ أَهْلَنَا -[146]-، وَنَخْرُجُ إِلَى تِجَارَتِنَا، وَنَتَحَمَّلُ مِنْ عَدِوِّنَا، عَدَا عَلَيْهَا جَيْشُكَ فَأَخْذَوَهَا، وَلَيْسَ مِثْلُكَ يُظْلَمُ مَنْ جَاوَرَهُ، فَالْتَفَتَ الْحَبَشِيُّ إِلَى ذِي نفر، ثُمَّ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى عَجَبًا، فَقَالَ: لَوْ سَأَلَنِي كُلَّ شَيْءٍ أُحْرِزُهُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ، أَمَّا إِبِلُكَ فَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ وَمِثْلَهَا، فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فِي بَيْتِكُمْ هَذَا، وَبَلَدِكُمْ هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَمَّا بَيْتُنَا هَذَا، وَبَلَدُنَا هَذَا، فَإِنَّ لَهُمَا رَبًّا، إِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مَنَعَهُمَا، وَلَكِنِّي أُكَلِّمُكَ فِي مَالِي، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ، وَتَأَلَّى لَيَهْدِمَنَّ مَكَّةَ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَسَمِعَ تَأَلِّيهِ فِي مَكَّةَ، وَقَدْ هَرَبَ أَهْلُهَا، فَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ، وَهُوَ يَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ: [البحر الكامل] لَا هُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ ... رحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَكْ لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكْ فَلَئِنْ فَعَلْتَ فَبِهَا وَإِلَّا ... فَالْأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ وَلَئِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّهُ ... أَمْرٌ تَتِمُّ بِهِ فِعَالُكَ غَدَوْا لِجُمُوعِهِمْ ... وَالْفِيلُ كَيْ يَدُوسُوا عِيَالَكْ وَلَئِنْ تَرَكْتَهُمْ وَكَعْبَتَنَا ... فَوَا حُزْنًا هُنَالِكْ فَلَمَّا تَوَجَّهَ شِمْرٌ وَأَصْحَابُهُ بِالْفِيلِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا مَا أَجْمَعُوا طَفِقَ كُلَّمَا وَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ أَنَاخَ وَبَرَكَ، فَإِذَا صَرَفُوهُ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ أَتَى أَسْرَعَ -[147]- السَّيْرَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَهُمُ اللَّيْلُ وَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ لَهَا خَرَاطِيمُ، كَأَنَّهَا الْبَلَسُ شَبِيهَةٌ بِالْوَطَاوِيطِ حُمْرٌ وَسُودٌ، فَلَمَّا رَأَوْهَا أَشْفَقُوا مِنْهَا، وَسَقَطَ فِي أَذْرُعِهِمْ، فَقَالَ شِمْرٌ: مَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ طَيْرٍ خِمَالٍ جَنَّبَهَا اللَّيْلُ إِلَى مَسَاكِنِهَا، فَرَمَتْهُمْ بِحِجَارَةٍ مُدَحْرَجَةٍ كَالْبَنَادِقِ، تَقَعُ فِي رَأْسِ الرَّجُلِ، فَتَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ أَخَوَانِ مِنْ كِنْدَةَ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَفَارَقَ الْقَوْمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْآخَرُ، فَلَحِقَ بِأَخِيهِ حِينَ رَأَى مَا رَأَى، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ عَنْهَا إِذْ رَأَى طَيْرًا مِنْهَا قَالَ: كَانَ هَذَا مِنْهَا، فَدَنَا مِنْهُ الطَّيْرُ، فَفَدَغَهُ بِحَجَرٍ، فَمَاتَ، فَقَالَ أَخُوهُ النَّاجِي مِنْهَا: [البحر الوافر] فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ، وَلَنْ تَرَانَا ... خِبْتَ لِذِي الْغِمْرَيْنِ مَا لَقِينَا خَشِيتَ اللَّهَ لَمَّا بَثَّ طَيْرًا ... بِظِلِّ سَحَابَةٍ مَرَّتْ عَلَيْنَا وَبَاتُوا كُلُّهُمْ يَدْعُو بِحَقٍّ ... كَأَنْ قَدْ كَانَ لِلْحُبْشَانِ دِينَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ أَصْبَحَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى جِبَالِهِمْ، فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَشِيَهُمْ، فَبَعَثَ ابْنَهُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ سَرِيعٍ يَنْظُرُ مَا لَقُوا، فَإِذَا الْقَوْمُ مُشَدَّخُونَ جَمِيعًا، فَرَجَعَ يَرْفَعُ فَرَسَهُ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ قَالَ: إِنَّ ابْنِي أَفْرَسُ الْعَرَبِ، وَمَا كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ إِلَّا بَشِيرًا، أَوْ نَذِيرًا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ نَادِيهِمْ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ، قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: هَلَكُوا جَمِيعًا، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَكَانَتْ أَوَّلُ أَمْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ -[148]-: [البحر الرجز] أَنْتَ مَنَعْتَ الْجَيْشَ وَالْأَفْيَالَا وَقَدْ رَعَوْا بِمَكَّةَ الْأَجْبَالَا وَقَدْ خَشِينَا مِنْهُمُ الْقِتَالَا وَكُلُّ أَمْرٍ لَهُمْ مِعْضَالَا شُكْرًا وَحَمْدًا لَكَ ذَا الْجَلَالَا" وَقَالَ عُمَارَةُ الْعَبْدُ: [البحر الرجز] اللَّهُ رَبِّي وَوَلِيَّ الْأَنْفُسِ ... أَنْتَ حَبَسْتَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسِ فَانْصَرَفَ الْأَسْوَدُ بْنُ مَصْفُودٍ هَارِبًا وَحْدَهُ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ سَقَطَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلًا آخَرَ فَسَقَطَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، فَأَتَى مَنْزِلَهُ وَقَوْمَهُ وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا أَعْضَاءَ لَهُ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَقَصَّ عَلَيْهِمْ مَا لَقِيَتْ جُيُوشُهُ، ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. قَالَ الشَّيْخُ: رَوَى قِصَّةَ أَصْحَابِ الْفِيلِ مِنْ وُجُوهٍ وَسِيَاقٍ عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَتَمَّهَا وَأَحْسَنَهَا شَرْحًا، وَذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَعَثَ بِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ وَهْمُ بَعْضِ النَّقَلَةِ، لِأَنَّ الزُهْرِيَّ ذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مَوْتُهُ عَامَ الْفِيلِ وَأَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُ عَلَى فَرَسِهِ لِيَنْظُرَ مَا لَقِيَ الْقَوْمُ

87 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ: أَوَّلُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ جَدِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: §وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ أَبْغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ، فَجَلَسَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَرَحَلَتْ قُرَيْشٌ عَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا -[149]- بِالْحَرَمِ حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ، وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ فِيهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِمَا رَأَوْا مِنْ بَصِيرَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ لِمَحَارِمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

88 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِدَاشٍ الْكَعْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: §أَقْبَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَوْمَئِذٍ وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَا هُمْ بِهِ سَارَ سَرِيعًا عَلَى فَرَسِهِ حَتَّى أَوْفَى عَلَى حِرَاءٍ وَمَعَهُ عَمْرُو بْنُ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ يَنْظُرُونَ كُلَّمَا حَمَلَ الْحَبَشَةُ الْفِيلَ عَلَى الْحَرَمِ رَبَضَ الْفِيلُ فَتُقْبِلُ الْحَبَشَةُ بِحِرَابِهِمْ وَرِمَاحِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ يَطْعَنُونَهُ بِهَا فَيَقُومُ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى الْحَرَمِ بَرَكَ وَصَاحَ وَإِذَا وَجَّهُوهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ وَلَّى وَلَهُ وَجِيفٌ، وَأَيَّ وَجْهٍ شَاءُوا طَاوَعَهُمْ مَا لَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى الْحَرَمِ، قَالَ: فَبَيْنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ عَلَى حِرَاءٍ وَهُمْ يَحْمِلُونَ الْفِيلَ عَلَى الْحَرَمِ وَيَأْبَى، إِذْ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَائِذٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: انْظُرْ هَلْ تَرَى شَيْئًا؟ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَرَى طَيْرًا تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ قِطَعًا قِطَعًا، وَهِيَ صُفْرٌ، أَصْغَرُ مِنَ الْحَمَامِ، سُودُ الرُّءُوسِ، حُمْرُ الْأَرْجُلِ وَالْمَنَاقِيرِ، قَالَ عَمْرٌو: قَدْ رَأَيْتُهَا، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى حَلَّقَتْ عَلَى الْقَوْمِ مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ فِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ وَفِي رِجْلَيْهِ -[150]- حَجَرَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِمَسْعُودٍ: هَلْ تَرَى شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ أَرَى سَوَادًا كَثِيرًا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ كَثِيفًا، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: هُوَ طَائِرٌ، قَالَ مَسْعُودٌ: صَدَقْتَ قَدْ وَاللَّهِ عَرَفْتُ حَيْثُ حَلُّوا بِنَا أَنْ لَوْ أَرَادُوا الرِّبَّةَ لَقَدَرُوا عَلَيْهَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهْلِكَ أَصْحَابَ الْفِيلِ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَنْشَأَتْ مِنَ الْبَحْرِ كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيفُ، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ مُجَزَّعَةٍ حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ. فَجَاءَتْ حَتَّى صَفَّتْ عَلَى رُءُوسِهِمْ وصَاحَتْ وَأَلْقَتْ مَا فِي أَرْجُلِهَا وَمَنَاقِيرِهَا، فَمَا عَلَى الْأَرْضِ حَجَرٌ وَقَعَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَّا خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، إِذَا وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ

قَالَ: وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ جَوْثَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدُّئَلِيَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ §الْحَصَاةَ الَّتِي رُمِيَ بِهَا أَصْحَابُ الْفِيلِ حَصًى مِثْلُ الْحِمَّصِ وَأَكْبَرُ مِنَ الْعَدَسِ حُمْرٌ مُخَتَّمَةٌ كَأَنَّهَا جَزْعُ ظِفَارٍ

قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: أَفْلَتَ نُفَيْلٌ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُ لَمَّا وَلَّى أَبْرَهَةُ مُدْبِرًا جَعَلَ نُفَيْلٌ يَقُولُ: [البحر الرجز] §أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ طَالِبِ ... وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ غَيْرُ الْغَالِبِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ سَبَبِ غَزْوِ أَبْرَهَةَ الْبَيْتَ

أَنَّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلَّيْسَ بِصَنْعَاءَ، فَبَنَى كَنِيسَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَىْءٍ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ: إِنِّي قد بَنَيْتُ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَاجَّ الْعَرَبِ، فَلَمَّا تَحَدَّثَتِ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إِلَى النَّجَاشِيِّ غَضِبَ رَجُلٌ مِنَ النَّسْأَةِ أَحَدُ بَنِي فُقَيْمٍ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا أَتَى الْقُلَّيْسَ فَقَعَدَ فِيهَا - يَعْنِي تَغَوَّطَ فِيهَا -، ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ أَبْرَهَةُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ مِنَ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ إِلَيْهِ بِمَكَّةَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ: أَصْرِفُ إِلَيْهَا حَاجَّ الْعَرَبِ، غَضِبَ فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ، فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى الْبَيْتِ لِيَهْدِمَهُ

الفصل الحادي عشر في ذكر نشوه، وتصرف الأحوال به إلى أن أكرمه الله عز وجل بالوحي، فأسس له النبوة، وهيأ له الرسالة، وما ظهر لقومه من استكماله خلال الفضل، واعترافهم به بما يكون حجة على من امتنع عن الانقياد له صلى الله عليه وسلم.

§الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ فِي ذِكْرِ نُشُوِّهِ، وَتَصَرُّفِ الْأَحْوَالِ بِهِ إِلَى أَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَحْيِ، فَأَسَّسَ لَهُ النُّبُوَّةَ، وَهَيَّأَ لَهُ الرِّسَالَةَ، وَمَا ظَهَرَ لِقَوْمِهِ مِنَ اسْتِكْمَالِهِ خِلَالَ الْفَضْلِ، وَاعْتِرَافِهِمْ بِهِ بِمَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنِ امْتَنَعَ عَنِ الِانْقِيَادِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

89 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §«بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللَّهِ يَمْتَارُ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ تَمْرًا، فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بِهَا، فَوَلَدَتْ آمِنَةُ أُمُّ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ فِي حِجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»

90 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ، قَالَا: ثنا كُرْدُوسُ بْنُ مُحَمَّدٍ -[154]- الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: §«وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَتُوُفِّيَ الِاثْنَيْنَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ»

بيان رضاعه وفصاله، وأنه ولد مختونا مسرورا صلى الله عليه وسلم

§بَيَانُ رَضَاعِهِ وَفِصَالِهِ، وَأَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

91 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَيْلِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مِنْ كَرَامَتِي عَلَى رَبِّي أَنِّي وُلِدْتُ مَخْتُونًا، وَلَمْ يَرَ أَحَدٌ سَوْأَتِي.»

92 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جَدَّهُ وَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ، فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ "

93 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ الْمَدَايِنِيُّ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ مُحَارِبِ بْنِ سَلْمِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، §أَنَّ جِبْرِيلَ، خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ. "

94 - وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ السَّعْدِيَّةِ، أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، قَالَتْ: " §أَصَابَتْنَا سَنَةٌ شَهْبَاءُ، لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا، فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ بِمَكَّةَ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، وَعُرِضَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الظُّؤُورَةَ إِنَّمَا كَانُوا يَرْجُونَ الْخَيْرَ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ، وَيَقُولُونَ: لَا أَبَ لَهُ، وَمَا -[156]- عَسَى أَنْ تَفْعَلَ أُمُّهُ، فَلَمْ تَبْقَ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي، وَحَانَ انْصِرَافُهُنَّ إِلَى بِلَادِهِنَّ، فَقُلْتُ لِزَوْجِي: لَوْ أَخَذْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ الْيَتِيمَ لَكَانَ أَمْثَلَ مِنْ أَنْ أَرْجِعَ بِغَيْرِ رَضِيعٍ، فَأَتَيْتُ أُمَّهُ فَأَخَذْتُهُ، فَجِئْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَكَانَ لِي ابْنٌ صَغِيرٌ، وَاللَّهِ لَا يَنَامُ مِنَ الْجُوعِ، فَلَمَّا أَلْقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَدْيَيَّ أَقْبَلَا عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ اللَّبَنِ حَتَّى رُوِيَ، وَرُوِيَ أَخُوهُ وَنَامَا، فَقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفٍ لَنَا، وَاللَّهِ مَا أَنْ تَبِضَّ بِقَطْرَةٍ فَلَمَّا وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى ضَرْعِهَا، فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، فَحَلَبَ ثُمَّ أَتَانِي، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا بِنْتَ أَبِي ذُؤَيْبٍ مَا أَظُنُّ هَذِهِ النَّسَمَةَ الَّذِي أَخَذْنَاهَا إِلَّا مُبَارَكَةً، فَأَخْبَرَنِي بِخَبَرِ الشَّارِفِ، وَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ ثَدْيَيَّ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْهُمَا، ثُمَّ أَصْبَحْنَا فَغَدَوْنَا فَكُنْتُ عَلَى أَتَانٍ قَمْرَاءَ، وَاللَّهِ مَا أَنْ تَلْحَقَ الْحُمُرَ ضَعْفًا، فَلَمَّا أَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَتْ تَتَقَدَّمُ الرَّكْبَ، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ إِنَّ لِأَتَانِكِ هَذِي لَشَأْنًا. قَالَتْ: فَقَدِمْنَا بِلَادَنَا، بِلَادَ سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ لَا نَعْرِفُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا الْبَرَكَةَ، حَتَّى إِنْ كَانَ رَاعِينَا لِيَنْصَرِفُ بِأَغْنَامِنَا حُفَّلًا، وَتَأْتِي أَغْنَامُ قَوْمِنَا مَا أَنْ تَبِضَّ بِقَطْرَةٍ، فَيَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْحَكُمْ، ارْعُوا حَيْثُ يَرْعَى رَاعِي بِنتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ. فَلَمَّا نَزَلَ كَذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَوْمًا يَلْعَبَانِ فِي بُهُمٍ لَنَا وَرَاءَ بُيُوتِنَا إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يَسْعَى، فَقَالَ: ذَلِكَ الْقُرَشِيُّ قَدْ قُتِلَ. فَأَقْبَلْتُ وَأَبُوهُ فَاسْتَقْبَلَنَا، وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، فَجَعَلْتُ أَضُمُّهُ إِلَيَّ مَرَّةً، وَأَبُوهُ مَرَّةً، وَنَقُولُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّهُ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَشَقَّا بَطْنِي، فَسَاطَاهُ، فَقَالَ أَبُوهُ: مَا أَظُنُّ هَذَا الْغُلَامَ إِلَّا قَدْ أُصِيبَ، فَبَادِرِي بِهِ أَهْلَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَفَاقَمَ بِهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا -[157]-، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هَمٌّ إِلَّا أَنْ أَتَيْتُ مَكَّةَ، فَأَتَيْتُ بِهِ أُمَّهُ، فَقُلْتُ: أَنَا ظِئْرُ ابْنِي هَذَا قَدْ فَصَلْتُهُ، وَخَشِيتُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ الْعَاهَةُ، فَاقْبَلِيهِ، فَقَالَتْ: مَا لَكِ زَاهِدَةٌ فِيهِ، وَقَدْ كُنْتِ قَبْلَ الْيَوْمِ تَسْأَلِينِي أَنْ أَتْرُكَهُ عِنْدَكِ؟، لَعَلَّكِ خِفْتِ عَلَى ابْنِي الشَّيْطَانَ. لَا تَخَافِي هَذَا، فَإِنَّ ابْنِي هَذَا مَعْصُومٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، - أَوْ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ -، أَلَا أُخْبِرُكِ عَنِّي وَعَنْهُ أَنِّي رَأَيْتُ حِينَ وَلَدْتُهُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لِي بِهِ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ. لَفْظُ زِيَادٍ الْبَكَّائِيِّ "

95 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ بَرَّةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَأةَ قَالَتْ: «§أَوَّلُ مَنْ أَرْضَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُوَيْبَةُ - مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ - بِلَبَنِ ابْنٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ أَيَّامًا قَبْلَ أَنْ تَقْدُمَ حَلِيمَةُ، وَكَانَتْ قَدْ أَرْضَعَتْ قَبْلَهُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَرْضَعَتْ بَعْدَهُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّ» . 96 - قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدِمَ مَكَّةَ عَشْرُ نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ يَطْلُبْنَ الرَّضَاعَ وَخَرَجَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شُجْنَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيَّةَ [ابْنِ نصر] بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خُصْفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ -[158]- وَاسْمُ أَبِيهِ الَّذِي أَرْضَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ [مَلَّانِ] بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فَصِيَّةَ [بْنِ نَصْرِ] بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَإِخْوَتُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَجُذَامَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَهِيَ الشَّيْمَاءُ وَكَانَتِ الشَّيْمَاءُ تَحْضِنُهُ مَعَ أُمِّهَا وَخَرَجُوا فِي سَنَةٍ حَمْرَاءَ وَخَرَجَتْ بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ تُرْضِعُهُ وَأَتَانٍ قَمْرَاءَ تُدْعَى سِدْرَةَ وَشَارِفٍ ذَلْفَاءَ لَا لَبَنَ بِهَا يُقَالُ لَهَا السَّمْرَاءُ اللَّقُوحُ قَدْ مَاتَ سَقْبُهَا بِالْأَمْسِ لَيْسَ فِي ضَرْعِهَا قَطَرَةُ لَبَنٍ وَقَدْ يَبِسَ مِنَ الْعَجَفِ وَقَالَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ لِظِئْرِهِ حَلِيمَةَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُبَارَكًا فَخَرَجَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهَا فَتَجِدُ حِمَارَتَهَا قَدْ قَطَعَتْ رَسْنَهَا وَهِيَ تَجُولُ فِي الدَّارِ وَتَجِدُ شَارَفَهَا قَائِمَةً تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: إِنَّ هَذَا الْمَوْلُودَ لَمُبَارَكٌ فَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ بَرَكَتِهِ قَالَ: ثُمَّ عَمِدَ إِلَى شَارِفِهَا فَحَلَبَهَا قَعْبًا فَسَقَى حَلِيمَةَ ثُمَّ حَلَبَهَا قَعْبًا فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَلَمَسَ ضَرْعَهَا فَإِذَا هِيَ بَعْدُ حَافِلٌ فَحَلَبَ قَعْبًا آخَرَ فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَلَمَسَ ضَرْعَهَا فَإِذَا هِيَ بَعْدُ حَافِلٌ فَحَلَبَ قَعْبًا آخَرَ فَحَقَنَهُ فِي سِقَاءٍ لَهُ ثُمَّ حَدَجُوا أَتَانَهَا وَخَرَجُوا فَرَكِبَتْهَا -[159]- حَلِيمَةُ وَرَكِبَ الْحَارِثُ شَارَفَهَا وَحَمَلَتْ حَلِيمَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهَا عَلَى الْأَتَانِ وَطَلَعَتْ عَلَى صَوَاحِبِهَا بِوَادِي السُّرَرِ مُرْتَعَاتٍ فَقُلْنَ: هِيَ حَلِيمَةُ وَزَوْجُهَا ثُمَّ هَذَا حِمَارٌ أَنْجَى مِنْ حِمَارَتِهَا وَهَذَا بَعِيرٌ أَنْجَى مِنْ بَعِيرِهَا وَمَا يَقْدِرَانِ أَنْ يَضْبِطَا رُؤُوسَهُمَا حَتَّى نَزَلَتْ مَعَهُنَّ فَقُلْنَ: يَا حَلِيمَةُ مَاذَا صَنَعْتِ؟ فَقَالَتْ: أَخَذْتُ وَاللَّهِ خَيْرَ مَوْلُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ وَأَعْظَمَهُ بَرَكَةً فَقَالَتِ النِّسْوَةُ: أَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ حَلِيمَةُ: نَعَمْ فَأَخْبَرَتْهُنَّ مِنْ إِقْبَالِ دَرِّهَا وَدَرِّ لَقُوحِهَا وَمَا رَأَوْا مِنْ نَجَاءِ الْأَتَانِ وَاللِّقْحَةِ فَقَالَتْ حَلِيمَةُ: فَمَا رَحَلْنَا مِنْ مَنْزِلِنَا حَتَّى رَأَيْتُ الْحَسَدَ فِي بَعْضِ نِسَائِنَا فَرُحْنَ إِلَى بِلَادِهِنَّ قَالَتْ: فَقَدِمْنَا عَلَى عَشْرِ أَعَنُزٍ مَا يَرِمْنَ مِنَ الْبَيْتِ هُزَالًا فَإِنَّ كُنَّا لَنُرِيحُ الْإِبِلَ وَإِنَّهَا لَحُفَّلٌ فَنَحْلِبُ وَنَشْرَبُ وَنَحْلِبُ شَارِفَنَا غَبُوقًا وَصَبُوحًا وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى الشَّارِفِ قَدْ نُصِبَتْ فِي سِنَامِهَا وَأَنْظُرُ إِلَى عَجُزِ الْأَتَانِ وَكَأَنَّ فِيهَا الْأَفْهَارَ وَإِنْ كَانَ عَجُزُهَا دَبْرَاءَ لَمَّا نَخَسَهَا وَجَعَلَ أَهْلُ الْحَاضِرِ يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: ابْلُغُوا حَيْثُ تَبْلُغُ غَنَمُ حَلِيمَةَ فَيَبْلُغُونَ فَلَا تَأْتِي مَوَاشِيهِمْ إِلَّا كَمَا كَانَتْ تَأْتِي قَبْلَ ذَلِكَ وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُسُّ ضَرْعَ شَاةٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا أطلَالُ فَمَا يُطْلَبُ مِنْهَا سَاعَةً مِنَ السَّاعَاتِ إِلَّا حَلَبَتْ غَبُوقًا وَصَبُوحًا وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ تَأْكُلُهُ دَابَّةٌ

97 - فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ -[160]-: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ يَرْعَى غَنْمَ حَلِيمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ غَنَمًا لَهَا مَا تَرْفَعُ رُءُوسَهَا وَيُرَى الْخَضِرُ فِي أَفْوَاهِهَا وَأَبْعَارِهَا وَمَا تَزِيدُ غَنَمُنَا عَلَى أَنْ تَرْبِضَ مَا تَجِدُ عُودًا تَأْكُلُهُ فَتَرُوحُ الْغَنَمُ أَغْرَثُ مِنْهَا حِينَ غَدَتْ وَتَرُوحُ غَنْمُ حَلِيمَةَ يُخَافُ عَلَيْهَا الْحَبَطُ قَالُوا: فَمَكَثَ سَنَتَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فُطِمَ §فَكَأَنَّهُ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى أُمِّهِ زَائِرِينَ لَهَا وَهُمْ أَحْرَص شَيْءٍ عَلَى مَكَانِهِ؛ لِمَا رَأَوْا مِنْ عِظَمِ بَرَكَتِهِ فَلَمَّا كَانُوا بِوَادِي السُّرَرِ لَقِيَتْ نَفَرًا مِنَ الْحَبَشَةِ وَهُمْ خَارِجُونَ مِنْهَا فَرَافَقَتْهُمْ، فَسَأَلُوهَا، فَنَظَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرًا شَدِيدًا، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَإِلَى حُمْرَةٍ فِي عَيْنَيْهِ، فَقَالُوا: يَشْتَكِي أَبَدًا عَيْنَيْهِ لِلْحُمْرَةِ الَّتِي فِيهَا؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ هَذِهِ الْحُمْرَةُ لَا تُفَارِقُهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ نَبِيٌّ، فَغَالَبُوهَا عَلَيْهِ فَخَافَتْهُمْ أَنْ يَغْلِبُوهَا فَمَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَأَخْبَرَتْهَا بِخَبَرِهِ وَمَا رَأَوْا مِنْ بَرَكَتِهِ وَخَبَرَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَتْ آمِنَةُ: ارْجِعِي بِابْنِي؛ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لَهُ شَأْنٌ؛ فَرَجَعَتْ بِهِ. وَقَامَ سُوقُ ذِي الْمَجَازِ فَحَضَرَتْ بِهِ وَبِهَا يَوْمَئِذٍ عَرَّافٌ مِنْ هَوَازِنَ يُؤْتَى إِلَيْهِ بِالصِّبْيَانِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْحُمْرَةِ فِي عَيْنَيْهِ وَإِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ؛ صَاحَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ -[161]- الْمَوْسِمِ قَالَ: اقْتُلُوا هَذَا الصَّبِيَّ فَانْسَلَّتْ بِهِ حَلِيمَةُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: أَيُّ صَبِيٍّ هُوَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الصَّبِيُّ فَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا، قَدِ انْطَلَقَتْ بِهِ أُمُّهُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا هُوَ؟ فَيَقُولُ: رَأَيْتُ غُلَامًا وَآلِهَتِهِ لَيَغْلِبَنَّ أَهْلَ دِينِكُمْ وَلَيَكْسِرَنَّ أَصْنَامَكُمْ وَلَيَظْهَرَنَّ أَمْرُهُ عَلَيْكُمْ فَطُلِبَ بِعُكَاظٍ فَلَمْ يُوجَدْ وَرَجَعَتْ بِهِ حَلِيمَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا فَكَانَتْ لَا تَعْرِضُهُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَقَدْ نَزَلَ بِهِمْ عَرَّافٌ فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ الصِّبْيَانَ أَهْلُ الْحَاضِرِ وَأَبَتْ حَلِيمَةُ أَنْ تُخْرِجَهُ إِلَيْهِ إِلَى أَنْ غَفَلَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مِنَ الظُّلَّةِ فَرَآهُ الْعَرَّافُ فَدَعَاهُ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ الْخَيْمَةَ فَجَهَدَ بِهِمُ الْعَرَّافُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ فَأَبَتْ فَقَالَ: هَذَا نَبِيٌّ هَذَا نَبِيٌّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعَ سِنِينَ كَانَ يَغْدُو مَعَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ فِي الْبُهْمِ قَرِيبًا مِنَ الْحَيِّ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا مَعَ أَخِيهِ فِي الْبُهْمِ إِذْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَتْهُ غُمِّيَّةٌ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُجِيبُهُ فَخَرَجَ الْغُلَامُ يَصِيحُ بِأُمِّهِ: أَدْرِكِي أَخِي الْقُرَشِيَّ فَخَرَجَتْ أُمُّهُ تَعْدُو وَمَعَهَا أَبُوهُ فَيَجِدَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ فَسَأَلَتْ أُمُّهُ أَخَاهُ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: طَائِرَيْنِ أَبْيَضَيْنِ فَوْقَنَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَاهُ فَاسْتَلْقَيَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَشَقَّا بَطْنَهُ فَأَخْرَجَا مَا كَانَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ فَجَاءَ بِهِ فَغَسَلَ بَطْنَهُ ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ وَرْدٍ فَجَاءَ فَغَسَلَ بَطْنَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ كَمَا هُوَ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَبُوهُ مَا أَصَابَهُ شَاوَرَتْ أُمُّهُ أَبَاهُ وقَالَتْ: نَرَى أَنْ نَرُدَّهُ إِلَى أُمِّهِ؛ إِنَّا نَخَافُ -[162]- أَنْ يُصِيبَهُ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا فَنَرُدُّهُ إِلَى أُمِّهِ فَيُعَالَجُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بِهُ لَمَمٌ فَقَالَ أَبُوهُ: لَا وَاللَّهِ مَا بِهِ لَمَمٌ إِنَّ هَذَا أَعْظَمُ مَوْلُودٍ رَآهُ أَحَدٌ بَرَكَةً وَاللَّهِ إِنْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا حَسَدًا مِنْ آلِ فُلَانٍ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عِظَمِ بَرَكَتِهِ مُذْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَا حَلِيمَةُ قَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهِ فَذَكَرَتْ مِنْ بَرَكَتِهِ وَخَيْرِهِ وَلكنهُ قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَخْبَرَتْهَا خَبَرَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَجَعَ إِلَى أُمِّهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: رُدَّ إِلَى أُمِّهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَكَانَ مَعَهَا إِلَى أَنْ بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ

98 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: ثنا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: ثنا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ: ثنا مَسْلَمَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ ذَهَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَطْلُبُ ظِئْرًا فَوَافَقَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدٍ يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ فَجَاءَ بِهَا فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا وَشَيَّعَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَقُولُ: [البحر الرجز] §يَا رَبَّ هَذَا الرَّاكِبِ الْمُسَافِرِ مُحَمَّدٍ فاقْلِبْ بِخَيْرِ طَائِرِ -[163]- وَازْجُرْهُ عَنْ طَرِيقَةِ الْفَوَاجِرِ وَاخْلِ عَنْهُ كُلَّ خَلْقٍ فَاجِرِ أَخْنَسَ لَيْسَ قَلْبُهُ بِطَاهِرِ وَجِنَّةٌ تَصِيدُ بِالْهَوَاجِرِ إِنِّي أُرَاهُ مُكْرِمِي وَنَاصِرِي"

ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم مع أمه إلى المدينة زائرا أخواله

§ذِكْرُ خُرُوجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ زَائِرًا أَخْوَالَهُ

99 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ أَبُو عُمَرَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمٍ الْعَامِرِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيُّ وَمُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ شُيُوخِهِ كُلٌّ قَدْ حَدَّثَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمِّينَ قَدْ حَدَّثُونِي أَيْضًا مِنْ أَهْلِ ثِقَةٍ وَقَنَاعَةٍ قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالْمَدِينَةِ تَزُورُ بِهِ أَخْوَالَهُ وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ فَنَزَلَتْ بِهِ فِي دَارِ النَّابِغَةِ، - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ -، فَأَقَامَتْ بِهِ شَهْرًا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أُمُورًا كَانَتْ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ لَمَّا نَظَرَ إِلَى أُطُمِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ عَرَفَهَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يَخْتَلِفُ إِلَيَّ يَنْظُرُ إِلَيَّ ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنِّي فَلَقِيَنِي يَوْمًا خَالِيًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: أَحْمَدُ وَنَظَرَ إِلَى ظَهْرِي فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ رَاحَ إِلَى أَخْوَالِي فَخَبَّرَهُمُ الْخَبَرَ فَأَخْبَرُوا أُمِّي فَخَافَتْ عَلَيَّ -[164]- فَخَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تُحَدِّثُ تَقُولُ: أَتَانِي رَجُلَانِ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا نِصْفَ النَّهَارِ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَا: أَخْرِجِي لَنَا أَحْمَدَ فَأَخْرَجْتُهُ وَنَظَرَا إِلَيْهِ وَقَلَّبَاهُ مَلِيًّا حَتَّى إَنَّهُمَا لَيَنْظُرَانِ إِلَى سَوْأَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ وَسَيَكُونُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ أَمْرٌ عَظِيمٌ قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: وَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ كَلَامِهِمَا "

رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى مكة قالوا: فرجعت به أمه إلى مكة فلما كان بالأبواء توفيت آمنة بالأبواء فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدما عليهما مكة، وكانت تحضنه قالوا: وورث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه أم أيمن وخمسة أجمال أو ركب وقطيعة غنم

§رُجُوعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ قَالُوا: فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ بِالْأَبْوَاءِ فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّ أَيْمَنَ عَلَى الْبَعِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدِمَا عَلَيْهِمَا مَكَّةَ، وَكَانَتْ تَحْضُنُهُ قَالُوا: وَوَرِثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيهِ أُمَّ أَيْمَنَ وَخَمْسَةَ أَجْمَالٍ أَوْ رُكُبٍ وَقَطِيعَةَ غَنَمٍ، وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ وَلَمَّا تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ أَعْتَقَهَا قَالُوا: فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ قَبَضَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ هِيَ الَّتِي قَدِمَتْ بِهِ مَكَّةَ فَرَقَّ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رِقَّةً لَمْ يَرِقَّهَا عَلَى وَلَدِهِ وَكَانَ يُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِعْظَامًا لَهُ وَإِذَا خَلَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَكَانَ يُفْرَشُ لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فِرَاشٌ وَيَأْتِي بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فيَجْلِسُونَ حَوْلَ ذَلِكَ الْفِرَاشِ يَنْظُرُونَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَرْقَى عَلَى الْفِرَاشِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ أَعْمَامُهُ: مَهْلًا يَا مُحَمَّدُ عَنْ فِرَاشِ أَبِيكَ فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ: دَعُوا ابْنِي , إِنَّهُ

لَيُؤْنِسُ مَلَكًا، وَيُقَالُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ ابْنِي لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ قَالُوا: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَلَعْبُ مَعَ الصِّبْيَانِ حَتَّى بَلَغَ الرَّدْمَ فَرَآهُ قَوْمٌ مَنْ بَنِي مُدْلِجٍ فَدَعُوهُ فَنَظَرُوا إِلَى قَدَمَيْهِ وَإِلَى أَثَرِهِ ثُمَّ خَرَجُوا فِي أَثَرِهِ فَصَادَفُوهُ قَدْ لَقِيَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَدْ لَقِيَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: مَا هَذَا مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي قَالُوا: احْتَفِظْ بِهِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ قَدَمًا أَشْبَهُ بِالْقَدَمِ الَّذِي بِالْمَقَامِ مِنْهُ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَبِي طَالِبٍ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ هَذَا وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْتَفِظُ بِهِ. 100 - قَالُوا: بَيْنَا يَوْمًا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ وَعِنْدَهُ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ وَهُوَ يُحَادِثُهُ وَيَقُولُ: إِنَّا نَجِدُ صِفَةَ نَبِيٍّ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْأُسْقُفُّ وَإِلَى عَيْنَيْهِ وَإِلَى ظَهْرِهِ وَإِلَى قَدَمَيْهِ فَقَالَ: هُوَ هَذَا مَا هَذَا مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي قَالَ الْأُسْقُفُّ: مَا نَجِدُ أَبَاهُ حَيًّا قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: هُوَ ابْنُ ابْنِي وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِبَنِيهِ: تَحَفَّظُوا بِابْنِ أَخِيكُمْ أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ

101 - قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُيُوخٌ مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمْ خَرَجُوا عُمَّارًا وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ بِمَكَّةَ وَمَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ صَحِبَهُمْ لِلتِّجَارَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ أَوِ الْيَمَنَ -[166]- فَنَظَرَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِنَا الَّذِي لَمْ يُبَدَّلْ أَنَّهُ §يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا نَبِيٌّ يَقْتُلُنَا وَقَوْمُهُ قَتْلَ عَادٍ "

وفاة عبد المطلب وضم أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه قالوا: وتوفي عبد المطلب وهو ابن عشر ومائة سنة ويقال: ابن اثنتين وثمانين سنة

§وَفَاةُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَضَمُّ أَبِي طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ قَالُوا: وَتُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَمِائَةِ سَنَةٍ وَيُقَالُ: ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً

103 - حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَتَذْكُرُ مَوْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ 104 - قَالُوا: فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ضَمَّ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَكَانَ يَكُونُ مَعَهُ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ لَا مَالَ لَهُ وَكَانَ لَهُ قَطِيعَةٌ مِنْ إِبِلٍ تَكُونُ بِعُرَنَةَ يَبْدُو إِلَيْهَا فَيَكُونُ يَنْشَأُ فِيهَا وَيُؤْتَى بِلَبَنِهَا إِذَا كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ قَدْ رَقَّ عَلَيْهِ وَأَحَبَّهُ وَكَانَ إِذَا أَكَلَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ جَمِيعًا أَوْ فُرَادَى لَمْ يَشْبَعُوا وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبِعُوا وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَشِّيَهُمْ أَوْ يُغَدِّيَهُمْ فَيَقُولُ: كَمَا أَنْتُمْ حَتَّى يَحْضُرَ ابْنِي فَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ فَكَانُوا يُفْضِلُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَبَنًا شَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمْ ثُمَّ يَتَنَاوَلُ الْعِيَالُ الْقَعْبَ فَيَشْرَبُونَ -[167]- مِنْهُ فَيُرْوُونَ عَنْ آخِرِهِمْ مِنَ الْقَعْبِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لِيَشْرَبُ قَعْبًا وَحْدَهُ فَيَقُولُ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّكَ لَمُبَارَكٌ وَكَانَ الصِّبْيَانُ يُصْبِحُونَ شُعْثًا رُمْصًا وَيُصْبِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهِينًا كَحِيلًا 105 - قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنَّا إِذَا أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ عِنْدَنَا طَعَامٌ لِصَبُوحِنَا يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ: أَيْ بَنِيَّ ائْتُوا زَمْزَمَ قَالَ فَنَأْتِي زَمْزَمَ فَنَشْرَبُ مِنْهَا فَنَجْتَزِئُ بِهِ

106 - قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَهْلِهِ، عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَا جُوعًا قَطُّ وَلَا عَطَشًا فَكَانَ §يَغْدُو إِذَا أَصْبَحَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً فَرُبَّمَا عَرَضْنَا عَلَيْهِ الْغَدَاءَ فَيَقُولُ: لَا أُرِيدُ أَنَا شَبْعَانُ "

107 - وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَيُصْبِحُ وَلَدُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُمْصًا §وَيُصْبِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهِينًا صَقِيلًا "

ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام في المرة الأولى وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين. أجمعت قريش أن يجهزوا عيرا إلى الشام بتجارات وأموال عظام وأجمع أبو طالب المسير في تلك العير فلما تهيأ له

§ذِكْرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّامِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِنِبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. 108 - أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يُجَهِّزُوا عِيرًا إِلَى الشَّامِ بِتِجَارَاتٍ وَأَمْوَالٍ عِظَامٍ وَأَجْمَعَ أَبُو طَالِبٍ الْمَسِيرَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ فَلَمَّا تَهَيَّأَ لَهُ الْمَسِيرَ انْتَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَشْخَصُ مَعَهُ فَرَّقَ عَلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ قَالَ: أَتَخْرُجُ؟ فَكَلَّمَهُ عُمُومَتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَقَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ: مِثْلُ هَذَا الْغُلَامِ لَا يُخْرَجُ بِهِ؛ تُعَرِّضُهُ لِلْأَرْيَافِ وَالْأَوْبَاءِ فَهَمَّ أَبُو طَالِبٍ بِتَخْلِيفِهِ فَرَآهُ يَبْكِي قَالَ: مَا لَكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ لَعَلَّ بُكَاءَكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُفَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ أَبَدًا فَاخْرُجْ مَعِي فَخَرَجَ فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنَ الشَّامِ وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ بَحِيرا الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَةٍ وَكَانَ عُلَمَاءُ النَّصَارَى يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ كِتَابٍ يَدْرُسُونَهُ فَلَمَّا نَزَلُوا بِبَحِيرَا وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا مَرُّوا عَلَيْهِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَدَعَاهُمْ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُمْ حِينَ طَلَعُوا وَغَمَامَةٌ تُظِلُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ حَتَّى نَزَلُوا تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ نَظَرَ تِلْكَ الْغَمَامَةَ قَدْ أَظَلَّتِ الشَّجَرَةَ فَتَهَصَّرَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَظَلَّ فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَا ذَلِكَ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَتَى بِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تَحْضُرُوا وَلَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ تُكْرِمُونَنِي بِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ قَبْلَ هَذَا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصْغَرُ مِنْهُ سِنًّا؛ يَنْظُرُ رِحَالَهُمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا إِلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدَهَا عِنْدَهُ وَجَعَلَ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى الْغَمَامَةَ عَلَى أَحَدٍ

مِنَ الْقَوْمِ وَيَرَاهَا مُحَلِّقَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَحِيرَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي هَذَا قَالُوا: مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فِي رِحَالِنَا قَالَ: ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ طَعَامِي فَمَا أَقْبَحَ مِنْ أَنْ تَحْضُرُوا وَيَتَخَلَّفُ وَاحِدٌ، إِنِّي أُرَاهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، قَالُوا: هُوَ وَاللَّهِ مِنْ أَوْسَطِنَا نَسَبًا وَابْنُ أَخِي هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَامَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ كَادَ الْيَوْمُ أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَالْغَمَامَةُ تَسِيرُ عَلَى رَأْسِهِ وَانْقَلَعَتِ الشَّجَرَةُ مِنْ أَصْلِهَا حِينَ فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ بَحِيرَا يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ طَعَامِهِمْ قَامَ إِلَيْهِ بَحِيرَا فَقَالَ: يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَيُّ حَقٍّ لَهُمَا عِنْدِي؟ لَا تَسْأَلْنِي بِحَقِّ الَّاتِ وَالْعُزَّى؛ فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا، وَمَا تَأَمَّلْتُهُمَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمَا كَرَاهَةً لَهُمَا، وَلَكِنِ اسْأَلْنِي بِاللَّهِ أُخْبِرْكَ عَمَّا تَسْأَلُنِي عَنْهُ إِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ» قَالَ بَحِيرَا: فَبِاللَّهِ أَسْأَلُكَ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِهِ فَيُخْبِرُهُ حَتَّى سَأَلَهُ عَنْ نَوْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي وَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي عَيْنَيْهِ إِلَى الْحُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ لِقَوْمِهِ: أَخْبِرُونِي عَنْ هَذِهِ الْحُمْرَةِ تَأْتِي وَتَذْهَبُ أَوْ لَا تُفَارِقُهُ؟ قَالُوا: مَا رَأَيْنَاهَا فَارَقَتْهُ قَطُّ وَكَلَّمَهُ أَنْ يَنْزَعَ جُبَّةً عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ وَإِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ مُتَوَاسِطًا فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِهِ وَقَبَّلَ مَوْضِعَ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: إِنَّ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ هَذَا الرَّاهِبِ لَقَدْرًا وَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ - لَمَّا رَأَى مِنَ الرَّاهِبِ - يَخَافُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ قَالَ الرَّاهِبُ لِأَبِي طَالِبٍ: مَا يَكُونُ هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي قَالَ: مَا هُوَ بِابْنِكَ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: تُوُفِّيَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ أُمُّهُ؟ قَالَ: تُوُفِّيَتْ قَرِيبًا قَالَ: صَدَقْتَ ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِكَ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ فَوَاللَّهِ إِنْ رَأَوْهُ أَوْ عَرَفُوا مِنْهُ الَّذِي أَعْرِفُ لِيَبْغُنَّهُ عَنَتًا فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ شَأْنٌ عَظِيمٌ نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا وَمَا وَرِثْنَا مِنْ آبَائِنَا، وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْنَا

مَوَاثِيقُ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: مَنْ أَخَذَهَا عَلَيْكُمْ؟ فَتَبَسَّمَ الرَّاهِبُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَخَذَهَا عَلَيْنَا، نَزَلَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَأَقْلِلِ اللَّبْثَ وَارْجِعْ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ مَوْلِدِهِ، فَإِنِّي قَدْ أَدَّيْتُ إِلَيْكَ النَّصِيحَةَ، فَإِنَّ الْيَهُودَ تَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَمَتَى يَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهَا يَحْسِدُوهُ، قَالَ: وَرَآهُ رِجَالٌ مِنَ الْيَهُودِ فَأَرَادُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ وَعَرَفُوا صِفَتَهُ وَهُمْ: زَرِيدٌ وَتَمَّامٌ وَدُبَيْسٌ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا قَدْ هَمُّوا وَأَجْمَعُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ فَذَهَبُوا إِلَى بَحِيرَا فَذَاكَرُوهُ ذَلِكَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ بَحِيرَا سَيُتَابِعُهُمْ عَلَى رَأْيِهِمْ فَنَهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ وَقَالَ لَهُمْ: أَتَجِدُونَ صِفَتَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَمَا لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ فَتَرَكُوهُ وَخَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ رَاجِعًا سَرِيعًا خَائِفًا مِنَ الْيَهُودِ أَنْ يَغْتَالُوهُ قَالَ: وَشَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ يَكْلَؤُهُ اللَّهُ وَيَحْفَظُهُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَعَايِبِهَا؛ لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَعَلَى دَيْنِ قَوْمِهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَذَى مَا رُؤِيَ مُلَاحِيًا أَحَدًا وَلَا مُمَارِيًا أَحَدًا حَتَّى سَمَّاهُ قَوْمُهُ الْأَمِينَ؛ لِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ فَلَقَدْ كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ الْأَمِينُ

109 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ -[171]- قَالَ: ثنا أَبِي وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: ثنا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمِ الرَّاهِبُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ قَالَ: فَهُمْ يَحِلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَذَا يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخُ قُرَيْشٍ: مَا أعْلَمَكَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدُ إِلَّا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي لَأَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ بِأَسْفَلِ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفَيْهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ ثُمَّ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رَعِيَّةِ الْإِبِلِ قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ فَلَمَّا دَنَا نَظَرُوا إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَس مال فيء الشجرة عليه، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ لَوْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَقَتَلُوهُ , فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِسَبْعَةِ نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ وَإِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكُمْ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ -[172]- قَالُوا: لَا إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لَا فَبَايَعُوهُ فَأَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: أَنْشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَنَا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ "

ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثانيا مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها وقصة نسطورا الراهب

§ذِكْرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّامِ ثَانِيًا مَعَ مَيْسَرَةَ غُلَامِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقِصَّةِ نِسْطُورَا الرَّاهِبِ

110 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ وثنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَمِيلٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْفَيْضِ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ نَفَيْسَةَ بِنْتِ أُمَيَّةَ أُخْتِ يَعْلَى سَمِعْتُهَا تَقُولُ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ بِمَكَّةَ اسْمٌ إِلَّا الْأَمِينُ؛ لِمَا تَكَامَلَتْ فِيهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي أَنَا رَجُلٌ لَا مَالَ لِي وَقَدِ اشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا وَأَلَحَّتْ عَلَيْنَا سُنُونُ مُنْكَرَةٌ لَيْسَ لَنَا مَادَّةٌ وَلَا تِجَارَةٌ وَهَذِهِ عِيرُ قَوْمِكَ قَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إِلَى الشَّامِ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَبْعَثُ رِجَالًا مِنْ قَوْمِكَ فِي عِيرَاتِهَا فَيَتْجُرُونَ لَهَا وَيُصِيبُونَ مَنَافِعَ فَلَوْ جِئْتَهَا فَعَرَضْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهَا لَأَسْرَعَتْ إِلَيْكَ وَفَضَّلَتْكَ عَلَى غَيْرِكَ؛ -[173]- لِمَا يَبْلُغُهَا مِنْ طَهَارِتِكَ وَإِنِّي كُنْتُ لَأَكْرَهُ أَنْ تَأْتِيَ الشَّامَ وَأَخَافُ عَلَيْكَ مِنَ الْيَهُودِ وَلَكِنْ لَا نَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً تاجرةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ كَثِيرٍ وَتِجَارَةٍ وَتَبْعَثُ بِهَا إِلَى الشَّامِ فَيَكُونُ عِيرُهَا كَعَامَّةِ عِيرِ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ تَسْتَأْجِرُ الرَّجُلَ وَتَدْفَعُ إِلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا مَنْ لَمْ يَكُنْ تَاجِرًا فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ بِشَيْءٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §فَلَعَلَّهَا أَنْ تُرْسِلَ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ تُوَلِّيَ غَيْرَكَ؛ فَتَطْلُبَ أَمْرًا مُدْبِرًا. فَافْتَرَقَا فَبَلَغَ خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَرَةِ عَمِّهِ لَهُ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا قَدْ بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ فَقَالَتْ: مَا دَرَيْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ هَذَا. ثُمَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ دَعَانِي إِلَى الْبَعْثَةِ إِلَيْكَ مَا بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِكَ وَعِظَمِ أَمَانَتِكَ وَكَرَمِ أَخْلَاقِكَ وَأَنَا أُعْطِيكَ ضِعْفَ مَا أُعْطِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِكَ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَ أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ فَخَرَجَ مَعَ غُلَامِهَا مَيْسَرَةَ حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ وَجَعَلَ عُمُومَتُهُ يُوصُونَ بِهِ أَهْلَ الْعِيرِ حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ فَنَزَلَا فِي سُوقِ بُصْرَى فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ يُقَالُ لَهُ نِسْطُورَا قَالَ: فَتَطَلَّعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ وَكَانَ يَعْرِفُهُ فَقَالَ: يَا مَيْسَرَةُ مَنْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ قَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إِلَّا نَبِيٌّ ثُمَّ قَالَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ قَالَ مَيْسَرَةُ: نَعَمْ لَا تُفَارِقُهُ قَطُّ. قَالَ الرَّاهِبُ: هَذَا هُوَ وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَيَا لَيْتَ أَنِّي أُدْرِكُهُ حِينَ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ فَوَعَى ذَلِكَ مَيْسَرَةُ ثُمَّ حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُوقَ بُصْرَى فَبَاعَ سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا وَاشْتَرَى فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ اخْتِلَافٌ فِي سِلْعَةٍ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: احْلِفْ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ وَإِنِّي لَأَمُرُّ بِهِمَا فَأُعْرِضُ -[174]- عَنْهُمَا فَقَالَ الرَّجُلُ: الْقَوْلُ قَوْلُكَ ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ وَخَلَا بِهِ: يَا مَيْسَرَةُ هَذَا نَبِيٌّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَهُوَ هُوَ وَيَجِدُهُ أَحْبَارُنَا مَنْعُوتًا فِي كُتُبِهِمْ فَوَعَى ذَلِكَ مَيْسَرَةُ ثُمَّ انْصَرَفَ أَهْلُ الْعِيرِ جَمِيعًا وَكَانَ مَيْسَرَةُ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ. وَقَالَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِجَارَتِهَا قَدْ رَبِحَتْ ضِعْفَ مَا كَانَتْ تَرْبَحُ وَأَضْعَفَتْ لَهُ مَا سَمَّتْهُ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا تَضَمَّنَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ أَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَتْ آمِنَةُ وَحَمْلِهَا وَوَضْعِهَا بِهِ وَاسْتِرْضَاعِهِ وَحَضَانَةِ حَلِيمَةَ ظِئْرِهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً الْمَقْرُونَةِ بِالْآيَاتِ دَلَالَةً عَلَى نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهَا عَنِ الْمُتَعَارَفِ وَالْمُعْتَادِ مَعَ تَوَسُّمِ أَهْلِ الْكُتُبِ وَغَيْرِهِمُ الْأَمَارَاتِ الَّتِي دَوَّنَتْهَا الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْأَخْبَارُ السَّالِفَةُ بِالْبِشَارَاتِ بِهِ فَتَرَقُّبُهُمْ لِمَبْعَثِهِ وَمَخْرَجِهِ عَلَامَاتٌ وَدَلَائِلُ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ الْإِيمَانَ وَصَارَ بِهِ مُؤْمِنًا مُوقِنًا وَلِنُبُوَّتِهِ مُحَقِّقًا

111 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ: " §عَلَيْكُمْ بِمَا اسْوَدَّ مِنْهُ -[175]- فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ فَقُلْنَا: وَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا "

112 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّسَابِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا لِأَهْلِي بِمَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ أَنْ وَفَّقَهُ لِوَضْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مَوْضِعَهُ بِيَدِهِ لَمَّا اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ فِي وَضْعِهِ دَلَالَةً بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ

113 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلَايَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ بَنَى الْبَيْتَ وَأَخَذْتُ حَجَرًا فَسَوَّيْتُهُ وَوَضَعْتُهُ إِلَى جَنْبِ -[176]- الْبَيْتِ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَرِ حَيْثُ أَرَادُوا وَضْعَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالسُّيُوفِ فَقَالُوا: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ فَقَالُوا: قَدْ دَخَلَ الْأَمِينُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ قَدْ رَضِينَا بِكَ فَدَعَا بِثَوْبٍ فَبَسَطَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْحَجَرَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لِهَذَا الْبَطْنِ وَلِهَذَا الْبَطْنِ لِجَمِيعِ الْبُطُونِ مِنْ قُرَيْشٍ: «§لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْكُمْ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَرَفَعُوهُ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ»

114 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْعُثْمَانِيُّ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا أَبُو يَزِيدَ خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَخَذَتْ قُرَيْشٌ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فَانْتَهُوا إِلَى وَضْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأَرْبَاعُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ وَتَحَاسَدَتْ أَيُّهُمْ يَلِي رَفْعَهُ حَتَّى أَلَمَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ فِيهِ أَمْرٌ شَدِيدٌ فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنْ يُحَكِّمُوا أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمُ الْبَابَ مِنْ نَحْوِهِمْ وَتَعَاقَدُوا بِاللَّهِ رَبِّ الْبَيْتِ أَنْ يُوَلُّوهُ إِيَّاهُ مَنْ كَانَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ نبي اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ أَمْرًا اخْتَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُدْعَى الْأَمِينَ فَقَالَتِ الْقَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ: هَذَا الْأَمِينُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ بَيْنَنَا وَقَدْ رَضِينَا بِهِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ قَالَ لَهُمْ: " §مَا أَمْرُكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ َنَازَعْنَا فِي هَذَا الْحَجَرِ وَتَحَاسَدْنَا فَجَعَلْنَاهُ إِلَى أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَكُنْتَ أَوَّلَ دَاخِلٍ فَافْعَلْ -[177]- فِيهِ أَمْرًا تُصْلِحُ قَوْمَكَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبًا فَبَسَطَهُ ثُمَّ أَخَذَ الْحَجَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ تِلْكَ الْقَبَائِلَ فَأَخَذُوا بِجَوَانِبِ الثَّوْبِ فَرَفَعُوهُ عَلَى إِصْلَاحٍ مِنْهُمْ وَجَمَاعَةٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ وَوَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِسَبْعِ سِنِينَ "

115 - قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ مَوْدُودٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَنَا وَضَعْتُ الرُّكْنَ بِيَدَيَّ يَوْمَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ فِي وَضْعِهِ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: [البحر الرجز] إِنَّ لَنَا أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ... فِي الْحُكْمِ وَالْعَدْلِ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ وَقَدْ جَهِدْنَا جَهَدْنَا لِنَعْمُرَهُ ... وَقَدْ عَمَرْنَا خَيْرَهُ وَأَكْثَرَهُ فَإِنْ يَكُنْ حَقًّا فَفِينَا أَوْفَرُهُ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ حَصَلَتْ مِنْ قُرَيْشٍ شَهَادَةٌ مِثْلَهَا بَعْدَ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِرَافًا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُجَرِّبُوا عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ

116 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ثنا أَبُو حُصَيْنٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْوَادِعِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ثنا حَفْصٌ وَأَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ قَالُوا: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ -[178]-: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْشٍ بَطْنًا بَطْنًا فَقَالَ: " §أَرَأَيْتُمْ لَوْ قُلْتُ لَكُمْ إِنَّ خَيْلًا تُغِيرُ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ مِنْ كَذِبٍ قَطُّ فَقَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] لَفْظُ الْجُمَانِيِّ قَالَ الشَّيْخُ: وَلَقَدْ شَهِدَتْ قُرَيْشٌ لهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَرَفَتْ قَبْلَ مَبْعَثِهِ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ فَمِمَّا يُقَارِبَ هَذَا الْحَدِيثَ وَيُوَافِقُهُ:

117 - مَا حَدَّثَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا §فَنَزَلَ عَلَى أَبِي صَفْوَانَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْبَيْتِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا حَتَّى قَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ عَلَيْكَ مَتْجَرَكَ إِلَى -[179]- الشَّامِ فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ: لَا تَرْفَعُ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ يُسَكِّتُهُ فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ قَالَ: إِيَّايَ إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا خَرَجُوا رَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتِ مَا قَالَ أَخِي الْيَثْرِبِيُّ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتِ امْرَأَةُ أُمَيَّةَ: مَا يَدَعُنَا مُحَمَّدٌ فَلَمَّا جَاءَ الصَّرِيخُ وَخَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا تَذْكُرُ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْوَادِي فَسِرْ مَعَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ مَعَهُمْ فَقُلْتُهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ "

الفصل الثاني عشر ذكر بعض أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ ذِكْرُ بَعْضِ أَخْلَاقِهِ وَصِفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

118 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «§كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ»

119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا حُسَيْنُ بْنُ عُلْوَانَ قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " §مَا كَانَ أَحْسَنُ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِنْ أَهْلِهِ إِلَّا قَالَ لَبَّيْكَ وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] "

120 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ -[182]- يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كُنْتُ جَارَهُ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهُ فأَكْتُبُ الْوَحْيَ فَكُنَّا §إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ "

121 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: ثنا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ §أَشَدِّ النَّاسِ لُطْفًا وَاللَّهِ مَا كَانَ يَمْتَنِعُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ مِنْ عَبْدٍ وَلَا مِنْ أَمَةٍ وَلَا صَبِيٍّ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْمَاءِ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، وَمَا سَأَلَهُ سَائِلٌ قَطُّ إِلَّا أَصْغَى إِلَيْهِ أُذُنَهُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ عَنْهُ وَمَا تَنَاوَلَ أَحَدٌ بِيَدِهِ إِلَّا نَاوَلَهُ إِيَّاهَا فَلَمْ يَنْزِعْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا مِنْهُ "

122 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ قَالَ: ثنا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «§مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ يَكُنْ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

123 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْعَطَّارُ قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " §مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً قَطُّ وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ. ورَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ

124 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْكُوفِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ الْهَمَذَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبَّادٌ الْمِنْقَرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنِينَ §فَمَا سَبَّنِي سُبَّةً قَطُّ وَلَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي وَلَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ فِيهِ فَعَاتَبَنِي عَلَيْهِ فَإِنْ عَاتَبَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ شَيْءٌ لَكَانَ "

125 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى أَبُو يَعْلَى قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ -[184]-: أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ خُذِي فِي أَيِّ طَرِيقٍ شِئْتِ قُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ §فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا "

126 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ §فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَأَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ "

الفصل الثالث عشر ذكر ما خصه الله عز وجل به من العصمة وحماه من التدين بدين الجاهلية وحراسته إياه عن مكائد الجن والإنس واحتيالهم عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم

§الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ ذِكْرُ مَا خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ وَحَمَاهُ مِنَ التَّدَيُّنِ بِدِينِ الْجَاهِلِيَّةِ وَحِرَاسَتِهِ إِيَّاهُ عَنْ مَكَائِدِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَاحْتِيَالِهِمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ

127 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَمَعَهُ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَقَوْلُهُ: فَأَسْلَمَ: اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ فَلَيْسَ يَأْمُرُنِي بِشَرٍّ قِيلَ: أَسْلَمَ: أَيْ آمَنَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخْتَصًّا بِإِسْلَامِ قَرِينِهِ وَإِيمَانِهِ

128 - وَحَدَّثَنَا أَبُو عَلِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعِيشَ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثنا أَبِي كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَهُمُّونَ بِهَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ الدَّهْرَ كِلْتَاهُمَا يَعْصِمُنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا قُلْتُ لَيْلَةً لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ فِي أَغْنَامٍ لِأَهْلِنَا نَرْعَاهَا: انْظُرْ غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ قَالَ: نَعَمْ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ أَدْنَى دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ غِنَاءً وَضَرْبَ دُفُوفٍ وَزَمْرًا فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانٌ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَلَهَوْتُ بِذَلِكَ الْغِنَاءِ وَبِذَلِكَ الصَّوْتِ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنَيَّ فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ لَيْلَةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَفَعَلَ فَخَرَجْتُ فَسَمِعْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي مِثْلَ مَا قِيلَ لِي فَلَهَوْتُ بِمَا سَمِعْتُ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنَيَّ فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي فَقَالَ لِي: مَا فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَوَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ بَعْدَهُمَا بِسُوءٍ مِمَّا يَعْمَلُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنُبُوَّتِهِ "

129 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا النَّضْرُ -[187]- بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْمُسَاحِقِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ: كَانَ بِبُوَانَةَ صَنَمٌ تَحْضُرُهُ قُرَيْشٌ وَتُعَظِّمُهُ وَتَنْسِكُ لَهُ النَّسَائِكَ وَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ عِنْدَهُ وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهُ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ وَذَلِكَ يَوْمٌ فِي السَّنَةِ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْضُرُهُ مَعَ قَوْمِهِ وَكَانَ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعِيدَ مَعَ قَوْمِهِ فَيَأْبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ غَضِبَ عَلَيْهِ أَسْوَأَ الْغَضَبِ فَيَقُولُ: إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ مِمَّا تَصْنَعُ مِنَ اجْتِنَابِ آلِهَتِنَا [وَرَأَيْتُ عَمَّاتِّهِ غَضِبْنَ عَلَيْهِ يَومَئِذٍ أَشَدَّ الْغَضَبِ وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ] : مَا تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَحْضُرَ لِقَوْمِكَ عِيدًا وَلَا تُكَثِّرَ لَهُمْ جَمْعًا قَالَتْ: فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا مَرْعُوبًا فَقُلْنَ عَمَّاتُهُ: مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي لَمَمٌ فَقُلْنَ: مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيَبْتَلِيَكَ بِالشَّيْطَانِ وَفِيكَ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ مَا فِيكَ فَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟ قَالَ: " §إِنِّي كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْ صَنَمٍ مِنْهَا تَمَثَّلَ لِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي: وَرَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ لَا تَمَسَّهُ قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: فَمَا عَادَ إِلَى عِيدٍ لَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

130 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -[188]- أَنَّ محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مَعَ بَنِي عَمِّهِ عِنْدَ الصَّنَمِ الَّذِي عِنْدَ زَمْزَمَ وَاسْمُهُ إِسَافٌ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ إِلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ سَاعَةً ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ بَنُو عَمِّهِ: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «§نُهِيتُ أَنْ أَقُومَ عِنْدَ هَذَا الصَّنَمِ»

131 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْعَلَّافُ قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَعِيبُ أَكْلَ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَا ذُقْتَ شَيْئًا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَكْرَمَنِي بِهِ مِنْ رِسَالَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِمَّا عُظِّمَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُرِسَ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّى كَفِعْلِ قَوْمِهِ وَأَهْلِهِ وَإِذَا حُفِظَ مِنَ التَّعَرِّي فَمَا فَوْقَهُ أَوْلَى أَنْ يُعْصَمَ مِنْهُ وَيُنْهَى عَنْهُ

132 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ -[189]-: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ؟ قَالَ: «§فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَمَا رُؤِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا»

133 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَا: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الْحِجَارَةِ فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: «§إِزَارِي إِزَارِي فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ»

134 - وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بَنَتْ قُرَيْشٌ الْبَيْتَ تَفَرَّدَتِ الرِّجَالُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ وَالنِّسَاءُ يَنْقُلْنَ الشِّيدَ قَالَ: وَانْفَرَدْتُ أَنَا ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ قَالَ: فَجَعَلْنَا نَأْخُذُ أُزُرَنَا فَنَضَعَهَا عَلَى مَنَاكِبِنَا وَنَجْعَلَ عَلَيْهَا -[190]- الْحِجَارَةَ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ النَّاسِ لَبِسْنَا أُزُرَنَا قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي أَمَامِي إِذْ صُرِعَ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَسْعَى أَوْ قَالَ: فَسَعَيْتُ وَهُوَ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: " §نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا قَالَ: فَكَتَمْتُهُ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نُبَوَّتَهُ "

135 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: ثنا النَّضْرُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُعَالِجُ زَمْزَمَ فَكَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ وَهُوَ غُلَامٌ فَأَخَذَ إِزَارَهُ فَاتَّقَى بِهِ الْحِجَارَةَ فَقِيلَ لِأَبِي طَالِبٍ: الْحَقِ ابْنَكَ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَشْيَتِهِ سَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ غَشْيَتِهِ قَالَ: " §أَتَانِي آتٍ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ فَقَالَ لِيَ: اسْتُرْ اسْتُرْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ رَأَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النُّبُوَّةِ أَنْ قِيلَ لَهُ: اسْتُرْ فَمَا رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ يَوْمَئِذٍ

أما حراسة الله عز وجل إياه صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده

§أَمَّا حِرَاسَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَيْدِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ

136 - حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ وثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَايِنِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: ثنا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[191]-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ §سَاجِدًا بِمَكَّةَ فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَأَرَادَ أَنْ يَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ فَنَفَحَهُ جِبْرِيلُ نَفْحَةً بِجَنَاحَيْهِ فَمَا اسْتَقَرَّتْ قَدَمَاهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَ الْأُرْدُنَّ "

137 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَنْبَشٍ كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ قَالَ: تَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ وَبِيَدِهِ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعَ مِنْهُمْ فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ فَقَالَ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: " §أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ قَالَ: فَقَالَهُنَّ فَطَفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ -[192]-. حَدَّثَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَسَارِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ جَعْفَرٍ مِثْلَهُ

138 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ صُرِفَ إِلَيْهِ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ طَفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَانْكَبَّ لِمِنْخَرِهِ قُلْ: «§أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ»

ذكر عصمة الله رسوله صلى الله عليه وسلم حين تعاقد المشركون على قتله

§ذِكْرُ عِصْمَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَعَاقَدَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى قَتْلِهِ

139 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ خَثْيَمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ فَتَعَاقَدُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى -[193]- وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى وَنَائِلَةَ وَإِسَافٍ لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا لَقُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَتِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ تَبْكِي حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِكَ قَدْ تَعَاقَدُوا عَلَيْكَ لَوْ قَدْ رَأَوْكَ لَقَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دِيَتِكَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ ائْتِنِي بِوَضُوئِي فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَا هُوَ ذَا وَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ وَسَقَطَتْ أَذْقَانُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ وَعُقِروا فِي مَجَالِسِهِمْ وَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ وَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فَقَالَ: «§شَاهَتِ الْوُجُوهُ ثُمَّ حَصَبَهُمْ فَمَا أَصَابَ رَجُلًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْحَصَى حَصَاةٌ إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ»

140 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ تَنَحَّيْتَ عَنْهَا لَا تُسْمِعُكَ شَيْئًا يُؤْذِيكَ فَإِنَّهَا امْرَأَةٌ بَذِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §سَيُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَلَمْ -[194]- تَرَهُ فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: هَجَانَا صَاحِبُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ مَا يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ وَلَا يَقُولُهُ قَالَ: قَالَتْ: إِنَّكَ لَمُصَدَّقٌ فَانْدَفَعَتْ رَاجِعَةً فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا رَأَتْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا مَلَكٌ يَسْتُرُنِي حَتَّى ذَهَبَتْ. 141 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِي قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ

142 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ قَالَ: ثنا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ»

143 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَعْدَةَ قَالَت: شَهِدْتُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَقَالَ لَهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَمْ تُرَعَ لَمْ تُرَعَ لَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ لَمْ يُسَلِّطْكَ اللَّهُ عَلَى قَتْلِي»

144 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ: لَمَّا غَزَا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا تَذَكَّرْتُ أَبِي وَعَمِّي قَتَلَهُمَا عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي فِي مُحَمَّدٍ فَجِئْتُ مِنْ خَلْفِهِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَدَنَوْتُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ أُسَوِّرَهُ بِالسَّيْفِ رُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ كَأَنَّهُ الْبَرْقُ فَخِفْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَنَكَصْتُ الْقَهْقَرَى فَالْتَفَتَ إِلَيَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §يَا شَيْبَةُ قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فَاسْتَخْرَجَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ مِنْ قَلْبِي فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمِنْ كَذَا "

145 - وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُحَارِبٍ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ لِقَوْمِهِ: أُقْتَلُ -[196]- لَكُمْ مُحَمَّدًا فَقَالُوا: كَيْفَ تَقْتُلَهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ فَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَيْفُهُ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ انْظُرْ إِلَى سَيْفِكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَهُ وَاسْتَلَّهُ وَجَعَلَ يَهُزُّهُ وَيَهِمُّ فَيُكْبِتُهُ اللَّهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَمَا تَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا , وَمَا أَخَافُ مِنْكَ؟ قَالَ: أَمَا تَخَافُنِي وَفِي يَدِيَ السَّيْفُ؟ قَالَ: لَا , §يَمْنَعُنِي اللَّهُ مِنْكَ ثُمَّ أْغَمَدَ السَّيْفَ وَرَدَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الْآيَةَ "

146 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا عَفَّانُ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ - وَكُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ فَأَخَذَ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرَطَهُ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: " §اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ "

147 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حِبَّانَ قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي -[197]- عَاصِمٍ قَالَ: ثنا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثنا أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً سَمِيطًا فَلَمَّا بَسَطَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §كُفُّوا أَيْدِيَكُمُ فَإِنَّ عُضْوًا لَهَا يُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَتِهَا: سَمَّمْتِ طَعَامَكِ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ سَيُطْلِعُكَ عَلَيْهِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا قَالَ: فَأَكَلُوا فَلَمْ يَضُرَّ أَحَدًا مِنَّا شَيْئًا "

148 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ: نَعَمْ أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ فَقَالَ: " §مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ أَوْ قَالَ: عَلَى مُسْلِمٍ فَقَالُوا: أَفَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا "

149 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ قَالَ -[198]-: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْبَلْتُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَا جَائِعٌ شَدِيدُ الْجُوعِ فَاسْتَقْبَلَتْنِي امْرَأَةٌ يَهُودِيَّةٌ عَلَى رَأْسِهَا جَفْنَةٌ فِيهَا جَدْيٌ مَشْوِيُّ وَفِي كُمِّهَا شَيْءٌ مِنْ سَكَرٍ فَقَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمَكَ يَا مُحَمَّدُ كُنْتُ نَذَرْتُ لِلَّهِ نَذْرًا إِنْ قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ سَالِمًا لَأَذْبَحَنَّ هَذَا الْجَدْيُ وَلَأَشْوِيَنَّهُ وَلَأَحْمِلَنَّهُ إِلَيْكَ لَتَأْكُلَ مِنْهُ فَاسْتَنْطَقَ اللَّهُ الْجَدْيَ فَاسْتَوَى قَائِمًا عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمَ فَقَالَ: «§يَا مُحَمَّدُ لَا تَأْكُلْنِي فَإِنِّي مَسْمُومٌ»

150 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ مَرْثَدٍ قَالَ: ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: ثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا سَعْدُ بْنُ طَرِيفٍ الْإِسْكَافُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ الْمَشْيَ فَانْطَلَقَ ذَاتَ يَوْمٍ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَجَاءَ طَائِرٌ أَخْضَرُ فَأَخَذَ الْخُفَّ الْآخَرَ فَارْتَفَعَ بِهِ ثُمَّ أَلْقَاهُ فَخَرَجَ مِنْهُ أَسْوَدُ سَالِخٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَشَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَشَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ»

151 - أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: ثنا -[199]- مَسْعُودُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ قَالَ: ثنا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ غَالِبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَا يَنَامُ إِلَّا وَنَحْنُ حَوْلَهُ مِنْ مَخَافَةِ الْغَوَائِلِ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْعِصْمَةِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] "

152 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانَيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ قَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ فِهْرٌ لِيَرْمِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَتَاهُ وَهُوَ سَاجِدٌ رَفَعَ يَدَهُ وَفِيهَا الْفِهْرُ لِيَدْمَغَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَيَبِسَتْ يَدُهُ عَلَى الْحَجَرِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِرْسَالَ الْفِهْرِ مِنْ يَدِهِ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: أَجَبُنْتَ عَنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ وَلَكِنْ هَذَا فِي يَدِي لَا أَسْتَطِيعُ إِرْسَالَهُ فَعَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدُوا أَصَابِعَهُ قَدْ يَبِسَتْ عَلَى الْفِهْرِ فَعَالَجُوا أَصَابِعَهُ حَتَّى خَلَّصُوهَا وَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ يُرَادُ "

153 - قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَنَّاءُ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ [عَبْدِ الرَّحْمَنِ أّبُو] عَمْرٍو الْخَزَّازُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ -[200]-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى §تَأَذَّى بِهِ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى قَامُوا لِيَأْخُذُوهُ وَإِذَا أَيْدِيهِمْ مَجْمُوعَةٌ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ وَإِذَا هُمْ عُمْيٌ لَا يُبْصِرُونَ فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: نَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَدَعَا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَنَزَلَتْ: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} قَالَ: فَمَا آمَنَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ "

154 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَنْ لَا يُتَّهَمُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -[201]- قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " §لَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَتْ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِمْ وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِمْ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا أَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إِلَّا فِيهَا فَيَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَافُوهُ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمَّى الزَّحْمَةَ اعْتَرَضَ لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي هَيْئَةِ رَجُلٍ شَيْخٍ جَلِيلٍ عَلَيْهِ بَتٌّ لَهُ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا قَالُوا: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِيَ اتَّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ مَعَكُمْ لَيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ وَعَسَى أَنْ لَا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْي وَنُصْح قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ -[202]- الْمُطَّلِبِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ مُنَبِّهٌ وَنُبَيْهٌ ابْنَا الْحَجَّاجُ وَمِنْ بَنِي جُمَحَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمَنْ لَا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَأْمَنْهُ مِنَ الْوُثُوبِ عَلَيْنَا بِمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا فَأَجْمِعُوا رَأْيًا، فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمُ: احْبِسُوهُ بِالْحَدِيدِ وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ قَبْلَهُ زُهَيْرًا وَالنَّابِغَةَ وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْتِ حَتَّى يُصِيبَهُ مِنْهُ مَا أَصَابَهُمْ فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ وَاللَّهِ لَوْ حَبَسْتُمُوهُ - كَمَا تَقُولُونَ - لَخَرَجَ أَمْرَهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الَّذِي أَغْلَقْتُمْ عَلَيْهِ دُونَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَأَوْشَكُوا أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ فَيَنتْزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ ثُمَّ يُكَابِرُونَكُمْ حَتَّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ ثُمَّ تَشَاوَرُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَنَنْفِيهِ مِنْ بَلَدِنَا فَإِذَا خَرَجَ عَنَّا فَمَا نُبَالِي أَيْنَ يَذْهَبُ وَلَا حَيْثُ وَقَعَ غَابَ عَنَّا أَذَاهُ وَفَرَغْنَا مِنْهُ وَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا قَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ وَغَلَبَتَهُ عَلَى قُلُوبِ الرِّجَالِ بِمَا أَتَى بِهِ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُ أَنْ يَحِلَّ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَيَغْلِبَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ وَبِحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَسِيرُ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِ فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ ثُمَّ يَفْعَلَ بِكُمْ مَا أَرَادَ دَبِّرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ قَالُوا: وَمَا هَذَا يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ -[203]- كُلِّ قَبِيلَةٍ شَابًّا جَلْدًا خَلِيلًا نَسِيبًا وَسِيطًا ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا ثُمَّ يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُونَهُ جَمِيعًا وَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ عَلَى الْقَبَائِلِ كُلِّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ رَضُوا بِالْعَقْلِ عَقَلْنَاهُ لَهُمْ قَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ هَذَا الرَّأْيُ لَا أَرَى لَكُمْ غَيْرَهُ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ حَتَّى يَنَامَ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُمْ قَالَ لِعَلِيٍّ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا الْأَخْضَرِ الْحَضْرَمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُصُ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِك -. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ وهُمْ عَلَى بَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا زَعَمَ أَنَّكُمْ إِنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَكُمْ جِنَانٌ الْأُرْدُنِّ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَكُمْ مِنْهُ ذَبْحٌ ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ وَأَنْتَ أَحَدُهُمْ وَأَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ فَلَا يَرَوْنَهُ فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَاتِ -[204]-: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنِ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] حَتَّى فرغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فَلَمْ يَبْقَ رَجُلٌ إِلَّا وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا قَالَ: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ قَدْ - وَاللَّهِ - خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إِلَّا وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ أَفَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا بِكُمْ؟ فَوَضَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ثُمَّ جَعَلُوا يَتَطَلَّعُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمُحَمَّدٌ نَائِمٌ عَلَيْهِ بُرْدُهُ فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيٌّ عَنِ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمُكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] "

155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُمَّانَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " §كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَعَرَّضُ لَهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُرِيدُ حَاجَتَهُ نِصْفَ النَّهَارِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَبَلَغَ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْحَجُونِ وَكَانَ يَبْعُدُ إِذَا ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَرَآهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: لَا أَجِدُهُ أَبَدًا أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ فَأَغْتَالُهُ قَالَ: فَدَنَا إِلَى -[205]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا مَرْعُوبًا إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَقِيَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ الْآنَ؟ فَقَالَ النَّضْرُ: أَتْبَعْتُ مُحَمَّدًا رَجَاءَ أَنْ أَغْتَالَهُ وَهُوَ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَإِذَا أَسَاوِدُ تَضْرِبُ بِأَنْيَابِهَا عَلَى رَأْسِهِ فَاتِحَةً أَفْوَاهَهَا فَهَالَتْنِي فَذُعِرْتُ مِنْهَا وَوَلَّيْتُ رَاجِعًا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا بَعْضُ سِحْرِهِ "

156 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ وَالْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمَيَّةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَنَبِيهَ وَمُنَبِّهَ ابْنَا الْحَجَّاجِ اجْتَمَعُوا وَمَنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: " §ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذَرُوا فِيهِ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ قَالَ: فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا وَظَنَّ أَنْ قَدْ بَدَا لِقَوْمِهِ فِي أَمْرهِ بُدُوٌّ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا وشَتْمِ آبَائِنَا وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا وَسَبِّ -[206]- آلِهَتِنَا وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ غَدًا بِحَجَرٍ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ - أَوْ كَمَا قَال - فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ أَرْضَخْتُ رَأْسَهُ فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ أَوِ امْنَعُونِي فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُسْلِمُكَ لشَيْءٍ أَبَدًا فَامْضِ لِمَا تُرِيدُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ أَخَذَ حَجَرًا كَمَا قَالَ وَجَلَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُهُ وَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَغْدُو وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَعَدَتْ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى الْحَجَرِ فَقَذَفَ الْحَجَرَ عَنْ يَدِهِ وَقَامَ إِلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ وَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: قُمْتُ إِلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمُ الْبَارِحَةَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ دُونَهُ فَحْلٌ مِنَ الْإِبِلِ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ فَهَمَّ أَنْ يَأْكُلَنِي فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَلِكَ جِبْرَئِيلُ لَوْ دَنَا مِنْهُ لَأَخْذَهُ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ قَطُّ

157 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -[207]-: أَنَّ أَرْبَدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ خَالِدِ بْنِ كِلَابٍ وَعَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكٍ قَدِمَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَيَا إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ. قَالَ عَامِرٌ: أَتَجْعَلُ لِيَ الْأَمْرَ إِنْ أَسْلَمْتُ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَا لِقَوْمِكَ وَلَكِنْ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ قَالَ: أَنَا الْآنَ فِي أَعِنَّةِ خَيْلِ نَجْدٍ اجْعَلْ لِيَ الْوَبَرَ وَلَكَ الْمَدَرَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا فَلَمَّا قَفَّا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامِرٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَمْنَعُكُ اللَّهُ فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ قَالَ عَامِرٌ: يَا أَرْبَدُ إِنِّي أَشْغَلُ عَنْكَ مُحَمَّدًا بِالْحَدِيثِ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا قَتَلْتَ مُحَمَّدًا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَرْضَوْا بِالدِّيَةِ وَيَكْرَهُوا الْحَرْبَ فَسَنُعْطِيهِمُ الدِّيَةَ قَالَ أَرْبَدُ: أَفْعَلُ فَأَقْبَلَا رَاجِعَيْنِ إِلَى النبيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ قُمْ مَعِي أُكَلِّمْكَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ وَسَلَّ أَرْبَدُ السَّيْفَ فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى السَّيْفِ يَبِسَتْ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ سَلَّ السَّيْفِ وَأَبْطَأَ أَرْبَدُ عَلَى عَامِرٍ بِالضَّرْبِ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى أَرْبَدَ وَمَا يَصْنَعُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمَا فَلَمَّا خَرَجَ عَامِرٌ وَأَرْبَدُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْحَرَّةِ حَرَّةِ وَاقِمٍ نَزَلَا فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَا: اشْخَصَا يَا عَدُوَّيِ اللَّهِ لَعَنَكُمَا اللَّهُ فَقَالَ عَامِرٌ: مَنْ هَذَا يَا سَعْدُ؟ فَقَالَ: هَذَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ الْكَتَائِبِ قَالَ: فَخَرَجَا حَتَّى إِذَا كَانَا بِالرَّقْمِ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى أَرْبَدَ صَاعِقَةً فَقَتَلتْهُ وَخَرَجَ عَامِرٌ حَتَّى إِذَا كان بِالْخَرِيبِ أَرْسَلَ اللَّهُ -[208]- عَلَيْهِ قَرْحَةً فَأَخَذَهُ فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ فَجَعَلَ يَمَسُّ قَرْحَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَيَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ - يَرْغَبُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَيْتِهَا - ثُمَّ رَكِبَ فَرَسَهُ فَأَحْضَرَهُ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ رَاجِعًا "

158 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ لَأَطَأَنَّ رَقَبَتَهُ وَلَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ قَالَ: فَأَتَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ فَمَا عُلِمَ بِهِ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَرْجِعُ إِلَى خَلْفِهِ وَيَتَّقِي بِيَدِهِ فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَرَأَيْتُ مَلَائِكَةً ذَوِي أَجْنِحَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَمَا لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [العلق: 13] يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17] قَوْمَهُ {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18] : الْمَلَائِكَةَ "

دعاؤه صلى الله عليه وسلم على مشيخة قريش

§دُعَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ

159 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّارُ قَالَ: ثنا -[209]- الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا أَرَادُوا قَتْلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَوْمَ ائْتَمِرُوا بِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ فَقَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَجَعَلَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ جَذَبَهُ حَتَّى وَجَبَ لِرُكْبَتِهِ سَاقِطًا وَتَصَايَحَ النَّاسُ فَظَنُّوا أَنَّهُ مَقْتُولٌ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ يَشْتَدُّ حَتَّى أَخَذَ بِضَبْعَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَائِهِ وَيَقُولُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ مَرَّ بِهِمْ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِلَّا بِالذَّبْحِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتَ جَهُولًا قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَنْتَ مِنْهُمْ , - وَفِي رِوَايَةٍ - فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ قَالَ: فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ الطَّيْرُ وَاقِعٌ حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَضَاءَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حَتَّى أَنَّهُ ليَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ رَاشِدًا فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا "

160 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَحْطَبَةَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَةَ قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ قَالَ -[210]-: قَالَتِ ابْنَةُ ابْنِ الْحَكَمِ: قُلْتُ لِجَدِّيَ الْحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَعْجَزَ مِنْكُمْ وَلَا أَسْوَأَ رَأْيًا يَا بَنِي أُمَيَّةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَلُومِينَا يَا ابْنَةَ ابْنِي، لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، §فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَزَالُ نَسْمَعُ قُرَيْشًا تُعْلِي أَصْوَاتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ: تَوَاعَدُوا لَهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ قَالَ: فَتَوَاعَدْنَا فَجِئْنَا إِلَيْهِ لِنَأْخُذَهُ فَسَمِعْنَا صَوْتًا فَمَا ظَنَنَّا أَنَّهُ بَقِيَ جَبَلٌ بِتِهَامَةَ إِلَّا تَفَتَّتَ قَالَ: فَغُشِيَ عَلَيْنَا فَمَا عَقَلْنَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ تَوَاعَدْنَا لَهُ لَيْلَةً أُخْرَى فَلَمَّا جَاءَ نَهَضْنَا إِلَيْهِ فَجَاءَتِ الصَّفَا ذَلِكَ وَالْمَرْوَةُ الْتَقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَحَالَتَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَوَاللَّهِ مَا نَفَعَنَا ذَلِكَ حَتَّى رَزَقَنَا اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَذِنَ لَنَا فِيهِ "

ذكر خبر آخر فيما الله تعالى حج به أمر نبيه صلى الله عليه وسلم لما كلم أبا جهل أن يؤدي غريمه حقه لما تقاعد به

§ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ فِيمَا اللَّهُ تَعَالَى حَجَّ بِهِ أَمْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَلَّمَ أَبَا جَهْلٍ أَنْ يُؤَدِّيَ غَرِيمَهُ حَقَّهُ لَمَّا تَقَاعَدَ بِهِ

161 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَثَنًا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَرَاءُ قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ وَاعِيَةً قَالَ: " §قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إِرَاشٍ بِإِبِلٍ لَهُ مَكَّةَ فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ -[211]- هِشَامٍ فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَنْ رَجُلٌ يُؤَدِّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقِّي قَالَ: فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ: تَرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ - لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَهْزءونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْعَدَاوَةِ - اذْهَبْ إِلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّيكَ عَلَيْهِ فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقٍّ لِي قِبَلَهُ وَأَنَا غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ سَأَلْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدِّينِي عَلَيْهِ يَأْخُذُ لِي حَقِّي مِنْهُ فَأَشَارُوا لِي إِلَيْكَ فَخُذْ لِي حَقِّي مِنْهُ رَحِمَكَ اللَّهُ , قَالَ انْطَلِقْ إِلَيْهِ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمُ: اتْبَعْهُ انْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ. قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ فَاخْرُجْ إِلَيَّ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَمَا فِي وَجْهِهِ رَائِحَةٌ قَدِ انْتُقِعَ لَوْنُهُ فَقَالَ لَهُ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ قَالَ: نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الَّذِي لَهُ قَالَ: فَدَخَلَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِحَقِّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلْإِرَاشِيِّ: إِلْحَقْ بِشَأْنِكَ قَالَ: فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ: جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ - وَاللَّهِ - أَخَذَ لِيَ الَّذِي لِي قَالَ: وَجَاءَ الرَّجُلُ الَّذِي بَعَثُوا مَعَهُ فَقَالُوا: وَيْحَكَ مَاذَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ عَجَبًا مِنَ الْعَجَبِ , وَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا حَقَّهُ -[212]- قَالَ: نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَيْهِ حَقَّهُ قَالَ: فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ بِحَقِّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَهُمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ مَا لَكَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: وَيْحَكُمْ وَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ الْبَابَ وَسَمِعْتُ صَوْتَهُ فَمُلِئْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَإِنَّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنَ الْإِبِلِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ وَاللَّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي - وَفِي رِوَايَةٍ - فَقَالُوا لِأَبِي جَهْلٍ: فَرِقْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ كُلَّ هَذَا؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مَعَهُ رِجَالًا مَعَهُمْ حِرَابٌ تَلَأْلَأُ - قَالَ أَبُو قَزَعَةَ فِي حَدِيثِهِ -: حِرَابًا تَلْمَعُ وَلَوْ لَمْ أُعْطِهِ لَخِفْتُ أَنْ يَبْعَجَ بِهَا بَطْنِي

الفصل الرابع عشر في ذكر بدء الوحي وكيفية ترائي الملك وإلقائه الوحي إليه وتقريره عنده أنه يأتيه من عند الله وما كان من شق صدره صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي ذِكْرِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَكَيْفِيَّةِ تَرَائِي الْمَلَكِ وَإِلْقَائِهِ الْوَحْيَ إِلَيْهِ وَتَقْرِيرِهِ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ شَقِّ صَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

162 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، [عَنِ عُرْوَةَ] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيه - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدَهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ [الْحَقُّ] وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْرَأْ قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ -[214]- ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] حَتَّى بَلَغَ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ لَهُ: أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ: أَيِ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَآهُ فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَأُوذِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا - حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى -[215]- بِذِرْوَةِ جَبَلٍ كَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ قَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ"

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: " §فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجُئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ وَهِيَ الْأَوْثَانُ يَعْنِي: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْهُ "

163 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ثنا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا هُوَ وَخَدِيجَةُ بِحِرَاءٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَخَرَجَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَسَمِعَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ فَظَنَنْتُهَا فَجْأَةَ الْجِنِّ فَجِئْتُ مُسْرِعًا حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى خَدِيجَةَ فَسَجَّتْنِي ثَوْبًا وَقَالَتْ: مَا شَأْنُكَ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: سَمِعْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ فَظَنَنْتُهَا فَجْأَةَ الْجِنِّ فَقَالَتْ: أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّ السَّلَامَ خَيْرٌ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَرَّةً فَإِذَا بِجِبْرِيلَ عَلَى الشَّمْسِ جَنَاحٌ لَهُ بِالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ لَهُ -[216]- بِالْمَغْرِبِ قَالَ: فَهِلْتُ مِنْهُ فَجِئْتُ مُسْرِعًا فَإِذَا هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَابِ فَكَلَّمَنِي حَتَّى أَنِسْتُ بِهِ ثُمَّ وَعَدَنِي مَوْعِدًا فَجِئْتُ لَهُ فَأَبْطَأَ عَلَيَّ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَإِذَا أَنَا بِهِ وَمِيكَائِيلُ قَدْ سَدَّا الْأُفُقَ فَهَبَطَ جِبْرِيلُ وَبَقِيَ مِيكَائِيلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَأَخَذَنِي جِبْرِيلُ فَاسْتَلْقَانِي لِحَلَاوَةِ الْقَفَا ثُمَّ شَقَّ عَنْ قَلْبِي فَاسْتَخْرَجَهُ ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَكْفَأَنِي كَمَا يُكْفَأُ الْأَدِيمُ ثُمَّ خَتَمَ فِي ظَهْرِي حَتَّى وَجَدْتُ مَسَّ الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ وَلَمْ أَكُ قَرَأْتُ كِتَابًا قَطُّ فَلَمْ أَجِدْ مَا أَقْرَأُ ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْهَا، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدُ ثُمَّ وَزَنَنِي بِرَجُلٍ فَوَزَنْتُهُ ثُمَّ وَزَنَنِي بِآخَرَ فَوَزَنْتُهُ حَتَّى وَزَنَنِي بِمِائَةِ رَجُلٍ فَقَالَ مِيكَائِيلُ: تَبِعَتْهُ أُمَّتُهُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَجَعَلْتُ لَا يَلْقَانِي حَجَرٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى خَدِيجَةَ قَالَتِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ "

164 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفِهْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ -[217]- الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ الْعَمِّ أَتَسْتَطِيعُ إِذَا جَاءَكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ أَنْ تُخْبِرَنِيَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ قَالَتْ خَدِيجَةُ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ §هَذَا صَاحِبِي الَّذِي يَأْتِينِي قَدْ جَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَقُلْتُ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْتُ: تَحَوَّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى فَجَلَسَ فَقُلْتُ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ خَدِيجَةُ: فَتَحسَّرْتُ فَطَرَحْتُ خِمَارِي فَقُلْتُ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: لَا فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا شَيْطَانٌ قَالَتْ خَدِيجَةُ: فَقُلْتُ لِوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَرَقَةُ: [البحر الطويل] إِنْ يَكُ حَقًّا يَا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي ... حَدِيثُكِ إِيَّانَا فَأَحْمَدُ مُرْسَلُ يَفُوزُ بِهِ مَنْ فَازَ فِيهَا بِتَوْبَةٍ ... وَيَشْقَى بِهِ الْعَانِيَ الْغَوِيُّ الْمُضَلَّلُ فَرِيقَانِ مِنْهَا فِرْقَةٌ فِي جِنَانِهِ ... وَأُخْرَى بِأَجْوَازِ الْجَحِيمِ تُغَلَّلُ إِذَا مَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ فِيهَا تَتَابَعَتْ ... مَقَامِعُ فِي هَامَاتِهِمْ ثُمَّ مِزْعَلُ فَسُبْحَانَ مَنْ تَهْوِي الرِّيَاحُ بِأَمْرِهِ ... وَمَنْ هُوَ فِي الْأَيَّامِ مَا شَاءَ يَفْعَلُ وَمَنْ عَرْشُهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا ... وَأَحْكَامُهُ فِي خَلْقِهِ لَا تُبَدَّلُ وَقَالَ أَيْضًا وَرَقَةُ -[218]-: [البحر البسيط] يَا لِلرِّجَالِ لِصَرْفِ الدَّهْرِ وَالْقَدَرِ ... وَمَا لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللَّهُ مِنْ غِيَرِ حَتَّى خَدِيجَةَ تَدْعُونِي لِأُخْبِرُهَا ... وَمَا لَنَا بِخَفِيِّ الْغَيْبِ مِنْ خَبَرِ فَكَانَ مَا سَأَلَتْ عَنْهُ لِأُخْبِرَهَا ... أَمْرًا رَآهُ سَيَأْتِي النَّاسَ عَنْ خَبَرِ فَخَبَّرَتْنِي بِأَمْرٍ قَدْ سَمِعْتُ بِهَ ... فِيمَا مَضَى مِنْ قَدِيمِ النَّاسِ وَالْعَصْرِ بِأَنَّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ ... جِبْرِيلُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْبَشَرِ فَقُلْتُ إِنَّ الَّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ ... لَكِ الْإِلَهُ فَرَجِّي الْخَيْرَ وَانْتَظِرِي وَأَرْسِلِيهِ إِلَيْنَا كَيْ نُسَايِلَهُ ... عَنْ أَمْرِهِ مَا يَرَى فِي النَّوْمِ وَالسَّهَرِ فَقَالَ خَيْرٌ أَتَانَا مَنْطِقًا عَجَبًا ... يَقِفُ مِنْهُ أَعَالِي الْجِلْدِ وَالشَّعْرِ إِنِّي رَأَيْتُ أَمِينَ اللَّهِ وَاجَهَنِي ... فِي صُورَةٍ أُكْمِلَتْ فِي أَهْيَبِ الصُّوَرِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَكَانَ الْخَوْفُ يُذْعِرُنِي ... مِمَّا يُسَلِّمُ مَنْ حَوْلِي مِنَ الشَّجَرِ فَقُلْتُ ظَنِّي وَمَا أَدْرِي سَيَصْدُقُنِي ... أنْ سَوْفَ تُبْعَثُ يَتْلُو مُنْزَلَ السُّوَرِ وَسَوْفَ أُولِيكَ إِنْ أَعْلَنْتَ دَعْوَتَهُمْ ... مِنِّي الْجِهَادَ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرِ"

165 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا فُلَيْحُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْإِمَامِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا مَعَ خَدِيجَةَ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ إِذْ رَأَى شَخْصًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَزُولُ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: ادْنُ مِنِّي فَدَنَا -[219]- مِنْهَا فَقَالَتْ لَهُ: أَتَرَاهُ؟ فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §نَعَمْ , قَالَتْ خَدِيجَةُ: أَدْخِلْ رَأْسَكَ تَحْتَ دِرْعِي فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ لَهُ: أَتَرَاهُ؟ فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا قَدْ أَعْرَضَ عَنِّي قَالَتْ خَدِيجَةُ: أَبْشِرْ فَإِنَّهُ مَلَكٌ كَرِيمٌ لَوْ كَانَ شَيْطَانًا مَا اسْتَحْيَى فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ إِذْ رَأَى شَخْصًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِجِيَادٍ الْأَصْغَرِ إِذْ بَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَلَّمَ فَبَسَطَ بِسَاطًا كَرِيمًا مُكَلَّلًا بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ثُمَّ بَحَثَ فِي الْأَرْضِ فَنَبَعَ الْمَاءُ فَعَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ فَتَوَضَّأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَبَشَّرَهُ بِنُبُوَّتِهِ وَنَزَلَ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكِ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ثُمَّ انْصَرَفَ مُنْقَلِبًا فَلَمْ يَمُرَّ عَلَى حَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا وَهُوَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَاءَ إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «يَا خَدِيجَةُ، أَشَعَرْتِ بِأَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ قَدْ بَدَا لِي بِسَاطًا كَرِيمًا، وَبَحَثَ لِي فِي الْأَرْضِ فَنَبَعَ الْمَاءُ فَعَلَّمَنِي الْوُضُوءَ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَرِنِي كَيْفَ أَرَاكَ فَأَرَاهَا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّتْ مَعَهُ وَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ "

166 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا نَضْرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبُخَارِيُّ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدَّيْنُورِيُّ قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ حَرِيصًا أَنْ -[220]- يَسْأَلَهُ عَنِ الَّذِي لَا يَسْأَلُهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَوَّلُ مَا ابْتُدِئْتَ بِهِ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ؟ فَقَالَ: " §إِذْ سَأَلْتَنِي إِنِّي لَفِي صَحْرَاءَ أَمْشِي ابْنَ عَشْرِ حِجَجٍ إِذَا أَنَا بِرَجُلَيْنِ فَوْقَ رَأْسِي يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَانِي فَلَصَقَانِي بِحَلَاوَةِ الْقَفَا ثُمَّ شَقًّا بَطْنِي فَكَانَ جِبْرِيلُ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ مِيكَائِيلُ يَغْسِلُ جَوْفِي فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: افْلِقْ صَدْرَهُ فَإِذَا صَدْرِي فِيمَا أَرَى مَفْلُوقًا لَا أَجِدُ لَهُ وَجَعًا ثُمَّ قَالَ: اشْقُقْ قَلْبَهُ فَشَقَّ قَلْبِي فَقَالَ: أَخْرِجِ الْغِلَّ وَالْحَسَدَ مِنْهُ فَأَخْرَجَ شِبْهَ الْعَلَقَةِ فَنَبَذَهُ ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلِ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ فِي قَلْبِهِ فَأَدْخَلَ شَيْئًا كَهَيْئَةِ الْفِضَّةِ ثُمَّ أَخْرَجَ ذَرُورًا كَانَ مَعَهُ فَذَرَّ عَلَيْهِ ثُمَّ نَقَرَ إِبْهَامِي ثُمَّ قَالَ: اغْدُ فَرَجَعْتُ بِمَا لَمِ أَغْدُ بِهِ مِنْ رَحْمَتِي عَلَى الصَّغِيرِ وَرِقَّتِي عَلَى الْكَبِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَتَفَرَّدَ بِذِكْرِ السِّنِّ الَّذِي شُقَّ فِيهِ عَنْ قَلْبِهِ وَالَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ

167 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ عَلِمْتَ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ وَبِمَ عَلِمْتَ حَتَّى اسْتَيْقَنْتَ؟ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ §أَتَيَانِي وَأَنَا بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ فَوَقَعَ أَحَدُهُمَا بِالْأَرْضِ وَكَانَ الْآخَرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ هُوَ نَعَمْ قَالَ: فَزِنْهُ بِرَجُلٍ , فَوَزَنَنِي بِرَجُلٍ فَرَجَحْتُهُ قَالَ: فَزِنْهُ بِعَشَرَةٍ , فَوَزَنَنِي بِعَشَرَةٍ فَرَجَحْتُهُمْ ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ , فَوَزَنَنِي بِمِائَةٍ فَرَجَحْتُهُمْ ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ , فَوَزَنَنِي بِأَلْفٍ فَرَجَحْتُهُمْ ثُمَّ جَعَلُوا يَتَسَاقَطُونَ عَلَيَّ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: شُقَّ بَطْنَهُ فَشَقَّ بَطْنِي فَأَخْرَجَ قَلْبِي فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَغْمَزَ الشَّيْطَانِ وَعِلَقَ الدَّمِ فَطَرَحَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اغْسِلْ بَطْنَهُ غَسْلَ الْإِنَاءِ وَاغْسِلْ قَلْبَهُ غَسْلَ الْمُلَاءِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: خِطْ بَطْنَهْ فَخَاطَ بَطْنِي وَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيَّ كَمَا هُوَ الْآنَ وَوَلَّيَا عَنِّي فكَأَنِّي أُعَايِنُ مُعَايَنَةً "

168 - وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا هَدَبَةُ وَشَيْبَانُ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ §فَشَقَّ بَطْنَهُ فَاسْتَخْرَجَهُ ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مِنْ قَلْبِهِ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَقَالَ: هَذَا -[222]- حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ثُمَّ غَسَلَ الْقَلْبَ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ لَأَمَهُ قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَثَرَ الْمَخِيطِ فِي صَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ قَالَا: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ فَرْقَدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ يَعْنِي جِبْرِيلَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§يَأْتِينِي مِنَ السَّمَاءِ جَنَاحَاهُ لُؤْلُؤٌ وَبَاطِنُ قَدَمَيْهِ أَخْضَرُ»

170 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «§لَمَّا صَعِدَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فَخَرَّ جِبْرِيلُ سَاجِدًا حَتَّى قَضَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ مَا قَضَى ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَأَيْتُهُ فِي خِلْقَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مَنْظُومٌ أَجْنِحَتُهُ بِالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ فَخُيِّلَ لِي أَنَّ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ وَكُنْتُ لَا أَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَكْثَرُ مَا كُنْتُ أَرَاهُ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَكُنْتُ أَحْيَانًا لَا أَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا كَمَا يَرَى الرَّجُلُ صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ الْغُرْبَالِ»

وأما كيفية إلقاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد سأل عنها الحارث بن هشام رضي الله عنه

§وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ سَأَلَ عَنْهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَدْرٍ قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي وَأَعِي مَا يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا "

172 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدٍ الْقَارِي قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ نَسْمَعُ عِنْدَهُ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ "

173 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ -[224]- الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ §إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كَرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ "

174 - وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: كَانَ §إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَقُلَ لِذَلِكَ وَتَحَدَّرَ جَبِينُهُ عَرَقًا كَأَنَّهُ الْجُمَانُ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَرْدِ "

175 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: " §كُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اكْتُبْ: «لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الْجِهَادَ ولَكِنَّ بِي مِنَ الزَّمَانَةِ مَا تَرَى وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرِي قَالَ زَيْدٌ: فَثَقُلَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي حَتَّى خَشِيتُ أَنْ تَرُضَّهَا ثُمَّ قَالَ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] "

176 - وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى ابْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ قَالَ هَمَّامٌ أَوْ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وَأُنْزِلَ الْوَحْيُ فَسَتَرَ بِثَوْبٍ قَالَ: وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ لِي عُمَرُ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ؟ قَالَ: فَرَفَعْتُ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَلَهُ غَطِيطٌ قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسَبُهُ أَيْضًا قَالَ: كَغَطِيطِ الْبِكْرِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ اخْلَعِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ أَوِ الصُّفْرَةِ - شَكَّ هَمَّامٌ - §وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَجِّكَ "

ذكر حراسة السماء من استراق السمع لثبوت بعثته وعلو دعوته صلى الله عليه وسلم

§ذِكْرُ حِرَاسِةِ السَّمَاءِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ لِثُبُوتِ بَعْثَتِهِ وَعُلُوِّ دَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

177 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ §أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبِيلَةٌ مِنَ الْجِنِّ إِلَّا وَلَهُمْ مَقَاعِدُ لِلسَّمْعِ فَإِذَا أُنْزِلَ الْوَحْيُ -[226]- سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَوْتًا كَصَوْتِ الْحَدِيدَةِ أَلْقَيْتَهَا عَلَى الصَّفَا قَالَ: فَإِذَا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ خَرُّوا سُجَّدًا فَلَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ حَتَّى يَنْزِلَ فَإِذَا نَزَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَإِنْ كَانَ مَا يَكُونُ فِي الْسَّمَاءِ قَالُوا: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَمْرِ الْغَيْبِ أَوْ مَوْتٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ تَكَلَّمُوا بِهِ فَقَالُوا: يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَيَسْمَعُونَهُ الشَّيَاطِينُ فَيُنْزِلُونَهُ عَلَى أَوْلِيَائِهِمْ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُحِرُوا بِالنُّجُومِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَلِمَ بِهَا ثَقِيفٌ فَكَانَ ذُو الْغَنَمِ مِنْهُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى غَنَمِهِ فَيَذْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً وَذُو الْإِبِلِ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ بَعِيرًا فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِي أَمْوَالِهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنْ كَانَ النُّجُومُ الَّتِي تَهْتَدُونَ بِهَا وَإِلَّا فَإِنَّهُ أَمْرٌ حَدَثَ فَنَظَرُوا فَإِذَا النُّجُومُ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا كَمَا هِيَ لَمْ يَزَلْ مِنْهَا شَيْءٌ وَصَرَفَ اللَّهُ الْجِنَّ فَسَمِعُوا الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوا قَالُوا: أَنْصِتُوا فَانْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى إِبْلِيسَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: هَذَا حَدَثٌ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ فَائْتُونِي مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بِتُرْبَةٍ فَأَتَوْهُ بِتُرْبَةِ تِهَامَةَ قَالَ هَا هُنَا الْحَدَثُ "

178 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَكِيمٍ يَعْنِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " §لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ كُلُّ صَنَمٍ مُنَكَّسًا فَأَتَتِ الشَّيَاطِينُ إِبْلِيسَ فَقَالَتْ لَهُ: مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَنَمٍ إِلَّا وَقَدْ أَصْبَحَ مُنَكَّسًا قَالَ: هَذَا نَبِيٌّ قَدْ بُعِثَ فَالْتَمِسُوهُ فِي قُرَى الْأَرْيَافِ فَالْتَمَسُوهُ فَقَالُوا: لَمْ نَجِدْهُ -[227]- قَالَ: أَنَا صَاحِبُهُ فَخَرَجَ يَلْتَمِسُهُ فَنُودِيَ: عَلَيْكَ بِحَبَّةِ الْقَلْبِ - يَعْنِي مَكَّةَ - فَالْتَمَسَهُ بِهَا فَوَجَدَهُ عِنْدَ قَرْنِ الثَّعَالِبِ فَخَرَجَ إِلَى الشَّيَاطِينِ فَقَالَ: قَدْ وَجَدْتُهُ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: نُزَيِّنُ الشَّهَوَاتِ فِي أَعْيُنِ أَصْحَابِهِ وَنُحَبِّبُهَا إِلَيْهِمْ قَالَ: فَلَا شَيْءَ إِذًا "

179 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " §لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تَنَبَّأَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعَتِ الشَّيَاطِينُ السَّمَاءَ وَرُمِيَتُ بِالشُّهُبِ فَجَاءُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ: أَمْرٌ قَدْ حَدَثَ هَذَا نَبِيٌّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: فَذَهَبُوا إِلَى الشَّامِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ فَقَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا صَاحِبُهُ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ بِمَكَّةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَاءٍ مُنْحَدِرًا مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: قَدْ بُعِثَ أَحْمَدُ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: الدُّنْيَا نُحَبِّبُهَا إِلَى النَّاسِ قَالَ: فَذَلِكَ إِذًا "

180 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " §كَانَتِ الشَّيَاطِينُ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَرَقَى فَوْقَ أَبِي قُبَيْسٍ وَهُوَ أَوَّلُ جَبَلٍ وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[228]- يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ: أَذْهَبُ فأَكْسِرُ عُنُقَهُ قَالَ: فَجَاءَ يَخْطِرُ وَجِبْرِيلُ عِنْدَهُ فَرَكَضَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَكْضَةً طَرَحَهُ فِي كَذَا وَكَذَا فَوَلَّى الشَّيْطَانُ هَارِبًا "

181 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §إِنَّ إِبْلِيسَ مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَسِيرَةُ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ عَرْشَهُ لَعَلَى الْبَحْرِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلنَّاسِ لَعُبِدَ، قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجْمَعُ بِكَيْدِهِ فَانْقَضَّ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَفَعَهُ بِمَنْكَبِهِ فَأَلْقَاهُ بِوَادِي الْأُرْدُنِّ "

الفصل الخامس عشر ذكر أخذ القرآن ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول الملاقاة إن الله عز وجل جلت عظمته أيد محمدا صلى الله عليه وسلم بما لم يؤيد به أحدا من العالمين وخصه من خصائصه بما يفوق حد كرامات الأنبياء

§الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ ذِكْرُ أَخْذِ الْقُرْآنِ وَرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُلُوبِ حَتَّى دَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَيَّدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَمْ يُؤَيِّدْ بِهِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وَخَصَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ بِمَا يَفُوقُ حَدَّ كَرَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَتْ عَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ عَلَى حَسَبِ مَنْزِلَتِهِ وَمَحَلِّهِ عِنْدَ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ آيَةٍ وَلَا عَلَامَةٍ أَبْدَعَ وَلَا أَرْوَعَ مِنْ آيَاتِ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُبِينُ وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَالْكِتَابُ الْعَزِيزُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِي أَوَانٍ وَزَمَانٍ فِيهِ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى وَالْأَفْهَامِ وَالْأَلْسُنِ الْحِدَادِ وَالْقَرَائِحِ الْجِيَادِ وَالْعُقُولِ السِّدَادِ أُولُو الْحُنْكِ وَالتَّجَارِيبِ وَالدَّهَاءِ وَالْمَكْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ قَدَّرُوا أَنَّ فِيَ وُسْعِهِمْ مُعَارَضَتَهُ فَقَالُوا: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 31] فَتَحَدَّاهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ يَقْرَعُ بِهِ أَسْمَاعَهُمْ مَعَ مَا لَهُمْ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَاللِّسَانِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ يَخْتَرِعُونَهَا بِأَهْوَنِ سَعْيٍ وَأَدْنَى

كُلْفَةٍ وَأَنَّى لَهُمْ ذَلِكَ وَاللَّهُ يَقُولُ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] مَعَ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَ عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 14] وَقَالَ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21]

182 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا فَقَالُوا: انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَالشِّعْرِ فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا وَعَابَ دِينَنَا فَلْيُكَلِّمْهُ فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ فَأَتَاهُ عُتْبَةُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، [ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ هَاشِمٌ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكَ فَقَدْ عَبَدُوا الْآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَهَا وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَتَكَلَّمْ حَتَّى نَسْمَعَ قَوْلَكَ مَا رَأَيْنَا سَخْلَةً قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْكَ فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا وَفَضَحْتَنَا فِي الْعَرَبِ حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِيَ قُرَيْشٍ سَاحِرًا وَأَنَّ فِي قُرَيْشٍ كَاهِنًا وَاللَّهِ مَا نَنْتَظِرُ إِلَّا مِثْلَ صَيْحَةِ -[231]- الْحُبْلَى أَنْ يَقُومَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ حَتَّى نَتَفَانَى أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْبَاءَةُ فَاخْتَرْ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَلْنُزَوِّجْكَ عَشْرًا وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ جَمَعْنَا لَكَ حَتَّى تَكُونَ أَغْنَى قُرَيْشٍ رَجُلًا وَاحِدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §فَرَغْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} [فصلت: 2] حَتَّى قَرَأَ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: حَسْبُكَ مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لَا. فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّكُمْ تُكَلِّمُونَهُ إِلَّا وَقَدْ كَلَّمْتُهُ قَالُوا: فَهَلْ أَجَابَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لَا وَالَّذِي نَصَبَهَا بِنْيَةً، مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] قَالُوا: وَيْلَكَ يُكَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا تَدْرِي مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ"

183 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُحْيِي الْمَرْوَزِيُّ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ §اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ وَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدُمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَيَرُدُّ قَوْلُكُمْ بَعْضَهُ بَعْضًا قَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ فَقُلْ وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُلْ بِهِ فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا وَأَسْمَعُ قَالُوا: نَقُولُ إِنَّهُ كَاهِنٌ قَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَلَا سَجْعِهِ قَالُوا: فَنَقُولُ: إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ قَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ قَالُوا: فَنَقُولُ إِنَّهُ شَاعِرٌ , قَالَ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ لَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ كُلَّهُ رَجَزَهَ وَهَزَجَهُ وَقَرِيضَهُ وَمَقْبُوضَهُ وَمَبْسُوطَهُ فَمَا هُوَ بِالشَّاعِرِ قَالُوا: فَنَقُولُ سَاحِرٌ قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرٍ لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِمْ وَلَا عَقْدِهِمْ قَالُوا: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنَاةٌ وَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لَأَنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ -[233]- رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

184 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، عَنْ أبيه عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " §أَقْبَلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَجَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا عَجَبًا لِمَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا سِحْرٍ وَلَا بِهُذَاءِ مِثْلِ الْجُنُونِ وَإِنَّ قَوْلَهُ لَمِنْ كَلَامِ اللَّهِ فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ قُرَيْشٍ ائْتَمِرُوا وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ صَبَأَ الْوَلِيدُ لَتَصْبُوَنَّ قُرَيْشٌ فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ: وَاللَّهِ أَنَا أَكْفِيكُمْ شَأْنَهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ لِلْوَلِيدِ أَلَمْ تَرَ قَوْمَكَ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الصَّدَقَةَ قَالَ: أَلَسْتُ أَكْثَرَهُمْ مَالًا وَوَلَدًا؟ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ إِنِّمَا تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَتُصِيبُ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ الْوَلِيدُ: قَدْ تَحَدَّثَتْ بِهِ عَشِيرَتِي فَلَا أَقْرَبُ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ "

185 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ثنا أَبُو رَاشِدٍ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَاسْمُهُ الْمُثَنَّى بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ لَهُمْ: دَعُونِي حَتَّى أَقُومَ إِلَيْهِ أُكَلِّمَهُ فِإِنِّي -[234]- عَسَى أَنْ أَكُونَ أَرْفَقَ بِهِ مِنْكُمْ فَقَامَ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَرَاكَ أَوْسَطَنَا بَيْتًا وَأَفْضَلَنَا مَكَانًا وَقَدْ أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ مَا لَمْ يُدْخِلْ رَجُلٌ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَهُ فِإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالًا فَذَلِكَ لكَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ يُجْمَعَ لَكَ حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا وَإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ شَرَفًا فَنَحْنُ نُشَرِّفُكَ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ أَشْرَفَ مِنْكَ وَلَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ وَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ مُلِمٍّ يُصِيبُكَ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى النُّزُوعِ مِنْهُ بَذَلْنَا لَكَ خَزَائِنَنَا حَتَّى نُعْذَرَ فِي طَلَبِ الطِّبِّ لِذَلِكَ مِنْكَ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حم السَّجْدَةَ حَتَّى مَرَّ بِالسَّجْدَةِ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُتْبَةُ مُلْقٍ يَدَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ مَا يَدْرِي مَا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى نَادِي قَوْمِهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ مُقْبِلًا قَالُوا: لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ بِوَجْهٍ غَيْرِ مَا قَامَ مِنْ عِنْدِكُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَلَّمْتُهُ بِالَّذِي أَمَرْتُمُونِي بِهِ حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ كَلَّمَنِي بِكَلَامٍ لَا وَاللَّهِ مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ مِثْلَهُ قَطُّ وَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ لَهُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَأَطِيعُونِي الْيَوْمَ وَأعْصُونِي فِيمَا بَعْده وَاتْرُكُوا الرَّجُلَ وَاعْتَزِلُوهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِتَارِكٍ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ فَإِنْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ يَكُنْ شَرَفُهُ شَرَفَكُمْ وَعِزُّهُ عِزَّكُمْ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْهِ تَكُونُوا قَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ قَالُوا: صَبَأْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ "

186 - حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ -[235]-: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ الشِّعْرَ رَجَزَهُ وَقَرِيضَهُ وَمُخَمَّسَهُ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يَعْنِي الْقُرْآنَ مَا هُوَ بِشِعْرٍ §إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّ لَهُ لَنُورًا وَإِنَّ لَهُ لَفَرْعًا وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى "

187 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ قَالَ: قَالَ ضِمَادٌ: قَدِمْتُ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فَجَلَسْتُ مَجْلِسًا فِيهِ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا وَأَضَلَّ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَعَابَ آلِهَتَنَا فَقَالَ أُمَيَّةُ: الرَّجُلُ مَجْنُونٌ غَيْرَ شَكٍّ قَالَ ضِمَادٌ: فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِي كَلِمَتُهُ وَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ أُعَالِجُ مِنَ الرِّيحِ فَقُمْتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُصَادِفْهُ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى كَانَ الْغَدُ فَجِئْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا خَلْفَ الْمَقَامِ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَا تَشَاءُ؟ فَقلتُ: إِنِّي أُعَالِجُ مِنَ الرِّيحِ فَإِنْ أَحْبَبْتَ عَالَجْتُكَ وَلَا تُكَبِّرَنَّ مَا بِكَ فَقَدْ عَالَجْتُ مَنْ كَانَ بِهِ أَشَدُّ مِمَّا بِكَ فَبَرَأَ وَسَمِعْتُ قَوْمَكَ يَذْكُرُونَ فِيكَ خِصَالًا سَيِّئَةً مِنْ تَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِهِمْ وَتَضْلِيلِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُؤْمِنُ بِهِ -[236]- وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ ضِمَادٌ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا لَمْ أَسْمَعْ كَلَامًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ فَاسْتَعَدْتُهُ الْكَلَامَ فَأَعَادَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: إِلَام تَدْعُو؟ قَالَ: إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَخْلَعَ الْأَوْثَانَ مِنْ رَقَبَتِكَ وَتَشْهَدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقُلْتُ: فَمَاذَا لِي إِنْ فَعَلْتُ؟ قَالَ: لَكَ الْجَنَّةُ فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَخْلَعُ الْأَوْثَانَ مِنْ رَقَبَتِي وَأَبْرَأُ مِنْهَا وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَأَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَلِمْتُ سُوَرًا كَثِيرَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيُّ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي سَرِيَّةٍ وَأَصَابُوا عِشْرِينَ بَعِيرًا بِمَوْضِعٍ وَاسْتَاقُوهَا وَبَلَغَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُمْ قَوْمُ ضِمَادٍ فَقَالَ: رُدُّوهَا إِلَيْهِمْ فَرُدَّتْ "

188 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يُحْيِي قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُكَلِّمَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ قَالَ: " §فَوَافَقْتُهُ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ عِشَاءِ الْمَغْرِبِ قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 8] قَالَ: فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي "

189 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ جَاءَ فِي فِدَاءِ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ: " §فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءَتِهِ كَالْكَرْبِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُ مِنَ أَمْرِ الْإِسْلَامِ "

190 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ: ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو أَيُّوبَ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمُقْرِي قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَفَدَ مُلُوكُ حَضْرَمَوْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو وَلِيعَةَ جَمَدُ وَمِخْوَسٌ وَمِشْرَحٌ وَإِبْضَعَةُ وَأُخْتُهُمُ الْعَمْرَدَةُ وَفِيهِمُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ فَقَالُوا: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَسْتُ مَلِكًا، إِنَّمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» قَالُوا: لَا نُسَمِّيكَ بِاسْمِكَ، قَالَ: «لَكِنَّ اللَّهَ سَمَّانِي، وَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ» َقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّا قَدْ خَبَأْنَا لَكَ خَبَأً فَمَا هُوَ؟ وَكَانُوا خَبَأُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَ جَرَادَةٍ فِي حُمَيْتِ سَمْنٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْكُهَّانُ، وَالْكَهَانَةُ وَالتَّكَهُّنُ فِي النَّارِ» قَالُوا: كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَقَالَ: «هَذَا يَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَسَبَّحَ الْحَصَى فِي يَدِهِ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ كِتَابًا لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا -[238]- مِنْ خَلْفِهِ، أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ مِنَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، وَفِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ فِي مِثْلِ نُورِ الشِّهَابِ» قَالُوا: فَأَسْمِعْنَا مِنْهُ، فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا حَتَّى بَلَغَ {وَرَبِّ الْمَشَارِقِ} [الصافات: 5] ثُمَّ سَكَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَنَ رُوحُهُ فَمَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالُوا: إِنَّا نَرَاكَ تَبْكِي أَفَمِنْ مَخَافَةِ مَنْ أَرْسَلَكَ تَبْكِي؟ قَالَ: " §إِنَّ خَشْيَتِي مِنْهُ أَبْكَتْنِي بَعَثَنِي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي مِثْلِ حَدِّ السَّيْفِ إِنْ زُغْتُ مِنْهُ هَلَكْتُ ثُمَّ تَلَا: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] إِلَى آخِرِهَا "

191 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ يَبْذُلُ لَهُمُ النَّصِيحَةَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاةِ مِمَّا هُمْ فِيهِ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ يُحَذِّرُونَهُ النَّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَرَبِ وَكَانَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرَةَ الدَّوْسِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ §قَدِمَ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَمَشَى إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ الطُّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا فَقَالُوا لَهُ: يَا طُفَيْلُ إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا فَهَذَا الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسَّحَرَةِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ -[239]- وَزَوْجَتِهِ وَإِنَّمَا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا فَلَا تُكَلِّمْهُ وَلَا تَسْمَعْ مِنْهُ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ عَلَى أَلَّا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَشَوْتُ أُذُنِي حِينَ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ قَوْلِهِ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ قَالَ: فَقُمْتُ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ: قَالَ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاثُكْلَ أُمِّي إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ قَوْمَكَ قَالُوا لِي: كَذَا وَكَذَا - الَّذِي قَالُوا لِي - فَوَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوِّفُونِي أَمْرَكَ حَتَّى شَدَدْتُ أُذُنَيَّ بُكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِيَهُ فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ فَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي وَأَنَا رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ وَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ قَالَ: فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ قَالَ: فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينَهُمْ -[240]- قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ وَأَنَا هَابِطٌ إِلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَانِي أَبِي وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَالَ: فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ فَلَسْتَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْكَ قَالَ: وَلِمَ أَيْ بُنَيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبِي: دِينِي دِينُكَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ قَالَ: ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتِ مِنِّي قَالَتْ: لِمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الْإِسْلَامُ أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمَتْ وَدَعَوْتُ دَوْسًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبْطَأُوا عَلَيَّ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي دَوْسٌ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ قَالَ: فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَضَى بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ "

ومما يدخل في الباب من أخذ القرآن بالقلوب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

§وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي الْبَابِ مَنْ أَخَذَ الْقُرْآنَ بِالْقُلُوبِ -[241]- إِسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

192 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: " §أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ الْمَخْزُومِيُّ قُلْتُ لَهُ: أَرَغِبْتَ عَنْ دِينِ آبَائِكَ وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ حَقًّا مِنِّي عَلَيْكَ قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَأُخْتُكَ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا وَسَمِعْتُ هَمْهَمَةً قَالَ: فَفُتِحَ لِيَ الْبَابُ فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا فَمَا زَالَ الْكَلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حَتَّى أَخَذْتُ رَأْسَ خَتَنِي فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً فَأَدْمَيْتُهُ فَقَامَتْ أُخْتِي فَأَخَذَتْ بِرَأْسِي فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ -[242]- عَلَى رَغِمَ أَنْفِكَ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ حِينَ رَأَيْتُ الدِّمَاءَ فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: أَرُونِي هَذَا الْكِتَابَ فَقَالَتْ أُخْتِي: إِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقُمْ فَاغْتَسِلْ قَالَ: فَقُمْتُ فَاغْتَسَلْتُ وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ فَأَخْرَجُوا إِلَيَّ الصَّحِيفَةَ فِيهَا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، قُلْتُ: أَمَّا ظَاهِرُهُ طَيِّبٌ: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8] قَالَ: فَتَعَظَّمَتْ فِي صَدْرِي وَقُلْتُ: مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشٌ؟ ثُمَّ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، قَالَ: فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا تَجْبَهَهُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: فَإِنَّهُ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي أَرْقَمْ فِي دَارٍ عِنْدَ الصَّفَا فَأَتَيْتُ الدَّارَ وَحَمْزَةُ فِي أَصْحَابِهِ جُلُوسٌ فِي الدَّارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ فَضَرَبْتُ الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ فَإِنْ قَبِلَ قَبِلْنَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْبَرَ قَتَلْنَاهُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكُمْ» قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمَّ نَتَرَهُ نَتْرَةً فَمَا تَمَالَكَ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ: مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مِتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ قَالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا وَأَنَا فِي الْآخَرِ لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ -[243]- فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلُهَا فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَارُوقَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ "

193 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي خُرُوجِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ قَالَ: فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي آثَارِهِمْ عُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السَّهْمِيَّ وَأَمَرُوهُمَا أَنْ يُسْرِعَا السَّيْرَ حَتَّى يَسْبِقَاهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَفَعَلَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَقَالَا لَهُ: " §إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَأَفْسَدَ فِينَا تَنَاوَلَكَ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ دِينَكَ وَمُلْكَكَ وَأَهْلَ سُلْطَانِكَ وَنَحْنُ لَكَ نَاصِحُونَ وَأَنْتَ لَنَا عَيْبَةُ صِدْقٍ تَأْتِي إِلَى عَشِيرَتِنَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَأْمَنُ تَاجِرُنَا عِنْدَكَ فَبَعَثَنَا قَوْمُنَا إِلَيْكَ لِنُنْذِرَكَ فَسَادَ مُلْكِكَ وَهَؤُلَاءِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِينَا وَنُخْبِرُكَ بِمَا نَعْرِفُ مِنْ خِلَافِهِمُ الْحَقَّ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَحْسِبُهُ قَالَ: إِلَهًا وَلَا يَسْجُدُونَ لَكَ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا فَلَنَكْفِيَكَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ وَعَمْرٌو وَعُمَارَةُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ وَجَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ قَدْ سَبَقَا وَدَخَلَا صَاحَ جَعْفَرٌ عَلَى الْبَابِ يَسْتَأْذِنُ حِزْبَ اللَّهِ فَسَمِعَهَا النَّجَاشِيُّ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَعَمْرُو وَعُمَارَةُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ قَالَ: أَيُّكُمْ صَاحَ عِنْدَ الْبَابِ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا هُوَ فَأَمَرَهُ فَعَادَ لَهَا فَلَمَّا دَخَلُوا سَلَّمُوا تَسْلِيمَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَلَمْ نُبَيِّنْ لَكَ خَبَرَ الْقَوْمِ فَلَمَّا سَمِعَ النَّجَاشِيُّ ذَلِكَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي أَيُّهَا الرَّهْطُ مَا جَاءَ بِكُمْ وَمَا -[244]- شَأْنُكُمْ وَلِمَ أَتَيْتُمُونِي وَلَسْتُمْ بِتُجَّارٍ وَلَا سُؤَّالٍ وَمَا نَبِيُّكُمْ هَذَا الَّذِي خَرَجَ وَأَخْبِرُونِي مَا لَكُمْ لِمَ لَا تُحَيُّونِي كَمَا يُحَيِّينِي مَنْ أَتَانِي مِنْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ وَأَخْبِرُونِي مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَامَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ خَطِيبَ الْقَوْمِ فَقَالَ: إِنَّمَا كَلَامِي ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ إِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقْنِي وَإِنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبْنِي فَأْمُرْ أَحَدًا مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيُنْصِتِ الْآخَرُ قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَتَكَلَّمُ قَالَ النَّجَاشِيُّ: أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَتَكَلَّمْ قَبْلَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّمَا كَلَامِي ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ سَلْ هَذَا الرَّجُلَ أَعَبِيدٌ نَحْنُ أَبَقْنَا مِنْ أَرْبَابِنَا فَارْدُدْنَا إِلَى أَرْبَابِنَا فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَعَبِيدٌ هُمْ يَا عَمْرُو؟ قَالَ عَمْرٌو: بَلْ أَحْرَارٌ كِرَامٌ قَالَ جَعْفَرٌ: سَلْ هَذَا الرَّجُلَ: هَلْ أَهْرَقْنَا دَمًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَادْفَعْنَا إِلَى أَهْلِ الدَّمِ فَقَالَ: هَلْ أَهْرَقُوا دَمًا بِغَيْرِ حَقِّهِ؟ فَقَالَ: وَلَا قَطْرَةً وَاحِدَةً مِنْ دَمٍ ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: سَلْ هَذَا الرَّجُلَ: أَخَذْنَا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فَعِنْدَنَا قَضَاءٌ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: يَا عَمْرُو إِنْ كَانَ عَلَى هَؤُلَاءِ قِنْطَارٌ مِنْ ذَهَبٍ فَهُوَ عَلَيَّ فَقَالَ عَمْرٌو: وَلَا قِيرَاطٌ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا تُطَالِبُونَهُمْ بِهِ؟ -[245]- قَالَ عَمْرٌو: فَكُنَّا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَأَمْرٍ وَاحِدٍ فَتَرَكُوهُ وَلَزِمْنَاهُ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ فَتَرَكْتُمُوهُ وَتَبِعْتُمْ غَيْرَهُ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَمًّا الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ فَدِينُ الشَّيْطَانِ وَأَمْرُ الشَّيْطَانِ نَكْفُرُ بِاللَّهِ وَنَعْبُدُ الْحِجَارَةَ وَأَمَّا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَدِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نُخْبِرُكَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا كَمَا بَعَثَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، فَأَتَانَا بِالصِّدْقِ وَالْبِرِّ وَنَهَانَا عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ عَادَانَا قَوْمُنَا وَأَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ الصَّادِقِ، وَرَدَّنَا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا، وَلَوْ أَقَرَّنَا قَوْمُنَا لَاسْتَقْرَرْنَا، فَذَلِكَ خَبَرُنَا، وَأَمَّا شَأْنُ التَّحِيَّةِ فَقَدْ حَيَّيْنَاكَ بِتَحِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي يُحَيِّي بِهِ بَعْضُنَا بَعْضًا، أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ، فَحَيَّيْنَاكَ بِالسَّلَامِ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَسْجُدَ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ نَعْدِلَكَ بِاللَّهِ، وَأَمَّا فِي شَأْنِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ جَلَّ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَبِيِّنَا أَنَّهُ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وَلَدَتْهُ الصِّدِّيقَةُ الْعَذْرَاءُ الْبَتُولُ الْحَصَانُ، وَهُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَهَذَا شَأْنُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّجَاشِيُّ قَوْلَ جَعْفَرٍ أَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: صَدَقَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ وَصَدَقَ نَبِيُّهُمْ، وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى مَا يَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ وَلَا وَزْنَ هَذَا الْعُودِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: امْكُثُوا فَإِنَّكُمْ سُيُومٌ، وَالسُّيُومُ آمِنُونَ، قَدْ مَنَعَكُمُ اللَّهُ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَيُّكُمْ أَدْرَسُ لِلْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ؟ قَالُوا: جَعْفَرٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ جَعْفَرٌ سُورَةَ مَرْيَمَ فَلَمَّا سَمِعَهَا عَرَفَ أَنَّهُ الْحَقُّ وَقَالَ النَّجَاشِيُّ -[246]-: زِدْنَا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الطَّيِّبِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةً أُخْرَى فَلَمَّا سَمِعَهَا عَرَفَ الْحَقَّ وَقَالَ: صَدَقْتُمْ وَصَدَقَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْتُمْ وَاللَّهِ صِدِّيقُونَ، امْكُثُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَبَرَكَتِهِ آمِنَيْنَ مَمْنُوعِينَ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِمُ الْمَحَبَّةُ مِنَ النَّجَاشِيِّ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَلْقَى اللَّهُ بَيْنَ عَمْرٍو وَعُمَارَةَ الْعَدَاوَةَ فِي مَسِيرِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ لِيُدْرِكَا حَاجَتَهُمَا الَّتِي خَرَجَا لَهَا مِنْ طَلَبِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أَخْطَأَهُمَا ذَلِكَ رَجَعَا بِشَرِّ مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَسُوءِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَمَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ فَقَالَ: يَا عُمَارَةُ، إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيلٌ وَسِيمٌ، فَأْتِ امْرَأَةَ النَّجَاشِيِّ فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا تُصِيبُهَا فَتُعِينُنَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّكَ تَرَى مَا وَقَعْنَا فِيهِ مِنْ أَمْرِنَا لَعَلَّنَا نُهْلِكُ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَارَةُ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى امْرَأَةَ النَّجَاشِيِّ فَجَلَسَ إِلَيْهَا يُحَدِّثُهَا وَخَالَفَ عُمَرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَخُونُكَ فِي شَيْءٍ عَلِمْتُهُ إِذَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ صَاحِبِي الَّذِي رَأَيْتَ لَا يَتَمَالَكُ عَنِ الزِّنَا إِذَا هُوَ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ إِلَى امْرَأَتِكَ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى امْرَأَتِهِ فَإِذَا هُوَ عِنْدَهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَمَرَ بِهِ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ سِحْرَهُ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي جَزِيرَةِ الْبَحْرِ فَعَادَ وَحْشِيًّا مَعَ الْوَحْشِ، يَرِدُ وَيَصْدُرُ مَعَهَا زَمَانًا حَتَّى ذُكِرَ لِعَشِيرَتِهِ، فَرَكِبَ أَخُوهُ فَانْطَلَقَ مَعَهُ بِنَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَرَصَدُوهُ حَتَّى إِذَا وَرَدَ أَوْثَقُوهُ فَوَضَعُوهُ فِي سَفِينَةٍ لِيَخْرُجُوا بِهِ، فَلَمَّا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ مَاتَ، وَأَقْبَلَ عَمْرٌو إِلَى مَكَّةَ قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَمَنَعَ حَاجَتَهُ "

194 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ -[247]- قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَعَبَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدَى لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطَرَّفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدُمُ فَجَمَعُوا لَهُ أُدُمًا كَثِيرًا وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [أبي] رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَأَمَرَوهُمَا أَمْرَهُمْ وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّما النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ ثُمَّ قَدِّما إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ ثُمَّ سَلَاهُ أَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَيْكُمَا قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٍ إِلَّا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ ثُمَّ قَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ وجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ وَقَدْ بَعَثَ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْهِمْ فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ -[248]- يُسْلِمَهُمْ إِلَيْنَا وَلَا يُكَلِّمَهُمْ فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُما: نَعَمْ ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ وَقَدْ بَعَثَتْ إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ؛ لِتَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ قَالَتْ: وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَالَتْ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ وَايْمُ اللَّهِ إِذًا لَا أُسْلِمُهُمُ إِلَيْكُمَا وَلَا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِلَادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ وَأَسْأَلَهُمْ مَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرَهُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا أَجَبْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا وَمَا أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلَا فِي دَيْنِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: " §أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ -[249]- الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ قَوْلِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ، قَالَتْ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عزوجل فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا؛ لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا؛ خَرَجْنَا إِلَى بِلَادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَالَتْ: فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْ عَلَيَّ قَالَتْ: فَقَرَأَ صَدْرًا مِنْ كهعيص قَالَتْ: فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَبَكَتِ الْأَسَاقِفَةُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالْحَقَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمَا وَلَا أُكَادُ قَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى مِمَّا قُلْتَ وَزْنَ هَذَا الْعُودِ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ: وَإِنْ -[250]- نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ اذْهَبُوا سُيُومًا بِأَرْضِي، - وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ -، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَ ذَهَبٍ وَإِنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ، - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ -، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسُ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنَ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ "

195 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَحَدَّث عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُ النَّجَاشِيِّ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسُ فِيَّ حَتَّى أُطِيعَهُمْ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا قَالَ: فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا النَّجَاشِيَّ وَكَانَ لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الْحَبَشَةِ فَقَالَتِ الْحَبَشَةُ بَيْنَهَا: لَوْ أَنَّا §قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ فَإِنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْغُلَامِ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ فَإِنَّ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَيَتَوَارَثُونَ مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ بَقِيَتِ الْحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْرًا فَعَدَوْا عَلَى أَبِي النَّجَاشِيِّ فَقَتَلُوهُ وَمَلَّكُوا أَخَاهُ فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ حِينًا وَنَشَأَ النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنَ الرِّجَالِ فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ وَنَزَلَ مِنْهُ كُلَّ مَنْزِلَةٍ فَلَمَّا رَأَتِ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْهُ قَالَتْ بَيْنَهَا: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْفَتَى -[251]- عَلَى عَمِّهِ وَإِنَّا لَنَتَخَوَّفُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا وَلَئِنْ مَلَّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلَنَا أَجْمَعِينَ؛ لَقَدْ عَرَفَ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَاهُ فَمَشَوْا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا؛ فَإِنَّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا فَقَالَ: وَيْلَكُمْ قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ؟ لَا بَلْ أَخْرِجُوهُ مِنْ بِلَادِكُمْ قَالَتْ: فَخَرَجُوا بِهِ إِلَى السُّوقِ فَبَاعُوهُ مِنْ رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعِشَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَابِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ قَالَتْ: فَفَزِعَتِ الْحَبَشَةُ إِلَى وَلَدِهِ فَإِذَا هُمْ حُمْقٌ لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ الَّذِي بِعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوا الْغُلَامَ قَالَتْ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ وَطَلَبِ الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَأَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهُ ثُمَّ جَاءُوا بِهِ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ فَمَلَّكُوهُ فَجَاءَهُمُ التَّاجِرُ الَّذِي كَانُوا بَاعُوهُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُمْ: إِمَّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي وَإِمَّا أَنْ أُكَلِّمَهُ قَالُوا: فَدُونَكَ قَالَتْ: فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ ابْتَعْتُ غُلَامًا مِنْ قَوْمٍ فِي السُّوقِ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمُوا إِلَيَّ غُلَامِي وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي حَتَّى إِذَا سِرْتُ بِغُلَامِي أَدْرَكُونِي فَأَخَذُوا غُلَامِي وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي فَقَالَ: إِمَّا تَرُدُّونَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَهُ أَوْ لِيُسْلَمَنَّ إِلَيْهِ غُلَامُهُ يَدُهُ فِي يَدِهِ فَلْيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ يَشَاءُ قَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمَهُ قَالَتْ: فَلِذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا اخْتُبِرَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دِينِهِ وَعَدْلِهِ فِي حُكْمِهِ "

196 - وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ -[252]- بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ وَجَمَعُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدِيَّةً فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَأَتَيَاهُ بِالْهَدِيَّةِ فَقَبِلَهَا ثُمَّ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ نَاسًا مِنْ أَرْضِنَا §رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا وَهُمْ بِأَرْضِكَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَقَالَ لَنَا جَعْفَرٌ: لَا يَتَكَلَّمْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَارَةُ عَنْ يَسَارِهِ وَالْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ سِمَاطَيْنِ قَدْ قَالَ لَهُمْ عَمْرٌو وَعُمَارَةُ: إِنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا بَدَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ: اسْجُدُوا لِلْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُمْ جَعْفَرٌ: لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ فِينَا رَسُولًا الرَّسُولَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ ذَلِكَ وَذَكَرَ نَحْوًا مِنَ الْقِصَّةِ الْأُولَى وَقَالَ فِيهِ النَّجَاشِيُّ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أُقَبِّلَ نَعْلَهُ امْكُثُوا مَا شِئْتُمْ وَأَمَرَ لَنَا بِالطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَقَالَ: رُدُّوا عَلَى هَذَيْنِ هَدِيَّتَهُمَا وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَجُلًا قَصِيرًا وَكَانَ عُمَارَةُ رَجُلًا جَمِيلًا وَكَانَا أَقْبَلَا فِي الْبَحْرِ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَشَرِبُوا وَمَعَ عَمْرٍو امْرَأَتُهُ فَلَمَّا -[253]- شَرِبُوا قَالَ عُمَارَةُ لِعَمْرٍو: مُرِ امْرَأَتَكَ فَلْتُقَبِّلْنِي فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَلَا تَسْتَحِي؟ فَأَخَذَ عُمَارَةُ عَمْرًا فَرَمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ فَجَعَلَ عَمْرٌو يُنَاشِدُهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ السَّفِينَةَ فَحَقَدَ عَلَيْهِ عَمْرٌو ذَلِكَ فَقَالَ عَمْرٌو لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ خَلَفَ عُمَارَةُ فِي أَهْلِكَ فَدَعَا النَّجَاشِيُّ عُمَارَةَ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ فَطَارَ مَعَ الْوَحْشِ. قَالَ الشَّيْخُ: قُلْتُ: فَكَانَ بَيْنَ خُرُوجِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ وَبَيْنَ وَقْعَةِ بَدْرٍ عَلَى مَا دَوَّنَهُ أَهْلُ السِّيَرِ خَمْسُ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَمَّنْ لَا يَدْفَعُ عَنْ صِدْقٍ وَفَهْمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثَتْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ دَفْعَتَيْنِ: مَرَّةً مَعَ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ وَمَرَّةً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ

ذكر إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

§ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

197 - حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ وَكَانُوا يَحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ قَالَ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا فَحَسَدَنَا قَوْمُنَا وقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَى عَلَيْنَا مَا قِيلَ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَ وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ قَالَ: فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا -[254]- فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا وَتَغَطَّى خَالُنَا بِثَوْبِهِ يَبْكِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ فَقَالَ: لِلَّهِ، قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ وَجَّهَنِي اللَّهُ أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ السَّحَرِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، - يَعْنِي خِبَاءً -، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ فَرَاثَ عَلَيَّ - يَعْنِي أَبْطَأَ -، ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ قَالَ أُنَيْسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشُّعَرَاءِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ يُقْرِي أَنَّهُ شِعْرٌ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فَقُلْتُ: اكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ قَالَ: نَعَمْ وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنَفُوا لَهُ وَقَدْ تَجَهَّمُوا لَهُ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ وَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَاسْتَضْعَفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ وَقَالَ: الصَّابِئَ؟ قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ فَخَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا وَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ فَلَبِثْتُ بِهَا يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِي سُخْفَةَ -[255]- جُوعٍ فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ إِذْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرُ امْرَأَتَيْنِ فَأَتَتَا عَلَيَّ وَهُمَا تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ قَالَ: قُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكْنِ فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ فَقَالَ: مَا لَكُمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا قَالَ: فَمَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَأَتَيْتُهُ حِينَ قَضَى صَلَاتَهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى جَبْهَتِهِ هَكَذَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ فَذَهَبْتُ لِآخُذَ يَدَهُ فَدَفَعَنِي عَنْهُ صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي فَقَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ فَقُلْتُ: كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِي سُخْفَةَ جُوعٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ قَالَ: فَفَعَلَ فَانْطَلَقَ النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَذَلِكَ أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا قَالَ: فَغَبَرْتُ مَا -[256]- غَبَرْتُ فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي وُجِّهْتُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا يَثْرِبَ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؛ عَسَى أَنْ يَنْفَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى لَقِيتُ أَخِي أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ قَالَ: فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ قَالَ: فَاحْتَمَلْنَا فَأَتَيْنَا قَوْمَنَا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْنَا فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ إِخْوَتُنَا فَأَسْلَمُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابنِ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ فَنَادَى: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: صَبَأَ الرَّجُلُ صَبَأَ الرَّجُلُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى سَقَطَ فَمَرَّ بِهِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ تُجَّارٌ وَإِنَّ طَرِيقَكُمْ عَلَى غِفَارٍ تُرِيدُونَ أَنْ تُقْطَعَ الطَّرِيقُ عَلَيْكُمْ؟ فَأَمْسَكُوا عَنْهُ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي عَادَ لِمِثْلِ مَقَامِهِ فَعَادُوا لِضَرْبِهِ فَمَرَّ بِهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ تِلْكَ؛ فَأَمْسَكُوا. قَالَ الشَّيْخُ: فَسَّرَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَغَيْرُهُ غَرِيبَ الْأَلْفَاظِ: قَوْلُهُ: (أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ) : يَعْنِي كِسَاءً غَلِيظًا يُتَّخَذُ مِنْ وَبَرٍ (شَنَفُوا) : أَبْغَضُوا (وَتَجَهَّمُوا) : أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ (وَالنُّصُبُ) : حَجَرٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهِ (سُخْفَةُ جُوعٍ) : خَفْتُهُ -[257]- (الصَّابِئُ) : الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ (الْأَنْفَارُ) : جَمْعُ نَفَرٍ

ذكر إسلام عمرو بن عبسة السلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم

§ذِكْرُ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ وَمَا أَخْبَرَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

198 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ الْحِمْصِيُّ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الدِّمَشْقِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السِّيبَانِيِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: رَغِبْتُ عَنْ عِبَادَةِ آلِهَةِ قَوْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَرَأَيْتُ أَنَّهَا الْبَاطِلُ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ قَالَ: فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَفْضَلِ الدِّينِ فَقَالَ: يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ يَرْغَبُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِهِ وَيَدْعُو إِلَى غَيْرِهَا وَهُوَ يَأْتِي بِأَفْضَلِ الدِّينِ فَإِذَا سَمِعْتَ بِهِ فَاتَّبِعْهُ فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلَّا مَكَّةَ آتِيهَا فَأَسْأَلُ: هَلْ حَدَثَ فِيهَا أَمْرٌ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَأَنْصَرِفُ إِلَى أَهْلِي وَأَهْلِي مِنَ الطَّرِيقِ غَيْرُ بَعِيدٍ فَأَعْتَرِضُ الرُّكْبَانَ خَارِجَةً مِنْ مَكَّةَ فَأَسْأَلُهُمْ: هَلْ حَدَثَ فِيهَا خَبَرٌ أَوْ أَمْرٌ؟ فَيَقُولُونَ: لَا فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عَلَى الطَّرِيقِ إِذْ مَرَّ بِي رَاكِبٌ فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنْ مَكَّةَ قُلْتُ: هَلْ حَدَثَ فِيهَا خَبَرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ رَغِبَ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِهِ وَدَعَا إِلَى غَيْرِهَا قُلْتُ: صَاحِبِي الَّذِي أُرِيدُ فَشَدَدْتُ رَاحِلَتِي فَجِئْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ أَنْزِلُ فِيهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَوَجَدْتُهُ مُسْتَخْفِيًا بِشَأْنِهِ وَوَجَدْتُ قُرَيْشًا عَلَيْهِ -[258]- حُسَّرًا فَتَلَطَّفْتُ لَهُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: نَبِيُّ اللَّهِ قُلْتُ: وَمَا نَبِيُّ اللَّهِ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ قُلْتُ: وَمَنْ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى قُلْتُ: وَبِمَاذَا أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: " §أَنْ تَصِلَ الرَّحِمَ وَتَحْقِنَ الدِّمَاءَ وَتَأْمَنَ السَّبِيلَ وَتَكْسِرَ الْأَوْثَانَ وَتَعْبُدَ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا قَالَ: قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ أُشْهِدُكَ أَنِّي آمَنْتُ بِكَ وَصَدَّقْتُ أَفَأَمْكُثُ مَعَكَ أَمْ مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: قَدْ تَرَى كَرَاهِيَةَ النَّاسِ لِمَا جِئْتُ بِهِ؛ فَامْكُثْ فِي أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ خَرَجْتُ مَخْرَجًا فَاتَّبِعْنِي فَلَمَّا سَمِعْتُ بِهِ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ أَنْتَ السُّلَمِيُّ الَّذِي جِئْتَنِي بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَكَ كَذَا وَكَذَا وَقُلْتَ لِي كَذَا وَكَذَا فَقُمْتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الدَّهْرُ أَفْرَغَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ السَّاعَاتِ أَسْمَعُ لِلدُّعَاءِ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ وَالصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ "

ذكر إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه

§ذِكْرُ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَثنا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا: ثنا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ الْكِنْدِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ إِلَيَّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيُّ وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ مِنْ -[259]- أَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ فَمِنْ حُبِّهِ إِيَّايَ حَبَسَنِي فِي بَيْتٍ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ وَكُنْتُ قَدِ اجْتَهَدْتُ فِي دَارِ الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ أُوقِدُهَا لَا أَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً اجْتِهَادًا فِي دِينِي وَكَانَ لِأَبِي ضَيْعَةٌ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ وَكَانَ يُعَالِجُ بُنْيَانًا لَهُ فِي دَارِهِ فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي بُنْيَانِي كَمَا تَرَى فَانْطَلِقْ إِلَى ضَيْعَتِي هَذِهِ وَلَا تَحْتَبِسْ عَنِّي؛ فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَشَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي قَالَ: فَخَرَجْتُ أُرِيدُ الضَّيْعَةَ الَّتِي بَعَثَنِي إِلَيْهَا قَالَ: فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي فَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كَمَا قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ أَعْهَدُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ خَيْرٌ بَلْ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ قُلْتُ: كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا قَالَ: فَخَافَنِي؛ فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتٍ قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبِرُونِي قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى قَالَ: فَأَخْبَرُونِي قَالَ: قُلْتُ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا -[260]- الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِي فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَعْلَمُونِي بِهِمْ قَالَ: فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ عَنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ عِلْمًا؟ قَالُوا: الْأُسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ وَأَكُونُ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ قَالَ: فَافْعَلْ فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ قَالَ: وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا لَهُ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ شَيْئًا فَأَعْلَمْتُهُمْ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالُوا لِي: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ فَقَالُوا لِي: دُلَّنَا عَلَيْهِ قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ فَاسْتَخْرَجُوا سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَدْفِنُهُ فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ: فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّ شَيْئًا كَانَ مِثْلَهُ فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّ شَيْئًا كَانَ قَبْلَكَ وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلَانٌ وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ قَالَ: فَلَمَّا غُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ -[261]- رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ فَأَقَمْتُ مَعَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ إِذْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بي فُلَانٌ إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِنَا فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَقَالَ: أَقِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى هُدَى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ لَمْ أَرَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ قَالَ: ثُمَّ اكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي أَنْ آتِيَ فُلَانًا ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجَرَهُ إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بِهَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ -[262]- الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ وَغُيِّبَ وَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ عَبْدًا فَكُنْتُ عِنْدَهُ وَرَأَيْتُ النَّخْلَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يُحَقِّقْ لِي فِي نَفْسِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ فَحَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي فَأَقَمْتُ بِهَا وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ لِمَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهَا بَعْضَ عَمَلِهِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ تَحْتِي إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الْآنَ يَجْتَمِعُونَ بِقُبَاءٍ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعَرُورَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَاقِطٌ عَلَى سَيِّدِي فَلَمَّا نَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ جَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ مَا تَقُولُ قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ قُلْتُ: لَا شَيْءَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ مِمَّا قَالَ فَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ -[263]- ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُو

الفصل السدس عشر الفصل العشرون في ذكر ما دار بينه وبين المشركين لما أظهر الدعوة وما جرى عليه من أحواله إلى أن هاجر وما كان من صبره على بلوى الدعوة واحتمال الأذية وإيراد الآيات والبراهين عليها وكان صلى الله عليه وسلم فيما قاله عروة بن الزبير وابن شهاب

§الْفَصْلُ السَّدِسَ عَشَرَ الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي ذِكْرِ مَا دَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَظْهَرَ الدَّعْوَةَ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهِ إِلَى أَنْ هَاجَرَ وَمَا كَانَ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى بَلْوَى الدَّعْوَةِ وَاحْتِمَالِ الْأَذِيَّةِ وَإِيرَادِ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ عَلَيْهَا وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ شِهَابٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] إِلَى أَنْ كُلِّفَ الدَّعْوَةَ وَإِظْهَارَهَا فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: 89] ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يُظْهِرُ الدَّعْوَةَ إِلَّا لِلْمُخْتَصِّينَ بِهِ مِنْهُمْ خَدِيجَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ أَعْلَنَ الدَّعْوَةَ وَصَدَعَ بِهَا بِأَمْرِ اللَّهِ نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ فَكَانَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ لَهُ حَامِيًا وَعَنْهُ دَافِعًا وَذَابًّا فَعَظُمَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ مَنْ أَجَابَهُ إِلَيْهَا الْبَلَاءُ وَاشْتَدَّ وَمُنِعُوا مِنْ إِظْهَارِ التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ وَيُعَذَّبُونَ وَيُهَانُونَ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ فَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ خَرَجُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فَأَحْسَنَ مُجَاوَرَتَهُمْ وَأَخْرَجَ الْمُشْرِكُونَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى

النَّجَاشِيِّ لِيَرُدَّهُمْ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَيَّبَهُمُ النَّجَاشِيُّ وَرَدَّهُمَا خَائِبَيْنِ فَازْدَادَ الْمُشْرِكُونَ فِي الشِّدَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَآمَرُوا فِي قَتْلِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَدْخَلُوهُ وَبَنِي هَاشِمٍ الشِّعْبَ وَكَتَبُوا الصَّحِيفَةَ عَلَى أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُجَامِعُوهُمْ فَبَقُوا مُحْصَرِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ إِلَى أَنْ سَلَّطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَرَضَةَ عَلَى الصَّحِيفَةِ فَلَحِسَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَخَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ وَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي عَشِيرَتِهِ وَأَعْمَامِهِ حَامٍ وَلَا ذَابٌّ عَنْهُ فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ يَلْتَمِسُ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي عَبْدِ يَالِيلَ فَلَمْ يَقْبَلُوهُ وَكَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ أَنْ يُؤْوُوهُ أَوْ يَنْصُرُوهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ إِلَى أَنْ قَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْأَنْصَارَ فَبَايَعُوهُ وَأَذِنَ لِأَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَانْتَظَرَ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ

200 - أُخْبِرْتُ عَنِ الْمُتْبِعِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ قَالَ: ثنا أَبُو رَاشِدٍ وَهُوَ الْمُثَنَّى بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " §بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَشَيْبَةُ وَعُتْبَةُ -[267]- ابْنَا رَبِيعَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَجُلَانِ آخَرَانِ لَا أَحْفَظُ اسْمَيْهِمَا كَانُوا سَبْعَةً، وَهُمْ فِي الْحِجْرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَلَمَّا سَجَدَ أَطَالَ السُّجُودَ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَأْتِي جَزُورَ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْتِينَا بِفَرْثِهَا فَيُلْقِيهِ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ؟ فَانْطَلَقَ أَشْقَاهُمْ وَأَسْفَلُهُمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَتَى بِهِ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَتِفِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَأَنَا قَائِمٌ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لَيْسَ عِنْدِي عَشِيرَةٌ تَمْنَعُنِي؛ فَأَنَا أَرْهَبُ إِذْ سَمِعَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَأَقْبَلَتْ حَتَّى أَلْقَتْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ قُرَيْشًا فَشَتَمَتْهُمْ فَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَيْهَا شَيْئًا وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ كَمَا كَانَ يَرْفَعُ عِنْدَ تَمَامِ سُجُودِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بعُقْبَةَ وَعُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلٍ وَشَيْبَةَ وَذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلَقِيَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ سَوْطٌ يَتَخَصَّرُ بِهِ فَلَمَّا لَقِيَهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ وَجْهَهُ فَأَخَذَهُ فَقَالَ: تَعَالَ مَا لَكَ؟ قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَلِّ عَنِّي قَالَ: عَلَيَّ لِلَّهِ أَنْ لَا أُخَلِّيَ عَنْكَ أَوْ تُخْبِرَنِي مَا شَأْنُكَ فَلَقَدْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَمَّا عَلِمَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَلٍّ عَنْهُ أَخْبَرَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ أَمَرَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَيَّ فَرْثٌ فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: هَلُمَّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَبَى فَأَخَذَهُ الْبَخْتَرِيِّ فَأَدْخَلَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ أَنْتَ الَّذِي أَمَرْتَ بِمُحَمَّدٍ فَطُرِحَ عَلَيْهِ الْفَرْثُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ رَأْسَهُ فَثَارَتِ الرِّجَالُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَصَاحَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: وَيْحَكُمْ مَنْ لَهُ إِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ أَنْ يُلْقِيَ بَيْنَنَا الْعَدَاوَةَ وَيَنْجُوَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ -[268]- قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الْمُسْتَهْزِئُونَ وَأَسْمَاؤُهُمْ وَذِكْرُ مَا عَجَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ

201 - فَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " §خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ وَشَرَفٍ فِي قَوْمِهِمْ فَمِنْهُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ أَبُو زَمْعَةَ دَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَاهُ وَاسْتِهْزَائِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْمِ بَصَرَهُ وَأَثْكِلْهُ وَلَدَهُ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرَةَ بْنِ مَخْزُومٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَلَكَانَ قَالَ: فَلَمَّا تَمَادَوْا فِي الشَّرِّ وَأَكْثَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِهْزَاءَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} "

202 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ §-[269]- أَنَّ جَبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَامَ وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى جَنْبِهِ فَمَرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَرَمَى فِي وَجْهِهِ وَرَقَةً خَضْرَاءَ فَعَمِيَ وَمَرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فَأَشَارَ إِلَى بَطْنِهِ فَاسْتَسْقَى بَطْنُهُ فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَأَشَارَ إِلَى جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ وَكَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ وَهُوَ يَجُرُّ سَبَلَتَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ فِي إِزَارِهِ فَخَدَشَهُ ذَلِكَ الْخَدْشَ وَلَيْسَ بشَيْءٍ فَلَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ جَبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَقَضَ بِهِ ذَلِكَ الْخَدْشُ فَقَتَلَهُ وَمَرَّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَشَارَ إِلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ فَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ فَرَبَضَ بِهِ حِمَارُهُ عَلَى شِبْرِقَةٍ فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ مِنْهَا شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ الْخُزَاعِيُّ فَأَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ فَامْتَخَضَ قَيْحًا فَقَتَلَهُ "

203 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو السَّاقِدِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " §كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا سِنِينَ لَا يُظْهِرُ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى نَزَلَتْ: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ يَعْنِي أَظْهِرْ أَمْرَكَ بِمَكَّةَ فَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِكَ وَبِالْقُرْآنِ وَهُمْ خَمْسَةُ رَهْطٍ فَأَتَاهُ جَبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَاهُمْ أَحْيَاءَ بَعْدُ كُلَّهُمْ فَأُهْلِكُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَيْلَةٍ فَمِنْهُمُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ خَرَجَ يَوْمَهُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فَخَرَجَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسِيرُ وَابْنٌ لَهُ يَتَنَزَّهُ وَيَتَغَدَّى، فَنَزَلَ شِعْبًا مِنْ تِلْكَ الشِّعَابِ فَلَمَّا وَضَعَ قَدَمَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ: لُدِغْتُ فَطَلَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا وَانْتَفَخَتْ رِجْلُهُ حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ عُنُقِ الْبَعِيرِ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَمِنْهُمُ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ أَكَلَ حُوتًا مَالِحًا، وَيُقَالُ طَرِيًّا، فَأَصَابَهُ عَلَيْهِ عَطَشٌ فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى انْقَدَّ عَلَيْهِ بَطْنُهُ فَمَاتَ وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي رَبُّ مُحَمَّدٍ وَمِنْهُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى كَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ زَمْعَةُ وَأَبَرَّ شَيْءٍ بِهِ وَكَانَ إِذَا خَرَجَ قَالَ: أَسِيرُ كَذَا وَكَذَا ذَاهِبًا وَأَسِيرُ مُقْبِلًا كَذَا وَكَذَا فَلَا يَخْرِمُ مَا يَقُولُ لِأَبِيهِ قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا عَلَى الْأَسْوَدِ أَنْ يَعْمَى بَصَرُهُ وَأَنْ يَثْكَلَ وَلَدَهُ قَالَ: فَأَتَاهُ جَبْرِيلُ عَلَيْهِ -[271]- السَّلَامُ بِوَرَقَةٍ خَضْرَاءَ فَرَمَاهُ بِهَا فَذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ: وَخَرَجَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُ فِيهِ ابْنُهُ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ فَأَتَاهُ جَبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَجَعَلَ يَنْطَحُ بِرَأْسِهِ وَيَضْرِبُ وَجْهَهُ بِالشَّوْكِ فَاسْتَغَاثَ بِغُلَامِهِ فَقَالَ لَهُ غُلَامُهُ: مَا أَرَى أَحَدًا يَصْنَعُ بِكَ شَيْئًا غَيْرَ نَفْسِكَ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ يَقُولُ: قَتَلَنِي رَبُّ مُحَمَّدٍ وَكَانَ يُقَالُ إِنَّهُ بَقِيَ حَتَّى قُتِلَ وَلَدُهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَثْكَلَهُ ثُمَّ مَاتَ وَمِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ مَرَّ عَلَى أَنْبُلٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي خُزَاعَةَ قَدْ رَاشَهَا وَقَدْ جَعَلَهَا فِي الشَّمْسِ فَوَطِئَهَا فَانْكَسَرَتْ فَتَعَلَّقَ بِهِ سَهْمٌ مِنْهَا فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَتَلَهُ وَمِنْهُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ فَأَصَابَهُ السَّمُومُ فَاسْوَدَّ حَتَّى عَادَ حَبَشِيًّا فَأَتَى أَهْلَهُ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ فَأَغْلَقُوا دُونَهُ الْبَابَ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي رَبُّ مُحَمَّدٍ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا كُلُّ رَجُلٍ بِغَيْرِ قَتْلِ صَاحِبِهِ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ وَأَعْلَنَهُ بِمَكَّةَ "

فأما قصة دخول بني هاشم شعب أبي طالب لما تحالفت قريش على أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يخالطوهم وما في ذلك من دلالته على نبوته عليه صلى الله عليه وسلم

§فَأَمَّا قِصَّةُ دُخُولِ بَنِي هَاشِمٍ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا تَحَالَفَتْ قُرَيْشٌ عَلَى أَنْ لَا يُبَايِعُوا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُخَالِطُوهُمْ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دِلَالَتِهِ عَلَى نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

204 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ الشَّامِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ مَنْزِلُنَا غَدًا؟ قَالَ: «§وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ رِبَاعٍ؟ مَنْزِلُنَا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ»

205 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا §أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْحَبَشَةِ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ إِلَى مَكَّةَ قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَمَنْعَهُ حَاجَتَهُ اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا حَتَّى بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الْجَهْدُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَعَمَدَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَجْمَعُوا مَكْرَهُمْ وَأَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَةً فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَجْمَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْبَهُمْ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كَافِرُهُمْ وَمُسْلِمُهُمْ مِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً وَمِنْهُمْ -[273]- مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدِ اجْتَمَعُوا وَمَنَعُوا الرَّسُولَ وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كَافِرُهُمْ وَمُسْلِمُهُمُ اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ وَلَا يُخَالِطُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ وَكَتَبُوا بِمَكْرِهِمْ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا وَلَا تَأْخُذَهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَلَا هَوَادَةٌ حَتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَاشْتَدَّ عليهم فِيهِنَّ الْبَلَاءُ وَالْجَهْدُ وَقَطَعُوا عَلَيْهِم الْأَسْوَاقَ فَلَا يَتْرُكُونَ طَعَامًا يَدْنُو مِنْ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوا إِلَيْهِ؛ لِيَقْتُلَهُمُ الْجُوعُ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَنَاوَلُوا بِذَلِكَ سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَضَاجِعَهُمْ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى فِرَاشَهُ حَتَّى يَرَاهُ مَنْ أَرَادَ بِهِ مَكْرًا أَوْ غَائِلَةً فَإِذَا نَوَّمَ النَّاسُ أَخَذَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إِخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَرْقُدَ عَلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي قُصَيٍّ وَرِجَالٌ مِمَّنْ سِوَاهُمْ وَذَكَرُوا الَّذِي وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْقَطِيعَةِ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الَّتِي فِيهَا الْمَكْرُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرَضَةَ فَلَحِسَتْ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ فِيهَا، وَكَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ وَكَانَ فِيهَا -[274]- عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فَلَمْ تَتْرُكْ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا لَحِسَتْهُ وَبَقِيَ فِيهَا مَا كَانَ مِنْ شِرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ بَغْيٍ فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ بِالصَّحِيفَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعَمِّهِ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَا وَالثَّوَاقِبِ مَا كَذَبَنِي، فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَتَوْا بِجَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَظُنُّوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ وَأَتَوْهُمْ لِيُعْطُوهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكُرْهَا لَكُمْ فَأْتُوا بِصَحيفَتِكُمُ الَّتِي فِيهَا مَوَاثِيقُكُمْ؛ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا بَيْنَكُمْ صُلْحٌ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصَّحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا فَبَادَرَ اللَّعِينُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْبَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِهَا لَا يَشُكُّونَ أَنَّ الرَّسُولَ مَدْفُوعٌ إِلَيْهِمْ فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا أَوْ تَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ عَامَّتَكُمْ وَيَجْمَعُ قَوْمَكُمْ وَلَا يَقْطَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَدْ جَعَلْتُمُوهُ خَطَرًا لِعَشِيرَتِكُمْ وَفَسَادِكُمْ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا فِيهِ نَصَفٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ عَلَيْهَا دَابَّةً فَلَمْ تَتْرُكْ فِيهَا اسْمًا لِلَّهِ إِلَّا لَحِسَتْهُ وَتُرِكَ فِيهَا غَدْرُكُمْ وَتَظَاهُرُكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ كَمَا يَقُولُ فَأَفِيقُوا فَوَاللَّهِ لَا نُسْلِمُهُ حَتَّى نَمُوتَ عَنْ آخِرِنَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَقُولُ بَاطِلًا دَفَعْنَا إِلَيْكُمْ صَاحِبَنَا فَقَتَلْتُمْ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمْ فَقَالُوا: لَقَدْ رَضِينَا بِالَّذِي تَقُولُ وَفُتِحَتِ الصَّحِيفَةُ فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ قَدْ أَخْبَرَ خَبَرَهَا قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ فَلَمَّا -[275]- رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا كَانَ هَذَا إِلَّا سِحْرًا مِنْ صَاحِبِكُمْ فَارْتَكَسُوا وَعَادُوا لِشَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَالشِّدَّةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَرَهْطِهِ وَالْقِيَامِ عَلَى مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ فَقَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ الْأَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسِّحْرِ غَيْرُنَا فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنَا أَقْرَبُ لِلْجِبْتِ وَالسِّحْرِ وَلَوْلَا الَّذِي أَجْمَعْتُمْ فِيهَا مِنَ السِّحْرِ لَمْ تَفْسُدِ الصَّحِيفَةُ وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ فَمَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ اسْمٍ هُوَ فِيهَا طَمَسَهُ وَمَا كَانَ مِنْ بَغْيٍ تَرَكَهُ فِي صَحِيفَتِكُمْ أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ؟ فَنَدِمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ رِجَالٌ مِنْهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهُوَ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَمِنْهُمُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ وَزُهَيْرُ بْنُ أُمَيَّةَ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ كَانُوا قَدْ نَدِمُوا عَلَى الَّذِي صَنَعُوا فَقَالُوا: نَحْنُ بَرَاءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى جَهِدُوا أَلَّا يَصِلَ إِلَيْهِمْ إِلَّا شَيْءٌ مُسْتَخْفٍ بِهِ مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ؟ وَاللَّهِ لَا تَبْرَحُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ -[276]- فَجَاءَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهُ؟ قَالَ: يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا؟ خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَاحْتَمَلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَحْيَ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ يَرَى ذَلِكَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَجِهَارًا لَا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّهُ قَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَاتَبَتْ فِيهَا قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَعَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ يُبْلَ فِيهَا أَحْسَنُ مِنْ بَلَاءِ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ ابنَ أَخِي نَضْلَةَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَضْلَةُ وَعَمْرٌو أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ فَكَانَ هِشَامٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَاصِلًا وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي يَأْتِي بِالْبَعِيرِ قَدْ أَوْقَرَ طَعَامًا وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي الشِّعْبِ لَيْلًا حَتَّى إِذَا أَقْبَلَهُ فَمُ

206 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " §مَا كَانَ أَبُو لَهَبٍ إِلَّا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ مَا هُوَ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّعْبِ حِينَ تَمَالَأَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى حُصِرْنَا فِي الشِّعْبِ وَظَاهِرِهِمْ فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو لَهَبٍ مِنَ الشِّعْبِ لَقِيَ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ فَارَقَ قَوْمَهُ فَقَالَ: يَا ابْنَةَ عُتْبَةَ هَلْ نَصَرْتِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: يَعِدُنَا مُحَمَّدٌ أَشْيَاءَ لَا نَرَاهَا كَائِنَةً يَزْعُمُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَاذَا وُضِعَ فِي يَدَيَّ؟ ثُمَّ نَفَخَ فِي يَدَيْهِ -[279]- وَقَالَ: تَبًّا لَكُمَا مَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَحُصِرْنَا فِي الشِّعْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَقَطَعُوا عَنَّا الْمِيرَةَ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيَخْرُجُ بِالنَّفَقَةِ فَمَا يُبَايَعُ حَتَّى يَرْجِعَ حَتَّى هَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ وَقِيلَ: مَاتَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ بَعْدَ هِجْرَةِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَةٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ "

فأما انشقاق القمر فكان بمكة لما افتتح المشركون أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية

§فَأَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَكَانَ بِمَكَّةَ لَمَّا افْتَتَحَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُرِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً

207 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «§انْشَقَّ الْقَمَرُ فَرَأَيْتُهُ فِرْقَتَيْنِ»

208 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَثنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ثنا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَعْمَشُ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §اشْهَدُوا "

209 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -[280]- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ} [القمر: 1] الْقَمَرُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اجْتَمَعتَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُظَرَاؤُهُمْ كَثِيرٌ فَقَالُوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَشُقَّ الْقَمَرَ لَنَا فِرْقَتَيْنِ نِصْفًا عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنِصْفًا عَلَى قُعَيْقِعَانَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنْ فَعَلْتُ تُؤْمِنُوا؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ بَدْرٍ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا سَأَلُوا فَأَمْسَى الْقَمَرُ قَدْ مُثِّلَ نِصْفًا عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنِصْفًا عَلَى قُعَيْقِعَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي: يَا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ وَالْأَرْقَمُ بْنَ أَبِي الْأَرْقَمِ اشْهَدُوا "

210 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا عَامِرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ جَدِّي عَامِرٍ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْحُسَيْنِ ثنا الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَرِنَا آيَةً حَتَّى نُؤْمِنَ §فَسَأَلَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ فَصَارَ قَمَرَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى الصَّفَا وَالْآخَرُ عَلَى الْمَرْوَةِ قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمَا ثُمَّ غَابَ الْقَمَرُ فَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ "

211 - وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ -[281]- اللَّاحِقِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ قَالَ: فَقَالَ: انْظُرُوا مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ السُّفَّارُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ قَالَ: فَجَاءَ السُّفَّارُ فَقَالُوا كَذَلِكَ "

212 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " §انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ فَقَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: سِحْرٌ سَحَرَكُمُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ فَانْظُرُوا إِلَى السُّفَّارِ يَأْتُونَكُمْ فَإِنْ أَخْبَرُوكُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ مِثْلَ مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ قَالَ: فَمَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا أَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ. رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُغِيرَةَ مِثْلَهُ

ما روي في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

§مَا رُوِيَ فِي عَرْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ

213 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا ابْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ -[282]-: لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جَبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِمَلَكِ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ قَوْمِكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ قَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»

214 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ وَثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرٍ التَّمِيمِيُّ الرَّقِّيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ - وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ - إِلَى مِنًى حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ حِينٍ وكَانَ رَجُلًا نَسَّابَةً فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ قَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةَ -[283]- أَنْتُمْ؟ مِنْ هَامَتِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ قَالُوا: بَلْ مِنْ هَامَتِهَا الْعُظْمَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِنْ أَيِّ هَامَتِهَا الْعُظْمَى؟ قَالَ الْغَلَابِيُّ فِي حَدِيثِهِ: بَلْ مِنَ اللِّهْزِمَةِ الْعُظْمَى قَالَ: وَأَيُّ لِهْزِمَتِهَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: ذُهْلٌ الْأَكْبَرُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَفَمِنْكُمْ عَوْفٌ الَّذِي كَانَ يُقَالُ: لَا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَفَمِنْكُمْ بِسْطَامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبُو الْمُلُوكِ وَمُنْتَهَى الْأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَفَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ بْنُ شَرِيكٍ قَاتِلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَفَمِنْكُمْ جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ بْنِ ذُهْلٍ حَامِي الذِّمَارِ وَمَانِعُ الْجَارِ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَفَمِنْكُمُ الْمُزْدَلِفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لَا فَقَالَ لَهُمْ: أَفَأَنْتُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ فِي كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَفَأَنْتُمْ أَصْهَارُ الْمُلُوكِ مِنْ لَخْمٍ؟ قَالُوا: لَا , قَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: فَلَسْتُمْ بِذُهْلٍ الْأَكْبَرِ بَلْ أَنْتُمْ ذُهْلٌ الْأَصْغَرُ قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ غُلَامٌ يُدْعَى دَغْفَلًا حِينَ بَقَلَ وَجْهُهُ فَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: [البحر الرجز] إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهْ ... وَالْعِبْءُ لَا تَعْرِفُهُ أَوْ تَحْمِلَهْ يَا هَذَا سَأَلْتَنَا فَأَخْبَرْنَاكَ فَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: بَخٍ بَخٍ أَهْلُ السُّؤْدَدِ وَالرِّيَاسَةِ وَأَزِمَّةُ الْعَرَبِ وَهُدَاتُهَا فَمِمَّنْ أَنْتَ مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ لَهُ: مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَمْكَنْتَ وَاللَّهِ الرَّامِيَ مِنْ صَفَاةِ الثُّغْرَةِ أَفَمِنْكُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ الَّذِي قَتَلَ بِمَكَّةَ الْمُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهَا وَأَجْلَى بَقِيَّتَهُمْ وَجَمَعَ -[284]- قَوْمَهُ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ حَتَّى أَوْطَنَهْمُ مَكَّةَ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَى الدَّارِ وَنَزَّلَ قُرَيْشًا مَنَازِلَهَا فَسَمَّتْهُ الْعَرَبُ بِذَلِكَ مُجَمِّعًا وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: [البحر الطويل] أَلَيْسَ أَبُوكُمْ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ؟ قَالَ: لَا قَالَ الْغُلَامُ: أَفَمِنْكُمْ عَبْدُ مَنَافٍ الَّذِي انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْوَصَايَا وَأَبُو الْغَطَارِيفِ السَّادَّةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْكُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافِ هَاشِمٌ الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافٌ وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ: [البحر الكامل] عَمْرُو الْعُلَا هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ سَنُّوا إِلَيْهِ الرِّحْلَتَيْنِ كِلَاهُمَا ... عِنْدَ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةَ الْأَصْيَافِ كَانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فَتَفَلَّقَتْ ... فَالْمُحُّ خَالِصُهُ لِعَبْدِ مَنَافِ الرَّائِشِينَ وَلَيْسَ يُعْرَفُ رَائِشٌ ... وَالْقَائِلِينَ هَلُمَّ لِلْأَضْيَافِ وَالضَّارِبِينَ الْكَبْشَ يَبْرُقُ بِيضُهُ ... وَالْمَانِعِينَ الْبَيْضَ بِالْأَسْيَافِ لِلَّهِ دَرُّكَ لَوْ نَزَلْتَ بِدَارِهِمْ ... مَنَعُوكَ مِنْ ذُلٍّ وَمِنْ إِقْرَافِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْكُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ الْحَمْدِ وَصَاحِبُ بِئْرِ مَكَّةَ مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ وَالْوُحُوشِ وَالسِّبَاعِ فِي الْفَلَاءِ الَّذِي كَأَنَّ وَجْهَهُ قَمَرٌ يَتَلَأْلَأُ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ الدَّاجِيَةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ الْإِفَاضَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ أَنْتَ؟ -[285]- قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ النَّدْوَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ الرِّفَادَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَمِنَ الْمُفِيضِينَ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا ثُمَّ جَذَبَ أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ النَّاقَةِ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ سَيْلًا يَدْفَعُهْ ... يَهِضُبهُ حِينًا وَحِينًا يَصْدَعُهْ ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ لَوْ ثَبَتَّ لِي لَخَبَّرْتُكَ أَنَّكَ مِنْ زَمَعَاتِ قُرَيْشٍ وَلَسْتَ مِنَ الذَّوَائِبِ فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ وَقَعْتَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ فَقَالَ: أَجَلْ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَامَّةٍ إِلَّا فَوْقَهَا طَامَّةٌ وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى مَجْلِسٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَإِذَا مَشَايِخُ لَهُمْ أَقْدَارٌ وَهَيْئَاتٌ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ حِينٍ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: نَحْنُ بَنُو شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَالْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَيْسَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ عِزٍّ فِي قَوْمِهِمْ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ وَكَانَ أَقْرَبَ الْقَوْمِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ مَفْرُوقٌ قَدْ غَلَبَهُمْ بَيَانًا وَلِسَانًا وَكَانَ لَهُ غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَى -[286]- صَدْرِهِ وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ مَجْلِسًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ وَلَنْ يُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّةٍ قَالَ: فَكَيْفَ الْمَنَعَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ جِدٌّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ؟ قَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا أَشَدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نُلْقَى وَإِنَّا أَشَدُّ مَا نَكُونُ لِقَاءً إِذَا غَضِبْنَا وَإِنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالسِّلَاحَ عَلَى اللِّقَاحِ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُدِيلُنَا مَرَّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا مَرَّةً لَعَلَّكَ أَخُو قُرَيْشٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَهَا هُوَ ذَا فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِلَامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُظَلِّلُهُ بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَى اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ تُؤُوُونِي وَتَمْنَعُونِي وَتَنْصُرُونِي حَتَّى أُؤَدِّيَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَنِي بِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَذَّبَتْ رَسُولَهُ وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ قَالَ لَهُ: وَإِلَامَ تَدْعُوا أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} -[287]-[الأنعام: 153] وَقَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ: وَإِلَامَ تَدْعُوا أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَوَاللَّهِ مَا هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَعَرَفْنَاهُ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فَقَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ: دَعَوْتَ وَاللَّهِ يَا قُرَشِيُّ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ وَلَقَدْ أُفِكَ قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَّامِ هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ فَقَالَ: وَهَذَا هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا فَقَالَ لَهُ هَانِئٌ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ وَصَدَّقْتُ قَوْلَكَ وَإِنِّي أَرَى أَنَّ تَرْكَنَا دِينَنَا وَاتِّبَاعَنَا إِيَّاكَ عَلَى دِينِكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ إِنْ لَمْ نَتَفَكَّرْ فِي أَمْرِكَ وَنَنْظُرْ فِي عَاقِبَةِ مَا تَدْع

215 - قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعَامِرِيُّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا -[289]-: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قُلْنَا: مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: " §مِنْ أَيِّ بَنِي عَامِرٍ؟ قُلْنَا: بَنُو كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: وَكَيْفَ الْمَنَعَةُ فِيكُمْ؟ قُلْنَا: لَا يُرَامُ مَا قِبَلَنَا وَلَا يُصْطَلَى بِنَارِنَا قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ أَتَيْتُكُمْ تَمْنَعُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَمْ أُكْرِهْ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ؟ قَالُوا: وَمِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالُوا: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؟ قَالَ: هُمْ أَوَّلُ مَنْ كَذَّبَنِي وَطَرَدَنِي قَالُوا: وَلَكِنَّا لَا نَطْرُدُكَ وَلَا نُؤْمِنُ بِكُ وَنَمْنَعُكَ حَتَّى تُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّكَ قَالَ: فَنَزَلَ إِلَيْهِمُ الْقَوْمُ يَتَسَوَّقُونَ إِذْ أَتَاهُمْ بَجَرَةُ بْنُ قَيْسٍ الْقُشَيْرِيُّ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي أَرَاهُ عِنْدَكُمْ أُنْكِرُهُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: مَا لَكُمْ وَلَهُ؟ قَالُوا: زَعَمَ لَنَا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ يَطْلُبُ إِلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ قَالَ: فَمَاذَا رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: قُلْنَا فِي الرَّحْبِ وَالسَّعَةِ نُخْرِجُكَ إِلَى بِلَادِنَا وَنَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ بِهِ أَنْفُسَنَا قَالَ بَجَرَةُ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ السُّوقِ يَرْجِعُ بشَيْءٍ أَشَرَّ مِنْ شَيْءٍ تَرْجِعُونَ بِهِ بَدَأْتُمْ لِتَنَابُذِ النَّاسِ وَتَرْمِيكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدٍ قَوْمُهُ أَعْلَمُ بِهِ لوْ آنَسُوا مِنْهُ خَيْرًا لَكَانُوا أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ تَعْمِدُونَ إِلَى رَهِيقِ قَوْمٍ قَدْ طَرَدَهُ قَوْمُهُ وَكَذَّبُوهُ فَتُؤْوُونَهُ وَتَنْصُرُونَهُ؟ فَبِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قُمْ فَالْحَقْ بِقَوْمِكَ فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ عِنْدَ قَوْمِي لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَاقَتِهِ فَرَكِبَهَا فَغَمَزَ الْخَبِيثُ بَجَرَةُ شَاكِلَتَهَا فَقَمَصَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَتْهُ وَعِنْدَ بَنِي عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ -[290]- ضُبَاعَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ قُرْطٍ كَانَتْ مِنَ النِّسْوَةِ اللَّاتِي أَسْلَمْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ جَاءَتْ زَائِرَةً إِلَى بَنِي عَمِّهَا فَقَالَتْ: يَا آلَ عَامِرٍ وَلَا عَامِرَ لِي أَيُصْنَعُ هَذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لَا يَمْنَعُهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ؟ فَقَامَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ بَنِي عَمِّهَا إِلَى بَجَرَةَ وَاثْنَانِ أَعَانَاهُ فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلًا فَجَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ عَلَوْا وُجُوهَهُمْ لَطْمًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالْعَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ: فَأَسْلَمَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ نَصَرُوهُ فَقُتِلُوا شُهَدَاءَ وَهَلَكَ الْآخَرُونَ لَعْنًا وَاسْمُ الثَّلَاثَةِ نَفَرٍ الَّذِينَ نَصَرُوا بَجَرَةَ فِرَاسٌ وَحَزْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ عُبَادَةَ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغِطْرِيفٌ وَغَطَفَانُ ابْنَا سَهْلٍ وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أُخْبِرْنَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إِلَى شَيْخٍ لَهُمْ قَدْ كَانَ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يُوَافِيَ مَعَهُمُ الْمَوْسِمَ فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِ حَدَّثُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَأَلَهُمْ عَمَّا كَانَ فِي مَوْسِمِهِمْ فقَالُوا: جَاءَنَا فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّهُ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَمْنَعَهُ وَنَقُومَ مَعَهُ وَنَخْرُجَ بِهِ مَعَنَا -[291]- إِلَى بِلَادِنَا قَالَ: فَوَضَعَ الشَّيْخُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي عَامِرٍ هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ؟ هَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مُطَّلِبٍ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ مَا تَقَولَهَا إِسْمَاعِيلِيٌّ قَطُّ أَلَا إِنَّهَا الْحَقُّ فَأَيْنَ كَانَ رَأْيُكُمْ؟

216 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مِنْجَابٌ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ، عَنْ أَشْيَاخِ قَوْمِهِ أَنَّهُمْ حَدَّثُوهُ قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يَنْصُرُهُ أَهْلُ مَدَرٍ وَنَخْلٍ فَأَتَى كِنْدَةَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِيَ مَنَامِي أَنَّهُ §يَنْصُرُنِي أَهْلُ مَدَرٍ وَنَخْلٍ فَأَنْتُمْ أَهْلُ مَدَرٍ وَنَخْلٍ فَهَلْ لَكُمْ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ إِنْ جَعَلْتَ لَنَا الْوِلَايَةَ بَعْدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُ فَاعِلَهُ وَأَدْبَرُوا عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وُجُوهُ مُلُوكٍ وَأَعْقَابُ غَدَرَةٍ "

217 - حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ يَقُولُ: " §أَلَا رَجُلٌ يَعْرِضُنِي عَلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ هَمْدَانَ قَالَ: فَعِنْدَ -[292]- قَوْمِكَ مَنَعَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ إِنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَخْفِرَهُ قَوْمُهُ فَرَجَعَ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَذْهَبُ فَأَعْرِضُ عَلَى قَوْمِي ثُمَّ آتِيَكَ فَذَهَبَ وَجَاءَتْ وُفُودُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ لَفْظُ مُصْعَبٍ أَتَمُّ

218 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدَسَ الْمِصْرِيُّ قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْفَرْوِيُّ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى الْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ أَنْ يُؤْوُوهُ إِلَى قَوْمِهِمْ حَتَّى يُبَلِّغَ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرِسَالَاتِهِ وَلَهُمُ الْجَنَّةُ "

219 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " §أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ نُبُوَّتِهِ مُسْتَخْفِيًا ثُمَّ أَعْلَنَ فِي الرَّابِعَةِ فَدَعَا عَشْرَ سِنِينَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ يَتْبَعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ وَمِجَنَّةَ وَذِي الْمَجَازِ يَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَهُمُ الْجَنَّةُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَنْصُرُهُ حَتَّى إِنَّهُ يسَأَلَ عَنِ الْقَبَائِلِ وَمَنَازِلِهِمْ قَبِيلَةً قَبِيلَةً حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَلَمْ يَلْقَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَذَى قَطُّ مَا لَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَإِنَّهُمْ لَيَرْمُونَهُ مِنْ -[293]- وَرَائِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي مُحَارِبِ بْنِ خَصَفَةَ فَوَجَدَ فِيهِمْ شَيْخًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ فَقَالَ الشَّيْخُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ قَوْمُكَ أَعْلَمُ بِنَبَئِكَ وَاللَّهِ لَا يَؤُوبُ بِكَ رَجُلٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا آبَ بِشَرِّ مَا يَؤُوبُ بِهِ أَهْلُ الْمَوْسِمِ فَأَغْنِ عَنَّا نَفْسَكَ وَإِنَّ أَبَا لَهَبٍ لَقَائِمٌ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمُحَارِبِيِّ ثُمَّ وَقَفَ أَبُو لَهَبٍ عَلَى الْمُحَارِبِيِّ فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ كُلُّهُمْ مِثْلَكَ لَتَرَكَ هَذَا الدِّينَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِنَّهُ صَابِئٌ كَذَّابٌ قَالَ الْمُحَارِبِيُّ: أَنْتَ وَاللَّهِ أَعْرَفُ بِهِ؛ هُوَ ابْنُ أَخِيكَ ولَحْمَتُكَ ثُمَّ قَالَ الْمُحَارِبِيُّ: لَعَلَّ بِهِ يَا أَبَا عُتْبَةَ لَمَمًا فَإِنَّ مَعَنَا رَجُلًا مِنَ الْحَيِّ يَهْتَدِي لِعِلَاجِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ أَبُو لَهَبٍ بشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا رَآهُ وَقَفَ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ صَاحَ بِهِ أَبُو لَهَبٍ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَمِنَ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ الْوَاقِدِيُّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بَنُو عَامِرٍ وَغَسَّانُ وَبَنُو فَزَارَةَ وَبَنُو مُرَّةَ وَبَنُو حَنِيفَةَ وَبَنُو سُلَيْمٍ وَبَنُو عَبْسٍ وَبَنُو نَصْرٍ مِنْ هَوَازِنَ وَثَعْلَبَةُ بْنُ الْعُكَابَةِ وَكِنْدَةُ وَكَلْبٌ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَبَنُو عُذْرَةَ وَقَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ وَأَبُو الْجَيْشِ أَنَسُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ

ذكر قصة بني عبس

§ذِكْرُ قِصَّةِ بَنِي عَبْسٍ

220 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَابِصَةَ الْعَبْسِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَازِلِنَا أَيْ مَنَازِلَ بَنِي عَبْسٍ بِمِنًى وَنَحْنُ نَازِلُونَ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهُوَ -[294]- عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا خَلْفَهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَدَعَانَا فَوَاللَّهِ مَا اسْتَجَبْنَا لَهُ وَلَا خَيْرَ لَنَا قَالَ: وَقَدْ كُنَّا سَمِعْنَا بِهِ وَبِدُعَائِهِ فِي الْمَوْسِمِ فَوَقَفَ عَلَيْنَا يَدْعُونَا فَلَمْ نَسْتَجِبْ لَهُ وَكَانَ مَعَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ مَسْرُوقٍ الْعَبْسِيُّ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ صَدَّقْنَا هَذَا الرَّجُلَ وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَحِلَّ بِهِ وَسَطَ رِحَالِنَا لَكَانَ الرَّأْيَ؛ فَأَحْلِفَ بِاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ كُلَّ مَبْلَغٍ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: دَعْنَا عَنْكَ لَا تُعَرِّضْنَا لِمَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ فَطَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَيْسَرَةَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ مَيْسَرَةُ: مَا أَحْسَنَ كَلَامَكَ وَأَنْوَرَهُ، ولَكِنَّ قَوْمِي يُخَالِفُونَنِي وَإِنَّمَا الرَّجُلٌ بِقَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَضِّدُوهُ فَالْعَدَا أَبْعَدُ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ صَادِرِينَ إِلَى أَهْلِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ مَيْسَرَةُ: مِيلُوا بِنَا إِلَى فَدَكٍ فَإِنَّ بِهَا يَهُودَ نُسَائِلُهُمْ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَمَالُوا إِلَى يَهُودَ فَأَخْرَجُوا سِفْرًا لَهُمْ فَوَضَعُوهُ ثُمَّ دَرَسُوا ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ يَرْكَبُ الْجَمَلَ وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ وَلَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبْطِ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ مُشْرَبُ اللَّوْنِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَادْخُلُوا فِي دِينِهِ فَإِنَّا نَحْسُدُهُ فَلَا نَتَّبِعُهُ وَلَنَا مِنْهُ فِي مَوَاطِنَ بَلَاءٌ عَظِيمٌ وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا اتَّبَعَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَكُونُوا مِمَّنْ يَتَّبِعُهُ فَقَالَ مَيْسَرَةُ: يَا قَوْمِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَيِّنٌ قَالَ الْقَوْمُ: نَرْجِعُ إِلَى الْمَوْسِمِ فَنَلْقَاهُ فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَبَى ذَاكَ عَلَيْهِمْ رِجَالُهُمْ فَلَمْ يَتَّبِعْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ لَقِيَهُ مَيْسَرَةُ فَعَرَفَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ حَرِيصًا عَلَى اتِّبَاعِكَ مِنْ يَوْمِ أَنَخْتَ بِنَا حَتَّى كَانَ مَا كَانَ وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا مَا تَرَى مِنْ تَأْخِيرِ إِسْلَامِي وَقَدْ مَاتَ عَامَّةُ النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي فَأَيْنَ مُدْخَلُهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §كُلُّ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي النَّارِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَنِي فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ لَهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مَكَانٌ لَفْظُ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ

221 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا أَفْسَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَحِيفَةَ مَكْرِهِمْ خَرَجَ النبيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَعَاشُوا وَخَالَطُوا النَّاسَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفٍ لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ وَيَقُولُ: لَا أُكْرِهُ مِنْكُمْ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مَنْ رَضِيَ الَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ قَبِلَهُ وَمَنْ كَرِهَهُ لَمْ أُكْرِهْهُ إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تَحُوزُونِي مِمَّا يُرَادُ بِي مِنَ الْقَتْلِ فَتَحُوزُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَيَقْضِي اللَّهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا أَتَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ إِلَّا قَالُوا: قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِهِ أَفَتَرَى رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ؟ وَذَلِكَ لِمَا ادَّخَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَنْصَارِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ وَازْدَادَ مِنَ الْبَلَاءِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِدَّةٌ فَعَمَدَ إِلَى ثَقِيفٍ يَرْجُو أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَنْصُرُوهُ فَوَجَدَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ سَادَةَ ثَقِيفٍ وَهُمْ إِخْوَةٌ: عَبْدَ يَالِيلَ بْنَ عَمْرٍو وَحَبِيْبَ بْنَ عَمْرٍو وَمَسْعُودَ بْنَ عَمْرٍو فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَشَكَا إِلَيْهِمُ الْبَلَاءَ وَمَا انْتَهَكَ قَوْمُهُ مِنْهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَسْرِقُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ بَعَثَكَ بشَيْءٍ قَطُّ وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا كَلِمَةً وَاحِدَةً أَبَدًا لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا لَأَنْتَ أَعْظَمُ شَرَفًا وَحَقًّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ وَقَالَ الْآخَرُ: أَعَجَزَ اللَّهُ أَنْ يُرْسِلَ غَيْرَكَ وَأَفْشَوْا ذَلِكَ فِي ثَقِيفٍ الَّذِي قَالَ لَهُمْ وَاجْتَمَعُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[296]- وَقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ فَأَخَذُوا بِأَيْدِيهِمُ الْحِجَارَةَ فَجَعَلَ لَا يَرْفَعُ رِجْلَهُ وَلَا يَضَعُهَا إِلَّا رَضَخُوهَا بِالْحِجَارَةِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَهْزِءُونَ وَيَسْخَرُونَ فَلَمَّا خَلَصَ مِنْ صَفَّيْهَمْ وَقَدَمَاهُ تَسِيلَانِ الدِّمَاءَ عَمَدَ إِلَى حَائِطٍ مِنْ كُرُومِهِمْ فَأَتَى ظِلَّ حَبْلَةٍ مِنَ الْكَرْمِ فَجَلَسَ فِي أَصْلِهَا مَكْرُوبًا مُوجَعًا تَسِيلُ قَدَمَاهُ الدِّمَاءَ فَإِذَا فِي الْكَرْمِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمَا كَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُمَا؛ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَبِهِ الَّذِي بِهِ فَأَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامَهُمَا عَدَّاسًا بِعِنَبٍ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى فَلَمَّا أَتَاهُ وَضَعَ الْعِنَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §بِسْمِ اللَّهِ فَعَجِبَ عَدَّاسٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَهْلِ مَدِينَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى؟ فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَأْنِ يُونُسَ مَا عَرَفَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا يُبَلِّغُهُ رِسَالَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي خَبَرَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَلَمَّا أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَأْنِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِ خَرَّ سَاجِدًا للِرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا تَسِيلَانِ الدِّمَاءَ فَلَمَّا أَبْصَرَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ مَا فَعَلَ غُلَامُهُمَا سَكَتَا فَلَمَّا أَتَاهُمَا قَالَا لَهُ: مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ وَقَبَّلْتَ قَدَمَيْهِ وَلَمْ نَرَكَ فَعَلْتَ هَذَا بِأَحَدٍ مِنَّا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ حَدَّثَنِي عَنْ أَشْيَاءَ عَرَفْتُهَا مِنْ شَأْنِ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا يُدْعَى يُونُسَ بْنَ مَتَّى فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَضَحِكَا وَقَالَا: لَا يَفْتِنْكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ إِنَّهُ رَجُلٌ يَخْدَعُ ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ "

222 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنِ ابْنِ رُومَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: §جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ فَلَمْ يَأْتِ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ كَانَ أَلْيَنَ مِنْهُمْ فَلَمَّا رَأَى لِينَهُمْ وَقُوَّةَ جَبَهِهِمْ لَهُ جَعَلَ يُكَلِّمُهُمْ وَيَقُولُ: أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ فَإِنْ أَظْهَرُ فَأَنْتُمْ بِالْخِيَارِ فَقَالَ عَامَّتُهُمْ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَكِنَّا نَعْبُدُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا قَالَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ: يَا قَوْمِ اسْبِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيُحَدِّثُونَ أَنَّ نَبِيًّا يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ إِنْسَانٌ أَعْوَرُ فَقَالَ: أَمْسِكُوا عَلَيَّ أَخْرَجَتْهُ عَشِيرَتُهُ وَتُؤْوُونَهُ أَنْتُمْ؟ تَحَمَّلُونَ حَرْبَ الْعَرَبِ قَاطِبَةً؟ لَا ثُمَّ لَا فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ حَزِينًا فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَخَبَّرُوهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ مُخْطِئُونَ بِخَطَئِكُمْ لَوْ سَبَقْتُمْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ لَسُدْتُمُ الْعَرَبَ وَنَحْنُ نَجِدُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِنَا فَوَصَفَهُ الْقَوْمُ الَّذِينَ رَأَوْهُ كُلَّ ذَلِكَ يُصَدِّقُونَهُ بِمَا يَصِفُ مِنْ صِفَتِهِ ثُمَّ قَالَ: نَجِدُ مَخْرَجَهُ بِمَكَّةَ وَدَارَ هِجْرَتِهِ بِيَثْرِبَ فَأَجْمَعَ الْقَوْمُ لِيُوَافُوهُ فِي الْمَوْسِمِ القَابِلٍ فَحَبَسَهُمْ سَيِّدٌ لَهُمْ عَنْ حَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ فَلَمْ يُوَافِ أَحَدًا مِنْهُمْ فَمَاتَ الْيَهُودِيُّ فَسُمِعَ عِنْدَ مَوْتِهِ يُصَدِّقُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤْمَنُ بِهِ

223 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا -[298]- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْجَازِ مَوْعِدِهِ لَهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ §يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلِّهَا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ خَيْرًا

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: §لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْخَزْرَجُ قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي الْيَهُودِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ وَكَانُوا هم أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ وَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَدْ عَزُّوهُمْ بِبِلَادِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ: إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، قَالَ: فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمِ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدُكُمْ بِهِ الْيَهُودُ؛ فَلَا تَسْبِقِنَّكُمْ إِلَيْهِ فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَصَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِكَ فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرِكَ وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ

الَّذِي أَجَبْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ؛ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سِتَّةُ نَفَرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَهُمْ تَيْمُ اللَّهِ ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ، وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَّادِ بْنِ غَنْمٍ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبٍ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي، وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيٍّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَافَى الْمَوْسِمَ مِنَ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى فَبَايَعُوهُ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِضَ عَلَيْهِمُ الْحَرْبَ فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمَهُمُ الْإِسْلَامَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ وَكَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُسَمَّى بِالْمَدِينَةَ الْمُقْرِئَ وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي النَّجَّارِ "

224 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ: ثنا -[300]- الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمًا وَهُوَ يَذْكُرُ الْأَنْصَارَ وَفَضْلَهُمْ وَسَابِقَتَهُمْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ §لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ وَيَعْرِفْ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ هُمْ وَاللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفَلْوُ فِي فِنَائِهِمْ بِأَسْيَافِهِمْ وَطُولِ أَلْسِنَتِهِمْ وَسَخَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي الْمَوَاسِمِ فَيَدْعُو الْقَبَائِلَ مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَجِيبُ لَهُ وَيَقْبَلُ مِنْهُ دُعَاءَهُ فَقَدْ كَانَ يَأْتِي الْقَبَائِلَ بِمَجَنَّةَ وَعُكَاظٍ وَبِمِنًى حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الْقَبَائِلَ يَعُودُ إِلَيْهِمْ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى إِنَّ الْقَبَائِلَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا آنَ لَكَ أَنْ تَيْأَسَ مِنَّا؟ مِنْ طُولِ مَا يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرَادَ بِهَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَاسْتَجَابُوا وأسرعوا وَآوَوْا وَنَصَرُوا وَوَاسَوْا فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ فَنَزَلْنَا مَعَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَقَدْ تَشَاحُّوا فِينَا حَتَّى أَنْ كَانُوا لَيَقْتَرِعُونَ عَلَيْنَا ثُمَّ كُنَّا فِي أَمْوَالِهِمْ أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ ثُمَّ بَذَلُوا مُهَجَ أَنْفُسِهِمْ دُونَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ "

225 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَتْ: " §أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْذَى وَيُشْتَمُ حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ مَا أَرَادَ مِنَ الْكَرَامَةِ فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَفَرٍ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَهُمْ يَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا أُمَّهْ؟ قَالَتْ: سِتَّةُ نَفَرٍ أَوْ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ثَلَاثَةٌ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَابْنَا عَفْرَاءَ وَلَمْ تُسَمِّ لِي مَنْ بَقِيَ قَالَتْ -[301]-: فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَوَافَوْا قَابِلَ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى ثُمَّ كَانَتِ الْعَقَبَةُ الْآخِرَةُ قُلْتُ لِأُمِّ سَعْدٍ: وَكَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي صِرْمَةَ قَيْسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا قَالَ فَأَنْشَدَتْنِي قَوْلَهُ: [البحر الطويل] ثَمَّ فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ لَاقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا وَيَعْرِضُ فِيهَا فِي الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى ... وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطِيْبَةَ رَاضِيَا وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ"

226 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ حَدَّثَنِي أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " §لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَا عَمِّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرٌ دِينَهُ بِقَوْمٍ يُهَوَّنُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ قُرَيْشٍ عِزًّا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْضِ بِي إِلَى عُكَاظٍ فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ يَمْنَعُونِي وَيُؤْوُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ -[302]- عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرْسَلَنِي بِهِ قَالَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا ابْنَ أَخِي امْضِ إِلَى عُكَاظٍ فَأَنَا مَاضٍ مَعَكَ حَتَّى أَدُلُّكَ عَلَى مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَقِيفٍ ثُمَّ اسْتَقَرأ الْقَبَائِلَ فِي سَنَتِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُعْلِنَ الدُّعَاءَ لَقِيَ السِّتَّةَ نَفَرٍ الْخَزْرَجِيِّينَ وَالْأَوْسِيِّينَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَلَقِيَهُمْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ مِنًى عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبَيَاءَهُ وَرُسُلَهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَرَّقَ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حِينَ سَمِعُوا وَأَجَابُوهُ فَمَرَّ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ فَعَرَفَ صَوْتَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ابْنَ أَخِي مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا عَمِّ سُكَّانُ يَثْرِبَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَدَعْوَتُهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَنِي إِلَى بِلَادِهِمْ فَنَزَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ هَذَا ابْنُ أَخِي وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُمْ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ وَأَرَدْتُمْ إِخْرَاجَهُ مَعَكُمْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي وَلَا تَخْذُلُوهُ وَلَا تُغْرُوهُ فَإِنَّ جِيرَانَكُمُ الْيَهُودُ وَالْيَهُودُ لَهُ عَدُوٌّ وَلَا آمَنُ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَشَقَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَبَّاسِ حِينَ اتُّهِمَ عَلَيْهِ سَعْدٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فَلْنُجِبْهُ غَيْرَ مُخَشِّنِينَ بِصَدْرِكَ وَلَا مُتَعَرِّضِينَ لشَيْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ إِلَّا تَصْدِيقًا لِإِجَابَتِنَا إِيَّاكَ وَإِيمَانًا بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِيبُوهُ غَيْرَ مُتَّهَمِينَ فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَقْبَلَ عَلَى -[303]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِكُلِّ دَعْوَةٍ سَبِيلًا إِنْ لِينٌ وَإِنْ شِدَّةٌ وَقَدْ دَعَوْتَ الْيَوْمَ إِلَى دَعْوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ لِلنَّاسِ مُتَوَعِّرَةٍ عَلَيْهِمْ دَعَوْتَنَا إِلَى تَرْكِ دِينِنَا وَاتِّبَاعِكَ عَلَى دِينِكَ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ وَدَعَوْتَنَا إِلَى قَطْعِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْجِوَارِ وَالْأَرْحَامِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ وَدَعَوْتَنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ فِي دَارِ عِزٍّ وَمَنَعَةٍ لَا يَطْمَعُ فِيهَا أَحَدٌ أَنْ يَرْأَسَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ غَيْرِنَا قَدْ أَفْرَدَهُ قَوْمُهُ وَأَسْلَمَهُ أَعْمَامُهُ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الرُّتَبِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَزَمَ اللَّهُ عَلَى رُشْدِهِ وَالْتَمَسَ الْخَيْرَ فِي عَوَاقِبِهَا وَقَدْ أَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا وَصُدُورِنَا وَأَيْدِينَا؛ إِيمَانًا بِمَا جِئْتَ بِهِ وَتَصْدِيقًا بِمَعْرِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي قُلُوبِنَا نُبَايِعُكَ عَلَى ذَلِكَ وَنُبَايِعُ رَبَّنَا وَرَبَّكَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِينَا وَدِمَاؤُنَا دُونَ دَمِكَ وَأَيْدِينَا دُونَ يَدِكَ نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَإِنْ نَفِي بِذَلِكَ فَلِلَّهِ نَفِي وَإِنْ نَغْدِرْ فَبِاللَّهِ نَغْدِرُ وَنَحْنُ بِهِ أَشْقِيَاءُ هَذَا الصِّدْقُ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لَنَا بِالْقَوْلِ دُونَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَنَحْنُ قَدْ قَطَعْنَا الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَذَا الرَّحِمِ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ لَيْسَ بِكَذَّابٍ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْبَشَرِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لَا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخُذْ مَا شِئْتَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ -[304]- فَقَالَ الْعَبَّاسُ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكُمْ عَهْدُ اللَّهِ مَعَ عَهُودِكُمْ وَذِمَّةُ اللَّهِ مَعَ ذِمَّتِكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ تُبَايِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ اللَّهَ اللَّهُ رَبُّكُمْ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيكُمْ لَتَجِدُّنَّ فِي نَصْرِهِ وَلَتَشُدُّنَّ لَهُ مِنْ أَزْرِهِ وَلَتُوفُنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ بِدَفْعِ أَيْدِيكُمْ وَصَرْحِ أَلْسِنَتِكُمْ وَنُصْحِ صُدُورِكُمْ لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا وَلَا رَهْبَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَيْكُمْ وَلَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ قَالُوا جَمِيعًا: نَعَمْ قَالَ: اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ رَاعٍ وَوَكِيلٌ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ وَإِنَّ هَذَا ابْنَ أَخِي قَدِ اسْتَرْعَاهُمْ ذِمَّتَهُ وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ اللَّهُمَّ فَكُنْ لِابْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ وَرَضِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَدْ كَانُوا قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلكَ فَمَا لَنَا؟ قَالَ: رِضْوَانُ اللَّهِ وَالْجَنَّةُ قَالُوا: رَضِينَا وَقَبِلْنَا فَأَقْبَلَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَمَوْلِدِهِ وَعَشِيرَتِهِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسْلِمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلَاءٍ يَنْزِلُ بِكُمْ فَالْآنَ؛ فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَا بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ وَالْأَرْحَامِ وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى -[305]- سِيسَائِهَا فَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا لَحِقْتَ بِبَلَدِكَ وَتَرَكْتَنَا وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: خَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ الِاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ ال

227 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " §لَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ حَجَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَالَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ أَيْقَنُوا وَاطْمَأَنُّوا إِلَى دَعْوَتِهِ وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ بِصِفَتِهِ وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَصَدَّقُوا وَآمَنُوا بِهِ وَكَانُوا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ قَالُوا لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ الدِّمَاءِ وَنَحْنُ ثَمَّ نُحِبُّ مَا أَنْ نَشُدَّ بِهِ أَمْرَكَ وَنَحْنُ لِلَّهِ وَلَكَ مُجْتَهِدُونَ وَإِنَّا نُشِيرُ عَلَيْكَ بِمَا نَرَى فَامْكُثْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا فَنُخْبِرَهُمْ بِشَأْنِكَ وَنَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَنَا وَيَجْمَعَ أَمْرَنَا، فَإِنَّا الْيَوْمَ مُتَبَاعِدُونَ مُتَبَاغِضُونَ، فَإِنْ تَقْدَمْ عَلَيْنَا وَلَمْ نَصْطَلِحْ لَمْ يَكُنْ لَنَا جَمَاعَةٌ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ نُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالُوا، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ سِرًّا، وَأَخْبَرُوهُمْ -[307]- بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِهِمْ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ فَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ أَدْنَى أَنْ يُتَّبَعَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَنَزَلَ فِي بَنِي غَنْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا فَيَفْشُو الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُسْتَخْفُونَ بِدُعَائِهِمْ ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا بِئْرَ مَرَقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَجَلَسَا هُنَاكَ وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَتَوْهُمْ مُسْتَخْفِينَ فَبَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ أُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَأَتَاهُمْ فِي لَأْمَتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: عَلَامَ تَأْتِينَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْفَرِيدِ الطَّرِيحِ الْغَرِيبِ يُسَفِّهُ ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ، وَيَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا أَرَاكُمْ بَعْدَهَا بشَيْءٍ مِنْ جِوَارِنَا، فَرَجَعُوا ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا الثَّانِيَةَ لِبِئْرِ مَرَقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَأُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَتَوَاعَدَهُمْ تَوَعُّدًا دُونَ الْوَعِيدِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا رَأَى أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْهُ لِينًا قَالَ: يَا ابْنَ خَالَةٍ، اسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ سَمِعْتَ مُنْكَرًا فَارْدُدْهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، وَإِنْ سَمِعْتَ حَقًّا فَأَجِبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 2] فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا أَسْمَعُ إِلَّا مَا أَعْرِفُ -[308]-، فَرَجَعَ قَدْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمُ الْإِسْلَامَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَقَالَ: مَنْ شَكَّ فِيهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ نَأْخُذْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلَامِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَدُعَائِهِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُذَكِّرْ، فَكَانَتْ أَوَّلَ دُورٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَتْ بِأَسْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَانْتَقَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَدْعُو وَيَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ وَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَكُسِرَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَكَانَتِ الْمُسْلِمُونَ أَعَزَّ أَهْلِهَا وَصَلُحَ أَمْرُهُمْ، وَرَجَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئَ، ثُمَّ حَجَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ وَثَلَاثُونَ شَابًّا، وَأَصْغَرُهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا حَدَّثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالَّذِي خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ أَجَابُوا وَصَدَّقُوا وَقَالُوا: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، قَالَ: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْبُدُوهُ، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» فَلَمَّا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ اشْتَرَطَ لَهُ الْعَبَّاسُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَّمَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ -[309]- التَّيْهَانِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا، وَالْحِبَالُ الْحِلْفُ وَالْمَوَاثِيقُ، فَلَعَلَّنَا نَقْطَعُهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَوْمِكَ وَقَدْ قَطَعْنَا الْحِبَالَ وَحَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: «الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ وَالْهَدْمَ» فَلَمَّا رَضِيَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُ الْيَوْمَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ تُخْرِجُوهُ تَرْمِكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَادْعُوهُ إِلَى أَرْضِكُمْ، فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَإِنْ خِفْتُمْ خِذْلَانَهُ فَمِنَ الْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَبِلْنَا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَخَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَلْنُبَايِعْهُ فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا كُلُّهُمْ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ تَحَالَفُ عَلَى قِتَالِكُمْ، فَفَزِعُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَرَاعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُعْكُمْ هَذَا الصَّوْتُ، فَإِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، لَيْسَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَخَافُونَ» وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ بِالشَّيْطَانِ فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَزَبَّ، أَهَذَا عَمَلُكَ؟ سَأَفْرُغُ لَكَ» وَبَلَغَ قُرَيْشًا الْحَدِيثُ فَأَقْبَلُوا حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتَوَطَّئُونَ عَلَى رَحْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُبْصِرُونَهُمْ فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مِلْنَا عَلَى أَهْلِ مِنًى بِأَسْيَافِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ اتَّفَقُوا عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَأَوْفَوْا بِالشَّرْطِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[310]- ثُمَّ صَدَرُوا رَابِحِينَ رَاشِدِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مَلْجَأً وَأَنْصَارًا وَدَارَ هِجْرَةٍ 228 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أ

الفصل السابع عشر ومما ظهر من الآيات في مخرجه إلى المدينة وفي طريقه صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ وَمِمَّا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ فِي مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي طَرِيقهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

229 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عَوَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ يَقُولُ: أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ فَسَمِعْتُهُمْ يُحَدِّثُونَ أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْغَارِ §أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَجَرَةً فَنَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الْغَارِ فَسَتَرَتْهُ وَأَمَرَ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ بِعِصِيِّهِمْ وَحَرْبَاتِهِمْ وَسُيُوفِهِمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا جَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ فِي الْغَارِ فَقَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَسَمِعَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ دَرَأَ بِهِمَا فَدَعَا لَهُنَّ وَسَمَتَ عَلَيْهِنَّ وَفَرَضَ جَزَاءَهُنَّ وَنَزَلْنَ بِالْحَرَمِ

230 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ -[326]- الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ: قَدْ §رَأَيْتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ بِأَرْضٍ سَبِخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أنت وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصُحْبَتِهِ وَعَلَفَ أَبُو بَكْرٍ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ الشَّجَرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا مُقَنِّعًا رَأْسَهُ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حِينَ ذَاكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَالصُّحْبَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثَّمَنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا -[327]- لَهُمَا سَفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ؛ فَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ فَلَحِقَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادُان بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدُّئِلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ فَأَمَّنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالِي الثَّلَاثِ فَارْتَحَلَا وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدَّيلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ وَهُوَ طَرِيقُ أَذَاخِرَ

231 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَثْرَمُ قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ -[328]-: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَقْدَامُ الْمُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ لَرَآنَا قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ §مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟

232 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ ثنا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قِبَلَ الْغَارِ غَارِ ثَوْرٍ وَهُوَ الْغَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: وَأَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ثَوْرٍ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَلَوْهُ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ أَصْوَاتَهُمْ فَأَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَاشْتَدَّ خَوْفُهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {§لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] " وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتِ السَّكِينَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40] وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ مِنْ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ بِمَكَّةَ فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْعَى عَلَيْهِمَا وَكَانَ عَامِرٌ مُوَلَّدًا مِنْ مُوَلَّدِي الْأَزْدِ وَكَانَ لِلطُّفَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ وَهُوَ أَبُو الْحَارِثِ بْنُ الطُّفَيْلِ وَكَانَ أَخَا عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لِأُمِّهِمَا فَأَسْلَمَ عَامِرٌ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الطُّفَيْلِ فَأَعْتَقَهُ وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ يَرْعَى الْغَنَمَ فِي ثَوْرٍ يُرَوِّحُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ كُلَّ لَيْلَةٍ يَحْلِبَانِ وَيُرِيحَانِ ثُمَّ يَسْرَحُ بُكْرَةً فَيُصْبِحُ مَعَ رُعَاةُ النَّاسِ فَلَا يَفْطُنُ لَهُ أَحَدٌ

233 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ثنا أبُو دَاوُدُ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَا: يَا غُلَامُ §عِنْدَكَ لَبَنٌ تَسْقِينَا؟ فَقُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ وَلَسْتُ بسَاقِيَكُمَا قَالَا: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّرْعَ فَمَسَحَهُ وَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ منقعرة فَحَلَبَ فِيهَا ثُمَّ شَرِبَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ سَقَيَانِي ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ فَقَلَصَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الطِّيبِ يَعْنِي الْقُرْآنَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً مَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ

234 - حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَسْلَمَ وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلِ رَحْلِي إِلَى مَنْزِلِي، قَالَ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنِي كَيْفَ صَنَعْتَ حَيْنَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا -[330]- وَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، فَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى ظِلًّا نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا فِيهَا ظِلٌّ، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاضْطَجَعَ ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظُرُ هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، ثُمَّ أَدْلَجْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا فَلَمْ يُدْرِكْنَا مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنْا، فَقَالَ: " {§لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا بَكَيْتُ فَقَالَ لِي: لِمَ تَبْكِي؟ فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَبْكِي عَلَى نَفْسِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبْكِ» ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ» فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ فَوَثَبَ عَنْهَا وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ فَدَعَا اللَّهَ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّانَا النَّاسُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنَازَعَتِ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ؟ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ قَالَ الْبَرَاءُ: وَلَمْ يَقْدَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَأَ قُرْآنًا مِنَ الْمُفَصَّلِ

235 - حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ -[331]- قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الْحَرَّةِ وَبَعَثَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ قَالَ: فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ قَالَ: فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: §جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ قَالَ: فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: فَأَتَاهُ لَيُحَدِّثَ أَهْلَهُ إِذْ يَسْمَعُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لَهُ يَخْتَرِفُ مِنْهُ فَعَجَّلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيهَا فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنَ نَبِيِّ اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي قَالَ: فَقَالَ: انْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا قَالَ: فَذَهَبَ أَبُو أَيُّوبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقِيلَا: قَالَ: فَلَمَّا خَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْيَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ فَادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنَّنِي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ -[332]- الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ أَسْلِمُوا قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ قَالَ: فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا فَقَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَا لِلَّهِ مَا كَانَ يُسْلِمُ قَالَ: يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا وَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِحَقٍّ قَالُوا: كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

236 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ ثنا يُوسُفُ بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وثنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَبَلَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ، عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، عَنْ أَخِيهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا §خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا جَعَلَتْ قُرَيْشٌ لِمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا إِنِّي لَأَرَاهُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ: فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنَيَّ أَنِ اسْكُتْ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ قَالَ: لَعَلَّهُ قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي فَأَمَرْتُ بِفَرَسِي إِلَى بَطْنِ الْوَادِي وَأَمَرْتُ بِسِلَاحِي فَأُخْرِجْتُ مِنْ وَرَاءِ حَجَرٍ ثُمَّ أَخَذْتُ قِدَاحِي لِأَسْتَقْسِمَ بِهَا ثُمَّ انْطَلَقْتُ فَلَبِسْتُ لَأْمَتِي ثُمَّ -[333]- أَخْرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ لَا يَضُرَّهُ قَالَ: وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ فَآخُذَ الْمِائَةَ، فَرَكِبْتُ فِي أَثَرِهِ فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدُّ بِي عَثَرَ بِي فَسَقَطْتُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟ ثُمَّ أَخْرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ لَا يَضُرُّهُ قَالَ: فَأَبَيْتُ إِلَّا أَنْ أَتْبَعَهُ فَرَكِبْتُ فِي أَثَرِهِ فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدُّ بِي عَثَرَ بِي فَسَقَطْتُ عَنْهُ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ ثُمَّ أَخْرَجَتْ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ لَا يَضُرُّهُ قَالَ: فَأَبَيْتُ إِلَّا أَنْ أَتْبَعَهُ فَرَكِبْتُ فَلَمَّا بَدَا لِي الْقَوْمُ فَرَأَيْتُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يَلْتَفِتُ وَيُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَزَجَرْتُهَا فَتَمَعَّضَت فَلَمْ تَكَدْ تَخْرُجْ فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذْ لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ مِنَ الدُّخَانِ. وَفِي سِيَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَنَادَيْتُ: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنْظِرُونِي أُكَلِّمْكُمْ فَوَاللَّهِ لَا أُرِيبكُمْ وَلَا يَأْتِيكُمْ مِنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُونَهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: قُلْ لَهُ: مَا تَبْغِي مِنَّا؟ قَالَ: فَقَالَ لِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ: قُلْتُ: تَكْتُبُ لِي كِتَابًا يَكُونُ لِي آيَةً بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَالَ: اكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ قَالَ: فَكَتَبَ لِي كِتَابًا فِي عَظْمٍ أَوْ فِي رَقِّ أَوْ فِي خِرْقَةٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ , فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي كِنَانَتِي ثُمَّ رَجَعْتُ فَسَكَتُّ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ خَرَجْتُ وَمَعِي الْكِتَابُ لِأَلْقَى بِهِ فَلَقِيتُهُ بِالْجِعْرَانَةِ قَالَ: فَدَخَلْتُ فِي كَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي -[334]- بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ مَاذَا تُرِيدُ؟ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ قَالَ: فَرَفَعْتُ يَدِي بِالْكِتَابِ ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كِتَابُكَ لِي أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ ادْنُهْ قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَسْلَمْتُ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَذْكُرُهُ إِلَّا أَنِّي قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الضَّالَّةُ مِنَ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي وَقَدْ مَلَأْتُهَا لِإِبِلِي هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ إِنْ سَقَيْتُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ» قَالَ سُرَاقَةُ: فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَسُقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَتِي

237 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي دُخُولِهِ الْغَارَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسِيرِهِ مَعَهُ حِينَ سَارُوا فِي طَلَبِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ إِيَّاهُمْ: [البحر البسيط] §قَالَ النَّبِيُّ وَلَمْ أَجْزَعْ يُوَقِّرُنِي ... وَنَحْنُ فِي سُدْنَةٍ فِي ظُلْمَةِ الْغَارِ لَا تَخْشَ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّهَ ثَالِثُنَا ... وَقَدْ تَوَكَّلَ لِي مِنْهُ بِإِظْهَارِ وَإِنَّمَا كَيْدُ مَنْ تَخْشىَ بَوَادِرَهُ ... كَيْدُ الشَّيَاطِينِ كَادَتْهُ لِكُفَّارِ وَاللَّهُ مُهْلِكُهُمْ طُرًّا بِمَا كَسَبُوا ... وَجَاعِلُ الْمُنْتَهَى مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ وَأَنْتَ مُرْتَحِلٌ عَنْهُمْ وَتَارِكُهُمْ ... إِمَّا غُدُوًّا وَإِمَّا مُدْلِجٌ سَارِ -[335]- وَهَاجِرٌ أَرْضَهُمْ حَتَّى يَكُونَ لَنَا ... قَوْمٌ عَلَيْهِمْ ذَوُو عَزٍّ وَأَنْصَارِ حَتَّى إِذَا اللَّيْلُ وَارَانَا جَوَانِبُهُ ... وَسُدَّ مِنْ دُونِ مَنْ نَخْشَى بِأَسْتَارِ سَارَ الْأُرَيْقِطُ يَهْدِينَا وَأَنِيقُهُ ... يَنْعَبْنُ بِالْقَوْمِ نَعْبًا تَحْتَ أَكْوَارِ يَعْسِفْنَ عَرْضَ الثَّنَايَا بَعْدَ أَطْوَلِهَا ... وَكُلُّ سَهِبٍ دَقِيقُ التُّرْبِ مَوَّارِ حَتَّى إِذَا قُلْتُ قَدْ أَنْجَدْنَ عَارِضَنَا ... مِنْ مُدْلِجٍ فَارِسٍ فِي مَنْصِبٍ وَارِ يُرْدَى بِهِ مُشَرَّفُ الْأَقْطَارِ مُعْتَرِمٌ ... كَالسَّيْدِ ذِي اللُّبْدةِ الْمُسْتَأْسِدِ الضَّارِي فَقَالَ كِرُّوا فَقُلْنَا إِنَّ كَرَّتَنَا ... مِنْ دُونِهَا لَكَ نَصْرُ الْخَالِقِ الْبَارِي إِنْ تُخْسَفِ الْأَرْضُ بِالْأُخْرَى وَفَارِسِهَا ... فَانْظُرْ إِلَى مِرْبَعٍ فِي الْأَرْضِ خَوَّارِ فَهِيلَ لَمَّا رَأَى أَرْسَاغَ مَقْرَبِهِ ... قَدْ سُخْنَ فِي الْأَرْضِ لَمْ تُحْفَرْ بِمِحْفَارِ فَقَالَ هَلْ لَكُمْ أَنْ تُطْلِقُوا فَرَسِي ... وَتَأْخُذُوا مَوْثِقِي فِي نُصْحِ أَسْرَارِ وَأَصْرِفُ الْحَيَّ عَنْكُمْ إِنْ لِقِيتُهُمْ ... وَأَنْ أُعَوِّرَ مِنْهُمْ عَيْنَ عُوَّارِ فَادْعُ الَّذِي هُوَ عَنْكُمْ كَفَّ عَدْوَتَنَا ... يُطْلِقْ جَوَادِي فَأَنْتُمْ خَيْرُ أَبْرَارِ فَقَالَ قَوْلًا رَسُولُ اللَّهِ مُبْتَهِلًا ... يَا رَبِّ إِنْ كَانَ يَنْوِي غَيْرَ إِخْفَارِ فَنَجِّهِ سَالِمًا مِنْ شَرِّ دَعْوَتِنَا ... وَمُهْرُهُ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ آثَارِ -[336]- فَأَظْهَرَ اللَّهُ إِذْ يَدْعُو حَوَافِرَهُ ... وَفَازَ فَارِسُهُ مِنْ هَوْلِ أَخْطَارِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا: [البحر الطويل] أَلَمْ تَرَنِي صَاحَبْتُ أَيْمَنَ صَاحِبٍ ... عَلَى وَاضِحٍ مِنْ سُنَّةِ الْحَقِّ مَنْهَجِ فَلَمَّا وَلَجْتُ الْغَارَ قَالَ مُحَمَّدٌ ... أَمِنْتَ فَثِقْ فِي كُلِّ مَمْسً وَمَدْلَجِ بِرَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُنَا الَّذِي ... نَبُوءُ بِهِ فِي كُلِّ مَثْوًى وَمَخْرَجِ وَلَا تَحْزَنَنَّ فَالْحُزْنُ وِزْرٌ وَفِتْنَةٌ ... وَإِثْمٌ عَلَى ذِي النُّهْيَةِ الْمُتَحَرِّجِ فَمَا زَالَ فِيمَا قَالَ مَنْ كُلِّ خُطَّةٍ ... عَلَى الصِّدْقِ يَأْتِينَا بِهِ لَمْ يُلَجْلِجِ إِذَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَقَالَةُ بَيَّنَتْ ... رَسَائِلُ صِدْقٍ وَحْيُهَا غَيْرُ مُرْتَجِ مَلَائِكَةٌ مِنْ عِنْدِ مَنْ جَلَّ ذِكْرُهُ ... مَتَى تَأْتِنَا بِالْوَحْيِ يَا قَوْمُ تَعْرُجِ فَقَدْ زَادَ نَفْسِي وَاطْمَأَنَّتْ وَآمَنَتْ ... بِهِ الْيَوْمَ مَا لَاقِي جَوَادُ ابْنِ مُدْلِجِ سُرَاقَةَ إِذْ يَبْغِي عَلَيْنَا وَلِيْدُهُ ... عَلَى أَعْوَجِيٍّ كَالْهِرَاوَةِ مُدْلِجِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا رَبِّ أنْجِهِ ... فَمَهْمَا تَشَا مِنْ مَاطِعِ الْأَمْرِ فَرِّجِ فَسَاخَتْ بِهِنَّ الْأَرْضُ حَتَّى تَغَيَّبَتْ ... حَوَافِرُهُ فِي بَطْنِ وَادٍ مُعَجَّجِ فَأَغْنَاهُ رَبُّ الْعَرْشِ عَنَّا وَرَدَّهُ ... وَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ لَمْ يَتَفَرَّجِ وَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِيمَا يَزْعُمُونَ حِينَ سَمِعَ بِشَأْنِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ وَمَا يَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَأَى مِنْ أَمْرِ الْفَرَسِ حِينَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ وَتَخَوَّفَ أَبُو جَهْلٍ سُرَاقَةَ أَنْ يُسْلِمَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى فَقَالَ: [البحر الطويل] بَنِي مُدْلِجٍ إِنِّي أَخَافُ سَفِيهَكُمْ ... سُرَاقَةَ مُسْتَغْوٍ لِنَصْرِ مُحَمَّدِ عَلَيْكُمْ بِهِ لَا يَفْرِقَنَّ جُمُوعَكُمْ ... فَتُصْبِحُ شَتى بَعْدَ عِزٍّ وَسُؤدَدِ -[337]- يَظُنُّ سَفِيهُ الْحَيِّ إِنْ جَاءَ شُبْهَةً ... عَلَى وَاضِحٍ مِنْ سُنَّةِ الْحقِِّ مُهْتَدِ فَأَنَّى يَكُونُ الْحَقُّ مَا قَالَ إِذْ غَدَا ... وَلَمْ يَأْتِ بِالْحَقِّ الْمُبِينِ الْمُسَدَّدِ وَلَكِنَّهُ وَلَّى غَرِيبًا بِسُخْطِةٍ ... إِلَى يَثْرِبَ مِنَّا فَيَا بُعْدَ مَوْلِدِ وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ يَثْرِبَ هَارِبًا ... لَأَشْجَاهُ وَقْعُ الْمَشْرَفِيِّ الْمُهَنَّدِ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ أَبَا جَهْلٍ فِيمَا قَالَ: [البحر الطويل] أَبَا حَكَمٍ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ شَاهِدًا ... لِأَمْرِ جَوَادِي إِذْ تَسِيخُ قَوَائِمُهْ عَجِبْتَ وَلَمْ تَشْكُكْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ... نَبِيُّ وَبُرْهَانٌ فَمَنْ ذَا يُكَاتِمُهْ عَلَيْكَ بِكَفِّ الْقَوْمِ عَنْهُ فَإِنَّنِي ... أَرَى أَنَّ يَوْمًا مَا سَتَبْدُو مَعَالِمُهْ بِأَمْرٍ تَوَدُّ النَّصْرُ فِيهِ بِالْبَهَا ... لَوْ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ طُرًّا يُسَالِمُهْ

238 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدٍ الْعَزِيزِ وثنا أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ وثنا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السِّرَاجُ قَالَ: ثنا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحْرِزُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامٍ، عَنْ جَدِّهِ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَدَلِيلُهُمُ اللَّيْثِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أريقطٍ فَمَرُّوا عَلَى -[338]- خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ وَكَانَتْ بَرْزَةً جِلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسَرِ الْخَيْمَةِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ قَالَ: بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَفَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟ قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي نَعَمْ إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا بِيَدِهِ وَسَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ فَدَعَا بِإِنَاءٍ يَرِيْضُ الرَّهَطَ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا ثُمَّ شَرِبَ آخِرُهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرَاضَوْا ثُمَّ حَلَبَ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهَا فَقَالَ مَا لَبِثَتْ إِذ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هَزْلًا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا وَالشَّاةُ عَازِبٌ حَائِلٌ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ قَالَتْ: " §رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الْوَجْهِ حَسَنَ الْخَلْقِ لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ وَلَمْ تَزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وفِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ وَفِي -[339]- عُنُقِهِ سَطَعٌ وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَزَجُّ أَقْرَنُ إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُم مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ لَا نَذْزٌ وَلَا هَذْرٌ كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ تحَدَّرْنَ رَبْعَةٌ لَا بَائِنُ مِنْ طُولٍ وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ هُوَ أَنْظَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ لَا عَابِسَ وَلَا مُعْتَدَ قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ: [البحر الطويل] جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهِ عَنْهُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا تُجَازَى سُؤْدُدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تْشَهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرهاَ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمْدَانَ وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَسْمَعُونهَُ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ -[340]-. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ الْهَاتِفَ شَبَّ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ وَهُوَ يَقُولُ: [البحر الطويل] لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِ وَيَغْتَدِي تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورِ مُجَدِّدِ هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ ... فَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَرْشُدِ وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عِمَايَتُهُمْ هَادٍ بِهِ كُلُّ مُهْتَدِي وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ ... رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ نَبِيُّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدِ اللَّهُ يَسْعَدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ بَلَغَنِي أَنَّ أُمَّ مَعْبَدٍ هَاجَرَتْ وَأَسْلَمَتْ وَلَحِقَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ: الْبَرَزَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الْجَلْدَةُ تَظْهَرُ لِلنَّاسِ وَيَجْلِسُ إِلَيْهَا الْقَوْمُ وَقَوْلُهُ: كَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ الْمُرْمِلُ: الَّذِي قَدْ نَفِدَ زَادُهُ وَقَوْلُهُ: مُسْنِتِينَ هُمُ الَّذِينَ أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ وَهِيَ الْأَزْمَةُ وَالْمَجَاعَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا قَالَ: يَالَ فُلَانٍ فَذَلِكَ فِي الِاسْتِغَاثَةِ بِالْفَتْحِ وَيَالَ -[341]- الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَرَادَ التَّعَجُّبَ وَالنِّدَاءَ قَالَ: يَالِ فُلَانٍ بِالْكَسْرِ وَقَوْلُهُ: كِسَرُ الْخَيْمَةِ: هُوَ مُؤَخَّرُهَا وَفِيهِ لُغَتَانِ كِسَرِ وَكَسْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْكِسَرُ هُوَ فِي مُقَدَّمِ الْخَيْمَةِ وَقَوْلُهُ: فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ: يَعْنِي فَرَّجَتْ رِجْلَيْهَا كَمَا تَفْعَلُ الَّتِي تُحْلَبُ وَقَوْلُهُ: بِإِنَاءِ يَرْيِضُ الرَّهَطَ أَيْ يُنَهْنِهُهُمْ مِمَّا يَجْتَرِيهِمْ لِكَثْرَتِهِ إِذَا شَرِبُوهُ وَقَوْلُهُ: فَحَلَبَ فِيهَا ثَجًّا يَعْنِي سَيْلًا وَكَذَلِكَ كُلُّ سَيْلٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحَجِّ فَقَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ سَيْلُ دِمَاءِ الْهَدْيِ وَقَوْلُهُ: أَرَاضُوا: أَصْلُ هَذَا فِي صَبِّ اللَّبَنِ عَلَى اللَّبَنِ وَمَعْنَى قَوْلِهَا أَرَاضُوا: هُوَ شُرْبُ لَبَنٍ صُبَّ عَلَى لَبَنٍ وَقَوْلُهُ فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا: يَقُولُ: تَرَكَهُ وَقَوْلُهُ: يَسُوقُ أَعْنُزًا تَسَاوَكْنَ هُزْلًا وَالتَّسَاوُكُ: الْمَشْيُ الضَّعِيفُ وَقَوْلُهُ: وَالشَّاةُ عَازِبٌ يَعْنِي قَدْ عَزِبْنَ عَنِ الْبَيْتِ فَخَرَجْنَ إِلَى الْمَرْعَى وَقَوْلُهُ: الْحِيَّلُ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَوَامِلَ وَقَوْلُهَا فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ يَعْنِي الْجَمَالَ وَالْوَضِيءُ الْجَمِيلُ وَالْمُتَبَلِّجُ: الْوَجْهُ الَّذِي فِيهِ إِضَاءَةٌ وَنُورٌ رَجُلٌ مُتَبَلِّجٌ وَأَبْلَجُ قَالَ الْأَعْشَى: [البحر السريع] حَكَّمْتُمُوهُ فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجَ مِثْلَ الْقَمَرِ الْبَاهِرِ وَقَوْلُهَا: لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ وَمَعْنَاهُ عِظَمُ الْبَطْنِ تَقُولُ: فلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ -[342]- وَقَوْلُهَا: لَمْ تَزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ تُرِيدُ صِغَرَ الرَّأْسِ يُقَالُ رَجُلٌ صَعْلٌ وَقَوْلُهَا: وَسِيمٌ قَسِيمٌ كِلَاهُمَا هُوَ الْجَمَالُ قَالَ: وَقَالَ الشَّاعِرُ يَمْدَحُ قَوْمًا: [البحر الطويل] كَأَنَّ دَنَانِيرَ عَلَى قَسَمَاتِهِمْ ... وَإِنْ كَانَ قَدْ شَفَّ الْوُجُوهَ لِقَاءُ يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ لِقَاءُ الْحَرْبِ قَدْ شَفَّهُمْ فَإِنَّ جَمَالَهُ عَلَى حَالِهِ يُرِيدُ بِالْقَسَمَاتِ الْوُجُوهَ الْحِسَانَ وَقَوْلُهَا: فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وهُوَ سَوَادُ الْحَدَقَةِ يُقَالُ: رَجُلٌ أَدْعَجُ وَامْرَأَةٌ دَعْجَاءُ وَقَوْلُهَا فِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّهَا مَعْطُوفَةً وَأَنَا أَظُنُّهَا وَطْفًا وَكَذَلِكَ كُلُّ مُسْتَطِيلٍ مُسْتَرْسِلٍ. . وَأَيْضًاالسَّحَابَةُ الدَّانِيَةُ مِنَ الْأَرْضِ وَطْفٌ وَقَوْلُهَا: فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ إِنَّهُ صَحَلَ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْبَحَحِ وَلَيْسَ بِالشَّدِيدِ مِنْهُ وَلكَنَّهُ حَسَنٌ وَبِذَلِكَ تُوصَفُ الظِّبَاءُ وَقَوْلُهَا: فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ هُوَ الطُّولُ يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ أَسْطَعُ وَامْرَأَةٌ سَطْعَاءُ وَهَذَا مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ النَّاسُ، وَقَوْلُهَا: أَزَجُّ هُوَ الْمُقَوَّسُ الْحَاجِبَيْنِ وَالْأَقْرَنُ: هُوَ الَّذِي الْتَ

239 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ فَدَفَعَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى قَيْصَرَ , وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَاهُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِنَسْأَلَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا إِلَيْهِ -[344]- قَالَ: أَيُّ قَرَابَةٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي قَالَ قَيْصَرُ: ادْنُوهُ مِنِّي ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفَيَّ ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ عَلَيهِ حِينَ سَأَلَنِي وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي الْكَذِبَ فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: كَيْفَ حَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَهَلْ فِي آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لَا أَخَافُ أَنْ يُؤْثَرَ غَيْرُهَا قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا مَرَّةً وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْكَفَافِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ: قُلْ لَهُ: أَنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسْبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ: لَوْ -[345]- كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ لَقُلْتُ: يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ ضُعَفَاؤهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سُخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَهُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ دُوَلٌ يُدَالُ عَلَيْكُمْ مَرَّةً وَيُدَالُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ فِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِه؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ حَتَّى أَلْقَاهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ -[346]- الْإِرِيسِيِّينَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الرُّومِ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ وَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمَرَّ أَمْرُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكَ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ مُتَيَقِّنًا دَلِيلًا أَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فِي رِوَايَةٍ: وَحَضَرْتُهُ يَتَحَادَرُ جَبِينُهُ عَرَقًا مِنْ كَرْبِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِسَالَتِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران: 64] الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33] الْآيَةَ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]

240 - حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ثنا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ -[347]-، عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بَعَثَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي بِكِتَابٍ إِلَى قَيْصَرَ فَقُمْتُ بِالْبَابِ وَقُلْتُ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَزِعُوا لِذَلِكَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ بِالْبَابِ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ §مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ قَالَ ابْنُ أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبِطُ الشَّعْرِ قَدْ نَخِرَ ثُمَّ قَالَ: لِمَ لَمْ يَكْتُبْ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ وَلَمْ يَبْدَأْ بِكَ؟ فَلَا تَقْرَأْ كِتَابَهُ الْيَوْمَ فَقَالَ لَهُمْ: أَخْرِجُوهُ وَدَعَا بِالْأُسْقُفِّ وَكَانُوا يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ فَيَقْبَلُونَ قَوْلَهُ فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَتَّبِعُوهُ قَالَ قَيْصَرُ: وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تَقُولُ وَلَكِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَّبِعَهُ فَيَذْهَبُ مُلْكِي فَيَقْتُلُنِي الرُّومُ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ: ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: بَلِّغْ صَاحِبَكَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلَكِنْ لَا أَتْرُكُ مُلْكِي ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَبَّلَهُ وَطَوَاهُ فِي الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ. وَأَمَّا الْأُسْقُفُّ فَإِنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَحَدٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَيُذَكِّرُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَقْعُدُ إِلَى يَوْمِ الْأَحَدِ فَكُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُنِي فَلَمَّا جَاءَ الْأَحَدُ انْتَظَرُوهُ يَخْرُجُ إِلَيهِم فَلَمْ يَخْرُجْ وَاعْتَلَّ عَلَيْهِمْ بِالْمَرَضِ فَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى كَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ حَضَرُوا ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لَنَدْخُلَنَّ عَلَيْكَ فَإِنَّا قَدْ أَنْكَرْنَاكَ مُنْذُ قَدِمَ هَذَا الْعَرَبِيُّ قَالَ دِحْيَةُ: فَبَعَثَ الْأُسْقُفُّ إِلَيَّ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى صَاحِبِكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَأَنَّهُ ابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ رَجَعَ دَحْيَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[348]- فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رُسُلَ عَامِلِ كِسْرَى عَلَى صَنْعَاءَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ وَقَدْ كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى كِسْرَى بِكِتَابٍ وَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى صَاحِبِهِ بِصَنْعَاءَ يَتَوَعَّدُهُ وَيَقُولُ: أَلَا تَكْفِينِي رَجُلًا بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دِينِهِ أَوْ أُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَأَنَا صَاغِرٌ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَاتَلَنِي فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيَّ قَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ؟ لَتَكْفِنِيهِ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ فَبَعَثَ صَاحِبُ صَنْعَاءَ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَ صَاحِبِهِمْ تَرَكَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِعْرَاضًا فَلَمَّا مَضَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً تَقَدَّمُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُمْ دَعَاهُمْ وَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا: إِنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقُوا فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي صنع وَبِالَّذِي قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ صَاحِبُهُمْ: تَحْفَظُونَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ لَيْلَةُ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ: أَخْبِرُونِي كَيْفَ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مَا رَأَيْنَا مَلِكًا أَهْيَبَ مِنْهُ لَا يَخَافُ شَيْئًا آمِنًا لَا يُحْرَسُ وَلَا يَرْفَعُ أَصْحَابُهُ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ قَالَ دِحْيَةُ: ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ كِسْرَى قُتِلَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ

241 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: دَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ -[349]- قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ مَلِكِ فَارِسَ وَكَتَبَ مَعَهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ اللَّهِ فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ " فَلَمَّا قُرِئَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّقَهُ وَقَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا الْكِتَابَ وَهُوَ عَبْدِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ شَقَّ كِتَابَهُ ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ وَهُوَ عَلَى الْيَمَنِ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ مِنْ عِنْدِكَ رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ قَهْرَمَانَهُ وَهُوَ أبَابوه وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا بِكِتَابِ مَلِكِ فَارِسَ وَبَعَثَ مَعَهُ بِرَجُلٍ مِنَ الْفُرْسِ خَرْخِسْرُو وَكَتَبَ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُ إِلَى كِسْرَى وَقَالَ لِأَبَابوه: وَيْلَكَ انْظُرْ مَا الرَّجُلُ؟ وَكَلِّمْهُ وَائْتِنِي بِخَبَرِهِ فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الطَّائِفَ فَوَجَدُوا رِجَالًا بِنَدْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَرْضِ الطَّائِفِ فَسَأَلُوهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: هُوَ بِالْمَدِينَةِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِمَا وَفَرِحُوا وَقَالَ بَعْضهُمْ لِبَعْضٍ: أَبْشِرُوا فَقَدْ نَصَبَ لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ وَكُفِيتُمُ -[350]- الرَّجُلَ فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أبابوه وَقَالَ: إِنَّ شَاهَانْ شَاهَ مَلِكَ الْمُلُوكِ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ بَاذَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ مَنْ يَأْتِيهِ بِكَ وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِتَنْطَلِقَ مَعِي فَإِنْ فَعَلْتَ كَتَبَ فِيكَ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ بِكِتَابٍ يَنْفَعُكَ وَيَكُفَّ بِهِ عَنْكَ وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ وَهُوَ مُهْلِكُكَ وَمُهْلِكُ قَوْمِكَ وَمُخَرِّبُ بِلَادِكَ وَقَدْ دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ: وَيْلَكُمَا مَنْ أَمْرَكُمَا بِهَذَا؟ قَالَا: أَمَرَنَا بِهَذَا رَبُّنَا يَعْنِيَانِ كِسْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنَّ رَبِّي قَدْ أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: ارْجِعَا حَتَّى تَأْتِيَانِي غَدًا وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فِي لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا لِعِدَّةِ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا أَعْلَمَهُمَا الرَّسُولُ بِذَلِكَ قَالَا: هَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ قَدْ نَقِمْنَا مِنْكَ مَا هُوَ يَسِيرٌ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا فَنَكْتُبُ بِهَذَا عَنْكَ وَنُخْبِرُ الْمَلِكِ قَالَ: نَعَمْ أَخْبِرَاهُ ذَلِكَ عَنِّي وَقُولَا لَهُ: إِنَّ دِينِي وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ وَقُولَا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ الْأَبْنَاءِ ثُمَّ أَعْطَى خَرْخِسْرُو مِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى بَاذَانَ وَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِكَلَامٍ مَلِكٍ وَإِنِّي لَأَرَى هَذَا الرَّجُلَ نَبِيًّا كَمَا يَقُولُ وَلَنَنْظُرُنَّ مَا قَدْ قَالَ فَلَئِنْ كَانَ مَا قَالَ حَقًّا مَا فِيهِ كَلَامٌ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَنَرَى فِيهِ رَأَيْنَا فَلَمْ يَنْشَبْ بَاذَانُ إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ -[351]-: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ كِسْرَى وَلَمْ أَقْتُلْهُ إِلَّا غَضَبًا لِفَارِسَ لِمَا كَانَ قَدِ اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ وَتَجْمِيرِ بُعُوثِهِمْ فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِيَ الطَّاعَةَ مِمَّنْ قِبَلَكَ وَانْظُرِ الرَّجُلَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْكَ كِسْرَى فِيهِ فَلَا تُهَيِّجْهُ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي فَلَمَّا انْتَهَى كِتَابُ شِيرَوَيْهِ إِلَى بَاذَانَ قَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلُ لَرَسُولٌ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَتِ الْأَبْنَاءُ مِنْ فَارِسَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ فَكَانَتْ حِمْيَرُ تَقُولُ لِخِرْخِسْرُو ذُو الْمُعْجِزَةِ الْمِنْطَقَةُ الَّتِي أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمِنْطَقَةُ بِلِسَانِ حِمْيَرَ الْمُعْجِزَةُ فَبَنُوهُ الْيَوْمَ يُنْسَبُونَ إِلَيْهَا خِرْخِسْرُو ذُو الْمَعْجَزَةِ وَقَدْ كَانَ قَالَ أَبَابوه لِبَاذَانَ: مَا كَلَّمْتُ رَجُلًا أَهْيَبَ عِنْدِي مِنْهُ فَقَالَ لَهُ بَاذَانُ: هَلْ مَعَهُ شُرَطٌ؟ قَالَ: لَا

ذكر ما روي في مناجاة الصديق مشركي مكة على غلبة الروم والفرس

§ذِكْرُ مَا رُوِيَ فِي مُنَاجَاةِ الصِّدِّيقِ مُشْرِكِي مَكَّةَ عَلَى غَلَبَةِ الرُّومِ وَالْفُرْسِ

242 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا أَبُو عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ §يُحِبُّونَ أَنْ تَغْلِبَ الرُّومُ؛ لِأَنَّهَا أَهْلُ كِتَابٍ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَغْلِبَ الْفُرْسُ؛ لِأَنَّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيُهْزَمُونَ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا فَإِنْ غَلَبُوا كَانَ لَكَ كَذَا وَكَذَا وَإِنْ غُلِبُوا كَانَ لَنَا فَجَعَلَ -[352]- بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ خَمْسَ سِنِينَ فَمَضَتْ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَا جَعَلْتَ دُونَ الْعَشْرِ. قَالَ سَعِيدٌ: وَالْبِضْعُ دُونَ الْعَشْرِ قَالَ: فَغُلِبَتِ الرُّومُ ثُمَّ غَلَبَتْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {آلم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 5] قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ أَنَّهُمْ غَلَبُوا يَوْمَ بَدْرٍ 243 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {آلم غُلِبَتِ الرُّومُ} فَذَكَرَ مُنَاجَاةَ أَبِي بَكْرٍ مَعَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ نَحْوَهُ وَقَالَ: ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ سَبْعِ سِنِينَ قَالَ الشَّيْخُ: وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الرُّومَ سَيَصِيرُونَ غَالِبِينَ بَعْدَ أَنْ غُلِبُوا فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الْخَبَرِ مَا بِهِمْ مِنَ الِاغْتِمَامِ مِنْ غَلَبَةِ فَارِسَ الرُّومَ فَتَحَقَّقَ وَعْدُ اللَّهِ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ وَأَمَّا مُرَاهَنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَمُنَاحَبَتُهُ لِقُرَيْشٍ كَانَ تَحَرِّيًا وَاجْتِهَادًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَقَعُ فِيهِ الْإِصَابَةُ وَالْخَطَأُ فَإِذَا لَمْ يُصِبْ كَانَ الْخَطَأُ وَاقِعًا فِي تَحَرِّي أَبِي بَكْرٍ لَا فِي إِخْبَارِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا وَعَدَ غَلَبَةَ الرُّومِ فَارِسَ فِي الْبِضْعِ مِنْ سَنَةٍ إِلَى تِسْعٍ فَصَارَ الرُّومُ غَالِبِينَ لَهُمْ فِي الْبِضْعِ تَحْقِيقًا لِخَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَعْدِهِ فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً لِرَسُولِ -[353]- اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَخْبَرَهُمْ بِمَا تَحَقَّقَ صِدْقُهُ وَظَهَرَتْ حَقِيقَتُهُ وَفِي ذَلِكَ ثُبُوتُ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ذكر ما روي في قصة السيد والعاقب لما نكلا عن المباهلة والتزامها الجزية فرارا من المباهلة وذلك قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم إلى قوله تعالى: فنجعل لعنة الله على الكاذبين

§ذِكْرُ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ لَمَّا نَكَلَا عَنِ الْمُبَاهَلَةِ وَالْتِزَامِهَا الْجِزْيَةَ فِرَارًا مِنَ الْمُبَاهَلَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]

244 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ قَالَا: ثنا بِشْرُ بْنُ مِهْرَانَ الْخَصَّافُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " §قَدِمَ عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَاقِبُ وَالطَّيِّبُ، فَدَعَاهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَا: أَسْلَمْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَكَ، قَالَ: «كَذَبْتُمَا، إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا مَا يَمْنَعُكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ» قَالُوا: فَهَاتِ أنْبِئْنَا. قَالَ: «حُبُّ الصَّلِيبِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ» قَالَ جَابِرٌ: فَدَعَاهُمَا إِلَى الْمُلَاعَنَةِ فَوَاعَدَاهُ عَلَى أَنْ يُغَادِيَاهُ بِالْغَدَاةِ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَأَبَيَا أَنْ يُجِيبَاهُ وَأَقَرَّا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْ فَعَلَا لَأَمْطَرَ الْوَادِي عَلَيْهِمَا نَارًا قَالَ جَابِرٌ: فِيهِمْ نَزَلَتْ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61] -[354]- قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ جَابِرٌ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ، وَ {أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، {وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ

245 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ §وَفْدَ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ مِنْهُمُ السَّيِّدُ وَهُوَ الْكَبِيرُ وَالْعَاقِبُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ وَصَاحِبُ رَأْيِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا: أَسْلِمَا قَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا قَالَ: مَا أَسْلَمْتُمَا قَالَا: بَلَى قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ قَالَ: كَذَبْتُمَا مَنَعَكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ فِيكُمَا: عَبَادَتُكُمَا الصَّلِيبِ وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ وَزَعْمُكُمَا أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا وَنَزَلَ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا نَعْرِفُ مَا تَقُولُ وَنَزَلَ: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: 61] مِنَ الْقُرْآنِ {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمُ} [آل عمران: 61] الْآيَةَ {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} [آل عمران: 61] يَقُولُ: نَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ أَنَّ الَّذِيَ جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقُّ هُوَ الْعَدْلُ وَأَنَّ الَّذِي تَقُولُونَ هُوَ الْبَاطِلُ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذَا أَنْ أُبَاهِلَكُمْ قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ بَلْ نَرْجِعُ فَنَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ نَأْتِيكَ قَالَ: فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ -[355]- وَتَصَادَقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَاقِبِ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَئِنْ لَاعَنْتُمُوهُ إِنَّهُ لَاسْتِئْصَالُكُمْ وَمَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَتَّبِعُوهْ وَأَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ فَوَادِعُوهُ وَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِنَفَرٍ مِنْ أَهْلِهِ فَجَاءَ عَبْدُ الْمَسِيحِ بِابْنِهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيُّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ أَنَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُلَاعِنُوهُ وَصَالَحُوهُ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ نَرْجِعْ إِلَى دِينِنَا وَنَدَعُكَ وَدِينَكَ وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَقْضِي بَيْنَنَا وَيَكُونُ عِنْدَنَا عَدْلًا فِيمَا بَيْنَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي الْعَشِيَّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمُ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فَنَظَرَ حَتَّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: اذْهَبْ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ

246 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ قَالَ لِأَحْبَارِ الْيَهُودِ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُجَدِّدَ بِمَسْجِدِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَهْدًا فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَوَافَاهُمْ وَقَدِ انْصَرَفُوا مِنَ الْحَجِّ فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى وَالنَّاسُ حَوْلَهُ فَقَامَ مَعَ -[356]- النَّاسِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: ادْنُ فَدَنَوْتُ مُنْهُ فَقَالَ: " §أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ أَمَا تَجِدُنِي فِي التَّوْرَاةِ رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: انْعَتْ رَبَّنَا قَالَ: فَجَاءَ جِبْرَئِيلُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] إِلَى آخِرِهَا فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ انْصَرَفَ ابْنُ سَلَامٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَتَمَ إِسْلَامَهُ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَنَا فَوْقَ نَخْلَةٍ لِي أَجُدُّهَا فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي فَقَالَتْ أُمِّي: لِلَّهِ أَنْتَ لَوْ كَانَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مَا كَانَ تَمَّ لَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ مِنْ أَعْلَى النَّخْلَةِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَنَا أَسَرُّ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ إِذَا بُعِثَ

247 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِي نَخْلِهِ فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ فَإِنْ أَنْتَ أخْبَرَتْنِي بِهَا آمَنْتُ بِكَ فَسَأَلَهُ عَنِ الشَّبَهِ وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يَحْشُرُ النَّاسَ وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرَئِيلُ آنِفًا قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ عَدُوُّ الِيَهُودِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا الشَّبَهُ §إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ ذَهَبَتْ بِالشَّبَهِ وَأَوَّلُ مَا يَحْشُرُ النَّاسَ نَارٌ تَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ رَأْسُ ثَوْرٍ وَكَبِدُ -[357]- حُوتٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَسْمَعُوا بِإِيمَانِي بِكَ يَبْهَتُونِي وَوَقَعُوا فِيَّ فَأَخْبِئْنِي لَهُمْ وَابْعَثْ إِلَيْهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَجَاءُوا فَقَالَ: مَا عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَخَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ تُسْلِمُونَ؟ قَالُوا لَهُ: أَعَاذَهُ اللَّهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَا كَانَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَ: اخْرُجْ يَا ابْنَ سَلَامٍ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: بَلْ هُوَ شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا فَقَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ؟

248 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ مِنَ الْأَرْضِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ عَسَى أَنْ يُخْبِرَكُمْ بشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَسْأَلُهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ §مَا الرُّوحُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]

ذكر أخبار الجن وإسلامهم ووفودهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتعرضهم للمسلمين منها ما كان بمكة ومنها ما كان بالمدينة جمعناه في باب واحد

§ذِكْرُ أَخْبَارِ الْجِنِّ وَإِسْلَامِهِمْ وَوَفُودِهِمْ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَرُّضِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهَا مَا كَانَ بِمَكَّةَ وَمِنْهَا مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ جَمَعْنَاهُ فِي بَابٍ وَاحِدٍ

249 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: ثنا أَبُو يَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ: ثنا صَيْفِيُّ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ §بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ شَيْئًا فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ

250 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: ثنا بُنْدَارٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ §فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ وَاسْتَمْسَكَ هَؤُلَاءِ بِعِبَادَتِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57]

251 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: ثنا عَبْدَةُ الصَّفَّارُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ خَبَرًا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[359]-: " {§أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] قَالَ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَنَزَلَتْ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] الْآيَةَ

باب ما روي في جمعهم الصدقات ودفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

§بَابُ مَا رُوِيَ فِي جَمْعِهِمُ الصَّدَقَاتِ وَدَفْعِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

252 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا عَبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ وَحَكِيمُ بْنُ سَيْفٍ الرَّقِّيُّ قَالَا: ثنا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " §خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَتَبِعَهُ رَجُلَانِ وَآخَرُ يَتْلُوهُمَا يَقُولُ: ارْجِعَا حَتَّى أَدْرَكَهُمَا فَرَدَّهُمَا ثُمَّ لَحِقَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَانِ شَيْطَانَانِ وَإِنِّي لَمْ أَزَلْ بِهِمَا حَتَّى رَدَدْتُهُمَا عَنْكَ فَإِذَا أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا وَلَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ لَبَعَثْنَاهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ الْخُلْوَةِ

253 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدٍ الْحَمِيدِ ثنا وَكِيعٌ وَيُحْيِي بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ -[360]- {§وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] قَالَ: كَانُوا تِسْعَةً أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف: 29] قَالُوا: صَهٍ

254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا §مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: آذَنَتْهُ بِهِمْ سَمُرَةٌ، وَقَالَ: قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: شَجَرَةٌ

255 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّاجِيُّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فَجَاءَ ابْنُ سِيرِينَ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ فَجَاءَهُ رَجُلَانِ فَقَالَا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: سَلَانِي عَمَّا بَدَا لَكُمَا فَقَالَا: عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنَ الْجِنِّ مِمَّنْ بَايَعَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنِ اذْهَبَا إِلَى أَبِي رَجَاءٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ سِنًّا مِنِّي لَعَلَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي رَأَى وَسَمِعَ فَانْطَلَقَ الرَّجُلَانِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي رَجَاءٍ فَإِذَا هُوَ فِي جَوْفِ الدَّارِ وَالدَّارُ مَمْلُوءَةٌ رَمْلًا وَإِذْ بَيْنَ يَدَيْهِ نَاقَةٌ تُحْلَبُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا فَقُلْنَا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: سَلَا عَمَّا شِئْتُمْ فَقَالَا: §أَعِنْدَكَ عِلْمٌ مِنَ الْجِنِّ مِمَّنْ بَايَعَ -[361]- النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَتَبَسَّمَ مِثْلَ الْحَسَنِ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي رَأَيْتُ وَبِالَّذِي سَمِعْتُ، كُنَّا فِي سَفَرٍ حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى الْمَاءِ فَضَرَبْنَا أَخْبِيَتَنَا وَذَهَبْتُ أَقِيلُ فَإِذَا أَنَا بِحَيَّةٍ دَخَلَتِ الْخِبَاءَ وَهِيَ تَضْطَرِبُ فَمَدَدْتُ إِدَاوَتِي فَنَضَحْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّمَا نَضَحْتُ عَلَيْهَا الْمَاءَ سَكَنَتْ وَكُلَّمَا حَبَسْتُ عَنْهَا الْمَاءَ اضْطَرَبَتْ حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالرَّحِيلِ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: انْتَظِرُوا حَتَّى أَعْلَمَ هَذِهِ الْحَيَّةَ إِلَامَ تَصِيرُ فَلَمَّا صَلَّيْنَا الْعَصْرَ مَاتَتِ الْحَيَّةُ فَعَمَدْتُ إِلَى عَيْبَتِي فَأَخْرَجْتُ مِنْهَا خِرْقَةً بَيْضَاءَ فَلَفَفْتُهَا وَكَفَّنْتُهَا وَحَفَرْتُ لَهَا وَدَفَنْتُهَا ثُمَّ سِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَلَيْلَتِنَا حَتَّى إِذَا أَصْبَحْتُ وَنَزَلْنَا عَلَى الْمَاءِ وَضَرَبْنَا أَخْبِيَتَنَا فَذَهَبْتُ أَقِيلُ فَإِذَا أَنَا بِأَصْوَاتٍ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ مَرَّتَيْنِ لَا وَاحِدٌ وَلَا عَشْرَةٌ وَلَا مِائَةٌ وَلَا أَلْفٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْجِنُّ بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ قَدْ صَنَعْتَ إِلَيْنَا مَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُجَازِيَكَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَاذَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّ الْحَيَّةَ الَّتِي مَاتَتْ عِنْدَكَ كَانَتْ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ بَايَعَ مِنَ الْجِنِّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ §بَيْنَا أَنَا بِفَلَاةِ كَذَا وَكَذَا إِذَا إِعْصَارَانِ قَدْ أَقْبَلَا أَحَدُهُمَا مِنْ مَكَانٍ وَالْآخَرُ مِنْ -[362]- مَكَانٍ فَالْتَقَيَا فَاعْتَرَكَا ثُمَّ تَفَرَّقَا وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ مِنْهُ حِينَ جَاءَ فَذَهَبْتُ حَتَّى جِئْتُ مُعْتَرَكَهُمَا فَإِذَا مِنَ الْحَيَّاتِ شَيْءٌ مَا رَأَيْتُ قَطُّ غَيْرَهُ وَإِذَا رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ بَعْضِهَا فَجَعَلْتُ أُقَلِّبُ الْحَيَّاتِ أَنْظُرُ مِنْ أَيِّهَا هَذَا الرِّيحُ فَإِذَا ذَلِكَ الرِّيحُ مِنْ حَيَّةٍ صَفْرَاءَ دَقِيقَةٍ فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِخَيْرٍ فِيهَا فَلَفَفْتُهَا فِي عِمَامَتِي ثُمَّ دَفَنْتُهَا فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ نَادَانِي مُنَادٍ وَلَا أَرَاهُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ هُدِيتَ هَذَانِ حَيَّانِ مِنَ الْجِنِّ مِنْ بَنِي شِعَيْبَانَ وَبَنِي أُقَيْسٍ الْتَقَوْا فَكَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ مَا رَأَيْتَ وَاسْتُشْهِدَ الَّذِي أَخَذْتَهُ وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْوَحْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ رَأَيْتَ عَجَبًا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَعَلَيْكَ كَذِبُكَ

257 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ بَكْرٍ التَّيْمِيُّ قَالَ: ثنا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدٌ الْمُكْتِبُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " §خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ يُرِيدُونَ الْحَجَّ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ تَتَثَنَّى عَلَى الطَّرِيقِ أَبْيَضَ يَنْفُخُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: امْضُوا فَلَسْتُ بِنَازِحٍ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصِيرُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْحَيَّةِ قَالَ: فَمَا لَبِثَتْ أَنْ مَاتَتْ فَعَمَدْتُ إِلَى خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ فَلَفَفْتُهَا فِيهَا وَنَحَّيْتُهَا عَنِ الطَّرِيقِ فَدَفَنْتُهَا فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي فِي الْعَشِيِّ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَقُعُودٌ إِذْ أَقْبَلَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ: أَيُّكُمْ دَفَنَ -[363]- عَمْرًا؟ قُلْنَا: وَمَنْ عُمَرَ؟ وقَالَتْ: أَيُّكُمْ دَفَنَ الْحَيَّةَ؟ قُلْتُ: أَنَا قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ دَفَنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا يَأْمُرُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَقَدْ آمَنَ بِنَبِيِّكُمْ وَسَمِعَ صِفَتَهُ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ قَالَ الرَّجُلُ: فَحَمِدْنَا اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ قَضَيْنَا حَجَّنَا ثُمَّ مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ فَأَنْبَأْتُهُ بِأَمْرِ الْحَيَّةِ فَقَالَ: صَدَقْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَقَدْ آمَنَ بِي قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ بِأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ

258 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ظَرِيفٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: خَرَجَ قَوْمٌ يُرِيدُونَ مَكَّةَ فَضَلُّوا الطَّرِيقَ فَلَمَّا عَايَنُوا الْمَوْتَ أَوْ كَادُوا أَنْ يَمُوتُوا لَبِسُوا أَكْفَانَهُمْ وَاضْطَجَعُوا لِلْمَوْتِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ جِنِّيٌّ يَتَخَلَّلُ الشَّجَرَ وَقَالَ: أَنَا بَقِيَّةُ النَّفَرِ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُهُ وَدَلِيلُهُ لَا يَخْذُلُهُ هَذَا الْمَاءُ وَهَذَا الطَّرِيقُ ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى الْمَاءِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ

ما روي في التقائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم

§مَا رُوِيَ فِي الْتِقَائِهِمْ برَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

259 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §انْصَرَفَ رَاجِعًا مِنَ الطَّائِفِ إِلَى مَكَّةَ حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ حَتَّى إِذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَمَرَّ بِهِ النَّفَرُ -[364]- مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ، وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِيمَا بَلَغَنِي: حَسًا، وَمَسًا، وَشَاصِرَةُ، وَنَاصِرَةُ، وَابْنا الْأَرَبِ، وَأَبْيَنُ، وَأَخْضَمُ، فَاسْتَمَعُوا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إِلَى مَا سَمِعُوا فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَهُمْ فِي الْقُرْآنِ {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31] وَقَالَ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1] إِلَى آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ

260 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: " §غَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّائِفِ إِلَى أَنْ رَجَعَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَقَدِمَ مَكَّةَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ وَقَدِمَ عَلَيْهِ الْجِنُّ الْحَجُونَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ الْجِنُّ قَالَ: 261 - فَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ النَّفَرُ السَّبْعَةُ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ مِنْ بَطْنِ نَخْلَةَ وهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَالْأَرْدِيبَانُ وَالْأَحْقَبُ جَاءُوا قَوْمَهُمْ مُنْذِرِينَ فَخَرَجُوا وَافِدِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ فَانْتَهَوْا إِلَى الْحَجُونِ فَجَاءَ الْأَحْقَبُ فَسَلَّمَ -[365]- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّ قَوْمَنَا قَدْ حَضَرُوا الْحَجُونَ يَلْقَوْنَكَ فَوَاعَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ بِالْحَجُونِ 262 - قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حَتَّى نَزَلُوا بِأَعْلَى مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَذْهَبْ مَعِي رَجُلٌ فِي قَلْبِهِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ غِلٍّ عَلَى أَحَدٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَتَنَاوَلْتُ إِدَاوَةً فِيهَا نَبِيذٌ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ: خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحَجُونِ خَطَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: قِفْ هَاهُنَا حَتَّى أَرْجِعَ وَلَا تَخَفْ وَمَضَى قَالُوا: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى جَبَلِهِمْ حِلَقًا حِلَقًا قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى أَسْحَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ لَمْ يَجْلِسْ فَقَالَ لَهُ: مَا زِلْتَ قَائِمًا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قُلْتَ لِي: قِفْ هَاهُنَا فَمَا كُنْتُ أَجْلِسُ حَتَّى أَرَاكَ قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَسْوِدَةً وَأَجْبِلَةً وَسَمِعْتُ لَغَطًا شَدِيدًا قَالَ: هَؤُلَاءِ جِنُّ نَصِيبِينَ جَاءُوا إِلَيَّ فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا بَرَقَ الْفَجْرُ قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ وُضُوءٍ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَعِي إِدَاوَةٌ فِيهَا نَبِيذٌ قَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ قَالَ: اصْبُبْ عَلَيَّ فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَاءَهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ أَقْضِ حَاجَتَكُمَا؟ قَالَا: بَلَى وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَكَ مِنَّا مُصَلٍّ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيَا وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ تَبَارَكَ الْمُلْكَ وَسُورَةَ الْجِنِّ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي -[366]- بِسَمْعِهِ، فَلَبِثَ سَاعَةً، قَالَ: فَمَا عَلَيَّ مَا سَمِعَا مِنَ الْقُرْآنِ وَسَأَلُونِي الزَّادَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ يَزُودُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَوَّدْتُهُمُ الرَّجِيعَ، وَلَا يَجِدُونَ عَظْمًا إِلَّا وَجَدُوهُ عِرْقًا وَلَا رَوْثَةً إِلَّا وَجَدُوهَا تَمْرَةً نَضْرَةً» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُفْسِدُهُ النَّاسُ عَلَيْنَا، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرَّجِيعِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ وَرَأَى الزُّطَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ الَّذِينَ صُرِفُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجُونِ

263 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُزَيْزٍ قَالَ: ثنا سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: " §مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَمْرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ فَلَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي خَطًّا [وَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ] ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ فَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ كَثِيرَةٌ حَتَّى حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ انْطَلَقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ ذَاهِبِينَ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ، وَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمِلْخَةِ فَانْطَلَقَ فَبَرَزَ ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ: مَا فَعَلَ الرَّهْطُ؟ قُلْتُ: هُمْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَخَذَ عَظْمًا وَرَوْثًا فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُمَا ثُمَّ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ

264 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَالَا: ثنا بَقِيَّةٌ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ §اعْتَرَضَ لِي الشَّيْطَانُ فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى أَنِّي لَأَجِدُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى إِبْهَامِي فَيَرْحَمُ اللَّهُ سُلَيْمَانَ فَلَوْلَا دَعْوَتُهُ لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ

265 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ وثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بَنَانٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالُوا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ أَجْمَعُونَ فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] قَالَ: فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا

266 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ -[368]-: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " §أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثًا ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَيْكَ قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُهَا فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثُمَّ قُلْتُ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ فَأَرَدْتُ أَخْذَهُ فَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مَوْثُوقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

267 - وَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَجَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ قَالَا: ثنا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ رَمَضَانَ أَنْ أَحْتَفِظَ بِهَا فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَشَكَا حَاجَتَهُ فَرَحِمْتُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ وَأَصْبَحْتُ -[369]- فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اشْتَكَى حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيْلَةً وَجَهْدًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ حَتَّى كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ جَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَا تَعُودُ وَأَرَاكَ قَدْ عُدْتَ قَالَ: دَعْنِي فَشَكَا عِيَالًا وَحَاجَةً شَدِيدَةً فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَرَحِمَهُ وَأَصْبَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَجَهْدًا فَرَحِمْتُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ فَعَادَ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ فَأَخَذَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ ثَلَاثُ لَيَالٍ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي لَا أَعُودُ وَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَأَصْبَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلَّمَنِي شَيْئًا زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يَنْفَعُنِي بِهِ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي إِذَا أَوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي أَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ عَلَيَّ حَافَظٌ وَلَا يَقْرَبُنِي شَيْطَانٌ حَتَّى أُصْبِحَ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ §صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثٍ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: ذَلِكَ شَيْطَانٌ

268 - وَحُدِّثْنَا عَنْ جَعْفَرٍ الصَّائِغِ قَالَ: ثنا عَفَّانُ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ §أَنَّ رَجُلًا لَقِيَ شَيْطَانًا فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَصَارَعَهُ فَعَفَرَهُ -[370]- فَقَالَ: دَعْنِي لِأُخْبِرَكَ بشَيْءٍ يُعْجِبُكَ قَالَ: لَا حَتَّى تُخْبِرَنِي قَالَ: فَوَدَعَهُ وَقَالَ: أَخْبِرْنِي فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ فَصَارَعَهُ فَعَفَرَهُ فَقَالَ: دَعْنِي لِأُخْبِرَكَ بشَيْءٍ يُعْجِبُكَ قَالَ: لَا حَتَّى تُخْبِرَنِي قَالَ: فَوَدَعَهُ وَقَالَ: أَخْبِرْنِي فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ فَصَارَعَهُ فَعَفَرَهُ فَعَضَّ بِأُصْبُعِهِ فَقَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ بشَيْءٍ يُعْجِبُكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُخْبِرَنِي قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْمَعُ مِنْهَا بشَيْءٍ إِلَّا أَدْبَرَ وَلَهُ هَيْجٌ كَهَيْجِ الْحِمَارِ فَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: وَمَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: وَمَنْ عَسَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

269 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْكَاهِلِيُّ ثنا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[371]-: " §بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودٌ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فِي يَدِهِ عَصًا فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: نَغَمَةُ الْجِنِّ وَغُنَّتُهُمْ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا هَامَةُ بْنُ الْهَيْمِ بْنِ لَاقِيسِ بْنِ إِبْلِيسَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَانِ؟» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَكَمْ أَتَى عَلَيْكُمْ مِنَ الدُّهُورِ؟» قَالَ: [قَدْ أَفْنَيْتُ الدَّهْرَ عُمْرَهَا إِلَّا قَلِيلًا، لَيَالِيَ قَتَلَ قَابِيْلُ هَابِيلَ كُنْتُ غُلَامًا ابْنَ أَعْوَامٍ] أَفْهَمُ الْكَلَامَ، وَأمُرُّ بِالْآكَامِ، وَأمُرُّ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الْعُمُرُ وَاللَّهِ، عَمَلُ الشَّيْخِ الْمُتَوَسِّمِ وَالشَّابُّ الْمُتَلَوِّمُ قَالَ: ذَرْنِي مِنَ التِّعْدَادِ إِنِّي تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي وَقَالَ: لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قُلْتُ: يَا نُوحُ إِنِّي مِمَّنْ أَشْرَكَ فِي دَمِ الْسَعِيدِ الشَّهِيدِ هَابِيلَ بْنِ آدَمَ فَهَلْ تَجِدُ عِنْدَ رَبِّكَ لِي مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ: يَا هَامَةُ هِمَّ بِالْخَيْرِ وَافْعَلْهُ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ إِنِّي قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ تَابَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَالِغًا ذَنْبُهُ مَا بَلَغَ إِلَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقُمْ فَتَوَضَّأْ وَاسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى سَجْدَتَيْنِ قَالَ: فَفَعَلْتُ مِنْ سَاعَتِي مَا أَمَرَنِي بِهِ قَالَ: فَنَادَانِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ نَزَلَتْ تَوْبَتُكَ مِنَ السَّمَاءِ فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا حَوْلًا وَكُنْتُ مَعَ هُودٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي وَقَالَ: لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَكُنْتُ زَوَّارًا لِيَعْقُوبَ وَكُنْتُ مِنْ يُوسُفَ بِالْمَكَانِ الْأَمِينِ وَكُنْتُ أَلْقَى إِلْيَاسَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَأَنَا أَلْقَاهُ الْآنَ وَإِنِّي لَقِيتُ مُوسَى -[372]- بْنَ عِمْرَانَ وَعَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ وَقَالَ: إِنْ أَنْتَ لَقِيتَ عِيسَى فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَإِنِّي لَقِيتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلَامَ وَإِنَّ عِيسَى قَالَ لِي: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى وَقَالَ: وَعَلَى عِيسَى السَّلَامُ مَا دَامَتِ الدُّنْيَا وَعَلَيْكَ يَا هَامَةُ بِأَدَائِكَ الْأَمَانَةَ قَالَ هَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ افْعَلْ بِي مَا فَعَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ إِنَّهُ عَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتِ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمَعُوذَتَيْنِ وَقَالَ: ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ يَا هَامَةُ وَلَا تَدَعْ زِيَارَتَنَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْعَهُ إِلَيْنَا فَلَسْتُ أَدْرِي أَحَيُّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ السِّيَاقُ لِلْقَاضِي قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَإِنِ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] دَافِعًا لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ قِيلَ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِهَذَا عَلَى عُمُومِ النَّاسِ فَأَمَّا فِي زَمَانِ الْأَنْبِيَاءِ فَقَدْ كَانُوا يَظْهَرُونَ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَكَظُهُورِ إِبْلِيسَ مُتَمَثِّلًا بِالشَّيْخِ النَّجْدِيِّ مَعَ قُرَيْشٍ فِي دَارِ النَّدْوَةِ حِينَ اجْتَمَعُوا لِلْمَكْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَقَعَ فِي زَمَانِ النُّبُوَّةِ عَلَى الصَّحَابَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا يُظْهِرُ اللَّهُ لِصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُضَافٌ إِلَى سَائِرِ دَلَالَاتِهِ وَآيَاتِهِ كَإِعْلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْذِ الْجِنِّيَّ وَخَنْقِهِ حِينَ عَرَضَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ لِتَقْوِيَةِ بِصَائِرِهِمْ وَزِيَادَةٍ فِي عِلْمِهِمْ وَفِي إِعْلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِعَوْدِ الْجِنِّيِّ إِلَى أَخْذِهِ تَمْرَةً بُرْهَانٌ أَنَّهَ كَانَ مِمَّا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي لَا يُظْهِرُ عَلَيْهَا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ

الفصل الثامن عشر في ذكر الأخبار من شكوى البهائم والسباع وسجودها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما حفظ من عهده من كلامها فمنه كلام الذئب

§الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي ذِكْرِ الْأَخْبَارِ مِنْ شَكْوَى الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَسُجُودِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا حُفِظَ مِنْ عَهْدِهِ مِنْ كَلَامِهَا فَمِنْهُ كَلَامُ الذِّئْبِ

270 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ قَالَ: ثنا عَبَاسٌ قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السِّيرَافِيُّ قَالَ: ثنا هُرَيْمُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبَّاسُ الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالُوا: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَاعٍ يَرْعَى بِالْحَرَّةِ إِذِ انْتَهَزَ الذِّئْبُ شَاةً فَتَبِعَهُ الرَّاعِي فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَقْبَلَ الذِّئْبُ عَلَى الرَّاعِي فَقَالَ: يَا رَاعِي أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي بِكَلَامِ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ فَسَاقَ الرَّاعِي شَاءَهُ حَتَّى أَتَى إِلَى الْمَدِينَةِ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ دَخَلَ -[374]- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الذِّئْبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ الرَّاعِي أَلَا إِنَّهُ §مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلَامُ السِّبَاعِ الْإِنْسَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَحَتَّى يُكَلِّمَ الرَّجُلُ شِرَاكَ نَعْلِهِ وَيُحَدِّثَهُ سَوْطُهُ وَيُخْبِرُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ

271 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّازَّقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى غَنَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهَا الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ فَصَعَدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ فَأَقْعَى ثُمَّ قَالَ: عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ رَزَقَنِيهِ اللَّهُ فَأَخَذْتَهُ مِنِّي فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الْيَوْمِ قَطُّ ذِئْبًا يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا رَجُلٌ فِي النَّخْلَاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُخْبِرُ بِمَا مَضَى وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّهَا أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتِ مَا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ. قَدْ يُوشِكُ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُحَدِّثَهُ نَعْلَاهُ وَسَوْطُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ

272 - وَقَدْ زَادَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ -[375]-: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بِالْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ أَقْبَلَ ذِئْبٌ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَوَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §هَذَا وَافِدُ السِّبَاعِ إِلَيْكُمْ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَفْرِضُوا لَهُ شَيْئًا لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ وَاحْتَرَزْتُمْ مِنْهُ فَمَا أَخَذَ فَهُوَ رِزْقُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا بِشَيْءٍ لَهُ فَأَوْمَى إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ أَيْ فَخَالِسْهُمْ فَوَلَّى وَلَهُ عَسَلَانُ

ذكر الظبي والضب

§ذِكْرُ الظَّبْيِ وَالضَّبِ

273 - حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ لَفْظِهِ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ ثنا يَعْلَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَزَّالُ قَالَ: ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِخِبَاءِ أَعْرَابِيٍّ فَإِذَا §ظَبْيَةٌ مَشْدُودَةٌ إِلَى الْخِبَاءِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَادَنِي قَبِيلًا وَلِي خَشْفَانِ فِي الْبَرِيَّةِ وَقَدْ تَعَقَّدَ هَذَا اللَّبَنُ فِي أَخْلَافِي فَلَا هُوَ يَذْبَحُنِي فَأَسْتَرِيحُ وَلَا يَدَعُنِي فَأَذْهَبُ إِلَى خَشْفَيَّ فِي الْبَرِيَّةِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ تَرَكْتُكِ تَرْجِعِينَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَإِلَّا عَذَّبَنِي اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْ -[376]- تَلَمَّظُ فَشَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخِبَاءِ وَأَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ وَمَعَهُ قِرْبَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَبِيعَنِيهَا؟ قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهَا تَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

274 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ مَيْمُونٍ ثنا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هِلَالٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " §مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ قَدِ اصْطَادُوا ظَبْيَةً فَشَدُّوهَا عَلَى عَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُخِذْتُ وَإِنَّ لِي خَشْفَيْنِ فَأَسْتَأْذِنْ لِي أَنْ أُرْضِعَهُمَا وَأَعُودُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ قَالَ الْقَوْمُ: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلُّوا عَنْهَا حَتَّى تَأْتِيَ خَشْفَيْهَا تُرْضِعَهُمَا وَتَرْجِعَ إِلَيْكُمْ قَالُوا: وَمَنْ لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَا فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْضَعَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِمْ فَأَوْثَقُوهَا فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ قَالُوا: هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: تَبِيعُونِيهَا؟ قَالُوا: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: خَلُّوا عَنْهَا فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ

275 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ -[377]- السُّلَمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: ثنا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ بِحَدِيثِ الضَّبِّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَحْفَلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيُّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ أَصَابَ ضَبًّا وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَيَأْكُلَهُ فَقَالَ: عَلَى مَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قَالُوا: عَلَى هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَشَقَّ النَّاسَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَكْذَبَ مِنْكَ وَلَا أَبْغَضَ مِنْكَ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنْ تُسَمِّينِي عَجُولًا لَعَجَلْتُ عَلَيْكَ فَقَتَلْتُكَ فَسَرَّرْتُ بِقَتْلِكَ النَّاسَ جَمِيعًا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَقْتُلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ أَمَا عَلِمْتُ أَنَّ الَحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا» ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمَنْتُ بِكَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلِمَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ مَا قُلْتَ، وَقُلْتَ غَيْرَ الْحَقِّ، وَلَمْ تُكْرِمْ مَجْلِسِي» فَقَالَ: وَتُكَلِّمُنِي أَيْضًا، اسْتِخْفَافًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمَنْتُ بِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنَ بِكَ هَذَا الضَّبُّ، فَأَخْرَجَ الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنْ آمَنَ بِكَ هَذَا الضَّبُّ آمَنْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا -[378]- ضَبُّ فَتَكَلَّمَ الضَّبُّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَفْهَمُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §وَمَنْ تَعْبُدُ يَا ضَبُّ؟ قَالَ: اللَّهَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ وَفِي النَّارِ عَذَابُهُ قَالَ: فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ، وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَاللَّهِ لَقَدْ أَتَيْتُكَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ هُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكَ ووَاللَّهِ لَأَنْتَ السَّاعَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ وَلَدِي وَقَدْ آمَنْتُ بِشَعْرِي وَبَشَرِي، وَدَاخِلِي وَخَارِجِي، وَسِرِّي وَعَلَانِيَتِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ إِلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ إِلَّا بِالصَّلَاةِ، وَلَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَسِيطِ وَلَا فِي الرَّجَزِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ فَإِذَا قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَكَأَنَّمَا قَرَأْتَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَإِذَا قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأْتَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ وَإِذَا قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَأَنَّمَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نِعْمَ الْإِلَهُ إِلَهُنَا يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيُعْطِي الْجَزِيلَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطُوا الْأَعْرَابِيَّ فَأَعْطُوهُ حَتَّى أَبْطَرُوهُ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَهُ نَاقَةً أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ الْبُخْتِيِّ وَفَوْقَ الْعَرَبِيِّ وَهِيَ عَشْرَاءُ تَلْحَقُ وَلَا تُلْحَقُ أُهْدِيَتْ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ وَصَفْتَ مَا تُعْطِي فَأَصِفُ لَكَ مَا يُعْطِيكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَزَاءً قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: لَكَ -[379]- نَاقَةٌ مِنْ دُرَّةٍ جَوْفَاءَ قَوَائِمُهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ عَلَيْهَا الْهَوْدَجُ مِنَ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَتَمُرُّ بِكَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ أَلْفُ أَعْرَابِيٍّ عَلَى أَلْفِ دَابَّةٍ بِأَلْفِ رُمْحٍ وَأَلْفِ سَيْفٍ فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الَّذِي يَكْذِبُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا: صَبَأْتَ؟ قَالَ: صَبَوْتُ وَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَقَّاهُمْ فَنَزَلُوا عَنْ رِكَابِهِمْ يُقَبِّلُونَ مَا وَلَوْا مِنْهُ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: مُرْنَا بِأَمْرٍ تُحِبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: تَكُونُونَ تَحْتَ رَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ آمَنَ مِنْهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ إِلَّا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ

قال الشيخ: وأما سجود البهائم؟ فمن ذلك سجود الغنم

§قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا سُجُودُ الْبَهَائِمِ؟ فَمِنْ ذَلِكَ سُجُودُ الْغَنَمِ

276 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَرَجِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّسَائِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً قَالَا: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ ثنا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَرِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَفِي الْحَائِطِ غَنَمٌ فَسَجَدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ فَقَالَ: " §إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي مِنْ أُمَّتِي أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَوْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا

277 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " §كَانَ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْشٌ فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَزَ وَلَعِبَ وَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ

278 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ §فَجَاءَ بَعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ

279 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ وثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا أَبُو حُصَيْنٍ ثنا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ثنا عَلِيٌّ وثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ثنا أَبِي ثنا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: ثنا الْأَجْلَحُ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ حَتَّى إِذَا دُفِعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ إِذَا فِيهِ جَمَلٌ عَظِيمٌ قَطِيمٌ، يَعْنِي هَائِجًا، لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَ رَجُلٌ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ فَدَعَاهُ فَجَاءَهُ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا خِطَامَهُ -[381]- فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّهُ §لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا وَيَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ غَيْرَ عَاصِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 280 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْقَطَّانُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ ثنا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجْنَا فِي غَزَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَهْبَطٍ مِنَ الْحَرِّ أَقْبَلَ جَمَلٌ يَرْقَدُّ حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَدَّ جِرَانَهُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ

281 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا كَأَنَّمَا عَلَى رُءوُسِنَا الطَّيْرُ تُظِلُّنَا فَإِذَا جَمَلٌ نَادٍّ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ عَلَى النَّاسِ: " §مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْجَمَلِ؟ فَإِذَا فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَمَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: أَسْنَيْنَاهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةٍ فَكَانَتْ بِهِ شُحَيْمَةٌ فَأَرَدْنَا أَنْ -[382]- نَنْحَرَهُ فَنَقْسِمَهُ بَيْنَ غِلْمَانِنَا فَانْفَلَتَ عَنَّا قَالَ: بِيعُونِيهِ؟ قَالُوا: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إمَّا لَا فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ

282 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: اشْتَرَى إِنْسَانٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ جَمَلًا يَنْضَحُ عَلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ فِي مِرْبَدٍ فَجُرِّدَ كَيْمَا يَحْمِلُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ إِلَّا تَخَبَّطَهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: «افْتَحُوا عَنْهُ» فَقَالُوا: إِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «افْتَحُوا عَنْهُ» فَفَتَحُوا فَلَمَّا رَآهُ الْجَمَلُ خَرَّ سَاجِدًا فَسَبَّحَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ كُنَّا أَحَقَّ بِالسُّجُودِ مِنْ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ قَالَ: «§لَوْ يَنْبَغِي لشَيْءٍ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَسْجُدَ لشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»

283 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَةُ اللَّهُ عَلِيهِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ وَوَضَعَ جِرَانَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ -[383]- رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ فَجَاءَ فَقَالَ: بِعْنِيهِ فَقَالَ: لَا بَلْ أَهَبُهُ قَالَ: لَا بَلْ بِعْنِيهِ قَالَ: لَا بَلْ نَهَبُ لَكَ وَإِنَّهُ لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرَهُ قَالَ: أَمَا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمَرِهِ فَإِنَّهُ شَكَى كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ

284 - حَدَّثَ مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ حُكَيْمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَجَاءَ بَعِيرٌ يَرْغُو حَتَّى سَجَدَ لَهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا تَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا؟ زَعَمَ أَنَّهُ خَدَمَ مَوَالِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ حَتَّى إِذَا كَبُرَ نَقَصُوا مِنْ عَلَفِهِ وَزَادُوا فِي عَمَلِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ لَهُمْ عُرْسٌ أَخَذُوا الشِّفَارَ لِيَنْحَرُوهُ فَأَرْسَلَ إِلَى مَوَالِيهِ فَقَصَّ عَلَيْهِمْ قَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَدَعُوهُ لِي فَتَرَكُوهُ

285 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ ثنا أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَرَأَيْنَا مِنْهُ عَجَبًا مِنْ ذَلِكَ -[384]-، إِنَّا مَضَيْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ لِي حَائِطٌ فِيهِ عَيْشِي وَعَيْشُ عِيَالِي وَلِي فِيهِ نَاضِحَانِ فَاغْتَلَمَا عَلَيَّ فَمَنَعَانِي أَنْفُسَهُمَا وَحَائِطِي وَمَا فِيهِ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمَا فَنَهَضَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: افْتَحْ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَمْرُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: افْتَحْ فَلَمَّا حَرَّكَ الْبَابَ أَقْبَلَا لَهُمَا جَلَبَةٌ كَحَفِيفِ الرِّيحِ فَلَمَّا انْفَرَجَ الْبَابُ وَنَظَرَا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَكَا ثُمَّ سَجَدَا فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ بِرُءُوسِهِمَا ثُمَّ دَفَعَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِمَا فَقَالَ: اسْتَعْمِلْهُمَا وَأَحْسِنْ عَلَفَهُمَا فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَسْجُدُ لَكَ الْبَهَائِمُ فَبَلَاءُ اللَّهِ عِنْدَنَا بِكَ أَحْسَنُ حِينَ هَدَانَا اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ وَاسْتَنْقَذَنَا بِكَ مِنَ الْمَهَالِكِ أَفَلَا تَأْذَنُ لَنَا فِي السُّجُودِ لَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ §السُّجُودَ لَيْسَ لِي إِلَّا لِلْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَلَوْ أَنِّي آمُرُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالسُّجُودِ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا

286 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَلَّامٍ ثنا مَكِّيُّ قَالَ: ثنا فَائِدٌ أَبُو الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاضِحُ آلِ فُلَانٍ قَدْ أَبَقَ عَلَيْهِمْ فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَضْنَا مَعَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقْرَبْهُ فَإِنَّا نَخَافُهُ عَلَيْكَ فَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَعِيرِ فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ سَجَدَ لَه ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْبَعِيرِ فَقَالَ: هَاتِ السِّفَارَ قَالَ: فَجِيءَ بِالسِّفَارِ فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[385]-: ادْعُوا إِلِيَّ صَاحِبَ الْبَعِيرِ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَكَ هَذَا الْبَعِيرُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَحْسِنْ عَلَفَهُ وَلَا تَشُقَّ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ قَالَ: أَفْعَلُ قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَهِيمَةٌ مِنَ الْبَهَائِمِ تَسْجُدُ لَكَ لِعِظَمِ حَقِّكَ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ قَالَ: لَا §لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي أَنْ يَسْجُدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ

287 - أُخْبِرْنَا عَنِ ابْنِ صَاعِدٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَفْصٍ ابْنِ أَخِي أَنَسٍ وَهُوَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ فَجَاءَ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نُسْنِي عَلَيْهِ وَإِنَّهُ قَدِ اسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا وَقَدْ مَنَعَنَا ظَهْرَهُ وَقَدْ يَبِسَ النَّخْلُ وَالزَّرْعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَقَامُوا مَعَهُ فَجَاءَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ قَائِمٌ فِي نَاحِيَةٍ فَجَاءَ يَمْشِي نَحْوَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ فَجَاءَ الْجَمَلُ يَمْشِي حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: هَذِهِ بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ وَنَحْنُ نَعْقِلُ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ §لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا -[386]- قَالَ الشَّيْخُ: فِيمَا تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ مِنْ سُجُودِهِنَّ وَشِكَايَتِهِنَّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ عِلْمًا بِنَغَمِ هَذِهِ الْبَهَائِمِ وَشِكَايَتِهِنَّ كَمَا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِلْمًا بِمَنْطِقِ الطَّيْرِ فَذَلِكَ لَهُ آيَةٌ كَمَا كَانَ نَظِيرُهَا لِسُلَيْمَانَ أَوْ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ أُعْجُوبَةٌ وَآيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ. فَإِنِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الطَّاعِنِينَ فَزَعَمَ أَنَّ فِيهِ قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدَلَّ بِالْحَالِ عَلَى سُوءِ إِمْسَاكِهِمْ قِيلَ: هَذَا مُحْتَمَلٌ وَلَكِنِ الِاسْتِدْلَالُ لَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَهِيمَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا كَذَا سَنَةٍ وَأَنَّهُ يُرِيدُ لِيَنْحَرُهَا لِلْعُرْسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَالِ فَهَذَا قِسْمٌ بَاطِلٌ

288 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ الْجَدُوعِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ الطَّائِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ -[387]-: " §أَتَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ حِمَارٌ أَسْوَدُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ . فَقَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ فُلَانٍ كُنَّا سَبْعَةَ إِخْوَةٍ، كُلُّنَا رَكِبَنَا الْأَنْبِيَاءُ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ وَكُنْتُ لَكَ فَمَلَكَنِي رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَكُنْتُ إِذَا ذَكَرْتُكَ كَبَأْتُ بِهِ فَيُوجِعُنِي ضَرْبًا فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْتَ يَعْفُورُ

الفصل التاسع عشر ذكر ما روي في تسليمه الأشجار وإطاعتهن له وإقبالهن عليه صلى الله عليه وسلم إذا دعاهن للاستتار بهن في الصحاري والبراري وإجابتهن إذا دعاهن عند سؤال من يريد لإظهار آية ودلالة

§الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ ذِكْرُ مَا رُوِيَ فِي تَسْلِيمِهِ الْأَشْجَارِ وَإِطَاعَتِهِنَّ لَهُ وَإِقْبَالِهِنَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَاهُنَّ لِلِاسْتِتَارِ بِهِنَّ فِي الصَّحَارِي وَالْبَرَارِي وَإِجَابَتِهِنَّ إِذَا دَعَاهُنَّ عِنْدَ سُؤَالِ مَنْ يُرِيدُ لِإِظْهَارِ آيَةٍ وَدِلَالَةٍ

289 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا أَبُو الْحُرَيْشِ الْكَلَّائِيُّ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا خَارِجًا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ §فَلَمْ يَمُرَّ بِشَجَرٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

290 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْحَجُونِ وَهُوَ كئِيبٌ حَزِينٌ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ -[390]- أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي فَأُمِرَ فَنَادَى شَجَرَةً مِنْ عَقِبِهِ فَجَاءَتْ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَهَا فَذَهَبَتْ فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي

291 - وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْتُ فَأَرِنِي شَيْئًا أَزْدَدْ بِهِ يَقِينًا فَقَالَ: مَا الَّذِي تُرِيدُ؟ قَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ أَنْ تَأْتِيَكَ قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُهَا فَأَتَاهَا الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَمَالَتْ عَلَى جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا فَقَطَعَتْ عُرُوقَهَا ثُمَّ مَالَتْ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَقَطَعَتْ عُرُوقَهَا حَتَّى أَتَتْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: حَسْبِي حَسْبِي فَقَالَ لَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعِي فَرَجَعَتْ فَجَلَسَتْ عَلَى عُرُوقِهَا وَفُرُوعِهَا فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَكَ وَرِجْلَيْكَ فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ أَسْجُدَ لَكَ قَالَ: " §لَا يَسْجُدُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا

292 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا وَكِيعٌ قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ وثنا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا وَكِيعٌ ثنا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ وَكِيعٌ مَرَّةً: عَنْ أَبِيهِ قَالَ -[391]-: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلْنَا بِأَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ كَثِيرٌ فَقَالَ لِي: " §اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَتَيْنِ فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا فَذَهَبْتُ إِلَيْهِمَا فَقُلْتُ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا فَاجْتَمَعَتَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ وَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا: تَفْتَرِقَانِ فَقُلْتُ لَهُمَا فَتَفَرَّقَتَا

293 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَنَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: هِيَ §شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيَّ فَأَذِنَ لَهَا 294 - حَدَّثَنَا. . يَعْلَى ابْنُ سِيَابَةَ وهُوَ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ وَسِيَابَةُ اسْمُ أُمِّهِ وَرَوَتْ حُكَيْمَةُ امْرَأَةُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ عَنْ يَعْلَى مِثْلَهُ

295 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: ثنا مَعْلَيُّ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: §خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَرَأَيْنَا مَعَهُ عَجَبًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّا مَرَرْنَا بِأَرْضٍ فِيهَا إِشَاءٌ، يَعْنِي شَجَرًا مُتَفَرِّقًا، فَقَالَ لِي نبيُّ للَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا -[392]- غَيْلَانُ ائْتِ هَاتَيْنِ الْأَشَائَتَيْنِ فَمُرْ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَنْضَمَّ إِلَى صَاحِبَتِهَا حَتَّى أَسْتَتِرَ بِهِمَا فَأَتَوَضَّأُ فَانْطَلَقْتُ فَقُمْتُ بَيْنَهُمَا فَقُلْتُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَنْضَمَّ إِحْدَاكُمَا إِلَى صَاحِبَتِهَا فَمَادَتْ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ انْقَلَعَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْضَمَّتْ إِلَى صَاحِبَتِهَا، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ خَلْفَهُمَا وَرَكِبَ ثُمَّ عَادَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ إِلَى مَوْضِعِهَا

296 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَنَا أَنَّهُ سَارَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَسِيرِهِ فَنَزَلَ وَادِيًا أَفْيَحَ §فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ وَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ فَأَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُطَاوِعُ قَائِدَهُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ لَهَا: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَمَعَهُمَا وَقَالَ: الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَأَمَتَا قَالَ جَابِرٌ: فَتَبَاعَدْتُ فَجَلَسْتُ فَحَانَتْ مِنْهُ لَفْتَةٌ فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا وَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا -[393]- عَلَى سَاقٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا

297 - وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ قَالَا: ثنا طَالُوتُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " §جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدَاوِي وَيُعَالِجُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَقُولُ أَشْيَاءَ فَهَلْ لَكَ أَنْ أُدَاوِيَكَ؟ قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِرْقًا - يَعْنِي نَخْلَةً - فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ إِلَى مَكَانَكَ فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُكَ بِقَوْلٍ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي صَعْصَعَةَ وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُهُ بشَيْءٍ يَقُولُهُ أَبَدًا

298 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ثنا خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّهَا، فَلَمَّا هَبَطَ بَطْنَ الرَّوْحَاءِ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُسَيْمُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَذَلِكَ كَانَ يُسَمِّيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّمُهُ، §هَلْ تَرَى خَمَرًا لِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "؟ -[394]- فَخَرَجْتُ حَتَّى مَشَيْتُ حَتَّى حَسَرْتُ فَلَمْ أَقْطَعِ النَّاسَ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا يُوَارِي أَحَدًا فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ مَشَيْتُ حَتَّى حَسَرْتُ فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا يُوَارِي أَحَدًا وَلَقَدْ مَلَأَ النَّاسُ مَا بَيْنَ السَّدَّيْنِ، قَالَ: «هَلْ رَأَيْتَ شَجَرًا أَوْ أَحْجَارًا؟» قَالَ قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُ نَخْلَاتٍ صِغَارًا وَإِلَى جَانِبِهِنَّ رَضْمًا مِنْ حِجَارَةٍ، قَالَ: " فَأْتِ النَّخَلَاتِ فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَلْتَصِقْنَ بَعْضُكُنَّ بِبَعْضٍ حَتَّى تَكُنَّ سُتْرَةً لِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْ ذَلِكَ لِلْحِجَارَةِ "، فَأَتَيْتُ النَّخْلَاتِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَلْتَصِقَ بَعْضُكُنَّ بِبَعْضٍ حَتَّى تَكُنَّ سُتْرَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُنَّ يَتَقَافَزْنَ بِعُرُوقِهِنَّ وَتُرَابِهِنَّ حَتَّى لُصِقَ بَعْضُهُنَّ بِبَعْضٍ فَكَأَنَّهُنَّ نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقُلْتُ ذَلِكَ لِلْحِجَارَةِ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُنَّ يَتَقَافَزْنَ حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى صِرْنَ كَأَنَّهَا جِدَارٌ، فَأَتَيْتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " يَا أُسَيْمُ خُذْ هَذِهِ الْإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا ثُمَّ انْطَلَقْنَا، فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخَذَ الْإِدَاوَةَ ثُمَّ مَضَى فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ أَتَانِي يَحْمِلُ الْإِدَاوَةَ فَمَضَيْنَا حَتَّى دَخَلَ الْخِبَاءَ فَقَالَ لِي: " يَا أُسَيْمُ ائْتِ النَّخْلَاتِ فَقُلْ لَهُنَّ: يَأْمُرُكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ نَخْلَةٍ مِنْكُنَّ إِلَى مَكَانِهَا، وَقُلْ ذَلِكَ لِلْحِجَارَةِ "، فَأَتَيْتُ النَّخْلَاتِ فَقُلْتُ لَهُنَّ مَا أَمَرَنِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُنَّ يَتَقَافَزْنَ بِعُرُوقِهِنَّ وَتُرَابِهِنَّ حَتَّى رَجَعَتْ كُلُّ نَخْلَةٍ إِلَى مَكَانِهَا، وَقُلْتُ لِلْحِجَارَةِ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُنَّ يَتَقَافَزْنَ حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى رَجَعَ كُلُّ حَجَرٍ إِلَى مَكَانِهِ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ذكر خبر ركانة

§ذِكْرُ خَبَرِ رُكَانَةَ

299 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ أَبُو -[395]- عَرُوبَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: رُكَانَةُ وَكَانَ مِنْ أَفْتَكِ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ: إِضَمٌ فَخَرَجَ نبيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَاتَ يَوْمٍ قِبَلَ ذَلِكَ الْوَادِي فَلَقِيَهُ رُكَانَةُ وَلَيْسَ مَعَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فَقَامَ إِلَيْهِ رُكَانَةُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ الَّذِي تَشْتُمُ آلِهَتَنَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَتَدَعُو إِلَى إِلَهِكَ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لَوْلَا رَحِمٌ بَيْنِي وَبَينَكَ مَا كَلَّمْتُكَ الْكَلَامَ حَتَّى أَقْتُلَكَ وَلَكِنِ ادْعُ إِلَهَكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ يُنْجِيكَ مِنِّي الْيَوْمَ وَسَأَعْرِضُ عَلَيْكَ أَمْرًا هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أُصَارِعَكَ وَتَدْعُو إِلَهَكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ أَنْ يُعِينَكَ عَلَيَّ وَأَنَا أَدْعُو اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ تَخْتَارُهَا فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ فَاتَّخِذْ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَهَهُ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى رُكَانَةَ وَدَعَا رُكَانَةُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، أَعْنِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَاتَّخَذَهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ فَقَالَ رُكَانَةُ: فَلَسْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَخَذَلَنِي اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَا وَضَعَ أَحَدٌ جَنْبِي قَبْلَكَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: عُدْ فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ أُخْرَى تَخْتَارُهَا فَأخَذَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَى كَبِدِهِ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: فَلَسْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَخَذَلَنِي اللَّاتُ وَالْعُزَّى -[396]- وَمَا وَضَعَ جَنْبِي أَحَدٌ قَبْلَكَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: عُدْ فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشُرٌ أُخْرَى تَخْتَارُهَا، فَأَخَذَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَهَهُ كَمَثَلِ فَعَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَصَرَعَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: لَسْتَ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَخَذَلَنِي اللَّاتُ وَالْعُزَّى فَدُونَكَ ثَلَاثِينَ شَاةً مِنْ غَنَمِي فَاخْتَرْهَا فَقَالَ لَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُرِيدُ ذَلِكَ وَلَكِنْ §أَدْعُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ يَا رُكَانَةُ وَأَنْفَسُ بِكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى النَّارِ إِنَّكَ إِنْ تَسْلَمْ تَسْلَمْ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: لَا إِلَّا أَنْ تُرِيَنِي آيَةً قَالَ لَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ عَلَيْكَ شَهِيدٌ لَئِنْ أَنَا دَعَوْتُ رَبِّي فَأَرَيْتُكَ آيَةً لَتُجِيبَنِي إِلَى مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَرِيبٌ مِنْهُمَا شَجَرَةُ سَمُرٍ ذَاتَ فُرُوعٍ وَقُضْبَانٌ فَأَشَارَ إِلَيْهَا نبيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّهِ فَانْشَقَّتْ بِاثْنَيْنِ فَأَقْبَلَتْ عَلَى نِصْفِ شِقِّهَا وَقُضْبَانِهَا وَفُرُوعِهَا حَتَّى كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ رُكَانَةَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: أَرَيْتَنِي عَظِيمًا فَمُرْهَا؟ فَلْتَرْجِعْ فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ بِقُضْبَانِهَا وَفُرُوعِهَا حَتَّى إِذَا الْتَأَمَتْ قَالَ لَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ فَقَالَ رُكَانَةُ: مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ قَدْ رَأَيْتُ عَظِيمًا وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ تَسَامَعُ نِسَاءُ الْمَدِينَةِ وَصِبْيَانُهِمْ أَنِّي إِنَّمَا أَجَبْتَ لِرُعْبٍ دَخَلَ فِي قَلْبِي مِنْكَ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَتْ نِسَاءُ الْمَدِينَةِ وَصِبْيَانُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ جَنْبِي قَطُّ أَحَدٌ وَلَمْ يَدْخُلْ قَلْبِي رُعْبٌ سَاعَةً قَطُّ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَلَكِنْ دُونَكَ فَاخْتَرْ غَنَمَكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ لِي حَاجَةٌ إِلَى غَنَمِكَ إِذْ أَبَيْتَ أَنْ تُسْلِمَ فَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَلْتَمِسَانِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَخْبَرَتْهُمَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ تَوَجَّهَ قِبَلَ وَادِي أَضَمِ وَقَدْ عَرَفَا أَنَّهُ وَادِي رُكَانَةَ لَا يَكَادُ يُخْطِئُهُ فَخَرَجَا فِي طَلَبِهِ وَأَشْفَقَا أَنْ يَلْقَاهُ رُكَانَةُ فَيَقْتُلُهُ فَجَعَلَا يِتَصَاعَدَانِ عَلَى كُلِّ -[397]- شَرَفٍ وَيَتَشَوَّفَانِ لَهُ إِذْ نَظَرَا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا فَقَالَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ تَخْرُجُ إِلَى هَذَا الْوَادِي وَحْدَكَ وَقَدْ عَرَفْتَهُ أَنَّهُ جِهَةُ رُكَانَةَ وَأَنَّهُ مِنْ أَفْتَكِ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ تَكْذِيبًا لَكَ؟ فَضَحِكَ إِلَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ لِي: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصِلُ إِلَيَّ وَاللَّهُ مَعِي وَأَنْشَأَ يُحَدِّثُهُمَا عَنْ رُكَانَةَ وَالَّذِي فَعَلَ بِهِ وَالَّذِي أَرَاهُ فَعَجِبَا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَرَعْتَ رُكَانَةَ فَلَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا وَضَعَ إِنْسَانٌ جَنْبَهُ قَطُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ رَبِّي فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ وَإِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي بِبِضْعِ عَشْرَةَ وَبِقُوَّةِ عَشَرَةٍ

ذكر خبر آخر

§ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ

300 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِي بُعِثْتُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ إِذَا مَرَرْتُ عَلَيْهِ

301 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعِينِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ ثنا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي §لَأَعْرِفُ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ

الفصل العشرون ذكر حنين الجذع

§الْفَصْلُ العِشْرُونَ ذِكْرُ حَنِينِ الْجِذْعِ

302 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَرَّازُ ثنا عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ §فَلَمَّا بُنِيَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ فَاحْتَضَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَ قَالَ جَابِرٌ: وَأَنَا شَاهِدٌ حِينَ حَنَّ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

303 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ فَيَخْطُبُ أَوْ -[400]- نَخْلَةٍ وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا أَفَلَا آمُرُهُ أَنْ يَصْنَعَ لَكَ مِنْبَرًا تَخْطُبُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: بَلَى فَاتَّخَذَ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: " §فَأَنَّ الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ

304 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا أَبُو كَامِلٍ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ ابْنِ أَبِي كَرِبٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتْ خَشَبَةٌ فِي الْمَسْجِدِ يَخْطُبُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ مِثْلَ الْكُرْسِيِّ فَتَقُومُ عَلَيْهِ؟ فَفَعَلَ §فَحَنَّتِ الْخَشَبَةُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ قَالَ: فَأَتَاهَا فَاحْتَضَنَهَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ

305 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ مسَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ثنا شَيْبَةُ أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدِ اسْتَطَارَ وَكَثُرَ النَّاسُ وَتَأْتِيكَ الْوُفُودُ مِنَ الْآفَاقِ فَلَوْ أَمَرْتَ بِصَنْعَةِ شَيْءٍ تَشْخَصُ عَلَيْهِ فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ: " §اصْنَعْ مِنْبَرًا فَقَالَ -[401]-: نَعَمْ قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ قَالَ: لَسْتَ صَاحِبَهُ ثُمَّ دَعَا آخَرَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَدَعَا آخَرَ فَقَالَ: أَتَصْنَعُ الْمِنْبَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ قَالَ: خُذْ فِي صَنْعَتِهِ فَلَمَّا صَنَعَهُ وَصَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّ جِذْعُ النَّخْلَةِ الَّتِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا حَنِينَ النَّاقَةِ فَسَمِعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ صَوْتَهَا شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ فَالْتَزَمَهَا وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَرَكْتُهَا حَنَّتْ إِلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ

306 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مَالِكٍ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا فَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَيَسْمَعُ النَّاسُ خُطْبَتَكَ قَالَ: نَعَمْ فَصَنَعَ لهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ فَأَصْغَى إِلَيْهِ الْجِذْعُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُنْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " §هَذَا الْجِذْعُ حَنَّ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُنْ إِنْ تَشَأْ أَغْرِسْكَ فِي الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُ مِنْكَ الصَّالِحُونَ وَإِنْ تَشَأْ أَنْ أَغْرِسَكَ رَطْبًا كَمَا كُنْتَ فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِعَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ -[402]- كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَكِلَتْهُ الْأَرْضُ

307 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا §أَفَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ الْجَائِي يَجِيءُ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَ: فَأَمَرَ غُلَامًا لِلْأَنْصَارِ فَأَخَذَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ فَجَعَلَ لَهُ هَذَا الْمِنْبَرَ فَلَمَّا جَلَسَ عَلَيْهِ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ الَّتِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى سَكَنَتْ

308 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ وثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَأَتَى رَجُلٌ رُومِيٌّ فَقَالَ: " §أَصْنَعُ لَكَ مِنْبَرًا تَخْطُبُ عَلَيْهِ فَصَنَعُوا مِنْبَرًا هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ حَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ إِلَى وَلَدِهَا فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ

309 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثنا أَبُو يَعْلَى ثنا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّاسَ بْنَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِذَا خَطَبَ إِلَى خَشَبَةٍ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا ذَاعَ النَّاسُ وَكَثُرُوا قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §لَوْ جَعَلْتَ مِنْبَرًا تُشْرُفُ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ؟ فَبَعَثَ إِلَى النَّجَّارِ فَانْطَلَقَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَى، فِي رِوَايَةٍ: الْغَابَةَ، فَقَطَعَ مِنْهُ أَثْلًا فَعَمِلَهُ وَهَيَّأَهُ ثُمَّ أَتَيْنَا نَحْمِلُهُ فَكَانَ دَرَجَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ مَقْعَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ وَفَقَدَتْهُ الْخَشَبَةُ فَخَارَتْ كَخُوَارِ الثَّوْرِ لَهَا حَنِينٌ فَجَعَلَ عَبَّاسٌ يَمُدُّ يَدَهُ كَنَحْوِ مَا رَأَى أَبَاهُ يَمُدُّ يَدَهُ يَحْكِي حَنِينَ الْخَشَبَةِ حَتَّى فَزِعَ النَّاسُ وَكَثُرَ الْبُكَاءُ بِمَا رَأَوْا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى هَذِهِ الْخَشَبَةِ؟ وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ: فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى سَكَنَتْ

310 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الجَّوْرَبِيُّ ثنا قَبِيصَةُ ثنا حَبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى -[404]- جِذْعٍ يِتَسَانَدُ إِلَيْهِ §فَجُعِلَ لَهُ الْمِنْبَرُ أَرْبَعَ مَرَاقٍ فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَنَّ الْجِذْعُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا شَأْنُكَ إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَدَّكَ إِلَى مُحْتَشِّكَ وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ فَأَثْمَرْتَ فِيهَا فَأَكَلَ مِنْ ثِمَارِكَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ وَأَنْبِيَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ؟ فَسَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَعَمْ فَغَارَ الْجِذْعُ فَذَهَبَ

الفصل الواحد والعشرون في فوران الماء من بين أصابعه سفرا وحضرا وهذه الآية من أعجب الآيات أعجوبة وأجلها معجزة وأبلغها دلالة شاكلت دلالة موسى في تفجر الماء من الحجر حين ضربه بعصاه بل هذا أبلغ في الأعجوبة لأن نبوع الماء من بين اللحم والعظم أعجب وأعظم من

§الْفَصْلُ الْوَاحِدُ وَالْعِشْرُونَ فِي فَوَرَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سَفَرًا وَحَضَرًا وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَعْجَبِ الْآيَاتِ أُعْجُوبَةً وَأَجَلِّهَا مُعْجِزَةً وَأَبْلَغِهَا دَلَالَةً شَاكَلَتْ دَلَالَةَ مُوسَى فِي تَفَجُّرِ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ حِينَ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ بَلْ هَذَا أَبْلَغُ فِي الْأُعْجُوبَةِ لِأَنَّ نُبُوعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ أَعْجَبُ وَأَعْظَمُ مِنْ خُرُوجِهِ مِنَ الْحَجَرِ لِأَنَّ الْحَجَرَ سِنْخٌ مِنْ أَسْنَاخِ الْمَاءِ مَشْهُورٌ فِي الْمَعْلُومِ مَذْكُورٌ فِي الْمُتَعَارَفِ وَمَا رُوِيَ قَطُّ وَلَا سُمِعَ فِيَ مَاضِي الدُّهُورِ بِمَاءٍ نَبَعَ وَانْفَجَرَ مِنْ آحَادِ بَنِي آدَمَ حَتَّى صَدَرَ عَنْهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانُ رُوِيَ وَانْفِجَارُ الْمَاءِ مِنَ الْأَحْجَارِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ وَلَا بَدِيعٍ وَخُرُوجُهُ وَتَفْجِيرُهُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ مُعْجِزٌ بَدِيعٌ

311 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبُو الْجَوَّابِ، عَنْ عَمَّارِ بْن رُزَيْقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ -[406]-: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَنَا إِلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِي صَحْفَةٍ فَجَعَلَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ §الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ نَادَى: أَلَا هَلُمَّ إِلَى الْوُضُوءِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ فَتَوَضَّئُوا وَجَعَلْتُ أُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ أُدْخِلُهُ بَطْنِي لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ

312 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِمْصِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، وَثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْلُبُوا مَنْ مَعَهُ فَضْلُ مَاءٍ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ §يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطُّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَشَرِبْنَا مِنْهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَكُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَنَحْنُ نَأْكُلُ

313 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ شَهْرَيَارَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا خَالِدٌ ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَكْوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقُلْتُ: مَا مَعَ النَّاسِ مَاءٌ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ -[407]- فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ §الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهَا الْعُيُونُ فَأَصَابَ النَّاسُ مِنَ الْمَاءِ حَاجَتَهُمْ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةٍ

314 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا إِذْ جَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ §الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهَا الْعُيُونُ فَأَصَابَ النَّاسُ مِنَ الْمَاءِ حَاجَتَهُمْ حَتَّى صَدَرُوا قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةٍ لَفْظُ ابْنِ عَائِشَةَ

315 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ حَدَّثَ الْقَوْمَ ثنا أَبُو قَتَادَةَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَقَالَ: ائْتِ بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: مَسُّوا مِنْهَا -[408]- فَتَوَضَّأَ وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ جَرْعَةٌ فَقَالَ: ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رُفِعَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا تَقَطَّعَتِ الْأَعْنَاقُ فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا هَلَكَ عَلَيْكُمْ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ ائْتِ بِالْمِيضَأَةِ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: احْلُلْ لِي غَمْرِي، يَعْنِي قَدَحَهُ، فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحْسِنُوا الْمَلْأَ فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَبَّ لِي وَقَالَ: اشْرَبْ يَا أَبَا قَتَادَةَ قُلْتُ: اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ §سَاقِي الْقَوْمَ آخِرُهُمْ شُرْبًا فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي حَدِيثِهِ: وَالْقَوْمُ يَوْمَئِذٍ سَبْعُمِائَةٍ

316 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا سَعِيدٌ وثنا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثنا سَعِيْدٌ كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مَاءٍ؟ فَأَتَيْتُهُ بِسَطِيحَةٍ أَوْ قَالَ: مِيضَأَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيَّ وَفِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ مَاءٍ وَقَالَ: «احْتَفِظْ بِهَا؛ فَإِنَّهُ كَائِنٌ لَهَا نَبَأٌ» فَلَحِقَنَا النَّاسُ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَقَدْ كَادُوا يَهْلِكُونَ عَطَشًا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا فَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فَوْقَ الْقَدَحِ وَدُونَ الْقَعْبِ فَتَأَبَّطَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[409]- وَجَعَلَ يَصُبُّ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ شَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى شَرِبُوا كُلُّهُمْ ثُمَّ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §هَلْ مِنْ غَلَلٍ؟ قَالَ: ثُمَّ رَدَّ الْمِيضَأَةَ وَفِيهَا نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كَانَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَمَانُونَ رَجُلًا وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا

317 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا يَعْلَى قَالَ: ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ ثنا هَمَّامٌ ثنا قَتَادَةٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ عِنْدَ الزَّوْرَاءِ أَوْ عِنْدَ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ وَأَرَادُوا الْوُضُوءَ فَأَتَى بِقَعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْقَعْبِ فَجَعَلَ §الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ

318 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الطُّوسِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا §مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا مَاءً فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَتَمَضْمَضَ ثُمَّ مَجَّ فِيهَا ثُمَّ مَكَثْنَا عَشْرًا فَأَصْدَرَتْنَا وَرِكَائِبَنَا وَشَرِبْنَا مِنْهَا مَا شِئْنَا -[410]- وَرَوَاهُ زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ: كُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ

319 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ الرَّحَائِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَهْرَانِيُّ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْخٍ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ نَاجِيَةَ أَوْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: لَمَّا §كُنَّا بِالْغَمِيمِ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهَا بَعَثَتْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جَرِيدَةِ خَيْلٍ تَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْقَاهُ، وَكَانَ بِهِمْ رَحِيمًا فَقَالَ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَعْدِلُ بِنَا عَنِ الطَّرِيقِ؟ قُلْتُ: أَنَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخَذَ بِهِمْ فِي طَرِيقٍ قَدْ كَانَ مَهْجُورًا ذَا فَدَافِدَ وَعُقَابٍ فَاسْتَوَتْ بِنَا الْأَرْضُ حَتَّى أَنْزَلَهُ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ نَزْحٌ فَأَلْقَى فِيهَا سَهْمًا أَوْ سَهْمَيْنِ مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ بَصَقَ فِيهَا ثُمَّ دَعَا فَفَارَتْ عُيُونًا حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ أَوْ نَقُولُ: لَوْ شِئْنَا لَاغْتَرَفْنَا بِأَيْدِينَا قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يُجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ

320 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَالْمُطَرَّزُ قَالَا: ثنا بُنْدَارٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالُوا -[411]-: كُلُّهُمْ: ثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسِرْنَا لَيْلَةً حَتَّى إِذَا كُنَّا آخِرَ اللَّيْلِ قُبَيْلَ الصُّبْحِ وَقَعْنَا تِلْكَ الْوَقْعَةَ وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا §فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ بِلَالٌ ثُمَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّاهُمْ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهمُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَا نُوقِظُهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَيْقِظُ لَأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْتِهِ فَشَكَا إِلَيْهِ الْقَوْمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ: لَا ضَيْرَ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ الْقَوْمُ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ وَانْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِذَا رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ثُمَّ سَارَ فَاشْتَكَى النَّاسُ إِلَيْهِ الْعَطَشَ فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا قَدْ سَمَّاهُ أَبُو رَجَاءٍ - نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُمَا: اذْهَبَا فَابْغِيَا الْمَاءَ فَانْطَلَقَا فَلَقِيَا امْرَأَةً بَيْنَ مُزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا فَانْطَلَقَا فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: عَهْدِي بِهِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي فَقَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ؟ فَقَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلَقِي فَجَاءَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ فِيهِ أَفْوَاهَ السَّطِيحَتَيْنِ أَوِ الْمُزَادَتَيْنِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ فَأَعَادَهُ فِي الْإِنَاءِ , ثُمَّ أَعَادَهُ فِي أَفْوَاهِ -[412]- السَّطِيحَتَيْنِ أَوِ الْمُزَادَتَيْنِ ثُمَّ أَوْثَقَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ الْعَزَالِي وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أَنِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ فَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَقَالَ: اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا وَأَيْمِ اللَّهِ لَقَدْ أَوْكَأَتْهُمَا حِينَ أَقْلَعَ وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهُمَا أَشَدُّ امْتِلَاءً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْمَعُوا لَهَا فَجَمَعُوا لَهَا مَا بَيْنَ عَجْوَةٍ وَسَوِيقَةٍ وَدَقِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوا لَهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْلَمِينَ وَاللَّهِ مَا رَزَأْنَاكِ فِي مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ سَقَانَا» ، فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احَتْبَسَتْ عَنْهُمْ فَقَالُوا: يَا فُلَانَةُ مَا حَبَسَكِ؟ قَالَتِ: الْعَجَبُ لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا الَّذِي كَانَ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ مَا بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ فِي رِوَايَةٍ: وَأَشَارَتْ بِيَدَيْهَا إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ أَنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَةَ الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: وَاللَّهِ مَا أَرَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَنَا فَهَلْ لَكُمْ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَطَاوَعُوهَا فَجَاءُوا فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ

321 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو عِمْرَانَ الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّالْقَانِيُّ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: ثنا عَبْدُ -[413]- الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أنَعْمَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ: أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ قَالَ: صُبَّهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ فَأَتَيْتُهُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَرَأَيْتُ §بَيْنَ كُلِّ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا نَادِ فِي أَصْحَابِي مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَاءَ فَلْيَغْتَرِفْ مَا أَحَبَّ قَالَ زِيَادٌ: وَأَتَى وَفْدُ قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ وَطَاعَاتِهِمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْوَفْدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لنا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا فَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ الْيَوْمَ التَّفَرُّقَ وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوٌّ لَنَا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسَعَنَا مَاؤُهَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَفَرَّكَهُنَّ فِي يَدِهِ وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوهَا فَأَلْقُوهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى قَعْرِهَا بَعْدَهَا

الفصل الثاني والعشرون في ربو الطعام بحضرته وفي سفره لإمساسه بيده ووضعها عليه

§الْفَصْلُ الْثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي رَبْوِ الطَّعَامِ بِحَضْرَتِهِ وَفِي سَفَرِهِ لِإِمْسَاسِهِ بِيَدِهِ وَوَضْعِهَا عَلَيْهِ

322 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: ثنا الْقَعْنَبِيُّ وثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَلِطَّعَامٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا قَالَ: انْطَلِقْ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ -[416]- حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ قَالَتْ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ؟ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَآدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةَ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ حَتَّى شَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا

323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ -[417]- عَصَبَ بَطْنَهُ بِعُصَابَةٍ فَقَالَ أُسَامَةُ: أَنَا أَشُكُّ عَلَى حَجَرٍ فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: " §لِمَ عَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَهُ؟ قَالَ: مِنَ الْجُوعِ فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعُصَابَةٍ فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مِنَ الْجُوعِ فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ فَإِنْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا أَنَسُ فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ اتْبَعْهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ فَقُلْ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَلَمَّا قُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: يَا هَؤُلَاءِ تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ بَيْتِنَا أَرْسَلَ يَدِي فَدَخَلْتُ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءَ بِهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ قَدْ قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قُلْتَ فَدَعَا أَصْحَابَهُ وَقَدْ جَاءَكَ بِهِمْ فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكُ وَحْدَكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْخُلْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ فَدَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ قَرِّبُوهُ وَجَلَسَ مَنْ مَعَهُ بِالسُّدَّةِ فَقَرَّبْنَا مَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْ خُبْزٍ وَتَمْرٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي حَصِيرٍ لَنَا فَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَدْخَلْتُ ثَمَانِيَةً وَقَامَ الْأَوَّلُونَ فَمَا زَالَ ذَلِكَ أَمْرَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا كُلُّهُمْ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي وَأَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: كُلُوا فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَيْنَ هَذَا مِنْ طَعَامِكِ حِينَ قَدَّمْتِيهِ؟ قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ لَقُلْتُ مَا نَقَصَ مِنْ طَعَامِنَا شَيْءٌ

324 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: ثنا ابْنُ عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ فَجِيءَ بِهِ فَعُجِنَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانُّ طَوِيلٌ بِغُنَيْمَةٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبَيْعٌ أَمْ هِبَةٌ أَمْ عَطِيَّةٌ؟ فَقَالَ: بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهَا شاةً وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادِ بَطْنِهَا أَنْ يُشْوَى، فَقَالَ: وَايْمِ اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ إِلَّا قَدْ حَزَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ حَزَّةً قَالَ: وَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ قَالَ: فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَجْمَعُونَ وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحُمِلَتَا عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ كَمَا قَالَ

325 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ وثنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَا: ثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرْمَلْنَا الزَّادَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَنَا بِبَعْضِ رِكَابِنَا فَنَحَرْنَاهَا فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ نَجْمَعُ فَضْلَ زَادِنَا وَتَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: هَاتُوا بِفَضْلِ زَادِكُمْ فَبُسِطَتِ الْأَنْطَاعُ أَوِ الْأَكْسِيَةُ -[419]- ثُمَّ جَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بشَيْءٍ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الشَيْءِ مِنَ السَّوِيقِ فَلَمَّا جَمَعُوا وَضَعَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَا قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا قَالَ: وَمَلَأْنَا أَوْعِيَتَنَا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ مَنْ جَاءَ بِهَا مُخْلِصًا لَمْ يُحْجَبْ عَنِ الْجَنَّةِ

326 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَا: " §لَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افْعَلُوا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا قَلَّ الظَّهْرُ وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ فَلَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ خَيْرًا [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ] قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّطْعِ فَبَسَطَهُ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ الذُّرَةِ وَالْآخَرُ بِكَفِّ التَّمْرِ وَالْآخَرُ بِالْكِسَرِ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: ثُمَّ دَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلئُوهُ قَالَ: وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ

327 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَاصِمٍ -[420]- قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْوِيهِ عَنْكَ فَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فِيهِ فَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَطْعَمُ شَيْئًا وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ فَعَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: هَذِهِ كُدْيَةٌ قَدْ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَرَشَشْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ أَوِ الْمِسْحَاةَ ثُمَّ سَمَّى ثَلَاثًا ثُمَّ ضَرَبَ فَعَادَتْ كَثِيبًا أُهِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأَذِنَ لِي فَجِئْتُ امْرَأَتِي فَقُلْتُ: ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ إِنِّي رَأَيْتُ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ فَمَا عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ فَطَحَنَّا الشَّعِيرَ وَذَبَحْنَا الْعَنَاقَ وَأَصْلَحْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا فِي الْبُرْمَةِ وَعَجَنَتِ الشَّعِيرَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِثْتُ سَاعَةً ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُهُ الثَّانِيَةَ فَأَذِنَ لِي فَجِئْتُ فَإِذَا الْعَجِينُ قَدْ أَمْكَنَ فَأَمَرْتُهَا بِالْخَبْزِ وَجَعَلْتُ الْقِدْرَ عَلَى الْأَثَافِيِّ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدَنَا طُعَيْمًا لَنَا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَقُومَ مَعِي أَنْتَ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ مَعَكَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ وَكَمْ هُوَ؟ قُلْتُ: صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٌ قَالَ: ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ وَقُلْ لَهَا §لَا تَنْزِعِي الْبُرْمَةَ مِنَ الْأَثَافِيِّ وَلَا تُخْرِجِي الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: قُومُوا إِلَى بَيْتِ جَابِرٍ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ حَيَاءً لَا يَعْلَمُهُ -[421]- إِلَّا اللَّهُ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ قَدْ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَكَ كَمِ الطَّعَامُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَدْ أَخْبَرْتَهُ بِمَا كَانَ عِنْدَنَا قَالَ: فَذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ فَقُلْتُ: صَدَقْتِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَضَاغَطُوْا قَالَ: ثُمَّ بَرَكَ عَلَى التَّنُّورِ وَعَلَى الْبُرْمَةِ فَنَثْرِدُ وَنَغْرِفُ وَنُقَرِّبُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَجْلِسْ عَلَى الصَّحْفَةِ سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ قَالَ: فَلَمَّا أَكَلْنَا كَشَفْنَا التَّنُّورَ وَالْبُرْمَةَ فَإِذَا هُمَا قَدْ عَادَا إِلَى أَمْلَإِ مِمَّا كَانَا فَنَثْرِدُ لَهُمْ وَنَغْرِفُ وَنُقَرِّبُ إِلَيْهِمْ فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّمَا فَتَحْنَا التَّنُّورَ وَكَشَفْنَا عَنِ الْبُرْمَةِ وَجَدْنَاهَا أَمْلَأَ مِمَّا كَانَ حَتَّى شَبِعَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مَخْمَصَةٌ فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا فَلَمْ نَزَلْ يَوْمَنَا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِمِائَةٍ أَوْ ثَلَاثَمِائَةٍ

328 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: ثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ الدَّرْفَسِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي قَسِيمَةَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنَّا فِي مَحْرَسٍ يُقَالُ لَهُ: الصُّفَّةُ وَهُمْ عِشْرُونَ رَجُلًا فَأَصَابَنَا جُوعٌ وَكُنْتُ مِنْ أَحْدَثِ أَصْحَابِي سِنًّا فَبَعَثُوا بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُو جُوعَهُمْ فَالْتَفَتَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ هَاهُنَا كِسْرَةٌ أَوْ كِسَرٌ وَشَيْءٌ مِنْ لَبَنٍ فَأُتِي بِهِ فَفُتَّ فَتًّا دَقِيقًا ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ اللَّبَنُ ثُمَّ -[422]- جَبَّنَهُ بِيَدِهِ حَتَّى جَعَلَهُ كَالثَّرِيدِ ثُمَّ قَالَ: يَا وَاثِلَةُ ادْعُ لِي عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِكَ وَخَلِّفْ عَشَرَةً فَفَعَلْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسُوا بِسْمِ اللَّهِ فَجَلَسُوا وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ الثَّرِيدِ فَقَالَ: " §كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ مِنْ حَوَالَيْهَا وَاعْفُوا رَأْسَهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِيهَا مِنْ فَوْقِهَا وَإِنَّهَا تُمَدُّ قَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَتَخَلَّلُونَ أَصَابِعَهُمْ حَتَّى تَمَلَّئُوا شِبَعًا فَلَمَّا انْتَهَوْا قَالَ لَهُمُ: انْصَرَفُوا إِلَى مَكَانِكُمْ وَابْعَثُوا أَصْحَابَكُمْ فَانْصَرَفُوا وَقُمْتُ مُتَعَجِّبًا لِمَا رَأَيْتُ فَأَقْبَلَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَأَمَرَهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُمْ وَقَالَ مِثْلَ الَّذِي قَالَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى انْتَهَوْا وَإِنَّ فِيهَا فَضْلَةً

329 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: ثنا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ عَلَى كَبِدِي مِنَ الْجُوعِ وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ عَلَى بَطْنِي الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ -[423]- الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ مَرَّ بِي عمر فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيةٍ ِمْن كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا سَأَلْتُهُ إلِاَّ لِيَسْتَتْبِعَنِي، فَمَرَّ لَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ» ثُمَّ مَضَى وَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ وَاسْتَأْذَنْتُ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ فَقَالَ: أَبَا هِرٍّ فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا أَنَا وَالرَّسُولُ فَإِذَا جَاءُوا أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا حَتَّى اسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: خُذْ وَأَعْطِهِمْ فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدَّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ آخَرَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ ثُمَّ أُعْطِيهِ آخَرَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدَّ عَلَيَّ الْقَدَحَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ وَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ؟» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَاقْعُدْ وَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ وَشَرِبْتُ فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبْتُ فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» فَأَشْرَبُ حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، §مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

330 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَابِيُّ وَعَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنِيعٍ قَالُوا: ثنا سِنَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعَبْدِيُّ؟ قَالَ: ثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ قَالَ: نَعَمْ يَا ثَابِتُ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ يُعَيِّرْ عَلَيَّ فِي شَيْءٍ أَسَأْتُ فِيهِ قَالَ: فَأَعْجَبُ شَيْءٍ رَأَيْتَ مِنْهُ مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ عَرُوسًا وَلَا أَرَى أَصْبَحَ لَهُ غَدَاءٌ فَهَلُمَّ تِلْكَ الْعُكَّةَ وَتَمْرًا قَدْ رَمِدَ، فَجَعَلَتْ لَهُ حَيْسًا فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْرَأَتِهِ فَلَمَّا أَتَيْتُ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ ذَلِكَ الْحَيْسُ قَالَ: ضَعْهُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَاذْهَبْ فَادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَنَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ ادْعُ لِي أَهْلَ الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَأَيْتَ فِيَ الطَّرِيقِ فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَكَثْرَةِ مَنْ يَأْمُرُنِي أَنْ أَدْعُوَ مِنَ النَّاسِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَعْصِيَهُ فَدَعَوْتُهُمْ حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْتُ وَالْحُجْرَةُ فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ فَقُلْتُ: لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: هَلُمَّ ذَلِكَ فَجِئْتُ بِذَلِكَ التَّوْرِ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُهُ قُدَّامَهُ فَغَمَسَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعِهِ فِي التَّوْرِ فَجَعَلَ التَّوْرُ يَرْبُو وَيَرْتَفِعُ فَجَعَلُوا يَتَغَدَّوْنَ وَيَخْرُجُونَ حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَجْمَعُونَ وَبَقِيَ فِي التَّوْرِ نَحْوُ مَا جِئْتُ بِهِ قَالَ: ضَعْهُ قُدَّامَ زَيْنَبَ فَأَسْفَقَتِ الْبَابَ عَلَيْهَا بَابًا مِنْ جَرِيدٍ قَالَ ثَابِتٌ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ كَمْ تَرَى كَانَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ التَّوْرِ؟ قَالَ أَحْسَبُهُ قَالَ: وَاحِدٌ وَسَبْعُونَ أَوِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ

331 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {§وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ قَالَ: فَضِقْتُ بِذَلِكَ ذَرْعًا وَعَرَفْتُ أَنِّي مَتَى مَا أُبَادِيهِمْ بِهَذَا الْأَمْرِ أَرَى مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ فَضِقْتُ عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَ جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ إِنْ لَا تَفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ يُعَذِّبْكَ رَبُّكَ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ] فَاصْنَعْ لَنَا طَعَامًا وَاجْعَلْ عَلَيْهِ رِجْلَ شَاةٍ وَاجْمَعْ لَنَا عُسًّا مِنْ لَبَنٍ وَأَخْرِجْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ وَأُبَلِّغَهُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ ثُمَّ دَعْوَتُهُمْ لَهُ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَعْمَامُهُ أَبُو طَالِبٍ وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ وَأَبُو لَهَبٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ دَعَانِي بِالطَّعَامِ الَّذِي صَنَعْتُ لَهُمْ فَجِئْتُ بِهِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذْيَةً مِنَ اللَّحْمِ فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي نَوَاحِي الْقَصْعَةِ وَقَالَ: خُذُوا -[426]- بِسْمِ اللَّهِ فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى مَا بَقِيَ لَهُمْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ حَاجَةٍ وَمَا أَرَى إِلَّا مَوَاضِعَ أَيْدِيهِمْ وَالَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لِيَأْكُلُ مِثْلَهُ وَيَشْرَبُ مِثْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بَدَرَ أَبُو لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ فَقَالَ: لَقَدْ سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى مَا سَمِعْتَ مِنَ الْقَوْلِ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَهُمْ فَعُدَّ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ بِمِثْلِ مَا صَنَعْتَ ثُمَّ اجْمَعْهُمْ لِي قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ ثُمَّ دَعَا بِالطَّعَامِ فَقَرَّبَهُ لَهُمْ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ فَأَكَلُوا حَتَّى مَا بَقِيَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَاجَةٍ ثُمَّ قَالَ: اسْقِهِمْ فَجِئْتُ بِذَلِكَ الْعُسِّ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا مِنْهُ جَمِيعًا ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

332 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَبُو الْعَبَّاسِ الصَّرْصَرِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ ثنا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ثنا نَافِعٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُهَاءُ أَرْبَعِ مِائَةِ رَجُلٍ §فَنَزَلْنَا عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَكَأَنَّهُ اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ وَرَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فَنَزَلُوا إِذَا أَقْبَلَتْ عَنْزٌ تَمْشِي حَتَّى أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَدَّدَةَ الْقَرْنَيْنِ قَالَ: فَحَلَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْوَى الْجُنْدُ. وَرَوِيَ وَقَالَ: يَا نَافِعُ امْلُكْهَا وَمَا أَرَاكَ تَمْلُكُهَا قَالَ -[427]-: فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرَاكَ تَمْلُكُهَا أَخَذْتُ عُودًا فَرَكَزْتُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَخَذْتُ رِبَاطًا فَرَبَطْتُ بِهِ الشَّاةَ فَاسْتَوْثَقْتُ مِنْهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَامَ النَّاسُ وَنِمْتُ فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِذَا الْحَبْلُ مَحْلُولٌ وَلَا شَاةَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ قُلْتُ: الشَّاةُ ذَهَبَتْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَافِعُ أَوَ مَا أَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ لَا تَمْلِكُهَا إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ بِهَا وَرَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ يُقَالُ لَهُ نَافِعٌ

333 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مِنْجَابٌ ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: ثنا سُفْيَانُ ثنا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي دُكَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ رَاكِبٍ نَسْأَلُهُ الطَّعَامَ فَقَالَ: يَا عُمَرُ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُمْ وَأَعْطِهِمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا آصُعُ تَمْرٍ مِمَّا يَقْتَاتُ عِيَالِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اسْمَعْ وَأَطِعْ فَقَالَ عُمَرُ: سَمْعًا وَطَاعَةً فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُلِّيْةً فَأَخْرَجَ مِفْتَاحًا مِنْ حُزَّتِهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْخُلُوا فَدَخَلُوا وَكُنْتُ آخِرَ الْقَوْمِ دُخُولًا فَقَالَ: خُذُوا فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا أَحَبَّ ثُمَّ الْتَفَتُّ إِلَيْهِ وَإِنِّي لِمَنْ آخِرِ الْقَوْمِ وَكَأَنَّا لَمْ نَرْزَأْ تَمْرَةً رَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ وَيَعْلَى وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عُمَيْرٍ وَالْمُعْتَمِرُ فِي آخَرِينَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ مِثْلَهُ

ذكر خبر آخر

§ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ

335 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أُتِي بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ -[429]- فَتَعَاقَبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مِنْ غُدْوَةٍ يَقُومُ قَوْمٌ وَيَجْلِسُ آخَرُونَ فَقَالَ رَجُلٌ لِسَمُرَةَ: أَكَانَتْ تُمَدُّ؟ فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ

ذكر خبر آخر

§ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ

336 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذْ طَلَعَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ابْنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طِهْفَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو سَلَمَةَ: حَدِّثْنَا حَدِيثَكَ عَنْ أَبِيكَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَهْفَةَ أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اجْتَمَعَ الضِّيفَانُ قَالَ: لِيَنْقَلِبْ كُلُّ رَجُلٍ بِضَيْفِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةً اجْتَمَعَ فِي الْمَسْجِدِ ضِيفَانٌ -[430]- كَثِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَنْقَلِبْ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ جَلِيسِهِ فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنِ انْقَلَبَ مَعَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ حُوَيْسَةٌ كُنْتُ أَعْدَدْتُهَا لِإِفْطَارِكَ قَالَ: فَأْتِينِي بِهَا فَأَتَتْ بِهَا فِي قُعَيْبَةٍ لَهُمْ فَأَكَلَ مِنْهَا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ قَدَّمَهَا إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ كُلُوا فَأَكَلْنَا مِنْهَا حَتَّى وَاللَّهِ مَا نَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: هَلْ عِنْدَكِ شَرَابٌ؟ قَالَتْ: لُبَيْنَةٌ أَعْدَدْتُهَا لِإِفْطَارِكَ قَالَ: هَلُمِّيهَا فَجَاءَتْ بِهَا فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْها شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اشْرَبُوا، فَشَرِبْنَا حَتَّى وَاللَّهِ مَا نَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ وَكَانَ §يُوقِظُ أَهْلَهُ إِذَا خَرَجَ فَقَالَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ فَرَأَى رَجُلًا مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: إِنَّهَا ضِجْعَةٌ يَكْرَهُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

الفصل الثالث والعشرون ذكر تحرك جبل حراء وسكونه بتسكين النبي صلى الله عليه وسلم إياه

§الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ ذِكْرُ تُحَرُّكِ جَبَلِ حِرَاءٍ وَسُكُونِهِ بِتَسْكِينِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ

337 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَا: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ: " §اسْكُنْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ والزُّبَيْرِ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ التَّاسِعَ لَسَمَّيْتُ فَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ أَخْبِرْنَا فَقَالَ: أَنَا

تسبيح الحصى

§تَسْبِيحُ الْحَصَى

338 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الضَّحَّاكِ وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ قَالَا: ثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِيُّ قَالَ: ثنا -[432]- أَبِي ثنا حُمَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيَّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: إِنِّي لَشَاهِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَلْقَةٍ §وَفِي يَدِهِ حَصَيَاتٌ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، وَفِينَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ يَسْمَعُ تَسْبِيحَهُمْ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ ثُمَّ دَفَعَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ يَسْمَعُ تَسْبِيحَهُنَّ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ ثُمَّ دَفَعَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَرَ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ يَسْمَعُ تَسْبِيحَهُنَّ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ ثُمَّ دَفَعَهُنَّ إِلَى عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ثُمَّ دَفَعَهُنَّ إِلَيْنَا فَلَمْ يُسَبِّحْنَ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا لَفْظُهُمَا سَوَاءٌ وَلَمْ يُسَمِّ ابْنُ الضَّحَّاكِ الْوَلِيدَ وَسَمَّاهُ ابْنُ صَدَقَةَ

339 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ ثنا الْفَضْلُ بْنُ دَاوُدَ ثنا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَأَخَذَ حَصَيَاتٍ فِي كَفِّهِ فَسَبَّحْنَ ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَسَكَتْنَ ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَسَبَّحْنَ

تأمين أسكفة الباب وجدار البيت

§تَأْمِينِ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ وَجِدَارِ الْبَيْتِ

340 - حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ السَّامِيُّ قَالَ: ثنا -[433]- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: " §لَا تُرُمْ مِنْ مَنْزِلِكَ غَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ

وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: شَهِدْتُ جَدِّي يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: " §لَا تَبْرَحْ أَنْتَ وَبَنُوكَ غَدًا فَإِنَّ لِي فِيكُمْ حَاجَةً قَالَ: فَجَمَعَهُمُ الْعَبَّاسُ فِي بَيْتٍ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالُوا: بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: تَقَارَبُوا تَقَارَبُوا فَزَحَفَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُوهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بِمُلَاءَتِهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ هَذَا الْعَبَّاسُ عَمِّي وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِي هَذِهِ فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ آمِينَ آمِينَ آمِينَ ثَلَاثًا

ذكر خبر مزود أبي هريرة رضي الله عنه

§ذِكْرُ خَبَرِ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

341 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ثنا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا -[434]- حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ مَوْلَى لِأَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَمَعَكَ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: " §تَمْرٌ فِي مِزْوَدِي فَإِذَا فِيهِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ تَمْرَةً قَالَ: فَصَفَّهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نَاسٌ فَقَالَ: كُلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ مِنْهُ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَعِدْهُ فِي الْمِزْوَدِ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ فَأَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ وَلَا تَكُبَّهَ فَمَا زَالَ مَعِي آكُلُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ حِصَارُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسُرِقَ مِنِّي وَأَنَا فِي شُغُلٍ مِنْهُ

342 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَلِيطٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَاسِمِيُّ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §أُصِبْتُ بِثَلَاثٍ: مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ وَخُوَيْدِمَهُ وَقَتْلِ عُثْمَانَ وَالْمِزْوَدِ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: وَمَا الْمِزْوَدُ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي الْمِزْوَدِ قَالَ: ائْتِنِي بِهِ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ قَبْضَةً فَبَسَطَهَا ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عَشَرَةً فَدَعَوْتُ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا فَمَا زَالَ يَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى أَطْعَمَ الْجَيْشَ كُلَّهُ وَشَبِعُوا ثُمَّ قَالَ لِي: خُذْ مَا جِئْتَ بِهِ فَأَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ وَاقْبِضْ وَلَا تَكُبَّهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَبَضْتُ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا جِئْتُ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ كَمْ أَكَلْتُ مِنْهُ؟ أَكَلْتُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَأَطْعَمْتُ وَحَيَاةَ عُمَرَ وَأَطْعَمْتُ وَحَيَاةَ عُثْمَانَ وَأَطْعَمْتُ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتُهِبَ بَيْتِي وَذَهَبَ الْمِزْوَدُ -[435]- وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا وَيُجَانِسُهُ

343 - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَقَدْ §تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ

344 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حُصَيْنٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ وثنا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ قَالَا: ثنا يَزِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ أَبُو خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكُنْتُ عَلَى النِّحْيِ ذَلِكَ السَّفَرَ فَنَظَرْتُ إِلَى نِحْيِ السَّمْنِ قَدْ قَلَّ مَا فِيهِ وَهَيَّأْتُ للنَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَوَضَعْتُ النِّحْيَ فِي الشَّمْسِ وَنِمْتُ فَانْتَبَهْتُ بِخَرِيرِ النِّحْيِ فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ بِيَدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآنِي: " §لَوْ تَرَكْتَهُ لَسَالَ الْوَادِي سَمْنًا

قصة غرماء جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

§قِصَّةُ غُرَمَاءِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

345 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ: ثنا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فِرَاسٍ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ §-[436]- أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتًا وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا فَلَمَّا حَضَرَ جُذَاذُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِيَ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ طَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ أَصْحَابَكَ فَمَا زَالَ يَكِيلُ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَانَةَ وَالِدِي وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعُ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ فَسَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً

ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلى الله عليه وسلم

§ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي أَخْرَجَتْهَا أَسْلَافُنَا فِي جُمْلَةِ دَلَائِلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قصة أذرع وأكتاف الشاة

§قِصَّةُ أَذْرُعِ وَأَكْتَافِ الشَّاةِ

346 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدٍ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَنَا شَاةٌ مَطْبُوخَةٌ فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ §نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلشَّاةُ إِلَّا ذِرَاعَانِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَكَتَّ لَأَعْطَيْتَنِي أَذْرُعًا مَا دَعَوْتُهَا

347 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ إِمْلَاءً قَالَ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا طَالُوتُ بْنُ عُبَادةَ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَمْ يَكُنْ يُعْجِبُهُ مِنَ الشَّاةِ إِلَّا الْكَتِفُ وَذَبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ شَاةً فَقَالَ: يَا غُلَامُ ائْتِنِي بِالْكَتِفِ فَأَتَاهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيْضًا فَأَتَاهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيْضًا فَأَتَاهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ شَاةً وَاحِدَةً وَقَدْ أَتَيْتُكَ بِثَلَاثَةِ أَكْتَافٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَكَتَّ لَجِئْتَ بِهَا مَا دَعَوْتُ قَالَ الشَّيْخُ: وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارِ إِعْلَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَتَهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِيهِ إِذَا سَأَلَ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَخْصِيصًا؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ آيَةً لَهُ فِي نَفْسِهِ وَرِفْعَةً لَهُ فِي مَرْتَبَتِهِ وَإِبَانَةً لَهُ فِي الْكَرَامَةِ عَنِ الْخَلِيقَةِ أَنْ لَوِ الْتَمَسَ أَذْرُعًا لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُجِيبُهُ إِلَى مَسْأَلَتِهِ

قصة البعير المتخلف لجابر بن عبد الله وأبي طلحة رضي الله عنهما

§قِصَّةُ الْبَعِيرِ الْمُتَخَلِّفِ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما

348 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ثنا مُسَدَّدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَا: ثنا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: ثنا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا أَبُو كَامِلٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: ثنا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ قَالَ: ثنا جَمِيلُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " §كُنَّا فِي مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لِي إِنَّمَا هُوَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ قَالَ: فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَخَسَهُ أُرَاهُ قَالَ: بِشَيْءٍ كَانَ -[438]- مَعَهُ قَالَ: فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَقَدَّمُ النَّاسَ يُنَازِعُنِي حَتَّى إِنِّي لَأَكُفُّهُ

349 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَاسَرْجَسِيُّ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " §غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاحَقَ بِي وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أُعْيِيَ وَلَا يَكَادُ يَسِيرُ قَالَ: فَقَالَ لِي: مَا لِبَعِيرِكَ؟ قُلْتُ: عَلِيلٌ قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ

350 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ وَأَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَا: ثنا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ وَأَنَا عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ فَمَرَّ بِي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَغَمَزَ بَعِيرِي بِعَصًا فِي يَدِهِ فَإِذَا هُوَ فِي أَوَّلِ الرِّكَابِ

351 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ يُوسُفَ السَّقَطِيُّ الْمُعَدِّلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَا: ثنا يُوسُفُ الْقَاضِي قَالَ: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ ثنا حَمَّادٌ ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ -[439]-: " §أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُعْيِيَ بَعِيرِي قَالَ: فَنَخسَهُ فَوَثَبَ قَالَ: فَكُنْتُ أَحْبِسُ بَعْدَ ذَلِكَ خِطَامَهُ فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ

352 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّائِغِ ثنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ فَقَالَ: لَنْ تُرَاعُوا وَإِنَّهُ لَبَحْرٌ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

رؤيته صلى الله عليه وسلم من خلف ظهره

§رُؤْيَتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ

353 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: " §اسْتَوُوا وَتَراصُّوا؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ بَيْنَ يَدَيَّ

354 - حَدَّثَنَا مُحَلِّلُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ: " §أَحْسِنُوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ أَمَامِي

355 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا ابْنُ مَنِيعٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي §لَأَنْظُرُ إِلَى مَا وَرَائِي كَمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ

بلوغ صوته حيث لا يبلغ صوت غيره صلى الله عليه وسلم

§بُلُوغِ صَوْتِهِ حَيْثُ لَا يَبْلُغُ صَوْتُ غَيْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

356 - حَدَّثَنَا فَارُوقُ بْنُ عَبْدِ الْكَبِيرِ قَالَ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: ثنا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: ثنا حَمْزَةُ بْنُ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي خُدُورِهِنَّ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ §مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُخْلِصِ الْإِيمَانَ مِنْ قَلْبِهِ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهَ مَنْ يَتْبَعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ اتَّبَعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنِ اتَّبَعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ

357 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الْوَاسِطِيُّ قَالَا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخَرِّمِيِّ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ: ثنا رَميحُ بْنُ هِلَالٍ الطَّائِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ -[441]-: صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا غَضْبَانَ مُتَقَعِّرًا فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي أَجْوَافِ الْخُدُورِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ §مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَسُبُّوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ هَتَكَ اللَّهُ سَتْرَهُ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ وَلَوْ كَانَ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ أَوْ فِي سَتْرِ بَيْتِهِ

358 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ قَالَ: ثنا فَضَالَةُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §جَلَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ لِلنَّاسِ: اجْلِسُوا فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَجَلَسَ فِي بَنِي غَنْمٍ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَاكَ ابْنُ رَوَاحَةَ جَالِسٌ فِي بَنِي غَنْمٍ سَمِعَكَ وَأَنْتَ تَقُولُ لِلنَّاسِ اجْلِسُوا فَجَلَسَ فِي مَكَانِهِ

359 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى إِنْ كُنَّا لَنَسْمَعُ مَا -[442]- يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ ثُمَّ قَالَ: " §عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ

سماعه ما لا يسمع ورؤيته ما لا يرون

§سَمَاعُهُ مَا لَا يُسْمَعُ وَرُؤْيَتُهُ مَا لَا يَرَوْنَ

360 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ إِنَّ §السَّمَاءَ أَطَّتْ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ , وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ

طيب عرقه

§طِيبُ عَرَقِهِ

361 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ -[443]-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَتَبْسُطُ لَهُ نِطَعًا فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ §فَتَأْخُذُ مِنْ عَرَقِهِ فَتَجْعَلُهُ فِي طِيبِهَا

362 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ثنا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: ثنا كَثِيرُ بْنُ سَيْحَانَ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَبَحُّ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §إِذَا أَقْبَلَ بِطِيبِ رِيحِهِ

363 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا سَلْمُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعَلَّى الْآدَمَيُّ قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ ثنا مُغِيرَةُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِصَالٌ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقٍ فَسَلَكَهُ أَحَدٌ إِلَّا عَرَفَ أَنَّهُ سَلَكَهُ §مِنْ طِيبِ عَرَقِهِ أَوْ رِيحِ عَرَقِهِ

بوله وغائطه

§بَوْلُهُ وَغَائِطُهُ

364 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أُمِّ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ -[444]-: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي الْخَلَاءَ فَلَا نَرَى شَيْئًا مِنَ الْأَذَى؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ §الْأَرْضَ تَبْتَلِعُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ؟

365 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: ثنا أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ قَالَتْ: " §قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَى فَخَّارَةٍ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ فَبَالَ فِيهَا فَقُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا عَطْشَانَةٌ فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا وَأَنَا لَا أَشْعُرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أُمَّ أَيْمَنَ قَوْمِي فَأَهْرِيقِي مَا فِي تِلْكَ الْفَخَّارَةِ قُلْتُ: قَدْ وَاللَّهِ شَرِبْتُ مَا فِيهَا قَالَتْ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِزُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّكِ لَا تَتَّجِعِينَ بَطْنَكِ أَبَدًا

366 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يُصَلِّي فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَإِنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ فِي بِئْرٍ فِي دَارِهِ قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ بِئْرٌ أَعْذَبُ مِنْهَا قَالَ: وَكَانُوا إِذَا حَضَرُوا اسْتَعْذَبَ لَهُمْ مِنْهَا وَكَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْبَرُودَ

شعر الرسول الموجود في قلنسوة خالد

§شَعْرُ الرَّسُولِ الْمَوْجُودُ فِي قَلَنْسُوَةِ خَالِدٍ

367 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ -[445]-: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوهَا فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَوَجَدُوهَا فَإِذَا هِيَ قَلَنْسُوَةٌ خَلِقَةٌ فَقَالَ خَالِدٌ: " §اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ قَالَ: فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَته فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ

عدم تأثير السم في خالد

§عَدَمُ تَأْثِيرِ السُّمِّ فِي خَالِدٍ

368 - حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: ثنا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: " §نَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحِيرَةَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْمَرَازِبَةِ فَقَالُوا: احْذَرِ السُّمَّ لَا تَسْقِيكَهُ الْأَعَاجِمُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِهِ فَأُتِيَ بشَيْءٍ مِنْهُ فَأَخَذَهُ بيده ثُمَّ اقْتَمَحَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا

الفصل الرابع والعشرون ذكر أخبار في أمور شتى دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجيب له

§الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ ذِكْرُ أَخْبَارٍ فِي أُمُورٍ شَتَّى دَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُجِيبَ لَهُ

دعاؤه على أهل مكة بالقحط

§دُعَاؤُهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَحْطِ

369 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَا: ثنا أَبُو خَلِيفَةُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ دَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا الْجِيَفَ وَالْعِظَامَ وَكَانَ الرَّجُلُ يَرَى فِي السَّمَاءِ شِبْهَ الدُّخَانِ فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ , وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا , فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ , وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَائِدُونَ} [الدخان: 15] -[448]- فَيَكْشِفُ عَنْهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا فِي كُفْرِهِمْ قَالَ: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ وَاللِّزَامُ وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ وألم غُلِبَتِ الرُّومَ وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْقَمَرِ

ذكر خبر آخر في استسقائه عليه السلام للمسلمين ومسألته حبس المطر عنهم

§ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ فِي اسْتِسْقَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَسْأَلَتِهِ حَبْسَ الْمَطَرِ عَنْهُمْ

370 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ثنا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ ثنا مُبَشِّرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: " §أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلَكَ الْمَالُ , وَجَاعَ الْعِيَالُ , فَادْعُ اللَّهَ لَنَا , فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَمَا رُئِيَ فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى , فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى -[449]- نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ وَحَتَّى سَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا وَمَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ جِيدُوا وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ

371 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: ثنا الْقَعْنَبِيُّ وثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلَكَتِ الْمَوَاشِي , وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ , فَادْعُ اللَّهَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ: فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ

372 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ -[450]-: كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ اسْقِنَا فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابًا فَأُمْطِرُوا مَطِيرًا فَأَطَافَتِ الْأَنْصَارُ بِأَبِي لُبَابَةَ فَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ إِنَّ السَّمَاءَ لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَفْعَلَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ فَأَقْلَعَتِ السَّمَاءُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ أَبُو أَوْسٍ 373 - وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَيْضًا أَنَّ وَفَدْ سَلَامَانَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ الْبِلَادُ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: مُجْدِبَةٌ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فِي بِلَادِنَا فَنَقِرَّ فِي أَوْطَانِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اسْقِهِمُ الْغَيْثَ فِي دَارِهِمْ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ , ارْفَعْ يَدَكَ؛ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ قَالَ: فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا وَضِيَافَتُهُ تَجْرِي عَلَيْنَا ثُمَّ جِئْنَا فَوَدَّعْنَاهُ فَأَمَرَ لَنَا بِالْجَوَائِزِ فَأَعْطَانَا خَمْسَ أَوَاقٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَتَعَذَّرَ إِلَيْنَا بِلَالٌ وَقَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ مَالٌ فَقَالُوا: مَا أَكْثَرَ هَذَا وَأَطْيَبَهُ قَالُوا: ثُمَّ رَحَلْنَا إِلَى بِلَادِنَا فَوَجَدْنَاها قَدْ مُطِرَتْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي دَعَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ

دعاؤه لعلي

§دُعَاؤهُ لِعَلِيٍّ

374 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ ثنا فَارُوقٌ -[451]- الْخَطَّابِيُّ قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ شَاكِيًا فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِي وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَارْفَعْنِي وَإِنْ كَانَ بَلَاءً فَصَبِّرْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَدْتُ عَلِيه الْقَوْلَ §فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِهِ قَالَ: فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِي بَعْدَ ذَلِكَ

دعاؤه على من يصلح شعره في الصلاة

§دُعَاؤهُ عَلَى مَنْ يُصْلِحُ شَعْرَهُ فِي الصَّلَاةِ

375 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُلَحِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سَاجِدًا وَهُوَ يَقُولُ بِشَعْرِهِ هَكَذَا يَكُفُّهُ عَنِ التُّرَابِ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ قَبِّحْ شَعْرَهُ قَالَ: فَسَقَطَ

دعاؤه بشفاء الأمراض النفسية والعضوية

§دُعَاؤُهُ بِشِفَاءِ الْأَمْرَاضِ النَّفْسِيِّةِ وَالْعُضْوِيَّةِ

376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثنا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا جَعْفَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §شُدُّوا رَأْسِي؛ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَشَدَدْتُ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَذَكَرَ كَلَامًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَتْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى أَمْرٍ يُخْفيِهِ إِلَيْهِ فَلْيَقُمْ , لِيَسْأَلْنِي؛ حَتَّى أَدْعُوَا اللَّهَ لَهُ , فَقَامَتِ امْرَأَةٌ فَأَوْمَتْ بِإِصْبَعِهَا إِلَى لِسَانِهَا فَقَالَ: انْطَلِقِي إِلَى -[452]- بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى آتِيَكِ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنِّي لَبَخِيلٌ , وَإِنِّي لَجَبَانٌ وَإِنِّي لَنَئُومٌ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُسَخِّيَ نَفْسِي , وَأَنْ يُشَجِّعَ جُبْنِي وَأَنْ يَذْهَبَ بِكَثْرَةِ نَوِّمِي قَالَ الْفَضْلُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِيَّاهُ فِي الْغَزْوِ مَعَنَا وَمَا مِنَّا رَجُلٌ أَسْخَى مِنْهُ نَفْسًا وَلَا أَشَدَّ بَأْسًا مِنْهُ، وَلَا أَقَلَّ نَوْمًا مِنْهُ، وَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبًا عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَإِنْ كُنْتُ لَأَعْرِفُ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَتَّى إِنْ كَانَتْ لَتَقُولُ لِي: يَا عَائِشَةُ أَحْسِنِي صَلَاتَكِ

دعاؤه على أبي ثروان بطول الشقاء والبقاء

§دُعَاؤهُ عَلَى أَبِي ثُرْوَانَ بِطُولِ الشَّقَاءِ وَالْبَقَاءِ

377 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ثنا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَطَّانُ ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي ثَرْوَانَ قَالَ: كَانَ أَبُو ثَرْوَانَ رَاعِيًا لِبَنِي عَمْرِو بْنِ تَيْمٍ فِي إِبِلِهِمْ فَخَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى سَوَادِ الْإِبِلِ فَقَصَدَهُ فَإِذَا هِيَ إِبِلٌ فَدَخَلَ بَيْنَ الْأَرَاكِ فَجَلَسَ فَنَفَرَتِ الْإِبِلُ فَقَامَ أَبُو ثَرْوَانَ فَطَافَ بِالْإِبِلِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ثُمَّ تَخَلَّلَهَا فَإِذَا هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ َفَقَالَ لَهُ أَبُو ثَرْوَانَ: مَنْ أَنْتَ فَقَدْ أَنْفَرْتَ الْإِبِلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ تُرَعْ أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَأْنِسَ إِلَى إِبِلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو ثَرْوَانَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَسْأَلْ، رَجُلٌ أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَأْنِسَ إِلَى إِبِلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو ثَرْوَانَ: إِنِّي أَرَاكَ الرَّجُلَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ نَبِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلَ فَأَدْعُوكَ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو ثَرْوَانَ -[453]-: اخْرُجْ فَلَا تَصْلُحُ إِبِلٌ أَنْتَ فِيهَا وَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ أَطِلْ شَقَاهُ وَبَقَاهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ أَبِي: فَأَدْرَكْتُهُ شَيْخًا كَبِيرًا يَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا نَرَاكَ إِلَّا قَدْ هَلَكْتَ دَعَا عَلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَلَّا قَدْ أَتَيْتُهُ بَعْدُ حِينِ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمْتُ مَعَهُ فَدَعَا لِي وَاسْتَغْفَرَ، وَلَكِنَّ الْأُولَى قَدْ سَبَقَتْ

دعاؤه لغنم أبي قرصافة

§دُعَاؤهُ لِغَنَمِ أَبِي قِرْصَافَةَ

378 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ ثنا أَيُّوبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْصَمِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ خَشَبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ سَيَّارٍ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي عَزَّةُ بِنْتُ عِيَاضِ بْنِ أَبِي قِرْصَافَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ جَدَّهَا أَبَا قِرْصَافَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ §بَدْءُ إِسْلَامِي أَنِّي كُنْتُ يَتِيمًا بَيْنَ أُمِّي وَخَالَتِي وَكَانَ أَكْثَرَ مَيْلِي إِلَى خَالَتِي وَكُنْتُ أَرْعَى شُوَيْهَاتٍ لِي فَكَانَتْ خَالَتِي كَثِيرًا مَا تَقُولُ لِي: يَا بُنَيَّ لَا تَمُرَّ بِهَذَا الرَّجُلِ - تَعْنِي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ - فَيُغْوِيَكَ وَيُضِلَّكَ فَكُنْتُ أَخْرُجُ حَتَّى آتِي الْمَرْعَى وَأَتْرُكَ شُوَيْهَاتِي ثُمَّ آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أَزَالُ عِنْدَهُ أَسْمَعُ مِنْهُ وَأَرُوحُ بِغَنَمِي ضُمَّرًا يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ فَقَالَتْ لِي خَالَتِي: مَا لِغَنَمِكَ يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ؟ قُلْتُ: مَا أَدْرِي ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ الثَّانِي فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ هَاجِرُوا وَتَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَنْقَطِعُ مَا دَامَ الْجِهَادُ؛ ثُمَّ إِنِّي رَجَعْتُ بِغَنَمِي كَمَا رُحْتُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[454]- أَسْمَعُ مِنْهُ حَتَّى أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُهُ وَصَافَحْتُهُ بِيَدِي وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ أَمْرَ خَالَتِي وَأَمْرَ غَنَمِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْنِي بِالشِّيَاهِ فَجِئْتُهُ بِهِنَّ فَمَسَحَ ظُهُورَهُنَّ وَضُرُوعَهُنَّ وَدَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ فَامْتَلَأْنَ شَحْمًا وَلَبَنًا فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي بِهِنَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَكَذَا فَارْعَ قُلْتُ: يَا خَالَةُ مَا رَعَيْتُ إِلَّا حَيْثُ كُنْتُ أَرْعَى كُلَّ يَوْمٍ وَلَكِنْ أُخْبِرُكِ بِقِصَّتِي فَأَخْبَرْتُهَا بِالْقَصَّةِ وَإِتْيَانِي النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْتُهَا بِسِيرَتِهِ وَبِكَلَامِهِ فَقَالَتْ لِي أُمِّي وَخَالَتِي: اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ , فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي فَأَسْلَمْنَ وَبَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَافَحَهُنَّ , فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ إِسْلَامِ أَبِي قِرْصَافَةَ

دعاؤه لجرير بن عبد الله

§دُعَاؤهُ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

379 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَمَا سَقَطَتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ

قصة عتيبة بن أبي لهب

§قِصَّةُ عُتْيبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ

380 - حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ -[455]-: كَانَ أَبُو لَهَبٍ وَابْنُهُ عُتَيْبَةُ قَدْ تَجَهَّزَا إِلَى الشَّامِ وَتَجَهَّزْتُ مَعَهُمَا، فَقَالَ ابْنُهُ عُتَيْبَةُ: وَاللَّهِ لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَيْهِ فَلَأُوذِيَنَّهُ فِي رَبِّهِ , فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ , هُوَ يَكْفُرُ بِالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §اللَّهُمَّ ابْعَثْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ , مَا قُلْتَ لَهُ؟ قَالَ: كَفَرْتُ بإِلَهِهِ الَّذِي يَعْبُدُ قَالَ: فَمَاذَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُمَّ ابْعَثْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ , وَاللَّهِ مَا آمَنُ عَلَيْكَ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ قَالَ: فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا الشَّرَاةَ وَهِيَ مَأْسَدَةٌ فَنَزَلْنَا إِلَى صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ مَا أَنْزَلَكُمْ هَذِهِ الْبِلَادَ وَإِنَّهَا مَسْرَحُ الضَّيْغَمِ؟ فَقَالَ لنا أَبُو لَهَبٍ: إِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ حَقِّي؟ قُلْنَا: أَجَلْ يَا أَبَا لَهَبٍ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ دَعَا عَلَى ابْنِي دَعْوَةً وَاللَّهِ مَا آمَنُهَا عَلَيْهِ , فَاجْمَعُوا مَتَاعَكُمْ إِلَى هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ , ثُمَّ افْرِشُوا لِابْنِي عُتَيْبَةَ ثُمَّ افْرِشُوا حَوْلَهُ قَالَ: فَفَعَلْنَا جَمَعْنَا الْمَتَاعَ حَتَّى ارْتَفَعَ ثُمَّ فَرَشْنا لَهُ عَلَيْهِ , وَفَرَشْنَا حَوْلَهُ فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَهُ وَأَبُو لَهَبٍ مَعَنَا أَسْفَلَ وَبَاتَ هُوَ فَوْقَ الْمَتَاعِ , فَجَاءَ الْأَسَدُ فَشَمَّ وُجُوهَنَا، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَا يُرِيدُ تَقَبَّضَ ثُمَّ وَثَبَ فَإِذَا هُوَ فَوْقَ الْمَتَاعِ فَجَاءَ الْأَسَدُ فَشَمَّ وَجْهَهُ ثُمَّ هَزَمَهُ هَزْمَةً فَفَضَخَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَيْفِي يَا كَلْبُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيَّ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَثَبْنَا فَانْطَلَقَ الْأَسَدُ وَقَدْ فَضْخَ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: قَدْ عَرَفْتُ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِيَنْقَلِبَ مِنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ 381 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَتِهِ الَّتِي حَدَّثَنَاهُ عَنْ -[456]- مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالُوا: كَانَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عُتَيْبَةُ بْنِ أَبِي لَهَبٍ فَطَلَّقَهَا فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الشَّامِ قَالَ: لَأَتِيَنَّ مُحَمَّدًا فَأُوذِيَنَّهُ فِي رَبِّهِ قَالَ: فَأَتَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هُوَ يَكْفُرُ بِالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ثُمَّ تَفَلَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ قَالَ: وَأَبُو طَالِبٍ حَاضِرٌ فَوَجِمَ عَنْهَا وَقَالَ: مَا أَغْنَاكَ عَنْ دَعْوَةِ ابْنِ أَخِي فَرَجَعَ , فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَخَرَجُوا إِلَى الشَّامِ فَنَزَلُوا مَنْزِلًا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمُ الرَّاهِبُ مِنَ الدَّيْرِ , فَقَالَ لَهُمْ: هَذِهِ أَرْضُ مَسْبَعَةٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَعِينُونَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ فَجَمَعُوا أَحْمَالَهُمْ فَفَرَشُوا لعُتَيْبَةُ عَلَيْهَا وَنَامُوا حَوْلَهُ فَجَاءَ الْأَسَدُ فَجَعَلَ يَتَشَمَّمُ وُجُوهَهُمْ ثُمَّ ثَنَى ذَنَبَهُ فَوَثَبَ فَضَرَبَهُ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً فَأَخَذَهُ فَخَدَشَهُ، فَقَالَ: قَتَلَنِي وَمَاتَ مَكَانَهُ. وَقَالَ: [البحر السريع] سَائِلْ بَنِي الْأَشْعَرِ إن جِئْتَهُمْ ... مَا كَانَ إِنَاءُ أَبِي وَاسِعِ لَا وَسَّعَ اللَّهُ لَهُ قَبْرَهُ ... بَلْ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَى الْقَاطِعِ رَحِمَ نَبِيٍّ جَدُّهُ ثَابِتٌ ... يَدْعُو إِلَى نُورٍ لَهُ سَاطِعِ أَسبلُ بِالْحِجْرِ لِتَكْذِيبِهِ ... دُونَ قُرَيْشٍ نَهْزَةَ الْقَادِعِ -[457]- فَاسْتَوْجَبَ الدَّعْوَةَ مِنْهُ بِمَا ... بَيَّنَ لِلنَّاظِرِ وَالسَّامِعِ إِنْ سَلَّطَ اللَّهُ بِهِ كَلْبَهُ ... يَمْشِي الْهُوَيْنَا مِشْيَةَ الْخَادِعِ حَتَّى أَتَاهُ وَسْطَ أَصْحَابِهِ ... وَقَدْ عَلَتْهُمْ سِنَةُ الْهَاجِعِ فَالْتَقَمَ الرَّأْسَ بُيَافُوخِهِ ... وَالنَّحْرَ مِنْهُ فَغْرَةَ الْجَائِعِ 382 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً قَالَ: ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْخِزَامِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: كَانَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عِنْدَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَأُمُّ كُلْثُومٍ عِنْدَ عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ زَوَّجَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

383 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمرو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {§وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] قَالَ عُتَيْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ: كَفَرْتُ بِرَبِّ النَّجْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكَ كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ عُتَيْبَةُ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي عِيرٍ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالشَّامِ فزَأَرَ الْأَسَدُ فَجَعَلَتْ فَرَائِصُهُ تَرْعَدُ فَقِيلَ لَهُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَرْعَدُ؟ فَوَاللَّهِ مَا نَحْنُ وَأَنْتَ إِلَّا سَوَاءٌ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا دَعَا عَلَيَّ، لَا وَاللَّهِ مَا أَظْلَّتِ السَّمَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ وَضَعُوا الْعَشَاءَ فَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ النَّوْمُ فَحَاطُوهُ -[458]- بِمَتَاعِهِمْ وَوَسَّطُوهُ بَيْنَهُمْ وَنَامُوا فَجَاءَهُمُ الْأَسَدُ يَهْمِسُ يَسْتَنْشِقُ رُءُوسَهُمْ رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً كَانَتْ إِيَّاهَا فَفَزِعَ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّ مُحَمَّدًا أَصْدَقُ النَّاسِ؟ وَمَاتَ

3 - §دُعَاؤهُ لِعَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ وَالنَّابِغَةَ الْجَعْدِيِّ

384 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ ثنا أَبُو مُسْلِمٍ ثنا الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثنا حُسَيْنُ بْنُ واقد حَدَّثَنِي أَبُو نَهِيكٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ قَالَ: " §اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِجُمْجُمَةٍ وَفِيهَا مَاءٌ وَفِيهِ شَعْرةٌ فَرَفَعْتُهُا فَنَاوَلْتُهُ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ» قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً وَمَا فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ

385 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ إِمْلَاءً قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ -[459]-: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ ثنا يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّابِغَةَ بْنَ الْجَعْدِ يَقُولُ: " §أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشِّعْرَ فَأَعْجَبَهُ: [البحر الطويل] بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدَنَا وَثَرَاءَنَا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟» قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: «أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» فَلَمَّا أَنْشَدْتُّهُ: وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَدْتَ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ. قَالَ يَعْلَى فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَمَا ذَهَبَ لَهُ سِنٌّ

استعانته بالله

§اسْتِعَانَتُهُ بِاللَّهِ

386 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو أَحْمَدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: ثنا حَنْبَل عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " §يَا مَالِكَ -[460]- يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ , فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ تُصْرَعُ تَضْرِبُهَا الْمَلَائِكَةُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا وَمِنْ خَلْفِهَا

دعاؤه لزوجين بالتأليف بينهما

§دُعَاؤهُ لِزَوْجَيْنِ بِالتَّأْلِيفِ بَيْنَهُمَا

387 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللِّهْبِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ النَّبَطِ , وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنِّي مَعَ زَوْجٍ لِي فِي الْبَيْتِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ وَأَنَا امْرَأَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُحِبُّ مَا تُحِبُّ الْمُسْلِمَةُ فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيَّ بِهِ فَجَاءَتْ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُ زَوْجَتُكَ هَذِهِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جَفَّ رَأْسِي مِنَ الْغُسْلِ مِنْهَا بَعْدُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَمَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الشَّهْرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُبْغِضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ , وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنِيَا إِلَيَّ رُءُوسَكُمَا فَوَضَعَا جَبْهَتَيْهِمَا عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا , وَحَبِّبْ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ بِهِمَا وَكَانَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ خَرَّازًا فَإِذَا هِيَ تَحْمِلُ أَدَمًا عَلَى رَقَبَتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عُمَرُ أَلَيْسَتْ صَاحِبَتَنَا الَّتِي قَالَتْ مَا قَالَتْ؟ فَسَمِعَتْ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَمَتْ بِالْأَدَمِ ثُمَّ قَبَّلَتْ رِجْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَنْتِ وَزَوْجُكِ؟ فَقَالَتْ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا فِي الدُّنْيَا وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

دعاؤه لعروة البارقي

§دُعَاؤهُ لِعُرْوَةَ الْبَارِقِي

388 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: ثنا الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ جَلَبًا فَأَعْطَاهُ دِينَارًا فَقَالَ: «§اشْتَرِ لَنَا بِهِ شَاةً» فَانْطَلَقَ فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ , فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَبَاعَهُ شَاةً بِدِينَارٍ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ " قَالَ: فَإِنْ كُنْتُ أَقُومُ مِنَ الْكُنَاسَةِ فَمَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَرْبَحَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَرَوَاهُ عَفَّانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقِفُ بِكُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَأَرْبَحُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا قَبْلَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي

دعاؤه للمقداد بالبركة بمال وصل إليه

§دُعَاؤهُ لِلْمِقْدَادِ بِالْبَرَكَةِ بْمَالٍ وَصَلَ إِلَيهِ

389 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي قُرَيْبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّهَا كَرِيمَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ إِنَّمَا يَذْهَبُونَ لِحَاجَتِهِمْ فَرَطَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَيَبْعَرُونَ كَمَا تَبْعَرُ الْإِبِلُ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ خَرَجَ الْمِقْدَادُ لِحَاجَتِهِ حَتَّى بَلَغَ الْحَجَبَةَ -[462]- وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَدَخَلَ خَرِبَةً لِحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ أَخْرَجَ جُرَذٌ مِنْ جُحْرِهِ دِينَارًا فَلَمْ يَزَلْ يُخْرِجْ دِينَارًا دِينَارًا حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى جَاءَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا فَقَالَ: هَلْ أَتْبَعْتَ يَدَكَ الْجُحْرَ؟ قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَقَالَ: " §لَا صَدَقَةَ عَلَيْكَ فِيهَا بَارَكَ اللَّهُ لَكُ فِيهَا. قَالَتْ ضُبَاعَةُ: فَمَا فَنِيَ آخِرُهَا حَتَّى رَأَيْتُ غَرَائِرَ الْوَرِقِ فِي بَيْتِ الْمِقْدَادِ

دعاؤه لإذهاب الجوع عن فاطمة‍

§دُعَاؤهُ لِإِذْهَابِ الْجُوعِ عَنْ فَاطِمَة‍َ

390 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبَانَ ثنا مُسْهِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو مُعَاذٍ وَحَدَّثَنَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ ثنا أَبِي ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ثنا مُسْهِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عُتْبَةَ أَبِي مُعَاذٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ ذَهَبَ الدَّمُ مِنْ وَجْهِهَا وَعَلَتْهَا الصُّفْرَةُ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْنَاهَا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا فِي مَوْضِعِ الْقِلَادَةِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ: " §اللَّهُمَّ مُشْبِعَ الْجَاعَةِ وَرَافِعَ الْوَضِعَةِ لَا تُجِعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -[463]- قَالَ عِمْرَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ عَلَا الدَّمُ عَلَى الصُّفْرَةِ فِي وَجْهِهَا فَلَقِيتُهَا بَعْدُ فَقَالَتْ: يَا عِمْرَانَ مَا جُعْتُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ: فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ تَرَائِبِهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ مُشْبِعَ الْجَاعَةِ وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ وَرَافِعَ الْوَضِعَةِ لَا تُجِعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قَالَ: رَأَيْتُ صُفْرَةَ الْجُوعِ قَدْ ذَهَبَتْ عَنْ وَجْهِهَا وظَهَرَ الدَّمُ ثُمَّ سَأَلْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: مَا جُعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا عِمْرَانُ

دعاؤه بإذهاب البرد

§دُعَاؤهُ بِإِذْهَابِ الْبَرْدِ

391 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: اجْتَمَعَ إِلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا أَنْكَرْنَاهُ فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالُوا: يَخْرُجُ عَلَيْنَا فِي الشِّتَاءِ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَفِي الصَّيْفِ فِي قُبَاءٍ مَحْشُوٍّ فَدَخَلْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَلَمَّا رَاحَ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْا مِنْكَ شَيْئًا أَنْكَرُوهُ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: لِبَاسُكَ قَالَ لِي: أَوَ مَا كُنْتَ مَعَنَا حِينَ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي رَاحَتَيْهِ وَأَلْصَقَ بِهِمَا عَيْنِي؟ وَقَالَ: " §اللَّهُمَّ أَذْهِبِ عنهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا وَجَدْتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَذًى حَتَّى السَّاعَةِ

392 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ بِلَالٍ قَالَ: أَذَّنْتُ الصُّبْحَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ ثُمَّ أَذَّنْتُ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُهُمْ يَا بِلَالُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَبَّدَهُمُ الْبَرْدُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ اكْسِرْ عَنْهُمُ الْبَرْدَ قَالَ بِلَالٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ يَتَرَوَّحُونَ فِي السُّبْحَةِ أَوِ الصُّبْحِ يَعْنِي بِالسُّبْحَةِ صَلَاةَ الضُّحَى

دعاؤه بشفاء المريض

§دُعَاؤهُ بِشِفَاءِ الْمَرِيضِ

393 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ رَاشِدٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جُنْدُبٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ وَمَعَهَا صَبِيُّ لَهَا بِهِ بَلَاءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَبِيِّي هَذَا وَبَقِيَّةَ أَهْلِي بِهِ بَلَاءٌ لَا يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمَاءِ. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَضْمَضَ فَاهُ ثُمَّ أَعْطَاهَا فَقَالَ: " §اسْقِيهِ مِنْهُ وَصُبِّي عَلَيْهِ مِنْهُ وَاسْتَشْفِي اللَّهَ -[465]- لَهُ. قَالَتْ: فَلَقِيتُ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ: لَوْ وَهَبْتِ لِي مِنْهُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ لِهَذَا الْمُبْتَلَى. قَالَتْ: فَلَقِيتُ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحَوْلِ فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْغُلَامِ فَقَالَتْ: بَرَأَ وَعَقَلَ عَقْلًا لَيْسَ كَعُقُولِ النَّاسِ

394 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو حُصَيْنٍ مُحَمَّدُ بْن الْحُصَيْنِ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ مَعَهَا صَبِيُّ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِي هَذَا أَصَابَهُ بَلَاءٌ وَأَصَابَنَا مِنْهُ بَلَاءٌ يُؤْخَذُ فِي الْيَوْمِ لَا نَدْرِي كَمْ مِنْ مَرَّةٍ قَالَ: نَاوِلِينِيهِ قَالَ: فَرَفَعْتُهُ إِلَيْهِ قَالَ: فَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَطَ الرَّحْلِ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثًا: «§بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، إخْسَ عَدُوَّ اللَّهِ» . قَالَ: ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ ثُمَّ قَالَ: ألْقِينَا بِهِ فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأَخْبِرِينَا مَا فَعَلَ. قَالَ: فَذَهَبْنَا وَرَجَعْنَا فَوَجَدْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَعَهَا شِيَاهٌ ثَلَاثٌ. قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ الْخَبِيثُ؟ قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا حَسَسْنَا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى السَّاعَةِ، فَاخْتَرْ هَذِهِ الْغَنَمَ. قَالَ: انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا شَاةً وَرُدَّ الْبَقِيَّةَ

395 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ -[466]- ابْنِي بِهِ جُنُونٌ وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ عَشَائِنَا وَغَدَائِنَا فَيَخْبُثُ عَلَيْنَا. §فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَثَعَّ ثَعَّةً فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مِثْلُ الْجَرْوِ الْأَسْوَدِ يَسْعَى

دعاؤه بطرد الشيطان من صدر عثمان بن أبي العاص

§دُعَاؤهُ بِطَرْدِ الشَّيْطَانِ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ

396 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ثنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ثنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُوءَ حِفْظِي لِلْقُرْآنِ قَالَ: «§ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ، ادْنُ مِنِّي يَا عُثْمَانُ» . ثُمَّ تَفَلَ فِي فَمِي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ كَتِفَيَّ فَقَالَ: يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ. قَالَ: فَمَا سَمِعْتُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا حَفِظْتُهُ

دعاؤه برد بصر أعمى

§دُعَاؤهُ بِرَدِّ بَصَرِ أَعْمَى

397 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَامَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ خَالَهَا حَبِيبَ بْنَ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَهَا أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مُبْيَضَّتَانِ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا -[467]- شَيْئًا فَسَأَلَهُ مَا أَصَابَهُ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَمْرُنُ جَمَلًا لِي فَوَقَعَتْ رِجْلِي عَلَى بَيْضِ حَيَّةٍ فَأُصِيبَ بَصَرِي. §فَنَفَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ؛ فَأَبْصَرَ. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ وَإِنَّهُ لَابْنُ ثَمَانِينَ وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَمُبْيَضَّتَانِ

دعاؤه بشفاء يد محمد بن حاطب

§دُعَاؤهُ بِشِفَاءَ يَدِ مُحَمَّدِ بْنَِ حَاطِبٍ

398 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عُثْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَمِيلٍ بِنْتِ الْمُجَلِّلِ قَالَتْ: أَقْبَلْتُ بِكَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ طَبَخْتُ لَكَ طَبِيخًا فَفَنِيَ الْحَطَبُ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَتَنَاوَلْتُ الْقِدْرَ فَانْكَفَأَتْ عَلَى ذِرَاعِكَ فَقَدِمْتُ بِكَ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِكَ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِكَ وَدَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ وَتَفَلَ فِي فِيكَ ثُمَّ جَعَلَ يَتْفُلُ عَلَى يَدَيْكَ وَيَقُولُ: «§أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» . قَالَتْ: فَمَا قُمْتُ بِكَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى بَرَأَتْ يَدُكَ

قصة أم إسحاق

§قِصَّةُ أُمِّ إِسْحَاقَ

399 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ حَكِيمٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ أُمَّ إِسْحَاقَ قَالَتْ -[468]-: هَاجَرْتُ مَعَ أَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ لِي: اقْعُدِي يَا أُمَّ إِسْحَاقَ؛ فَإِنِّي نَسِيتُ نَفَقَتِي بِمَكَّةَ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ الْفَاسِقَ، تَعْنِي زَوْجَهَا. قَالَ: كَلَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَتْ: فَأَقَمْتُ أَيَّامًا فَمَرَّ بِي رَجُلٌ قَدْ عَرَفْتُهُ وَلَا أُسَمِّيهِ قَالَ: يَا أُمِّ إِسْحَاقَ مَا يُجْلِسُكَ هَاهُنَا؟ قُلْتُ: أَنْتَظِرُ أَخِي قَالَ: لَا أَخَ لَكِ بَعْدَ الْيَوْمِ قَدْ قَتَلَهُ زَوْجُكِ. فَتَحَمَّلْتُ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ أَخِي إِسْحَاقُ وَجَعَلْتُ كُلَّمَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ §نَكَسَ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ أَخَذَ كِفًّا مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَهُ فِي وَجْهِي. قَالَ: قَالَتْ جَدَّتِي: وَقَدْ كَانَتْ تُصِيبُهَا الْمُصِيبَةُ فَتُرَى الدُّمُوعُ فِي عَيْنَيْهَا وَلَا تَسِيلُ عَلَى خَدِّهَا

الفصل الخامس والعشرون في ذكر ما جرى من الآيات في غزواته وسراياه وذكرناها مرتبة من غزوة بدر إلى غزوة تبوك مبينا موضع الدلالة ووجه الآية فيها وفي جميع ذلك دليل على ما قلناه من أنه صلى الله عليه وسلم لم يخل شيء من أحواله عن آية شاهدة له ومعجزة جارية على

§الْفَصْلُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي ذِكْرِ مَا جَرَى مِنَ الْآيَاتِ فِي غَزَوَاتِهِ وَسَرَايَاهُ وَذَكَرْنَاهَا مُرَتَّبَةً مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ مُبَيِّنًا مَوْضِعَ الدَّلَالَةِ وَوَجْهَ الْآيَةِ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْلُ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِ عَنْ آيَةٍ شَاهِدَةٍ لَهُ وَمُعْجِزَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى يَدَيْهِ خَلِيقٌ كونُ ذَلِكَ لَهُ إِذِ النُّبُوَّةُ مَخْتُومَةٌ بِهِ وَالشَّرِيعَةُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَائِمَةٌ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ما حدث من المعجزات في غزوة بدر

§مَا حَدَثَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ

400 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الشَّامِ فَبَلَغَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَخَرَجُوا وَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ الْعِيرَ فَبَلَغَ أَهْلَ مَكَّةَ ذَلِكَ فَأَسْرَعُوا السَّيْرَ إِلَيْهَا لِكَيْلَا يَغْلِبَهَا عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ §اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكَانُوا أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ وَأَيْسَرَ -[470]- شَوْكَةً وَأَحْضَرَ مَغْنَمًا فَلَمَّا سَبَقَتِ الْعِيرُ وَفَاتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ الْقَوْمَ فَكَرِهَ الْقَوْمُ مَسِيرَهُمْ لِشَوْكَةِ الْقَوْمِ فَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دِعْصَةٌ فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْغَيْظَ يُوَسْوِسُهُمْ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُجَنِّبِينَ , فَأَمْطَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَطَرًا شَدِيدًا فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَانْتَسَقَ الرَّمَلُ حِينَ أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابُّ فَسَارُوا إِلَى الْقَوْمِ وَأَمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَكَانَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنِّبَةٍ وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَةٍ. قَالَ: فَلَمَّا اخْتَلَطَ الْقَوْمُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ أَوْلَانَا بِالْحَقِّ فَانْصُرْهُ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَمْ تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا. فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ. فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ , فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَدٌ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ [وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ]

401 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا عَلَيْهِ -[471]- النَّاسَ جِيرَانَهُ وَأَهْلَ مَكَّةَ كُلَّهُمْ , وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعْجِبُهُ حَدِيثُهُ وَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ , فَقَدِمَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ سَفَرِهِ فَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامِهِ فَقَالَ: " §مَا أَنَا بِالَّذِي آكُلُ طَعَامَكَ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: اطْعَمْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَفْعَلُ حَتَّى تَقُولَ. فَشَهِدَ بِذَلِكَ فَطَعِمَ مِنْ طَعَامِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: صَبَوْتَ يَا عُقْبَةُ وَكَانَ خَلِيلَهُ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا صَبَوْتُ وَلَكِنْ دَخَلَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَأَبَى أَنْ يَطْعَمَ مِنْ طَعَامِي إِلَّا أَنْ أَشْهَدَ لَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ؛ فَشَهِدْتُ لَهُ فَطَعِمَ. فَقَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا حَتَّى تَأْتِيَهُ فَتَبْزُقَ فِي وَجْهِهِ وَتَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ: فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَأَخَذَ رَحِمَ دَابَّةٍ فَأَلْقَاهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أَلْقَاكَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ إِلَّا عَلَوْتُ رَأْسَكَ بِالسَّيْفِ. فَأُسِرَ عُقْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلَ صَبْرًا وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْأُسَارَى غَيْرُهُ قَتْلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتُ بْنُ الْأَقْلَحِ

402 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ أَبُو الْيَسَرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ أَبُو الْيَسَرِ رَجُلًا مَجْمُوعًا وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا جَسِيمًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا الْيَسَرِ كَيْفَ أَسَرْتَ الْعَبَّاسَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ -[472]- رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ وَهَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ

403 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالَ: " §أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي حَتَّى صَعِدْنَا عَلَى الْجَبَلِ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْهَبُ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ إِذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ قَالَ: فَأَمَّا ابْنُ عَمِّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَمَاسَكْتُ

404 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ لِأَضْرِبَهُ إِذْ §وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي فَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي

405 - حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْوَاسِطِيِّ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ثنا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ قَالَ: حَدَّثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عَبَّادِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي دَارَةَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ -[473]-: إِنِّي لَمُنْهَزِمٌ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ أبْصَرْتُ رَجُلًا بَيْنَ يَدَيَّ مُنْهَزِمًا فَقُلْتُ: ألْحَقُهُ فأسْتَأْنِسُ بِهِ فَتَدَلَّى مِنْ جُرُفٍ ولَحِقْتُهُ فَإِذَا §رَأْسُهُ قَدْ زَايَلَهُ سَاقِطًا وَمَا رَأَيْتُ قَرِبَهُ أَحَدٌ

406 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ قَدِمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ أَخِي , أَخْبِرْنِي فَعِنْدَكَ لَعَمْرِي الْخَيْرُ. قَالَ: فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَالنَّاسُ قِيَامٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا فَقَتَلُونَا كَيْفَ شَاءُوا وَأَسَرُونَا كَيْفَ شَاءُوا وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهِ مَا تُبْقِي شَيْئًا وَمَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ ثُمَّ قُلْتُ: " §تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَلَائِكَةُ

407 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَمَّارُ بْنُ أَبِي -[474]- مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ §سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضٍ قَدْ أَرْسَلُوهَا إِلَى ظُهُورِهِمْ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ خُضْرٍ وَلَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمًا إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ، إِنَّمَا كَانُوا يَكْثُرُونَ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ

408 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَمْر بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْيَمَاميُّ الْحَنَفِيُّ ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " §اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي؟ اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا. فَمَا زَالَ يَهْتِفُ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ , كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ؛ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ -[475]- قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ خَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ حَطَمَ أَنْفَهُ وَشَقَّ وَجْهَهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بَنُوا الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ يَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكَافِرِ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ مِنْ أَعْنَاقِهِمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنَّنِي مِنْ فُلَانٍ، نَسِيبٌ لِعُمَرَ؛ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، إِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُ. فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي فِي أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ , وَإِنْ لَمْ أَجِدْ تَبَاكَيْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْكِي لِلَّذِي عُرِضَ عَلَيَّ فِي أَصْحَابِي مِنْ أَخْذِ الْفِدَاءِ، عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ آنِفًا أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. شَجَرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] فَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ

409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ أَبُو الْيَسَرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ أَبُو الْيَسَرِ رَجُلًا مَجْمُوعًا وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا جَسِيمًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَيْ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ أَخَا أَبِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ؛ فَإِنَّكَ ذُو مَالٍ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا وَلَكِنَّ الْقَوْمَ اسْتَكْرَهُونِي. قَالَ: «§اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِهِ، فَأَمَّا ظَاهِرُكَ فَكَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ» . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ. قَالَ: لَا ذَلِكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللَّهُ مِنْكَ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ. قَالَ: فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي وَضَعْتَ بِمَكَّةَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ قُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِلْفَضْلِ كَذَا وَلِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا؟ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهَا وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ

410 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أُسِرَ سَبْعُونَ , فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً -[477]- ذَهَبًا , وَجَعَلَ عَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ مِائَةً، وَعَلَى عَقِيلٍ ثَمَانِينَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلِلْقَرَابَةِ صَنَعْتَ بِي هَذَا؟ وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ الْعَبَّاسُ لَقَدْ تَرَكْتَنِي فَقِيرَ قُرَيْشٍ مَا بَقِيتُ. قَالَ: كَيْفَ تَكُونُ فَقِيرَ قُرَيْشٍ وَقَدِ اسْتَوْدَعْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بَنَادِقَ الذَّهَبِ ثُمَّ أَقْبَلْتَ إِلَيَّ وَقُلْتَ لَهَا: إِنْ قُتِلْتُ تَرَكْتُكِ غَنِيَّةً مَا بَقِيتِ , وَإِنْ رَجَعْتُ فَلَا يُهِمَّنَّكِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا أَخْبَرَكَ بِهَذَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " {§يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} [الأنفال: 70] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] فَقَالَ حِينَ نَزَلَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ كُنْتَ أَخَذْتَ مِنِّي أَضْعَافَهَا فَآتَانِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ

411 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ: §سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي فَصَمَدْتُ نَحْوَهُ فَلَمَّا مَكَّنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطْنَتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَوَاللَّهِ مَا شَبَّهْتُهَا حِينَ طَاحَتْ إِلَّا بِالنَّوَاةِ حِينَ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النَّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا. قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلَّقْتُ بِجِلْدِهِ مِنْ جَنْبِي فَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ وَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ -[478]- يَوْمِي , وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا. قَالَ: ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَهُوَ عَقِيرٌ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أَنْ يُلْتَمَسَ مَعَ الْقَتْلَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَأَدْرَكْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلَيَّ عَلَى عُنُقِهِ ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَبِمَ أَخْزَانِي؟ أَأَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّائرَةُ الْيَوْمَ. قُلْتُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ: مَا أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ؟ قَالَ: يَقُولُ: هَلْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ قَتَلْتُمُوهُ. وَفِي رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَتَنَاوَلَ قَائِمَ سَيْفِ أَبِي جَهْلٍ فَاسْتَلَّهُ وَهُوَ مُنْكَبٌّ لَا يَتَحَرَّكُ فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَلَبَهُ

412 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثنا عَمْرُو بْنُ حَمْدَانَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَمَرَ بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَأُلْقُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا ثُمَّ انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فَمَشَيْنَا مَعَهُ وَمَا نَرَاهُ يَنْطَلِقُ إِلَّا لِيَقْضِيَ حَاجَةً فَانْطَلَقَ يَمْشِي حَتَّى قَامَ عَلَى الْبِئْرِ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: أَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّا وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ -[479]- وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ " فَقَالَ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» قَالَ قَتَادَةَ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً

413 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " §جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ بِيَسِيرٍ فِي الْحِجْرِ وَكَانَ عُمَيْرٌ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَمِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكَّةَ وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ. قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ مَا فِي -[480]- الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ. فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: صَدَقْتَ وَاللَّهِ , أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاءٌ , وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَإِنَّ لِي قِبَلَهُمْ عُذْرًا إِنَّ ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ. فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أَمُونُهُمْ مَا بَقَوْا، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ. قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي؟ قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ لَهُ وَسُمَّ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوشِّحًا السَّيْفَ فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَا جَاءَ إِلَّا بِشَرٍّ وَهُوَ الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا وَحَذَّرَنَا يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ. قَالَ: فَأَدْخِلْهُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحَمَالِةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهِ وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا هَذَا الْخَبِيثَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ. ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحَمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ ادْنُ يَا عُمَيْرُ. فَدَنَا ثُمَّ قَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ -[481]- خَيْرٌ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ بالسَّلَامِ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتُ لِحَدِيثَ عَهْدٍ بِهَا. فَقَالَ: فَمَا ذَاكَ يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ: جِئْتُكَ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ. قَالَ: فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟ قَالَ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئًا؟ قَالَ: اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ قُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ , وَعِيَالٌ عِنْدِي , لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا فَتَحَمَّلَ لَكَ صَفْوَانُ بِدَيْنِكَ , وَعِيَالِكَ , عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي , وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَتَاكَ بِهِ إِلَّا اللَّهُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ. ثُمَّ تَشَهَّدَ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِءُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ. قَالَ: فَفَعَلُوا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَإِنَّنِي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ كَمَا أُوذِيَ أَصْحَابُكَ. قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ فِي أَيَّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ. وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ بِإِسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ -[482]- مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ إِيذَاءً شَدِيدًا فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ

ومن الأخبار في غزوة أحد من الدلائل

§وَمِنَ الْأَخْبَارِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنَ الدَّلَائِلِ

414 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ كَعْبٌ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلِ النَّاسِ: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ كَعْبٌ: عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ أَنْصِتْ فَلَمَّا عَرَفُوا رَسُولَ اللَّهِ نَهَضُوا بِهِ مَعَهُمْ نَحْوَ الشِّعْبِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمَّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ مِنَّا؟ فَقَالَ: دَعُوهُ. فَلَمَّا دَنَا §تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي: فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشَّعْرِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ بِهَا طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ فَرَسِهِ مِرَارًا

415 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَخُو بَنِي جُمَحَ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيَقْتُلَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَتْ حَلْفَتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَقْبَلَ أُبَيُّ مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْقُوَةَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ فَوَقَعَ أُبَيٌّ عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَخْرُجُ مِنْ طَعَنْتِهِ دَمٌ، فَأَتَوْهُ أَصْحَابُهُ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَقَالُوا: مَا أَجْزَعَكَ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ. فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْتُلُ أُبَيًّا ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعِينَ فَمَاتَ

416 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ -[484]- أَنَّهُ §سَقَطَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَرَدَّ يَدَ خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ وَضُرِبَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ فَرَدَّهَا، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إِلَّا خَطًّا

417 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً ثنا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادٍ الرَّمْلِيُّ مِنْ كِتَابِهِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي الْفَضْلُ، عَنْ أَبِيهِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا وَلَمْ أَزَلْ فِي مَقَامِي نُصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَّقِي السِّهَامَ وَوَجْهِي دُونَهُ، فَكَانَ آخِرَهَا سَهْمٌ نَدَرَتْ مِنْهُ حَدَقَتِي فَأَخَذْتُهَا وَأَنَّهُزَمُوا فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِيَدِي فَسَعَيْتُ بِهَا فِي كَفِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَقَتِي فِي كَفِّي دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: " §اللَّهُمَّ قِ قَتَادَةَ وَقَى نَبِيَّكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوَجْهِهِ فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا. وَفِي حَدِيثِ مَنْصُورِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُعَدِّلِ: فَرَدَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَصَحَّ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا

418 - حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى -[485]- الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الثَّقَفِيُّ تَبَارَزَ هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا عَلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَوْسِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَعُوبٍ، فَعَلَاهُ شَدَّادٌ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ وَقَدْ كَادَ يَقْتُلُ أَبَا سُفْيَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ §لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ فَسَأَلُوا صَاحِبَتَهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ 419 - وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ قِصَّةَ حَنْظَلَةَ بِزِيَادَةِ أَلْفًاظٍ. قَالَ: كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ قَدْ تَزَوَّجَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبِيحَتُهَا قِتَالُ أُحُدٍ، وَكَانَ قَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا فَأَذِنَ لَهُ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ غَدَا يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَزِمَتْهُ جَمِيلَةُ فَعَادَ فَكَانَ مَعَهَا فَأَجْنَبَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ وَقَدْ أَرْسَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا فَأَشْهَدَتْهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ أَشَهَدْتِ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ السَّمَاءَ فُرِجَتْ لَهُ فَدَخَلَ فِيهَا ثُمَّ أُطْبِقَتْ فَقُلْتُ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ فَأَشْهَدْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَخَلَ بِي -[486]- وَعَلَّقْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَلَمَّا قُتِلَ حَنْظَلَةُ أَتَوْهُ وَهُوَ مَقْتُولٌ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُثِّلَ بِأَصْحَابِهِ وَلَمْ يُمَثَّلْ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صِحَافِ الْفِضَّةِ» . قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: فَنَظَرْنَا فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً. قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ

420 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §افْتَخَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَقَالَ الْأَوْسُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ الْأَوْسُ: مِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمِنَّا مَنْ عُدِلَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِنَّا مَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدَّبْرُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ. وَقَالَ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ. قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي

421 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ ثنا حَمَّادٌ ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا لَيْسَ أَحَدً مِنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ جَفْنِهِ يَمِيدُ مِنَ النُّعَاسِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: " {§إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً} [الأنفال: 11] وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154]

422 - أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي كِتَابِهِ ثنا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْحَوَارِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ التَّيْمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَصْلِ الْجَبَلِ حَتَّى §أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ أَنَّهُمْ لَيَغِطُّونَ حَتَّى إِنَّ حَجَفَهُمْ لَتَنْتَطِحُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْعَدُوُّ تَحْتَهُمْ

423 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ -[488]- أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ §وَالنُّعَاسُ يَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ حِينَ قَالَ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ مَا حَقَّقَ اللَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ وَكَذَّبَ أُبَيٌّ إِذْ قَالَ: أَنَا أَقْتُلُ مُحَمَّدًا وَمِنْهَا مَا أَرَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَدِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَقَةَ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ إِلَى مَوْضِعِهَا بَعْدَ سُقُوطِهَا حَتَّى كَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا فَثَبَتَ الدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا غُسْلُ الْمَلَائِكَةِ لِحَنْظَلَةَ وَظُهُورُ ذَلِكَ لِلْأَنْصَارِ فَرَأَوُا الْمَاءَ يَقْطُرُ مِنْ رَأْسِهِ رَفْعًا لِلْجَنَابَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا مَا غَشِيَهُمْ مِنَ النُّعَاسِ مَعَ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْهُمْ وَمَا يُوجِبُ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا يَنَامُوا فَلَمَّا كَانَ وَقَعَ شَيْئًا خَارِجًا عَنِ الْعَادَةِ ثَبَتَتِ الدَّلَالَةُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

424 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا أَبُو عَرُوبَةَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ -[489]-: " §الَّذِي دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَمِئَةَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَيْسًا فَنَطَحَهُ حَتَّى قَتَلَهُ وَمِنْ ذَلِكَ فِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ مَا عَصَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَدْرِهِمْ وَمَا هَمُّوا لَهُ مِنْ قَتْلِهِ

425 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا ابْنُ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُقَاتِلٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {§يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} وَذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ لَقِيَ رَجُلَيْنِ كِلَابِيَّيْنِ مَعَهُمَا أَمَانٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُمَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَعَهُمَا أَمَانًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَى إِلَى بَنِي النَّضِيرِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ فَتَلَقَّوْهُ بَنُو النَّضِيرِ فَقَالُوا: مَرْحَبًا يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَاذَا جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ كِلَابٍ مَعَهُمَا أَمَانٌ مِنِّي طُلِبَ مِنِّي دِيَتُهُمَا فَأُرِيدُ أَنْ تُعِينُونِي. فَقَالُوا: نَعَمْ وَالْحُبُّ لَكَ وَالْكَرَامَةُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ اقْعُدْ حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ. فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الْحِصْنِ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ وَعَلِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ تَآمَرَ بَنُو النَّضِيرِ أَنْ يَطْرَحُوا عَلَيْهِ حَجَرًا وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: بَلْ أَلْقَوْهُ فَأَخَذَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ -[490]- وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَآمَرَ الْفَسَقَةُ وَمَا هَمُّوا بِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 9] الْآيَةَ

426 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " §خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِ الْكِلَابِيَّيْنِ وَكَانُوا قَدْ دَسُّوا إِلَى قُرَيْشٍ حِينَ نَزَلُوا بِأُحُدٍ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَحَضُّوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَدَلُّوهُمْ عَلَى الْعَوْرَةِ فَلَمَّا كَلَّمَهُمْ فِي عَقْلِ الْكِلَابِيَّيْنِ قَالُوا: اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَتَّى تَطْعَمَ وَتَرْجِعَ بِحَاجَتِكَ الَّتِي جِئْتَ لَهَا وَنَقُومَ فَنَتَشَاوَرَ وَنُصْلِحَ أَمْرَنَا فِيمَا جِئْتَ لَهُ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى ظِلِّ جِدَارٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يُصْلِحُوا أَمَرَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا وَمَعَهُمُ الشَّيْطَانُ لَا يُفَارِقُهُمُ ائْتَمَرُوا بِقَتْلِهِ وَقَالُوا: لَا تَجِدُونَهُ أَقْرَبَ مِنْهُ السَّاعَةَ اسْتَرِيحُوا مِنْهُ تَأْمَنُوا فِي دِيَارِكُمْ وَيُرْفَعْ عَنْكُمُ الْبَلَاءُ. قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ رَقَيْتُ عَلَى الْجِدَارِ الَّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ حَجَرًا فَقَتَلْتُهُ. فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةً وَتَرَكَ أَصْحَابَهُ مَكَانَهُمْ وَأَعْدَاءُ اللَّهِ فِي نَجِيِّهِمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا وَقَضَوْا حَاجَتَهُمْ وَأَمْرَهُمْ فِي مُحَمَّدٍ أَتَوْا فَجَلَسُوا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ راثَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ: لَقِيتُهُ عَامِدًا الْمَدِينَةَ قَدْ دَخَلَ فِي أَزِقَّتِهَا. فَقَالُوا: عَجِلَ أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ نُقِيمَ أَمْرَنَا فِي حَاجَتِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا. ثُمَّ قَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعُوا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي أَرَادَ أَعْدَاءُ اللَّهِ بِهِ فَقَالَ -[491]-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الْآيَةَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلَائِهِمْ؛ لِمَا أَرَادُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا أَخَذَهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فَيَسِيرُوا حَيْثُ شَاءُوا قَالُوا: أَيْنَ تُخْرِجُنَا؟ قَالَ: إِلَى الْحَشْرِ 427 - وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ تَفْصِيلًا وَأَشْيَاءَ فِي جُمْلَتِهَا بَيَانُ ظُهُورِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْيَهُودِ وَثُبُوتُ نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ عِنْدَهُمْ وَقَالَ: لَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْتَ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا اجْلِسْ نُطْعِمْكَ. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَنِدٌ إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ، ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا فَقَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُفَيْرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَبْلُغُونَ عَشَرَةً، وَكَانَ مَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَاطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ فَاقْتُلُوهُ، فَلَا تَجِدُونَهُ أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ قُتِلَ تَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ فَلَحِقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَقِيَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنَ الْأَوْسِ. وَالْخَزْرَجِ فَالْأَوْسُ حُلَفَاؤُكُمْ فَمَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَمِنَ الْآنَ. قَالَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ النَّضِيرِيُّ: أَنَا أَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً. قَالَ: فَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي هَذِهِ الْمَرَّةَ وَخَالِفُونِي -[492]- الدَّهْرَ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ هَذَا نَقْضٌ لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلَا تَفْعَلُوا فَوَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمُ الَّذِي تُرِيدُونَ لَيَقُومَنَّ بِهَذَا الدِّينِ مِنْهُمْ قَائِمٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَيَذِلُّ الْيَهُودُ وَيَظْهَرُ دِينَهُ. وَقَدْ هَيَّأَ عَمْرو بْنُ جَحَّاشٍ الصَّخْرَةَ لِيُرْسِلَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُدَحْرِجَهَا فَلَمَّا أَشْرَفَ بِهَا جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ بِمَا هَمُّوا بِهِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا كَأَنَّهُ يُرِيدُ حَاجَةً وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ قَامَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَلَمَّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا مُقَامُنَا هَاهُنَا لشَيْءٍ لَقَدْ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمْرٍ. قَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ: عَجِلَ أَبُو الْقَاسِمِ لِمَا يُرِيدُ أَنْ نَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَنُغَدِّيَهُ. وَنَدِمَتِ الْيَهُودُ عَلَى مَا صَنَعُوا فَقَالَ لَهُمْ كِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا: هَلْ تَدْرُونَ لِمَ قَامَ مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي وَلَا تَدْرِي أَنْتَ. قَالَ: بَلَى وَالتَّوْرَاةِ إِنِّي لَأَدْرِي قَدْ أُخْبِرَ مُحَمَّدٌ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنَ الْغَدْرِ فَلَا تَخْدَعُوا أَنْفُسَكُمْ , وَاللَّهِ إِنَّهُ لِرَسُولُ اللَّهِ وَمَا قَامَ إِلَّا أَنَّهُ أُخْبِرَ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ وَإِنَّهُ لَآخِرُ الْأَنْبِيَاءِ كُنْتُمْ تَطْمَعُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ شَاءَ , وَإِنَّ كُتُبَنَا وَالَّذِي دَرَسْنَا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ وَلَمْ تُبَدَّلْ أَنَّ مَوْلِدَهُ بِمَكَّةَ وَأَنَّ هِجْرَتَهُ يَثْرِبُ وَصِفَتُهُ بِعَيْنِهَا مَا تُخَالِفُ مَا فِي كِتَابِنَا وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ ظَاعِنِينَ تَتَنَاغَى صِبْيَانُكُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ دُورَكُمْ خُلُوفًا وَأَمْوَالَكُمْ إِنَّمَا هِيَ شَرَفُكُمْ فَأَطِيعُونِي فِي خَصْلَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا -[493]-. قَالُوا: مَا هُمَا؟ قَالَ: تُسْلِمُونَ وَتَدْخُلُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، وَتَكُونُونَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ، وَتَبْقَى بِأَيْدِيكُمْ أَمْوَالُكُمْ، وَلَا تُخْرَجُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ. قَالُوا: لَا نُفَارِقُ التَّوْرَاةَ وَعَهْدَ مُوسَى. قَالَ: فَإِنَّهُ مُرْسِلٌ إِلَيْكُمُ اخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي، فَقُولُوا: نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ لَكُمْ دَمًا وَلَا مَالًا، فَتَبْقَى أَمْوَالُكُمْ، إِنْ شِئْتُمْ بِعْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ. قَالُوا: أَمَّا هَذِهِ فَنَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الْأُخْرَى خَيْرُهُنَّ لِي. قَالُوا: مَا هِيَ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أَفْضَحُكُمْ أَسْلَمْتُ، وَلَكِنْ لَا تُعَيَّرُ الشَّعْثَاءُ بِإِسْلَامِي أَبَدًا حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكُمْ، وَالشَّعْثَاءُ ابْنَةُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، يُشَبِّبُ مِنْ حُسْنِهَا. وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ: قَدْ كُنْتُ لِمَا صَنَعْتُمْ كَارِهًا، وَهُوَ مُرْسِلٌ إِلَيْنَا أَنِ اخْرُجُوا مِنْ دَارِي، فَلَا تُعَقِّبْ يَا حُيَىُّ كَلَامَهُ، وَأَنْعِمْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَاخْرُجْ مِنْ بِلَادِهِ، فَقَالَ: افْعَلْ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَلَقُوا رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ: هَلْ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَقِيتُهُ دَاخِلًا. فَلَمَّا انْتَهَى أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ وَجَدُوهُ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ -[494]- يَدْعُوهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُمْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ نَشْعُرْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَمَّتِ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِي فَأَخْبَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ. وَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ وَلَسْتُ أَذْكُرُهَا لَكُمْ حَتَّى أُعَرِّفَكُمْ بشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ. قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَكُمُ التَّوْرَاةُ فَقُلْتُمْ فِي مَجْلِسِكُمْ هَذَا: يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ إِنْ شِئْتَ أَنْ نُغَدِّيَكَ غَدَّيْنَاكَ وَإِنْ شِئْتَ نُهَوِّدْكَ هَوَّدْنَاكَ فَقُلْتُ: غَدُّونِي وَلَا تُهَوِّدُونِي وَاللَّهِ لَا أَتَهَوَّدُ أَبَدًا فَغَدَّيْتُمُونِي فِي صَفْحَةٍ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَقُلْتُمْ لِي: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ دِينِنَا إِلَّا أَنَّهُ دِينُ يَهُودَ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُ الْحَنِيفِيَّةَ الَّتِي سَمِعْتَ بِهَا أَمَا إِنَّ أَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ لَيْسَ بِصَاحِبِهَا، إِنَّمَا صَاحِبُهَا الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، وَيَأْتِي مِ

ومن الأخبار في غزوة الخندق

§ومِنَ الْأَخْبَارِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ

429 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -[499]- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §خَرَجَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُمْ مُحْدِقُونَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَأْسَ فَضَرَبَ بِهَا ضَرْبَةً فَقَالَ: هَذِهِ الضَّرْبَةُ يَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا كُنُوزَ الرُّومِ. ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: هَذِهِ الضَّرْبَةُ يَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا كُنُوزَ فَارِسَ. ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: هَذِهِ الضَّرْبَةُ يَأْتِينِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ الْيَمَنِ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا

430 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا بَشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ ثنا عَوْفُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ وَعَرَضَتْ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْقَى ثَوْبَهُ وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا وَقَالَ: " §اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثَهَا الْآخَرَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ وقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذِهِ السَّاعَةَ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذِهِ السَّاعَةَ "

431 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أُخْتَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ: دَعَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ثُمَّ -[500]- قَالَتْ: يَا بُنَيَّهِ اذْهَبِي إِلَى أَبِيكِ وَخَالِكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَذَائِهِمَا. قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي فَقَالَ: تَعَالَى يَا بُنَيَّةُ مَا هَذَا مَعَكِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إِلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَذَّيَانِ بِهِ، قَالَ: هَاتيِهِ، فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا مَلَأَهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ، ثُمَّ دَحَا التَّمْرَ عَلَيْهِ فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبَ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: " §اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ: هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ. فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنَّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ

432 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: ثنا وُهَبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: كُنَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ فَتًى مِنَ الْقَوْمِ: لَوْ أَدْرَكْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَخَدَمْتُهُ وَلَفَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ لَمْ أَرَ كَذَلِكَ الْبَرْدِ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ بَرْدًا أَشَدَّ مِنْهُ فَحَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَذْهَبُ إِلَى هَؤُلَاءِ فَيَأْتِيَنَا بِخَبَرِهِمْ فَأُدْخِلَهُ مَدْخَلِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَمَا قَامَ مِنَّا أَحَدٌ وَأُسْكِتُوا ثُمَّ عَادَ فَأُسْكِتُوا فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ -[501]- فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ وَإِنَّ جَنْبَيَّ لَيَضْطَرِبَانِ مِنَ الْبَرْدِ فَمَسَحَ رَأْسِي وَوَجْهِي ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى هَؤُلَاءِ فَأْتِنَا بِخَبَرِهِمْ وَلَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَرْجِعَ. ثُمَّ قَالَ: «§اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ» . قَالَ: فَلَأَنْ يَكُونَ أَرْسَلَها أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَأَخَذْتُ سَيْفِي وَقَوْسِي ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيَّ أَحْلَاسِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَمْشِي نَحْوَهُمْ كَأَنِّي أَمْشِي فِي حَمَّامٍ فَوَجَدْتُهُمْ قَدْ أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ وَقُطِعَتْ أَطْنَابُهُمْ. . . . . . قَالَ: وَأَبُو سُفْيَانَ رَأَيْتُهُ قَاعِدًا يَصْطَلِي عِنْدَ نَارٍ لَهُ فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي فَوَضَعْتُهُ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ. قَالَ: وَكَانَ حُذَيْفَةُ رَامِيًا فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَرْجِعَ فَرَدَدْتُ سَهْمِي فِي كِنَانَتِي فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلَا إِنَّ فِيكُمْ عَيْنًا لِلْقَوْمِ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ جَلِيسِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِ جَلِيسِي فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَإذَا رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ، فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَكَأَنِّي أَمْشِي فِي حَمَّامٍ، فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، فَذَهَبَ عَنِّي الدِّفْءُ، فَأَدْنَانِي فَأَنَامَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَأَلْقَى عَلَيَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ، فَإِنِّي كُنْتُ لَأَلْصِقُ صَدْرِي بِطَرَفِ قَدَمَيْهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا هَزَمَ اللَّهُ الْأَحْزَابَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا} [الأحزاب: 9] -[502]- الْآيَةَ. . . . . . . . . . . . . قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَفِي إِرْسَالِ اللَّهِ الرِّيحَ عَلَيْهِمُ الْمُسْقِطَةَ لِفَسَاطِيطِهِمْ وَخِيَمِهِمْ فَعَجَزُوا عَنْ إِمْسَاكِ خِيَمِهِمْ وَخُيُولِهِمْ، فَصَرَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُغْتَاظِينَ مَوْتُورِينَ مُنْهَزِمِينَ فَكَانَتِ الرِّيحُ عَذَابًا عَلَيْهِمْ وَنُصْرَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ

433 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ مِنْ خَلْفِي، تَعْنِي حِسَّ الْأَرْضِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوسٍ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ مَجَنَّةً وَعَلَى سَعْدٍ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ وَقَدْ خَرَجَتْ أَطْرَافُهُ مِنْهَا. قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ. قَالَتْ: وَأَنَا أَخَافُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ. قَالَتْ: فَمَرَّ بِي وَهُوَ يَرْتَجِزُ يَقُولُ: [البحر الرجز] لَبَّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ ... مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ قَالَتْ: فَلَمَّا جَاوَزَنِي قُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ، وَالتَّسْبِغَةُ الْمِغْفَرُ، لَا يُرَى إِلَّا عَيْنَاهُ قَالَ عُمَرُ: لَعَمْرُكِ إِنَّكِ لَجَرِيَّةٌ مَا جَاءَ بِكِ؟ مَا -[503]- يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ يَكُونُ تَحَرُّفٌ أَوْ بَلَاءٌ؟ فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى وَدِدْتُ أَنَّ الْأَرْضَ تَنْشَقُّ بِي فَأَدْخُلُ فِيهَا، فَكَشَفَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ قَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ، أَيْنَ الْفِرَارُ وَأَيْنَ التَّحَرُّفُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: فَرُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ. فَأَصَابَ الْأَكْحَلَ مِنْهُ فَقَطَعَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَمْ يَزَلْ يَبِضُّ دَمًا حَتَّى يَمُوتَ فَقَالَ سَعْدٌ: " §اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانُوا ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ فَرَقَأَ كَلْمُهُ، فبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فَلَمْ تَتْرُكْ لَهُمْ إِنَاءً إِلَّا أَكْفَأَتْهُ وَلَا بِنَاءً إِلَّا قَلَعَتْهُ، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ

ومن الأخبار في غزوة بني قريظة

§وَمِنَ الْأَخْبَارِ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

434 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ وثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَأَنِّي §أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبِ جَبْرَئِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ

435 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ ثنا عَمِّي سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَشْرَسَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ صَوْتَ رَجُلٍ فَوَثَبَ وَثْبَةً شَدِيدَةً وَخَرَجَ إِلَيْهِ. قَالَتْ: فَاتَّبَعْتُهُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عُرْفِ بِرْذَوْنِهِ وَإِذَا هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ فِيمَا كُنْتُ أَرَى، وَإِذَا هُوَ مُعْتَمٌّ مُرْخٍ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: لَقَدْ وَثَبْتَ وَثْبَةً شَدِيدَةً ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظَرُه فَإِذَا هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ. قَالَ: أَوَ رَأَيْتُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " §ذَاكَ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ

436 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ -[505]-: كَانَتْ قُرَيْظَةُ قَدْ مَكَرَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَاتَبَتْ مُشْرِكِي مَكَّةَ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حُصنٍ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنِ اثْبُتُوا فَإِنَّا سَنُخَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ. فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَحْزَابَ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَطَلَبُوهُمْ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ثُمَّ رَجَعُوا فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأْمَتَهُ وَاغْتَسَلَ وَاسْتَجْمَرَ فَنَادَاهُ جَبْرَئِيلَ: عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ، أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ لَأْمَتَكَ وَلَمْ نَضَعْهَا؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ §ألَا تُصَلُّوا الْعَصْرَ حَتَّى تَأْتُوا قُرَيْظَةَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ ذلك دِحْيَةَ، وَلَكِنَّهُ جَبْرَئِيلُ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَ حُصُونَهُمْ وَيَقْذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ. فَحَاصَرَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلَمَا انْتَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِحَجَفةٍ لِيَقُوهُ الْحِجَارَةَ حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ فَنَادَاهُمْ: يَا إِخْوَةَ الْقُرُودِ وَالْخَنَازِيرِ. فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَحَّاشًا. فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَابَ الْحُكْمَ

ذكر غزوة الرجيع

§ذِكْرُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ

437 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ -[506]- مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ نَزَلُوا نُزُولًا وَذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ وَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ زَوَّدُوهُ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ تَمْرِ يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا أثَرَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهمُ فَلَمَّا آنَسَهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ لَجَأُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا. فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَكَ. قَالَ: فَقَاتَلُوهُمْ فَرَمَوْهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ وَبَقِيَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ إِنْ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ خَلعُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوْلُ الْغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرُّوهُ، فَأَبَى أَنْ يَتَّبِعَهُمْ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيِّ وزيد بْنِ الدثنة حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ قَتَلَ خُبَيْبٌ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ إِحْدَى بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ. قَالَتْ: فَغَفَلْتُ -[507]- عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ. قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزَعًا شَدِيدًا عَرَفَ فِيَّ وَالْمُوسَى فِي يَدِهِ فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثمَرَةٌ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقًا قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ قَالَ: [البحر الطويل] §وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَالَ: فَقَامَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ

438 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبِي ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ -[508]-: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ حَلِيفَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى حَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ فَقُتِلَ فِيهَا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، ومِنَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، وَأَرَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَقْطَعُوا رَأْسَهُ فَيَبْعَثُوهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّبْرَ تَطِيرُ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ وَتَلْدَغُهُمْ فحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَنْ يَقْطَعُوا رَأْسَهُ وَذَكَرَ قِصَّةَ خُبَيْبٍ وَعَاصِمٍ وَزَادَ فِي قِصَّةِ خُبَيْبٍ أِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ: " §اللَّهُمَّ لَا أَجِدُ رَسُولًا إِلَى رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلِّغْهُ عَنِّي السَّلَامَ. فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ خُبَيْبٌ لَمَّا رَفَعُوهُ إِلَى الْخَشَبَةِ: [البحر الطويل] لَقَدْ جَمَعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ فَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ وَكُلُّهُمُ يُبْدِي الْعَدَاوَةِ جَاهِدًا ... عَلَيَّ بِقَتْلِي فِي وَثَاقٍ مُضَيَّعِ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي بَعْدَ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضَّعُوا لَحْمِي وَقَدْ ضَلَّ مَطْعَمِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ لَعَمْرُكَ لَمْ أَجْهَلْ إِذَا مُتُّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَرْجِعِي

439 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §بَعَثَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ أَحَدَ بَنِي بَيَاضَةَ وَخُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ بِالرَّجِيعِ فَقَاتَلُوا حَتَّى أَخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَمَانًا إِلَّا عَاصِمًا فَإِنَّهُ أَبَى وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ الْيَوْمَ عَهْدًا مِنْ مُشْرِكٍ. وَدَعَا عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمِي لَكَ الْيَوْمَ دِينَكَ فَاحْمِ لَحْمِي. فَجَعَلَ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ: [البحر الرجز] مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عَنَابِلُ صَفْرَاءُ مِنْ نَبْعٍ لَهَا بَلَابِلُ ... نَزَلَ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ إِنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمِّي هَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ وَقَالَ وَهُوَ يُحَرِّضُ نَفْسَهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمَقْعَدِ ... وَضَالَّةٌ مِثْلُ الْجَحِيمِ الْمُوقَدِ إِذَا النَّوَاحِي ارْتَعَشَتْ لَمْ أَرْعَدِ فَلَمَّا قَتَلُوهُ كَانَ فِي قُلَيْبٍ. . . . . . . . . . . . . . . وذلك أن هذيلاً أرادت أخذ رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد: لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر، فمنعته -[510]- الدبر، فلما حالت بينه وبينهم الدبر قالوا: دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً، فذهب به. . وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ يَوْمَ أُحُدٍ لَهَا نَفَرًا ثَلَاثَةً , كُلُّهُمْ أَصْحَابُ أَمْرِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ وَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَانَ عَاصِمٌ رَامِيًا وَيَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَقْلَحِ فَيُؤْتَى بِهِ فَتَقُولُ كُلَّمَا أُتِيَتْ بِإِنْسَانٍ: مَنْ قَتَلَهُ؟ فَيَقُولُونَ: مَا نَدْرِي، غَيْرَ أَنَّا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَقْلَحِ، فَقَالَتْ: أَقْلَحَنَا، فَحَلَفَتْ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِهِ لَتَشْرَبَنَّ فِي قَحْفِهِ الْخَمْرَ، فَأَرَادُوا أَنْ يَحْتَزُّوا رَأْسَهُ لِيَذْهَبُوا بِهِ إِلَيْهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا مِنْ دَبْرٍ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحْتَزُّوا رَأْسَهُ. وَأُسِرَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فَقَدِمَ بِهِمَا مَكَّةَ فَبِيعَ خُبَيْبٌ لِبَعْضِ الْجُمَحِيِّينَ بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ وَجَاءَ عُقْبَةُ بْنُ عَدِيٍّ أَحَدَ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فَيَقْتُلَهُ مَكَانَ أَخِيهِ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهُ إِيَّاهُ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَطِيَّةً، فَأَسَاءَ إِلَيْهِ فِي أَسْرِهِ، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ الْقَوْمُ الْكِرَامُ هَذَا بِأَسِيرِهِمْ، فَأَخْرَجُوهُ وَأَحْسَنُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ تَحْرُسُهُ وَهُوَ فِي أَسَارِهِ، حَتَّى إِذَا قِيلَ: إِنَّكَ مُخْرَجٌ بِكَ؛ لِيَقْتُلُوكَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: أَعْطِينِي مُوسَى أَسْتَطِبْ بِهَا. فَأَعْطَتْهُ وَكَانَ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ فَأَخَذَهُ فَأَجْلَسَهُ عِنْدَهُ فَظَنَّتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَهُ -[511]-، فَصَاحَتْ إِلَيْهِ تُنَاشِدُهُ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَغْدِرَ. فَخَرَجَ لِيُقْتَلَ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْخَشَبَةِ قَالَ: [البحر الطويل] وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَالَ: دَعُونِي أَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّهُمَا ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تَقُولُوا جَزِعَ خُبَيْبٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ سَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مِنْ يُبَلِّغُ رَسُولَكَ مِنِّي السَّلَامَ، فَبَلِّغْ رَسُولَكَ مِنِّي السَّلَامَ، فَزَعَمُوا أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَعَلَيْهِ السَّلَامُ» . فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لِمَنْ؟ قَالَ: «عَلَى أَخِيكُمْ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ» . فَلَمَّا رُفِعَ إِلَى الْخَشَبَةِ اسْتَقْبَلَ الدُّعَاءَ. قَالَ رَجُلٌ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ يُرِيدُ أَنْ يَدْعُوَ لَبَدْتُ بِالْأَرْضِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا. فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ حَيُّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي لَبَدَ بِالْأَرْضِ قَالَ الشَّيْخُ: فِي قِصَّةِ عَاصِمٍ وَخُبَيْبٍ غَيْرُ دَلَالَةٍ؛ مِنْهَا حِمَايَةُ الدَّبْرِ عَاصِمًا حَتَّى لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى قَطْعِ رَأْسِهِ مِنْ جَسَدِهِ فَأكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ بإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ حِينَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمِي لَكَ الْيَوْمَ دِينَكَ، فَاحْمِ لَحْمِيَ الْيَوْمَ. وَكَانَ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ أَبَدًا فَوَفَّى للَّهِ فَمَنَعَهُ مِنْهُمْ كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ وَهِيَ آيَةٌ شَرِيفَةٌ وَدِلَالَةٌ قَوِيَّةٌ وَمَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ خُبَيْبًا مِنْ إِطْعَامِهِ لَهُ الْقِطْفَ مِنَ الْعِنَبِ فِي زَمَانٍ وَحِينَ -[512]- لَا يُوجَدُ مِنْهُ بِمَكَّةَ حَبَّةٌ وَلَا ثَمَرَةٌ وَهَذِهِ الْمَكْرُمَةُ شَبِيهَةٌ بِمَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَأْنِ مَرْيَمَ: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37] وَإِبْلَاغِ اللَّهِ سَلَامَهُ إِلَى رَسُولِهِ وَهُمَا دِلَالَتَانِ وَاضِحَتَانِ مِثْلُهُمَا جَائِزٌ فِي إِبَّانِ النُّبُوَّةِ وَبِهَا كَانَتِ الْأَنْصَارُ تَفْتَخِرُ فَسَمَّوْا عَاصِمًا حَمِيَّ الدَّبْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَيْضًا مَا اسْتَجَابَ اللَّهُ لِخُبَيْبٍ مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ حَيُّ إِلَّا الرَّجُلَ الَّذِي لَبَدَ بِالْأَرْضِ وَهَذَا لَيْسَ فِي أَصْلِ السَّمَاعِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي نُعَيْمٍ

قصة أهل بئر معونة

§قِصَّةُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ

440 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ الَّذِي كَانَ يُدْعَى مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي §لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْ مَنْ شِئْتَ مِنْ رُسُلِكَ فَأَنَا لَهُمْ جَارٌ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا فِيهِمُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَعْنَقَ لِيَمُوتَ قَبْلَ نَجْدٍ فَسَمِعَ بِهِمْ عَامِرُ بْنُ -[513]- الطُّفَيْلِ فَاسْتَنْفَرَ لَهُمْ بَنِي سُلَيْمٍ فَنَفَرُوا مَعَهُ فَقَتَلُوهُمْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ أَخَذَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَأَرْسَلَهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ: [البحر الوافر] بَنِي أُمِّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرُعْكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ تَهَكَّمَ عَامِرٌ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيَخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ فَطَعَنَ رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ فِي خَفِرَةِ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ فِي فَخِذِهِ طَعْنَةً فَقَدَّهُ

441 - ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو وَقَتْلَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ وَأَصْحَابَهُ قَالَ: فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَطَافَ فِيهِمْ وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَنْسَابِهِمْ فَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ فَقَالَ: أَفْقِدُ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. قَالَ: كَيْفَ كَانَ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِنَا وَمِنْ أَوَّلِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا. قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ خَبَرَهُ؟ وَأَشَارَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ: هَذَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ ثُمَّ انْتَزَعَ الرُّمْحَ فَذَهَبَ بِالرَّجُلِ عُلُوًّا فِي السَّمَاءِ حَتَّى وَاللَّهِ مَا أَرَاهُ فَقَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ: ذَاكَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ يُقَالُ لَهُ جَبَّارُ بْنُ سَلْمَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ -[514]-: فُزْتُ وَاللَّهِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا قَوْلُهُ فُزْتُ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ قَالَ فَقَالَ لِي: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ فُزْتُ فَقَالَ: بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْتُ وَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ مَا رَأَيْتُ مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ عُلُوًّا. قَالَ: وَكَتَبَ الضَّحَّاكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِي ومَا رَأَيْتُ مِنَ مَقْتَلِ عَامِرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ §الْمَلَائِكَةَ وَارَتْ جُثتَهُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَرَاءٍ سَائِرًا وَهُوَ شَيْخٌ هَرِمٌ فَبَعَثَ بِابْنِ أَخِيهِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَدِيَّةٍ فَرَسٍ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ وَلَوْ قَبِلْتُ لَقَبِلْتُ هَدِيَّةَ أَبِي بَرَاءٍ. فَقَالَ لَبِيدٌ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ مُضَرَ يَرُدُّ هَدِيَّةَ أَبِي بَرَاءٍ. قَالَ: قَدْ بَعَثَ يَسْتَشْفِيكَ مِنْ وَجَعٍ كَانَتْ بِهِ الدُّبَيْلَةُ. فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْوَةً مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ مَدَرَةً، فَتَفَلَ فِيهَا ثُمَّ نَاوَلَهُ إِيَّاها فَقَالَ: «دُفَّهَا بِمَاءٍ ثُمَّ اسْقِهَا إِيَّاهُ» . فَفَعَلَ فَبَرَأَ

442 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ ذَكَرُوا لَهُ أَنَّهُ أَتَى مَقْتَلَ حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ فَبَرِئَ مِنْ جِوَارِهِمْ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَعْنَقَ لِيَمُوتَ» . وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الَّتِي وَارَتْهُ -[515]-. مَعْنَى قَوْلِهِ: واعْنَقَ لِيَمُوتَ تَقَدَّمَ عَلَى الْمَوْتِ وَهُوَ يُعْرِضُ عَنْهُ

ومما جرى في غزاة المريسيع

§وَمِمَّا جَرَى فِي غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ

443 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبِي ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقْعَاءَ مِنْ طَرِيقِ عُسْفَانَ سَرَّحَ النَّاسُ ظُهُورَهُمْ وَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ أَشْفَقَ النَّاسُ مِنْهَا وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ هَذِهِ الرِّيحِ؟ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §مَاتَ الْيَوْمَ مُنَافِقٌ عَظِيمُ النِّفَاقِ وَلِذَلِكَ عَصَفَتْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَأْسٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَانَ مَوْتُهُ غَائِظًا لِلْمُنَافِقِينَ فَسَكَنَتِ الرِّيحُ آخِرَ النَّهَارِ فَجَمَعَ النَّاسُ ظَهْرَهُمْ وَفُقِدَتْ رَاحِلَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَعَى لَهَا الرِّجَالُ يَلْتَمِسُونَهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ فِي رُفْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَيْنَ يَسْعَى هَؤُلَاءِ؟ قَالَ أَصْحَابُهُ: يَلْتَمِسُونَ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلَّتْ. فَقَالَ الْمُنَافِقُ: أَفَلَا يُحَدِّثُهُ اللَّهُ بِمَكَانِ رَاحِلَتِهِ؟ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ نَافَقْتَ فَلِمَ خَرَجْتَ وَهَذَا -[516]- فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: خَرَجْتُ لِأُصِيبَ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا وَلَعَمْرِي إِنَّ مُحَمَّدًا يُخْبِرُنَا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ شَأْنِ النَّاقَةِ. فَسَبَّهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَكُونُ مِنْكَ بِسَبِيلٍ وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِكَ مَا صَحِبْتَنَا سَاعَةً. فَمَكَثَ الْمُنَافِقُ مَعَهُمْ شَيْئًا ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهُمْ فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ الْحَدِيثَ فَوَجَدَ اللَّهَ قَدْ حَدَّثَهُ حَدِيثَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُنَافِقُ يَسْمَعُ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفَلَا يُحَدِّثُهُ اللَّهُ بِمَكَانِ رَاحِلَتِهِ؟ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَدَّثَنِي بِمَكَانِهَا وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّهَا فِي هَذَا الشِّعْبِ الْمُقَابِلِ لَهُمْ قَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ. فَجَاءُوا بِهَا وَأَقْبَلَ الْمُنَافِقُ حَتَّى أَتَى النَّفَرَ الَّذِينَ قَالَ عِنْدَهُمْ مَا قَالَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ وَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ مَكَانِهِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ قَامَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ أَتَى مُحَمَّدًا وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قُلْتُ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ لَا وَلَا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا بَعْدُ. قَالَ: فَإِنِّي وَجَدْتُ عِنْدَ الْقَوْمِ حَدِيثِي وَاللَّهِ لَكَأَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلَّا الْيَوْمَ وَإِنْ كُنْتُ فِي شَكٍّ مِنْ شَأْنِهِ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكَ. فَزَعَمُوا أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. وَفِي رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ الْحَسَنِ: فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ أَحَدُ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَكَانَ مِنْ عُظَمَاءِ الْيَهُودِ وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ

ذكر سريته التي بعثها إلى يسير بن رزام اليهودي

§ذِكْرُ سَرِيَّتِهِ الَّتِي بَعَثَهَا إِلَى يَسِيرَ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ

444 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ثنا أَبِي ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ -[517]-: " §بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ إِلَى الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ حَتَّى أَتَوْهُ بِخَيْبَرَ وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِيَغْزُوَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّا أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِيَسْتَعْمِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ يَخْدَعُونَهُ حَتَّى أَقْبَلَ مَعَهُمْ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَدِيفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا بَلَغُوا قَرْقَرَةَ وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، نَدِمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ الْيَهُودِيُّ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى السَّيْفِ سَيْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ففَطِنَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَزَجَرَ رَاحِلَتَهُ وَاقْتَحَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنَ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ فَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا وَاقْتَحَمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ مِنْ شَوْحَطٍ فَضَرَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فَشَجَّهُ مَأْمُومَةً وَانْكَفَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَدِيفِهِ فَقَتَلَهُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ أَعْجَزَهُمْ شَدًّا وَلَمْ يُصَبْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ، وَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ

قصة عبد الله بن أنيس مع خالد بن سفيان الهذلي وقتل سفيان بيد عبد الله

§قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ مَعَ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ وَقَتْلِ سُفْيَانَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ

445 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ -[518]- أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِي النَّاسَ؛ لِيَغْزُوَنِي وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْعَتْهُ لِي؛ حَتَّى أَعْرِفَهُ. قَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ أَذْكَرَكَ الشَّيْطَانَ، آيَةٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً. قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي حَتَّى دَفَعْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلًا حِينَ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا يَصِفُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ نَحْوَهُ وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِي فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجِئْتُكَ أُعِينُكَ. قَالَ: أَجَلْ، إِنَّا فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا حَتَّى أَمْكَنَنِي فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلْتُهُ ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ. قَالَ: قُلْتُ: قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: ثُمَّ قَامَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ فِي بَيْتِهِ فَأَعْطَانِي عَصًا فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ -[519]- الْقِيَامَةِ إِنَّ §أَوَّلَ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ يَوْمَئِذٍ. فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا

ذكر ما كان في فتح مكة

§ذِكْرُ مَا كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ

446 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْعُصْفُرِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ صَالِحٍ قَاضِي رَامَهُرْمُزَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا قَدْ أَلْزَقَهَا الشَّيَاطِينُ بِالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ فَكَانَ كُلَّمَا دَنَا مِنْهَا بِمِخْصَرَتِهِ تَهْوِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهَا وَيَقُولُ: " {§جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ} [الإسراء: 81] الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا فَتَسَاقَطَ عَلَى وُجُوهِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهِنَّ فَأُخْرِجْنَ إِلَى الْمَسِيلِ

447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا عَمْرُو بْنُ أَيُّوبَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ -[520]- صَنَمًا وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبٌ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْهَا وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] §فَجَعَلَتْ تَسْتَلْقِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهَا

ذكر ما كان في غزوة تبوك

§ذِكْرُ مَا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ

448 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا عَفَّانُ قَالَ: ثنا وُهَيْبٌ ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ، ثنا عباس بن سعد الساعدي، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ حَتَّى جِئْنَا وَادِيَ الْقِرَى فَإِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: اخْرُصُوهَا فَخَرَصَ الْقَوْمُ وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ: أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى تَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا سَتَهُبُّ عَلَيْكُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ فِيهَا أَحَدٌ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيُوثِقْ عِقَالَهُ. قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: فَعَقَلْنَاهَا فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ فِيهَا رِجَالٌ فَأَلْقَتْهُ فِي جَبَلَيْ طَيِّئٍ ثُمَّ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا وَادِيَ الْقُرَى فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: كَمْ جَاءَ لَكِ حَدِيقَتُكِ؟ قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

449 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ -[521]- الْفَرَجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سبرةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَفِي السَّفَرِ فَرَأَيْنَا لَيْلَةَ نَحْنُ بِتَبُوكَ قَدْ بُلِينَا بِحَاجَةٍ وَرَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَعَثَنِي وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَضْيَافِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ قُبَّتَهُ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا طَلَعْتُ عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَطَلَعَ جِعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ فَكُنَّا ثَلَاثَةً كُلُّنَا جِيَاعٌ إِنَّمَا نَعِيشُ بِبَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبَ شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَلَمْ يَجِدْ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَنَادَى بِلَالًا: «يَا بِلَالُ، هَلْ مِنْ عَشَاءٍ لِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ؟» قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَفَضْنَا جُرُبَنَا وَحِمْيَتَنَا. قَالَ: انْظُرْ عَسَى أَنْ تَجِدَ شَيْئًا. فَأَخَذَ الجُرُبَ يَنْفُضُهَا جِرَابًا جِرَابًا، فَتَقَعُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَاتُ حَتَّى رَأَيْتُ فِيَ يَدِهِ سَبْعَ تَمَرَاتٍ ثُمَّ دَعَا بِصَحْفَةٍ فَوَضَعَ التَّمْرَ فِيهَا ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّمَرَاتِ فَسَمَّى اللَّهَ فَقَالَ: " §كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ فَأَكَلْنَا فَأَحْصَيْتُ أَرْبَعًا وَخَمْسِينَ تَمْرَةً أَعُدَّهَا عَدًّا وَنَوَاهَا فِي يَدِي الْأُخْرَى وَصَاحِبَايَ يَصْنَعَانِ مِثْلَ مَا أَصْنَعُ فَشَبِعْنَا فَأَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسِينَ ثُمَّ إِذَا رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا إِذِ التَّمَرَاتُ السَّبْعُ كَمَا هِيَ فَقَالَ: يَا بِلَالُ ارْفَعْهَا فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا نَهِلَ مِنْهَا شِبَعًا. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَ قُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَتَهَجَّدُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَامَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَامَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى فِنَاءِ قُبَّتِهِ فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكُمْ فِي الْغَدَاءِ؟ قَالَ الْعِرْبَاضُ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: أَيُّ غَدَاءٍ؟ فَدَعَا بِلَالًا بِالتَّمَرَاتِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِنَّ فِي الصَّحْفَةِ -[522]- ثُمَّ قَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ فَأَكَلْنَا وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ حَتَّى شَبِعْنَا وَإِنَّا لَعَشَرَةٌ ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْهَا شِبَعًا وَإِذَا التَّمَرَاتُ كَمَا هِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي لَأَكَلْنَا مِنْ هَذِهِ التَّمَرَاتِ حَتَّى نَرِدَ الْمَدِينَةَ مِنْ آخِرِنَا. فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ غُلَامٌ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمَرَاتِ بِيَدِهِ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَوَلَّى الْغُلَامُ يَلُوكُهُنَّ

450 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَرَوْحٌ قَالَا: ثنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَائِلَةَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ تَأْتُونَهَا حِينَ يُضْحِي النَّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ. فَجِئْنَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبُضُّ بشَيْءٍ مِنْ مَائِهَا، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، فَاغْتَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ فَاسْتَقَى النَّاسَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى هَاهُنَا مَاءً قَدْ مَلَأَ جِنَانًا

451 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ -[523]- بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: أَصْبَحَ النَّاسُ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَرْسَلَ سَحَابَةٍ فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ وَاحْتَمَلُوا حَاجَتَهُمْ مِنَ الْمَاءِ

452 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدِّثْنَا مِنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ. قَالَ عُمَرُ: " §خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا تَنْقَطِعُ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ. قَالَ: أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قاَلَتِ السَّمَاءُ فَأَظَلَّتْ ثُمَّ سَكَتَ فَمَلَأُوا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ

453 - وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ -[524]- مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَذَكَرَ لَنَا الزُّهْرِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا فَلَمَّا رَاحُوا مِنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: " §لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ: لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبُهُ. قَالَ: فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَخُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ وَطَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ أَنَّهُكُمْ أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ؟ ثُمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ وَأَمَّا الْآخَرُ الَّذِي وَقَعَ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ فَإِنَّ طَيِّئًا أَهْدَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنَ الدَّلَائِلِ

454 - مَا أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ذَا الْبِجَادَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ كَانَ يَتِيمًا لَا مَالَ لَهُ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ فَلَمْ -[525]- يُوَرِّثْهُ شَيْئًا، وَكَانَ عَمُّهُ مِيلًا فَأَخَذَهُ وَكَفَلَهُ حَتَّى قَدْ كَانَ أَيْسَرَ وَكَانَتْ لَهُ إِبِلٌ وَغَنَمٌ وَرَقِيقٌ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَعَلَتْ نَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمِّهِ حَتَّى مَشَتِ السِّنُونُ وَالْمَشَاهِدُ كُلُّهَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ لِعَمِّهِ: يَا عَمِّ إِنِّي قَدِ انْتَظَرْتُ إِسْلَامَكَ فَلَا أَرَاكَ تُرِيدُ مُحَمَّدًا فَأْذَنْ لِي فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنِ اتَّبَعْتَ مُحَمَّدًا لَا أَتْرُكُ بِيَدِكَ شَيْئًا كُنْتُ أَعْطَيْتُكَ إِلَّا نَزَعْتُهُ مِنْكَ. قَالَ عَبْدُ الْعُزَّى وَهُوَ اسْمُهُ يَوْمَئِذٍ: فَأَنَا وَاللَّهِ مُتَّبِعٌ مُحَمَّدًا وَتَارِكٌ عِبَادَةَ الْحَجَرِ، هَذَا مَا بيْدِي فَخُذْهُ. فَأَخَذَ كُلَّ مَا كَانَ أَعْطَاهُ حَتَّى جَرَّدَهُ مِنْ إِزَارِهِ فَأَتَى أُمَّهُ فَأَعْطَتْهُ بِجَادًا لَهَا بِاثْنَيْنِ فَائْتَزَرَ بِوَاحِدٍ وَاتَّشَحَ بِالْآخَرِ ثُمَّ أَقْبَلَ الْمَدِينَةَ فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَرِّ ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَعَلَ يَتَصَفَّحُ النَّاسَ لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْعُزَّى. قَالَ: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ مِنِّي قَرِيبًا. فَكَانَ يَكُونُ مِنْ أَضْيَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ حَتَّى قَرَأَ قُرْآنًا كَثِيرًا , وَالنَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ إِلَى تَبُوكَ وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا وَكَانَ يَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى صَوْتِ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ قَدْ مَنَعَ النَّاسَ الْقِرَاءَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى تَبُوكَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ لَنَا بِالشَّهَادَةِ، فَقَالَ: ابْغِنِي لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَأَبْغَاهُ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَرَبَطَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَضُدِهِ -[526]- وَقَالَ: " §اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ دَمَهُ عَلَى الْكُفَّارِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَخَذَتْكَ حُمَّى فَقَتَلَتْكَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ، أَوْ وَقَصَتْكَ دَابَّتُكَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ، لَا تُبَالِ بِأَيَّتِهِ كَانَ. فَلَمَّا نَزَلُوا تَبُوكَ أَقَامُوا بِهَا أَيَّامًا ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ وَكَانَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ يَقُولُ: فَحَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ بِلَالٍ الْمُؤَذِّنِ شُعْلَةُ نَارٍ عِنْدَ الْقَبْرِ وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدْلِيَانِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: أَدْلِيَا إِلَيَّ أَخَاكُمَا فَلَمَّا هَيَّأَهُ لِشِقِّهِ فِي اللَّحْدِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَمْسَيْتُ عَنْهُ رَاضِيًا فَارْضَ عَنْهُ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ اللَّحْدِ 455 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ دَعَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَبَعَثَهُ إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ وَكَانَ مَلِكًا عَلَيْهَا وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ: إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ. فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ -[527]- صَافِيَةٍ وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ لَهُ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَأَتَتِ الْبَقَرُ تَحُكُّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَمَنْ يَتْرُكُ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا أَحَدَ. فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ وَرَكِبَ وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِيهِمْ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ حَسَّانُ فَرَكِبَ وَخَرَجُوا مَعَهُ بِمَطَارِيدِهِمْ فَلَمَّا خَرَجُوا تَلَقَّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْهُ وَقَتَلُوا أَخَاهُ حَسَّانَ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ قُبَاءٌ لَهُ مِنَ الدِّيبَاجِ مُخَوَّصٌ بِالذَّهَبِ فَاسْتَلَمَهُ خَالِدٌ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا قَدِمَ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَرَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ يُقَالُ لَهُ بُجَيْرُ بْنُ بَجَرَةَ يَذْكُرُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ: إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ وَمَا صَنَعَ الْبَقَرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ؛ لِتَصْدِيقِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [البحر الوافر] تَبَارَكَ سَائِقُ الْبَقَراتِ لَيْلًا ... رَأَيْتُ اللَّهَ يَهْدِي كُلَّ هَادِ فَمَنْ يَكُ حَائِدًا عَنْ ذِي تَبُوكٍ ... فَإِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِالْجِهَادِ . . . . . . . . . . أُكَيْدِرٌ مَلِكُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَدُومَةُ الْجَنْدَلِ عَلَى عَشْرِ لَيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَعَشْرِ لَيَالٍ مِنَ الْكُوفَةِ وَعَشْرِ لَيَالٍ مِنْ دِمَشْقَ بِلَا نَخْلٍ وَعُيُونٍ

456 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: ثنا مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرٍو الْيَمَامِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ ثنا مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " §كَيْفَ عَرَفْتَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَعْرِفْهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَسِيرُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَامَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَسَمِعْتُ نَاسًا مِنْهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ طَرَحْنَاهُ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ فَاسْتَرَحْنَا مِنْهُ. فَسِرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَجَعَلْتُ أَقْرَأُ وَأَرْفَعُ صَوْتِي فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ. قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ خَلْفَكَ؟ قُلْتُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ حَتَّى عَدَدْتُ أَسْمَاءَهُمْ. قَالَ: وَسَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ قُلْتُ: نَعَمْ؛ وَلِذَلِكَ سِرْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ فُلَانًا وَفُلَانًا، حَتَّى عَدّدَ أَسْمَاءَهُمْ، مُنَافِقُونَ، لَا تُخْبِرَنَّ أَحَدًا

ذكر ما جرى من الدلائل في غزوة مؤتة

§ذِكْرُ مَا جَرَى مِنَ الدَّلَائِلِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ

457 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: إِنَّ مُؤْتَةَ دُونَ دِمَشْقَ أَدْنَى الْبَلْقَاءِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَسْكَرَ أَصْحَابُهُ بِالْجُرْفِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمُ الْأُمَرَاءَ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ جَلَسَ وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ فَجَاءَهُ النُّعْمَانُ الْيَهُودِيُّ فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَمِيرُ النَّاسِ زَيْدٌ فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ أُصِيبَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ» . فَقَالَ النُّعْمَانُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَمَّيْتَ مَنْ سَمَّيْتَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أُصِيبُوا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا اسْتَعْمَلُوا الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ قَالُوا: إِنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَلَوْ سَمَّوْا مِائَةً أُصِيبُوا جَمِيعًا. ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ لِزَيْدٍ: اعْهَدْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَرْجِعُ إِلَى مُحَمَّدٍ أَبَدًا إِنْ كَانَ نَبِيًّا. قَالَ زَيْدٌ: فَأَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ بَارٌّ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤْتَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مُعْتَرَكِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانَ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الدُّنْيَا فَقَالَ: الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُحَبِّبُ إِلَيَّ الدُّنْيَا؟ فَمَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَمَنَّاهُ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ فَقَالَ: الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُمَنِّينِي الدُّنْيَا؟ ثُمَّ مَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ مُعْتَرِضًا. فَشَقَّ عَلَى الْأَنْصَارِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اعْتِرَاضُهُ؟ قَالَ: لَمَّا أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ نَكِلَ فَعَاتَبَ نَفْسَهُ فَاسْتُشْهِدَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ. فَسُرِّيَ عَنْ قَوْمِهِ

458 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ هِلَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " §نَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا وَزَيْدًا [وَابْنَ رَوَاحَةَ] وَنَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ

459 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا ابْنُ يَحْيَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى الْجَزَّارِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا §أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ إِهَابًا وَعَجَنْتُ عَجِينِي , وَغَسَّلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ. قَالَتْ: فَشَمَّهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا يُبْكِيكَ؟ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ. قَالَتْ: فَقُمْتُ أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَا تَغْفُلُوا عَنْ آلِ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُمْ قَدِ اشْتَغَلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ

وما ذكر في غزوة الطائف

§وَمَا ذُكِرَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ

460 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §حِينَ حَاصَرُوا ثَقِيفًا أَنْ يَقْطَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَمْسَ نَخَلَاتٍ مِنْ دُومِهِمْ فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا عَفَاءٌ لَمْ تُؤْكَلْ ثِمَارُهَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا مَا أُكِلَتْ ثَمَرَتُهُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ. قَالَ: وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ أُكَلِّمَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيهُمْ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِمُ الْحِصْنَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتُمْ تُمْسِكُوا بِمَكَانِكُمُ، وَاللَّهِ لَنَحْنُ أَذَلُّ مِنَ الْعَبِيدِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ، لَئِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ لَتَمْلِكَنَّ الْعَرَبُ عِزًّا وَمَنَعَةً، فَتَمَسَّكُوا بِحِصْنِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَا يَتَكَابَرَنَّ عَلَيْكُمْ قَطْعُ هَذِهِ الشَّجَرِ. ثُمَّ رَجَعَ عُيَيْنَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا قُلْتَ لَهُمْ يَا عُيَيْنَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُمْ وَأَمَرْتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَدَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ وَحَذَّرْتُهُمُ النَّارَ وَدَلَلْتُهُمْ عَلَى الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ بَلْ قُلْتَ لَهُمْ كَذَا وَكَذَا فَقَصَّ عَلَيْهِ حَدِيثَهُ فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ 461 - وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ -[532]- أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَغَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ كَانَا تَاجِرَيْنِ خَرَجَا إِلَى جُرَشَ بَعْدَ قَصْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ يَتَعَامَلَانِ عَلَى الدَّبَّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَالْعَرَّادَاتِ فَأَحْكَمَا ذَلِكَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَرَجَعَا هُمَا إِلَى الطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَاهَا نَصَبَا الْمَنْجَنِيقَ فِي جَوْفِ الْحِصْنِ وَجَعَلَا الدَّبَّابَاتِ وَأَعَدُّوا لِلْقِتَالِ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ بَعْدَ مَا فَرَغَ وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا فِيمَا يَرَى هُوَ وَقَوْمُهُ إِلَّا وَقَدْ فَرَغَ مِنْهُ فِيمَا يَرَوْنَ أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ عُرْوَةَ الْإِسْلَامَ فَلَقِيَ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ فَقَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ قَرَّبَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ دَخَلُوا مَكَّةَ كُلَّهُمْ فَرَاغِبٌ فِيهِ وَخَائِفٌ أَنْ يُوقِعَ بِهُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ أَدْهَى الْعَرَبِ وَمِثْلُنَا لَا يَجْهَلُ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ. قَالَ غَيْلَانُ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا يَعْقُوبَ وَلَا يُسْمَعْ مِنْكَ إنِّي لَا آمَنُ عَلَيْكَ ثَقِيفًا وَإِنْ كَانَ لَكَ فِيهِمْ مِنَ الشَّرَفِ مَا لَكَ فِيهَا. قَالَ عُرْوَةُ: فَأَنَا مُتَّبِعُهُ وَسَائِرٌ إِلَيْهِ. قَالَ غَيْلَانُ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَنْظُرَ وَتُدَبِّرَ. قَالَ عُرْوَةُ: أَيُّ أَمْرٍ هُوَ أَبْيَنُ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا لَمْ أَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ قَطُّ وَأَنَا ذَاكِرُهُ لَكَ السَّاعَةَ. قَالَ غَيْلَانُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ عُرْوَةُ: قَدِمْتُ نَجْرَانَ فِي تِجَارَةٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مُحَمَّدٌ -[533]- بِمَكَّةَ وَكَانَ أُسْقُفُهَا لِي صَدِيقًا فَقَالَ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ أَظَلَّكُمْ نَبِيٌّ يَخْرُجُ فِي حَرَمِكُمْ. قُلْتُ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إِي وَالْمَسِيحِ وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَلَيَقْتُلَنَّ قَوْمَهُ قَتَلَ عَادٍ فَإِذَا ظَهَرَ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ فَاتَّبِعْهُ وَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَسْبِقُ إِلَيْهِ. لَمْ أَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ حَرْفًا وَاحِدًا لِأَحَدٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَلَا غَيْرِهِمْ؛ لِمَا كُنْتُ أَرَى مِنْ شِدَّتِهِمْ عَلَيْهِ وَكُنْتُ أَنَا مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنَ الْأُسْقُفِّ مَا سَمِعْتُ ثُمَّ غَيَّرَ اللَّهُ قَلْبِي مِنْ سَاعَتِي هَذِهِ وَأَنَا مُتَّبِعُهُ فَاكْتُمْ عَلَيَّ مَخْرَجِي يَا غَيْلَانُ لَا تذكُرْه. فَخَرَجَ عُرْوَةُ وَمَا شَعَرَ بِهِ أَحَدٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُرَّ بِهِ وَأَسْلَمَ وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ مَا كَانَ يُرِيدُ وَمَا أَعَدَّ وَمَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَغَيَّرَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَخَبَّرَهُ خَبَرَ الْأُسْقُفِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ وَأَرَادَ بِكَ خَيْرًا مِمَّا أَرَدْتَ بِنَفْسِكَ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى قَوْمِهِ وقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الدِّينِ ذَهَبَ عَنْهُ ذَاهِبٌ، فَأَقْدَمُ عَلَى قَوْمِي بِخَيْرِ مَا قَدِمَ بِهِ وَافِدٌ عَلَى قَوْمِهِ قَطُّ إِلَّا مَنْ قَدِمَ بِمِثْلِ مَا قَدِمْتُ، وَقَدْ سُبِقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ إِذًا قَاتِلُوكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلَادِهِمْ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ الثَّانِيَةَ -[534]- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ إِذًا قَاتِلُوكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي. ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ. فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يس، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ» وَفِي رِوَايَةِ فَارُوقٍ الْخَطَّابِيِّ: فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَى الطَّائِفِ فَقَدِمَ عِشَاءً فَجَاءَه ثَقِيفٌ فَخَبَّرَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَصَحَ لَهُمْ فَاتَّهَمُوهُ وَعَضَهُوهُ وَأَسْمَعُوهُ مِنَ الْأَذَى مَا لَمْ يَكُنْ يَخْشَاهُمْ عَلَيْهِ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى إِذَا أَسْحَرُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ قَامَ عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فِي دَارِهِ فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ وَتَشَهَّدَ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُهُ قَالَ: «مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يس، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ»

ذكر سرية زيد بن حارثة

§ذِكْرُ سَرِيَّةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

462 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ هَانِئٍ الشَّجَرِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مَوْلَى ابْنِ مَخْرَمَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِرْفَةَ قَدْ جَهَّزَتْ ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ وَلَدِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا قَالَتِ: اقْدَمُوا الْمَدِينَةَ فَاقْتُلُوا -[535]- مُحَمَّدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §اللَّهُمَّ أَثْكِلْهَا بِوَلَدِهَا. وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَالْتَقَوْا بِالْوَادِي وَقُتِلَ أَصْحَابُ زَيْدٍ فَارْتَثَّ جَرِيحًا وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، فَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا فَالْتَقَوْا فَقَتَلَ بَنِي فَزَارَةَ وَقَتَلَ وَلَدَ أُمِّ قِرْفَةَ وَقَتَلَ أُمَّ قِرْفَةَ وَبَعَثَ بِدِرْعِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَصَبَهُ بَيْنَ رُمْحَيْنِ، وَأَقْبَلَ زَيْدٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِي فَقَرَعَ الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ يَجُرُّ ثَوْبَهُ حَتَّى اعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قصة هدم بيت العزى

§قِصَّةُ هَدْمِ بَيْتِ الْعُزَّى

463 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: " §لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى فَأَتَاهَا خَالِدٌ وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا. فَرَجَعَ خَالِدٌ فَلَمَّا نَظَرَتِ السَّدَنَةُ وَهُمْ حَجَبْتُهَا أَمْعَنُوا فِي الْجَبَلِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ. فَأَتَاهَا خَالِدٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعَرَهَا تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: تِلْكَ الْعُزَّى

الفصل السادس والعشرون ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الغيوب فتحقق ذلك على ما أخبر به في حياته وبعد موته كالإخبار عن نمو أمره وافتتاح الأمصار والبلدان الممصرة كالكوفة والبصرة وبغداد على أمته والفتن الكائنة بعده، وردة جماعة ممن شاهده ورآه عليه

§الْفَصْلُ السَّادسُ وَالْعِشْرُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغُيُوبِ فَتَحَقَّقَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ نُمُوِّ أَمْرِهِ وَافْتِتَاحِ الْأَمْصَارِ وَالْبُلْدَانِ الْمُمَصَّرَةِ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ عَلَى أُمَّتِهِ وَالْفِتَنِ الْكَائِنَةِ بَعْدَهُ، وَرِدَّةِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ شَاهَدَهُ وَرَآهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِخْبَارِهِ بِعَدَدِ الْخُلَفَاءِ وَمُدَّتِهِمْ وَالْمُلْكِ الْعَضُوضِ بَعْدَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخِصَالِ فِي تَرْجَمَةِ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ

464 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ثنا خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَثنا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى §زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا -[538]- وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَض , َ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعِدُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتُمِعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ يُهْلِكُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْبِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ فَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ مِنْ أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ , وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

465 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا شُعْبَةٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ وَمُصِيبُونَ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ

466 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْمُعَدِّلُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ سَهْلٍ الدَّقَّاقُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَسَّانَيُّ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ وَخَدَمَتْهَا أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ سُلِّطَ شِرَارُهُمْ عَلَى خِيَارِهِمْ

467 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَذَّاءُ قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ قَالَ: ثنا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الْفَقْرَ تَخَافُونَ، أَوْ تُهِمُّكُمُ الدُّنْيَا؟ فَإِنَّ §اللَّهَ فَاتِحٌ لَكُمْ أَرْضَ فَارِسَ وَالرُّومِ وَيَصُبُّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لَا يُزِيغَكُمْ بَعْدِي إِنْ زِغْتُمْ إِلَّا هِيَ

468 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا أَبِي عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ -[540]-: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَكَلَتْنَا الضَّبُعُ، يَعْنِي السَّنَةَ. فَقَالَ: «أنَا لِغَيْرِ الضَّبُعِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ، أَنْ تُصَبَّ الدُّنْيَا عَلَى أُمَّتِي صَبًّا، §فَلَيْتَ أُمَّتِي لَا يَلْبَسُونَ الذَّهَبَ» .

469 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ قَالَ: ثنا أَبُو السُّكَيْنِ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمُّ أَبِي زَخْرُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ قَالَ: قَالَ جَدِّي خُرَيْمُ بْنُ أوْسٍ: هَاجَرْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِمْتُ عَلَيْهِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ فَأَسْلَمْتُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " §هَذِهِ الْحِيرَةُ الْبَيْضَاءُ قَدْ رُفِعَتْ لِي وَهَذِهِ الشَّيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلَةَ الْأَزْدِيَّةُ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعْتَجِزَةٌ بِخِمَارٍ أَسْوَدَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ نَحْنُ دَخَلْنَا الْحِيرَةَ فَوَجَدْنَاهَا كَمَا تَصِفُ فَهِيَ لِي؟ قَالَ: هِيَ لَكَ. قَالَ: ثُمَّ كَانَتِ الرِّدَّةُ فَمَا ارْتَدَّ أَحَدٌ مِنْ طَيِّئٍ فَأَقْبَلْنَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يُرِيدُ الْحِيرَةَ فَلَمَّا دَخَلْنَاهَا كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَلَقَّانَا الشَّيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلَةَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعْتَجِزَةً بِخِمَارٍ أَسْوَدَ فَتَعَلَّقْتُ بِهَا فَقُلْتُ: هَذِهِ وَصَفَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي خَالِدٌ بِالْبَيِّنَةِ فَأَتَيْتُ بِهَا فَكَانَتِ الْبَيِّنَةُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّانِ فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ خَالِدٌ، وَنَزَلَ إِلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ نُفَيْلَةَ يُرِيدُ الصُّلْحَ، فَقَالَ: بِعْنِيهَا، فَقُلْتُ: لَا أَنْقُصُهَا وَاللَّهِ مِنْ عَشْرِ مِائَةٍ، فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَسَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالُوا لِي: لَوْ قُلْتَ مِائَةَ أَلْفٍ لَدَفَعَهَا إِلَيْكَ. فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ مِائَةٍ

470 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى اسْمَيْنِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ يَبْلُغْنِي عَنْكَ حَدِيثٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ. قَالَ: نَعَمْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ لَهُ كَرَاهِيَةً وَكُنْتُ بِأَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ مِنَ الرُّومِ، فَكَرِهْتُ مَكَانِي أَشَدَّ مِنْ كَرَاهَتِي لِأَمْرِي الْأَوَّلِ فَقُلْتُ: لَآتِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَا يَخْفَى عَلَيَّ أَمْرُهُ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَا يَخْفَى عَلَيَّ. أَوْ قَالَ: لَا يَضُرُّنِي. قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَاسْتَشْرَفَنِي النَّاسُ فَقَالُوا: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَدِيُّ أَسْلِمْ تَسْلَمْ. قُلْتُ: إِنَّ لِي دِينًا. قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ. قُلْتُ: مَا يَجْعَلُكَ أَعْلَمَ بِدِينِي مِنِّي؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَسْتَ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَكَ. قُلْتُ: أَجَلْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَذْهَبَ بَعْضَ مَا فِي نَفْسِي. قَالَ: إِنَّهُ يَمْنَعُكَ مِنْ أَنْ تُسْلِمَ خَصَاصَةُ مَنْ تَرَى حَوْلَنَا , وَإِنَّكَ تَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا إِلْبًا وَاحِدًا. أَوْ قَالَ: يَدًا وَاحِدَةً. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ أَتَيْتَ الْحِيرَةَ؟ -[542]- قُلْتُ: لَا وَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَهَا. قَالَ: " §يُوشِكُ الظَّعِينَةُ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَيُوشِكُ أَنْ تُفْتَحَ كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ. قَالَ: قُلْتُ: كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَكُنْتُ فِي أَوَّلِ خَيْلٍ أَغَارَتْ عَلَى السَّوَادِ وَاللَّهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَّادٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ: قَالَ عَدِيٌّ: فَأَنَا سِرْتُ بِالظَّعِينَةِ مِنَ الْحِيرَةِ. قَالَ: إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فِي غَيْرِ جِوَارٍ، يَعْنِي أَنَّهُ حَجَّ بِأَهْلِهِ، وَكُنْتُ فِي أَوَّلِ خَيْلٍ أَغَارَتْ عَلَى الْمَدَائِنِ، وَاللَّهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ كَمَا كَانَتْ هَاتَانِ، إِنَّهُ تَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّايَ

471 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَسْبَاطٍ وَثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَا: ثنا صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ حَدَّثَنِي عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قَالَ: قَدِمَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُهُ فِي أُنَاسٍ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قُلْنَا: حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ كَانَ لَهُ أَشَدَّ بُغْضًا مِنِّي وَلَا أَشَدَّ -[543]- كَرَاهِيَةً لَهُ مِنِّي حَتَّى لَحِقْتُ بِأَرْضِ الرُّومِ فَتَنَصَّرْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا بَلَغَنِي مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنَ النَّاسِ ارْتَحَلْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ صُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَسَلْمَانُ فَقَالَ: يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ أَسْلِمْ تَسْلَمْ فَقُلْتُ: أَخِ أَخِ فَأَنَخخْتُ فَجَلَسْتُ وَأَلْزَقْتُ رُكْبَتِي بِرُكْبَتِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ §لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُفْتَحَ خَزَائِنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْتِيَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ كُوفَةُ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ بِغَيْرِ خَفِيرٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْمِلَ الرَّجُلُ جِرَابَ الْمَالِ فَيَطُوفَ بِهِ فَلَا يَجِدَ أَحَدًا يَقْبَلُهُ فَيَضْرِبَ بِهِ الْأَرْضَ فَيَقُولَ: لَيْتَكَ كُنْتَ تُرَابًا

472 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنا أَبُو يَعْلَى قَالَ: ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَا: ثنا شَبَابَةُ حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ

473 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْثُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ حُمْرَ الْوُجُوهِ صِغَارَ الْأَعْيُنِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ 474 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ ثنا أَبُو خَالِدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ الْأَقْرَعِ قَالَ: زَحَفَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ زَحْفٌ لَمْ يُزْحَفْ لَهُمْ بِمِثْلِهِ قَطُّ زَحَفَ لَهُمْ أَهْلُ بَاهٍ وَأَهْلُ أَصْبَهَانَ وَأَهْلُ هَمَذَانَ وأهل الرَّيِّ وَأَهْلُ قُومِسَ وَأَهْلُ أَذْرِبِيجَانَ وَأَهْلُ نَهَاوَنْدَ فَلَمَّا جَاءَ عُمَرَ الْخَبَرُ جَمَعَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ بِطُولِهِ

475 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَرْسَلَ بندارفان الْعِلْجُ أَنْ أَرْسِلُوا إِلَيَّ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ رَجُلًا مِنْكُمْ نُكَلِّمْهُ، فَاخْتَارَ النَّاسُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ. قَالَ أَبِي: فَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ طَوِيلَ -[545]- الشَّعْرِ أَعْوَرَ، فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلْنَاهُ مَا قَالَ لَهُ، فَقَالَ لَنَا: حَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: «§إِنَّا كُنَّا لَأَبْعَدَ النَّاسِ دَارًا، وَأَشَدَّ النَّاسِ جُوعًا، وَأَعْظَمَ النَّاسِ شَقَاءً، وَأَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا فَوَعَدَنَا النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ، فَلَمْ نَزَلْ نَعْرِفُ مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ مُنْذُ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَلَاحَ وَالنَّصْرَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَنَرَى مُلْكًا وَعَيْشًا لَا نَرْجِعُ عَنْهُ إِلَى الشَّقَاءِ أَبَدًا حَتَّى نَغْلِبَكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ، أَوْ نُقْتَلَ فِي أَرْضِكُمْ» . الْحَدِيثَ

476 - حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَلَفٍ الدُّورِيُّ قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَا: بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الْأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ. قَالَ: نَعَمْ، مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلَانِ، فَإِنِ انْكَسَرَ أَحَدُ جَنَاحَيْهِ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ، وَإِنِ انْكَسَرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ وإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ، فَالرَّأْسُ: كِسْرَى، وَالْجَنَاحَانِ: قَيْصَرُ وَفَارِسُ فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى. قَالَ: فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ خَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِين {ألفاً} فَقَامَ تُرْجُمَانٌ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ: " §نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ وَنَلْبَسُ -[546]- الْوَبَرَ وَالشَّعْرَ وَنَعْبُدُ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَأَمَرَنَا رَبُّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ فَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ قَطُّ وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ

477 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ ثنا أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَخِيهِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ §سَيُبْعَثُ بَعْدِي بُعُوثٌ فَكُونُوا فِي بَعْثٍ يُقَالُ لَهُ بَعْثُ خُرَاسَانَ وَانْزِلُوا كُورَةً يُقَالُ لَهَا مَرْوُ ثُمَّ اسْكُنُوا مَدِينَتَهَا فَإِنَّ مَدِينَتَهَا بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ وَلَا يُصِيبُ أَهْلَهَا سُوءٌ

478 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْفَقْرَ وَالْعُرْيَ وَقِلَّةَ الشَيْءِ فَقَالَ: " §أَبْشِرُوا فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَيْءِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ ووَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى تُفْتَحَ لَكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ وَأَرْضُ حِمْيَرَ حَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً: جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطَهَا. فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ -[547]- الشَّامَ؛ وَبِهَا الرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَسْتَخْلِفَنَّكُمُ اللَّهُ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ الْعِصَابَةُ مِنْهُمُ الْبِيضُ قُمُصُهُمُ الْمُحْلَقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرَّجُلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ، مَا يَأْمُرَهُمْ فَعَلُوا، وَإِنَّ بِهَا الْيَوْمَ رِجَالًا لَأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقِرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الْإِبِلِ. قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: فَاخْتَرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ؛ فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ إِلَيْهَا يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ

479 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْفَقِيهُ قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، §سَيَلِي أُمُورَكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ وَيُعْلِنُونَ الْبِدْعَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا

480 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ فَيَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُ هُنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ: النِّسَاءُ الْمَذْكُورَاتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قِيلَ إِنَّهُنَّ الْمُغَنِّيَاتُ يَتَعَمَّمْنَ بِكَارَاتٍ كِبَارٍ عَلَى رُءُوسِهِنَّ ثُمَّ يَتَجَلَّبَبْنَ فَوْقَهُنَّ

481 - وَحَدَّثَنَا فَارُوقُ بْنُ عَبْدِ الْكَبِيرِ ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: ثنا الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ كُرْزَ بْنَ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتَهًى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ. قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا ظُلَلٌ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَسَاوِدَ صَبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْأَسْوَدُ الْحيَّةُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْهَسَ ارْتَفَعَ هَكَذَا، وَرَفَعَ الْحُمَيْدِيُّ يَدَهُ، ثُمَّ انْصَبَّ

482 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا: ثنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنِي كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتَهًى؟ قَالَ: " نَعَمْ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَالظُّلَلِ، {قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ} لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَسَاوِدَ صَبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَأَفْضَلُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ "

483 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ الْجُنْدِيسَابُورِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَحْدَبُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ إِخْوَانُنَا وَأَشِقَّاؤُنَا , وَإِنَّا شَهِدْنَا وَلَمْ تَشْهَدُوا , وَسَمِعْنَا وَلَمْ تَسْمَعُوا , وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ §بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ الدُّخَانِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ الرَّجُلُ دِينَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ رَأَيْنَاهُمْ وَاللَّهِ

484 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَا: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ §هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ رَحْمَةً وَنُبُوَّةً ثُمَّ يَكُونُ رَحْمَةً وَخِلَافَةً ثُمَّ كَائِنٌ مُلْكًا عَضُوضًا ثُمَّ كَائِنٌ عُتُوًّا وَجَبْرِيَّةً وفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ {الْفرُوجَ} وَالْحَرِيرَ وَالْخُمُورَ يُرْزَقُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُنْصَرُونَ حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ

485 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا عُبَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَّافُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَأَهُ حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً. فَضَجَّ النَّاسُ فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ

486 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: ثنا مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: " §لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ مِنَ النَّاسِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا فَارَقَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا. ثُمَّ تَكَلَّمَ بشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَسَأَلْتُ {أَبِي} فَقَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ

487 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ ثنا الْمُنْتَصِرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ الْمُنْتَصِرِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ رَاشدِ بْنِ خُثَيْمٍ ثنا عَمِّي سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْفَضْلِ قَالَتْ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §إِنَّكِ حَامِلٌ بِغُلَامٍ فَإِذَا وَلَدْتِ فَأْتِينِي بِهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا وَلَدَتْهُ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذَّنَ فِي -[551]- أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى وَأَلْبَأَهُ مِنْ رِيقِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ وَقَالَ: اذْهَبِي بِأَبِي الْخُلَفَاءِ. فَأَخْبَرْتُ الْعَبَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا لَبَّاسًا فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ قَامَ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَيْءٌ أَخْبَرَتْنِي بِهِ أُمُّ الْفَضْلِ؟ قَالَ: هُوَ مَا أَخْبَرَتْكَ، هَذَا أَبُو الْخُلَفَاءِ، حَتَّى يَكُونَ مُنْهُمُ السَّفَّاحُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمُ الْمَهْدِيُّ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ "

488 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ أَبُو بَهْزٍ الصَّقْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لَهُ ثُمَّ جَاءَ آتٍ فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ: يَا أَنَسُ قُمْ فَافْتَحْ لَهُ §وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ وَبِالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِي. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُعْلِمُهُ؟ قَالَ: أَعْلِمْهُ. فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ وَبِالْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ: يَا أَنَسُ قُمْ فَافْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ وَبِالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ وَبِالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ جَاءَ آتٍ فَدَقَّ الْبَابَ قَالَ: يَا أَنَسُ قُمِ افْتَحِ له الْبَابَ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ وَبِالْخِلَافَةِ بَعْدَ عُمَرَ وَأَنَّهُ مَقْتُولٌ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُعْلِمُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَعْلِمْهُ. فَخَرَجْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ وَالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِ عُمَرَ وَإنَّكَ مَقْتُولٌ. قَالَ -[552]-: فَدَخَلَ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ فَوَاللَّهِ مَا تَغَنَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا مَسَسْتُ فَرْجِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُكَ. قَالَ: هُوَ ذَاكَ يَا عُثْمَانُ

489 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يُشِيرُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذا» . يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ

490 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزِّمِّيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بْنُ مُحَمَّدَ بْنِ خُثَيْم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ مُحَمَّد بْنُ خُثَيْمِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَعَمَدْنَا إِلَى صُورٍ مِنَ النَّخْلِ فَنِمْنَا تَحْتَهُ فِي دَقْعَاءَ مِنَ التُّرَابِ فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى عَلِيُّ فَغَمَزَ رِجْلَهُ وَقَدْ تَتَرَّبْنَا بِالتُّرَابِ فَقَالَ -[553]-: قُمْ §أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَشْقَى النَّاسِ؟ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ عَاقِرُ النَّاقَةِ وَالَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى قَرْنِهِ، وَتَبْتَلُّ هَذِهِ مِنْهَا، وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ

491 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْأَخْرَمُ ثنا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ ثنا عَلِيُّ بْنُ هِشَامٍ ثنا نَاصِحٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: " §إِنَّكَ مُؤَمَّرٌ مُسْتَخْلَفٌ وَإِنَّكَ مَقْتُولٌ وَهَذِهِ مَخْضُوبَةٌ مِنْ هَذَا، لِحْيَتُهُ مِنْ رَأْسِهِ

إخباره صلى الله عليه وسلم عن قتل الحسين رضي الله عنه

§إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

492 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ قَالَ: فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ يَقْتُلُهُ وَإِنْ شِئْتَ أُرِيتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يَقْتُلُ فِيهِ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أحْمَرَ، فَأَخَذْتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ فَشَمَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §رِيحُ كَرِبٍ وَبَلَاءٍ فَقَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ

493 - حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْوَكِيلُ الْأَصْبَهَانِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: ثنا الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ صَاحِبٌ لَنَا خُرَاسَانِيُّ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَاقِدٍ الْجَزَرِيُّ ثنا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَفَّافُ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ §ابْنِي هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَنْصُرْهُ قَالَ: فَقُتِلَ أَنَسٌ مَعَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ

إخباره صلى الله عليه وسلم بإصلاح الله تعالى بالحسن بين فئتين من المسلمين

§إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْلَاحِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَسَنِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

494 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ

باب إخباره صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي

§بَابُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ

495 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّهُمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا

إخباره صلى الله عليه وسلم عن شهادة أم حرام الأنصارية

§إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَهَادَةِ أُمِّ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ

496 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، عَنْ حَرْبٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تُفَلِّي رَأْسَهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " §أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجِ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكٌ عَلَى الْأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ شَكَّ إِسْحَاقُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِيَ مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ؟ فَقَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُلُوكٌ عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِيَ مِنْهُم قَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ قَالَ: فَرَكَبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ مِن زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَمَاتَتْ

قصة سمرة بن جندب

§قِصَّةُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ

497 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ وَحَبِيبُ بْنُ الحَسَنِ قَالَا: ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ثنا -[556]- حَجَّاجٌ ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ سَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ سَأَلَنِي عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ فَسَأَلْتُ أَبَا مَحْذُورَةَ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَسَمُرَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُورَةَ ثُمَّ مَاتَ سَمُرَةُ فِي الْحَرِيقِ قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا نَوْعٌ يَتَّسِعُ فِيهِ الْأَخْبَارُ وَهُوَ أَوْفَى مِنْ أَنْ يُحْصَى فَاقْتَصَرْنَا مِنْهُ عَلَى هَذَا

الفصل السبع والعشرون في ذكر ما ظهر لأصحابه في حياته فمنه قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ضيفه وبطعامه وقصة أسيد بن حضير ونفار فرسه وقصة أم سليم وعكتها وإضاءة العصا للأنصاريين في الليلة المظلمة وما في معناه

§الْفَصْلُ السَّبِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي ذِكْرِ مَا ظَهْرَ لِأَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ فَمِنْهُ قِصَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ ضَيْفِهِ وَبِطَعَامِهِ وَقِصَّةُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَنَفَارُ فَرَسِهِ وَقِصَّةُ أُمِّ سُلَيْمٍ وَعُكَّتِهَا وَإِضَاءَةِ الْعَصَا لِلْأَنْصَارِيَّيْنِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

498 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا عَارِمُ بْنُ النُّعْمَانِ وثنا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَا: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَصْحَابُ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ: وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرَةٍ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ قَالَ: أَوعَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ وَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ: كُلُوا هَنِيئًا -[558]- وَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا قَالَ: فَايْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ لُقْمَةً إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا؟ قَالَ: فَشَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مِرَارٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَعْنِي يَمِينَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا {لُقْمَةً} ثُمَّ حَمْلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ: وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَمَضَى الْأَجَلُ فَعَرَفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ نَاسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ كَانَ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ أَوْ كَمَا قَالَ: لَفْظُ عَارِمٍ

قصة أم سليم

§قِصَّةِ أُمِّ سُلَيْمٍ

499 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ قَالَ: ثنا شيَبانُ بْنُ فَرُّوخَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو ظِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: كَانَتْ لِي شَاةٌ فَجَمَعْتُ سَمْنَهَا فِي عُكَّةٍ فَبَعَثْتُ بِهَا مَعَ زَيْنَبَ فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ، أَبْلِغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَدِمَ بِهَا قَالَ: فَجَاءَتْ زَيْنَبُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ عُكَّةُ سَمْنٍ قَدْ بَعَثَتْ بِهَا إِلَيْكَ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَ: فَرِّغُوا لهَا عُكَّتَهَا، فَفَرَغَتِ الْعُكَّةُ وَدَفَعَتْ إِلَيْهَا، فَجَاءَتْ، وأُمُّ سُلَيْمٍ لَيْسَتْ فِي الْبَيْتِ، فَعَلَّقَتِ الَعُكَّةَ فِي وَتَدٍ، فَجَاءَتْ أُمُّ -[559]- سُلَيْمٍ فَرَأَتِ الْعُكَّةَ مُمْتَلِئَةً تَقْطُرُ سَمْنًا، وَقَالَتْ: يَا زَيْنَبُ أَلَيْسَ أَمَرْتُكِ أَنْ تُبْلِغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَدِمَ بِهَا؟ قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقِينِي فَتَعَالَي مَعِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَهَبَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَزَيْنَبُ مَعَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ مَعَهَا بعُكَّةً فِيهَا سَمْنٌ فَقَالَ: قَدْ جَاءَتْ بِهَا فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ إِنَّهَا مُمْتَلِئَةٌ سَمْنًا تَقْطُرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِنَّ §اللَّهَ أَطْعَمَكِ كَمَا أَطْعَمْتِ نَبِيَّهُ. زَادَ الْبَغَوِيُّ عَنْ شَيْبَانَ: كُلِي وَأَطْعِمِي قَالَتْ: فَجِئْتُ إِلَى بَيْتِي فَقَسَمْتُهَا فِي قَعْبٍ لَنَا كَذَا وَكَذَا وَتَرَكَتْ فِيهَا مَا ائْتَدَمْنَا بِهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ

500 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّةُ بِعُكَّةِ سَمْنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَعَصَرَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيْهَا فَرَجَعَتْ فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا أُمَّ مَالِكٍ؟ قَالَتْ: رَدَدْتَ عَلَيَ هَدِيَّتِي قَالَ: فَدَعَا بِلَالًا فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ عَصَرْتُهَا حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §هَنِيئًا لَكِ يَا أُمَّ مَالِكٍ هَذِهِ بَرَكَةٌ عَجَّلَ اللَّهُ لَكِ ثَوَابَهَا

انقلاب اللحم إلى حجر

§انْقِلَابِ اللَّحْمِ إِلَى حَجَرٍ

501 - حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الطِّيبِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ قَالَ: أُهْدِيَ لِأُمِّ سَلَمَةَ بَضْعَةٌ مِنْ لَحْمٍ مَشْوِيَّةٌ فَرَفَعَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَ بَابَهَا مِسْكِينٌ فَقَالَ: بُورِكَ فِيهِ وَلَمْ تَطْعَمْهُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَاتِ خَبِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ بِهَا فَإِذَا هِيَ فِهْرٌ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ , وَاللَّهِ إِنَّهَا لَبَضْعَةٌ أَهْدَتْ لَنَا أُمُّ فُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَعَلَّكِ وَافَقَكِ سَائِلٌ؟ فَقَالَتْ: أَجَلْ قَالَ: " §وَإِنَّمَا وُعِظْتُمْ بِذَا قَالَ: فَمَا زَالَ حَجَرًا فِي بَيْتِهَا تَدُقُّ بِهِ حَتَّى مَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

قصة فرس أسيد بن حضير

§قِصَّةُ فَرَسِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ

502 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ قَالَ: وَقَرَأْتُ لَيْلَةً سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسٌ لِي مَرْبُوطٌ وَيَحْيَى ابْنِي مُضْطَجِعٌ فَقَرَبَتْهُ وَهُوَ غُلَامٌ فَجَالَتْ جَوْلَةً لَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا يَحْيَى ابْنِي فَسَكَتَ -[561]- {فَسَكَنَتِ} الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَقُمْتُ لَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا ابْنِي يَحْيَى فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا بشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِيهِ مِثْلُ الْمَصَابِيحِ مُقْبِلٌ مِنَ السَّمَاءِ فَهَالَنِي فَسَكَتُّ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ وَلَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا ابْنِي يَحْيَى فَقَالَ: " §تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَوْا لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ حَتَّى تُصْبِحَ لَأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ: اقْرَأْ يَا أُسَيْدُ فَقَدْ أُوتِيتَ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ

ذكر إضاءة العصا وغيرها

§ذِكْرُ إِضَاءَةِ الْعَصَا وَغَيْرِهَا

503 - حَدَّثَنَا أَبُوعَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ كَانَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ حِنْدِسٍ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ §فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا مِثْلَ السِّرَاجِ فَمَشَيَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى إِذَا افْتَرقَا إِلَى مَنَازِلِهِمَا أَضَاءَتْ عَصَا الْآخَرِ

504 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي -[562]- شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي عِبسٍ بْنِ جَبْرٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَيْمُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي عِبس قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ أَبَا عِبسٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ فَخَرَجَ لَيْلَةً مُظْلِمَةً مَطَرِيَّةً §فَنَوَّرَتْ لَهُ عَصَاهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَ بَنِي حَارِثَةَ

505 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: ثنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: ثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ لَيْلَةٌ مَطَرِيَّةٌ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ بَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: يَا قَتَادَةُ إِذَا صَلَّيْتَ فَاثْبُتْ حَتَّى آمُرَكَ فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ أَتَاهُ فَأَعْطَاهُ عُرْجُونًا فَقَالَ: " §خُذْ هَذَا يُضَاءَ لَكَ أَمَامَكَ عَشْرًا وَخَلْفَكَ عَشْرًا فَأَضَاءَ لَهُ

506 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْرٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ ثنا مُوسَى بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا -[563]- فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَذْهِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " §فَجَاءَتْ بَرْقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا حَتَّى بَلَغَ إِلَى أُمِّهِ

507 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: تَفَرَّقْنَا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دَحْمسَةٍ §فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حَتَّى جَمَعُوا ظَهْرَهُمْ وَمَا هَلَكَ مِنْهُمْ وَإِنَّ أَصَابِعِي لَتُنِيرُ

الفصل الثامن والعشرون ما وقع من الآيات بوفاته صلى الله عليه وسلم

§الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ مَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ بِوَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

508 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ التَّعْزِيَةُ جَاءَ آتٍ يَسْمَعُونَ حِسَّهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ , وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ , وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ , فَبِاللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ وَالْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ , -[566]- وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا الْخَضِرُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ

509 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا أَبِي وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ وَيَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالُوا: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ §أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ , فِيهِ خُلِقَ آدَمُ , وَفِيهِ -[567]- قُبِضَ , وَفِيهِ النَّفْخَةُ , وَفِيهِ الصَّعْقَةُ , فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ الصَّلَاةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَوَاتُنَا وَقَدْ أَرَمْتَ يَقُولُونَ: بَلِيتَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ

510 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَهْلٍ الْخَشَّابُ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيَالِيَ الْحَرَّةِ وَمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَمَا يَأْتِي وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا §سَمِعْتُ الْأَذَانَ مِنَ الْقَبْرِ ثُمَّ أَتَقَدَّمُ فَأُقِيمُ وَأُصَلِّي وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَيَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ زُمَرًا فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى الشَّيْخِ الْمَجْنُونِ

إجابة الدعوة

§إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ

511 - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي وَخَرَجَ بِالْعَبَّاسِ مَعَهُ يَسْتَسْقِي بِهِ وَيَقُولُ: " §اللَّهُمَّ كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا تَوَسَّلْنَا بِنَبِيِّنَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ فَاسْقِنَا فَسُقُوا

512 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ وثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُقْبِلٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَسْفَاطِيُّ قَالَا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ -[568]-: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَتَهُ وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ

513 - حَدَّثَنَا عَنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي شَحْمَةَ قَالَ: ثنا دَهْثَمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ سَمِعَ رَجُلًا يَذْكُرُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْتَقِصُهُمْ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: " §لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَيْكَ فَقَامَ الرَّجُلُ مُغْضَبًا وَهُوَ يَقُولُ: يُخَوِّفُنَا بِدُعَائِهِ كَأَنَّهُ نَبِيُّ، قَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ ذَكَرَ قَوْمًا سَبَقَ لَهُمْ مِنْكَ أَرَادَ بِذِكْرِهِ إِيَّاهُمْ شَتْمًا فَأَرِهِ الْيَوْمَ آيَةً تَجْعَلُهُ بِهَا آيَةً لِلْعِبَادِ قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ مُغْضَبًا فَأَقْبَلَ فَحْلٌ هَائِجٌ يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الرَّجُلِ فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ ثُمَّ بَرَكَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَطْحَنُهُ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَكَرْكَرَتِهِ حَتَّى قَطَعَهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأَنَا رَأَيْتُ النَّاسَ يَسْعَوْنَ إِلَى سَعْدٍ يَقُولُونَ: تُهْنِيكَ الْإِجَابَةُ

514 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدوسِ بْنِ كَامِلٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ -[569]-: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: [البحر الطويل] نُقَاتِلُ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ نَصْرَهُ ... وَسَعْدٌ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ مُعْصِمُ فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ ... وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أَيِّمُ فَبَلَغَ سَعْدًا ذَلِكَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: " §اللَّهُمَّ كَفَّ لِسَانَهُ وَيَدَهُ عَنِّي بِمَا شِئْتَ فَرُمِيَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقُطِعَ لِسَانُهُ وَقُطِعَتْ يَدُهُ وَقُتِلَ

515 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ظُهْرًا فِي الْهَاجِرَةِ §إِذْ بَصُرَ بِحَيَّةٍ حَسْنَاءَ رَقْطَاءَ فَجَاءَتْ حَتَّى طَافَتْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ أَتَتِ الْمَقَامَ كَأَنَّهَا تُصَلِّي فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَتَّى قَامَ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا هَذِهِ أَوْ يَا هَذَا لَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ قَدْ قَضَيْتَ نُسُكًا وَإِنِّي لَا آمَنُ عَلَيْكَ سُفَهَاءَ بَلَدِنَا فَتَطَوَّقَتْ فَذَهَبَتْ فِي السَّمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَصْغَى سَمْعَهُ حَتَّى اسْتَنْفَذَ كَلَامِي وَكَوَّمَ كَوْمَةً مِنْ بَطْحَاءَ ثُمَّ أَسْنَدَ فِيهَا حَتَّى قَامَ عَلَى ذَنَبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فِي السَّمَاءِ فَمَا أَرَاهُ

ذكر ما يدل على حياة الشهداء

§ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةِ الشُّهَدَاءِ

516 - حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ثنا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ ثنا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صُرِخَ بِنَا إِلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَذَاكَ إِذْ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ الْعَيْنَ §وَاسْتَخْرَجْنَاهُمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَيِّنَةً أَجْسَادُهُمْ

517 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَمَرَ بِلَطَامَه أَنْ تُحْفَرَ، فَمَرَّ بِقَتْلَى أُحُدٍ §فَاسْتُخْرِجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا تَنْثَنِي أَطْرَافُهُمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً

518 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ وَأَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولَانِ: إِنَّ §الْمِسْحَاةَ أَصَابَتْ قَدَمَ حَمْزَةَ فَدَمِيَتْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً

ذكر خبر روي عن ثابت بن قيس بن شماس فيه أخبار عن غيب آية ودلالة

§ذِكْرُ خَبَرٍ رُوِيَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فِيهِ أَخْبَارٌ عَنْ غَيْبِ آيَةٍ وَدِلَالَةٍ

519 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: ثنا أَبُو كَعْبٍ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ثنا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ -[571]-: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَحْبَبْتُ أَنْ يُحَدِّثَنِي أَحَدٌ بِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ {فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثَ ثَابِتَ بْنِ قَيْسِ بْنِ شُمَاسٍ، فَقَالَ: قُمْ مَعِي، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دُفِعْتُ إِلَى دَارٍ فَأَدْخَلَنِي عَلَى امْرَأَةٍ} فَقَالَ: هَذِهِ بِنْتُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَسَلْهَا فَقُلْتُ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ حَدِّثِينِي بِحَدِيثِ أَبِيكِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ قَالَتْ: نَعَمْ §لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ وَشَهِدَ ثَابِتٌ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالْتَقَتِ الْمُسْلِمُونَ وَبَنُو حَنِيفَةَ فَاقْتَتَلُوا فَانْكَشَفَ الْقَوْمُ فَقَالَ ثَابِتٌ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُفْرَةً وَحَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَانْكَشَفُوا وَثَبَتَ ثَابِتٌ وَسَالِمٌ فَقَاتَلَا فَقُتِلَا وَعَلَى ثَابِتٍ يَوْمَئِذٍ دِرْعٌ لَهُ نَفِيسَةٌ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَرَأَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فِي مَنَامِهِ فقَالَ: إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِنِّي لَمَّا قُتِلْتُ أَمْسِ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَانْتَزَعَ دِرْعِي وَمَنْزِلُهُ فِي أَقْصَى الْعَسْكَرِ وَعِنْدَ خِبَائِهِ فَرَسٌ يَسْتَنُّ فِي طُولِهِ وَقَدْ كَفَأَ عَلَى الدِّرْعِ بُرْمَةً وَجَعَلَ فَوْقَ الْبُرْمَةِ رَحْلًا فَأْتِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمُرْهُ فَليَبْعَثَ إِلَى دِرْعِي فَلْيَأْخُذْهَا فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا وَلِي مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا وَفُلَانٌ مِنْ رَقِيقِي -[572]- عَتِيقٌ وَفُلَانٌ فَأَتَى الرَّجُلُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ فَوَجَدَ الدِّرْعَ كَمَا ذَكَرَ وَوَصَفَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ فَأَنْفَذَ وَصِيَّتَهُ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ

520 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ ثنا يُوسُفُ الْقَاضِي ثنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: يَنْهَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْحَمْدِ مَا لَمْ يُفْعَلْ , وَأَنَا رَجُلٌ أُحِبُّ الْحَمْدَ , وَيَنْهَانَا عَنِ الْخُيَلَاءِ وَأَنَا أُحِبُّ الْخُيَلَاءَ وَيَنْهَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ , وَأَنَا رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ثَابِتُ §أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتَمُوتَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ

الفصل التاسع والعشرون ما جرى على يدي أصحابه بعده كعبور العلاء بن الحضرمي وجيش سعد على البحر وما جرى على يدي خالد في أيام أبي بكر ونوحة الجن وغيره

§الْفَصْلُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مَا جَرَى عَلَى يَدَيْ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ كَعُبُورِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَجَيْشِ سَعْدٍ عَلَى الْبَحْرِ وَمَا جَرَى عَلَى يَدَيْ خَالِدٍ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَنَوْحَةِ الْجِنِّ وَغَيْرِهِ

521 - حَدَّثَنَا أَبِي وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَانٍ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيُّ ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ -[574]-، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ضُرَيْبِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ تَبِعْتُهُ فَرَأَيْتُ مِنْهُ خِصَالًا ثَلَاثَةَ لَا أَدْرِي بِأَيِّتِهِنَّ أَعْجَبُ: انْتَهَيْنَا إِلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ وَاقْتَحِمُوا، فَسَمَّيْنَا وَاقْتَحَمْنَا فَعَبَرْنَا وَمَا بَلَّ الْمَاءُ أَسْفَلَ خُفَافِ إِبِلِنَا فَلَمَّا قَفَلْنَا سِرْنَا مَعَهُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا فَإِذَا سَحَابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ ثُمَّ أَرْخَتْ عَزَالِيَهَا فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا وَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ فِي الرَّمَلِ فَلَمَّا سِرْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ قُلْنَا: يَجِيءُ سَبْعٌ فَيَأْكُلُهُ فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَلَمْ نَرَهُ يَعْنِي فِي الْقَبْرِ

عبور سعد بن أبي وقاص بعسكره دجلة على متن الماء يوم جراثيم في صفر سنة ست عشرة

§عُبُورُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِعَسْكَرِهِ دِجْلَةَ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ يَوْمَ جَرَاثِيمَ فِي صَفَرَ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ

522 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَيَّوَيْهِ وَكِيلُ دَعْلَجٍ مِنْ كِتَابِهِ فِيمَا أَرَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَارِئُ قَالَ: ثِنَا أَبُو عُبَيْدَةَ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى السَّرِيُّ ثنا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَابِ وَعَمْرٍو وَسَعِيدٍ وَالنَّضْرِ عَنِ ابْنِ الرُّفَيْلِ لَمَّا نَزَلَ سَعْدٌ نِهَرْشِيرَ وَهِيَ الْمَدِينَةُ الدُّنْيَا طَلَبَ السُّفُنَ لِيَعْبُرَ بِالنَّاسِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْقُصْوَى فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ وَوَجَدَهُمْ قَدْ ضَمُّوا السُّفُنَ فَأَقَامُوا بِنَهرشِيرَ أَيَّامًا مِنْ صَفَرَ يُرِيدُونَهُ عَلَى الْعُبُورِ فَيَمْنَعُهُ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَتَاهُ أَعْلَاجٌ فَدَلُّوهُ عَلَى مَخَاضَةٍ تُخَاضُ إِلَى -[575]- صُلْبِ الْوَادِي فَأَبَى وَتَرَدَّدَ عَنْ ذَلِكَ وَفَجَأَهُمُ الْمَدُّ فَرَأَى رُؤْيَا أَنَّ خيولَ الْمُسْلِمِينَ اقْتَحَمَتْهَا فَعَبَرَتْ وَقَدْ أَقْبَلَتْ مِنَ الْمَدِّ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَعَزَمَ لِتَأْوِيلِ رُؤْيَاهُ عَلَى الْعُبُورِ فَجَمَعَ سَعْدٌ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ §عَدُوَّكُمْ قَدِ اعْتَصَمَ مِنْكُمْ بِهَذَا الْبَحْرِ , فَلَا تَخْلُصُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَخْلُصُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا شَاءُوا فَيُنَاوِشُونَكُمْ فِي سُفُنِهِمْ وَلَيْسَ وَرَاءَكُمْ شَيْءٌ تَخَافُونَ أَنْ تُؤْتَوْا مِنْهُ وَإِنِّي قَدْ عَزَمْتُ عَلَى قَطْعِ هَذَا الْبَحْرِ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا جَمِيعًا: عَزَمَ اللَّهُ لَنَا وَلَكَ عَلَى الرُّشْدِ فَافْعَلْ فَنَدَبَ سَعْدٌ النَّاسَ إِلَى الْعُبُورِ فَقَالَ: مَنْ يَبْدَأُ وَيَحْمِي لَنَا الْفُرَاضَ حَتَّى يَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ لِكَيْلَا يَمْنَعُوهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ فَانْتَدَبَ لَهُ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ وَانْتَدَبَ بَعْدَهُ سِتُّمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّجْدَاتِ , وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَاصِمًا فَسَارَ عَاصِمٌ فِيهِمْ حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَنْتَدِبُ مَعِي نَمْنَعُ الْفَرَاضَ مِنْ عَدُوِّكُمْ؟ فَانْتَدَبَ لَهُ سِتُّونَ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُمْ نِصْفَيْنِ عَلَى خُيُولٍ إِنَاثٍ وَذُكُورٍ لِيَكُونَ أَسَلسَ لِعَوْمِ الْخَيْلِ ثُمَّ اقْتَحَمُوا، فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ عَاصِمًا عَلَى الْفَرَاضِ قَدْ مَنَعَهَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فِي الِاقْتِحَامِ وَقَالَ: قُولُوا: نَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ , وَتَلَاحَقَ عَظْمُ الْجُنْدِ فَرَكِبُوا اللُّجَّةَ , وَإِنَّ دِجْلَةَ لَتَرْمِيَ بِالزَّبَدِ وَإِنَّهَا لَمُسْوَدَّةٌ , وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتَحَدَّثُونَ فِي عَوْمِهِمْ وَقَدِ اقْتَرَنُوا كَمَا يَتَحَدَّثُونَ فِي مسَيْرِهِمْ عَلَى الْأَرْضِ فَفَجَئُوا أَهْلَ فَارِسَ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ فَأَجْهَضُوهُمْ وَأَعْجَلُوهُمْ عَلَى حَمْلِ أَمْوَالِهِمْ , وَدَخَلَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ مَا بَقِيَ فِي بُيُوتِ كِسْرَى مِنَ الثَّلَاثَةِ آلَافِ أَلْفِ أَلْفٍ وَمَا جَمَعَ شِيرَوَيْهِ وَمَنْ بَعْدَهُ

وَحَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ فِي قِيَامِ سَعْدٍ فِي النَّاسِ فِي دُعَائِهِمْ إِلَى الْعُبُورِ قَالَ: " §طَبَّقْنَا دِجْلَةَ خَيْلًا وَرَجِلًا وَدَوَابَّ حَتَّى مَا يَرَى الْمَاءَ مِنَ الشَّاطِئِ أَحَدٌ , فَخَرَجَتْ بِنَا خَيْلُنَا إِلَيْهِمْ تَنَفَّضَ أَعْرَافُهَا لَهَا صَهِيلٌ , فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ انْطَلِقُوا لَا يُلَوُّونُ عَلَى شَيْءٍ

قَالَ شُعَيْبٌ: وثنا سَيْفٌ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الَّذِي يُسَايِرُ سَعْدًا فِي الْمَاءِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَعَامَتْ بِهِمُ الْخَيْلُ وَسَعْدٌ يَقُولُ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , وَاللَّهِ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ وَلَيُظْهِرَنَّ دِينَهُ وَلَيَهْزِمَنَّ اللَّهُ عَدُوَّهُ , إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَيْشِ بَغْيٌ أَوْ ذنُوبٌ تَغْلِبُ الْحَسَنَاتِ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ §الْإِسْلَامَ جَدِيدٌ، ذُلِّلَتْ وَاللَّهِ لَهُمُ الْبِحَارُ كَمَا ذَلِّلَ لَهُمُ الْبَرُّ. أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ لَيَخْرُجُنَّ مِنْهُ أَفْوَاجًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ، فَطَبَّقُوا الْمَاءَ حَتَّى مَا يُرَى الْمَاءُ مِنَ الشَّاطِئِ وَهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ حَدِيثًا مِنْهُمْ فِي الْبَرِّ لَوْ كَانُوا فِيهِ فَخَرَجُوا مِنْهُ كَمَا قَالَ سَلْمَانُ لَمْ يَفْقِدُوا شَيْئًا وَلَمْ يَغْرَقْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَقَالَ سَيْفٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَثَّابٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ بَارِقٍ يُدْعَى عَرْقَدَةُ زَالَ عَنْ ظَهْرِ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ , كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا تَنْفُضُ أَعْرَافَهَا عَرَقًا وَالْغَرِيقُ طَافَ فَثَنَى الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو عَنَانَ فَرَسِهِ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَجَرَّهُ حَتَّى عَبَرَ قَالَ

: وَمَا ذَهَبَ لَهُمْ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ إِلَّا قَدَحٌ كَانَتْ عَلَاقَتُهُ رَثَّةٌ فَانْقَطَعَتْ فَذَهَبَ بِهِ الْمَاءُ فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي يُعَاوِمُ صَاحِبَ الْقَدَحِ مُعَيِّرًا لَهُ أَصَابَهُ الْقَدَرُ فَطَاحَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي عَلَى جَدِيلَةٍ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَسْلُبَنِي قَدَحِي مِنْ بَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا عَبَرُوا إِذَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَحْمِي الْفَرَاضَ إِذَا بِالْقَدَحِ قَدْ ضَرَبَتْهُ الرِّيَاحُ وَالْأَمْوَاجُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الشَّاطِيءِ فَتَنَاوَلَهُ بِرُمْحِهِ فَجَاءَ بِهِ إلَى الْعَسْكَرُ فَعَرَفَهُ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ، قَالَ سَيْفٌ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُمَيْرٍ الصَّائِدِيِّ قَالَ: لَمَّا اقْتَحَمَ سَعْدٌ بِالنَّاسِ فِي دِجْلَةَ اقْتَرَنُوا فَكَانَ سَلْمَانُ قَرِينَ سَعْدٍ إِلَى جَانِبِهِ يُسَايِرُهُ فِي الْمَاءِ وَقَالَ سَعْدٌ: ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ , وَالْمَاءُ يَطْمُو بِهِمْ وَمَا يَزَالُ فَرَسٌ يَسْتَوِي قَائِمًا إِذَا أَعْيَى تَنْشُرُ لَهُ تَلْعَةٌ فَيَسْتَرِيحُ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدَائِنِ أَمْرٌ أَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ يُدْعَى يَوْمَ الْجَرَاثِيمِ لَا يَعْيى أَحَدٌ إِلَّا نُشِرَتْ لَهُ جُرْثُومَةٌ يَسْتَرِيحُ عَلَيْهَا قَالَ سَيْفٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: خُضْنَا دِجْلَةَ وَهِيَ تَطْفَحُ فَلَمَّا كُنَّا فِي أَكْثَرِهَا مَاءٌ لَمْ يَزَلِ الْفَارِسُ وَاقِفًا مَا يَبْلُغُ الْمَاءُ حِزَامَهُ

قَالَ: وثنا سَيْفٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَهْبَانَ أَبِي مَالِكٍ قَالَ -[578]-: §لَمَّا عَبَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْمَدَائِنِ دِجْلَةَ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ يَعْبُرُونَ جَعَلُوا يَقُولُونَ بِالْفَارِسِيَّةِ: ديوانه أمد، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا تُقَاتِلُونَ الْإِنْسَ وَمَا تُقَاتِلُونَ الْجِنَّ، فَانْهَزَمُوا

ما ظهر على يد عمر ونياحة الجن عليه

§مَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ عُمَرَ وَنِيَاحَةِ الْجِنِّ عَلَيهُ

523 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ مَعْرُوفٍ الْمَوْصِلِيِّ قَالَ: " §لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ صَوْتًا: [البحر الطويل] لِيَبْكِ عَلَى الْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ بَاكِيًا ... فَقَدْ أَوْشَكُوا هَلْكَى وَمَا قَدِمَ الْعَهْدُ وَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا وَأَدْبَرَ خَيْرُهَا ... وَقَدْ مَلَّهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالْوَعْدِ

524 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ ثنا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الصَّقْرَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " §بَكَتِ الْجِنُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ: [البحر الطويل] أَبَعْدَ قَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَصْبَحَتْ ... بِهِ الْأَرْضُ تَهْتَزُّ الْعِضَاهُ بِأَسْوُقِ جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بِالْأَمْسِ يُسْبَقِ قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا ... بَوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ فَلَقَّاكَ رَبِّي فِي الْجِنَانِ تَحِيَّةً ... وَمِنْ كِسْوَةِ الْفِرْدَوْسِ مَا لَمْ يُمَزَّقِ

525 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ خُوطٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّرَاجِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: سَارِيَةُ. فَبَيْنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ §يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ فَوَجَدُوا سَارِيَةَ قَدِ انْحَازَ إِلَى الْجَبَلِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ

526 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ: ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ أنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَقْبَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ: " §يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ فَاسْتَنَدْنَا بِأَظْهُرِنَا إِلَى الْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ فَقِيلَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ

527 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ قَالَ: أنا أَسَدُ بْنُ -[580]- مُوسَى قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: ثنا نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ سَارِيَةَ بْنَ زَنِيمٍ. قَالَ: " §فَبَيْنَا عُمَرُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ صَرَخَ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَقُولُ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زَنِيمٍ الْجَبَلَ الْجَبَلَ قَدْ ظَلَمَ مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ الْغَنَمَ. قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: كَأَنَّكَ أَعْرَابِيُّ بَيْنَا أَنْتَ تَخْطُبُ إِذْ صَرَخْتَ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ الْجَبَلَ الْجَبَل َ قَدْ ظَلَمَ مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ الْغَنَمَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ وَقَعَ فِي رَوْعِي أَلْجَأَهُ الْعَدُوُّ إِلَى الْجَبَلِ قَالَ: فَلَعَلَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يُبَلِّغُهُ صَوْتِي قَالَ: فَجَاءَ سَارِيَةُ بْنُ زَنِيمٍ مِنَ الْجَبَلِ فَقَالَ: سَمِعْتُ صَوْتًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ نِصْفَ النَّهَارِ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ، الْجَبَلَ الْجَبَلَ، ظَلَمَ مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ الْغَنَمَ

528 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: " §بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فَقَالَ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى خُطْبَتِهِ فَقَالَ أُولَئِكَ النُّظَرَاءُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ جُنَّ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ هُوَ فِي خُطْبَتِهِ إِذْ قَالَ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشَدُّ مَا ألوَمَهُمْ عَلَيْكَ أَنَّكَ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِكَ لَهُمْ مَقَالًا بَيْنَا أَنْتَ تَخْطُبُ إِذْ أَنْتَ تَصِيحُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي -[581]- وَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ ذَلِكَ رَأَيْتُهُمْ يُقَاتِلُونَ عِنْدَ جَبَلٍ يُؤْتَوْنَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ قُلْتُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ لِيَلْحَقُوا بِالْجَبَلِ. فَلَبِثُوا إِلَى أَنْ جَاءَ الرَّسُولُ بِكِتَابِهِ أَنَّ الْقَوْمَ لَحِقُونَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَتَلْنَاهُمْ مِنْ حِينِ صَلَّيْنَا الصُّبْحَ إِلَى حِينِ حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ وَدَارَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا سَارِيَةُ الْجَبَل َ مَرَّتَيْنِ فَلَحِقْنَا بِالْجَبَلِ فَلَمْ نَزَلْ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّنَا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ وَقَتَلَهُمْ فَقَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَيْهِ: دَعُوا هَذَا الرَّجُلَ؛ فَإِنَّهُ مَصْنُوعٌ لَهُ

ما ظهر على يد عثمان رضي الله عنه

§مَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْبَابْسِيرِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ثنا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ ثنا الْوَلِيدُ قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جَهْجَاهَ الْغِفَارِيَّ قَامَ إِلَى عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَأَخَذَ الْعَصَا مِنْ يَدِهِ وَضَرَبَ بِهَا رُكْبَتَهُ وَشَقَّ رُكْبَةَ عُثْمَانَ وَانْكَسَرَتِ الْعَصَا فَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى جَهْجَاهَ حَتَّى §أَرْسَلَ اللَّهُ فِي يَدِهِ الْآكِلَةَ فَمَاتَ مِنْهَا

ما ظهر على يد علي بن أبي طالب عليه السلام

§مَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ

530 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلْمٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنٍ ثنا حُسَيْنٌ الْعَرَبِيُّ عَنِ ابْنِ سَلَّامٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ -[582]-: " §أَتَيْنَا مَعَهُ مَوْضِعَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: هَا هُنَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَمَوْضِعُ رِحَالِهِمْ وَهَا هُنَا مُهْرَاقُ دِمَائِهِمْ فِتْيَةٌ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُونَ بِهَذِهِ الْعَرْصَةِ تَبْكِي عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ

531 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْبَابْسِيرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يزَيْدٍ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَرَضَ لِعَلِيٍّ رَجُلَانِ فِي حُكُومَةٍ فَجَلَسَ فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْجِدَارُ يَقَعُ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: امْضِ §كَفَى بِاللَّهِ حَارِسًا فَقَضَى بَيْنَهُمَا وَقَامَ ثُمَّ سَقَطَ الْجِدَارُ

532 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَبْرٍ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَكَمِ ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَسَارٍ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا بِحَدِيثٍ §فَكَذَّبَهُ {رجل، فقال له علي: أدعو الله عليك إن كنت كاذباً، قال: أدعو، فدعا عليه} فَمَا قَامَ حَتَّى أُعْمِيَ

وما ظهر على يد تميم الداري

§وَمَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ

533 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ ثنا أَبِي ثنا ضَمْرَةُ، عَنْ مَرْزُوقٍ §أَنَّ نَارًا خَرَجَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَدْفَعُهَا بِرِدَائِهِ حَتَّى دَخَلَتْ غَارًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لِمِثْلِ هَذَا كُنَّا نُحِبُّكَ يَا أَبَا رُقَيَّةَ

534 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثنا جَعْفَرٌ الصَّائِغُ ثنا عَفَّانُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْمَلٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَذَهَبَ بِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ إِلَى طَعَامِهِ فَأَكَلْتُ أَكْلًا شَدِيدًا وَمَا شَبِعْتُ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ , فَقَدْ كُنْتُ أَقَمْتُ فِي الْمَسْجِدِ ثَلَاثًا لَا أَطْعَمُ شَيْئًا فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ §خَرَجَتْ نَارٌ بِالْحَرَّةِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تَمِيمٍ فَقَالَ: قُمْ إِلَى هَذِهِ النَّارِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ قَالَ: وَتَبِعْتُهُمَا فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ قَالَ: فَجَعَلَ يَحُوشُهَا بِيَدِهِ هَكَذَا حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ وَدَخَلَ تَمِيمٌ خَلْفَهَا وَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ

قصة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

§قِصَّةُ سَفِينَةِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

535 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَزَائِمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَرْزَةَ قَالَ: ثنا -[584]- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: " §رَكِبْتُ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَانْكَسَرَتْ لَوْحٌ مِنْهَا فَطَرَحَتْنِي فِي مُلْتَجَّةٍ فِيهَا الْأَسَدُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ أَنَا سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَدْفَعُنِي بِجَنْبِهِ أَوْ بِكَتِفِهِ حَتَّى وَضَعَنِي عَلَى الطَّرِيقِ فَلَمَّا وَضَعَنِي عَلَى الطَّرِيقِ هَمْهَمَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي

قصة ربيع أخي ربعي بن حراش

§قِصَّةُ رَبِيعٍ أَخِي رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ

536 - حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْبَجَلِيُّ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ النَّخَعِيُّ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَبِيدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَةَ أُخْوَةٍ وَكَانَ رَبِيعٌ أَخُونَا أَكْثَرَنَا صَلَاةً وَأَكْثَرَنَا صِيَامًا فِي الْهَوَاجِرِ وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَهُ وَقَدْ بَعَثْنَا مَنْ يَبْتَاعُ لَهُ كَفَنًا إِذْ -[585]- كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَخَاهُ عَيْشًا بَعْدَ الْمَوْتِ؟ يَعْنِي حَيَاةً قَالَ: نَعَمْ إِنِّي لَقِيتُ رَبِّي بَعْدَكُمْ فَلَقِيتُ رَبًّا غَيْرَ غَضْبَانَ وَاسْتَقْبَلَنِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَإِسْتَبْرَقٍ أَلَا وَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فَعَجِّلُوا بِي وَلَا تُؤَخِّرُونِي ثُمَّ كَانَ بِمَنْزِلَةِ حَصَاةٍ رُمِيَ بِهَا فِي الطَّسْتِ فَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §يَتَكَلَّمُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ جَعْفَرٍ ثُمَّ سمَعْنَاهُ مِنْ جَعْفَرٍ رَوَاهُ شَرِيكٌ وَالْمَسْعُودِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَرَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ

الفصل الثلاثون في ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام

§الْفَصْلُ الثَّلَاثُونَ فِي ذِكْرِ مُوَازَاةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَضَائِلِهِمْ بِفَضَائِلِ نَبِيِّنَا وَمُقَابَلَةِ مَا أُوتُوا مِنَ الْآيَاتِ بِمَا أُوتِيَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

القول فيما أوتي إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فإن قيل: فإن إبراهيم خص بالخلة قلنا: قد اتخذ محمد خليلا وحبيبا , والحبيب ألطف من الخليل , فإن قيل: فإن إبراهيم حجب عن نمروذ بحجب ثلاثة قلنا: قد كان كذلك وحجب محمد صلى الله عليه وسلم عمن أراد قتله

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خُصَّ بِالْخُلَّةِ قُلْنَا: قَدِ اتُّخِذَ مُحَمَّدٌ خَلِيلًا وَحَبِيبًا , وَالْحَبِيبُ أَلْطَفُ مِنَ الْخَلِيلِ , فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حُجِبَ عَنْ نُمْرُوذَ بِحُجُبٍ ثَلَاثَةٍ قُلْنَا: قَدْ كَانَ كَذَلِكَ وَحُجِبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ بِخَمْسَةِ حُجُبٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] هَذِهِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس: 8] فَهَذِهِ خَمْسَةُ حُجُبٍ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَصَمَ نُمْرُوذَ بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ فَبَهَتَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة

: 258] . فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ الْمُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ بِعَظْمٍ بَالٍ يَفْرُكُهُ وَقَالَ: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْبُرْهَانَ السَّاطِعَ فَقَالَ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] الْآيَةَ فَانْصَرَفَ مَبْهُوتًا بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَسَرَ أَصْنَامَ قَوْمِهِ غَضَبًا لِلَّهِ قِيلَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَرَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا نُصِبَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ بِإِشَارَتِهِ بِالْيَمِينِ فَتَسَاقَطْنَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ

القول فيما أوتي موسى عليه السلام من العصا الخشب الموات التي جعلها الله حية ثعبانا تتلقف ما يأفك سحرة فرعون ثم تعود إلى معناها وخاصتها , فإن قيل: فإن موسى عليه السلام جعل الله عصاه ثعبانا قلنا: فقد أوتي محمد صلى الله عليه وسلم نظيرها وأعجب منها خوار

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْعَصَا الْخَشَبِ الْمَوَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ حَيَّةً ثُعْبَانًا تَتَلَقَّفُ مَا يَأْفِكُ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مَعْنَاهَا وَخَاصَّتِهَا , فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ اللَّهُ عَصَاهُ ثُعْبَانًا قُلْنَا: فَقَدْ أُوتِيَ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظِيرَهَا وَأَعْجَبُ مِنْهَا خُوَارُ الْجِذْعِ الْيَابِسِ وَحَنِينُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ , هَذَا أَبْلَغُ فِي الْأُعْجُوبَةِ وَأَيْضًا إِجَابَةُ الْأَشْجَارِ وَاجْتِمَاعُهُنَّ لِدَعْوَتِهِ بِمَا دَعَاهُنَّ وَرُجُوعُهُنَّ إِلَى أَمْكِنَتِهِنَّ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُنَّ وَهَذَا مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِطُرُقِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ مُوسَى كَانَ فِي التِّيهِ يَضْرِبُ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا

قُلْنَا: كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَأَعْجَبَ مِنْهُ فَإِنَّ نَبْعَ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ مَعْهُودٌ فِي الْمَعْلُومِ وَالْمُتَعَارَفِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ نَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَالدَّمِ وَكَانَ يُفَجِّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فِي مِخْضَبٍ فَيَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الْمَاءُ فَيَشْرَبُونَ وَيَسْتَقُونَ مَاءً جَارِيًا عَذْبًا , رَوَى الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ , وَهَذَا الْبَابُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِطُرُقِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَبْعِ الْمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مُوسَى انْفَلَقَ لَهُ الْبَحْرُ فَجَازَهُ بِأَصْحَابِهِ لَمَّا ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ. قُلْنَا: قَدْ أُوتِيَ نَظِيرَهُ بَعْضُ أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْوَجْ إِلَى اجْتِيَازِ بَحْرٍ وَهُوَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا كَانَ بِالْبَحْرَيْنِ وَاضْطُرَّ إِلَى عُبُورِ الْبَحْرِ فَعَبَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَشْيًا عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يُبَلَّ لَهُمْ ثَوْبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مُوسَى أَتَى قَوْمَهُ بِالْعَذَابِ: الْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ عَلَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. قُلْنَا: قَدْ أَرْسَلَ عَلَى قُرَيْشٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّخَانَ آيَةً بَيِّنَةً وَنِقْمَةً بَالِغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] وَدَعَا عَلَى قُرَيْشٍ فَابْتُلُوا بِالسِّنِينَ

فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيْنِ يُوسُفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مُوسَى نَزَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَظُلِّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامُ وَإِنَّ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى رِزْقٌ رَزَقَهُمُ اللَّهُ كُفُوا السَّعْيَ فِيهِ وَالِاكْتِسَابَ. قُلْنَا: أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مِمَّا كَانَ مَحْظُورًا عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ فَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْغَنَائِمَ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَعْطَى مِنْ جِنْسِهِ أَصْحَابَهُ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الْمَجَاعَةُ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي بُعِثُوا فِيهَا فَقَذَفَ لَهُمُ الْبَحْرُ عَنْ دَابَّةٍ حُوتٍ فَأَكَلُوا مِنْهُ , وَائْتَدَمُوا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُشْبِعُ النَّفَرَ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ وَاللَّبَنِ الْقَلِيلِ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ شِبَاعًا وَرِوَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْبَابُ بِطُرُقِهِ

537 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا يَوْمَئِذٍ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ قَالَ: " §فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ وَنَحْنُ بِالسَّاحِلِ -[591]- دَابَّةً تُسَمَّى الْعَنْبَرَ وَأَكَلْنَا شَهْرًا وَائْتَدَمْنَا بِهِ وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَنَظَرَ أَطْوَلَ رَجُلٍ وَأَعْظَمَ جَمَلٍ فِي الْجَيْشِ فَأَمَرَ أَنْ يَرْكَبَ الْجَمَلَ وَأَنْ يَمُرَّ تَحْتَهُ؟ فَفَعَلَ فَمَرَّ تَحْتَهُ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ فَآتَيْنَاهُ مِنْهُ فَأَكَلَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُعْطِي مُوسَى الْعَصَا فَكَانَ ثُعْبَانًا يَتَلَقَّفُ مَا صَنَعَتِ السَّحَرَةُ وَاسْتَغَاثَ فِرْعَوْنُ بِمُوسَى رَهْبَةً وَفَرَقًا مِنْهَا. قُلْنَا: قَدْ كَان لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتُ هَذِهِ الْآيَةِ بِعَيْنِهَا وَهِيَ قِصَّةُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ لَمَّا عَاهَدَ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ بِحَجَرٍ قَدْرَ مَا أُطِيقُ فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ رَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ وَذَكَرَهُ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ أَقْبَلَ مَبْهُوتًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ حَتَّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ وَقَامَتْ إِلَيْهِ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ وَقَالُوا: مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: قُمْتُ إِلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمُ الْبَارِحَةَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنَ الْإِبِلِ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ فَهَمَّ أَنْ يَأْكُلَنِي فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ دَنَا مِنِّي لَأَخَذَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ

القول فيما أوتي صالح عليه السلام فإن قيل: قد أخرج الله عز وجل لصالح ناقة جعلها له على قومه حجة وآية لها شرب يوم ولقومه شرب يوم معلوم. قلنا: قد أعطى الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم على قومه حجة مثل ذلك كانت ناقة صالح لم تتكلم ولا ناطقته ولم تشهد

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِصَالِحٍ نَاقَةً جَعَلَهَا لَهُ عَلَى قَوْمِهِ حُجَّةً وَآيَةً لَهَا شِرْبُ يَوْمٍ وَلِقَوْمِهِ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. قُلْنَا: قَدْ أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِهِ حُجَّةً مِثْلَ ذَلِكَ كَانَتْ نَاقَةُ صَالِحٍ لَمْ تَتَكَلَّمْ وَلَا نَاطَقَتْهُ وَلَمْ تَشْهَدْ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ لَهُ الْبَعِيرُ النَّادِّ شَاكِيًا إِلَيْهِ مَا هَمَّ بِهِ صَاحِبُهُ مِنْ نَحْرِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْبَابُ بِطُرُقِهِ

القول فيما أوتي داود عليه السلام فإن قيل: فسخر الله عز وجل لداود الجبال والطيور يسبحن معه وألان له الحديد. قلنا: قد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم مثله من جنسه وزيادة فقد سبح الحصا في يده وفي يد من صدقه رفعة لشأنه وشأن مصدقيه

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ: فَسَخَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ الْجِبَالَ وَالطُّيُورَ يُسَبِّحْنَ مَعَهُ وَأَلَانَ لَهُ الْحَدِيدَ. قُلْنَا: قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَزِيَادَةً فَقَدْ سَبَّحَ الْحَصَا فِي يَدِهِ وَفِي يَدِ مَنْ صَدَّقَهُ رِفْعَةً لِشَأْنِهِ وَشَأْنِ مُصَدِّقِيهِ

538 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: ثنا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَبُو ذَرٍّ جَالِسٌ فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ -[593]- فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَلْوَاتِهِ فَدَخَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ فِيهِ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَجَلَسَ عَنْ شِمَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا عُثْمَانُ؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ §فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ حَنِينَهُنَّ كَحَنِينِ النَّحْلِ ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَدَفَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ حَنِينَهُنَّ كَحَنِينِ النَّحْلِ قَالَ: ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَدَفَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ حَنِينَهُنَّ كَحَنِينِ النَّحْلِ قَالَ: ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرَسْنَ وَرَوَاهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِثْلَهُ وَزَادُوا: إِنَّهُنَّ سَبَّحْنَ فِي يَدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ قِيلَ: سُخِّرَتْ لَهُ الطَّيْرُ قُلْنَا: فَقَدْ سُخِّرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الطَّيْرِ الْبَهَائِمُ الْعَظِيمَةُ؛ الْإِبِلُ فَمَا دُونَهَا وَمَا هُوَ أَعْسَرُ وَأَصْعَبُ مِنَ الطَّيْرِ السِّبَاعُ الْعَادِيَةُ الضَّارِيَةُ بِتَهَيُّبِهَا وَتَنْقَادُ إِلَى طَاعَتِهِ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ الَّذِي انْقَادَ لَهُ , وَالذِّئْبِ الَّذِي نَطَقَ بِنُبُوَّتِهِ وَبِالتَّصْدِيقِ بِدَعْوَتِهِ وَرِسَالَتِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَكَذَلِكَ الْأَسَدُ لَمَّا مَرَّ -[594]- بِهِ سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَمْهَمَ بِهِ وَدَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ

539 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَيْضَ حُمْرَةٍ فَجَاءَتِ الْحُمْرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَهَا فَقَالَ: رُدَّهُ؛ رَحْمَةً لَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الطَّائِرِ الَّذِي أَخَذَ خُفَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْقَاهُ فَخَرَجَ مِنْهُ أَسْوَدُ سَابِغٌ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ لَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِدَاوُدَ الْحَدِيدَ حَتَّى سَرَدَ مِنْهُ الدُّرُوعَ السَّوَابِغَ. قُلْنَا: قَدْ لُيِّنَتْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَارَةُ وَصُمُّ الصُّخُورِ فَعَادَتْ لَهُ غَارًا اسْتَتَرَ بِهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْجَبَلِ لِيُخْفِيَ شَخْصَهُ عَنْهُمْ فَلَيَّنَ اللَّهُ لَهُ الْجَبَلَ حَتَّى أَدْخَلَ فِيهِ رَأْسَهُ وَهَذَا أَعْجَبُ لِأَنَّ -[595]- الْحَدِيدَ تُلَيِّنُهُ النَّارُ وَلَمْ نَرَ النَّارَ تُلَيِّنُ الْحَجَرَ , وَذَلِكَ بَعْدُ ظَاهِرٌ بَاقٍ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ حَجَرٌ مِنْ جَبَلٍ أَصَمَّ اسْتَرْوَحَ فِي صَلَاتِهِ إِلَيْهِ فَلَانَ لَهُ الْحَجَرُ حَتَّى أَثَّرَ فِيهِ بِذِرَاعَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ يَقْصِدُهُ الْحُجَّاجُ وَيَزُورُونَهُ وَعَادَتِ الصَّخْرَةُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ كَهَيْئَةِ الْعَجِينِ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ الْبُرَاقَ يَلْمِسُهُ النَّاسُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا بَاقٍ

القول فيما أوتي سليمان عليه السلام فإن قيل: فإن سليمان قد أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده. قلنا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطي مفاتيح خزائن الأرض فأباها وردها اختيارا للتقلل والرضا بالقوت واستصغارا لها بحذافيرها وإيثارا لمرتبته ورفعته عند الله تعالى

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ أُعْطِيَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. قُلْنَا: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَأَبَاهَا وَرَدَّهَا اخْتِيَارًا لِلتَّقَلُّلِ وَالرِّضَا بِالْقُوتِ وَاسْتِصْغَارًا لَهَا بِحَذَافِيرِهَا وَإِيثَارًا لِمَرْتَبَتِهِ وَرِفْعَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى

540 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ؛ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ §أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ ثَلَاثًا وَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ

541 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثنا أَبُو يَعْلَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَقْبُرِيَّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ -[596]- جَاءَنِي مَلَكٌ إِنْ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِنْ شِئْتَ عَبْدًا نَبِيًّا §وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا فَنَظَرْتُ إِلَى جَبْرَئِيلَ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ فَقُلْتُ: نَبِيًّا عَبْدًا فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ سُلَيْمَانَ سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيَاحُ فَسَارَتْ بِهِ فِي بِلَادِ اللَّهِ , وَكَانَ غُدُوُّهَا شَهْرًا وَرَوَاحُهَا شَهْرًا. قُلْنَا: أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَارَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَعُرِجَ بِهِ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ لَيْلَةٍ فَدَخَلَ السَّمَاوَاتِ سَمَاءً سَمَاءً , وَرَأَى عَجَائِبَهَا , وَوَقَفَ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ أَعْمَالُ أُمَّتِهِ وَصَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ وَبِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ , وَخَرَقَ الْحُجُبَ وَدُلِّيَ لَهُ الرَّفْرَفَ الْأَخْضَرَ فَتَدَلَّى , وَأَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا أَوْحَى , وَأَعْطَاهُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ , وَعَهِدَ إِلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا حَتَّى لَا يَبْقَى فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا إِلَّا دِينُهُ أَوْ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِ دِينِهِ الْجِزْيَةَ عَنْ صَغَارٍ , وَفَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ , وَلَقِيَ مُوسَى وَسَأَلَهُ عَنْ مُرَاجَعَتِهِ رَبَّهُ فِي تَخْفِيفِهِ عَنْ أُمَّتِهِ , هَذَا كُلُّهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَتْ تَأْتِيهِ الْجِنُّ وَإِنَّهَا كَانَتْ تَعْتَاصُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصْفِدَهَا وَيُقَيِّدَهَا. قِيلَ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتِ الْجِنُّ تَأْتِيهُ رَاغِبَةً إِلَيْهِ طَائِعَةً لَهُ مُعَظِّمَةً لِشَأْنِهِ وَمُصَدِّقَةً لَهُ مُؤْمِنَةً بِهِ مُتَّبِعَةً لِأَمْرِهِ مُتَضَرِّعَةً لَهُ مُسْتَمِدِّينَ مِنْهُ -[597]- وَمُسْتَمْنِحِينَ لَهُ زَادَهُمْ وَمَأْكَلَهُمْ فَجَعَلَ كُلَّ رَوْثَةٍ يُصِيبُونَهَا تَعُودُ عَلَفًا لِدَوَابِّهِمْ , وَكُلَّ عَظْمٍ يَعُودُ طَعَامًا لَهُمْ , وَصُرِفَتْ لِنُبُوَّتِهِ أَشْرَافُ الْجِنِّ وَعُظَمَاؤُهُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} [الجن: 7] وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُلُوفُ مِنْهُمْ مُبَايِعِينَ لَهُ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ , وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُمْ قَالُوا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا فَسُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَهَا لِنُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شِرَارًا تَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا فَلَقَدْ شَمَلَ مَبْعَثُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَا لَا يُحْصَى. هَذَا أَفْضَلُ مِمَّا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا وَبَيَانُهُ

542 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَعْدَانَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الْجَوْهَرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: ثنا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ , وَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ فَأَتَيْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَانْطَلَقَ فَسَمِعْتُ عِنْدَهُ -[598]- خُصُومَةَ رِجَالٍ وَلَغَطًا لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا فَجَاءَ فَقَالَ لِي: أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: اصْبُبْ وَأَخَذَ مِنِّي فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ عِنْدَكَ خُصُومَةَ رِجَالٍ وَلَغَطًا مَا سَمِعْتُ أَحَدَ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ قَالَ: " §اخْتَصَمَ عِنْدِي الْجِنُّ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْجِنُّ وَالْمُشْرِكُونَ سَأَلُونِي أَنْ أُسْكِنَهُمْ فَأَسْكَنْتُ الْمُسْلِمِينَ الْجَلْسَ وَأَسْكَنْتُ الْمُشْرِكِينَ الْغَوْرَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: قُلْتُ لِكَثِيرٍ: مَا الْجَلْسُ؟ قَالَ: الْقُرَى , وَالْجِبَالُ , وَالْغَوْرُ مَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالْبِحَارِ. قَالَ كَثِيرٌ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أُصِيبَ بِالْجَلْسِ إِلَّا سَلِمَ وَلَا أُصِيبَ بِالْغَوْرِ إِلَّا لَمْ يَسْلَمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْجِنِّ فِي قِصَّةِ هَامَةَ بْنِ الْهَيْمِ بْنِ لَاقِيسَ وَقِصَّةِ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ وَرَأْيِهِ فِي نَظَائِرِ هَذَا فَإِنْ قِيلَ: سُلَيْمَانُ لَهُ مِنَ التَّمْكِينِ وَالتَّسْلِيطِ عَلَى مَنِ اعْتَاصَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِنِّ أَنْ يَصْفِدَهُمْ وَيُقَيِّدَهُمْ حَتَّى كَانُوا لَهُ فِي تَصَرُّفِهِمْ لَهُ مُطِيعِينَ لِشَأْنِهِ مُتَّبِعِينَ. قُلْنَا: لَقَدْ كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ التَّمْكِينِ وَالْأَسْرِ لَهُمْ وَالْقَبْضِ عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا التَّمْكِينِ وَالتَّنْكِيلِ

543 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ؛ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَذَعَتُهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ -[599]- إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِيِ الْمَسْجِدِ؛ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ أَجْمَعُونَ فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ {اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] قَالَ: فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا

544 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا الْهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنِ ابْنٍ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ جُرُنٌ فِيهِ تَمْرٌ فَكَانَ أُبَيُّ يَتَعَاهَدُهُ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا بِدَابَّةٍ تُشْبِهُ الْغُلَامَ الْمُحْتَلِمَ قَالَ: فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ أَجِنِّي أَمْ إِنْسِيُّ؟ قَالَ: لَا بَلْ جِنِّيُّ قَالَ: نَاوِلْنِي يَدَكَ قَالَ: فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَإِذَا يَدُ كَلْبٍ بِشَعَرِ كَلْبٍ فَقَالَ لَهُ: هَذَا خَلْقُ الْجِنِّ قَالَ: عَلِمْتُ الْجِنَّ مَا فِيهِمْ أَشَدُّ مِنِّي قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ وَأَحْبَبْنَا أَنْ نُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ قَالَ لَهُ أُبَيُّ: مَا الَّذِي يُجِيرُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ. فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: " §صَدَقَ الْخَبِيثُ

545 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ ثنا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -[600]- أَنَّهُ كَانَ فِي سَهْوَةٍ لَهُ فَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَشَكَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَهَا فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ لَهَا فَأَخَذَهَا فَقَالَتْ: إِنِّي لَا أَعُودُ فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا فَقَالَتْ: لَا أَعُودُ فَأَرْسَلْتُهَا فَقَالَ: إِنَّهَا عَائِدَةٌ فَأَخَذَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ تَقُولُ: لَا أَعُودُ وَيَجِيءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ فَيَقُولُ: أَخَذْتُهَا فَقَالَتْ: لَا أَعُودُ فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا عَائِدَةٌ فَقَالَتْ فِي الثَّالِثَةِ: أَرْسِلْنِي أُعَلِّمْكَ شَيْئًا تَقُولُهُ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْءٌ اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ 546 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ. فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ

547 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ -[601]-: قُلْتُ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ قِصَّةِ الشَّيْطَانِ قَالَ: جَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَمْرِ الصَّدَقَةِ , فَكُنْتُ أَدْخُلُ الْغُرْفَةَ فَأَجِدُ فِي التَّمْرِ نُقْصَانًا فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْخُذُ قَالَ: وَدَخَلْتُ الْغُرْفَةَ وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ عَلَيَّ فَجَاءَ سَوَادٌ عَظِيمٌ فَغَشِيَ الْبَابَ ثُمَّ دَخَلَ مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَتَحَوَّلَ فِي صُورَةِ فِيلٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ فَشَدَدْتُ ثَوْبِي عَلَى وَسَطِي فَأَخَذْتُهُ فَالْتَقَتْ يَدَايَ عَلَى وَسَطِهِ وَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ مَا أَدْخَلَكَ بَيْتِي تَأْكُلُ التَّمْرَ؟ قَالَ: أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَقَدْ كَانَتْ لَنَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُكُمْ فَلَمَّا بُعِثَ أُخْرِجْنَا مِنْهَا وَنَحْنُ مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ خَلِّ عَنِّي؛ فَإِنِّي لَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ , وَجَاءَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِهِ فَلَمَّا صَلَّى الْغَدَاةَ نَادَى مُنَادِيهِ: أَيْنَ مُعَاذٌ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَيَعُودُ إِلَيْكَ. فَجِئْتُ الْغُرْفَةَ لَيْلًا وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ فَجَاءَ فَجَعَلَ يَأْكُلُ التَّمْرَ فَقَبَضْتُ يَدَايَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي لَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ بَعْدُ قَالَ: قَدْ قُلْتَ إِنَّكَ لَا تَعُودُ قَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكَ بشَيْءٍ §إِذَا قُلْتَهُ لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ الْبَيْتَ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ قِصَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ الشَّيْطَانِ. فَإِنْ قُلْتَ: فَإِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يُسَخِّرُ الشَّيْطَانَ لِأُمُورِ الدُّنْيَا فَكَانُوا -[602]- يَعْمَلُونَ لَهُ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ فِي قُلَلِ الْجِبَالِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَالْبِحَارِ. فَالْقَوْلُ فِيهِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَمَنَّى تَسْخِيرَهُمْ لَمَا امْتَنَعُوا عَلَيْهِ؛ وَلَكِنِ اخْتَارَ الْعَبُودِيَّةَ مَعَ النُّبُوَّةِ لَمَّا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا رَسُولًا أَوْ عَبْدًا نَبِيًّا فَأَكَبَّ الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِهَا , وَزَهِدَ فِيهَا فَسُخِّرَتْ لَهُ غَيْرَ أَهْلِهَا فَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ أَنْصَارَهُ وَأَعْوَانَهُ وَأُنَّاسَهُ يُقَاتِلُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْحُرُوبِ كِفَاحًا وَيَمْنَعُونَ عَنْهُ وَيُدَافِعُونَ دُونَهُ وَضَرَبَ لَهُ جَبْرَئِيلُ بِجَنَاحَيْهِ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّجَاشِيُّ الْجِبَالَ حَتَّى قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَمَّا تُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ رَفَعَ لَهُ جَنَازَةَ مُعَاوِيَةَ حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا مَنْعُ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَدَفْعُهُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَوَاعَدَتْ قُرَيْشٌ عَلَى أَخْذِهِ وَحَبْسِهِ

548 - فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَحْطَبَةَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَتِ ابْنَةُ {ابن} الْحَكَمِ: قُلْتُ لِجَدِّي الْحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا كَانُوا أَعْجَزَ مِنْكُمْ §وَلَا أَسْوَأَ رَأْيًا يَا بَنِي أُمَيَّةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَلُومِينَا يَا بُنَيَّةُ إِنِّي لَا أُحَدِّثُكِ إِلَّا مَا رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ هَاتَيْنِ؛ فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَزَالُ نَسْمَعُ قُرَيْشًا تُعْلِي أَصْوَاتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي -[603]- هَذَا الْمَسْجِدِ تَوَاعَدُوا لَهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ قَالَ: فَتَوَاعَدْنَا لَهُ فَجِئْنَا إِلَيْهِ؛ لِنَأْخُذَهُ فَسَمِعْنَا صَوْتًا مَا ظَنَنَّا أَنَّهُ بَقِيَ بِتِهَامَةَ جَبَلٌ إِلَّا تَفَتَّتَ قَالَ: فَغُشِيَ عَلَيْنَا فَمَا عَقَلْنَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهِ أَهْلُهُ ثُمَّ تَوَاعَدْنَا لَهُ لَيْلَةً أُخْرَى فَلَمَّا جَاءَ نَهَضْنَا إِلَيْهِ فَجَاءَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ حَتَّى الْتَقَتَا إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَحَالَتَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَوَاللَّهِ مَا نَفَعَنَا ذَلِكَ حَتَّى رَزَقَنَا اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَذِنَ لَنَا فِيهِ وَكَذَلِكَ قِصَّةُ أَبِي جَهْلٍ مَرَّةً أُخْرَى حَلَفَ لَيَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ رَآهُ مُصَلِّيًا فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ: رَأَيْتُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقًا مِنْ نَارٍ , وَهَوْلًا، وَأَجْنِحَةً , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18] . فَالْجِنُّ عَمِلَتْ لِسُلَيْمَانَ مَعَ كُفْرِهِمْ أُمُورَ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا مُنْتِنَةٌ وَمُقْتَرَحَةٌ وَدَعُوبَةٌ وَعَمِلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ فَلَمْ يَسْتَعْصِ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران: 124] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فَمَا أَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا قَبْلَهُ بِالْمَلَائِكَةِ غَيْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاتَلَتْ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ كِفَاحًا كَقِتَالِ النَّاسِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سُأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12] . فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْقِتَالِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاكَ اللَّهُ بِالنَّصْرِ هَذَا جَبْرَئِيلَ -[604]- آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُه وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ. وَمَا أَخْبَرَ الْغِفَارِيُّ الْكَافِرُ الْمُنْتَظِرُ الدَّبْرَةَ فَقَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْجَبَلِ إِذْ دَنَتْ سَحَابَةٌ سَمِعْتُ فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ. وَمَا قَالَهُ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْتُ بِبَدْرٍ وَكَانَ مَعِي بَصَرِي أَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْنَا مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا لَا أَشُكُّ وَلَا أَتَمَارَى وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ شَهِدَ بَدْرًا: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي فَعَرَفْتُ أَنَّ غَيْرِي قَتَلَهُ. وَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ لَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الْخَنْدَقِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَقَالَ لَهُ: عَذِيرُكَ مِنْ مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ لَأْمَتَكَ وَلَمْ نَضَعْهَا إِنَّهَا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهَا بِأَسَانِيدِهَا فِي مَوَاضِعِهَا

549 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ -[605]-: " §لَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ مَا تَفْعَلُ الْمَلَائِكَةُ بِالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَشْفَقَ أَنْ يَخْلُصَ الْقَتْلُ إِلَيْهِ فَتَشبَّث بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَوَكَزَ فِي صَدْرِ الْحَارِثِ فَأَلْقَاهُ ثُمَّ خَرَجَ هَارِبًا حَتَّى أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَظْرَتَكَ إِيَّايَ وَخَافَ أَنْ يَخْلُصَ الْقَتْلُ إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَهْزِمَنَّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ إِيَّاكُمْ؛ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مِيعَادِ من مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَ الطَّيْرِ وَالنَّمْلَةِ مَعَ تَسْخِيرِ اللَّهِ لَهُ كَمَا ذَكَرَ. قُلْنَا: قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِكَلَامِ الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَرُغَاءِ الْبَعِيرِ وَكَلَامِ الشَّجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَا وَالْحَجَرِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَاسْتِجَابَتِهِ لِأَمْرِهِ وَإِقْرَارِ الذِّئْبِ بِنُبُوَّتِهِ وَتَسْخِيرِ الطَّيْرِ لِطَاعَتِهِ وَكَلَامِ الظِّبْيَةِ وَشَكْوَاهَا إِلَيْهِ وَكَلَامِ الضَّبِّ وَإِقْرَارِهِ بِنُبُوَّتِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. كُلُّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ

غض البصر حين اجتياز فاطمة الصراط

§غَضُّ الْبَصَرِ حِينَ اجْتِيَازِ فَاطِمَةَ الصِّرَاطَ

550 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ السَّبِيعِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الصَّقْرِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ -[606]-: ثنا أَبُو سُفْيَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْغَنَوِيُّ ثنا عُمَيْرُ بْنُ عِمْرَانَ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ §غَضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَنَكِّسُوا؛ فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الصِّرَاطَ إِلَى الْجَنَّةِ

القول فيما أوتي يوسف عليه السلام فإن قيل: فإن يوسف موصوف بالجمال على جميع الأنبياء والمرسلين بل على الخلق أجمعين. قلنا: إن جمال محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفه به أصحابه لا غاية وراءه إذ وصفوه بالشمس الطالعة أو كالقمر ليلة البدر وأحسن من القمر ووجهه

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ يُوسُفَ مَوْصُوفٌ بِالْجَمَالِ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ بَلْ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. قُلْنَا: إِنَّ جَمَالَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي وَصَفَهُ بِهِ أَصْحَابُهُ لَا غَايَةَ وَرَاءَهُ إِذْ وَصَفُوهُ بِالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ أَوْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَأَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ وَوَجْهُهُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ وَكَانَ عَرَقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ رَائِحَةٌ كَالْمِسْكِ الْأَذْفَرِ

551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: صِفِي لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ §لَوْ رَأَيْتَهُ لَرَأَيْتَ الشَّمْسَ الطَّالِعَةَ

552 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ -[607]-: قُلْتُ لِهِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ: صِفْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ الْوَجْهِ §يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُأَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ

553 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَرَّهُ الْأَمْرُ §اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ دَارَةُ الْقَمَرِ

554 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: ثنا صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرْغَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ §عَرَقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا , وَأَنْوَرَهُمْ لَوْنًا , لَمْ يَصِفْهُ وَاصِفٌ قَالَ: بِمَعْنَى صِفَتِه إِلَّا شْبَهِ وَجْهَهُ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ يَقُولُ هِنْدٌ: فِي أَعْيُنِنَا أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ

القول فيما أوتي يحيى بن زكريا عليه السلام فإن قيل: إن يحيى أوتي الحكم صبيا وكان يبكي من غير ذنب وكان يواصل الصوم. قلنا: قد أعطي محمد أفضل من هذا؛ لأن يحيى لم يكن في عصر الأوثان والأصنام والجاهلية ومحمد صلى الله عليه وسلم كان في عصر أوثان وجاهلية

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ يَحْيَى أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَكَانَ يَبْكِي مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَكَانَ يُوَاصِلُ الصَّوْمَ

قُلْنَا: قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ يَحْيَى لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي عَصْرِ أَوْثَانٍ وَجَاهِلِيَّةٍ فَأُوتِيَ الْفَهْمَ وَالْحُكْمَ صَبِيًّا بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ فَمَا رَغِبَ لَهُمْ فِي صَنَمٍ قَطُّ , وَلَا شَهِدَ مَعَهُمْ عِيدًا , وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ قَطُّ كَذِبٌ وَكَانُوا يَعُدّونَهُ صَدُوقًا أَمِينًا حَلِيمًا رَءُوفًا رَحِيمًا وَكَانَ يُوَاصِلُ الْأُسْبُوعَ صَوْمًا فَيَقُولُ: إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي حَتَّى يُسْمَعَ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى يَحْيَى فَقَالَ: {وسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَالْحَصُورُ: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ. قُلْنَا: إِنَّ يَحْيَى كَانَ نَبِيًّا وَلَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَى قَوْمِهِ وَكَانَ مُنْفَرِدًا بِمُرَاعَاةِ شَأْنِهِ وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ لِيَقُودَهُمْ وَيَحُوشَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَفِعْلًا فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأَحْوَالَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةَ الْمُتَفَاوِتَةَ فِي متَصَرَّفَاتِهِ لِيَقْتَدِيَ كُلُّ الْخَلْقِ بِأَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ , فَاقْتَدَى بِهِ الصِّدِّيقُونَ فِي جَلَالَتِهِمْ وَالشُّهَدَاءُ فِي مَرَاتِبِهِمْ وَالصَّالِحُونَ فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ؛ لِيَأْخُذَ الْعَالِي وَالدَّانِي وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْمَكِينُ مِنْ فِعَالِهِ قِسْطًا وَحَظًّا؛ إِذِ النِّكَاحُ مِنْ أَعْظَمِ حُظُوظِ النَّفْسِ وَأَبْلَغِ الشَّهَوَاتِ , فَأَمَرَ بِالنِّكَاحِ , وَحَثَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النُّفُوسَ وَأَبَاحَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِيَتَحَصَّنُوا بِهِ مِنَ السِّفَاحِ فَشَارَكُوهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَاهِرِهِ وَشَمَلَهُمُ الِاسْمُ مَعَهُ وَانْفَرَدَ عَنْ مُسَاوَاتِهِ مَعَهُمْ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ

الْأُمَمَ فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَلْبِهِ مَا أَفْرَدَهُ الْحَقُّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ تَلَطَّفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَرْضَاتِهِ فَقَالَ لِعَائِشَةَ: ائْذَنِي لِي؛ أَتَعَبَّدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَتْ: إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ , وَأُحِبُّ هَوَاكَ , فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَى الصَّبَّاحِ رَاكِعًا , وَسَاجِدًا , وَبَاكِيًا , وَرُبَّمَا خَرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ فَتَعَبَّدَ فِيهَا , وَيَزُورُ أَهْلَهَا , وَرُبَّمَا قَامَ لَيْلَةً بِآيَةٍ إِلَى الصَّبَاحِ يُرَدِّدُهَا كَالْمُنَاجِي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] فَكَانَتْ نِسْبَتُهُ عَنْ أَحْكَامِ الْبَشَرِيَّةِ وَدَاعِي النَّفْسِ مَمْحُوَّةً عِنْدَ انْشِقَاقِ صَدْرِهِ لَمَّا حَشَوْهُ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ الَّذِي وَزَنَ بِهِ أُمَّتَهُ فَرَجَحَ بِهِمْ هَذَا مَعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

القول فيما أوتي عيسى عليه السلام كل فضيلة أوتي عيسى عليه السلام فقد أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم , وإنها لم ينكرها المتدبر مع ما أطلعه الله عليه خصوصا من الغيوب التي لم يطلع عليها غيره ومن الفتن الكائنات التي لم يخبر بها سواه من المرسلين. فإن قيل:

§الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلُّ فَضِيلَةٍ أُوتِيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ أُوتِيهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّهَا لَمْ يُنْكِرْهَا الْمُتَدَبِّرُ مَعَ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ خُصُوصًا مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ ومِنَ الْفِتَنِ الْكَائِنَاتِ الَّتِي لَمْ يُخْبِرْ بِهَا سِوَاهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عِيسَى خُصَّ بَأَنْ أُرْسِلَ الرُّوحُ الْأَمِينُ إِلَى أُمِّهِ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا وَقَالَ: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ , وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ فَنَطَقَ فِي الْمَهْدِ: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم: 30] فَكَانَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ وَمَثَلًا فِي الْآخِرِينَ وَلَمْ يُذْكَرْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ شَيْءٌ مِثْلُهُ. فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ ضُرُوبًا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا الدَّالَّةِ عَلَى مَوْلِدِهِ وَبُشِّرَتْ بِهِ آمِنَةُ وَمَا ظَهَرَ لَهَا مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ وَضْعِهَا

555 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَ §مِنْ دَلَالَاتِ حَمْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ نَطَقَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَقَالَتْ: حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ أَمَانُ الدُّنْيَا وَسِرَاجُ أَهْلِهَا وَلَمْ يَبْقَ كَاهِنَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِلَّا حُجِبَتْ عَنْ صَاحِبَتِهَا , وَانْتُزِعَ عِلْمُ الْكَهَنَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَرِيرُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا إِلَّا أَصْبَحَ مَنْكُوسًا وَالْمَلِكُ مُخْرَسًا لَا يَنْطِقُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَمَرَّتْ وُحُوشُ الْمَشْرِقِ إِلَى وُحُوشِ الْمَغْرِبِ بِالْبُشَارَاتِ , وَكَذَلِكَ الْبِحَارِ يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِهِ نِدَاءٌ فِي الْأَرْضِ وَنِدَاءٌ فِي السَّمَاءِ: أَنْ أَبْشِرُوا؛ فَقَدْ آنَ لِأَبِي الْقَاسِمِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ مَيْمُونًا مُبَارَكًا فَكَانَتْ أُمُّهُ تُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهَا وَتَقُولُ: أَتَانِي آتٍ حِينَ مَرَّ بِي مِنْ حَمْلِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَكَزَنِي بِرِجْلِهِ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ: يَا آمِنَةُ إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الْعَالَمِينَ طُرًّا فَإِذَا وَلَدْتِيهِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَاكْتُمِي شَأْنَكِ. قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: لَقَدْ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ ذَكَرٌ وَلَا -[611]- أُنْثَى وَإِنِّي لَوَحِيدَةٌ فِي الْمَنْزِلِ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي طَوَافِهِ قَالَتْ: فَسَمِعْتُ وَجْبَةً شَدِيدَةً وَأَمْرًا عَظِيمًا فَهَالَنِي ذَلِكَ وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَرَأَيْتُ كَأَنَّ جَنَاحَ طَيْرٍ أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِي فَذَهَبَ عَنِّي كُلُّ رُعْبٍ وَكُلُّ فَزَعٍ وَوَجَعٍ كُنْتُ أَجِدُهُ , ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِشَرْبَةٍ بَيْضَاءَ وَظَنَنْتُهَا لَبَنًا , وَكُنْتُ عَطْشَى , فَتَنَاوَلْتُهَا فَشَرِبْتُهَا فَأَضَاءَ مِنِّي نُورٌ عَالٍ , ثُمَّ رَأَيْتُ نِسْوَةً كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ كَأَنَّهُنَّ بَنَاتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُحَدِّقْنَ بِي فَبَيْنَا أَنَا أَعْجَبُ وَأَقُولُ: وَاغَوْثَاهْ مِنْ أَيْنَ عَلِمْنَ بِي هَؤُلَاءِ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْوَجْبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمَ وَأَهْوَلَ فَإِذَا أَنَا بِدِيبَاجٍ أَبْيَضَ قَدْ مُدَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: خُذُوهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ وَقَفُوا فِي الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ فِضَّةٍ وَأَنَا يَرْشَحُ مِنِّي عَرَقٌ كَالْجُمَانِ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيْتَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَنِّي نَاءٍ قَالَتْ: فَرَأَيْتُ قِطْعَةً مِنَ الطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ حَيْثُ لَا أَشْعُرُ حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِي مَنَاقِيرُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ وَأَجْنِحَتُهَا مِنَ الْيَوَاقِيتِ فَكَشَفَ لِي عَنْ بَصَرِي فَأَبْصَرْتُ سَاعَتِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا , وَرَأَيْتُ ثَلَاثَ أَعْلَامٍ مَضْرُوبَاتٍ: عَلَمٌ فِي الْمَشْرِقِ , وَعَلَمٌ فِي الْمَغْرِبِ , وَعَلَمٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَأَخَذَنِي الْمَخَاضُ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ جِدًّا فَكُنْتُ كَأَنِّي مُسْتَنِدَةٌ إِلَى أَرْكَانِ النِّسَاءِ , وَكَثُرْنَ عَلَيَّ حَتَّى كَأَنَّ الْأَيْدِي مَعِي فِي الْبَيْتِ وَأَنَا لَا أَرَى شَيْئًا، فَوَلَدْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَطْنِي دُرْتُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِهُ سَاجِدٌ قَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ كَالْمُتَضَرِّعِ الْمُبْتَهِلِ ثُمَّ رَأَيْتُ سَحَابَةً بَيْضَاءَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ حَتَّى غَشِيَتْهُ فَغُيِّبَ عَنْ وَجْهِي، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يَقُولُ: طُوفُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا وَأَدْخِلُوهُ الْبِحَارَ كُلَّهَا؛ -[612]- لِيَعْرِفُوهُ بِاسْمِهِ وَنَعْتِهِ وَصُورَتِهِ وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ سُمِّيَ فِيهَا الْمَاحِيَ؛ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ إِلَّا مُحِيَ بِهِ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ تَجَلَّتْ عَنْهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ فَإِذَا بِهِ مُدْرَجٌ فِي ثَوْبٍ صُوفٍ أَبْيَضَ أَشَدِّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَتَحْتَهُ حَرِيرَةٌ خَضْرَاءُ قَدْ قَبَضَ عَلَى ثَلَاثِ مَفَاتِيحَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ الْأَبْيَضِ وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: قَبَضَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَفَاتِيحِ النَّصْرِ وَمَفَاتِيحِ الرِّيحِ وَمَفَاتِيحِ النُّبُوَّةِ وَلِمَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ الْآيَاتُ الْعَجِيبَةُ مِمَّا رُوِيَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ الَّذِي قَدِمَ مَكَّةَ تَاجِرًا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا: إِنَّهُ وُلِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهِ شَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فِيهَا شَعَرَاتٌ مُتَوَالِيَاتٌ لَا يَرْضَعُ لَيْلَتَيْنِ. فَعَجِبَ الْقَوْمُ مِنْ حَدِيثِهِ فَقَامُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى آمِنَةَ فَقَالُوا: أَخْرِجِي ابْنَكِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَإِلَى الشَّامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَخَرَّ الْيَهُودِيُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالُوا لَهُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: ذَهَبَتْ وَاللَّهِ نُبُوَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَرَجَ الْكِتَابُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَهَذَا الْمَوْلُودُ يَقْتُلُهُمْ وَيُبَيِّنُ أَخْبَارَهُمْ وَلَيَسْطُوَنَّ بِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ وَحُجِبَ الشَّيْطَانُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَرُمُوا بِالشُّهُبِ وَنَطَقَتِ الْكُهَّانُ وَالسَّحَرَةُ مِثْلَ شِقٍّ وَسَطِيحٍ وعُظَمَاءُ الْمُلُوكِ بِمَا رَأَتْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَكِسْرَى وَارْتِجَاسِ إِيوَانِهِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ وَغَيْضِ الْمَاءِ وَفَيْضِ الْأَوْدِيَةِ وَرُؤْيَا الْمُؤبِذَانِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِأَسَانِيدَ فِي بَابِ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَحْمَةً مِنَّا فَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَعَمِّ الرَّحْمَةِ وَأَكْمَلِهَا فَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] -[613]- فَمَنْ صَدَّقَهُ وَآمَنَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَمِنَ فِي حَيَاتِهِ مِمَّا عُوقِبَ بِهِ الْمُكَذِّبُونَ مِنَ الْأُمَمِ: الْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَالْقَذْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا. فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ عِيسَى كَانَ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْنَا: إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظِيرَهُ فَإِنَّ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ انْقَطَعَ سَيْفُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَدَفَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِذْلًا مِنْ حَطَبٍ وَقَالَ: قَاتِلْ بِهَذَا فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا شَدِيدَ الْمَتْنِ أَبْيَضَ الْحَدِيدِ طَوِيلَ الْقَامَةِ فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ إِلَى أَيَّامِ الرِّدَّةِ فَالْمَعْنَى الَّذِي بِهِ أَمْكَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَيِّرَ الْخَشَبَةَ حَدِيدًا وَيَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي خَلَقَ بِهِ عِيسَى مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ , ثُمَّ اسْتِمَاعُ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ مِنَ الْحَجَرِ الصُّمِّ فِي يَدِهِ , وَشَهَادَةُ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ , وَأَمْرُهُ لِلْأَشْجَارِ بِالِاجْتِمَاعِ , وَالِالْتِزَاقِ , وَالِافْتِرَاقِ , كُلُّ ذَلِكَ جَانَسَ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَطَيَرَانَ الْمُصَوَّرِ مِنَ الطَّيْرِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ. فَإِنْ قَالَ: إِنَّ عِيسَى كَانَ يُبْرِئُ الْعِمْيَانَ , وَالْأَكْمَهَ , وَالْأَبْرَصَ , بِإِذْنِ اللَّهِ. قُلْنَا: إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ نَدَرَتْ حَدَقَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ طَعْنَةٍ أُصِيبَ فِي عَيْنِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهَا فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَ , وَكَانَ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِإِسْنَادِهِ

556 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَامَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ خَالَهَا حَبِيبَ بْنَ فُدَيْكٍ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ خَرَجَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مُبْيَضَّتَانِ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا فَسَأَلَهُ: مَا أَصَابَكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أُمَرِّنُ جَمَلِي فَوَقَعَتْ رِجْلَيَّ عَلَى بِيضِ حَيَّةٍ فَأَصَابَتْ بَصَرِي §فَنَفَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَأَبْصَرَ قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ , وَإِنَّهُ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَمُبْيَضَّتَانِ

557 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ {يَحْيَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ} رَافِعٍ قَالَ: " §لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رُمِيتُ بِسَهْمٍ فَفُقِئَتْ عَيْنِي فَبَصَقَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لِي فَمَا آذَانِي مِنْهَا شَيءٌ وَتَفَلَ فِي عَيْنِ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهُوَ أَرْمَدُ فَبَرِئَ مِنْ سَاعَتِهِ وَمَا اشْتَكَى عَيْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ -[615]-. وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْمَرْضَى وَالْمُصَابِينَ فَيَدْعُو لَهُمْ وَيَمْسَحُهُمْ بِيَدِهِ فَيَبْرَءُونَ. وَأُتِيَ بِصَبِيٍّ يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إخْسَ عَدُوَّ اللَّهِ فَثَعَّ ثَعَّةً فَخَرَجَ مِنْهُ كَالْجِرْوِ الْأَسْوَدِ وَكَانَ مَرِيضًا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ الْمَنْتُوفِ فَدَعَا لَهُ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ وكم لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِبْرَاءِ الْمَرْضَى وَإِزَالَةِ الْأَسْقَامِ مِمَّنِ اسْتَشْفَاهُ وَشَكَا إِلَيْهِ وَصَبَهُ وَأَلَمَهُ فَدَعَا لَهُمْ فَعُوفُوا

558 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خُطَيْطٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو الْحَرِيشِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَوِيُّ ثنا فَرَجُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمِّهِ ثَابِتِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ الْمَأْرِبِيِّ أَنَّهُ كَانَ بِوَجْهِهِ حَزَازَةٌ يَعْنِي الْقُوبَا قَدِ الْتَقَمَتْ أَنْفُهُ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَمَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ فَلَمْ يُمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِيهِ أَثَرٌ

559 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §وَعِنْدَهُ قِدْرٌ تَفُورُ لَحْمًا فَأَعْجَبَتْنِي شَحْمَةٌ فَأَخَذْتُهَا فَازْدَرَدْتُهَا فَاشْتَكَيْتُ مِنْهَا سَنَةً ثُمَّ ذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[616]- فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهَا نَفْسُ سَبْعَةِ أَنَاسِيٍّ ثُمَّ مَسَحَ بَطْنِي , فَأَلْقَيْتُهَا خَضْرَاءَ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا اشْتَكَيْتُ بَطْنِي حَتَّى السَّاعَةِ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ فَأَعْجَبُ مِنْهُ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ تَعَالَى شَأْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَجُعِلَتْ لَهُ آيَةً بَيِّنَةً شَهِدَهَا الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ فِي إِحْيَاءِ شَاةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَا أَحْيَى اللَّهُ تَعَالَى لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ابْنَهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ عَجِيبَةٌ لنبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

560 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَرَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ بِمَكَّةَ قَالَ: ثنا أَبُو كَعْبٍ الْبَدَّاحُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَيِّرًا وَمَا أَحْسِبُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ إِلَّا مِنْ جُوعٍ , فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ: وَيْحَكِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلِيَّ السَّلَامَ وَوَجْهُهُ مُتَغَيِّرٌ وَمَا أَحْسِبُ وَجْهَهُ تَغَيَّرَ إِلَّا مِنَ الْجُوعِ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَّا هَذَا الدَّاجِنُ وَفَضْلَةٌ مِنْ زَادٍ نُعَلِّلُ بِهَا الصِّبْيَانَ فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ لَكِ أَنْ نَذْبَحَ الدَّاجِنَ وَتَصْنَعِينَ -[617]- مَا كَانَ عِنْدَكِ ثُمَّ نَحْمِلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: أَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْتَ قَالَ: فَذَبَحَتِ الدَّاجِنَ، وَصَنَعَتْ مَا كَانَ عِنْدَهَا , وَطَحَنَتْ وَخَبَزَتْ , وَطَبَخَتْ ثُمَّ ثَرَدْنَا فِي جَفْنَةٍ لَنَا فَوَضَعَتِ الدَّاجِنَ ثُمَّ حَمَلْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْكَ فَرَأَيْتُ وَجْهَكَ مُتَغَيِّرًا فَظَنَنْتُ أَنَّ وَجْهَكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ إِلَّا مِنَ الْجُوعِ فَذَبَحْتُ دَاجِنًا كَانَتْ لَنَا ثُمَّ حَمَلْتُهَا إِلَيْكَ قَالَ: يَا جَابِرُ اذْهَبْ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ قَالَ: فَأَتَيْتُ أَحْيَاءَ الْعَرَبِ فَلَمْ أَزَلْ أَجْمَعُهُمْ فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ ثُمَّ دَخَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْأَنْصَارُ قَدْ أُجْمِعَتْ فَقَالَ: أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ أَرْسَالًا فَأَدْخَلْتُهُمْ عَلَيْهِ أَرْسَالًا فَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهَا فَإِذَا شَبِعَ قَوْمٌ خَرَجُوا وَدَخَلَ آخَرُونَ حَتَّى أَكَلُوا جَمِيعًا وَفَضَلَ فِي الْجَفْنَةِ شَبِيهُ مَا كَانَ فِيهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُوا وَلَا تَكْسِرُوا عَظْمًا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ الْعِظَامَ فِي وَسَطِ الْجَفْنَةِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا أَنِّي أَرَى شَفَتَيْهِ تَتَحَرَّكَانِ فَإِذَا الشَّاةُ قَدْ قَامَتْ تَنْفُضُ أَذُنَيْهَا فَقَالَ لِي: «§خُذْ شَاتَكَ يَا جَابِرُ، بَارَكَ اللَّهُ لك فِيهَا» فَأَخَذْتُهَا وَمَضَيْتُ , وَإِنَّهَا لَتُنَازِعُنِي أُذُنَهَا حَتَّى أَتَيْتُ بِهَا الْبَيْتَ، فَقَالَتْ لِيَ الْمَرْأَةُ: مَا هَذِهِ يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ شَاتُنَا الَّتِي ذَبَحْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا اللَّهَ فَأَحْيَاهَا، قَالَتْ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ

561 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَعْبَدٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النُّعْمَانِ، ثنا بِشْرُ بْنُ حُجْرٍ -[618]- السَّامِيُّ، وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَبْيدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ قَالَ: صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَمْ نَبْرَحْ حَتَّى قَضَى، فَبَسَطْنَا عَلَيْهِ ثَوْبًا , وَأُمٌّ لَهُ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقُلْنَا: يَا هَذِهِ , احْتَسِبِي مُصِيبَتَكِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَتْ: أوَمَاتَ ابْنِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَتْ: حَقًّا تَقُولُونَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَدَّتْ يَدَيْهَا فَقَالَتِ: «اللَّهُمَّ §إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَسْلَمْتُ لَكَ، وَهَاجَرْتُ إِلَى رَسُولك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ تُغِيثَنِي عِنْدَ كُلِّ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، فَلَا تَحْمِلْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ الْيَوْمَ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ مَا بَرِحْنَا حَتَّى طَعِمْنَا مَعَهُ» فَإِنْ قيل: فَإِنَّ عِيسَى كَانَ يُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ، وَيُنْبِئُ بِمَا يَأْكُلُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَبِمَا يَدَّخِرُونَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْبِرُ مِنْ ذَلِكَ بِأَعَاجِيبَ؛ لِأَنَّ عِيسَى كَانَ يُخْبِرُ بِمَا يَأْكُلُونَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ فِي مَبِيتِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ فِي آكِلِهِمْ , ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بِمَا كَانَ مِنْهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ، كإِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَاةِ النَّجَاشِيِّ، وَمَنِ اسْتُشْهِدَ فِي الْغَزَاةِ، زَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَكَانَ يَأْتِيهِ السَّائِلُ يَسْأَلُهُ فَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. وَأَخْبَرَ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ بِمَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ هُوَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ -[619]-، لَمَّا قَعَدَا بِمَكَّةَ بِالْحِجْرِ، من الْفَتْكِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَيْرٌ. وَمِنْهَا: إِخْبَارُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمَّا أُسِرَ بِبَدْرٍ وَأَرَادَ أَنْ يُفَادِيَهُ فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ، فَقَالَ: أَيْنَ الْمَالُ الَّذِي أَوْدَعْتَهُ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ لَمَّا أَرَدْتَ الْخُرُوجَ وَعَهِدْتَ إِلَيْهَا؟ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْهُذَلِيِّ بِوَادِي عُرَنَةَ: إِذَا رَأَيْتُهُ وَجَدْتَ لَهُ قَشْعَرِيرَةً وَمِنْهَ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ لمَا ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ فقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: أَلَا يُحَدِّثُهُ اللَّهُ بِمَكَانِهَا؟ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَعَلَى مَا فِي نَفْسِ الْمُنَافِقِ، فَأَسْلَمَ وَفَارَقَ النِّفَاقَ وَمِنْهَا: مَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَيْ فَيْرُوزَ لَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ مِنَ الْيَمَنِ حِينَ كَتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ الْبَارِحَةَ، فَكَتَبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا رَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ أَتَى فَيْرُوزَ الْخَبَرُ أَنَّ شِيرَوَيْهِ بْنَ كِسْرَى قَتَلَ أَبَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَتْ بِأَسَانِيدِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا. وَنَذْكُرُ بَعْضَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ إِعْلَامِهِ وَإِخْبَارِهِ بِأَشْيَاءَ لَمْ تَكُنْ، فكونها اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِكَوْنِهِ، فَكَانَ، قَالَ اللَّهُ: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا -[620]- هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137] فَكَفَاهُ وَوَفاهُ مَا وَعَدَهُ بِنَصْرِة الْمُؤْمِنِينَ {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95] وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} [آل عمران: 12] وَكَانَ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى، غُلِبُوا وَقُتِلُوا وَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: 139] فَكَانَ كَمَا وَعَدَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7] فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] فَنَصَرَهُ اللَّهُ وَقَوَّاهُ بِلَا مَالٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَبَلَغَ مُلْكُ أُمَّتِهِ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} [الحج: 59] فَدَخَلُوا مَكَّةَ آمِنَيْنَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] فَكَانَ كَمَا وَعَدَهُمْ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي حَدْسٍ وَلَا ظَنٍّ، وَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] فَأَعْلَمَهُ بِكَوْنِهِ وَوُقُوعِهِ، حَدَّدَ الْوَقْتَ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ فِي بِضْعِ سِنِينَ، وَالْعَرَبُ مُصَدِّقُهَا وَمُكَذِّبُهَا، عَرَفُوا أَنَّ الْبِضْعَ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم: 6] -[621]- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فَتْحُ مَكَّةَ خُصَّ بَيْنَ الْفُتُوحِ بِالْفَتْحِ لِعِظَمِ قَدْرِهِ، وَإِنَّهَا بَلْدَةُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْهَا , أَهْلُهَا كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِه؛ ِ لِأَنَّ الْقَرَابَاتِ وَالْجِيرَانِ أَشَدُّ تَقَاطُعًا وَتَبَاغُضًا، فَبَشَّرَهُ بِفَتْحِهَا قَبْلَ كَوْنِهِ، وَيَدْخُلُونَ النَّاسُ أَفْوَاجًا فِي دِينِهِ , فَحَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بُشَارَتَهُ بِفَتْحِهَا، فَقَدِمَتِ الْوُفُودُ الْجَامِعَاتُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ مُسْلِمَيْنَ مُنْقَادِينَ لَهُ وَلِدِينِهِ، فَقَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَقَدْ طَبَّقَ الْإِسْلَامُ الْيَمَنَ إِلَى شِجْرِ عُمَانَ وَأَقْصَى نَجْدِ الْعِرَاقِ، بَعْدَ مَكَّةَ وَالْحِجَازِ، وَبَسَطَ رِوَاقَهُ وَجِرَانَهُ بِالْغَوْرِ، فَجَرَى حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَعُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ وَالْيَمَامَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} [الفتح: 21] الْعَجَمُ وَفَارِسُ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤوهَا} [الأحزاب: 27] يَعْنِي فَارِسَ وَالرُّومَ، فَوَجَدُوا مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا وَعَدَهُمْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] وَهُمْ أَهْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَبَنُو حَنِيفَةَ أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ، فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَنَّ الْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ لَمْ يُدْعَوْا إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْحُرُوبِ بَعْدَ تَوَلِّيهِمْ عَنْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى دُعُوا فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَصْحَابِ الْبَأْسِ مُسَيْلِمَةَ وَبَنِي حَنِيفَةَ وَوَعَدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْضَاءَ الْمَدَائِنِ وَاصْطَخْرَ وَفَتْحَ كُنُوزِ كِسْرَى -[622]- وَقَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: مَا يَمْنَعُكَ إِلَّا مَا تَرَى بِأَصْحَابِي مِنَ الْخَصَاصَةِ، فَيُوشِكَنَّ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، فَأَبْصَرَ ذَلِكَ عَدِيٌّ بِعَيْنِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] فَكَانَ ذَلِكَ تَزْوِيجَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ، وَإِسْلَامَ أَبِي سُفْيَانَ، فَزَالَتِ الْعَدَاوَةُ، وَآلَتْ إِلَى مَوَدَّةٍ ووَصِلَةٍ. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَسَرَّهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ فِي أَمْرِهِ , وَفِي الْقُرْآنِ قَصَصٌ كَثِيرَةٌ اكْتَفَيْنَا مِنْهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ

562 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ: وَكَانَ فِي شِعْبِ الْبَطَائِحِ فَسَمِعَ نَغَمَةً أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَخَرَجَ عُرْيَانًا فِي يَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا , فَلَقِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِفَّةً كِفَّةً فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّكَ قُتِلْتَ قَالَ: فَمَا كُنْتَ صَانِعًا؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَعْرِضَ أَهْلَ مَكَّةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى سَيْفِكَ -[623]-. 563 - وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " §لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ , وَحَوَارِيَّي الزُّبَيْرُ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ سَيَّاحًا جَوَّابًا لِلْقِفَارِ وَالْبَرَارِي. كَذَلِكَ كَانَ سِيَاحَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ الْجِهَادَ؛ فَاسْتَنْفَد فِي عَشْرِ سِنِينَ مَا لَا يُعَدُّ مِنْ حَاضِرٍ وَبَادٍ وَافْتَتَحَ الْقَبَائِلَ الْكَثِيرَةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَبْعُوثٍ بِالسَّيْفِ لَا يُوَرِّي بِالْكَلَامِ وَمُجَاهِدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَنَامُ إِلَّا عَلَى دَمٍ وَلَا مُسْتَقِرًّا إِلَّا مُتَجَهِّزًا لِقِتَالِ الْأَعْدَاءِ وَبَاعِثًا إِلَيْهِمْ سَرِيَّةً فِي إِقَامَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ الدَّعْوَةِ وَإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ عِيسَى كَانَ زَاهِدًا يُقْنِعُهُ الْيَسِيرُ وَيُرْضِيهِ الْقَلِيلُ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَفَافًا لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. قُلْنَا: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَدُ الْأَنْبِيَاءِ كَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ مَنْ يُطِيفُ بِهِ فَمَا رُفِعَتْ مَائِدَتُهُ قَطُّ وَعَلَيْهَا طَعَامٌ وَلَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ , وَكَانَ يَرْبِطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ , لِبَاسُهُ الصُّوفُ , وَفِرَاشُهُ إِهَابُ شَاةٍ , وَوِسَادَتُهُ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ , يَأْتِي عَلَيْهِ الشَّهْرَانِ وَالثَّلَاثَةُ لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارُ الْمِصْبَاحِ، تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ لَمْ يَتْرُكْ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ مَعَ مَا عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ مَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَوُطِّئَ لَهُ مِنَ الْبِلَادِ , وَمُنِحَ مِنْ غَنَائِمِ الْعِبَادِ , فَكَانَ يَقْسِمُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَمِائَةِ -[624]- أَلْفٍ , وَيُعْطِي الرَّجُلَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَالْخَمْسَ , وَيُعْطِي مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ مِنَ الْأَغْنَامِ , وَيُمْسِي وَيَأْتِيهِ السَّائِلُ فَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَا مِنْ تَمْرٍ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ قُلْنَا: قَدْ عُرِضَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَاءُ عِنْدَ وَفَاتِهِ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَقُرْبَهُ عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا , فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَرَفَعَ رُوحَهُ إِلَيْهِ , وَلَوِ اخْتَارَ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا لَكَانَ كَالْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عِنْدَ اللَّهِ فِي سَمَاوَاتِهِ وَفِي عَالَمِهِ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّ عِيسَى مُقِيمٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلْيَاسَ وَالْخَضِرَ يَجُولَانِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ مَعَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أُمَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعُوا كَمَا رُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ رَفْعُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَدَفْنُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ بِالْيَمَنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَخَافُوا أَنْ يُنْبَشَ قَبْرُهُ وَيُسْتَخْرَجَ , فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَهُ؛ لِيُنْقَلَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي يَوْمِهِمُ الَّذِي دَفَنُوهُ فِيهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذُهِبَ بِهِ

564 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ وَعَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ -[625]-: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَحْدَهُ عَيْنًا عَلَى قُرَيْشٍ قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعَيْنَ فَرَقِيتُ فِيهَا فَأَطْلَقْتُ خُبَيْبًا فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ الْتَفَتُّ §فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا كَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ فَمَا رُؤِيَ إِلَى السَّاعَةِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَقَدْ كَانَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ

الفصل الواحد والثلاثون في رواية خبرين يشتملان على جمل من صفاته البديعة وأخلاقه الحميدة الرفيعة وأحواله العجيبة العظيمة وما يتضمن ذلك من آدابه وسننه وشرائعه الموافقة لقضايا المعقول في الصحة والجواز اقتصرنا من ذكر أخلاقه وصفاته على هذين الخبرين

§الْفَصْلُ الْوَاحِدُ وَالثَّلَاثُونَ فِي رِوَايَةِ خَبَرَيْنِ يَشْتَمِلَانِ عَلَى جُمَلٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْبَدِيعَةِ وَأْخْلَاقِهِ الْحَمِيدَةِ الرَّفِيعَةِ وَأَحْوَالِهِ الْعَجِيبَةِ الْعَظِيمَةِ وَمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ وَسُنَنِهِ وَشَرَائِعِهِ الْمُوَافِقَةِ لِقَضَايَا الْمَعْقُولِ فِي الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ اقْتَصَرْنَا مِنْ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ

565 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ وَثنا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا جَمِيعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ -[628]- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيَّ وَكَانَ وَصَّافًا §عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنِّي أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلُ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ عَظِيمُ الْهَامَةِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ وَإِلَّا فَلَا، يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الْجَبِينِ أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرْنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ أَقْنَى الْعِرْنِينِ لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ كَثُّ اللِّحْيَةِ , سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ أَشْنَبُ، مُفْلَجُ الْأَسْنَانِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، بَادِنٌ، مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ مَوْصُولٌ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعَرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ , أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ , طَوِيلُ الزِّنْدَيْنِ رَحْبُ الرَّاحَةِ سَبْطُ الْقَصَبِ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَائِلُ الْأَطْرَافِ خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ , إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا خَافِضُ الطَّرْفِ , نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ , يَسُوقُ أَصْحَابَهُ , يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ -[629]-. قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ. قَالَ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ , دَائِمَ الْفِكْرَةِ , لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ , لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ , طَوِيلَ السُّكُوتِ , يَفْتَحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ , كَلَامُهُ فَصْلٌ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ , يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلَا مَا كَانَ لَهَا وَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ , لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا , إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا , وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا , وَإِذَا تَحَدَّثَ اتْصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ , وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ , جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ. قَالَ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنٍ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ إِذَا آوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ جُزْءًا جَزَّأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَيَرُدُّ ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّةِ وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ , وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ , فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو -[630]- الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ , وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَاكَ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ أَوْ قَالَ: يُنَفِّرُهُمْ وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ , وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بَشَرَهُ وَلَا خُلُقُهُ , يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمِيلُوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً. فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ ولَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ , وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا إِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ لَا -[631]- يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ فاوَضَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصِرَفَ وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ وَلَا تُثْنَى فَلَتَاتُهُ مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ , وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ , وَيُؤْثِرُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ , وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخُلُقِ , لَيِّنَ الْجَانِبِ , لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا عَيَّابٍ وَلَا مَزَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي , وَلَا يُوئِسُ مِنْهُ رَاجِيَهُ وَلَا يَخِيبُ , فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ , وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ , وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ , وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ , إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ , فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ , مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ , حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ , يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ , وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ , وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ مِنْ مِنْطَقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنَّ أَصْحَابَهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ -[632]- يَطْلُبُهَا فَأَرْشِدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْي أَوْ قِيَامٍ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ وَعَلَى الْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ قَالَ تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ وَجَمَعَ الْحَذَرَ فِي أَرْبَعٍ: أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ؛ لِيُقْتَدَى بِهِ , وَتَرْكُهُ لِلْقَبِيحِ؛ لِيُتَنَاهَى عَنْهُ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ , وَالْقِيَامُ فِيمَا يَجْمَعُ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ يَقُولُ: الْمُشَذَّبُ: الْمُفْرِطُ ف

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ثنا أبو إِسْمَاعِيلُ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ فِي الْمَسْجِدِ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ فَأَقْبَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَفِي حَرَمِ اللَّهِ وَعِنْدَ بَيْتِ اللَّهِ تَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِكَ بَأْسٌ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ إِنْ لَمْ تُفْسِدْ نَفْسَكَ إِنَّمَا §نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّعْرِ إِذَا أُبِّنَتْ فِيهِ النِّسَاءُ أَوْ تُرْوَى فِيهِ الْأَحْوَالُ وَقَوْلُهُ: لَا تَنْثَى فَلَتَاتُهُ الْفَلَتَاتُ السَّقَطَاتُ يَتَحَدَّثُ بِهَا يُقَالَ: نَثَوْتُ أَنْثُو وَالِاسْمُ مِنْهُ النَّثَا وَهَذِهِ الْهَاءُ الَّتِي فِي فَلَتَاتِهِ رَاجِعَةٌ عَلَى الْمَجْلِسِ أَلَا تَرَى إِلَى صَدْرِ الْكَلَامِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَيُقَالُ أَيْضًا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَجْلِسِهِ فَلَتَاتٌ يَحْتَاجُ أَحَدٌ يَحْكِيهَا فَلَتَاتُهُ: يُرِيدُ فَلَتَاتِ الْمَجْلِسِ لَا يُحَدِّث بِهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ

566 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْمِصِّيصِيُّ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا أَثْبَتْنَاهُ إِلَّا عَنْهُ قَالَ: ثنا صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَرْغَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ §مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا الْمُشَذَّبِ -[637]- الذَّاهِبِ ,

وَالْمُشَذَّبُ: الطَّوِيلُ نَفْسُهُ إِلَّا إِنَّهُ الطَّوِيلُ النَّحِيفُ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ فَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الرَّبْعَةِ إِذَا مَشَى وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ إِلَّا طَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَرُبَّمَا مَاشَى الرَّجُلَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ فَيَطُولُهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَا إِلَى الطُّولِ , وَنُسِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّبْعَةِ وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الرَّبْعَةِ , وَكَانَ لَوْنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَالْأَمْهَقُ: الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ الَّذِي لَا يَضْرِبُ بَيَاضُهُ إِلَى الشُّهْبَةِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْآدَمَ وَكَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَالْأَزْهَرُ هُوَ الْأَبْيَضُ النَّاصِعُ الْبَيَاضِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ صُفْرَةٌ وَلَا حُمْرَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْأَلْوَانِ وَقَدْ نُعِتَ بَعْضُ نَعْتِهِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانَ الْمُشْرَبُ حُمْرَةً مَا ضَحَى مِنْهُ لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ وَمَا كَانَ تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ , لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ أَزْهَرُ فَمَنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ أَزْهَرُ فَعَنَى مَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ وَصَفَ مَا ضَحَى منه لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ , بِأَنَّهُ أَبْيَضُ مُشْرَبُ بِحُمْرَةٍ فَقَدْ أَصَابَ وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ الْبَيَاضُ الْأَزْهَرُ وإِنَّمَا الْحُمْرَةُ مِنْ قِبَلِ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ وَكَانَ عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلَ الشَّعَرِ حَسَنَهُ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا الْجَعْدِ الْقَطَطِ وَكَانَ إِذَا امْتَشَطَ بِالْمِشْطِ كَأَنَّهُ حُبُكُ الرِّمَالِ وَكَأَنَّهُ الْمُتُونُ الَّتِي فِي الْغَدَرِ إِذَا صَفَّقَتْهَا الرِّيَاحُ وَإِذَا نَكَتَهُ بِالْمِرْجَلِ أَخَذَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَتَحَلَّقَ حَتَّى يَكُونَ مُتَحَلِّقًا كَالْخَوَاتِيمِ وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ قَدْ سَدَلَ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَمَا تُسْدَلُ نَوَاصِي الْخَيْلِ حَتَّى جَاءَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْفِرْقِ فَفَرَقَ وَكَانَ شَعَرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ وَرُبَّمَا كَانَ إِلَى شَحْمَةِ

أُذُنَيْهِ وَكَانَ رُبَّمَا جَعَلَهُ غَدَائِرَ تَخْرُجُ الْأُذُنُ الْيُمْنَى مِنْ بَيْنَ غَدِيرَتَيْنِ تَكْتَنِفَانِهَا وَتَخْرُجُ الْأُذُنُ الْيُسْرَى مِنْ بَيْنِ غَدِيرَتَيْنِ تَكْتَنِفَانِهَا يَنْظُرُ مَنْ كَانَ يَتَأَمَّلُهُمَا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْغَدَائِرِ كَأَنَّهُمَا تُوقَدُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ بَيْنَ سَوَادِ شَعَرِهِ , وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّأْسِ فِي فُودَيْ رَأْسِهِ الْفُودَانِ حَرْفًا الْفَرْقُ كَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي لِحْيَتِهِ حَوْلَ الذَّقْنِ وَكَانَ شَيْبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الْفِضَّةِ يَتَلَأْلَأُ بَيْنَ ظَهْرَيْ سَوَادِ الشَّعَرِ الَّذِي مَعَهُ فَإِذَا مَسَّ ذَلِكَ الشَّيْبَ بِصُفْرَةٍ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الذَّهَبِ يَتَلَأْلَأُ بَيْنَ ظَهْرَيْ سَوَادِ الشَّعَرِ الَّذِي مَعَهُ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا , وَأَنْوَرَهُمْ لَوْنًا لَمْ يَصِفْهُ وَاصِفٌ قَطُّ بِمَعْنَى صِفَتِهِ إِلَّا شَبَّهَ وَجْهَهُ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ يَقُولُ هُوَ أَحْسَنُ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ مِنَ الْقَمَرِ، يُعْرَفُ رِضَاهُ وَغَضَبُهُ فِي سِرَارِ وَجْهِهِ، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَضِيَ أَوْ سُرَّ فَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْمَرْآةُ وَإِذَا غَضِبَ تَلَوَّنَ وَجْهُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَضِيَ كَمَا وَصَفَهُ صَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: [البحر الوافر] أَمِينٌ مُصْطَفًى لِلْخَيْرِ يَدْعُو ... كَضَوْءِ الْبَدْرِ زَايَلُهُ الظَّلَامُ فَيَقُولُ النَّاسُ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى: [البحر الكامل] لَوْ كُنْتَ مِنْ شَيْءٍ سِوَى بَشَرٍ ... كُنْتَ الْمُنَوِّرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَيَقُولُ مَنْ سَمِعَهُ: كَذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ وَقَالَتْ عَمَّتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعْدَمَا سَارَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا فَجَزِعَتْ عَلَيْهِ

[البحر الطويل] عَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ ... عَلَى الْمُصْطَفَى كَالْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ عَلَى الْمُرْتَضَى لِلْبِرِّ وَالْعَدْلِ وَالتُّقَى ... وَلِلدِّينِ وَالدُّنْيَا مُقِيمُ الْمَعَالِمِ عَلَى الصَّادِقِ الْمَيْمُونِ ذِي الْحِلْمِ وَالنُّهَى ... وَذِي الْفَضْلِ وَالدَّاعِي لَخَيْرِ التَّرَاجِمِ فَشَبَّهَتْهُ بِالْبَدْرِ وَقَدْ نَعَتَتْهُ بِهَذَا النَّعْتِ وَوُفِّقَتْ لَهُ لِمَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَحَبَّتِهِ فِي الصُّدُورِ , وَإِنَّهَا لَعَلَى دِينِ قَوْمِهَا. وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْلَى الْجَبِينِ إِذَا طَلَعَ جَبِينُهُ مِنْ بَيْنِ الشَّعَرِ أَوِ اطَّلَعَ مِنْ فَلَقٍ أَوْ عِنْدَ طَفَلِ اللَّيْلِ أَوِ اطَّلَعَ وَجْهُهُ عَلَى النَّاسِ يُرَى وَجَبِينُهُ كَأَنَّهُ ضَوْءُ السِّرَاجِ الْمُوقَدِ يَتَلَأْلَأُ وَكَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ خَتْمُ قَمَرٍ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ صَلْتَهُمَا , الصَّلْتُ الْخَدِّ: هُوَ الْأَسِيلُ الْخَدِّ الْمُسْتَوِي , الَّذِي لَا يَفُوتُ بَعْضُ لَحْمِ بَعْضِهِ بَعْضًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْوَجْهِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ , كَثَّ اللِّحْيَةِ , وَالْكَثُّ: الْكَثِيرُ مَنَابِتِ الشَّعْرِ وَكَانَتْ عَنْفَقَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزَةً فَنَيْكَاهُ حَوْلَ الْعَنْفَقَةِ كَأَنَّهُمَا بَيَاضُ اللُّؤْلُؤِ بِأَسْفَلِ عَنْفَقَتِهِ شَعَرٌ مُنْقَادٌ حَسَنَةٌ يَقَعُ انْقِيَادُهُمَا عَلَى شَعَرِ اللِّحْيَةِ حَتَّى يَكُونَ كَأَنَّهُ مِنْهَا , وَالْفَنَيْكَانُ مَوَاضِعُ الطَّعَامِ حَوْلَ الْعَنْفَقَةِ مِنْ جَانِبَيْهَا جَمِيعًا وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللَّهِ عُنُقًا لَا يُنْسَبُ إِلَى الطُّوَلِ وَلَا إِلَى الْقِصَرِ مَا ظَهَرَ مِنْ عُنُقِهِ لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ فَكَأَنَّهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ مُشْرَبٌ ذَهَبًا يَتَلَأْلَأُ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُمْرَةِ الذَّهَبِ وَمَا غَيَّبَتْهُ الثِّيَابُ مِنْ عُنُقِهِ وَمَا تَحْتَهَا فَكَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ , وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ مَوْصُولَ

مَا بَيْنَ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ بِشَعَرٍ مُنْقَادٍ كَالْقَضِيبِ لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ شَعَرٌ غَيْرُهُ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْبَ الرَّاحَةِ سَائِلَ الْأَطْرَافِ , كَأَنَّ أَصَابِعَهُ قُضْبَانُ الْفِضَّةِ وَكَانَتْ كَفُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْيَنَ مِنَ الْخَزِّ، وَكَأَنَّ كَفَّهُ كَفُّ عَطَّارٍ طِيبًا مَسَّهَا بِطِيبٍ أَوْ لَمْ يَمَسَّهَا بِهِ يُصَافِحُهُ الْمُصَافِحُ فَيَظَلُّ يَوْمَهُ يَجِدُ رِيحَهَا وَيَضَعُهَا عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ فَيُعْرَفُ مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ جَمِيلَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنَ الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ وَيَتَصَبَّبُ فِي صَبَبٍ يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي الْهُوَيْنَا بِغَيْرِ تَبَخْتُرٍ يُقَارِبُ الْخُطَى وَالْمَشْيَ عَلَى الْهَيْبَةِ يَبْدُرُ الْقَوْمَ إِذَا مَشَى إِلَى خَيْرٍ أَوْ سَارَعَ إِلَيْهِ وَيَسُوقُهُمْ إِذَا لَمْ يُسَارِعْ إِلَى شَيءٍ مَشْيِهُ الْهُوَيْنَا وَكَانَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِأَبِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا

§1/1