دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي

عبد الله حماد الرسي

أسباب السعادة وأسباب الشقاء

أسباب السعادة وأسباب الشقاء إن هذه الحياة الدنيا دار ممر وعبور، ودار هموم وغموم، وإن السعادة الحقيقية هي في دار الاستقرار والخلود في جنات النعيم، ولكن إذا أردنا أن نعيش سعداء فلابد أن نعرف أسباب السعادة فنأتيها، وأسباب الشقاوة فنجتنبها، وقد تطرق الشيخ في هذا الدرس إلى أسباب السعادة وأسباب الشقاوة، وتكلم عن السعادة الحقيقية التي هي غاية كل المؤمنين في هذه الحياة الدنيا.

التقوى وأسباب السعادة

التقوى وأسباب السعادة إن الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. أما بعد: أيها الأحبة في الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:102 - 103]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أيها الأحبة في الله: الله سبحانه وتعالى يحث على التقوى، وإذا وجدت عندك التقوى فإنك من السعداء كما يقول القائل: ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيد التقي هو السعيد، السعادة كل السعادة، والخير كل الخير، والعز والشرف والرفعة في الدنيا والآخرة هي التقوى، ففيها راحة القلب، التقوى يا عبد الله فيها راحة القلب وسروره، التقوى بها تزول الهموم والغموم، إذا أتى الإنسان بعواملها الأربعة التي فسرها بها علي رضي الله عنه حيث قال: [[التقوى هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والتزود ليوم الرحيل، والقناعة بالقليل]] سعد بها وأسعد غيره.

حفظ الرأس وما حوى

حفظ الرأس وما حوى الخوف من الجليل: هذا الخوف يحمل من التزمه أي أنه إذا كان الإنسان يخاف الله عز وجل في السر والعلانية فإنه يحفظ الرأس وما فيه من الحواس، فالرأس فيه دواهي إذا لم تحفظها دخل الشيطان معها، الشيطان يدخل من العينين، ويدخل من الأذنين، ويدخل من الفم، فتحفظ العين من النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، فإذا حفظت النظر صار عندك سببٌ من أسباب السعادة، وتحفظ الأذنين عن سماع ما لا يحل لك استماعه، تحفظ الفم عن الكلام بما لا يحل، لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة}. اللسان الذي يوقع في المهالك، أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وهو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر رضي الله عنه وهو ممسكٌ بلسانه، قال: [[مه يا أمير المؤمنين! ما هذا يا خليفة رسول الله؟ قال: هذا الذي أوقعني في المهالك]]. إذاً: في الرأس ثلاثة مداخل، إذا لم يحفظها الإنسان فإن الشيطان يدخل منها؛ العينان والأذنان والفم، نعم فاللسان تحفظه عن الكلام بما يضر في الدين والدنيا والآخرة.

حفظ الفرج

حفظ الفرج ثانياً: من الخوف من الجليل وهو من أسباب السعادة: أن تحفظ الفرج كما قال صلى الله عليه وسلم: {من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، من أي شيء يحفظ الفرج؟ يحفظ من اللواط ومن الزنا، نسأل الله العفو والعافية. الخوف من الجليل الذي يحمل الإنسان على أن يطلب الحلال، أكلاً وشرباً ولباساً، وأيضاً من السعادة أن يحفظ الإنسان بطنه لا يدخل فيه حراماً، ويحفظ جلده أن لا يلبسه حراماً؛ فإنه عند ذلك إن دعا الله استجاب له دعاءه، لكن إذا كان يأكل الحرام والعياذ بالله، فإنه لا يستجاب له دعاء، {وأي جسمٍ نبت من سحت فالنار أولى به}.

المحافظة على الفرائض والنوافل

المحافظة على الفرائض والنوافل من أسباب السعادة الخوف من الجليل بالمحافظة على أداء الفرائض، والمبادرة إليها، وهي أحب ما يتقرب العبد به إلى ربه، كما قال ربنا جل وعلا في الحديث القدسي الذي يرويه لنا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه}. ثم من السعادة التي تقربك إلى الله زلفى المبادرة إلى النوافل حتى تكون من أحباب الله عز وجل، يقول سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه} الله أكبر {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128].

القيام بأمور الدين وأركان الإسلام

القيام بأمور الدين وأركان الإسلام من السعادة المبادرة إلى القيام بأمور الدين عموماً، وفي مقدمة ذلك أداء الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ثم والله إنها لسعادة عظيمة أن يكون الإنسان موحداً لله سبحانه وتعالى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم من السعادة أيضاً أن يأتي بالركن الثاني: وهو الصلاة، والثالث: إيتاء الزكاة، والرابع: صوم رمضان، والخامس: حج بيت الله الحرام إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، إذا التزم بهذه الأركان فإنه يعيش مسلماً، ويموت مسلماً، ويبعث مسلماً. أيها الإخوة في الله: لا يحصل ذلك إلا بعد أن يحصل الإيمان، والإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الجوارح، فإذا حصل الإيمان حصلت المبادرة إلى الخيرات إلى رب العزة والجلال، الإيمان إذا رسخ في القلب لا تزلزله الجبال الراسيات، عند ذلك يتلذذ الإنسان بشرائع الإسلام التي جاءت في الكتاب والسنة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام قال: {أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً قال: صدقت، أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، أخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك} إذا التزمت بهذه الأركان فأنت مسلمٌ مؤمنٌ بالله عز وجل.

طاعة الوالدين

طاعة الوالدين ثم من أسباب السعادة بعد التوحيد أمرٌ عظيم وهو: بر الوالدين كما قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] الأم والأب يوصي بهما رب العزة والجلال، وقرن حقهما بعد حقه {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24] الله أكبر هذه وصية من رب العالمين، الله أكبر يا عبد الله، قرن الله حق الوالدين بحقه سبحانه وتعالى.

صلة الأرحام وبذل المعروف

صلة الأرحام وبذل المعروف ثم من أسباب السعادة: صلة الأرحام، والإحسان إلى الأرامل والأيتام، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، هذه كلها من أسباب السعادة التي تدخل تحت الخوف من الجليل، إذا عملها الإنسان خائفاً من الله عز وجل راجياً لثوابه، فإن الله سبحانه وتعالى يجزيه أتم الجزاء. أيضاً من أسباب السعادة: بذل المعروف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق} ولكن كما قلت لكم في كثير من المناسبات أن المسلمين الآن أحوالهم يرثى لها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، المسلم إذا ركب بجوار أخيه المسلم سواءً في الطائرة، أو في القطار، أو في سيارة ولم يكن بينهما معرفة ماذا يفعل فكل واحدٍ منهما يعطي صاحبه الجنب، نعم، لا يحصل سلام، ولا يحصل تعارف. أجل أين الأخوة يا عبد الله؟ والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] كل المؤمنين إخوة، {مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} طبقوا هذا أيها الإخوة في الله! يروى في الأثر أنه يقول: [[في آخر الزمان يكون السلام للمعرفة]] إذا عرفه سلم عليه، وإذا لم يعرفه لم يسلم عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يحل لامرءٍ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} ثم يقول: {إذا التقى المسلمان فتصافحا تحاتت عنهما ذنوبهما كما تحاتّ الشجرة ورقها أو يغفر لهما قبل أن يفترقا} لما سمعها أحد السلف تعجب لها، قال له محدثه: كيف تعجب وربنا يقول: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. انظر بعد الفرقة في الجاهلية جمعهم الله تحت راية وتحت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمن أسباب السعادة: إذا لقيت أخاك المسلم أن تسلم عليه وأن تلقاه بوجه طلق.

أداء حقوق المسلم

أداء حقوق المسلم ومن أسباب السعادة: زيارة المريض، إذا زار المسلم أخاه المريض فإنه يقال له: {طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً}. أيها الإخوة في الله: لما كثرت الغفلة، وكثر الإعراض والصدود يمرض المريض ويموت وقريبه لا يعلم عنه، إنما إذا حصلت حاجة أو ألمت به ملمة ذهب يسأل عنه، أين فلان؟ فلان مات منذ ثلاث سنوات، مات منذ سنتين، الله أكبر هذا واقعنا أيها الإخوان الكرام. من حقوق المسلم على أخيه المسلم أن يزوره إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، من حقوق المسلم على أخيه المسلم إذا عطس فحمد الله أن يشمته، يقول له: يرحمك الله، ثم يقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم، هذه لا توجد عند كثير من المسلمين، حتى أن بعضهم إذا قلت: يرحمك الله، قال: عافاك الله أو يقول كلمات غير ذلك، فهدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا عطس وحمد الله أن يقال له: يرحمك الله، ثم يقول العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم. وإفشاء السلام، ذكرت لكم السلام لكن نسينا أن نذكر كيف صيغة السلام التي ينبغي أن تكون بين المسلمين، صيغة السلام أن يقول المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإن قال: السلام عليكم، كتب له عشر حسنات، وإن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة، وإن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة، فاغتنم هذا الفضل يا عبد الله، وخيركم الذي يبدأ بالسلام. من أسباب السعادة، وهي التي تدخل تحت مرضاة الجليل جل وعلا: الوفاء بالعهود، أن يأتي الإنسان بالعهد حتى يدخل مع الذين مدحهم الله في قوله تعالى في سورة (المؤمنون) وفي سورة (سأل سائل).

أسباب أخرى للسعادة

أسباب أخرى للسعادة

العدل

العدل أيها الإخوة في الله: من السعادة التي تدخل صاحبها تحت الخوف من الجليل العدل في القسمة، فإن الإنسان إذا عدل في قسمته عاش عيشة حميدة، وحياة سعيدة، أما إذا كان يجور في القسمة فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أتاه رجل يشهده على أنه منح أحد أبنائه منحة فقال: {وهل ساويت بين أولادك؟ قال: لا قال: لا. أشهد على هذا} وفي رواية: {أشهد على هذا غيري} وفي رواية: {لا أشهد على جور} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير عند بعض المسلمين الذين عندهم تعدد في الزوجات، فإنهم لا يعدلون بين الزوجات ولا بين الأولاد فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولقد سمعنا من رجل له أولادٌ من زوجة أخرى يقول: أتمنى أن آخذ عقل فلان ابن الزوجة المطلقة وأجعله في ابن الزوجة التي في ذمتي، تعدى على الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي منح ذلك العقل -سبحانه وتعالى- والبعض من الناس إذا كان له عدد من الزوجات فإنه يميل للبعض ويترك الأخر، وهذا -أيضاً- فيه وعيد، نسأل الله العفو والعافية، فلذلك هذا الذي حصل منه التنفير من بعض النساء عن التعدد لما حصل من بعض الجهال الذين لم يعرفوا كيف جاءت الشريعة الإسلامية، وكيف أمرت بالعدل، فعند ذلك صار التعدد عند بعض النساء أمرٌ عظيم يخيفهن نسأل الله العفو والعافية، كل هذا مما جنى به بعض الذين لم يرتووا من آداب الإسلام ولا من الشريعة الإسلامية، وإلا لو حصل العدل من الرجال، أو من بعض الرجال الذين حصل عندهم التعدد لما حصل ذلك النفور من بعض النساء، فعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويعدل في قسمته؛ فإن ذلك من أسباب السعادة أيها الأخوة في الله! لأنك إذا عدلت بين الأولاد تكون بينهم محبوباً، ويجلونك ويوقرونك ويحترمونك، أما إذا وهبت بعضهم وتركت البعض فإنك تكون عند ذلك محزوناً ومهموماً لما ترى من بعضهم من العقوق نسأل الله العفو والعافية، فهذا ينافي الحياة السعيدة.

حفظ القلب

حفظ القلب من أسباب الحياة السعيدة حفظ القلب الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ألا وإن في الجسد مضغة} مضغة صغيرة، هذا القلب الذي بقدر ما يمضغ الإنسان قطعة اللحم {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله}. بأي شيء يصلح هذا القلب؟ القلب يصلح إذا ملئ بالإيمان، إذا ملئ بذكر الله عز وجل، إذا استقام على طاعة الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن القلب هو الملك المسيطر على الأعضاء، القلب هو الذي تأتيه الإخبارية من العينين ومن الأذنين ومن اللسان، ثم القلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه نسأل الله العفو والعافية. فالقلب يحتاج إلى حفظ، يحفظ من الشيطان؛ لأن الشيطان يدخل على القلب، الخناس قيل إنه مثل الحية يلتوي على القلب فإذا ذكر الله العبد انخنس أي: اختفى وابتعد عن القلب، أما إذا غفل فإن الغفلة تطم على القلب، وتزداد عليه الغفلة، وكذلك يطبع عليه ثم يكون من القلوب التي طُبع عليها في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. المكاسب لها دخلٌ في القلب يا عبد الله، المكسب الحرام له دخلٌ في القلب، فعليك أن تطيب مكسبك حتى تستجاب دعوتك كما ذكرت لك في الكلام السابق. أيضاً: القلب جوهرة عظيمة منحها الله لبعض العباد، وحفظ القلب والله إنه من السعادة؛ لأنك إذا دخلت فيمن مدحهم الله في كتابه، حيث قال: أولو الألباب، ومن الأمور التي مدح بها أولو الألباب أنهم كانوا يتفكرون في خلق السماوات والأرض، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:191]. أولو الألباب: القلوب النظيفة، قلوبهم تدلهم على عظمة الله سبحانه وتعالى وعلى وحدانيته، وعلى انفراده بالملك والخلق والإيجاد والتدبير {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية:36 - 37]. فهنيئاً للمتقين فهم السعداء الذين يعملون بالتنزيل وهو القرآن العظيم، يؤمنون أنه كلام الله عز وجل وجل، منزل غير مخلوق، يعملون بالمحكم منه ويؤمنون بما تشابه منه، ويصدقونه على الوجه المطلوب، فهؤلاء يكونون من أهل السعادة؛ لأنهم التزموا بما التزم به أهل السنة والجماعة، مستسلمين ومنقادين لأوامر القرآن ولنواهيه استجابة لقول الحق جل وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153] ومستجيبين لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] ومعتصمين أيضاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج:77 - 78]. فالسعادة -أيها الإخوة في الله- كل السعادة في التمسك بكتاب الله جل وعلا، والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم.

القناعة والرضا بما قسم الله

القناعة والرضا بما قسم الله ثم من السعادة التي تقر بها عين المؤمن: القناعة والرضا بما قسم الله له، فالمؤمن تجده قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمراًَ لم يقدَّر له، بل ينظر إلى من هو دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه، آخذاً بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم} فيا لها من وصية نافعة، ويا لها من آدابٍ حميدة، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل؛ رآه يفوق خلقاً كثيراً في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، مهما بلغت به الحال، عند ذلك يزول القلق والهم والغم من قلبه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره. أيها الإخوة في الله: في ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم} فهذا مشاهد وصحيح لو أخذ به كل إنسان ما تحمل الديون، ولا تحمل أكل الربا ومؤاكلة المرابين؛ لأنه إذا رضي بالله رباً، وقنع بما آتاه الله كما يقول العامة: اجعل لحافك على قدر رجليك، وهذا ناصح يقول: خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن لذلك لو نظرنا إلى أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القدوة صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يربط على بطنه الحجر من الجوع، ويمضي عليه وعلى أهله ثلاثة أهلة ما أوقد في بيوته نار، وينزل عليه ضيف ولا يجد في بيوته إلا ماءً صلى الله عليه وسلم، وقد خيره الله جل وعلا أن يجري له بطحاء مكة ذهباً فأبى وقال صلى الله عليه وسلم: {أشبع يوماً فأشكرك وأجوع يوماً فأذكرك} فصلوات الله وسلامه عليه. أيها الإخوة في الله: إن كنتم تريدون القدوة الحسنة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو منهجه باقٍ إلى يوم القيامة، رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفض الدنيا كارهاً لها، وابتعاداً عن الركون إليها، وقناعة بما آتاه الله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حكم بالفلاح والفوز في الدنيا والآخرة للمسلم الذي رزق رزقاً حلالاً بقدر الحاجة وقنع به؛ فقال عليه الصلاة والسلام: {قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه}. البعض من الناس لا يعرف هذه القناعة نسأل الله العفو والعافية، حتى إنه ذكر أن رجلاً من الذين يبيعون ويشترون يقول: يا ليت الليل لم يأتِ حتى يبقى في لهوه وغفلته، إنا لله وإنا إليه راجعون! فالقناعة -أيها الإخوة في الله- كنز لا يفنى، لو قنع كل إنسان بما رزقه الله لارتاح قلبه، ولأقبل على الله سبحانه وتعالى بقلبه وقالبه، ولكن الآن انظروا كيف نأتي إلى الصلاة وقد تشعبت أفكارنا في أودية الدنيا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا والله ينبئ أننا لم نقنع بالقليل، فنسأل الله أن يرزقنا القناعة إنه على كل شيء قدير. أيها الإخوة في الله: إن من أعظم أسباب السعادة الإيمان والعمل الصالح قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. إن كان فقيراً، لكن حصل عنده الإيمان والعمل الصالح، فهو في نعمة وفي راحة بال وهدوء وطمأنينة، لذلك كانت الدنيا لا تزن عند الصحابة رضي الله عنهم جناحاً وطلب منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجودوا بشيء من أموالهم في غزوة تبوك، فأخذوا يتسابقون رضي الله عنهم، أما أبو بكر الصديق فقد أتى بجميع ماله رضي الله عنه، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله} وأما عثمان فجاء بألفي ناقة، وأما عمر بن الخطاب فجاء بنصف ماله رضي الله عنه، تتابعت التبرعات السنية من أولئك الرجال الذين تسكن في قلوبهم الدنيا، أما نحن إذا طلبت منَّا التبرعات فلا تسأل ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ كأننا نقطع من لحمنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله كان يطوف بالبيت ويقول: [[اللهم قني شح نفسي، اللهم قني شح نفسي، اللهم قني شح نفسي ويسأله بعض الصحابة: أما تعرف غير هذا الدعاء؟ فيقول إذا وقاني الله شح نفسي فأكون من المفلحين كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]]]. أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه. أيها الإخوة في الله: وعد الله سبحانه وتعالى من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الحياة الدنيا، وبالجزاء الحسن في دار القرار والنعيم واللذة والبهجة والسرور، فالمؤمن يتلقى المحآبّ والمسارّ بقبولٍ لها وشكرٍ عليها، واستعمالٍ لها فيما ينفع، فإذا استعملها المؤمن على هذا الوجه أحدث له من الابتهاج بها، والطمع في بقائها على هذا الوجه سروراً؛ لأنه يعلم أنه إذا شكر الله فإن الله سبحانه وتعالى يزيده كما قال تعالى: {ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]. كذلك المؤمن يتلقى المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنه مقاومته، وتخفيف ما يمكنه تخفيفه، وكذلك الصبر لما ليس عنه بدٌ، ولذلك يحصل له من آثار المكاره والصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة، تضمحل معها المكاره وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، لذلك أخبر صلى الله عليه وسلم وهذا خاص بالمؤمن -أيها الإخوة في الله- قال صلى الله عليه وسلم: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن}.

ذكر الله والتحدث بنعم الله

ذكر الله والتحدث بنعم الله أيها الأحبة في الله: من أسباب السعادة الإكثار من ذكر الله عز وجل، وفي مقدمة ذلك تلاوة القرآن العظيم، الذي من قرأ منه حرفاً فإن الله يجزيه بعشر حسنات، القرآن يا عبد الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا أقول الم حرف ولكن ألفٌ حرف، ولام حرف، وميمٌ حرف} ثلاثة في عشرة بثلاثين حسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. في مقدمة الذكر تلاوة كتاب الله العزيز، فإن له نتائج كثيرة، يشرح الله بها الصدر، ويطمئن بها القلب كما قال الله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. ومن أسباب السعادة الإكثار من التحدث بنعم الله جل وعلا، فإن ذلك يحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها} وهذا فضلٌ عظيم يا عبد الله، فالغنيمة الغنيمة، لذلك يقول محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، ثم قال رحمه الله: فإن هذه الثلاثة عنوان السعادة.

تقوى الله وقصر الأمل في الدنيا

تقوى الله وقصر الأمل في الدنيا أيها الإخوة في الله: من أسباب السعادة: الاستعداد ليوم الرحيل وتقصير الأمل، ليس من السعادة الفرحة بالأموال وغيرها، لا. السعادة كل السعادة هي التقوى، وإذا أردت أن تزداد في التقوى فقصر من أملك في الدنيا، يقول بعض الناس: لماذا تقول هذا؟ أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عبد الله بن عمر رضي الله عنه: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وماذا يقول ابن عمر رضي الله؟ يقول: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]] لو أًخذنا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لرقت القلوب، ولأقبلنا على طاعة الله عز وجل، ولكن لما امتلك حب الدنيا القلوب، وسكن فيها قست، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن دعاء لا يستجاب له} من منّا يبكي إذا تليت عليه آيات الله؟ ندعو الله عز وجل، كم دعونا الله! وكم اسغثنا ولم يستجب لنا، لأننا منهمكون في حب الدنيا، وصار البعض منَّا لا يبالي ما أخذ؛ أمن الحلال أم من الحرام، أكثر ما استحوذ على الناس اليوم أكل الربا أيها الإخوة في الله! البعض من الناس يأخذ أجرة ولم يقابلها بعمل، فإنا لله وإنا إليه راجعون {يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا والذي لم يأكله يأتيه من غباره} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إذاً لو خلصنا قلوبنا من هذه الشوائب وأكلنا الحلال الطيب، ثم رفعنا أيدينا لرب العزة والجلال لاستجاب لنا؛ لأن الله يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:55 - 56]. وأي فسادٍ أكبر من إعلان الربا، أي فسادٍ أكبر من إعلان الأغاني في البيوت والشوارع، أي فسادٍ بعد إعلان التبرج من النساء في الشوارع، أي فسادٍ بعد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي فساد وأي فساد وأي فساد، ثم نخرج ونستغيث، وابن عباس رضي الله عنه في القرون المفضلة يقول: [[أنتم تنتظرون المطر وأنا أنتظر حجارة تنزل من السماء]] الله المستعان! الله المستعان أيها الإخوة في الله! فما أكثر أسماء السعادة الآن، الحلاق كتب على دكانه عنوان: حلاق السعادة، لماذا؟ لأنه يفتخر بحلق اللحى، ويضع التوليت، ويضع حلاقة مايكل وما إلى ذلك من أسماء أعداء الإسلام التي دخلت علينا، أما المطاعم تجد عنوانه: مطعم السعادة؛ لأنه أعد فيه المأكولات، بايع أشرطة الفيديو تجده تسجيلات السعادة للفيديو كذا وكذا، وهو يروج سعادة الشيطان، يروج الأفلام الخبيثة، يروج أفلام الشر والعار فإنا لله وإنا إليه راجعون.

السعادة الحقيقية

السعادة الحقيقية كثرت أسماء السعادة، ولكن ما هي السعادة الحقيقية؟ السعادة الحقيقية هي: الفرح إذا قيل له يوم القيامة سعد فلان ابن فلان سعادةً لا يشقى بعدها أبداً، ثم ماذا يقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:19 - 21]. اسمع السعادة يا عبد الله! في قول الله: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22 - 23] {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} [الغاشية:10 - 11]. ثم ماذا يقال لهم في دار السعادة؟ {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]. هذه السعادة يا عبد الله، هذه السعادة، سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، على رءوس الخلائق، كل الأولين قد جمعوا في يومٍ واحد، في صعيد واحد، وينادى على اسمك يا عبد الله هذه هي السعادة يا عبد الله، السعادة إذا قيل لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]. فيا لها من سعادة إذا دخلوا {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [محمد:12] {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] ليس اللبن الذي ببقالة السعادة الآن، لا، هذا يعتريه الحموضة ويعتريه الخراب والفساد وإنما هذا لبن في الجنة، {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15]. وخمر الجنة لا يذهب العقول، ولا يذهب الشرف، ولا يقضي على المروءة والشيمة، لا يحملها على أن يفعل بأمه أو محارمه، خمر الجنة خمر التلذذ والنعيم يا عبد الله قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15]. ولهم فيها من جميع الثمرات، يا لها من سعادة عندما يحلون فيها من أساور من ذهب، ويلبسون فيها ثياباً خضراً من سندسٍ واستبرق، فيا لسعادتهم وهم في تلك القصور المبنية بلبنة من ذهب ولبنة من فضة، ولهم فيها حورٌ حسان، اسمع يا عبد الله الحور الحسان نسأل الله الكريم من فضله أن يجعلنا من أهل الجنة إنه على كل شيء قدير، نسأل الله أن يزوجنا من تلك الحور الحسان التي ما عرفت الأسواق ولا تبرجت ولا ظهرت على الشاشة. أيها الإخوة في الله: والله لو تصورنا تلك الحوراء لما نظرنا إلى نساء الدنيا، ما بالك بامرأة إذا تبسمت أضاء القصر من تبسهما، ما ظنك بزوجة تنظر إلى وجهك في صحن خدها، اللهم إنا نسألك من فضلك الله أكبر! لكن ما وضعت المكياج ولا الحاموراء تفتن الناس في الأسواق، لا. {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] اللهم إنا نسألك من فضلك، المهر موجود في هذه الحياة الدنيا، لا يوجد أحد يقول: المهر صعب، في أمريكا في الاتحاد السوفيتي من أين نستورد وليس عندنا مال، لا. مهرها العمل الصالح بعد أن يرضى الله عليك ويدخلك الجنة برحمته إنه أرحم الراحمين. عند ذلك تتكئ مع تلك الزوجة على الأريكة سبعين عاماً وأنت سعيد، الله أكبر اللهم إنا نسألك من فضلك، ومع ذلك {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] ومع ذلك لا تحيض، ولا يصيبها النفاس، ولا تمتخط ولا تبول، ولا يخرج منها غائط، نظيفة طاهرة عفيفة، إذا قمت منها عادت بكراً، ومع ذلك لا تحتاج إلى مقوي من الصيدلية، قد أعطاك الله قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع، لكن احفظ هذه القوة يا عبد الله، احفظها بطاعة الله حتى تتمكن من ذلك النعيم الذي لا يزول ولا يحول، أما الذين يذهبون الطيبات في حياتهم الدنيا، فلا تسأل عنهم في أي وادٍ يهلكون. أيها الإخوة في الله: من السعادة الأبدية أن تكون بجوار رب العالمين في تلك الجنة، ما تسمع أخبار الحرب القنبلة الذرية التي يفجرونها في اليوم كذا، الصاروخ الذي يوجهونه إلى كذا، أبداً آمن في جنات النعيم في جوار أرحم الراحمين. أيها الإخوة في الله: البدار البدار إلى ذلك النعيم إلى تلك اللذة في جوار أرحم الراحمين. ثم أنت بصحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، في تلك الجنة التي فيها مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. عبد الله تسمّع في دار السعادة إذا قيل هلموا إلى زيارة رب العالمين، ووضعت المنابر والكراسي، وجلست أدناهم وما فيهم دني؛ على كثبان المسك، فيا لها من فرحة وسرور إذا خاطبهم رب العزة والجلال في ذلك الوادي الأفيح! ثم يا لها من الفرحة والسرور إذا قيل لهم: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت؛ فإنها والله ثم والله هي السعادة، وليست السعادة كما يزعم البعض من الناس أنها بجمع الأموال، وبعضهم يراها في صحة البدن والأمن والاستقرار، وبعضهم يرى أن السعادة تكون في المساكن الواسعة، والمآكل اللذيذة، والزوجة الحسناء، وكل ذلك لا يمنع من التمتع بها إذا كانت حلالاً طيباً، ثم إذا استعان بها على طاعة الله.

أسباب الشقاوة

أسباب الشقاوة أيها الإخوة في الله: ننتقل إلى أسباب الشقاء ونسأل الله العفو والعافية قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] أخبر العاصي يا عبد الله، بقول الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:124 - 125] لإعراضك عن الله عز وجل وابتعادك عن ذكر الله، قال تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [الأعلى:11 - 13].

عدم الخوف من الله والتكذيب بما جاء في القرآن

عدم الخوف من الله والتكذيب بما جاء في القرآن من أسباب الشقاوة أيها الإخوة في الله: عدم الخوف من الله جل وعلا، مثلما يعمل المنافقون تجدهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والعياذ بالله، الآن يوجد منافقون، لا تظنون أن المنافقين انتهوا؛ وأنه لا يوجد منافقون الآن، إذا جلسوا مع الناس أظهروا التنسك والعبادة، وإذا خلوا برب العالمين بارزوه بالمعاصي فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله. من أسباب الشقاوة عدم الخوف من الله جل وعلا، لذلك الذي هذه حياته أورثه الله سبحانه وتعالى ضنكاً في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيقٌ حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره، لبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن الشقي قلبه قلق؛ لأنه لم يَخلص اليقين إلى قلبه فهو في شكٍ وفي ظلمات يتخبط بها، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. من أسباب الشقاوة -أيها الإخوة في الله- التكذيب والإعراض عن اتباع ما جاء القرآن العظيم، قال الله تعالى: {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} [طه:100 - 101].

عدم الانتفاع بالأذان وارتكاب الكفر والمآثم والعظائم

عدم الانتفاع بالأذان وارتكاب الكفر والمآثم والعظائم أيضاً من أسباب الشقاوة: عدم الفقه بالقلب، ومن الشقاوة عدم النظر إلى آيات الله والاعتبار. ومن الشقاوة أيها الأحبة في الله: عدم الانتفاع بالآذان فلما أضاعوا هذه الحواس واستخدموها في غير مرضاة الله توعدهم الله قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. من أسباب الشقاوة: ارتكاب الكفر والمآثم والعظائم التي توبق أهلها في نار الجحيم بإعراضهم عن آيات الله، وتكذيبهم بها، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:105] واسمعوا إلى عذرهم وهم في دركات الجحيم، قال الله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:106] ثم هم ينادون في فجاج جهنم وهم يسحبون في أوديتها: يا ويل أهل الشقاوة، ينادون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107] يا لطول مكثهم، ويا لكثرة همهم وغمهم، ويا لكثرة بكائهم وارتفاع أصواتهم، وهم ينادون بأعلى أصواتهم {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] فأي شقاءٍ أشد من شقائهم؟! وأي عناءٍ أشد من عناهم؟! وهم كما أخبر الله عنهم: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:16 - 17] وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سبأ:33] فلو رأيتهم والأغلال في أعناقهم يسحبون في نار جهنم قد اسودت عيونهم، طعامهم الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم في الجحيم، أتظن يا عبد الله أن الشقاوة أمرها سهلٌ، بل أمرها عظيم، انظر إلى من أضاع الصلاة واتبع الشهوات، فسوف يلقى غياً، وما أدراك ما غيٌ، هو وادٍ في جهنم شديدٍ حره، وبعيدٌ قعره، منتنٌ ريحه، قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. يا تارك الصلاة! هل لك جلدٌ على سقر؟ إنها طبقة من طباق جهنم. يا تارك الصلاة! ما بالك إذا مت من غير توبة، هل لك جلدٌ على سقر؟

الشرك بالله وارتكاب المعاصي والمحرمات

الشرك بالله وارتكاب المعاصي والمحرمات من الشقاوة الإشراك بالله، وقتل النفس وارتكاب الزنا، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70]. ومن الشقاوة استماع الأغاني وضياع الأوقات بغير ذكر الله، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6]. ومن الشقاوة: أكل الحرام، من الشقاوة: الغيبة، ومن الشقاوة: النميمة، ومن الشقاوة: الغش، ومن الشقاوة: أكل الربا، فهل لك على النار جلد يا عبد الله؟ فالحذر الحذر، من نارٍ وقودها الناس والحجارة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:2 - 7] هل يستوي ذلك يا عبد الله؟ و {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:8 - 16]. هل يستوي ذلك يا عبد الله؟ {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34 - 35] يا لها من شقاوة، يا لها من شقاوة {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات:36 - 38] أي: تمادى في الطغيان والشقاوة {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:39 - 40] أي: عمل بأعمال أهل السعادة {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:41]. اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من النار، اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار؛ يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إليك أختي المسلمة

إليك أختي المسلمة على المسلم أن يؤمن بكل ما أخبر به الله عز وجل في كتابه وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأمور الغيبية، كالإيمان بما بعد الموت أو في حال الموت من السكرات التي تحصل لكل من أشرف على الموت والتي لم ينج منها أحد حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في الدنيا حتى يختم له بالخاتمة الحسنة، وحتى ينجو من أهوال يوم القيامة الذي تشيب لهوله الولدان، وتضع فيه كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.

الحاجة إلى الموعظة

الحاجة إلى الموعظة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18 - 19]. أما بعد:- فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار. أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يجعل هذه الندوة مباركة على من سعى فيها, وعلى من اجتمع فيها, وعلى من سعى إلى الوصول إليها, وأسأل الله رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن نسمع بمثلها في جميع بلادنا, وجميع بلاد المسلمين, وأسأل الله رب العرش العظيم أن ينفع بها وأن يوقظ بها القلوب النائمة, وأن يعزز بها الأقدام العاثرة, إنه على كل شيء قدير, وأن يجعلها زيادة في تثبيت المهتدين إنك على كل شيء قدير. أيها الإخوة في الله: يقول الصحابي الجليل رضي الله عنه: {وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب, وذرفت منها العيون, فقلنا: يا رسول الله! كأنها وصية مودع -أو كما قال رضي الله عنه- فأوصنا يا رسول الله! قال: عليكم بالسمع والطاعة ثم قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة}. أيها الإخوة في الله: ما أحوجنا إلى أن نتعظ, وبأي شيء نجد المواعظ, مهما بحثنا، ومهما ذهبنا وجئنا، لن نجد ذلك إلا في القرآن العظيم، الذي هو كلام رب العالمين، الذي أنزله على رسوله الأمين ليبلغه، فصلوات الله وسلامه عليه, ما مات حتى بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وتركها على البيضاء ليلها كنهارها, ثم أنزل الله -جل وعلا- عليه قبل أن يموت صلى الله عليه وسلم في آخر لقاء لقي فيه المسلمين في حجة الوداع, أنزل الله عليه قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. فيا ويل من ابتغى غير الإسلام ديناً, اسمع ماذا قال الله جلَّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

سكرات الموت وحسن الخاتمة

سكرات الموت وحسن الخاتمة أيها الإخوة في الله: أسأل الله عز وجل أن ينمي شجرة الإيمان في قلوبنا، حتى نتصف بهذه الصفات، التي ذكرها الله في كتابه, في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال:2 - 3] ثم ختم الله لهم بهذا الختم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:3] نسألك اللهم من فضلك, اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين, نؤمن بالأمور الغيبية، التي ذكرت لنا ولم نرها حقيقة، ولكن نؤمن بها وأننا سوف نعاينها, ومن ذلك -أيها الإخوة في الله- هادم اللذات, كم ذكر لنا مما فيه من السكرات, ومن الغصص التي ذاقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وسوف نذوقها إذا انطرحنا على الفراش، وأصبحت الأيدي تقلبنا يميناً وشمالاً، ولا حول لنا ولا قوة, قد أغرورقت العينان بالدموع, ويبس اللسان, فلا تسأل عن أحوالنا في تلك الأحوال: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. أعطونا الطبيب، أعطونا المداوي، أعطونا الراقي: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:26 - 30] فهنيئاً لمن كان آخر كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] إن المؤمن إذا قيل له: قل لا إله إلا الله, يبتسم وتظهر على وجهه البشرى، ويقول: لا إله إلا الله؛ لأنه أحب لقاء الله, فأحب الله لقاءه, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] ثم استقاموا على طاعة الله, ما جزاؤهم عند الوفاة، قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت:30] يا لها من بشرى! {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31] ورب العزة أيضاً يقول في الحديث القدسي: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر}. فالبدار البدار -أيها الإخوة في الله- إلى هذه المنازل العالية, قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:8 - 16] هذا الذي في الجنة -يا عبد الله- لا سخط ولا إزعاج, نسأل الله الكريم من فضله. أيها الإخوة في الله: المؤمن عند حالة الاحتضار له حالات طيبة، منهم من يقرأ كتاب الله, ومنهم من يكرر كلمة التوحيد: لا إله إلا الله, ومنهم من يؤذن: الله أكبر، ولكن المصيبة الذي يختم له بسوءٍ والعياذ بالله, الذي يقول عند الموت: تانا لاتانا تانا!! الذي عاش مع الأغاني, أو الذي يقول: تتنٌ حار تتنٌ حار الذي أتعب نفسه مع شرب الدخان, أو الذي يقول: ناولونا الكأس ناولونا الكأس أو الذي عاش مع المخدرات، أو الذي عاش يغازل النساء، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله: أن رجلاً خرجت روحه وهو يكرر بيتاً من الغزل والعياذ بالله, قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:2 - 4] انظر الفرق -يا عبد الله- وفرق يا أخي بالجوهرة التي رزقك الله إياها بهذا العقل، بين أولئك وبين هؤلاء: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:2 - 7] نسأل الله العفو والعافية, هذا والله الفرق أيها الإخوة في الله.

سبب خلق الله للعباد

سبب خلق الله للعباد نحن الآن في زمن الإمكان، في دار المزرعة في هذه الدنيا, والله سبحانه وتعالى خلقنا لأمر عظيم، خلقنا لعبادته, قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] خلقنا في هذه الدنيا لنعمل الصالحات، ثم وُكِل بنا ملائكةٌ كرام عن اليمين وعن الشمال قعيد قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:17 - 18] هذا يكتب الحسنات وهذا يكتب السيئات, ثم إذا متنا وانتهينا من هذه الدنيا ووضعنا في القبور؛ ففريق في روضة من رياض الجنة, وفريق في حفرة من حفر النار, هؤلاء ينعمون في تلك الحفرة، وهؤلاء يعذبون. ثم إذا أراد الله لهذا العالَم انتهاءً كلياً أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ نفخة الصعق؛ فيموت من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] ثم يموت ملك الموت الذي وُكِل بقبض الأرواح يموت ولم يبق إلا الله, ثم ينادي رب العزة والجلال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [غافر:16] ذهبت الملوك والوزراء والأمراء والرؤساء: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] ثم يأمر إسرافيل عليه السلام فينفخ في الصور، فتخرج منه الأرواح تتوهج وتذهب إلى أهلها، ليبعث الله من في القبور قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51] ثم قمنا ننفض التراب عن رءوسنا, لا إله إلا الله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون:112 - 113] أين آلاف السنين التي مضت عليكم؟ {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113] ثم يقول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله أن يخلق الخلق عبثاً.

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة ثم يبعثهم ليوم القيامة وذلك اليوم العظيم فيه أمور عظيمة، وشدائد وأهوال: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34 - 35] يتذكر ما سعى في هذه الحياة الدنيا. الله أكبر -يا عباد الله- يا ويل من أضاع هذه الحياة الدنيا باللهو والغفلة والإعراض, وهنيئاً لمن اشتغل في طاعة الله وفي ذكر الله وخاف مقام رب العزة والجلال, هنيئاً لمن اتقى الله عز وجل. أيها الإخوة في الله: اسمعوا {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:34 - 39].

الوقوف بين يدي الله

الوقوف بين يدي الله اسمعي أيتها الأخت المسلمة! اسمعي يا أختي في الله! إن أمامكِ أمر عظيم، سوف تخرجين من القبر حافية، عارية، أنت والرجال جميعاً في موقف واحد, فاتقي الله وخافيه أيتها المرأة فإنك سوف تقفين في يوم عظيم، بين يدي رب العزة والجلال, كما وصف الله سبحانه وتعالى حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] متى؟ {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} [الحج:2] يا له من يوم عظيم, الله أكبر لو نتفكر في ذلك اليوم العظيم: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج:2] والله ما بهم سُكَار، والله ما فيهم من سكارى {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. عباد الله: تذكروا ذلك الموقف العظيم, عندما تخرجون من القبور, حفاة عراة غرلاً, قالت عائشة رضي الله عنها: {يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك} إي والله إن الأمر أشد من أن يهمهم ذلك, كيف ينظر بعضهم إلى بعض؟! وقد خشعت الأبصار للحي القيوم, كيف ينظر بعضهم إلى بعض والشمس قد نزلت عليهم كمقدار ميل؟ كيف ينظر بعضهم إلى بعض والعرق بلغ منهم مبلغه, والعرق ذهب في الأرض سبعين ذراعاً؟ كيف ينظر بعضهم إلى بعض وقد جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها؟ كيف ينظر بعضهم إلى بعض وقد أحاطت بهم الأملاك سبعة صفوف؟ ونزلت الملائكة ليحيطوا بأهل الموقف فأين المفر؟ أين المفر يا عبد الله وأنت على صعيد مستوٍ, ليس فيه جبال ولا وهاد, أين المفر يا عبد الله؟ لا إله إلا الله, اللهم ارحم ضعفنا, إذا وقفنا حفاة عراة وقد خشعت منا الأبصار في ذلك اليوم العظيم, اللهم ارحم ضعفنا يا رب العالمين، اللهم ارحم ضعفنا يا أرحم الراحمين.

الشفيع يوم القيامة

الشفيع يوم القيامة عباد الله: تذكروا إذا ماج الناس في ذلك اليوم العظيم, إذا اختلطت الأقدام, واشتد الزحام, وقالوا: {انظروا إلى من يشفع لنا عند ربنا, الله أكبر الله أكبر -يا عباد الله- تذكروا عندما يأتي الناس إلى آدم عليه السلام فيقولون: يا أبا البشر ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: لست لها لست لها اذهبوا إلى غيري فيعتذر آدم, ويعتذر نوح, ويعتذر إبراهيم, ويعتذر موسى, ويعتذر عيسى ويقول لهم عيسى: اذهبوا إلى محمد فإنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فيأتون إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم لك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد, اللهم اجعلنا من أمة الإجابة, الذين أجابوا داعي الله, اللهم اجعلنا ممن يقتدي على أثره إلى أن يلقاه على الحوض يا رب العالمين، ثم يأتون إلى رسول الله فيقولون: يا محمد! ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ اشفع لنا إلى ربك، اشفع لنا إلى ربك، فيقول: أنا لها، أنا لها، أنا لها صلى الله عليه وسلم, فيخر تحت العرش ساجداً ويقول الله له: ارفع رأسك يا محمد! -يا لها من فضيلة, يا لها من نعمة يا أمة الإسلام، اعرفوا قدر هذا الإسلام, اعرفوا قدر هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم- وقل يسمع, وسل تعط, واشفع تشفع, ماذا يقول صلى الله عليه وسلم؟ فيرفع رأسه فيقول: يا رب! أمتي أمتي -هنيئاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, عندما يقول: يا رب! أمتي أمتي - فيقول الله عز وجل: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من باب الجنة الأيمن} الله أكبر نسأل الله الكريم من فضله, أو كما ورد في الحديث الصحيح. ولكن المصيبة -يا عباد الله- والكسر الذي لا يجبر، الذي ابتعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم, الذي عصى ولم يطع ويمتثل أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم, ماذا يقال له إذا ورد الحوض؟ {يرد أناس من أمته الحوض، فتردهم الملائكة -تذودهم-, فيقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك, إنا لله وإنا إليه راجعون, فيقول: سحقاً سحقاً} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

المرور على الصراط

المرور على الصراط عباد الله: تذكروا الصراط إذا نصب على متن جهنم, ثم تذكروا الأنبياء وهم على جنبتي الصراط, ودعاؤهم يومئذ: اللهم سلم سلم, ثم تذكر يا عبد الله ممن أنت؟ هل من الذين ينجون كالبرق الخاطف, أو كأشد الرجال عدواً, أو كأشد الرحال, أو ممن يزحف زحفاً, أو يهوي في نار جهنم وبئس المصير, هل تدري من ينجو يا عبد الله على ذلك الصراط؟ هم المتقون, قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:71 - 72] اللهم اجعلنا من المتقين.

نصائح للنساء

نصائح للنساء أيها الإخوة في الله: الله الله في طاعة الله, أيتها الأخت المسلمة، أحذركِ بحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أحذركِ مما ورد في هذه الأزمنة المتأخرة, من التشبه بالكافرات العاهرات، حديث وصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ظهر لنا رأي العين في هذه الأزمنة المتأخرة، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار وذكر من هذا الصنف: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة, لا يدخلن الجنة, ولا يجدن ريحها, وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} كاسيات عاريات: يلبسن الثياب الضيقة التي تصف أحجام المرأة, أو يلبسن الثياب الشفافة التي تصف ما تحتها. أيتها المرأة: اتقِ الله عز وجل, وكوني داعية إلى الله, وأنا إن شاء الله واثق بالله عز وجل، ثم بك يا من جئتي إلى هذه الندوة المباركة أنك لست من الذين يلبسون هذه الثياب، ولكن أقول لك: قد سمعت هذا الحديث فبلغيه أولئك اللواتي هن في الليل والنهار في الأسواق متبرجات متعطرات فاتنات مفتونات, أخبريهن بهذا الحديث, أسأل الله ألا يحرمنا الجنة ولا والدينا, ولا والد والدينا. أيتها المرأة: أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط، لعنتها الملائكة حتى تصبح} فالله الله أطيعي زوجك, وأرضيه إلا إذا أمركِ بمعصية؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, واحذري من كثرة الخروج إلى الأسواق, ولا تغتري بتلك السائبات اللواتي لا يرتحن إلا في الخروج إلى الأسواق, فإنهن كما ورد {إذا خرجت المرأة متعطرة وشمها الرجال فإنها زانية} والعياذ بالله, فأحذركِ أيتها الأخت في الله من كثرة الخروج إلى الأسواق, ومن التبرج. اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وقاية الأسرة من النار

وقاية الأسرة من النار لقد أكثر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز من الحث على التقوى في أكثر من موضع، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وهذا نداء تشريف ينادي الله به عباده المؤمنين؛ ليجعلوا بينهم وبين النار وقاية بفعل الأوامر واجتناب النواهي وأن يهتموا بتربية الأولاد والأهل، وتذكر الآخرة والاستعداد للسؤال بين يدي الله.

قوا أنفسكم وأهليكم نارا

قوا أنفسكم وأهليكم ناراً إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه، ترك أمته على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله عن أمته خير ما جزى به نبياً عن أمته، اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين. أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله: حياكم الله في بيت من بيوت الله، ومع آية في كتاب الله العظيم، يقول الله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. يا أيها الذين آمنوا! هذا النداء من الله جلَّ وعلا، نداء من الكريم سبحانه وبحمده، ينادي به المؤمنين، وهذا النداء نداء تشريف ينادي به المؤمنين سبحانه وبحمده فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] أي: اجعلوا بينكم وبين هذه النار وقاية بفعل الأوامر واجتناب النواهي. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى، أكثر من الحث على التقوى في عدة آيات من القرآن العظيم؛ لأن تقوى الله سبحانه وتعالى فيها السعادة، والفلاح، والنجاح، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] هذا النداء من الله، يا أيها الذين آمنوا. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فأرع لها سمعك -أصغ لها سمعك- إما خيراً تدعى إليه أو شراً تحذر عنه]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه. والنداءات التي فيها الحث على تقوى الله سبحانه وتعالى كثيرة في القرآن منها قوله جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:102 - 103] ومنها قوله جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].

فوائد التقوى

فوائد التقوى من اتقى الله عز وجل فليبشر بالخير الكثير، يجعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، كما قال الرب جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. أيضاً من يتقِ الله ييسر الله أموره، كما قال الله جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4]. أيضاً من يتق الله يكرمه الله بكرامة لا تنال بحسب ولا بنسب ولا بكثرة أموال، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] لتعارفوا لا ليفخر بعضكم على بعض، ولا ليتكبر بعضكم على بعض {كلكم لآدم وآدم من تراب} لكن الله جل وعلا الحكيم العليم، الخبير البصير سبحانه وتعالى فصلها، وقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] الله أكبر! إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ثم يا إخواني في الله! من يتق الله جل وعلا يرزقه الله علماً نافعاً، يفرق بين الحق والباطل، يعرف الحلال من الحرام، يقول الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. اتقوا الله، افعلوا الأوامر، واجتنبوا النواهي؛ ينور الله قلوبكم وبصائركم بالعلم النافع الذي تعرفون به الحق من الباطل، وتفرقون وتميزون به بين الحلال والحرام، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. وما أحوج الأمة في هذه الأزمنة إلى العلم الشرعي -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقبض العلم الشرعي في آخر الزمان ويكثر الجهل ويظهر -نسأل الله العفو والعافية- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من العباد، ولكن بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا} إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! علينا أن نغتنم الفرصة في طلب العلم النافع والتفقه في دين الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} فإذا أردنا أن نحصل على العلم النافع، علم الشرع الذي تستنير به القلوب، فعلينا بتقوى الله عز وجل، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] سبحانه وتعالى. إخواني في الله: أيضاً بتقوى الله جل وعلا، ينال العبد محبة الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4] نسأل الله من فضله. ما ظنك إذا أحبك الله جل وعلا؟ ما ظنك إذا أحبك الله يا عبد الله؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض} والحديث متفق عليه، وفي رواية لـ مسلم: {وإذا أبغض الله عبداً -نسأل الله العافية- نادى جبريل: يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض}. ويخبر الرب جل وعلا في الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الرب جل وعلا: {وما تقرب عبدي إليَّ بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} فضل عظيم لمن أحبه الله جل وعلا. إخواني في الله: من فوائد تقوى الله عز وجل -أيضاً- أن الله سبحانه وبحمده يكون مع العبد، وإذا كان الله معه فلن يهزم، ولن يغلب، ولن يضام، يجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وييسر أمره، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، نسأل الله التوفيق والسداد، يقول الرب جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:194] ويقول سبحانه وبحمده: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]. إذاً: فعليك بتقوى الله مجيباً لداعي الله سبحانه وبحمده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة:278]. أيضاً يقول الرب جل وعلا مخبراً أنه سبحانه وتعالى إنما يتقبل من المتقين، قال جل وعلا: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].

الطرق التي أرشد إليها الإسلام للوقاية من النار

الطرق التي أرشد إليها الإسلام للوقاية من النار ثم يقول سبحانه وبحمده: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] إذا اتقيت الله عز وجل أيضاً عليك بهذا المسئولية العظيمة، ليس الأمر يقتصر على النفس، لا. قوا أنفسكم وأهليكم أيضاً، احرصوا على وقاية الأهل والأولاد من هذه النار التي وصفها الله بهذا الوصف الفظيع -نسأل الله العفو والعافية- {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] تقيهم من هذه النار بالنصح والإرشاد وتوضيح طرق الخير لهم، لكن قبل كل شيء -من باب الفائدة- إذا أراد الإنسان أن يوفق أيضاً بهذا الفعل الطيب وهو وقاية نفسه وأهله من النار عليه أولاً أن يسلك الطرق التي أرشد إليها الإسلام:

اختيار الزوجة الصالحة

اختيار الزوجة الصالحة أولاً: اختيار الزوجة ذات الدين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {تنكح المرأة لأربع: لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها -ثم قال صلى الله عليه وسلم- فاظفر بذات الدين تربت يداك}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة} وأول الطريق أن تختار الزوجة الصالحة ذات الدين التي تعينك على طاعة الله سبحانه وتعالى.

الذكر عند الجماع

الذكر عند الجماع ثانياً: الأخذ بالإرشاد الآخر الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: إذا أراد الإنسان أن يجامع أهله أن يقول: {باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان} الله أكبر! فإذا صار البيت فيه زوجة ديّنة، ثم رزقك الله بأولاد لم يضرهم الشيطان، تكون الحياة سعيدة بإذن الله تعالى، ويكون البيت عامراً بطاعة الله، وأسس على ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً تذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: {إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له}.

العمل بأسباب التوفيق والهداية

العمل بأسباب التوفيق والهداية ما الذي يصلح الأولاد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى؟ التوفيق بيد الله جل وعلا، والهداية بيد الله سبحانه وتعالى، لكن على العبد أن يفعل الأسباب. فما الذي يصلح الولد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى؟ هل يصلح الولد تركه كسائمة الأنعام يهيم في أودية الغي والضلال؟ في المقاهي والمسارح وعند الأفلام والمسلسلات والدخان والمخدرات والمسكرات! هل يصلح إذا ترك له الحبل على الغارب؟ لا. بل يضيع، ثم تكون المسئولية أعظم عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الأب لم يفعل الأسباب، ولو فعل الأسباب وبذل جهده وأخذ بإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم لحصل الخير الكثير بإذن الله تعالى، والهداية بيد الله جل وعلا. وإنما عليك أن تفعل الأسباب والهداية بيد الله، أما أنك تترك الحبل على الغارب للأولاد ولا تسأل عنهم، وهذا طريق كثير من الناس -نسأل الله أن يعفو ويسامح- يترك الحبل على الغارب للأولاد، لذلك إذا مررت بالمقاهي في آخر الليل الساعة الواحدة والثانية من الليل تجد غلماناً صغاراً من العاشرة، إلى الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة في المقاهي، تجده ممسكاً بالشيشة وعيونه طائرة بالأفلام والمسلسلات، فأين الآباء يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! فعند ذلك يصبح عضواً فاسداً وفاشلاً في المجتمع، بسبب تضييع الأب، لكن إذا فعل الأب أسباب وقايته من النار، وهي بنصحه وإرشاده وتوجيهه بعد توفيق الله سبحانه وتعالى. يكون عضواً ناجحاً فعّالاً في بناء المجتمع. وللأسف تجد البعض من الآباء يدخل آلات اللهو ويتعذر والعذر أقبح من الفعل، تقول له يا أبا فلان هذه الآلة تدمر الأخلاق والآداب والعفة والشرف، قال: والله أنا لا أود أن يذهب الولد إلى الجيران ويؤذي الجيران، ثم يأتي هذا الأب بماله الذي سوف يسأل عنه يوم القيامة ويدخل هذه الآلة، ويفسد بها البيت -نسأل الله العفو والعافية- إنا لله وإنا إليه راجعون! ماذا تكون الأحوال إذا نشأ الأولاد على هذه الآلات؟ والمصيبة يا إخواني هي الإناث، المصيبة كل المصيبة الأنثى، المرأة المسكينة، هذه الأمانة التي هي آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن قال وهو يلفظ آخر أنفاس الحياة: {وما ملكت أيمانكم} عندما أوصى بالصلاة قال: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} هذا المرأة التي أؤتمنت عليها، أمانة في عنقك سوف تسأل عنها يوم القيامة. ما ظنك إذا نشأت هذه البنية على مشاهدة الأفلام، وهذه الأفلام تعلم الحب والغرام، وأحياناً ينشر فيها فضائح لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى يخبر عنها من يشاهدها ممن ابتلي بها -نسأل الله العفو والعافية- ناهيك عن تلك الأفلام التي تنشر -أيضاً- تعليم السرقة والسطو والقتل ودعايات للمخدرات والمسكرات، وقنواتنا الآن التي تبث في هذا الدش -الغش- وتشكك في عقائد المسلمين -مع الأسف الشديد- كيف ينتج الابن والبنت إذا عاشوا على هذه الأفلام؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! أين أسباب الوقاية يا عباد الله؟! {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] ولذلك الآباء نسوا أو تناسوا تلك المسئولية التي علقها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تظن أخي في الله أن المسألة زواج وإنجاب أولاد ثم تترك لهم الحبل على الغارب، لا، المسئولية عظيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والراجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}.

التفكر في عظم المسئولية

التفكر في عظم المسئولية الأمر عظيم يا إخواني! فهي مسئولية، لكن تفكر فإن الله أعطاك العقل وميزك وأكرمك بهذا العقل، ميز وتذكر متى تكون المسئولية ومن الذي سوف يلقي عليك السؤال؟ لا إله إلا الله! أما المسئولية تكون يوم القيامة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] يوم القيامة، يوم الطامة الكبرى، قال الله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34 - 35] ومتى سعى هذا السعي؟ سعيه في الدنيا {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:35] ثم المصيبة الكبرى والعظمى {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:36] النتيجة؟ {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37 - 41]. المسئولية يوم القيامة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30]. المسئولية يوم القيامة {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] ومن الذي سيلقي عليك السؤال؟ الله جل جلاله. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان} هناك أربعة أسئلة: {لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به} مسئولية يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! يقول بعض العلماء: على العاقل أن يتذكر ذلك الموقف إذا وقفت الزوجة والابن والبنت كل منهم يدلي بحجته يقول: يا رب! خذ مظلمتي، لا إله إلا الله الزوجة تقول: يا رب! خذ مظلمتي من زوجي، والابن يقول: يا رب! خذ مظلمتي من أبي، البنية تقول: يا رب! خذ مظلمتي من أبي، لا إله إلا الله، حتى الجار كما يروى في الحديث: {الجار يقف يخاصم جاره يقول: يا رب! خذ مظلمتي من جاري، رآني على المنكر ولم ينهني ولم يأمرني} إنا لله وإنا إليه راجعون! يا رب! الطف بنا بلطفك.

ظاهرة السهر الطويل

ظاهرة السهر الطويل الأمر جد عظيم يا عباد الله! قال الله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] قبل سنين كنا لا نعرف الأفلام والمسلسلات يوم كنا لا نسهر طول الليل، يجلس الأب مع أولاده يعلمهم، يا ولدي! من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ يا بنت! يا زوجة! كم أركان الإسلام؟ كم أركان الإيمان؟ كم أركان الإحسان؟ ما هو أكبر شيء أمر الله به؟ وما هو أعظم شيء نهى الله عنه؟ فيتفقّهون في البيت على العقيدة، ويحصل الخير الكثير وهم لا يشعرون، الملائكة تحفهم، ورب العالمين يذكرهم فيمن عنده سبحانه وتعالى، وتنزل السكينة، وتغشاهم الرحمة، لماذا؟ لأنهم في مجلس علم وذكر. يا إخواني في الله: ما يضرك أن تجلس مع أولادك وتعلمهم، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ كم أركان الإسلام؟ كم أركان الإيمان؟ كم أركان الإحسان؟ ما هو أول شيء أمر الله به؟ وما هو أعظم شيء نهى الله عنه؟ فيعرفون ذلك ويتفقّهون في دين الله سبحانه وتعالى. لكن الآن كيف أحوال بيوت المسلمين؟ مع ما أحدث الناس من هذه البدعة الشنعاء ألا وهو السهر الطويل الذي يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إن هذه بدعة تشتمل على أمور أيضاً محرمة عند الكثير، لا نقل عند القليل من الناس بل والله عند الكثير. أولاً: إن السهر بدعة ابتدعها الكثير من الناس؛ لأنها مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهديه صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، ثم جاء أقوام فأحدثوا هذا السهر وناهيك عن هذا السهر بماذا يقرأ؟ إذا قضى هذا السهر مع الأفلام والمسلسلات والأغاني الماجنات والبلوت والملاهي وغيرها كيف تكون الأحوال يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ ويا ليت هذا الذي يقضي ليله مع هذه المصائب والمعائب يا ليته يفكر ولو قليلاً، ويتفكر من الذي يكتب هذه المجالس وما فيها؟ وهو يؤمن إيماناً لا شك فيه أن الله وكل به ملك عن اليمين وملك عن الشمال، هذا يكتب الحسنات وهذا يكتب السيئات، من الذي يكتب تلك الجلسات -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- مع الأفلام والمسلسلات والبلوت والقيل والقال حتى ينتهي الليل، من الذي يكتبها يا إخواني في الله؟ هل يكتبها ملك اليمين أو يكتبها ملك الشمال؟ يكتبها ملك الشمال، وهل توضع في ميزان الحسنات أو توضع في ميزان السيئات؟ والله إنها توضع في ميزان السيئات -إي والله- إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً سبحانه وبحمده. ملك اليمين لا يكتب والله جلسة مع المسلسل ولا مع التمثيلية ولا مع الأغنية ولا مع البلوت ولا مع الكنكان ولا يكتب الغيبة والنميمة، فكل هذه يكتبها ملك الشمال. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[ويلٌ لمن غلبت آحاده عشراته]] السيئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها، لكن الآن أكثر الأعمال بالسيئات -مع الأسف الشديد- إنا لله وإنا إليه راجعون! فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! انظروا الآن إلى أحوال المسلمين، الكثير من نساء المسلمين لما ترك لهن الحبل على الغارب ينظرن إلى هذه الأفلام والمسلسلات! انظر كيف حالهن؟ هل نساؤنا في هذه الأعوام المتأخرة مثل نساء المسلمين قبل ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين سنة؟ لا والله يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قبل ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين سنة لا ترى هذه العباءة الخفيفة، ولا ترى العباءة توضع على الكتف، ولا ترى هذا البرقع الفاسد الذي يظهر نصف الخدين، ولا ترى هذه الملابس المشقوقة عن اليمين والشمال والأمام، لا ترى هذا المظهر الفاضح، الذي أظهر العنق والذراعين واليدين والشعر، إنا لله وإنا إليه راجعون! هل سمعنا يا إخواني بعدسات زرقاء وعدسات حمراء وخضراء وبيضاء؟! هل سمعنا بها قبل سنوات؟! هل سمعنا بقصة الإفرنج تعملها المرأة المسلمة؟! لا والله ما سمعنا بهذا، ما الذي حلّ بالناس؟ لما رأوا هذه الأفلام والمسلسلات بدأ الكثير من الناس يجرون وراءها -نسأل الله العفو والعافية- إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. لذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح، قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما، رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} والله لقد شاهدنا هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لكن أخي في الله! اعمل جهدك لتقي زوجتك وابنتك من هذه النار: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. بيِّن لها يا أخي في الله! تجلس مع أهلك كما كان الآباء يجلسون مع أهلهم وأولادهم قبل سنين، اجلس يا أخي واعقد جلسة، اقطع العلاقات مع ذلك الجهاز الخبيث الذي أغفل الكثير من الناس، اقطع معه المجلس، وأتِ بكتاب من كتب أهل العلم واقرأ على الأهل والأولاد حتى يعمر البيت بذكر الله عز وجل، وتهرب منه الشياطين نسأل الله التوفيق والسداد. ماذا فوت هذا السهر على الكثير من الناس من الخير؟! فوت عليهم فضائل عظيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله إلا أعطاه الله من خير الدنيا والآخرة} نسأل الله التوفيق والسداد. وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل نزولاً يليق بجلاله وعظمته فيقول: {هل من سائل فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه} من يغتنم هذا يا إخواني في الله؟ من يحوز على هذا الفضل العظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ الليل له فرسان يمشون على طريقة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مستضيئين بنور القرآن الكريم، وفرسان يقودهم الشيطان في غياهب الهواء والضلال، نسأل الله العفو والعافية. أما الفرسان الذين اهتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين قال الله عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذريات:17 - 18] وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:16] أما الفرسان الذين يقودهم الشيطان فهم الذين يتابعون تلك الأمور الفظيعة، نسأل الله العفو والعافية.

أسباب الوقاية من النار

أسباب الوقاية من النار فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ألا نستثير الهمم ونعرف قيمة الوقت -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- الذي والله سنسأل عنه يوم القيامة فإنه مسطر علينا ومسجل يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وسوف نسأل عنه يوم القيامة قال الله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6]. تكون الوقاية بعدة أمور:

اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم

اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: نأخذ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، نترك هذا السهر، ننام مبكرين ونجعل لنا ساعة نقوم بها آخر الليل -نسأل الله التوفيق والسداد- يا ألله نسألك من فضلك. الله أكبر إذا قام الرجل وأيقظ أهله وصليا ما كتب الله لهما، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، وحازا على ذلك الفضل العظيم الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

ترك السهر

ترك السهر نعم، أولاً نترك السهر، ثم نأخذ بالأسباب التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن الإنسان إذا نام عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، ويضرب على كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد} نسأل الله العافية. ما هو العلاج؟ العلاج يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقده الثلاث، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً} نسأل الله العافية.

المحافظة على الأذكار

المحافظة على الأذكار نأخذ بهذا التوجيه يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ننام مبكرين، نترك السهر، ونقطع العلاقات مع ذلك الجهاز الخبيث، ونأخذ بالأسباب التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما نستيقظ نذكر الله، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا استيقظ من النوم قال: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور} إذا قلت هذا الذكر، فإذا دعيت الله استجاب لك، وإن قمت وتوضأت وصليت قبل الله صلاتك، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.

الصلاة في جوف الليل

الصلاة في جوف الليل ثم يقوم الإنسان ويصلي ما كتب الله له في تلك الساعة المباركة التي ينزل فيها الرب إلى السماء الدنيا، نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيحظى على هذا الوعد الرباني، والله لا يخلف الميعاد سبحانه وتعالى، الله أكبر! من يسألني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يتوب فأتوب عليه، لا إله إلا الله!

الاهتمام بتربية الأولاد

الاهتمام بتربية الأولاد ثم -أيضاً- نحافظ على الأولاد ولا نترك لهم الحبل على الغارب، نسأل عنهم، أين ذهبوا، ومتى جاءوا، ومع من يذهبون، ومن يجالسون؟ حتى نخرج من المسئولية يوم القيامة. أما أنك تتذكر بعدما يشب ويكبر، وعند ذلك تندم وتعض على أكف الندم فهذا لا تستفيد منه. إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشب إخواني في الله: إن الزائر لدور الملاحظة -الآن هناك دور ملاحظة وتربية وسجون نسأل الله العفو والعافية- يرى الكثير من الشباب، ووالله يا إخواني إن القلب ليتقطع حسرات، عندما تنظر فلذات أكباد المسلمين في تلك المحلات -إنا لله وإنا إليه راجعون- ما الذي أتى بك؟ قال: سرقة، وأنت ما الذي أتى بك؟ قال: أخلاقيات، وأنت؟ قال: سكر -نسأل الله العفو والعافية- شباب صغار يا أمة محمد، اللهم لا شماتة، اللهم أقر أعيننا بصلاح أولادنا ونسائنا يا رب! اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما. والله إنه شيء يدمي القلب -يا إخواني في الله- أن ترى فلذات أكباد المسلمين، وإذا سألته ما الذي أتى بك؟ قال: سرقة، وهذا مخدرات ومسكرات، وهذا أخلاقيات إنا لله وإنا إليه راجعون! -أيضاً- نأخذ بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ قال: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} الله أكبر، اللهم صلِ على محمد، لا إله إلا الله {مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} الآن انظر إلى مساجد المسلمين في صلاة الفجر، أين من عمره عشر سنوات أين من عمره خمس عشرة سنة؟ أين من عمره عشرون سنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ المساجد منهم خالية، لكن الصباح، والابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والجامعة، تجد الشوارع ملأى، لا إله إلا الله. إن المصيبة إذا اجتمعت الأم والأب على غش هذا الابن، هذه هي المصيبة؛ لأن بعض الآباء يريد أن يوقظ ابنه، لكن تقف أمه في وجهه تقول: اترك الولد فإنه تعبان، البارحة نازع الكرة هذا المسكين، دعه ينام، وتقول: باسم الله عليك وتغطيه، وبعد ربع ساعة إلا والأم عند رجليه، والأب عند رأسه قم قم لا يفوتك المستقبل، لا إله إلا الله! الله أكبر المستقبل. المستقبل والله في جنة عرضها السماوات والأرض، المستقبل في النجاة من النار يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ليس والله المستقبل في شهادة دنيوية أو مرتب أو مرتبة أو غيرها فإنه سوف يذهب عنها ويتركها، إي والله! بل والله إن المستقبل في جنة عرضها السماوات والأرض، هذا والله هو المستقبل يا إخوان! لكن على الأب أن يتقي الله عز وجل. يقول بعض الشعراء النبطيين: أدب وليدك من أجل تبغاه يشفيك لو زعلت أمه لا تخليه ياليك انظر حتى العرب جزاهم الله خيراً، أباؤنا وأجدادنا كانوا مهتمين بهذا، فيا أخي: أدب ولدك، أدبه بالآداب الإسلامية التي يحبها الله ويرضاها، لو زعلت الأم لا تخليه يهلك الأم، المرأة ناقصة عقل ودين، لكن الرجل هو الذي له القوامة وعليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى، ثم يأمر، ولذلك نحن في هذه البلاد في نعمة ولله الحمد، في غير بلادنا إذا أمر الرجل ابنه الكبير وهو في سن خمسة عشر أو عشرين يرفع به إلى العدالة، أو ابنته ترفع به إلى العدالة، وليست عدالة ولكنها قانون خائب -نسأل الله العافية- ثم يؤدب الأب، لماذا تأمره ولماذا تنهاه، إنا لله وإنا إليه راجعون! لكن نحن في هذه البلاد ولله الحمد لك السيطرة على أهلك وأولادك تأمرهم وترشدهم إلى طاعة الله ولا أحد يقف بوجهك، بل والله إن هناك من يشجعك على ذلك ولله الحمد، إن أدخلته في حلقات القرآن هناك من يشجعك ويعينك على ذلك، وإن أدخلته في المؤسسات العلمية كذلك مكافآت وغيرها، نسأل الله جل وعلا أن يحفظ علينا ديننا، وأن يحرس بلادنا من الحاسدين إنه على كل شيء قدير. إذاً أخي في الله: احمد الله عز وجل، وخذ بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع}. ثم أيضاً نحذر من الخطر الذي داهمنا، وهو ترك الحبل على الغارب للمرأة، تسافر وتركب مع السائق، وتذهب حيث شاءت، إنا لله وإنا إليه راجعون! هل سمعنا بهذا قبل سنين يا إخوان؟! لو قيل لكم: إن فلان بن فلان يترك زوجته أو بنته مع السائق يذهب بها هل تصدقون هذا؟ والله لا نصدق، تقول: هذا في عقله شيء، وإلا فإن الرجل ذو الشهامة والمروءة والأصالة لا يترك زوجته أو ابنته يذهب بها السائق بدون محرم. إي والله يا إخوان! ولذلك الآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! تجد بعض الرجال قد ترك الحبل على الغارب يذهب السائق بالمرأة إلى السوق إلى المستشفى والمدرسة ولا شعرة أو شعيرة من الغيرة تتحرك، فإنا لله وإنا إليه راجعون! والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} الرسول يخاطب الصحابة رضي الله عنهم، الصحابة أفضل وأطيب الأمة، أفضل الأمة بعد نبينا، وبعض الناس يقول: هذا السائق أنا أعرفه إنه ابن حلال، لا يرفع رأسه، وما أدراك يا مسكين؟ لا يرفع رأسه عندك، لكن عندما يركب ويذهب بعيداً انظر ماذا يفعل؟ بدأ يكد شعره، وهذا يقول: دابة سليمة والله لم نر عليه شيء، ونعمة أعطانا الله إياها، يدخل آخر البيت ويحضر القهوة ويقول: هذه نعمة ساقها الله لنا، لا والله نقمة ساقها الله عليك، والله إنها نقمة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لكن نسأل الله أن يوقظ الغيرة في قلوبنا، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} ثم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: {وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} هذا خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخاطب الصحابة رضي الله عنهم، وبعض الناس يقول: القلوب سليمة، هل قلوبنا أسلم من قلوب الصحابة؟! لا والذي رفع السماء بلا عمد والله إنها ليست بأطهر من قلوب الصحابة رضي الله عنهم، بل هذا اتهام للصحابة رضي الله عنهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} {وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}. ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: أفرأيت الحمو يا رسول الله؟! قال: الحمو الموت} هذا القريب، فكيف بأجنبي لا تمت له بصلة يدخل البيت ويذهب بها العزبة ويذهب بالبنات، إنا لله وإنا إليه راجعون! والله يا إخواني! والله الذي لا إله غيره، إني جلست في إحدى المستوصفات، ورأيت السائق عند البنات إحداهن عمرها تسع سنين، والثانية ست سنين كلهن جالسات على فخذ السائق وكأنه أبوهن، نسأل الله العافية. إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. يا أخي! فقط انظر في الصباح، انظر أحوال المسلمين، أين الغيرة على المحارم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ما هو عذرك أمام الله عز وجل؟ لا يوجد عذر إلا مجاراة الآخرين والتقليد الأعمى، نسأل الله العفو والعافية. فينبغي لنا أن نتقي الله في هذه النسوة، ولنعلم أنها أمانة في أعناقنا سوف نسأل عنها، فكيف يترك لها الحبل على الغارب تذهب أينما شاءت، قفوا عند المستوصفات وانظروا ما الذي حصل، السائق يأتي بالمرأة في الضحى وفي غيره، إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله! عباد الله: المسئولية عظيمة سوف نسأل بين يدي الله سبحانه وتعالى عنها: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] لكن المرأة ماذا تقول يوم القيامة؟ أتظن أنها تعذرك يوم القيامة؟ لا. تقول: يا رب! خذ مظلمتي من زوجي، رآني على المنكر ولم ينهني ولم يأمرني، أي والله إنه منكر، والله الذي لا إله غيره إنه منكر، كون المرأة تركب مع السائق بدون محرم، منكر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] بعض الرجال الآن تجده يدخل السوق مع زوجته، والزوجة متعطرة متبرجة قد لبست أحسن الثياب وكأنها سوف تدخل ليلة زفاف، تدخل في السوق وهي متبرجة متعطرة أمام الرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون! وقد ورد أن واحداً من رجال الهيئة، قال لأحد الرجال -مع الأسف الشديد- يا أخي! قل لزوجتك تتستر، قال: اذهب أنت وقل لها. كيف يذهب إليها؟! ألست أنت زوجها أخذتها بكلمة الله عز وجل، وصارت أمانة في عنقك، اتق الله، إنا لله وإنا إليه راجعون! فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! علينا أن نتقي الله عز وجل. ثم أيضاً {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] نقي أنفسنا، بعض الرجال يترك المرأة تدخل على الطبيب بدون محرم، أو معها طفل صغير لا يعتبر محرماً لها، ولا يدافع عنها، هل هذا خطأ أو صواب يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! إنه خطأ. إنا لله وإنا إليه راجعون. {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] بماذا نقي أنفسنا وأهلينا؟ بإرشادهم ودلالتهم على الخير. بعض البيوت يوجد فيها أولاد لا يصلون، ذكوراً وإناثاً لا يصلون فيا ترى على من تقع المسئولية؟ على الأب. ثم بعد ذلك على الأم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم {والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها} نسأل عنهم يوم القيامة، الابن لا يصلي، والبنت لا تصلي، لا إله إلا الله! إنا لله وإنا إليه راجعون! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

وصف النار

وصف النار {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] إذا أردنا أن نقي أنفسنا من هذه النار فعلينا أيضاً أن نتذكر تلك النار، التي قال عنها ربنا جل وعلا: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] هذه النار التي وصفها ربنا في القرآن، ووصفها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فقال: {يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} يا رب نستجير بك من النار، يراها أهل الموقف كلهم، فتزفر زفرة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول: يا رب لا أسألك إلا نفسي، نفسي نفسي، لا إله إلا الله، هذه النار يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قبل أن ندخل في أوصاف النار، نأخذ أول الآية يوم أن قال الله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] لمن هذا النداء يا إخواني؟ {يا أيها الذين آمنوا} لم يقل يا أيها اليهود والنصارى، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وقف أمام الصحابة رضي الله عنهم أفضل هذه الأمة، خير القرون بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار} حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه صلى الله عليه وسلم، وسمعه أهل السوق يحذر الصحابة رضي الله عنهم، لا إله إلا الله، وربنا جل وعلا يقول: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] نعوذ بالله من النار. أما إن سألت أخي في الله عن ملابس أهل النار التي أعدت لهم، فاسمع خبر الجبار جل جلاله يقول: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19]-نعوذ بالله من النار- ثم هم يريدون الخروج من النار، يتطلعون إلى الخروج من النار، ولكن هيهات هيهات، لماذا؟ لأنهم أغضبوا الجبار جل جلاله، يقول الرب جل وعلا: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:22] أعوذ بالله {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. ثم تصورهم في النار، يقول الرب جل وعلا: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] أما إن سألت عن طعامهم الذي يطعمون في النار، فقد بينه الله جل وعلا في محكم البيان فقال: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:43 - 46] ثم إذا شربوا ذلك، وغليَ في بطونهم كغلي الحميم، اشتعل في بطونهم، يريدون أن يطفئوا هذه النار الذي اشتعلت في بطونهم، بماذا يسقون؟ لا إله إلا الله! يقول الرب جل وعلا: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ويقول جل وعلا: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:16 - 17] أين هم؟ في نار جهنم والعياذ في الله. تلك النار التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه}. أي والله إنها تذكرنا الآن، إذا جلسنا الآن عند الدفاية البسيطة، بالله عليك أدخل إصبعك في هذه النار، انظر كيف سيكون الأمر، أو إذا جلست عند (المشب) ووقعت عليك شرارة ووقعت على فخذك تطمر وكأنه وقع فيك شيء لا تطيقه كالجبال، ثلاثة أيام أو أربعة أيام وأنت تعالجها، يا الله نسألك النجاة من النار، شرارة من شرارة نار الدنيا، الذي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله! إنها لكافية، أي: نار الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها}. ولذلك يقول الله جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة:71] يعني نار الدنيا {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} [الواقعة:72] ثم قال جل وعلا: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:73] بدأ بالتذكر قبل التمتع بهذه النار، نحن جعلناها تذكرة، تذكروا، إذا رأيت هذه النار نار الدنيا، تذكر نار جهنم -نعوذ بالله من نار جهنم- اللهم إنا نستجير بك من نار جهنم يا رب العالمين. أيها الإخوة في الله: يقول الرب جل وعلا: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة، -أي: سمعوا صوت شيء سقط- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً، فالآن انتهى إلى قعرها} نسأل الله العفو والعافية، قعرها بعيد، وحرها شديد، نسأل الله العفو والعافية. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لو أن قطرة من الزقوم سقطت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم} يا رب نستجير بك من النار. يقول الحسن البصري رحمه الله في هذه الموعظة: [[ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية، قد آن حرها واشتد نضجها]] كيف حالهم؟ ماذا تعمل بهم النار؟ وقفوا على أرض القيامة خمسين ألف سنة، ثم انصرف بهم إلى النار، نعوذ بالله من النار، اللهم إنا نستجير بك من نار جهنم يا أرحم الراحمين! فيا إخواني في الله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ما دمتم في زمن الإمكان.

التوبة النصوح

التوبة النصوح يا إخواني في الله: كما سمعنا في بداية الكلام إن الله يحب المتقين، فمن أسباب تقوى الله والوقاية من عذابه التوبة النصوح، ولذلك يقول الله جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222] يا رب نسألك توبة نصوحاً، فعلينا يا إخواني في الله! إن كان فينا شيء من الأمور التي ذكرتها آنفاً أن نتوب إلى الله عز وجل ونبتعد عنها. وأكبر ما أُصبنا به في هذه الأوقات هو الدش هذا الغش يا إخوان! هذا الغش الذي انفتح على الناس في هذه الآونة المتأخرة، وفيه والله الشر المستطير. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من ابتلي به فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، يتوب إلى الله ويكسر هذه الآلة قبل أن يموت وقد خلفها وراء ظهره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة} فيا إخواني في الله إن الذي يخلف خلف ظهره هذا الغش، ثم يترك أولاده ينظرون إلى تلك الأفلام والمسلسلات الفاضحة الخبيثة، هل فيها نصح أو غش؟ والله إن فيها غشاً، فكلما نظروا إليه في هذه المسلسلات والأفلام وغيرها يأتيه من الوزر من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا، نسأل الله العفو والعافية. اللهم إنا نسألك العفو والعافية، فنسأل الله جل وعلا أن يرزقنا توبة نصوحاً، وأبشر يا من تاب إلى الله ورجع إلى الله، أبشر إن الله يبدل السيئات حسنات، وأنك تكون من أحباب الله، وأبشر يوم أن تأتيك المنية وقد تبت ورجعت إلى الله، لا إله إلا الله! اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا رب العالمين. الحقيقة أن الإخوان أرسلوا أسئلة، وأنا لست ممن يجيب عن الأسئلة، ولكن أقول لكم ولله الحمد: الآن الدروس قائمة في المساجد يقيمها علماء، فعليكم أن ترتادوا هذه المجالس تشحذوا الهمم وتذهبوا إلى تلك المساجد وتجلسوا في تلك المجالس مجالس العلم، ومجالس الفقه في الدين، ومن كان لديه أسئلة فليلق أسئلته عليهم. نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أقر أعيننا وأفرح قلوبنا بصلاح أولادنا ونسائنا، اللهم اجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم أجمعنا ووالدينا ووالد والدينا في جنات الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا ووفقهم يا ألله لتغيير المنكرات، اللهم وفقهم لإزالة المنكرات، اللهم أعنهم على إزالة المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المسلمين في الشيشان، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك، وأمدهم بقوة من قوتك، وجند من جندك، فإنه لا يهزم جندك يا قوي يا علي يا عظيم. اللهم وحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق والدين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين، اللهم عليك بالروس المعتدين ومن عاونهم من اليهود والنصارى وأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اقطع دابرهم، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، وخالف بين كلماتهم، واجعل بأسهم بينهم يا قوي يا علي يا عظيم، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صور من نعيم الجنة وعذاب النار

صور من نعيم الجنة وعذاب النار لقد وصف الله الجنة لعباده المؤمنين، ليزدادوا لها شوقاً ومسابقة وعملاً، فوصف لهم ما فيها من الأنهار والأشجار، وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من النعيم الأبدي، ووصف لهم ما فيها من الدرجات العالية والمنازل الرفيعة، وما لهم من الزوجات الحسان، وبالمقابل وصف لهم مقام أهل المعاصي والآثام وما يلقونه من الإهانة والنكال.

وصف الجنة

وصف الجنة الحمد لله رب العالمين الذي خلق الجنة وأعدها لمن أطاعه واتقاه، وخلق النار وأعدها لمن عصى وتكبر وابتعد عن طاعة الله، أحمده سبحانه أوضح لنا طريق الحق وأمرنا باتباعه، ونهانا أن نسلك سبل الغواية والضلال، لأجل الأمر والنهي أنزل الكتب وأرسل الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو الذي لا ينطق عن الهوى: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: يا من تريدون النجاة من النار والفوز بدار القرار: يا من يريد أن يسكن في الجنة ويبعده الله عن النار! فالبدار البدار إلى الإيمان بالله والأعمال الصالحة التي تقرب من الله زلفى! قال الله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلى * {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه:75 - 76] وأيضاً يصدر الخبر اليقين بأن الله أعد الجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات فيقول وقوله الحق: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:107 - 108]. أيها الإخوة في الله: بادروا بالمنافسة والمسارعة إلى الجنة، ليقم القائمون، وليصم الصائمون، وليتصدق المتصدقون، أقبلوا على اللطيف الخبير، وأصلحوا ما دام في العمر فسحة، فإنكم والله لا تدرون لعلكم لا تصبحون بعد أن تمسوا، ولا تغتروا بهذه الحياة الدنيا فإنها دار غرور، خداعة مدبرة فانية، فالله الله فيما يقربكم من الله والدار الآخرة! فإن الآخرة مقبلة باقية ثم فريق في الجنة وفريق في السعير. أيها الإخوة في الله: لقد وصفت لنا الجنة ووصفت لنا النار، وصفها الله جل وعلا في كتابه، ووصفها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فالمؤمن بالله حقاً إذا سمع تلك الأوصاف في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ازداد شوقاً وفرحاً إلى الجنة، وخوفاً وهروباً من النار، فالجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]}. نعم -يا عبد الله- إنها دار الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

صفة الجنة ودرجاتها

صفة الجنة ودرجاتها فإن سألتم عن سعة الجنة فاسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يصفها لنا في كتابه العزيز ويقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] ويقول أيضاً جل وعلا وهو يصف لنا سعة الجنة: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحديد:21]. ثم لنتفكر في هذه الجنة ما هو بناء هذه الجنة، هذه الجنة دار؛ قصورها مبنية بلبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، هذه الجنة فيها خيام اللؤلؤ المجوفة قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة:72] ثم يخبر الله جل وعلا أن لهم نعيماً آخر وهو الرضوان من الله فيقول: {وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72]. وأيضاً يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم الجنة عندما أسري به فيقول: {ثم أدخلت في الجنة فإذا بها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك} وأيضاً يقول الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم: {جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن} متفق عليه. عباد الله: إن الجنة درجات وما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، من هذه الدرجات مائة درجة للمجاهدين في سبيل الله، ودرجات أخرى للمؤمنين والعلماء قال الله تعالى: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11]. وأيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الدرجات فيقول: {من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، فقالوا: يا رسول الله! أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض -ثم يقول الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم-: فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة -قال راوي الحديث- أراه قال: وفوقه عرش الرحمن ومنه تتفجر أنهار الجنة}. وقد بيَّن لنا رب العزة والجلال في محكم البيان درجات المجاهدين فقال: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:95 - 96].

وصف الحور العين

وصف الحور العين يخبر صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق عن نعيم آخر في الجنة فيقول: {إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً، ثم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن فيها للمؤمن أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضاً} متفق عليه، ثم يخبر الله عز وجل: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} [الصافات:48] في تلك الخيام: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:48 - 49] ويقول الله تعالى في وصف تلك العرائس الحسان: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] ويقول أيضاً في وصف تلك العرائس الحسان: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22 - 23]. ثم يقول صلى الله عليه وسلم عن هذه الزوجات الحسان: {ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض؛ لأضاء ما بينهما ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها} الله أكبر! البدار البدار يا من تحب الجمال الطبيعي! يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة} ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يبصقون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، قالوا: يا رسول الله! فما بال الطعام -أجل أين يذهب الطعام يا رسول الله؟ - قال صلى الله عليه وسلم: جشاءٌ ورشح كرشح المسك}. أيها الإخوة في الله: ثم إن سألتم عن تلك الآنية التي يأكلون ويشربون فيها، فقد وصفها الله ورسوله في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] من هؤلاء العباد؟: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] ماذا يقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70] ثم اسمعوا إلى الكرامة يا عباد اللهّ! اسمعوا إلى الآنية والتي فيها {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] خالدون لا يموتون لا يخرجون منها، لا يأتي صاحب المكتب العقاري فيقول: انتهت المدة، لا. بل هم في نعيم دائم أبدي سرمدي في تلك الجنة. ثم يصف رب العزة والجلال نعيماً آخر، يخبر الله عنه فيقول: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ} [الواقعة:17 - 19] هذا خمر الجنة {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ} [الواقعة:19]. وماذا عندهم من الفواكه؟: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:20] وأيضاً: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21].

صفة أنهار الجنة وحللها

صفة أنهار الجنة وحللها ومن نعيم الجنة أيضاً نعيم آخر في الجنة، وهو الأنهار التي تجري من دون أخدود، وفيها اللذة والنعيم، اسمعوا إلى وصفها في كتاب الله عز وجل: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] اسمع يا عبد الله! حرك الهمة إن كنت تريد الدار العامرة وما فيها، فإن فيها أنهاراً، اسمع إلى هذه الأنهار يصفها الجبار جل وعلا: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] مسكين الذي أضاع عقله بالمسكرات الدنيوية، مسكين الذي أضاع عقله بالمخدرات وأصبح بمنزلة المجانين والحيوانات، لقد أضاع نصيبه من هذا الخمر {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15]. ثم لهم في الجنة حلل وملابس وذلك من كمال النعيم في الجنة، اسمعوا إلى المولى جل وعلا يصف لنا تلك الحلل وتلك الملابس: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] اسمع يا عبد الله! إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الذين يحوزون على هذا النعيم، ما لهم؟: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:31] تصور إلى ولي الله وهو متكئ على الأريكة، وفي جواره تلك الزوجة الحسناء، وهو بين تلك الأنهار الأربعة، وعند الثمار اليانعة. ثم يلفت نظرك القرآن الكريم يا من تؤمن بالله ورسوله وبما جاء عن الله وعن رسوله، يلفت نظرك القرآن إلى نعيم آخر فيقول الله جل وعلا مخبراً عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً} [الإنسان:12 - 19] اسمع يا من تحب ساعات المجالس والأماكن: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:20 - 21]. ثم لهم مكان يستريحون فيه في الجنة، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: {إن في الجنة شجرة يسير فيها الراكب الجواد المضمر مائة عام ما يقطعها} شجرة لأهل الجنة يستريحون تحتها، ويلتقون تحتها، ويجتمعون تحتها، نعم إنها في الجنة التي قال الله عنها: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30]. ثم إن في الجنة سوقاً لا بيع فيها ولا شراء، يأتونه كل جمعة وتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وفي ثيابهم؛ فيزدادون حسناً وجمالاً، ويرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، ويقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً كما يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صفة أول أهل الجنة دخولا

صفة أول أهل الجنة دخولاً أيها الإخوة في الله: إن أهل الجنة يتفاوتون في دخلوها، فأول من يدخل الجنة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بذلك وقال: {آتي باب الجنة يوم القيامة واستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك} ثم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول زمرة يدخلون الجنة فيقول: {إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، وأما آخر من يدخل الجنة هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي ربي كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟! فيقول: رضيت ربي، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت ربي، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت ربي}.

أعظم نعيم لأهل الجنة

أعظم نعيم لأهل الجنة وأخيراً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى يقول لأهل الجنة: {يا أهل الجنة: فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا! وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربِ! وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} وأيضاً {ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً} وأخيراً وليس آخراً يا عبد الله! وأخيراً لم يعطوا أفضل من النظر إلى وجه الله الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

صفة عذاب النار

صفة عذاب النار أما عذاب أهل النار في النار. نستجير بك اللهم من النار، اللهم أجرنا من النار. عباد الله: الله عز وجل قد بين لنا أوصاف النار وبينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الله عز وجل في محكم البيان: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَاْ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَاْ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:64 - 68]. وأيضاً يصف لنا ربنا جل وعلا نوعاً آخر من تعذيب أهل النار: {وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سبأ:33] ثم إليكم هذه الصورة من أنواع العذاب في النار يصفها لنا القرآن، فتصوروا أهل النار وهم يصطرخون فيها قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:36 - 37]. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت وإنهم ليبكون الدم} يعني مكان الدمع، وهذا أيضاً نوع من العذاب لأهل النار يذكره الله في كتابه فيقول: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} [إبراهيم:49 - 50].

طعام أهل النار

طعام أهل النار ثم إليكم هذا الخبر اليقين الذي فيه بيان نوع من طعام أهل النار، قال الله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:62 - 65] هذا الفرق يا عبد الله! أهل الجنة بين أنهار العسل واللبن والخمر والماء، وهؤلاء يأكلون من الزقوم، ويسقون من الحميم، اسمع شراب أهل النار {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:15 - 17]. ثم اسمعوا إلى ثياب أهل النار {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] ثياب من نار، ما أشدها وما أنكدها! اسمعوا إلى هذا النوع الآخر من التعذيب في النار قال الله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:19 - 20]. ثم اسمعوا إلى النوع الآخر من العذاب في نار جهنم: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:21 - 22] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا؛ لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم} فكيف بمن يكون طعامه. وهذه صورة من عذاب النار تبين لنا عذاب الذين يأمرون بالمعروف ولا يفعلونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر} والله إنها مصيبة! نسأل الله ألا يجعلنا منهم، اللهم لا تجعل أقوالنا حجة علينا، اللهم اجعلها حجة لنا يا رب العالمين، {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه} اللهم رحمتك يا أرحم الراحمين.

تفاوت أهل النار في العذاب وصفة خلقهم

تفاوت أهل النار في العذاب وصفة خلقهم ثم إنهم في النار يتفاوتون في شدة العذاب؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته} إنها النار تأكل لحومهم وعروقهم، وعصبهم وجلودهم، ثم تبدل غير ذلك، وهم في ذلك لا يموتون فيها ولا يحيون، اسمعوا إلى قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56]. وأما أوصافهم فإن الله خلقهم بهذه الصفة التي سوف يبينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث} رواه مسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع} متفق عليه. وأما بعد النار يا عباد الله! فقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا ويل من كانت النار مثواه! يا ويل من كانت النار مثواه! يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً -أي: منذ سبعين سنة- فالآن انتهى إلى قعرها}. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا؛ لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم} رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وصحح هذا الحديث الألباني. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن أهون أهل النار عذاباً رجل له شراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، يرى أنه أشدهم عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً} رواه مسلم وللبخاري نحوه، ويروى: {أن الله عز وجل ينشئ لأهل النار سحابة، فإذا أشرفت عليهم ناداهم يا أهل النار! -هذا الفرق يا عبد الله! أهل الجنة ينادون للكرامة وأهل النار ينادون للإهانة- يا أهل النار! أي شيء تطلبون وما الذي تسألون، فيذكرون بها سحائب الدنيا والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب! فيمطرهم أغلالاً، فيقولون: نسأل يا رب الشراب فيمطرهم أغلالا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرة يلهب النار عليهم}.

الذنوب الموجبة لدخول النار

الذنوب الموجبة لدخول النار وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، ومن مات -أي: من غير توبة- مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة قيل: وما هو نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن} وأيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: {إن على الله عهداً لمن شرب المسكرات أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال، قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار} فيا من هو مكب على المعاصي والذنوب! بادر بالمتاب إلى علام الغيوب، ارجع إلى ربك عز وجل، اسمع وصف النار إن كان لك قلب إن كان لك سمع يسمع. قال الحسن رحمه الله يصف أهل النار: [[ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية، قد آن حرّها واشتد نضجها]]. وقال ابن الجوزي رحمه الله في وصف النار: "دار قد خص أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، بُدِّلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لو رأيتهم في الحميم يسبحون، وعلى الزمهرير يطرحون، فحزنهم دائم فما يفرحون، مقامهم محتوم فما يبرحون. المشرك مخلد في النار والمنافق والكافر مخلدان في النار، أما أهل التوحيد الذي يموتون على الكبائر فإن الله سبحانه وتعالى لا يخلدهم في النار، من مات وهو يعبد الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، أما الذي يموت على الكبائر، فإن الله سبحانه وتعالى إن شاء عذبه في النار ومحصه على قدر ذنوبه وأخرجه من النار، وإن شاء الله غفر له". فيا أهل الكبائر: توبوا إلى الله، يا أهل التوحيد! اسألوا الله الثبات وجدوا واجتهدوا على التوحيد لعل الله يدخلكم الجنة بغير حساب ولا عذاب، يا أهل التوحيد! الله الله بالمحافظة على التوحيد! الله الله بالمحافظة على العقيدة! فإن من مات وهو محقق للتوحيد لم يشرك بالله شيئاً؛ فإن الله يدخله الجنة بغير حساب، واحذروا من النار فإن توبيخهم أعظم من العذاب وهم يقولون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] لكن يرد عليهم بالتوبيخ، وتوبيخهم أعظم من العذاب، وتأسفهم أقوى من المصاب، يبكون على تضييع أوقات الشباب، وكلما جاء البكاء زاد. إنها النار عليها ملائكة غلاظ شداد، يا حسرتهم لغضب الخالق جل وعلا، يا حسرتهم لغضب الجبار، يا محنتهم لعظيم البوارق! يا فضيحتهم بين الخلائق إذا سحبوا على وجوههم إلى نار جهنم! يا فضيحتهم على رءوس الأشهاد! أين كسبهم للحطام؟ أين سعيهم في الآثام؟ كأنه أضغاث أحلام، ثم أُحرقت تلك الأجسام بالنار، وكلما أحرقت تعاد إنها نار جهنم عليها ملائكة غلاظ شداد. أيها الإخوة في الله: آمنوا بالله جل وعلا واعملوا الصالحات، فإن من آمن بالله وعمل الصالحات فإن الله يدخله الجنة، وأما من كفر وعمل بالمعاصي والسيئات فإن موعده النار، اللهم نجنا من النار، وأعذنا من دار الخزي والبوار وأسكنا برحمتك دار المتقين الأبرار، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً. عباد الله: حافظوا على هذا التذكار، واجعلوه دائماً نصب أعينكم، وعوه في قلوبكم، وفقني وإياكم للقول والعمل والإخلاص إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دعوة للبذل والعطاء للمجاهدين والفقراء

دعوة للبذل والعطاء للمجاهدين والفقراء يقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] فينبغي لنا -يا إخواني- أن ننمي في قلوبنا الرحمة، نتراحم فيما بيننا كما قال صلى الله عليه وسلم: {الرحماء يرحمهم الرحمن} وقال صلى الله عليه وسلم: {ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء} فعلينا -أيها الإخوة في الله- أن نبذل شيئاً من أموالنا، والله ثم والله إن كانت خالصة لوجه الله؛ فلن تضيع عند الله عز وجل، فإن التمرة يربيها رب العزة والجلال، يقبلها بيمينه إذا كانت من كسب طيب، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوَّه ثم تكون مثل جبل أحد، هذه التمرة إذا قبلها الله عز وجل، فكيف إذا أنقذت أخاك المسلم، بسد جوعته وكسو عراه، أو بلحاف يلتحف به من البرد، فإن إخوانكم الأفغان يعانون الآن من برد شديد، السماء تحلب عليهم، وهم يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ولا يجدون إلا ما عند الله، ثم ما عندكم أيها الإخوة في الله! فلا تغفلوا عن إخوانكم جزاكم الله خيراً، واعلموا أن الله جل وعلا وعد والله لا يخلف الميعاد، قال وقوله الحق: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما نقص مال من صدقة} فأسأل الله عز وجل أن يقينا شح أنفسنا، وأن يوفقنا أن نتعاون على البر والتقوى. ثم لا ننسى كذلك الفقراء في هذه البلاد، فإن فيها فقراء، لكم إخوان يعانون من غلاء الأجور، يعانون من النفقة، ومرتباتهم ضعيفة، ولهم أولاد، فقد ذكر لي بعض الإخوان أن واحداً من جيرانه قد باع المكيف وباع الثلاجة، كل ذلك ليسدد إيجار البيت، فأين الرحمة أيها الإخوة في الله؟! أين التعاون على البر والتقوى؟! والله ليست هذه أحوال المؤمنين التي طُلِبت منهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فعلينا -يا إخواني- أن نبادر بالمعاونة لإخواننا، سواء في هذه البلاد أو في أفغانستان أو في فلسطين أو في أي مكان، كما أمرنا الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وكونوا عباد الله إخواناً} وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زيارة من يدعي الإسلام وهو لا يؤمن بالله واليوم الآخر

حكم زيارة من يدعي الإسلام وهو لا يؤمن بالله واليوم الآخر Q يوجد في هذا الزمان أناس لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ويدّعون الإسلام، فهل يجوز زيارتهم ومحادثتهم ومعاملتهم، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A أولاً: لنتساءل ما هو الإسلام؟! الإسلام عرفه العلماء فقالوا: هو الاستسلام لله في التوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، هذا الإسلام أما كون الإنسان يدعي الإسلام وهو لا يؤمن بالله ولا برسوله ولا باليوم الآخر، فهذا بعيد عن الإسلام وهذا دهري والعياذ بالله، وهذا الذي يريده الشيوعيون قاتلهم الله، فهذا مذهب الشيوعية الذين بثوه ويريدون أن يعتمده كل إنسان، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير. فمثل هؤلاء يدعون إلى الله عز وجل، ليجددوا إسلامهم، ليؤمنوا بالله عز وجل وبملائكته وكتبه وبرسله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك فهم إخواننا نزورهم في الله ونحبهم في الله، وإن لم يفعلوا ذلك فليسوا إخواناً لنا كما أخبر بذلك عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11]. أما إذا لم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة، ولم يؤمنوا بالله ولا برسوله ولا باليوم الآخر فهم دهريون -نسأل الله العفو والعافية- يجب مقاطعتهم وبغضهم لله، بل يتقرب ببغضهم إلى الله عز وجل.

حكم الاستهزاء بالصالحين

حكم الاستهزاء بالصالحين Q ما حكم من يستهزئ باللحى ويتهجم على الشباب المستقيم؟ A أيضاً دليل آخر على السؤال الأول قوله: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22] أما الذي يستهزئ باللحى ويتهجم على الشباب المستقيم، فهؤلاء يخشى عليهم من النفاق، والمنافقون توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار، أما الذي يستهزئ باللحية فهو يستهزئ برسول الله صلى الله عليه وسلم، والمنافقون لما استهزءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم الله عز وجل: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] ففيه شبه أو هو منافق إذا لم يتب إلى الله ويرجع ويقلع عن فعله هذا؛ لأن الذي يستهزئ باللحية، أو يستهزئ برفع الإزار أو يستهزئ بشرائع الإسلام، فهو يستهزئ بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان الذي يخاف العقوبة أن يقلع ويتوب إلى الله عز وجل قبل أن يهجم عليه هادم اللذات وهو على هذه الذنوب مصر فيحشر مع المنافقين والعياذ بالله نسأل الله العفو والعافية.

توجيه من يريد الاستقامة

توجيه من يريد الاستقامة Q أنا فتاة أريد أن أستقيم فما الذي تأمرني بفعله؟ A أسأل الله عز وجل أن يطهر قلبك، ويغفر ذنبك، ويثبتنا وإياك على قول الحق إنه على كل شيء قدير، فالاستقامة إذا أردتيها فهي واضحة وطريقها بيِّن ولله الحمد، ما عليك إلا أن ترجعي إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبتعدي عن طرق الغي والضلال، ابتعدي عن مشاهدات الأفلام والتمثيليات، وعن سماع الأغاني الماجنات، وابتعدي عن مجالس اللهو، وتقربي إلى الله عز وجل بكثرة النوافل، وبادري إلى أداء الفرائض بأوقاتها، ثم حافظي على النوافل وأكثري من قراءة القرآن إذا كنت تقرئين القرآن، وأكثري من ذكر الله ومن التسبيح والتهليل والتحميد ومن كثرة الاستغفار، فإن بهذه العوامل ينمو الإيمان ويزداد، وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه وجميع المسلمين والمسلمات إنه على كل شيء قدير. وبقي جواب للأخت وهي: أني أنصحها نصيحة لله عز وجل ألا تخرج متبرجة في الأسواق، فإن المرأة إذا خرجت متبرجة لعنتها الملائكة حتى ترجع، ثم أنصحها نصيحة لله أن تبتعد عن الملابس الضيقة، وعن التشبه بالكافرات، وعن الملابس الشفافة والقصيرة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه يأتي صنفان من أهل النار لم يرهم صلى الله عليه وسلم وذكر من هذا الصنف: {نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يرحن رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا}. فأيتها الأخوات: أحذركنَّ من هذه الفتن التي ظهرت، والتي تلاطمت أمواجها، والتي أقبلت من أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، سواء في المجلات أو في التمثيليات، أوفي المسلسلات أو في الأفلام، أحذرك أيتها الأخت من هذه الفتن التي أقبلت، سواء ما يعرض مع الدعايات التي تعرض كل ليلة على المسلمين أو غيرها، أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير.

زيارة من لا يصلي

زيارة من لا يصلي Q فضيلة الشيخ/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إني أحبك في الله، أنا شاب أبلغ من العمر عشرين سنة وعندي أصدقاء يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولكن لا يصلون هل يجوز لي أن أزورهم أم لا، وإذا كانت زيارتي لنصيحتهم، فما الحكم في ذلك أفيدوني مأجورين؟ A أما الجواب لأخينا السائل الذي يبلغ من العمر عشرين سنة ويقول: إن له أصدقاء وأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ولكنهم لا يصلون فهل أزورهم وأناصحهم أماذا أعمل؟ نقول لك: يا أخي! إن كانت زيارتك لهم تفيد ونصحهم يفيد؛ فزرهم ولكن لا تزرهم وحدك، بل زرهم برفقة بعض الإخوان الطيبين الذين يُؤَثرون عليهم، أما وحدك فأخشى عليك أن يفتنوك كما فتن غيرك من الإخوان، فأصبحوا يشربون الدخان وأصبحوا الآن يستمعون إلى الأغاني، وينظرون إلى الأفلام، وكانوا قبل ملتزمين ولكن لما خالطوا الأشرار أثروا عليهم وحسبنا الله ونعم الوكيل!

الغرام بلعب الكرة

الغرام بلعب الكرة Q أنا شاب مبتلى بحب الكرة إلى درجة الغرام مما يسبب لي تضييع الوقت في مشاهدتها ومتابعتها واللعب يومياً بعد العصر؟ A اعرض إيمانك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إن كان إيمانك يزيد بكثرة اللعب فاستمر على اللعب، وإن كان إيمانك ينقص واللعب يبعدك عن الله وعن طرق الخير وعن مجالسة أهل الخير فأنصحك أن تقلع عن هذا، ولست مفتياً ولكن أوجِّه إلى الخير، أسأل الله التوفيق والسداد.

مشاهدة المرأة التلفاز

مشاهدة المرأة التلفاز Q ما حكم مشاهدة المرأة للتلفاز ومشاهدة المباريات وتشجيعها؟ A المرأة لا يجوز أن ترى الرجال، وكذلك الرجل لا يجوز له أن يرى المرأة كما قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30 - 31] فالنظر سهم مسموم من سهام إبليس، النظر بريد الزنا نسأل الله العفو والعافية، النظر هو الذي يثير الشهوة في القلوب، فما الذي أخرج النساء، وما الذي جعلهن يضيعن الحياء إلا النظر إلى الرجل وإلى غيرهم من أفلام وتمثيليات، لما كانت المرأة مصونة لا ترى الرجال ولا يرونها كانت أشد حياءً من الآن، ولكن انظروا الآن مع الأسف الشديد لما أطلقت بصرها وصارت تنظر إلى كل شيء، صارت قليلة حياء إلا من رحم ربك، وأسأل الله عز وجل ألا يطيل هذا على المسلمين، فإنه إن طال هذا على المسلمين فإنه والله يبشر بعذاب أليم، يبشر بزوال النعم وحلول النقم إذا لم تنته عن هذه المنكرات، إذا لم نرجع إلى الله عز وجل، لماذا انقطعت عنا الأمطار؟ لماذا قلت البركات؟ لماذا ارتفعت الأسعار؟ لماذا كثرت الزلازل؟ لماذا كثرت العواصف والرياح؟ إلا بسبب الذنوب والمعاصي، ولكن هل نفكر بذلك يا عباد الله؟! أسأل الله عز وجل أن يوقظ قلوبنا من رقدات الغفلة حتى نرجع إلى الله عز وجل، وننهى عن المنكر ونأمر بالمعروف، ننهى عن المنكر ونبتعد عنه ونأمر بالمعروف ونفعله. أيها الإخوة في الله: حافظوا على أبصاركم، وعلى أسماعكم، وعلى قلوبكم، فإنكم مسئولون عن ذلك، يقول الله عن ذلك: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36].

تأخير الزواج بحجة الدراسة

تأخير الزواج بحجة الدراسة Q ما رأيك فيمن يقول: لا أتزوج حتى أكمل دراستي وهو راغب في الزواج، ويخشى على نفسه من الفتنة؟ A هذا غاش لنفسه، وهذا لم يذق طعم الحياة ولم يذق لذة الحياة، هذا يريد أن يعذب نفسه بالعزوبة نسأل الله العفو والعافية، كما تفعل بعض الفتيات التي عذبت نفسها لتكمل دراستها وأصبحت الآن عانساً، وأصبحت عالة في بيت أهلها، نعم. إذا تأخر زواج المرأة فمن يريدها، هل يأتيها شاب أصغر منها لا. الشاب لا يريدها، ثم هي إذا أرادها الرجل الكبير قالت: لا أريده ثم المسكينة تذهب حياتها بين هذا وهذا، لا هي تزوجت في أول عمرها بشاب يصونها ولا هي قبلت بهذا الزوج الأخير الذي إن شاء الله يعفها بإذن الله، ولكنها غشت نفسها والعياذ بالله وأصبحت عانساً وعالة على أهلها، وهذا من عدم تدبير ولاة أمور الفتيات، وإلا لو كان الرجال عندهم رشد، وعندهم نصح لبناتهم كما قال صلى الله عليه وسلم: ومعنى الحديث: {من عال جاريتين رباهن وأقام بتربيتهن وإصلاحهن حتى يجعل الله لهن سبيلا كنت أنا وهو كهاتين في الجنة}. لكن الذي يقول: أنا أريد البنت أن تدرس وتتوظف حتى آخذ حقي منها حق المصروف، أجل، ما بذلت لله، ما بذلت لوجه الله، لم تبذلت للأجر يا مسكين! حتى إن بعض الرجال لمَّا خُطِبَ منه ابنته قال: نعم أزوجك ولكن أريد أن آخذ مرتبها من البنك أنا، ولا لك دخل بهذا، الله أكبر أين الغيرة؟ أين حب الخير لبناتكم يا عباد الله؟! بنت كبيرة مرضت بلغت من العمر تقريباً أربعين سنة ولما أتى أخوها يزورها في المستشفى قال: سلامات سلامات، والتفتت وأعطته جنبها، وقالت: أخي أسأل الله ألا يبيحك، وأسأل الله أن يحرمك من الجنة كما حرمتني من لذة الزواج، وكما جعلتني أموت بدون أولاد، وأصبح والحسرة تقطع قلبه، وأصبح يطرق أبواب العلماء ماذا أعمل ماذا أفعل ماذا وماذا، فحينئذ لا ينفع الندم، وماتت المسكينة وهي تلفظ آخر أنفاس الحرج على أخيها، الله أكبر يا مسكين! فيا أخي! هذه خير لها، أن تزوجها تبحث عن زوج صالح، تتعاون معها -لأنها امرأة- وتنصحها، وتدلها على الخير، تخبرها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والله سوف تكون فتنة وفساد كبير إن استمر الناس على هذه الحالة، فالمرأة تريد زوجاً فلديها شهوة، والشاب يريد زوجة ولديه شهوة، فإذا ثارت هذه الشهوة من هذا وهذه الشهوة من هذه؛ فإنها سوف تكون حرباً شعواء وفساداً كبيراً في الأرض، فاعتبروا بالمجاورين اعتبروا بمن حولكم يا عباد الله! زوجوهم وأعينوهم عليهن، ابذلوا لهم نصف المهر ليكفلها ليأخذها رجل صالح، حتى إذا أتاك الأجل وإذا أنت مطمئن ومرتاح أن ابنتك أو أختك عند رجل صالح، وفقني الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه. أيها الأخ السائل: بادر إلى الزواج إن كنت تستطيع، وإن لم تبادر وأنت تستطيع فأخشى أن تكون قد عصيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يقول: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} فبادر للزواج وسوف تحمد عقباه بإذن الله تعالى، وسوف تكون لك عوناً على دينك وعلى دراستك إن اخترت فتاة دينة.

حب الغناء ومشاهدة الأفلام والمسلسلات

حب الغناء ومشاهدة الأفلام والمسلسلات Q قد مَنَّ الله علي بالهداية ولله الحمد، ولكن ما زال حب الغناء في قلبي وكذلك مشاهدة المسلسلات وأشرطة الفديو الخليعة، فهل أعتبر منافقاً أم ناقص الإيمان؟ أرشدوني جزاكم الله خيراً. A الله المستعان! الإمام مالك يقول: الغناء لا يستمعه إلا الفساق، والإمام أحمد رحمه الله يقول: الغناء لا يعجبني فإنه ينبت في القلب النفاق، ويقول بعض العلماء: الغناء بريد الزنا، والغناء رقية الزنا، فيا عبد الله! إن كنت صادقاً في قولك وقد من الله عليك بالهداية فالزم الهداية، ومن الهداية أن تبتعد عن طريق الغواية، وطرق الغواية في كل الذي ذكرت يا أخي! في الأغاني وفي التمثيليات وفي المسلسلات، أسأل الله أن يطهر قلوبنا وقلبك، وأن يمحص ذنوبنا وذنبك وأن يغفر لنا ولك إنه على كل شيء قدير.

أسباب زيادة الإيمان

أسباب زيادة الإيمان Q أرجو أن تدلني على ما يزيد إيماني ويثبته، فمغريات هذا العصر وفتنته كثيرة وأخشى من الانحراف؟ A الذي يزيد الإيمان قد ذكرته لأختك المسلمة التي سألت قبل قليل عن السؤال، الذي يزيد الإيمان كما قال العلماء: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وإذا أردت ذلك فابحث عن مجالس الذكر؛ فإنها تنمي الإيمان في القلب، فهي رياض الجنة، وأكثر من قراءة القرآن، ومن ذكر الله عز وجل {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ومن الاستغفار، {من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب} وأكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا صليت عليه مرة صلى الله عليك عشر مرات. وبادر إلى أداء الفرائض وحافظ على الصف الأول كما حث على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لو يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، معنى الحديث: لو يعلمون ما فيهما من الأجر لجعلوا بينهم القرعة، فيقفون عند الأبواب ويختصمون أيهم الذي يدخل الأول، لكن ما يعلمون ما فيها من الأجر، الله غيَّب هذا الأجر، وسوف يكشفه الله يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون، فالبدار البدار إلى طاعة الله عز وجل! والابتعاد عن جلساء السوء، وعن قرناء السوء عن الأشرار، ثبتنا الله وإياك على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

شراء ثوب بربع الراتب

شراء ثوب بربع الراتب Q أنا موظفة وراتبي في الشهر أكثر من ستة آلاف ريال، أرغب في شراء ثوب بألف وخمسمائة ريال ما الحكم في ذلك؟ A الحكم لا يجوز، وما الذي أحل الثوب بألف وخمسمائة ريال، لو تلقاه العنزة أكلته -نسأل الله العافية- فينبغي لك أن تتقي الله عز وجل، وألف وخمسمائة ريال تدفعيها إلى أحد الفقراء يشتري بها عشرين ثوباً أو أربعين ثوباً، أو يشتري له بطانيات، أو ربما يدفعها إيجار شهرين، أما ألف وخمسمائة ريال ويخلولق ثم يرمى في الزبالة، فهذا وبال عليك، فاتقي الله واقتصدي، أسأل الله أن يدلني وإياكِ على الصواب إنه على كل شيء قدير.

سبب انحراف بعض المجتمعات

سبب انحراف بعض المجتمعات إن الناظر بعين البصر والبصيرة في أحوال المجتمع الإسلامي ليأخذه الأسى مأخذاً بعيداً، وذلك بسبب ما حل بالأمة الإسلامية من فتن وبعد عن الله سبحانه وتعالى وانحراف عن منهجه. فما هي أسباب الانحراف؟ وما هي عاقبته؟ وما هو الواجب علينا نحو هذا الانحراف؟ كل هذا ستجده في طيات هذا الموضوع.

عاقبة الإفساد في الأرض

عاقبة الإفساد في الأرض إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18 - 19]. عباد الله: اسمعوا القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت فقال صلى الله عليه وسلم: {بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأيضاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً} يخاطب الصحابة رضي الله عنهم، في القرن الأول، في القرون المفضلة التي هي خير القرون بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال: {ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور -وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر هذه الأزمنة المتأخرة ويحذر منها- فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} وفي رواية النسائي {وكل ضلالة في النار} نعوذ بالله من النار. والله عز وجل يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]. نعم. أيها الإخوة في الله فالله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأرسله ليخرج العباد من الظلمات إلى النور، فمن أخذ بهديه صلى الله عليه وسلم فقد نجا وأفلح، ومن أعرض فقد خاب وخسر، كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله! -لا يوجد أحد لا يريد الجنة، هل هناك أحد لا يريد الجنة؟ لا يوجد أحد، لكن نسأل الله العفو والعافية- قال: إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى} الله أكبر، فالله سبحانه وتعالى أرسل إلى من قبلنا من الأمم الرسل، وأنزل أيضاً معهم الكتب، فبينوا للأمم فاستجاب من استجاب وعصى من عصى، وأعرض من أعرض، وكان عاقبة من أعرض وعصى وخيمة شديدة. أيها الإخوة في الله: يقول الله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:94 - 95] ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:96 - 99]. هذه إنذارات من الله عز وجل، إنذار يا أمة الإسلام: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99]. الله أكبر، أيها الإخوة في الله! أما سمعنا أن أقواماً أتاهم الزلزال في ضحى من النهار، وذهبت فيه عدة قرى؟! أما سمعنا بعدة فيضانات أغرقت الكثير من الناس؟! أما سمعنا بأعاصير شردت الكثير من الناس وتركتهم بدون مأوى وبدون أكلٍ وشرب، فرقت بين الوالد وولده، والأخ وأخيه، والرجل وزوجته؟! ماذا نسميها في هذه الأزمنة التي طغى فيها علم الإلحاد (علم الطبيعة) نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً. نعم. كل هذه لا يعترف بها كثير من الناس، لا يقول هذه عذاب من الله، وقد عذب الله بها أمماً من قبلنا، وهذه إنذارات للأمة الإسلامية لما يحصل لمجاورينا. أيها الإخوة في الله، إنها إنذارات لنا يا عباد الله.

أسباب انحراف المجتمعات

أسباب انحراف المجتمعات وأسباب انحراف بعض المجتمعات ولا حول ولا قوة إلا بالله كثيرة منها:

البعد عن تعاليم الإسلام وآدابه

البعد عن تعاليم الإسلام وآدابه أولاً: بُعد الناس عن تعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقه، هذا من أسباب انحراف كثير من المجتمعات وبعدهم عن الإسلام، وعن آداب الإسلام، وعن أخلاق الإسلام، وعن تعاليم الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

التشبه بأهل الكفر

التشبه بأهل الكفر ثانياً: أيضاً من أسباب انحراف بعض المجتمعات: تقليد أهل الشرق والغرب، تقليد الإفرنج الذي نهانا صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وهذا هو التشبه الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس الآن سواء في منازلهم، أو في مآكلهم، أو في مشاربهم، أو في لباسهم، أو في كلامهم، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير. وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

البدع والمحدثات

البدع والمحدثات ثالثاً: من أسباب انحراف بعض المجتمعات فتح الأبواب والقلوب لتقبل البدع والمحدثات التي غُزي بها الناس من قبل أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، والمصيبة إذا كانت في العقائد من طريق الشعوذة، أو الخزعبلات، أو السحرة، أو الكهنة، أو المنجمين، الذين من أطاعهم فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن صدَّقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن والسنة، فأي انحراف أشد من هذا يا عباد الله.

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رابعاً: من أسباب الانحراف ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمثلاً في البيوت تجد بعض الآباء يرى الأولاد بنين وبنات لا يعرفون الصلاة، فلا يأمرهم ولا ينهاهم، وأدخل عليهم آلات اللهو التي أضلتهم عن الطريق المستقيم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أدخل عليهم هذه الآلات التي تعلم السرقة، وتعلم الغزل، وتعلم الحب وتنشئ الطفل من صغره حتى يهرم على ذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ترك الصلاة

ترك الصلاة خامساً: من أسباب الانحراف: ترك الصلاة يا عباد الله وهذا انحراف ليس بعده انحراف، وترك الصلاة كفر والعياذ بالله، كما قال صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} والعياذ بالله، ويقول -أيضاً- صلى الله عليه وسلم: {بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة}. نعم. أيها الإخوة في الله، كم نسمع فلاناً وفلاناً لا يصلي ولا يعترف بالصلاة، وزيادة على ذلك يقف ويعلم أولادنا، يقف معلماً يعلم الأولاد وهو لا يصلي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأين التعاون على البر والتقوى حتى نرفع بهذا حتى لا يعلم أولادنا، وهو لا يعرف المساجد، وهو لا يعرف الصلاة، أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند البعض من الناس؟!

التنكر للدين

التنكر للدين سادساً: من أسباب انحراف بعض المجتمعات تنكر أولاد المسلمين -سواء ذكوراً أو إناثاً- لهذا الدين، هذا الدين الإسلامي الذي قال الله فيه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] تنكر البعض لهذا الدين، الذي قال الله فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] ما هذا التنكر الذي حصل من بعض الأولاد البنين والبنات، والمصيبة الذين اعتادوا الذهاب إلى الخارج، أتدرون ما هذا التنكر؟ إنهم رموا هذا الدين بالرجعية، وقالوا: هذا دين قديم، دين رجعية ولا يصلح لعصرنا، فتنكروا لدينهم، نسأل الله العفو والعافية ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأي انحراف أكبر من هذا أيها الإخوة في الله؟! وإذا رأوا المتمسك بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذا متجمد، هذا متزمت، هذا رجعي، هذا ليس باجتماعي، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما أسهل الرجعة إلى الطريق المستقيم أيها الإخوة في الله، فالحق واضح ليس عليه غبار، ويجب علينا أن نرجع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

استقدام الأجانب للخدمة والإهمال في المراقبة

استقدام الأجانب للخدمة والإهمال في المراقبة سابعاً: من أسباب انحراف بعض المجتمعات: استقدام السائقين والمربين والمربيات والخدم والخادمات، وترك الحبل لهم على الغارب في البيوت، وهذه مصيبة كبيرة، ولا يحس بها إلا من كان في قلبه إيمان، أما الذي ليس في قلبه إيمان فلا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله أن يشفي مرض قلبه، وأن يرده إليه رداً جميلاً إنه على كل شيء قدير. وتجد في بعض المجتمعات يدخل السائق على النساء وهن جالسات وكأنهن له أخوات أو أمهات، فأين الغيرة يا عباد الله؟! لقد ضاعت الغيرة في كثير من الناس، فنسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً.

الأفلام الخليعة

الأفلام الخليعة ثامناً: من أسباب انحراف بعض المجتمعات: وجود الأفلام الخليعة في البيوت، الله أكبر وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم} يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثم يقول سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء الفيديو ورأينا ما فيه من البلاء -أيضاً- ننتظر إلى ما هو أدهى وأمر، وهو البث المباشر الذي نسأل الله العظيم رب العرش العظيم ألا يتمم لهم ذلك، وأن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير. اللهم يا علي! يا عظيم! يا حليم! يا عليم! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أجعل بثهم المباشر في نحورهم، اللهم دمره تدميرا، اللهم دمره تدميراً، اللهم لا تتم لهم ذلك يا رب العالمين، إنك حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أيها الإخوة في الله إن وجود الأفلام الخليعة في البيوت، مصيبة عظمى، ولقد سمعتم أيها الإخوة في الله بالقصة التي ذكرها بعض الثقات في بعض الأشرطة أن رجلاً كان من الأثرياء، وكان إذا أراد أن يجامع زوجته أشغل آلة التصوير -تصوير الفيديو- حتى يصور حالته وحالة زوجته وهو يجامعها، وفي يومٍ من الأيام كانت جارتها في البيت أو القريبة منها قد استعارت منها شريطاً وطلبت منها هذه الجارة الشريط، وبسرعةٍ أخذت ذلك الشريط الذي كان فيه الشر والعار والشنار، والشر المستطير الذي كان فيه المرأة هي وزوجها يجتمعون، ولا شك أن المرأة وزوجها في حلال؛ ولكن كيف يستره الله ويفضح نفسه بين العالمين، أتدرون ماذا حصل من هذا الشريط لمّا ناولته جارتها بسرعة؟ إذا بذلك الشريط ليس بالشريط الذي أعارته إياها، إنه الشريط الذي تجتمع فيه هي وزوجها، ولما شغلت الشريط بين زوجها وإذا فيه لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: هذا أبو فلان، قالت: هذا أبو فلان، تقول الزوجة: هذا أبو فلان، يقول الزوج: هذا أبو فلان، تقول: هذا أبو فلان، وهذه زوجته، فما الذي حصل بعد ذلك؟ هذا الرجل الذي كان يعمل هو وزوجته وتسبب في تسجيل هذا الشريط اطلع على هذه الفضيحة التي علم بها من علم، فآل به الأمر أن يؤدي بنفسه إلى الانتحار -والعياذ بالله- فقتل نفسه. إيه نعم. هذه هي أسباب الأفلام الخليعة، وهذه من جرائها، وهذا من تعاليمها التي دخلت على البيوت. يا أخي! حتى لا تخجل كيف تعمل هذا، أو كيف تشغل هذه الآلة الخبيثة بين الأطفال، لا حول ولا قوة إلا بالله، أما علمت أنك مسئول أمام الله يوم القيامة عن هذه المرأة، يقول صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} نعم. هذه المرأة إذا خرج الزوج واطّلعت على هذه الأفلام الخبيثة واشتعلت عندها نار الشهوة، ماذا تعمل؟ إنها سوف تبحث في الأرض؛ لتسعى في الأرض فساداً -والعياذ بالله- والسبب الزوج الذي أتى بهذه الأفلام الخليعة في بيته، فنسأل الله عز وجل أن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير. الفيديو وما أدراك ما الفيديو! لقد أتانا بشر مستطير، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أيها الإخوة في الله: إن الله سبحانه وتعالى قص علينا في القرآن ما حصل في الأمم من قبلنا، لما عتوا وعصوا الله عز وجل، فهذا أبونا آدم عليه السلام أُخرج من الجنة بذنب هو وزوجته حواء، نهاهم الله عن الشجرة فأكلا منها فأهبطهما الله إلى الأرض بسبب هذه المعصية. نعم. وهذا إبليس لما تكبر؛ طرده الله من ملكوت السماوات والأرض، فبعد أن كان من المقربين صار طريداً شريداً ملعوناً قواداً لكل شرٍ -والعياذ بالله- وفي آخر المطاف يجتمع في جهنم هو ومن دعاهم فاستجابوا لدعوته، نسأل الله أن يعيذنا من الشيطان الرجيم إنه على كل شيء قدير. وذكر لنا رب العزة والجلال قوم نوح لما انحرفوا وابتعدوا عن الطريق المستقيم، وأبوا أن يجيبوا نوحاً عليه السلام، أبوا أن يجيبوا دعوته عليه السلام، وقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل، ولم يستجيبوا لدعوته، فعند ذلك أغرقهم الله سبحانه وتعالى؛ حتى علا الماء رءوس الجبال وأغرقهم الله سبحانه وتعالى، ولم ينجِّ إلا نوحاً ومن آمن مع نوح. أتدرون ما سبب انحراف قوم نوح؟ ذكر البخاري رحمه الله: أنهم كان عندهم أناس صالحون فأخذوا لهم صوراً وقالوا: نتذكرهم وإذا رأينا هذه الصور نتذكر عبادتهم ونتقوى على العبادة، ومات الذين أخذوا هذه الصور وأتاهم الشيطان وهذه الصور موجودة قال لمن بعدهم إن أولئك لم يصوروا هذه الصور إلا أنهم إذا أصابتهم مصيبة أو قحطٌ أو غير ذلك لجئوا إلى هذه الصور واستغاثوا بها فعند ذلك دخل الشرك إلى قوم نوح عن طريق الصور والتماثيل. والآن يوجد في البيت صور محنطة لطيور ولحيوانات ولغيرها، وصور -أيضاً- مكبرة فلأي شيء هذه الصور يا إخواني في الله؟ أتدرون أنها تطرد الملائكة؟ وإذا طردت الملائكة حلت بعدها الشياطين والعياذ بالله، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لعنة الله على المصورين} ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: {أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون} فتيقظ -يا أخي- من رقدتك! وتب إلى الله عز وجل، وأخرج هذه الصور من بيتك، وتب إلى الله، فباب التوبة مفتوح، فبادر قبل أن يأتيك هادم اللذات، عند ذلك لا تستطيع التوبة، ولا تستطيع الرجوع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أيضاً ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن قصة ثمود، وأن الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؛ لأنهم عصوا الله وعصوا رسوله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن أمة من الأمم انحرفت انحرافاً لم تنحرف قبلها أممٌ بمثل هذا الانحراف ألا وهم قوم لوط، نسأل الله العفو والعافية، كانوا يأتون الذكران من العالمين، الذكور يركب بعضهم بعضاً، اللواط الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به} نسأل الله العفو والعافية. أتدرون ما هي العقوبة التي أرسلها الله على هؤلاء القوم الذين أرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام فلم يستجيبوا لدعوته؛ بل قابلوها بالامتناع وقابلوها بالاعتراض حتى أنهم أرادوا أن يؤذوا الملائكة؟ لكن الله سبحانه وتعالى منع ذلك عنهم وخرج عليهم جبريل عليه السلام، وضربهم بجناحه حتى اختلطت الأبصار بوجوههم، نسأل الله العفو والعافية، والمهم أن الله سبحانه وتعالى أمر جبريل عليه السلام -وجبريل له ستمائة جناح- أن يقتلع ديارهم ويرفعها حتى سمع الملائكة صياح الديكة ونباح الكلاب، ثم قلبها عليهم -والعياذ بالله- لماذا؟ لأنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين، فتنوا بأدبار الرجال، فتنوا بمحل الحش نسأل الله العفو والعافية. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. يقول ابن عباس رضي الله عنه: [[اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في قبره خنزيراً]] والعياذ بالله، فهذه عقوبة ما أشدها! لما قلب عليهم ديارهم أرسل عليهم حجارةً من سجيل، وأصبحت ديارهم بحيرة منتنة لا يستفاد منها، فهذه عقوبتهم أيها الإخوة في الله، ثم قال الله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] يعني الذين يعملون عمل قوم لوط نسأل الله العفو والعافية، علينا أيها الإخوة في الله أن ندعو إلى الله عز وجل، وأن نبين مضار هذه الجرائم، وندعو إلى الله عز وجل، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وكذلك نحافظ على الأولاد والأبناء، ونسألهم أين ذهبت؟ من ترافق؟ من تخالل؟ من تصاحب؟ نعم. فإن قرناء السوء كثير، أيها الإخوة في الله، فكم أغروا من شاب كان طيباً وملتزماً وكان ذا عقلٍ، ولكن -نسأل الله العفو والعافية- بمجرد ما صحب أولئك الأشرار صار سكيراً شريراً عربيداً -والعياذ بالله- ومن أراد أن يصدق هذا فليزر تلك المحلات الآن التي هم فيها، نسأل الله العفو والعافية، كل هذا بسبب إهمال الآباء، فالآباء أكثرهم مهملٌ لأولاده لا يسأل عنهم أين ذهبوا وأين أتوا؟ وتجد بعض الناس يتصل به رجال الشرطة أين ابنك؟ يقول: والله لا أدري، له ثلاثة أيام أو أربعة أيام لا أدري والله أين ذهب. كيف لا تدري عن ولدك؟ أما علمت أنك مسئول عنه يوم القيامة؟ سوف يقف بين يدي الله يخاصمك، فتقول: أتيت بالطعام والشراب والملابس وأمّنتُ له المسكن، فيقول: نعم، ولكن رآني على المنكر ولم ينهني ولم يأمرني بالمعروف، فأنت مسئول عن هذا الابن. نعم أيها الإخوة في الله فالله سبحانه وتعالى أخبرنا بما أنزل على الأمم التي سلفت من العقوبات.

المخدرات

المخدرات تاسعاً: فكذلك أيها الإخوة في الله من أسباب الانحرافات كثرة المخدرات، وهذه هي التي يعاني منها كثيرٌ من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد سمعنا في بعض البلاد أن النساء تروج المخدرات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الإخوة: انتشار المخدرات في أي مجتمع يؤدي إلى تدمير المدمنين صحياً وبدنياً وذهنياً، ويقود ذلك أيضاً إلى الموت، وبالتالي لا يستطيع مثل هؤلاء المدمنين القيام بالأعباء الأسرية الملقاة على عواتقهم؛ مما يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة لتلك الأسر، وانتشار الفقر والجهل والأمراض، وبالتالي يحتاج المدمنون إلى أموالٍ يتحصلون بها على تلك المخدرات والمسكرات، وبذلك تنتشر الجريمة والفساد الأخلاقي، والسرقة والنهب، وجرائم هتك الأعراض وغيرها. ولماذا تحصل هذه؟ لأن المدمن صار مسعوراً لا يرتاح حتى يحصل على هذه المخدرات والعياذ بالله، فعند ذلك يؤل به الأمر إلى السرقة، أو أن يبيع عرضه والعياذ بالله، فينبغي لنا أن نتواصى بالحق كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] فبأي شيء يأتي التواصي بالحق؟ هل هو في المجالس إذا جلسنا قلنا: فلان بن فلان سكير؟ فلان بن فلان يسكر؟ فلان بن فلان يروج المخدرات؟ هل هذا هو المطلوب؟ لا. المطلوب إما أن نناصحه ونبذل النصيحة لله سبحانه وتعالى أو نرفع به إلى ولاة الأمور حتى يقطع دابر هذا الشر، وهذا الفساد أما إذا تركنا ذلك فهو ينتشر في البلاد ويؤدي إلى سوء الحال والمآل نسأل الله العفو والعافية.

نسيان الموت

نسيان الموت عاشراً: من أسباب الانحرافات أن الكثير من الناس نسي الموت، فصار يهيم في هذه الدنيا ولا يفكر أنه سوف ينتقل منها على رغم أنفه: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:26 - 29] نعم إن الموت آتٍ لا محالة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] هذا كلام الله عز وجل في القرآن، فإذا قرأنا القرآن وتدبرنا معانيه وجدنا أن القرآن يحضنا لاغتنام العمر بالأعمال الصالحة، وإلا سوف ننتقل من هذه الدنيا على شر حال والعياذ بالله قال الله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] ثم بعد الموت أيها الإخوة في الله ينتقل الإنسان إلى دار البرزخ، ودار البرزخ معروفة والذي ينكر ذلك فهو كافر والعياذ بالله، إما في نعيم وإما في جحيم، إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من فر النار قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول الله سبحانه وتعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} [آل عمران:196 - 198] الله أكبر! هذا الفرق يا عباد الله! {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ} [آل عمران:198].

الغفلة عن الآخرة

الغفلة عن الآخرة الحادي عشر: من أسباب الانحراف هو أن الناس أعرضوا عن تذكر الآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة} إذا تذكر الإنسان الآخرة وتذكر أنه سوف ينتقل من هذه الدنيا، وسوف يوقف بين يدي الله عز وجل، وسوف يحاسب على القليل والكثير هل يحصل عنده هذا الانحراف؟ لا. ولكن لا يحصل عنده الانحراف إلا إذا وجدت الغفلة وكثرة الشهوات، كما قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] نسأل الله العفو والعافية. سبحان الله! هذا نتيجة الإعراض عن طاعة الله سبحانه وتعالى. أكبر سبب للانحراف هو الإعراض عن طاعة الله قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]. لذلك بعكس الانحراف وهو الإقبال على الله عز وجل، والتمسك بطاعة الله والالتزام بطاعة الله، يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها} الله أكبر، لا إله إلا الله {ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه} الله أكبر أيها الإخوة في الله، فرق بين هذا وذاك ولكن كما يقول الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]. أيها الإخوة في الله: إذا أردنا أن نعيش في هذه الحياة عيشة طيبة، فعلينا أن نرجع إلى الله عز وجل، وإذا جلسنا في المجالس فلا نتلاوم، نقول: مكان كذا صار فيه زلازل، مكان كذا صار فيه فيضانات، مكان كذا صار فيه رياح مدمرة، أولاً قبل أن نتحدث بهذه الأشياء نرجع إلى أنفسنا، ونحاسبها، بأي شيءٍ أصيبت هذه الأمم، بهذه الأنواع من عذاب الله سبحانه وتعالى، والله لم تصب إلا بسبب انحرافها وبعدها عن الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] صدق الله، وما ربك بظلام للعبيد، وليس بين الله وبين خلقه نسب كما قال صلى الله عليه وسلم: {من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}. فمن أطاع الله سبحانه وتعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فاز وسعد في الدنيا والآخرة، ومن أعرض وعصى فيا لها من عقوباتٍ ما أشدها يا عباد الله! ولكن متى يتذكر هذا المعرض عن الله عز وجل، أيتذكر عندما يرى جهنم؟ -والعياذ بالله- قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ} [الفجر:23] قال الله تعالى: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23]. لا يمكن الآن التذكر، ذهبت الدنيا دار العمل، هذه الدنيا التي أيامها قليلة خلقنا فيها للابتلاء؛ لنعمل الصالحات فمن عمل صالحاً فلنفسه، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

لابد من محاسبة الإنسان لنفسه

لابد من محاسبة الإنسان لنفسه نعم. نحاسب أنفسنا أيها الإخوة في الله، لأن بعض الناس إذا نهيته عن شيءٍ قد ارتكبه يعارض ويقول: التقوى هاهنا، يضرب صدره الله المستعان! ويقول: التقوى هاهنا، وبعض الناس تقول له: يا أخي! صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء يقولون: إن حلق اللحية حرام، مستدلين يقوله صلى الله عليه وسلم: {أكرموا اللحى، وفروا اللحى، أرخوا اللحى، أعفوا اللحى، لا تتشبهوا باليهود والنصارى} هكذا يقول صلى الله عليه وسلم: {ليس منا من تشبه بغيرنا} وقال: {من تشبه بقوم فهو منهم} ثم يقول: لقد سمعنا المعلم الفلاني، يقول: أنها سنة، إذا تركتها تثاب عليها وإذا حلقتها لم تعاقب، نقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: قال المعلم الفلاني مع الأسف الشديد والله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] انتهوا مباشرة، يقول: فإذا نهاكم الرسول عن شيء فانتهوا وابتعدوا. نعم تجد بعض الناس تقول له يا أخي! الإسبال حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، اسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال أبو ذر: من هم؟ خابوا وخسروا يا رسول الله! من هم، يكررها ثلاث مرات، وذكر منهم صلى الله عليه وسلم: المسبل} وفي رواية: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} ثم يأتي بعض الناس، ويقول: لم أجره خيلاء، ولا إسبال، إنما أريد زينة، ونقول له: الزينة للنساء هن اللواتي أُمرن أن يرخينه شبراً، ولكن عكس الأمر فبعض الناس ترك المرأة تذهب إلى الخياط، ويفصل عليه الثوب القصير، أو يشق الثوب من الناحيتين أو يشقه إلى الفخذين مع الأسف الشديد، وصار بعض الرجال يسحب ثوبه، وإذا قيل له، قال: ما أجره زينة ولا خيلاء، نقول له: اسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار} هل لك طاقة يا عبد الله على النار؟! ما هذه النار؟ أتظن أنها هذه النار التي تراها في الدنيا؟ لا. اسمع وصفها، قال تعالى: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. فيا أيها المسلم: انتهِ عن الإسبال واتق الله واتبع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. بعض الناس تقول له: يا أخي! اتقِ الله لماذا تقضي هذا الوقت في غير طاعة الله؛ لأن بعض الناس قد فتنوا بلعب الورقة وهي البلوت والكنكان، ومع الأسف الشديد والله المستعان، يقول: والله أنا أحب أن أصلي الفجر، ولكن لا أستطيع أن أقوم، نقول له: ماذا تعمل يا عبد الله، ما هو منهجك في هذه الحياة؟ يقول: إذا انتهيت من العشاء -لا ندري هل يصلي أو لا يصلي- أذهب إلى الشلة وأجلس معهم فيلعبون البلوت والكنكان إلى وقت النزول الإلهي ولا نقوم حتى تسقط الورقة من أيدينا، فإذا انتهينا من هذه الورقة، وإذا نحن جيف والعياذ بالله، يقول: نحب أن نصلي الفجر ولكن لا نستطيع، ماذا تعمل؟ قال هذا عملنا؟ نسهر طول الليل مع البلوت والكنكان، نسأل الله العفو والعافية، ولقد صدرت فتوى -وبعض الناس لا يحب هذا الكلام أنا أعلم أنه لا يحبه، لكن أنا سوف أجيبه بالذي سمعناه ويلزم علينا أن نقول له هذه؛ لأننا مسئولون عنها يوم القيامة؛ لأن بعض الناس لم يسمع هذا، وأنا أخبر أن بعض الناس لم يسمع- فقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء: أنه يحرم اللعب بالورق، وإن كان على غير عوض، لماذا؟ لأنها تصد عن ذكر الله، وهي تقضية للوقت في غير ذكر الله عز وجل، وأنت يا أخي مسئول عن هذا الوقت. وبعض الناس يقول: أنا والله قتلني الفراغ، يحسب إنه مخلوق لهذه الدنيا يأكل ويشرب وينام، ولا يدري أنه سوف يموت وينتقل إلى هذا القبر، والقبر صندوق العمل، إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، ثم إذا كان يوم القيامة تعرض عليه هذه الصحف التي أمضاها في الحياة الدنيا، هذه الخزائن تفتح له يوم القيامة، فإن وجد فيها خيراً، فعند ذلك يحمد الله وإن وجد عليها غير ذلك فترى الكآبة والحزن والهم والغم والعياذ بالله، فما بالك لو عرضت عليك هذه الصحائف يوم قضيته مع البلوت والكنكان ويوم مع الأفلام ويوم مع التمثيلية، ويوم مع الأحاديث الفارغة، لا تجد في هذه الصحائف كلمة تستفيد منها ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقولون: قتلنا الفراغ، أتدري أيها الإنسان لماذا خلقت؟ اسمع لماذا خلقت، اسمع لماذا خلقك الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] الله أكبر، لا ليلعبون فلذلك يقول الله: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:42 - 44]. ياله من يوم عظيم إذا فتحت فيه تلك الخزائن يا عبد الله، أتظن أنه مغفول عنك؟ لا والله ما غفل عنك يا عبد الله، تذكر الذي عن اليمين، والذي عن الشمال، هذا يكتب الحسنات، وهذا يكتب السيئات، تذكر ذلك يا عبد الله، إذا تذكرت أن عليك ملائكة يكتبون، هذا يكتب الحسنات وهذا يكتب السيئات؛ فعند ذلك لعلك ترتدع عن قضاء الوقت فيما يغضب الله عز وجل، فابتعد عما يغضب الله وبادر إلى طاعة الله عز وجل، وأدِّ ما أمرك الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد ذكرت لك الحديث القدسي الذي قال الله فيه: {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه} أتدري ما هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نعم. أنا أخبرك بذلك وإن كنت أكرر ذلك في كل جلسة، {هدي الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها}. الله أكبر، الرسول صلى الله عليه وسلم يكره الحديث وينام مبكراً ليستيقظ مبكراً؛ ليحظى بالوعد الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: {ينزل ربنا جل وعلا كل ليلة إذا بقي ثلث الليل الأخير إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟}. فأين أنت يا عبد الله! في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم، يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه. الله أكبر! كيف نضيع هذا يا عباد الله؟! كيف نضيع هذا يا أمة الإسلام؟ أين العقول؟ أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته، وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم، إنه على كل شيء قدير. وأقول للذي يترك الزوجة والبنت والأخت مع السائق، وإذا قيل له من بعض الناس: إنا نرى من السائق بعض المخالفات مع أهلك إذا رضي بذلك، فأقول له: احذر أن تكون ديوثاً؛ لأن الديوث حرام عليه الجنة، والديوث: هو الذي يرضى في أهله الخبث -نسأل الله العفو والعافية- وتجد بعض الناس يقال له: لقد رأينا الزوجة مع السائق، قال: بس أم فلانة عارفها أنا، أم فلانة خبز يدي، أنا أعرفها، كيف تقولون كذا وكذا، طيب البنت الأخت قال: كل شي لا تكلمني أنا أعرف الأولاد وأعرف أهلي، فهذا -نسأل الله العفو والعافية- إذا رضي بهذا فهو ديوث، والديوث حرامٌ عليه الجنة، فنسأل الله أن يوفقنا لنغار على محارمنا، ونسأل الله أن يوقظنا من رقدة الغفلة وأن يهدينا إلى ما يحبه ويرضاه. وكذلك أقول لكم: لا تنسوا الأولاد عن أمرهم بالصلاة، وقد قلت لكم في بداية الكلام أن من أسباب انحراف بعض المجتمعات ترك الآباء أولادهم ترك الحبل على الغارب، فلا يأمرهم بالصلاة ولا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر والعياذ بالله، فهذه أمانة ائتمنك الله عليها، واسمع ماذا قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] وبعض الآباء إذا قام الفجر يغطي الولد، يقول: باسم الله عليك وفتح له المكيف يحسب إنه يرحمه -وهذا المسكين لا يعرف أنه غشه، وسوف يمسك على ناصيته يوم القيامة بين يدي الله ويقول: يا رب ظلمني أبي- باسم الله عليك، ثم يمضي من الوقت نصف ساعة إلا ويقول: قم يا وليدي المستقبل أمامك، قم المستقبل أمامك، مستقبل الدنيا. والآخرة لا. الآخرة باسم الله عليك يغطيه في البطانية ويفتح له المكيف، خليه يتلذذ في نومه، سبحان الله العظيم! إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله!! فنقول: احرصوا على الأولاد جزاكم الله خيراً، ونسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأعتذر عن الإجابة عن الأسئلة؛ لأني لست من أهل الفتوى، والحمد لله العلماء كثير، فينبغي لكم أن تعرضوا عليهم أسئلتكم، أما نحن فاسمحوا لنا جزاكم الله خيراً. فأقول سبب بعض الانحرافات هو الغفلة والابتعاد عن كتاب الله عز وجل وهذا لا شك فيه، ولقد قرأت قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه:124] ولا شك أن الإعراض عن كتاب الله سبحانه وتعالى من أسباب انحراف المجتمعات، فعلينا أن نرجع إلى كتاب الله وأن نهتم بقراءة القرآن والحمد لله الآن مدارس تحفيظ القرآن انتشرت، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم بالعلم النافع، إنه على كل شيء قدير. فالقرآن أيها الإخوة في الله! لو يعلم الأب ما له من الكرامة والأجر لحرص على ابنه، ويوم القيامة يلبسان تاجين، ويقولان: من أين لنا هذين؟ فيقال: بسبب تعليمكما لابنكما القرآن، أو كما ورد في الحديث، والمهم أن معنى الحديث أنه بسبب تعليم ابنك القرآن في الدنيا أن الله يلبسك تاجاً يوم القيامة فهل أحد لا يريد هذا التاج؟ نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، ويجنبنا ما يبغضه ويأباه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أساسيات هذا الدين، وبه يقوم، ومن هنا تظهر أهميته، ولابد فيه من الحكمة والموعظة الحسنة، وقد تحدث الشيخ في هذا الدرس عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر أنه لابد أن يكون معه الحكمة والموعظة الحسنة. وذكر صوراً لذلك.

التذكير بنعمة الإسلام

التذكير بنعمة الإسلام إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103]. بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18 - 19]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار. أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً. أيها الإخوة في الله: علينا أن نتذكر هذه النعمة التي حبانا الله بها؛ إنها نعمة الإسلام, قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] يا لها من نعمة! جمعت بين الناس جميعاً؛ وهذا بفضل الله ثم بفضل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله إلى الناس جميعاً ليخرجهم به من الظلمات إلى النور. فاعرفوا هذه النعمة -نعمة الإسلام- وقدروها حق قدرها, ثم اعرفوا فضل هذا النبي الأمي الذي ختم الله به الأديان, ونسخ به جميع الأديان, قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ثم أخبر الله جل وعلا أنه لا يقبل يوم القيامة -يوم لا ينفع مال ولا بنون- إلا هذا الدين الإسلامي، فلا يقبل الله ديناً سواه، حيث قال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران:19] وقال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. إذا عرفنا هذا؛ فإن الدين الإسلامي يدعو إلى كل خلُق كريم يدعو إلى الآداب الحميدة, ويدعو إلى مكارم الأخلاق؛ لأن الله سبحانه وتعالى جاء بهذا الإسلام ليمحو به الجاهلية, وليخرج الناس به من الظلمات إلى النور, ومن الجهل إلى العلم, فأخرج الله هذه الأمة بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم, الذي جاء بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك, بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي! عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة. وفي رواية: وكل ضلالة في النار} فعلينا -أيها الإخوة في الله- أن نقتدي ونهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] أجل! إن الذي لا يرجو الله ولا اليوم الآخر لا يهتم ولا يقتدي بمحمد صلى الله عليه وسلم، القائل: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان}.

الغاية من وجودنا

الغاية من وجودنا أيها الإخوة: قبل أن نتكلم في هذا الموضوع، يحلو لنا أن نستمع إلى بعض المواعظ، لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يوقظ بها قلوبنا؛ حتى نهتم بهذا الأمر، وهو الأمر، بالمعروف والنهي عن المنكر. أيها الإخوة: إن الله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الحياة الدنيا للابتلاء والامتحان؛ حيث قال: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ثم في هذه الحياة الدنيا نعيش ما كتب الله لنا, فمن عاش هذا العمر في طاعة الله سبحانه وتعالى فهنيئاً له عند الموت, وهنيئاً له بعد الموت, وهنيئاً له في قبره, وهنيئاً له في حشره ونشره, وهنيئاً له حين يدخل الجنة أما من أضاع هذا العمر في المعاصي والسيئات، وتعدى الحدود، وعصى المعبود، فيا ويله عند الممات! ويا ويله في قبره! ويا ويله في حشره ونشره! ويا ويله عندما يُسحب إلى نار جهنم نسأل الله العفو والعافية.

المبادرة بالأعمال الصالحة

المبادرة بالأعمال الصالحة فعلينا -أيها الإخوة- أن نبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يدركنا الموت؛ لأن الإنسان إذا نزلت به سكرات الموت، وذاق غصص الموت، وبدأ به كرب السياق؛ عند ذلك يتمنى كما قال الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] لكن هل يجاب إلى هذا حتى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويغير أحواله من حال إلى حال؟ لا يستجاب له, بل يقال له: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].

المبادرة بالتوبة النصوح

المبادرة بالتوبة النصوح وعلينا -أيها الإخوة- أن نبادر بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل, فنحن الآن ممهلون ولسنا مهملين, نحن الآن في وقت الإمهال، قد خلقنا الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة الدنيا وعندنا فرصة نغتنمها في الأعمال الصالحة، قال الله تعالى حاثاً على التوبة النصوح وعلى الإنابة إليه: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] وقد يظن بعض الناس أن هذا الخطاب للصحابة فقط، فتمادوا في المعاصي والذنوب ألا يعلمون أن هذا الخطاب للأمة جميعاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها؟ فليستمع إليه من كان في قلبه إيمان: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:54 - 55] ووالله ما أصيبت الأمة، ولا حصل عندنا الإعراض والغفلة إلا عندما ابتعدنا عما أنزل إلينا من ربنا، فنسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55] فعندما يحضر العذاب, ويفوت الأوان, يحصل التحسر والتأسف، ولكن هيهات هيهات!! واسمعوا إلى خبر العليم الخبير بالعباد حيث يقول الله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:55 - 58] فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق عبثاً, ولم يتركهم هملاً، بل أرسل إليهم الرسل, وأنزل معهم الكتب, فبينوا وبلغوا، وتركوا أممهم على البيضاء ليلها كنهارها فعند ذلك يتبين من اهتدى ممن أعرض؛ أما من اهتدى فله من الله سبحانه وتعالى خير كثير, وأما من ضل وتحسر عند الموت فلن يقبل منه؛ لأنه قد قامت عليه الحجة, قال تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59] فيا لها من خيبة! ويا لها من حسرة وندامة في ذلك اليوم العظيم! يوم لا ينفع مال ولا بنون, عندما تعلو وجوه العصاة القترة والذلة, ويفضحون على رءوس الأشهاد قد كبلوا بالأغلال والسلاسل يسحبون بها على وجوههم إلى نار جهنم وبئس المصير ذلك جزاؤهم؛ لأنهم عصوا الله ورسله، وكذبوا بالحق لما جاءهم قال الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:60].

سبب الغفلة والإعراض

سبب الغفلة والإعراض لقد حصلت عندنا الغفلة والإعراض وموت القلوب؛ لأننا نسينا القيامة يا عباد الله! وقد قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات:34 - 38] تعدى الحدود، وعصى المعبود, ولم يقم بما خلقه الله له, فما هي نهايتهم ومصيرهم في ذلك اليوم؟! قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الزمر:71] فهل ينكرون هذا؟ حتى لو أنكروا سوف تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون -نسأل الله العفو والعافية- فإذا سحبوا إلى النار وقيل لهم: ألم يأتكم الرسل؟ وأنزلت معهم الكتب؟ لا يستطيعون أن ينكروا هذا, بل يقولون: {بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71] فما هي النهاية؟ {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:72] المتكبرين على الانقياد لله ولرسله المتكبرين عن قبول الحق

حال المؤمنين يوم القيامة

حال المؤمنين يوم القيامة أما الذين قاموا بطاعة الله عز وجل فلهم البشرى في الحياة الدنيا فهنيئاً لمن أطاع الله وأطاع الرسل وقام بما أوجب الله عليه، ففي الحياة الدنيا يعيش عيشة طيبة, ويحيا حياة سعيدة, قال الله سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] ويوم القيامة ينجيهم الله من كُرب القيامة ومن أهوالها وشدائدها, وتُبيَّض وجوههم، ويأخذون صحائفهم بأيمانهم، قال الله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61] الله أكبر! هذه البشرى لهم يوم القيامة, وكذلك عندما تخرج أرواحهم تنزل عليهم البشرى من رب العزة والجلال لماذا؟ لأنهم آمنوا بالله واستقاموا على طاعته، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] وفي قبره يقول له عمله الصالح: أبشر بالذي يسرك أنا عملك الصالح يا لها من فرحة! ويا لها من تجارة رابحة! ويا له من سرور وغبطة ومستقبل لا يدانيه مستقبل! لأولئك الذين أطاعوا الله ورسله, وقاموا بما أوجب الله عليهم فهنيئاً ثم هنيئاً لهم إذا قيل يوم القيامة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]. تذكر يا عبد الله! إن كنت مع هؤلاء الزمرة كيف تدخل ووجهك مشرق بياضاً فرحاً, وتذكر إن كنت مع أولئك الذي عصوا الله، فتب إلى الله عز وجل إذا كانت أحوالك مثل أحوال السابقين الذين يساقون إلى نار جهنم؛ فبادر إلى التوبة قبل أن يحول بينك وبينها هاذم اللذات, ومفرِّق الجماعات وإن كانت أحوالك طيبة فزد من ذلك، واسأل الله الثبات. فعند ذلك أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يحمدون الله جل وعلا أن سلمهم من نار جهنم، وما فيها من الأنكال والأغلال والزقوم والصديد والغِسلين والضريع, وما فيها من الأودية والمقامع والعقارب والحيات, والزبانية الشداد الغلاظ يحمدون الله أن أورثهم الجنة بما فيها من النعيم المقيم الذي لم تر العيون, ولم تسمع الآذان مثله, ولم يخطر على بال، فيها الأنهار والحلل والقصور والحور العين واللذة والسرور، بجوار مالك الملك، وبصحبة الأنبياء المقربين, ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اسمعوا إلى أهل الجنة ماذا يقولون وهم في تلك المحلة الآمنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74] الله أكبر! هي تلك النهاية -يا عباد الله- عندما يؤتى بالموت في صورة كبش أملح, ثم يذبح بين الجنة والنار, ثم يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود فلا موت! ويا أهل النار خلود فلا موت! فإذا تذكرنا تلك الأهوال, وتذكرنا الموت وما بعده, وتذكرنا القبر وما فيه؛ وأنه إما روضة من رياض الجنة, أو حفرة من حفر النار ثم إذا تذكرنا المنصرف يوم القيامة، قال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] إذا تذكرنا من يُركبون على النجائب إلى الجنة, وتذكرنا من يسبحون إلى النار؛ فعند ذلك يحصل عندنا الاهتمام لما أمامنا.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة: إذا أحببنا النجاة فعلينا أن نسعى في طلبها, ومن ذلك القيام بما أوجب الله علينا, بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ومن ذلك ما نحن بصدده والكلام عليه، وهو الموضوع المقصود في هذه الكلمة، ألا وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ضعف جانبه، وتخاذل عنه الكثير من الناس, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أمة الإسلام: إذا قمنا بالأمر بالمعروف حصل الأمن -بإذن الله تعالى- على الأخلاق الفاضلة والآداب من الذهاب والانحلال, وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نأمن على الدين من الاضمحلال والتلاشي.

سبب الخيرية في هذه الأمة

سبب الخيرية في هذه الأمة والله سبحانه تعالى خاطب الأمة بهذا الخطاب الرائع، فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] بماذا؟ إن طبقتم هذه الشروط كنتم خير أمة أخرجت للناس {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فقد وصف الله الأمة بهذا الوصف؛ بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأن مجتمعهم أعلى وأعز مجتمع في العالم حاضره وماضيه لماذا؟ لما اتصفوا به من الصفات الفاضلة, والأخلاق العالية, والغيرة الصادقة على حدود الله كانوا متمسكين بتعاليم دينهم, وكانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم, وكان الإسلام وبهاؤه يلوح في أعمالهم ومعاملاتهم وأخلاقهم فلا غش، ولا خداع، ولا كذب، ولا خيانة، ولا غدر، ولا نميمة، ولا غيبة، ولا ظلم، ولا نفاق، ولا رشوة، ولا ملق، ولا رياء، ولا بهت، ولا سخرية، ولا عقوق، ولا قطيعة رحم لماذا؟ لأنهم ما عاشوا على الأفلام والتمثيليات والأغاني الماجنة, بل كان همهم وهدفهم القضاء على المنكرات وإماتتها، وإعزاز المعروف ونشره بين المسلمين وهذا يدل على قوة إيمانهم, وشدة تمسكهم به، ورغبتهم في النجاة التي وعد الله بها الناهي عن السوء. وكان كلٌ منهم يحب لأخيه ما يحب لنفسه, وكانوا يتراحمون بينهم, ويوقر الصغير الكبير, حتى إنهم ينصفون الأعداء من أنفسهم, فالقوي عندهم ضعيف حتى يستوفى منه الحق, والضعيف عندهم قوي حتى يؤخذ حقه كانوا إذا فقدوا أخاهم بحثوا عنه؛ فإن كان مريضاً عادوه, وإن كان محتاجاً واسوه, وإن نزل عليهم أكرموه؛ مطبقين لتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فهل يوجد هذا الشعور في مجتمعنا اليوم؟ لقد كانت الأمة آخذة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً}.

واقعنا الذي نعيشه ووجود المنكرات

واقعنا الذي نعيشه ووجود المنكرات أيها الإخوة: إننا إذا نظرنا إلى الواقع الذي نعيش فيه الآن فسنجد بيننا وبين أحوال السلف الذين ذكرت سابقاً بوناً شاسعاً لقد انتشرت المنكرات في مجتمعنا, وظهرت في البيوت والأسواق وفي البر والبحر, فالمنكر نراه بأعيننا, ونسمعه بآذاننا, بل وفي بيوتنا فهل بيتك -أيها الأخ- خالٍ من الصور ذوات الأرواح؟! من المستحيل اليوم أن يخلو بيت من هذه الصور, فإن البعض من الناس في بيوتهم صور محنطة على شكل أصنام وطيور, وقد نصبوها في محلاتهم, وحاربوا ملائكة الرحمة حتى لا تدخل عليهم وإذا خرجت ملائكة الرحمة فمن الذي يخلفهم؟ لقد حلت محلهم الشياطين, فأصبحت البيوت كلها صخب ولغو ولهو, فإنا لله وإنا إليه راجعون. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لعنة الله على المصورين} ويقول صلى الله عليه وسلم: {أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة} فأين نحن من هذه الإرشادات النبوية يا عباد الله؟!

صور للمنكرات الموجودة في المجتمع

صور للمنكرات الموجودة في المجتمع ثم نلتفت يميناً وشمالاً، فنرى بعض المسلمين قد ارتكب منكرات بشعة قد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النهي. من ذلك: إتيان الكهان والسحرة والمشعوذين والمنجمين، الذين من أتاهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن ذلك: حلق اللحى, وإعفاء الشوارب, وهذا -والله ثم والله- معاندة لله ولرسوله, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من تشبه بقوم فهو منهم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس} ويقول: {خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب} ولكن قال البعض من الذين يدعون الإسلام: لا سمع ولا طاعة يا رسول الله, بل نتبعهم ونقتدي بهم! فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبعضهم يتعدى في الجواب ويقول: هذا دين قديم وهذه رجعية هذا تزمت والنظافة من الإيمان! يحلق لحيته ويقول: النظافة من الإيمان!! والبعض من المسلمين قد حبب إليه التشبه بأعداء الله ورسله جميعاً, فمنهم من تخنفس, ومنهم من أطال الأظفار، حتى انزلق بعض النساء في متاهات وضلالات مبتدعة, دسها الإفرنج وعملاؤهم من اليهود والنصارى والمجوس في أفلام ومجلات قضت على الآداب والأخلاق والفضيلة والعفة, حتى آل الأمر إلى انتهاك الشرف نسأل الله العفو والعافية. وانظروا إلى ما تلبسه بعض النساء من ملابس شفافة, وضيقة وقصيرة, فإلى الله المشتكى. ومن المنكرات التي ارتكبها بعض من المسلمين: ترويج المسكرات والمخدرات بأنواعها, حتى قضت على العقول, والعقل أهم ميزة ميز الله بها الإنسان وفضله على سائر المخلوقات، فعندما يفقد هذا العقل فإنه يبتعد عن الدين وعن تعاليمه؛ مما يجعله يعصي الله في كل شيء, ويأتي الفواحش، ويرتكب الموبقات وبسبب هذه المسكرات والمخدرات ينتشر الفساد في الأسرة والمجتمع, فالمدمنون على المخدرات لا يتورعون عن الإتيان بأنواع الجرائم من سرقة، ونهب، وسلب، وقتل، واغتصاب؛ لأجل الحصول على المخدرات, وربما باع بعضهم شرفه وعرضه، وربما مكَّن بعضهم من فعل الفاحشة به كما تنكح المرأة -والعياذ بالله- وهذا واقع في بعض الشباب, فنسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً. ومن المنكرات التي فشت: الأغاني بأنواعها في البيوت، وفي الحوانيت، وفي السيارات, وقد امتلكت قلوب الكثير من الناس، وقد قال ابن مسعود: [[إن الغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل]] والغناء بريد الزنا.

كثرة المنكرات وعدم إنكارها

كثرة المنكرات وعدم إنكارها أيها الإخوة: إن المنكرات كثيرة، ولكن مع وجود هذه المنكرات لا ألسنة تنطق, ولا وجوه تتمعر, إلا النادر، ويوجد فيما بيننا التلاوم والقيل والقال والمداهنة مع الأسف الشديد, فتجد البعض إذا جلسوا في المجالس يجمعون بين أمور كثيرة؛ فيغتابون الناس ويتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيجمعون بين ترك هذين الأمرين وبين الغيبة, ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا جلسنا في البيوت قلنا: فلان حلق لحيته وجعلها كذا وكذا لا شك أن الذي حلق لحيته ارتكب منكراً, ولكن نقول للذي أتى بهذا الكلام: هل نصحت هذا؟ قال: لا إنما أتى به ليغتابه ويخفف من ذنوبه فلو نصحه وجلس معه وقال: يا أخي! أما علمت أن حلق اللحية حرام؟ وقد صدرت من هيئة كبار العلماء فتاوى قالوا فيها: يحرم حلق اللحية، أو قصها، أو نتفها، أو أخذ شيء منها, والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن حلق اللحية، وأمر بإعفائها, وإكرامها, وإرخائها, وأمر بقص الشارب أو حفه فهذا هو الذي ينبغي لنا, أما أن تكون مجالسنا مجالس غيبة فهذا لا ينبغي. ثم البعض من الناس يجلس ويأتي بقصة أخرى فيقول: فلان لا يأتي إلى المسجد لا هو ولا أولاده، فنقول له: أيها الأخ في الله! هل طرقت عليه الباب؟ هل دعوته إلى الله؟ هل أمرته بالمعروف؟ فيقول: لا إنما أتى في هذا المجلس ليغتابه أمام الحاضرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذاً: ما هو الذي ينبغي لك أيها المسلم؟ ينبغي لك إذا رأيت المقصر أن تجلس معه قليلاً وتقول له: يا أخي! اتق الله, أما علمت أن الصلاة هي عمود الدين, وهي الصلة العظيمة بين العبد وبين ربه؟ أما سمعت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة} ويقول أيضاً: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} أما علمت -يا أخي- أن تارك الصلاة لا يغسل إذا مات, ولا يكفن, ولا يصلى عليه, ولا يدفن في مقابر المسلمين, ولا يدعى له بالرحمة فلعله إذا سمع هذا الكلام أن يرعوي وأن يتوب إلى الله عز وجل من تقصيره، ويبادر إلى أداء الصلوات, ويكون هذا برفق ولين، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. أما إن كان يصلي ولكنه يتهاون بها, فقل له: يا أخي! أما سمعت الله عز وجل بماذا توعد المتهاونين عن الصلاة؛ توعدهم بويل، وهو شدة العذاب، أو وادٍ في جهنم, وأنا أسأل الله عز وجل ألا تكون معهم في هذا الوادي، فبادر يا أخي بالصلوات الخمس. وهذا رجل من إخوانكم -جزاه الله خيراً- سكن بجوار رجل من الناس، وإذا بهذا الجار لا يصلي ولا يعرف المسجد, ففكر هذا الرجل بأي شيء يأتي به إلى المسجد؟ فطرق عليه الباب وجلس عنده قليلاً، ودار الحديث بينهما، حتى عرف كل واحد منهما صاحبه, ولما استأنس به قال له: يا أخي! أنا جارك منذ شهر، وتفوتني الصلاة -مع أنه لا تفوته الصلاة، لكن اسمعوا إلى النهاية- وأريد منك أن توقظني لصلاة الفجر. وهذا لا يعرف الصلاة أبداً ولا يعرف المسجد, فعند ذلك أصيب بحيرة, ماذا يعمل؟ هل يقول: أنا لا أصلي؟ لا يمكن أن يقول: أنا لا أصلي، ولا أعرف المسجد ولكن قال: إن شاء الله. فسهر الليل كله حتى يوقظ هذا الجار ليذهب هو وإياه إلى المسجد, مع أن جاره مستيقظ ولله الحمد، ولكن انظروا -أيها الإخوة- إلى فائدة الدعوة بالحكمة, فلما أذن الفجر طرق عليه الباب وخرجا إلى المسجد جميعاً، فاستمرا على هذه الحال, وبعد مدة اجتمع به جاره الذي كان لا يصلي وقال: يا أخي! جزاك الله خيراً، والله إني كنت لا أعرف المسجد ولا أصلي، والآن قد صرت عوناً لي على طاعة الله. قال: وأنا -ولله الحمد- أخبرك أني لست بحاجة إلى أن توقظني، ولكن أردت أن أتعاون أنا وإياك على الخير فنعم هذا التعاون، ولو سلكه الجميع لانتشر الخير والبركة. وإذا أتينا إلى الآخر وهو في المجلس وجدناه يقول: رأيت فلان بن فلان يسحب ثوبه وراءه كأنه امرأة ماذا قلت له؟ قال: والله لم أقل له شيئاً, إنما أتى ليغتابه في المجلس, مع أن الواجب عليه لما رأى هذا المنكر أن يأمره بالمعروف, والمعروف أن يبين له أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم فجعل يكررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟ فذكر منهم: المسبل} وقال صلى الله عليه وسلم: {من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه} وقد يقول البعض: أنا لم أسحبه خيلاء. وإذا قيل له: لماذا إذاً؟ قال: من أجل الزينة. والزينة من عادة النساء، فاتق الله يا عبد الله! إن كنت تريد الزينة فأنت تشبهت بالنساء؛ لأنهن أمرن أن يرخين ذيولهن شبراً, فإذا أرخيت الثوب فقد تشبهت بالنساء وإذا قال: لا أنا لم أجره خيلاء, فنقول له: اسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار}. نعوذ بالله من النار، والنار لا تأكل الخرق ولكنها نار وقودها الناس والحجارة فلعله أن يتوب ويرعوي ويقصر ثوبه ويهتدي؛ فيكون في ميزان حسناتك يوم القيامة, وتحظى أيضاً بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. وبعض الناس إذا جلسوا في المجالس تحدثوا: رأينا زوجة فلان! ورأينا بنت فلان مع السائق! ماذا يريدون من هذا؟ يريدون التشهير بهذا الرجل, فلو أخذوا بيد هذا الرجل وقالوا له: اتق الله يا فلان! لماذا تدع الحبل على الغارب لابنتك وامرأتك مع السائق؟ أما علمت أن هذا منكر؟ وأن هذا لا يرضاه الله بل يبغضه ويأباه, أما سمعت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} وقد يقول هذا الرجل الذي أتى بالسائق: أنا أتيت بهذا السائق، وهو رجل طيب ذو دين. فنقول له: اسمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الصحابة رضي الله عنهم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} يخاطب الصحابة الذين هم أطيب منَّا قلوباً، وأفضل القرون بعد نبينا صلى الله عليه وسلم, يخاطبهم ويقول: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} فإن أبيت ورأيت المنكر بأهلك وأقررت ذلك فسوف تحرم من الجنة, لماذا؟ لأن الجنة لا يدخلها ديوث, والديوث: هو الذي يقر الخبث في أهله, نسأل الله العفو والعافية. قل له هذا الكلام؛ لعله أن يرعوي ويتوب إلى الله عز وجل. والبعض من الناس إذا جلسوا في المجالس قالوا: سمعنا فلان بن فلان يسمع الأغاني. فنقول لهم: أيها الإخوة في الله! هل جلستم معه قليلاً فنصحتموه في الله؟ قالوا: لا. ما جلسنا معه، فلو جلستم معه قليلاً وقلتم له: يا أخي! اتق الله. فإن الغناء بريد الزنا، والغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل, ولا تكن ممن أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يحصل منهم هذا الأمر الخطير في آخر الزمان حيث قال: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فلا تكن منهم يا عبد الله, بل كن من خير أمة أخرجت للناس كن من الطائفة الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله كن من الغرباء الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {فطوبى للغرباء! قيل: من هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس, أو يُصلحون ما أفسد الناس}.

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة: ينبغي لنا أن ندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, ولا نغتاب الناس إذا جلسنا في المجالس, وإذا قيل للبعض: هل نصحتهم؟ قال: لا. ما نصحتهم. لماذا يا أخي؟ أما علمت أن الجار سوف يتعلق بجاره يوم القيامة ويقول: يا رب ظلمني، لقد رآني على منكر ولم ينهني، ولم يأمرني بالمعروف فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وإذا كان الجار سوف يتعلق بك؛ فما بالك إذا تعلق بك الأولاد والزوجة ومن تحت يدك في البيوت، وأنت تخرج تصلي الفجر وهم في فرشهم نائمون, ما هو الخلاص يا عبد الله؟ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. فعلينا -أيها الإخوة- أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونسلك طرق السلف الصالح , ونصدع بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم, وليكن هذا باللين والحكمة والموعظة الحسنة, ونعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق, كما قال سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. وكونوا عباد الله إخواناً قبل أن يحلَّ بكم ما حل بمن قبلكم فإن ما نسمعه من الحوادث والزلازل والفيضانات والمجاعات وغيرها كلها موعظة لنا يا عباد الله, لعلنا أن نتعظ ونرجع إلى الله سبحانه وتعالى, قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]. فعلينا أيها الإخوة! أن نسلك سبيل الذين اتقوا الله عز وجل, ووالله ثم والله لا يضرنا ذلك, ولا ينقص من أعمالنا ولا من أموالنا شيئاً, بل يزيدنا شرفاً عند الله سبحانه وتعالى, قبل أن تضرب قلوب بعضكم على بعض, قبل أن تصيبكم فتنة {لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] لأن العذاب إذا نزل عم الصالح والطالح. يقول الله عز وجل في قومٍ تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. أمة الإسلام: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن أعظم الشعائر الإسلامية, وأقوى الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمعات النزيهة الراقية, فإذا لم يكن أمرٌ ولا نهي، أو كان ولكن كالمعدوم؛ فعلى الأخلاق والمثل العليا السلام, وإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيومئذٍ ويلٌ للفضيلة من الرذيلة. أمة الإسلام! تداركوا الأمر قبل أن يفوت الأوان, وتعضوا على البنان، فقد حثكم نبيكم صلى الله عليه وسلم على تغيير المنكر. فالله الله في الحكمة والموعظة الحسنة, والله الله في الرفق يا عباد الله واعلموا أن مراتب التغيير ثلاث كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {من رأى منكم منكراًَ فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. وإليكم هذا الخبر الذي ينبئ بوخامة عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقول عائشة رضي الله عنها: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفزه الناس، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء, فما تكلم حتى توضأ وخرج، فلصقت بالحجرة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس! إن الله عز وجل يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم} ألا نفكر لماذا انتزعت البركات؟ ولماذا نستغيث ولا يستجاب لنا؟ لكثرة المنكرات, لقد انتشرت المنكرات بين الناس, فنسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً.

الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة: لو أن كلاً منَّا عمل بما في وسعه من المناصحة، ولا نقول لك: يا عبد الله خذ السيف وقاتل الناس، ولكن انصح وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة, واجلس مع جارك وبين له ما ينفعه وما يضره, لعلَّ الله أن يهديه, وإذا رأيت امرأة سافرة فقل لها: اتقي الله عز وجل، وتكلم معها بالكلام الطيب اللين لعلَّ الله أن يهديها, وإذا رأيت شارب الدخان فتكلم معه بما يفتح الله عليك به لعلَّ الله أن يهديه, وإذا رأيت من يسمع الأغاني فعظه وخوفه من الله، وأخبره أن عاقبة ذلك وخيمة, وإذا رأيت من يترك امرأته وبناته مع السائق فعظه بالله، وأخبره أن عاقبة ذلك وخيمة لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم وأن يردهم إليه رداً جميلاً, وإذا رأيت من يترك الصلاة فادعه إلى الله عز وجل, فإن أبى بعد المرة والمرتين والثلاث, فارفع به إلى هيئة الأمر بالمعروف, وإلى رجال الحسبة, فعند ذلك تبرأ ذمتك، وإذا رأيت من يروج هذه الأفلام الخبيثة في أسواق المسلمين فعظه وخوفه من الله، فإن ارتدع وإلا فارفع به إلى ولاة الأمور حتى يطبق عليه الجزاء؛ ليرتدع وينكفَّ عن هذا المنكر الذي بانتشاره ذهبت الغيرة, وقتلت الآداب والفضيلة، وذهب الحياء من بعض الرجال والنساء. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تأخذ بأيدينا إلى كل خير. اللهم وفقنا ووفق ولاة أمورنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم حبب إلينا وحبب إلى ولاة أمورنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنك على كل شيء قدير. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, اللهم وفقنا ووفق ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين لما تحبه وترضاه. اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل, اللهم طهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من الرياء, وألسنتنا من الكذب, وعيوننا من الخيانة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تذكروا هاذم اللذات

تذكروا هاذم اللذات الموت حق كتبه الله على العباد، فمنا من يختم له بخاتمة حسنة ومنا غير ذلك، والموت ممر إلى الدار الآخرة لابد من دخوله. وفي هذا الدرس قصص عن سوء الخاتمة لبعض الموتى، وذكر علاج للغفلة المنسية للموت، وخطوات في طريق العودة إلى الله.

أحوال بعض المحتضرين عند الموت

أحوال بعض المحتضرين عند الموت إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الإخوة في الله: حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل فينا ولامنا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين. إخواني في الله: رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروى عنه، قال: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} والله سبحانه وتعالى -أيضاً- أكثر من ذكره في القرآن مما يدل على عظم هذا الخطب. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هاذم اللذات ومفرق الجماعات وميتم الأطفال ومرمل النساء ومفرق الجماعات هو الموت {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. ثم إن هذا الخطب الفادح إذا نزل يحتار فيه الطبيب ويبطل مفعول الدواء، كما قال الله جل وعلا: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:26 - 28] عند ذلك ييئس من الحياة ومن أهلها؛ لأنه دنا فراقه من الدنيا، ودنا توديع الأهل والأقارب والأصحاب، ودنا انتقاله من هذه الدار لينتقل إلى عالم آخر إلى عالم القبور، فيا ليت شعري ماذا يكون بعد هذا الانتقال؟ وعلى أي حال يكون؟ إخواني في الله: ذكر بعض العلماء رحمهم الله تعالى حالات كثيرة لكثير من المحتضرين الذين ينتقلون من دار الدنيا إلى دار البرزخ وإلى عالم القبور. منها ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى، قال: احتضر بعض الناس، أي: نزل به الموت، فقيل له: قل لا إله إلا الله، وكان من الذين يدمنون المسكرات والعياذ بالله، يقول: فجعل يقول: ناولني الكأس ناولني الكأس نسأل الله العافية! ومات وهو يقول: ناولني الكأس، لقد فاضت روحه وهو يطلب الكأس المسكر. يقول: واحتضر آخر فقيل له: قل لا إله إلا الله، وكان من الذين يستمعون الأغاني، يقول: فأخذ يغني ويدندن حتى خرجت روحه نسأل الله العفو والعافية. وقيل للآخر: قل لا إله إلا الله، وكان من الذين يتعاملون بالربا، فيقول: اثنا عشر بأربعة عشر، إحدى عشر باثني عشر، ومات وهو يتلفظ بهذه الألفاظ التي كان يتلفظ بها عند الربا نسأل الله العفو والعافية. يقول: وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، وكان مولعاً بالتغزل بالنساء، وذكر لهذا قصة أن امرأة خرجت تريد حماماً يسمى حمام منجاب، وكان هذا الرجل عند داره، فسألته هذه المرأة، قالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هذا هو، فأدخلها في بيته، فلما أدخلها في بيته وجلس معها، قالت: لا يهنأ لنا المكان والحال حتى تأتينا بفاكهة، قال: أنا آتيك بكل ما تطلبين، فخرج ليأتي بفاكهة، ولكن من حسن حظها أنه لم يغلق الباب، وخرجت على أثره، فلما جاء إلى البيت، وإذا بالمرأة ليست في البيت -نسأل الله العافية- فأصابه الهيمان حتى كاد أن يجن، فجعل يتغزل: يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ ومر بطريق وهو يهيم ويتلفظ بهذه الأبيات، فطلت عليه جارة من أعلى مكان، وقالت: هلا جعلت لها إذ ما ظفرت بها حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب يقول: فازداد هيمانه وجنونه، ولما احتضر ونزل به الموت قيل له: قل لا إله إلا الله، فجعل يردد هذه الأبيات: يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب ومات وهو يردد هذه الأبيات نسأل الله العفو والعافية. وذكروا أيضاً قصة لرجل -وهذه القصة لم يذكرها ابن القيم رحمه الله لكن ذكرها غيره- ذكروا أن رجلاً كان مؤذناًٍ يؤذن في مصر، وكان بجوار المسجد بيت لنصراني، فلما صعد المؤذن يؤذن نظر في بيت هذا النصراني، فرأى فيه جارية جميلة فنزل، ثم طرق عليها الباب، قالت: ماذا تريد؟ قال: أريدك! أخذت بمجامع قلبي، قالت: أنا لا أطاوعك على ما تطلب، قال: أتزوجك، قالت: إن أبي لا يزوجك وأنت مسلم، قال: أتنصر، فتنصر -والعياذ بالله- فلما دخل بها، صعد إلى مكان في البيت فسقط ومات، وقد خسر دينه ولم يظفر بالمرأة نسأل الله العفو والعافية.

سوء الخاتمة وحسنها

سوء الخاتمة وحسنها إخواني في الله: سوء الخاتمة وحسن الخاتمة له أسباب، فالله جل وعلا يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] ويقول جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] إي والله؛ فالله تعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وقد قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] فمن شب على الإيمان والعمل الصالح فليبشر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:30 - 31] ويقول الله جل وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. يا إخواني! هذه قصة محزنة، يقول لي أحد الثقات: كان لي قريب لا يصلي -وهذه القصص والله مما يحزن القلب، ولكن نريد بها الذكرى، نسأل الله ألا يجعلنا من الشامتين، اللهم لا تجعلنا من الشامتين، اللهم اجعلنا من المعتبرين، ولا تجعلنا من الشامتين يا رب العالمين- فيقول هذا الرجل: كان لي قريب وكان لا يصلي، فأصيب بمرض، يقول: فأتيته، فقلت: يا أخي لعل هذا المرض يكون لك موعظة، تب وارجع إلى الله، صل يا أخي، يقول: فانتهرني وأخرجني من البيت، يقول: فازداد به المرض حتى أضجعه على السرير الأبيض في المستشفى، يقول: فأتيته، وقلت: أخي ماذا بقي؟ تدارك بقية العمر، تب إلى الله وصلِّ، يقول: وبعد إلحاح شديد، قال: ائتني بتراب يريد أن يتيمم، يقول: ففرحت وذهبت وأتيت إليه بتراب، لعل الله أن يهديه ويصلي قبل أن ينزل به هاذم اللذات، يقول: فلما أتيت إليه بالتراب ووضعته بين يديه، يقول: والله إنه يريد أن يمد يديه إلى التراب وما استطاع أن يمد يديه، كأنها مقيدة، يا رب نسألك العافية، يقول: والله ما مست يده التراب، ومات ولم يسجد لله سجدة والعياذ بالله، اللهم إنا نسألك حسن الختام، ففي ذلك عبرة يا إخواني في الله!

التحذير من سوء الخاتمة

التحذير من سوء الخاتمة ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته الكرام، وإن كان الخطاب لجميع الأمة: {بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل}. ولقد -والله- سمعنا بهذا في هذه الآونة الأخيرة بسبب القنوات الفضائية التي انهمك فيها كثير من الناس، يقول لي بعض الثقات: هناك رجل من أقاربي يبلغ من العمر ستين سنة، اللهم لا شماتة، اللهم إنا نسألك العافية، يقول: والآن ترك الصلاة بسبب متابعة القنوات الفضائية، اللهم رده إليك رداً جميلاً، اللهم اهد ضال المسلمين يا رب العالمين.

النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه بالثبات

النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه بالثبات فيا إخواني في الله: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى مسلم في صحيحه: {اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك} هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين، الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول: {اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك} وروى البخاري -أيضاً- في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: {والله إني لأستغفر الله في اليوم وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة} ولقد حث صلى الله عليه وسلم أمته كما في صحيح مسلم، بل حث الناس جميعاً فهو الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة}.

التأهب والتزود للآخرة

التأهب والتزود للآخرة يا عباد الله: اغتنموا أوقات الفضائل قبل فواتها، وتأهبوا لما أمامكم، وما أنتم قادمين عليه بلا محالة ألا وهو الموت، فقد قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:35]. لقد كتب الله الموت على جميع مخلوقاته قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. عباد الله: إن الموت تبدلٌ من حال إلى حال، وانتقال من دار إلى دار، فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى، وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره، وقلة التفكر فيه، وترك العمل. فيا عباد الله! ما هذه الغفلات والاغترار؟! وما هذا الإنكباب على الدنيا، وقد رأيتم تصرم الأعمار؟! وما هذا التفريط وأنتم على الآثار وقد أيقنتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟! يذكر لنا أحد الإخوان في إحدى الدوائر، يقول: استلم أحدهم راتبه يوم الأربعاء، وخرج وقد استلم الراتب وصلى العصر وتوضأ لصلاة المغرب، ولما أراد أن يخرج لصلاة المغرب، قال: والله كأني أحس أني تعبان، أظنني لن أصل المسجد، والله ما أكمل كلامه إلا وقد فاضت روحه. الآخر بعده بيومين -كلهم في دائرة واحدة- كانت عنده مناسبة، تعشى وأكل من تلك المناسبة واجتمع مع ضيوفه، ولما تفرقوا بعد المناسبة بقليل، قال: لعلكم تذهبون بي إلى المستشفى! إني أحس بفتور، والله ما وصل المستشفى إلا وقد خرجت روحه، لا إله إلا الله.

الاعتبار بالأولين

الاعتبار بالأولين عباد الله: أين الأولون ومن مضى من الآخرين؟ أين الذين نصبت على مفارقهم التيجان؟ أين الذين قهروا الأبطال والشجعان؟ خالد بن الوليد رضي الله عنه في إحدى المعارك تنكسر في يده تسعة أسياف، وما بقي بيده إلا حديدة يمنية، ويقول وهو على فراش الموت: [[لا نامت أعين الجبناء أموت كما يموت البعير]] لا إله إلا الله. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحدُ أين الذين قهروا الأبطال والشجعان؟ أين الذين ملئوا ما بين الخافقين فخراً وعزاً؟ أين الذين فرشوا القصور خزاً وقزاً؟ أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبةً وهزاً؟ هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟ أفناهم والله مفني الأمم، وأبادهم مبيد الرمم، أخرجهم من سعة المساكن والقصور، وأسكنهم في ضيق اللحود والقبور، تحت التراب والصخور ولم يدفع عنهم ما جمعوه من الحطام، ولا أغنى عنهم ما كسبوا من الأموال، أسلمهم الأحبة والأقرباء، وهجرهم الإخوان والأصفياء، ونسيهم القريب والبعيد، فهم الآن في بطون الألحاد رهائن الأعمال.

الموت حق على العباد

الموت حق على العباد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا مات الميت تبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع الأهل والمال، ويبقى العمل} لا إله إلا الله! يرجع الأهل والمال، ويبقى العمل، اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين. فيا أخي في الله! مثل نفسك وقد حلت بك السكرات {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. مثل نفسك وقد نزل بك الأنين والغمرات، فمن قائل يقول: إن فلان قد أوصى، ومن قائل يقول: إن فلاناً ثقل لسانه، ولا يكلم أهله ولا إخوانه، ومع ذلك هو يسمع الخطاب ولا يقدر على رد الجواب {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. فيا عباد الله: إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنةً عرضها السماوات والأرض، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون كذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله، قضى نحبه وانقضى أجله، فتدعونه في صدعٍ من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، القبر أول منازل الآخرة، فاتقوا الله عباد الله.

الغفلة هي الداء العضال

الغفلة هي الداء العضال ابن آدم: يا مدعواً إلى نجاته وهو يتوانى! يا مأموم الهوى كم أورث الهوى هواناً! يا هائماً في فيافي الغفلات كم أورثت الغفلات صاحبها حرمانا! ابن آدم! أما أخبرت أن رحيلك إلى الآخرة قد أزف وتدانى {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسبُ وتجمع في لوح حفيظ وتكتبُ وقلبك في سهو ولهو وغفلة وأنت على الدنيا حريص معذبُ تباهي بجمع المال من غير حله وتسعى حثيثاً في المعاصي وتذنبُ الله أكبر! كأنه والله يخاطبنا في هذا الزمان يا إخوان! لا إله إلا الله كيف لو رأى زماننا! زمان الربا والغش والمخادعات والخيانات والرشوة وبيع آلات اللهو والمخدرات والمسكرات وبيع الدخان، وبيع مجلات الصور الخليعة التي فيها الضلال والغواية نسأل الله العافية! كيف لو رأى هذا الزمان رحمه الله! أما تذكر الموت المفاجيك في غد أما أنت من بعد السلامة تعطبُ أما تذكر القبر الوحيش ولحده به الجسم من بعد العمارة يخربُ أما تذكر اليوم الطويل وهوله وميزان قسط للوفاء سينصبُ تروح وتغدو في مراحك لاهياً وسوف بأشراك المنية تنشبُ تعالج نزع الروح من كل مفصلٍ فلا راحم ينجي ولا ثم مهربُ وغمضت العينان بعد خروجها وبسطت الرجلان والرأس يعصبُ وقاموا سراعاً في جهازك أحضروا حنوطاً وأكفانا وللماء قربوا وقد نشروا الأكفان من بعد طيها وقد بخروا منشورهن وطيبوا وألقوك فيما بينهن وأدرجوا عليك مثاني طيهن وعصبوا وفي حفرة ألقوك حيران مفرداً تضمك بيداء من الأرض سبسبُ إذا كان هذا حالنا بعد موتنا فكيف يطيب اليوم أكلٌ ومشربُ وكيف يطيب العيش والقبر مسكنٌ به ظلمات غيهب ثم غيهبُ وهول وديدان وروع ووحشةٌ وكل جديد سوف يبلى ويذهبُ فيا نفس خافي الله وارجي ثوابه فهاذم لذات الفتى سوف يقربُ فيا عباد الله: احذروا من الغفلة، وتذكروا هاذم اللذات. هو الموت ما منه ملاذ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نشاهد ذا عين اليقين حقيقةً عليه مضى طفل وكهل وأشيب فيا من شغلته الدنيا عن طاعة الله، وأغفلته ذكر الله! استيقظ ما دمت في زمن الإمكان.

الإكثار من ذكر هاذم اللذات

الإكثار من ذكر هاذم اللذات أخي في الله: تذكر حين ينزل بك الموت، يوم يجلسون حولك وأنت تعاني من سكرات الموت، وهم يبكون وينادون بصوت يقطع نياط القلوب. يقول الولد: هل تعرفني يا أبتاه؟ والأقارب يقولون: هل تعرفنا يا فلان؟ والميت ينظر إليهم وعيناه قد اغرورقت بالدموع، ولكن لا يستطيع الرد عليهم فقد تعذر عليه الكلام {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ثم لم يلبثوا إلا قليلاً، وإذا بملك الموت قد قبض الروح ومال الأنف، وانفتح الفم، وشخص البصر. فيا عباد الله! يا لها من ساعة يتكدر فيها الصفاء! ويتنغص فيها العيش! إذا نزل هاذم اللذات، فإنه والله أمر جلل وخطب فادح، لا بد منه لكل مخلوق. عباد الله: اعلموا علم اليقين أنه لا بد من السفر من هذه الدار، ومن شك في ذلك فليتذكر من سبقه من الأولين والآخرين. وكيف يحصل التذكر؟ A قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة}. فيا من اغتر بطول الأمل! ويا من غفل ولها وسها! تذكر هاذم اللذات، الذي ما طلب أحداً فأعجزه، ولا تحصن منه متحصن إلا أخرجه وأبرزه، قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] إنه الموت يأتي على غرة وبدون إنذار، إنه هاذم اللذات يأتي على غرة وبدون إنذار، أما أخذ الآباء والأجداد؟ أما أخذ الشباب والأولاد؟ أما ملأ القبور والألحاد؟ أما أرمل النساء وأيتم الأطفال؟ إنه هاذم اللذات!

فوائد تذكر الموت

فوائد تذكر الموت قال أحد العلماء رحمه الله تعالى: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، والنشاط في العبادة. لا إله إلا الله. اسمع أخي في الله: احفظ هذه الثلاثة، فإذا نسيت هاذم اللذات، فتذكر هذه الكرامة لمن أكثر من ذكره، الأولى: تعجيل التوبة، والثانية: قناعة القلب، الثالثة: النشاط في العبادة، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} رواه البخاري. ماذا قال ابن عمر رضي الله عنه؟ قال: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك]].

عواقب قلة ذكر الموت

عواقب قلة ذكر الموت ويقول: من نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، يقول: سوف أتوب، أنا الآن في عنفوان الشباب -الله المستعان- كأن عنده وثيقة أن الموت سوف يأتيه في وقت كذا وكذا؛ لا إله إلا الله! وما يدري إلا وقد هجم عليه هاذم اللذات، فنشبت المنية أظفارها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! المصيبة الثانية لمن ابتلي بعدم الإكثار من ذكر الموت، يقول: يصاب -أيضاً- بعدم الرضا، تجده الليل والنهار يلهث ويركض وراء هذه الدنيا، ووالله لن يحصل إلا ما كتب الله له. والعقوبة الثالثة لمن نسي الموت: التكاسل في العبادة، كلما قيل له شيء، قال: الله غفور رحيم، وتمضي عليه الأيام، الله سبحانه وتعالى لا شك أنه غفور رحيم، لكنه شديد العقاب.

أحوال الناس مع ذكر الله

أحوال الناس مع ذكر الله يا عباد الله: علينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى، ووالله الذي لا إله غيره، إن الأحوال يرثى لها في هذه الأزمان، أزمنة الفتن والمغريات والشهوات والماديات التي طغت. يا عباد الله! من المؤسف أنك تجلس في كثير من المجالس لا تسمع من يذكر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا يا رب العالمين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9] انظر الخطاب للمؤمنين، (يا أيها الذين آمنوا) ثم قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:11] الله أكبر! لا إله إلا الله، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم أيقظنا من رقداتنا يا رب العالمين.

على فراش الموت

على فراش الموت اسمع يا أخي في الله! إلى هذه الحالات التي والله ستمر بنا جميعاً نسأل الله حسن الختام، يا رب اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله. كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شِرا الكفن وقام من كان أولى الناس في عجل إلى المغسل يأتيني يغسلني فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني اللهم ارحمنا بواسع رحمتك يا أكرم الأكرمين! ويا أجود الأجودين! وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني وقال هلوا عليه التراب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني

حال الميت في قبره

حال الميت في قبره اسمع خبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، يقول صلوات ربي وسلامه عليه كما في حديث أنس بن مالك المتفق على صحته، يقول صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً، وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري! كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت! ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين} والحديث متفق عليه.

خطوات في طريق العودة إلى الله

خطوات في طريق العودة إلى الله يا إخواني في الله: ماذا بقي وقد سمعنا هذه الأخبار من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام العلماء جزاهم الله خيراً؟ وكما قيل: المواعظ للقلوب كالسياط للأبدان. إخواني في الله: علينا أن نجدد صفحة جديدة، نقلب صفحة جديدة ونتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وكما قلت لكم في بداية الكلام: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء والمرسلين الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: {والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} صلى الله عليه وسلم. فيا أخي في الله: حاسب نفسك ما دمت في زمن الإمكان، هل تكثر من تلاوة القرآن؟ هل أنت تكثر من ذكر الله؟ هل أنت تكثر من الاستغفار؟ هل أنت تبادر إلى أداء الفرائض وتتبع ذلك بالنوافل؟ أبشر أخي في الله! يقول الرب جل جلاله في الحديث القدسي: {وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه إلخ} رواه البخاري. أيضاً: أخي في الله إذا حصلت محبة الله جل وعلا فأبشر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل عليه السلام، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض} والحديث متفق عليه، وفي رواية مسلم: {وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل، فقال: يا جبريل! إني أبغض فلاناً فأبغضه} يا رب نسألك العافية، لا حول ولا قوة إلا بالله. لماذا أحب الله هذا ولماذا أبغض هذا وليس بينهم وبين الله نسب فكلهم عباده خلقهم لعبادته جل وعلا؟! لأن ذلك امتثل أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأهانه الله {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18] إذا أهانه الله فوالله لو اجتمع أهل السماوات والأرض ما أكرموه. يقول صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم: {وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه؛ فيبغضه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض}. أيضاً انتبه إلى هذا الحديث: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم واقفاً مع أصحابه فمر بجنازة، فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت، ومر بالأخرى فأثنوا عليه شراً، قال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! مرت الأولى فقلت: وجبت، ومرت الأخرى فقلت: وجبت، قال: أما الأولى أثنيتم عليها خيراً، فوجبت له الجنة، وأما الأخرى فأثنيتم عليها شراً، فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه}. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن ينتفع بالذكرى، اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل صالح مقبول، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا ألله أن تحسن ختامنا، اللهم أحسن ختامنا، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. الله أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا جميعاً هداة مهتدين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واشف مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين، اللهم عافنا في أبداننا وأسماعنا وأبصارنا، لا إله إلا أنت. اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر لا إله إلا أنت، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، وجزاكم الله خيراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

بداية ونهاية

بداية ونهاية ونهايته هي يوم القيامة، والاغترار بالحياة الدنيا مذموم، وينبغي للعاقل أن يعد العدة لما بعد الموت، والقبر أول منازل الآخرة، وهو إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، فإذا قامت القيامة فمصير الإنسان إما إلى الجنة وإما إلى النار، بعد يوم عسير فيه من الأهوال ما تشيب له الولدان.

أهمية التقوى

أهمية التقوى الحمد لله خلق الإنسان من سلالة من طين، خلق الإنسان من تراب، وجعل مرجعه ومآله إلى التراب، الحمد لله هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله، جعل لكل شيء نهاية كما أن له بداية، وأصلي وأسلم على نبينا محمد نبي الرحمة وقائد الغر المحجلين، جعلنا الله وإياكم منهم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة في الله! إنه لمن دواعي الفرحة والسرور والغبطة أن نلتقي مثل هذا اللقاء الإيماني، وأن تلتقي هذه الوجوه المؤمنة بالله سبحانه وتعالى طلباً للخير، وحباً للفائدة، طلباً لما عند الله سبحانه وتعالى وخوفاً مما عنده، ونحمد الله سبحانه وتعالى أن نرى مثل هذا الجمع يجتمع في مجال الدعوة إلى الله، وعلى كلمة الحق، وكما تعرفون معنا في هذه الليلة رجلٌ نذر نفسه لله سبحانه وتعالى، وللدعوة إليه، وهو معروف للجميع وهو فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حماد الرسي، ولا أريد أن أطيل في تعريفه، فهو معروف للجميع، وأنا أعرف أنه لا يرضى بالثناء والحمد، فلا أستطيع أن أقول إلا تقديم الشكر الجزيل لفضيلته، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الخطوات وهذه الجلسة في ميزان حسناته، كما أدعوه جل وعلا أن يجعلها أيضاً في ميزان حسناتكم جميعاً، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا على الهدى وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وكما تعرفون أن المحاضرة بعنوان: بداية ونهاية، ومع فضيلة شيخنا ومحاضرته. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ البلاغ المبين، نصح لأمته وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى يحثنا على التقوى في كتابه العزيز، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم يحثنا على التقوى، يقول ربنا جل وعلا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] والتقوى هي التجارة الرابحة التي سوف يجدها المتقون {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {اتق الله حيثما كنت}.

التقوى هي الحصن الحصين من النار

التقوى هي الحصن الحصين من النار أيها الإخوة: إن التقوى هي الحصن الحصين من نار وقودها الناس والحجارة، ولله در القائل حيث يقول: حياتك في الدنيا قليل بقاؤها ودنياك يا هذا شديدٌ عناؤها ولا خير فيها غير زاد من التقى تُنال به جنات عدن وماؤها بلى إنها للمؤمنين مطية عليها بلوغ الخير والشر داؤها ومن يزرع التقوى بها سوف يجتني ثماراً من الفردوس طاب جناؤها من التقوى أن يتقي العبد ربه، ويتوب إلى الله عز وجل، ويبادر بالتوبة النصوح {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2]. وتب مما جنيت وأنت حي وكن متنبهاً قبل الرقاد أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد؟

ذم الدنيا والاغترار بها

ذم الدنيا والاغترار بها هل ترضى أن تأتي يوم القيامة مفلساً، وقد أضعت هذه الحياة الدنيا التي هي متاع الغرور؟ قال الله عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] ثم ضرب الله مثلاً فقال: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] هذه هي الآخرة، إما عذاب شديد في نار جهنم، أو مغفرة ورضوان في جنات النعيم. فاحذروا الحياة الدنيا فإنها غرارة خداعة، وكم يمر بالأسماع من كتاب الله جل وعلا، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من التحذير من الدنيا. فإن الله جل وعلا يحذرنا من الدنيا ويقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] هذه الحياة الدنيا التي حصل بيننا بسببها البغضاء والشحناء والتقاطع والعداوة فقطيعة الأرحام وعقوق الوالدين كل هذا بسبب الدنيا، الحياة الفانية الدنيئة، التي لا تزن عند الله جناح بعوضة، يقول صلى الله عليه وسلم: {لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافراً منها شربة ماء} ولكنها مطية للآخرة إذا عرف الإنسان كيف يتصرف بها.

الدنيا مطية للآخرة

الدنيا مطية للآخرة أيها الإخوة: إن الدنيا مطية للآخرة، والمطية هي التي يركبها الراكب ويتخذها راحلة، والمطية يقضي عليها الإنسان حاجاته في الدنيا، فهذه الدنيا إذا استعملها الإنسان في طاعة الله وذللها لمرضاة الله، فإنها تكون له في ميزان حسناته يوم القيامة، وسوف يكون في قبره وعندما يبعث يوم القيامة أحوجَ ما يكون إلى تلك الأموال، إذا انقلبت حسنات ورآها في ميزان حسناته. والإنسان إذا طلب منه الآن بذل شيء قليل لمشروع من المشاريع الخيرية، تثاقل عن ذلك، نسأل الله العفو والعافية، ولكن إذا رأى يوم القيامة ذلك الفضل العظيم، وذلك الجزاء الوافر، تمنى أنه أنفق كل أمواله في تلك المشاريع الخيرية، والأمر كما قال الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] فالنفس -أيها الإخوة- تحتاج إلى جهاد، فيجاهدها على فعل الخيرات وبذل المعروف في سبل الخير، وسوف يجدها يوم القيامة، وبعكس ذلك الذي يستعمل الدنيا في مشاريع الشر؛ فإنه سوف يجد ذلك يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:6 - 8]. أيها الإخوة: إن الدنيا مزرعة للعبادة، والله سبحانه وتعالى خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة لنستكثر من الأعمال الصالحة، ونحن في دار الابتلاء {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:1 - 2] ليبلوكم أي: ليختبركم أيكم أحسن عملاً، أيكم أحسن العمل وأخلص العمل لله، واتبع في أعماله وأقواله وأفعاله نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمله وفقاً لكتاب الله وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكمله بالإخلاص لله رب العالمين. فهذه الحياة الدنيا سوف يقضيها الإنسان إما بالأعمال الصالحة، وسوف يجد غب ذلك، وإما بالأعمال السيئة وسوف يجد ذلك {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، والله تعالى أعلم بعباده، يقول صلى الله عليه وسلم: {من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إنا لنكره الموت. قال صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه} فهذا الذي عمل الصالحات أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه. لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عند وفاته؟ {اللهم في الرفيق الأعلى} حباً لمجاورة الله عز وجل، وبلال بن رباح لما جلست زوجته عند رأسه تقول كلمات، قال لها: [[لا تقولي هكذا، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه]] الله أكبر! المؤمن يفرح بلقاء الله عز وجل، ويفرح بالموت، ولكن الكافر على خلاف ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: {وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله فكره الله لقاءه} رواه البخاري ومسلم.

حال المؤمن والكافر عند خروج الروح

حال المؤمن والكافر عند خروج الروح المؤمن -أيها الإخوة- له أحوال طيبة عند خروج الروح، تتنزل عليه الملائكة بالبشرى، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] فما ظنكم بما يحصل له من البشرى والفرح والسرور إذا قالت له الملائكة ذلك؟ يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] أي: استقاموا على طاعة الله عز وجل؛ تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا مما أمامكم، فإن الطريق لكم مذللة معبدة، القبر لكم روضة من رياض الجنة، وفسح لكم فيه مد البصر، وفتح لكم منه باب إلى الجنة، ويأتيك العمل الصالح بصورة شاب حسن لا تخافوا مما أمامكم، ولا تحزنوا على ما خلفتم من الأهل والأولاد والأموال {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] الله سبحانه وتعالى معهم، برعايته وحفظه وعنايته. وأما الكافر -والعياذ بالله- فإنه عند خروج الروح يقول الله تعالى عنه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50] هل ظلمهم الله عز وجل؟ لا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود:101] ثم يقال لهم أثناء ذلك الضرب: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:182] ثم يقال لنفسه: اخرجي أيتها الروح الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فلا تسأل عن تلك الروح ماذا تعمل بذلك الجسد، فتقول: يا ويلها إلى أين؟ إلى حفرة من حفر النيران، إلى قبر يضمك فتختلف فيه الأضلاع ويفتح فيه باب إلى النار، ويأتيه العمل الخبيث الذي كان يعمله في الحياة الدنيا، يأتيه بأكره صورة وأكره رائحة وأبشع منظر، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، نسأل الله العفو والعافية.

حياة البرزخ وما فيها من نعيم أو عذاب

حياة البرزخ وما فيها من نعيم أو عذاب أيها الإخوة: هذه الحياة الدنيا تنتهي إما على روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وهذه هي الدار الثانية دار البرزخ؛ لأن دار الدنيا دار العمل والابتلاء والاختبار والمزرعة، ثم ينتقل إلى الدار الثانية وهي دار البرزخ، ولهم فيها أحوال وقد ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال لما رأى رؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي من الله سبحانه وتعالى، يقول صلى الله عليه وسلم: {فأتينا إلى رجل مستلق لقفاه، وإذا برجل آخر معه حجر يضرب به رسه، فيتدهده الحجر، فيذهب يأتي بالحجر وإذا بالرأس قد صح فيضرب به، وكلما تدهده الحجر ذهب يأتي به وإذا بالرأس قد صح} وهذا معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأل عنه صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ ولأي شيء يفعل به هذا؟ فأخبراه أنه أخذ القرآن ورفضه، ونام عن الصلاة المكتوبة والنوم عن الصلاة المكتوبة خطر عظيم على صاحبه.

عذاب القبر حق

عذاب القبر حق يذكر في بعض كتب السير أن ابن عباس رضي الله عنه كان في سفر إلى الحج، وكان معه رفقة فمرض منهم رجل، فجلس معه رفقته ليمرضوه ثم مات هذا الرجل، فحفروا له قبراً، فلما أرادوا أن يجعلوه في ذلك القبر، وإذا بتنين يخرج في ذلك القبر، فحفروا قبراً آخر وإذا به يخرج فيه، وحفروا ثالثاً وإذا به يخرج في القبر الثالث، ثم ذهب رجل منهم مسرعاً إلى ابن عباس رضي الله عنه ليخبره بهذه الحادثة، فقال: لو حفرتم جميع الأرض لوجدتموه، ادفنوه في أحد هذه القبور فإن هذا عمله. ودفنوه في أحد هذا القبور، ولما سألوا زوجته عنه قالت: إنه رجل كان كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة، إلا إنه رجل تاجر وكان يشتغل أحياناً بتجارته ثم ينام عن صلاة الفجر. رجل في عهد ابن عباس رضي الله عنه، ما عاش مع البلوت ولا مع الكينكان ولا مع الدمنة ولا مع الميسر والقمار، عاش في تجارته {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] ولكنه لما اشتغل به عن طاعة الله، وصده عن ذكر الله وهي الصلاة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9] ذكر بعض المفسرين أن ذكر الله في هذه الآية هو الصلاة، فهذا الرجل لما اشتغل بتجارته وبحسابه سلط الله عليه هذا التنين في قبره نسأل الله العفو والعافية. فعذاب القبر حقٌ، وكذلك نعيم القبر حق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما مر على رجل من الصحابة قال: {أفٍ! قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: إن الشملة أو العباءة التي غلها لتشتعل عليه ناراً في قبره} لأنه أخذها قبل أن تقسم الغنائم، فهي تشتعل عليه في قبره ناراً نسأل الله العفو والعافية. ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: {إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير} أي: ليس كبيراً في أعين الناس، ثم قال صلى الله عليه وسلم: {بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله} أي: لا يتنزه من بوله، ولذلك يعذبان في القبر، فشق رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة وغرزها على قبر كل واحد منهما لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا. وبعض الناس يأتي ويأخذ ويشقها ويضعها على القبر، فنقول له: هذا فعل يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى أطلعه على ما في هذين القبرين من أن اللذين في قبريهما يعذبان، فلذلك لا ينبغي لأحد أن يتعدى أو يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أو كما يفعل بعض الناس إذا دفنوا الجنازة وقفوا صفوفاً، وقالوا: ماذا تقولون في فلان؟ وقد تواطئوا على هذا الخبر، فيقولون: فلان بن فلان رجل طيب، ويمكن أنه لا يعرف الصلاة في بيوت الله، لكنهم قالوا: فلان طيب أخذاً بالحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال: وجبت، ومر عليه بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: كيف ذلك يا رسول الله؟ أثنوا على الأولى خيراً، فقلت: وجبت، وأثنوا على الأخرى شراً، فقلت: وجبت؟ قال: أثنيتم على الأولى بخير، فقلت: وجبت، أي: وجبت له الجنة، وأثنيتم على الآخر بشر، فقلت: وجبت، أي: وجبت له النار فأنتم شهود الله في أرضه}. لكن ينبغي أن تكون شهادة حقيقية على إنسان متق لله عز وجل، صاحب تقوى ودين، أما من لا يعرف الصلاة، أو من هو منهمك في المسكرات والمخدرات، أو من يرتكب اللواط والزنا، ثم يقف الناس في جنازته صفوفاً ويقولون: فلان بن فلان نعم الرجل فهذا خلاف الواقع، وسوف يسألون عن هذه الشهادة يوم القيامة. ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يحكم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا بنار، ولكن يرجى للمحسنين الثواب، ويخاف على المسيئين العقاب. وهذا الذي رآه صلى الله عليه وسلم هو أن الله وكل بالرجل الذي كان يتثاقل عن الصلاة، ملكاً يضربه بذلك الحجر هو من عذاب البرزخ. كذلك مر برجل آخر وهو مستلق لقفاه، وإذا بآخر قائم عليه بكلوب، وإذا هو يشرشر شدقه ومنخره وعينيه إلى قفاه، وكلما صحا هذا الجانب أتى إلى الجانب الآخر، فسأل عنه صلى الله عليه وسلم، ما هذا؟ قالوا: هذا الرجل الذي يغدو فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق نسأل الله العفو والعافية. ولذلك حذر صلى الله عليه وسلم من الكذب، فقال: {إياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}. ثم مر صلى الله عليه وسلم بأناس في مثل التنور أسفله واسع وأعلاه ضيق، فيأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم هذا اللهب ارتفع بهم، وضوضوا من شدة ما يأتيهم من هذا الحر، وهم عراة في ذلك التنور، فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء الزناة والزواني الذين يفعلون جريمة الزنا، الذين يرتكبون الجريمة الشنعاء، والذين يرتكبون الجرثومة الخطيرة التي تسبب الأمراض في الدنيا، عقوبتهم في الدنيا الفقر وتسويد الوجه، ومرض الزهري والسيلان والإيدز وغيرها من الأمراض المستعصيات، التي حصلت في آخر الزمان بسبب هذه الجرثومة الخطيرة التي انتشرت، نسأل الله جلت قدرته أن يبعدها عن بلادنا وعن بلاد المسلمين أجمعين، إنه على كل شيء قدير. ففي الدنيا يجازون بهذه المصائب فقر وتسويد للوجوه، ويصابون بهذه الأمراض الخطيرة المتسعصية، التي لم يوجد لها علاجٌ حتى الآن، وفي البرزخ يعذبون في مثل التنور، ويوم القيامة لا تسأل عن أحوالهم في جهنم، نعوذ بالله من جهنم. ومر صلى الله عليه وسلم على أناس -وهذا ليلة أسري به صلى الله عليه وسلم يقول: {مررت بأناس لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم} أهل الغيبة الذين لا تطيب مجالسهم إلا بأكل لحوم الناس، ولا تطيب مجالسهم إلا بالاستهزاء والسخرية بعباد الله ومع الأسف الشديد يحدث من بعض الناس استهزاء بأهل الدين، حيث يقولون: هذه مطوع له لحية مثل لحية التيس، أو له لحية مثل المكنسة وهذا لبس ثوب أخيه الصغير، أي: قصر ثوبه اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا أخطأ ولبس ثوب أخيه الصغير يستهزئون به؛ لأنه اتبع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقولون: هذا متجمد هذا متزمت هذا رجعي ويا وليهم إذا لم يتوبوا من هذه الألفاظ! وكم مرة أقول هذا الكلام، وهو من باب النصيحة، وقد يقع هذا الأمر من أناس كبار في السن، يقولون: ما هذا الدين الذي أتى به هؤلاء الشباب؟ لأن بعض هؤلاء الكبار عاش بين الشيشة والتتن والدخان وغيرها، ولما رأوا بعض الشباب التزم وتمسك بدين الله؛ قالوا: ما هذا الدين الذي أتى به هؤلاء الشباب ويظنون أن هذا الدين جديد، وهذا هو دين الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم، ولكن نشكر الله عز وجل على هذه الصحوة واليقظة، ونسأل الله عز وجل الثبات على دينه. صحيح أنه قد مرت بنا سنون غفلنا وابتعدنا وأعرضنا، ولكن هذا من فضل الله سبحانه وتعالى أن وفقنا ورجعنا، فنسأل الله عز وجل أن يتم علينا هذه النعمة، وأن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8]. فمع الأسف الشديد تجد شاباً متمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو واضع يديه على صدره في الصلاة مثلما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا برجل آخر من المعرضين الذين لم يعرفوا هدي الرسول، يقول: ما هذا الدين الجديد الذين جئتم به لنا؟ هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! قيل: ومن الغرباء؟ قيل: الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يُصلحون ما أفسد الناس}. فيا أيها الشباب: الله الله في الرجوع إلى دين الله وكتاب الله، وإلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تلتفوا إلى المستهزئين فقد استهزئ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأني أنظر إليه وهو يصلي عند الكعبة، لما وضعوا على رأسه سلا الناقة، واقرءوا هذا في سيرته صلى الله عليه وسلم، وما سئم ولم يضره ذلك، وما ضعف عزمه عن الدعوة إلى الله عز وجل، وعن طاعته سبحانه، وكم مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام من الابتلاء والامتحان فما ضرهم ذلك، كان منهم من تحمى الحديدة وتوضع على رأسه تفوح رائحة لحم رأسه، ومنهم من يسحب على الرمضاء، ومنهم من توضع عليه الصخرة الكبيرة، ولم يرده ذلك عن دين الله عز وجل، ومنهم من ضرب حتى اختلط أنفه بوجهه، ويحمل وهو يقول: كيف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولم يضرهم ذلك أبداً. أما البعض منّا في هذه الأزمنة المتأخرة والمظلمة، إذا سمع كلمة بسيطة من بعض المستهزئين ابتعد عن الدين وانحرف والعياذ بالله، فلو رسخ الإيمان في قلبه، لما ضره ألقاب الملقبين، ولا ضره استهزاء المستهزئين، فلقد كان في من كان قبلنا يوضع المنشار على مفرق رأسه، ويوضع على الأرض قطعتين، ولم يرده ذلك عن دينه؛ لأن الإيمان ثبت في قلوبهم ثبوت الجبال الراسيات، فالله الله أيها الإخوة في الله! وهذه بشارة يزفها لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسطر لكم في كتب الأحاديث، ويدونها لكم علماء الإسلام، خدمة ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، هذه البشارة التي يزفها لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله حيث يقول: {وشاب نشأ في عبادة الله}. أيها الإخوة: يقول ابن عباس رضي الله عنهما عن عذاب البرزخ: [[إن اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في قبره خنزيراً]] نسأل الله العفو والعافية اللوطي الذي يأتي الذكران من العالمين دون النساء، الذي يهجر ما أحل الله له من الزوجة الطيبة ثم يرتكب هذه الجريمة الشنعاء؛ جريمة اللواط التي إذا فعلت في مكان هربت الشياطين منه، تخشى أن ينزل عليهم العذاب مع أولئك المفسدين الذين يفسدون في الأرض، وتكاد الجبال أن تقتلع من أصولها؛ لأنها جريمة نكراء، وما عذب الله أمة أشد عذاب مما عذب به قوم لوط، حيث أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع قراهم ويرفعهم إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح الديوك ونباح الكلام، ثم قلبها عليهم، ثم أتبعهم الله بحجارة من سجين. تلك القرى التي كانت تغط بالناس، أصبحت الآن بحيرة ميتة منتنة لا يستفاد منها، ثم عقب الله بذلك، وقال: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به}. وأبو بكر رضي الله عنه أحرق اللوطي في النار، وكذلك عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وقال: ابن عباس رضي الله عنه: [[أرى أن ينظر أعلى مكان في البلد، ثم يرمى منه ويتبع بالحجارة]]. هذا اللوطي الخبيث صاحب الجرثومة الشريرة التي تنشر الشر والعار في الأرض نسأل الله العفو والعافية.

حكم المنكر لعذاب القبر ونعيمه

حكم المنكر لعذاب القبر ونعيمه أيها الإخوة: عذاب البرزخ ونعيمه حق، والذي ينكر ذلك كافرٌ والعياذ بالله، ومن عمل صالحاً واتقى الله عز وجل وبادر إلى طاعته فهنيئاً له في قبره؛ أن يكون له روضة من رياض الجنة، ومن عمل السيئات واقترف الجرائم والموبقات؛ فسوف يكون عليه قبره حفرة من حفر النيران.

النفخ في الصور وما بعده

النفخ في الصور وما بعده ثم يمكثون في القبور وتنتهي الحياة الثانية وهي حياة البرزخ، ثم يأمر الله جل وعلا إسرافيل لينفخ في الصور، قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] فإذا نفخ إسرافيل في الصور مات كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله سبحانه وتعالى، وبقي الله سبحانه وتعالى الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الحي القيوم الذي لا يموت أبداً. قال الله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ثم ينادي {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}} [غافر:16] فلا يجيبه أحد، ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] ثم يأمر الله عز وجل إسرافيل أن ينفح في الصور حتى تخرج الأرواح من ذلك الصور إلى أهلها في القبور ليقوموا من قبورهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر:68 - 69].

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة قال القائل: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفور وإذا النجوم تكدرت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور الله أكبر! جنين صغير لم يقترف ذنباً واحداً! هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور مثل لنفسك يا عبد الله! إذا قامت القيامة، وشاب الولدان، وكثر الزحام، وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعنت الوجوه للحي القيوم، وقد خاف من حمل ظلماً يوم القيامة نقوم وقد تغير علينا هذا العالم بما حدث فيه من انقلاب {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] فكم من شيخ كبير ينادي في ذلك اليوم العظيم: واشيبتاه! ينادي على ما أضاع من عمره في الحياة الدنيا، وكم من كهل ينادي: واكهلاه! واعمراه! يبكي على عمره الذي أضاعه في غير طاعة الله، وكم من شاب ينادي: واشباباه! أيها الشاب! تذكر ذلك اليوم العظيم، تذكر ذلك العمر الذي تضيعه عند الأفلام والتمثيليات، وعند الألعاب المخزية، وعند الشنار والعار في الدنيا، وسوف تذكر ذلك الشباب إذا وقفت في ذلك الموقف العظيم {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] نعم سوف تذكر ذلك العمر -يا عبد الله- في ذلك اليوم {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:25] نزلوا ليحيطوا بالعالمين، سبعة صفوف من الملائكة، فهل لك من مفر يا عبد الله؟! تلك هي النهاية في ذلك اليوم العظيم، يوم القيامة، قال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18]. الأولون والآخرون يجتمعون في صعيد واحد وعلى أرض واحدة ليس فيها جبال ولا وهاد: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:18 - 20] هذه الجبال العظيمة التي نجلس سنين لنفتح نفقاً فيها! ولكن بقدرة الله عز وجل تأتي يوم القيامة كأنها سراب {كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمل:14] قال الله: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:19 - 20].

الاستعداد ليوم القيامة

الاستعداد ليوم القيامة فيوم القيامة يحتاج إلى عدة واستعداد وتقوى، فالمسألة مسألة عظيمة، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً} [النبأ:38 - 39] فالملائكة على قدرهم وجلالتهم لا يتكلمون، فإن كنتم تؤمنون بذلك اليوم الحق فاستعدوا له {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40]. في ذلك اليوم العظيم، إذا حشرت الوحوش، واقتص لبعضها من بعض، وهذا من عدل رب العزة والجلال أنه يأخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حقها، ثم يقول لها: كوني تراباً، فيقول الكافر في ذلك اليوم: يا ليتني كنت تراباً. أيها الإخوة: في ذلك اليوم العظيم نأتي حفاةً عراةً غرلاً؛ لذلك تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: {يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض! قال: الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض} فهل تفكرنا في ذلك اليوم أيها الإخوة؟ هل تذكرنا ذلك اليوم العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون؟ إن القلوب لمريضة، وإلا كيف يمر بنا سماع ذلك اليوم العظيم مر الكرام، ونحن لاهون غافلون.

شدة العرق في يوم القيامة

شدة العرق في يوم القيامة أيها الإخوة: مشهد عظيم يصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم} لماذا يا رسول الله؟! اسمعوا الخبر يا عباد الله! لأن الشمس قد أدنيت منهم بمقدار ميل، فيكون الناس في العرق على قدر أعمالهم، فمنهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم من يلجمهم العرق إلجاماً، قال الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]. لا إله إلا الله! رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها فمن حقق ذلك دخل الجنة على ما كان له من عمله. أيها الإخوة! يا أهل لا إله إلا الله! يا خير أمة أخرجت للناس! يا أمة محمد! الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لنستعد لذلك اليوم العظيم، يوم القيامة، والوقوف بين يدي الله عز وجل، لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يعبرون على الصراط.

المرور على الصراط

المرور على الصراط أيها الإخوة: ثم يمر الناس على الصراط يوم القيامة، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأشد الرحال، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من هو كأشد الرجال عدواً، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من يزحف على الصراط، فتأخذه كلاليب جهنم فتقذف به في وسطها، إنه لمشهد عظيم ومزعج، ورسل الله صلى الله عليهم وسلم واقفون على جنبتي الصراط يقولون: يا رب سلم سلم.

دعوة للرجوع إلى كتاب الله

دعوة للرجوع إلى كتاب الله أيها الإخوة! يا أمة محمد! يا من قرأتم كتاب الله! ارجعوا إلى كتاب ربكم؛ لتنظروا ما فيه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، ولتعرفوا ما فيه مما أعد الله لأوليائه في الجنة، وما أعد لأعدائه في نار جهنم، وتذكروا يوم تقسم الصحائف، فآخذ باليمين وآخذ بالشمال أو آخذ من وراء ظهره نسأل الله السلامة. أيها الإخوة: وفي نهاية المطاف لا شك أن الناس -وكلنا نؤمن بذلك- ينقسمون إلى قسمين: قسم إلى دار السعادة والأفراح، إلى دار النعيم، إلى الجنة، إلى دار السعداء، وقسم يذهب بهم إلى النار، ويسحبون على وجوههم إلى نار جهنم. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، وارزقنا نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا تجعلنا من أهل النار {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:65 - 66] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، وارزقنا استعمالها في طاعتك وفي رضاك وفيما تحبه وترضاه يا رب العالمين اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا. اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم دعوة من أعماق قلوبنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

علامات الساعة الصغرى والكبرى

علامات الساعة الصغرى والكبرى إن العلم بأشراط الساعة من العقائد الإسلامية التي يجب على المسلم معرفتها والإيمان بها، وعلامات الساعة قسمين: علامات صغرى وعلامات كبرى. وفائدة هذه العلامات بيان للناس بقرب قيام الساعة. فالواجب على المسلم أن يبادر بالتوبة قبل أن يحال بينه وبينها، وقبل أن تبلغ الروح الحلقوم وقبل أن تطلع الشمس من مغربها، فعندها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.

الحث على التوبة والتمسك بدين الله

الحث على التوبة والتمسك بدين الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. أيها الإخوة في الله: مرةً أخرى أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يدخلنا الجنة، وأن نتبادل هذه التحية في جنات النعيم، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجيرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال. أيها الإخوة في الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل خاصةً في هذه الأزمنة المظلمة، التي تتلاطم فيها الأمواج، فالوصية في التقوى هي وصية الله في الأولين والآخرين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18 - 19]. أمة الإسلام: الله الله بالتمسك بدين الإسلام، واسألوا الله الثبات على ذلك.

العلم بأشراط الساعة

العلم بأشراط الساعة أيها الإخوة في الله: اعلموا أن العلم بأشراط الساعة من العقائد الإسلامية التي يجب على المسلم معرفتها والإيمان بها. عباد الله: إن للساعة علامات صغرى وعلامات كبرى، يقول الله جل وعلا: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] ويقول جل وعلا: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63]. نعم. إن للساعة أشراطا، ومعنى أشراطها أي: علاماتها المؤذنة بقرب قيامها، وأول علامات الساعة: بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: {بعثت أنا والساعة كهاتين} وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى ثم موته صلى الله عليه وسلم. والساعة -أيها الإخوة في الله- من علم الغيب الذي لم يطلع عليه أحدٌ من الخلق لا ملكٌ مقربٌ، ولا نبيٌ مرسل {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34].

علامات الساعة الصغرى والكبرى

علامات الساعة الصغرى والكبرى أيها الإخوة في الله: أذكر ما تيسر من علامات الساعة الكبرى والصغرى، ولكن سوف يكون على غير ترتيب، فربما قدمت، وربما أخرت، وذلك حسب اطلاعي وعلمي القاصر، فمن علامات الساعة -أيها الإخوة في الله- ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، وتسمى بغير اسمها. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظهر الجهل في كثيرٍ من البلدان، ومع الأسف الشديد حتى التي تدعي أنها بلدان إسلامية، وشربت الخمور وسميت بغير اسمها، سميت حشيشاً وسميت (وسكي) وسميت غير ذلك من الحبوب المخدرات والمسكرات، التي ابتلي بها كثيرٌ من الناس، أضاع بها عقله وشرفه وماله وحياته، فنسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله الثبات على دينه. ومن علامات الساعة أن يفشو الزنا، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون للخمسين امرأة قيمٌ واحد. أيها الإخوة في الله: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان تكون بينهما مقتلةٌ عظيمةٌ دعوتهما واحدة} فسر العلماء هذا الحديث العظيم بما وقع في زمن علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث كانت كل من الفئتين تدعو إلى ما تراه أنه الحق حيث نتج عن تلك المقتلة نحو سبعين ألفاً على ما قيل. وأيضاً أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يخرج بعده دجالون كذابون قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وقد ظهر كثيرٌ منهم، ولا رسول ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب:40]. وأيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يقبض العلم، فالمراد بالعلم هو العلم الشرعي علم الكتاب والسنة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأيضاً قبض العلم يكون بموت العلماء كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل، وهي نوعان: زلازل حسية تهز الأرض هزاً، فتدمر القرى والمساكن. وزلازل معنوية تزلزل الإيمان والعقيدة، والأخلاق والسلوك، حتى يضطرب الناس في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكم. نسأل الله العفو والعافية، اللهم إنا نسألك الثبات على دينك، اللهم إنا نسألك الثبات على دينك، إنها فتنٌ يصبح العاقل الحليم فيها حيراناً. أيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فيقرب أوله من آخره، وذلك بكثرة الغفلة، وفشل الأعمال والأوقات حتى يمضي الزمن الكثير، والإنسان ما صنع إلا شيئاً قليلاً، أو يحتمل معنىً آخر وهو: سرعة إنجاز الأمور التي لا تنجز إلا بزمنٍ كثيرٍ كما يشاهد اليوم في وسائل النقل ووسائل الإعلام، فكم من بلدٍ لا يوصل إليه إلا بعد أشهر، والآن يوصل إليه بزمن قليل، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور حين سأله جبريل عليه السلام عن الساعة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأخبرك عن أماراتها: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان}. وأيضاً يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه حذيفة بن أسيد قال: {كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع علينا، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة، قال: إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونارٌ تخرج من قعر عدن تُرحِّل الناس} أي: تأخذهم بالرحيل وتزعجهم. يا عباد الله! يا أمة الإسلام! بادروا بالتوبة إلى الله، بادروا بالأعمال الصالحة، فإنها إذا حصلت العلامات الكبرى أغلق باب التوبة، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وذلك قبل يوم القيامة كائنٌ من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة، وكما قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً}. عباد الله: البدار البدار بالتوبة النصوح. أيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، فتن الدين والدنيا، أما فتن الدين فكل ما يصد عن الإيمان بالله، والقيام بأمره، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم من العقائد الفاسدة والأفكار الهدامة، والسلوك المنحرف، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة بالاشتغال بالشهوات واللذائذ المحرمة، وأما فتن الدنيا، فما يحصل من القتل والخوف والسلب والنهب، وظهور الفتن دليل على ضعف العلم الصحيح والإيمان الخالص، ويقول صلى الله عليه وسلم: {بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا}. وأيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر القتل، سواءٌ كان ذلك بالحروب، أو بالاغتيالات، وقد حصل ذلك أيها الإخوة في الله. فنسأل الله الكريم رب العرض العظيم أن يجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية. أيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، ويهم الرجل من يقبض صدقته، وحتى يعرض الرجل على الرجل هبةً أو صدقةً فيقول: لا حاجة لي بها. وأيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، وذلك دليلٌ على اشتغال الناس في أحوال دنياهم دون أحوال دينهم؛ لأن التطاول في البنيان يشغل القلب والبدن، فيلهو به الإنسان عن مصالح دينه. وأيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: ليتني مكانه، وذلك لما يرى من الأمور العظام، التي يفضل الموت عليها من عظيم البلاء، واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم، واستحلال الحرام. وأيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم في قوله: {ليكونن في آخر الزمان أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} وقد حصل هذا، فنسأل الله جلت قدرته أن ينجينا من مضلات الفتن إنه على كل شيءٍ قدير. وأيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى تطلع الشمس من المغرب، ويختل نظام سيرها، فحينئذٍ يعلم الناس أنها تسير بتقدير الله وأمره فيؤمنون، ولكن لا إيمان ينفع في تلك اللحظة إلا من كان مؤمناً من قبل، أو كسب في إيمانه خيراً، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أمثال تبين أن الساعة تقوم بغتة، فقال صلى الله عليه وسلم: {تقوم الساعة والرجلان بينهما ثوبٌ قد فلاه يتبايعانه، فلا يمكنهما البيع ولا طي الثوب، وتقوم والرجل قد انصرف بلبن ناقته ليشربه، فلا يتمكن من شربه، وتقوم والرجل يصلح حوض إبله ليسقيها، فلا يسقي فيه، وتقوم وقد رفع اللقمة إلى فمه، فلا يطعمها}. الله أكبر -يا عباد الله- ومن علامات الساعة الكبرى التي أسأل الله بمنه وكرمه أن يجيرنا منها إنه على كل شيءٍ قدير، ألا وهو الدجال، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه وأرضاه قال: {ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما ذهبنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداةً، فخفَّضت فيه ورفَّعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال صلى الله عليه وسلم: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شابٌ قطط عينه طافئة، كأني أشبهه بـ عبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنه خارجٌ خلةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا} هكذا يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروج هذه الفتنة الكبيرة وهو الدجال، يأمر بالثبات. اللهم إنا نسألك الثبات، اللهم إنا نسألك الثبات، اللهم إنا نسأل الثبات، قلنا: {يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم -اسمعوا يا عباد الله، يا لها من فتنة! يا لها من محنة! نسأل الله الثبات- فيأتي على القوم، فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرا، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزكِ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه -يدعو هذا الشاب- فيقبل ويتهلهل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك} وفي رواية: {ثم يقول لهذا الشاب: أوما تؤمن بي؟ قال: ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيأخذه ليذبحه، فلا يستطيع عليه}. {فبينما هو كذلك يعيث في الأرض فساداً، إذ بعث الله المسيح بن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه، تحدر منه جُمانٌ كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه في لج -عيسى بن مريم عليه السلام يطلب المسيح الدجال- فيدركه بـ باب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله من الدجال، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَان لأحدٍ بقتالهم، فحرِّزْ عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدبٍ ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويُحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرٌ من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفسٍ واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبرٍ إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله جل وعلا، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء ا

النفخ في الصور وقيام الساعة

النفخ في الصور وقيام الساعة بسم الله الرحمن الرحيم. {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1] ويقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:96 - 97] ثم تقوم القيامة الكبرى التي أخبر الله عنها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2] ويقول جل وعلا: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:41 - 42] وذلك عندما يأمر الله عز وجل إسرافيل أن ينفخ في الصور نفخة البعث التي يخرجون منها من القبور لرب العالمين، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51]. أيها الإخوة في الله: عند ذلك إذا أمر الله سبحانه وتعالى، أو قبل أن يأمر الله إسرافيل أن ينفخ في الصور يأمر الله ملكاً ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13 - 14].

الوقوف بين يدي الله يوم القيامة

الوقوف بين يدي الله يوم القيامة أيها الإخوة في الله: إنها أمور عظيمة عندما تحين قيام الساعة الكبرى، فعند ذلك يحين للقيامة القيام، فتذكر يا ابن آدم! ذلك الموقف العظيم، عندما تكون حافي القدمين، عاري الجسم، حاسر الرأس، تعلوك المذلة وأنت منفردٌ بأحزانك وهمومك وغمومك، القلب خائف والبصر خاشع: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] فتذكروا -يا عباد الله- وقوفكم يوم القيامة، ثم تذكروا إقبال الوحوش في ذلك اليوم العظيم منكسة رءوسها، ثم تذكروا هذه الشمس التي تشرق وتضيء العالم عندما تكور، والقمر عندما يخسف به، والنجوم عندما تتنثر وتنكدر، والسماء عندما تتشقق: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] قيل: تذوب كما تذوب الفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ من شدة الأمر وهول يوم القيامة، حقاً إنه يوم يجعل الولدان شيباً. يا ابن آدم! تذكر شدة الوقوف وقد أدنيت الشمس من رءوس الخلائق، يا ابن آدم! يا من اغتر بإمهال الله له! يا من اغتر وتمادى بالغفلة والعصيان! يا ابن آدم! أتظن أنك مهمل؟ لا ورب العزة والجلال. يا ابن آدم! تذكر شدة الوقوف وقد أدنيت الشمس من رءوس الخلائق، وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس وزحام الأجسام، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم، فمنهم من يبلغ منهم العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى أنصاف ساقيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس، وانضاف إلى كثرة الأنفاس ازدحام الأنفاس والعطش، ولا نوم ولا راحة، ثم تذكر يا ابن آدم في ذلك الموقف العظيم قول الملك العلام: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] تذكر يوم أن يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام يجره سبعون ألف ملك، في ذلك اليوم العظيم لا يبقى ملكٌ مقربٌ، ولا نبيٌ مرسلٌ إلا جثا على ركبتيه، يقول: يا رب نفسي نفسي. ثم تذكر عندما يتبرأ منك الولد والوالد، والأخ والصاحب لما في ذلك اليوم من المزعجات والقلاقل والأهوال، التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والرعب والذعر. أيها الإخوة في الله: لا أنسى أن أذكركم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني آليت على نفسي ألا أجلس مجلساً مثل هذا المجلس إلا ذكرته لإخواني؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} فالحديث -أيها الإخوة في الله- يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه}. هؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. أيها الإخوة في الله: متى؟ في ذلك اليوم العظيم الذي ظهرت فيه المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والذعر. اسمعوا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم {كان رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها، فنعس، فتذكرت الآخرة، فبكت، فسالت دموعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ بدموعها، فرفع رأسه فقال: ما يبكيكِ؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرت الآخرة. هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن فإنه لا يذكر أحدٌ أحداً إلا نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله، وعند الصراط}.

الغفلة عن يوم القيامة

الغفلة عن يوم القيامة عباد الله: لو تذكرنا ذلك اليوم العظيم؛ لقَوِيَ الإيمان عندنا، ولكن -مع الأسف الشديد- الغفلة طمت على القلوب -يا عباد الله- كل يوم نسمعها، كل يوم نسمع هذا اليوم العظيم يكرر علينا ونكرره أيضاً في كل نافلة وفي كل فريضة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ما هو يوم الدين؟ يوم الجزاء والحساب -يا عباد الله- يوم القارعة، يوم الصاخة، يوم الحاقة، يوم الطامة الكبرى، يوم الواقعة، يا له من يوم عظيم! يا ابن آدم! تذكر وأنت واقفٌ في ذلك الموقف العظيم، مع الخلائق الذي لا يعلم عددهم إلا الله، إذا نودي باسمك على رءوس الخلائق من بين الأولين والآخرين، فقمت ترتعد فرائصك، فهنيئاً إن كنت من أصحاب اليمين، عندما ترفع هذه الصحيفة التي سوف تأخذها بيمينك، هنيئاً لك عندما تقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] ثم هنيئاً لك في جنةٍ عالية قطوفها دانية، يقال لأهلها: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] ويالها من حسرةٍ وندامة، عندما يعطى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، عندما يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:25 - 29] يالها من حسراتٍ لا تنقضي إذا قال الجبار جل جلاله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32] هنيئاً لأهل الجنة عندما يذبح الموت، ويقال لهم: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا ويل أهل النار عندما يقال: يا أهل النار خلود ولا موت. عباد الله: في نهاية هذا الكلام الذي أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم به، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، في نهايته أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وكثرة قراءة القرآن، وكثرة ذكر الله عز وجل، فإنه بكثرة ذكر الله تحيا القلوب وتلين، أما إذا غفلت عن ذكر الله وأعرضت وصدت، فلا تسأل عنها بأي وادٍ تهلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الإخوة في الله: قووا عزيمتكم وإيمانكم، وتوكلكم بالله جل وعلا، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى هو النافع والضار بيده الملك وهو على كل شيء قدير، هو المحيي وهو المميت، وهو المعز والمذل، وهو الخافض والرافع، يعطي ويمنع، يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، لا إله إلا هو، ولا رب لنا سواه. عباد الله: أوصيكم ونفسي بالمبادرة إلى أداء فرائض الله عز وجل، وإتباعها بالنوافل حتى تكونوا من أحباب الله، كما قال الله جل وعلا في الحديث القدسي الذي يرويه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه -ثم يقول جل وعلا-: وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه} {وإذا أحبك الله -يا عبد الله- ينادي الله في ملكوت السماء: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، وينادي جبريل في ملكوت السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض، ولكن الأخرى -يا عبد الله- إذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، وينادي في ملكوت السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء وتوضع له البغضاء في الأرض}. فالله الله يا إخواني في الله بالمبادرة بطاعة الله عز وجل وإلى كثرة ذكر الله وبر الوالدين وصلة الأرحام، وإفشاء السلام فيما بيننا، يقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} أفشوا السلام بينكم يا عباد الله. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام واجعلنا هداةً مهتدين، متحابين فيك متراحمين، اللهم اجعلنا ممن ذكرهم رسولك صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله} اللهم اجعلنا من الذين قال فيهم رسول الله: {فطوبى للغرباء، قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس} اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

وقفات

وقفات إن العبد المؤمن لا بد أن يكون له وقفات يحاسب فيها نفسه، وينظر إلى أعماله ويتدبر آيات الله الشرعية والكونية، ومآله ورجوعه إلى ربه سبحانه وتعالى، وأن يتذكر اليوم الآخر والبعث والنشور، وما أنزل الله في كتابه من ذكر الجنة والنار.

وقفة مع التقوى والثمار المترتبة عليها

وقفة مع التقوى والثمار المترتبة عليها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الإخوة في الله! أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103] فبتقوى الله عز وجل يجعل الله للمرء من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ويرزقه من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. وبتقوى الله عز وجل ييسر الله للمرء أموره، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] وإذا رزق الله المرء التقوى فإنه يفرق بين الحق والباطل, والنافع والضار، ويمشي ويسير على نور الله عز وجل الذي من اهتدى به فلن يضل أبداً يقول تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22]. بالتقوى تيسر الأمور، وإذا التزم الإنسان التقوى، وسار على نور من الله، فلا تسأل عن أحواله، فإن الله سبحانه وتعالى يلحقه بالسعداء، أما من أعرض عن التقوى، وأعرض عن الله عز وجل، وأعرض عن ذكر الله وصدَّ وابتعدَ عن الله فلا تسأل عنه بأي وادٍ هلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله. موقف: إذا سار الإنسان في الحياة على تقوى الله عز وجل، فإنه في هذه الحياة يسير على نور من الله عز وجل، ثم إذا أتاه هادم اللذات، ومفرق الجماعات فإنه يموت على حسن الخاتمة، ويقال لروحه: أيتها الروح الطيبة! أخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. إذا استقام الإنسان على طاعة الله وآمن بالله فإن البشرى تنزل عليه عند هذا الموقف -أي: عند الموت- تبشره برضوان الله عز وجل قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] لماذا؟ لأنه سار في حياته على تقوى الله عز وجل، لأنه اتخذ من التقوى مطية له أوصلته إلى رضوان الله عز وجل. ومن تفسير التقوى عند العلماء، قال بعضهم هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وما أحسن ما فسرها به الإمام علي رضي الله عنه! حيث قال: [[الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والتزود ليوم الرحيل]] أربعة عوامل إذا التزمها الإنسان فهنيئاً له في حياته، وهنيئاً له عند موته، لنزول البشرى له من رب الأرض والسماوات. أما من أهمل التقوى، ونزلت به سكرات الموت، فلا تسأل عن حاله -نسأل الله العفو والعافية- إذا كان قد أضاع عمره، في اللهو واللعب, وفي غير طاعة الله؛ فإنه عند ذلك يندم ويتحسر في ذلك الموقف عند خروج الروح، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] نسأل الله العفو والعافية.

وقفة مع روح المؤمن والكافر

وقفة مع روح المؤمن والكافر أيها الإخوة في الله! سوف يندم من أضاع عمره في غير طاعة الله، سوف يندم عند خروج الروح, وعند معاينة ملك الموت ومن معه من الملائكة الذين ينزلون لقبض روحه، يقول تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال:50] معنى الآية: أن الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم لتخرج تلك الروح وتتمزق في ذلك الجسم، ويقال لها: اخرجي إلى سخط من الله وغضب، نسأل الله العفو والعافية. أيها الإخوة في الله! هذا موقف يحتاج لنا أن نتفكر فيه, فعلى أي شيء تخرج الروح؟! هل تخرج على طاعة الله ومرضاة الله والبشرى أم تخرج على سخط الله وغضب الله والإهانة، والملائكة يضربونها ثم توضع في تلك الأكفان التي جاءت بها ملائكة العذاب؟ ينبغي لنا أن نطيل الفكر في ذلك الموقف.

كيفية خروج روح المؤمن

كيفية خروج روح المؤمن موقف آخر: يقال لروح المؤمن -وهي تصعد في السماوات ويفتح لها- من هذه الروح؟ فيقال: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، ثم يقال لها: أعيدوها إلى الأرض, فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم, ومنها أخرجهم تارة أخرى. ثم يفسح له في قبره مدّ البصر، ويفتح له باب إلى الجنة يأتيه من روحها وطيبها، ويأتيه عمله الصالح بصورة شاب حسن الوجه طيب الريح، يقول له: أبشر بالذي يسرك! فيقول له: من أنت؛ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فهذا موقف طيب ليسر به أحسن مما كان عند أهله وأولاده، فعند ذلك يقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة؛ لأنه عندما نجح في هذا الموقف مع الملكان عندما سألاه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وبادر بالإجابة، وأعطي تلك الكرامات في هذا القبر, وكان قبره روضة من رياض الجنة, فعند ذلك ضمن ما بعده، وهي الدرجات العلا في جنات النعيم. هذا الموقف أيها الإخوة في الله! يحتاج للإنسان أن يتفكر فيه، وهل كل إنسان يحوز على هذا الموقف؟! الله سبحانه وتعالى يقرر هذا في كتابه الكريم ويقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فثبته الله في الموقف الأول عند خروج الروح أن خرجت روحه على كلمة التوحيد، على شهادة أن لا إله إلا الله، وثبته الله سبحانه وتعالى في قبره عندما سأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. أما غير المؤمن فإنه إذا قيل له: قل لا إله إلا الله عند خروج الروح، فإنه لا يأتي بلا إله إلا الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يثبته على القول الثابت، وتخرج روحه على ما عاش عليه في هذه الحياة الدنيا من اللهو والعبث والإعراض عن طاعة الله عز وجل.

من أحوال المحتضرين

من أحوال المحتضرين لقد ذكرت لكم في غير موقف ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى عن بعض المحتضرين -نسأل الله العفو والعافية- أنه كان شارب الخمر، فلما قيل له: قل لا إله إلا الله، قال: ناولوني الكأس، وخرجت روحه وهو يقول: ناولوني الكأس!! فبئس الخاتمة، نسأل الله العفو والعافية. والذي عاش على الغناء وشب على الغناء لما قيل له: قل لا إله إلا الله عند خروج الروح، جعل يردد الغناء، وخرجت روحه على تلك الحال، نسأل الله العفو والعافية. والذي يشرب الدخان لما قيل له: قل لا إله إلا الله، بعضهم يقول: تتن حار، تتن حار! وخرجت روحه وهو يقول هذه العبارات، نسأل الله العفو والعافية. وحادثة قريبة حدثت في بعض المستشفيات، أن بعض الشباب كان جالساً عند والده، ولما قال له يا أبت! قل لا إله إلا الله، قال: أشعل لي سيجارة، وخرجت روحه وهو يقول: أشعل لي السيجارة ولم يقل: لا إله إلا الله، نسأل الله العفو والعافية. أيها الإخوة في الله! نسأل الله حسن الختام, وعلى الإنسان أن يسأل -الله دائماً حسن الختام، ولا يُعجب- بعمله ولا يمنَّ به على الله، بل يحمد الله الذي هداه. احتضر رجل، فقالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: هو كافر بلا إله إلا الله! وأتوا بالقرآن، فقالوا: هذا كتاب الله، قال: هو كافر بالقرآن! وخرجت روحه على تلك الحال. أيها الإخوة في الله! إن حب الكفار وموالاة الكفار له تأثير عظيم على حياة الإنسان، فإن من أحب قوماً حشر معهم, نسأل الله العفو والعافية.

حال العاصي بعد خروج روحه

حال العاصي بعد خروج روحه أيها الإخوة في الله! وبعد خروج هذا الذي مات على سوء الخاتمة فلا تسأل إذا حملت الجنازة وحملها الرجال على أعناقهم، تقول عند ذلك: يا ويلها أين تذهبون بها؟! -نسأل الله العفو والعافية- أما جنازة المؤمن فتقول: قدموني قدموني! أما هذا فتقول هذه الجنازة: يا ويلها أين تذهبون بها؟! يسمعها كل شيء إلا الإنس والجن، ثم يُصعد بروحه إلى السماء فتغلق دونه أبواب السماء، وترد روحه إلى الأرض، ويبدأ به الامتحان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك، فيقول: هاه هاه لا أدري! فيضرب بمرزبة من حديد لو ضرب بها جبل من جبال الدنيا لتفتت نسأل الله العفو والعافية. وينادي منادٍ من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار, وألبسوه من النار, وافتحوا له باباً إلى النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ثم يأتيه عمله الخبيث، ويقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، هذا العمل الذي دأب به في الحياة الدنيا، هذا العمل الذي عاش به في الحياة الدنيا عيشة الإعراض، وحياة الصدود عن رب العالمين, الذي خلق فسوى وقدر فهدى، هذا عمله الذي كان يمارسه في الحياة الدنيا قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] ماذا يقول؟ يقول: رب لا تقم الساعة، لماذا؟ لأن بعد هذا ما هو أفظع وأشد وبعده نار جهنم، نسأل الله العفو والعافية.

وقفة مع عذاب البرزخ

وقفة مع عذاب البرزخ مواقف أيضا تحتاج إلى التفكر أيها الإخوة في الله، وهي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه آتيان فانطلقا به، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {أتينا على رجل مستلقٍ وإذا رجل آخر معه حجر، فيضربه بهذا الحجر، فيتدهده الحجر، ثم يأتي بالحجر وإذا بالرأس قد صحا فيضربه بالحجر، فكلما صحا ضربه بالحجر} -ونختصر الحديث- ثم سأل صلى الله عليه وسلم عن هذا الذي يضرب بالحجر، فقال: من هذا؟ فقالا: هذا الرجل الذي يأخذ القرآن ويرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، فهذا عذابه في البرزخ إلى يوم القيامة نسأل الله العفو والعافية. ومرّ صلى الله عليه وسلم على رجل آخر مستلقٍ لقفاه، وإذا رجل آخر معه مثل الكلوب يشرشر عينه ومنخره إلى قفاه، ثم يذهب إلى الجانب الآخر، ثم يعود إلى الجانب الأول فإذا به قد عاد، صحا كما كان، فهذا عذابه في البرزخ إلى يوم القيامة. ثم سأل صلى الله عليه وسلم من هذا؟ قالا: هذا الذي يغدو بالكذبة فتبلغ الآفاق، هذا الكذاب الذي توعده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فقال: {وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا} نسأل الله العفو والعافية. ثم مرّ في موقف آخر صلى الله عليه وسلم، وإذا هما يقفان به على مثل التنور، وإذا به رجال ونساء عراة، وإذا هذا التنور أعلاه ضيق، وأسفله واسع، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم هذا اللهب ارتفع بهم، ضوضوا، قال: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني، هذا عذابهم في البرزخ قبل يوم القيامة، الذين يمارسون جريمة الزنا الجرثومة الخطيرة التي ضررها في الدنيا وضررها في البرزخ وعذابها يوم القيامة، أما ضررها في الدنيا، فهي فقر ويسود وجهه، ويصاب بالأمراض التي تسمعون بها، كمرض الإيدز والهربز والزهري والسيلان، كل هذا من أسباب مرض الجريمة البشعة جريمة الزنا -نسأل الله العفو والعافية- هذا في الدنيا مع ما يصاب به من الفقر وسواد الوجه، أما في البرزخ إذا مات من غير توبة، فإنه يوضع في مثل التنور، أسفله واسع وأعلاه ضيق، نسأل الله العفو والعافية, اللهم إنا نسألك توبة نصوحاً. ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موقف آخر، ويقف على رجل، وإذا هو يسبح في نهر مثل الدم، وإذا على ساحل النهر رجلٌ قد جمع عنده من الحجارة، وإذا بذلك السابح يسبح، ويأتي إلى هذا الرجل الذي على حافة النهر، فيلقمه حجراً، ثم يذهب ويسبح ويأتي ويلقمه حجراً، فقال: من هذا؟ قالا: هذا آكل الربا، قال بعض العلماء في شرح هذا الحديث: إن هذه الحجارة التي جمعها ويلقمها إياه، هي الأموال التي جمعها من الربا، ثم لا تسأل عن حاله إذا قام يوم القيامة، كالذي يتخبطه الشيطان من المسَّ -نسأل الله العفو والعافية- هذا آكل الربا أيها الإخوة في الله. ومن المواقف التي ينبغي للإنسان أن يأخذ حذره منها، وهي الغيبة -أيها الإخوة في الله! - فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به رأى أناساً أظفارهم من نحاس, يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقعون في أعراض الناس، ويأكلون لحومهم نسأل الله العفو والعافية. وأيضاً وردت النصوص في التحذير من الغيبة؛ لأنه موقف بشع، ينبغي للمسلم أن يتحاشى عنه ويبتعد، ومرَّ صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: {إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى إنه لكبير -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة -ينقل الحديث بين الناس لقصد الإفساد- وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله} ويكفي للنمام وعيداً قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة نمام} نسأل الله العفو والعافية. أيها الإخوة في الله! مواقف يحتاج الإنسان أن يتفكر فيها ليبتعد عنها، ويحذر من وقع فيها.

وقفة مع يوم القيامة

وقفة مع يوم القيامة أيها الإخوة في الله! بعد هذه المواقف، سوف يحدث لهذا العالم انقلاب يتغير فيه، قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] لماذا؟ ليقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، ليقفوا في عرصات القيامة. أيها الإخوة في الله! إنه موقف عظيم يحتاج للإنسان أن يطيل التفكر فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] متى؟! {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] متى؟! {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] إذا جاء الله عز وجل يوم القيامة لفصل القضاء بين العباد. أيها الإخوة في الله! إنه موقف عظيم يحتاج للإنسان أن يتفكر فيه، وهذا الموقف والله ثم والله لا ينجو منه إلا من تزود بالتقوى، قال الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] فمن جاء بالتقوى نجح في ذلك اليوم العظيم {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} [الحاقة:18] على تلك الأرض المستوية التي ليس فيها جبال ولا أودية {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] عند ذلك يحصل تقسيم الشهادات في ذلك اليوم العظيم، ولكن متى؟! بعدما يصيب الناس الهمَّ والغمَّ والكرب، ويحتاجون إلى من يشفع لهم، حتى ينزل رب العزة والجلال لفصل القضاء بين العباد، ويقولون: من يشفع لنا في هذا اليوم العظيم الذي دنت فيه الشمس قدر ميل، وذهب العرق في الأرض سبعين ذراعا؟! من يشفع لنا في هذا اليوم العظيم الذي شخصت فيه الأبصار للحي القيوم؟ فيقول بعضهم لبعض: اذهبوا إلى آدم أبي البشر، فيأتون آدم عليه السلام، فيقول: لست لها، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، ومن الذي أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟! فيقول: إنه كان لي دعوة فدعوت بها على قومي، اذهبوا إلى غيري، نفسي نفسي اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيعتذر ويقول: اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى. فيذهبون إلى موسى عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: لست لها, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى, نفسي نفسي. فيأتون إلى عيسى عليه السلام، فيقولون له: اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيعتذر ويقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم. الله أكبر! يا لها من مواقف عظيمة! يقول صلى الله عليه وسلم: فيأتون إلي، فيقولون: ألا ترى إلى ما نحن فيه اشفع لنا إلى ربك، فيقول: أنا لها أنا لها, فيخر تحت العرش ساجداً، ويفتح الله عليه من محامده، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع واشفع تشفع، فيرفع رأسه صلى الله عليه وسلم، ويقول: يا رب! أمتي أمتي! الله أكبر! اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، فيقال: أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة. أيها الإخوة في الله! إن مواقف القيامة عظيمة تحتاج إلى أن يتفكر فيها الإنسان، ويقف مع نفسه قليلا مع تلك الآيات العظيمة ليتفكر فيها، ليقف مع قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:34 - 41] يقف قليلاً ويتفكر، هل هو من أهل الجحيم؟! أعطى نفسه هواهها، وتمنى على الله الأماني، أو من أهل الجنة الذين خافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى، واتبعوا طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتزموا الصراط المستقيم؟ ثم ينتقل ويتفكر أيضا في موقف آخر، يرتل ويردد: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:33 - 37].

وقفة مع سورة القارعة

وقفة مع سورة القارعة ثم يتفكر، هل هو من الذين وجوههم مسفرة أم من الذين وجوههم ترهقها قترة؟ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:38 - 42] نسأل الله العفو والعافية. وإن كان الوقت معه ضيق، والمشاغل كثيرة، والهموم طويلة، فنقول له: يكفيك أن تنتقل إلى سورة قصيرة وترددها، وهي قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:1 - 11]. سورة قصيرة فيها الأخبار العظيمة، أخبار أسماء القيامة، وفيها خروج الناس كالجراد المنتشر، وفيها صفة الجبال إذا صارت هباءً منثوراً، ثم خروج النتيجة هذا إلى الجنة في عيشة راضية، وذاك إلى النار، نسأل الله العفو والعافية.

وقفة مع سورة الزلزلة

وقفة مع سورة الزلزلة ثم ينتقل -أيضاً- إلى سورة قصيرة ويكررها، ونحن إنما ينقصنا التكرار -أيها الإخوة في الله! - ولو أننا وقفنا مع القرآن وكررنا السور القصيرة لحصل عندنا من الخير الكثير، وحصل عندنا من قمع هذه النفس الأمارة بالسوء، اقرأ قول الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:1 - 3] ما لها؟! لتفضحك يابن آدم, لتخرج أثقالها, الأعمال التي عملتها عليها من خير وشر، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:4 - 6] ليكشف لهم عن تلك الأعمال التي عملوها في الحياة الدنيا {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] عند ذلك نرجع إلى قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] وهو يوم تقسيم الشهادات.

وقفة مع آيات الحاقة والواقعة

وقفة مع آيات الحاقة والواقعة اسمعوا إليهم يا عباد الله وهم يقتسمون الشهادات، فمنهم الفرح المسرور، ومنهم المغموم المحزون {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24] وهو عملك الصالح الذي قدمته في الدنيا، والذي جاءك في قبرك، وقال: أنا عملك الصالح, أبشر بالذي يسرك، فهو قد بشرك في القبر وجزيت به خيراً يوم القيامة. أما الآخر الذي قال لعمله الذي جاء في قبره: من أنت، فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فقال له عمله: أنا عملك الخبيث، فاسمعوا ماذا يقول يوم القيامة قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:25 - 28] أين المليارات والملايين؟! أين العقارات؟! كلها تذهب وتضمحل يوم القيامة {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] هلك السلطان والجاه، أين الملك؟! أين الرتبة؟! أين الوزارة؟! أين العمارة؟! كلها ذهبت واضمحلت. هل تنفع هذه المعاذير أيها الإخوة في الله؟! والله لا تفيد ولا تنفع، يقول الله عز وجل: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] تصور هذا الموقف يا عبد الله! إذا أدخلت السلسلة من الفم وأدخلت إلى الدبر، وكبل بها ثم سحبته الزبانية إلى النار، والله إنه موقف عظيم: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:31 - 32] إلى أين؟ إلى جهنم وبئس المصير، قعرها سبعون خريفاً, إنها مواقف تحتاج إلى تفكر. ثم يتفكر إذا انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام من أي قسم هو، هل هو من أصحاب اليمين، أم من السابقين، أم من أصحاب الشمال؟ نسأل الله العفو والعافية، اسمعوا إلى الله عز وجل وهو يقسمهم في هذه السورة، وهذا كله بعد القيامة {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة:1 - 12] نسأل الله عز وجل أن يرزقنا التفقه في الدين، وأن يردنا إليه رداً جميلاً.

دعوة إلى تدبر القرآن في شهر رمضان

دعوة إلى تدبر القرآن في شهر رمضان أيها الإخوة في الله! أنتم الآن في هذا الشهر المبارك، وتتلون كتاب الله عز وجل، فإذا مررتم بهذه الآيات العظيمة التي فيها أسماء القيامة فيقف الإنسان عندها، فإنها التي تهز القلوب هزاً. قف عند قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 3] قف عند هذا الاسم العظيم، ثم ارجع إليه في التفسير، وانظر ماذا يقول العلماء في تفسير هذه الكلمات، قف عند قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8]. متى هذا يا أخي؟! هذا يوم القيامة {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] يوم تختبر السرائر وتظهر علانية على رءوس الأشهاد. ثم تفكر -يا أخي- في هذا الصراط هل أنت من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل البرق الخاطف، ومنهم كالريح، ومنهم كأجاود الخيل، ومنهم كأشد الرجال عَدْواً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يحبو حبواً} ولا يستطيع العبور على الصراط بسرعة إلا الذي يسارع بالأعمال الصالحة إلى الله عز وجل. وكما قلت لكم في أول الكلام: إن التقوى هي الزاد الذي ينجو به الإنسان يوم القيامة، اسمع قول الله تعالى، اسمع الصراط يا عبد الله! {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] كلنا علمنا الورود لكن ما علمنا الصدور، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر من الذي يصدر ممن وردوا قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72]. تذكر -يا عبد الله- جهنم وهي تزفر تحت الصراط، تذكر تلك الكلابيب التي يختطف بها من يزحف على الصراط زحفاً، تذكر جنهم، وأهل جنهم وهم في أوديتها يهيمون، يأكلون الزقوم والضريع الذي ينشب بالحلوق، تذكر أهل جهنم وهم يشربون الصديد، تذكر أهل جهنم وهم يسحبون في أوديتها بالأغلال، تذكر أهل جهنم وعندهم الحيات والعقارب التي هي أمثال البغال، تذكر أهل جهنم وهم في أوديتها يهيمون ويصرخون والملائكة تضربهم بمقامع من حديد وهم ينادون: يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! اشتد علينا العذاب، ثم يجيبهم الله بعد زمن فيقول: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]. ثم تذكر -يا عبد الله- أهل الجنة وهم في ذلك النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، تذكر وهم يفجرون تلك الأنهار, وهم في تلك القصور العالية، وعندهم الحور الحسان، وتذكر زيارتهم للملك العلام، تذكر ذلك اليوم العظيم إذا كشف الرب لهم عن وجهه لينظروا إليه، فهو والله يوم المزيد. اللهم اجعلنا من أهل الجنة, ولا تجعلنا من أهل النار برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اذكر مصابك بالحبيب

اذكر مصابك بالحبيب لقد أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وكان أول ما بدئ به هو الرؤيا الصالحة، ثم أعقبه بنزول الوحي، وفيه أمره الله بالصدع بالدعوة والصبر على الأذى في ذلك، وقد عرض الرسول نفسه على القبائل، ولما بدأت دعوته تنتشر أجمعت قريش على التخلص منه بتدبير مؤامرة اغتيال، فنجاه الله منها، وانتقل إلى المدينة، فكان النصر والتأييد، حتى أتم الله النعمة وأكمل الدين ثم توفاه الله تعالى.

الرسول في بداية الدعوة

الرسول في بداية الدعوة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه لم يمت إلا وأكمل الله به الدين، وأتم الله به النعمة كما أخبرنا ربنا في محكم البيان: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فلله الحمد والمنة، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: يا أيها الإخوة في الله: في هذا الموضوع -الذي نسأل الله جل وعلا أن يجعله مباركاً إنه على كل شيءٍ قدير- نتناول من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الشيء اليسير، لن نستطيع أن نحيط بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن نأخذ منها اليسير الذي نستطيع عليه. فأولاً: -أيها الأحباب- أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] ويقول جل من قائل عليماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] ثم قال جلَّ وعلا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] ثم قال: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون} [الحشر:20]. إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا وأجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير. أحبابي في الله! أكثروا من الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى، الذي بعث فينا هذا النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرج الله به من الظلمات إلى النور، وهدى به من الضلالة، وأخرج به من الجهل إلى العلم، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن الظلم إلى العدل، إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي بشرت به الأنبياء قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نزول الوحي وموقف خديجة

نزول الوحي وموقف خديجة أمة الإسلام: لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، بعثه الله على رأس الأربعين من عمره، فأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء صلى الله عليه وسلم، وكان يخلو بـ غار حراء فيتحنث فيه -أي: يتعبد الليالي- ثم يأتي إلى أهله، ويتزود لذلك أيضاً، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها- أول ما تزوج من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها- ويتزود لتلك الأيام التي يخلو بها بربه، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، جاءه الملك جبريل عليه السلام فقال: {اقرأ، قال: ما أنا بقارئ} أي: لست أجيد القراءة؛ لأنه أميٌ صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب {فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]} فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة رضي الله عنها، فقال: {زملوني زملوني فزملوه صلى الله عليه وسلم حتى ذهب عنه الروع، فقال لـ خديجة: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا. والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة رضي الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فكان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد فقد بصره فقالت له خديجة: يا بن عمي! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي ينزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً -أي: أكون حياً- إذ يخرجك قومك، فقال صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفارق الحياة}.

الدعوة سرا وإسلام أبي بكر الصديق

الدعوة سراً وإسلام أبي بكر الصديق توفي ورقة وفتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:1 - 7]. هذه الدعوة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! يا خير أمة أخرجت للناس! هذه الدعوة تحتاج إلى صبر وتحمل، (ولربك فاصبر) فقام صلى الله عليه وسلم بأمر ربه تبارك وتعالى، فبشر وأنذر، وكان أول من أجابه من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان صديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فلما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم بادر أبو بكر إلى التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال: [[أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله بأبي وأمي أنت أهل الصدق يا رسول الله]]. وصار أبو بكر رضي الله عنه من الدعاة إلى الإسلام حينئذٍ، فأسلم على يديه عثمان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين.

الصدع بالدعوة والصبر على الأذى

الصدع بالدعوة والصبر على الأذى مكث نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سراً، حتى نزل قول الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] فصدع بأمر الله تعالى وجهر بدعوته صلى الله عليه وسلم، فجعل المشركون يسخرون ويستهزءون به، ويؤذونه بالقول وبالفعل، وكان من أشد الناس له إيذاءً وسخرية عمه أبو لهب الذي قال الله فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5] وأيضاً كانت امرأته تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. واشتد أذى قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ حتى حبسوه في الشعب ثلاث سنوات وأكل ورق الشجر، وألقوا عليه فرث الناقة وسلاها وهو ساجد صلى الله عليه وسلم بجوار بيت الله الحرام، فلم يقدر أحد على رفعه عنه، فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة رضي الله عنه فألقته عن ظهره الشريف صلى الله عليه وسلم.

دعوة الرسول لأهل الطائف ومبايعة الأنصار

دعوة الرسول لأهل الطائف ومبايعة الأنصار لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الاستهانة وكثرة الأذى له ولأصحابه؛ خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، وقابل رؤساءهم وعرض عليهم الإسلام فردوا عليه رداً قبيحاً، وأرسلوا غلمانهم وسفهاءهم يقفون في وجهه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه صلى الله عليه وسلم، فرجع مهموماً مغموماً مكروباً، ماداً يد الافتقار إلى رب العزة والجلال، فيأتيه ملك الجبال فيقول: يا محمد! إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين، فماذا يقول صلى الله عليه وسلم؟ يقول: {لا. لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً} الله أكبر، لا إله إلا الله، صدق الله {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. يقول بعض المفسرين: ما وصف نبي من الأنبياء بمثل هذا الوصف الذي وصف الله به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رءوف بالمؤمنين. رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف ومد يد الافتقار إلى الله جل وعلا فقيض الله له الأنصار، فبايعوه على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يمنعوه إذا قدم عليهم مما يمنعوا منه نساءهم وأبناءهم.

تآمر قريش على قتل الرسول

تآمر قريش على قتل الرسول عندما علمت قريش بخبر المبايعة ترصدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا على التخلص من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما يروي أهل السير أنهم اجتمعوا في دار الندوة واجتمع معهم الشيطان -قاتله الله- فجاءهم في صورة رجل نجدي، فاجتمع معهم في دار الندوة فصدر رأيهم على أن يخرجوه من بلدته، وكل رأيٍ لا يوافق الشيطان يعترض عليه، ويقول: هذا ليس برأي، وآخر رأي اجتمعوا عليه، قالوا: نجمع من كل قبيلة شاباً ويضربوه ضربة واحدة ويتفرق دمه في القبائل، فلا تقدر بنو هاشم أو بنو طالب أن تطالبنا بدم، فقال هذا الشيطان: هذا هو الرأي -قاتله الله- فاجتمعوا على ذلك، وجمعوا من كل قبيلة شاباً على أن يقتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم ويتفرق دمه بين القبائل، وترصدوا له عند الباب.

الهجرة إلى المدينة

الهجرة إلى المدينة خرج صلى الله عليه وسلم من بيته -وهم ينتظرون خروجه- صلى الله عليه وسلم وأخذ التراب وجعل يضعه على رءوسهم وهو يتلو قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] وخرج من بين أيديهم صلى الله عليه وسلم سالماً، في ذلك الحين أذن الله له بالهجرة إلى المدينة، فهاجر في شهر ربيع الأول، وكان في صحبته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فاختفيا في غار ثور ثلاثة أيام والمشركون يطلبونهم من كل وجه، حتى وقفوا على الغار الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فيقول أبو بكر: {يا رسول الله، والله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما} الله أكبر، لا إله إلا الله ما ظنك باثنين الله ثالثهما، وسارا إلى المدينة بحفظ الله ورعايته، فلما سمع الأنصار بذلك المقدم المبارك، جعلوا يخرجون كل يوم إلى حرة المدينة ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم هو النور بإشراقته. اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محيطين به متقلدين سيوفهم، وخرج النساء والصبيان وكل واحدٌ منهم يأخذ بزمام ناقته يريد أن ينزل عنده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {دعوها فإنها مأمورة} حتى إذا أتت إلى محل مسجده -المسجد النبوي الشريف- بركت فيه فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكن في دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، حتى بني المسجد ومساكنه صلى الله عليه وسلم.

الرسول يقيم دولة الإسلام في المدينة

الرسول يقيم دولة الإسلام في المدينة ثم لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأت تنتشر دعوته دعوة الحق التي أنقذت العالم من هُوَّة ساحقة، دعوة أخرجتهم من الظلمات إلى النور، دعوة أخرجتهم من عبادة الأوثان والأصنام والأشجار والأحجار والقبور والشمس والقمر إلى عبادة الله الواحد القهار الذي لا يموت أبداً. فأكرم وأنعم بهذه الدعوة التي يدخل فيها العربي والعجمي كما قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] اللهم وفقنا لاتباع محمد صلى الله عليه وسلم. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة قبلها من قبلها، ووقف في وجهها من لم يرد الله له الهداية، وانتشرت دعوة الإسلام في مراحلها التي أراد الله لها في خلال ثلاث وعشرين سنة في مكة والمدينة، كلها جهاد ودعوة وعملٌ دءوب لترسيخ جذور الإسلام. الصحابة رضي الله عنهم هاجروا إلى المدينة، خرجوا بأنفسهم وأهليهم مهاجرين لله الواحد القهار، بل بعضهم خرج بدون ماله فاراً بدينه، والتقى المهاجرون بإخوانهم الأنصار الذين آمنوا بالله وبرسوله، عند ذلك اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إعداد المسلمين إعداداً قوياً، يعلمهم الإسلام ويدرسهم القرآن ويربيهم على المحبة والأخوة الإيمانية، وينزع من نفوسهم العصبيات، وعادات الجاهلية، وفي نفس الوقت علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يواجهون الأعداء؛ فعودهم على الرماية والفروسية والاستعداد لمنازلة الأعداء، يقول لهم: {ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي} أخذاً بالتوجيه الرباني الذي قال الله فيه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].

الدعوة تجني الثمار

الدعوة تجني الثمار ولله الحمد والمنة، لم تمض فترة قصيرة على المسلمين في المدينة إلا وقدم انتظم عقدهم وقامت دولتهم، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يجني الثمار وهو يرى الدعوة تتحرك وتنتقل إلى كل مكانٍ، ثم تتحرك بكل يسر وسهولة، وقد وجد المؤمنون متنفساً لهم، وحرية لدعوتهم وحصانة لأنفسهم، وانطبق فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر} الله أكبر، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. هكذا اجتمعت كلمة المسلمين في ذلك الوقت، واتحدت صفوفهم وصاروا صفاً واحدا، خاضوا غمار المعارك في بدر وأحد، والخندق، ومع اليهود قاتلهم الله وقطع دابرهم، ومع غيرهم من المشركين كل ذلك بقيادة القائد الشجاع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

إكمال الله الدين وإتمام النعمة

إكمال الله الدين وإتمام النعمة ولما شعت شمس الهداية وأشرقت؛ أنزل الله على رسوله آيةً فيها مسك الختام، كان الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك العام حاج وسميت بحجة الوداع، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] وفي ذلك العام الذي نزلت فيه هذه الآية كان الرسول صلى الله عليه وسلم واقفاً في عرفة بيَّن مناسك الحج فقال صلى الله عليه وسلم: {خذوا عني مناسككم} وخطب في ذلك اليوم خطبةً كافيةً شافية شاملة، بيَّن فيها ما تحتاجه الأمة من أمور الدين والدنيا والآخرة. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. نعم أيها الأحباب! لقد أكمل الله به الدين صلى الله عليه وسلم وأتم الله به النعمة، سميت أمته خير أمة أخرجت للناس، ياله من وسام -لمن التزم به- خير فيه النجاة قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. محمد صلى الله عليه وسلم ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله وسلامه عليه. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم موجود، فالله الله بالاهتداء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، والله الله بالاقتداء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي ترك أمته على المحجة البيضاء يقول صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى}.

الإسلام يعود غريبا كما بدأ

الإسلام يعود غريباً كما بدأ بيَّن صلى الله عليه وسلم الطريق الواضح، فمن اتبعه فليبشر بالنجاح، ومن خالفه فلا يلومن إلا نفسه، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: {أنه بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {فطوبى للغرباء} وسئل عنهم صلى الله عليه وسلم: من الغرباء؟ قال: {الذين يصلحون عند فساد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس} وفي هذا علمٌ من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان يحصل الفساد والشرُ المستطير، نسأل الله أن يعصمنا وإياكم. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته فقال: {بادروا بالأعمال الصالحة فتن كقطع الليل المظلم يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

افتراق الأمة وبقاء الطائفة المنصورة

افتراق الأمة وبقاء الطائفة المنصورة أخبر صلى الله عليه وسلم: {أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هذه الواحدة يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ففتشوا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وطبقوا هذا الحديث {من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}. ثم أبشروا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله}. الله أكبر! قد حصل التخذيل والمخالفة، والتشويه بهذا الدين من أعداء الإسلام والمسلمين، لكن نسأل الله جل وعلا أن يحيينا مسلمين، وأن يتوفانا مسلمين وأن يلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، قد سمعنا من يسمي هذا الدين بالرجعية، وبالجمود، وبالأغلال، وبالتطرف، فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا إنك على كل شيء قدير.

ظهور البدع في الدين

ظهور البدع في الدين إخواني في الله: الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، وأدى الرسالة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ومع الأسف الشديد الآن كثرت المخالفات التي نراها ونحسها ونلمسها، البارحة تسمع كثير من الإذاعات تسمع كثير يحتفلون بمعراج الرسول صلى الله عليه وسلم. بدع حدثت للمسلمين، ولكن نسألهم ونقول: هل احتفل الرسول صلى الله عليه وسلم بيوم المعراج أو ليلة المعراج؟ هل احتفل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة بذكرى معراج الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كل هذا ليس موجود في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} أي: مردود عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} مردود على صاحبه نسأل الله العفو والعافية. الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن للصحابة، بل وللأمة جميعاً قال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضو عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور} انظروا ماذا أحدثوا بعد محمد صلى الله عليه وسلم، هذا يحتفل بذكرى المعراج، وهذا يحتفل بعيد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} من هم؟ اليهود والنصارى نسأل الله العفو والعافية. فالذين يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم يتشبهون بأعداء الإسلام والمسلمين، وكم يحدث في ذلك الاحتفال من أمور تغضب الله وتغضب رسوله صلى الله عليه وسلم. من ذلك خطابات يرفعون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكانته التي أنزله الله فيها، وقد سمعنا بعضهم يقول: محمد صلى الله عليه وسلم بيده ملكوت السماوات والأرض، إنا لله وإنا إليه راجعون! والله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولا أتألى على الله- حياً لجاهدهم على هذا؛ لأن هذا رفع لمنزلته صلى الله عليه وسلم، وإطراءٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انتشار الخرافات

انتشار الخرافات انظروا إلى الخرافات كيف تدخل على أناس منحهم الله عقولاً، ميزهم الله بعقول، نسأل الله أن يبصرنا في ديننا وأن يفقهنا في ديننا، وأن يكفينا شر مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. بعضهم يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره يدور على نسائه ويجامعهن هو في قبره، وهل هذا يدخل في فكر أحد عاقل؟! وبعضهم يقول: إذا بقي ثلث الليل الآخر خرج الرسول من قبره وصار المسجد له نور وتوضأ بإبريق عند قبره ثم يدخل إلى القبر. انظروا يا إخوان! انظروا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! والرسول كما أخبر الله عنه ميت: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزمر:30] ويقول صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهذا يدلنا على أنه مات صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يمت إلا وقد بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، هذه وظيفته التي بعث من أجلها هو تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة ونصح الأمة والجهاد في سبيل الله، وقد بذل ذلك كله صلى الله عليه وسلم، فجزاه الله عن أمته خير الجزاء، ونسأل الله جل وعلا أن يحشرنا تحت لوائه وأن لا يحرمنا من شفاعته صلى الله عليه وسلم.

مصيبة وفاته عليه الصلاة والسلام

مصيبة وفاته عليه الصلاة والسلام نعم. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لقد والله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وسلم. في آخر شهر صفر وأول ربيع الأول ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض وهو الصداع، كما روى ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بُدِأَ فيه فقلت: وارأساه، فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتكِ ودفنتكِ فقلت: غير كأني بك في ذلك اليوم عروساً ببعض نسائك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه. وخرج صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه بخرقة، فجلس على المنبر فقال صلى الله عليه وسلم: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال راوي الحديث: فعجبنا، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {لا تبقى في المسجد خوخة إلا سدت، إلا خوخة أبي بكر} وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: {ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه، ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله يوم القيامة فيها، وما نفعني مال أحدٍ قط ما نفعني مال أبي بكر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لا يبقين خوخة في المسجد إلا سدت إلا خوخة أبي بكر} وفي هذا الإشارة إلى أن أبا بكر هو الإمام بعده صلى الله عليه وسلم، ثم أكد هذا المعنى بأمره صريحاً أن يصلي أبو بكر بالناس، فرجع في ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: {مروا أبا بكر فليصل بالناس}. وتتام به وجعه صلى الله عليه وسلم، وهو يدور على نسائه حتى اشتد به المرض، وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها، فدعا نساءه فاستأذنهن وقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن، سأكون عند عائشة. واشتد به الصداع صلى الله عليه وسلم مع الحمى، فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحل أوكيتهن يتبرد بذلك صلى الله عليه وسلم، وكان عليه قطيفة فكانت حرارة الحمى تصيب من وضع يده عليه من فوقها فقيل له في ذلك، فقال: {إنا كذلك -أي: معشر الأنبياء- يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر} وقال صلى الله عليه وسلم: {إني أوعك كما يوعك رجلان منكم} ومن شدة مرضه كان يغمى عليه ويفيق صلى الله عليه وسلم، دخل عليه عبد الرحمن أخو عائشة رضي الله عنها ومعه سواك، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد السواك، فأخذته وطيبته وأعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يستاك به.

من وصايا الرسول في مرضه

من وصايا الرسول في مرضه جعل صلى الله عليه وسلم، وهو على فراش الموت يحذر أمته من اتخاذ القبور مساجد، يقول صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك} وأخبرت عائشة رضي الله عنها قالت: {لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة -أي: لما نزل به الموت- له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} يحذر ما صنعوا صلى الله عليه وسلم، وأيضاً وهو في سياط الموت يوصي أمته فيقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم}. الله أكبر هذه آخر وصية محمد صلى الله عليه وسلم لما حان انتقاله من هذه الدنيا وهو على فراش الموت صلى الله عليه وسلم {الصلاة الصلاة وما ملكت} فلله درك، لقد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وجاهدت في الله حق جهاده إنه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو على فراش الموت يوصي ويحث على التمسك بعقيدة التوحيد ويحث على المحافظة على الصلاة، الصلاة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ومع الأسف الشديد إننا في هذه الآونة الأخيرة نرى الصلاة قد خف ميزانها عند كثير من الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، فيالها من وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} ويحث على رعاية تلك الأمانة. يحث على المرأة، وعلى صيانتها وحفظها، يوصي بذلك وهو يعاني من سكرات الموت صلى الله عليه وسلم، يوصي بهذه المرأة التي أضاعها كثير من الناس في هذه الآونة الأخيرة؛ لأجل الدنيا وحب الدنيا أضاع كثيرٌ من الناس هذه الأمانة، ترك لها الحبل على الغارب تركها تسافر وحدها وبدون محرم، تركها تجوب الأسواق متعطرة سافرة متبرجة، فعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذه وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم وما ملكت أيمانكم، فاتقوا الله في هذه المرأة، وجهوها التوجيه السليم، احفظوها في حصنها الحصين، احفظوها عن متناول يد الأشرار، عن متناول أهل الأفكار الخبيثة الذين يريدون لها أن تخرج سافرة متبذلة ليلعبوا بها في المسارح والطرقات وغيرها. احفظوا هذه المرأة فإن في تركها تسافر بدون محرم خطر عظيم، وتركها تجتمع مع السائق بدون محرم خطرٌ عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن هناك مسئولية عظيمة قال صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} متى يكون هذا السؤال؟ ومن الذي سوف يلقي علينا السؤال؟ إن السؤال سوف يكون يوم القيامة إذا وقفت بين يدي الله عز وجل، والسائل هو الله جل جلاله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا ينظر إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة} الله أكبر! وقد وقف صلى الله عليه وسلم على المنبر يحذر أمته من هذه النار. إخواني في الله: الويل لمن ضيع هذه الأمانة، الويل لمن أخل بوصية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

اللحظات الأخيرة من موته صلى الله عليه وسلم

اللحظات الأخيرة من موته صلى الله عليه وسلم والله ما مات محمد صلى الله عليه وسلم إلا وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وقد فارق الحياة صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي الله عنها وهي مسندةٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدرها: {ما أغبط أحداً يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وكان عنده قدحٌ من ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت، قالت: وجعل يقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات} ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {اللهم إنك تأخذ الروح من بين القصب والعصب والأنامل، اللهم فأعني على الموت، وهونه عليَّ} ولما جعل يتغشاه الكرب قالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا كرب على أبيك بعد اليوم} تقول عائشة رضي الله عنها: {فإني لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حتى مالت عنقه، فقلت: قد قضى، قالت: فعرفت الذي قاله فنظرت إليه حتى ارتفع بصره، فقال: مع الرفيق الأعلى} في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وجاءت التعزية من السماء يسمعون الصوت والحس ولا يرون الشخص، السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:185]. إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، إنما المصاب من حرم الثواب.

موقف الصحابة من موت الرسول صلى الله عليه وسلم

موقف الصحابة من موت الرسول صلى الله عليه وسلم لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش فخلط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية، منهم عمر رضي الله عنه وبلغ الخبر أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وكان خارج المدينة فأقبل مسرعاً حتى دخل بيت عائشة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى، فكشف عن وجهه الثوب، وكب عليه وقبل جبهته مراراً وهو يبكي ويقول: [[طبت حياً وميتاً إنا لله وإنا إليه راجعون]] مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: [[والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها]] ثم دخل المسجد، وعمر يكلم الناس وهم مجتمعون عليه، فتكلم أبو بكر وتشهد وحمد الله، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر فقال: [[من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت ثم تلا قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]]] فلما تلا أبو بكر هذه الآيات استيقن الناس كلهم بموته صلى الله عليه وسلم، فتلقاها الناس من أبي بكر رضي الله عنه فما يسمع أحد إلا يتلوها، قالت فاطمة رضي الله عنها: [[يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه]] فغسل صلى الله عليه وسلم في ثيابه وكفن وصلي عليه ثم دفن ليلة الأربعاء صلوات الله وسلامه عليه، وما مات صلى الله عليه وسلم إلا وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، أي مصاب أشد من هذا المصاب يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذا أصابتك مصيبة فتذكر مصيبتك بالحبيب صلى الله عليه وسلم، فكما سمعتم لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله به الدين وأتم الله به النعمة وإن كان قد مات فشرعه والحمد لله واضح إلى يوم القيامة. نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا ويوفقنا لاتباع هدي محمد، والحمد لله رب العالمين.

ليس الغريب

ليس الغريب ليس الغريب في الدنيا البعيد عن وطنه وأهله أو أنه في بلاد غير بلاده، إنما الغريب غريب اللحد والكفن، وليس المحروم الذي حرم المال والأولاد والجاه والسلطان، إنما المحروم من حرم البكاء من خشية الله لقسوة قلبه وبعده عن الله تعالى، وليست المصيبة في الدنيا بضياع الأموال أو فقدان الأولاد، إنما المصيبة الفشل في ساعة الاحتضار، ساعة الخروج من دار الدنيا إلى دار الآخرة، عندما توضع في قبرك وحيداً، ليس لك زاد. والإنسان لا ينفعه ماله ولا أهله ولا وساطته التي كانت معه في الدنيا يوم أن يوضع في قبره، وإنما ينفعه ما قدم من عمل صالح في الدنيا.

خطاب أبي الدرداء لأهل الشام

خطاب أبي الدرداء لأهل الشام الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فالمؤلف جزاه الله خيراً لم يألو جهداً في أن يوسع هذا الكتاب من المواعظ التي فيها خيرٌ كثير إن شاء الله لمن وفقه الله عز وجلَّ، لقد قرأنا قي الليلة الماضية قصدية فيها موعظة، وقد طلب بعض الإخوان إعادتها نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يرزقنا التوفيق والسداد، وأن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه على كل شيءٍ قدير. روى أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تفرغوا من الدنيا، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه، فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه، جمع الله له أموره، وجعل غناه في قلبه، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تَفدُ إليه بالمودة والرحمة، وكان الله عز وجل إليه بكل خير أسرع}. ولما دخل أبو الدرداء الشام، قال: يا أهل الشام! اسمعوا قول أخٍ ناصح، فاجتمعوا إليه، فقال: [[ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون! وتجمعون ما لا تأكلون! وتؤملون ما لا تدركون! إن الذين كانوا قبلكم بنوا مشيداً، وأملوا بعيداً، وجمعوا عتيداً، فأصبح أملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً]].

البكاء من خشية الله وفضله

البكاء من خشية الله وفضله القصيدة تنسب إلى زين العابدين، أو إلى إبراهيم بن أدهم رحم الله الجميع، ورحمنا الله وإياهم بواسع رحمته، وهو يقول فيها: ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزن سفري بعيدٌ وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبني ويسترني أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني يا زلةً كتبت يا غفلةً ذهبت يا حسرةً بقيت في القلب تحرقني دع عنك عذلي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرةٌ منها تخلصني في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين سهرت تحرس في سبيل الله} وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -منهم- ورجلٌ ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه} فجازاه جلَّ وعلا أن يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ولن يبكِ إلا قلبٌ رقيقٌ قريبٌ من الله عز وجلَّ، أما القلب القاسي-والعياذ بالله- فهو بعيدٌ من الله، القلب القاسي الذي تراكمت عليه الشهوات، وطمت عليه الغفلة وبنت عليه جدرانها، فهو قاسٍ لا يتعظ ولا يلين، أما القلب اللين الخاشع القريب من الله، فهو الذي يلين، وتسيل منه الدمعة بعد الدمعة، فكم دمعةٍ ثم دمعة ترضي الله عز وجل، وتدفع عن صاحبها العذاب. نعم يا عباد الله! سبعة يظلهم الله في ظله منهم الرجل الذي ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، فالإكثار من ذكر الله واستغفاره عز وجل، وإحضار القلب دائماً بين يديه عز وجل يجلو صدى القلب، وكذا التذكر في الخلوات، إذا كنت خالياً لست في حضرة الناس تتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، وتتقرب إلى الله عز وجل، فهذه عادة السلف الصالح رحمة الله عليهم، كانوا يحيون ليلهم بالتهجد والتقرب إلى الله عز وجل، فهذا الزاهد يقول في كلامه: دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرةٌ منها تخلصني

حال الإنسان في ساعة الاحتضار

حال الإنسان في ساعة الاحتضار تلك الساعة -يا عباد الله- ساعة نزول ملك الموت ليجتذب الروح من العروق والعصب، يا لها من ساعةٍ يا عباد الله! ينسى فيها الإنسان كل شيء، حتى المفاتيح التي كان مغلق عليها، كجده يريد شربة ماء ولا يفقهون ماذا يريد؟ يريد أن يقول: أتحلل من فلان، أو أؤدي حق فلان، أو أرد مال فلان الذي أخذت، أو أصلي الصلوات التي تركت، أو أؤدي زكاة مالي الذي منعت، ولكن لا يستطيع، بصره شاخص ينتظر خروج الروح؛ لأن الروح إذا خرجت يتبعها البصر، لذلك يُسنُّ تغميض عين الميت إذا خرجت روحه، اسمعوا إلى هذه اللحظة يصفها لنا كأنها رأي عين، كأننا جميعاً يفعل بنا هكذا. كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هون واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا كفني وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني وقال: يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطن فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وعراني وأفردني وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وأنزلوني إلى قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني وكشف الثوب عن وجهي لينظرني وأسدل الدمع من عينيه أغرقني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقني وفارقني الآن سكن في مسكن فرشه التراب، وصف عليه اللبنات، سبحان الله العظيم! انفرد بعمله إن كان صالحاً فهو له، وإن كان سيئاً فيا ويله من ذلك العمل السيء، ويا ويله من طول مكثه، نسأل الله العفو والعافية. وقال: هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن

القبر وفتنته

القبر وفتنته في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني ولا تلفاز، ولا جرائد، ولا مجلات، ولا تلفون، ولا شيء، صف عليك اللبن ووضعك، عندك عملك فإن كان صالحاً فهو شابٌ حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح -نسأل الله من فضله- ثم يقول له: أبشر بالذي يسرك، ثم ينبسط وينسى أهله وماله وينسى الدنيا كلها، يستقبل شيئاً آخر عندما بشره هذا العمل الصالح، ماذا يستقبل؟ يستقبل الجنة، الآن هو في روضة من رياض الجنة، ولكن يستقبل الجنة عالية الدرجات بجوار الله عز وجلَّ. وإن كان عمله سيئاً -والعياذ بالله- فهو شاب أسود الوجه منتن الريح، ثم ماذا يقول له: أبشر بالذي يسوؤك أنا عملك السيء، ثم يزداد غماً وحزناً، ويقول: يا رب! لا تقم الساعة؛ لأنه إذا كان هذا أول مبتدأ العمل، فما بعده إلا جهنم والعياذ بالله. نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ولا يجعلها حفرةً من حفر النار إنه أرحم الراحمين. في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني وأودعوني ولجوا في سؤالهمُ ما لي سواك إلهي من يخلصني وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت من هول مطلع ما قد كان أدهشني من منكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهم إذ هابني منهما ما كان أفزعني الله أكبر! من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ إن كان مؤمناً وإن كان لم يقرأ ولا حرفاً، قال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان غير ذلك، يقول: هاه، هاه، لا أدري، ثم يقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمرزبة من حديد والعياذ بالله. نعم -يا عباد الله- قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] لا معقب لحكمه يا عباد الله، ما أحد يعقب على حكم الله؛ لأنه أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، ولا يظلم ربك أحداً: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فمن أراد النجاة عباد الله، فليطلبها ويلتمسها ويسعى إلى طرق الخير ما دام في الحياة، ما دام في زمن الإمكان، ما دام في زمن دار المزرعة، نحن الآن في دار المزرعة، لكن سوف ننتقل إلى درا الحصاد، فإن زرعنا خيراً حصدنا حسنات، وإن زرعنا شراً حصدنا سيئات والعياذ بالله. وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت من هول مطلع ما قد كان أدهشني من منكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهم إذ هابني منهما ما كان أفزعني فامنن عليَّ بعفوٍ منك يا أملي فإنني موثقٌ بالذنب مرتهني

تقاسم الأهل للمال بعد الموت

تقاسم الأهل للمال بعد الموت تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني الله أكبر! يجنون الثمار وأنت عليك الحساب، هم يجنون المال الذي حصلت عليه سواء كان من حرام أو من حلال، فهم ليس عليهم حساب إنما الحساب عليك أنت لأنك الذي جمعت، إن كان حلالاً فسوف تحاسب عليه، وإن كان حراماً فهو زادك إلى النار والعياذ بالله.

الحذر من الدنيا

الحذر من الدنيا ثم ينصحنا ويرشدنا جزاه الله خيراً ويقول: فلا تغرَّنك الدنيا وزينتها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن انظر إلى آدم وذريته أين هم؟ إلى نوح وقومه، وعاد وقومه، وصالح وقومه، ولوط وقومه، وقريش، إلى آبائنا، وأجدادنا إلى آخر ذلك أين هم؟! فهذه الحياة ممر، كلنا نمر ونمشي حتى يأتينا هذا الحتم ثم نموت، ولكن المحظوظ -يا عباد الله- الذي يعمل صالحاً: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ولا تغرنكم الحياة الدنيا -يا عباد الله- فإنما هي أيامٌ قلائل وسوف تنتهي. فلا تغرَّنك الدنيا وزينتها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الزاد والكفن نعم. نخرج مع الملوك والأمراء، والتجار، والفقراء إذا ماتوا فما نرى أحد منهم أُدخل معه في قبره شيء، ولكن ماذا لو أخذ معه مال؟ مليار، أو عشرة ملايين، أو مليون هل يعطي منكر ونكير رشوة قد يخففوا بها عنه؟ لا. كلهم لم يذهبوا إلا بالكفن، ثم الكفن بعد أيام تأكله الأرض، والبطن تفقع ثم تلقى الدود -نسأل الله العافية- ثم يكون رفاتاً، ثم يكون تراباً، وفي يومٍ من الأيام يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور، فتجتمع تلك الأجسام كما خلقها أول مرة جلَّ وعلا، ثم يبعثون إليه، ثم يحاسب كلٌ بعمله إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً. خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن يا نفس كُفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني اللهم ارحمنا جميعاً بواسع رحمتك، اللهم ارحمنا جميعاً بواسع رحمتك، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا، اللهم أيقظنا من غفلاتنا بفضلك وإحسانك يا رب العالمين، اللهم تجاوز عن جرائمنا بعفوك وغفرانك، اللهم ألحقنا بالذين أنعمت عليهم في دار رضوانك، وارزقنا ما رزقتهم من لذيذ مناجاتك، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات واجمعنا اللهم جميعاً في مستقر رحمتك، واجعلنا من الواردين على حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واسقنا اللهم شربةً هنيئةً مريئةً، لا نظمأ بعدها أبداً، وأظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك إنك أنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من آثار الذنوب والمعاصي

من آثار الذنوب والمعاصي إن الذنوب والمعاصي إذا انتشرت وعمت في هذه الأمة، ولم يردعها رادع غار الله جل وعلا من فوق سبع سماوات، وأنزل عقابه الأليم وسخطه الشديد على عباده لتماديهم في ارتكاب المنكرات. وفي هذه المادة تحذير من الذنوب والمعاصي وبيان أنواعها وتأثيرها على الأمة في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

المعصية الأولى: الشرك بالله

المعصية الأولى: الشرك بالله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداًَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ترك أمته على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الإخوة في الله: حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. اللهم لا تجعل منا ولا فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين. إخواني في الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إخواني في الله: الموضوع كما علمتم هو: (التحذير من آثار الذنوب والمعاصي). الذنوب والمعاصي -أيها الإخوة في الله- لها تأثير على الأبدان، ولها تأثير على القلوب، ولها تأثير على الأرض في نقص البركات، وغور المياه، وحلول الأمراض المستعصية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا حصلت الذنوب والمعاصي وانتشرت، فإنها تحل أمراض مستعصية تستعصي على الأطباء، فلا يوجد لها علاج، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حصل -والله- ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأول ذنب، بل أعظم ذنب عُصي الله به في أرضه هو الشرك يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الشرك الذي من ارتكبه لا يغفر الله له ذنوبه إلا أن يتوب توبة نصوحاً، وإن مات من غير توبة فإنه مخلد في النار والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول محذراً من الشرك: {من مات وهو يشرك بالله شيئاً دخل النار} نعوذ بالله من النار. إذاً: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الله جل جلاله ما خلق الخلق إلا ليعبدوه، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. ومعنى يعبدون أي: يوحدون، والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر -والعياذ بالله نسأل الله العفو والعافية- مثل: دعاء الأموات، والتوسل بالأموات، والطواف بالقبور، والنذور لأهل القبور، وصب العسل والسمن على القبور، وطلب الحاجات، وطلب تفريج الكربات، وطلب شفاء الأمراض من أهل القبور، هذا شرك؛ لأنه صرف شيئاً من أنواع العبادة لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى. فالله هو الذي يشفي المرضى، ويقضي الحاجات، ويفرج الكربات، ويغيث اللهفات، ويحيل الشدائد والبليات. لذلك يقول إبراهيم خليل الرحمن كما حكى الله عنه لما كسَّر الأصنام، ووثبوا عليه ليُحرقوه في النار: حسبي الله ونعم الوكيل، وفوض أمره لله الواحد القهار، وتبرأ من أولئك، قال الله جل وعلا مخبراً عنه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:77 - 81]. آمنا بالله وعليه توكلنا. الله جل جلاله الذي قال: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] سبحانه وبحمده! ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً في هذا، وكذلك الأنبياء والمرسلين، والله جل وعلا طلب من أممهم أن يقتدوا بهم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. إخواني في الله: نحن ولله الحمد والمنة لا يوجد بين أظهرنا قبور يُطاف بها، ولا يُتوسل بها، ولا يُذبح لها، ولا يُنذر لها، إنما هذا يوجد إذا خرج الإنسان من هذه البلاد، نسأل الله أن يحرسها بعينه التي لا تنام، وأن يحفظها من كيد الأعداء، إنه على كل شيء قدير. فإذا خرج إنسانٌ من هذه البلاد وجد أناساً يصلون في المسجد، ثم لم يلبثوا قليلاً إلا وقد انصرفوا يميناً أو شمالاً إلى بعض القبور، فتجدهم يطوفون بها، وقد يدعون أهلها ويتوسلون بهم، ويطلبون منهم الغوث والمدد إلى غير ذلك. فهذا لا يوجد في بلادنا -نحمد الله ونشكره- لكن الذي يوجد في بلادنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو أيضاً خطر على العقيدة، وهو إتيان الكهان والعرافين والمنجمين والمشعوذين، وهذا فيه خطر على التوحيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدَّقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وأيضاً يُروى عنه أنه قال: {من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد} نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن بعض الناس إذا تأخر عليه النسل أو الأولاد يذهب إلى أولئك -والعياذ بالله-. يطلب منهم أن يُرزق أولاداً، وهذا بيد الله عزَّ وجلَّ، وليس بيد أحد من الناس، ولكن ماذا يقولون له نسأل الله العافية؟ يقولون له: إذا كنت تريد الأولاد فأتِ بشاة سوداء أو عنز سوداء، وتذبحها ولا تذكر اسم الله عليها، إنا لله وإنا عليه راجعون، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. وقد والله فعل هذا أناس في بلاد التوحيد يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، دجَّل عليهم أولئك المشعوذين، فذبحوا للجن والشياطين, والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم وقال: {لعن الله من ذبح لغير الله}. ثم إن ذبح لغير الله ومات على هذه الحال ولم يتب إلى الله، فإنه يكون مخلد في النار، لماذا؟ لأنه صرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله جل وعلا، وقد سمعنا قول الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163]. أيضاً: هناك أناس إذا أصيبوا بأمراض نفسانية، والأمراض النفسانية يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تحصل إلا لمن أعرض عن الله، وابتعد عن طاعة الله، وغفل عن ذكر الله، فإن الشياطين تشن عليه الغارة، تهجم عليه والعياذ بالله، فعند ذلك يضيق من نفسه، حتى من أهله وأولاده، وعند ذلك يبحث عمن يصف له العلاج، ولو أنه التجأ إلى الله عزَّ وجلَّ وتاب ورجع إلى الله لتاب الله عليه، وجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية؛ لأن الله لا يخلف الميعاد، قال سبحانه: {ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] ولكنه -والعياذ بالله- يلتجئ إلى أولئك الكهنة والعرافين والمنجمين والمشعوذين، فعند ذلك يُدَجلون عليه، وأول دجلهم أن يقول أحدهم: ائتني بطاقيتك أو فانيلتك، أو ما اسم أمك؟ وما اسم أبيك؟ ثم لماذا تسأل عن هذه الأشياء؟ إذا قال لك هذه الأشياء، فاعرف أنه من الكهنة الدجالين المشعوذين، ابتعد عنه يا عبد الله، تُب إلى الله، وارجع إلى الله، حتى إذا أتتك المنية فأنت تائب راجع منيب إلى الله عزَّ وجلَّ. الرسول صلى الله عليه وسلم ترك أمته على المحجة بيضاء نقية، وأخبرهم بأدعية وأذكار، يقولونها في كل حال من أحوالهم، حتى إذا فقد الإنسان شيئاً من أمواله يقول: اللهم رب الضالة، رد الضالة، اللهم رب الضالة، رد الضالة. ولكن هناك أناس غفلوا عن الرب جل جلاله، غفلوا عن الله سبحانه وتعالى، فبمجرد ما يفقد شيئاً من أمواله يذهب إلى أولئك المشعوذين الدجاجلة فيدجلون عليه، كما دجلوا على مَن سَلَفَ مِن قبله، أسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه، إنه على كل شيء قدير. أيها الإخوة في الله: إن أعظم ذنب عُصي اللهُ به في الأرض هو الشرك والعياذ بالله، فالحذر الحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الشرك وأهل الشرك.

المعصية الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

المعصية الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إخواني في الله: من الأمور التي عُصي الله بها: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر خطير جداً يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن البعض من الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص برجال الحسبة ورجال الهيئة وهذا خطأ، وظن خاطئ؛ لأن الله جل وعلا قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فمن أراد هذه الخيرية، فما عليه إلا أن يلتزم بما وعد الله به سبحانه وتعالى، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخبر عن درجات تغيير المنكر، قال صلى الله عليه وسلم يخاطب الأمة جميعاً: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} نقول: التغيير باليد لولاة الأمور، ولمن ولاهم ولي الأمر، مثل رجال الحسبة، أما التغيير باللسان، فكل إنسان -ولله الحمد- يستطيع أن يغير بلسانه. أيضاً يستطيع الإنسان تغيير المنكر في بيته على أهله وأولاده إذا رأى منهم منكراً؛ لأن له السيطرة على أهله وأولاده؛ ولأنه مسئول عنهم أمام الله جل جلاله، كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته} الله أكبر! إخواني في الله: استمعوا إلى هذا الحديث، واستمعوا له بقلوبكم قبل أن يدخل آذانكم؛ لأن هذا الحديث -والله- إذا تمعن به المؤمن وجد أن الأمر جد عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فاسمع إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها -إلى أن قال صلى الله عليه وسلم-: ألا فكلكم راعٍ، ومسئول عن رعيته} ثم تمعن معاني الحديث، وتذكر: {كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته} فكر يا عبد الله! من الذي سوف يسألك؟ ومتى يكون هذا السؤال؟ أما الذي سوف يسألك: فإنه الله جل جلاله. وأما زمان Q فإنه سوف يكون على أرض القيامة. فماذا أعددتَ للسؤال من جواب يا عبد الله! إذا قامت الزوجة تخاصمك بين الله، بأنك رأيتها على منكر ولم تنهها عنه ولم تأمرها بالمعروف؟ ما هو الجواب إذا وقف الابن يخاصمك بين يدي الله؛ لأنك رأيته على منكر، بل ربما أتيت له بالمنكر في قعر بيته ولم تأمره بالمعروف؟ ما هو الجواب إذا وقفت البُنيَّة بين يدي الله عزَّ وجلَّ تخاصمك؛ لأنك أدخلت عليها المنكرات أو رأيتها تعمل المنكرات ولمن تنهها ولم تأمرها بالمعروف؟ ما هو الجواب بين يدي الله عزَّ وجلَّ؟ وربنا جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ما هو الجواب بين يدي الله عزَّ وجلَّ؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: انظر الخطاب، النداء لأهل الإيمان ليس لليهود ولا للنصارى ولا لغيرهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يقول ابن مسعود: [[إذا سمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فأصغِِ لها سمعك، فهو إما خيراً تُدعى إليه، وإما شراً تُحذَّر منه]] فالله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} بماذا نقي أنفسنا وأهلينا من هذه النار؟ بماذا نقيها؟ أبتوسيع الفلل؟ أم بتشييد القصور؟ أم بكثرة المأكولات والمشروبات والملبوسات؟ هذه كلها من ضروريات الحياة يا مسكين، والحياة الدنيا لا بد لها من زوال، لا بد لها من دمار، ولكن تقي نفسك وأهلك من نار جهنم، تقيها بما يُرضي الله جل وعلا وبالأعمال الصالحة، تأمر أهلك بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، وتوجههم التوجيه السليم، وتراقب ذهابهم وإيابهم، وأين يذهبون؟ وبمن يجتمعون؟

حال بعض الناس مع إنكار المنكرات

حال بعض الناس مع إنكار المنكرات مع الأسف الشديد: انظر الآن إلى أحوال الكثير من الناس -اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردناً إليك رداً جميلاً- تجد بعضهم الآن في غفلة وإعراض، الزوجة تذهب مع سيارة الأجرة، ولا يدري أين تذهب، أو ربما أتى لها بسائق وربطه عند البيت، وقال لهذا السائق: افعل ما تشاء، فيذهب بالزوجة والبنات إلى الأسواق، وإلى المدارس، وإلى المستشفيات، والرجل أين هو؟ الرجل مشغول بدنياه، وهل هذا يُعذر بين يدي الله عزَّ وجل؟ لا. والله لا يُعذر؛ لأنه عصى الله، وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. أولاً: أن الله جل وعلا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] فترك هذا الرجل هذه الآية، وضرب بهذا القول عرض الحائط. ثانياً: اسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} فقال: هذا السائق أجْوَدِي، مُتَخَيَّر من تلك البلاد البعيدة، هذا وجه إنسان مِحْذاق، الله أكبر! أمَخْصِيٌّ هو يا مسكين؟ لا. وأيضاً له شهوة أشد منك؛ لأنك أنت بين أهلك وأولادك، أما هو فله ثلاث سنوات أو سنتين وهو بعيد عن أهله، أين تذهب هذه الشهوة يا مسكين؟ ولكن قل بين يدي الله عزَّ وجلَّ: هذا والله أجْوَدِي، ابن حلال، مُتَخَيَّر من تلك البلاد. الله أكبر! لماذا ما قال أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والصحابة أجمعين، لماذا لم يقولوا هذا الكلام بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الرسول يخاطب الصحابة، أبر الأمة قلوباً وأزكاها، وأكثرها علماً رضي الله عنهم وأرضاهم يخاطبهم الرسول ويتحدث بين أيديهم ويقول: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم}. ويقول: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}. فبعض الناس ضرب بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم عرض الحائط، فإنا لله وإنا إليه راجعون. علامَ يدل هذا يا عباد الله؟ هذا يدل على أن الناس انهمكوا في حب الدنيا، وهذا الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {ما الفقر أخشى عليكم} ولكن خشي علينا صلى الله عليه وسلم مما يُفتح علينا من زهرة الحياة الدنيا، فننهمك في الدنيا، ونغفل عن أنفسنا، وعن أهلنا، وعن أولادنا، حتى إن البعض من الناس لحبه للدنيا صار يبارز الله بالمحاربة، ولا يبالي والعياذ بالله. فمتى نستيقظ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذا حُملنا إلى القبور؟ أم إذا صفَّت علينا اللبنات؟ متى نستيقظ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذا وقفنا للعرض على جبار الأرض والسماوات؟ متى نستيقظ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. إخواني في الله: المسئولية عظيمة بين يدي الله عزَّ وجلَّ. وأيضاً: أكرر وأقول: اسمع إلى حديث الرسول، مرة ثانية وثالثة ورابعة، لعل شجرة الإيمان أن تنمو في قلبك وتعظم شعائر الله، يقول صلى الله عليه وسلم: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}. ثم أيضاً: أقول لك مرة أخرى: تذكر من الذي سوف يلقي السؤال، ومتى يكون السؤال؟ أما الذي سوف يلقي عليك Q فهو الله جل جلاله. ووقت Q هو يوم القيامة. قال الله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

مراتب إنكار المنكر

مراتب إنكار المنكر أمة محمد صلى الله عليه وسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عده بعض العلماء ركناً سادساً من أركان الإسلام، فأقول لكم: لما قلنا: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} أن الرجل له سلطة على أهله وأولاده، فله أن يغير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} هذه من إرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا لم نستطع باليد، فإننا ننتقل إلى اللسان، واللسان -لله الحمد والمنة- كلٌ منا يستطيع بلسانه. أقول لأهل الدكاكين: يا أهل الدكاكين! اتقوا الله عزَّ وجلَّ، إذا رأيتم امرأة متبرجة قولوا لها: يا أمة الله! اتقي الله، تَسَتَّري. فكونوا عوناً لرجال الهيئة. نعم أيها الإخوة في الله: إذا رأيتم إنساناً يعاكس النساء، فقفوا في وجهه، وقولوا له: اتق الله فإن لك محارم، هل ترضى لأحدٍ أن يعاكس أمك أو زوجتك أو أختك أو ابنتك؟ فإن كان فيه غيرة، فإنه يخجل ويبتعد عن هذا الفعل السيء، وإذا لم يكن فيه غيرة -والعياذ بالله- فنتصل برجال الهيئة، ونكون لهم عوناً على ذلك حتى يَنْكَفَّ الشر والفساد، ويُقضى عليه، أما إذا تُرك الحبل على الغارب، وأصبحنا نتهاون في الأمر فإن الشر يستطير والعياذ بالله، فإذا حصلت المداهنة، فما الذي يحصل؟ يحصل والله العار والشر العظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخبر ربنا جل وعلا عن بني إسرائيل أنهم لما تركوا هذا الأمر، وتهاونوا فيه، ما الذي حل بهم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال الله جل وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:78] لماذا لُعنوا؟ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ اسمع: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. إذا حصلت المداهنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وترك الحبل على الغارب لأهل المعاصي ينشرون معاصيهم، ويبدون سيئاتهم ومعايبهم ومثالبهم عياناً بياناً، فما الذي يحصل؟ تحل اللعنة بدل الرحمة ولا حول لا قوة إلا بالله. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان فيمن قبلكم إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيراً، فقال: يا هذا اتق الله، فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه، كما يراه على خطيئته بالأمس، فلما رأى الله عزَّ وجلَّ ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داوُد وعيسى بن مريم {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:78]}. وكما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أنه كان صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم} إذا حلت اللعنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الرحمة تُرفع ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن اللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله. فنقول لأهل الدكاكين: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتعاونوا مع رجال الهيئة على إزالة المنكر. أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه. إخواني في الله: نحن والله على خطر خاصة في هذه السنين القليلة التي كثرت فيها آلات اللهو، وكثر فيه تبرج النساء وسفورهن، وكثرت فيه المخدرات والمسكرات، وظهرت فيه القَينات -أي: الأغاني- وكثر فيه قطيعة الرحم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك اسمع هذا الحديث الذي يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير،} اللهم سلِّم سلِّم، يصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير! قال بعض العلماء: إذا لم يُمسخوا حسياً مُسخوا معنوياً، إذا لم يُمسخ جسمُه مُسخ قلبه، صار قلبه كالخنزير أو كالقرد -والعياذ بالله- حتى يفقد الغيرة، لا يغار على محارمه، وتجده -والعياذ بالله- في أودية الهوى والغي يهيم، أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، إنه على كل شيء قدير، ثم قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: {وليصيبنهم قذف وخسف حتى يصبح الناس فيقولون: خُسف الليلة بدار بني فلان، وخُسف الليلة ببني فلان، ولتُرْسَلَن عليهم حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط، على قبائل فيها، ولتُرْسَلَن عليهم الريح العقيم، التي أهلكت عاداً} لماذا يُفعل بهم ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: {لشربهم الخمر، وأكلهم الربا، وضربهم الدفوف، واتخاذهم القينات، وقطيعتهم الرحم} نسأل الله العفو والعافية، إذا حصلت هذه الأمور فلا يأمنوا. وفي يوم الثلاثاء (13/ ربيع الثاني) نشرت إحدى الجرائد المحلية أن بلدة تسمى تشيلي أُمْطِرت عليها حجارة من السماء، وقد قرأها من قرأها، وأنا والله ممن قرأ هذا، وقتل منهم (17) ويقول أحد المشاهدين وهو ينظر إلى تلك الحجارة تنزل، يقول: اندس تحت سيارة شاحنة، ورأى تلك الحجارة تنزل، ورأى امرأة تهرب من تلك الحجارة حتى أوت إلى جدار لتختفي تحته، فسقط عليها الجدار، وسقطت عليها الحجارة، وخرجوا من بيوتهم مذعورين يصيحون ويصرخون، حتى الحجارة سقطت عليهم وهم في بيوتهم؛ لكن بماذا حلَّلوها؟ ماذا قالوا؟ قالوا: احتار الخبراء مع الأسف الشديد، وإلا لو سألوا علماء الشريعة، لو سألوا العلماء المحققين لأخبروهم أن هذا عقاب من الله جل جلاله، وهو والله عبرة لنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فعلينا أن نتقي الله جل وعلا، ونحذر من التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولنسمع إلى هذا الأثر يا عباد الله! كما يُروى: [[أوحى الله إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي]] وأقول: يُخشى أيضاً والله على بعض الناس الآن، الذين يُوجد في بيوتهم الكثير من الأولاد لا يعرفون الصلاة، يُخشى والله أن يصيبهم العذاب. تجد الآن البيوت فيها خمسة أو ستة أو ثمانية أو أكثر من ذلك لا يعرفون الصلاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا أردتَ أن تختبر هذا الوضع فانظر في صلاة الفجر، أين أولاد المسلمين؟ أين مَن سنه عشر سنوات أو خسمة عشر؟ بل أين ذو العشرين؟ لكن انتظر بعد ساعة وربع، تجد الأرض ملأى، الله أكبر! إلى أين؟ إلى المدارس، والصلاة؟ الصلاة غُفل عنها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الصلاة أمرها عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الصلاة، الصلاة، ولعلنا إن شاء الله بعد قليل نتكلم عن الصلاة إذا انتهينا من الكلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أيها الإخوة في الله: لا شك أنه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سوف يكثر الشر وينتشر، ويكثر الفسقة، فإذا حصل ذلك فلا تسأل عن أحوال المجتمع وما يحل فيه من النقمات، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: [[دخلتُ أنا ورجل على عائشة رضي الله عنها، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة، فقالت رضي الله عنها: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله عزَّ وجلَّ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمهما عليهم]] اللهم سلِّم سلِّم، اللهم احفظنا بحفظك يا رب العالمين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إنك على كل شيء قدير. فيا عباد الله! احذروا مما يغضب الله عزَّ وجلَّ، فإن الذنوب والمعاصي هي والله من أسباب الشقاء، ولذلك جاء التحذير منها في كتاب الله؛ لِمَا فيها من الإضرار بالفرد والمجتمع، فهي سبب يؤدي إلى غضب الله جل وعلا وإلى عقابه لمن ارتكبها، ثم إن العقوبة المترتبة على هذه المعاصي تختلف، فأحياناً تكون بالأنفس، وأحياناً بالأموال، وأحياناً بالأولاد، وأحياناً تكون بالمدمرات العامة، مثل: الفيضانات، أو الرياح المدمرة، أو القحط، أو الزلازل، أو بالحروب الطاحنة، أو بالأمراض المستعصيات، كما سمعنا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وربنا جل وعلا حذر من المعاصي والذنوب في كتابه العزيز وأخبر في محكم البيان عن الأمم التي حلت بهم العقوبات، ونحن نقرأ القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا تَرْعَوِيَ القلوب؟ يكفيك أن تقرأ سورة الفجر، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:1 - 12] ماذا حل بهم؟ قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] ثم قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]. وقال تعالى في سورة أخرى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:12]. فلنحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله جل وعلا: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99] نعوذ بالله من غضب الله. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم احذورا من غضب الله جل وعلا، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر.

المعصية الثالثة: عدم إقامة الصلاة

المعصية الثالثة: عدم إقامة الصلاة ثم ننتقل أيضاً إلى منكر عظيم تهاون فيه بعض الناس وهو الصلاة، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! المجتمع الآن انقسم على ثلاثة أقسام، نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً:

القسم الأول: قسم تركوا الصلاة بالكلية

القسم الأول: قسم تركوا الصلاة بالكلية وهؤلاء بين مجتمع المسلمين وبين أظهرهم، بل بعضهم يأكل معهم ويشرب -والعياذ بالله- وهو لا يصلي، وهؤلاء أفتانا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} هل تريدون فتوى غير هذه يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أيضاً: أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: {بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة}. لذلك يقول العلماء رحمهم الله: تارك الصلاة، يستتيبه إمام المسلمين أو نائبه ثلاثة أيام، فإن تاب وصلى وإلا قتل مرتداً، ويقتل حداً، يقطع رأسه بالسيف لماذا؟ لأنه تارك للصلاة، وإذا قتل ماذا نعمل به؟ قالوا: لا يُغسل، ولا يُكفن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدعى له بالرحمة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث، مع الأسف الشديد. وقالوا: إذا كانت المسلمة مع إنسان لا يصلي فإنها تُخلع منه على رغم أنفه، قال الله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]. إذاً: تارك الصلاة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجوده في المجتمع خطر عظيم، فهذا القسم الأول، قسم تركوا الصلاة بالكلية، وهم بين أظهرالمسلمين.

القسم الثاني: قسم ضيعوا الصلاة

القسم الثاني: قسم ضيعوا الصلاة أما هؤلاء فقد وقعوا في قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. قال بعض العلماء: ما أضاعوها بالكلية، ولكنهم تهاونوا بها، وهذه هي حال الكثير من الناس، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، انظر إلى أحوال الكثير من الناس، مع أنهم ارتكبوا هذا الذنب العظيم، وهو إضاعة الصلاة مع أي شيء عاشوه، فهم يعيشون مع المسلسلات طوال الليل، ومع الأغاني الماجنة، ومع الدخان، والشيشة، والبلوت، والقيل والقال، وإذا جاءت صلاة الفجر إذا هم جِيَفٌ في فرشهم، نسأل الله العفو والعافية، هذه حال كثير من الناس، صلاة الفجر نوم، وصلاة العصر إذا جاء من العمل أو الشغل وأكل الغداء اتكأ ونام، وربما نام قبل أن يغسل يديه من الغداء، وفوت عليه صلاة العصر، وربما أتبعها بصلاة المغرب، فإنا لله وإنا إليه راجعون. يقول سعيد بن المسيب عند قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] يقول: [[لا يصلي الصبح حتى تطلع الشمس، ولا يصلي الظهر حتى يدخل عليها وقت العصر، ولا يصلي العصر إلا وقت المغرب]] وهذه يا إخواني حال كثير من المسلمين في المجتمع الآن، إنا لله وإنا إليه راجعون. أما صلاة العصر: فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري، قال: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله} ما ظنك يا عبد الله! إذا جاءك قائل وقال: أهلك هلكوا، أموالك هلكت؟ ما هي الحال عندك؟ وما هو رد الفعل عندك؟ الله أكبر! ولكن بعض الناس يفوت صلاة العصر ولا يبالي {من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله}. وفي الحديث الذي رواه البخاري أيضاً يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من ترك صلاة العصر فقد حبط عملُه}. ما ظنكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإنسان يضع المنبه على الساعة السابعة، لا يقوم من الليل إلا وقت الساعة السابعة، وقت العمل، هذا يقول بعض العلماء فيه: تعمَّد تأخير صلاة الفجر حتى هذا الوقت، ولذلك يقول الشيخ عبد العزيز بن باز حفظنا الله وإياه: عند جمع من العلماء: أن من تعمد تأخير صلاة الفجر عن وقتها حتى يدخل عليها وقت الأخرى فهو كافر، أو كما قال رحمه الله تعالى. فنقول: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! نرجع إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: {من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله}. ثم يقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: {من صلى البردين دخل الجنة} يا رب! لا تحرمنا فضلك، اللهم لا تحرمنا فضلك، اللهم لا تجعل منا ولا فينا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين {من صلى البردين دخل الجنة} والبردان هما: الفجر، والعصر. ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً -وكل هذه أحاديث صحيحة-: {لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} يقصد: الفجر والعصر، ولذلك وعد ربنا جل وعلا المحافظين على الصلاة أن يكرمهم بجنة الفردوس، وهي أعلى منازل الجنة، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: {إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تُفجر أنهار الجنة} قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11]. وتوعَّد ربنا جل وعلا أقواماً إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى بالدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من النار، أخبر الله عنهم أنهم يصلون؛ ولكن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، وفي الآية الأخرى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] أين موعدهم؟ قال الله جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145]. هذا القسم الثاني الذين تهاونوا بالصلاة في المجتمع.

القسم الثالث: قسم يحافظون على الصلاة

القسم الثالث: قسم يحافظون على الصلاة وهم الذين يحافظون على الصلاة، أين نجد هذا القسم يا عباد الله؟ إذا أردتم أن تنظروا إلى هذا القسم فانظروا إليه في صلاة الفجر، تجد القلة من الناس في العشاء وفي المغرب والعصر والظهر، ربما أربعة صفوف، أو خمسة صفوف في بعض المساجد، ثم في صلاة الفجر صف أو صف ونصف، الله المستعان! أين بقية الصفوف؟ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. أقول لكم: إن المجتمع انقسم على ثلاثة أقسام؛ ولكن هل نسكت على هذا الأمر؟ لا. إن سكتنا على هذا الأمر فإننا والله نخشى من العقوبة ولكن نكون دعاة إلى الله نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونتعاون على البر والتقوى، إذا كان جارك يا أخي -كما يُروى في الحديث- أنه يتعلق بك يوم القيامة، فما هو الخلاص؟ جارك يتعلق بك يوم القيامة يقول: يا رب، خذ مظلمتي من جاري، فتقول: ما ظلمتُه! فيقول: إنه رآني على المنكر ولم ينهاني، ولم يأمرني بالمعروف، فلنستعد لذلك يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

المعصية الرابعة: عدم إيتاء الزكاة

المعصية الرابعة: عدم إيتاء الزكاة من المعاصي أيضاً التي تلبس بها بعض الناس: منع الزكاة، وهي تنقسم إلى قسمين: الأول: إن كان أنكر هذا: فهو كافر والعياذ بالله. الثاني: وإن كان بخل بها: فهو عاصٍِ لله ولرسوله. إن أنكر المرء الزكاة، وقال: ليس في الإسلام زكاة، فهو كافر حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قُتل، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه. أما إذا تهاون بالزكاة ولم يخرجها، فإنه ارتكب معصية من المعاصي التي سوف يُعاقَب عليها، إن لم يتب ويرجع إلى الله عزَّ وجلَّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولا صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحت له صفائح من نار، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين الناس، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار} وربنا جل وعلا يقول في محكم البيان: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35]. أي وعيد أعظم من هذا يا عباد الله؟! اللهم اشف مرض قلوبنا يا أرحم الراحمين، أي وعيد هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا إله إلا الله {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35]. فيا من أعطاه الله هذا المال الكثير، وطلب منك القليل، فلا تبخل يا أخي، أنفق ما دمت في زمن الإمكان قبل أن يحل عليك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9 - 11]. فالبِدار البِدار ما دمتَ في زمن الإمكان، قبل أن تطلب الرجعة ولا تُجاب يا عبد الله. البِدار البِدار ما دمتَ في زمن الإمكان، قبل أن يأخذ الورثة هذه الأموال وتصير عليك الأوزار. اللهم قنا شح أنفسنا، اللهم قنا شح أنفسنا، اللهم قنا شح أنفسنا إنك على كل شيء قدير.

المعصية الخامسة: الزنا

المعصية الخامسة: الزنا هناك معاصي انتشرت في المجتمع والعياذ بالله، ولعلنا لا نتطرقها كثيراً؛ لأن الجميع يعرف حُرمة تلك المعاصي والعياذ بالله، فمثلاً: الزنا. هذا الزنا شر مستطير والعياذ بالله، وداء خطير، وبلاء لا يعلم مداه إلا الله عزَّ وجلَّ، فلعلنا نسمع ماذا يحل في البلاد المجاورة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من جراء تلك الجرائم -والعياذ بالله- من الأمراض التي انتشرت واستعصت على الأطباء. وقد سمعتم في بداية الكلام، أن من آثار الذنوب والمعاصي حصول أمراض مستعصية تستعصي على الأطباء فلا يوجد لها علاج، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسمع بمرض الإيدز، والهِرْبِس، والسيلان، والزُهري، وغيره من الأمراض التي انتشرت في أقطار العالم بسبب هذه الجرثومة الخبيثة، بسبب هذا الجُرم العظيم وهو الزنا والعياذ بالله. الزنا إذا انتشر في بلد فلا تسأل عن خطره، يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله} والحديث رواه: الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

عواقب الزنا وأضراره

عواقب الزنا وأضراره فيا عباد الله: إن الزنا له عواقب وخيمة في الدنيا قبل الآخرة: الأولى: يسوِّد الوجوه. الثانية: يجلب الفقر. الثالثة: يسبب الأمراض المستعصيات. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الزُّناة والزواني يُعذبون في البرزخ في مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، يأتيهم لهب من أسفل منهم، هذا عذابهم في البرزخ -نسأل الله العفو والعافية- فكيف إذا سيقوا إلى نار جهنم، نعوذ بالله من نار جهنم. أيها الإخوة في الله: الزنا ذكر بعض العلماء أن الزنا له أضرار كثيرة: إن الزنا عاره يهدم البيوت الرفيعة. يطاطئ الرءوس العالية. يسوِّد الوجوه البيض. يبدل أشجع الناس من شجاعتهم جبناً لا يدانيه جُبن. يهوي بأطول الناس أعناقاً، وأسماهم مقاماً، وأعرقهم عزاً إلى هاوية من الذل والازدراء والحقارة، ليس لها من قرار. الزنا لُطْخَةٌ سوادء إذا لحقت تاريخَ أسرةٍ غَمَرَتْ كلَّ صحائفه البيض، وتركت العيون لا ترى منها إلا سواداً حالكاً. أمة الإسلام: احذروا من جريمة الزنا، فإن الزاني يحط نفسه من سماء الفضيلة إلى حضيض الرذيلة، ويصبح بمكان من غضب الله ومقته، الزاني يكون عند الخلق ممقوتاً، وفي دنياه مهين الجانب، عديم الشرف، منحط الكرامة، ساقط العدالة، ويكفيه وعيداً، وتحذيراً ما قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32].

دواعي وبواعث الزنا

دواعي وبواعث الزنا عباد الله: دواعي الزنا كثيرة، من دواعي الزنا: - خروج النساء إلى الأسواق وهن متبرجات ومتعطرات. - اختلاط الرجال بالنساء بدون مَحْرَم، اسمعوا إلى هذا الأثر يُروى: {يُروى أن الزناة معلقون بفروجهم في النار، يُضربون بسياط من حديد} نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من النار. - كثرة مشاهدة الأفلام الخليعة، التي يُوجد فيها النساء الكاسيات العاريات. - استماع الأغاني الماجنة. - قراءة القصص الغرامية، وأيضاً قراءة المجلات السخيفة التي تحمل صور النساء العاريات. - مغازلة النساء ومعاكستهن. أسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم بحفظه، اللهم استر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم أقر أعيننا بصلاح أولادنا ونسائنا، إنك على كل شيء قدير.

المعصية السادسة: المخدرات والمسكرات

المعصية السادسة: المخدرات والمسكرات المخدرات والمسكرات أضرارها عظيمة، فكم أذهبت من أخلاق وعقول، وأهانت أهلها، وأودت بهم في الحضيض، حتى صاروا من الأرذال لما سببوا على أنفسهم وعقولهم وأعراضهم وشرفهم وأموالهم بسبب هذه المخدرات والمسكرات، وكم أضاعوا من أسر، وكم خسروا من أوقات سوف يُسألون عنها يوم القيامة، ولذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار} نعوذ بالله من النار.

المعصية السابعة: عمل قوم لوط

المعصية السابعة: عمل قوم لوط وهناك أيضاً جريمة شنيعة بشعة، يقول بعض السلف: لولا أن الله ذكرها في القرآن ما صدقت أنها تحصل، الله أكبر! رحمة الله عليه. هذه الجريمة يا إخواني جريمة قوم لوط والعياذ بالله، نسأل الله العفو والعافية، ويكفي بها جريمة ويكفي بها تحذيراً أن نذكر ماذا حصل لقوم لوط. جبريل عليه السلام جاء إلى لوط عليه السلام بعد أمر الله سبحانه وتعالى له أن يأمر لوطاً أن يخرج هو وبناته من تلك القرية حتى يحل بها عذاب الله. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهي أن الله سبحانه وتعالى أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع ديارهم بجناحه، ثم رفعها إلى عنان السماء حتى سمع الملائكة صياح الديكة ونباح الكلاب، ثم قلبها عليهم وأتبعهم حجارة من سجيل منضود، فتلكم قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة، حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة، بطريق مهيعٍ مسالكه مستمرة إلى اليوم، وهي المعروفة بـ البحر الميت، الذي لا يعيش فيه شيء، نسأل الله العفو والعافية؛ ولكن الله جل وعلا ذكرها في محكم البيان، حتى تحذر هذه الأمة من تلك الفعلة الخطيرة الشريرة. لذلك يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أخوف ما أخاف على أمتي من عمل قوم لوط}. ويُروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوم لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوم لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوم لوط} ثلاث مرات. ويُروى عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها}. ويُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط، نقله الله تعالى إليهم حتى يُحشر معهم}. ويقول ابن عباس رضي الله عنه: [[اللوطي إذا مات من غير توبة مُسخ في قبره خنزيراً]]. ويُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به}. ولذلك اجتمع رأي الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر رضي الله عنه؛ لما ذكر له خالد بن الوليد أن هناك رجل يُعمل به كما يُعمل بالنساء أمر بإحراقه بالنار رضي الله عنه وأرضاه. أما بعض العلماء فقالوا: ينظر إلى أعلى مكان في البلد فيُرمى منه، ثم يُتبع بالحجارة، نعوذ بالله من غضب الله. فالحذر الحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الجريمة الوخيمة! وحافظوا على أولادكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الآن بعض الناس، لا يدري أين أولاده يذهبون، أو مع من يذهبون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فنقول: الله الله بالمحافظة على الأولاد، فإنك مسئول عنهم يوم القيامة، والمغريات الآن كثيرة، تجد بعض الأشرار يأخذه معه بحجة أنه يعلمه قيادة السيارة، أو يعطيه سيجارة من دخان أو غير ذلك، فيفعل به جريمة قوم لوط، وعند ذلك والعياذ بالله ينهمك في هذا الجُرم العظيم، ولا تسأل عن أحواله، أسأل الله أن يصلح أولادنا ونساءنا.

المعصية الثامنة: الربا

المعصية الثامنة: الربا وهناك أيضاً من المعاصي والذنوب التي انتشرت في المجتمع: أكل الربا، والتعامل بالربا. ولا شك أن هذا كلنا نعرفه، أنه من أكبر الذنوب والعياذ بالله، وأنه محاربة لله ولرسوله.

المعصية التاسعة: الغيبة والنميمة

المعصية التاسعة: الغيبة والنميمة والنميمة هي: نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد والعياذ بالله. والغيبة وهي: أكل لحوم الناس في المجالس، فهي -يا أخي في الله- خسارة لمن ابتلي بها؛ لأنه يخسر الحسنات، يوزع حسناته على الغافلين الذين يأكل لحومهم. نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاًَ.

نداء التوبة لأهل الذنوب والمعاصي

نداء التوبة لأهل الذنوب والمعاصي فيا أهل الذنوب والمعاصي! توبوا إلى الله عزَّ وجلَّ، أحد السلف رحمه الله، يذكرك يا من ابتليت بالذنوب والمعاصي، يقول رحمه الله: ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسبُ وتُجمع في لوح حفيظ وتكتبُ وقلبك في سهو ولهو وغفلة وأنت على الدنيا حريص معذبُ تباهي بجمع المال من غير حله وتسعى حثيثاً في المعاصي وتذنبُ أما تذكر الموت المفاجئك في غدٍ أما أنت من بعد السلامة تعقبُ أم تذكر القبر الوحيش ولحدَهُ به الجسم مِن بعد العمارة يخربُ أما تذكر اليوم الطويل وهوله وميزان قسط للوفاء سينصبُ تروح وتغدو في مراحك لاهياً وسوف بأشراك المنية تنشبُ تعالج نزع الروح من كل مفصلٍ فلا راحم ينجي ولا ثَم مهربُ فبادر بالتوبة النصوح، بادر قبل أن يحل بك هادم اللذات. وغمضت العينان بعد خروجها وبسِّطت الرجلان والرأس يعصبُ وقاموا سراعاً في جهازك أحضروا حنوطاً وأكفاناً وللماء قربوا وقد نشروا الأكفان من بعد طيّها وقد بخروا منشورهن وطيبوا وألقوك فيما بينهن وأدرجوا عليك مثاني طيَّهن وعصبوا وفي حفرة ألقوك حيران مفرداً تضمك بيداءٌ من الأرض سبسبُ إذا كان هذا حالنا بعد موتنا فكيف يطيب اليوم أكل ومشربُ وكيف يطيب العيش والقبر مسكنٌ به ظلماتٌ غيهبٌ ثم غيهبُ وهولٌ وديدانٌ وروعٌ ووحشةٌُ وكل جديد سوف يبلى ويذهبُ فيا نفس خافي الله وارجي ثوابه فهادم لذات الفتى سوف يقربُ

بلوغ الروح الحلقوم

بلوغ الروح الحلقوم ثم أقول لكم في نهاية الكلام: أبشروا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله قد فتح بابه للسائلين، فمن تاب تاب الله عليه، بشرط قبل أن يقع أمران: الأمر الأول: أمر خاص: وهو بلوغ الروح الحلقوم: فإذا بلغت الروح الحلقوم عند ذلك لا تُقبل التوبة، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} إذا غرغر وبلغت الروح الحلقوم، وانطرح على فراش الموت، عند ذلك ما تنفعه التوبة؛ لأن الله عزَّ وجلَّ أخبر عنه في محكم البيان، فقال جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا يطلب الرجعة؟ حتى يتزود من الدكاكين، حتى يتزود من البضاعة، كل هذا سوف يذهب ويتركه؛ لكن ليتزود من العمل الصالح، لكن مدة إقامتك في الدنيا يا عبد الله قد انتهت أيها المفرط، أيها العاصي، فعند ذلك يحصل الندم والتحسر والتأسف: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] فيسمع الرد الإلهي: {كَلَّا} لن تُجاب إلى هذا المطلب، انتهت مدتك في هذه الحياة الدنيا، الآن حان انتقالك إلى البرزخ، إلى بيت الدود، إلى بيت الوحشة، إلى بيت الوحدة، الذي سوف تجد أمامك فيه العمل {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100]. وما يدرينا متى يأتينا الموت؟! فبعض الناس يفتح عليه الشيطان باب التسويف، يقول: سوف تتوب فيما بعد إذا بلغت الذروة في التجارة، أو في العمر، أو في كذا وكذا، فيمكنك أن تتوب، وما يدريك -أخي في الله- متى ينزل بك هادم اللذات؟ فكم والله من إنسان أصبح مُعافىً سليماً، وفي لحظة من اللحظات يُقال: فلان مات، وكم من إنسان بات مُعافىً سليماً، ويقال: فلانٌ أصبح ميتاً. فيا إخواني في الله، بادروا بالتوبة قبل نزول الموت.

طلوع الشمس من مغربها

طلوع الشمس من مغربها الأمر الثاني: أمر عام: وهو طلوع الشمس من مغربها: إذا طلعت الشمس من مغربها فعند ذلك لا تُقبل التوبة، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها}. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترزقنا توبة نصوحاً. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولوالدِي والدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلحنا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، وقاداتنا. اللهم أصلح أولادنا، ونساءنا. اللهم أصلح تجارنا، اللهم أصلح تجارنا، حتى لا يستوردوا لنا ما فيه تشبه باليهود والنصارى والمجوس، اللهم وفق تُجَّارنا في إزالة ورد البضائع التي فيها فتن وصور وتشبه باليهود والنصارى إلى أصحابها. اللهم اجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، واجعلنا جميعاً ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أختاه تذكري الموت

أختاه تذكري الموت يجب على الإنسان أن يكثر من ذكر الموت وما بعده من نعيم القبر وعذابه وأن يجعل آخرته نصب عينيه؛ فإن ذلك يحثه على التزود والاستعداد ليوم الرحيل بالمسارعة بالأعمال الصالحة والإقلاع عن الآثام والذنوب بالتوبة النصوح. وعلى المرأة المسلمة مراقبة الله وعدم التبرج والسفور وعدم التشبه بالكافرات.

حقيقة الموت

حقيقة الموت إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة والأخوات: حياكم الله في بيت من بيوت الله، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً إنك على كل شيء قدير. إخواني في الله: لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تذكر الموت فقال: {أكثروا من ذكر هادم اللذات} والله جل وعلا -أيضاً- أكثر من ذكره في القرآن؛ لأنه الخطب الفادح، وهو الذي لا تغلق دونه الأبواب، ولا تمنع منه الحصون المشيدة، إنه الموت، يقول الله جل جلاله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول الله جل وعلا: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:77 - 78] ويقول جل وعلا: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8] ويقول سبحانه وبحمده: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ويقول سبحانه: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:26 - 29]. والموت كتبه الله على الخليقة أجمعين {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:35] {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] فيا عباد الله! اغتنموا أوقات الفضائل قبل فواتها، وتأهبوا لما أمامكم وما أنتم قادمون عليه لا محالة ألا وهو الموت. والموت كما قال بعضهم: تبدل من حال إلى حال -من حال الحياة إلى حال الموت- وانتقال من دار إلى دار من الدور إلى القبور.

الاستعداد للموت

الاستعداد للموت إن الموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى، وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكر فيه وترك العمل. فيا عباد الله: ما هذه الغفلة والاغترار؟! وما هذا الإكباب على الدنيا وقد رأيتم تصرم الأعمار؟ وما هذا التفريط وأنتم على الآثار وقد علمتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟ فاحذروا من هذه الغفلة، واستعدوا لهذا الخطب الفادح والحدث الجلل هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نشاهد ذا عين اليقين حقيقة عليه مضى طفل وكهل وأشيب فيا من شغلته الدنيا عن طاعة الله، وأغفلته عن ذكر الله! استيقظ مادمت في زمن الإمكان، وبادر قبل نزول الموت، قال الله جل جلاله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100]. عباد الله: إن الموت فيه عظة وعبرة لمن أراد أن يتذكر، فتصوروا أحوال الميت يوم أن ينزل به الموت يعالج نزع الروح من كل مفصلٍ فلا راحم ينجي ولا ثم مهرب وغمضت العينان بعد خروجها وبسطت الرجلان والرأس يعصب

حالة الاحتضار

حالة الاحتضار إخواني وأخواتي في الله: تذكروا عندما يجلس الأبناء حول أبيهم وقد نزل به هادم اللذات، يبكون وينادون بصوت يقطع نياط القلوب، الولد يقول: هل تعرفني يا أبتاه؟ والأقارب حوله يقولون: هل تعرفنا يا فلان؟ وهو ينظر إليهم وعيناه قد اغرورقت بالدموع، ينظر إليهم وقد نزل به هادم اللذات، فلا يستطيع الرد عليه، قد تعذر عليه الكلام، يرونه منطرحاً بين أيديهم، يعالج سكرات الموت وهم لا يشعرون {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ثم لا يلبثون إلا قليلاً وهم ينظرون إليه وإذا بملك الموت قد قبض الروح، ومال الأنف وفتح الفم وشخص البصر {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] فيا لها من ساعة يتكدر فيها الصفا، ويتنغص فيها العيش، إذا نزل هادم اللذات فإنه والله أمر جلل، وخطر هائل، وخطب فادح لابد منه لكل مخلوق. يقول بعضهم رحمه الله: ليس الغريب غريب الشام واليمن ِ إن الغريب غريب اللحد والكفنِ تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ ولا بكاء ولا خوف ولا حزنِ سفري بعيد وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تبصرني يا زلةً كتبت في غفلة ذهبت يا حسرةً بقيت في القلب تقتلني دع الملامة عني يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيدهم تقلبني إخواني: تذكروا ذلك المصرع الذي سوف يمر بنا جميعاً. وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفق ولا هونِ واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شر الكفن وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني أما المرأة فتأتيها امرأة فتجردها وتغسلها، وتقلبها على اللوح لا حول لها ولا قوة، فلا إله إلا الله! وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني ثم بعد ذلك ما هي آخر كسوة يلبسها من هذه الدنيا؟ وألبسوني ثياباً لا كمام لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وأنزلوني إلى قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني وقال هلُّوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن في ظلمة القبر لا أم هناك ولا أبٌ شفيق ولا أخ يؤنسني

حال العبد إذا وضع في القبر

حال العبد إذا وضع في القبر أيها الإخوة في الله: ويا أختي في الله! تذكروا من هو الأنيس في القبر؟ ومن هو الموحش في القبر؟ إنه العمل، فإما أن يكون العمل صالحاً؛ فيكون نعم الأنيس في القبر، وإما أن يكون سيئاً خبيثاً فإنه موحش في القبر والعياذ بالله. فيا أيها الإخوة والأخوات: مثلوا أنفسكم وقد حلت بكم السكرات ونزل الأنين والغمرات. مثلوا أنفسكم وقد أخذتم من الفرش اللينة ثم نقلتم إلى التراب، إلى بيت الوحشة والوحدة، إلى بيت الضيق والظلمة إلا من وسعه الله عليه، فهنيئاً لمن وسع الله عليه قبره، فإنه إذا سُئل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن أجاب وقال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم؛ نادى من السماء منادٍ إن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويُفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح طيب الثياب فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح. وإن كان بعكس ذلك خرج من الدنيا وقد تحمل الأوزار والسيئات وسُئل: من ربك؟ فتلجلج ب A هاه، هاه، لا أدري. ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. من نبيك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. نادى منادٍ إن كذب، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح المنظر كريه الرائحة خبيث الثياب فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا بهذا الحديث الصحيح فيقول: {إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، يأتيه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً. وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقوله الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين} متفق عليه. فيا أيها الإخوة والأخوات! تنبه قبل الموت إن كنت تعقل فعمَّا قليل للمقابر تنقل وتمسي رهيناً في القبور وتنثني لدى جَدَثٍ تحت الثرى تتجندل فريداً وحيداً في التراب وإنما قرين الفتى في القبر ما كان يعمل

فوائد تذكر الموت

فوائد تذكر الموت أيها الإخوة والأخوات: لما سمعنا هذه الموعظة أرجع إلى الأخت المسلمة وأذكرها وأسألها وأقول: يا أمة الله! ماذا نستفيد من التذكير بالموت؟ و A أن تعلمي -أختي في الله- أنه لابد من الانتقال من هذه الدار، ثم بماذا ننتقل من هذه الدار؟ لن ننتقل رجالاً ونساءً من هذه الدار إلا بالأعمال، فإن كانت صالحة؛ فقد سمعت -أختي في الله- ما الذي يكون في القبر، وإن كانت الأعمال سيئة خبيثة؛ فقد سمعتِ -أيضاً- ما الذي يحصل في القبر.

المرأة قبل الإسلام وبعده

المرأة قبل الإسلام وبعده أختي في الله: لكنني بعد أن ذكرتك بالموت أذكرك بالنعمة التي منَّ الله بها عليك خاصة أيتها المسلمة! ولعلنا نرجع قليلاً لنرى أحوال المرأة قبل الإسلام. لقد كانت قبل الإسلام في أتعس حال، فهي مهضومة الحقوق بين صفوف الجاهلية، تعد كأتفه الأشياء، بل وأعظم من ذلك وأطم أنها توأد وتقتل وتدس في التراب أحياناً وهي حية، فأعزها الله بالإسلام. فيا أمة الله: لقد أعزك الله بالإسلام، ورفع قدرك فصار القرآن ينوه باسمك، ويناديك باسم الإيمان والإسلام، وورثك بعد أن كانت المرأة في الجاهلية محرومة من الإرث، وأخبر الله جل وعلا أن المؤمنة التي تطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تؤدي حقوق الله تعالى كما أمرها؛ فإن الله سوف يكرمها في جنته فالجنة الجنة يا أمة الله! يقول الله جل جلاله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]. أختي في الله: أسمعتي وعد الله الذي قال الله جل وعلا فيه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72] لماذا أعد الله لهم هذا الجزاء؟ لما اتصفوا به من الصفات التي سمعتموها أيها الرجال والنساء! قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].

الاستعداد بالأعمال الصالحة

الاستعداد بالأعمال الصالحة فيا أمة الله: ما عليك إلا أن تقومي بما أوجب الله عليك، ثم تفوزي بهذا الفوز العظيم الذي لا يماثله فوز ثم يقول الله جل وعلا، والخطاب ليس للرجال فقط بل للرجال والنساء: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] هذا في الحياة الدنيا حياة الإيمان والطاعة، حياة القرب من الله جل جلاله. يقول الله جل جلاله في الحديث القدسي: {وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه}. أختي في الله: ما أحسن أحوال من أطاع الله واتقاه في الدنيا! يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] ويقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4]. ومن اتقى الله أحبه الله، قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4] ومن اتقى الله فإن الله يكون معه، ومن كان الله معه فوالله لن يغلب ولن يهزم ولن يضام {وَاعْلَمُو أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:123] أما في الآخرة فيقول الله جل جلاله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]

من وصايا الإسلام للمرأة

من وصايا الإسلام للمرأة أختي في الله: إن في القرآن العظيم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصايا كثيرة للمرأة، وعلينا جميعاً أن نرجع إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم أقول لك: احذري -يا أمة الله- قبل أن ينزل بك هادم اللذات، احذري من المخالفات التي تخالف أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكوني كما أراد الله لكِ وكما أراد لكِ رسوله صلى الله عليه وسلم. أختي في الله! كوني حرة، ودرة مصونة، فعملك بدين الإسلام كله؛ عقيدة، وعبادة، وأحكاماً، وأخلاقاً، وآداباً، هو والله عزك وفخرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.

محافظة المرأة المسلمة على حجابها

محافظة المرأة المسلمة على حجابها إن مما أمر الله به وكذلك أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب فحافظي -يا أمة الله- على الحجاب والتستر والحشمة والعفة، حتى إذا جاءك هاذم اللذات فأنت تعيشين في طاعة الله وفي طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. واعلمي أن هناك فساقاً وأنذالاً وأرذال وهم من جيوش الشيطان، استعملهم الشيطان، وليس لهم هم إلا الإفساد في الأرض، وحسبنا الله ونعم الوكيل! أيتها المرأة المسلمة: احذري من دعاة الشر والفساد، فإنهم أعداء لك خاصة وأعداء للمسلمين عامة، وهم أعداء لعقيدتك، ولدينك، ولأخلاقك، ولشرفك، يدعونك إلى السقوط في الهاوية، ويدعونك إلى السقوط في المستنقعات الوبيئة من حيث لا تشعرين. أيتها المسلمة: افتخري واعتزي وارفعي رأسك بهذا الدين دين الإسلام، ثم احذري أعداء الإسلام، فإنهم يدعونك إلى الرمي بالعباءة وتمزيق الحجاب، ويدعونك إلى التبرج والسفور، ويدعونك إلى الاحتكاك والاختلاط بالرجال في المصنع والمتجر والمكتب وغير ذلك، والله قد رفع قدرك وأعز من شأنك رفعك عن هذا المكان، وهم يدعونك -فيما يزعمون- باسم الحرية والتقدم والمدنية والحضارة والمشاركة في الحياة الاجتماعية، وهذا -والله الذي لا إله غيره- كذب وغش وخداع وتزوير من دعاة الشر والفساد والإلحاد، فكم من جرائم ارتكبت، وكم من أعراض انتهكت، وحاصل ذلك الأحزان والمصائب والمآسي، وذلك بسبب السفور والاختلاط الذي دعا إليه المنحطون. أيتها المسلمة: أما سمعت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم} فيا أمة الله! لا تغتري بالسواد الكثير من الناس، ثم أقول لك لا تغتري أيضاً بالنساء المتمردات على شرع الله وأحكامه، ولا تغتري بالمتبرجات الداعرات الماجنات السافرات المتفرجات، يقول الله تعالى في التحذير من طرق أولئك: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فاحذري أختي في الله! أيتها المرأة المسلمة: احذري من الذين يتبعون الهوى، من الذين قادهم الهوى إلى المهالك فعصوا الرحمن وأطاعوا الشيطان، وهكذا من اتبع هواه سوف يضل ويقع في مزالق الهلكة، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] ويقول الله جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. وبعض النساء اللواتي اتبعن طريق الشيطان مع اللهو والملاهي، والأفلام والمسلسلات، واستماع الأغاني الماجنات، فضاعت أوقاتهن بغير طاعة الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيتها المسلمة: يجب علينا جميعاً إذا أردنا أن نحوز على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: {فطوبى للغرباء} فإننا في زمن الغربة، وفي زمن كثرت فيه الفتن والمغريات والشهوات والشبهات، ولقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: {فطوبى للغرباء قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يُصلحون ما أفسد الناس، أو يَصلحون إذا فسد الناس}. فإذا أردنا أن نحوز على هذه الدعوة؛ فلنكن من الصالحين المصلحين، فإذا جهل الناس فلا نجهل، وإذا عصى الناس فلا نعصي. أختي في الله: لعلك سمعت حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها التي أخبرت به فقالت: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج! وحلق بالإبهام والتي تليها. فقالت زينب رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث} اللهم سلِّم سلِّم، فيا أمة الله! كوني من الصالحات المصلحات، حتى إذا نزل العذاب نجاك الله من ذلك العذاب؛ لأنك من الصالحات المصلحات، فأمري بالمعروف وانهي عن المنكر. أسأل الله جل وعلا للجميع التوفيق والسداد. أختي في الله: إذا أردت العز والفخر والشرف في الدنيا والآخرة فافعلي الواجبات واتركي المحرمات، ومن المحرمات: التبرج والسفور، ولا شك أن من وسائل الزنا التبرج والسفور، ولا شك ولا ريب أن بالزنا فساد المجتمعات، وبالزنا كل شر وعار ومحنة وفساد وبلاء، ووالله ثم والله، ما سرى داء السفور والتبرج في أعضاء أمة ومفاصلها؛ إلا أوردها موارد الهلاك والتلف والفناء، والانحطاط والذل والشقاء، والتعاسة والانهيار والسقوط. وما لعن بنو إسرائيل إلا بعد أن تبرجت نساؤهم وتبخترت بالزينة. أيتها المسلمة: احذري أن تكويني من هذا الصنف الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهنَّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} الله أكبر! هذا الحديث -يا أمة الله- معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الأمور نشاهدها الآن في أسواق المسلمين، وفي حفلات الأعراس، وفي كثير من المجتمعات، فإذا لبست المرأة ثوباً رقيقاً أو ضيقاً أو قصيراً، أو لبست ما يُسمى (العاري) الذي يعلق بالكتفين، فإنها تخرج شبه عارية والعياذ بالله، فإن كان رقيقاً شفافاً؛ فهو يصف ما تحته من العورة، وإن كان ضيقاً؛ فهو يبين حجم المرأة، وإن كان قصيراً؛ فلا تسألي عن فظاعة ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وأفظع من ذلك اللباس العاري الذي يتعلق بالكتفين، ما فتح علينا أخيراً من هذا البنطلون الذي فيه تشبه بأعداء الإسلام والمسلمين. أختي في الله: أسأل الله أن يفتح على قلوبنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وإلا فالأمر جد عظيم. فيا أمة الله: ارجعي إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما التحذير من التشبه بأعداء الإسلام والمسلمين، ووالله الذي لا إله غيره إن نحن أخذنا بتعاليم الكتاب والسنة أفلحنا ونجحنا وشرف أمة الإسلام وزكاؤها بالأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة والفضائل العالية، وذلك لا يوجد إلا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: {كان خلقه القرآن}.

تحذير المسلمة من تغيير خلق الله

تحذير المسلمة من تغيير خلق الله أيتها المسلمة: اقتدي بأمهات المؤمنين، واقتدي بزوجات الأنصار والمهاجرين. واحذري أن تغيري خلق الله؛ فقد حذركِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولعن من فعلت ذلك، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة}. والواصلة: هي التي تصل الشعر بشعر آخر، والمستوصلة: هي التي تأمر من يفعل بها ذلك، فقد حلت عليها لعنة الرسول صلى الله عليه وسلم. والواشمة: هي التي تفعل الوشم، والوشم: غرز الإبرة في الوجه أو في اليدين ثم يحش كحلاً أو غيره مما يظهر لونه، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعلت ذلك، وأيضاً {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله}. والنامصة: هي التي تنقش الحواجب حتى يكون رقيقاً دقيقاً أو ربما تزيله بالكلية، وتجعل بدله تلك الأصباغ، وقد لعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمتفلجة: هي التي تجعل الفلج في أسنانها، أي: تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض، وقد لعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيتها المسلمة: كوني خير خلف لخير سلف، كوني قدوة حسنة لأخواتك وزميلاتك وبناتك، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القدوة الحسنة أن له أجراً عظيماً فقال صلى الله عليه وسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء}.

تحذير المسلمة من البدع

تحذير المسلمة من البدع أيتها المسلمة: احذري من البدع، واحذري من المحدثات في الدين، واحذري من التقليد الأعمى الذي يدسه عليكنَّ أعداء الإسلام في التمثيليات والأفلام والمجلات والأزياء الخليعة، والأغاني الماجنة الخبيثة التي تميت القلوب وتفسد الأخلاق، ولا يخدعنك الدجالون والمزورون ودعاة التبرج والسفور. أيتها المسلمة: كوني فطنة ويقظة، كوني على حذر من دعاة الشر والفساد؛ لأنهم دعاة هدم وتخريب ودمار، ويكفي فيهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من التشبه بهم فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تتشبهوا باليهود والنصارى} {لا تتشبهوا بالمجوس} {من تشبه بقوم فهو منهم} {ليس منا من تشبه بغيرنا} وهذه إنذارات محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. فاحذري ثم احذري من تخطيطات أعداء الإسلام والمسلمين.

الترغيب في الزواج المبكر

الترغيب في الزواج المبكر أيتها المسلمة: لا تغتري بمن عزفن عن الزواج وضاعت أعمارهن بدون زواج، فبعضهن تقول: لا أتزوج حتى أكمل الدراسة، ثم تمضي عليها السنون ويتعداها الركب وتمكث عانساً، بدون زواج، وربما طال بها الأمد حتى تبلغ إلى سن ينقطع فيه الإنجاب، فعند ذلك فوتت على نفسها الزواج المبكر، وانقطعت من الذرية، وكم في التوجيهات الإسلامية من مصالح شتى للمسلمة في شئون حياتها، ولو أنها تزوجت مبكرة لأصبحت بذلك أُماً محترمة موقرة، وتكون مطمئنة مرتاحة قريرة العين، حيث أن الزوج يقوم بما أوجب الله عليه، ويوفر لها كل ما تحتاجه، من سكن وعطاء ووقاء وملبوس ومأكول ومشروب ومركوب، وحينئذ تعيش المرأة المسلمة مع زوجها وقرين حياتها ووالد أولادها عيشة الخير والهناء والسعادة تحت دوحات الإسلام السامقة، وفي ظله الظليل، بخلاف نساء الشرق والغرب اللواتي لم يعرفن الإسلام، فهن في غاية الإهانة والابتذال، يتمنين أن يكون لهن ما للمرأة المسلمة، فشتان ما بين أحكام القرآن والسنة، وأحكام الطواغيت من القوانين الوضعية، فاحمدي الله على هذا الدين الحنيف الذي أعطى المرأة حقها وأعزها وأكرمها.

المبادرة بالتوبة النصوح

المبادرة بالتوبة النصوح أيتها المسلمة: الله الله في التمسك بدين الإسلام، الدين الحنيف الذي ختم الله به جميع الأديان، وبادري بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل إن صدر منك بعض المخالفات التي مر ذكرها، فتوبي إلى الله عز وجل وارجعي إليه قبل أن ينزل بك هادم اللذات. واعلمن أيتها الأخوات في الله! أن الإنسان مهما عاش في هذه الحياة الدنيا فسوف ينتقل منها رغم أنفه، وسوف يهجم عليه هادم اللذات ومفرق الجماعات، وسوف يأخذه من قصره ومنزله ومن بين أهله وأولاده وأقاربه، ثم ينطرح جثة هامدة لا حراك فيها ولا إحساس، قال الشاعر: الموت في كل حين ينشر الكفنا ونحن في غفلة عما يراد بنا لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها وإن توشحت من أثوابها الحسنا أين الأحبة والجيران ما فعلوا أين الذين همُ كانوا لنا سكنا سقاهم الموت كأساً غير صافية فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا أيتها الأخوات في الله: اعلمنَ علم اليقين أن التوبة إذا صحت بأن اجتمعت شروطها وانتفت موانعها قبلت بإذن الله تعالى، إذا وقعت قبل نزول الموت -مهما كان الذنب- وقبل طلوع الشمس من مغربها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فإذا بلغت الروح الحلقوم؛ فعند ذلك لن تقبل التوبة ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد سمعت -أختي في الله- الآيات حول المفِّرط إذا نزل به الموت ماذا يقول؟: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] فهل يجاب على هذا المطلب؟ لا. لأن الله سبحانه وتعالى حدد لهذا الإنسان عُمْراً، فالعمر محدود والأنفاس معدودة، وقد خلقه الله لعبادته وطاعته، وأرسل إليه الرسل وأنزل معهم الكتب لئلا يكون له على الله حجة بعد الرسل، عند ذلك يطلب الرجعة {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] فكم من امرأة إذا نزل بها الموت سوف تقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، لأن الأوقات ذهبت في السفور والتبرج، وفي المعاصي والسيئات، فهي تريد أن تصلح ذلك، ولكنَّ الله جل وعلا يقول: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] فلن يجاب على هذا المطلب. فيا أمة الله: الله الله في التوبة النصوح والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

قيام الليل

قيام الليل أيتها الأخوات في الله: إن مما اتبلي به كثير من الناس في هذه الأزمان المتأخرة، هذا السهر الطويل المفرط، والسهر يضيِّع ويفوِّت خيرات كثيرة مع الأسف الشديد، فإذا سهر الإنسان فاتت عليه أوقات الفضائل، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان أن يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله إلا أعطاه الله من خير الدنيا والآخرة، فإذا فوتنا هذه الأوقات في القيل والقال والأمور التي لا يرضاها الله عز وجل فقد فوتنا على أنفسنا خيرات كثيرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {إن أن الله جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الأخير فيقول: هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟}. أختي في الله: هل لك حظ من قيام الليل؛ لتدركين هذا الفضل العظيم، حتى تكوني من الذين مدحهم الله بقوله: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]؟ هل لك حظ من قيام الليل؛ لتحوزي على الفضل العظيم الذي أخبر الله به في الحديث القدسي حيث قال: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يقول صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]} وماذا كانوا يعملون؟ يا أمة الله! ارجعي إلى أول الآية وإذا ربنا يقول: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] فاحذري -يا أمة الله- من هذا السهر المفرط، وتوبي إلى الله عز وجل، واهتدي بهدي محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلي لك نصيباً من الليل، قومي آخر الليل، وصلي في تلك الساعة المباركة ليحصل لك الفضل العظيم.

التوبة من الغيبة والنميمة

التوبة من الغيبة والنميمة ومما ابتليت به كثير من النساء: الغيبة في المجالس فتجدين بعض النساء ليس لها هم إلا الغيبة، وأكل لحوم الآخرين قال صلى الله عليه وسلم: {رأيت ليلة أسري بي أقواماً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم} وتحدثت عائشة رضي الله عنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [[حسبك من صفية أنها كذا وكذا]]. يقول بعض العلماء: إنها قالت: قصيرة فتغير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضب أشد الغضب، وقال: {يا عائشة! لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته} أي: لغيرت لونه وريحه، فيا أمة الله! احذري من الغيبة فإن عاقبتها وخيمة، وإنها تقضي على الحسنات. واحذري يا أمة الله: من النميمة، فقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: {إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله} وأخبر صلى الله عليه وسلم عن النمام فقال: {لا يدخل الجنة نمام}.

التوبة من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم

التوبة من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم واحذري -يا أختي في الله- من قطيعة الرحم، واحذري من عقوق الوالدين، واحذري من السباب والشتام، وعودي لسانك على كثرة ذكر الله والتسبيح والتهليل، ثم اسمعي إلى هذه الحالة التي ذكرها بعض الأطباء، يقول: كانت امرأة مريضة مرض القلب فدخل الطبيب يريد أن يأخذ الأجهزة التي عليها لأنها قربت وفاتها، وقرب وقت انتقالها من هذه الدنيا، فلما اقترب منها الطبيب وإذا هي تفتح عينيها وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم بعد ذلك فاضت روحها وماتت رحمها الله، فتعجب منها الطبيب! وخرج من الباب وإذا بزوجها يقابله عند الباب، فقال: ما هي الأحوال؟ قال: أحسن الله عزاءك، ولكني رأيت منها أمراً عجبت منه! قال: ماذا رأيت منها؟ قال: وأنا آخذ الأجهزة منها وهي في آخر رمق فتحت عينيها وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فتعجبت من ذلك! قال: لا تعجب -يا أخي في الله- فهي معي منذ خمسٍ وثلاثين سنة ما تركت قيام الليل إلا من عذر الله أكبر! فيا أمة الله: الله الله في تقوى الله، الله الله في طاعة الله عز وجل، حتى إذا نزل بك هاذم اللذات، وجاءك ملك الموت، وكانت معك أعمال صالحة ترضي الله عز وجل. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا جميعاً توبةً نصوحاً، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أقر أعيينا وأفرح قلوبنا بصلاح أولادنا ونسائنا إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم وفق من سعى في هذه السلسلة واجعلها سلسلة مباركة، اللهم اجعلها سلسلة مباركة لمن قرأها وحضرها وسجلها ودعا إليها إنك على كل شيء قدير. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التذكرة بحال الدنيا والآخرة

التذكرة بحال الدنيا والآخرة لقد جعل الله هذه الحياة الدنيا داراً للابتلاء والامتحان، وحذَّر من الانغماس في ملذاتها والجري وراء حظوظها، وبيَّن حقارتها وسرعة زوالها، وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فعلى المرء المسلم ألا يغفل عما خلق له من عبادة الله تعالى، وعليه أن يكثر من التزود من الأعمال الصالحة، وأن يجعل الموت وقرب الرحيل نصب عينيه؛ فإن ذلك يعينه على التقلل من الدنيا والزهد فيها.

حقارة الدنيا وقصر الأعمار

حقارة الدنيا وقصر الأعمار إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال وقوله الحق: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16 - 17] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: {لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافراً شربة ماء} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يجعلنا نتبادل هذه التحية بدار السلام في الفردوس الأعلى. أيها الإخوة في الله: لا يخفى عليكم أمر الدنيا وحقارتها، فهي حقيرة لا تزن عند الله جناح بعوضة ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى منها كافراً شربة ماء، ويبين ذلك قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197] فهذه الدنيا وإن تمتعوا بها ليلاً ونهاراً فعمرها قليل، وإن أرغدت عليهم فستنقلب، ولكم في ذلك عبرٌ كثيرةٌ تمر ليل نهار عبر ما تشاهدون وتسمعون، ولكن كما قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. ما أكثر المواعظ يا عباد الله! وما أكثر العبر! ولكن ينقصنا شيء وهو زيادة الإيمان، فإذا زاد الإيمان وتحقق في قلوبنا، عرفنا حقارة هذه الدنيا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات} وهو حديث صحيح يروى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: {حجبت بالمكاره}. ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً: {ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ قال تحت شجرة، ثم تركها} هكذا الدنيا يا عباد الله! ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط على بطنه الحجر من الجوع؟ أليس هذا من حقارة الدنيا؟ بلى. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل الخلق عند الله على الإطلاق، فلو كانت الدنيا خيراً لما زواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، ويستضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً، ويرسل إلى إحدى زوجاته: هل عندك شيء؟ فتقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة وهكذا تسعة بيوت، كل واحدة تقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق. ثم هو يقول لـ عبد الله بن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} ثم يقول هذا التلميذ الذي تتلمذ على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]] وهذا يدل على أن عمر الدنيا قصير.

عمارة الدنيا لا تكون إلا بالأعمال الصالحة

عمارة الدنيا لا تكون إلا بالأعمال الصالحة المطلوب من العباد أن يعبروا هذه الحياة الدنيا، ويعمروها بالأعمال الصالحة كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] هل آمنا بهذا؟ إذا آمنا بهذا انكشفت عنّا الشكوك وانجلت عن قلوبنا، وما هي الشكوك؟ البعض من الناس يشك والعياذ بالله، فإذا قيل له: اتق الله، واعمر حياتك بطاعة الله، قال: أضيع المستقبل؟ ونحن نقول: هل عندك -يا أخي- قرارٌ معين يعين لك هذا المستقبل الذي سوف تعيشه؟ لا. ليس عندك هذا، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان:34] فافهم يا عبد الله! واسمع قول الله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] هل حققنا هذا؟ لا نقول: لا؛ لأن البعض فيه من الإيمان ما الله به عليم، أما البعض من الناس فلا حول ولا قوة إلا الله! ولقد سمعناهم يقولون: أثبتوا لنا وجود الله، فكيف صدرت منهم هذه الكلمة ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! لقد صدرت بتأثر من أعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يشنون على الإسلام والمسلمين حرباً شعواء، ولكن هل من مدَّكر يا عباد الله؟!

من أسباب قسوة القلوب البعد عن القرآن

من أسباب قسوة القلوب البعد عن القرآن البعض من الناس يقول: أنا لا يلين قلبي، ولا أخشع لسماع كلام الله ولا عند المواعظ، ثم نأتي نختبره ونقول: أين تقضي أوقاتك؟ فيقول: الظهر مع جريدتين، والعصر مع الكرة، وفي الليل عند التلفاز، وآخر الليل بقليل أو قبل أن يأتي النزول الإلهي عند الورقة، وهي التي تسمى"البلوت والكيكان" أجل فمن أين يأتي لقلبك الخشوع يا عبد الله؟! أما علمت أن أبعد القلوب من الله القلوب القاسية، وهي التي اشتغلت بغير ذكر الله عز وجل؟ عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الثالث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب من عنده ويقول: [[لو طهرت قلوبكم، ما شبعتم من كلام ربكم]]. وابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه لما سأله بعض الناس في زمانه، قالوا: إنا نريد أن نقوم الليل ولا نستطيع، قال لهم: [[قيدتكم معاصيكم، أو قيدتكم خطاياكم]] يقول بعض الصحابة الذين تتلمذوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب من كان في زمانه في القرون المفضلة، ويقول: [[إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات]] ولو رأى هذا الصحابي ما نحن فيه الآن، فماذا سيقول رضي الله عنه وأرضاه؟! في الحقيقة أن الكثير من المسلمين ابتعدوا عن تعاليم الإسلام، ابتعدوا عن القرآن، ابتعدوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن سيرة السلف الصالح، فمن أين يكون الخشوع؟ من أين يكون الخشوع يا عبد الله وقلبك وأفكارك مزاحمةٌ بتلك المنكرات التي ابتدعها لك أعداء الإسلام، والتي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خاطب الصحابة فقال: {إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار}. إذا كان هذا قد بيَّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً، فمن أين لنا العذر يا عباد الله؟! إذا أردنا أن تحيا قلوبنا، وأن نتقرب من الله عز وجل، فما علينا إلا أن نبحث عن العلاج. والعلاج يوجد في صيدلية معروفة أسسها محمدٌ صلى الله عليه وسلم فيها الشفاء من كل داء، ومن أعظمها وفي مقدمتها المعجزة الكبرى التي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن العظيم يا عبد الله! فأين قراءة القرآن من المسلمين؟! كنا نسمع قبل عشرين أو ثلاثين سنة في البيوت قراءة القرآن، وذكر الله عز وجل، أما الآن ماذا نسمع في بيوت المسلمين؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! أيها الإخوة في الله: علاج القلوب واضح وميسر وسهل ولله الحمد، ما عليك إلا أن ترجع إلا ربك عز وجل وتقرأ القرآن، وتتدبر معانيه، وتقف عند آياته وتتفكر فيها، ثم تطبق ذلك في حياتك؛ في سلوكك، في آدابك، في أخلاقك؛ لتكون قدوة للآخرين؛ لتكون قدوة في أهل بيتك، في جيرانك، في أولادك، في أقاربك، ولا تضجر ولا تضق من الذين استعانوا بالشيطان على أن يحرفوك عن الطريق المستقيم. يوجد الآن بعض الآباء -هداهم الله وردهم الله إلى دينه الصحيح، وردهم الله إلى رشدهم- يعاتبون الأولاد، ويشددون على الأولاد إذا رأوهم يصومون الإثنين والخميس، أو رأوهم يقومون الليل، ويشهِّرون بهم بين الأقارب، ويقول الأب: إنَّ ابني فلاناً أخشى عليه أن يصبح مجنوناً أو موسوساً! لماذا؟ لأنه يصوم الإثنين والخميس ويقوم الليل، الله أكبر! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس، أو الذين يصلحون ما أفسد الناس}. لقد كان لبعض الصحابة عندما أسلم والدة، وتقول له: لا أذوق الطعام والشراب حتى ترجع عن دين محمد -وهذا في بداية الإسلام، في غربته الأولى- فقال هذا الابن جزاه الله جنة الفردوس الأعلى: [[كلي أولا تأكلي، فوالله لو كانت لك مائة نفس تخرج واحدة واحدة، ما تركت دين محمد صلى الله عليه وسلم]]. هذا الإيمان يا عباد الله! هذا الإيمان الصحيح الذي رسخ في القلوب، لا تؤثر فيه مؤثرات الحياة، لا كما يفعل بعض الناس يستقيم شهراً أو سنة، ثم يصحب بعض قرناء السوء فيقولون له: أنت موسوس، أنت متزمت، نخشى عليك أن يصيبك الجنون، فيعمد إلى اللحية ويحلقها، وإلى الثوب ويطيله ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا ما يحدث من بعض جلساء السوء في هذه الدنيا.

الدنيا دار بلاء وامتحان

الدنيا دار بلاء وامتحان بسم الله الرحمن الرحيم {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:1 - 2] ويقول أيضاً: بسم الله الرحمن الرحيم {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] ما خلقت في هذه الحياة -يا عبد الله- إلا للابتلاء والامتحان، انظر إلى من قبلك من الأمم الذين ابتلاهم الله أما قرأت سورة البروج ثم رجعت إلى تفسيرها؟ تجد فيها حديثاً صحيحاً متفقاً على صحته، وفيه أنه كان للملك ساحر، وكان هذا الساحر قد كبر، فقال الساحر للملك: إنه قد كبر سني، وأريدك أن تبعث إليَّ غلاماً أعلمه السحر -وقصة الغلام طويلة- ولكنَّ الله جل وعلا أظهر هذا الغلام بقوة إيمانه حتى إن الملك بعثه مع رهط ليصعدوا به الجبل، فإذا وصلوا ذروة الجبل يلقوه منها، ماذا قال هذا الغلام؟ قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فسقطوا من الجبل، وجاء يمشي إلى الملك، قال: أين أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى. ثم بعثه في قرقورة -سفينة صغيرة- مع جماعة أخرى، وقال لهم: إذا توسطتم البحر، فاقذفوه فيه، فلما توسطوا البحر وأرادوا أن يقذفوه، قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، هذا الاتصال بالله عز وجل، لا يحتاج إلى مقدمات، ولا إلى واسطات، الله سبحانه وتعالى قريب، يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]. فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانقلبت بهم السفينة وجاء يمشي إلى الملك، قال: أين أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى، فهذه قوة الإيمان يا عباد الله! ثم يؤتى بأناس آخرين قد آمنوا، فيقال لهم: ارجعوا عن دينكم وإلا فعلنا بكم كذا وكذا، فلم يرجعوا، ويوضع المنشار على مفرق رأس الواحد فيشق نصفين وما يرده ذلك عن دينه. أما بعض الشباب -هدانا الله وإياهم لطاعته، ووفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه- لم يعلموا إلى الآن أنهم وجدوا في هذه الحياة الدنيا للابتلاء والامتحان، بمجرد ما يقول له الزميل أنت موسوس، أو مجنون، أو متزمت، يعمد إلى هذه اللحية التي كرمه الله بها، ثم يحلقها نعوذ بالله من الانتكاسة. وهكذا ما يحدث من بعض النساء هدانا الله وإياهن لما يحبه ويرضاه، وأسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين ذكوراً وإناثاً إنه على كل شيءٍ قدير.

دعوة للمرأة أن تكون عونا على الدين

دعوة للمرأة أن تكون عوناً على الدين ينبغي للزوجة المسلمة التي تؤمن بالله، وتؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، آيات الله وتسمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون عوناً لزوجها في هذه الحياة الدنيا، ليس عوناً له في جلب مصالح الدنيا فإن الرزق على الله، بل تكون له عوناً على طاعة الله تعالى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معناه: {رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ما كتب له، ثم أيقظ زوجته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ثم قال: ورحم الله امرأة قامت من الليل، فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء} رحم الله رجلاً، ورحم الله امرأة، هذه دعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {فاظفر بذات الدين تربت يداك} ويقول صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة} المرأة الصالحة التي تعينك على طاعة الله، تذكرك بالله، إذا ذكرت أعانتك، وإذا نسيت ذكرتك، تعينك على صلة الأرحام، تعينك على برِّ الوالدين وتذكرك بذلك، وترعى الأولاد وتربيهم تربيةً صالحةً إسلاميةً، حتى تكون أنت وهي في الجنة سواء، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21]. فينبغي للمرأة المسلمة أن تكون عوناً لزوجها على طاعة الله، وإذا رأت منه خللاً في بعض الأحيان كأن يميل إلى بعض المنكرات، تذكره بالله عز وجل، وتقول له: اتق الله، وإذا جن عليهما الليل، تقول: يا زوجي! يا زوجي! قم فأمامنا مفازةٌ طويلةٌ تحتاج إلى زاد، أمامنا سفرٌ بعيد يحتاج إلى زاد، قم -يا زوجي- لنصلي أنا وأنت حتى يذكرنا الله ويكتبنا مع الذاكرين الله والذاكرات، هكذا ينبغي للزوجة، وهكذا ينبغي للزوج أن يكون عوناً لزوجته على طاعة الله، والبعض من الناس يتعذر بأعذارٍ واهيةٍ، ويقول: أنا أعاني من المشاق، وأعاني من كذا وكذا، فهذا يدل على عدم صبرك يا عبد الله! والله عز وجل يقسم فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] هكذا ينبغي لك يا عبد الله! آمنوا، ثم اعملوا بطاعة الله، اعملوا الصالحات وتواصوا على ذلك بالحق، وتواصوا على ذلك بالصبر حتى تكونوا من الذين استثناهم الله من الخسران.

الحذر من الانغماس في الحياة الدنيا

الحذر من الانغماس في الحياة الدنيا واعلم أن من آثر الحياة الدنيا، فإن له وعيداً شديداً، وقبل أن نقرأ هذا الوعيد الشديد يقول البعض من الناس: أتريدنا أن نلزم المساجد، ونقضي وقتنا في ذكر وقراءة قرآن ونموت جوعاً، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضةً]]. نقول لك: أنت أفتيت نفسك جزاك الله خيراً، صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: [[السماء لا تمطر ذهباً ولا فضةً]] وأمرت ببذل الأسباب، ولكن الذي أريد منك، وأريد من نفسي المقصرة الأمارة بالسوء أن نقتصد في طلب الدنيا، وأن نجعل الدنيا في أيدينا ولا نجعلها في قلوبنا، وإلا فما مرضت القلوب وقست إلا لأن الدنيا نزلت فيها، وصارت الآخرة في أيدينا. نعم. {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16 - 17] فعليك -يا عبد الله- أن تستعين بالله عز وجل، وأن تفعل الأسباب، وأن تطلب الرزق الحلال كما قال بعض السلف رحم الله: خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن ثم يقول الشافعي رحمه الله: وما هي إلا جيفةٌ مستحيلةٌ عليها كلاب همّهنَّ اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها هذه الدنيا عرف قدرها السلف الصالح رحمة الله عليهم، فلماذا عمر رضي الله عنه وأرضاه يأكل خبز الشعير مع الزيت وهو الخليفة الراشد الذي مفاتيح خزائن بيت مال المسلمين بيده؟ ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وما شبع من الدقل يوماً؛ وهو رديء التمر؟ لماذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونةٌ على شعير عند يهودي؟ كل هذا لعدم الاعتناء بالدنيا، وهل ماتوا جوعاً قبل أن يأتيهم الأجل؟ لا. والله ما ماتوا جوعاً قبل أن يأتيهم الأجل، لو كان الجوع يميت أحداً لمات أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، يقول: [[كنت أخر صريعاً من الجوع، ويطوى عنقي ويحسبون أن بي جنوناً ووالله ما بي إلا الجوع]]. الله أكبر! الله أكبر يا عباد الله! ومع هذا فتحوا الفتوحات وحفظوا لنا ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما نحن ولا حولا ولا قوة إلا بالله! مع كثرة ما بسط لنا من زينة الحياة الدنيا تجدنا مقصرين في طاعة الله عز وجل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، وتقول له عائشة رضي الله عنها: {لمَ تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً} ثم يقول صلى الله عليه وسلم في موعظة: {لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً} وأيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: {كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر} أي: متى يؤمر بنفخ الصور. فيا عبد الله: قدر لهذه الدنيا قدرها، وأخرجها من قلبك، واحتقرها، واجعلها في يديك، واعمل واكتسب الأرزاق بقصدٍ، واعقد النية في عملك هذا أن تستعين به على طاعة الله عز وجل. يقول البعض من الإخوان: لقد كان بعض الصحابة أغنياء، فلماذا تُحذِّرون من الدنيا؟ فنقول له: تعال -يا عبد الله- لنجلس قليلاً حتى نرى ما هي حالة الصحابة رضي الله عنهم، هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه أتته قوافلٌ كثيرةٌ من العراق، وقد أصاب المدينة مجاعةٌ عظيمةٌ، فأتاه التجار يريدون أن يشتروها منه بثمنٍ كثير، فقال: قد بعتها، ويريد أنه باعها من الله عز وجل، الذي من تاجر معه ربح، هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، أما نحن، فأغنياؤنا يتحيَّنون فرص الغلاء فيدخرون ما عندهم حتى يحتكروه ويضيقوا الخناق على الآخرين، والبعض من الأغنياء يحارب الله ورسوله علانيةً بالربا، كل ذلك حباً للدنيا والدينار -نسأل الله العفو والعافية- ونسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ومن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرَّج الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ونسي قوله صلى الله عليه وسلم: {ومن يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة}. فهل تحققنا ذلك يا عبد الله؟ لو تحققنا ذلك وآمنا وملأ الإيمان قلوبنا لاشتقنا إلى الآخرة، واشتقنا إلى جنة عالية قطوفها دانية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تنسوا العظيمتين} وهل العظيمتان أمريكا والروس كما يزعم الناس؟ لا. العظيمتان: الجنة والنار يا عبد الله! تذكر الجنة والنار، تذكر إذا انصرف الناس هل يؤخذ بك ذات اليمين إلى الجنة، أو يؤخذ بك ذات الشمال إلى النار تذكر يا عبد الله!

التفكر في الموت يزهد في الدنيا

التفكر في الموت يزهّد في الدنيا ولن تتذكر ذلك حتى تتذكر هاذم اللذات، وتعرف أن الموت لا يستأذن على أحد، يأتيك على غرة وعلى حين غفلة، تجدك جالساً مع أهلك وأولادك متكئاً على الأريكة، فإذا بهاذم اللذات ينزل عليك، وتجمد العينان، ويشخص البصر وهيهات وحالك: ادع الطبيب، ولم أرَ الطبيب اليوم ينفعني، نعم يا أخي! أين فلان وأين فلان؟ فلان خرج في الصباح للعمل، وقد تجهز ولبس ما عنده من الزينة، ولما سار في الطريق، وقبل أن يصل العمل، وإذا بسائق طائش يجتاز الإشارة، ويصطدم به وإذا بالهاتف يرن: ألوه! أبوكم في الثلاجة، الله أكبر! كيف في الثلاجة، هل أبونا مات؟! نعم مات سبحان الله العظيم مات! والآخر بات في الليل وقد سمر مع الأصحاب وأكل وشبع، وأرادوا أن يوقظوه لساعة العمل، وإذا هو جثة هامدة مات فلان؟ مات فلان، يا أخي! إن الموت لا يعطي إنذارات، بل يأتيك على غرة. هل أنت شاكٌ في ذلك؟ اسمع قول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:35] هذا كلام الله عز وجل، هذا مرسومٌ رسمه ربنا جل وعلا، وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو موجود إلى الآن: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:35] نعم نموت، ولو كُنا في فلل ورفعنا السور، وأعمقنا للقواعد، ورفعنا القصور، نموت، وهذا من قول ربنا جل وعلا: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] فلماذا لا نستعد لهذا؟ ولماذا لا نعتبر؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة} قف على القبر الذي جلس عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى حتى بل الثرى، وقال: {هنا تسكب العبرات}. المهم -يا عبد الله- أنه مطلوب منك أن تستعد لهادم اللذات ومفرق الجماعات، وميتم الأطفال ومرمل النساء. قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] جاء ملك الموت لموسى كليم الرحمن فلطمه موسى ففقأ عين ملك الموت، فرجع الملك إلى الله عز وجل، فقال: إن عبدك موسى فقأ عيني، فقال الله: اذهب إلى عبدي موسى، ومره يضع يده على جلد ثور، فله بعدد الشعر سنين، أو كما ورد في الحديث الصحيح، ثم قال موسى: وبعد ذلك أموت؟ قال: نعم تموت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:25 - 27] احضروا الطبيب، اذهبوا به إلى البلدة الفلانية، اذهبوا به بطائرة خاصة، ولكن هيهات، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:27 - 29] مات فلان، مات فلان، جمدت العينان، سكت القلب، شخص البصر، ثم يستعدون به ويأتون بالمغسل والمكفن. ومع الأسف الشديد لقد سمعنا خبراً محزناً أن بعض المغسلين الثقاة لما أراد أن يغسل شاباً، يقول: انقلب أسود اللون، كان قبل أن يغسله أبيض فانقلب أسود اللون، وسأل والده عن ذلك، فقال: إنه لا يصلي. ثم يذكر لنا هذا الثقة أنه أراد أن يقبر شيخاً كبيراً -أي كبيراً في السن- وفي ساعة متأخرة من الليل، ولم يجدوا إضاءة يستضيئون بها حتى يدخلوه في اللحد، فلما كشف عن وجهه، سطع القبر نوراً، ورآه من كان خارج القبر، انظروا إلى الفرق يا عباد الله! كلهم عباد الله، وأن الله جل وعلا ليس يبنه وبين خلقه نسباً {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. ثم يوضع هذا في القبر، وهذا القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، ثم هذا في قبره قد فتح له باب إلى الجنة، وهذا فتح له باب إلى النار، هذا فرش له من فرش الجنة، وهذا فرش له من فرش النار، هذا عنده شاب حسن الثياب طيب الريح، وهذا عنده كريه المنظر خبيث الرائحة، فانظر الفرق -يا عبد الله- ووازن بينهما.

تذكر الآخرة يحث على العمل الصالح

تذكر الآخرة يحث على العمل الصالح ثم بعد هذه المدة التي يعلمها الله {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:34 - 36] اسمع الفرق يا عبد الله، وهذه الحياة التي قضاها في الدنيا انظر إلى عاقبتها في الآخرة: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37 - 39] وانظر على الآخر: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] ويكون ذلك إذا انتهت مدة الحياة، وأذن الله في خراب هذه الحياة الدنيا؛ لننتقل منها إلى دار الآخرة. ثم يقول الله جل وعلا في محكم البيان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج:1] أي: اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، اتقوا ربكم: تقربوا إلى الله بطاعته، أطيعوا الله، وعظموا أوامره، واجتنبوا نواهيه. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج:1] لأن أمامكم هولاً عظيماً {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. عباد الله: إنها لحظات عظيمة، في ذلك الموقف العظيم يقول تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] وجهنم يقول عنها صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} اضرب -يا عبد الله- سبعين بسبعين ألف، الله أكبر! إنها نار وقودها الناس والحجارة، في يوم القيامة في ذاك الموقف العظيم الرهيب، الذي يحتاج الناس إلى من يشفع لهم عند ربهم جل وعلا لينزل الله جل جلاله ليقضي بين العباد، ليستريحوا من ذلك الموقف. ولكن تلك الشفاعة يعتذر عنها ويبتعد عنها أولوا العزم من الرسل، كلهم يقول: نفسي نفسي، ثم يرجع الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الموقف العظيم أناس اختصهم الله بكرامات عظيمة، أتدري ما هي يا عبد الله؟ هي أن يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، الله أكبر! ولكن أسفٌ على الشباب الذين يضيعون هذه الفرصة، وهم الذين عدَّهم الرسول في الدرجة الثانية بعد أن قال: {إمام عادل} ثم قال: {وشاب نشأ في طاعة الله} فيا أيها الشاب! لا تضيعوا هذه الفرصة. نعم. إنهم سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ثم يأتينا تحذير بيّنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة يقول: {يَرِدُ أقوام من أمتي الحوض، ثم تردهم الملائكة فأقول: أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك}.

نصيحة في المداومة على العمل الصالح وترك البدع

نصيحة في المداومة على العمل الصالح وترك البدع فيا عبد الله: ويا عباد الله جميعاً! إياكم ومحدثات الأمور! واللهَ اللهَ في طاعة الله، فوالله إن عمر الدنيا قصير، فلماذا لا نشغل أوقاتنا بقراءة القرآن، وطلب العلم النافع، وذكر الله عز وجل، ونوافل العبادات؟ لماذا لا نملأ هذه الخزائن التي سوف نجدها يوم القيامة؟ إما أن تجد في هذه الخزائن خيراً، وإما أن تجد فيها شراً يا عبد الله! يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم: {من صلى لله في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً من غير الفريضة، بنى الله له بيتاً في الجنة} فكيف تضيع هذا الفضل يا عبد الله؟! ومع الأسف الشديد نرى من الناس الذين يصلون، يقولون: نريد إماماً يعجل في الصلاة، لماذا؟ لأننا نضيق في المسجد، نريد إماماً يقيم في المكبِّرة حتى نأتي ونصلي هذه الفريضة ونخرج، الله أكبر يا عبد الله! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أجل -يا عبد الله- إنك لم تخلق عبثاً {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] خلقك الله لطاعته، خلقك الله لعبادته، وقد تكفل برزقك {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] فلماذا -يا عبد الله- هذا الانشغال في الدنيا؟ اثنتا عشرة ركعة تطوعاً من غير الفريضة، يبنى الله لك بها بيتاً في الجنة. ثم يقول في حديث، قال عنه رواة الحديث: إنه حسن صحيح: {من حافظ على أربعٍ قبل الظهر، وأربع بعدها، حرمه الله على النار} الاثنتا عشرة ركعة هي: أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء ركعتان قبل صلاة الغداة، يعني: قبل صلاة الفجر. واعلم -يا عبد الله- أن ركعتي الفجر التي هي النافلة خير من الدنيا وما فيها، فهاتان الركعتان تقرأ فيهما (قل يا أيها الكافرون) (وقل هو الله أحد) فهما خير من الدنيا وما فيها، فلماذا -يا أخي- نضيع هذا الفضل؟! ثم إن البعض من الناس لا يهتم بالصف الأول الذي حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبعض من الناس لا يهتم بكثرة الخطى إلى المساجد، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة يا عبد الله! يرفع لك بالأولى درجة، ويحط عنك بالثانية خطيئة. يا أخي: إذا أردت أن يحيا القلب وينتفع بالمواعظ، فبادر بالأعمال الصالحة؛ لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، انظر إلى بعض الناس عندما يستقيم، في البداية تجد عنده رغبة وتجد عنده اشتياقاً لطاعة الله عز وجل، لكن ينبغي -يا عبد الله- أن تبادر إلى طاعة الله عز وجل. أسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والتمسوا لهذا الفقير المسكين إلى الله، التمسوا له عذراً لقلة علمه وقلة تعبيره، فالمؤمن مرآة أخيه يستر على أخيه العيوب، ولا يفشيها ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، وأسأل الله أن يجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

أسباب تقوية الإيمان

أسباب تقوية الإيمان Q فضيلة الشيخ! ما هي الأسباب التي تقوي الإيمان؟ A بسم الله الرحمن الرحيم، وقد أعلنت قبل هذا في جلسة مع الإخوان أني لست مفتياً، ولكن هذا السؤال مرَّ بنا كثيراً ونسمعه من بعض العلماء جزاهم الله خيراً، وقد سمع السائل هذا -جزاه الله خيراً- الإجابة عليه في أثناء الكلمة التي مضت، ويعرف أن العلماء رحمهم الله يقولون: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وهذا شيء مجرب ومعروف، انظر الآن -كما قلت لكم سابقاً- أول ما يستقيم الإنسان تجد عنده رغبة؛ لأن الإيمان عنده قوي، فعنده رغبة، ويبادر إلى الأعمال، ثم لا يزال بمقارنة بعض الناس -نسأل الله العافية- الذين لا يعينونه على طاعة الله، يقولون له: يا أخي! الدين يسر، صحيح -والحمد لله- الدين يسر، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيقولون له: يا أخي! الدين يسر، صيام وصلاة وقيام، الحمد الله، فالله فرض علينا الفريضة، وإذا أدينا الفريضة يكفي، سبحان الله العظيم! ثم هذا المسكين ينحط عزمه ويترك ما كان يعمل، تجد له في الصباح ورداً يقرأ القرآن، ويذكر الله ويسبح ويهلل ويحمد الله، وتجد بعض الإخوان أول ما يستقيم لا يخرج من المسجد إلا إذا طلعت الشمس، ثم يهون عليه هذا المسكين، ثم تجده في نهاية الأمر يتخلف شيئاً فشيئاً، ثم يعتذر بالجواب الذي أعطاه له السابق، ويقول له: يا أخي! الحمد لله الدين يسر. وكما قلت لكم: إن الدين يسر ولله الحمد؛ لكن يا أخي أننا لا نرى في الصف الأول في بعض المساجد من أهل الخير الذين نحسن الظن بهم نعم، لا نجد هذا غالباً؛ إنا لله وإنا إليه راجعون! فلماذا؟ لأن بعض الإخوان يأتيه الشيطان يقول له: احذر الرياء! لأن الرياء يدخل وأنت لا تعرف، ثم المسكين يترك النوافل يقول: أخشى من الرياء، فترك العمل من أجل هذا القائل، وترك العمل للناس رياء والعياذ بالله فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. وبعض الناس يتصور في صورة شيطان والعياذ بالله ويقف حجر عثرة في طريق من أراد أن يهتدي، أو من أراد أن يلتزم الطريق المستقيم، ثم يأتيه بحجج واهية والعياذ بالله، ويبعده عن صراط الله المستقيم، أو يجلب عليه من أقاربه، ويقول: افطنوا لفلان ربما يوسوس، أو يصيبه خبل، إني أراه يجلس في المحاضرات، إني أراه يصوم الإثنين والخميس، حتى إن شاباً أتى إليّ وقال: إن أبي يضربني، لأني أصوم الإثنين والخميس، إنا لله وإنا إليه راجعون، يضربه حتى يفطر ولا يصوم الإثنين ولا الخميس. فهذا -يا إخواني- من الردى والعياذ بالله، ومن عدم التعاون على البر والتقوى، فيجب على المسلمين جميعاً أن يتعاونوا على البر والتقوى، وإذا رأوا من التزم الطريق، يقولون له: يا مسكين! ما بلغت ما بلغ السلف الصالح ولو قليلاً، لو نرجع إلى سيرة السلف الصالح رحمة الله عليهم، لرأينا الفرق بيننا وبينهم واسع، فبيننا وبينهم بونٌ عظيم، أعندما تتقدم للمسجد أو تقرأ شيئاً من القرآن تكون متزمتاً أو متجمداً؟! هذا والله من أسباب الخذلان والتخاذل والعياذ بالله، فيا أخي! لا تلتفت إلى دعاة السوء، ولا تلتفت إلى المعرضين الذين يريدونك أن تكون معهم في الانحطاط والعياذ بالله، بل شمِّر في طاعة الله عز وجل، واستعن بالله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لو أمرك أبوك، أو أمك أن تعصي الله، وأن تبتعد عن طاعة الله، فلا تطعهما، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف، فعليك يا أخي! بمجالسة الصالحين والبحث عن حلق الذكر، والإكثار من قراءة القرآن، والإكثار من نوافل العبادات، والإكثار من ذكر الله عز وجل، وسوف تجد لذلك إن شاء الله ثمرةً طيبةً ويحيا قلبك بإذن الله؛ لأن الإيمان في القلب مثل الشجرة إذا تواصل عليها الماء، حيت هذه الشجرة ونمت، وإذا انقطع عنها الماء يبست، فعليك بما ينمي هذه الشجرة من مجالسة الصالحين، ومن حلق الذكر وكثرة القرآن، واحذر أن تجالس الذين قست قلوبهم، والذين لا هم لهم إلا النكت وكثرة الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسِّي القلوب، وأبعد القلوب من الله القلوب القاسية، أسأل الله أن يقوي إيماننا إنه على كل شيء قدير.

الطريقة المثلى للوصول إلى الخشوع

الطريقة المثلى للوصول إلى الخشوع Q هذه أسئلة أصحابها يقولون: إنا نحبك في الله يا شيخ/ عبد الله، وكلهم يسألون عن الطريقة المثلى للوصول إلى الخشوع في الصلاة؟ A أحبكم الله الذي أحببتموني فيه، وأسأل الله أن يظلنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله إنه على كل شيء قدير، وأسباب الخشوع في الصلاة هو أن يفرِّغ الإنسان قلبه قبل الدخول في الصلاة، يفرغ قلبه من الشواغل، ويقبل على الله بقلبه وبقالبه، ويتدبر القرآن، ويصغي قلبه وسمعه لآيات الله إن كانت الصلاة جهرية، وإن كانت الصلاة سرية فهو أعرف بذلك كيف يتدبر معاني الآيات ويحضر قلبه عند الآيات التي يقرؤها وعند ذلك إن شاء الله يحصل الخشوع بإذن الله ويستعين بالله على ذلك.

أسباب الانتكاسة

أسباب الانتكاسة Q ما أسباب انتكاس الشباب؟ A أسباب انتكاسة الشباب كثيرة، وهذه هي التي أشغلتنا الليل والنهار؛ نفكر فيها ونبحث عن العلاج، ولكن أنا أضرب لكم مثلاً: بعض القلوب الآن مثل خزان الماء الذي ترك بالفلاة مدة، ترك في البر، فهذا يأتي ويرمي فيه عجلة سيارة، وهذا يأتي ويرمي فيه (خيشة) وهذا يأتي ويرمي فيه جيفة، وهذا يأتي ويرمي فيه كذا، هذه القلوب الآن مثل الخزان، فيها التمثيليات والأفلام والمجلات والجرائد، هذه مثل جيفة، ومثل (الخيشة) ومثل عجلة السيارة، وغيرها وضعت في هذه القلوب، وصارت القلوب والعياذ بالله مزدحمةٌ بهذه البلوى، ولا تحمل شيئاً من ذكر الله، ولا من آيات الله، لقد اتصل بي شاب -وأبشركم أنه اهتدى ولله الحمد- يقول: كنت منذ التاسعة من عمري وأنا أجلس عند الأغاني، يقول: ولما بلغت الثامنة عشرة من عمري، كنت إذا سمعت الأغنية، صار عندي قشعريرة وبكاء وخشوع والعياذ بالله وإذا دخلت المسجد، يقول: أضيق حتى أخرج من المسجد أحياناً. صدق ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله يقولان: لا يجتمع القرآن والغناء في قلب المؤمن، فقلبك هذا وعاء يا أخي! نعم. عندك الآن قدر تضعه على النار تأتي بقالب ثلج وتضع ماء تنضج لك قطعة لحم، متى تنضج هذه اللحمة يا عبد الله؟ إذا كان هذا قالب ثلج، وهذه لحمة ما تنضج، هذا يضاد هذا، والغالب يطرد هذا، إما أن الثلج يغلب على هذه اللحمة ولا تنضج أو العكس. فيا أخي: تعاهد قلبك بالقرآن، واحفظ سمعك {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] أنا أحذركم ونفسي من مشاهدة الأفلام، ومن مشاهدة التمثيليات، وأحذركم ونفسي من استماع الغناء، ومن قراءة المجلات الخبيثة التي رسموا عليها الفتاة الصناعية؛ ليجتذبوا بها قلوب بعض الناس والعياذ بالله. انظر أعداء الإسلام من الذي يساعدهم ويخطط لهم؟ إنه الشيطان وهو الذي أخرج أبانا من الجنة، وأبونا تاب الله عليه ومرجعه إلى الجنة، ولكن هذا الخبيث الذي أخرج من ملكوت السماء وطرد منها مآله إلى النار، فهو حاقد علينا يريد أن يدخلنا معه في النار، فهو إذاً يخطط لأعداء الإسلام تلك المخططات التي تأتي لنا ليلاً ونهاراً، وملأت البيوت، فإذا أردنا أن تنظف قلوبنا، ننظف الخزان -الذي قلت لكم- من هذه الشوائب نزيل (الخيشة) وعجلة السيارة والجيفة، وهي المجلة والتمثيلية والفيلم، ثم إن شاء الله تصبح القلوب واعية، وتستقبل ما يلقى إليها من المواعظ. وأخبركم أن الشاب الذي ذكرت لكم في التاسعة عشرة من عمره -انظروا كيف هداه الله، الله قادر سبحانه وتعالى ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء- يقول: دخلت في مجال عملي أراود امرأة فلبينية، يقول: أريد أن أفعل بها جريمة الزنا، يقول: ولما أقبلت إليها متحمساً، أريد أن أقول لها، وإذا هي تقول: فلان! أريد أن تشرح لي عن الدين الإسلامي، الله أكبر! يقول: وإذا أنا أصدم بصدمة، فأنا أريد أن أراودها للزنا وهي تقابلني وتقول: أريدك أن تشرح لي عن الدين الإسلامي، سبحان الله العظيم! الله أكبر! وإن من العصمة ألا تقدر على المعصية، الحمد لله، يقول: بينت لها الذي أعرف، يقول: أنا لا أعرف شيئاً كثيراً، أنا درست في الابتدائية أركان الإسلام، وعرفت لها شيئاً، لأنه يجيد اللغة، يقول: واشتاقت إلى الإسلام، وانظروا يا إخواني! إنما الأعمال بالنيات، هو يقول: حتى أنا فرحة فرحت مع الخجل، أنها قالت: اشرح لي عن الإسلام، يقول: وبينت لها عن الإسلام، واشتاقت إلى الإسلام، وأعلنت إسلامها ولله الحمد، والآن هو ولله الحمد يبحث في الطرق الخيرية، وهو الآن يجمع من الكتب الدينية، وأخبركم أنه في إقبال على طاعة الله. أسأل الله أن يثبتنا وإياه يقول: إذا ذكرت حالتي الأولى، جعلت أبكي، فالحمد لله، وهذا من فضل الله {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125] الله عز وجل أخبرنا وهو لا يخلف الميعاد: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. يقول بعض الناس: أنا أريد الله أن يهديني، نقول له: حسناً! ابحث -يا أخي- عن طرق الهداية، إذا مرض عندك مريض هل تتركه في البيت؟ لا. بل تقوم وتذهب به إلى الطبيب الفلاني، ثم يذكر لك طبيب في البلد البعيد، يقول: هيا أعطنا تذكرة إلى البلد الفلاني، كل هذا لماذا؟ تبحث عن العافية من الله عز وجل، ثم من الطبيب لهذا المريض، فأنت لماذا لا تبحث عن الهداية يا عبد الله؟ توجد عند الله عز وجل، ولكن لها أسباب، ومن أسبابها: أن تبحث عن حلق الذكر، وعن مجالسة الصالحين، وعن الإكثار من قراءة القرآن، وترجع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكثر من ذكر الله عز وجل، ومن الاستغفار. يقول بعض الناس: أنا عشت مدة طويلة مع الأفلام، فلذلك أضيق أحياناً لماذا؟ نقول له: ارجع إلى قول الله عز وجل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ارجع إلى ذكر الله عز وجل، ولقد ذكر لنا أن رجلاً لا ينام إلا على المخدرات، لا ينام إلا بالحبوب المخدرة، وبعضهم بمجرد ما يضع رأسه على الوسادة، ويقول: بسم الله ويسبح ويهلل، وإذا النوم داخل عيونه، ثم أتى إليهم، وقال: لماذا أنتم تنامون وأنا لا أنام إلا بحبوب مهدئة؟ أولاً: دعوه إلى الإسلام، وهداه الله عز وجل، وأخبروه بالأدعية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم كالتسبيح والتحميد والتكبير يسبح الله ثلاثاً وثلاثين ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر الله أربعاً وثلاثين، فجعل يعمل بهذا، فما يكملها إلا وهو نائم، انظروا يا عباد الله! كان قبل لا ينام إلا بالمخدرات -نسأل الله العافية- والآن لما رجع إلى الله عز وجل، وإلى ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، صار ينام على مجرد ذكر الله عز وجل. فأسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير.

الطريقة في التخلص من الوسوسة

الطريقة في التخلص من الوسوسة Q كيف أستطيع أن أتخلص من وساوس الشيطان في الأعمال، حيث يوسوس لي بأن في عملي هذا رياءً أو سمعة؟ A يا أخي! والرسول صلى الله عليه وسلم قال قبل ذلك: {إنما الأعمال بالنيات} فأنا أخبرك بطريقة إن شاء الله إذا سلكت هذه الطريقة؛ سلمت من الرياء بإذن الله. أولاً: تدعو بالدعاء الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه}. ثم يا أخي! لا تنظر في أعمالك إلى مدح الناس ولا إلى ذمهم، بل يكون عندك المادح والذام سواء؛ لأنك تعمل هذا العمل لله عز وجل، إذاً لا يضرك الناس، ولا ينفعونك، فأقول لك يا أخي: الطريقة أنك تعيِّن لك قراءات مثل: أن تقرأ قبل أن تدخل المسجد بعض الإخوان يقولون: بدعة، الإخوان جزاهم الله خيراً يريدون العثرات ويريدون العيوب نسأل الله أن يهدينا وإياهم، فأنا بمجرد اجتهادي إن شاء الله، وليس أقول طريقة، أو سنة فأنا أعرف كثيراً من الإخوان جزاهم الله خيراً يريدون العثرات، ويبحثون عن عيوب إخوانهم نسأل الله العافية، فأنا أنصح إخواني المسلمين، أقول لهم: إذا رأيتم من أخيكم نقصاً أو عيباً فاتصلوا به سراً، وأخبوره ولا تشهروا به على رءوس العالمين، أو في المجالس: إن فلاناً قال كذا، وقال كذا، ثم والعياذ بالله تكون بغضاء وشحناء بين الناس، فتكون نماماً والعياذ بالله، والنمام لا يدخل الجنة. أحذرك يا عبد الله! من هذا، كلٌ يخطئ ويصيب، فأقول لك الطريقة أنك إذا أردت أن تدخل المسجد تعين أنك إن شاء الله تصلي أربع ركعات، تقول: أقرأ في الركعة الأولى مثلاً تبارك، والثانية نون، والثالثة الحاقة، والرابعة سأل سائل، فأنت تقوم في صلاتك عندما ابتدأت الركعة بقراءة تبارك، فلو جاءك الشيطان، وقال لك: إن فلاناً ينظر إليك ويقول: والله هذا مطوع يطول بصلاته، ارجع إلى نيتك الأولى وهي أنك نويت أن تقرأ سورة تبارك، أو جاءك الشيطان يقول لك: لا تراءِ الناس انظر إلى نفسك وارجع إلى نيتك الأولى أنك أردت أن تقرأ سورة تبارك، فعند ذلك بإذن الله مع هذه المجاهدة يحصل لك ما أردت، ولا تلتفت إلى أحد أبداً {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] وإنما الأعمال بالنيات. إنما المصيبة يا عبد الله! هي أنك إذا دخلت المسجد، وبدأت في النافلة ثم كبرت تريد أن تقرأ (والضحى والليل إذا سجى) إذا بجانبك رجل ترى أن عنده نوعاً من التوظيف، ثم تقول: هذا ينظر ويقول: هذا يطِّول في الصلاة، ثم يقرأ من الضحى إلى سورة عمَّ، فهذا هو الرياء والعياذ بالله نعم، هذا هو الرياء فقد تحولت نيتك من هذا إلى هذا، فاحذر هذا! واعمل بالأسباب التي إن شاء الله ينجيك منها، والله أعلم بنية عبده. أحد الإخوان جزاه الله خيراً علق على شريط هادم اللذات، وقال إن فيه كذا وكذا، وأنا لا أدافع عن الشريط، ولا أتعرض لأخي جزاه الله خيراً بكلمة، ولكن المشايخ جزاهم الله خيراً يقولون: إن الشريط عرض على الشيخ ابن جبرين جزاه الله خيراً، وسمعه من أوله إلى آخره، وقال: ليس به بأس، ومن قال فيه شيء فليتصل به، وأنا أخبره، وكذلك عرض على الشيخ/ عبد العزيز جزاهما الله خيراً وقال: لا بأس به، ولقد صارت ضجة عند مسجدنا لما تكلم هذا الأخ وكادوا يقتتلون والعياذ بالله، هذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، لأن الأخ جزاه الله خيراً شهَّر بهذا الشريط، وصارت فوضى، فالأخ جزاه الله خيراً، لو كان -مثلاً- اتصل بتسجيلات التقوى وتفاهم معهم حتى يقنعوه، أو يقنعهم هو وتكون المسألة سراً ودعوة إلى الله عز وجل. ثم يا أخي! الناس فيهم بلاء أكثر من هذا الشريط، لماذا لا نبين لهم الفيلم الفلاني الذي يحارب الله ورسوله ويحارب حدود الله، لماذا لا نقول لهم إن هذا الفيلم فيه كذا وكذا، والتمثيلية فيها كذا وكذا، والأغنية الفلانية فيها كذا وكذا؟ هذه التي تضر المسلمين، أسال الله أن يهدي ضال المسلمين.

حول صيام شهر شعبان

حول صيام شهر شعبان Q هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صام شهر شعبان؟ A ما ورد عنه أنه استكمل شعبان، ولكنه صام أكثره صلى الله عليه وسلم، أما هو لم يستكمله صلى الله عليه وسلم، ومع الأسف الشديد ما تسمعون في هذه الأيام الرجبية -نسأل الله العافية- فهي بدعة محدثة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسأل الله جل وعلا أن يبصر المسلمين في دينهم، وأن يردهم إليه رداً جميلاً، وتسمعون في إذاعات بعض المجاورين لنا ما يقيمونه من الاحتفالات في المساجد بالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ثم إذا انتهوا من أحاديثهم ومن قصائدهم يقولون: تغنيكم المغنية فلانة، ثم تأتي بموسيقيتها وصوتها ولا حول ولا قوة إلا بالله، الله المستعان! الله المستعان! الله المستعان! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، فاحذروا -يا إخواني- هذه البدع وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.

سبب ذهاب الحماس بعد الموعظة

سبب ذهاب الحماس بعد الموعظة Q فضيلة الشيخ! عندما تتكلم يأتينا حماس للعمل والجد والاجتهاد، وعندما نخرج من المحاضرة نتقاعس، فما العلاج؟ A السبب هو أننا لا نواصل مجالس الذكر، فأضرب لك مثلاً يا أخي: اغرس نخلة واسقها أول مرة، ثم اتركها أسبوعاً، تجدها يابسة، ولا تستفيد هذه النخلة، والوعظ للقلب مثل الغيث للأرض بإذن الله، الغيث إذا نزل على الأرض أنبتت، وأحياها الله بهذا الغيث، فكذلك الوعظ ينبغي لك يا أخي أن تتعاهد قلبك، وإذا غفلت فأكثر من الاستغفار؛ كما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: {والله إني لأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة} فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة، فكيف نحن يا عبد الله؟ فعليك -يا أخي- أن تتعهد قلبك بالمواعظ، ومجالسة الصالحين، عليكم بحلق الذكر، ابحثوا عن حلق الذكر جزاكم الله خيراً ووفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أحيوا هذه السنة التي اندثرت من بعض المساجد، فإنها لا توجد إلا قليلاً، نشطوا أئمة المساجد ليقيموا حلق الذكر. والله إني سألت رجلاً وهو من أهل نجد، قلت له: كم أركان الإيمان؟ قال: والله لا أعرف، رجل من أهل نجد، هذه التي كانت تُدَّرس في المساجد قبل سنين قليلة وهذا يقول: لا أعرف كم أركان الإيمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وهذا يدل على بعد الناس وانشغالهم بالدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله! فينبغي لنا -يا إخواني- أن نقلل من الإقبال على هذه الدنيا، ونقبل على الله عز وجل، ونثق تمام الثقة أن الأرزاق بيد الله عز وجل، ثم نثق أن رزق الله لا يأتي به حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره، ثم نؤمن بوعد الله وبوعد رسوله صلى الله عليه وسلم أننا إذا عملنا كذا؛ فلنا من الأجر كذا وكذا، إذا آمنا بهذا وصدقنا، فإنه يكون عندنا الحماس والمبادرة إلى العمل. إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كأنه أعتق عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكان في يومه في حرزٍ من الشيطان، ولم يأت أحد يوم القيامة أفضل منه إلا إنسان قال أكثر منه} هذا فضل عظيم يا عبد الله! وهي لا يحتمل وقتها خمس عشرة دقيقة. ثم في حديث صحيح أيضاً: {من قالها عشر مرات، فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل} أو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سبحان الله وبحمده مائة مرة، تغفر لك خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر، ثم الذكر بعد الصلوات. المهم -يا عبد الله- أن تؤمن بوعد الله وبوعد رسوله، ولا تنس العظيمتين، لا تنس الجنة والنار، لا تنس المنصرف الأعظم الذي لما دخل عمر بن عبد العزيز من صلاة العشاء وجلس في محرابه سمع له بكاء، واشتد بكاؤه حتى بكى أهل بيته، ثم بكى الجيران، فدخلوا عليه وسألوه: لماذا تبكي يرحمك الله؟ قال: ذكرت منصرف الناس يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير، فجعلت أبكي؛ هذا أمرٌ عظيم يا أخي! فريق في الجنة وفريق في السعير. نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، وألا يجعلنا من أهل السعير، وأسأل الله أن يرزقنا إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا ويقيناً صادقاً، ويرزقنا إخلاص العمل لوجهه الكريم، اللهم ارزقنا إخلاص العمل لوجهك الكريم، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أثر الإيمان بالله واليوم الآخر

أثر الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان هو بلسم الحياة، ولاشك أنه يترك آثاراً إيجابية في حياة الفرد والمجتمع، وينال الإنسان أعظم ثماره في الآخرة. والشيخ في حديثه هنا عن الإيمان عموماً وعن الإيمان بالآخرة خصوصاً يذكر مراتب الدين ومنها الإيمان، ويتحدث عن صفات ذلك اليوم الآخر وأحوال الناس فيه. وفي إجاباته عن الأسئلة يطرق عدداً من المواضيع يغلب عليها حديثه عن المعاصي والتوبة.

مراتب الدين

مراتب الدين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الإخوة في الله! أحييكم بتحية الإسلام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا نتبادل هذه التحية في دار السلام. أيها الإخوة في الله! وفي بيتٍ من بيوت الله لنتذاكر ركناً عظيماً ألا وهو الركن الخامس من أركان الإيمان الذي قال فيه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: مراتب الدين ثلاثة: الإسلام، الإيمان، الإحسان. وكل مرتبةٍ لها أركان، فأركان الإيمان ستة، وأركان الإسلام خمسة، والإحسان ركنٌ واحد، أخذها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء به جبريل وبحضرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولما انتهى جبريل عليه السلام من سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه المراتب المهمة، قال للصحابة: {أتدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم}. فينبغي للمسلم أن يحرص كل الحرص على تعلم هذه المراتب التي بينها شيخ الإسلام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جناته إنه على كل شيء قدير حيث بين ذلك، ولقد حصل لي في مجلس أن سألت عنها بعض الإخوان، ومع الأسف الشديد فكل منهم يعتذر أن يعرف كم أركان الإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اعتذر أن يجيب عن هذا السؤال، ويقول: عذره هذه الغفلة، وهذه الدنيا شغلتنا، فهل هذا العذر يفيده أمام رب العالمين يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون؟ لا. والله لا يفيده ذلك، والمجال مفتوح، والعلماء بكثرة -ولله الحمد- في كل مسجد من مساجد المملكة، كلها تزخر بالعلماء الذين تعلموا العلم، وهذه يعرفها أبناؤنا الصغار الذين يدرسون في الرابعة الابتدائية، فلو سئل أحدهم عنها لأجاب إذا كان متربياً على الدين، أما إذا كان متربياً على الملاهي مثل: الأفلام والتمثيليات، والشوط الأول والشوط الأخير، فإنه ربما يتلعثم ولا يجيب. وهذه مصيبة يا عباد الله! أصيب بها المسلمون من وجود آلات اللهو في البيوت، حيث أعرض الكثيرون عن ذكر الله، صدتهم عن ذكر الله وعن القرآن العظيم، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يردنا إليه رداً جميلاً.

صفات اليوم الآخر

صفات اليوم الآخر أيها الإخوة في الله! لقد جمعت في وريقات صفةً لليوم الآخر، وقد طلب مني بعض الإخوان أن أقرأها على نمط آبائنا الأولين فأريد أن أقرأها عليكم قراءة تليق بالموعظة، أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. يا عباد الله! هل تدرون ما اليوم الآخر؟ هو يا عباد الله يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:18 - 20] إنه يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:38 - 40].

نفخة الصعق ونفخة البعث

نفخة الصعق ونفخة البعث يوم القيامة، يوم تشقق فيه السماء بالغمام، قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:25 - 26] الذي قال وقوله الحق: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] ثم يأمر الله جل وعلا إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد إله الأولين والآخرين الحي الذي لا يموت أبداً ينفرد بالديمومة والبقاء، وهو القائل جلت قدرته: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ثم يقول جل جلاله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه، فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] ثم يحيي ربنا جلا وعلا إسرافيل، ويأمره أن ينفخ في الصور نفخة البعث التي قال الله فيها: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]. تذكر يا عبد الله! إذا قمت من قبرك تنفض التراب عن رأسك مجيباً لداعي الله {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44].

أحوال الناس في المحشر

أحوال الناس في المحشر إنه يوم القيامة الذي قال الله فيه: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] إنه يوم القيامة، يوم الطامة الكبرى، يوم الصاخة، يوم القارعة، يوم الحاقة، يوم الزلزلة، يوم الواقعة، يوم الكرب والغم، يومٌ تشقق فيه السماء وتنتشر فيه الكواكب، يومٌ تطمس فيه النجوم، فيذهب ضوؤها وتفجر البحار، يومٌ يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً، قالت عائشة: النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض}. إنه موقفٌ عظيمٌ طويلٌ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم} في ذلك اليوم العظيم، يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه, ومنهم من يكون إلى حقويه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً}. ولكن في ذلك اليوم العظيم، في ذلك اليوم الرهيب سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه}. أيها المسلمون! سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله في ذلك اليوم العظيم، ما هو ذلك اليوم العظيم؟ اسمع يا عبد الله! قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام؛ مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} في ذلك اليوم الرهيب تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت. كرر يا عبد الله اسم هذا اليوم إنه يوم القيامة، يوم الطامة الكبرى، يوم الصاخة {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] يوم القيامة {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] يوم القيامة يوم ينقلب فيه العالم ويتغير {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]. اسمع يا أخي: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] ولكن لا يفيدها الندم يوم القيامة.

نطق الجوارح ونصب الموازين

نطق الجوارح ونصب الموازين يوم القيامة، يوم تخرس فيه الألسن، وتنطق فيه الجوارح، نعوذ بالله من الخزي والندامة، ما بالك إذا نطق الفخذ ونطقت القدمان، ونطقت اليدان، ونطق الجلد، وقالت: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ} [فصلت:21]. عباد الله! تفكروا في الميزان حين ينصب، وتشخص الأبصار ينادي بلسان طلق: هذه حسنات فلان بن فلان، وهذه سيئاته، لسان الميزان يميل إلى جانب الحسنات، أو إلى جانب السيئات، ثم تفكروا في قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:102 - 104] {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:7 - 11].

توزيع الشهادات

توزيع الشهادات في ذلك اليوم العظيم يعطى كل إنسان كتاباً يقرؤه وفيه إما الفرحة والسرور، وإما الندم والخزي، فمن أخذ الكتاب باليمين فهنيئاً له الرضا من رب العالمين، ومن أخذه بشماله فيا لها من ذلةٍ وندامة {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] ماذا يقال لهم: لا ترحموه {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:30 - 31].

شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تفكروا في الصراط الذي يؤتى به فيجعل بين ظهراني جهنم، ويمر الناس عليه وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف، وعلى الصراط خطاطيف مأمورة، فمن الناس من ينجو، ومنهم من يُخدش، ومنهم الموبق بعمله، وفي ذلك اليوم العظيم يحتاج الناس إلى من يشفع لهم عند ربهم، فينطلقون يلتمسون الأنبياء والمرسلين لعلهم يشفعون، فإذا بكل رسول منهم يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى فلان، حتى يؤتى محمداً صلى الله عليه وسلم، ويقول: {أنا لها، أنا لها} يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يأتوني ويقولون: يا محمد! أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك}. إنه موقفٌ عظيم يا عباد الله! أطيلوا التفكير في ذلك اليوم {اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا، قال صلى الله عليه وسلم: فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليَّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه، ثناءً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعط واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي أمتي} اسمع يا مسكين! يا من أضعت الطريق المستقيم! وابتعدت عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم. ما هذا الإعراض يا عبد الله ورسول الله أول ما يرفع رأسه يقول: {يا رب أمتي أمتي}؟! ألا ترحم نفسك يا عبد الله! ألا تبتعد عن المخالفات التي سوف أخبرك عنها بعد قليل! {فيقال: يا محمد! أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب} اسمع ماذا يقول رسول الله: {والذي نفس محمدٍ بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى}.

الورود على حوض النبي صلى الله عليه وسلم

الورود على حوض النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكروا حوض نبيكم صلى الله عليه وسلم، الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ولكن هذا الحوض سوف يردُّ عنه أناس؛ لأنهم نكصوا على أعقابهم وغيروا بعده صلى الله عليه وسلم، وما أكثرهم! رجعوا القهقرى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا عبد الله! في يوم القيامة يردّون عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بسبب ما جنوا على أنفسهم؛ وبما أحدثوه من البدع والضلالات، فاحذر يا عبد الله من مضلات الفتن، فكيف بك يا عبد الله في ذلك اليوم، وقد لفظك القبر بعد طول بلاء، فنظرت في عملك الذي قدمت، فهنيئاً لك إن كان العمل صالحاً، وإن كان غير ذلك فيا ويلك، ثم يا ويلك. اللهم اجمعنا في دار كرامتك، اللهم قَوِّ إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر، واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم ارزقنا القول والعمل، وارزقنا الإخلاص في أقوالنا، وفي أعمالنا، وثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

عقوبة تارك الصلاة والمقصر فيها

عقوبة تارك الصلاة والمقصر فيها Q ما هو العذاب الذي يتعرض له تارك الصلاة، أو المتهاون بها، أو الذي يجتهد في رمضان وبعده يترك الصلاة، أو يتهاون بأدائها جماعة، أفتونا مع الأدلة من القرآن والسنة؟ A بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة أني لست أعلم من الشيخ جزاه الله خيراً، ولكن هذا من تواضعه جزاه الله خيراً، أما المتهاون في الصلاة، فله وعيدٌ شديدٌ كما أخبر الله تعالى في قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] قال بعض العلماء: لأنهم يؤخرونها عن وقتها سماهم مصلين، ولكنهم لما تهاونوا بها وأخروها عن وقتها توعدهم الله بويل، وويل كما قال بعض العلماء: هو شدة العذاب في النار، وقال آخرون: هو وادٍ في جهنم، وأيضاً في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] كذلك هذا الغي وادٍ في جهنم لمن تهاون في الصلاة -والعياذ بالله- هذا الذي يتهاون بالصلاة، أما الذي يترك الصلاة، فقد توعده الله بسقر! وما أدراك ما سقر؟ هي طبقة من طباق النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] * {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر}. مع الأسف الشديد بعض الناس الآن لا يصلي إلا في رمضان، ثم بعض الأوقات يتركها، فالعلماء يقولون: من ترك فريضة واحدة متعمداً فقد كفر -نسأل الله العافية- إذا تركها متعمداً، فكيف بمن لا يصلي إلا في رمضان، ثم بعد رمضان يترك السنة كلها حتى يأتي رمضان -نسأل الله العفو والعافية- وبعضهم لا يصلي إلا يوم الجمعة، فأخذوا ببعض الحديث وتركوا بعضه، قوله صلى الله عليه وسلم: {رمضان إلى رمضان} ومعنى الحديث أن رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، ولكنهم تركوا باقي الحديث {والصلوات الخمس} هذا الذي يحضرني من هذا الحديث، ولا شك أن ترك الصلاة كفر، فينبغي للإنسان أن يبادر إلى الله عز وجل بالتوبة النصوح قبل أن يحل به الموت وينتقل إلى البرزخ، فالقبر يا إخواني أول منزلة من منازل الآخرة، إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، نسأل الله العفو والعافية.

الواجب على من التزم وترك المعاصي

الواجب على من التزم وترك المعاصي Q أنا شابٌ متزوج ولدي أطفال سافرت خارج البلاد، إلى البلاد المبيحة للفساد، وعملت بعض المعاصي وكنت في طيش في الشباب، وتهاونت في أداء الصلاة، وكنت قبل السفر أصلي، وبعد السفر تركت الصلاة، وبعدما رجعت من السفر أمضيت مدة وأنا لا أصلي، ثم بدأت أندب نفسي لترك الصلاة وفعل المعاصي، والآن أحمد الله أني التزمت وأصلي وتركت المعاصي، ماذا يجب عليَّ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A يجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتسأل الله الثبات (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) تسأل الله الثبات، واعلم يا أخي ما مصيرك لو مت على تلك الحالة -نسأل الله العفو والعافية- ما مصيرك لو وافاك الأجل وأنت في تلك البلاد الفاسدة، فكر في نفسك يا أخي، ولكن ينبغي لك أن تكثر الآن من البكاء ندماً على ما فات منك، وعلى تقصيرك الذي قصرت به، ولا شك كما قلنا إن ترك الصلاة كفر، ولكن يا أخي كما قال الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل} فبادر بالتوبة النصوح، واحذر يا أخي من عدوك الشيطان أن تتردى بالمعاصي والذنوب بعد أن هداك الله خشية أن ينزل بك هادم اللذات وأنت مصر على هذه الذنوب والمعاصي. نسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله أن يطهر قلوبنا وقلوبكم، وأن يثبتنا وإياكم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

قسوة القلب بعد لينه

قسوة القلب بعد لينه Q يقول السائل: إنني ألحظ على نفسي أنني عندما أستمع الخطبة، أو الموعظة أجد نفسي متأثراً مدةً من الزمن، وبعد ذلك أعود على ما كنت عليه من المعاصي، فنرجو من فضيلتكم التكرم بوصف الداء والدواء والدعاء لنا بالهداية، جزاكم الله خيراً؟ A هذا يا أخي يرجع إلى بيئتك، البيئة الخبيثة، لو كانت صالحة ما رجعت لأعمالك الخبيثة، فالرجل الذي قتل تسعة وتسعين وجاء يستفتي الراهب، قال: أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ قال: لا. ما لك من توبة، فكمل به المائة، فذهب إلى عالم، وسأله: هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن عليك أن تخرج من بلدتك هذه فإنها بلدة سوء، فلما تاب وأقلع وأناب إلى الله، وخرج فاراً من بلدة السوء إلى البلدة الصالحة، فوافاه الأجل في الطريق -كما تعرفون الحديث الصحيح هذا- فنزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة يختصمون فيه، ملائكة العذاب تقول: ما عمل خيراً قط، وملائكة الرحمة تقول: تاب وأقبل على الله عز وجل، فكل واحد منهم يريد أن يأخذه، فنزل عليهم ملك بصورة آدمي وحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيها كان أقرب فهو منها، فقاسوا، فإذا هو إلى الأرض الصالحة أقرب، فقبضته ملائكة الرحمة. فكثير من الإخوان يستقيم ويتوب ويرجع، ولكن بمجرد ما يجلس مع الزميل والصديق، فإنه ينعكس عليه الأمر -نسأل الله العفو والعافية- هذا يقول له: موسوس، بمجرد ما يأتي الصباح متأثراً بالخطبة، وإذا بشيطان الإنس واقفٌ له عند الباب: هاه أراك وسوست يا فلان، أراك قصرت الثوب، وتركت اللحية أو ما وجدت أمواساً، ثم المسكين يصدم ويرى أن التمسك بالدين عيب لأن الإيمان ما تمكن من قلبه، وإلا لو تمكن الإيمان من قلبه لصبر على هذه الفتنة ودعا هذا العاصي إلى الله عز وجل، فإن أجاب فقد هداه الله على يده، وقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم لـ علي رضي الله عنه وأرضاه: {فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ولكن هذا المسكين لم يفهم، فبمجرد سماع خطبة الجمعة، وبعد جلوسه مع هذا الزميل الخبيث ينحرف قبل أن يمضي عليه يوم. فهذه يا إخواني بيئة السوء، وهذا الذي يضر الكثير الآن، الآن بعض الآباء يضرب ابنه إذا رآه يصوم الإثنين والخميس، والله إن شاباً أتاني يبكي يقول: انظر إلى ثوبي قصرته وضربني أبي حتى أطلت الثوب، بعض الآباء نقمة -نسأل الله العافية- يا أخي! الإنسان يتمنى ويتمنى أن الهداية تُشترى، اشتراها بعض الناس بدراهم، وبعض الآباء يقف حجر عثرة في طريق الأولاد سواءً كانت أنثى أو كان ذكراً، حتى بعض البنات تجدها ملتزمة -نسأل الله أن يثبتنا وإياهن- فيجدن مضايقة من أهلهن في البيوت: الموسوسة المجنونة المتزمتة، وقد ورد في الأثر أنه في آخر الزمان يعير الرجل بدينه كما تعير الزانية بزناها فينبغي للإنسان إذا هداه الله أن يلتزم الصراط المستقيم، وأن يراقب الله عز وجل. يا أخي من تعصي أنت؟! أنت تعصي الله عز وجل، لا تنظر إلى عظم الذنب، ولكن انظر إلى عظم من عصيت، إلى عظمة الله عز وجل، أو إذا أردت أن تعصي الله، فاخرج من بلاد الله، ولا تأكل من رزق الله، ولا تستظل بالسماء التي بناها الله، ولا تجلس على الأرض التي بناها الله، اخرج من أرض الله إن كان لك مخرج ومفر، وإلا فاعلم أنك في قبضة الله، وأنك لا تغيب عن الله طرفة عين، فاحذر أن يراك الله على ما يكره، وحاول وجد واجتهد على أن يراك على ما يحب، يا أخي هذه نصيحتي لك، ولا تلتفت لشياطين الإنس الذين هم عثرة في طريق المهتدين. أسأل الله أن يهديهم، أو يبعدهم عن ديار المسلمين.

توبة مرتكب الكبائر

توبة مرتكب الكبائر Q إني أحبكم في الله وبعد: إني شابٌ عرفت طريق الحق، وصرت ملتزماً ولله الحمد والمنة، ومع ذلك فإني أقع في كبائر الذنوب، وكلما تبت، عدت مرةً أخرى، فهل إذا تبت ورجعت إلى الله توبةً صادقةً تقبل توبتي؟ هل أكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله مع ما ارتكبت من الذنوب والمعاصي؟ A أحبك الله الذي أحببتني فيه، ثانياً: أنت ما استقمت الآن يا أخي ما دام أنك تمارس الكبائر، لأن الاستقامة والتوبة الصادقة أن يعزم الإنسان على ألا يعود إلى المعاصي، ويندم على ما فات، ويقلع، أما أنك تتوب النهار ثم إذا جلست مع أهل البلوت والكينكان والذين عندهم خادمة -نسأل الله العافية- أو مع أهل الحبوب والمخدرات انزلقت معهم، فهذه ليست توبة، هذه توبة الكذابين، ما بالك إذا هجم عليك الأجل! لو نفكر بالموت يا عباد الله دائماً، لكن نحن الآن مستبعدين للموت، نقول: ست سنوات في الابتدائي، وثلاث سنوات في المتوسطة، وثلاث سنوات في الثانوية، وأربع سنوات في الجامعة، ثم أتخرج، ثم نتطور، ثم نفسد في أرض الله، ثم نأتي ونتوب، من أين لك الأمل يا عبد الله؟ هل لك صك في هذا، والله لا نعلم هل نخرج من هذا المكان بعد أن نصلي فريضة العشاء، أم لا، والله لا ندري هل نصبح أم لا، الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب على منكب عبد الله بن عمر ويقول: {يا عبد الله! كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} ماذا يقول هذا التلميذ المجيد؟ يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت، فلا تنتظر المساء]] هؤلاء الرجال، أما نحن فعندنا أمل طويل طويل، وهذا هو الذي أنسانا الموت، وإلا إذا زرنا المقابر امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة} زر الثلاجة في المستشفى يا عبد الله تجد فلاناً خرج الصبح وذهب إلى المكتب وإذا هو يصطدم بالسيارة، وإذا هم يتصلون بأهله ويقولون: أبوكم في الثلاجة، وهذه نهاية الإنسان يا عبد الله، لكن النهاية نهايتين: 1 - نهاية على حسن عمل، وعلى حسن خاتمة، فهذا يبشر برضوان الله عز وجل. 2 - ونهاية على سوء خاتمة، وعلى أعمال خبيثة، فيا ويله مما أمامه. فعليكم يا إخواني بالتوبة النصوح والمبادرة إلى الله عز وجل، أسأل الله أن يرزقنا توبةً نصوحاً إنه على كل شيءٍ قدير.

هل تشهد جوارح التائب عليه؟

هل تشهد جوارح التائب عليه؟ Q فضيلة الشيخ: ذكرتم في معرض حديثكم أن الجوارح هي التي تتكلم عن صاحبها بأعماله الخبيثة يوم الحساب، هل جوارح التائب تتكلم مع أنه تاب قبل موته، أرجو الإجابة جزاكم الله خيراً؟ A التوبة تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، يبدل الله سيئاتهم حسنات. ربنا رءوف رحيم، ربنا كريم جواد، ما عليك إلا أن تتقرب إلى الله عز وجل وتلتجئ إليه، وهو أرحم بعباده من الأم بولدها، الله أكبر لو تمسككُ امرأة في السوق ومعها ابنها ضمته إلى صدرها وتقول لها: أعطيني إياه أدوسه بهذه السيارة، ماذا تعمل؟ تصيح بكل ما تجد من الصوت، كل ذلك فزعاً لابنها هذا، فكيف بربك عز وجل يا عبد الله أرحم بك من أمك {لله أرحم بعبده من أمه} فعليك يا عبد الله أن تتقرب إلى الله، وأبشرك أن التوبة النصوح تجب ما قبلها، وربنا جل وعلا يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] هذا مرسومٌ ملكيٌ صدر منذ أربعة عشر قرناً أو تزيد، فعليك أن تبادر إلى الله بالتوبة النصوح والله غفور رحيم.

القنوط من رحمة الله

القنوط من رحمة الله Q إن بعضاً من الناس إذا فعل المعاصي قال: لن يغفر الله لي، أو هل يقبل الله توبتي؟ أو كيف أصبر عن أصدقاء السوء؟ فما رأيكم في هؤلاء، وإني مع العلم هداني الله وأنا أنوي أن أتعلم الرقصات الغربية وأنا مع أسوء الأصدقاء، ولكن كنت أعق والدي، ومات قبل التوبة، ماذا أفعل؟ A بعض السؤال أجبنا عليه، أما بعض السؤال كذلك كما قلت من قبل أن من أراد أن يتوب ويصلح نفسه يخرج عن بيئة السوء، يا أخي! ادخل السجون واجلس معهم وتحدث، ماذا يقول؟ تجد أعصابه منهارة، وأفكاره منحطة، وأخلاقه مندثرة بسبب حشيشة أهداها إليه صديقه لا كثر الله أصدقاء السوء، نعم يا أخي أصدقاء السوء الذين لا يعينونك على طاعة الله ابتعد عنهم، رزقك على الله يا عبد الله ليس رزقك عليهم، أما عقوقك لوالديك، فعليك أن تستغفر لهم وتدعو لهم، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنك ذلك السوء الذي فعلته بوالديك (والبر سلف) كما يقال، وكما تدين تدان، لكن على من أراد التوبة النصوح أن يخرج عن بيئة السوء ويهجر الأصدقاء هجراً تاماً، وإذا تقوى إيمانه وعرف الحق على بصيرة، فإنه ينبغي له أن يدعو أصدقاءه الذين كانوا منحطين، يدعوهم إلى الله عز وجل لعل الله أن يهديهم على يديه، أما ما دام الإيمان لا زال على الصفر فلا يقرب الأصدقاء، نعم الأصدقاء وباءٌ خطيرٌ الآن، والله يا إخواني إذا دخلت السجون الآن إنه يشمئز القلب، ويندى الجبين، ويقشعر الجلد، إذا سألت طفلاً لا يتجاوز الثامنة، ما الذي أتى بك؟ فيقول: صديقي أعطاني حشيشة، أعاطني حبة، أعطاني كذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقبل أن أختم هذه الكلمة أوصي أولياء أمور الأولاد أن يحافظوا على أولادهم، حافظوا على أولادكم يا إخواننا، اتقوا الله في أولادكم، الأولاد تُرك لهم الحبل على الغارب الآن، بعض الآباء لا يدري عن أولاده -نسأل الله العافية- نعم حتى أن شرطياُ سأل بعض أولياء الأمور، قال: أين ولدك؟ قال: لي يومين ما أدري أين هو؟ يا أخي لماذا لا تدري أين ولدك؟ هذا أمانة في عنقك سوف تسأل عنه يوم القيامة. أسأل الله أن يعينا على تربية أولادنا تربيةً صالحة، وأن نختار لهم معلمي خير يدلونهم على الخير ويحذروهم من الشر إنه على كل شيءٍ قدير.

والدي مقصر فماذا أفعل؟

والدي مقصر فماذا أفعل؟ Q بادئ ذي بدئ أشهد الله على حبك، فضيلة الشيخ: سؤالي محزنٌ وواقع لكثيرٍ من الناس، وهو كون والدي مقصراً في أمور دينه، ونخشى أن يتوفاه الله وهو على هذه الحال، وعند التفكّر في حاله في القبر وفي عذاب يوم القيامة أكون حزيناً جداً، مع العلم أنني حاولت قدر المستطاع لإرجاعه إلى سبيل الرشاد، ولكن دون فائدة، ما هي نصيحتكم جزاكم الله خيراً؟ A أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأسأل الله أن يثبتنا وإياك على قول الحق إنه على كل شيء قدير، واعلم يا أخي أن الهداية بيد الله عز وجل، قال الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] إبراهيم عليه السلام بذل قصارى جهده مع والده، ولم يؤمن أبوه -نسأل الله العافية. الرسول صلى الله عليه وسلم بذل جهده مع أبي طالب، لأن أبا طالب كان يحوطه ويحميه من أذى المشركين، وتعرفون حالة أبي طالب عند الوفاة لما دنا أجله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه، وعنده صناديد قريش، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ أبي طالب: {يا عم! قل لا إله إلا الله} كلمة بسيطة، ولكنه لم ينطق بها {يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله} فيقول قرناء السوء له: أترغب عن ملة عبد المطلب فيعيد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يعيدون عليه، ماذا قال في النهاية؟ قال هو على ملة عبد المطلب ملة الشرك والأوثان، فالرسول قال: {لأستغفرن لك ما لم أنه عنك} فنهاه الله، والله عز وجل أنزل في ذلك آية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. أبو طالب كان يحوط الرسول صلى الله عليه وسلم، فقيل: {يا رسول! نفعت عمك بشيء، قال: نعم. إنه أهون أهل النار عذاباً} أتدرون ما هو أهون أهل النار عذاباً؟ من يلبس نعلين يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أهل النار أشد منه عذاباً، فالهداية بيد الله، أنت يا أخي اجتهد، وادع الله لأبيك أن يهديه، فإذا هداه الله، فبها ونعمت، وإلا فأنت والحمد لله ليس عليك شيء. نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين، وثبت مهتديهم يا رب العالمين، اللهم صل على محمد.

بعض مخالفات الناس

بعض مخالفات الناس Q فضيلة الشيخ! ذكرت في محاضرتك أنك ستذكر بعض المخالفات آمل ذكرها؟ A ذكرتها يا أخي الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ترد على الحوض ناس من أمتي، فتردهم الملائكة، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك} يا أخي! هل الفيديو ظهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل هذه الملاهي بأنواعها ظهرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا. ولكن نحن ملأنا بيوتنا منها، نعم. وعصينا الرسول: حلقنا اللحى، وتركنا الشنبات عياناً بياناً قلنا: لا سمع ولا طاعة، نحلق اللحية ونترك الشنبات، أطلنا الثياب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما أسفل من الكعبين ففي النار} وهذا خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمخالفات كثيرة جداً، أسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً.

حكم مجالسة المردان

حكم مجالسة المردان Q سائل يقول: إن بعض الناس في زماننا هذا يتساهلون بمجالسة المردان، لا سيما الشباب وقد افتتن بذلك الكثير من الشباب، فنرجو من فضيلتكم إسداء النصيحة والتحذير من مجالسة هؤلاء الأحداث، لأن الأمر مهم جداً؟ A ليس هناك شك أن خطر المردان خطرٌ عظيم، بعض العلماء دخل عليه غلام في الحمام، قال: إني أرى مع المرأة شيطاناً، ومع الغلام بضعة عشر شيطاناً -نسأل الله العافية- فلا ينبغي للإنسان أن يتهاون في ذلك، فليحذر من ذلك أشد الحذر، أسأل الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه.

حكم إيذاء الزوج

حكم إيذاء الزوج Q فضيلة الشيخ: ما هو الوعيد الذي يقع على المرأة التي تؤذي زوجها بالدعاء عليه وسبه، ولو كان ظالماً، ولا يعطيها حقها، وهل يجوز لها أن تفعل ذلك، وما أجرها عندما تصبر، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا السؤال للشيخ/ عبد العزيز يجيب عليه جزاه الله خيراً. الشيخ عبد العزيز: كل الأسئلة موجهه إلى صاحب الفضيلة، لذلك أنا أعتذر عن الرد عن أي سؤال، وفي شيخنا إن شاء الله تعالى الخير والبركة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح عليه بكل خير، وبالمناسبة هذا السؤال وارد من أحد الإخوان ووالدته موجودة الآن في المسجد، ولعل السبب في إتيانه بها، لعلها تسمع هذه الموعظة ويكون لها أصداء في نفسيتها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بشيخنا الكريم. الشيخ عبد الله: لا شك أن للزوج حقاً على زوجته، وكذلك الزوجة لها حقٌ على زوجها، وينبغي لكل إنسان أن يعطي الآخر حقه، فالزوج يعطي الحق الذي عليه من كسوة، ونفقة، وما إلى ذلك؛ لأنه مسئول عن ذلك يوم القيامة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أتت زوجة أبي سفيان تشتكي أبا سفيان قال: {خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف}. وحقوق الزوج كثيرة، فلا ينبغي للمرأة أن تطيل لسانها على زوجها، وكذلك يروى في الحديث أن الحور العين تدعو على الزوجة, زوجة الدنيا إذا كانت تؤذي زوجها في الدنيا، تدعو عليها وهي في الجنة وهذه في الدنيا، فينبغي على الزوجين أن يتعاونا على البر والتقوى، فالزوج يؤدي ما عليه حتى يكف عن نفسه الغيبة والملامة، والمرأة كذلك ينبغي عليها أن تؤدي ما عليها حتى ترضي الله عز وجل، وقد ورد في حديث: {أن من صامت شهرها وصلت فرضها وأطاعت بعلها وماتت وزوجها عنها راضٍ، تخير من أي أبواب الجنة الثمانية} أو في معنى الحديث، ينبغي للزوج والزوجة أن يتعاونا على التقوى، وكما يقول المتمدنون: إنها شريكة الحياة، فينبغي للإنسان ألا يؤذي هذه المرأة المسكينة، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ورد في الأثر أنه قال: {اثنين أنا خصمهم يوم القيامة: المرأة واليتيم} أو قال: {أحرج حق المرأة واليتيم} فما بالك يا أخي؟! هل تخاصم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟! لا تستطيع ذلك، ولكن عليك أن تؤدي ما عليك من الواجب نحو هذه المرأة المسكينة؛ لأن المرأة ناقصة عقل ودين، ولا ينبغي لك أن تسيطر عليها، أو تجبرها إجبارات لا تستطيعها، فهذه نصيحتي لكل إنسان، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وهناك أشرطة للشيخ/ أحمد القطان اسمها لمسات مؤمنة، فهي أشرطة مفيدة تصلح للعائلة؛ لأنها تعالج مجتمع العائلة، وأسأل الله أن يجزيه عنا وعن المسلمين خيراً، وأن يكثر دعاة الخير إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

تنبيه لجمع التبرعات للمجاهدين

تنبيه لجمع التبرعات للمجاهدين بالنسبة للأخ الكريم الذي طلب جمع تبرعات للإخوان الأفغانيين، وذكر أن معه تصريح من الإمارة، حبذا لو أتى به هنا، لأن عندنا تعميم من وزارة الحج والأوقاف بعدم الجمع، يعني نحن نعظ ونوجه الإخوان، لكن ما نجمع إنما نوجههم لمن يقوم بالجمع للإخوان. لا زال المجال مفتوحاً للمشاركة في الأعمال الخيرة التي هي الجمع للإخوان الأفغانيين، ولا شك أن الجميع يعرف ما يمر به المجاهدون في سبيل الله في العالم الإسلامي كله، ولا سيما في بلاد الأفغان، ولا شك أنكم تعلمون حاجتهم الماسة إلى المال، ونحن من باب التذكير نفتح المجال للإخوة الكرام لمن تجود نفسه، ولا شك أن كل واحد منكم سيكون سباقاً في هذا المجال الخير، فيتاح المجال بعد صلاة العشاء لجمع التبرعات، والأخ الكريم أتى بقسائم من فئات خمسين ريالاً وعشرة ريالات، ولستم بحاجة إلى التذكير بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي بينت فضل الإنفاق في سبيل الله، فأنتم لكتاب الله تالون ومتدبرون. نعود إلى عرض الأسئلة على شيخنا الكريم.

حكم مجالسة أهل السوء

حكم مجالسة أهل السوء Q إن هناك بعض الشباب هداهم الله يكونون في أول الوقت مع الشباب الصالح، فإذا مضى زمن من الوقت تغيروا بسبب ذهابهم مع الشباب الطالح، نرجو منك أن تعظنا بنصيحة للشباب، وجزاكم الله خير الجزاء؟ A أنا أكرر وأقول: الابتعاد عن بيئة السوء هو الالتزام بطاعة الله، إذا أراد الإنسان أن يلتزم بطاعة الله، فليبتعد عن بيئة السوء ويترك رفقاء السوء، فللأسف الشديد أنا أذكر أناساً ملتزمين، وخالطوا أناساً، يقولون: حتى ندعوهم، فما مرت أيام إلا وهم يشربون معهم الدخان ويتركون الصلاة -نسأل الله العفو والعافية- فينبغي للإنسان أن يبتعد عن هؤلاء الجلساء السيئين، يا أخي! إبراهيم عليه السلام لما عجز عن أبيه، تركه وهاجر وابتعد عنه؛ فينبغي على الإنسان أن يبتعد عن قرناء السوء، ولست ملزماً بهم يا أخي. الآن ولله الحمد القرناء الطيبون الصالحون موجودون بكثرة، فعليك أن تزور إخوانك في الله، وتجدهم في كل مكان، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه. وكذلك لا ننسى أن الإنسان دائماً يلتزم بطاعة الله، ومن الالتزام بطاعة الله كثرة تلاوة القرآن وتدبر معانيه، وكثرة قراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكثرة النوافل من العبادات مثل: الصيام، والصلاة، والصدقة؛ لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، فعلى الإنسان أن يبادر إلى طاعة الله عز وجل، ويبتعد عن قرناء السوء.

كلام مقدم الأسئلة

كلام مقدم الأسئلة جزاكم الله خيراً، في الحقيقة هذا السؤال هام جداً، والإجابة عليه من فضيلة الشيخ ذلك كما يذكر: السؤال متكرر، والإجابة متكررة، وفي الحقيقة هذه الحالة واقعة ومتكررة وبينة، إذ أن بعض الإخوان عندما يفتح الله سبحانه وتعالى على قلبه ويهديه ويدله إلى الصراط المستقيم يحصل عنده نوع من قصور النظر، فنجد لديه كما يقولون: ازدواج شخصية، يعني: أنه يجالس الطيبين ويجالس غير الطيبين أو الطالحين، وهذه من أخطر الأشياء على الإنسان، فالطيب الصالح يجب عليه أن يسير مع الطيبين ولا سيما إذا كان في أول الطريق؛ لأن بعض الناس الآن يكون عنده حماس وعنده غيرة، لكن لا يكفي هذا، فالحماس والغيرة لا تكفيان أبداً، فبعد أن يفتح الله سبحانه وتعالى عليه يكون عنده حرص على أن يهتدي إخوانه، لكن السلاح الذي معه يكون بدائياً، وكثيراً ما تردد عليه بعض الشباب وفقهم الله سبحانه وتعالى في مثل هذا السؤال، فرجل يدخل المعركة بدون سلاح هل يعقل هذا؟ لا يمكن أن يدخل الإنسان إلا ومعه سلاح، فتكون ثقافة هذا ضئيلة جداً، فقط عنده حب للخير، عنده حب للصالحين، إذا سمع بمحاضرة وبندوة سارع إليها، يسابق إلى المجالس الخيرة الطيبة ويظن أن هذا يكفي، لا يا إخوان، هذا فيه خطورة عليه، وهو أن هذا الشخص من الشباب المبتدئين ثم يأخذ في نقاش أناساً سيئين، هذا يخشى عليه أنهم قد يؤثرون عليه بدلاً من أن يؤثر عليهم، وعندئذٍ تحصل الانتكاسة والعياذ بالله. فالإنسان ينبغي أن يكون فطناً وحذراً من هذه المزالق، يعني: أن يجالس الطيبين الصالحين، هذا ما أحببت أن أنوه عليه، وإن كان حقيقة غير زيادة، إنما وجدت شيئاً في نفسي أردت أن أنقله إلى مسامعكم.

شاب نشأ في طاعة الله

شاب نشأ في طاعة الله Q فضيلة الشيخ! في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله} ذكر شاباً نشأ في عبادة الله، هل يدخل في ذلك من هداه الله وفتح عليه بعد أن كان عاصياً، أم الذي نشأ عليها منذ الصغر، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A إن شاء الله إذا نشأ في طاعة وفي عبادة الله يكون منهم.

كشف وجه المرأة

كشف وجه المرأة Q حيث توجد ظاهرة كشف الوجه عند النساء في هذه الآونة، فنرجو نصيحتهن بعدم التبرج الذي يخالف القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ A نصيحتي لكل مسلمة إذا كانت تقرأ القرآن، أن تقرأ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب:59] البعض من الناس يقول: هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كانت من المؤمنات، فلتكمل الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] هذا كتاب الله عز وجل واضح لا يحتاج إلى تفصيل، فينبغي للمسلمة التي تريد وجه الله والدار الآخرة أن تحتشم من أعداء الإسلام، الذئاب الضارية الذين يريدون أن يفترسوها، تحتشم وتحترز منهم بالحجاب وبكل ما أوتيت من ستر حتى لا تكون من اللواتي حرم الله عليهن الجنة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما -وذكر الصنف الأول ثم قال-: ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ لا يرحن رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة كذا وكذا} فلتحذر المرأة المسلمة التي تؤمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، تحذر من أعداء الإسلام ومن أزيائهم الخبيثة هم وسمومهم المنغومة التي يدسونها لها صباحاً ومساءً قاتلهم الله، وأبعدهم الله، وأعمى أبصارهم عن بلاد المسلمين، نعم فهم أعداء الإسلام، وأعداء الفضيلة والآداب والأخلاق، يريدون المرأة المسلمة المتحشمة أن تخرج من حشمتها وأن تكون مثل المرأة الغربية سلعةً يديرونها في المسرحيات وفي التمثيليات وغيرها. فعليك أيتها المسلمة أن تحافظي على أخلاقك ودينك، وعلى مروءتك وكرامتك حتى تلقي الله عز وجل وهو راضٍ عنك، والله ولي التوفيق، وصلى الله على محمد.

الروافض وخطرهم على العقيدة

الروافض وخطرهم على العقيدة Q اشتد خطر الروافض في هذه الأيام بشكل واسع، ما واجبنا ودورنا تجاه هذه الفرقة الخطرة وجزاكم الله خيراً؟ A الأمر هذا خطير ينبغي أن يرفع فيه إلى الشيخ عبد العزيز بن باز حتى يرفع فيه إلى ولاة الأمور، نعم وخطرهم معروف، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أشر من وقع على الحصى الروافض، أو كما قال رحمه الله، فينبغي للمسلمين أن يحذروهم، فيرفع إلى ولي الأمر بذلك، والمسلمون إذا لم يتمسكوا بدين الله وبالتوحيد والعقيدة، فسوف يفرخ عندهم الخميني، الآن الخميني يريد أن يمسك التوحيد ويمزقه بيده، لكن الحمد لله بقية التوحيد والعقيدة هذه ترد كيدهم في نحورهم بفضل الله وإحسانه، فينبغي على المسلمين أن يرتووا من العقيدة الصحيحة، وأن يحذروا من أعداء الإسلام في كل وقت، وفي كل زمان.

حكم قول المصلي: (جل وعلا) بعد تكبيرة الإحرام

حكم قول المصلي: (جل وعلا) بعد تكبيرة الإحرام Q يقول: أخي في الله بعض الناس يقول بعد تكبيرة الإحرام: جل وعلا، فما الحكم؟ A هذه لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه أخطاء يقع فيها الكثير من الناس مثل قولهم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة: أقامها الله وأدامها، واكفنا اللهم شر الحسرة والندامة، فهذه زيادات لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} فالذي ورد: أنه إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، تقول: أقامها الله وأدامها، وتسكت، وكذلك البعض من الناس يزيد في الاستفتاح، يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ولا معبود سواك، فهذه زيادة أيضاً لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وزيادات كثيرة، وبعضهم إذا سلم الإمام، قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أدخلنا الجنة بسلام إلى غيرها، هذا لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنك تقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وبعضهم يقول: أستغفر الله العظيم الجليل التواب الرحيم، هذه كلها زيادات ما وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فابحث عن الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإياك ومحدثات الأمور، الشيطان يحسن البدع للإنسان عن طريق الدين، مثل الوضوء، يأتي للإنسان يقول: أحسن الوضوء، أغسل من أصابع رجليك إلى الركب، ومن أصابع يديك إلى إبطك، وغسل سبع ثمان تسع -نسأل الله العافية- تفوته الصلاة وهو في الحمام -عزنا الله وإياكم- فهذا كله من الشيطان فينبغي للإنسان أن يبحث عن الدين الصحيح، وإياكم أن تأخذوا كل ما ورد في الكتب!! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النفس الأخير

النفس الأخير إن الله جل وعلا خلق الكون وجعل له نهاية حتمية، وكل إنسان لابد أن يمر بالنفس الأخير الذي ليس بعده إلا الموت، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}. وفي هذا الدرس حديث عن الموت وسكراته وعن أحوال بعض المحتضرين من السلف الصالح ومن هذا العصر.

الإكثار من ذكر الموت وثمرته

الإكثار من ذكر الموت وثمرته {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء:111] و {َسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم:17 - 19]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلوات الله وسلامه عليه, أما بعد: أيها الأحباب: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل, فهي وصية الله للأولين وللآخرين, نسأل الله أن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى, اللهم اهدنا وسددنا, اللهم إنا نسألك الهدى والسداد, اللهم اهد قلوبنا وسدد ألسنتنا واسلل سخائم صدورنا يا رب العالمين. أيها الأحباب: إن الله جل وعلا في كثير من آيات القرآن يحثنا على التقوى ومع ذلك ينادي باسم الإيمان سبحانه وتعالى, لذلك بعض السلف يقول: إذا سمعت الله يقول: [[يا أيها الذين آمنوا فَاْرع لها سمعك, فهو إما خير تدعى إليه وإما شر تنهى عنه]] أو كما قال رحمه الله تعالى, فالله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. أيها الأحباب: إن أصدق الحديث كلام الله سبحانه وتعالى، الذي لو أنزله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله, وكفى بالقرآن واعظاً, ثم إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار. أيها الأحباب: الموضوع هو حالة المحتضرين أو بعض حالات المحتضرين نسأل الله جل وعلا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة إنه على كل شيء قدير, فحالة الاحتضار سوف تمر بنا كلنا, ولكن السعيد من خرجت روحه على توحيد الله سبحانه وتعالى, على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, نسأل الله حسن الختام. الله جل وعلا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] ويقول جل من قائل عليماً: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] فالله هو الحكيم سبحانه وتعالى, قال بعض العلماء: إن من عاش على طاعة الله ومات على طاعة الله؛ فإنه يبعث على طاعة الله سبحانه وتعالى, ومن مات على ذلك؛ فإنه كما قيل: يبعث على ما مات عليه, نسأل الله العفو والعافية. إذاً الموت هو نهاية كل إنسان، فعلينا أن نتق الله سبحانه وتعالى لعل الله جل وعلا أن يختم بالصالحات أعمالنا, كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أكثروا من ذكر هادم اللذات} قال لي بعض الإخوان: أنت تكثر دائماً من هذه المواضيع: الموت, القبر, الجنة والنار, هل لا يوجد في هذا الوقت إلا هذه المواضيع؟! ويقول: الناس محتاجة لتبين تحريم الظلم, تحريم أكل الربا, تحريم الزنا, تحريم اللواط, تحريم التبرج, تحريم شرب الدخان وعدد أموراً كثيرة. فقلت له: يا أخي! إذا حصلت عندنا الموعظة، وتذكرنا الموت، وعرفنا أننا سوف ننتقل من هذه الدنيا, وسوف نوضع أو سوف نجعل في تلك القبور التي ليس معنا فيها إلا العمل, ثم سوف نقف بين يدي الله جل وعلا, ثم في النهاية إما إلى الجنة وإما إلى النار, إذا عرفنا هذا فبإذن الله سبحانه وتعالى سوف تنكف الجوارح عما حرم الله جل وعلا, نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى ومن المتناصحين في الله امتثالاًَ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم} والله جل وعلا يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] وقال سبحانه: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [الأعلى:10 - 13].

كفى بالموت واعظا

كفى بالموت واعظاً كفى بالموت واعظاً, كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه يقول: {أكثروا من ذكر هادم اللذات} إي والله إنه هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم الأطفال, ومرمل النساء, هادم اللذات الذي يدخل بدون استئذان, ويأتي بدون إنذار, نسأل الله حسن الختام إنه على كل شيء قدير. فالله تعالى يقول: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:77] ثم يقول جل من قائل عليماً: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] ويقول أيضاً سبحانه وتعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ويقول سبحانه وتعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:26 - 30] ويقول سبحانه وتعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:83 - 85] ثم فصل الله جل وعلا أولئك الذين يموتون على تلك الأحوال قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:86 - 96]. فيا عبد الله: فكر في هذه الآية وممن تكون أنت، هل تكون من الصنف الأول أم من الصنف الثاني أو من الصنف الثالث, يقول الله جل وعلا: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].

قصص وعبر من حال المحتضرين

قصص وعبر من حال المحتضرين الآيات كثيرة في ذكر الموت وحلول الأجل, فلنعتبر بذلك ولنستعد لهادم اللذات, الذي نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم, يكفي والله بذلك عبرة. إذا تذكر الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزل به، الموت صلى الله عليه وسلم وعنده ركوة فيها ماء، كان يأخذ الماء ويمسح به وجهه ويقول: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات} ذاقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن للموت لسكرات، والله لو جلسنا عند المحتضرين، وشاهدنا تلك الأحوال عندما تخرج الروح؛ لرأينا أمراً عظيماً, ولانت القلوب ورجعت, ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كلنا والله نشكو من قسوة القلوب, لماذا؟ لأننا لا نحضر المحتضرين، وماذا يحصل لهم من الأمور العجيبة, فالله الله لنحرص على حضور المحتضرين عند حالة خروج الروح لنرى ماذا يحصل لهم.

احتضار عمر بن عبد العزيز

احتضار عمر بن عبد العزيز هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لما حضرته الوفاة أخرج من كان عنده, قال: اخرجوا عني، إني أرى أناس لا هم جن ولا إنس -أو كما روي عنه رحمه الله- فلما خرجوا من عنده سمعوه يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] ولما دخلوا عليه فإذا هو ميت رحمه الله تعالى.

احتضار رجل في مستشفى الرياض

احتضار رجل في مستشفى الرياض هل يستوي هذا وحادثة حصلت في مستشفى الرياض في الرياض يقولون: إن رجلاً عندما نزل به الموت, كان عنده أولاده يقولون: يا أبت قل: لا إله إلا الله , ولكن الأمر صعب؛ لأن الأب كان مشغوفاً بحب الأغاني والعياذ بالله, فلما كرروا عليه قل: لا إله إلا الله, فجعل يتلفظ بأغنية يقول: حامض حلو يا لومي يا لومي نسأل الله العافية، وخرجت روحه على تلك الحال, هل يستوي هذا ومن يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. رجل آخر -أيها الأحباب- في المستشفى يقول: لما نزل به الموت ماذا قال لمن حوله؟ قال: أشعلوا لي سيجارة يريد دخان والعياذ بالله, يقول: فلما آذى المرضى بصوته أخذ بعض الحضور ورقة ولفها وجعلها في فمه ومات والعياذ بالله, نسأل الله العافية وحسن الختام.

حادثتان وقعتا في القويعية

حادثتان وقعتا في القويعية وآخر لما مات بحادث وانقلب اسود وجهه وصرف عن القبلة, وهذه الواقعة وقعت في القويعية , ويذكرها لنا أحد الإخوة الثقات وهو من الذين يغسلون الموتى, يقول: والله ما استطعنا أن نغسل صفحة العنق لأن وجهه منصرف عن القبلة, يقول: وسألنا ما حاله؟ قالوا: إنه مات بحادث وهو سكران, فانظروا أيها الأحباب كيف انقلب لونه إلى اسوداد، وصرف وجهه عن القبلة, نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ويقول لنا هذا الرجل: وأوتي بثلاثة وقع عليهم حادث، اثنين كهول -أي: تعدى سنهم الثلاثين- أما الثالث فهو شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره, يقول: فلما أردنا أن نغسل الاثنان وإذا كل واحد منهما يرفع أصبعه يتشهد, يقول: ومات وأصبعه واقف بالتشهد, فغسلناهما, أما هذا الشاب فكلما أردنا أن نفتح درج الثلاجة لنخرج هذا الشاب وإذا هو يزداد نوراً وبياضاً, يقول: فلما رآه أحد إخوانه -وكان يبكي- سر بمنظره الطيب وأصبح يضحك، يقول: فأخرجناه وغسلناه وكلما غسلناه ازداد بياضاً ونوراً، لا إله إلا الله، نسأل الله حسن الختام. فيا إخواني! حالة المحتضرين أمرها عظيم, ولها شأن عظيم, فما الذي يغفلنا عن هذا؟ يقول بعض القائلين: الموت في كل حين ينشر الكفنا ونحن في غفلة عما يراد بنا لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها وإن توشّحت من أثوابها الحسنا اسمع يا أخي لا تغتر بهذه الخوّانة, لا تطمئن إلى هذه الشمطاء. لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها وإن توشّحت من أثوابها الحسنا أين الأحبة والجيران ما فعلوا أين الذين هم كانوا لنا سكنا سقاهم الموت كأساً غير صافية فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا والموت -يا إخواني- يأتي في لحظة, قبل ثلاثة أسابيع، كان هناك ثلاثة في مكتب يتحدثون, فسقطت المروحة من السقف وضربت أحدهم فقطعت وريده، سبحان الله العظيم! وكأنها تذبحه بسكين, ومات بأقرب وقت, والثاني ضربته في يده ولكن الله سبحانه وتعالى كتب ألا يدنو أجله, أما الأول كأنها مرسلة إليه وضربته فمات مباشرة, سبحان الله العظيم! انظروا يا إخواني قرب الموت, نسأل الله حسن الختام. أين الأحبة والجيران ما فعلوا أين الذين هم كانوا لنا سكنا

تحذير الله ورسوله من الاغترار بالدنيا

تحذير الله ورسوله من الاغترار بالدنيا عندما نرجع إلى هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولعلنا إذا ذكرنا هديه صلى الله عليه وسلم خفف عنا من وطأة الدنيا -لأنه هو القدوة, وهو الذي أمرنا أن نقتدي به قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ولكن لمن؟ قال الله تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فهو القدوة صلى الله عليه وسلم, وهو الذي قال: {اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة} وهو الذي ربط الحجر على بطنه من الجوع صلوات الله وسلامه عليه, هو الذي يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيته ناراً, وهو رسول الله أفضل الخلق على الإطلاق, وأحب الخلق إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم. رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه ضيف ويرسل إلى زوجاته: هل عندكن شيء؟ وكل واحدة تقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء, اللهم صلِّ على محمد, فيأتي أحد الأنصار ويستضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تحذير الله من الاغترار بالدنيا

تحذير الله من الاغترار بالدنيا الله جل وعلا حذرنا من الدنيا ومن الاغترار بالدنيا فأسأل الله أن يفتح مسامع قلوبنا لقبول الحق إنه على كل شيء قدير, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] هذا كلام الله جل وعلا, هذا كلام ملك الملوك, هذا كلام الذي بيده أزمّة الأمور, هذا كلام من بيده مقاليد السماوات. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون, فاتقوا الدنيا واتقوا النساء} انظروا لما انفتحت علينا الدنيا، وترك الحبل على الغارب لكثير من النساء, انظروا ماذا حصل أيها الإخوة في الله! نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً إنه على كل شيء قدير. إخوتي في الله: احذروا من الدنيا, لا تنخدعوا بما فيها من الزخارف البراقة، التي هي عن قريب تزول وتضمحل، ويكفي بها ذماً ما ضربه الله لها في القرآن العظيم, فالله جل وعلا يضرب لها الأمثال في القرآن فيقول جل وعلا: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} [الكهف:45] استمعوا -يا إخواني- لهذه الآية، افتحوا مسامع قلوبكم لتعرفوا أن الدنيا والله لا تساوي عند الله شيئاً، فهذا المثل يضربه الله للدنيا. ثم قال جل وعلا بعد ذلك: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46] ومتى نلقى جزاء ذلك يا عباد الله؟ كل هذا في سورة واحدة يذكرها الله, قال تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف:47 - 48] كما خرجتم من بطون أمهاتكم حفاة عراة غرلاً, الآن تبعثون حفاة عراة غرلاً لتجزون على أعمالكم, فهنيئاً والله لمن أكثر من الباقيات الصالحات, أما من أضاع عمره في غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه, نسأل الله العفو والعافية.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الاغترار بالدنيا

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الاغترار بالدنيا أيها الأحباب ومما يدلنا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرفع للدنيا رأساً, ولم ينظر لها بعين التقدير, هذا الحديث الذي تذكره لنا عائشة رضي الله عنها قالت: [[توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير]] هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوفى ولم يوجد في بيته إلا شطر شعير, تقول عائشة رضي الله عنها: [[فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني]]. وهذا عمرو بن الحارث رضي الله عنه يقول: [[ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة]] صلى الله عليه وسلم. وهذا ابن مسعود رضي الله عنه تلميذ من تلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لنا هذا المشهد فيقول: {نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير وقد أثر على جنبه قلنا: يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً. قال صلى الله عليه وسلم: ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها} وأيضاً يقول صلى الله عليه وسلم محقراً للدنيا وذاماً لها: {لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء} لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {قد أفلح من أسلم ورزقه الله كفافاً وقنعه بما آتاه} وسوف تأتي قصيدة فيها كلام لـ زين العابدين رحمه الله يقول فيها: خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن

حال السلف وموقفهم من الدنيا عند الاحتضار

حال السلف وموقفهم من الدنيا عند الاحتضار ثم نرجع إلى أحوال بعض السلف رحمهم الله. احتضر بعض السلف -أي: نزل به الموت- فقال: ما تأسفي على دار الهموم -يعني الدنيا- والأنكاد والأحزان والخطايا والذنوب, وإنما تأسفي على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله، ولما قال هذه الكلمات مات رحمه الله تعالى, الله أكبر! سبحان الله العظيم! ما أجمل الهمم إذا كانت متعلقة بالله! ما أجمل الهمم إذا كانت عالية تنظر إلى المستقبل الحقيقي وإلى جنة عرضها السماوات والأرض.

إبراهيم النخعي حال الاحتضار

إبراهيم النخعي حال الاحتضار لما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة بكى, وقيل له في ذلك، فقال: إني أنتظر رسولاً يأتيني من ربي لا أدري هل يبشرني بالجنة أو النار. الله أكبر! لا إله إلا الله، الله سبحانه أخبر في محكم البيان في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] يا لها من بشارة! ما ظنك يا عبد الله إذا نزلت عليك هذه البشارة, نسأل الله جل وعلا أن يختم بالصالحات أعمالنا.

سلمان الفارسي حال الاحتضار

سلمان الفارسي حال الاحتضار اسمعوا إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه لما حضرته الوفاة بكى, فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: فوالله ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب} انظروا لما مات رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه ما الذي وجدوا عنده وهو يبكي؟ في جميع ما ترك فإذا هو ثلاثون درهماً، وكان أميراً على المدائن , وبعض الناس الآن عنده ملايين، وعنده عمال يموتون جوعاً, يظلون ستة أشهر أو أربعة أشهر لم يعطيهم الراتب, وإذا قيل له: يا فلان اتق الله! قال: لا. يهتز الرصيد {كفى بالمرء إثماً أن يمنع قوت من يعول} والله وجد هذا -يا إخواني- مسلم سقط مغمياً عليه من الجوع قيل له: كم لك؟ قال: لي ثلاثة أيام ما ذقت الطعام, قيل لكفيله: لماذا؟ قال: أنا ما أصرف له حتى تصرف لي الوزارة التي تعطيني الراتب, يا أخي اتق الله أما عندك شيء؟ قال: عندي إلا أنني لا أريد أن يهتز الرصيد, ويذهب ويتركه, كيف لو مات هذا العامل جوعاً؟! إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فهذا سلمان الفارسي يحمل هماً لأنهم وجدوا عنده ثلاثون درهماً, فكيف الآن بأهل الأموال الطائلة الذين لا يعرفون ولا يزكون نسأل الله العافية, كيف بهم لو كويت بها جباههم وجنوبهم وظهورهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. فأكرر قصة سلمان الفارسي: أُُحتضر سلمان الفارسي رضي الله عنه فبكى, فقيل له: ما يبكيك؟ فقال والله ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا ولكن عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب} فلما مات نظروا في جميع ما ترك فإذا هو ثلاثون درهماً, وكان أميراً على المدائن.

أبو هريرة حال الاحتضار

أبو هريرة حال الاحتضار ولما حضرت أبو هريرة الوفاة رضي الله عنه الذي كان يلازم الرسول صلى الله عليه وسلم، وحفظ كثيراً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, لما حضرته الوفاة بكى, فقيل له: ما يبكيك؟ ليس كبعض الناس الذين يقولون: أنا ملتزم أنا ملتحي أنا مقصر الثوب انظر للصحابة الذين جاهدوا في سبيل الله رضي الله عنهم، على قلة من العيش، وعلى ما فيهم من الحاجة والفاقة، وهو يقول هذا الكلام, فأنا لا أريد أن أسمعها من كثير من الإخوان, بعض الإخوان يقول: أنا ملتزم، الله أكبر! سبحان الله العظيم! الله تعالى يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] , ويا أخي كيف ملتزم وأنت في زمن الفتن! الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك} محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق على الإطلاق, الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يدعو بهذا الدعاء، وبعض الناس يقول: أنا ملتزم وتفوته صلاة الفجر الله المستعان! كيف التزمت وصلاة الفجر تفوتك، نسأل الله أن يرحمنا وإياكم بواسع رحمته، وبعضهم يقول: أنا ملتزم ولكني مفتون بسماع الأغاني! أقول: اسمع الرجال، اسمع أحوال الرجال، هذا أبو هريرة تلميذ من تلاميذ الرسول صلى الله عليه وسلم, حفظ كثيراً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, ولما حضرته الوفاة جعل يبكي رضي الله عنه, فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: [[يبكيني بعد المفازة، وقلة الزاد، وضعف اليقين، والعقبة الكؤود، التي المهبط منها إما إلى الجنة وإما إلى النار]] يا لها من أحوال!

حذيفة بن اليمان حال الاحتضار

حذيفة بن اليمان حال الاحتضار ولما حضرت حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الوفاة قال: [[اللهم إني كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء]] اسمعوا أيها الأحباب، اسمعوا هذا الصحابي الجليل ماذا يقول-[[يقول: إني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، وقيام الليل، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء في حلق الذكر]] لا إله إلا الله، مطالب جيدة، مطالب طيبة، يقول: إنما أحببت البقاء لظمأ الهواجر، فقد كان يصوم وقت الحر, وبعض الناس إذا جاء رمضان في الصيف قال: أذهب إلى بريطانيا , وإذا ذهب إلى بريطانيا قال: نحن مسافرون نؤخرها إلى السنة القادمة! الله المستعان! اللهم لا تحرمنا فضلك يا رب العالمين! [[ولكن لظمأ الهواجر، وقيام الليل، ومكابدة الساعات]]. قيام الليل. نسأل الله أن يوقظنا من رقدة الغفلة إنه على كل شيء قدير، بعض الناس لا يعرف قيام الليل إلا في رمضان وربما كلنا نسأل الله أن يرحمنا بواسع رحمته, إنه على كل شيء قدير [[وقيام الليل، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء في حلق الذكر]] ولما اشتد به النزع جعل كلما أفاق من غمرة فتح عينيه وقال: [[رب اشدد شدتك واخنق خنقتك فوعزتك إنك لتعلم أني أحبك]].

محمد بن المنكدر حال الاحتضار

محمد بن المنكدر حال الاحتضار ولما نزل الموت بـ محمد بن المنكدر بكى, فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: [[فما أبكي حرصاً على الدنيا، ولا جزعاً من الموت، ولكن أبكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر، وقيام ليالي الشتاء, نحن الآن نفرح بطول ليالي الشتاء]] نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً، ولعله -إن شاء الله- ليس فينا من فيه تلك الخصال. أيها الأحباب: لعل البعض مبتلى إما بجار أو بقريب -نسأل الله العافية- طوال الليل مع الأفلام والتمثيليات والبلوت والكنكان, وهذا يسب هذا وهذا يشتم هذا فأي أحوال أشرُّ من هذه الأحوال؟ نسأل الله حسن الختام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يقول بعض السلف: من يرد ملك الجنان يدع عنه التواني وليقم في ظلمة الليل إلى نور القران وليصل صوماً بصوم إن هذا العيش فانِ اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

أبو عطية والفضيل حال الاحتضار

أبو عطية والفضيل حال الاحتضار ولما احتضر أبو عطية أي: حضره الموت، جزع فقالوا له: أتجزع من الموت؟ فقال: وما لي لا أجزع وإنما هي ساعة فلا أدري أين يسلك بي. ولما حضرت الفضيل بن عياض الوفاة غشي عليه، ثم أفاق وقال: يا بعد سفري وقلة زادي, السفر إلى الآخرة, والقبر أول منازل الآخرة, إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار, فرحمهم الله, رحم الله أولئك الرجال, استعدوا لتلك المواقف العظيمة فنسأل الله أن يوقظنا من رقدة الغفلة، ونستعد لما استعدوا له فنقدم الزاد, يقول بعض السلف: إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي سكنا جعلوها لجّة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا

ذم الذين يركنون إلى الدنيا

ذم الذين يركنون إلى الدنيا وبالعكس من أولئك, أناس جهال عمي البصائر، لم ينظروا في أمر الدنيا، ولم يكشف سوء حالها ومآلها, برزت الدنيا لهم بزينتها, ففتنتهم فإليها أخلدوا، وبها رضوا، ولها اطمأنوا، حتى ألهتم عن الله تعالى، وشغلتهم عن ذكر الله وطاعته, قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19]. يقول الشافعي في أبيات له -ولكن نقتصر على بيتين منها- رحمه الله في ذم الدنيا: وما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همّهنَّ اجتذابها فإن تجتنبها كنت سِلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها أيها الأحباب: والله تعالى ذم الذين يركنون إلى الدنيا ويطمئنون إليها، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7 - 8] اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا. أيها الأحباب: والله ما هناك ناصح أنصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل وعلا بعثه بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة, فاسمعوا إلى هذا النصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول لأحد الصحابة: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} قال ابن عمر رضي الله عنه: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح, وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء, وخذ من صحتك لمرضك, ومن حياتك لموتك]]. فنهاية الدنيا الموت الذي يهجم على الإنسان وبدون إنذار, فالموت -يا إخواني- خطب فادح, نسأل الله حسن الختام إنه على كل شيء قدير.

وصف الموت وسكراته

وصف الموت وسكراته يقول بعض السلف يصف حالة الموت: "إنه الموت إذا نزل فلا تسأل عن كربه وآلامه، حتى قالوا: إنه أشد من ضرب بالسيوف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض, والسبب أنه لا يقدر على الصياح مع شدة الألم لزيادة الوجع والكرب" لماذا؟ لو ترك له المجال ما وقف إلا في آخر الدنيا إذا نزل به الموت, ولكن الموت قهر كل قوة, وضعف كل جارحة, فلم يبق له قوة, أما العقل فقد غشيه وشوّشه, وأما اللسان فقد أبكمه, وأما الأطراف فقد خدّرها وضعّفها, فإن بقيت فيه قوة سمعت له خواراً وغرغرة من صدره ومن حلقه حتى يبلغ بها الحلقوم, فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها, والله كم هناك من يريد أن يقول: أريد أن أفعل كذا وأفعل كذا ولكن هيهات فقد نزل به الموت, فكم من مفرط سوف يقول: {ربِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] ولكن والله لا يجاب على هذا. أيها الأحباب! لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أكثروا من ذكر هادم اللذات} قال بعض الناصحين رحمهم الله: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: "تعجيل التوبة, وقناعة القلب، والنشاط في العبادة" والمصيبة من نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: "تسويف التوبة، وعدم الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة".

قصيدة في وصف الموت وما بعده

قصيدة في وصف الموت وما بعده إخواني: لنسمع هذه القصيدة وهي تصف لنا حال الإنسان, يقول رحمه الله: ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسب وتجمع في لوحٍ حفيظٍ وتكتب وقلبك في سهوٍ ولهوٍ وغفلةٍ وأنت على الدنيا حريصٌ معذب تباهي بجمع المال من غير حله وتسعى حثيثاً في المعاصي وتذنب والله هذا واقع فيه كثير من الناس, جَمَع المال لا يبالي من أي وجه دخل عليه, وإذا قيل له: يا أخي اتق الله! إن هذا المدخل حرام قال: مازلتم تعلمونا، مازلتم توعظونا، نعم, قال تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] انته إذا جاءتك الموعظة من الله، لا تعاند يا عبد الله! اتق الله عز وجل نسأل الله أن يبصرنا في ديننا, وأن يرزقنا التفقه في الدين إنه على كل شيء قدير, يقول رحمه الله: تباهي بجمع المال من غير حله وتسعى حثيثاً في المعاصي وتذنب أما تذكر الموت المفاجئك في غد أما أنت من بعد السلامة تعطب أما تذكر القبر الوحيش ولحده به الجسم من بعد العمارة يخرب أما تذكر اليوم الطويل وهوله وميزان قسطٍ للوفاء سينصب تروح وتغدو في مراحك لاهيا وسوف بأشراك المنية تنشب ثم يذكر حاله وهو في حالة النزع نسأل الله حسن الختام, فيقول رحمه الله: تعالج نزع الروح من كل مفصل فلا راحمٍ ينجي ولا ثَم مهرب وغمضت العينان بعد خروجها وبسطت الرجلان والرأس يعصب وقاموا سراعاً في جهازك أحضروا حنوطاً وأكفاناً وللماء قربوا وغاسلك المحزون تبكي عيونه بدمع غزير واكف يتصبب وقد نشروا الأكفان من بعد طيها وبخَّروا منشورهن وطيبوا سبحان الله العظيم! يا لها من مواقف يا إخواني، بعد ما كان واقفاً تفصل له وتقاس عليه الملابس، صار الآن يلبس آخر كسوة من الدنيا, يلف بهذه الخرقة, الله أكبر، لا إله إلا الله، اللهم أيقظنا من رقداتنا يا رب العالمين, والله إن الموت أمره عظيم, والله لو تذكرنا دائماً الموت ما كان حالنا هكذا وما أكثر التذكار بالموت، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون. بعض الناس يقول: الآن الطب الحديث تطور, ولكن يا ليته ينظر إلى الموت الآن, الموت الآن يأخذ بالكمية نسأل الله حسن الختام، والله لو كانت القلوب واعية، والقلوب حية؛ لكفاها ما ترى في تلك الطرق, أحياناً تجد عائلة بأكملها يختلط الرجال والنساء لحومهم وعظامهم سواء, فأين الاعتبار؟ أحياناً يلتقط من الطريق جثث هامدة, اللهم اشف مرض قلوبنا يا رب العالمين. كنا قبل سنين إذا رأينا الجنازة طار عنا النوم, وتكدر علينا الطعام والشراب ثلاثة أو أربعة أيام، والآن إنا لله وإنا إليه راجعون, في المقبرة الآن تجد هذا يشعل السيجارة وهذا يتحدث كم طول الأرض؟ وماذا فعلت اليوم وماذا حصل لك وماذا قالت الجريدة والمجلة؟! وهو في المقبرة! وهو والله لا يدري أيخرج منها أو يدفن بجوار من جاء يشيعه, نسأل الله حسن الختام. فيا إخواني! علينا أن نتذكر هذه المواقف, يقول رحمه الله: وقد نشروا الأكفان من بعد طيها وبَّخروا منشورهن وطيبوا وألقوك فيما بينهنَّ وأدرجوا عليك مثاني طيّهن وعصّبوا وفي حفرة ألقوك حيران مفرداً تضمك بيداء من الأرض سبسب إذا كان هذا حالنا بعد موتنا فكيف يطيب اليوم أكل ومشرب وكيف يطيب العيش والقبر مسكنٌ به ظلمات غيهب ثم غيهب وهول وديدان وروع ووحشة وكل جديد سوف يبلى ويذهب فيا نفس خافي الله وارجي ثوابه فهادم لذات الفتى سوف يقرب

حال الإنسان عند خروج الروح

حال الإنسان عند خروج الروح أيها الأحباب: في الختام أسأل الله أن يختم بالصالحات أعمالنا, ونختم بحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث صحيح يبين لنا حالة الإنسان عند خروج الروح, يقول صلى الله عليه وسلم: {إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال على الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة, وحنوط من حنوط الجنة, حتى يجلسوا منه مد البصر, ويجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان, قال: فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء فيأخذها, فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن, وفي ذلك الحنوط, ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان, بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا, حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له, فيفتح له فيشيّعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها, حتى يُنتهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين, وأعيدوه إلى الأرض في جسده. فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: ربي الله, فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام, فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيقولان: ما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقته, فينادي مناد من السماء, أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة, فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره, ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك, هذا يومك الذي كنت توعد, يقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح, فيقول: رب أقم الساعة, حتى أرجع إلى أهلي ومالي. وإن العبد الكافر أو الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزل إليه ملائكةٌ سود الوجوه, معهم المسوح, فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول, فيأخذها, فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح, ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له, ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] , فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجيل في الأرض السفلى ثم تطرح روحه طرحاً, ثم قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] فتعاد روحه في جسده. ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ها ها لا أدري, فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ها ها لا أدري, فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: ها ها لا أدري, فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار, فيأتيه من حرها وسمومها, ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه, قبيح الثياب، منتن الريحة, فيقول: أبشر بالذي يسوءك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه القبيح الذي يجيء بالشر, فيقول: أنا عملك الخبيث, فيقول: يا رب لا تقم الساعة}. نسأل الله حسن الختام. إخواني الخلق ليس بينهم وبين الله نسباً، من أطاعه أدخله الجنة ومن عصاه أدخله النار, فنسأل الله جل وعلا أن يعيننا على طاعته.

قصيدة زين العابدين في الموت وما بعده

قصيدة زين العابدين في الموت وما بعده ولعلكم تسمحوا لي لأني وعدتكم في بداية الكلام أن أذكر لكم قصيدة زين العابدين بن علي بن الحسين فأذكرها لكم الآن, يقول رحمه الله: ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزن سفري بعيد وزادي لا يبلغني وقسمتي لم تزل والموت يطلبني ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني يا زلةً كتبت يا غفلةً ذهبت يا حسرةً بقيت في القلب تقتلني دع عنك عذلي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني ما كان عنده أفلام ولا عنده تمثيليات, كيف لو رأى الآن أحوال بعض المسلمين التي يرثى لها؟ إنا لله وإنا إليه راجعون, كيف لو رأى أحوال نسائنا في الشوارع متبرجات سافرات فاتنات مفتونات؟! وكيف إذا نظر أحوال الناس وهم يحلقون اللحى، ويقصون قصة الهر والأسد وغيرها؟! كيف لو نظر أحوال الناس وهم يسبلون الثياب في هذه الأزمان؟! كيف لو نظر أحوال الناس وهم لا يعرفون صلاة الفجر إلا في رمضان؟! كيف لو نظر أحوال الناس وهم يتسابقون على الربا يحاربون الله ورسوله علانية؟! كيف لو نظر إلى الناس وهم يتساقطون صرعى سكارى فدية للمسكرات والمخدرات؟! فيقول: دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرةٌ منها تخلصني ثم يصف لنا الحالة التي سوف تمر بنا جميعاً, ويقول: كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني وغموضني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفن وقام من كان أولى الناس في عجل إلى المغسِّل يأتيني يغسلني وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطن فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وأنزلوني إلى قبري على مهل وأنزلوا واحداً منهم يلحّدني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني وقال هلّوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن في ظلمة القبر لا أم هناك ولا أب شفيق ولا أخ يؤنسني وهالني صورة في العين إذ نظرت من هول مطلع ما قد كان أدهشني من منكر ونكير ما أقول لهم إذ هالني منهما ما كان أفزغني فامنن عليَّ بعفو منك يا أملي فإنني موثق بالذنب مرتهني ثم قال رحمه الله: تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني وزر الربا, والغش, والخداع, والمساهمات الربوية, وأشرطة الفيديو, وأشرطة الكاسيت الأغاني, وكتب الزندقة والإلحاد, والجرائد والمجلات صارت على ظهره، والورثة يأخذون الأموال, اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا, ثم يقول رحمه الله: فلا تغرنَّك الدنيا وزينتُها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الزاد والكفن خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني ثم أيضاً أذكر البيتين لبعضهم, وهو يذكرنا ما الذي يحصل بعد الموت, يقول رحمه الله: يوم القيامة لو علمت بهوله يا إخواني! لو أن النهاية بالموت كان الأمر بسيط، لكن بعد الموت أمور عظيمة, القبر والوقوف بين يدي الله. يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهلٍ ومن أوطاني يوم تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولداني ثم يقول الآخر: وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور اللهم ارزقنا الإيمان بعذاب القبر ونعيمه, وارزقنا الإيمان بيوم البعث والنشور, واجعلنا ممن يساقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض يا رب العالمين. اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً, وتفرقنا من بعده تفرقا ًمعصوماً, ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً, اللهم أحسن ختامنا, اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان يا رب العالمين, اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة, ولا تجعلها حفرة من حفر النار يا رب العالمين. اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين, اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بتوبة نصوحاً يا رب العالمين, اللهم ارزقنا توبة نصوحاً تطهر بها قلوبنا وتمحص بها ذنوبنا وتحصن بها فروجنا يا رب العالمين, اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك, وأغننا بفضلك عمن سواك, اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا, اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم أصلحنا وأصلح أولادنا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا, واجعلنا جميعاً هداة مهتدين, ندعو إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة، نأمر بالمعروف ونفعله وننهى عن المنكر ونجتنبه, إنك على كل شيء قدير. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان, وأغث أوطاننا بالقطر النافع يا رحمن, اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عذاب القبر ونعيمه

عذاب القبر ونعيمه التقوى جماع للأعمال الصالحة، وهي سبب للنجاة في الدنيا والآخرة، وسبب للرزق الحسن. وعن التقوى وأهميتها استهلَّ الشيخ حديثه هذا، ثم دلف إلى موضوع نعيم القبر وعذابه مقتبساً ما يناسب المقام من نصوص الكتاب الخالد، ومن كلام النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم. وقد تحدث عن الاحتضار وحياة البرزخ ويوم البعث وأوصافه. ووجه رسالة هامة إلى المرأة المسلمة محذراً إياها من فتن العصر التي لم يعرفها السابقون.

عاقبة التقوى وأهميتها

عاقبة التقوى وأهميتها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الإخوان في الله! وأيتها الأخوات في الله! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل، التي هي وصية الله للأولين والآخرين، فإن تقوى الله عز وجل هي الأساس وهي التي تتقدم الإنسان، وهي الزاد في مسيره من بعد موته إلى أن يبعث يوم القيامة، ولن ينجو إلا المتقون كما قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:102 - 103]. التقوى يا عبد الله! -قبل أن ندخل في موضوع نعيم القبر وعذابه- حثنا عليها رب العزة والجلال فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء:1] ثم يكرر ربنا جل وعلا في صدر هذه السورة الأمر بالتقوى ويقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. التقوى يا عبد الله! زادك في الحياة الدنيا وفي القبر ويوم يقوم الأشهاد، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب:70 - 71] فبالتقوى تصلح الأعمال وتغفر الذنوب وتكفر السيئات، وبالتقوى تحصل الخيرات بأجمعها، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29] وبالتقوى يحصل الفرقان بين الحق والباطل، فمن اتقى الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب النواهي، وفق لمعرفة الحق من الباطل؛ فكان ذلك سبباً لنجاته في الدنيا والآخرة، ويقول الله جل وعلا حاثاً على التقوى لما فيها من الفضل العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28] ويقول الله أيضا حاّثاً على التقوى لما يحصل فيها من الخروج من كل ضيق، ومن تيسير الأمور، وتفريج الكروب -ولعلكم تذكرون حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فكل واحد منهم تقرب إلى الله وتوسل إليه بصالح عمله ففرج الله عنهم، وتلك عاقبة التقوى يا عباد الله- قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] ويقول الله أيضاً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] ويقول جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5]. نعم. إذا حصلت التقوى؛ حصل الإيمان، والإيمان بماذا يزيد؟ يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

حال المؤمن والكافر عند الاحتضار

حال المؤمن والكافر عند الاحتضار عليكم إخوتي في الله أن تؤمنوا بكل ما جاء في الكتاب والسنة، من آيات وأحاديث تبين حالة المحتضر عند خروج الروح من الجسد، فالمؤمنين لهم حالة، والكافرين لهم حالة، فالمؤمن عند خروج الروح من جسده له أحوال طيبة يستبشر بها ويفرح بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت إحدى زوجاته: يا رسول الله! إنا لنكره الموت، قال: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه؛ فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضر -أي حضره الموت- بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه؛ فكره لقاء الله فكره الله لقاءه} رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري. وأيضاً عند خروج روح المؤمن تنزل عليه البشرى من السماء مع رسل الله من الملائكة، فاسمع يا من تريد ذلك فاستقم على طاعة الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] ما موقفك يا عبد الله! إذا أتتك هذه البشارة، وأنت في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، هذه ملائكة الرحمن، أرسلهم إليك وفوداً من السماء لتبشرك: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] ثم تقول لهم الملائكة أيضاً: {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا} [فصلت:30 - 31] لأن الإنسان إذا فارق الأهل والأولاد عند ذلك يحزن الله أكبر! في الجنة يا عبد الله! {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:31 - 32] أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم ممن يبشر بهذه البشارة. ولكن الكافر فإنه عند خروج الروح تنزل عليه ملائكة العذاب، يضربون وجوههم وأدبارهم، واسمعوا وصف الله تعالى لحالهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50] ثم يقال لهم بعد هذا الضرب: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال:51] إذا عرفنا هذا؛ فعلينا أن نستعد للموت؛ ونسأل الله حسن الخاتمة؛ ونحسن الظن بالله عز وجل، فقد قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله} رواه مسلم.

حال المؤمن والكافر في القبر

حال المؤمن والكافر في القبر إخواني: لقنوا من حضرتهم الوفاة لا إله إلا الله برفق، فقد ورد في الحديث: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ثم بعد ذلك تخرج الروح، وبعد الفراغ من التجهيز والحمل على الأكتاف تقول هذه الجنازة إن كانت صالحة: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟! يسمع ذلك كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس، وقبل أن يوضع في الحفرة يتبعه ماله وأهله وعمله، ثم يرجع أهله وماله، ولا يبق إلا العمل، ثم يوضع في تلك الحفرة وتنصب عليه اللبنات ويحثى عليه التراب. كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر بكى حتى تبتل لحيته من الدموع رضي الله عنه، الله أكبر! ويقولون: لماذا تبكي يا عثمان؟ فيقول: كيف أتذكر الجنة والنار ولا أبكي!! فالقبر يا إخواني أمره عظيم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك إلى النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً} قال: قتادة رحمه الله: [[وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، ويملأ عليه خَضِراً إلى يوم يبعثون]] ثم رجع إلى الحديث السابق قال في تكملته: {وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة؛ فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين -يعني الإنس والجن-} وهذا حديث صحيح متفق على صحته. فهنيئاً لمن أطاع الله ورسوله وقام بما أوجب الله عليه، فإن القبر يكون عليه برداً وسلاما وروضة من رياض الجنة، ويقال له: نم نومة العريس، الذي لا يوقظه إلا أحب الناس إليه، فتصور نفسك يا عبد الله! إذا قدمت إليك هذه البشارة، وأتاك عملك الصالح في صورة شاب حسن الثياب طيب الريح. تذكر يا عبد الله! ذلك القبر الفسيح، إن كنت ممن أنعم الله عليهم بذلك القبر فجعله عليهم من رياض الجنة.

صور من عذاب البرزخ

صور من عذاب البرزخ وأما من فرط وتعدى الحدود؛ فإنه يكون له حفرة من حفر النار، فويلٌ لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات، كيف حاله إذا ضغطه القبر وأقبل عليه منكر ونكير، ما الجواب يا من أضعت الصلاة! وأخرتها عن أوقاتها؟ كيف حالك إذا صرت بعد القبر في سقر مع الكافرين؟ كيف حالك يا من تكذب كلما غدوت؟! كيف حالك يا من اعتدت الكذب إذا صرت في البرزخ؟! أيها الكذاب! يا من تقول: هذه كذبة سوداء، وهذه كذبة بيضاء، كيف حالك إذا صرت في البرزخ مستلقٍ لقفاك، وإذا آخر قائمٌ عليك بكلّوب من حديد، وإذا هو يأتي إلى إحدى شقي وجهك فيشرشر شدقك إلى قفاك ومنخرك إلى قفاك، وعينك إلى قفاك؟! فهذا عذاب الكذاب في البرزخ. ويل لمن ارتكب الزنا من الذكور والإناث، فإن عذابهم في البرزخ في تنور أسفله واسع، وأعلاه ضيق، لهم فيه أصوات ولغط لما يذوقون فيه من أليم العذاب. ويل لأكلة الربا، فإن آكل الربا في البرزخ يسبح في نهر أحمر مثل الدم، وعلى شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفتح له فاه فيلقمه حجراً، يا ويله من ذلك العذاب إلى يوم يبعثون. ثم يا ويلك يا من تأكل لحوم الناس! ويل لمن اعتاد أكل لحوم الناس، فإنهم في البرزخ لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم. عباد الله! وكذلك من أسباب العذاب في البرزخ عدم التنزه من البول، والمشي بالنميمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين: {إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله}. عباد الله! ويلٍ لمن مات وهو يرتكب الجريمة الشنعاء جريمة اللواط، التي عذب الله بها قوم لوط، فقلب عليهم ديارهم بسبب هذه الجريمة الشنعاء، يا ويل من مات من غير توبة وهو يرتكب جريمة اللواط، فإنه بذلك أحل بنفسه سخط الله ومقته، فقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما: [[أن اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزيراً]] والعياذ بالله!

بعث الخلائق بعد الموت

بعث الخلائق بعد الموت عباد الله! ثم تمضي السنون والأعوام والدهور والناس في قبورهم منهم المنعم ومنهم المعذب، حتى يأذن الله في خراب هذا العالم، فيأمر إسرافيل فينفخ في الصور، قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] هذه نفخة الصعق التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ثم يقبض الله أرواح الباقين، حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم الباقي -لا إله إلا الله- المتصف بالديمومة والبقاء قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ثم يقول جل جلاله: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول: لله الواحد القهار. ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل، ويأمره أن ينفخ في الصور أخرى وهي النفخة الثانية نفخة البعث، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] أي: أحياء بعد ما كانوا عظاماً ورفاتاً، صاروا ينظرون إلى أهوال يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة.

أوصاف يوم البعث في القرآن

أوصاف يوم البعث في القرآن {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:1 - 14]. وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَت وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:1 - 5]. وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّك كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق:1 - 7] الله أكبر! اسمع يا عبد الله تقسيم الشهادات! {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:7 - 12] ليس هناك دار أخرى، ولا واسطة، ليس هناك إلا الصحف، إما باليمين وإما بالشمال من وراء الظهر {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:10 - 12].

من مشاهد يوم القيامة

من مشاهد يوم القيامة عباد الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟!! -يا ليتنا نتذكر هذا الكلام يا عباد الله! والله إن القلوب مريضة، ومستغرقة في غفلتها - فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض} الله المستعان! الله أكبر يا عباد الله! ألا نتذكر ذلك دائماً، ألا نجعل ذلك دائماً في صك وفي جدار الفلة {الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض} إنه موقف عظيم طويل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم} الله أكبر! الله المستعان! هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا قول رسول الله الذي أعرضنا عن سنته وعن القرآن، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. ولكن متى نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! إذا فرغنا قلوبنا من الملاهي، وبيوتنا من الملاهي ومن المجلات ومن القصص الغرامية ومن الأفلام والتمثيليات التي أخذت في قلوبنا أماكنها، وملأت القلوب، فلا يدخل فيها قول الله ولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه عائشة أم المؤمنين تقول: {يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! ويجيبها صلى الله عليه وسلم: الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض} إنه موقف عظيم طويل، يبين ذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فيقول: {يذهب عرق الناس يوم القيامة في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى آذانهم} ووالله ما ذهبت هذه الكمية إلا لطول المقام يوم القيامة يا عباد الله! في ذلك اليوم العظيم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجلٌ قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} سبعة يظلهم الله في ظله في ذلك اليوم العظيم يوم يعرق الناس يوم القيامة، حتى يذهب في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم. في ذلك اليوم العظيم الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق -وأولئك السبعه تحت ظل عرش الرحمن في غاية من الأمن والسرور، -مقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً!!} تفكروا يا عباد الله. في ذلك اليوم العظيم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام -تقاد بسبعين ألف زمام- مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} في ذلك اليوم العظيم، في ذلك اليوم الرهيب، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. يوم القيامة، يوم يجعل الولدان شيباً، يوم القيامة يوم ينقلب فيه هذا العالم ويتغير: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم:48] ثم بعد ذلك: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] يوم القيامة تخرس فيه الألسن وتنطق فيه الجوارح، الله المستعان! اسمع يا عبد الله! وارجع إلى ربك وتب قبل أن ينطق عليك اليدان والفخذان بالشهادة، قبل أن يقر عليك سمعك وبصرك بما ضيعت من أوامر الله، وارتكبت من المحارم.

موازين الأعمال

موازين الأعمال عباد الله! تفكروا في الميزان حين ينصب وتشخص الأبصار، ثم لسان الميزان يميل إلى جانب الحسنات، أو إلى جانب السيئات، ثم تفكروا في قول الله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] الله أكبر! يا لها من شهادة!! يا له من نجاح لا يعادله نجاح!! {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] بماذا تثقل هذه الموازين بالشوط الأول أو الشوط الثاني؟ أم بتضييع أوقات الصلوات على المدرجات؟ لا تثقل إلا بالأعمال الصالحة، التي أضاعها الكثير من الناس. بماذا تثقل هذه الموازين بالأفلام والتمثيليات، وقضاء الوقت مع الورق وغيرها؟ لا. إنما تثقل بالأعمال الصالحات. هناك فرق بين أقوام يقضون أوقاتهم في اللهو واللعب، وبين أقوام يقضون أوقاتهم في طاعة الله، اسمعوا الفرق يا عباد الله! {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] واسمع المفرِّط: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:103 - 104] ثم اسمع إلى النتيجة أيضاً من البيان الذي بينه الله لنا في القرآن العظم: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6 - 11]. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، ولا يجعلنا من أهل النار، أسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وأن لا يجعلها حفرة من حفر النار، اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً. اللهم صلِّ وسلم على نبيك وعبدك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رسالة إلى المرأة

رسالة إلى المرأة الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: أيها الأخوات في الله: أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكن لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير، الإسلام ولله الحمد أكرم المرأة وأعزها وشرفها، وأبرزها بالصفات الحميدة التي تنبغي لها وتليق بها، وأخرجها من براثن الجاهلية لأن الجاهليين كانوا يسومونها سوء العذاب، يبيعونها ويشترونها كما تشترى السلعة، أما الآن وبعد أن جاء الإسلام -ولله الحمد- فالمرأة صارت مكرمة معززة مشرفة، لها حقوق كما أن عليها واجبات ينبغي لها أن تقوم بها، فإذا قامت بهذه الحقوق وماتت والله راضٍ عنها؛ فإن الله يدخلها الجنة ونعم دار المتقين الجنة. فقد ورد في الحديث: {إذا صامت المرأة شهرها، وصلت خمسها، وصانت عرضها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة} ولكن إذا فرطت والعياذ بالله، وصارت فتنة وآلةً بأيدي أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، يديرونها كيف شاءوا؛ فعند ذلك تضيع وتهين كرامتها وشرفها، وتكون في أسفل سافلين، وتكون في النار التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: {اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء -نسأل الله العفو والعافية- فقامت امرأة من أوسط النساء فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير} إلى آخر ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينبغي لك أختي المسلمة: أن تصوني لسانك عن اللعن والشتم، والسب، والغيبة والنميمة، وأن تحتاطي وتخافي الله عز وجل في السر والعلانية.

الحذر من التبرج

الحذر من التبرج أيتها المسلمة: لا تكوني إذا كنتِ بحضرة الزوج، أو بحضرة الوالد والإخوان كنتِ عابدة، وإذا اختليتِ أو خرجتِ إلى الأسواق كنتِ شيطانية فاتنة والعياذ بالله؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما -وذكر من هذان الصنفان- نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يرحن رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} فاحذري أختي المسلمة أن تكوني من هؤلاء النساء اللواتي يخرجن إلى الأسواق يفتن الرجال متعطرات متجملات، حاسرات عن الذراعين مبديات للنحر، شاقّات حول الساقين الشقة الخبيثة التي أتى بها الخياطون -أسأل الله أن يزيلهم عن بلاد المسلمين- والله ما رأينا من مجيء الخياطين إلا أن المرأة بدأت تتكلم على الزوج كلاماً لا يرضي الله ولا رسوله؛ حتى إن بعضهن تمكث الوقت الطويل عند الخياط يعطيها المقاييس والمواصفات، ويطلعها على كتبٍ خبيثة أتى بها من تايلاند ومن فرنسا ومن أمريكا، ويحول هذه المرأة المسلمة إلى تايلاندية أو نصرانية أو فرنسية أو أمريكية أو يهودية، نعم. هذا الذي يريده أعداء المسلمين، هل ترين أن ذلك رحمة ومحبة منهم؟ لا والله ثم لا والله، بل حسدوك على هذه الحشمة وعلى هذه الكرامة وعلى هذه العزة، فأرادوا أن يخرجوك من الحجاب، وأرادوا أن يخرجوك من هذه العباءة لتكوني لهم سلعة، يريدونك كيف شاءوا، إن شاءوا جعلوك في المسرح، أو المرقص، أو الشاشة، هكذا يريد منك أعداءُ الإسلام وأعداء المسلمين، فاحذري أيتها المسلمة! وحافظي على كرامتك وشرفك ومروءتك، فإذا أردتِ الجنة فإن الجنة عند الله وسلعة الله غالية، لا تُنال إلا بطاعة الله عز وجل، الجنة لا تُنال بتعدي الحدود وبالمعاصي وبارتكاب المحرمات.

مسئولية المرأة في البيت

مسئولية المرأة في البيت أيتها المرأة: إن عليك مسئولية قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها} أنتِ مسئولة عما استرعاك الله عليه من الأولاد، لا تسمعي الأولاد إلا كلاماً طيباً، ربيهم على دين الإسلام، وعلى القرآن وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذريهم من أعداء الإسلام ومن أعداء المسلمين، ولا تتركي لهم الحبل على الغارب، فإنك مسئولة عنهم أمام الله عز وجل. ولكن مع الأسف الشديد، من المربية الآن؟! المربية نصرانية أو بوذية، أو يهودية أدخلوها على بلاد الإسلام والمسلمين، فالمرأة تخرج من البيت وتترك هذه المفسدة، إنها ليست والله مربية بل هي مفسدة تفسد هذا الطفل، وتنمي عقيدته على عقيدتها الخبيثة، إن كانت نصرانية أو بوذية أو يهودية، فاحذري أيتها المسلمة، إن عليك مسئولية عظيمة أمام الله عز وجل، ما الجواب إذا سألك الله عز وجل عن هذه الرعية التي تركتي لهم الحبل على الغارب؟ والبعض من الأمهات هداهن الله، إذا أراد الأب أن يوقظ ابنه للصلاة قالت: إنه تعبان، إنه مذاكر، وإذا أراد أن يوقظه للدراسة صارت هي أقوى عزماً من هذا الأب للدراسة، لماذا أيتها الأم؟ اتقي الله عز وجل، فطاعة الله وأداء فرض الله مقدم على كل شيء، وهو والله النجاح في الدنيا والآخرة، وخذي من ذلك المنهج الذي رسمه صلى الله عليه وسلم طريقاًَ لك عندما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع} هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على هذه الأخلاق وعلى هذه التربية المفيدة، إن أخذنا بها نجحنا في الدنيا والآخرة وبلغنا المقصود، وإن تركناها وراء ظهورنا فسوف ينحط الأولاد ذكوراً وإناثاً وراء التيارات، ووراء المبادئ الهدامة التي أتى بها أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. أيها الإخوة في الله: أذكركم أن خادم الحرمين جزاه الله خيراً أصدر أمراً بمنع ثلاثة وعشرين مجلة فادعوا له بالتوفيق والسداد، واسألوا الله عز وجل أن يهديهم لما يحبه ويرضاه هو وولي عهده وجميع الأسرة، فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه، وأن يجنبنا ما يبغضه ويأباه. فأنتم كذلك تعاونوا مع ولي الأمر، لا تدخلوا إلى بيوتكم المجلات، فإنها تفسد الأخلاق والعقائد، والآداب، وتدمر كل شيء، ثم هي تطرد الملائكة عن البيوت، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة} يا من اتخذ التماثيل والصور! أخرجها من بيتك حتى تدخل الملائكة وتحل البركة، أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير.

طاعة المرأة لزوجها

طاعة المرأة لزوجها عندما ذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلق بالمرأة، بعض النساء تخرج إلى الأسواق بدون إذن زوجها، وقد توعدها صلى الله عليه وسلم بوعيد شديد وهو: اللعن والعياذ بالله، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، قال صلى الله عليه وسلم: {أيما امرأة خرجت من بيتها بدون إذن زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع} ثم أذكر النساء اللواتي يقضين أوقاتهن مع الأفلام والتمثيليات، وإذا دعاها زوجها إلى فراشها قالت: حتى تنتهي التمثيلية، حتى ينتهي الفلم، ربما يبيت الزوج وهو غضبان عليك أيهتا المرأة، يكون متعباً وهو يريد أن يقضي وطره من أهله، ثم أنتِ تمتنعين عند الفلم والتمثيلية يقول صلى الله عليه وسلم: {أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشها فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح} والعياذ بالله، فينبغي لك أيتها المرأة أن تكوني طوعاً لزوجك إذا أمرك بطاعة الله عز وجل، أما إذا أمرك بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة بالمعروف. أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم التوفيق والسداد حتى نتعاون على البر والتقوى، فإن المرأة كما في الحديث: {إذا استيقظت من الليل وصلت ما كتب الله لها، ثم أيقظت زوجها وصلى ما كتب له، كتبهما الله من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات} فينبغي لنا أن نحوز هذا الفضل بحول الله وقوته، ونستعين بالله، نأخذ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ننام مبكرين كما كان هديه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، فإذا نام الإنسان مبكراً قام مبكراً، فعلينا أن ننهج نهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبتعد عن المحدثات وعن البدع، اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، اللهم اجعل أعمالنا وأقوالنا كلها صالحة، واجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

ما يشرع لأهل الميت

ما يشرع لأهل الميت Q إذا مات الميت يأتي أبناء الميت بالسلكة ويجعلونها في الماء ويشربونها لينسون الميت، هل السلكة حرام أم حلال جزاكم الله خيرا؟ A أنا لا أعرف السلكة، ولكن المطلوب من المؤمن إذا مات له ميت أن يسترجع ويحمد الله عز وجل، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. هذا الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يسترجع ويحمد الله عز وجل، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157] هذا الذي ينبغي، أما لطم الخدود وشق الجيوب، والنياحة، ودعوى الجاهلية؛ فهذه حرمها الإسلام -نسأل الله العفو والعافية- لكن لا بأس بأن تدمع العين، وأن يحزن القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: {العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا}.

حكم زيارة القبور

حكم زيارة القبور Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فضيلة الشيخ: إني أحبك في الله، سؤالي هو: كيف نجمع بين قول ابن عباس: {لعن الرسول صلى الله عليه وسلم زائرات القبور} وفي حديث آخر: {كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها} علماً أن في الحديث لعن، وفي الحديث الثاني أمر بزيارة القبور؟ A أحبك الله الذي أحببتني فيه، أما حديث اللعن هذا خاص بالنساء، وأما الرجال فقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: {قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها -وفي رواية-فإنها تذكر بالآخرة} أما النهي فهو للنساء.

حد الغيبة

حَدُّ الغيبة Q بالنسبة للغيبة هل هي باللسان أو مثل الذي يقول في نفسه هذا أعرج أو هذا كذا إلى آخره؟ A الغيبة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {ذكرك أخاك بما يكره قال: أرأيت يا رسول الله! إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته}.

كيفية إجلاس الميت في قبره

كيفية إجلاس الميت في قبره Q فضيلة الشيخ: نرجو الرد على الملحدين وخاصة الذين كثروا في هذا الزمن، الذين يقولون: كيف يقعد الملكان (منكر ونكير) الميت وقبره ضيق ولا يستطيع الجلوس جزاكم الله خيرا؟ A أولاً هذا أمر غيبي لا يعلم كيفيته إلا الله عز وجل الذي أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لنا أن نتكلف هذا، ينبغي لنا أن نؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة إيماناً جازماً ولا نسأل عن هذا إلا إذا ورد تبيان هذا الشيء فإنه يبين، أما إذا لم يبين فالأولى ترك هذا.

حكم قراءة يس للميت

حكم قراءة يس للميت Q ما حكم قراءة سورة يس عند الميت؟ A ورد فيها حديث ضعيف.

طريق العودة إلى الله

طريق العودة إلى الله Q فضيلة الشيخ عبد الله: حفظك الله، اعلم أننا نحبك في الله وبعد: بعد معرفتنا لمصيرنا بعد الموت، فما هو الطريق إلى العودة إلى الله في هذه الأجواء المملوءة بالمنكرات الظاهرة والله يحفظكم ويرعاكم؟ A أحبك الله الذي أحببتني فيه، وقد بينت لك في بداية الكلمة التقوى، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها هي الطريق الموصل إلى الله عز وجل، وهي سبيل النجاة في الدنيا وعند الموت وفي الآخرة، فيلزم الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويطيعه، هذه هي الزاد، أما كون الإنسان يتبع نفسه هواها -والعياذ بالله- ويتمنى على الله الأماني فهذا خاسر -نسأل الله العفو والعافية- فعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل، وأن يبادر بطاعة الله، ويتيقن حق اليقين أنه سوف يموت كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ ابن عمر، عندما ضرب على منكبه وقال: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وقال ابن عمر رضي الله عنه: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك]] نعم. هذا الذي ينبغي للإنسان، أما كون الإنسان يتمادى -والعياذ بالله- في المعاصي، ثم يأتيه الموت على غرة فهذا يخشى عليه نسأل الله العفو والعافية! ثم يعلم الإنسان أن الله عز وجل ما أوجده ليستكثر به من قلة، ولا ليتقوى به من ضعف، إنما خلقه لأمر عظيم، وهي طاعة الله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] فكر يا عبد الله! لماذا أرسل الله الرسل؟ ولماذا أنزل عليهم الكتب؟ إلا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فمن أطاعهم وعمل بطاعة الله عز وجل؛ فهو من أهل الجنة، ومن عصى وتعدى فهو من أهل النار، كما قال صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى} ولا شك أن الأجواء مملوءة بالفتن، وهذا ابتلاء وامتحان للمؤمن، وبها يتبين المطيع من العاصي، ولولا هذه الفتن لما خلقت الجنة والنار، فإن الجنة لمن أطاع والنار لمن عصى.

حكم التلاوة عند رأس الميت

حكم التلاوة عند رأس الميت Q بعض الناس يقرأ قرآناً عند رأس الميت إذا دفنه في المقبرة؟ A نرجع هذا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا؟ لا. هل كان الخلفاء الراشدون يفعلون هذا؟ لا. إذاً هذا يعتبر بدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من البدع فقال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور} أي: أنه سيأتي أناس يحدثون بدعاً وخرافات، إياكم أن تكونوا مثلهم أو معهم {فإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار} والذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم إذا دفنوا قال: {ادعوا لصاحبكم بالثبات فإنه الآن يُسأل} هذا الذي ورد، أما قراءة القرآن في المقبرة أو عند رأس الميت فلم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء، فعند ذلك تكون بدعة.

أهمية المداومة على الطاعة

أهمية المداومة على الطاعة Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإنا عند سماع مثل هذه المواعظ نحس بأننا صرنا رقيقي القلوب وضعفاء إلى الله، وإذا خرجنا نسينا كل ما كان، فما هي نصيحتكم لنا جزاكم الله خيرا؟ A كثيرون يسألون عن هذه، ولكن العلاج لهذا أن الإنسان يكثر من مجالس الذكر وهي رياض الجنة، وكذلك الإيمان ينمو ويزداد إذا ثابر الإنسان على حلق الذكر، وكذلك إذا داوم على طاعة الله عز وجل، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي نسأل الله العافية، وكذلك يقرأ القرآن، يا أخي! أقل شيء أنت عندك سور قصيرة، اقرأ (القارعة) اقرأ (إذا زلزلت الأرض زلزالها) اقرأ هذه السور ويتبين لك أمر عظيم، لا تقرأ (البقرة) و (آل عمران) اجلس في زاوية البيت واقرأ. عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- صلى العشاء ودخل إلى محرابه في البيت، فجعل يبكي ويبكي، بعض الناس الآن إذا رأوا من يبكي ينكرون عليه وذلك لقسوة قلوبهم، يقول بعض الناس: لماذا هذا البكاء، هذا اصطناعي نسأل الله العافية، هذا والله قلبه قاس، ولما قسى قلبك ضربت الناس بهذا المثل، نسأل الله العفو والعافية، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا} وبعض الناس لقساوة قلبه وغروره يقول: هذا البكاء اصطناعي، لماذا هذا البكاء؟ الله أكبر! هذا أبو بكر رضي الله عنه كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من خشية الله، وعائشة تقول: لا يقدر أن يصلي ومعنى كلامها لما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي عنه في حال مرضه قالت: إنه لا يقدر أن يقرأ القرآن، أو كما قالت رضي الله عنها، فهذا أبو بكر رضي الله عنه، لكن هذا لا يأتي إلا عن قوة الإيمان. كذلك عمر بن الخطاب كان في وجهه خطان أسودان من البكاء، عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه الذي ما سلك فجاً -أي: طريقاً- إلا وسلك الشيطان طريقاً آخر، الذي بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصر أحمر في الجنة. وهاهم السلف الصالح يبكون ويتباكون عند قراءة القرآن، عمر بن عبد العزيز كان يجمع من حوله العلماء يقرءون القرآن ويتذاكرون الجنة ويبكون كأن بينهم جنازة، ونحن إذا رأينا أحداً يبكي أنكرنا عليه وقلنا: هذا بكاءٌ اصطناعي! أما أن بعض الناس يغشى عليه أو يسقط، فهذا البكاء والتباكي لا ينبغي عند سماع كتاب الله عز وجل وعند سماع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ووجد من السلف مَن إذا حدث بأحاديث الرسول جعل يبكي رضي الله عنه، ونحن الآن إذا دخل الشوط الأول أو الشوط الثاني سقط بعض الناس مغشياً عليهم، ولا ننكر عليهم نقول: يا سلام هذا يشجع، هذا بطل!! نعم. هذا هو البطل الذي يغشى إذا دخل الشوط الأول والشوط الثاني، لكن إذا بكى أحد من خشية الله نقول: هذا اصطناعي!! فهل فتحنا قلوب الناس حتى نرى هل بكائهم هذا اصطناعي أو حقيقي؟ لا. كذلك تكملة لحديث عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما دخل بيته بعد صلاة العشاء جعل يبكي في محرابه، فجعل أهله يبكون معه وهم لا يدرون لماذا يبكي! فسمع الجيران البكاء فبكوا، ماذا حصل؟ غلب الفريق الثاني أم دخل الشوط الأول؟! قال عمر بن عبد العزيز: لا. تذكرت منصرف الناس يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير فجعلت أبكي، الله أكبر! صحيح هذا هو الذي يبكى له، نعم يا أخي ينبغي لنا أن نبكي ونتباكى عند سماع كتاب الله عز وجل، ولكن من يحصل له ذلك؟ هذا لا يحصل إلا لنادر من الناس. نسأل الله أن يلين قلوبنا القاسية، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: [[لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم]] هذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه الخليفة الثالث الراشد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه رسول الله: {كيف لا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة} فينبغي لنا أن نرجع إلى الأصل إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وننظر إلى أحوال السلف الصالح رضي الله عنه حتى نأخذ منهم منهجاً نقتدي به.

حكم البرقع

حكم البرقع Q فضيلة الشيخ هل البرقع محرم؟ A البرقع الفتنة والبلية العظمى الذي بلينا به، صحيح البرقع كانت فتحاته صغيرة لما كان الناس يستحون، لكن الآن ماذا يراد من البرقع ويقصد منه؟ تفتح فتحة واسعة حتى يتبين الخد المحمر والمصفر والمخضر، هذا هو الفتنة وهذه هي البلوى، كانت تستعمله البادية، الآن يستعمله الحاضر والبادي، لماذا لأنهم سمعوا قصيدة: ما هديت إلا البراقع يفتنني نسأل الله السلامة، ولكنا نمشي وراء كل زاعق وناعق -نسأل الله العافية- هذا لا ينبغي لنا، ينبغي للإنسان أن ينهج منهج السلف الصالح، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {عليكم -يخاطب الأمة الإسلامية جميعاًَ وليس الصحابة فقط- بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ} أتدري ما هو برقع السلف الصالح؟ كانت تفتح ثقباً صغيراً حتى ترى الطريق فقط، ليس مثل اليوم توسع الفتحة حتى يظهر الخد وتظهر العينان نسأل الله العفو والعافية، أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير.

حكم قص شعر المرأة

حكم قص شعر المرأة Q ما حكم قصة المرأة؟ A المرأة إذا قصت رأسها متشبهة بأعداء الإسلام أو كانت متمثلة أو متشبهة بالمغنية أو بالممثلة فهذا حرام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ليس منا من تشبه بغيرنا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: {لا تشبهوا باليهود والنصارى، لا تشبهوا بالمجوس} وكذلك هذا أذكر به الذين يحلقون لحاهم أن رسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اعفوا اللحى، اكرموا اللحى، أرخوا اللحى لا تتشبهوا باليهود والنصارى، لا تتشبهوا بالمجوس} فإن حلق اللحية من التشبه بالنصارى والمجوس أسأل الله العفو والعافية. فإذا كانت القصة هذه تشبه بأعداء الإسلام فهي حرام.

صفات الميزان

صفات الميزان Q فضيلة الشيخ: جزاك الله خيراً على هذه الموعظة، ولقد ذكرت الميزان فما صفة هذا الميزان، وهل هو مثل ميزان الدنيا أم أننا لا نعرف صفته؟ A هذه من الأمور المغيبات، ينبغي للإنسان أن يؤمن بها كما جاءت في الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:9] وقد ورد في ذلك أقوال للعلماء رحمهم الله، لكن إذا كان القول صادراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو على العين والرأس، أما قول البعض فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليك أن تؤمن بكل ما ذكره الله عز وجل وما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q نريد أن نكون متعاونيين على البر والتقوى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما حكم ذلك؟ A هذا صحيح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، وقد عده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حثت عليه نصوص الكتاب والسنة، فالله عز وجل يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:11] بماذا؟ بأكل المفطح؟ أم رصيد البنوك والكادلك والمزيل وما أدراك؟!! لا. أو بسكن القصور؟ لا. لماذا؟ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] إذا أتينا بهذه الشروط الثلاثة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله؛ كنا خير أمة أخرجت للناس، أما إذا ضيعنا هذا فقد ضيعته أمة قبلنا ولعنهم الله على لسان أنبيائهم كما قال جل وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:78] لماذا؟ {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79] فلذلك لعنهم الله عز وجل، وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {كلا. والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ويلعنكم كما لعنهم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم رسم لنا الطريق الذي نسير عليه في تغيير المنكر، فقال صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} -نسأل الله العفو والعافية- فينبغي لنا أن نتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر. حباً لأخيك، مره بالمعروف وانهه عن المنكر حتى تنقذه من عذاب الله بإذن الله يوم القيامة، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ علي رضي الله عنه ويقسم: {فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. فعليك بالدعوة إلى الله عز وجل برفق ولين بدون مداهنة، المداهنة ما هي؟ التي يفعلها البعض من الناس الآن؟ يقول بعض الناس: أنا أريد أن أكون داعية آتي إلى العصاة وألعب معهم ورقة، وأسمع عودهم وأشم الشيشت الذي معهم، هل هذا داعية يا إخواني؟ لا. هذا منحط نسأل الله العافية. الداعية هو الذي يبغض هذه الأشياء، نعم. تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، تبين لهم أن هذا حرام، وهذا حلال، وهذا لا ينبغي والسلام عليكم، إن قبلوا فالحمد لله، وإلا فقل: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، أما كونك تجلس معهم تسمع الأغاني، حتى إن بعض الذين يقولون بهذا بدءوا الآن يشربون الدخان: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً: {مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير} فكيف بك يا أخي؟ هل أنت أعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا. لست أعلم، لكن عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر على بصيرة، كما قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] على بصيرة، على علم ونور، أما كونك تجلس مع الذين يغنون، وأهل التمثيليات والأفلام، ومع أهل البلوت والكنكان، وتقول: أدعوهم إلى الله! فهذه دعوة ليست صحيحة، هذه مداهنة والعياذ بالله. واسمع ماذا حل ببني إسرائيل: كان الرجل يأتي ويقول لأخيه: اتق الله لا تفعل كذا وكذا، اتق الله، ثم لا يمنعه من الغد أن يكون جليسه وأكيله وشريبه، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم كما سمعتم في الآية. فينبغي لنا أن نكون على علم وبصيرة يا أخي، لا نفتح الباب للشيطان، فالشيطان له أبواب، وهو سياسي، إذا عجز عنك عن طريق المعصية، جاءك من طريق الطاعة، تركك توسوس وتسرف حتى تهلك والعياذ بالله، فاحذر! اعبد الله على نور وعلى بصيرة وعلى هدى، لماذا سمى الله عز وجل النصارى ضالين؟ لأنهم يعبدون الله على جهل وضلالة، نعم. كن على نور وعلى هدى وعلى برهان من الله عز وجل {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] إن قبلوا وإلا قل السلام عليكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وتوكل على الله لا تجلس معهم يا أخي.

نصيحة للمدرسات

نصيحة للمدرسات Q نرجو أن توجه نصيحة لبعض المدرسات والطالبات اللاتي يطلبن من الطالبات إحضار مجلات فيها الكثير من المنكرات، والغرض أنه يرد فيها عمل مدرسي مثل طبق معين أو غير ذلك، نرجو توجيه نصيحة بذلك جزاكم الله خيراً؟ A بينت في ذلك أن المجلات كلها مضرة. فأولاً: ينبغي للمدرسة أن تتقي الله عز وجل، وأن تحافظ على هذه الأمانة، وهذه هي فلذات أكباد المسلمين، وفتيات المسلمين تحافظ عليهن وتدعوهن إلى الله عز وجل، وتبين لهن طريق الخير وتنهاهن عن طريق الشر، تحذرهن من السفور ومن إبداء المفاتن والزينة للأجانب، وتحثهن على الحجاب الذي حث الله عليه في كتابه وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة. وهذا المجلة: إذا لم يكن فيها كلام يضر العقيدة والأخلاق؛ فإنه ينبغي للطالبة أن تأخذ معها قلم أسود أو أي قلم، وتطمس على هذه الصورة كما قال صلى الله عليه وسلم لـ علي وعلي قال لـ أبي الهياج: {ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها} فإذا طمست الصورة فعند ذلك لا بأس، فإذا لم يكن في المجلة كلام يضر العقيدة والأخلاق والآداب، أما إذا كان فيها ما يضر بالعقيدة أو بالآداب أو الأخلاق فلا خير فيها.

حكم مصافحة الأجنبية

حكم مصافحة الأجنبية Q هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام؟ A لا يجوز للمرأة أن تصافح الرجل الأجنبي، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما بايع النساء ما صافح امرأة منهن، فينبغي للمرأة أن تحذر من هذا الخطر العظيم، وبعض القبائل عندهم عادة أخرى وهو أنه يقبل امرأة أخيه أو امرأة خاله أو امرأة عمه، وهذا لا ينبغي، هذه ليست من المحارم بل هي حرام عليك، اتق الله عز وجل ولا تقل هذه عاداتنا، هذه تقاليدنا، بل اضرب بعاداتك وتقاليدك عرض الحائط إذا كانت تخالف هدي الكتاب والسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم لماذا بعثه الله؟ ولماذا أنزل معه الكتاب؟! ألم يبعثه ليخرج هذه الأمة من الظلمات إلى النور؟ ليخرجها من الجهل إلى العلم؟ ليخرجها من الكفر إلى الإسلام؟ فينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، لا يصافح المرأة الأجنبية، ولا يقبلها إلا إذا كانت أمه أو أخته، كذلك بعض الناس يقبل الخد مع الفم، فلا ينبغي ولو كانت أمك أو أختك، فقبل مع الرأس تكريماً وصافح الأم والأخت والبنت أما غيرها فلا ينبغي لك أن تصافحها، أما زوجتك فقبلها، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

حكم الاجتماع عند أهل الميت

حكم الاجتماع عند أهل الميت Q فضيلة الشيخ عبد الله الحماد: إننا نحبك في الله، وبعد: فإن بعض الناس إذا مات الميت اجتمع أقاربه في بيته، ثم جلبوا معهم جيرانهم ووضعوا لهم وليمة فهل هذا حلال أم حرام، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا لا ينبغي، هذا يعتبر من النياحة، يقول الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: [[كنا نعد هذا من النياحة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم]] الاجتماع على هذه يكون من النياحة والعياذ بالله. فينبغي لنا أن نبتعد عن هذا، والتعزية أن تعزي أخاك: {من عزى مصاباً في مصيبته فله مثل أجره} والتعزية: أحسن الله عزاءك وجبر الله مصيبتك، وتدعو له بالدعاء وتخرج، أما كونك تجلس، وبعض القبائل تضرب الخيام الأيام الطويلة ويأكلون ويشربون، فهذا لا ينبغي، هذا فيه مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما عليه السلف الصالح.

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة لقد حذر الله تعالى من الاغترار بهذه الحياة الدنيا، وحذر من الركون إليها والانغماس في ملذاتها، فكم هم الذين صرعتهم الدنيا وأردتهم المهالك، والمسلم عليه أن يتذكر ما يقدم عليه من أهوال القيامة العظام، من طول الوقوف في شدة الحر، وعظيم الغبن، وأن يحذر من السيئات ويخاف من المؤاخذة بها.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بطاعتك, ولا تذلنا بمعصيتك, اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً خالصاً لوجهك الكريم, وتقبل منا إنك أنت السميع العليم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام, وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً في دار السلام، في جنة الفردوس الأعلى إنه على كل شيء قدير. أيها الإخوة في الله: إن موضوعنا الليلة وهو موضوع خطير, وعظيم, يحتاج إليه كل إنسان يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره, يحتاج إليه كل إنسان حتى يكمل إيمانه؛ لأنه الركن الخامس من أركان الإيمان, وهو اليوم الآخر. ولما سأل جبريل عليه السلام نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام فأخبره بها, وسأله عن أركان الإيمان فقال له: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره}. أيها الإخوة: لقد خلقنا الله جلَّ وعلا في هذه الحياة لأمرٍ عظيم وهو عبادته، قال الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] خلقنا الله جل وعلا في هذه الحياة, ثم نعيش ما قدر الله لنا من العمر, ثم يأتينا هادم اللذات، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول الله في آيات أخرى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء:77] هذه الدنيا -يا عبد الله- التي سببت لنا قطيعة الأرحام, والجفاء والبغض للإخوان, والتفريق بين الجيران، هذه الدنيا التي صارت أكبر همنا, فأضعنا لأجلها الصلوات, وفوتنا تكبيرة الإحرام التي هي خير من الدنيا وما فيها, ثم بعد ذلك يهجم علينا هادم اللذات، وينقلنا من هذه الدار إلى دار البرزخ في القبور. فيا أخي المسلم: كلنا سوف ينزل به هادم اللذات، ولكنه نزول متفاوت فمنا من تستقبله ملائكة الرحمة بالتحية والسلام والبشرى من رب العالمين, ومنا من تستقبله ملائكة العذاب بالتهديد والوعيد لما أمامهم من سخط الله عز وجل, ثم نمكث في القبور ما كتب الله عز وجل لنا أن نمكث.

حقارة الدنيا وذم الاغترار بها

حقارة الدنيا وذم الاغترار بها وقبل أن نغادر هذه الحياة الدنيا نبين لك ما فيها من العيوب, وقد جمعت لكم كلمات كلكم يعرفها، ولكن من باب التذكير امتثالاً لقول رب العالمين: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55]. إن الأجل منا قريب لا شك في ذلك, ولكننا اشتغلنا بالدنيا الدنيئة, فأشغلتنا عن الاستعداد لما أمامنا؛ فتركنا العمل وسوفنا بالتوبة، وكأننا لم نسمع ولم نقرأ قول الحق جل وعلا: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:1 - 4] وكأننا لم نسمع قول الله جل وعلا: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد:20] ولكن الفرق -يا عبد الله- في الآخرة: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]. ولنلق الأسماع لكلام ربنا، الذي نسمعه دائماً مرات وكرات، يحذرنا ربنا جل وعلا، ألا نغتر بهذه الدار الفانية فيقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5]. وكما حذرنا الله جل وعلا في كتابه من الاغترار بالدنيا؛ فقد حذرنا أيضاً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في صائف فرفعت له شجرة فقال تحت ظلها -أي: نام تحت ظلها وقت القيلولة- ساعة ثم راح وتركها} ويقول صلى الله عليه وسلم لتلميذ من تلاميذه: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} فيقول هذا التلميذ: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء, وخذ من صحتك لمرضك, ومن حياتك لموتك]] ويقول في حديث رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، قال صلى الله عليه وسلم: {لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء} وهذا فيض من غيض مما جاء في ذم الدنيا التي سلبت عقولنا وأخذت أوقاتنا, وما جاء في حقارتها والتحذير من فتنتها, والتنفير من الانغماس في ملذاتها, ومن الاغترار بزخارفها البراقة التي أعْمَتْ الكثير عن الطريق القويم, وشغلتهم عن طاعة الله جل وعلا حتى جاءهم الأجل وهم في غيهم يعمهون. وقد ذمهم الله تعالى بقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] وهل وجدنا أولئك؟ نعم لقد وجدناهم اتبعوا الشهوات وأضاعوا الصلوات, وإن ماتوا من غير توبة فموعدهم غياً, والغي هو وادٍ في جهنم. فيا عباد الله! إن العاقل من يتعظ بغيره ممن صرعتهم الدنيا وأوردتهم المهالك؛ حتى إذا هجم على أحدهم هادم اللذات قال: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] فماذا يقال له؟ {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].

أهوال اليوم الآخر

أهوال اليوم الآخر ثم تنتهي هذه الدنيا وننتقل منها إلى القبور، ثم ينفخ في الصور لقيام العباد ليوم القيامة، يقول رب العزة والجلال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:68 - 70]. وقد ذكر هنا النفخة الثانية, وهي نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ثم يقبض الله أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت هو ملك الموت, وينفرد الحي القيوم الذي كان أولاً وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء, قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] ثم يقول جل وعلا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] فقد زالت الملوك وزالت الرؤساء والأمراء, وبقي الواحد القهار ثم يكون أول من يقوم إسرافيل, فيأمره أن ينفخ في الصور نفخة أخرى, وهي النفخة الثالثة نفخة البعث قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] أي: أحياءً بعد أن كانوا عظاماًَ ورفاتاً, صاروا أحياءً ينظرون إلى أهوال يوم القيامة, وما يكون فيه من الأمور العظام قال سبحانه: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:1 - 14] كل هذه الأهوال سوف تحصل في ذلك اليوم الرهيب الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع فيه الحوامل حملها, وتشيب فيه الولدان، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

الوقوف الطويل في أرض المحشر

الوقوف الطويل في أرض المحشر يقول رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً. قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض}. أيها الإخوة في الله: إنه موقف عظيم طويل, يقول فيه رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم} وفي ذلك اليوم العظيم وفي أرض المحشر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل, فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه, ومنهم من يكون إلى ركبتيه, ومنهم من يكون إلى حقويه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً} وفي ذلك اليوم العظيم يقول صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله}. أيها الشاب: اغتنم فرصة العمر, اغتنم فرصة الشباب، ولا يفوتك هذا الفضل العظيم, فإن الناس قد نزلت عليهم الشمس مقدار ميل, وهؤلاء السبعة تحت ظل عرش الرحمن {شاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين} فلا يتكبد المشاق ويذهب ثمان ساعات عن طريق الجو ليبحث عن الشر والفساد, أين هذا من ذاك؟! فإن هذا إن مات على المعصية هذه "الزنا" فإن موعده تنور أسفله واسع وأعلاه ضيق, ويأتيه لهب من تحته يرفعه ذلك اللهب, حتى إذا أشرف على الخروج سقط في ذلك التنور, هذا للزاني, أما الرجل الذي يقول لما عرضت عليه هذه المرأة ذات المنصب والجمال والحسب: إني أخاف الله رب العالمين, يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: {ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه} فلا ينفق للرياء ولا للسمعة, ولا ليقال: فلان كريم وجواد, وإنما ينفق يبتغي بذلك وجه الله: {ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه}. عباد الله: اغتنموا الأعمار لعلكم تحوزون على هذا الفضل العظيم، وتكونون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

انشغال الناس بأنفسهم وإنطاق الجوارح

انشغال الناس بأنفسهم وإنطاق الجوارح تفكر -يا عبد الله- في ذلك اليوم العظيم, يوم القيامة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} في ذلك اليوم الرهيب تذهل كل مرضعة عما أرضعت، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2] انظر إلى الأم الحنون التي تحنّ على طفلها الصغير, تفارق هذا الطفل في ذلك اليوم العظيم, الطفل الذي لو تأخر عنها بضع دقائق لاشتغل قلبها وفكرها حتى يرجع إليها, ففي ذلك اليوم العظيم تنسى هذا الطفل, وتضع الحوامل ما في بطونها من الأجنة لهول ذلك اليوم العظيم. أتدري ما ذلك اليوم يا عبد الله؟ قال تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] انظر إلى هذا الطفل الصغير الذي رأسه أسود يجعله أبيض من شدة الهول والجزع. يوم القيامة يوم ينقلب فيه العالم ويتغير، قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]. يوم القيامة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] يوم القيامة يوم تخرس فيه الألسن وتنطق فيه الجوارح فنعوذ بالله من خزي ذلك اليوم, ونعوذ بالله من الفضيحة على رءوس الأشهاد فتقول اليد: أنا سرقت وتقول الأذن: وأنا استمعت إلى الحرام وتقول العينان: وأنا نظرت إلى الحرام وتقول الرجلان: وأنا مشيت إلى الحرام ويقول الفرج: وأنا فعلت كذا وكذا اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, إنه يوم عظيم يا عباد الله!

نصب الميزان للحسنات والسيئات

نصب الميزان للحسنات والسيئات ثم ينصب الميزان، وتشخص الأبصار، ولسان الميزان إلى جانب الحسنات أو إلى جانب السيئات يقول الله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] ولا تثقل بالملايين أو بالمليارات أو العقارات، لا. بل بالحسنات أو السيئات {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:102 - 104].

تطاير الصحف واجتياز الصراط

تطاير الصحف واجتياز الصراط ثم بعد تلك المواقف العظيمة يعطى كل إنسان كتاباً يقرؤه، وفيه إما الفرحة والسرور أو الندم والخزي, فمن أخذ كتابه باليمين فهنيئاً له الرضا من رب العالمين, ومن أخذه بشماله فيا لها من ذلة وندامة! ثم تفكروا في الصراط الذي يؤتى به فيجعل يبن ظهراني جهنم، ويمر الناس عليه، وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف، وعلى الصراط خطاطيف مأمورة, فمن الناس من ينجو، ومنهم من يخدش, ومنهم الموبق بعمله.

شفاعة الرسول لأهل المحشر

شفاعة الرسول لأهل المحشر وفي ذلك اليوم العظيم يحتاج الناس إلى من يشفع لهم عند ربهم جل وعلا, فينطلقون يلتمسون الأنبياء والمرسلين لعلهم يشفعون, فإذا بكل رسول منهم يقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى فلان, حتى يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها أنا لها يقول صلى الله عليه وسلم: {فيأتوني فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليّ، ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعط, اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب! أمتي أمتي} فينبغي للمسلم أن يكثر من الثناء على الله عز وجل أن جعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم, ثم يثني على الله أن جعله من أمة الإجابة الذين أجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم, ويسأل الله عز وجل أن يجعله من أمة محمد الذين أطاعوه, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}. قال صلى الله عليه وسلم: {فيقال: يا محمد! أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, ثم يقول صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى}.

ورود حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم

ورود حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم تذكروا -يا عباد الله- حوض نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً, ولكن هذا الحوض سوف يُرد عنه أناس؛ لأنهم نكصوا على أعقابهم وغيَّروا بعده صلى الله عليه وسلم, وما أكثرهم في كل زمان, فالله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر:7] فلنتقِ الله يا عباد الله! وننتهي عن المناهي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد نهانا عن حلق اللحية فقال صلى الله عليه وسلم: {أكرموا اللحى} {وفروا اللحى} {أرخوا اللحى، وخالفوا المجوس} ويقول أيضاً في حديث رواه الإمام أحمد: {ليس منا من لم يأخذ من شاربه} وقد وقع في هذا الأمر الكثير من الناس ونهانا صلى الله عليه وسلم عن الإسبال فهو حرام, وأخبرنا -وهو الصادق المصدوق- أن من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة, وأيضاً يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل الكعبين ففي النار} والبعض من الناس يجر ثيابه وكأنه يقول: لا سمع ولا طاعة يا رسول الله! ونهانا صلى الله عليه وسلم عن استماع الأغاني التي قال فيها: {ليكونن في آخر الزمان أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} والرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم, فتدخل تحت هذه المعازف جميع آلات اللهو, وكأن لسان حال البعض من الناس يقول: لا سمع ولا طاعة يا رسول الله! زيادة على أن نعصيك يا رسول الله! نأتي بالأفلام الخليعة والتمثيليات الشنيعة, والأغاني الماجنة، ونضعها في بيوتنا ولا سمع ولا طاعة! ونهانا صلى الله عليه وسلم عن المسكرات والمخدرات، وقد نهى الله عنها في كتابه العظيم, ولكن البعض من الناس يستعملها، وكأنها حلال، وصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فالبعض من الناس الآن باستعماله للمسكرات والمخدرات كأنه استحلها لكثرة استعمالها والعياذ بالله, فمن مات وهو يدمن على المسكرات والمخدرات؛ فإنه حق على الله أن يسقيه من طينة الخبال, وطينة الخبال عصارة أهل النار. المخدرات التي قضت على المروءة وعلى الشرف، حتى إن البعض من السكارى يزني بأمه, ويزني بأخته وبعمته، وقد وُجد هذا كثيراً نسأل الله العفو والعافية, وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام والمسلمين, فإذا سكر المسلم أضاع الصلاة وترك الصيام، وفعل المحرمات، فربما زنى وحلف بغير الله عز وجل. ولقد مرت على أسماعكم قصة ذكرها عثمان رضي الله عنه: أن امرأة اشتاقت إلى رجل وأرادت منه أن يفعل بها الزنا, فأدخلته في البيت وخيرته إما أن يشرب الخمر، أو يقتل صبياً عندها أو يزني بها, فاختار الرجل الخمر وهو يظن أنه أهون الجرائم, ولما شرب الخمر قتل الغلام وارتكب جريمة الزنا, فهذه عاقبة المسكرات والمخدرات. أسأل الله عز وجل أن يطهر بلادنا وبلاد المسلمين عامة من هذا المرض الفتاك الذي فتك بالمسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله! فتك بالمسلمين إلا من رحم الله, وإني لأذكرهم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أن من مات وهو يدمن على هذه المسكرات أن الله يسقيه من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار, الذي يخرج من فروج المومسات الزانيات في النار, يسقى به صاحب المخدرات والمسكرات, فالرسول نهانا عن ذلك, وكأن البعض قالوا: لا سمع ولا طاعة يا رسول الله! وما أكثر المنهيات التي ارتكبها الكثير من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إبعاد المبدلين والمغيرين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم عن الحوض

إبعاد المبدلين والمغيرين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم عن الحوض فإذا وردوا الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن يشربوا منه تذودهم الملائكة وتطردهم عن الحوض, فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أمتي أمتي فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك} ماذا حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الآن أمور تساهل بها الكثير من الناس، وهي لعب الورق التي يسمونها البلوت والكنكان والدمنة وغيرها من الملهيات؛ التي قضت على الأوقات وقضت على الأعمال, وامتلأت صحائف الأعمال من هذه الأعمال الخبيثة، وتركوا ملك الحسنات يضع يداً على يد, وقد ذكر لنا أن بعض الشباب جلسوا يلعبون الورقة من صلاة العشاء، ولما خرج أحدهم يبول -أكرمكم الله- وإذا بالشمس قد طلعت طوال الليل وهم يلعبون الورقة! فما ظنكم بهم يا عباد الله؟ وماذا فوتوا؟ إنهم قد تعدوا الحدود التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد كان صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها, وهؤلاء عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا ليتهم في حديث من حديث الآخرة، ولكنه على لعب البلوت والكنكان وغيرها من الملهيات, فهذا يشتم هذا وهذا يشتم والد هذا واستمروا في لعبهم حتى ذهبت الساعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة, وينزل رب العزة والجلال إلى السماء الدنيا ويقول: هل من داعي فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ وهؤلاء مصرون على لهوهم. ومضت الساعة الخامسة ومضت راتبة الفجر، ركعتا الفجر التي هي خير من الدنيا، وهم في لهوهم, وقضيت صلاة الفجر وقرآن الفجر {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] وارتفعت الملائكة الذين يتعاقبون فينا, وعندما يسألهم الله عز وجل: كيف تركتم عبادي؟ وهو أعلم بهم فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون، ولكن أولئك البؤساء جالسون على البلوت والكنكان وعلى أفلام الفيديو, فليس لهم نصيب من هذا الخير, ثم تطلع الشمس وقد ارتكبوا كثيراً من المنهيات والعياذ بالله إنها مصيبة عظمى يا عباد الله! والبعض من الناس يقول: أين نقضي أوقاتنا؟ لابد أن نغتاب أو نستمع الأغاني، أو نقضي الأوقات في الملهيات!! يا عبد الله! ما خلقت لهذا، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] يقال له: نم مبكراً, فيقول: لا يأتيني النوم, لماذا؟ لأنه اعتاد على هذه الملهيات, ويقول: أريد أن أتوب إلى الله عز وجل فماذا أصنع؟ إذا أردت أن تنام فنم مبكراً وتوضأ وضوء الصلاة، وقل أدعية النوم التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, واقرأ آية الكرسي والمعوذات وقل هو الله أحد ثلاث مرات، وامسح بها سائر جسدك, ثم نم على بركة الله, فإن لم يأتك النوم فاذكر الله, وسبح الله واحمد الله، وكبر الله, فإن لم يأتك النوم فانهض وقل: يريد الله بي خيراً، فخذ كتاب الله واقرأ القرآن, فأنت مسئول عن وقتك وعمرك. وكيف يقول المسلم: أين نقضي أوقاتنا؟! المسلم لا يسأل هذا السؤال أبداً, المسلم يكون شغله دائماً في ذكر الله عز وجل, أما سمعت الله يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:191] هؤلاء هم عباد الله، وهؤلاء هم أولوا الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتكفرون في خلق السماوات والأرض, لا يتفكرون في وجوه المومسات, ولا يتفكرون في الأفلام الخبيثة الخليعة التي ملأت بعض قلوب الناس، نسأل الله العفو والعافية! فالمسلم مسئول عن وقته, ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع: عن عمره فيما أفناه} أين أفنيت هذا العمر يا مسكين؟ أنت مسئول انتبه يا غافل! انتبه لا ينزل بك هادم اللذات وأنت على غفلاتك. هذه الأمور التي ذكرتها لكم قد اقترفها كثير من الناس، فيخشى عليهم يوم القيامة إذا وردوا على حوض محمد صلى الله عليه وسلم, أن يردوا ويذادوا عنه؛ لأنهم خالفوا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم, أسأل الله أن يجعلنا على حوض نبينا من الواردين.

انقسام الناس إلى أشقياء وسعداء

انقسام الناس إلى أشقياء وسعداء ثم بعد أن ينتهي الحساب بين العباد ينقسم الناس إلى قسمين: أشقياء وسعداء.

عذاب الأشقياء

عذاب الأشقياء فأما الأشقياء فإلى جهنم التي حذركم الله في كتابه الكريم منها, فقال جل من قائل: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] ما هذه النار؟ إنها نار محرقة كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، في دار البوار, في دار البؤس والشقاء، دار العذاب الشديد, دار من تعدى الحدود وارتكب المحرمات, دار لا يسكنها إلا الأشرار من خلق الله الذين عصوا رسله ولم يمتثلوا أمره. النار منزل أهل الكفر كلهم طباقها سبعة مسودة الحفر جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر وتحت ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حر مستعر فيها غلاظ شداد من ملائكة قلوبهم شدة أقسى من الحجر يسحبوه إلى جهنم إذا قال الله: خذوه فغلوه, فيقول لهم: ألا ترحموني؟ فيقولون: لم يرحمك أرحم الراحمين فكيف نرحمك؟! لهم مقامع للتعذيب مرصدة وكل كسر لديهم غير منجبر سوداء مظلمة شعثاء موحشة دهماء محرقة لواحة البشر فيها العقارب والحيات قد جمعت جلودهن كالبغال الدهم والحمر لها إذا ما غلت فور يقلبهم ما بين مرتفع منها ومنحدر يروي لنا البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث طويل قال فيه: {ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم على واد فسمع صوتاً منكراً فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني، وقد بعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني, قال: لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب}. وعن عبد الرحمن بن مصعب أن رجلاً كان على شط الفرات فسمع تالياً يتلو قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف:74] فتمايل الرجل, فلما قال التالي: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] سقط في الماء فمات رحمه الله. وعن لقمان الحنفي قال: {أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب ينادي في جوف الليل -هذا الفرق يا شباب الإسلام! هذا الفرق يا من أضاع عمره في الملهيات! - ينادي: واغوثاه من النار واغوثاه من النار فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم: يا شاب! لقد أبكيت البارحة ملأً من الملائكة كثيراً} اعتبروا بهذه الأحوال لسلفكم الصالح, فإنهم كانوا يخافون من النار, وأنتم -يا عباد الله- أما تشفقون من النار وما فيها من العذاب والنكال؟ أما تحذرون سلاسلها والأغلال؟ واعجباً لمن يقرع سمعه ذكر السعير, وهو من عذابها بالله غير مستجير! فيا من تتعدون الحدود! ويا من ترتكبون الزنا واللواط! ويا من تشربون المسكرات! ويا من أعرضتم عن طريق الحق! ويا من تعصون الملك العلاَّم! أفيكم جلد على نار وقودها الناس والحجارة؟ أم رضيتم بأنفسكم لهذه الخسارة؟ فيا ويلاً لمن كانت النار له دار! اللهم يا رب الأرباب! ويا مسبب الأسباب! ويا أرحم الراحمين نسألك أن تعيذنا من دار الهلكات من النار، يا رب العالمين.

نعيم الأتقياء

نعيم الأتقياء عباد الله: سارعوا إلى مغفرة الله وجنته، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136]. اسمع يا عبد الله! حرك ذلك القلب الغافل, أخرج منه حب الفلل والقصور, وتذكر القصور العامرة، تذكر المستقبل الذي لا خراب بعده ولا دمار, تذكر إذا قيل لأهل الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:46 - 48] لا يأتي صاحب العقار ويقول: لقد اخرج لقد تمت المدة! لا. هذا في أمان وفي جوار رب العالمين ويقال لأهل الجنة: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] أأمنتم من أمريكا والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا التي أخذت قلوب الكثير من الناس, عندما نسوا رب العالمين وقالوا: الدول العظيمة الدول الكبيرة نسوا إله الأولين والآخرين, الذي هو قادر أن يسحقهم في طرفة عين. فيا من خلا الإيمان من قلوبهم, والتفتوا إلى غير الله, والله إنهم ليس بأيديهم شيء يضرون به ولا ينفعون إلا بحول الله وقوته, أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} ارسم هذا على قلبك -يا عبد الله- حتى يكون لديك اليقين, وغذ شجرة الإيمان، وأيقن بالله, أيقن أن القوة لله جميعاً, ثم اعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بقنابلهم وصواريخهم ودباباتهم لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. وقد يقول البعض من الناس: أجل لماذا الدول بجوارنا تطحن حروباً؟ نقول: إن كنت عاقلاً فاستفت قلبك، إنهم لما أضاعوا أوامر الله عز وجل حكموا بغير ما أنزل الله أباحوا الزنا, وأباحوا المسكرات, والمخدرات, حتى إن الدولة التي نشبت فيها الحروب, قبل الحرب بأيام قليلة كانوا يفكرون أن يفتحوا شارعاً يسمونه (شارع الحمراء) وهو شارع النساء العاريات, وعجَّل الله لهم العقوبة قبل ذلك, فالحروب الآن تطحنهم ليلاً ونهاراً قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] هذا كلام الله عز وجل وهذا الدستور السماوي, فاحمدوا الله في هذه البلاد، احمدوا الله على هذه العقيدة عقيدة التوحيد, واحمدوا الله على تطبيق الحدود, فأنتم في نعمة في هذه البلاد, ولكن حافظوا على هذه النعمة لا تزول, ارجعوا إلى ربكم عز وجل, قبل أن يحل بكم ما حل بالمجاورين, إن الله عز وجل ليس بينه وبين خلقه نسباً, كل الخلق عبيده جلَّ وعلا, فمن شكر هذه النعم وأطاعه فالله سبحانه شكور حليم، ومن عصاه فهو المنتقم جل وعلا ولا تخفى عليه خافية.

صفة نعيم الجنة

صفة نعيم الجنة لنرجع إلى دار القرار, لنرجع إلى المستقبل, إلى دار النعيم التي ليست فيها حروب, إنما هي دار أمن وطمأنينة, يقول رب العالمين: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] من هم هؤلاء؟ لنرجع إلى كتاب الله عز وجل ونبحث عنهم, فإذا رب العزة والجلال يخبرنا أنهم هم الذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] ماذا يقال لهم؟ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70 - 71] لماذا أورثهم هذه الجنة؟ {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] بالأعمال الصالحة -يا عبد الله- بعد رحمة أرحم الراحمين, ثم يقول: {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف:73] وهم في جنات النعيم في مقام أمين من الحوادث وغيرها، في أمان من تغير الزمان وتقلبات الحياة، في جنات وعيون، ولهم فيها من اللباس والسندس والإستبرق، متنعمين مع الزوجات من الحور العين الراضيات المرضيات الآمنات، التي لا تعرف أن تغازل الرجال بالتلفون, ولا تعرف أن تتبادل أشرطة الفيديو الخليعة، ولا لبست الأحمر والأصفر وفتنت المسلمين في أسواقهم. إن تبرج النساء مصيبة عظيمة يا عباد الله! والمرأة التي تخرج متبرجة من بيتها وتمر بالرجال وهي متعطرة جاء في الحديث: إنها زانية, والتي تخرج من بيتها بغير إذن زوجها تلعنها الملائكة حتى ترجع نسأل الله العافية والمرأة إذا دعاها زوجها لحاجته وامتنعت لعنتها الملائكة حتى تصبح, لذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث: إن المرأة إذا دعاها زوجها تلبي ولو كانت على التنور, تترك الأقراص تحترق وتأتي إلى زوجها وتلبيه, ويقول صلى الله عليه وسلم: {لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها} وذلك لعظم حقه عليها.

المحرومون من الجنة أصناف

المحرومون من الجنة أصناف ثم يحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح ويقول: {صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال من أمتي معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس, ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} كاسيات: أي: لابسة، تلبس ثوباً، ولكنه شفاف تُرى مفاتن المرأة, أو ضيق ترى كذلك مفاتن المرأة, أو الموضة الملعونة الأخيرة التي أتى بها لنا الخياطون وهي أن تشق اللباس من الجانبين وتشق عن الساقين حتى يخرج الساق والفخذ وتجد أن المسلم يعاني من الشدة ما لا يعلمه إلا الله, فإن غضَّ البصر عن الوجه وعن النحر وعن الذراعين وطأطأ برأسه رأى الثوب مشقوقاً على حد الساقين, وبعضهن على حد الفرج والعياذ بالله, وقد وجد هذا في أسواق المسلمين, وهذه مصيبة تعود على أولياء النساء وإلى الله المشتكى. والله إن أخباراً نسمعها -يا إخوتي في الله- تحزن القلوب وتدمي العيون، ويندى لها الجبين، ولكن نستحي أن نذكرها في بيت الله عز وجل, ولا ينبغي لنا ذكر هذه الأمراض التي تفشت في المجتمع، بل نسأل الله عز وجل أن يهدي ضال المسلمين مع ما ابتلي به المسلمون من السائق والطباخ, فإن بعض الناس يدخل السائق والطباخ إلى بيته، يقول لي رجل من الثقات: والله إن الطباخ جالس مع النساء في البيت, فأين الغيرة يا عباد الله؟! أين الشيمة؟! أين العروبة؟! دفنها كثير من الناس, وذبحها بغير سكين, وأتى بسائق أجنبي، حتى ولو كان أقرب خلق الله لا ينبغي له أن يدخله على نسائه, لننظر إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الصحابة رضي الله عنهم، وهم أفضل الخلق بعد النبيين, وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان الذي تستحي منه الملائكة, وفيهم علي بن أبي طالب، وفيهم الشجعان والأبطال، وكل الصحابة ثقات عدول رضي الله عنهم وأرضاهم, ويخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول لهم: {لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم} ولكن نأتي نحن ونقول: قلوبنا نظيفة التقوى هاهنا ونترك الزوجة تقبل الأخ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {الحمو الموت} أي: أخو الزوج, فإذا تركته في بيتك وأنت لست معه فهو موت يا عبد الله؛ لأن الفتنة مأمولة, ولا تدري إلا والمرأة حامل من هذا الرجل, فما المخرج من هذه المصيبة العظمى؟ وتقول للزوجة: استقبلي الضيوف، قبليهم وصافحيهم وهذا منكر عظيم وحرام, والذي يرضى بهذا لأهله ديوث، والديوث حرام عليه الجنة, فالذي يقر الخبث في أهله حرام عليه الجنة. ولكن -يا عبد الله- ارجع إلى هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, وحافظ على هذه الأمانة, حافظ على هذه المرأة، والله إنك مسئول عنها بين يدي الله عز وجل؛ بإدخالك هذا السائق أو بإدخال الطباخ عليها، وأنت تخرج من الصباح ولا تأتي إلا في الساعة الثانية أو في الليل، وهذا الرجل عند نسائك وبناتك. وأريد أن أذكر لكم مصيبة كبيرة لعل البعض يظنها صغيرة, فلما قبضوا على أحد السائقين وقال له الضابط: قف على رجلك! قال: أنا تعبان لماذا؟ يقول: أنا أفعل مع المرأة ومع البنات في البيت, يفعل بهن الزنا, ولذلك أصبح مخ الساقين فارغاً إنها مصيبة -يا عبد الله- ولكن هل ننتبه لهذا؟ والله لو ذكر لنا قبل سنين: أننا سوف نأتي بالسائقين والخدم وندخلهم في بيوتنا لما صدقنا, ولو قيل لنا: احلفوا بالله لحلفنا أنه لا يدخل بيوتنا السائق والخادم, ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون! علام يدل هذا؟ يدل على ضعف الإيمان, وعلى أن الكثير فقد الغيرة, ودفن الشيمة, نسأل الله العفو والعافية! وقد جاء في الحديث الصحيح -في ما معناه- أن الرجل إذا نظر في بيت الرجل فضربه في عينه وفقأها فلا شيء عليه, ولكن ما هو العمل الآن؟ إننا نأتي بالسيارة ونقول للسائق: خذ البنات واذهب بهن يشجعن اللاعبين!! وقبل أيام قليلة وفي شارع معروف اختلط الشباب مع البنات، وكل واحد يرفع يده يشجع الكرة أين الغيرة يا عباد الله؟! متى نستيقظ؟! هذه موعظة، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بها. ونرجع إلى حديثنا وهو أن أهل الجنة منعمين فيها, أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل الجنة بمنه وكرمه وإحسانه إنه على كل شيء قدير, وأسأل الله عز وجل أن يصلح لنا نياتنا وذرياتنا, وأبشركم بخير وهو أن إمام المسلمين إمام الحرمين الشريفين -جزاه الله خيراً- سوف يمنع ثلاثة وعشرين مجلة من المجلات الخليعة, فادعوا له بالخير والسداد, واسألوا الله أن يعينه على أن يعمل بحكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وادعوا كذلك لولي عهده وللأسرة جميعاً أن يوفقهم الله لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلهم رعاة خير وأن يصلحنا جميعاً, فإن خير الولاة الذين يدعون لهم الرعية ويدعون لرعيتهم, فهم كذلك يدعون لكم في كل مناسبة, ويسألون لكم التوفيق ويحثونكم دائماً على التمسك بالعقيدة وبالشريعة الإسلامية, فأكرم بذلك! وادعوا لهم -جزاكم الله خيراً- أن يرزقهم الله الجلساء الصالحين الناصحين، وأن يعيننا وإياهم على طاعته, وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم حلق اللحية وإطالة الثوب

حكم حلق اللحية وإطالة الثوب Q أنا -ولله الحمد- مقيم للصلاة ومحافظ على الصوم، ولكني أحلق اللحية وأطيل الثوب, فأرشدنا بارك الله فيك؟ A الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أولاً: أنا لست مفتياً، ولكن أذكرك بالله -يا أخي- وأسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياك على قول الحق, فالصلاة والصيام من أركان الإسلام، وبمحافظتك عليها يجزيك الله ما تستحق من فضله وإحسانه, أما حلق اللحية فكما ذكرت في الموعظة السابقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {وفروا اللحى} {أرخوا اللحى} {أكرموا اللحى} وقد جاء فيها عشرة أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم, وكل هذه الأحاديث يأمر فيها صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية, وقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء على أن حلق اللحية فسق, ونقص في الإيمان, فلذلك قالوا: يحرم حلقها أو نتفها أو قصها أو أخذ شيء منها, ولذلك لما وصف أحد الصحابة لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها مالئة ما بين منكبيه صلى الله عليه وسلم, ويمر يديه على عارضه. ويذكر لي رجل كبير السن -وهو الآن مريض أسأل الله عز وجل أن يشفيه عاجلاً غير آجل, وأن يحسن لنا وله الخاتمة- يقول: كنت أحلق لحيتي, ونمت مرة من المرات -والذي يرى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حق ولا يتمثل به الشيطان، يقول صلى الله عليه وسلم: {من رآني في النوم فكأنما رآني في اليقظة} وفي رواية: {فسوف يراني في اليقظة} - وإذا أنا بأناس مجتمعين، وإذا برجل حسن المنظر، وإذا رجل يضرب به المثل ويقول: هذا الذي يذكرونه, من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول: وإذا هو يلوح بيده ويقول: لا يتبعنا حالق لحيته, يقول: فاستيقظت وأنا مرعوب, والآن إذا رأيتموه فستروه ولحيته مالئة عارضيه ووجهه، أسأل الله أن يحسن لنا وله الخاتمة. فيا أخي! حلق اللحية أمر عظيم، ويخشى على حالق لحيته -كما قال بعض العلماء- يخشى عليه عند الموت، نسأل الله العافية. أما إسبال الثياب فأرجو ألا تعرض نفسك لهذا الخطر العظيم وهو أن لا ينظر الله إليك يوم القيامة, فإن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء, وبعض الناس يقول: أنا لا أجر الثوب خيلاء إنما للزينة, فنقول: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الزينة وقال: {إن الله جميل يحب الجمال} ولكن بالشيء المعقول, قال صلى الله عليه وسلم لـ ابن عمر رضي الله عنه: {إزار المؤمن إلى نصف الساقين} ثم قال في الحديث الذي رواه البخاري: {ما أسفل من الكعبين ففي النار} ولا تظن -يا عبد الله- أن النار تأكل الثوب أو المشلح أو الإزار، لا. بل تأكل اللحم، نار وقودها الناس والحجارة, فأُحذرك النار، وأدعو كل مسلم يخاف الله عز وجل أن يتوب إليه سبحانه, ويعفي لحيته امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قال الصحابة وهم حريصون على الخير: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى} فاختر لنفسك يا أخي ما تحب, وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.

حكم الغناء والتدخين والفيديو

حكم الغناء والتدخين والفيديو Q ما حكم الغناء والتدخين؟ وما حكم النظر إلى الفيديو؟ A الغناء حرام, قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] يقول ابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل -الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: {من أراد أن يأخذ القرآن غضاً كما أنزل فليأخذه من ابن أم عبد} أي: من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القرآن فالتفت وإذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان من الدموع, وهو الذي يقول عنه صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه, إنها أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد} - يقول ابن مسعود: [[والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء, والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء, والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء]] فالغناء حرام، ولا تغتر بما ينشره دعاة السوء في المجلات، فقد قرأت في مجلة صدرت من إحدى الدول، وإذا بأحدهم وهو متخرج من جامعة فلان يسألونه عن الموسيقى فيقول: الموسيقى ما فيها شيء، نحن سنقوم إذا نفخ في الصور على صوت الموسيقى!! هؤلاء هم علماء السوء, الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: {منهم تخرج الفتنة وفيهم تعود آخر الزمان} علماء السوء الذين هم في آخر الزمان أشر من تحت أديم السماء, منهم تخرج الفتنة وفيهم تعود, يقول: نحن سنقوم على صوت الموسيقى إذا نفخ في الصور!! هؤلاء هم علماء السوء، وهذه في المجلات التي غزت المسلمين, ووالله لا يأتيهم منها إلا الشر والعار والفساد, أسأل الله أن يطهر بلادنا، وأدعو لإمام المسلمين بالتوفيق والسداد حيث ألهمه الله جل وعلا ووفقه أن يمنع ثلاثة وعشرين مجلة في هذه البلاد، جزاه الله أحسن الجزاء, ووفقنا وإياه لما يحبه ويرضاه, ووفق جميع الأسرة لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير. فالغناء حرام، وقد جاء في الحديث: {من استمع إلى قينة -أي: مغنية- صب في أذنه الآنك يوم القيامة} والآنك هو الرصاص المذاب والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل, وهو بريد الزنا فاحذر من الغناء. وأما الدخان فقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء على أنه حرام, ويستدلون بقوله تعالى في صفة الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] والدخان خبيث وكلنا نقر ونعترف أنه خبيث, مع أنه مضر بالصحة ومضر بالمال، إلى غير ذلك من الأضرار التي ذكرها العلماء المحققون, والأطباء المنصفون الذين ذكروا أنه السبب الرئيسي لمرض السرطان والعياذ بالله, فأحذرك من الدخان سلامة لصحتك وسلامة لنقودك وسلامة لدينك يقول بعض الثقات: إنه جالس مع والديه على السرير الأبيض ووالده في النزع الأخير, وله من العمر سبعون سنة, فقال له: يا أبتي قل لا إله إلا الله، فقال: اشعل لي سيجارة اشعل لي سيجارة حتى خرجت روحه وهو يقول: اشعل لي سيجارة! نعوذ بالله من سوء الخاتمة وبعضهم يقال له: قل لا إله إلا الله, فيقول: تتن حار تتن حار وخرجت روحه وهو يقول ذلك, وبعضهم يقال له: قل لا إله إلا الله، فيقول: بشر شارب النار بالنار, وخرجت روحه وهو كذلك, فأحذركم ذلك -يا عباد الله- وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. أما النظر إلى الفيديو فلا شك أن النظر إلى الصور الخليعة حرام, سواء في الفيديو أو في الشارع، أو أن تأتي بصورة وتلصقها على الجدار فتنظر إليها، فهو حرام؛ لأن الله عز وجل يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] ولا شك أن النظر هو البريد وهو الذي يستحسن، وقد ورد في الحديث أن العين زناها النظر, فأحذرك -يا عبد الله- من النظر إلى الأفلام الخبيثة أو التمثيليات السخيفة، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.

حكم الصلاة على تارك الصلاة

حكم الصلاة على تارك الصلاة Q لقد صليت على شاب لا يصلي، وإني خائف ماذا أفعل، مع أنه قد مات وهو يتعاطى المخدرات وغيرها من المعاصي؟ A العلماء رحمهم الله نهوا عن الصلاة على تارك الصلاة, فإذا كنت تعلم بذلك فأنت آثم، واستغفر الله وتب إليه؛ لأنك ارتكبت معصية، والعلماء رحمهم الله يقولون: تارك الصلاة كافر, وإذا مات على ترك الصلاة فهو يموت مرتداً والعياذ بالله, فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدعى له بالرحمة, ولا يدفن في مقابر المسلمين, بل يوارى بعيداً عن البلاد, ولا يورث فيصير ماله فيئاً لبيت مال المسلمين, وزوجته إذا كانت مسلمة, فإنه يستتاب فإن تاب وإلا خلعت منه؛ لأنه كافر, والله عز وجل يقول: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] وأنت بفعلك هذا عاص لله، فتب إلى الله عز وجل, وعلى المسلمين أن يتقوا الله عز وجل, ولا يغشوا إخوانهم المسلمين بتارك الصلاة, بل إذا مات يبينون لهم أنه تارك للصلاة, حتى يطبق فيه قول العلماء رحمهم الله.

حكم لعب الورق

حكم لعب الورق Q ما حكم لعب الورقة؟ وما حكم من يجلس مع من يلعبون الورقة وهو لا يستطيع أن يغير ذلك؟ A بينا لك نبذة في عرض الموعظة, وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين -جزاه الله خيراً- أن لعب الورقة حرام أما الجالس معهم فإذا كان له سيطرة عليهم فينهاهم وإلا يبتعد عنهم؛ لأنه بجلوسه معهم لا يكون من عباد الله الذي إذا مروا باللغو مروا كراماً, فإن عباد الرحمن إذا مروا باللغو مروا كراماً, ويبتعدون, فما ظنك بهذه الورقة التي قتلت الوقت, وصار معها لغو من شتام وسباب ولعان, حتى إن بعض الرجال يلعب مع ابنه, فيقول له ابنه: انزل يا أبتي وأفعل بك!! لأنه استمر على هذه الألفاظ الخبيثة مع الزملاء، وتعود عليها ومع الأسف الشديد الآن رجال بلغوا الستين والسبعين، ومع ذلك يجلس أحدهم على هذه الورقة ويثني رجليه مع أناس سفهاء يا أخي ما بالك؟ أهل المدينة -رحمهم الله- كانوا إذا بلغ الرجل منهم أربعين سنة طوى فراشه واستعد للعبادة والله إنه منظر بشع أن ترى رجلاً عمره ستون أو سبعون سنة ثانياً لركبتيه ويلعب الورق والبلوت والكنكان, وإذا قيل له: اذهب إلى المحاضرة, قال: والله ما أستطيع أمشي من ركبتي أنا مريض! ولكن مع لعب الورقة يجلس إلى الصباح, لأن الشيطان قد أعماه عن الحق، أسأل الله أن يهدي ضال المسملين. وهذه في الحقيقة فتكت بكثير من المسلمين, فقد ذهب الحياء منهم، فهم يجلسون على الشوارع ومعهم العود يغنون، ومعهم الورق، ومعهم الشيشة، ومعهم البلاء والجلاء في شوارع المسلمين لا حياء ولا غيرة ولا خوف, إنا لله وإنا إليه راجعون! على ماذا يدل هذا؟ إنه يدل على نقص الإيمان، وعلى أن بعض الناس مال إلى الصفر نسأل الله العافية أسأل الله أن ينمي شجرة الإيمان في قلوبنا إنه على كل شيء قدير.

حكم مصافحة الأجانب

حكم مصافحة الأجانب Q هل يجوز لزوجة أخي أن تكشف وجهها لي أنا وإخواني وتصافحنا؟ وهل يجوز لأخواتي أن يكشفن وجوههن ويصافحن زوج أختي وجزاكم الله خيراً؟ A قد بينت لكم أن هذا لا يجوز, والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الحمو الموت, وهو أخو الزوج وكل قريب من الزوج, فلا يجوز لها أن تكشف وجهها إلا لزوجها أو لمحارمها, ولا يجوز لها أن تكشف وجهها لأخي زوجها إلا إذا كان أخاً لها من الرضاع, أما إذا لم يكن أخاً لها من الرضاع فلا يجوز لها أن تكشف وجهها له، ولا يجوز لها أن تصافح غير المحارم من الرجال ومع الأسف الشديد أن هذا يحدث من بعض الناس، ومع ذلك يقولون: قلوبنا نظيفة وهذه عاداتنا وتقاليدنا وقد ذكرت لكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الصحابة الذين هم خير الأمة بعده صلى الله عليه وسلم، ويقول لهم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجل مع امرأة إلا مع ذي محرم} ولما اكتتب رجل في غزوة وحجت زوجته وأخبر الرسول، قال له: {اذهب وحج مع امرأتك} اترك الغزو والجهاد في سبيل الله واذهب فحج مع امرأتك, وكن لها محرماً.

حكم شراء المجلات الخبيثة

حكم شراء المجلات الخبيثة Q ذكرتم أن ولاة الأمور منعوا المجلات الخبيثة, فهل يجوز للإنسان أن يشتري بعض المجلات التي يجدها في بعض المحلات, والنظر إليها وإدخالها بيته؟ A يجوز له إذا أراد أن يحرقها؛ لأنه بهذا يكون قد أزال منكراً, أما إذا اشتراها لينظر إلى صورة الغلاف, وإلى تلك المرأة الفاتنة التي دسها علينا أعداء الإسلام والمسلمين؛ فإنه يأثم بذلك، وهو مسئول عن نفقته عنها يوم القيامة: {وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه} فماذا ستقول لرب العالمين؟ والله لا يحب المفسدين, فاحذر -يا عبد الله- من هذه المجلات, أما إذا كنت تشتريها لتحرقها فجزاك الله خيراً، وأبشر بالعوض من الله عز وجل.

بيان كفارة الظهار

بيان كفارة الظهار Q نشهد الله على حبك أنا كنت لا أصلي وأدخن وأستعمل المخدرات، وفي يوم قالت لي زوجتي وأنا أحبها حباً شديداً: دع التدخين، فقلت لها: أنت عليّ حرام مثل أمي إن شربته, ولكن عدت وشربته, وتبت الآن وأنا ملتزم ولله الحمد، فماذا يلزمني من قولي هذا؟ A أحبك الله الذي أحببتني فيه, وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة, وما دمت تحب امرأتك حباً فزد على حبها أضعافاً كثيرة, لأن هذه هي التي أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: {فاظفر بذات الدين تربت يداك} واحمد الله عز وجل الذي يسر لك هذه الزوجة, ولكن عليك كفارة ما دمت أنك قلت عند تركك للدخان: أنت عليّ حرام كظهر أمي, فعليك كفارة الظهار, وارجع إليها في سورة المجادلة, وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً.

حكم الجماع في نهار رمضان

حكم الجماع في نهار رمضان Q واقعت زوجتي في رمضان ثلاثة أيام، فما عليّ؟ ولا أعلم هل هو قبل توبته وقبل رجوعه إلى الله، أو بعدما هداه الله سبحانه وتعالى A عليك كفارة وهي صيام ستة أشهر, كل شهرين متتابعين, سواء قبل التوبة أو بعدها، ما دام أنه صائم ووقع عليها وهو صائم فإنه يصوم ستة أشهر كل شهرين متتابعين, وإذا كانت هي راضية فعليها مثلك من الكفارة, أما إذا كانت غير راضية وأنت أجبرتها فالكفارة تخصك أنت, وتقضي أيضاً ثلاثة أيام غير الستة الأشهر.

حكم الصوم بدون صلاة

حكم الصوم بدون صلاة Q بعض الناس قد اعتادوا أنه إذا جاء رمضان سارعوا إلى صيامه, ولكنهم لا يصلون, فما حكم ذلك؟ A الصلاة ركن من أركان الإسلام, فالذي لا يصلي لا يفيده لا حج ولا صوم ولا زكاة ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}.

حكم خروج الفتيات لفتنة الرجال

حكم خروج الفتيات لفتنة الرجال Q أنا فتاة لي زميلات نخرج إلى الأسواق لنفتن الرجال، فما هي نصيحتك لي ولزميلاتي؟ A تقدم في عرض الموعظة النصيحة, وينبغي لكن أن تتبن إلى الله عز وجل قبل أن ينزل بكنَّ الموت وأنتن على هذه الحالة, أسأل الله عز وجل أن يهديكنَّ ويصلحكنَّ, اللهم طهر قلوبهنَّ إنك على كل شيء قدير, وردهنَّ إليك رداً جميلاً, اللهم ارزقهنَّ توبة نصوحاً وجميع نساء المسلمين إنك على كل شيء قدير فعليكنَّ بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل, واحذرنَ من عواقب الأمور؛ لأن العاقبة وخيمة, كيف بك أيتها الفتاة إذا حملتي جنيناً في بطنك وأصبح عاراً عليك وعلى قبيلتك وعلى جميع من يعرفك؟ هذا ولد الزنا الذي أتت به فلانة بنت فلان! فهذا عار عظيم, ينبغي أن تتحاشي عن هذا الأمر، فتوبي إلى الله والزمي بيتكِ كما أوصى الله عز وجل نساء النبي بذلك وقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] هذا الخطاب لنساء النبي رضي الله عنهن وأرضاهن أمهات المؤمنين, يقول الله لهن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى} [الأحزاب:33] وكذلك نساء الرسول في عهد الصحابة رضي الله عنهم, فما بالك بهذا الزمان الذي كثر فيه الفساد، فلا تعيني أنتِ وأخواتك على الفساد, فاتقي الله عز وجل، أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير.

ما هو سبب عدم التأثر بالمواعظ

ما هو سبب عدم التأثر بالمواعظ Q نحن -يا شيخ- نسمع المواعظ، ونزور المقابر، ونرى الجنازة وهي توضع في اللحد ويحثى عليها التراب، ونعود بعد الزيارة وبعد سماع الموعظة، ونمارس حياتنا, ونعود إلى معاصينا وكأن شيئاً لم يكن، فهل من نصيحة لأصحاب هذه القلوب الميتة أو المريضة؟ A أنصحكم وأنصح نفسي -أولاً- بالرجوع إلى كتاب الله عز وجل، وتدبر الآيات الكريمة، وكفى بالقرآن واعظاً, والبعض من الناس يقول: نسمع أهوال القيامة ولكن ننساها, فأذكر لك سورة قصيرة يعرفها كل إنسان جمعت أهوال القيامة, وهي سورة القارعة, فاقرأها وتدبرها فإذا ثابرت على قراءة القرآن وجعلت لك جزءاً في الصباح وجزءاً في المساء، أو عند النوم، وأكثرت من ذكر الله عز وجل، فإن الله يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وأكثرت من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير, وسبحت الله وبحمده مائة مرة أو أكثر، وذكرت الله عز وجل مائة مرة أو أكثر، وثابرت على هذا الذكر، وأقللت من المأكولات, فإن الذي أمرض قلوبنا هو كثرة الأكل, ثم هل أكلنا هذا نقي أم غير نقي؟ فإن أكثر الناس لا يبالي في أكله سواءً كان من حلال أم من حرام، إنما الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما تعذر عليهم أخذه نسأل الله العافية, وقد وقع فينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {يأتي زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، والذي لم يأكله يأتيه من غباره أو دخانه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم فما بالك بالذين يأكلون الربا؟ وما بالك بالذين يأكلون الحرام؟ ما بالك بالذين امتلأت قلوبهم من غير ذكر الله عز وجل، هل يستفيدون بالمواعظ؟ ولكن إذا فرغنا قلوبنا، وثابرنا على قراءة القرآن وعلى ذكر الله عز وجل, وكان المأكل من حلال والمشرب من حلال والملبس من حلال؛ حتى إذا رفعنا أيدينا لربنا وقلنا: يا رب! يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك, وإذا بنا نحس بلذة, وإذا قلنا: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب, نجد بذلك لذة؛ لأن المأكل حلال والمشرب حلال والملبس حلال. والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا ذلك حين ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب يا رب لكن المأكل حرام والمشرب حرام والملبس حرام، قال عليه الصلاة والسلام: {فأنى يستجاب لذلك} بعيد أن يستجاب لذلك، وإلا فإن دعوته مستجابة ثلاثة لا ترد دعوتهم منهم المسافر, لكن إذا كان يأكل من حرام ويشرب من حرام ويتغذى بالحرام -والعياذ بالله- فإن الله لا يستجيب له. فعلينا أن نفتش عن أنفسنا، عن مأكلنا ومشربنا، وليس المهم أن نملأ البطون من هذه المأكولات, المهم أن ننتقي شيئاً طيباً حلالاً, ولو أن الإنسان يأكل كفاً من تمر حلال خير له من أكل مفطحات وغيرها وهو لا يعلم مصدرها, فإن مصادر الناس -والعياذ بالله- تختلف اختلافاً كثيراً منهم من يأكل الربا، ومنهم من يغش، ومنهم من يخادع، ومنهم من يماطل، ومنهم من يأكل أجور العمال, يأتي بعمال ويضيعهم، حتى أنه وجد عامل لا يستطيع أن يمشي من الجوع، فلما سأله رجل وإذا به يبكي ويقول: منذ يومين لم أذق شيئاً, لماذا؟ قال: صاحب المؤسسة لم يعطني فلوسي. فعلينا أن ننتقي المأكل والمشرب، وننقي قلوبنا، ونخرج منها كل هذه البدع والمحدثات, ونقبل على الله عز وجل، وسوف نجد لذلك لذة قل في الأسحار: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت, واخشع وانكسر بين يدي الله وتضرع إليه لا تفعل كما يفعل الذين يلعبون بالبلوت والكنكان ومشاهدة الأفلام والملهيات، بل خالفهم, وتضرع بين يدي الله عز وجل، وسوف تجد غب ذلك بإذن الله تعالى.

حكم مجالسة من لا يصلي

حكم مجالسة من لا يصلي Q هل يجوز مخالطة الجيران إذا كانوا لا يصلون في المسجد؟ وما هو الواجب عند ذلك؟ A أما مخالطة الجيران فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالجار فقال: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره} وقال صلى الله عليه وسلم: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه} أي: غوائله وشروره, فالجار له حق عليك، ولكن إذا كان لا يصلي فانصحه وذكره بالله عز وجل, وقل له: أنا مستعد أطرق عليك الباب، وتحثه على أن يضع منبه, وترشده مرتين وثلاث وأربع، فإن أبى أن يصلي؛ فاهجره لله عز وجل ولا عليك إثم بذلك, وإن كان يجدي أن ترفعه به إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فارفع به، بعد أن تنصحه وتعظه مرتين وثلاث وأربع, فإذا لم يفده في الرابعة فارفع به إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وإن أصر على عدم الصلاة فلا تكلمه واهجره لله تعالى. والحمد لله رب العالمين

المرأة والتقليد

المرأة والتقليد الرجال قوامون على النساء بما فضلهم الله عليهن، وهن أمانة في أعناقهم، يجب عليهم أن يراعوا هذه الأمانة وألا يضيعوها. وقد عانت المرأة في الجاهلية الأولى معاناة شديدة حتى كرمها الإسلام، فعليها أن تحذر من السقوط في مستنقعات الجاهلية الحديثة، وأن تتمسك بالإسلام فإن فيه عزها وكرامتها. وقد شرع الله لها الزينة والتجمل، ولكن لذلك ضوابط وآداباً يجب عليها أن تلتزم بها.

معنى قوامة الرجال على النساء ولوازمها

معنى قوامة الرجال على النساء ولوازمها الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، اللهم لك الحمد حمداً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله! ويا أيتها الأخوات في الله! حياكم الله في بيت من بيوت الله، ومع موضوعٍ يهم الجميع الرجال والنساء: التقليد والنساء. أبدأ أولاً بالرجال الذين هم القوامون على النساء، الذين فضلهم الله عليهن بما ذكره في محكم الكتاب، يقول الله جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: يخبر تعالى أن الرجال قوامون على النساء، أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن -أيضاً- بالإنفاق عليهن والكسوة والمسكن، ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء، فقال تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34] أي: بسبب فضل الرجال على النساء، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة، مثل كون الولايات، والنبوة والرسالة مختصة بالرجال، واختصاص الرجال بكثيرٍ من العبادات؛ كالجهاد والأعياد والجمع وبما خصهم الله به من العقل والرزانة، والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خص الرجال بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء إلى آخر ما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى.

النساء أمانة في أعناق الرجال

النساء أمانة في أعناق الرجال أيها الرجال: اقرءوا قول الباري جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. أيها الرجال: إن النساء أمانة في أعناقكم وسوف تسألون عن هذه الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب:7] فالنساء أمانة في أعناق الرجال وسوف يسألون عنها أمام الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والرجل راع في أهل بيته، ومسئول عن رعيته}. أيها الرجال: تذكروا متى تكون المسائلة والمناقشة، ثم تذكروا من الذي سوف يلقي عليكم الأسئلة، إنه الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه، أما موعد السؤال والنقاش فهو يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] اسمعوا أيها الرجال! {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] فيا من أضاع الأمانة تذكروا ذلك اليوم العظيم، ومما أضاعه الرجال أن تركوا الحبل على الغارب للنساء؛ فتتوظف مع الرجال، وتختلط مع الرجال، بأعمالٍ ليس لها حقٌ بها. ومن إضاعة الأمانة، أن بعض الرجال ترك المرأة تسافر بدون محرم، لا إله إلا الله، أين المروءة؟ أين الشيمة أيها الرجال؟ أين المسئولية التي ألقيت على أعناقكم؟ نعم. إن بعض الرجال ترك الحبل على الغارب للمرأة أن تسافر بدون محرم، وتخالط الرجال ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت}. أيها الرجال: يا من أضعتم الأمانة تذكروا الوقوف بين يدي عالم الخفيات، لا إله إلا الله: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:34 - 36]. أيها الرجال: يا من أضعتم الأمانة، يا من تركتم الحبل على الغارب للنساء، يخرجن إلى الأسواق متبرجاتٍ متعطرات سافرات مفتونات، إنكم سوف تسألون عن هذه الأمانة: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:3 - 7] يا من أضعت الأمانة تذكر الوقوف بين يدي الله: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. أيها الرجال: تذكروا قول الجبار جل جلاله: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17]. أيها الرجال: يا من تفكرون بالمادة، يا من أضعتم النساء من أجل المادة؛ حتى إن بعض النساء صارت تتعذب في بعض البلدان وتمكث أسبوعاً كاملاً بدون محرم، لماذا؟ لأجل الدنيا، الله أكبر يا من أضعتم الأمانة من أجل الدنيا، تذكروا قول الرب جل وعلا: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18].

عاقبة تضييع الرجال لأمانة النساء

عاقبة تضييع الرجال لأمانة النساء أيها الرجال: تذكروا يوم أن تقف المرأة بين يدي الله وتقول: يا رب خذ مظلمتي، إما من أبيها أو من زوجها أو من وليها الذي تولى أمرها وأضاعها في الدنيا. عباد الله: اعلموا أنكم ستعرضون على محكمةٍ قاضيها الله، ولا إله إلا الله، أين المفر أيها الرجال؟ يا من أضعتم الأمانة إذا عرضتم على محكمة قاضيها الله؟ وشعارها العدل، ومحاميها العمل، وموظفوها الملائكة، وجنودها الزبانية، وساحتها القيامة، إنها محكمة عدل حسابها بالخردلة والذرة، وحكمها مشمول بالنَّصَب. عباد الله: إنها محكمة عدل ليس فيها ضمانة، ولا كفالة ولا مراوغة ولا تأجيل ولا تضليل، إنها محكمة عدلٍ قاضيها الله. أيها الرجال: يا من أضعتم الأمانة تذكروا من الذي سوف يشهد عليكم إذا عرضتم على محكمة قاضيها الله، إن الشهود هي: الجوارح والأعضاء والجلود، يقول الرب جل وعلا: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:20 - 21]. يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! إنه أمر يحزن، إنه أمر يخيف من بعض الرجال الذين أضاعوا هذه الأمانة، وتركوا الحبل على الغارب للمرأة، تسافر وحدها، وتخالط الرجال، وتدخل الأسواق سافرة متعطرة فاتنة مفتونة، إنها -والله- سوف تكون مسائلة بين يدي أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30]. أيها الرجال: إنها الأمانة التي ستسألون عنها يوم أن تقفوا بين يدي الله. يقول ابن القيم رحمه الله جل وعلا: ويأتي إله العالمين لوحده فيفصل ما بين العباد ويحكم ويأخذ للمظلوم ربك حقه فيا بؤس عبدٍ للخلائق يظلم وينشر ديوان الحساب وتوضع الموازين بالقسط الذي ليس يظلم فلا مجرم يخشى ظلامة ذرة ولا محسن من أجره ذاك يهضم

أثر الإسلام في حياة المرأة

أثر الإسلام في حياة المرأة أيتها المرأة المسلمة! إذا تولى عليك رجل اغتر بدنياه، وأغفلته حياته الدنيا عن مراعاة الآداب الشرعية والحقوق التي فرضت عليه، فلا تكوني كمثله، واتقي الله يا أمة الله! وراقبي الله يا أمة الله! إن التقليد الأعمى الذي بليت به المرأة المسلمة ما هو إلا مكر من أعداء الإسلام أعداء الفضيلة والعفة والشرف والحياء والآداب، بل أعداء العقيدة.

حال المرأة قبل الإسلام

حال المرأة قبل الإسلام فيا أيتها المرأة المسلمة! اقرئي التاريخ بل اقرئي القرآن لتعلمي -علم اليقين- ما هو حال المرأة قبل الإسلام؟ لقد كانت قبل الإسلام في أتعس حالٍ، فهي مهضومة الحقوق بين صفوف الجاهلية، كسيرة الجناح، تعد في مجتمع الجاهلية كأتفه الأشياء، بل وأعظم من ذلك وأطم أنها توأد وتقتل وتدس في التراب -أحياناً- وهي حية، فهل قرأت ذلك في كتاب الله يا أمة الله؟: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:58 - 59] {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9].

المرأة في الإسلام

المرأة في الإسلام هكذا كانت حال المرأة في الجاهلية فجاء الإسلام، وأشرقت شمس الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فأعز الله المرأة بالإسلام؛ ورفع قدرها، وصار القرآن ينوه باسمها ويناديها باسم الإيمان والإسلام، ويورثها بعد أن كانت محرومة من الإرث. وأخبر الله جل وعلا أن المؤمنة التي تطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فتؤدي حقوق الله كما أمرها الله، فإن الله جل وعلا سوف يكرمها في جنته، فاسمعي أيتها المرأة المسلمة يقول الرب جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]. يا أمة الله! اسمعي لوعد الله الكريم، حيث يقول جل جلاله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72] ثم قال جل وعلا: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72].

واجبات المرأة في عصر الفتن والمغريات

واجبات المرأة في عصر الفتن والمغريات وإن تساءلت -أيتها المرأة المسلمة- ماذا تعملين في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات والملذات والشهوات التي صدت عن سبيل الله، وأغفلت القلوب عن ذكر الله؟ فأجيبك يا أمة الله! بأنه ما عليك إلا أن تقومي بما أوجب الله عليك حتى تفوزي بهذا الفوز العظيم الذي لا يماثله فوز، يقول الله جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. أختي في الله! فكم في القرآن العظيم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من وصايا بالمرأة.

الرجوع إلى الكتاب والسنة

الرجوع إلى الكتاب والسنة أيتها الأخوات في الله! علينا جميعاً أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم أقول لك: يا أمة الله احمدي الله واشكريه عز وجل على نعمة الإسلام وكوني كما أراد الله لك، وكما أراد لك رسوله صلى الله عليه وسلم، كوني غرة ودرة مصونة فعملك بدين الإسلام كله عقيدة وعبادة وأحكاماً وأخلاقاً وآداباً هو والله عزك وفخرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.

التمسك بالحجاب

التمسك بالحجاب أختي في الله! ومما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم الحجاب، يقول الرب جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] لو سألناك أختي في الله بأي شيء يعرف الإنسان؟ هل يعرف بقدمه؟ أم بيده؟ أم ببطنه؟ أم هل يعرف بظهره؟! لا. إنما يعرف بوجهه، فلذلك أمر الرب جل وعلا بالحجاب، الله أكبر! {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] حتى لا يؤذيهن الفسقة والفجرة الذين ليس لهم همٌ إلا الإفساد في الأرض، نسأل الله العفو والعافية. فحافظي على الحجاب والتستر والحشمة والعفة، واعلمي أن ترك الحجاب والتستر والحشمة والعفة إنما هو تقليد للكفرة نسأل الله العفو والعافية، وقد نهيت يا أمة الله عن تقليد الكفرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ليس منا من تشبه بغيرنا} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقومٍ فهو منهم}. واعلمي يا أمة الله أن هناك فساقاً وأنذالاً وأرذالاً لا هم لهم إلا الإفساد في الأرض، فاحذري من دعاة الشر والفساد؛ إنهم يزعقون وينعقون، إنهم ينادونك أيتها المرأة المسلمة ويدعونك إلى السقوط في الهاوية، يدعونك أن تكوني ممثلة حتى يضحكوا عليك كما يضحكون على القردة، ويريدون أن يضعوا صورتك على غلاف الصابونة وغيرها، الله أكبر! حسبنا الله ونعم الوكيل! ويريدون أن يضعوا صورتك في المجلة وغيرها، إنها دعوة إلى الشر والمعاصي، يدعونك إلى الوقوع في المستنقعات الوبيئة من حيث لا تشعرين. أيتها المرأة المسلمة! احذري من أعداء الإسلام، فإنهم يدعونك إلى الرمي بالعباءة، وتمزيق الخمار، ويدعونك إلى التفرنج والتبرج والسفور، ويدعونك إلى الاحتكاك بالرجال والاختلاط بهم في المصنع والمتجر والمكتب وغير ذلك، ويدعونك إلى ما يزعمون من الحرية والتقدم والمدنية والحضارة والمشاركة في الحياة الاجتماعية، وهذا والله هو الكذب والغش والخداع والتزوير من دعاة الشر والإلحاد والفساد؛ فكم من جرائم ارتكبت، ومن أعراض انتهكت، وحاصل ذلك الأحزان والمصائب والمآسي، بسبب السفور والاختلاط الذي دعا إليه المنحطون.

عدم التأثر بالمتبرجات

عدم التأثر بالمتبرجات أيتها المسلمة! رويداً رويداً ومهلاً مهلاً، لا يغرنك بالله الغرور، لا يغرنك السواد الكثير من الناس، ثم أقول لكِ: أيتها المسلمة لا تغتري بالنساء المتمردات على شرع الله وأحكامه، ولا تغتري بالمتبرجات الداعرات الماجنات السافرات المتفرنجات فلقد -والله- أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: {رأيتكن أكثر أهل النار} نعوذ بالله من النار، أعيذك بالله يا أمة الله من النار، إنهم دعاة على أبواب جهنم كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيا أمة الله! إن أولئك الذين يدعونك لاتباع الهوى، يدعونك إلى معصية الرحمن، إنهم -والله- أعوان الشيطان، وهكذا من اتبع هواه سوف يضل ويقع في مزالق الهلكة، يقول الرب جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. أيتها المسلمة! يجب علينا إذا أردنا أن نحوز على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: {فطوبى للغرباء} فلنكن من الصالحين المصلحين، فإذا جهل الناس فلا نجهل، وإذا عصى الناس فلا نعصي. أختي في الله! إذا أردت العزة والفخر والشرف في الدنيا والآخرة فافعلي الواجبات، واتركي المحرمات؛ ومن المحرمات: التبرج والسفور، ولا شك أن من وسائل الزنا: التبرج والسفور، وكم نشم في بيت الله الحرام مع الأسف الشديد من كثيرٍ من النساء تأتي متعطرة فاتنة مفتونة، حتى إن الإنسان ليطوف في بيت الله، ولا يرتاح في طوافه ولا يرتاح في دعائه مما يرى من بعض النساء المتبرجات اللواتي أتين إلى بيت الله الحرام، نسأل الله جل وعلا أن يصلح أحوال المسلمين إنه على كل شيء قدير، ولو علمت هذه المتعطرة ما عليها من الإثم لكفت عن هذا الإثم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا خرجت المرأة متعطرة أو متطيبة فشمها الرجال فهي كذا وكذا} يقول أبو هريرة: [[يعني: زانية]] نسأل الله العفو والعافية.

محاذير تقع فيها النساء

محاذير تقع فيها النساء

التبرج والسفور

التبرج والسفور أختي في الله! يا أمة الله! إن السفور والتبرج الذي ابتليت به الأمة في هذه الآونة الأخيرة، بعد أن دخلت علينا الموضات والأزياء والعباءات المختلفة في أشكالها، عباءة توضع على الكتف فيها تشبه بالرجال والعياذ بالله، وعباءة قد ضمت مع خصرها حتى تبين حجم المرأة، وعباءة مزركشة ومزخرفة كل هذا لأجل أن تفتن الرجال، فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. أيتها المرأة المسلمة! احذري أن تكوني من هذا الصنف الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلاتٌ مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} أسمعت يا أمة الله؟ إذا لم تدخلي الجنة فأين المصير؟ إنها النار التي سمعت وصفها في قوله تعالى: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. يا أمة الله! هل لك صبر على الوقوف في الشمس ولو بضع دقائق؟ هل لك صبرٌ على أن تضعي إصبعك على مصباح الكهرباء، ولو بضع دقائق؟ فكيف بتلك النار التي قال عنها الرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنها فضلت على ناركم هذه بتسعة وستين جزئا كلهن مثل حرها} هل لك صبرٌ وجلد على تلك النار التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها}. وقد سمعت ذلك الحديث الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ وهذا الحديث عظيم، ومعجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعنى هذا الحديث نشاهده الآن في أسواق المسلمين، وفي بعض مجتمعاتهم، فإذا لبست المرأة ثوباً رقيقاً أو ضيقاً أو قصيراً أو ثوباً متعلقاً بالكتفين وهو الذي يسمى بالعاري أو ثوباً شق من اليمين والشمال حتى خرجت منه الساقان، أو ثوبٌ شق من الأمام أو الخلف، فهي فيه شبه عارية؛ فإن كان رقيقاً شفافاً فهو يصف ما تحته من العورة، وإن كان ضيقاً فهو يبين حجم المرأة، وإن كان قصيراً فلا تسأل عن فضاعة ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم إن بعض النساء في هذا الزمن تجمع شعر رأسها وتربطه في مؤخرة رأسها، فيكون في النظر لها رأسان، ثم نفكر -أخواتي في الله- من أين أتانا اسم الكعكع؟ وغيره من القصات الافرنجية؟ إلا من الكوفيرا، والكوفيرا من أين أتتنا وفيها التشبه باليهود والنصارى؟! فحسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم إنا نسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. الله أكبر! من نظر إلى حال كثيرٍ من نساء المسلمين ضاقت به الأرض ذرعاً؛ لتسابقهن وجريهن وراء التقليد الأعمى، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

أمثلة على تغيير بعض النساء لخلق الله

أمثلة على تغيير بعض النساء لخلق الله يا أمة الله! لنرجع إلى الكتاب والسنة ونرى ما فيهما من التحذير من التشبه بأعداء الإسلام والمسلمين، فإن أخذنا بتعاليم الكتاب والسنة أفلحنا ونجحنا؛ فشرف أمة الإسلام وذكاؤها في الأخلاق الكريمة، والآداب الرفيعة، والفضائل العالية، وذلك لا يوجد إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أيتها المرأة المسلمة احذري أن تغيري خلق الله، فقد حذرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ولعن من فعلت ذلك، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة}. والواصلة والواشمة -أيتها الأخت في الله- هي: التي تصل الشعر بشعرٍ آخر، والمستوصلة: هي التي تأمر من يفعل بها ذلك. أيتها الأخت في الله! الواشمة هي التي تقوم بالوشم، والوشم: غرز الإبرة في الوجه أو اليدين ثم يحشى فيها كحلاً أو غيره مما يظهر لونه، وبعد أن أتت هذه القنوات الفضائية المدمرة، وجد بعض النساء ترسم على يدها وعلى عمودها صورة رجل أو صورة صليب، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وأيضاً {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النامصات والمتنمصات والمتفلجات بالحسن المغيرات خلق الله}. أيتها الأخت في الله! النامصة هي التي تنقش الحواجب حتى يكون رقيقاً دقيقاً أو ربما تزيله بالكلية، وتجعل بدله تلك الأصباغ فهي ملعونة على لسان رسول الله، والتي تفعل بها ذلك ملعونة كذلك، ولقد ذكر لنا بعض المشايخ الثقات يقول: امرأة يعمل بها النمص، فتقول لها النامصة: ارفعي رأسك، اخفضي رأسك، افعلي كذا، فلما قالت لها في الثالثة: ارفعي رأسك إذا بروحها خرجت، الله أكبر! خرجت وهي تعمل النمص الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه. اللهم إنا نسألك العافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. ثم أقول لك أختي في الله: أتدرين ما هي المتفلجة؟ المتفلجة: هي التي تفعل الفلج في أسنانها، أي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض، فهذا فيه تغيير لخلق الله، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعلت ذلك. أختي في الله! نعم. يوجد في المجتمع أيضاً من ابتليت بتقليد الغرب، الكفرة في إطالة أظفارها، أو تركيب أظفارٍ صناعية، إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم إنا نسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

نصائح جامعة للنساء

نصائح جامعة للنساء أيتها المرأة المسلمة! كوني خير خلفٍ لخير سلف، وكوني قدوة حسنة لأخواتك وزميلاتك، وبناتك في هذا الزمان الذي تلاطمت أمواجه بالفتن. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {الدال على الخير كفاعله} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً}. أختي في الله! أختي المسلمة! احذري من البدع، واحذري من المحدثات في الدين، واحذري من التقليد الأعمى، الذي يبثه أعداء الإسلام في التمثيليات والأفلام والمجلات، والأزياء الخليعة والأغاني الماجنة الخبيثة التي ميعت الأخلاق، والتي قست القلوب. أختي في الله! لا يخدعك الدجالون، والمزورون، ودعاة التبرج والسفور. أيتها الأخت في الله! كوني فطنة ويقظة، وكوني على حذرٍ من دعاة الشر والفساد؛ لأنهم دعاة هدمٍ وتخريب ودمار. اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميراً لهم يا سميع الدعاء!

دعوة إلى التوبة النصوح

دعوة إلى التوبة النصوح أختي في الله! ماذا بقي بعد هذه الكلمات التي فيها التحذير من أعداء الإسلام، فأوصيك بالبدار بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل، واعلمي أيتها الأخت في الله أن الإنسان مهما عاش في هذه الحياة الدنيا فإنه سوف ينتقل منها على رغم أنفه، وسوف يهجم عليه هادم اللذات، ومفرق الجماعات، فيأخذه من قصره ومنزله، ومن بين أهله وأولاده وأقاربه، ثم ينطرح جثة هامدة لا حراك فيها ولا إحساس، فماذا يأخذ معه أختي في الله؟ بالله عليك تذكري ماذا ستأخذين من هذه الدنيا؟ لمن تأخذي إلا ما عملت في هذه الدنيا، فإن كان العمل صالحاً فهنيئاً لك في روضة من رياض الجنة، وإن كان العمل خبيثاً فالأمر بعكس ذلك حفرة من حفر النار، نعوذ بالله من النار. أيتها الأخت في الله! اعلمي أن التوبة إذا صحت بأن اجتمعت شروطها، وانتفت موانعها قبلت إن شاء الله، وإذا وقعت قبل نزول الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها، فإن الله جل وعلا يقبل توبة التائبين. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً. الله أكبر! أختي في الله! لا يمكن للإنسان -ذكراً أو أنثى- التوبة إذا نزل به هادم اللذات، يقول الرب جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] بالله عليك -أختي في الله- هل يجاب على هذا المطلب؟ لا والله، يقول الرب جل وعلا: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. فيا أختي في الله! بادري بالتوبة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فهذه الحالة حالة حضور الموت، فبعد حضور الموت لا يقبل من العاصين توبة، ولا من الكافرين رجوع، فقبول التوبة يرجى بإذن الله تعالى للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب قبل أن تنقطع الآمال، وتحضر الآجال، وتساق الأرواح سوقا، ويغلب المرء على نفسه، قال الرب جل جلاله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:17]. أما الذين يستمرون على المعاصي والسيئات، ويتمادون في غيهم، فقد أخبر الله عن أحوالهم عندما ينزل بهم الموت، قال الله جل جلاله: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء:18].

ترك التسويف في التوبة

ترك التسويف في التوبة أيتها الأخوات في الله! كم من إنسان يقول: سوف أتوب لكني الآن في عنفوان الشباب! فما يدري إلا وقد نزل به هادم اللذات، فإنا لله وإنا إليه راجعون. أختي في اللهَ! إن ملك الموت لا يستأذن على أحد، إن ملك الموت يأتي بغتة، ولا يستأذن من أحد، ولا يدخل من الأبواب، يقول الرب جل وعلا: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] فكم من إنسان أصبح معافى وأمسى ميتاً وكم من إنسان أمسى معافى وأصبح ميتاً، مجاوراً للموتى بعد ما كان مع الأحياء. فيا أيتها الأخوات في الله! علينا جميعاً أن نستعد لهذا الخطب الفادح الذي يدخل من دون استئذان، فكم أخذ الآباء من بين أولادهم ولم يرحم بكاءهم، وكم أخذ الأم من بين أطفالها ولم يرحم صغيرهم، وكم أخذ الأطفال من بين يدي الأم والأب، إنه الموت هادم اللذات فكم فيه من الغصص والسكرات، ثم لا تنسي -أختي في الله- أين المصير بعد الموت، إنه إلى المقابر إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار، ثم لا تنسي سؤال منكرٍ ونكير، ثم بعد ذلك لا تنسي القيامة وما فيها من الأهوال، ثم لا تنسي الوقوف بين يدي رب العزة والجلال، حفاةً عراةً غرلاً، الرجال والنساء جميعاً، وقد خشعت الأبصار، وذلت الرقاب، لا تنسي أختي في الله ذلك اليوم العظيم، الذي قال الله عنه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. إنه ذلك اليوم العظيم الذي يشيب فيه الولدان، وتضع فيه الحوامل حملها، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتصيب الناس في ذلك اليوم من الأمر العظيم ما يدهش العقول. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم ألا يفرق جمعنا هذا إلا وقد استفدنا، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

ضرورة التبليغ والدعوة بين النساء

ضرورة التبليغ والدعوة بين النساء ثم أقول: إنه بقي عليك -أختي في الله- أن تبلغي هذا الكلام في مجالسك الخاصة والعامة، في المناسبات بين النساء، وتتحدثي معهن بهذا الحديث، وتذكري أخواتك في الله، أسأل الله جل وعلا أن يجعلك ممن يحوز على هذا الوعد الكريم، يقول الرب جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية}. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يصلحنا جميعاً. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا وأصلح بنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا ألله يا رحمن يا رحيم يا حليم يا عليم، اللهم يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أقر أعيننا وأصلح قلوبنا بصلاح أولادنا ونسائنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا جميعاً هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلنا ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الدخان والشيشة

حكم الدخان والشيشة Q بعض النساء يقلدن الرجال في الذهاب إلى الحدائق، ويشربن الشيشة والدخان، نرجو منكم توضيح هذه المسألة؟ A هذه للأسف الشديد ليست تقليداً للرجال، بل تقليداً للأرذال؛ لأن الدخان والشيشة ما يشربها إلا أناسٌ ما عرفوا حظهم من هذه الحياة، لأن الشيشة والدخان حرام، كما أفتى فيها كثيرٌ من العلماء، نسأل الله جل وعلا أن يعصم من ابتلي بهذا الدخان، اللهم من ابتلي بهذا الدخان فاعصمه يا حي يا قيوم، ودله إلى الحق يا رب العالمين، ولو علم المسلم ماذا يدفع للكفار بسبب هذا الدخان لأقلع عنه عاجلاً غير آجل، يقول بعض الإخوان ونحن في مجلس يقول: لو قدرنا أن الذين يشربون الدخان في المملكة ثلاثة ملايين، كل رجل يصرف في اليوم بكت بخمسة ريالات، فكم يصرف -يا إخواني- في اليوم؟ يصرف خمسة عشر مليوناً، اللهم سلم سلم، يعني: يومياً خمسة عشر مليوناً أليس هذا نقص يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان هذا يومياً فكيف بالسنة يا إخواني؟ كم يبلغ هذا المصروف على هذا الدخان سنوياً؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! ومن الذي يستفيد من هذه الأموال إلا أعداء الإسلام، يشترون بها الكنائس، ويشترون بها السلاح ليحاربوا بها الإسلام والمسلمين، فنسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، فمن ابتلي بهذا الدخان فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل. ويا أمة الله! احذري أن تذهبي إلى المجالس التي فيها اجتماع مع الرجال، وقد سمعت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم العدسات اللاصقة بالعيون

حكم العدسات اللاصقة بالعيون Q ما حكم العدسات اللاصقة للعيون التي تلصقها بعض النساء في عيونها بحجة الزينة؟ A إذا كانت للزينة فلا يجوز؛ لأنها تغيير لخلق الله عز وجل، أما إذا كانت للحاجة لقصر نظرها، فالضرورة لها أحكامها.

حكم خروج المرأة بدون إذن زوجها

حكم خروج المرأة بدون إذن زوجها Q ما حكم المرأة التي تخرج من بيتها من دون إذن زوجها؟ A نسأل الله العفو والعافية، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أيما امرأة خرجت من بيتها بدون إذن زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع}. نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة، فنقول للمرأة: اتقي الله عز وجل، واعرفي حق الزوج واعرفي أن حقه عظيم، وإياك إياك والخروج بدون إذنه سواء للأسواق أو لقصور الأفراح أو لغيرها، فكل هذا لا يجوز، حتى ولو أمرها أبوها وأمها، لا يجوز أن تخرج بدون إذن زوجها.

ضرورة المحرم في سفر المرأة

ضرورة المحرم في سفر المرأة Q رجل أرسل امرأته مع أولادها بدون محرم فما الحكم؟ A نسأل الله العفو والعافية، قد تقدم معنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم} وقال صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} وقال صلى الله عليه وسلم: {إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت} والحمو هو: قريب الزوج أخو الزوج، أو عم الزوج، أو خال الزوج، أو ابن عمه، أو ابن خاله ونحو ذلك، فلا يجوز أن يدخل على المرأة بدون محرم، فعلينا أن نتق الله عز وجل، أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الجحيم والنعيم

الجحيم والنعيم إن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة وجعل لها خلقاً، وخلق النار وجعل لها خلقاً، وحذر عباده من النار، وبشر المؤمنين بالجنة، وقد ذكر الله عز وجل وصف جنته وناره في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلابد أن نعمل عملاً صالحاً يبلغنا جنته ويباعدنا عن ناره، ومن عصاه أو تكبر وتجبر فليعلم أن النار موعده.

وصف نعيم الجنة

وصف نعيم الجنة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلوات ربي وسلامه عليه، ترك أمته على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم كما أمر الله بذلك المؤمنين فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ثم أبشروا معشر المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:18 - 20]. اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار يا أرحم الراحمين! أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، نعوذ بالله من الضلالة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. إخواني في الله: إن موضوع الجنة والنار موضوع عظيم جد عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وأول ما نبدأ بوصف ذلك النعيم الذي أعده الله لمن أطاع، وإن كنا لن نحط بذلك الوصف ولم يحط به الواصفون؛ لأن الله جل وعلا قال في الحديث القدسي: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر} ولكن العلماء جزاهم الله خيراً أخذوا بعض تلك الأوصاف من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فيا عباد الله! سارعوا إلى الجنة دار السلام، قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:25] نسأل الله من فضله الجنة، إي والله إنها دار السلام يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! قال بعضهم جزاه الله خيراً: يا عباد الله! هلموا إلى دارٍ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها الأنهار المتنوعة، مما لذ وطاب، دارٌ جل من بناها، دارٌ طابت للأبرار، دارٌ تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، رياضها الناضرة مجمع الأتقياء المتحابين، بساتينها الزاهرة نزهة المشتاقين، خيام اللؤلؤ والدر على شواطئ أنهارها مبهجة للناظرين، فيها خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قد جمع الله لهن الجمال الظاهر والباطن من جميع الوجوه، أبكاراً عرباً أتراباً، كأنهن الياقوت والمرجان، قاصرات الطرف من حسنهن الذي قصر عن وصفه الواصفون، مقصورات في خيام اللؤلؤ والزبرجد عن رؤية العيون، إنها دار السلام، يتمتع أهلها بكرم الرب الرحيم، ينظرون بأبصارهم إلى وجهه الكريم، فإذا رأوا ربهم تعالى نسو ما هم فيه من النعيم. ينادي المنادي في أرجاء الجنة مبشراً لأهلها بدوام النعيم سرمداً، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن يحل عليكم الكريم رضوانه فلا يسخط عليكم أبداً. إنها الجنة دار السلام، إنها الجنة دار السلام، يتزاور فيها الأصحاب، ويلتقي فيها الأقارب والأحباب، ويجتمعون في ظلها الظليل، ويتعاطون فيها كئوس الرحيق والتسنيم والسلسبيل، ويتنادمون بأطيب الأحاديث متحدثين بنعم المولى الجليل، قد نزع من قلوبهم الغل والهم والأحزان، وتوالت عليهم المسرات والخيرات والكرم والإحسان، لمثل هذه الدار فليعمل العاملون، وفي أعمالها فليتنافس المتنافسون.

أدنى أهل الجنة منزلة

أدنى أهل الجنة منزلة عباد الله: سابقوا -رحمكم الله- إلى جنة لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبانها، ولا يتغير حسنها وإحسانها، هواؤها النسيم، ماؤها التسنيم، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الرحمين، ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم كل حين: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10] هنيئاً لهم في تلك الدار، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجلٌ يخرج من النار حبواً، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يا رب! وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يا رب! وجدتها ملأى، فيقول: الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا -الله أكبر- فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟! قال ابن مسعود رضي الله عنه: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقول صلى الله عليه وسلم: فذلك أدنى أهل الجنة منزلة} متفقٌ عليه.

نفي الغل والتعب عن أهل الجنة

نفي الغل والتعب عن أهل الجنة ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً} متفقٌ عليه. هنيئاً لهم في الجنة! يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:45 - 48] لا يجدون في الجنة نصب وتعب، نسأل الله من فضله الجنة {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] ما يأتيه صاحب العقار ويقول: انتهت المدة جدد أو اخرج. في الدنيا -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- إما أن يكون مستأجراً ويأتيه صاحب العقار ويقول: سدد أو اخرج، وإن كان مالكاً لهذا المنزل، فإنه قد شيد هذا المنزل وتعب عليه في الدنيا، فوالله لا بد أن يخرج منه، بماذا؟ بالموت، مفرق الجماعات، ميتم الأطفال، ومرمل النساء ولابد؛ لأن هذه الدنيا دار الهموم والغموم والأنكاد والأحزان، أما الجنة فهي دار السلام يقال لهم فيها: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46].

نعيم أهل الجنة

نعيم أهل الجنة ثم يخبر الله جل وعلا عن وصف نعيمهم في الجنة فيقول جل جلاله: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} [الدخان:53] ثم يخبر الله عز وجل أنهم في ذلك المكان في غاية من الأمان، فيقول جل وعلا: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:56]. أما الدنيا: فلو لم يكن فيها إلا الموت لكفى به منغصاً يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الموت ينغص على أهل الدنيا معايشهم، ويكدر صفوهم، الموت الذي طالما غفلنا عن ذكره، وطالما نسينا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} الموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! نسأل الله حسن الختام إنه على كل شيء قدير. لكن أخي في الله: تذكر ما الذي تخرج به من الدنيا بعد الموت إذا خرجت الروح؟ هل تخرج بالأموال والعقارات والأهل؟ لا. لا تخرج إلا بالعمل أخي في الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر وقال: {إذا مات الميت تبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، يرجع الأهل والمال ويبقى العمل}. أما الجنة فليس فيها موت -نسأل الله الجنة- اللهم إنا نسألك الجنة يا أرحم الراحمين! ويخبر الله جل وعلا أيضاً بما أعد لهم في الجنة فيقول سبحانه وتعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:17 - 18] ومع ذلك: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] هذه عيوب خمر الدنيا، فيه صداع وفيه نزيف، أما خمر الجنة: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] ومع ذلك أعد الله لهم في الجنة {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:20] وأيضاً: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] وأيضاً {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22 - 23] لكن بماذا حصلوا هذا؟ قال الله جل جلاله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] ينادي المنادي في ذلك اليوم العظيم {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36]. ينادي المنادي: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:68 - 69] اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! أيها الإخوة في الله: بعض العلماء وصف الجنة بما ورد في الكتاب والسنة من الأوصاف، أو كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه جل وعلا: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر}. فمن أوصاف الجنة التي وردت في الكتاب والسنة، قال بعض العلماء رحمه الله: فإن سألتم عن أرض الجنة وتربتها؛ فهي المسك والزعفران. وإن سألتم عن سقف الجنة؛ فهو عرش الرحمن، وإن سألتم عن بلاط الجنة؛ فهو المسك الأذفر. وإن سألتم عن حصبائها؛ فهي اللؤلؤ والجوهر. وإن سألتم عن بنائها؛ فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألتم عن أشجار الجنة؛ فما منها من شجرة إلا وساقها من ذهبٍ وفضة، لا من الخشب. وإن سألتم عن ثمارها؛ فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل. وإن سألتم عن ورقها؛ فأحسن ما يكون من رقائق الحلل. وإن سألتم عن أنهار الجنة؛ فكما وصفها الله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] وإن سألتم عن طعامهم وشرابهم في الجنة {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:20 - 21] يشربون فيها الرحيق المختوم بالمسك، الممزوج بالزنجبيل والكافور. وإن سألتم عن تلك الآنية التي يشربون بها؛ فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير. وإن سألتم عن عدد أبواب الجنة؛ فأبوابها ثمانية، وإن سألتم عن سعة أبوابها؛ فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ من الزحام. وإن سألتم عن تصفيق الرياح لأشجار الجنة؛ فإنما تستفز بالطرب لمن يسمعها. وإن سألتم عن ظلها؛ ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السير في ظلها مائة عام لا يقطعها. وإن سألتم عن خيامها وقبابها؛ فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام. وإن سألتم عن ارتفاعها؛ فانظروا إلى الكوكب الدري الغابر في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، والجنة درجات، وما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، الله أكبر! وإن سألتم عن لباس أهل الجنة؛ فهو الحرير والسندس والإستبرق. وإن سألتم عن حليهم في الجنة؛ فالذهب والفضة. وإن سألتم عن فرشهم في الجنة؛ فبطائنها من إستبرق، مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألتم عن أرائكها؛ فهي الأسرة عليها المشْغَامات. وإن سألتم عن وجوه أهل الجنة وحسنهم؛ فهي على صورة القمر ليلة البدر. وإن سألتم عن أبناء أهل الجنة؛ فأبناء ثلاثة وثلاثين على صورة آدم أبي البشر. وإن سألتم عن سماع أهل الجنة؛ فهم يسمعون فيها غناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما خطاب رب العالمين. وإن سألتم عن مطايا أهل الجنة التي يتزاورون عليها؛ فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاءوا من الجنان. هذه بعض أوصاف الجنة، واسمع إلى هذا الخبر من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يقول لأهل الجنة -اللهم اجعلنا نسمع هذا منك يا رب العالمين! يا أكرم الأكرمين! يا أجود الأجودين! -: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً}.

أول زمرة يدخلون الجنة

أول زمرة يدخلون الجنة يقول صلى الله عليه وسلم: {أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة -يعني عود الطيب- أزواجهم الحور العين، على خلق رجلٍ واحد على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء} متفقٌ عليه، وفي رواية للبخاري ومسلم: {آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يُرى مخ ساقيهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرةً وعشياً}. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى. والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين}. إنها الجنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقاب قوس في الجنة خيرٌ مما تطلع عليه الشمس أو تغرب} متفق عليه، الله أكبر! {لقاب قوس في الجنة} مقداره متر ونصف كما قال بعض العلماء. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهليهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً}. اللهم إنا نسألك الجنة يا أكرم الأكرمين! يا أجود الأجودين!

وصف غلمان الجنة وحورها

وصف غلمان الجنة وحورها وإن سألتم عن غلمانهم الذين يخدمونهم في الجنة؛ فولدانٌ مخلدون كأنهم لؤلؤٌ مكنون. وإن سألتم عن عرائسهم وأزواجهم في الجنة؛ فهن الكواعب الأتراب التي جرى في أعضائهن ماء الشباب، كأن الشمس تجري في محاسن وجهها إذا برزت، وكأن البرق يضيء من بين ثناياها إذا ابتسمت، يرى وجهه في صحن خدها، ويرى مخ ساقيها من وراء اللحم من حسنها وجمالها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما عليها، ومع ذلك لا تزداد مع طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، مبرأة من الحيض والنفاس، ومطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، قد قصرت طرفها على زوجها، لا تطمح لأحدٍ سواه، وقصر طرفه عليها، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته ومع ذلك لم يطمثها قبله إنسٌ ولا جان، لونها كأنه الياقوت والمرجان. فيا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها اللهم إنا نسألك الجنة. البدار البدار يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ولا يفوت أن أذكر بعض الأخوات اللواتي جزاهن الله خيراً حضرن هذه الدروس أقول: أبشرن أيتها المؤمنات؛ فإن المؤمنة إذا دخلت الجنة فإنها تكون أفضل من الحور العين، فيا أمة الله! الله الله في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم!

رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

رؤية المؤمنين لربهم في الجنة قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ينادي المنادي يا أهل الجنة! إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيا على زيارته، فيقولون: سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، ويستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجمعوا هناك لم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم -وحاشاهم أن يكون فيهم دنيٌ- على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ فبينما هم كذلك إذا سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى، أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه؟ فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه يقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يذكره ببعض غدراته في الدنيا، ويقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً تطهر بها قلوبنا، وتمحص بها ذنوبنا يا أرحم الراحمينّ! يا أكرم الأكرمين! اللهم اغفر لنا! قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فيا لذة الأسماع لتلك المحاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، وربنا جل وعلا يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] هنيئاً لأهل الجنة ما هم فيه من النعيم المقيم نسأل الله من فضله الجنة، يا أكرم الأكرمين! ويا أجود الأجودين! اللهم اجعلنا من أهل الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين!

الأعمال التي تدخل العبد الجنة

الأعمال التي تدخل العبد الجنة إخواني في الله: إن الجنة دار الأبرار، دار من أطاع الله وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم، فالبدار البدار! ما دمتم في زمن الإمكان، ولله الحمد مهرها يسير، وثمنها يسير ما دمتم في زمن الإمكان: توحيد الله عز وجل، وتخليص التوحيد من شوائب الشرك والبدع والمحدثات، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحافظ على عقيدة التوحيد. اللهم اجعلنا من المحافظين على عقيدة التوحيد؛ لأننا يا إخواني في هذه الأزمنة كثير من يدعو إلى الإخلال بعقيدة التوحيد، حسبنا الله ونعم الوكيل! أهل الشعوذة، والكهانة، والعرافين والسحرة كل أولئك يهدمون عقيدة التوحيد، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولئك وأخبر أن من أتاهم وسألهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديينا. وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من أتاهم وسألهم عن شيءٍ فصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم احذروا من أولئك الكهنة والعرافين والمنجمين والمشعوذين، الذين همهم دمار العقيدة نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم. وأيضاً يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إذا حققتم التوحيد فالله الله! في اتباع هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي بشر أمته، فقال صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى} وقد حذركم وقال: {إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة}. ومن الأعمال التي توصل إلى الجنة: المحافظة على الصلاة، فمن حافظ عليها فليبشر بأعلى درجات الجنة، التي حث على طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة}. يقول ربنا جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11] الله أكبر! الفردوس يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن الأعمال التي توصل إلى الجنة؛ أداء الزكاة، وكثرة النفقات والصدقات والصيام، والحج يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! من الأعمال التي تدخل الجنة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والمساكين. واعرف وقتك -يا أخي في الله- فالوقت ثمين، عليك بقضاء هذا الوقت بما يقربك من الله جل وعلا ما دمت في زمن الإمكان، واعلم أنه والله! ثم والله! سوف يأتيك يومٌ من الأيام تنتقل من هذه الدار وتتمنى التزود من الأعمال وهيهات هيهات! يقول الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: {إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث} الله أكبر! بماذا يكون انقطاع العمل؟ بالموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فالبدار البدار قبل أن يهجم هادم اللذات، قبل أن يهجم مفرق الجماعات، قبل أن يهجم ميتم الأطفال ومرمل النساء، الموت الموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! قال صلى الله عليه وسلم: {إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له} اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم وهدايتهم واستقامتهم يا رب العالمين!

وصف النار

وصف النار إخواني في الله هنيئاً لمن أطاع الله فإن مأواه الجنة، نسأل الله من فضله الجنة، وأما من عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يلومن إلا نفسه، فإن مصيره إلى النار، نعوذ بالله من النار! فإن سألتم عن تلك النار؛ فقد وصفها الجبار جل جلاله فقال سبحانه وبحمده: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. وإن سألتم عن وصف ملابس أهل النار؛ فقد أخبر الله عنها فقال: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] وقال تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50]. إنها النار! كلما أحرقت تلك الأجسام تعاد، كما أخبر الباري جل جلاله {نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:56]. أما إن سألتم عن طعام أهل النار؛ فقد قال الله جل جلاله: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:43 - 46] يشتعل في بطونهم فيطلبون الشراب، بماذا يسقون؟ اسمعوا إلى وصف شراب أهل النار، قال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ويقول تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:16 - 17]. ومن أوصاف النار ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {يؤتى بالنار يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها}. ويقول صلى الله عليه وسلم عن نار جهنم: {ناركم هذه -ما يوقد ابن آدم- جزءٌ واحدٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله! إنها لكافية، قال صلى الله عليه وسلم: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها}.

وصف قعر نار جهنم

وصف قعر نار جهنم أما وصف قعر جهنم؛ فيقول أبو هريرة رضي الله عنه: {كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة، أي: صوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا حجرٌ أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً -يعني سبعين سنة- فالآن حين انتهى إلى قعرها}.

طعام أهل النار

طعام أهل النار وأيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لنا طعام أهل النار بأبشع وصفٍ فيقول: {لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم} الله أكبر! نسأل الله العفو والعافية! قال الحسن البصري رحمه الله: "ما ظنك بقومٍ قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية، قد آل حرها واشتد نضجها! " إي والله كيف تعمل بهم يا إخواني؟! نسأل الله العفو والعافية، اللهم إنا نستجير بك من النار يا أرحم الرحمين! النار النار يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وقف نبيكم صلوات ربي وسلامه عليه على المنبر يوماً من الأيام فقال: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار} يخاطب أفضل الخلق بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، يخاطب الصحابة رضي الله عنهم، يقول الراوي: {وكانت على عاتقه خميصة سقطت عند رجليه، حتى سمعه من في السوق وهو يحذر أمته من النار}. يا ويل أهل النار! فقد باءوا بالخيبة والخسران، لقد حق عليهم العذاب، إنهم في نار جهنم، قد غلت أيديهم وأرجلهم إلى النواصي بالأغلال، إنهم في نار جهنم، أمانيهم فيها الهلاك، وليس لهم من أسر جهنم فكاك، يسحبون في أودية جهنم على وجوههم صماً وبكماً وعمياً، وقد ترادف عليهم العذاب. عباد الله: تصوروا أهل النار وقد وصلت النار إلى أفئدتهم! تصوروا أهل النار وقد أطبقت عليهم النار! تصوروا أهل النار وهم يضربون بمقامع من حديد! تصوروا أهل النار وقد ازرقت عيونهم من شدة العذاب! تصوروا أهل النار وقد أحرقت وجوههم النار! تصوروا أهل النار والحيات تنهشهم، والعقارب تلدغهم! تصوروا أهل النار وقد نضجت جلودهم، وكلما نضجت جلودهم تعاد، فيا ويلهم من نار جهنم! {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] لهم فيها زفيرٌ وشهيق، قد ارتفعت أصواتهم بالبكاء يبكون على تضييع أوقات العمر في غير طاعة الله، وكلما جاء البكاء زاد، ينادون مالك كما أخبر الله جل جلاله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77]. فتصوروا تلك الدموع التي لو أجريت بها السفن لجرت، ثم يرد عليهم بعد زمان طويل: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77].

أوصاف أهل النار

أوصاف أهل النار فإن سألتم عن أوصاف أهل النار؛ فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع} متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: {ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث} رواه مسلم. وإن سألتم عن ثيابهم التي يلبسونها في النار؛ فكما سمعتم في آيات القرآن نسأل الله العفو والعافية!

أحوال أهل النار

أحوال أهل النار وإن سألتم عن أحوالهم في النار فكما وصفها الجبار: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:104 - 107] ثم يأتيهم الرد الإلهي {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ثم يرجعون على أنفسهم باللوم كما أخبر الله جل جلاله: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] ومع ذلك الشيطان يخاطبهم في نار جهنم فيقول: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. اللهم إنا نستجير بك من النار، اللهم إنا نستجير بك من النار.

اللحظات الأخيرة

اللحظات الأخيرة اللحظة الأخيرة هي لحظة الوداع لكل ما في الدنيا من متع ومتاع، وأموال وضياع، وأهل وأتباع. وتذكر هذه اللحظة والتفكر فيها يدعو إلى الزهد في الدنيا، والإقبال على الله بكل الجوارح. ومن غفل عن هذه اللحظة أو نسيها عوقب وتضرر. والتفكر في هذه اللحظة يدعو إلى الاستعداد للموت، والتزود لهذه الرحلة بزادها. وبيان ذلك الزاد، وكيفية التأهب للموت والاستعداد، هو محور هذه المادة وموضوعها الأساس.

فضائل الإكثار من ذكر الموت

فضائل الإكثار من ذكر الموت إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراًَ. أما بعد: إخواني في الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى. اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. إخواني في الله! إنها اللحظة الأخيرة التي يودع فيها الإنسان هذه الدنيا، يودع الأهل والأولاد والأصحاب والأقارب، يودع القصور (والفلل) والدور، وينتقل إلى عالم القبور. تذكر أخي في الله بأي شيء تنتقل من هذه الدار! قال بعضهم: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: الأولى: تعجيل التوبة. الثانية: قناعة القلب. الثالثة: النشاط في العبادة. الله أكبر!

تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه على قصر الأمل

تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه على قصر الأمل ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام حتى الشباب على قصر الأمل، وعلى الحذر من هذه الدنيا، فقال لـ ابن عمر رضي الله عنهما: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} ماذا قال ذلك الشاب الذي تخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك]] هكذا رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم. دخل عليه الصحابة رضي الله عنهم وقد نام على حصيرٍ أثَّر بجنبه الشريف فقالوا: {يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً لينا؟ قال: ما لي وللدنيا! ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة، ثم قال وتركها}. ربى زوجاته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن، فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {يمر الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ما وقِدَ في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار} له تسعة أبيات، فما أدراكم ما تلك الأبيات! إنها حجيرات. نزل به ضيفٌ -صلى الله عليه وسلم- فيسأل تلك الزوجات كل واحدة يقول لها: {هل عندك شيء؟ فتقول: والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء} الله أكبر! لا إله إلا الله! أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم كل واحدة تقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فهذا يدلك أخي المسلم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرفع بالدنيا رأساً. يقول رحمه الله: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: أولاً: تعجيل التوبة: إذا ذكر الإنسان أنه سوف يموت ولا يدري متى يموت، لأن البعض من الناس مع الأسف الشديد يغتر بطول الأمل، حتى أنه ربما يربي أهله وأولاده على طول الأمل، وربنا جل وعلا يقول: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] والبعض من الناس يربي أهله وأولاده على طول الأمل، ويحدثه بالمستقبل، لا إله إلا الله! الله أكبر! وما درى هذا المسكين أن الموت قد يختطفه إما صباحاً وإما مساءً {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]. فيا من ابتلي بطول الأمل! تذكر أخي في الله تلك النُّقلة يوم أن تنقل من هذه الدنيا، من عالم الدور إلى عالم القبور، إذا تذكرت ذلك وفقك الله جل وعلا بتعجيل التوبة، تبت إلى الله، ورجعت إليه، أخذت الاستعداد والأهبة لذلك النازل ألا وهو الموت. الأمر الثاني: قناعة القلب. الأمر الثالث: النشاط في العبادة.

عواقب نسيان الموت

عواقب نسيان الموت لكن إن أصبت بهذه المصائب قال رحمه الله: ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: أولاً: تسويف التوبة: كما هو حال الكثير من الناس الآن، وتسويف التوبة بابٌ يفتحه الشيطان للعبد نعوذ بالله من الشيطان الرجيم! ذكر لنا بعض الإخوان يقول: زرنا أحد المفرطين في طاعة الله، تاركاً للصلاة؛ فقلنا له: يا فلان، ألا تتقِ الله؟! ألا تصلي؟! ألا تتوب؟! ألا ترجع إلى الله؟! بماذا رد عليهم؟! نسأل الله العفو والعافية! قال: جدي مات وهو في مائة سنة، ووالدي مات وهو في التسعين من عمره، وأنا عمري الآن أربعون سنة، لا تكلمني عن الصلاة إلا إذا بلغتُ ستين سنة. الله أكبر! لا إله إلا الله! ألم يقف هذا المفرط عند قوله جل وعلا: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]؟! يقول: لا تكلمني عن الصلاة إلا إذا بلغت من العمر ستين عاماً، ويخرج من عنده الإخوة وقد انكسرت قلوبهم أسفاً، فلما أصبحوا من الغد، وإذا بزملائه يعزي بعضُهم بعضاً، بوفاة فلان الذي يقول بالأمس: لا تأمرني بالصلاة إلا إذا بلغت من العمر ستين سنة، كم يبلغ من العمر؟ لم يبلغ من العمر إلا أربعين سنة ويوم واحد، وقد اقترنته المنية، لا إله إلا الله! ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: أولاً: تسويف التوبة: سوف أتوب، إذا بلغت من العمر كذا أتوب، الله أكبر! أين الوثيقة التي تعتمد عليها أنك تموت إذا بلغت من العمر كذا وكذا؟! اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. الأمر الثاني: الرضا بالكفاف. الأمر الثالث: التكاسل في العبادات.

كيفية الاستعداد للموت

كيفية الاستعداد للموت إخواني في الله! تذكروا تلك اللحظة اللحظة الأخيرة التي تنتقلون بها من هذه الدنيا.

كتابة الوصية من الاستعداد للموت

كتابة الوصية من الاستعداد للموت أخي في الله! هل استعددت لهذا النازل العظيم؟! هل كتبت الوصية؟! هل أوصيت أخي في الله؟! هل كتبت وصيتك عند رأسك كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أم هو التسويف والتفريط والإضاعة حتى إذا جاء الموت أحدهم يقول كما قال الرب جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] الله أكبر! لا إله إلا الله! {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] ما هو الجواب؟ {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. فلا يُجاب إلى هذا المطلب؛ لأن العمر محدود، والأنفاس معدودة.

التوبة واغتنام الأوقات

التوبة واغتنام الأوقات أخي في الله! تب إلى الله عز وجل ما دمت في زمن الإمكان، اغتنم أوقات الفضائل قبل فواتها، وتأهب لما أمامك، وما أنت قادمٌ عليه لا محالة ألا وهو الموت، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث} لا إله إلا الله! ينقطع العمل بالموت، تُطْوَى صحائفُه بالموت الذي كان يسطر فيها أعماله في الدنيا، إذا نزل به الموت طويت صحائفه على ما فيها. أخي في الله: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له} أما الصلاة فقد انتهى وقتها بالموت، الصيام انتهى وقته بالموت، الحج انتهى وقته بالموت، إلى غير ذلك من الأعمال التي كان يقدر عليها يوم أن كان حياً معافىً، أما إذا مات فإنه ينقطع عمله، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

حقيقة الموت

حقيقة الموت {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء:77 - 78] لا بد من الموت! لا إله إلا الله! {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] الموت الذي كتبه الله على جميع مخلوقاته: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. عباد الله! استعدوا للموت، فإنه تبدُّلٌ من حال إلى حال، وانتقالٌ من دار إلى دار. فالموت هو المصيبة العظمى، والرزية الكبرى، وأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفَكُّر فيه، وترك العمل. فيا عباد الله! ما هذه الغفلات والاغترار؟! وما هذا الإكباب على الدنيا وقد رأيتم تصرم الأعمار؟! وما هذا التفريط وأنتم على الآثار؟! وقد أيقنتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟! فيا عباد الله! تأهبوا للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه! إي وربي، ما طلب أحداً فأعجزه! إي والله، ما طلب أحداً فأعجزه! ولا تحصن منه متحصنٌ إلا أخرجه وأبرزه! فأيُّ عيشٍ صفا وما كدَّره؟! وأي قدمٍ سعى وما عثره؟! وأي غصنٍ علا وما كسّره؟! وأي بناءٍ أشيد وما دمّره؟! وأي غافلٍ لاهٍ وما ذكّره؟! وأي ملِكٍ آمرٍ ناهٍ عالٍ وما حذَّره؟! وأي متعنتٍ جائرٍ وما نكَّسه وأصغره؟! وأي غنيٍّ ما سلب ماله وأفقره؟! فيا عباد الله! إنه الموت، إنه الموت يأتي على غِرَّة وبدون إنذار، أما أخذ الآباء والأجداد؟! أما أخذ الشباب والأولاد؟! أما ملأ القبور واللحود؟! أما أرمل النساء، وأيتم الأطفال؟! عباد الله! إلى متى هذه الغفلة وقد علمتم المصير؟! قال ربنا جل جلاله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].

كيفية تذكر الموت

كيفية تذكر الموت عباد الله! اعلموا علم اليقين أنه لا بد من السفر من هذه الدار، ومن شك في ذلك فليتذكر من سبقه من الأولين والآخرين. وكيف يحصل التذكر؟! A { زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة} لا إله إلا الله! {زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة} قف على قبر فلان بن فلان الذي كان يأكل معك ويشرب، ويبيع ويشتري ويعمل، أين هو الآن؟ صُفَّت عليه اللبنات، وحُثِي عليه التراب، وتُرِك في قبره وحيداً فريداًَ، لا إله إلا الله!

قصيدة زين العابدين في وصف الموت

قصيدة زين العابدين في وصف الموت يقول بعضهم رحمه الله تعالى: كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هونِ واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدُّوا في شرا الكفني وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسِّل يأتيني يغسلني وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطنِ فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني لا إله إلا الله! إنها الحالة التي سوف تمر بنا جميعاً يا أمة محمد، فتذكر أخي في الله إذا وُضِعْت على المغسَّل، وشُقَّ الثوب ليغسلوك، ويجردوك من ملابس الدنيا التي كنت تتعب فيها. لا إله إلا الله! فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خريرُ الما ينظفني وألبسوني ثياباً لا كِمام لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا عليّ صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني ثم بعد ذلك أين المستقر؟! إلى أن يقوم الناس لرب العالمين. أين المثوى؟! لا إله إلا الله! أين النُّقْلة؟! إلى عالم القبور، إلى بيت الوحدة، إلى بيت الغربة، إلى بيت الوحشة، إلى بيت الدود، إلاَّ من وسعه الله عليه، لا إله إلا الله! وأنزلوني إلى قبري على مَهَلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني من ينزل معه؟! من يسكن معه في ذلك القبر الضيق؟! لا إله إلا الله! يتبعه في قبره عمله كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يتبع الميت ثلاثة؛ يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع الأهل والمال، ويبقى العمل} لا إله إلا الله! وأنزَلوني إلى قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني وقال هُلُّوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخ يؤنسني

حال المؤمن في القبر

حال المؤمن في القبر اسمع خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث المتفق على صحته: {إن العبد إذا وُضِع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، قال صلى الله عليه وسلم: يأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال صلى الله عليه وسلم: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله} لا إله إلا الله! صدق الله {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122]: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] الله أكبر! {ما تقول في هذا الرجل؟ قال صلى الله عليه وسلم: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً} الله أكبر! لا إله إلا الله! أما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: معنى أشهد أنه عبد الله ورسوله، معناها: تصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع.

الذين يأبون دخول الجنة

الذين يأبون دخول الجنة قال صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى}. من حلق لحيته؛ فقد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم. من أسبل ثيابه؛ فقد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم. من اهتدى بغير هديه صلى الله عليه وسلم؛ فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. من أكل الربا، من تعامل بالربا؛ فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. من اقترف الزنا، من ارتكب جريمة الزنا وجريمة اللواط؛ فقد عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. من أوقع نفسه في وحل المخدرات والمسكرات؛ فقد عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. من عقَّ والديه؛ فقد عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. من قطع أرحامه؛ فقد عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. من مشى بالنميمة؛ فقد عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. من اغتاب الناس وأكل لحومهم؛ فقد عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى}.

حال المنافق والكافر في القبر

حال المنافق والكافر في القبر ثم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: {وأما المنافق والكافر -أي: إذا وضع قبره وتولى عنه أصحابه- فيأتيه ملكان فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري! كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطرقة من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين} والحديث متفقٌ عليه. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن نهاية الدنيا، نهاية القصور والدور والفلل، النهاية فيها القبور، إلى أن يأذن الله يوم البعث والنشور؛ ليقوم الناس لرب العالمين. فماذا أعددنا لتلك القبور يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!

قصيدة وعظية في وصف الموت والحشر وزوال الدنيا

قصيدة وعظية في وصف الموت والحشر وزوال الدنيا بعضهم وكأنه يعني أهل زماننا: هو الموت ما منه ملاذ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نشاهد ذا عين اليقين حقيقةً عليه مضى طفلٌ وكهلٌ وأشيبُ ولكن علا الرانُ القلوبَ كأننا بما قد علمناه يقيناً نكذبُ نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقربُ ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخربُ ونسعى لجمع المال حلاً ومأثماً وبالرغم يحويه البعيد وأقربُ نحاسَب عنه داخلاً ثم خارجاً وفيما صرفناه ومن أين يُكسبُ الله أكبر! لا إله إلا الله! هذا المال الذي نجمعه يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: نحاسب عنه داخلاً ثم خارجاً وفيما صرفناه ومن أين يُكسبُ ويسعد فيه وارثٌ متعففٌ تقيٌ ويشقى فيه آخر يلعبُ وأول ما تبدو ندامة مجرمٍ إذا اشتد فيه الكرب والرُّوح تُجْذَبُ ويشفق من وضع الكتاب ويمتني لو أن رد للدنيا وهيهات مطلبُ ويشهد منا كلُّ عضوٍ بفعله وليس على الجبار يخفى المغيَّبُ إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكلٌ في الكتاب مرتبُ؟ وماذا كسبتم في شبابٍ وصحة وفي عمرٍ أنفاسكم فيه تحسبُ فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب به والأمر إذ ذاك أصعبُ إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندبُ ولله كم غادٍ حبيبٍ ورائحٍ نشيعه للقبر والدمع يسكبُ أخٌ أو حميمٌ أو تقيٌ مهذبٌ يواصل في نصح العباد ويدأبُ نهيل عليه التربَ حتى كأنه عدوٌ وفي الأحشاء نارٌ تلهَّبُ وما الحال إلا مثل ما قال من مضى وبالجملة الأمثال للناس تضربُ لكل اجتماعٍ من خليلين فرقةٌ ولو بينهم قد طاب عيشٌ ومشربُ ومن بعد ذا حشرٌ ونشرٌ وموقفٌ ويومٌ به يُكسى المذلةَ مذنبُ إذا فر كل من أبيه وأمه كذا الأم لم تنظر إليه ولا الأبُ وكم ظالمٍ يدمَى من العض كفه مقالته يا ويلتا أين أذهبُ إذا اقتسمت أعماله غرماؤه وقيل له هذا دماكم فتكسبُ وصُك له صكٌ إلى النار بعدما يحمل من أوزارهم ويعذبُ وكم قائلٍ واحسرتا ليت أننا نرد إلى الدنيا ننيب ونرهبُ ثم قال رحمه الله: فحثوا مطايا الارتحال وشمروا إلى الله والدار التي ليس تخربُ

زاد المؤمن في رحلته إلى الله

زاد المؤمن في رحلته إلى الله بماذا يتزود المؤمن في رحلته إلى الدار الآخرة؟ بتحقيق توحيد الله عز وجل. بتخليصه من الشرك والبدع والمحدَثات. بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام. ببر الوالدين. بصلة الأرحام. بالإحسان إلى الفقراء والمساكين. بكثرة تلاوة القرآن. بكثرة ذكر الله عز وجل. بكثرة الاستغفار. بكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. بالدعوة إلى الله عز وجل. تلك الأعمال التي تجدها في رصيدك، وفي ميزان حسناتك {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المشمرين إلى طاعته ما دمنا في زمن الإمكان، ممتثلين أمر الكريم جل جلاله {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] مَن هُمُ المتقون؟ هم الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية؛ بفعل الأوامر، واجتناب النواهي. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! إخواني في الله، الله جل وعلا أمرنا بالتزود من التقوى، فقال جل جلاله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197].

الأمور التي أمر الله سبحانه بالتزود منها

الأمور التي أمر الله سبحانه بالتزود منها ولذلك أخي في الله إذا قرأت القرآن وتصفحت آياته وجدت أن الله سبحانه وتعالى لم يأمر بالتزود من هذه الدنيا إلا من أمرين: الأمر الأول: العلم النافع:- قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]. الأمر الثاني: التقوى:- قوله جل جلاله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]. أ- فضل العلم النافع: أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما أحوجنا إلى العلم النافع خاصة في هذه الأزمنة المظلمة، أزمنة الفتن والمغريات. العلم النافع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين} الله أكبر! وربنا جل وعلا يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. ووعد الله العلماء بالرفعة، قال جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. إذاً، بأي شيء نتحصل على هذا العلم النافع، العلم الشرعي بعد تقوى الله جل وعلا، كما قال سبحانه وبحمده: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. إذا أردت العلم النافع، العلم الشرعي، الذي تستنير به القلوب، الذي يعرف به الحلال من الحرام، والحق من الباطل، فالله الله بتقوى الله، التزم تقوى الله، التزم تقوى الله، حتى يرزقك الله العلم النافع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} اللهم ارزقنا علماًَ نافعاً. إخواني في الله: ثم تذكروا ذلك الفضل العظيم الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لمن جلس يطلب العلم، قال صلى الله عليه وسلم: {ما جلس قومٌ مجلساً يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده}. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: الله الله بالعلم النافع! الله الله بالعلم النافع! تعلموا العلم النافع، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ما الذي يحصل في آخر الزمان، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: {إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من العباد، ولكن بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رءوساً جُهَّالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا}. ولقد خاف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأئمة المضلين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم نور بصائرنا بالعلم النافع، اللهم نور بصائرنا بالعلم النافع. ب- ضرورة تبليغ العلم بعد تحصيلة:- أخي في الله: إذا رزقك الله العلم النافع، أيضاً مطلوبٌ منك أن تبلغ هذا العلم، قال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} ثم أنت مسئولٌ عن هذا العلم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسال عن أربع: وعن علمه ماذا عمل به} لا إله إلا الله! أخي في الله: بلغ هذا العلم ما دمت في زمن الإمكان قبل أن توقف بين يدي الله جل وعلا، ويسألك عن هذا العلم: هل بلغت هذا العلم؟ اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً. ثم أخي في الله: تذكر يوم أن تنتقل من هذه الدار، هل أنت ممن اقتديت بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم؟ ودعوت إلى الله جل وعلا؟ لأن الله جل وعلا يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم وقد أمره جل وعلا بهذه الدعوة التي إن سلكت سبيل نبيك محمد صلى الله عليه وسلم؛ حزت على خيرٍ كثير: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ} [يوسف:108]. إن كنت من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وترجو أن تَرِدَ عليه الحوض وتشرب منه شربة لا تظمأ بعدها أبداً؛ فاقتدِ بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، قال ربنا جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وما أحوجنا في هذه الأزمنة إلى الدعوة إلى الله جل وعلا. يا من رزقه الله العلم! بلغ هذا العلم، حتى إذا جاءتك اللحظة الأخيرة فتكون قد بلغت هذا العلم مقتدياً بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلنا من الدعاة إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة. جـ- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:- ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي تقاعس عنه الكثير، ذلك الأمر العظيم الذي وَهَى جانبه، وكثر مجانبه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي عده بعض العلماء الركن السادس لأركان الإسلام، ذلك الأمر الذي فرط فيه الكثير من الناس، وربنا جل وعلا قال في صفة هذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] بماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ورسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب الأمة جميعاً، فقال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} ثم يأتي بعض الناس ويقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاصٌ برجال الحسبة أو برجال الهيئة سدد الله خطاهم، ورفع قدرهم، وأعزهم بطاعته، وحفظنا الله وإياهم بحفظه، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. إن هذا الظن الذي يظنه بعض الناس أن الأمر خاصٌ برجال الحسبة، أو رجال الهيئة، هذا ظنٌ خاطئ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال يخاطب الأمة جميعاً: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان}. وإن تقاعست الأمة وأبت إلا التخاذل، ولم تأمر بالمعروف ولم تنهَ عن المنكر، فليسمعوا خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يخاطب الصحابة على المنبر صلى الله عليه وسلم، يقول: {يا أيها الناس! إن ربكم تبارك وتعالى يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجِب لكم، وتستنصروني فلا أنصركم، وتسألوني فلا أُعْطِكم} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وما لُعِنَت بنو إسرائيل إلا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال جل وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] قرئت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: {كلا والذي نفس محمدٍ بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم}. اللهم سلِّم سلِّم! اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، ونعوذ بك اللهم من جميع سخطك. وهذه زينب رضي الله عنها تقول: {استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمرَّ الوجه يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا، وحلَّق بالإبهام والتي تليها، فقالت رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث}. اللهم سلِّم سلِّم! اللهم احفظنا بحفظك، وارعنا برعايتك، واكلأنا بعنايتك يا أرحم الرحمين! قال: {نعم، إذا كثر الخبث} لا إله إلا الله!

التناصح سبيل للنجاة

التناصح سبيلٌ للنجاة أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؛ حصلت النجاة التي وعد الله بها كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف:165] فمن أراد النجاة فعليه أن يمتثل أمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يدعو إلى الله عز وجل ثم إخوانه في الله، يتبادل النصيحة، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينصح بعضُنا بعضاً، قبل أن تحل اللحظة الأخيرة، قبل أن ننتقل من هذه الدار يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم}. اللهم اجعلنا من المتناصحين فيك. اللهم اجعلنا من المتحابين فيك. اللهم اجعلنا من المتراحمين والمتعاطفين فيك يا رب العالمين! الله أكبر! إذا حصل هذا حصل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن وصف المجتمع المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}. وقال صلى الله عليه وسلم: {المؤمن للمؤمن كالبنيان، وشبك بين أصابعه}. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العُلا؛ أن تختم بالصالحات أعمالنا.

الإيمان والاستقامة سبب لتبشير المؤمن بالجنة

الإيمان والاستقامة سبب لتبشير المؤمن بالجنة لا إله إلا الله! الله أكبر! تذكر اللحظة الأخيرة أخي في الله، إذا نزل الموت وأنت على عمل صالح يُرضِي الله سبحانه وتعالى كيف تكون الخاتمة؟! لا إله إلا الله! تكون الخاتمة بإذن الله حسنة كما قال ربنا جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] الله أكبر! {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30] لا تخافوا مما أمامكم، لماذا؟ لأنهم آمنوا بالله، واستقاموا على طاعة الله، فإن أمامهم القبر روضة من رياض الجنة، وقد أحب الله لقاءهم، وأحبوا لقاء الله، فهنيئاً لهم ذلك المسكن وذلك القبر يوم أن ينادي رب العزة والجلال: {أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من رَوحها وطيبها ويُفتح له في قبره مد بصره، ثم يأتيه ذلك العمل الذي عمله في الدنيا بصورة مفرحة، تبشر بخير، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح} لا إله إلا الله! هنيئاً له {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30] ولا تحزنوا على ما خلفتم لماذا؟ {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:31]. وهناك بشارة أخرى من الله جل وعلا، يقول الله سبحانه وبحمده: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. اللهم اجعلنا ممن يقال له ذلك، اللهم اجعلنا ممن يقال له ذلك، يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين! وأسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم توبة نصوحاً.

التوبة النصوح إجابة لنداء الله

التوبة النصوح إجابة لنداء الله أيها الإخوة في الله! لا شك أن التفريط يحصل من الكثير، لكن نتلافى ذلك -ولله الحمد- بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. وقد ندب الله جل وعلا عباده إلى التوبة، بل ناداهم سبحانه وبحمده بأشرف الأسماء وهو اسم الإيمان، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8]. وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق وأحبهم إلى الله، الذي غَفَر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول: {والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} رواه البخاري. الله أكبر! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. وفي رواية لـ مسلم قال: {يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فيا أخي في الله: الله الله! بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل ما دمت في زمن الإمكان، قبل أن تحل بك اللحظة الأخيرة، ثم بعد ذلك يحصل التحسر والندم، وهيهات هيهات! كما قال الله جل وعلا عن أحوال الذين يتحسرون عند اللحظة الأخيرة: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] قال جل وعلا: {كَلَّا} [المؤمنون:100] كلمة ردع وزجر، لن يجاب على هذا المطلب؛ لأن العمر محدود، والأنفاس معدودة، انتهت إقامته في هذه الدنيا، ونزلت به اللحظة الأخيرة، فهو ينتقل من هذه الدنيا. فيا إخواني في الله: بادروا بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، يقول ربنا جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. ويقول صلوات ربي وسلامه عليه: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها} لا إله إلا الله! اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أهوال الساعة [1، 2]

أهوال الساعة [1، 2] الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وعلم الساعة علم غيبي لا يعلمه إلا الله، لكن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن علامات كثيرة صغرى وكبرى تدلنا على قرب قيام الساعة. وهنا تجد بياناً لذلك مع ذكر لأهوال الساعة وأحداثها.

علامات الساعة الكبرى والصغرى

علامات الساعة الكبرى والصغرى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الإخوة والأخوات! حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجمعنا جميعاً في جنة عرضها السماوات والأرض، إنه على كل شيء قدير. إخواني في الله: هأنتم تتابعون هذه السلسلة التي نسأل الله جلت قدرته أن يجعلها مباركة. هذه السلسلة المهمة في عقيدة المسلم. أيها الإخوة في الله: ينبغي للمسلم ألا يغفل عن هذا الموضوع العظيم؛ موضوع أشراط الساعة، وعن أهوال يوم القيامة، بل أقول لك أيها المسلم: لا تغفل عن ذكر الموت، عن ذكر هادم اللذات، وما بعد الموت، وما الذي يحصل للمؤمن في القبر، وما الذي يحصل للكافر والمنافق والفاجر في القبر، وتذكر -أيضاً- أخي في الله -ما الذي يحصل يوم القيامة، يوم الوقوف بين يدي رب العالمين جلَّ جلالُه، ثم تذكر ذلك المنصرف العظيم، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. إخواني في الله: الإخوان ذكروا جزاهم الله خيراً هذه الأشراط -أشراط الساعة- والموضوع الذي سوف أذكره أنا لا يختلف عما ذكره الإخوان؛ إلا أنني سوف أمر على أشياء مر عليها الإخوان جزاهم الله خيراً، وهذا من ضرورة الموضوع.

علم الساعة علم غيبي

علم الساعة علم غيبي قال الله جلَّ وعَلا: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187]. واسمع أخي في الله ويا أختي في الله إلى دليل آخر من كتاب الله عزَّ وجلَّ يبين فيه ربنا جلَّ وعَلا أن علم الساعة عند الله تعالى، لم يُطْلِع عليه أحداً، لا ملَكٌ مقرب، ولا نبيٌ مرسل: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63]. ويقول جلَّ جلالُه: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:42 - 46]. إخواني في الله: من علامات الساعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما هو قد مضى وانتهى، ومنها ما هو على وشك الخروج، لا إله إلا الله! {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا خَيْراً} [الأنعام:158] قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها، حين يرون شيئاً من أشراط الساعة. وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {بُعِثْتُ والساعة كهاتين}.

حدوث فتنة عظيمة والتطاول في البنيان

حدوث فتنة عظيمة والتطاول في البنيان وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان، فيكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة} قال بعض العلماء: حصل ذلك في زمن علي ومعاوية رضي الله عنهما؛ حيث كان كل من الفئتين يدعو إلى ما يراه أنه الحق رضي الله عنهما وأرضاهما، ونتج من جراء ذلك قتل كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع كما نشاهده الآن: {أن تلد الأَمَة ربَّتَها، وأن ترى الحفاة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان}.

عشر علامات لقيام الساعة

عشر علامات لقيام الساعة ومن علامات الساعة: ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: {إن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن}.

كثرة الدجالين

كثرة الدجالين ومن علامات الساعة: ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجَّالون كذَّابون قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ظهر منهم كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: مسيلمة الكذاب، وغيره، وظهر بعده، وصدق ربنا جلَّ وعَلا حيث قال: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] يعني محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم النبيين، لا نبي بعده ولا رسول، صلى الله عليه وسلم.

تقارب الزمان

تقارب الزمان ومن علامات الساعة: ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فيقرب أوله من آخره} لا إله إلا الله! اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. إخواني في الله! وأخواتي في الله! أكرر وأقول: على المسلم ألا يغفل عن هذه الأحاديث، بل يكررها مراراً وتكراراً؛ حتى يزداد عنده الإيمان؛ لأن هذا علامة من علامة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكل الذي قرأناه قد حصل منه ما حصل. يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فيقرب أوله من آخره} قال بعض العلماء: وذلك يحصل بكثرة الغفلة، وضياع الأوقات، حتى يمضي الزمن الكثير، والإنسان ما طمع إلا شيئاً قليلاً، قال: أو يحتمل معنىً آخر، وهو: سرعة إنجاز الأمور التي لا تنجز إلا في زمن طويل، كما يُشاهد اليوم في وسائل النقل ووسائل الإعلام، فكم من بلد كان لا يوصَل إليه إلا بعد الأشهر، والآن يوصَل إليه في زمن قليل، فصدق الله، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم.

انتزاع العلم بقبض العلماء

انتزاع العلم بقبض العلماء ومن علامات الساعة: ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رءوساً جُهَّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا}.

فشو الربا

فُشُوُّ الربا ومن علامات الساعة: فُشُوُّ الربا: {يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، والذي لم يأكله يأتيه من دخانه}. ولي وقفة قصيرة مع هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما انهمك فيه الناس في هذه الآونة من أكل الربا، والتهاون بالربا، فأخبرهم ببعض العقوبات، التي أخبر بها ربنا جلَّ وعَلا، وأخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم. يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومُوْكِلَه، وكاتبه، وشاهدَيه، وقال: هم سواء} أي: في الإثم سواء، آكل الربا حلت عليه اللعنة في الدنيا، إنا لله وإنا إليه راجعون. قال بعض العلماء رحمهم الله: جُرِّب لأَكلة الربا سوء الخاتمة، نسأل الله العفو والعافية، اللهم إنا نسألك العفو والعافية. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه البخاري: {يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ، أَمِن الحلال أم من الحرام؟!} الحلال ما حلَّ بأيديهم، والحرام ما تعذَّر عليهم أخْذُه. ومن العقوبات التي جُرِّبَت لأكلة الربا: ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة الذي رواه البخاري، حديث الرؤيا؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: {وأتيت على رجل يسبح في نهر مثل الدم، وعلى شاطئ النهر رجل قد جمع عنده من الحجارة، وإذا ذلك السابح يسبح، ثم يأتي إلى هذا الرجل الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً، قلت: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا} قال العلماء: هذه الحجارة التي يلقمه إياها هي الأموال التي جمعها من الربا. العقوبة الثالثة: أخبر الله جلَّ جلالُه عن آكل الربا، أنه يقوم من قبره كالذي يتخبطه الشيطان من المس. العقوبة الرابعة: ويا لها من عقوبة! آكل الربا إن مات من غير توبة، فإن مصيره إلى النار، وهذا خبر الجبار جلَّ جلالُه في القرآن. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! من ابتلي بهذا الجرم العظيم، من ابتلي بهذا الخطر، فعليه أن يتوب إلى الله ما دام في زمن الإمكان قبل أن يقول كما أخبر الله جلَّ جلالُه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100].

انتشار الزنا وظهوره

انتشار الزنا وظهوره ومن أشراط الساعة: أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويُشرب الخمر، ويَظهر الزنا. الدش: هذا الغش الذي غشنا به أعداء الإسلام، وأعداء المسلمين. إذا سمعت أنهم قالوا: أن فلاناً زنا بأخته ألا يتمنى الإنسان أنه ما سمع هذا الخبر؟! أي خبر أفظع من هذا أخي في الله؟! أي خبر أفظع من هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ماذا بقي؟! ماذا بقي يا أمة محمد؟! ماذا بقي من الأخلاق؟! وماذا بقي من الآداب؟! وماذا بقي من الحياء؟! تسمع أن فلاناً جلس عند الفيلم الفلاني، واشتعلت فيه نار الشهوة، وما ملك نفسه إلا أن زنا بأخته، ماذا بقي من الحياء يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر، فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين، ما به إلا البلاء} يتمنى الموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!! فيا ليتنا نقف وقفة صادقة لله جلَّ وعَلا مغتنمين هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة}. وقال صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان}. يا ليتنا نقف وقفة صادقة مع إخواننا الذين ابتلوا بهذا الدش، ونقول: أخي في الله! إذا جلست في أحد المجالس، وبدءوا يتحدثون: إن فتاة خرجت آخر الليل تريد مَن يفعل بها الزنا إن رجلاً فعل الزنا بأخته إن ما حصل وحصل وحصل أخي في الله! ألا تطأطئ رأسك في المجلس تخاف أن تكون من هذا النوع، وقد ابتليت بهذا الغش؟! أخي في الله! إذا لم تنتهِ بهذا فاسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته}. تذكر -أخي في الله- من الذي سوف يلقي عليك السؤال؟! ومتى يكون هذا السؤال؟! الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! اسمع أخي في الله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان} فأعد للسؤال جواباً إذا وقفتَ بين يدي الله عزَّ وجلَّ، ثم تذكر أولئك الخصوم الذين يقفون بين يدي الله يخاصمونك، وكل منهم يدلي بحجته، كل يقول: يا رب! خذ مظلمتي، الزوجة تقول: يا رب! خذ مظلمتي من زوجي؛ لأنك أدخلت عليها المنكر، وظلمتها بهذا المنكر، والابن يقول: يا رب! خذ مظلمتي من أبي، والبنت تقول: يا رب! خذ مظلمتي من أبي، حتى الجار يخاصم جاره يوم القيامة، فماذا أعددتَ لهذا السؤال إذا وقفتَ بين يدَي جبار الأرض والسماوات؟! لا إله إلا الله! يا من غش أهله وأولاده بالمغنين والمغنيات، والمطربين والمطربات، والممثلين والممثلات! يا من غش أهله وأولاده، اسمع خبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة} اللهم لا تجعلنا من المحرومين من الجنة يا رب العالمين.

ظهور الفتن

ظهور الفتن ثم ننتقل إلى خبر من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إنه لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن} يقول بعض العلماء رحمهم الله: وهذه الفتن تتنوع، فتن تدع الحليم حيران، فتن في الدين، وفتن في الدنيا. أما فتن الدين: فكل ما يصد عن الإيمان بالله، والقيام بأمره، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، من العقائد الفاسدة، والأفكار الهدَّامة، والسلوك المنحرف، والصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، بالاشتغال بالشهوات، واللذائذ المحرمة. وأما فتن الدنيا: فما يحصل من القتل، والخوف، والسلب، والنهب. ولا شك يا عباد الله: أن ظهور الفتن دليل على ضعف العلم الصحيح، والإيمان. نسأل الله جلَّ وعَلا أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.

خروج المسيح الدجال

خروج المسيح الدجال إخواني في الله! أيضاً: من علامات الساعة: علامة مهمة: روى النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: {ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفَّض به ورفَّع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رُحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله! ذكرتَ الدجال غداةً، فخفَّضتَ ورفَّعتَ، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غير الدجال أَخْوَفُنِي عليكم؟! إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم} لا إله إلا الله! الله أكبر! يقول صلى الله عليه وسلم: {إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولستُ فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم} الله أكبر! لا إله إلا الله! اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. إخواني في الله! اسمعوا إلى وصف هذا الدجال، يصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: {إنه شابٌ قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً، وعاث شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا -هذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم- يا عباد الله! فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدراً، قلنا: يا رسول الله! ما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتُمْطِر، والأرض فتُنْبِت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعاًَ، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاًَ شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك}. وفي رواية في الصحيح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يخرج الدجال، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فيتلقاه المسالح -مسالح الدجال- فيقولون له: إلى أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس! إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر الدجالُ به فيُشَبَّح، فيقول: خذوه وشُجُّوه، فيُوَسَّع بطنه وظهره ضرباً، فيقول: أو ما تؤمن بي؟! فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فيُنشر بالمنشار من مفرقه حتى يُفْرَق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم. فيستوي قائماً -يا ألله! يا لها من فتنة! اللهم ثبتنا على قولك الثابت، اللهم ثبتنا على قولك الثابت، يا ألله! يا رحمن! يا رحيم- ثم يقول له: قم. فيستوي قائماً، ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددتُ فيك إلا بصيرة، ثم يقول المؤمن: يا أيها الناس! إنه لا يفعل فعلي بأحد من الناس، فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته ذحافاً، فلا يستطيعوا إليه سبيلاًَ، فيأخذوا بيدَيه ورجلَيه، فيغدقوا به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فبينما هو كذلك -أي الدجال- إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق، بين مهرودتين واضعاً كفَّيه على أجنحة ملكَين، إذا طأطأ رأسَه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جُمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِه إلا مات، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال، حتى يدركه بباب لُد، فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم عليه السلام قوماً قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة}.

قتال المسلمين لليهود

قتال المسلمين لليهود وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن المسلمين يقاتلون اليهود، حتى إن الشجر والحجر يقول: يا عبد الله! يا مسلم! تعال، خلفي يهودي فاقتله، إلا شجر الغرقد، فإنه من شجر اليهود} {فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجتُ عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويُحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابُه، حتى يكون رأس الثور بأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم -هكذا الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة رضي الله عنهم- قال صلى الله عليه وسلم: فيرغب نبي الله عيسى وأصحابُه إلى الله عزَّ وجلَّ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسنى، كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابُه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله عزَّ وجلَّ، فيرسل الله طيراً كأعناق البُخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً، لا يُكَنُّ منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها -لا إله إلا الله! - ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر} -يعني: كالحمير- لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً نسأل الله العفو والعافية! ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أمثال للساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: {تقوم الساعة والرجلان بينهما ثوب قد سلاه يتبايعانه، فلا يمكنهما البيع ولا طي الثوب} لا إله إلا الله! المثال الثاني: {وتقوم والرجل قد انصرف بلبن ناقته ليشربه، فلا يتمكن من شربه} الثالث: {وتقوم والرجل قد رفع اللقمة إلى فمه، فلا يطعمها} الرابع: {وتقوم والرجل يصلح حوض إبله، ليسقيها، فلا يسقي فيه، وذلك عندما يأمر الله عزَّ وجلَّ إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الصعق، وهي التي يموت فيها من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله} {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27].

أهوال الساعة

أهوال الساعة وهناك أمور يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هناك سورة أخبر الله بها عن حال زوال الدنيا، فقال جلَّ جلالُه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] تصور هذا الحادث العظيم أخي في الله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] ما الذي يحدث لهذا العالم أخي في الله وقد أمر الله جلَّ جلالُه إسرافيل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق؟ التي يموت فيها من في السماوات ومن في الأرض؟! كيف الأحوال يا عبد الله؟! {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] عند ذلك ينادي الرب جلَّ جلالُه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] فلا يجيبه أحدٌ، فيجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. أخي في الله: اسمع هذا الحديث الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بين النفختين -يعني: نفخة الصعق، ونفخة البعث- أربعون، قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوماً؟ قال: أبيتم، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيتم، قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيتم} ثم واصل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عَجْبَ الذنب، فيه يُرَكَّب الخلق -لا إله إلا الله! - ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم ينَزِّل الله من السماء ماءً، فينبتون كما ينبت البقل} متفق عليه. وفي رواية لـ مسلم: {ثم يرسل الله، أو قال: ينَزِّل الله مطراً كأنه الطل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ في الصور أخرى نفخة البعث} قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68].

الخروج من القبور

الخروج من القبور ساسمع أحوالهم! قال الله جلَّ وعَلا: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44]. وقال جلَّ جلالُه: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:42 - 44]. في ذلك اليوم يأمر الله ملَكاً ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13 - 14] أي: على أرض القيامة. كيف أحوالهم يوم أن خرجوا من قبورهم؟!

حشر الناس يوم القيامة

حشر الناس يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يُحشر الناس يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرْلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضُهم إلى بعض؟ قال: يا عائشة! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك} لا إله إلا الله! كيف ينظر بعضُهم إلى بعض وربنا جلَّ وعَلا يقول: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37] {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] أين هم؟ على أرض القيامة، على الأرض التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {يُحشر الناسُ يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد}. موعظة! فتذكر يا بن آدم ذلك الموقف العظيم عندما تكون حافي القدمين، عاري الجسم، حاسر الرأس، وأنت منفرد بأحزانك وهمومك وغمومك، القلب خائف، والبصر خاشع: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108]. ثم تذكر إقبال الوحوش في ذلك اليوم العظيم منكسة رءوسها. ثم تذكر هذه الشمس التي تشرق وتضيء العالم، عندما تُكَوَّر، والقمر عندما يُخسَف به، والنجوم عندما تتناثر وتنكدر، والسماء عندما تتشقق فتكون وردة كالدهان. إنه يوم القيامة، قال الله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17].

شدة الوقوف في المحشر

شدة الوقوف في المحشر ابن آدم! تذكر شدة الوقوف، وقد أُدنيت الشمس من رءوس الخلائق، وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس، وازدحام الأجساد، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم العرق، فمنهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتَيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس، وازدحام الأجساد، والعطش تضاعف، ولا نوم ولا راحة، فيا له من يوم عظيم شأنُه! يوم ترى السماءُ فيه قد انفطرت، والكواكب انتثرت، والبحار سُجِّرت، والنجوم انكدرت، والشمس كوِّرت، والجبال سيِّرت، والعشار عُطِّلت، والوحوش حشرت، والنفوس زوِّجت، والجحيم سعِّرت، والجنة أزلفت، والجبال نسفت، والأرض مُدَّت؛ مُدَّت كالأديم. ذلك يوم القيامة، وقد أخبر الله جلَّ جلالُه فقال: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]. ابن آدم! تذكر ذلك اليوم العظيم، قال بعضهم رحمه الله تعالى: مثل لقلبك أيها المغرورُ يوم القيامة والسماء تمورُ قد كُوِّرت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تخورُ وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسيرُ وإذا النجوم تناثرت وتكدَّرت وتبدلت بعد الضياء كُدورُ وإذا العشار تعطلت عن نغلها خلت الديارُ فما بقى مغرورُ وإذا الوحوش لدى القيامة أُحضرت وتقول للأملاك: أين نسيرُ؟! فيقال: سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد حضرت الأمورُ وإذا الجنين بأمه متعلقٌ خوف الحساب وقلبه مذعورُ

مجيء جهنم

مجيء جهنم ابن آدم! تذكر مجيء جهنم، تُقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملَك يجرُّونها، قال الله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] ففي ذلك اليوم لا يبقى ملَك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جثى على ركبتَيه، يقول: يا ربِّ، نفسي!! نفسي!! فتذكر عندما يتبرأ منك الولد والوالد، والأخ والصاحب، لما في ذلك اليوم من المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والرعب والذعر. يُروى: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسُه في حِجر عائشة رضي الله عنها، فنعس صلى الله عليه وسلم، فتذكرت الآخرة، فبكت رضي الله عنها، فسالت دموعُها على خد النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ بدموعها، فرفع رأسه فقال: ما يبكيكِ؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرتُ الآخرة، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟! قال: نعم والذي نفسي بيده إلا في ثلاثة مواطن، فإن أحداً لا يذكر إلا نفسه: إذا وُضعت الموازين، ووُزنت الأعمال؛ حتى ينظر ابن آدم، أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف؛ حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله، وعند عبور الصراط}.

تطاير الصحف وتوزيع الكتب

تطاير الصحف وتوزيع الكتب ابن آدم! تذكر وأنت واقف في ذلك الموقف العظيم مع الخلائق الذين لا يعلم عددهم إلا الله، إذ نودي باسمك على رءوس الخلائق، من الأولين والآخرين، فقمتَ ترتعد فرائصُك، فهنيئاً لك إن كنت من أصحاب اليمين، عندما يقال: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، أو يقال: سعدت فلانة بنت فلان سعادة لا تشقى بعدها أبداً، فتأخذ الكتاب رافعاً رأسك مسروراً فرحاً: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24]. أما إن كانت الأخرى، ونودي باسمك: شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، أو شقيت فلانة بنت فلان شقاوة لا تسعد بعدها أبداً، فيُعطى كتابه بشماله، أو من وراء ظهره، يا لها من خسارة! لا تشبهها خسارة! يوم أن ينادي بقلب حزين، يوم أن ينادي في ذلك اليوم العظيم: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:25 - 32]. اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، اللهم بيِّض وجوهنا يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه، اللهم بيِّض وجوهنا يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه. اللهم ثقل موازيننا، ويمِّن كتابنا. اللهم اجعلنا على حوض نبينا من الواردين، واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين. اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك في ختام هذه الكلمة، ونحن في استقبال فريضة من فرائضك يا ألله! يا رءوف! يا رحيم! اللهم املأ قلوبنا من محبتك، ومن خشيتك، ومن معرفتك، ومن الأنس بقربك، واملأها حكمة وعلماً. اللهم املأ قلوبنا من الإيمان والحكمة. اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين. اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لنا ذنوبنا، واكظم غيظ قلوبنا، وأجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن. اللهم أقر أعيننا، وأفرح قلوبنا بصلاح أئمتنا وولاة أمورنا، وقاداتنا. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. إخواني في الله! نعم يذكرني أخي بأحوال إخوانٍ لنا ولكن قبل أن ندعو لهم نتذكر هذه النعمة التي نرفل فيها يا إخواني في الله، نعمة الأمن والاستقرار نعمة الدين الذي نعيش فيه ولله الحمد، ونعمة العقيدة فنسأل الله جل وعلا أن يثبتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ويا إخواني في الله! الله الله بالنصح لإخواني المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أسال الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه. إخواني في الله! الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على زينب محمر الوجه وهو يقول: {لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوم ومأجوج هكذا -وحلق بالإبهام والتي تليها- فقالت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث} لكن إذا كثر المصلحون والدعاة إلى الله عز وجل؛ فإن الله ينجي العباد ويرحم العباد. فالله الله أن نبذل النصح فيما بيننا، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر متبعين بذلك الحكمة والرفق لعل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا وإياكم من عذابه، إنه على كل شيء قدير. أما في الختام فنسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم بحفظه، وكذلك ندعو لإخواننا في كوسوفا الذين شردوا من بلادهم. لا إله إلا الله! تصور -يا أخي- الأب والأم يوم أن فرق بينهم وبين أولادهم. لا إله إلا الله! تصور أولئك الأطفال وهم ينظرون إلى تلك الأشلاء والمذبوحين كما تذبح الشياة. لا إله إلا الله! اللهم انصر إخواننا في كوسوفا وفي كل مكان يا أرحم الراحمين، اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم عليك بالصرب النصارى الظلمة، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم، اللهم أيتم أطفالهم، ورمل نساءهم واجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. اللهم عليك باليهود وأعوانهم يا رب العالمين، اللهم اقطع دابرهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جولة في رياض الجنة

جولة في رياض الجنة الجنة هي الهدف الذي يطلبه كل مؤمن ويسمو إليه، وهي دار النعيم والخلود. وفي هذا الدرس بدأ الشيخ بقراءة أبيات من نونية القحطاني تحكي رحلة المؤمن إلى الجنة، وإلى الدار الآخرة والنعيم الذي سيحصل عليه في تلك الدار، وفيها حذر الشيخ من الشركيات والذنوب والمعاصي، ودعا إلى التوبة منها. وبدأ يذكر نعيم أهل الجنة وما أعد الله لهم فيها من نعيم مقيم: عن النساء، والولدان، وعن المنازل والغرف، وذكر أن أفضل نعيم لأهل الجنة هو رؤية الله جل وعلا.

نونية القحطاني تتحدث عن مصير المؤمن بعد الموت

نونية القحطاني تتحدث عن مصير المؤمن بعد الموت الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراًَ. أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله! ويا أيتها الأخوات في الله: حياكم الله في هذا المخيم الذين نسأل الله جلَّ وعلا أن يجعله مباركاً، وهذا اللقاء الثاني بعد اللقاء الأول الذي كانت فيها ساعة الصفر، وللموضوع تكملة لساعة الصفر، حتى ندخل في موضوعنا الذي نريد. أخي في الله! هناك أبياتٌ قالها بعضهم، أبياتٌ شيِّقة، فيها الحث على طاعة الله سبحانه وتعالى، يقول فيها رحمه الله تعالى: يا من يتابع سيِّد الثقلانِ كن للمهيمن صادق الإيمانِ واعلم بأن الله خالقك الذي سوى ولم يحتَج إلى إنسانِ خلق البرية كلها من أجل أن تدعوه بالإخلاص والإذعانِ قد أرسل الآيات منه مخوفاً لعباده كي يخلص الثقلانِ وأبان للإنسان كل طريقة كي لا يكون له اعتذارٌ ثاني ثم اقتضى أمراً ونهياً علها تتميز التقوى عن العصيانِ ووُلِدْت مفطوراً بفطرتك التي ليست سوى التصديق والإيمانِ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل مولودٌ يولد على الفطرة}. وبُلِيت بالتكليف أنت مخيرٌ وأمامك النجدان مفتتحانِ فعملت ما تهوى وأنت مراقبٌ ما كنت محجوباً عن الديَّانِ ثم انقضى العمر الذي تهنا به وبدأت في ضعفٍ وفي نقصانِ ودنا الفراق ولات حين تهربٌ أين المفر من القضاء الثاني؟ والتفَّ صحبُك يرقبون بحسرة ماذا تكون عواقبُ الحدَثانِ واستل روحَك والقلوبُ تقطعت حزناً وألقت دمعها العينانِ فاحتلَّ أهلَ الدار حزنٌ بالغٌ واجتاح من حضروا من الجيرانِ فالبنت عَذرا للفراق كئيبة والدمع يملأ ساحة الأجفانِ والزوج ثكلى والصغار تجمعوا يتطلعون تطلع الحيرانِ والابن يذهب في جهازك كاتماً شيئاً من الأحزان والأشجانِ وترى الحديث وقد تساءل بعضهم أوما سمعتم عن وفاة فلانِ؟ قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا غير المهيمن كل شيء فاني وأتى الحديثُ لوارثيك فأسرعوا من كل صوبٍ للحطام الفاني وأتى المغسل والمكفن قد أتى ليجللوك بحلة الأكفانِ ويجردوك من الثياب وينزعوا عنك الثياب وحلة الكتَّانِ وتعود فرداً لست حامل حاجة من هذه الدنيا سوى الأكفانِ وأتى الحديثُ لوارثيك فأسرعوا فأتوا بنعشٍ واهن العيدانِ صلوا عليك وأركبوك بمركبٍ فوق الظهور يُحَف بالأحزانِ حتى إلى القبر الذي لك جهزوا وضعوك عند شفيره بحنانِ ودنا الأقارب يرفعونك بينهم للحْدِ كي تمسي مع الديدانِ وسكنت لحداً قد يضيق لضيقه صدر الحليم وصابر الحيوانِ وسمعت قرع نعالهم من بعدما وضعوك في البيت الصغير الثاني فيه الظلام كذا السكون مخيمٌ والروح رُدَّ وجاءك الملَكانِ وهنا الحقيقة والمحقق قد أتى هذا مقام النصر والخذلانِ إن كنت في الدنيا لربك مخلصاً تدعوه بالتوحيد والإيمانِ فتظل ترفل في النعيم مرفهاً بفسيح قبر طاهر الأركانِ ولك الرفيق عن الفراق مسلياً يغني عن الأحباب والأخدانِ يعني: العمل الصالح. فتحت عليك من الجنان نوافذٌ تأتيك بالأنوار والرَّيحانِ وتظل منشرح الفؤاد منعَّماً حتى يقوم إلى القضا الثقلانِ تأتي الحساب وقد فتحت صحيفةً بالنور قد كتبت وبالرضوانِ وترى الخلائق خائفين لذنبهم وتسير أنت بعزة وأمانِ ويظلك الله الكريم بظله والناس في عَرَقٍ إلى الأذقانِ وترى الصراط وليس فيه صعوبة كالبرق تعبر فيه نحو جنانِ فترى الجنان بحسنها وجمالها وترى القصور رفيعة البنيان طب في رغيد العيش دون مشقة تكفي مشقةُ سالف الأزمانِ والبس ثياب الخلد واشرب واغتسل وابعد عن الأكدار والأحزانِ وانظر إلى الأنهار واشرب ماءها من فوقها الأثمار في الأفنانِ والشهد جارٍ في العيون مطهرٌ مع خمرة الفردوس والألبانِ والزوج حورٌ في البيوت كواعبٌ بيضُ الوجوه خوامص الأبدانِ أبكارٌ شِبْه الدر في أصدافه واللؤلؤ المكنون والمرجانِ وهنا مقرٌ لا تَحُوُّل بعده فيه السرور برؤية الرحمنِ أما إذا ما كنت فيها مجرماً متتبعاً لطرائق الشيطانِ نعم. أي: في الدنيا. نسأل الله العفو والعافية، هذه حال الكثير من الناس في هذه الأزمنة تتبعوا طرائق الشيطان والعياذ بالله!

تحذير من الشركيات

تحذير من الشركيات أخي في الله: إن الأمر جد خطير، حاسب نفسك قبل أن تُحاسب، اجلس مع نفسك قليلاً، وذكرها أخي في الله بما أمامها، هناك طرقٌ متعددة ارتكبها الكثير من الناس لا بد من بيانها في هذه الجلسة. أخي في الله! هناك أناس فُتنوا بالتوسل بالقبور، ودعاء القبور، وطلب المدد والغيب وتفريج الكربات من أهل القبور. فبالله عليك هل طريقتهم هذه صحيحة أم خطأ؟ خطأ. لماذا؟ لأنها شرك بالله والعياذ بالله. هذه حال الجاهلية الأولى؛ كانوا يعبدون الأصنام، يعبدون الأشجار، يعبدون الأحجار، يعبدون القبور من دون الواحد القهار، نسأل الله العفو والعافية. البعض منا يقول: الحمد لله، نحن لا نعمل هذا ولا نقره ولا نعترف به. أقول: جزاك الله خيراً، لكن هناك أيضاً طرق ليست بعيدة عن هذا، وهي: إتيان الكهان والسحرة والعرافين والمنجمين والمشعوذين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة. وفي رواية: أربعين يوماً}. وفي الحديث الآخر: {من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم}. قال عمران بن حصين يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليس منا من تَطَيَّرَ أو تُطِيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له} نسأل الله العفو والعافية! أيضاً: السحر هذا الذي كنا لا نعرفه قديماً لما كانت العقائد سليمة، أما لما دُخِلَت العقائد، واختلط الحابل بالنابل؛ صار السحر الآن موجودا، خاصة بين صفوف النساء، أسأل الله أن يهديهن إنه على كل شيء قدير. ومن تعلَّم السحر فهو كافر كما بيَّن ربنا ذلك في القرآن: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] نسأل الله العفو والعافية! فعلى مَن هذه طريقته، عليه أن يتوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى قبل أن ينتقل من هذه الدينا، ويوضع في قبره وحيداً فريداً، قبل أن يقف على أرض القيامة بين يدي الله جل وعلا.

تحذير من بعض الذنوب والمعاصي

تحذير من بعض الذنوب والمعاصي ومِن الناس أيضاً مَن ابتُلِي بأكل الربا والتعامل بالربا. ومِن الناس مَن ابتُلِي ببيع (الدخان) وقد أفتى علماؤنا -جزاهم الله خيراً- بتحريم (الدخان) تحريم زراعته، وبيعه، وشرائه، وشربه. ومِن الناس مَن ابتُلِي ببيع المجلات الخليعة التي فيها الشر والفساد، وفيها المقالات التي تحارب الله وتحارب رسوله صلى الله عليه وسلم. ومِن الناس مَن يبيع أيضاً (الشِّيشة) المسماه بـ (الجِراك) التي والعياذ بالله هي قرينة (الدخان) وقد أفتى علماؤنا بتحريمها، نسأل الله العفو والعافية! ومِن الناس مَن ابتُلِي أيضاً بفتح محلات لحلق اللحى، والقصات الإفرنجية، وقد أفتى علماؤنا أنه يحرم حلق اللحية أو نتفها أو قصها أو أخذ شيءٍ منها، وأخذ الدراهم في حلق اللحى والقصات الإفرنجية لا يجوز. فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل قبل أن يقع في هذا الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ، أمِن الحلال أم مِن الحرام!} والحديث في صحيح البخاري ليس لهم همٌ إلا الحصول على هذه الأموال من أي طريقٍ كان. فيا أخي في الله: تب إلى الله ما دمت في زمن الإمكان قبل أن توضَع في قبرك وحيداً فريداً.

أحوال أهل النار بعد الموت

أحوال أهل النار بعد الموت قال رحمه الله تعالى مخبراً عن أحوال أولئك الذين يتتبعون طرائق الشيطان في الدنيا، يخطط يرسم لهم، وهم يمشون في مخططاته، نسأل الله العفو والعافية، وقد حذر الله من خطوات الشيطان، حذر منها في عدة آيات من القرآن: أما إذا ما كنت فيها مجرماً متتبعاً لطرائق الشيطانِ ثكلتك أمك كيف تحتمل الأذى؟! أم كيف تصبر في لظى النيرانِ؟! فإذا تفرق عنك صحبُك وانثنى حُمَّالُ نعشك جاءك الملَكانِ يعني: إذا وضعوك في قبرك، وتفرقوا عنك -لا إله إلا الله- لن يسكنوا معك في القبر، الله أكبر! جاءاك مرهوبين من عينيهما تُرمى بأشواظ من النيرانِ سألاك عن ربٍ قديرٍ خالقٍ وعن الذي قد جاء بالقرآن فتقول لا أدري وكنتُ مصدقاً أقوال شبه مقالة الثقلانِ فيُوَبِّخانك بالكلام بشدةٍ وسيضربانك ضربة السَّجانِ فتصيح صيحةَ آسِفٍ متوجِّعٍ ويجي الشجاعُ وذاك غولٌ ثاني ويجي الرفيق فيا قباحة وجهه فكأنه متمردٌ من جانِ أي: العمل الخبيث، يأتيه في قبره. وتقول يا ويلاه مالي رجعةٌ حتى أحل بساحة الإيمانِ الله أكبر! أخي في الله! تب إلى الله عز وجل قبل أن تقول ذلك كما قال الله سبحانه وبحمده مخبراً عن أحوال أهل التفريط: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا؟ {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100]. ولن يجاب إلى هذا المطلب: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].

حث على التوبة والرجوع إلى الله

حث على التوبة والرجوع إلى الله فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! البدار البدار بالتوبة النصوح {ومن تاب تاب الله عليه} من تاب صار من أحباب الله، يقول الرب جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222] إذا تبت إلى الله، وإذا تبتي إلى الله أمة الله؛ فإن الله يبدل السيئات حسنات، الله أكبر! الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غُفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: {والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة}. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غَفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد نادى الناس جميعاً وهو الرحيمٌ بأمته صلى الله عليه وسلم فقال: {يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والحديث في صحيح مسلم. فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! الله الله بالتوبة النصوح ما دمتم في زمن الإمكان، قبل أن يحصل التحسر والتأسف إذا نزل هاذم اللذات. ثم يا أخي في الله: إذا وفقك إلى التوبة النصوح بادر بالأعمال الصالحة التي تقربك من الله جل وعلا. يقول الرب جلَّ وعلا في الحديث القدسي: {وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمعه به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه}. ثم أخي في الله: إذا مت على حالة ترضي الله عزَّ وجلَّ، وترضي رسوله صلى الله عليه وسلم فأبشر، فإن الله أعد لمن أطاعه وأطاع رسوله الجنة، نسأل الله من فضله الجنة، يقول الله جلَّ وعلا: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]. ويقول جلَّ وعلا: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء:124].

جولة في رياض الجنة اليانعة

جولة في رياض الجنة اليانعة (جولة في رياض الجنة) نسأل الله الجنة. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل. أخي في الله! يقول الرب جلَّ وعلا في الحديث القدسي: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روى الحديث عن ربَّه عزَّ وجلَّ: {اقرءوا إن شئتم في كتاب الله قوله جل وعلا: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]}.

إحلال رضوان الله على أهل الجنة

إحلال رضوان الله على أهل الجنة (جولة في رياض الجنة) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! يقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً} أين هم؟ في الجنة، في دار الأبرار، في دار اللذة والنعيم، يقول الرب جلَّ وعلا: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:22 - 26]. إي وربي: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] متى تحصل المنافسة أخي في الله؟ هل تحصل في القبر؟ أم على أرض القيامة؟ لا. تحصل في الدنيا، بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة مادمت في زمن الإمكان. أخي في الله! أختي في الله! الفرصة مهيأة، والمجال مفتوح: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:26 - 28].

صور أهل الجنة وخصائصهم

صور أهل الجنة وخصائصهم (جولة في رياض الجنة) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دري في السماء إضاءة} ثم أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم فقال: {لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الأُلُوَّة -أي: عود الطيب- أزواجهم الحور العين، على خلق رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء}. وفي رواية في الصحيح: {آنيتهم الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم كقلب واحدٍ، يسبحون الله بكرة وعشياً}. يا أمَة الله! أختي في الله! بشراكِ بشراكِ، أبشري! فإن المؤمنة إذا دخلت الجنة فإنها تكون أفضل من الحور العين، الله أكبر! لا إله إلا الله! نعم. إذا دخلت الجنة المؤمنة تكون أفضل من الحور العين. فيا أمة الله! الله الله بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم!

منازل أهل الجنة

منازل أهل الجنة (جولة في رياض الجنة) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة منازلهم رفيعة، وأنهم تتفاوت منازلهم في الجنة -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة- يقول صلى الله عليه وسلم: {إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب -لماذا؟ - لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى. والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين}.

صفات نساء الجنة في سورة الرحمن

صفات نساء الجنة في سورة الرحمن (جولة في رياض الجنة) هنيئاً لمن خاف الله، هنيئاً لمن خشي الله، هنيئاً لمن راقب الله في الدنيا، فقد أعد الله له الكرامة في دار الكرامة. يقول الرب جلَّ وعلا: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:46 - 61].

سوق الجنة

سوق الجنة (جولة في رياض الجنة) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً}.

نداء لأهل الجنة في الجنة

نداء لأهل الجنة في الجنة (جولة في رياض الجنة) هنيئاً لأهل الجنة يوم أن يسمعوا هذا النداء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أهل الجنة الجنة؛ ينادي منادٍ: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبُّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً}. (جولة في رياض الجنة): هناك الخدم يخدمونهم في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، ولدانٌ مخلدون كما وصفهم ربنا في القرآن: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:19] الله أكبر! إذا كان هؤلاء الخدم الذين يخدمونهم فما بالكم بالزوجات؟! الله أكبر!

زوجات أهل الجنة وعرائسهم

زوجات أهل الجنة وعرائسهم (جولة في رياض الجنة): قال بعض العلماء رحمه الله تعالى: وإن سألتم عن عرائسهم وأزواجهم في الجنة؛ فهن الكواعب الأتراب التي جرى في أعضائهن ماء الشباب، كأن الشمس تجري في محاسن وجهها إذا برزت، وكأن البرق يضيء من بين ثناياها إذا ابتسمت، إذا قابلت حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النَّيِّرين، يَرى وجهه في صحن خدها، ويَرى مخ ساقيها من وراء اللحم من حسنها وجمالها، لو اطَّلَعَت على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، نصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما عليها، ومع ذلك لا تزداد طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، مبرأة من الحيض والنفاس، ومطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، قد قصَرت طرفَها على زوجها، لا تطمح لأحدٍ سواه، وقصَر طرفه عليها، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، ومع ذلك لم يطمثها قبله إنسٌ ولا جان. أقول لكِ مرة أخرى يا أمة الله: أيتها المرأة المؤمنة! أبشري، فإن المؤمنة إذا دخلت الجنة فإنها تكون أفضل من الحور العين؛ لأنها صامت في الدنيا وصلت، وأطاعت الله عزَّ وجلَّ، ووحدت الله سبحانه وتعالى، واتبعت هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبشري يا أمة الله! يقول الرب جلَّ وعَلا عن تلك الأزواج الحسان في الجنة: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:48 - 49]. ويقول جل وعلا: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22 - 23]. هنيئاً لأهل الجنة في الجنة، نسأل الله من فضله الجنة.

آخر رجل يدخل الجنة

آخر رجل يدخل الجنة (جولة في رياض الجنة): هذا خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، يخبرنا بأدنى أهل الجنة منزلة يقول صلى الله عليه وسلم: {إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجلٌ يخرج من النار حبواً فيقول الله عزَّ وجلَّ له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب! وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب! وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟! قال ابن مسعود رضي الله عنه: فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة} لا إله إلا الله! اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل.

ميمية ابن القيم في نعيم الجنة

ميمية ابن القيم في نعيم الجنة (جولة في رياض الجنة): ومع ابن القيم رحمه الله تعالى حيث يقول: فلله ما في حشوها من مسرة وأصناف لذات بها يُتَنَعَّمُ! ولله برد العيش بين خيامها وروضاتها والثغر في الروض يبسُمُ ولله واديها الذي هو موعدُ المز يد لِوَفْدِ الحُبِّ لو كنت منهمُ بذَيَّالِك الوادي يهيم صبابة محبٌ يرى أن الصبابة مغنمُ ولله أفراح المحبين عندما يخاطبهم من فوقهم ويسلمُ ولله أبصارٌ ترى الله جهرة فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأمُ فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة أمن بعدها يسلو المحب المتيمُ؟! ولله كم من خيرة إن تبسمت أضاء لها نورٌ من الفجر أعظمُ فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ويا لذة الأسماع حين تكلَّمُ ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ويا خجلة الفجرين حين تبسمُ فإن كنت ذا قلبٍ عليلٍ بحبها فلم يبقَ إلا وصلها لك مرهم ولا سيما في لثمها عند ضمها وقد صار منها تحت جيدك معصم يراها إذا أبدت له حسن وجهها يلذ به قبل الوصال وينعمُ تَفَكَّه فيها العين عند اجتلائها فواكه شتى طلعها ليس يعدمُ عناقيد من كرمٍ وتفاح جنةٍ ورمان أغصانٍ به القلب مغرمُ فتقسم منها الحسن في جمع واحدٍ فيا عجباً من واحدٍ يتقسمُ لها فرقٌ شتى من الحسن أجمعت بجملتها أن السُلُوَّ مُحَرَّمُ تذكر بالرحمن من هو ناظرٌ فينطق بالتسبيح لا يتلعثمُ إذا قابلت جيش الهموم بوجهها تولى على أعقابه الجيش يُهْزَمُ فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدمُ ولما جرى ماء الشباب بغصنها تيقن حقاً أنه ليس يهرَمُ وصُم يومك الأدنى لعلك في غدٍ تفوز بعيد الفطر والناس صُوَّمُ وأقدم ولا تقنع بعيشٍ منغصٍ فما فاز باللذات من ليس يُقْدِمُ وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ولم يكُ فيها منزلٌ لك يعُلمُ فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيمُ إلى أن قال رحمه الله: وحي على السوق الذي فيه يلتقي المـ ـحبون ذاك السوق للقوم يُعْلَمُ فما شئت خذ منه بلا ثمنٍ له فقد أسلف التجار فيه وأسلموا وحيَّ على يوم المزيد الذي به زيارة رب العرش فاليوم موسمُ وحيَّ على وادٍ هنالك أفيَحٍ وتربته من إذخر المسك أعظمُ منابر من نورٍ هناك وفضة ومن خالص العقيان لا يتقصَّمُ وكثبان مسكٍ قد جعلن مقاعداً لمن دون أصحاب المنابر تُعْلمُ سلام عليكم يسمعون جميعهم بآذانهم تسليمه إذ يُسَلِّمُ يسلم عليهم الكريم جلَّ وعلا، يتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عرضها السماوات والأرض. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.

أفضل النعيم رؤية الله جل وعلا

أفضل النعيم رؤية الله جل وعلا فإذا جلس أهل الجنة في تلك المجالس، وفي ذلك الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجُمِعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه، فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم -وحاشاهم أن يكون فيهم دني- على كثبان المسك. ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا: {حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم، فإذا الجبار -جل جلاله وتقدَّست أسماؤه- قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا معهم يا أكرم الأكرمين، لا إله إلا الله! - وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى ويضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه؟ فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يذكِّره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب! ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى. بمغفرتي بلغتك منزلتك هذه}. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين. (جولة في رياض الجنة): إنها الجنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. إن سألتم عن سعة تلك الجنة، فقد قال الرب جل وعلا: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133]. أما إن سألتم عن أبوابها فهي ثمانية. أما إن سألتم عن سعة تلك الأبواب: فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يومٌ وهو كضيضٌ من الزحام. اللهم اجعلنا من الداخلين من تلك الأبواب يا أرحم الرحمين! اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! اللهم اختم بالصالحات أعمالنا. اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا جميعاً هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين. اللهم اجمعنا ووالدِينا ووالدِ والدِينا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا وأولادنا جميعاً، وإخواننا المسلمين والمسلمات في جنة عرضها السماوات والأرض يا أكرم الأكرمين ويا أجود الأجودين! اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم اجزِ القائمين على هذا المخيم خير الجزاء، اللهم اجزِ القائمين عليه خير الجزاء. اللهم أصلح نياتهم وذرياتهم، اللهم وفقهم لفعل الخيرات، اللهم كما سخرتهم لهذا المخيم وهم يريدون الخير لإخوانهم فاجعل لنا ولهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية. اللهم ارفع درجاتهم يا رب العالمين! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لحظة الفراق

لحظة الفراق إننا لو علمنا حقيقة وجودنا، وفراقنا فيما بعد من هذه الحياة الدنيا؛ لرجعنا إلى الله رجعة صحيحة، ولتبنا إليه توبة صادقة نصوحاً، وإن الله سبحانه وتعالى كثيراً ما ذكرنا في كتابه العزيز بالموت ولحظة الفراق، وعذاب القبر والنار وما يلقاه العبد من هول، وجاءت كذلك هذه الأوصاف على لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

الموت هو المصيبة العظمى

الموت هو المصيبة العظمى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: نسأل من الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضاه، وأن يجنبنا وإياكم ما يبغضه ويأباه، إنه على كل شيء قدير. إخواني في الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، ونحن والله في هذه الأزمنة المظلمة، أزمنة الفتن والشرور المترادفة، التي نسأل الله جلت قدرته أن يصرفها عنا وعن جميع المحسنين إنه على كل شيء قدير، والله إننا بحاجة إلى تقوى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يجيرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير. إخواني في الله: من التزم تقوى الله سبحانه وتعالى فهنيئاً له في الدنيا وفي الآخرة، هنيئاً له السعادة والفلاح والنجاح والنجاة في الدنيا وفي الآخرة، يقول الله جل جلاله: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61] لماذا؟ لأنهم اتقوا الله عز وجل، جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية، بفعل الأوامر واجتناب النواهي. ثم أيها الإخوة في الله: إن الموضوع هو كما علمتم (لحظة الفراق) نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأي فراقٍ هو؟ هو الفراق من دار الدنيا إلى دار البرزخ، من عالم الدور إلى عالم القبور، لا إله إلا الله! فيأخي في الله تذكر ما الذي سوف تأخذه من دار الغرور، من دار الدنيا، من دار المتاع إلى عالم القبور، ثم بعد ذلك تحاسب عليه يوم البعث والنشور، تذكر ما الذي تأخذه من هذه الدنيا، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن الميت يتبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله؛ فيرجع الأهل والمال ويبقى العمل} نسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا وأقوالنا كلها صالحة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير. أيها الإخوة في الله! إنها لحظة الفراق، فراقٌ من الأهل والأقارب والأصدقاء؛ إلى الانفراد بحفرة وحيداً فريداً ليس عندك إلا العمل، الله أكبر! لا إله إلا الله! لحظة الفراق فراق الفراش اللين، والوسادة، إلى افتراش التراب، في القبر وحيداً فريداً، يقول بعضهم رحمه الله: اغتنموا أوقات الفضائل قبل فواتها، بماذا تفوت؟ تفوت بالموت كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا مات الإنسان انقطع عمله -ينقطع عمل الإنسان بالموت نسأل الله حسن الختام- إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له}. فتأهبوا يا عباد الله! لما أمامكم، وما أنتم قادمون عليه لا محالة ألا وهو الموت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] هل تذكرت لحظة الفراق؟ عباد الله! لقد كتب الله لحظة الفراق على جميع مخلوقاته، قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. فيا عباد الله: استعدوا للحظة الفراق فإنه الموت، تبدلٌ من حال إلى حال، وانتقال من دار إلى دار، فالموت هو المصيبة العظمى، والرزية الكبرى، وأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفكر فيه، وترك العمل. عباد الله: ما هذه الغفلات والاغترار؟! وما هذا الإكباب على الدنيا وقد رأيتم تصرم الأعمار؟! وما هذا التفريط وأنتم على الآثار، وقد أيقنتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟! اللهم أيقظنا من رقداتنا يا رب العالمين!

وجاءت لحظة الفراق

وجاءت لحظة الفراق لحظة الفراق وما أدراك ما لحظة الفراق! ودنا الفراق ولات حين تهرّبٍ أين المفر من القضاء الدانِ والتف صحبُك يرقبون بحسرة ماذا تكون عواقب الحدثانِ واستل روحك والقلوب تقطعت حزناً وألقت دمعها العينانِ فاجتاح أهل الدار حزنٌ بالغٌ واجتاح من حضروا من الجيرانِ فالبنت عذرا للفراق كئيبة والدمع يملأ ساحة الأجفانِ والزوج ثكلى والصغار تجمعوا يتطلعون تطلع الحيران والابن يدأب في جهازك كاتماً شيئاً من الأحزان والأشجانِ وترى الحديث وقد تساءل بعضهم أو ما سمعتم عن وفاة فلانِ قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا غير المهيمن كل شيء فانِ وأتى الحديث لوارثيك فأسرعوا من كل صوبٍ للحطام الفاني وأتى المغسل والمكفن قد أتى ليجللوك بحلة الأكفانِ ويجردوك من الثياب وينزعوا عنك الثياب وحلة الكتانِ وتعود فرداً لست حامل حاجة من هذه الدنيا سوى الأكفانِ وأتى الحديث لوارثيك فأسرعوا فأتوا بنعش واهن العيدانِ صلوا عليك وأركبوك بمركبٍ فوق الظهور يحف بالأحزانِ حتى إلى القبر الذي لك جهزوا وضعوك عند شفيره بحنانِ ودنا الأقارب يرفعونك بينهم للحد كي تمسي مع الديدانِ

روح المؤمن حال خروجها

روح المؤمن حال خروجها فيا أخي في الله! مثل نفسك وقد حلت بك السكرات، قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ونزل بك الأنين والغمرات، فمن قائل يقول: إن فلان قد أوصى، ومن قائلٍ يقول: إن فلانٍ ثقل لسانه ولا يكلم أهله وإخوانه، ومع ذلك هو يسمع الخطاب، ولا يقدر على رد A { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. أخي في الله! مثل نفسك وقد أخذت من فراشك ثم نقلت إلى بيت الوحشة والوحدة، بيت الضيق والظلمة، بيت الدود والأهوال المطمة، بيتٌ على قرب المكان، وحيدٌ مع كثرة الجيران، مقيمٌ بين أقوامٍ كانوا فبانوا. أخي في الله! اسمع إلى هذا الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: {خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقا فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ويستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، فيأتيه حسن الثياب، طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب! أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي}. أيها الإخوة والأخوات! نحن الآن في زمن الإمكان، لم نزل ولله الحمد في مهلة والفرصة مهيئة، لم تدن منا لحظة الفراق، فما هو الواجب علينا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أيها الإخوة والأخوات! علينا أن نغتنم هذا العمر بطاعة الله عز وجل، ونحذر من هذه الفتن والمغريات، ومن هذه الملذات المحرمة التي انتشرت، نسأل الله عز وجل أن يكفينا شرها إنه على كل شيء قدير. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عائشة رضي الله عنها ويقول لها قولي: {اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لي ذنبي، وأذهب غيض قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن} ونحن نسأل الله جل جلاله، أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يذهب غيض قلوبنا، وأن يجيرنا من مضلات الفتن؛ فسارعوا إخواني في الله، سارعوا ما دمتم في زمن الإمكان بالأعمال الصالحة التي ترضي الله عز وجل، واحذروا أن تكونوا من الصنف الآخر الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حال خروج روح الكافر

حال خروج روح الكافر قال صلى الله عليه وسلم: {وإن العبد الكافر -وفي رواية- المنافق -وفي رواية- الفاجر، إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما يُنتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا قذفها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] قال صلى الله عليه وسلم: فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فينادي منادٍ من السماء: أن كذب فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب! لا تقم الساعة، رب! لا تقم الساعة} نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة. اسمع أيضاً إلى هذا الحديث المتفق على صحته يخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم -الله أكبر لا إله إلا الله صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً. قال صلى الله عليه وسلم: وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت! ويضرب بمطرقة من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين} والحديث كما سمعتم متفقٌ عليه. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ما الذي يحصل لهم في القبور والبرزخ، كما أخبر الله جل جلاله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] الله أكبر! يقول هذا عند لحظة الفراق، فهل يجاب على هذا يا إخواني في الله إذا طلب الرجعة ليتزود من الأعمال الصالحة؟ لا يجاب على هذا؛ لأن العمر محدود، والأنفاس معدودة، فليسمع الرد {كَلَّا} [المؤمنون:100] كلمة ردع وزجر: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:100] يوم أن قال: رب ارجعون {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] نسأل الله حسن الخاتمة!

صور من عذاب البرزخ

صور من عذاب البرزخ اسمع إلى هذا الحديث؛ عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا؟ فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي: انطلق انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثلما فعل المرة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوبٍ من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه، فيفعل مثلما فعل في المرة الأولى. قال صلى الله عليه وسلم: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال: فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا. قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على نهرٍ حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شط النهر رجلٌ قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً. قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق وفي نهاية الحديث أخبراه صلى الله عليه وسلم -اسمع أخي في الله- أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر؛ فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة -هذا جزاؤه في البرزخ نسأل الله العفو والعافية وفي رواية البزار - قال: أتينا على أناس ترضخ رءوسهم بالحجارة. فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن الصلاة} قف قليلاً يا عبد الله! وذكّر أولئك الذين تثاقلت رءوسهم عن صلاة الفجر لا يعرفونها في المساجد إلا في رمضان إنا لله وإنا إليه راجعون! قف قليلاً واذكر أولئك الذين ينامون عن صلاة الفجر لا يوقظهم إلا ساعة العمل أو الدوام، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة! فهل لهم صبرٌ على هذا؟ لا والله لا صبر على هذا.

عذاب مضيع القرآن والصلاة

عذاب مضيع القرآن والصلاة اسمع الخبر {أما الرجل الأول الذي أتيته يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة} زيادة على ذلك ما إذا كان قد سهر على ما يغضب الله سبحانه وتعالى، متتبعٌ للأفلام والمسلسلات، تربى على البلوت، والشيشة والدخان، في القيل والقال، ثم فوت على نفسه الصلاة المفروضة كيف حاله يوم يلقى الله عز وجل؟! اللهم ردنا إليك رداً جميلا، اللهم ردنا إليك رداً جميلا. أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! قفوا مع أولئك الذين أضاعوا أعمارهم وليلهم مع الملاهي، مع الأفلام والمسلسلات، مع الأغاني الماجنات، مع البلوت، مع الشيشة والدخان، طول الليل، ثم إذا جاء وقت الفضائل وإذا هم جيفٌ في فرشهم. اللهم اهد ضال المسلمين، إننا في زمن مظلم كثرت شروره، كيف لا وقد وجد هذا الدش الذي افتتن فيه كثيرٌ من الناس، هذا الدش الذي ينشر الشر والفساد، والعار والدمار، للعقيدة والأخلاق والآداب إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، كم من إنسانٍ كان يصلي الفجر؟! وكم من إنسانٍ قد عرف بالاجتهاد في طاعة الله؟ وكم من طالب عرف بالاجتهاد في الدراسة؟ وكم من امرأة كانت متحشمة عفيفة تستحي؟ ولما عاشوا مع هذا الجهاز، جهاز الغش الذي غشنا به أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، لما عاشوا مع الأفلام والمسلسلات التي تأتي بها الأقمار الصناعية، كيف أحوالهم الآن؟ كم من رجلٍ الآن لا يرى في المسجد؟ وكم من طالب بعد أن كان جيداً مجتهداً صار من المنحطين، وكم من امرأة أضاعت الحياء والعفة لما صارت تشاهد ذلك الجهاز، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. فيا أيها الرجل الذي عشت مع هذا الجهاز تذكر أنك سوف تقف بين يدي الله عز وجل؟! أيها الرجل! سوف تسأل عن الزوجة، وعن الابن والبنت إذا وقفت بين يدي الله فأعد للسؤال جواباً.

عذاب صاحب الكذب

عذاب صاحب الكذب ثم ننتقل إلى خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق} وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً} نسأل الله العفو والعافية، فلنحذر من هذه الخصلة الذميمة، وهي -أيضاً- من خصال المنافقين الذين توعدهم الله في الدرك الأسفل من النار. احذروا من الكذب يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فبعض الناس الآن تجده يكذب ويقول: هذه نكتة، هذه كذبة بيضاء، فنقول له: تحرز فإن الملك يكتبها وإن كانت نكتة أو كذبة بيضاء كما عم، والله سبحانه وتعالى هو الذي سوف يحاسبك: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

عذاب الزناة والزواني

عذاب الزناة والزواني ثم ننتقل -أيضاً- إلى ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني} نسأل الله العفو والعافية. الزناة والزواني الذين يرتكبون جريمة الزنا، العار والدمار، الآن لما فتح الدش، وصار الكثير يشاهد الدش فلا تسأل عن الأحوال يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: {وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني يأتيهم لهب من أسفلهم} لهب من نار جهنم، نعوذ بالله من نار جهنم! هذا عذابهم في البرزخ فكيف يوم القيامة! نسأل الله جلت قدرته أن يستر عوراتنا، وأن يؤمن روعاتنا إنه على كل شيء قدير.

عذاب آكل الربا

عذاب آكل الربا ثم ننتقل إلى الخبر الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم {وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر -يعني مثل الدم- ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا} نسأل الله العفو والعافية. إنه المحارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. ويقول العلماء رحمهم الله: إن آكل الربا تحل عليه خمس عقوبات إن لم يتدارك نفسه ويتب إلى الله عز وجل، وإن استمر هذا الوضع على أكل الربا فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه وجابر بن عبد الله: {لعن رسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} هذا في رواية الترمذي، وفي رواية مسلم: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله}. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هل للحياة طعم لمن حلت عليه اللعنة، يمشي على وجه الأرض وهو ملعون نسأل الله العفو والعافية، هذه أول عقوبة عليه: أنها تحل عليه اللعنة. الثانية: قال القرطبي رحمه الله: آكل الربا يموت على سوء الخاتمة. الثالثة: وهو ما مر معنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في صحيح البخاري أنه رأى رجلاً -في البرزخ- يسبح في نهرٍ مثل الدم وآخر يلقمه الحجارة، قال بعض العلماء: هذه الحجارة التي يلقم إياها هي الأموال التي جمعها من الربا. الرابعة: أنه يقوم من قبره كالذي يتخبطه الشيطان من المس، نعوذ بالله! الخامسة: أنه يسحب إلى النار يوم القيامة ومن تاب تاب الله عليه. فبادر أخي في الله قبل أن تحل بك لحظة الفراق، تب إلى الله عز وجل إن كنت ممن يأكل الربا، تب إلى الله واسأل الله كما سأله رسوله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {اللهم إني أسألك الهدى، والتقى والعفاف والغنى} {اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك}. اقنع باليسير وإن كان حلالاً طيباً، ولا تنهمك في هذا الجرم العظيم وهو أكل الربا بمحاربة الله ومحاربة رسوله صلى الله عليه وسلم.

عذاب النمام والمغتاب

عذاب النمام والمغتاب وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في حديثٍ صحيح آخر: {أنه مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة} والنمام هو الذي ينقل الكلام بقصد الإفساد، يفسد المجتمع بقطع الأواصر والصلات، يحدث الشحناء والعداوة والبغضاء بين الناس بنقل الكلام، بقصد النميمة نسأل الله العفو والعافية، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يعذب في قبره، ويوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة نمام} والحديث صحيح. فيا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! احذروا من النميمة، ويا أيتها المرأة! اتقي الله واحذري من النميمة، احذري من نقل الكلام إلى فلانة وفلانة، احذري من ذلك فقد سمعتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: {ليلة أسري بي مررت بأقوامٍ لهم أظفارٌ من نحاس، يخمشون بها وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم} أهل الغيبة الذين يأكلون لحوم الناس، وقد سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ذكرك أخاك بما يكره فقال الرجل: أفرأيت يا رسول الله! إن كان في أخي ما يقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته} فلنحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن البعض من الناس يقول: الحمد لله! أنا والله لا أعرف الزنا، ولا أعرف اللواط، ولا أعرف المخدرات، ولا المسكرات، وأصلي وأصوم. وهو يأكل لحوم الناس! تجده في المجالس يأكل لحوم الناس، إنا لله وإنا إليه راجعون، بل بعضهم ما يصبر على الغيبة حتى في المسجد، اللهم إنا نسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. فاحذر يا أخي في الله! نعم أنت تصلي وتصوم ولكن يخشى عليك أن توزع هذه الحسنات على الآخرين، يُخشى عليك أن تأتي يوم القيامة مفلساً فقيراً من الحسنات؛ لأنك وزعتها على الآخرين. وأيضاً بعض الناس لا يبالي بالنميمة نسأل الله العافية! فهذان -النميمة والغيبة- مرضان خطيران، النميمة والغيبة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم الطف بنا بلطفك يا لطيف! اللهم ارحم ضعفنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أهمية الإكثار من ذكر هاذم اللذات

أهمية الإكثار من ذكر هاذم اللذات إخواني في الله! تذكروا لحظة الفراق قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] استعدوا للموت، فإنه أمرٌ جلل، وخطرٌ هائل، وخطبٌ عظيم، لا بد منه لكل مخلوق قال الله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء:77] قليل، يعني: لا بد من الموت، لا بد من لحظة الفراق، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة يا كريم! مهما عاش الإنسان فلا بد له من الفراق، لا بد له من الانتقال من هذه الدنيا، ولذلك يقول الله جل وعلا: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء:77] ثم قال جل وعلا: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:77] ولو تحصنا عن الموت، ولو رفعنا القصور، وشيدنا الفلل، نعم لا بد من الموت، قال الله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] ولو هربنا ما هربنا لن ننجو من الموت؟ قال: ما في نجاة من الموت، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. إذاً أخي في الله! استعد لهاذم اللذات، فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروى عنه فقال: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} وربنا جل وعلا يقول: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. ثم قال بعضهم رحمه الله وهو يحثك على التأهب للحظة الفراق حتى لا يأتيك بغتة: تأهبوا للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه، ولا تحصن منه متحصنٌ إلا أخرجه وأبرزه، فأي عيشٍ صفا وما كدره، وأي قدمٍ سعى وما عسره، وأي غصن علا وما كسره، وأي بناءٍ أشيد وما دمره، وأي غافلٍ لاهٍ وما بعثره، وأي ملك آمرٍ ناهٍ عال وما حدره، وأي متعبثٍ جائرٍ وما نكسه وأصغره، وأي غنيٍ ما سلب ماله وأفقره!! فيا عباد الله خذوا العفة والاستعداد فإنه الموت يأتي على غرة وبدون إنذار، أما أخذ الآباء والأجداد، أما أخذ الشباب والأولاد، أما ملأ القبور والألحاد، أما أرمل النساء وأيتم الأطفال!! فيا عباد الله! خذوا الأهبة لهاذم اللذات.

صفة سكرات الموت

صفة سكرات الموت أما صفة الموت إذا نزل بالإنسان نسأل الله حسن الختام، اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة يا رب العالمين! يقول الله جل وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] وقبل أن تعرف حال من يموت، أول تذكر حال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن نزل به الموت، ما هي أحواله صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأحب الخلق إلى الله، سيد الأولين والآخرين؟ لما نزل به الموت صلى الله عليه وسلم جعل يمسح وجهه بالماء ويقول: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات} فسكرات الموت ذاقها الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو بذلك يذكرك وكأنه يقول: تذكر يوم يجلسون حولك وأنت تعاني من سكرات الموت، يبكون وينادون بصوتٍ يقطع نياط القلوب، الولد يقول: هل تعرفني يا أبتاه! والأقارب حوله يقولون: هل تعرفنا يا فلان! وهو ينظر إليهم وعيناه قد اغرورقت بالدموع، ولكن لا يستطيع الرد عليهم، قد تعذر عليه الكلام يرونه منطرحٌ بين أيديهم، يعالج سكرات الموت، وهم لا يشعرون، ثم لم يلبثوا إلا قليلاً، وإذا بملك الموت قد قبض الروح، ومال الأنف، وانفتح الفم، وشخص البصر قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] فيا لها من ساعة يتكدر فيها الصفا، ويتنغص فيها العيش إذا نزل هاذم اللذات! ثم قال رحمه الله: تنبه قبيل الموت إن كنت تعقل فعما قليلٌ للمقابر تنقلُ وتمسي رهيناً في القبور وتنثني لدى جدثٍ تحت الثرى تتجندلُ نسأل الله حسن الختام.

قصيدة زين العابدين في الموت وما بعده

قصيدة زين العابدين في الموت وما بعده إخواني في الله! الموت هو الرزية العظمى نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الاستعداد للموت، ولذلك يا إخوان الغريب الآن إذا سافر يرجى رجوعه، وإن طالت السنين، ولكن إذا مات الميت متى يرجع يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا يرجع إلا إذا قامت القيامة وقام الناس لرب العالمين، ولذلك يقول زين العابدين رحمه الله: ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفنِ إي والله! هو الغريب يا إخوان، غريب اللحد والكفنِ نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ثم يقول رحمه الله: وناهيك بذلك الرجل الزاهد العابد تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزنِ سفري بعيدٌ وزادي لا يبلغني وقسمتي لم تزل والموت يطلبني ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني يا زلة كتبت يا غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تقتلني تعجلت لي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني ما أجمل التوبة خصوصاً إذا صحبها البكاء والدموع لا إله إلا الله! اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، ما أجمل التوبة إذا صحبها البكاء! إذا تذكر الإنسان أحواله ثم تاب وقال: كيف حالي لو أن لحظة الفراق حلت بي وأنا مقرٌ على الذنوب والخطايا؟! كيف يكون حالي؟! بماذا أواجه ربي؟! بأي شيءٍ أنتقل من هذه الدنيا؟! ثم تدمع العين وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله -وفي رواية- عينٌ غضت عن محارم الله} ثم إذا حصل البكاء وأنت في مكانٍ خالٍ لا يراك إلا الله؛ فإن الله يظلك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وتكن من السبعة، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم منهم إنه على كل شيء قدير. تصور أخي لحظة الفراق ما الذي يحصل عند لحظة الفراق؟ يقول رحمه الله: كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني ولم أر من طبيب اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هونِ واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفني وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني بدل ما كانوا يقولون: فلان بن فلان، الآن يريدون يتخلصون من هذا الميت، اعطونا المغسل، غسلوه، وكفنوه ثم يسرعون به إلى المقبرة وكأنه عدوٌ لهم، ثم يأخذون المساحي يحثون عليه التراب لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ما الذي يأخذ معه؟ يأخذ معه عمله اللهم اجعل أعمالنا صالحة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! قال رحمه الله: وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطنِ فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني إخواني وأخواتي! كلنا والله سوف تمر علينا هذه اللحظات، كلنا سوف نجرد من الثياب ونوضع على لوح المغسل ليغسلنا. لا إله إلا الله! فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وبعد الفلة والقصر، أو بعد العشة والصندقة إلى أين؟! وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني اللهم أعنا على ذلك المنزل يا رب العالمين! اللهم اجعله روضة من رياض الجنة يا رب العالمين يا حي يا قيوم! وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني وقال هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني وقد سمعنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أن المؤمن يكون عليه القبر روضة من رياض الجنة، يفتح له باب إلى الجنة، ويفرش له فراشٌ من الجنة، ويوسع له في قبره مد بصره، وأما الكافر والمنافق والفاجر -نسأل الله العفو والعافية- فإنه يفتح له بابٌ إلى النار، ويفرش من النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال رحمه الله تعالى في نهاية هذه الأبيات: فامنن علي بعفوٍ منك يا أملي فإنني موثقٌ بالذنب مرتهني تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني جمع الأموال مما هب ودب وصارت للورثة، وانتقل هو للأوزار، الأموال إذا جمعت من الربا والغش والخداع، والكذب، والرشوة، والدخان، والمسكرات، والمجلات، وغيرها من الطرق المحرمة؛ فإنها تكون وزراً على صاحبها، يقتسم بها الورثة وتكون وزراً على من جمعها، نسأل الله العفو والعافية، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك. ثم يقول رحمه الله: ولا تغرنك الدنيا وزينتها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطنِ وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الحنط والكفنِ خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك منها إلا راحة البدنِ يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني نسأل الله جل وعلا أن يرحمنا جميعاً في واسع رحمته.

الوصية بتقوى الله

الوصية بتقوى الله إخواني في الله! قبل أن نتفرق من هذا المكان، نسأل الله جل وعلا أن يجعلها جلسة مباركة. ونسأل الله أن يتقبلها، وأن يجعلها في موازين حسناتنا إنه على كل شيء قدير. قبل أن نتفرق نتواصى بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين كما قال سبحانه وبحمده: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وقال جل وعلا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]. فالله الله بتقوى الله! الله الله بتقوى الله! ثم يا إخواني قفوا قليلاً مع هذه الآيات العظيمة المعبرة لتروا ماذا تكون النتيجة يوم القيامة، يقول تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:1 - 8] فالله الله يا إخواني في الله! ثم قفوا قليلاً مع السورة الأخرى لتعلموا كيف الأحوال يوم القيامة: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:1 - 4] تصور الأحوال يوم نزلت ساعة لحظة الفراق، وفارقت الدنيا إلى عالم القبور، ثم تذكر يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وأنت معهم على أرض القيامة كالجراد المنتشر، ماذا تنتظر يا عبد الله؟ تنتظر نتيجة الأعمال التي عملتها في الدنيا: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:5] النتيجة: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:6 - 7] يا رب نسألك من فضلك وبماذا تثقل الموازين يا إخوان؟ تثقل بالحسنات التي هي ثمار الأعمال الصالحة التي عملتموها في الدنيا نسأل الله أن يثقل موازيننا، وألا يجعلنا من الصنف الآخر {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:8 - 11]. اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار يا رب العالمين! اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم آمنا يوم الفزع والنشور، اللهم ثقل موازيننا، ويمن كتابنا، ويسر حسابنا، وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. اللهم اجعلنا على حوض نبينا من الواردين، اللهم اسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين! اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.

الرابحون في رمضان

الرابحون في رمضان الناس في رمضان صنفان: رابح وخاسر، فالرابح من صام نهاره وقام ليله، وشغل وقته بالذكر وقراءة القرآن، والإكثار من الأعمال الصالحات وتجنب المنكرات، وأيقظ أهله وشد مئزره لقيام الليل. والخاسر من نام نهاره عن الصلاة، وسهر ليله أمام المسلسلات والمسابقات والأمسيات الضائعات المضيعات، ولم يتزود من الصالحات، بل تزود من المعاصي والموبقات. فانظر أخي المسلم: هل أنت من الرابحين أم من الخاسرين؟!

الناس في رمضان رابح وخاسر

الناس في رمضان رابح وخاسر الحمد لله الذي له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله! حياكم الله في بيتٍ من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولانا في الدنيا والآخرة، اللهم تولنا في الدنيا والآخرة، واجعلنا مباركين أينما كنا يا رب العالمين! اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. عباد الله! تقوى الله سبحانه وتعالى هي أفضل زادٍ ينتقل به العبد من هذه الدار يوم أن ينتقل، ولذلك أوصى الله تعالى بالتزود أيضاً فقال جل وعلا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] ولن يوفق للخيرات، ولا إلى العلم النافع، ولا إلى الهدى إلا من اتقى الله سبحانه وتعالى، إذا اتقى الله العبد وسار على نهج الكتاب والسنة فعند ذلك يفوز وينجو في الدنيا وفي الآخرة. أخي في الله! من هم الرابحون في رمضان؟ الله أكبر! هذا السؤال ينبغي لنا -أخي في الله- أن نتعقل هذا السؤال، ثم نتعقل الجواب الذي بعده.

الرابحون في رمضان

الرابحون في رمضان من هم الرابحون؟ نعم؛ لأن الناس ينقسمون إلى قسمين: رابح وخاسر. نسأل الله أن يجعلنا من الرابحين، فالرابحون هم الذين يتلقون هذا الشهر الكريم بالقبول والفرح والاهتمام بأداء حقوق الصوم فيعمرون نهاره بالصيام، ويحفظون أوقاته بالطاعات التي تقربهم من الله تعالى، والابتعاد عما يغضب الله تعالى، ولله در القائل: قد جاء شهر الصوم فيه الأمان والعتق والفوز بسكنى الجنان شهرٌ شريفٌ فيه نيل المنى وهو طراز فوقكم للزمان طوبى لمن قد صامه واتقى مولاه في الفعل ونطق اللسان ويا هنا من قام في ليله ودمعه في الخد يحكي الجمان ذاك الذي قد خصه ربه بجنة الخلد وحورٍ حسان هناكم الله بشهرٍ أتى في مدحه القرآن نص عيان هذا الشهر الكريم شهرٌ أنزل الله فيه القرآن، فالرابحون: هم الذين يغتنمون أوقاته أيضاً بتلاوة القرآن، والله ثم والله إن العاقل هو الذي يكثر من تلاوة القرآن، بل الرابح هو الذي يكثر من تلاوة القرآن، ويهتدي بهدي القرآن، ويسترشد بمواعظ القرآن، ويأخذ العبرة من قصصه، ويلتقط من درره وحكمه؛ لأن القرآن أتى بالشريعة الإسلامية، منه تستمد الأحكام والمسائل الفقهية، فهو عماد الأمة الإسلامية في دينها ودنياها، وصدق الله العظيم إذ يقول جل جلاله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155]. السلف الصالح في رمضان يتركون حتى مدارسة العلم ويقبلون على تلاوة القرآن لا إله إلا الله! أمة الإسلام! اعرفوا قدر هذا القرآن الذي أعرض عنه الكثير في هذه الأزمنة الممتلئة بالفتن والمغريات والملذات والشهوات التي طمت على القلوب فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعلنا ممن قلت فيهم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] نسأل الله العفو والعافية! الرابحون: هم الذين قد عرفوا قدر هذا القرآن، وإنه منحة عظيمة منحها الرب جل جلاله هذه الأمة {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155]. القرآن مأدبة الله، فأقبلوا على مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء الناجع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، لا تنقضي عجائبه، ولا تخلط من كثرة الرد. اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف}. والله ثم والله! لا عيش أطيب من عيش المتعظين بهذا القرآن المهتدين بهذا القرآن، ولا نعيم أتم من نعيمهم لما هم فيه من شرح الصدور بالإيمان بالله، والسرور بطاعته وعبادته، إذا قاموا ينادون ربهم بكلامه المنزل في رمضان، وفي غير رمضان أولئك الرابحون الذين عرفوا قيمة الزمان فاستعملوه بطاعة الرحمن، لا إله إلا الله! {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. أمة محمد صلى الله عليه وسلم! اعرفوا قدر هذا القرآن. أمة الإسلام! إن هذه الموعظة التي جاءتكم من ربكم هو القرآن العظيم وما فيه من أخبارٍ صادقة نابعة، وأحكامٍ عادلة، فيها مصلحة للخلق ليس في دينهم فحسب ولكن في دينهم ودنياهم، فأكرم وأنعم بهذا القرآن الذي قال الله عنه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]. الرابحون هم الذين عرفوا هذا القرآن وأقبلوا على الله جل وعلا بكثرة تلاوته، وعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، قال الله جل وعلا: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] الله أكبر! لا إله إلا الله! من هم أولو الألباب؟ قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] أولئك الرابحون الذين عرفوا قيمة الزمان، فقضوا أوقاتهم بتلاوة القرآن، وكثرة ذكر الله عز وجل، ولذلك وصفهم الله جل وعلا بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:63 - 64]. أولئك الرابحون الذين عرفوا قيمة الليل؛ لأن الليل له فرسان؛ فرسانٌ يقودهم الشيطان -والعياذ بالله- في أودية الغي والضلال، وفرسانٌ يهتدون بكتاب الله ويستنون بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الفرسان الذين قادهم القرآن واهتدوا بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، مدحهم الرحمن جل وعلا فقال جل جلاله: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] إذا أثخن أولئك السهر الذين سهروا مع الأفلام والمسلسلات، والأغاني الماجنات، والأوراق الفاتنات وغيرها التي تطفأ فيها الأوقات فإذا أثخن أولئك السهر، وإذا بأولئك عباد الرحمن الذين عرفوا قيمة الزمان، وإذا هم يقومون لصلاة التهجد، لا إله إلا الله! وليس ذلك خاصٌ في رمضان، بل كل حياتهم صلاة، كل حياتهم تعبدٌ في ذلك الوقت المبارك الذي حث عليه ربنا سبحانه وتعالى، وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك الوقت المبارك الذي ينزل فيه الرب جل جلاله إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، لا إله إلا الله! من الذي يحوز على ذلك الوقت المبارك؟ أولئك الرابحون الذين قال الله عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. إخواني في الله! إن لقيام رمضان مزية خاصة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} فلله درك من شهرٍ كريم، وموسمٍ عظيم! نزل القرآن بتشريفه وتعظيمه، ونطقت السنة بفضله، شهرٌ تجدد فيه الجنة، وتزين، وتشرف فيه الحور العين فينادين هل من خاطبٍ إلى الله تعالى فيزوجه؟ شهرٌ تفتح فيه أبواب الرحمة، وتغلق أبواب الجحيم، وتسلسل فيه الشياطين. شهر رمضان ترفع فيه الدرجات، وترحم فيه العبرات، فاستقبلوه -يا عباد الله- كما استقبله أولئك.

كيفية استقبال السلف الصالح لشهر رمضان

كيفية استقبال السلف الصالح لشهر رمضان السلف الصالح الذين عرفوا قيمة الزمان، استقبلوا شهر رمضان بقلوب ملؤها الإيمان، وبفريضة هذا الشهر، وبصبرٍ على طاعة الله، واحتسبوا الأجر والثواب من عند الله، يقول الرب جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] نداء للمؤمنين بهذا النداء الشريف يناديهم أكرم الأكرمين جل وعلا يقول سبحانه وبحمده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:183 - 185]. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله عز وجل -اسمع أخي في الله إلى هذا الفضل العظيم- كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة -ثم اسمع إلى هذه التوجيهات- فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله؛ فليقل: إني صائم} ثم يقول: {والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه} متفقٌ عليه، وهذا نص رواية البخاري، وفي رواية للبخاري أيضاً: {يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشرة أمثالها} وفي رواية لـ مسلم: {كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي فأنا أجزي به -الله أكبر! لا إله إلا الله! - يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يُقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد} متفقٌ عليه. إخواني في الله! هذا شهر الصيام والقيام قد أقبل عليكم يا أمة الإسلام! فكم فيه من الخيرات لمن وفقه الله. يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، فيقول: {جاءكم شهر رمضان شهرٌ مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم!} رواه الإمام أحمد والنسائي. فهذا شهر رمضان المبارك قريباً سوف يحل عليكم ضيفاً كريماً فاغتنموه يا عباد الله!

فوائد الصيام

فوائد الصيام أمة الإسلام! للصيام فوائد عظيمة، ومنافع جمة، وآثارٌ حسنة، فهو يكبت النفس، ويطفئ شهواتها، فإن النفس إذا جاعت سكنت وخضعت وامتنعت عما تهوى، فسبحان من فرض الصيام على عباده! لا إله إلا الله! الصيام يربي في الإنسان الفضائل والإخلاص والأمانة، والصبر عند الشدائد، فالنفس إذا امتنعت عن الحلال طلباً لمرضاة الله تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فالأحرى بها أن تتمرن على الامتناع عن الحرام الذي هي غنية عنه وتبعد عنه كل البعد فما تقترب من المحرمات التي منها الهلاك والعطب. ومن فوائد الصيام: أنه يبعث في الإنسان فضيلة الرحمة بالفقراء، والعطف على البائسين، فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات؛ تذكر الفقير الجائع في جميع الأوقات؛ فيسارع إلى رحمته والإحسان إليه. ومن فوائد الصيام: أنه ينقي الجسم من الفضلات الرديئة، ورطوبات الأمعاء، ويشفي كثيراً من الأمراض بإذن الله تعالى، فسبحان من فرض الصيام! ولله در الصيام كم فيه من الفوائد الجمة! ومن فوائد الصيام: أنه يقوي النفس على البر والحلم، ومن يلاحظ حال الصائمين الموفقين لما هم عليه من تحري الطاعة، وتحري سبل الخيرات، والابتعاد عن المعاصي، والرغبة في الإحسان؛ يدرك أن الصوم من أعظم أسباب الهداية، ويدرك معنى قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] ويدرك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {الصوم جُنَّة} ويدرك ما فيه من تهذيب النفس وتطهيرها من الأخلاق الموبوءة وترويضها على الطاعات، وإعدادها للسعادتين الدنيوية والأخروية. وحسبك -أيها المسلم- في فضل الصيام قول الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} لا إله إلا الله! يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين} متفقٌ عليه. لا إله إلا الله! فرصة عظيمة للمسلمين، نسأل الله جل وعلا أن يبلغنا رمضان. قال بعضهم: أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً وزادك فاتخذه للمعاد فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادماً يوم الحصادِ

فضل قيام الليل

فضل قيام الليل أخي في الله! نعم. إن في رمضان ذلك القيام الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيام رمضان اللهم اجعلنا من القائمين لك يا رب العالمين، وتقبل منا يا حي يا قيوم! يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: أدم الصيام مع القيام تعبداً فكلاهما عملان مقبولانِ قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم إلا كنومة حائرٍ ولهانِ فلربما تأتي المنية بغتة فتساق من فرشٍ إلى أكفانِ يا حبذا عينان في غسق الدجى من خشية الرحمن باكيتانِ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ غضبت عن محارم الله} وفي رواية: {باتت تحرس في سبيل الله}. يا حبذا عينان في غسق الدجى من خشية الرحمن باكيتانِ الله ينزل كل آخر ليلة لسمائه الدنيا بلا كتمانِ فيقول: هل من سائلٍ فأجيبه؟ فأنا القريب لكل من ناداني فيا عباد الله! ألا خاطب إلى الرحمن في هذا الشهر؟! ألا راغبٌ فيما أعد الله للطائعين في الجنان؟! ألا طالبٌ لما أخبر الله به من النعيم المقيم؟! هنيئاً للرابحين الذين عرفوا قيمة الزمان! يقول الرب جل وعلا في الحديث القدسي: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اقرءوا ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]}. عباد الله! اسمعوا ماذا كانوا يعملون! قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]. ومن صفاتهم أيضاً: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] هنيئاً لهم، قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:22 - 24] لماذا؟ لأنهم عرفوا قيمة الزمان، فقاموا بطاعة الرحمن، فأورثهم الله تلك الجنان، نسأل الله من فضله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه وإحسانه. ومما أعد الله لهم في الجنة من النعيم الذي لا يماثل له نعيم ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: {إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]} الله أكبر! للذين أحسنوا: أي الذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم. ومما ورد في الحث على قيام الليل ما أخبر به عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} نسأل الله من فضله، يا رب أيقظنا من رقداتنا، يا رب لا تجعلنا من الخاسرين، كم من أناسٍ خسروا هذا؟! نسأل الله العفو والعافية. يقول صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} رواه مسلم.

هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في قيام الليل

هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في قيام الليل وعن عائشة رضي الله عنها تصف ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتقول: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة ركعة، يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة} رواه البخاري، وعنها أيضاً رضي الله عنها قالت: {ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة! إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي} متفقٌ عليه. الله أكبر! هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، والبعض من الناس يبحث عن الإمام الذي يخفف، الله أكبر! يستبشرون إذا سمعوا أحد الأئمة يخفف الصلاة، الله أكبر! ويتحدثون به في المجالس، فلان بن فلان يخفف فيتسارعون إليه الله المستعان! هذا من عدم الرغبة يا عباد الله! وإلا فهدي الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي الله عنها: {يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي} متفقٌ عليه. فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! اقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم؛ لأن البعض من الناس يظن أن العبادة عادة، نسأل الله العفو والعافية، ولذلك تجد بعضهم يقول: لماذا لا نجد اللذة التي وجدها السلف الصالح، السلف الصالح يتحدثون عن تلك اللذة التي يجدونها في العبادة منهم من يقول: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من اللذة لجالدونا عليه بالسيوف ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. الله أكبر! ويقول بعضهم رحمه الله: جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة فتلذذت به عشرين أخرى. الله أكبر! لا إله إلا الله!

أهمية مجاهدة النفس والأهل على قيام الليل

أهمية مجاهدة النفس والأهل على قيام الليل أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الله الله بالاهتداء بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم! هنيئاً لأهل الليل الذين عرفوا قيمة الليل، عرفوا قدر الليل، فقاموا تلك الساعة المباركة، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة} رواه مسلم، الله أكبر! لا إله إلا الله. أخي في الله! اغتنم عمرك في طاعة الله ما دمت في زمن الإمكان، اغتنم عمرك في طاعة الله ما دمت في زمن الإمكان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على قيام الليل: {رحم الله رجلاً قام من الليل -دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم- فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء} رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح. عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلا ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات} الله أكبر! اللهم اجعلنا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. أخي في الله! الله الله في قيام الليل! يقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله: قم الليل يا هذا لعلك ترشدُ إلى كم تنام الليل والعمر ينفدُ أراك بطول الليل ويحك نائماً وغيرك في محرابه يتهجدُ ولو علم البطال ما نال زاهدٌ من الأجر والإحسان ما كان يرقدُ وصام وقام الليل والناس نومٌ ويخلو بربٍ واحد ينفردُ بحزمٍ وعزمٍ واستغاثٍ ورغبة ويعلم أن الله ذا العرش يُعبدُ ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً مخلدُ أترقد يا مغرور والنار توقدُ فلا حرها يطفى ولا الجمر يخمدُ الله أكبر! ليتهم يرقدون الآن، يا ليتهم يرقدون نسأل الله العافية! لأن بعضهم لا يرقد بل يبارز الله بالمعاصي طول الليل فإذا جاء وقت الفضائل رقد، نسأل الله العفو والعافية، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا يا رب العالمين، الله أكبر! هذا ابن أدهم رحمه الله يقول: أترقد يا مغرور والنار توقد فلا حرها يطفى ولا الجمر يخمدُ فيا راكب العصيان ويحك خلها فتحشر عطشاناً ووجهك أسودُ فكم بين مشغولٍ بطاعة ربهم وآخر بالذنب الثقيل مقيدُ المشغول بطاعة ربه. الله أكبر! فهذا سعيدٌ الجنان منعم وهذا شقيٌ في الجحيم مخلدُ ثم يصف لنا ذلك الموقف العظيم الذي سوف نقف به يوم القيامة -لا إله إلا الله اللهم رحماك رحماك يا أرحم الرحمين- يقول رحمه الله: كأني بنفسي في القيامة واقفٌ وقد فاض دمعي والمفاصل تضعف وقد نصب الميزان للفصل والقضا وقد قام خير العالمين محمدُ فعلينا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن نتذكر ذلك اليوم العظيم حتى يحصل عندنا الاستعداد، يقول بعضهم رحمه الله: يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهلٍ ومن أوطانِ يومٌ تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولدانِ يوم عبوسٌ قمطريرٌ شره في الخلق منتشرٌ عظيم الشانِ يوم يجيء المتقون لربهم وفداً على نجب من العقيان ويجيء فيه المجرمون إلى لظى يتلمظون تلمظ العطشانِ

الأسباب التي تعين على قيام الليل

الأسباب التي تعين على قيام الليل أخي في الله! إن البعض من الناس يقول: نحن نرغب في قيام الليل، ونحب قيام الليل، فما هي الأسباب التي تعين على قيام الليل؟ بعد أن نستعين بالله جل وعلا، {اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}. أقول: أولاً: تهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم؟ اسمع هذا وأنت ترى الخبر المداهم الذي داهمنا في هذه السنين المتأخرة: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم {أنه يكره النوم قبلها -أي قبل صلاة العشاء- والحديث بعدها} من هذا؟ هذا أفضل الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله الأمة أن تقتدي به: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. مع الأسف الشديد نجد الآن الذي يطبق السنة يقولون: هذا دجاجة! إذا رآه إنسان ينام مبكراً قالوا: هذا دجاجة! الله أكبر! لا إله إلا الله! ولذلك من أشراط الساعة أن يعير الرجل بدينه. الله أكبر! نسأل الله العفو والعافية، هذا دجاجة! هل الذي يطبق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون دجاجة؟! اللهم لا تحرمنا فضلك يا رب العالمين. التوجيه الثاني: إذا أردت أن تقوم الليل؛ فلا تكثر الطعام عند النوم، قلل الطعام عند النوم. ثالثاً: نم متوضئاً على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقل: {اللهم إني وجهت وجهي إليك، وأسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت} واقرأ آية الكرسي، واقرأ المعوذات وسورة الإخلاص في كفك وامسح بها ما استطعت من جسمك. ثم الأذكار التي علمها علياً وفاطمة رضي الله عنهما: تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله أربعاً وثلاثين، ثم تنام. فإذا استيقظت فخذ بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن الإنسان إذا نام عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، ويضرب على كل عقدة عليك ليلٌ طويلٌ فارقد} ما هو التوجيه الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال صلى الله عليه وسلم: {فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة} ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من النوم يقول: {الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، قال صلى الله عليه وسلم: فإن دعا بعد هذا الذكر استجيب له، وإن صلى قبلت صلاته} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إذاً. التوجيه الأول قال صلى الله عليه وسلم: {فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة}. التوجيه الثاني: {فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة وبهذا نتحل العقد الثلاث فيصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان} نسأل الله العفو والعافية. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبلغنا شهر الصيام والقيام، اللهم اجعلنا من الصائمين القائمين. اللهم تقبل منا الصيام والقيام والدعاء والتضرع بين يديك. اللهم لا تردنا خائبين، ولا من رحمتك آيسين يا رب العالمين. اللهم اهدنا وسددنا، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين، اللهم اجمع كلمتهم على الحق والدين يا رب العالمين. اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالٌ لما يريد، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء! اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، وخالف بين كلمتهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم. اللهم إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فرحة أهل الإيمان [2،1]

فرحة أهل الإيمان [2،1] الدنيا دار ابتلاء، ومحطة تزود على طريق المسافرين إلى رب الأرض والسماء، وميدان عمل يستلم العامل أجره عليه عند اللقاء. وهذه المحاضرة تذكير للعامل بعظم الأجر وجزيل العطاء وفرحة اللقاء، ونعيم الجنة مما لا يدركه الخيال ولا تتصوره الآمال.

الفرح بالتوفيق إلى الطاعات

الفرح بالتوفيق إلى الطاعات إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات ربي وسلامه عليه، تركنا على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم كما أمر الله بذلك المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ثم أبشروا معشر المؤمنين؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صلَّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسانٍ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة والأخوات! حياكم الله في بيتٍ من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم ممن يتحقق فيه هذا الخبر: {ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده}. لا إله إلا الله، يا له من فضل عظيم يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. ثم إن الموضوع كما سمعتم وعلمتم: فرح المؤمنون بدخولهم الجنان، أو كما سمعتم -أيها الإخوة في الله- عن الموضوع. فكم للمؤمن من فرحة، بل في الدنيا له فرحة، بل له في الدنيا أفراح يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! فرحه يوم أن ألهمه الله جل جلاله ووفقه لأن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فرحه يوم أن يوفقه الله سبحانه وتعالى يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. فرحه يوم أن يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ممتثلاً أمر الله (وأقيموا الصلاة). فرحه يوم أن تكون المحاورة بينه وبين ربه في ذلك الموقف الشريف، ألا وهو الصلاة يوم أن يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فيقول الله: حمدني عبدي، ويقول {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] فيقول: أثنى عليَّ عبدي، ويقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] فيقول: مجدني عبدي. الله أكبر! محاورة عظيمة يفرح بها المؤمن، حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي، وإذا قال العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فرح المؤمن يوم أن يتحقق له هذا الفضل العظيم، ويلحقه الله بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم، وحسن أولئك رفيقاً.

فرح المؤمن بالبشرى عند الموت

فرح المؤمن بالبشرى عند الموت فرحه يوم أن يُبَصِّره الله، ويفقهه في الدين، ويصرفه عن طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين. فرحه يوم أن تنزل عليه البشرى عند فراقه هذه الدنيا، لا إله إلا الله، وأعظم بها من بشرى يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الله أكبر! ما هي هذه البشرى التي يتلقى بها عند فراقه هذه الدنيا، دار الهموم، دار الغموم، دار الأحزان والكروب، دار المجاعة والأمراض، دار الأمور التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى؟ يوم ينتقل منها إلى جوار ربه، تكفيه هذه البشرى، فيا لها من فرحة، يوم أن يسمع هذه البشرى، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:3] أي فرحة أعظم من هذه الفرحة إذا سمع هذه البشرى يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟! وأيضاً: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. يوم أن يتحسر أهل التفريط والإضاعة الذين أضاعوا العمر في المعاصي والسيئات، يوم أن يطلبوا الرجعة ليتزودوا من الأعمال الصالحات ولكن هيهات هيهات، نسأل الله العفو العافية، ما هي أمنيتهم عند فراق الدنيا؟ اسمع الفرق يا عبد الله! يقول الله جل جلاله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:9] لماذا يطلب الرجعة؟ قال الله تعالى مخبراً عنه: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:10] والجواب؟ {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:10] فينتقل إلى حفرة من حفر النيران والعياذ بالله. أما الآخر الذي آمن بالله واستقام على طاعة الله تتنزل عليهم الملائكة تبشره برحمة الله سبحانه وبحمده، تطمئنه: {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32]. اللهم اجعلنا نسمع هذه البشرى يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير، فيا من تشتاق نفوسهم إلى هذه البشرى ما هو الأمر الذي ينبغي لنا أن نستعد به؟! الأمر سهل ولله الحمد، ولكن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له} اللهم اجعلنا من أهل السعادة الذين ييسرون لأأعمال أهل السعادة يا رب العالمين.

التقوى طريق للفرحة الكبرى في الحياة الأخرى

التقوى طريق للفرحة الكبرى في الحياة الأخرى إخواني في الله! هو زادٌ واحد؛ هو أن تلتزم بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأبشر بهذه الكرامة أخي في الله؛ كرامات في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر، ويوم البعث والنشر، وفي ذلك اليوم، يوم أن تقوم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، تصور الفرحة أخي في الله، تصور الفرحة يوم يساقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ماذا يقال لهم وهم يستقبلون، قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:46 - 47]. تصور أخي في الله الفرحة في ذلك اليوم العظيم، إنها والله فرحة لا يماثلها فرحة أخي في الله، فرحة عظيمة وقبلها تلك الفرحة يوم أن يعطى كتابه باليمين، ويوم أن تثقل موازينه، ويوم أن يبيض وجهه، ويوم أن يطمئن قلبه، لأنه تحقق له وعد الله الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72] تحقق له وعد الله جل وعلا يوم أن أخذ كتابه بيمينه، قال الله جل جلاله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24] وماذا أسلفوا في الأيام الخالية؟ وما هي الأيام الخالية؟ أسلفوا في الأيام الخالية توحيد الله سبحانه وتعالى، فأفردوا الله بالعبادة، وأخلصوا الأعمال لله الواحد القهار، واتبعوا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، أقاموا الصلاة، آتوا الزكاة، صاموا رمضان، حجوا بيت الله الحرام، بروا بالوالدين، وصلوا الأرحام، أمروا بالمعروف، نهوا عن المنكر، فعلوا الخيرات، فلذلك وجدوها في ذلك اليوم العظيم. والأيام الخالية هي أيام الدنيا، عملوا فيها قليلاً فجزاهم الله على ذلك الفضل العظيم، فما أعظم الفرحة يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! يوم أن يرفع الكتاب فرحاً مسروراً: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24]. ثم سمعتم بماذا يقابلون يا عباد الله؟! يقول الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46]. ثم يخبر الله جل وعلا فيقول سبحانه وبحمده: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] ومع ذلك في تلك الجنة: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَب} [الحجر:48] ليس فيها تعب، فهي دار السرور والبهجة والحبور، دار اللذة والنعيم، ثم يقول الله جل وعلا: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] بخلاف منازل الدنيا، إذا لم كان مستأجراً يأتيه صاحب العقار ويقول: اخرج فقد انتهت المدة، لكن بعض الناس يرفع رأسه يقول: أنا في ملك والحمد لله، لا يأتيه صاحب العقار ويقول: اخرج عن الدار، فنقول: يأتيك هادم اللذات ومفرق الجماعات، ويخرجك من الدار، من بين الأهل والأولاد والأحباب، وتسكن في حفرةٍ تصف عليك فيها اللبنات، ويحثى عليك التراب وتتخلى فيها وحيداً فريداً. أما الجنة فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] نسأل الله من فضله الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة يا رب العالمين. إخواني في الله! اسمعوا ماذا أعد الله لهم في الجنة، يقول الله جل وعلا، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا ممن يستمع هذا النداء: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:68 - 69] يقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70 - 71] ثم قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف:72 - 73]. ثم ينادي منادٍ -أيها الإخوة في الله- ويفرح المؤمنون يوم أن يسمعوا هذا النداء، يقول المنادي -إخواني في الله- كما أخبر الصادق المصدوق نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً} الله أكبر! ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخبراً عن ربه سبحانه وتعالى: {يقول الله جل وعلا: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال: اقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]} وماذا كانوا يعملون؟ اقرأ أول الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] وقال في سورة أخرى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18].

خسارة المفرطين المدمنين للسهر

خسارة المفرطين المدمنين للسهر ولذلك نقول للمفرطين الذين يضيعون أوقاتهم مع الأفلام والمسلسلات والبلوت وغيرها من القيل والقال ويسهرون مع هذه المصائب، اسمعوا إلى أحوال أولئك الذين وعدهم الله بجنةً عرضها السماوات والأرض، ما هي أحوالهم؟ {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] الله أكبر! لا إله إلا الله، والله فرق يا إخواني! فرق عظيم، بين من يقضي ليله أو بعض ليله أو قليلٌ من الليل بالتهجد والقرب من الله سبحانه وتعالى، وبين من يتربع أمام الأفلام والمسلسلات واستماع الأغاني الخبيثات الخليعات الماجنات، وقضاء الليالي مع البلوت وغيرها، بشتى السب والشتمات والغيبة والنميمة والشيشة والدخان والمخدرات والمسكرات، هذه أحوال الكثير من الناس يا إخوان! يقول بعض السلف رحمه الله: من يرد ملك الجنان فليدع عنه التواني وليقم في ظلمة الليـ ل إلى نور القران وليصل صوماً بصومٍ إن هذا العيش فان

زوال الدنيا يذكر المرء بفضل الدين

زوال الدنيا يذكر المرء بفضل الدين إي والله؛ عيش الدنيا لا بد له من الفناء يا عبد الله! وإن كثرت الأموال وتغطرس بالترف فوالله لا بد له من الزوال، فمن يرد الملك الذي لا يزول والنعمة والدار والنعيم الذي لا يزول ولا يحول فعليه أن يرضي الله سبحانه وتعالى. اسمع عن خبر القوم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] ثم إذا انتهوا من التهجد والصلاة ماذا يعملون؟ {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] هنيئاً لهم، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين، أفضل الأنبياء والمرسلين يقول: {والله إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة} هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، هذا في رواية البخاري، أما في رواية مسلم فيقول صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه؛ فإني استغفر الله في اليوم مائة مرة} اللهم صلِّ على محمد. الله أكبر! لا إله إلا الله، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قام حتى تفطرت قدماه صلى الله عليه وسلم، فما بالنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لا نقتدي بسيد الأولين والآخرين الذي قال الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] الله أكبر لا إله إلا الله! اللهم وفقنا للتأسي بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

ما يخسره الساهرون على اللهو

ما يخسره الساهرون على اللهو إذاً: يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! اعلموا ثم اعلموا ثم اعلموا أن ما أحدثه بعض الناس في هذه الآونة المتأخرة من السهر طول الليل أنها بدعة دخلت على المسلمين -نسأل الله جل وعلا أن يرفعها، اللهم ارفع هذه البدعة، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً- وكم خسرنا بهذه البدعة يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! يوم أن طال السهر؟ خسرت الأمة أو بعضهم ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله إلا أعطاه الله من خيري الدنيا والآخرة}. خسر بعض الناس ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم: {أنه إذا بقي ثلث الليل الأخير ينزل ربنا جل جلاله إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيقول: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟} والبعض من الناس أحسن الله عزائه وجبر مصيبته، قد خسر هذا الفضل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفي الحديث القدسي الذي يرويه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وبحمده، فيقول جل جلاله: {أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر}.

ما يجنيه اللاهون في سهرهم على الإثم

ما يجنيه اللاهون في سهرهم على الإثم فيا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! ونحن بصدد هذه النقطة (السهر) أقول: اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يقول: {لا إله إلا الله! ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب -الله أكبر! محمر الوجه صلى الله عليه وسلم- ثم حَلَّق بإصبعيه فقال: فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا، قالت زينب رضي الله عنها -زوجة النبي صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث} فإنا لله وإنا إليه راجعون! إخواني في الله! أسألكم بالله العظيم: ماذا نستفيد من محطة اليهود والنصارى والإفرنج التي تبث عبر الأقمار الصناعية، هذه الأقمار الخبيثة، ماذا نستفيد منها؟! ثم كيف الأحوال إذا المرأة والطفل الصغير عاشوا على هذه الأفلام -الابن والبنت-؟ كيف الأحوال إذا عاش المجتمع على هذه الأفلام؟! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. فيا عباد الله! من ابتلي بهذا الغش الذي يسمى الدش -وهو والله غش غشنا به أعداء الإسلام وأعداء المسلمين- وابتلي بهذه الصحون فليزلها عن سطح داره، ويتوب ويرجع إلى الله، ويجدد توبة نصوحاً، أسأل الله بمنه وكرمه أن يعافي المسلمين من شر هذه الصحون، وأسأله جل جلاله أن يمنَّ عليهم أن يزيلوها كما أزال إمامهم وقدوتهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الأصنام من بيت الله الحرام. اللهم أزلها عن بيوت المسلمين يا رب العالمين، وأبدلها ما عاش عليه أسلافنا من قيام الليل وتلاوة القرآن إنك على كل شيء قدير يا أرحم الراحمين.

وصف نعيم الجنة

وصف نعيم الجنة اسمع إلى هذا الفرح الذي يفرح به المؤمنون إذا دخلوا الجنة، والله إنه فرحٌ تلذ لسماعه الأسماع، يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، يقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} الله أكبر! كيف لا تفرح القلوب بهذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك الذين يدخلون دار الأفراح، التي يفرح بها المؤمنون، فيقول صلى الله عليه وسلم: {أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة -يعني: عود الطيب ثم قال صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بهذا النعيم- أزواجهم الحور العين، على خلق رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء} متفق عليه. وفي رواية للبخاري ومسلم: {آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرةً وعشياً}. ثم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الأخبار كلها صحيحة أخي في الله! إن شاء الله لا أسمعك في هذه الجلسة إلا حديثٌ صحيح إما رواه البخاري أو مسلم أو كلاهما إن شاء الله تعالى، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟! قال: بلى. والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين} هنيئاً لأهل الجنة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لقاب قوسٍ في الجنة خيرٌ مما تطلع عليه الشمس أو تغرب} الله أكبر! سبحان الله العظيم! كيف نلتفت إلى الدنيا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع هذه الأخبار؟! الله أكبر! لا إله إلا الله! اللهم اشف مرض قلوبنا يا رب العالمين: {لقاب قوسٍ في الجنة خيرٌ مما تطلع عليه الشمس أو تغرب} والحديث متفقٌ عليه. ثم يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: {إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً}.

لذة النظر إلى وجه الله الكريم

لذة النظر إلى وجه الله الكريم اسمع أخي في الله إلى هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خبرٌ عظيم، وسيأتي تفصيله بإذن الله كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى، ما هو هذا الخبر الذي يفرح به المؤمنون في الجنان؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم} نسأل الله من فضله، الله أكبر! والله جل وعلا يقول: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:25 - 26] الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم. ثم قال جل وعلا: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26]. ثم اسمع أخي إلى آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة} لأن من مات على التوحيد فإنه لا يخلد في النار، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من الشرك صغيره وكبيره، إنه على كل شيء قدير، يخرجون من النار وقد أكلت النار كل شيء إلى موضع السجود، يخرجون منها كالفحم، نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ألا يدخلنا النار، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، اللهم ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً يا أرحم الراحمين! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة؛ رجلاً يخرج من النار حبواً فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فإنك لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا -الله أكبر! - فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: ذلك أدنى أهل الجنة منزلاً} متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة} الله أكبر الله أكبر! {إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضاً} متفق عليه.

الجنة وأوصافها

الجنة وأوصافها إخواني في الله! الجنة إن سألتم عن سعة الجنة؟ فقد ندب الله إليها وأخبر سبحانه عن سعتها، فقال جل جلاله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين. وإن سألتم عن أرض الجنة وتربتها؟ فهي المسك والزعفران. وإن سألتم عن سقف الجنة؟ فهو عرش الرحمن، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وأراه قال: وفوقه عرش الرحمن} اللهم إنا نسألك الفردوس يا رب العالمين. وإن سألتم عن حصبائها؟ فهي اللؤلؤ والجوهر. وإن سألتم عن بنائها؟ فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألتم عن أشجارها؟ فما منها من شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب. وإن سألتم عن ثمار الجنة؟ فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل. وإن سألتم عن ورقها؟ فأحسن ما يكون من رقائق الحلل. وإن سألتم عن أنهارها؟ فاسمعوا إلى خبر الله جل وعلا في محكم البيان، يقول الله جل وعلا: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] نسأل الله من فضله الجنة، الله أكبر! وإن سألتم عن طعامهم؟ فيقول جل وعلا: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:20 - 21] نسأل الله من فضله الجنة. يا إخواني! اسألوا الله الجنة، اسألوا الله الجنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هنيئاً لمن أدخله الله الجنة، يا لها والله من فرحة لمن أدخله الله الجنة وأنجاه الله من النار، الله أكبر! الجنة: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:17 - 21]. أما إن سألتم عن آنيتهم في الجنة؟ فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير. وإن سألتم عن عدد أبواب الجنة؟ فللجنة ثمانية أبواب. وإن سألتم عن سعة أبواب الجنة؟ {فما بين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يومٌ وهو كضيض من الزحام}. وإن سألتم عن تصفيق الرياح لأشجار الجنة؟ فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها. وإن سألتم عن ظلها؟ ففيها: {شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها}. وإن سألتم عن ارتفاعها؟ فهي غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار. وإن سألتم عن ارتفاعها؟ فانظروا إلى الكوكب الطالع أو الغابر في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار. وإن سألتم عن لباس أهل الجنة؟ فهو الحرير والسندس والإستبرق. وإن سألتم عن حليهم؟ فالذهب والفضة. وإن سألتم عن فرشهم؟ فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألتم عن أرائكها؟ فهي الأسرة عليها المشخامات، وهي الحجال مزررة من الذهب فمالها فروج ولا خلال. وإن سألتم عن وجوه أهل الجنة وحسنهم؟ فهي على صورة القمر ليلة البدر. وإن سألتم عن أعمار أهل الجنة؟ فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم أبي البشر. وإن سألتم عن سماع أهل الجنة؟ فهم يسمعون غناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منه خطاب رب العالمين. وإن سألتم عن مطايا أهل الجنة التي يتزاورون عليها؟ فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاءوا من الجنان. وإن سألتم عن غلمانهم الذين يخدمونهم في الجنة؟ فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون. وإن سألتم عن عرائسهم وأزواجهم في الجنة؟ فهن الكواعب الأتراب التي جرى في أعضائهن ماء الشباب. وأقول لأخواتي المستمعات: أيتها المؤمنة! اعلمي أن المؤمنة إذا دخلت الجنة أنها تكون أفضل من الحور العين، أبشري يا أمة الله أبشري! ويا لها من فرحة إذا دخلت الجنة، فالمؤمنة إذا دخلت الجنة تكون أفضل من الحور العين. فيا أمة الله! الله الله بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، واحذري مما يغضب الله ويغضب رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه صفة أزواجهم في الجنة. نعم، أيها الإخوة في الله! اسمعوا إلى صفة العرائس في الجنة حتى لا نغتر بما نرى على الشاشة، أو بما نرى على المجلة من الصورة المزورة بالحمور والخضور والصفور، اسمعوا إلى الجمال يا من تحبون الجمال! ونسأل الله جل وعلا أن يجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب. إن سألتم عن عرائسهم وأزواجهم في الجنة؟ فهن الكواعب الأتراب، التي ترى في أعضائهن ماء الشباب، كأن الشمس تجري في محاسن وجهها إذا برزت، وكأن البرق يضيء من بين ثناياها إذا ابتسمت، إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين، يرى وجهه في صحن خدها، ويرى مخ ساقيها من وراء اللحم من حسنها وجمالها، ومع ذلك لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، ومع ذلك نصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما عليها، ومع ذلك لا تزداد مع طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، مبرأة من الحيض والنفاس، ومطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، قد قصرت طرفها على زوجها، لا تطمع لأحد سواه، ومع ذلك لم يطمثها قبله إنس ولا جان، لونها كأنه الياقوت والمرجان: فيا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها نسأل الله الجنة، نسأل الله من فضله الجنة، إنه على كل شيء قدير.

الأعمال التي تدخل الجنة

الأعمال التي تدخل الجنة إخواني في الله! إن سألنا عن الأعمال التي تدخل تلك الدار: فإنها ولله الحمد -كما قلت لكم في بداية الكلام- ميسرة على من يسره الله عليه.

توحيد الله تعالى

توحيد الله تعالى أولاً: توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة؛ التوحيد يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، واليوم أكثر الناس قد أضاع التوحيد، بعضهم يذهب إلى الكهان والسحرة، والمنجمين والعرافين وأهل الشعوذة وغيرهم، هذا إذا سلم من الطواف بالقبور والتوسل بالأموات، والذبح لأهل القبور، وصب العسل والسمن عليها، فهذا والله مصيبة يا إخواني! كسر لا يجبر والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ويقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. إذا كان هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فما بال الذين يذهبون الآن إلى المشعوذين والسحرة والدجاجلة وغيرهم؟! فاسألوا الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يطهر بلاد الإسلام من السحرة والكهنة والمنجمين والعرافين؛ اللهم طهر منهم بلاد الإسلام والمسلمين، فإنهم والله دمار على العقيدة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر: {أن من أتاهم وسألهم لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً، ومن أتاهم وسألهم عن شيء فصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم} أي خسارة أكبر من هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم إن بعضهم ممن ضعف عندهم الإيمان وأصيبوا بالأمراض النفسانية بسبب إعراضهم عن الله وبعدهم عن توحيد الله، وهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم أصيبوا بأمراض نفسيه، فشنت عليهم الشياطين الغارة حتى ذهبوا إلى أولئك الدجاجلة والمشعوذين، فإذا أتى إليه ربما قال له: تأتي بشاة سوداء أو عنزٍ سوداء وتذبحها ولا تذكر اسم الله عليها، وماذا يحصل لهم؟ في أول قطرة من دمها تحل عليه لعنة الله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {لعن الله من ذبح لغير الله} وإن مات على تلك الحال فمصيره أنه مخلد في النار، لأنه صرف نوعاً من العبادة لغير الله، والله جل وعلا يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] ونسكي: أي ذبحي لله رب العالمين {لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162] فلنحذر من ذلك يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. أيضاً: من أراد دخول دار الأفراح (الجنة) التي يفرح بها المؤمنون؛ فعليه بمتابعة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قال: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى}.

المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة أيضاً: من أراد أن يدخل دار الأفراح الجنة؛ فعليه أن يقيم الصلاة التي يقول الله جل جلاله مخبراً عما أعد الله للمحافظين عليها -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم-: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11] اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

أداء الفرائض الواجبة

أداء الفرائض الواجبة أيضاً: تؤدي زكاة أموالك حتى تنجو من عذاب الله، فتصوم وتحج بيت الله الحرام، وتبر بوالديك، وتصل أرحامك. مصيبة يا إخواني ابتلينا بها في هذه الآونة الأخيرة وهي: عقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، نسأل الله جل وعلا أن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير، فعاق الوالدين مصيره إذا مات يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم النار، وقاطع الرحم مصيره كذلك، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم لا يدخلون الجنة، نسأل الله العفو والعافية. فينبغي لنا أن نتقي الله؛ نبر بالوالدين، ونصل الأرحام، ونحسن إلى الفقراء والمساكين، لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يورثنا تلك الدار التي يفرح بها المؤمنون.

وصف ابن القيم للقاء الله بعباده في الجنة

وصف ابن القيم للقاء الله بعباده في الجنة ثم إن هناك -كما ذكرت لكم في وسط الكلام- فضلاً عظيماً أعده الله لأهل الجنة -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- ولعلنا سمعناه مراتٍ ومرات، ولكن هذا الكلام يا إخواني والله لا يمل منه؛ لأنه خبر من الله جل وعلا، وخبر من رسوله صلى الله عليه وسلم جمعه لنا ابن القيم رحمه الله تعالى، وساقه لنا في كلامٍ لطيف، ساق لنا معنى الآيات ومعنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال رحمه الله تعالى: ينادي المنادي: يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيَّ على زيارته، فيقولون: سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم، وحاشاهم أن يكون فيهم دني على كثبان المسك، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا. حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ويثقل موازيننا؟ ويدخلنا الجنة؟ ويزحزحنا عن النار؟ فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم؛ فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد؟ فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، ويغشاهم من نوره ما لو أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى، بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم تجاوز عن سيئاتنا يا أرحم الراحمين. نعم. هكذا يحصل إخواني في الله كما ورد في الحديث الصحيح: {أن الله يضع كنفه على عبده المؤمن ويقرره ببعض ذنوبه} الله أكبر! ولكن يا إخواني علينا أن نبادر بالتوبة النصوح! مادام باب التوبة مفتوحاً؛ لأن نهاية التوبة يا إخواني إذا طلعت الشمس من المغرب، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} ولكن هناك أمرٌ أقرب من هذا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فما يدريك يا عبد الله متى تبلغ الروح الحلقوم؛ لأن بعض الناس يدخل عليه الشيطان ويقول: أنت الآن في زمن الشباب، وبعد كبرك حين تبلغ من العمر كذا تتوب، فنقول له: لا يغرنك الشيطان، تب إلى الله عز وجل، كفى ما اقترفت من الذنوب يا عبد الله! تب وارجع إلى الله، وأنتِ يا أمة الله! بادري بالتوبة النصوح إلى الله سبحانه وتعالى. واسمع إلى هذا الخبر يا أخي! إن الله جل وعلا يأتي بالمؤمن ويضع عليه كنفه ويقرره ببعض ذنوبه، وفي تلك المحاضرة قال ابن القيم رحمه الله: ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى، بمغفرتي بلغت منزلتك هذه، يقول ابن القيم رحمه الله: فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة!

وصف جهنم وأحوال وارديها

وصف جهنم وأحوال وارديها فيا إخواني! هؤلاء الذين يفرحون بالجنان، فما بال الذين يعصون الله سبحانه وتعالى، وينتقلون من هذه الدنيا وقد تحملوا الأوزار والسيئات؟! نسأل الله العفو والعافية. ونحن نذكرهم لأننا إذا ذكرنا دار المتقين ودار الأبرار ودار النعيم واللذة، فلا بد من أن نعرج على ذكر دار المجرمين والعصاة والكفرة؛ لأنه لازم حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء، وهذا مذهب السلف الصالح. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يؤمنه الله يوم البعث والنشور، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يساق إلى جنة عرضها السماوات والأرض ولا يجعلنا من أهل النار. يقول رحمه الله: يا ويل أهل النار قد باءوا بالخيبة والخسران، لقد حق عليهم العذاب، انظر يا أخي الفرق بين أهل النعيم وأهل الجحيم، إنهم في نار جهنم قد غلت أيديهم وأرجلهم إلى النواصي بالأغلال، إنهم في نار جهنم أمانيهم فيها الهلاك، وليس لهم من أسر جهنم فكاك، يسحبون في أودية جهنم على وجوههم صماً وبكماً وعمياً وقد ترداف عليهم العذاب، فتصوروا أهل النار وقد وصلت النار إلى أفئدتهم، تصوروا أهل النار وقد أطبقت عليهم النار، تصوروا أهل النار وهم يضربون بمقامع من حديد، تصوروا أهل النار وقد ازرقت عيونهم من شدة العذاب، تصوروا أهل النار وقد أحرقت وجوههم النار، تصوروا أهل النار والحيات تنهشهم والعقارب تلدغهم، تصوروا أهل النار وقد نضجت جلودهم، وكلما نضجت جلودهم تعاد. يا ويلهم من نار جهنم عليها ملائكة غلاظ شداد يضربونهم بمقامع من حديد، فيا ويلهم من النار، لهم فيها زفير وشهيق، قد ارتفعت أصواتهم بالبكاء؛ يبكون على تضييع العمر في غير طاعة الله، ينادون مالكاً كما أخبر الله جل وعلا: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77]. عباد الله! إن سألتم عن أشكال أهل النار: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع} متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: {ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث} رواه مسلم. وإن سألتم عن ثيابهم: فقد قال الله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50] ويقول جل جلاله: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19]. وإن سألتم عن طعامهم؟ فهو الزقوم والضريع والصديد والغسلين. وإن سألتم عن شرابهم: فهم يسقون في النار من عين آنية قد اشتد حرها: {يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] فيا ويلهم من النار، يقول الله جل جلاله: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:105 - 108] فعند ذلك يرجعون إلى أنفسهم باللوم كما أخبر الله عنهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66]. فيا إخواني في الله! أنتم الآن في زمن الإمكان، فالله الله بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعك؛ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك. اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بتوبة نصوح، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم أحسن ختامنا، واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة. اللهم آمنا يوم الفزع والنشور، اللهم يَمن كتابنا، ويسر حسابنا، وثقل موازيننا، وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. اللهم اجعلنا على حوض نبينا من الواردين، ولكأسه من الشاربين، اللهم اسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشباب والقرآن

الشباب والقرآن ما هي علاقتنا بالقرآن؟ وكيف نتعامل معه؟ وكيف نتأثر به؟ وما هو واجبنا نحوه؟ هنا إجابات قيمة على هذه التساؤلات وغيرها، ولعل الذي يوضح الصورة أكثر هو النظر في حياة الجيل المثالي جيل القرآن، والحديث عن تلك الأجيال من السلف هو الغالب على هذه المادة. على أن تلك الخيرية للسلف قد تتعدى إلى أجيالنا المعاصرة إذا هي أحسنت التعامل مع كتاب ربها. وسارت على المنهج الذي ساره السلف الصالح.

أحوال الناس مع القرآن

أحوال الناس مع القرآن إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله! ويا أيتها الأخوات في الله! حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمومنا وهمومنا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين! أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إنه القرآن الذي قال الله عنه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]. أيها الشباب! نبدأ أولاً بالشباب حثاً على تعلم القرآن، وكيف أحوال الشباب مع القرآن خاصة في هذه الأزمنة المظلمة، أزمنة الفتن والشهوات والمغريات، فوالله الذي لا إله غيره إننا بحاجة ماسة إلى الرجوع إلى كتاب الله عز وجل. إن الأمة إذا أعرضت عن القرآن فلا تسأل عن أحوالها بأي واد تهلك، يقول عمر بن الخطاب: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] وعلى أي شيء تأسس الإسلام؟ على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهمية إخلاص النية في الأعمال

أهمية إخلاص النية في الأعمال فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الله الله بالقرآن، يا أمة القرآن! الله الله بالقرآن. يا شباب الإسلام! إن البعض من الشباب يسوء فهمه ويتردى حفظه، لماذا؟ لأنه إما أن يعتني بالقرآن لجائزة وعد بها أو هدية أو غيرها، ولا شك أن هذا يشحذ الهمم، ولكنه يضر في النية. أيها الشباب! إذا حفظ الشاب القرآن لأجل الجائزة، أو الهدية؛ فإن هذا يؤثر على نيته -نسأل الله العفو والعافية- فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم وغيره عن قارئ القرآن الذي قرأ القرآن وتعلمه ليقال: إنه قارئ، أو يقال: إنه عالم، ما هو جزاؤه يوم العرض الأكبر على جبار الأرض والسماوات؟ ما هو جزاؤه يوم أن تبلى السرائر؟ ما هو جزاؤه يوم أن يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور؟ {يؤتى به فيعرفه الله نعمه، فيقول: ماذا عملت؟ فيقول: قرأت فيك القرآن وتعلمت، فيقول له: كذبت، ولكنك تعلمت وقرأت ليقال: هو قارئ أو هو عالم فقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه في نار جهنم} والعياذ بالله. فيا شباب الإسلام! الله الله أحسنوا النية، وأخلصوا العمل لله، لماذا قرأت القرآن؟ لماذا طلبت العلم لتتحصل على هذا القرآن؟ اجعل مقصودك الأعظم هو أن تتميز بكتاب الله عز وجل الذي قال الله عنه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. اقرأ القرآن وأخلص نيتك لله الواحد القهار ليرفعك الله بها درجات عالية، خير وأفضل من جوائز الدنيا وما فيها أتدري ما هي هذه الجائزة؟ يقول الرب جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] أين تلك الدرجات؟ إنها درجات الجنة، نسأل الله من فضله الجنة. أيها الشاب! اقرأ القرآن وأخلص العمل والنية لله وحده لا شريك له؛ لتحصل على هذه الخيرية التي أخبر بها أفضل الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}. أيها الشاب! اقرأ القرآن، وأخلص نيتك لله عز وجل حتى يرفعك الله بهذا الكتاب كما قال صلى الله عليه وسلم: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}. اقرأ هذا القرآن ليكون لك شفيعاً يوم القيامة: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] يكون لك شفيعاً بين يدي الله كما وعدك المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم أن قال في الحديث الصحيح: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة}.

وجوب العمل بأوامر القرآن

وجوب العمل بأوامر القرآن اقرأ القرآن واعمل به؛ لتحوز على رضا الكريم جل جلاله ولا تكن ممن قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام: {كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه} نسأل الله العفو والعافية! كم من قارئ للقرآن ويتعدى حدود الله، كم من قارئ يقرأ قول الله جلَّ وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] يقرأ القرآن ويطلق بصره في الحرام والعياذ بالله، ينظر إلى النساء، ينظر إلى المردان، ينظر إلى الأفلام والمسلسلات، نسأل الله العفو والعافية. كم من قارئ للقرآن، وهو يتعدى حدود الله، يقول الرب جل وعلا: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] كم من قارئ يقرأ القرآن وهو يتعدى حدود الله عز وجل، يقول الرب جل وعلا في القرآن: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] كم من قارئ يقرأ القرآن وهو يتعدى حدود الله، ويرتكب جريمة اللواط والعياذ بالله، وربنا جل وعلا لما بين عقوبة قوم لوط قال جل وعلا: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] أي: الذين يتجرءون على هذه الفاحشة ويعملون هذه الفاحشة -فاحشة قوم لوط- نسأل الله العفو والعافية! كم من قارئ يقرأ القرآن وهو يبارز الله بالمحاربة بأكل الربا والتعامل بالربا، يقول الرب جل وعلا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. كم من قارئ للقرآن وهو يتمتع بسماع الأغاني والمزامير وربنا جل وعلا يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[والله الذي لا إله غيره إنه الغناء]] يعني لهو الحديث. يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان عن الغناء: " هو بريد الزنا" الغناء بريد الزنا، الغناء رقية الشيطان، الغناء ينبت في القلب النفاق -نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة- فكم قارئ للقرآن وهو يتعدى حدود الله نسأل الله العفو والعافية.

كيفية التأثر بالقرآن

كيفية التأثر بالقرآن أيها الشاب! نصيحتي لك أن تعرف كلام الله سبحانه وتعالى، كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم نرجع إلى عموم المسلمين الذين نزل عليهم القرآن ليخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، نزل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، القرآن الذي قال فيه الله جل جلاله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. أمة الإسلام! يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن وفضله وجلاله، وأنه لو خوطبت به صم الجبال لتصدعت من خشية الله تعالى، فهذه هي حال الجبال وهي الحجارة الصلبة وهذه رقتها وخشيتها، وتدكدكها من جلال ربها وعظمته وخشيته: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] الله أكبر لا إله إلا الله! هذه الجبال تتصدع وتتدكدك من خشية الله عز وجل ومن عظمته، فيا عجباً من مضغة لحم كانت أقسى من هذه الجبال! تخوف من قسوة الجبار وبطشه فلا ترعوي ولا ترتدع ولا تلين، وتتلى عليها آيات القرآن فلا تخشع ولا تنيب، هذه أحوال الكثير في هذه الأزمنة المظلمة، أزمنة الفتن والمغريات. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ألا نبحث عن العلاج؟ ألا نبحث عن العلاج يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونحن نتحدث دائماً ونقول: لماذا لا نجد تلك اللذة التي وجدها سلفنا الصالح؟ لماذا نسمع عن السلف الصالح وعن أحوالهم مع القرآن، فلماذا لانبحث عن العلاج حتى نكون مثل هؤلاء؟

الأدعية المأثورة سبيل لتحصيل لذة القرآن

الأدعية المأثورة سبيل لتحصيل لذة القرآن أولاً: اسمع إلى هذا الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق، وهو الذي أنزل عليه القرآن، يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع} الله أكبر! اللهم صلِّ على محمد، يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع} فكم من إنسان أتعب نفسه في هذه الحياة في علوم كثيرة لكن نفعها قليل أو معدوم النفع وأعرض عن كتاب الله عز وجل، أعرض عن القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فإلى الله المشتكى، إلى الله المشتكى، إلى الله المشتكى! يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع}.

تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن

تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن عباد الله: اسمعوا إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي أمرتم بالاقتداء به والاهتداء بهديه، الذي ترككم على محجة بيضاء ليلها كنهارها صلى الله عليه وسلم، قال صلوات ربي وسلامه عليه لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: {اقرأ عليّ القرآن -الله أكبر لا إله إلا الله- قلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن، قف يـ ابن مسعود -فلا إله إلا الله- يقول ابن مسعود رضي الله عنه: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان} والحديث متفق عليه. ويقول عبد الله بن الشخير رضي الله عنه: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء}. وفي صحيح مسلم {أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم:36] وقول عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] فرفع يديه صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأ هذه الآيات وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فاسأله ما يبكيه، فأتاه جبريل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك} الله أكبر! هذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[لا تهذوا القرآن هَذَّ الشعر, ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا بها القلوب]] الله أكبر! كرر الآية أخي في الله، مرة، مرتين، ثلاث مرات حتى تدخل في سويداء القلب، فإذا دخلت في سويداء القلب وخشع القلب ولان واقشعر الجلد ودمعت العينان؛ فأبشر بفضل الله جل جلاله نسأل الله من فضله. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله -لا إله إلا الله- وعين باتت تحرس في سبيل الله} وفي رواية: {عين غضت عن محارم الله}.

أحوال السلف مع القرآن

أحوال السلف مع القرآن اسمع أخي في الله إلى أحوال السلف مع القرآن.

حال الصديق مع القرآن

حال الصدِّيق مع القرآن هذا أبو بكر الصديق رضي الله خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة -يا عبد الله! هذا خير- فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ -لا إله إلا الله- قال: نعم. وأرجو أن تكون منهم} من هذا؟ إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لكن كيف حاله مع القرآن؟ كان خاشعاً رضي الله عنه، ويوصف بأنه رجل أسيف، أي من كثرة البكاء رضي الله عنه. كان إذا وقف في المحراب يصلي لا يكاد يفهم ما يقول من كثرة البكاء رضي الله عنه وأرضاه، من هذا؟ إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومع ذلك هو من المبشرين بالجنة. نسأل الله أن يرزقنا قلباً خاشعاً. اللهم ارزقنا قلباً خاشعاً يا رب العالمين!

حال الفاروق مع القرآن

حال الفاروق مع القرآن أخي في الله! من أحوال السلف مع القرآن: هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {دخلت الجنة -أو أتيت الجنة- فأبصرت قصراً فقلت لمن هذا؟ قالوا: لـ عمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي يا نبي الله! أومنك أغار؟!!} وفي رواية: {بكى عمر رضي الله عنه وأرضاه} الرسول صلى الله عليه وسلم هاله قصر في الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم لـ عمر: {والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومع ذلك كان من أكثر الناس خشوعاً، وكان من أرق الناس قلباً، وكان يدعو ربه، ويقول: [[اللهم إني قاسٍ فليني]] وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء رضي الله عنه وأرضاه، كان يقرأ في صلاة الفجر، قرأ مرة في صلاة الفجر رضي الله عنه وأرضاه سورة يوسف فلما وصل إلى قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] لما وصل هذه الآية خنقته العبرة وأخذ يبكي بكاء شديداً، وما استطاع أن يقرأ شيئاً بعد ذلك، وكان عمر يمر بالآية من ورده فتخنقه العبرة فيبكي حتى يسقط على الأرض. وفي مرة من المرات سمع قارئاً يقرأ قول الله جل وعلا: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:7 - 8] فجعل يبكي رضي الله عنه حتى جعل الناس يعودونه شهراً كاملاً من جراء هذه الآية، إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هذه أحوالهم مع القرآن حتى وهو في آخر حياته، بعدما طعن وهو في النزع وقد أوشك على الموت يقول لابنه عبد الله وقد وضع رأسه على فخذه: ضع خدي على الأرض -لا إله إلا الله، الله أكبر- فقال: يا أبتي! وهل فخذي والأرض إلا سواء، فقال: ضع رأسي على الأرض، كما أمرتك، فوضعه فمسح خديه بالتراب، ثم قال: [[ويل لأم عمر إن لم يغفر الله لـ عمر ثم قال رضي الله عنه وأرضاه: إذا قبضت فأسرعوا بي إلى حفرتي فإنما هو خير تقدموني إليه، أو شر تضعونه عن رقابكم]] هذا عمر يقول هذا، وهو من المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه. هذه هي أحوال سلفنا مع القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وما الذي جعلهم في هذه الحال إلا فعل القرآن في قلوبهم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!

حال عثمان مع القرآن

حال عثمان مع القرآن وهذا عثمان رضي الله عنه وهو أيضاً من المبشرين بالجنة وممن عرف بشدة حيائه كان يسمى بـ ذي النورين، وله مواقف عظيمة في الإسلام، ومع ذلك كان يقرأ القرآن كثيراً رضي الله عنه حتى يقال: إن يديه أثرت في مسك القرآن من مسكه له وكثرة تلاوته للقرآن رضي الله عنه وأرضاه. عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} ويقول رضي الله عنه: [[لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم]] لا إله إلا الله، لو طهرت قلوبكم! من يخاطب في زمانه؟! يخاطب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أجل كيف بزماننا الذي امتلأت القلوب فيه من حب المسلسلات والأفلام والبلوت، وغيرها من الملهيات وأثرت عليها عوامل الدنيا والمغريات إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، اللهم أشفِ مرض قلوبنا، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: [[لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم]] إنه القرآن يا أمة القرآن!

نظرة علي إلى الدنيا

نظرة علي إلى الدنيا أيضاً علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اسمع إلى تلك الأحوال التي أثر بها القرآن: صلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر في يوم من الأيام فجلس حزيناً مفرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وأخذ يبكي ويقول: [[يا رب! يا رب! يا رب! وجعل يناجي ربه تعالى، ثم قال: لقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت شيئاً بشبههم -الله أكبر! كيف أحوالهم- كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً بين أعينهم كأمثال ركب المعزة من كثرة السجود، قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله عز وجل وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأن القوم باتوا غافلين، وما رؤي بعد ذلك مبتسماً حتى لحق بربه سبحانه وتعالى]] لا إله إلا الله! أولئك الرجال الذين وصفهم في القرآن ربنا جل وعلا قال: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. عرفوا عظمة القرآن فقاموا بكلام الله جل وعلا حق قيام، ولذلك مدحهم الله جل وعلا في القرآن، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: {نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل، يقول: فما ترك قيام الليل حتى توفاه الله} رضي الله عنه وأرضاه. اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، إذا دخلت حلاوة القرآن في قلب المؤمن وعرف القرآن واهتدى بهدي القرآن واستنار بنور القرآن؛ عَرَّفه الحق من الباطل؛ وعَرّفه الحلال من الحرام؛ ودله على عبادة الله عز وجل؛ وقاده إلى كل خير. إنه القرآن. هذا علي رضي الله عنه وأرضاه يصفه ضرار الكناني لما طلب معاوية رضي الله عنه من ضرار الكناني أن يصف علياً فقال: [[يستوحش من الدنيا -الله أكبر لماذا؟ لأن القرآن حل في قلوبهم- يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ الذليل -أي: تململ الملدوغ الذي لدغته العقرب- ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا! ثم يقول للدينا: إلي تغررت، إلي تشوقت، هيهات، هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثاً -لماذا بتتها ثلاثاً يا علي رضي الله عنك وأرضاك؟ فيخبرك: يا من اغتر بالدنيا فيقول- عمرك قصير، ومجلسك حقير، آه آه من قلة الزاد! وبعد السفر! ووحشة الطريق!]]. هكذا يقول علي رضي الله عنه وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الخلفاء الراشدين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، أجل كيف أحوالنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! لا إله إلا الله! يقول: آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، كيف أحوالنا أهل التفريط والإضاعة. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين! ما أجمل أحوال السلف رضي الله عنهم وأرضاهم. فيا عباد الله تذكروا دائماً أحوال السلف الصالح، لعل الهمم أن تعلو، فتقتدون بهم، وتحذون حذوهم في أخلاقهم وعباداتهم ومعاملاتهم، قال بعضهم رحمه الله: من يرد ملك الجنان فليدع عنه التواني وليقم في ظلمة الليل إلى نور القران وليصل صوماً بصوم إن هذا العيش فاني إنما العيش جوار الله في دار الأمان

سبب بكاء أبي هريرة

سبب بكاء أبي هريرة نسأل الله من فضله، فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! أحوال السلف عجيبة، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه الذي تتلمذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخرج من مدرسة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: [[يبكيني بعد المفازة، وقلة الزاد، وضعف اليقين، والعقبة الكئود، التي المهبط منها إما إلى الجنة وإما إلى النار]] لا إله إلا الله، الله أكبر!

خوف حذيفة ورجاؤه

خوف حذيفة ورجاؤه وهذا حذيفة رضي الله عنه، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة، يقول: [[اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك. اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، وقيام الليل، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء في حلق الذكر]]. الله أكبر! هذا حال الصالحين على سرير الموت: دموع وأحزان، أسف وندم، بكاء وتأنيب وإساف، كانوا على ما هم عليه من علم وعمل وزهد وورع {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] ومع ذلك بكوا عند فراق الدنيا، لا بكاء الحزن عليها -إي وربي- لا بكاء الحزن عليها ولكن بكاء توديع الأعمال الصالحة، توديع الصلاة والصيام، توديع الزكاة والحج، وتوديع قراءة القرآن، وتوديع الدعاء والاستغفار.

نصيحة يزيد الرقاشي للأحياء

نصيحة يزيد الرقاشي للأحياء فهذا يزيد الرقاشي لما حضرته الوفاة يقول لنفسه: [[ويحك يا يزيد! من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟! من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟! من الذي يتوضأ عنك بعد الموت، ثم قال رحمه الله: أيها الناس: ألا تبكون على أنفسكم باقي حياتكم! من كان الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا منتظر الفزع الأكبر، وكيف يكون حاله؟!]]. الله أكبر! إي والله، كيف يكون حاله يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فبالله عليكم خذوا بنصيحة هذا الرجل، نسأل الله أن يغفر لنا وله، اللهم اغفر لنا وله، اللهم اغفر لنا وله ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. أخي في الله! يقول رحمه الله: [[أيها الناس! ألا تبكون على أنفسكم باقي حياتكم، من كان الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنسيه، وهو مع هذا منتظر الفزع الأكبر كيف يكون حاله؟!]] الله أكبر! وربنا جل وعلا قال سبحانه وتعالى في محكم القرآن: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] التقوى: الزاد الذي ينتقل به الإنسان من هذه الدار، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا مات الإنسان انقطع عمله} ينقطع العمل فلا صلاة ولا صيام ولا حج، لا ذكر ولا تلاوة للقرآن، يقطع العمل فكيف نفرط بهذه الأوقات يا أمة محمد؟! اللهم رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، مجيب دعوة المضطر إذا دعاه اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم أيقظنا من غفلتنا يا رب العالمين!

بكاء عمر بن عبد العزيز مع أهله وجيرانه

بكاء عمر بن عبد العزيز مع أهله وجيرانه هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى في يوم من الأيام بكى بكاءً شديداً، فأخذت زوجته تبكي لبكائه وهي لا تدري ما الذي أبكاه، ثم أخذ البيت كله يبكي لبكائه وهو لا يستطيع أن يتكلم، ثم سمع الجيران بكاءهم، فأخذ الجميع يبكون لبكاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فلما سكت وأفاق من بكائه قيل له: يا أمير المؤمنين ما الذي أبكاك؟ قال: [[تذكرت منصرف القوم بين يدي الله عز وجل]] لا إله إلا الله الله أكبر، الله أكبر! يا لها من أحوال يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن هذه الأحوال تحيا بها القلوب، تذكر المنصرف، تذكر الموت، تذكر القبر، تذكر الجنة والنار، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هادم اللذات} ويقول صلى الله عليه وسلم: {زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا تنسوا العظيمتين، لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار}. هذا عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، لما أفاق من بكائه أخبرهم رحمه الله فقال: [[تذكرت منصرف القوم بين يدي الله عز وجل فتذكرت هل أنا من أصحاب الجنة، أم من أصحاب السعير؟]] من هذا؟ إنه عمر بن عبد العزيز رحمه الله. إذا كان مثل عمر يتذكر هذا الموقف ويخاف على نفسه مع علمه وزهده وورعه، بل إن بعضهم عده خامس الخلفاء الراشدين رحمه الله فكيف بالمقصرين، وكيف بالمذنبين، وكيف بأصحاب القلوب القاسية الذين تمضي حياتهم وهم في غفلة وإعراض؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ليلة مع مالك بن دينار

ليلة مع مالك بن دينار يروي -أيضاً- عن مالك بن دينار رحمه الله أحد أقاربه، فيقول: يموت مالك بن دينار وأنا لا أدري ما عمله، فاختبأ يوماً من الأيام ليرى ما هو عمل مالك، فيقول: فجاء مالك رحمه الله فدخل فقرب رغيفاً فأكله، ثم قام إلى الصلاة فاستفتح، ثم أخذ بلحيته، فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار، جعل يكرر هذه. يقول: فو الله ما زال حتى طلع الفجر وهو يردد هذا الدعاء، يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. قال الحارث بن سعيد: كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارئ يقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:1 - 6] يقول فجعل مالك ينتفض والقوم كلهم يبكون حتى بلغ قول الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]. قال: فجعل مالك يبكي ويشهق حتى حصل له ما حصل في ذلك المجلس، وكان يقول: عجباً لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده، كيف تقر عينه؟! وكيف يطيب بها عيشه؟! حتى يبكي ويشتد بكاؤه! رحمهم الله برحمته الواسعة، هذه بعض أحوال السلف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وقفة محاسبة: أحوالنا مع القرآن

وقفة محاسبة: أحوالنا مع القرآن ثم نقف مع أنفسنا قليلاً ونحاسبها يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هل هم أكبر منا أجساماً؟ ألسنا ولله الحمد نعيش في أمن وصحة ورغد عيش وانفتحت علينا الدنيا، فلماذا لا نقدر هذه النعمة، ونشكر الله عز وجل؟ أتظن أنه يكفي أن نقول: الحمد لله باللسان؟ لا. بل لا بد أن نشكر الله باللسان والقلب والجوارح، حتى نقوم بشكر هذه النعمة لله الواحد القهار، نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين إنه على كل شيء قدير.

إرشاد إلى اغتنام الأوقات

إرشاد إلى اغتنام الأوقات أخي في الله! استمع إلى بعضهم رحمه الله وهو يرشدك إلى اغتنام أوقات العمر، قبل فواتها فيقول: قم الليل يا هذا لعلك ترشد إلى كم تنام الليل والعمر ينفد يا شباب الإسلام! المجال مفتوح والفرصة مهيأة. أراك بطول الليل وحدك نائماً وغيرك في محرابه يتهجد ولو علم البطال ما نال زاهد من الأجر والإحسان ما كان يرقد وصام وقام الليل والناس نوُّم يخلو برب واحد متفرد بحزم وعزم واجتهاد ورغبة ويعلم أن الله ذا العرش يعبد الله أكبر! ما هي أحوال الكثير من الناس الآن؟ مع الأسف الشديد طول الليل سهر. مع الملهيات والمغريات، مع الفتن التي أعمت القلوب، وصدت عن عبادة علام الغيوب، ووقع الكثير منهم تحت قوله جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] نسأل الله العفو والعافية. اللهم اجعل حياتنا كلها سعيدة، اللهم وفقنا لاغتنام أوقات العمر في طاعتك يا رب العالمين! ثم يقول رحمه الله: ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً مخلد أترقد يا مغرور والنار توقد فما حرها يطفا ولا الجمر يخمد فيا راكب العصيان ويحك خله ستحشر عطشاناً ووجهك أسود فكم بين مشغول بطاعة ربه وآخر بالذنب الثقيل مقيد فهذا سيعد في الجنان منعم وهذا شقي في لجحيم مخلد هذا المشغول بطاعة ربه، وهذا شقي في الجحيم مخلد، ثم يقول رحمه الله وهو يصف ذلك الموقف: كأني بنفسي في القيامة واقف وقد فاض دمعي والمفاصل ترعد وقد نصب الميزان للفصل والقضا وقد قام خير العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.

مكانة القرآن وأهمية توثيق الصلة به

مكانة القرآن وأهمية توثيق الصلة به فيا عباد الله! الله الله بالرجوع إلى كتاب الله، فالعاقل -والله- من يكثر تلاوته للاهتداء بهديه والاسترشاد بمواعظه، والاعتبار بقصصه، والالتقاط من درره وحكمه، والاستضاءة بنوره، كيف لا وهو أساس الفصاحة وينبوع البلاغة والبراعة؟ القرآن أساس الشريعة الإسلامية، منه تستمد الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية، يقول الرب جل وعلا: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]. أمة الإسلام: إنه القرآن كلام الله، عمادنا في أمر ديننا ودنيانا، فهنيئاً لمن قرأ القرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وهنيئاً لمن عمل بالقرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما} رواه مسلم. أمة الإسلام! كفى بالقرآن واعظاً ومذكراً وهادياً ودليلاً إلى الله عز وجل، كفى بالقرآن معرفاً بالله وبأسمائه وصفاته وآلائه. أمة القرآن! إن القرآن كما أخبر الله عنه شفاء لما في الصدور، شفاء لها من مرض الشك والجحود والاستكبار على الحق أو الاستكبار على الخلق، القرآن شفاء لما في الصدور من الرياء والنفاق، والحسد، والغل، والحقد، والبغضاء، والعداوة للمؤمنين، وكما وصف صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي يوم أن كان القرآن هو إمامهم يهتدون به ويقتدون به، يقول صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى} الله أكبر! إنه القرآن شفاء لما في الصدور من الهم والغم والقلق، فلا عيش والله أوسع من عيش المتعظين بالقرآن المهتدين بهدي القرآن، ولا نعيم أتم من نعيمهم؛ لما هم فيه من شرح الصدور بالإيمان بالله، والسرور بطاعته وعبادته، إذا قاموا ينادون ربهم بكلامه الذي قال الله عنه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. أمة الإسلام! الله الله بالقرآن، اهتدوا بهديه، وسيروا على ضوئه، واستنيروا بنوره؛ لتخرجوا به من الظلمات إلى النور، ويهديكم إلى خالقكم، ويوصلكم إلى دار كرامته. أمة الإسلام! إن هذه الموعظة التي جاءتكم من ربكم هو القرآن العظيم، وما فيه من أخبار صادقة نافعة، وأحكام عادلة، فيها مصلحة للخلق، ليس في دينهم فحسب، ولكن في دينهم ودنياهم، فأكرم وأنعم بهذا القرآن {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] هذا القرآن الذي قال الله عنه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} [الإسراء:82] ولكن لمن؟ {لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82].

من آثار القرآن في الحياة والممات

من آثار القرآن في الحياة والممات يقول الرب جل وعلا: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9] يقول الرب جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57].

رائحة طيبة تدوم ثلاثة أشهر

رائحة طيبة تدوم ثلاثة أشهر أيها الشباب! هذه قصة حصلت لأحد الشباب الذين حفظوا القرآن: شاب مكث عند عمه يتيم الأب والأم، مات والده وماتت أمه، وهو في الصغر فاعتنى به عمه -جزاه الله خيراً- فأدخله مدرسة القرآن. فحفظ هذا الشاب القرآن، وبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، لكنه مرض هذا الشاب -الله أكبر لا إله إلا الله- وكان عند عمه، وكان يمرضه، وانتهى أجله ومات هذا الشاب، يقول: مات في أول النهار فقال عمه: أنام وأرتاح وإذا قرب الظهر أقوم وندعو الأهل فيغسلونه ويكفنونه ونصلي عليه. ولما نام هذا الرجل يقول: وإذا أنا بجاريتين من أحسن النساء تقولان لي: عجل علينا بهذا الشاب، عجل علينا بهذا الشاب، يقول: فقمت وأنا مذعور. يقول: فدعوت الجماعة، وغسلناه وكفناه، وصلينا عليه، يقسم بالله أنه وجد في تلك الغرفة التي مات فيها هذا الشاب رائحة مكثت ثلاثة أشهر ما وجد مثل تلك الرائحة، رائحة طيب نسأل الله أن يجمعنا وإياه تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

شاب يجد رائحة الجنة

شاب يجد رائحة الجنة وشاب آخر يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً أطلق عليه أخوه الرصاصة عن طريق الخطأ، كان يمزح معه ويشير عليه فانطلقت الرصاصة من البندقية، فدخلت في نخاع ذلك الشاب الذي يبلع من العمر سبعة عشر عاماً وكان مستقيماً على طاعة الله؛ فحمل إلى المستشفى ومعه والده ووالدته، يلتفت إلى أمه، وإلى أبيه وهما يبكيان ويقول: يا أماه! يا أبتاه لا تبكيان، أنا ميت ميت، ولكني والله أرح رائحة الجنة، يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة، يقول الدكتور خالد الجبير الذي باشر العملية، فأدخلناه غرفة العمليات وجعلنا نخرج منه الرصاصة فجعل ينظر إلي ويقول: يا دكتور لا تتعب أنا ميت ميت لكني والله أرح رائحة الجنة، أدخل عليّ أبي وأمي حتى أودعهما، يقول: فأدخلنا عليه أمه وأباه فودعاه، فلم يلبث إلا قليلاً وقد مات، الذي يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة، يقول الدكتور: فخرجت من غرفة العمليات وقد انبهرت من هذا المشهد الذي رأيته، منذ عشرين سنة وأنا في هذه الغرفة ما مر عليّ مثل هذا المشهد، يقول فوقفت مع والده معزياً، فقلت: أخي في الله أخبرني عن هذا الابن كيف حاله؟ قال: إن سألتني فهو من حفظة القرآن -لا إله إلا الله- من حفظة القرآن. ويقول: وكان محبباً إليه حلق القرآن، وفيه خصلة ما رأيتها في كثير من الناس، ما هي؟ قال: إذا بدأ يقرأ القرآن بدأت عيناه تدمعان، بدأت عيناه تذرفان بالدموع -لا إله إلا الله! - هنيئاً لك أيها الشاب يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة وهو على وجه الأرض، نسأل الله أن يجمعنا وإياه في جنته إنه على كل شيء قدير. نعم أيها الإخوة في الله! هذا الشاب الذي يرح رائحة الجنة، لماذا؟ لأنه من حفظة كتاب الله عز وجل، وحبب إليه حلق القرآن في المساجد، وأيضاً تلك الحالة التي أخبر بها والده: أنه إذا بدأ يقرأ القرآن تذرف عيناه بالدموع، لا إله إلا الله! بالله عليك ألم تقرأ كتاب الله عز وجل؟ كيف أحوال أولياء الله الذين يقرءون القرآن؟ يقول الرب جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [الإسراء:107 - 108] ويقول جل وعلا: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58] ويقول جل وعلا: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109]. وأخبر جل وعلا أن البكاء يزيدهم خشوعاً -الله أكبر- أيضاً يخبر الله جل وعلا عن العلماء أنهم أهل خشية لله سبحانه وتعالى فيقول سبحانه وبحمده: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28] فأعلمهم بالله أشدهم خشية لله تعالى، ولهذا يقول إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم به لما ألقى}.

أحوال أهل الإيمان مع القرآن

أحوال أهل الإيمان مع القرآن عباد الله! إنها أحوال أهل الإيمان عند تلاوة القرآن وعند سماع آيات القرآن: وجل القلوب، ودموع العين، واقشعرار الجلود كما أخبر الله عنهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا منهم يا أكرم الأكرمين: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23] أيضاً من أحول السلف: هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قرأ قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:1 - 6]. فلما أتى على قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] بكى حتى انقطع عن قراءة ما بعدها، هذه حال سلف الأمة وصلحاؤها وخيارها، يمر أحدهم على ذكر النار فينخلع قلبه خوفاً منها، ورهبة من أوالها، ونكالها وخشية من عذابها وآلامها، ويمر بذكر الجنة ونعميها، وما أعد الله فيها لأوليائه فتشتاق نفسه إلى ذلك النعيم المقيم، وفي هذا وذاك يتأثر بما يقرأ؛ فتدمع عيناه ويخشع قلبه.

آداب التعامل مع القرآن

آداب التعامل مع القرآن إخواني في الله! ينبغي لنا أن نعرف ما هو القرآن: إنه كلام الله سبحانه وتعالى، أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم. وينبغي لنا أيضاً أن نأخذ من الأوقات الحظ الوفير لتلاوة القرآن، لو تساءلنا في هذا المجلس وسأل بعضنا بعضاً: يا فلان كم قرأت من جزء اليوم؟ الله المستعان! الله المستعان! اللهم لا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماًَ يا رب العالمين، ولقد أجاب الكثير في كثير من المجالس، بعضهم يقول: الله يرحم الحال! بعد رمضان ما سمعنا القرآن، وبعضهم يقول: إن بكرنا يوم الجمعة قرأنا ما تيسر من القرآن وفي غير الأيام قلبت كلها شغل وراء هذه الدنيا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا يا رب العالمين! وهنيئاً لشباب الحلق الذين يعيشون في حلق المساجد، هنيئاً لهم وما يحصل لهم من الأجر الكبير في ذلك المجلس، نسأل الله ألا يجعل منا ولا فينا شقياً ولا محروماً. ولذلك إخواني في الله! بعضهم رحمه الله في خطبة له ساق هذه الموعظة وفيها تأنيب وعتاب، يقول رحمه الله: عباد الله: ألا همة عالية، ألا نفوس تشتاق إلى أعمال السلف الصالح، عباد الله كفى جرياً وراء السراب -أي سراب الدنيا- كفى الاغترار بالمتاع القليل، ثم اعلموا أن عليكم رباً رقيباً لا تخفى عليه منكم خافية، قال الله جل وعلا: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن:4] ثم قال رحمه الله برحمته الواسعة: عباد الله! إلى متى هذه الغفلات، وإيثار الأهواء واتباع الشهوات؟! عباد الله! لقد اشتغل الكثير من الناس بما لا يجد إلا الندم والخسارة، والله ثم والله سوف يندمون عند حلول السكرات ونزول هادم اللذات، يوم ينطرحون على فراش الموت وهيهات هيهات يا بن آدم! يا مَنْ الكرام الكاتبون مشاهدون له في النوم واليقظات! يابن آدم! يا مَنْ خالق الخلائق ناظر إليه في الخلوات والجلوات! أما آن لك أن ترجع وتتوب قبل أن يهجم عليك هادم اللذات ابن آدم! تأهب للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه. تنبه قبل الموت إن كنت تعقل فعما قريب للمقابر تنقل وتمسي رهيناً في القبور وتنثني لدى جدث حتى الثرى تتجندل فريداً وحيداً في التراب وإنما قرين الفتى في القبر ما كان يعمل الله أكبر! لو نتذكر هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لحق للقلوب أن تلين وتخشع وتأخذ أهبة الاستعداد، المجلس الطويل يجلس فيه بعض الناس من أجل ماذا؟ يقول: نقتل الوقت، نقضي على الوقت يا أخي اتق الله، الله أكبر لا إله إلا الله. أتقتل الوقت وتقضي على الوقت؟! إذا أردت أن تقتل الوقت، وتقضي على الوقت فيما حرم الله فقل للملكين انتظرا حتى أنتهي من قتل الوقت، أو افعل بالوقت ما تريد، هل يسمحان لك بهذا؟ لا. لا بد أن يمضيا معك في وظيفتهما التي وظفا من أجلها، ما هي؟ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ويقول الله جل وعلا: {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11 - 12]. فأسأل الله جل وعلا أن يوقظنا جمعياً من رقداتنا، وأن يوفقنا لاغتنام أوقات المهلة، اللهم وفقنا لاغتنام أوقات المهلة، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين!

الأسئلة

الأسئلة إخواني في الله! أنا لا أجيب على الأسئلة، ولكن من باب التوجيهات.

وسائل تساعد على قيام الليل

وسائل تساعد على قيام الليل Q ما هي الوسائل التي تساعد على قيام الليل؟ A كلنا والله محتاجون إلى هذا السؤال فالوسائل التي تساعد على قيام الليل: أولاً: أكل الحلال ثانياً: الابتعاد عن الذنوب والمعاصي. سئل ابن مسعود رضي الله عنه قالوا: نحب قيام الليل ولا نستطيعه، قال: [[قيدتكم خطايكم]] في زمن ابن مسعود لا أفلام، ولا مسلسلات، ولا فضائيات، ولا إنترنت، ولا مصائب هذا في زمن ابن مسعود يقول: [[قيدتكم خطاياكم]] إذاً: نبتعد عن المعاصي والذنوب. ثالثاً: ننام مبكرين مقتدين بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته قال الصحابي الجليل: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها} هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رابعاً: إذا نمت فنم على خفة من الطعام، لا تملأ بطنك من الطعام وتقول: سوف أقوم الليل، إذا وصلت الساعة الواحدة أو الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، تقول: قربوا العشاء، ثم ملأت بطنك وتقول: سأقوم الليل فإن هذا مستحيل. خامساً: تجعل لك بعض الأسباب التي تعينك على قيام الليل، من منبه وغيره. سادساً: تأخذ بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أخبر صلى الله عليه وسلم {أن الإنسان إذا نام عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، ويضرب على كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد -ما هو العلاج؟ اسمع أخي في الله، يقول صلى الله عليه وسلم:- فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقده الثلاث؛ فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً} نسأل الله العفو والعافية، هذه ستة عوامل. سابعاً: تتذكر أيضاً ماذا يحصل لك في قيام الليل؟ أولاً: أنه من صفة المتقين الذين قال الله عنهم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:15 - 18]. وأيضاً: تذكر خبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه عز وجل {قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا ذلك في كتاب الله: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]} وماذا يعملون؟ اقرأ أول الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] ثم تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا بقي ثلث الليل الأخير ينزل ربنا جل جلاله إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من تائبٍ فأتوب عليه، هل من مستغفرٍ فأغفر له} الله أكبر! لا إله إلا الله! أيضاً: تذكر خبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله إلا أعطاه الله من خير الدنيا والآخرة}. ثم تذكر أيضاً خبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل}. أسأل الله أن يوفقنا لقيام الليل إنه على كل شيء قدير.

التلذذ بالقرآن والعبادة

التلذذ بالقرآن والعبادة Q كيف يستطيع الإنسان أن يتلذذ بقراءة القرآن ويتلذذ بقيام الليل، ويخشع في صلاته وعند قراءته للقرآن؟ A الشروط التي ذكرناها سابقاً. أولاً: يحافظ على أكل الحلال أكل الحلال. ثانياً: يبتعد عن المعاصي والذنوب. ثالثاً: يكرر الآية مرتين ثلاث مرات، نعم. إذا قرأ الإنسان القرآن يكرر الآية مرتين وثلاث مرات، بعض السلف كان يكرر الآية بعد صلاة العشاء ويطلع عليه الفجر وهو مع آية يكررها، لا إله إلا الله! نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الصلاة الصلاة

الصلاة الصلاة إن شأن الصلاة عظيم جداً، فهي عمود الإسلام، وعليها المعمول في المحافظة على صالح الأعمال. فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع، فمكانتها في الإسلام عظيمة، وتركها أعظم واعظم. فيجب على كل مسلم أن يعرف أهمية الصلاة وفضلها، وأجرها وثوابها، وحكم تركها والعقوبة التي تنتظر تاركها، وفضل المحافظة عليها والنعيم المنتظر لصاحبها.

منزلة الصلاة وبيان فضلها

منزلة الصلاة وبيان فضلها اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلِّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه، لم يمت إلا وقد أكمل الله به الدين، وأتم الله به النعمة، فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم؛ امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الإخوة في الله! حياكم الله في بيتٍ من بيوت الله، وأسأل الله الكريم رب العرش الكريم أن يجمعنا جميعاً في جنة عرضها السماوات والأرض. أما موضوعنا فهو: الصلاة الصلاة. أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم: هذه العبارات تلفظ بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ آخر أنفاس الحياة، يوم أن كان على فراش الموت صلى الله عليه وسلم، فهو يحث أمته، ويقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} الله أكبر! الصلاة الصلاة يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! أما عن فضل الصلاة، فقد أخبر الله عن فضلها في كتابه العزيز، وأخبر عن فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته. أيها الإخوة في الله! الصلاة من حافظ عليها أسكنه الله أعلى منازل الجنة، وهي الفردوس الأعلى الذي حثَّنا على طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وأراه قال: وفوقه عرش الرحمن} اللهم إنا نسألك الفردوس من الجنة يا رب العالمين. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11] نسأل الله من فضله. الله أكبر! أي منزلة أعلى من هذه المنزلة، يا عبد الله! إنها الفردوس: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11]. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يُروى عنه أنَّ من حافظ على هذه الصلوات أدخله الله الجنة، فهذا وعد من الله، ووعدٌ من رسوله صلى الله عليه وسلم.

فضائل الصلاة في السنة النبوية

فضائل الصلاة في السنة النبوية وهذه الصلاة لها فضائل عظيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {مثل الصلوات الخمس! كمثل نهرٍ غمرٍ جارٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} والحديث متفق عليه. أخي في الله! أولاً نريد أن نتعرف على الفضل الذي يحصل لك إذا قمت تتوضأ للصلاة، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: {أن الخطايا تخر مع آخر قطر الماء فيصبح نقياً}. ثم أخبر صلى الله عليه وسلم: {أن المسلم إذا أسبغ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فُتِحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} أي فضل أعظم من هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعاء ندعو به إذا انتهينا من الوضوء أن نقول: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}. ونقول أيضاً: {سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك} يختم بها فتجد فضلها عند الله جل جلاله. ثم إذا خرجنا من بيوتنا إلى بيت الغني الكريم إلى بيتٍ من بيوت الله ما الذي يحصل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة} والحديث في الصحيحين، يعد الله له كرامة في الجنة كلما غدا أو راح إلى بيتٍ من بيوت الله الله أكبر! وأيضا أخبر صلى الله عليه وسلم: {أنه إذا خرج إلى المسجد لا يخطو خطوة إلا رُفِعَ له بها درجة، وحط بالأخرى عنه خطيئة} ثم إذا دخل المسجد، وقال: {باسم الله! والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك} أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن من صلَّى عليه صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} ثم إذا جلس ينتظر الصلاة وكَّل الله إليه ملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. لا إله إلا الله! يا له من فضل يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: {اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة} الله أكبر! لا إله إلا الله! أما إذا كان الوقت وقت سنن رواتب؛ الرواتب التي حثَّ عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في حديثٍ صحيح قال فيه: {ما من امرئٍ مسلم يُصلي لله تعالى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة -تطوعاً غير الفريضة- إلا بنى الله له بيتاً في الجنة} الله أكبر! يا الله! يا رب نسألك من فضلك! اثنتي عشرة ركعة يُواظب عليها يبني الله له بيتاً في الجنة. متى تصلي هذه الرواتب؟ أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر، هذه اثنتي عشرة ركعة إذا ثابر عليها العبد؛ فإن الله يبني له بيتاً في الجنة، نسأل الله من فضله الجنة. ومن فضل الله ورحمته: أن العبدَ إذا مرض أو سافر كُتِبَ له ما كان يعمل في حال صحته وإقامته، اللهم لك الحمد ولك المنة، ولك الفضل ولك الثناء الحسن يا رب العالمين. أيها الإخوة في الله! ويا أيها الأخوات في الله! هذا فضل عظيم، اثنتي عشرة ركعة يثابر عليها المرء يبني الله له بيتاً في الجنة.

فضل قيام الليل

فضل قيام الليل أيها الإخوة في الله! وهنالك صلاة حثَّ عليها ربنا -جل جلاله- في كتابه العزيز، وحثَّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وهي صلاة الليل. الله أكبر! يقول بعض السلف: من يرد ملك الجنان فليدع عنه التوانِ وليقم في ظلمة الليـ ل إلى نور القران وليصل صوماً بصومٍ إن هذا العيش فان إنما العيش جوار الله في دار الأمان نسأل الله من فضله الجنة. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! صلاة الليل قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} والله سبحانه وتعالى وقد مدح أهل قيام الليل، فقال جل جلاله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] اسمع الفرق -يا عبد الله- بين الذين يُتابعون المسلسلات، وبين أهل البلوت أهل الشتمات والطلقات والتحريم والصيحات طوال الليل، وبين هؤلاء: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [السجدة:16] الله أكبر! وقد مدحهم الله -سبحانه وتعالى- في سورة أخرى، فقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] ولهم -أيضاً- حالةٌ أخرى إذا انتهوا من التهجد: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] إذا انتهوا من التهجد جلسوا يستغفرون الله تعالى، الله أكبر! أما في السورة الأولى التي ذكر الله فيها (تتجافى جنوبهم) إذا كانت هذه صفاتهم فبماذا وعدهم؟ أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه -سبحانه وتعالى- قال: {قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال: اقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]}. وماذا كانوا يعملون؟ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]. أما في السورة الأخرى -في سورة الذاريات- فقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15] ماذا كانوا يعملون؟ {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] فأهل الليل لهم شأن عظيم، فهم أهل القرآن الذين يُراوحون بين الجباه والركب سجداً وركعاً لله، يُرتلون آيات القرآن، وقد أخذوا بحظٍ وافر من هذا الوعد الذي أخبر به رسول صلى الله عليه وسلم، الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، فقال: {إذا بقي ثلث الليل الآخر ينزل سبحانه وبحمده إلى السماء الدنيا -نزولاً يليق بجلاله وعظمته- فيقول: هل من سائلٍ فأُعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فاغفر له}. إخواني في الله! الله الله لا تفوتكم تلك الساعة المباركة التي ينزل فيها ربنا -جل وعلا- إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته. ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم: {أن في الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله إلا أعطاه الله من خيري الدنيا والآخرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

في رحاب فاتحة الصلاة

في رحاب فاتحة الصلاة وللمسلم موقف عظيم إذا أُقيمت الصلاة وحان الوقوف بين يدي الجبار جل جلاله. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: إذا قال الله أكبر -أي: تكبيرة الإحرام- قال الله: ارفعوا الستر بيني وبين عبدي أشرف موقف يقف به المسلم هذا الموقف. ثم استمر ابن القيم -رحمه الله- في كلامه حتى ساق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه -جل وعلا- الذي قال الله فيه: {قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال الله: أثني عليَّ عبدي} الله أكبر! يقول ابن القيم رحمه الله: والله لولا ما على القلوب من الغفلة لطارت فرحاً وسروراً لقول خالقها وفاطرها: حمدني عبدي، مجدني عبدي أثنى عليَّ عبدي محاورة بين العبد وربه. نسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا من الخاشعين في الصلاة، من الذين مدحهم الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2]. ثم يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه جل وعلا: {فإذا قال العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]-الله أكبر! هذه الآية ابن القيم صنف فيها ثلاثة مجلدات، وسماها: مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله جل وعلا: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل} اسأل يا عبد الله!: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يا رب اللهم اهدنا صراطك المستقيم، اسأل الله يا عبد الله وقلبك حاضر! {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وتسأل الله أن يجنبك طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، ثم تقول: آمين، وليست آية، وإنما هي بمعنى: اللهم استجب يا رب العالمين. وفضل آمين عظيم والتأمين خلف الإمام فضله عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: {إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدَّم من ذنبه} والحديث في صحيح البخاري. وورد في الحديث: {أن اليهود حسدتنا على التأمين خلف الإمام والجمعة} انظر إلى اليهود أهل الحيل والمكر والخداع! فقد حسدونا على الجمعة، وإذا نظرت إلى الدش في محطة اليهود في صباح الجمعة تعلم ما فيه من الخبث والحسد ومع ذلك تجد أكثر المسلمين قد انزلقوا في مهاوي أفلام اليهود والنصارى، فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم رُدَّنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن عداوة اليهود متقدمة، واقرءوا التاريخ، واسألوا الله -جل وعلا- في كل فريضة ونافلة أن يُجنبكم طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين. واعلموا علم اليقين أنهم أعداء ألداء، فاحذروا عداوتهم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن رأيتموه قد أدخل هذا الدش في بيته فحذِّروه من مقت الله، وسخطه، وعقوبة الله العاجلة أو الآجلة، وقولوا له: يسأل مراكز الهيئات وغيرها ما الذي يحصل للذين يحضرون عند الدش من الأمور الخطيرة التي لا يعلمها إلا الله، هذا وهو لم يستمر له زمن طويل وإنما هو في البداية، فكيف إذا استمر الزمن، وعاشت المرأة المسكينة على مشاهدة تلك الأفلام الخبيثة؛ أفلام اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم؟! كيف يكون الحال إذا شب هذا الطفل الصغير على تلك الأفلام؟! وكيف يكون الحال إذا شبت تلك الطفلة الصغيرة على تلك الأحوال؟! كيف إذا تقدم بنا الزمن وكلهم قد عاشوا على محطات اليهود والنصارى والمجوس ماذا تكون الأحوال؟! عباد الله! قولوا لأولئك الذين ابتلوا بهذه الفتنة العمياء أن يقلعوا ويتوبوا ويرجعوا إلى الله قبل أن يستفحل الأمر. اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، اللهم من اُبتلي من المسلمين بهذا الغش (الدش) اللهم وفقه لإزالته، اللهم وفقه لإزالته، اللهم وفقه لإزالته، وأبدله إيماناً وطاعة يجد لذتها وحلاوتها في قلبه يا رب العالمين، اللهم صلِّ على محمد. أيها الإخوة في الله! إن اليهود حسدونا على التأمين خلف الإمام، وعلى الجمعة، فالحذر الحذر من مخططات اليهود، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، إنه على كل شيء قدير.

أحوال الناس مع الصلاة

أحوال الناس مع الصلاة عباد الله! عرفنا فضل الصلاة، وما الذي يحصل في الصلاة، وهذا شيء قليل من كثير يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. فما هو حال المجتمع مع الصلاة؟ أيها الإخوة! انقسم المجتمع إلى ثلاثة أقسام: نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين. الأول: قسم تركوا الصلاة بالكلية، ومع الأسف هم في عداد المسلمين، يقول: أنا مسلم، وهو تارك للصلاة بالكلية. الثاني: قسم متهاون بالصلاة. الثالث: قسم حافظ على الصلاة وهم قلة، وإذا أردتم أن تنظروا إلى هذه القلة فانظروهم في صلاة الفجر.

حكم تارك الصلاة بالكلية

حكم تارك الصلاة بالكلية فأما القسم الأول: تارك الصلاة حكمه كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة} رواه مسلم. ألا يكفينا هذا؟! والحديث الثاني الذي رواه الخمسة: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} نسأل الله العفو والعافية. وأقوال العلماء معلومة في حكم تارك الصلاة؟ قالوا: يُستتاب ثلاثة أيام، يستتيبه إمام المسلمين أو نائبه، فإن تاب وصلى وإلا قُتِلَ مرتداً، يُقتل حداً بالسيف، ولا يُغسِّل، ولا يكفن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدعى له بالرحمة، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث. أما في حياته فإنه لا يُزوج بالمرأة المسلمة، بل إذا كان معه امرأة مسلمة فإنها تخلع منه على رغم أنفه لأنه تارك للصلاة، نسأل الله العفو والعافية. وقد توعد الله هذا القسم بالعذاب الأليم كما أخبرنا ربنا في القرآن: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:42 - 43] وسقر كما قال بعض المفسرين: إما أنها طبقة من طباق جهنم، أو باب من أبواب جهنم، والأكثر أنها طبقة من طباق جهنم والعياذ بالله.

خطر التهاون بالصلاة

خطر التهاون بالصلاة وأما القسم الثاني: فهو المتهاون بالصلاة، وهذا كثير أيضاً -نسأل الله العافية ونسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً- وقد صدق فيهم قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] انظر في المجتمع وطبِّق هذه الآية، تجد أكثر الناس الآن طول الليل مع الملاهي، اتبعوا الشهوات متابعة للأفلام بلوت شيشة دخان قيل وقال وأغاني وغيرها، ثم إذا جاء وقت صلاة الفجر وإذا هم قد أوهنهم الأرق، وأتعبهم السهر، فناموا عن صلاة الفجر، وقد صدق الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] ولكن من رحمة الله -سبحانه وتعالى- أنه قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم:60]. يا رب! نسألك توبةً نصوحاً، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، وهذا من فضل الله علينا، أن العبد إذا تاب وأقلع وأناب، فإن الله يتوب عليه.

عواقب السهر والنوم عن صلاة الفجر

عواقب السهر والنوم عن صلاة الفجر إذا نظرت إلى أحوالهم، تجد أنهم قد ضيعوا نِعَماً وفضائل عظيمة، وفات عليهم الخير الكثير:

مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم

مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: إن أهل السهر طوال الليل عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عصى رسول الله فقد عصى الله سبحانه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من هديه أنه: {يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها} فإذا كان سيد الأولين والآخرين، أفضل الأنبياء والمرسلين، يكره الحديث بعد صلاة العشاء، وينام مبكراً، فكيف بأحوال الذين يسهرون مع الأفلام، والمسلسلات، والأغاني الماجنات، والبلوت، والقيل والقال، والدمنة وغيرها من الأمور التي تصد عن ذكر الله عز وجل؟! كيف الحال يا أمة مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم مع الذين خالفوا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم؟

ضياع ساعة استجابة الدعوة

ضياع ساعة استجابة الدعوة ثانياً: أنهم أضاعوا على أنفسهم الساعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {لا يسأل الله فيها عبدٌ مسلم من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله ما سأل}.

الحرمان من الدعاء في وقت النزول الإلهي

الحرمان من الدعاء في وقت النزول الإلهي ثالثاً: أنهم أضاعوا على أنفسهم وقت النزول الإلهي الذي ينزل فيه ربنا -جل وعلا- نزولاً يليق بجلاله وعظمته إلى السماء الدنيا. يقول بعض المفتونين: دخلنا من بعد صلاة العشاء وذلك في ليالي الشتاء؛ لأن ليالي الصيف قصيرة، يقول: فدخلنا من بعد صلاة العشاء وبدأنا بهذه الورقة الخبيثة، واضرب، واشتم أبوك، واشتم أمك، وعليه الحرام، وعليه الطلاق، يقول: وقام واحد منا يريد -كرمكم الله- دخول الخلاء! وإذا بالشمس قد طلعت، فكم ساعة ذهبت في سبيل الشيطان؟! من صلاة العشاء حتى طلوع الشمس، يقول: وكل منا ذهب إلى عمله، والله المستعان! ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.

النوم عن صلاة الفجر

النوم عن صلاة الفجر الرابع: النوم عن راتبة الفجر التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه شمس} يُفوتون على أنفسهم صلاة الفجر التي تشهدها الملائكة، ويصعدون إلى الله فيقول: {كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون} كيف أحوال الذين حرموا هذه العبادة وناموا عنها؟! أتيناهم وهم لاهون، وتركناهم وهم نائمون، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

العذاب الأليم من الله

العذاب الأليم من الله الخامس: أن هؤلاء قد توعدهم الله -أيضاً- بويل، كما قال جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5]. قال سعيد بن المسيب رحمه الله: [[إنه الذي لا يُصلي الفجر حتى تطلع الشمس، ولا يُصلي الظهر حتى يدخل العصر، ولا يصلي العصر حتى يدخل وقت المغرب]] وهذه -والله- أحوال أكثر الناس في المجتمع، بالليل تجده يسهر ولا يصلي إلا بعد طلوع الشمس، والظهر يأتي وليأكل لقمة الغداء إما من العمل أو غيره ثم ينام عن صلاة العصر ولا يقوم إلا المغرب أو وقت العشاء.

الحرمان من أجور المحافظة على الصلاة

الحرمان من أجور المحافظة على الصلاة السادس: أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن: {من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله} رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله} اللهم لا تجعل منا ولا فينا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين. أما فضل من حافظ على هذين الفرضين (الفجر والعصر) فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فقال: {من صلى البردين دخل الجنة} والبردان هما: الفجر، والعصر، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {لن يلج النار أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} يعني: الفجر والعصر. أما عن صلاة العشاء وصلاة الفجر فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن: {من صلى العشاء في جماعة كُتِبَ له قيام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة كُتِبَ له قيام ليلة كاملة} أو كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم. هذه منزلة وفضل من يحافظ على الصلاة {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11].

الاتصاف بصفات النفاق

الاتصاف بصفات النفاق السابع: هناك أناس لا يُحافظون على الصلاة، وقد سمَّاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، فقال: {أثقل الصلاة على المنافقين، صلاة العشاء، وصلاة الفجر} ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[إذا افتقدنا الرجل في صلاة الفجر أسأنا به الظن، ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق]] المنافقين يُصلون كما أخبر الله سبحانه وتعالى، يُصلون ولكنهم لا يأتون إلى الصلاة إلا وهم كسالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] ولقد توعدهم الله، فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] والمنافقين يذكرون الله، ولكن: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] يتصدقون ولكن: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] نسأل الله العفو والعافية.

أحوال مجالس الناس

أحوال مجالس الناس إخوتي في الله! مما يّحُزُّ في النفس أننا نجلس في المجالس عدة ساعات لا نسمع من يذكر الله عز وجل، ولا يُصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله إن الأمر جد خطير، فإذا كان هذه من صفات المنافقين: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] فكيف أحوال الذين يجلسون في المجلس ولا يذكرون الله؟! كيف يكون حالنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ما جلس قومٌ مجلساً لا يذكرون الله فيه ولم يصلوا على رسوله إلا كان عليهم شره} أي: حسرة وندامة، وفي رواية: {إلا قاموا على جيفة حمار}. ثم إن المصيبة تكمن إذا كان المجلس فيه غيبة، واستهزاء، وسخرية، ونميمة وغير ذلك من الأمور التي يبغضها الله ويأباها سبحانه وبحمده. عباد الله! ألا نتذكر قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]؟ أما نذكر قول الله تعالى: {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11 - 12]؟ أما نذكر قول الله تعالى: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. اللهم لا تجعلنا منهم يا رب، اللهم لا تجعلنا من المنافقين يا أرحم الراحمين.

التنبيه على ذكر الله في المجالس

التنبيه على ذكر الله في المجالس إخواني في الله! الله الله، يُنبه بعضنا بعضاً إذا جلسنا في المجلس بذكر الله؛ فإن الله -جل وعلا- يقول في الحديث القدسي الذي يرويه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأ خير منه}. فيا عبد الله! الله الله بذكر الله عز وجل، واعلم علم اليقين أنها -والله- ما ارتاحت النفوس، ولا اطمأنت القلوب، ولا استنارت المجالس إلا بذكر الله عز وجل؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. إخواني! قبل سنين قليلة كان الآباء إذا جلسوا في المجلس يقولون: يا فلان! أسمعنا شيئاً من كتاب الله؟ أو اقرأ علينا فصلاً من كتاب كذا وكذا من كتاب العلماء، أو من رياض الصالحين أو غيرها؟ ما الذي يحصل في ذلك المجلس، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما جلس قومٌ مجلساً يذكرون الله فيه إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده} عملٌ يسير يحصل فيه من الفضل العظيم، نسأل الله -جل وعلا- أن يردنا إليه رداً جميلاً.

أضرار الإعراض عن ذكر الله

أضرار الإعراض عن ذكر الله وانظر إلى أحوال بعض الناس إذا جلس في المجلس، يأخذ جريدة، يرفعها نصف ساعة، ثم ينزلها، ثم يرفعها ثانية ثم ينزلها، ثم يرفعها ثالثة، لا يترك الجريدة إلا يوم حين يتناول الغداء أو العشاء مساءً، كأنه ينزل فيها وحي، ينزلها ويرفعها، ينزلها ويرفعها، كأنه يُوحى له فيها، وتجدد عليه المعلومات، وإنما هذا شغلٌ من الشيطان، نسأل الله العافية: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} [الزخرف:36] نسأل الله العافية. والله عز وجل يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] صدق الله {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] زورا المستشفيات التي تُسمى النفسية، من يزور هذه المستشفيات النفسية لا يجد إلا ومن أعرض عن ذكر الله وغفل عن طاعة الله عز وجل؛ لأن الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد سبحانه وبحمده، كما سمعتم في الآيات السالفة الذكر: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد:28] لكن الذي يغفل ويعرض عن ذكر الله، ما هي العاقبة؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] يا رب! نسألك العافية، بل يؤول بهم الأمر إلى أن يذهبوا إلى الكهان والسحرة والمنجمين وغيرهم، نسأل الله العفو والعافية، تجدهم يعكفون عند أبوابهم. أناسٌ جهال سحرة منجمين يأتي ويشتكي إليه، وبدل أن يشتكي الحال إليه، ويلجأ إلى الله عز وجل ويشتغل بطاعة الله وبذكره سبحانه -نسأل الله العافية- ويقوم له فيقول الساحر له: أعطني طاقيتك، أو فنيلتك، ما اسم أمك؟ وما اسم أبيك؟ وما اسم جدك؟ وارجع إليَّ بعد بكرة، لماذا؟! هل ينزل عليك وحي؟ يا خداع! يا مكار! يا دجال! ثم يأتي وقد أرسل القرين، من الشياطين إلى قرين ذلك المريض فيعقدون اجتماع، ثم يأتي إلى هذا الدجال، ويلقي إليه المعلومات، فإذا جاءه المريض قال: أنت فيك كذا وكذا وكذا، يظن أنه يعلم الغيب ثم يُصدقه، فيقع في المحذور الذي حذَّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أتى كاهناً فسأله عن شيء لا تقبل له صلاة أربعين يوماً} وفي رواية: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم} انظروا يا إخواني إلى الدجاجلة كيف يستمرون بالإنسان حتى يوقعوه في حبائل الشيطان والعياذ بالله؟ والمصيبة العظمى يقول: هل تريد الشفاء تريد العلاج؟! عليك أن تأتي بشاةٍ سوداء، أو عنز سوداء، وتذبحها ولا تذكر اسم الله عز وجل عليها -أسال الله العافية- أول قطرة من دمها تحل عليه اللعنة، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {لعن الله من ذبح لغير الله} وإن مات على تلك الحال فهو مخلدٌ في النار؛ لأنه صرف نوعاً من العبادة لغير الله جل وعلا.

التوكل على الله

التوكل على الله إن الواجب علنيا أن نلتجئ إلى الله ونتوكل عليه؛ فهو حسبنا ولنا في إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام قدوة في التوكل على الله. هذا إمام المرسلين (إبراهيم عليه السلام) الذي أراد قومه أن يُلقوه في النار؛ لأنه كسَّر الأصنام، وغيّر المنكر، فأراد قومه أن يقذفوه في النار، وما أدراكم ما تلك النار؟! نارٌ جمع لها الحطب شهراً كاملاً، وما استطاعوا أن يقذفوه في تلك النار التي أججوها، فأشار عليهم رجلٌ اسمه: هيزل بصنع لهم المنجنيق، فوضعوا فيه إبراهيم عليه السلام، وكتفوه بالحبال، ووضعوه في كفة المنجنيق، ورموه إلى تلك النار التي أججوها، فيعرض عليه جبريل عليه السلام في الهواء -كما في رواية الإمام أحمد رحمه الله- فيقول: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ -الله أكبر! ماذا قال إبراهيم عليه السلام وجبريل عليه السلام له ستمائة جناح؟ قال: حسبي الله ونعم الوكيل! وإذا بالأمر الإلهي يصدر: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] فتصبح تلك النار روضة خضراء، بأمر من الله القادر المقتدر، ولذلك كان إبراهيم -عليه السلام- إمام الحنفاء يقول: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:77 - 80] لا إله إلا الله! الله -جل جلاله- هو القادر المقتدر، فلماذا لا نلتجئ إليه وحده ونتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى؟ وفي الحديث الصحيح تجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يُرشد الإنسان إذا أحس بشيء أن يقول: {باسم الله! ثلاث مرات، ويضع يده على الألم، ويقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات، ويبرأ بإذن الله تعالى} لكن هذا -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- يحتاج إلى إيمان. والصحابي الذي رقى الملدوغ لم يزد على الفاتحة، وقام كأنما نشط من عقال، الله أكبر! أسأل الله أن يُقوي الإيمان في قلوبنا.

علاقة زيادة الإيمان بالصلاة

علاقة زيادة الإيمان بالصلاة بماذا يزيد الإيمان يا إخواني؟ يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأول طاعة يتقرب بها العبد إلى الله بعد التوحيد ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الصلاة، فالصلاة الصلاة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. واسمعوا إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم! ماذا كان يقول لـ بلال يقول: {يا بلال! أرحنا بالصلاة} بعكس حال بعض الناس؛ كأنهم يقولون: أريحونا من الصلاة؛ بل -والله- إننا نرى أحياناً بعض الناس في صلاة العشاء إذا طال الحديث تجده يتسلل ويخرج من المسجد لماذا؟ ليس عنده استطاعة أن يجلس في المسجد، ولذلك مثل المؤمن في المسجد كالسمكة في الماء، ومثل المنافق في المسجد كالطير في القفص، نسأل الله العفو والعافية، ماذا كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الصلاة؟ يقول: {وجعلت قرة عيني في الصلاة} كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتاق إلى الصلاة، وتتوق نفسه إليها، والمحافظ على الصلاة يحشر يوم القيامة مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، واسمعوا إلى تمام الحديث الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} هؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: رجل قلبه معلق في المساجد. إخواني في الله! والله إننا كنا نرى قبل سنين قبل وقت الأذان تجد في الصف من يذكر الله، ومن يقرأ قرآن، ومن يقرأ الأذكار في الصباح أو في المساء، والآن مع الأسف الشديد! بعض المساجد يُؤذن المؤذن ويجلس عشر دقائق أو ربع ساعة ولا ترى في المسجد إلا المؤذن، لماذا زهد الناس في هذا الفضل يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! لو يعلمون ما في التبكير لاستهموا عليه {لو يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا} لو يعلمون ما فيه من الأجر العظيم لضربوا عليه القرعة ولتزاحموا على هذا الفضل العظيم، ولكن هذا أمر غيبه الله جل وعلا، متى يعلمون ذلك؟ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

وقفات مع تارك الصلاة

وقفات مع تارك الصلاة فيا إخواني في الله! نقف وقفات يسيرة مع تارك الصلاة، وما أكثرهم! اسمع إلى هذه الموعظة! قال قائل: يا تارك الصلاة! كيف حالك إذا نزل بك هادم اللذات؟ بل كيف حالك إذا حلَّت بك السكرات؟ ثم كيف حالك إذا فارقت المساكن والدور، وسكنت في لحدٍ ضيق يضيق لضيقه صابر الحيوان؟ ثم كيف حالك إذا جاورت الديدان؟ ثم كيف حالك عند سؤال الملكان وقد أضعت الصلاة؟ كيف حالك إذا واجهت الحساب وقد قمت من قبرك حافي القدمين حاسر الرأس عاري الجسم؟ كيف حالك إذا قمت وقد نُودي باسمك على رءوس الأشهاد: أين فلان بن فلان في يوم تشيب فيه الولدان؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر: {أول ما يحاسب به العبد من عمله الصلاة} لا إله إلا الله! أين فلان بن فلان! في يوم تشيب فيه الولدان، وتتشقق السماء بالغمام، في يومٍ طال فيه القيام، واشتبكت الأقدام، وتغيرت الأحوال. كيف حالك يا تارك الصلاة! في ذلك الموقف العظيم لا نوم، ولا راحة، ولا أكل، ولا شرب، وقد أُدنيت الشمس من رءوس الناس مقدار ميل، واشتد حرها، وذهب العرق في الأرض سبعين ذراعاً من طول القيام. فيكف حالك يا تارك الصلاة، في ذلك اليوم العظيم، وقد عرضت على جبار الأرض والسموات؟ فيا ليت شعري هل تأخذ كتابك باليمين؟ أم تعطاه بالشمال؟ يا تارك الصلاة! كيف حالك إذا سقت إلى سقر؟: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:27 - 28]. يا تارك الصلاة! كيف حالك في غي؛ وادٍ في جهنم بعيدٌ قعره، شديدٌ حره، منتن ريحه؟ يا تارك الصلاة! كيف حالك إذا وضعت في ويل؛ {واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدت حره}؟ اللهم ردنا إليك رداً جميلاً! إخواني! الأمر جد خطير، ولكن -مع الأسف الشديد- تنظر في وسط المجتمع تجد أولاد المسلمين أناس يُجاورون المساجد ولا تراهم في الصلاة، إنا لله وإنا إليه راجعون! نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا بلطفه، إنه على كل شيء قدير، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً.

رعاية الأسرة في المحافظة على الصلاة

رعاية الأسرة في المحافظة على الصلاة إني أنبه الآباء إلى تلك المسئولية العظيمة، أما سمعت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟ {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها -إلى أن قال صلى الله عليه وسلم:- ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} أريد منك أن تتذكر متى يكون هذا السؤال؟ ومن الذي سوف يُلقي عليك السؤال؟ عباد الله! يكون Q { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]. السؤال يكون: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. السؤال يكون: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. السؤال يكون في ذلك الموقف العظيم الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه تُرجمان}. ثم تذكر إذا قامت الزوجة تشكو مظلمتها إلى الله عز وجل: بأن الزوج ظلمها ورآها على المنكر ولم ينهها ولم يأمرها بالمعروف، وأي منكر أكبر من ترك الصلاة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! يقوم الولد ويشتكي مظلمته إلى الله: يا رب! خذ مظلمتي من أبي؟ إي والله! الأب يخرج لصلاة الفجر والابن في سباته نائم، وبعض الناس إذا خرج لصلاة الفجر يُغطِّي ولده، ويقول: باسم الله عليك، يظن أنه رحمه في هذا الأمر، وهو والله غاش له، وسوف يقف له بين يدي الله، يقول: يا رب! خذ مظلمتي من أبي، رآني على منكر ترك الصلاة، ولم يأمرني ولم ينهني؟ البنت تقوم وتقول: يا رب! خذ مظلمتي من أبي، إي والله. بعض الناس لا يدري عن بيته هل هم يصلون أم لا؟ مشغول بدنياه -نسأل الله العفو والعافية- ولكن متى يعرف هذا؟ يعرف هذا: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] يعرف هذا إذا حصل الأمر الخطير الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه} وربنا -جل وعلا- حذَّرنا من هذه النار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] بماذا نقي أنفسنا من هذه النار؟ توسيع (الفلل) الأكل والشرب الملابس في الشتاء، كل هذه من ضروريات الحياة، والحياة الدنيا فانية يا مسكين! لكن قوا أنفسكم وأهليكم من هذه النار، قوا أنفسكم بطاعة الله، اجعلوا بينكم وبين هذه النار وقاية بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، أرشد أولادك ودلهم على الخير، اجلس مع أولادك، إنها مسئولية عظيمة يا عبد الله! وأنت يا أمة الله أيتها المرأة المسلمة! اجلسي مع الأولاد، ذكريهم بالله عز وجل، مريهم بالمعروف وانهيهم عن المنكر، يقول صلى الله عليه وسلم: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر} أين نحن من هذا الأمر النبوي يا عباد الله؟! أيها الإخوة في الله! الله الله في المحافظة على الصلاة، فقد ورد أن: {من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف} نسأل الله العفو والعافية، والمعافاة الدائمة. قال من علق على هذا الحديث: من اشتغل بملكه عن الصلاة حُشر مع فرعون، ومن اشتغل بوزارته عن الصلاة حُشر مع هامان، ومن اشتغل بكنوزه عن الصلاة حشر مع قارون، ومن اشتغل بأمواله وأولاده عن الصلاة حشر مع أبي بن خلف. أسألكم بالله! أيهم أحسن: هؤلاء أم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟! الله أكبر! فرق جد عظيم.

الصلاة ما دام في الوقت فسحة

الصلاة ما دام في الوقت فسحة فيا إخواني في الله! نقول للذين حصلت منهم بعض الأخطاء في الصلاة، أو التهاون بها، بادر -يا أخي- ما دمت في زمن الإمكان! واعلم أنه لا بد لك من الارتحال من هذه الدار، وبأي شيء تنتقل من هذه الدار؟ تنتقل بالمليارات، أو بالعقارات، أو بالسيارات، أو غيرها؟ لا والله، والله لا تنتقل إلا بعملك، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله، فيرجع الأهل والمال ويبقى العمل}. لذلك يقول زين العابدين: خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الحنط والكفن إخواني في الله! كلنا نرى الملوك والأمراء، والرؤساء والزعماء، والصعاليك، هل يدخل معهم شيء غير الكفن والحنوط؟! والله لا يدخل معهم إلا الحنوط والكفن.

التعلق والاغترار بالدنيا والانشغال بها عن الصلاة

التعلق والاغترار بالدنيا والانشغال بها عن الصلاة إخواني في الله! لا تشغلنا الدنيا عن طاعة الله، لنقنع من هذه الدنيا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: {قد أفلح من رضي ورُزِقَ كفافاً وقنّعه الله بما آتاه} فالرسول صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين، لم يرفع بهذه الدنيا رأساً، ربط على بطنه الحجر من الجوع وهو أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، مات ولم يشبع من دقل التمر -أي: رديء التمر- ولا من خبز الشعير، أثر الحصير في جنبه، ولذلك يقول الصحابة رضي الله عنهم: {يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً ليناً، فيقول: مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة، ثم قام وتركها}. فهذه الدنيا يا إخواني لنعبرها ولا نعمرها إلا بطاعة الله عز وجل. يا إخواني! إن هذه الدنيا دار ممر، ومعبر إلى الآخرة، ولكن من أعطاه الله هذا المال، فصار هذا المال صالح، فقد مدحه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: {نعم المال الصالح للرجل الصالح} لكن إذا كان الإنسان -والعياذ بالله- مشغول بهذه الدنيا يأكل بالربا يتعامل بالربا غش خداع كذب رشوة خيانة بيع للمخدرات والمسكرات والدخان بيع للمجلات الخليعة وللدشوش بيع لآلات اللهو وغيرها، كيف أحواله إذا انتقل من هذه الدنيا وترك المال لغيره، فكيف يكون حاله؟ نسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا القناعة في هذه الدنيا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك. أيها الإخواة! إذا نظرنا إلى أحوال المجتمع -الآن- تجد أنه انطبق في بعضهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: {يأتي على الناس زمان لا يُبالي المرء ما أخذ، أمن الحلال أم من الحرام؟}. تجد الناس أكلهم مشبوه، وبعض الموظفين لا يُؤدي عمله، ويتأخر عن العمل، يأكل الربا، ويتعامل بالربا، وهذا يخادع، وهذا يخون، وهذا يأخذ الرشوة، فأصبح دخل المجتمع من المصادر المحرمة التي تدخل على كثيرٍ من الناس، فإذا رجعنا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: {أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به} ويقسم صلى الله عليه وسلم ويقول: {والذي نفس محمدٍ بيده! إن الرجل ليقذف اللقمة من الحرام في جوفه لا يقبل له عملٌ أربعين يوماً} الله أكبر! لقمة واحدة، كيف باللقيمات؟ بعض الناس يأكل من حرام ولا يُبالي، نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه. فأقول لكم يا إخواني! أنتم الآن في زمن الإمكان في دار المزرعة في دار الدنيا في دار العبادة، الله الله بتنقية المأكل والمشرب والملبس، حتى إذا دعوت الله استجاب الله لك، إذا عملت أعمالاً صالحة أو تصدقت تقبلها الله منك، إذا دعوت أجاب الله. نعم يا أخي! أما إذا كان المأكل والمشرب والملبس حرام، فلا يلوم المرء إلا نفسه، نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اشف قلوبنا من المرض، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة. اللهم املأ قلوبنا من محبتك، وخشيتك، ومعرفتك، ومن الأنس بقربك، واملأها حكمة وعلماً. اللهم فقهنا في الدين، وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أقر أعيننا وأصلح قلوبنا بصلاح أئمتنا وولاة أمورنا، وقاداتنا وأولادنا، ونسائنا، واجعلنا جميعاً هداةً مهتدين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلَّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

قيام الليل والمحافظة على صلاة الفجر

قيام الليل والمحافظة على صلاة الفجر Q ما هي الأمور التي تساعد على قيام الليل والمحافظة على صلاة الفجر؟ A الحمد لله، اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا إلى الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم أيقظنا من رقداتنا، اللهم وفقنا لاغتنام أوقات المهلة قبل النقلة من هذه الدار، يا رب العالمين. أيها الإخوة! إذا أراد الإنسان أن يقوم فعليه عدة أمور: أولاً: أن يصدق النية مع الله عز وجل. ثانياً: أن يهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن ينام مبكراً يترك السهر. ثالثاً: عدم الإكثار من الطعام عند النوم. رابعاً: أن يضع عنده منبه، أو يقول لأحد جيرانه: أخي في الله! احتسب الأجر واطرق عليَّ الباب، أو حرِّك علي الهاتف. هذه الأمور كلها بسيطة -ولله الحمد- لكن أقول لكم: إن الأمر الأساسي هو أن نُخلص النية لله عز وجل ونطبق هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحل لما حل بالأمة من هذه الأمراض الخطيرة، وإنك لا تجد قرية ولا هجرة ولا مدينة إلا وهذا الأمر قد أدخن فيهم، نسأل الله العافية، وهو السهر؛ هذا السهر حرمنا أشياء كثيرة: أولاً: حرمنا الاهتداء بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: إذا ذهب وقتٌ من الليل، وقت قيام السلف الصالح، قمنا نملئ البطون وننام، والله عز وجل يقول: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] الله هو الذي يرزقنا شكر النعمة، لكن هل من شكر النعمة أننا نملأ البطون وننام عن صلاة الفجر؟! صلينا الفجر في مسجد في مرة من المرات وما وراء الإمام إلا اثنين، واحد إمام ومؤذن في نفس الوقت، يقول: أُأذن ثم أنتظر وأنتظر فلا يجئ أحد، وأغلق المسجد، وأذهب إلى مسجد آخر أصلي، هل هذه الأحوال تسر يا إخواني؟! هل هذه من شكر نعم الله علينا؟! لا والله ليست هذه من علامات الشكر، ولكننا نرى أمناً واستقراراً وصحةً ورغد عيش، ونحن ما زلنا في تقصير، فلنرجع إلى ما ورد في الأثر: [[إذا رأيت العبد يُصر على المعصية والنعم تدر عليه، فاعلم أنما ذلك استدراج]] نسأل الله العافية، استدراج يأخذهم الله على غرة، فنسأل الله -جل وعلا- أن يهدينا ويوفقنا للاهتداء بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. المهم الذي أكرره وأقول: احذروا السهر! احذروا السهر! احذروا السهر! يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

أسباب حياة القلب وموته

أسباب حياة القلب وموته يقول صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} وفي هذا الحديث دلالة على أهمية القلب والاعتناء به، والعمل بأسباب حياته، والحذر من أسباب موته. وأسباب موت القلب كثيرة منها: عدم المبالاة بأوامر الله، وعدم المبادرة إلى طاعته، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسماع الأغاني.

موت القلوب

موت القلوب الحمد لله الذي قلوب العباد بيده يقلبها كيف يشاء، ويصرفها على ما يريد، أحمده وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وراقبوه، اتقوا من يعلم السر وأخفى. عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} الله أكبر! الله أكبر! قدر المُضغة، قدر ما يمضغ الإنسان، فهي لحمة في جسم الإنسان، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. القلب هو المسيطر، هو الملك على الأعضاء كلها؛ لذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم بهذا التوجيه، ليحث أمة الإسلام على حفظ تلك الأوعية، وحمايتها، ووقايتها من الأخطار. عباد الله: القلب هو مصدر سعادة الإنسان وشقاوته، ومن القلب تنبعث حياته الروحية أو موته المعنوي، أجل يا عباد الله. يا أمة الإسلام: هل أعطينا قلوبنا ما تستحقه من حماية؟ هل أحطنا قلوبنا بسياج الإيمان الكامل؟ إن معظم الأمة بل الأكثرون منها فرطوا في هذه الناحية الحساسة، وتركوها حتى دخلها ذئب الإنسان وهو الشيطان، فجعل يخطط للأعضاء، ويأمرها وتفعل تلك الأوامر، حتى أصبح الأكثرون في أسر الشيطان وقيوده، ووقعوا في أعظم داهية، وأصيبوا بأعظم الأدواء، ألا وهو فقدان الإحساس الروحي، وموت الضمير المعنوي، الذي غطى القلوب وران عليها، فأصبحت كالحجارة، لا تتأثر بآية ولا بوعظ، ولا تستجيب لنداء الإسلام، ولا تستفزها نُذُر القرآن، ولم يؤثر بتلك القلوب ما يصل إلى أسماعها من الآيات الكونية والعبر، فإذا سَمِعَت بالرياح المدمرة، قال أهلها: هذه أعاصير بسيطة؛ لأنها لم تكن حولنا، وإذا سمعوا بالزلازل قالوا: هذه براكين، وإذا سمعوا بالفيضانات قالوا كلمات لم نستطع لها تعبيراً، كل هذا من موت القلوب، وعدم إحساسها، وعدم الواعظ الإيماني. أجل -يا عباد الله- إن ما أصاب المجاورين فيه موعظة وعبرة لنا، إنها رياح، وزلازل، وفيضانات، وحروب طاحنة، وأمراض وأوبئة، لقد كفانا ما نسمع، وما نرى في تلك الآلات وما يُنقل لنا من تلك البلدان. أمة الإسلام: لعله يكفينا ما نسمع، وما نرى في تلك البلدان خلال تلك الآلات من الحوادث المفزعة، والكوارث المدمرة التي جَعَلَت أهل تلك البلدان شَذَرَ مَذَرَ، وفَرَّقَتْهُم في كل ناحية، ومَزَّقَتْهُم كل ممزق. إنها عبر ومواعظ، فهل من مُدَّكِر؟ أمة الإسلام: لقد ذقنا النعمة، وشبعنا وما اكتفينا حتى جعلنا فضلات اللحم والطعام الذي يحتاج إليه بعض المسلمين في براميل الزُّبالة، إنها حالة محزنة، تقشعر منها الجلود. عباد الله: إن موت القلوب أغفل الكثير عن الاهتمام بدين الإسلام. يا أمة الإسلام: إن موت القلوب وغفلتها فتحت المجال لأعداء الإسلام، حتى تداعت أمم الشر على الإسلام من كل حدب وصوب، وغزوا العقائد والأخلاق، وبذروا الفتن وأجّجوا نارها بين المسلمين، وأدخلوا البدع فاستحسنها أهل الإسلام، ويا للأسف الشديد! كل ذلك نتيجة موت القلوب، وصارت تلك أمام الكثير سراب لا حقيقة له، وكأنها أضغاث أحلام، لا يُتَوقع لها تأويل، ولا يُفَكر فيما تولده من الشرور عياذاً بالله، اللهم عياذاً بك من مضلات الفتن، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. أجَل -يا عباد الله- كل ذلك نشأ من موت القلوب، وعدم الشعور، وعدم التضلع بمسئوليتها وواجبها أمام الله، بل وواجبها، بل وخوفها من مكر الله: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].

أسباب موت القلوب

أسباب موت القلوب إن موت القلوب الذي عمَّ الأكثرين له أسباب، فعلموها يا عباد الله: السبب الأول: عدم المبالاة بأوامر الله، وعدم المبادرة إلى طاعة الله: لقد خلت المساجد من كثير من شباب المسلمين إلا ما قلَّ. السبب الثاني: عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: نساءٌ في الأسواق متبرجات، إِلْيَة الرَّجُل بإِلْيَة المرأة، وكأنه زوجها في الأسواق. السبب الثالث: أكل الحرام: إن موت القلوب الذي يعاني منه البعض من الناس من أسبابه: أكل المحرمات، ومن هذه المحرمات: الربا، الرشوة، الغش، الخداع. بيع المحرمات، كالدخان والمخدرات وآلات اللهو بأنواعها، وسماع آلات اللهو حرام، وثمنها حرام، وهناك قاعدة فقهية تقول: (ما حَرُم استعماله حَرُم ثمنُه). أمة الإسلام: أين الورع؟ أين القناعة؟ أين العفة؟ الحلال: ما حَلَّ بأيدينا، والحرام: ما تعذر علينا أخذه. إن الحياة الدنيا ليست بدار بقاء، إنها دار عمل، والحساب بدار الجزاء الثاني، يوم القيامة، يومٌ عظيمٌ، تبرز فيه الكامنات، وتظهر فيه الحقائق، وتنكشف النيّات، يوم تنشر فيه الدواوين، يوم تَبِيْن فيه النتيجة، أيُّنَا الناجح من الراسب؟ إنه يوم عظيم، وأعظم دليل على عظمة ذلك اليوم كثرة أسمائه بالقرآن العظيم، إنه يوم القيامة، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] أين القلب السليم؟ ما هو القلب السليم؟ القلب السليم هو: الصحيح الممتلئ بمحبة الله وإجلاله وتعظيمه. القلب السليم هو: المتحلي بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه. القلب السليم هو: الخالي من كل شبهة تعارض خير الله. نعم. القلب السليم هو: الخالي من كل شهوة تميل إلى ما حرم الله. فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتجنبوا كل ما يمرض القلوب أو يميتها. السبب الرابع: الصدود عن ذكر الله وعن كتاب الله: إن أكثر ممرض وأعظم مميت للقلوب هو: الصدود عن ذكر الله وعن كتاب الله تلاوةً وعملاً وتدبراً. السبب الخامس: الإسراع والمبادرة إلى التضلع وقراءة المجلات: إن من عوامل موت القلوب: الإسراع والمبادرة إلى التضلع وقراءة المجلات -والعياذ بالله- فالاهتمام انصرف عن كتاب الله، وعن سنة رسول الله إلى سنة اليهود والنصارى، وإلى دسائس اليهود والنصارى، ودسائس الصهيونية من مجلات وجرائد وغيرها. اسمعوا وصف المؤمنين الكامل في كتاب الله رب العالمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]. اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واجعلنا هداة مهتدين. اللهم أيقظ قلوبنا من رقدات الغفلة يا أرحم الراحمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

التزود ليوم الرحيل

التزود ليوم الرحيل الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وأحيوا قلوبكم، ونوّروها، وتعاهدوها في كل آونة، وفي كل لحظة بالإقبال على رب العالمين، بالتوبة النصوحة، وبكثرة ذكر الله، وبكثرة الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد، وبتلاوة كتاب الله، واستماعه، وتزودوا من الأعمال الصالحات، أنتم الآن في دار العمل، أنتم الآن مُمهلون، أنتم الآن في وقت الإمكان، تزودوا من الأعمال الصالحات، فهو أقوى العوامل في إنارة القلوب وهدايتها واستقامتها، جالسوا الأخيار، احذروا من استماع المحرمات بأنواعها، احذروا من أكل الحرام؛ فإنه من أسباب موت القلوب، وعدم قبول الدعاء، يقول صلى الله عليه وسلم: {أيُّما لحمٍ نَبَتَ على السُّحْت فالنار أولى به}. عباد الله: ليِّنوا قلوبكم بالمواعظ، ذكروها النهاية، وأن المصير إلى القبور، ثم بعد ذلك حشر ونشور، ووقوف بين يدي الله ليسأل العبد، ليس بينه وبينهم ترجمان، أعدوا لذلك السؤال جواباً، وللجواب صواباً. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وصلوا على خير خلق الله، صلوا على البشير النذير، صلوا على السراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم اقتداءً واستجابة لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، يقول سيد البشرية: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك وزد وأتم صلاة وتسليماً على نبينا وسيدنا وإمامنا محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان. اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد، نسألك بعزتك التي لا تُرام، وبمُلْكِك الذي لا يضام، وبوجهك العظيم، أن تغيث قلوبنا بالإيمان. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وارزقنا إيماناً دائماً كاملاً، ويقيناً صادقاً مع العفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك في برك وبحرك، اللهم أمدهم بعونك، اللهم أمدهم بعونك، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم اخذل من خذل الإسلام وأهله، وانصر من نصر الإسلام وأهله، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، اللهم أيده بتأييدك يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً، وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً، وارزقنا وإياهم اجتنابه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

أهوال القيامة

أهوال القيامة إن يوم القيامة يوم تشيب لهوله الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، وفي ذلك اليوم يقف الناس بين يدي الله عز وجل، وتدنو الشمس من العباد بمقدار ميل؛ فمنهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، وكل واحد يلجمه العرق بقدر ذنوبه، وفي ذلك اليوم تتطاير الصحف، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله.

مقدمات يوم القيامة

مقدمات يوم القيامة الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه، ليوم القيامة والقارعة والزلزلة والحاقة والواقعة: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] و {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] أحمدك اللهم وأشكرك وأسألك أن تظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: {يا أيها الناس! اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:

نفختي الصعق والبعث

نفختي الصعق والبعث يقول ربنا جل وعلا وهو أصدق القائلين: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68 * وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر:69]. القرآن كلام الله يصلح منبهاً بما سوف يكون يوم القيامة، وقبل ذلك مقدمات، وهي قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] هذه النفخة الثانية، وهي نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض؛ إلا من شاء الله، ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم -الذي كان أولاً وهو الباقي آخراً- بالديمومة والبقاء: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ثم يقول جل وعلا: لمن الملك اليوم؟! لمن الملك اليوم؟! لمن الملك اليوم؟! -ثلاث مرات- ثم يجيب نفسه بنفسه، فيقول: لله الواحد القهار، ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل، ويأمره أن ينفخ في الصور أخرى، وهي: النفخة الثانية نفخة البعث، قال الله جل وعلا: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] لا إله إلا الله القادر على كل شيء! كيف أحوالنا إذا قمنا من القبور، ننفض التراب عن رءوسنا؟! قال الله جل وعلا: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] أي: أحياء بعد أن كانوا عظاماً ورفاتاً صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظام، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:1 - 14] كل هذه الأهوال سوف تحصل في ذلك اليوم الرهيب، الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع فيه الحوامل حملها، وتشيب الولدان وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.

تناثر الصحف

تناثر الصحف ولكن لقد حان وقت الامتحان والعرض على الجبار الذي لا تخفى عليه خافية: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] جاء لفصل القضاء بين العباد: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] ففي هذه اللحظة يكون العرض على عالم السر والنجوى؛ ويتبين فيه الربح من الخسارة، والنجاح من الرسوب، في ذلك الامتحان العظيم؛ ومن يأخذ الشهادة: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] لا إله إلا الله! تلكم الشهادة -يا عباد الله- {هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] ما هو المآل يا رب العالمين؟! ما هو مآل هذه الشهادة؟ ما مآل هذه الدرجات؟ ما مآل هذا الامتياز؟ مآله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:21 - 24] بما أسلفتم من أداء الواجبات، ورضاء رب العالمين، فيا لها من سعادة أبدية، ويا له من فرح شديد بهذه النتيجة التي لا تحصل إلا لمن أدى الواجبات، وأتى بالحسنات، وعمل الأعمال الصالحات، وخرج من الدنيا، وقد حصل على حسن السيرة والسلوك مع الله في السر والعلانية. لا يحصل هذا الفضل وهذه الكرامة إلا لمن خرج من الدنيا، وقد حصل على حسن السيرة والسلوك مع الله في السر والعلانية، فقد ورد في الأثر: [[لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية]] فهنيئاً ثم هنيئاً لمن كانت عاقبته يوم أن يلقى الله، ويا خسارة ويا خيبة من رسب في ذلك العرض الأكبر في ذلك الامتحان وأعطي كتابه بشماله فهو يقول: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27] يقول ذلك ويتحسر وإن كان في الدنيا صاحب أموال وصاحب جاه كل ذلك لا يجدي لمن عصى الله، فهو ينادي {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] الذي كنت أطارد وراءه، فأضيع حقوق رب العالمين: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28] الذي حملني على الأثر والبطر والكبر والفساد في الأرض {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] أي: عند ذلك، وبعد أن اطلع على نتيجة الخسران التي استحق بها الإهانة والإبعاد، أمر الله عز وجل الزبانية أن تأخذه بعنف من المحشر، فتغله بالأغلال في عنقه، ثم تسحبه إلى جهنم، فتصليه إياها وبئس المصير. قال بعض المفسرين إذا قال الرب عز وجل: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] ابتدره سبعون ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه، فهذا جزاء من عصى الله وتعدى الحدود، ولم يقم بحق الله عليه من طاعته وعبادته: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. اللهم أحينا مسلمين، ونجحنا يوم الامتحان الأكبر، وأعطنا الشهادة باليمين، وارفع درجاتنا في عليين، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والحمد لله رب العالمين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الوقوف بين يدي الله

الوقوف بين يدي الله الحمد لله الذي أمره بين الكاف والنون، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، يأمر إسرافيل بنفخ الصور {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51]. لك الحمد يا الله! الذي لا إله إلا أنت تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد، وأشكرك على نعمك، ونسألك اللهم من فضلك المجيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا ظهير ولا معين، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن أمامكم القيامة سوف نقف في ذلك اليوم الرهيب: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة:5] وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون، سوف نقف حفاة عراة غرلاً، الذكر مع الأنثى في ساحة قد بدلت غير الساحة التي كنا نراها: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] برزنا لِعَالِم الخفيات لا يخفى عليه منا شيء: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19].

شفاعة الرسول للناس يوم القيامة

شفاعة الرسول للناس يوم القيامة في ذلك اليوم الرهيب يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مما ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم السامع، وتدنو منهم الشمس، ويبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون}. كلنا نقف في ذلك اليوم لا تحسبوه للصحابة ولرسول الله، كلنا سوف نقف في ذلك اليوم حفاة عراة، وإن عمرنا سنيناً، وإن متنا قبل ذلك فسوف نقف في ذلك اليوم، يقول صلى الله عليه وسلم: {يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم السامع، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لأبيهم آدم: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة؛ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: إن ربي غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجر فعصيت، نفسي نفسي نفسي!} أبونا آدم يتبرأ في ذلك الموقف، وقد كانت معصيته بسيطة، نهاه الله فأكل من الشجرة، ونحن نضيع الصلوات، الصلاة إثر الصلاة، وإذا نُصِحْنا قلنا: (التقوى هاهنا) مكابرة ومعاندة لا اقتداءً برسول الله حين قال: {التقوى هاهنا وأشار إلى صدره} لكنه نعم المتقي، ونعم المطيع لله، أما أنت أيها العاصي، فكذبت وادعيت ما لم تأتِ به، وسوف تلقى هذه الكلمة في صحيفتك يوم تنشر يوم القيامة، وبعضهم يقول: التقوى هاهنا وهو لا يصلي مع جماعة المسلمين، أو وهو يحلق اللحية، أو وهو يتغشى المحرمات ويقول: الله غفور رحيم. أبونا آدم أكل من الشجرة فمعصيته بسيطة ويقول: {نفسي نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح؛ فيأتون نوحاً فيقول مثلما قال آدم: نفسي نفسي نفسي! -أولو العزم من الرسل يتبرءون في ذلك الموقف الرهيب- اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى الكليم عليه السلام، فيقول: نفسي نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون إلى عيسى كلمة الله وروحه ألقاها إلى مريم، فيقول: نفسي نفسي! اذهبوا إلى محمد} لا إله إلا الله! يا لها من نعمة كبيرة على من جعله الله من أمة محمد، ولكنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسم لنا منهاجاً منيراً، ووضح لنا طريقاً مستقيماً، إذا سلكناه أوصلنا إلى الله، ولكنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: {يرد أناس من أمتي الحوض، فإذا أرادوا أن يشربوا مُنعوا فأقول: يا رب أمتي أمتي! فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك}. هل شرعت لهم الفيديو يا محمد؟! هل خلَّفت لهم التمثيليات والمسلسلات التي سهروا معها الليالي وتركوا الصلوات؟! هل ألَّفت لهم الأغاني في الأشرطة يا محمد؟! هل قلت لهم: احلقوا اللحى وقولوا: التقوى هاهنا؟! يقول: لا يا رب. إن محمداً صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن هو الهالك؟ هو الذي اجترأ على محرمات الله، وتعدى حدود الله؛ فبعداً لك أيها العاصي! فيقول عيسى عليه السلام: اذهبوا إلى محمد فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم. عباد الله: اجتهدوا حتى تنالوا هذه البشارة، إن قلبي ممتلئ بها من الليل، إنني إذا قرأت هذه البشارة استنار قلبي واطمأنت نفسي، ولكن إذا رأينا التقصير -يا عباد الله- والله مطلع على ما تبقيه فرائضنا: {اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتونني فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد من قبلي، ثم يُقال: يا محمد يا محمد! ارفع رأسك وسل تعطى، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب! فيُقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة} يا رب نسألك أن ترحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم وفقنا لاتباع نهج محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا من أمة محمد المطيعين لك يا رب العالمين. {يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب} أي: من أبوابها الثمانية منهم أبو بكر يدعى من أبواب الجنة الثمانية، ثم قال: {والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى} متفق عليه.

حقيقة الدنيا

حقيقة الدنيا عباد الله: اغتنموا الأوقات، ارجعوا إلى رب الأرض والسماوات، أصلحوا السرائر لعالم الخفيات، ارجعوا إلى الله بخالص الأعمال، قوموا لله بما يرضيه، لا تغرنكم الحياة الدنيا؛ فإنها دار وصفها الله في كتابه أنها دار غرور ومتاع قليل ولعب ولهو وممر وطريق إلى الآخرة، وكما هو الواقع دار مملوءة بالأكدار والمصائب والآلام والأحزان، دار ما أضحكت إلا وأبكت، ولا سرت إلا وأساءت، دار النهاية، قوة ساكنيها إلى الضعف، ونهاية شبابهم إلى الهرم، ونهاية حياتهم الموت، انظروا إلى أهل الملايين هل يدفن شيء معهم في قبورهم إلا ما قدموه من صالح الأعمال؟ عباد الله: ذللوا دنياكم لآخرتكم، واستخدموها في الذي يرضي الله عنكم، واتقوا الله وبادروا بالأعمال الصالحة قبل هجوم هاذم اللذات، وما أدراك ما هاذم اللذات؟ إنه الموت مفرق الجماعات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار. عباد الله: إن الله أمركم أن تصلوا على رسوله فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وفي مقدمتهم في الفضل الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من عبادك الراشدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم تجاوز عن سيئاتنا، وأدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجمعنا وإياهم في جناتك جنات النعيم، واغفر لوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وأعزنا بالإسلام عاجلاً غير آجل، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أرنا ذل أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم من به صلاح للإسلام والمسلمين فأيده بنصرك المبين، ومن به خذلان للإسلام والمسلمين، فأهلكه بعزتك وقدرتك، وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين! {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

اتباع لا ابتداع

اتباع لا ابتداع لقد جاءتنا هذه الشريعة صافية نقية، وأكمل الله هذا الدين كمالاً ما بعده كمال، ومن ابتدع أمراً فقد اتهم هذا الدين بالنقص، فعلى الإنسان ألا يتجاوز المشروع إلى غيره وأن يتمسك بالمأثور حتى يسلم من البدعة.

خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد

خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد الحمد لله الذي اختار لنا الإسلام ديناً، وأَنْعِمْ به من دين ختم الله به بمحمد صلى الله عليه وسلم. اللهم لك الحمد أنت أهل الحمد والثناء، خلقتنا في أحسن تقويم، فمن آمن وعمل صالحاً فله أجر غير ممنون، ومن لم يؤمن بالله ويعمل صالحاً فهو في أسفل سافلين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مخلصين له الدين، ولا نعبد إلا إياه ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة، ودلهم على الدين الصحيح الذي ارتضاه الله لنفسه فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران:19]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله! إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

كتاب الله هو مرجعنا وحياة قلوبنا

كتاب الله هو مرجعنا وحياة قلوبنا نعم يا أمة الإسلام! إن خير الحديث كتاب الله؛ لأنه يهدي للتي هي أقوم، فالقلوب الحية تتذوق طعم الكلام الجيد والرديء، وتدرك تمام الإدراك من الآيات البينات، فهذا القرآن الكريم يحمل من طابع الربانية، وخصائص الكلام الإلهي، وبما ينطوي عليه من معاني التأثير الكامل في القلوب الواعية، والنفوس الصافية، وبما يتميز به من الفصاحة، وإعجاز البلاغة، وحلاوة الأسلوب، وعذوبة المنطق، وعلو الذوق، وصدق التوجيه، إنه القرآن بخصائصه، إنه نعمة من الله تعالى لأمة الإسلام، القرآن غيث يحيي به الله القلوب ويبعثها، ويحركها، ويضيء لها السبيل؛ لتصل بالقرآن إلى الله العلي القدير، يقول الرب جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].

عداوة الشيطان لمن تبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم

عداوة الشيطان لمن تبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي قال: {مَن عمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} محمد صلى الله عليه وسلم القائل: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} هدي محمد صلى الله عليه وسلم الطريق المستقيم الموصل إلى الله، وإلى سعادة الدنيا والآخرة. أيها المسلمون! {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران:19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]. إن الإسلام: هو الاستسلام لله ظاهراً وباطناً، استسلاماً تاماً لا تواني فيه, ولا كسل ولا انحراف ولا خطل، إنه طاعة لله تعالى سراً وعلانية، بفعل ما به أمَر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وما أيسر ذلك على من يسره الله عليه. أيها المسلمون! إن الشيطان بعداوته لكم يفتِّر عزائمكم عن القيام بدينكم، ويدعوكم إلى الكسل والتواني عن أوامر دينكم، ويغريكم ويحثكم على مخالفة دينكم ومعصية ربكم عزَّ وجلَّ. أجل يا عباد الله، أجل يا أمة الإسلام، ما هذه المحدثات؟ وما هذه البدع التي أحدثها الكثير من الناس، ويتخذونها ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله، ولم يشرعها الخلفاء الراشدون، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور} نعم، يا عباد الله.

بدعة المولد النبوي

بدعة المولد النبوي من محدثات الأمور: التي ابتدعها الكثير من المسلمين، وهم يزعمون أنهم بذلك مهتدون، وهم والله لقد ضلوا الطريق بفعلهم ذلك، أتدرون ما هو يا عباد الله؟ وإن كَبُر على بعض قلوب الحاضرين، وإن نظرني بعض الحاضرين بعيون شَزِرَة، فأنا أستعين بالله عليه بحوله وقوته، فأقول: إن بعض المسلمين أحدثوا حدثاً لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا الخلفاء الراشدون، إنه إقامة المولد النبوي، والاحتفال به في كل سنة تمر عليهم، في ليلة الثاني عشر، إنها بدعة محدَثة، لم يشرعها رسول الله، ولم يأمر بها رسول الله، فإن ادعوا حب رسول الله، فوالله ثم والله ثم والله ليس بأحب إليهم من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومن الصحابة أجمعين، الذين كانوا يحبون رسول الله ويفدونه بأنفسهم رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يدافعون عنه أشد المدافعة، أما بعض المسلمين فإنهم يشربون الخمور، ويحلقون اللحى، ويتركون الصلاة، ويأكلون الربا، ويغشون، ويفعلون، ويفعلون، ويقولون: نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لقد ضلوا الطريق، إلا أن يرجعوا إلى الله وإلى رسوله، ويلزموا الصراط المستقيم.

بعض المخالفات التي تحدث في المولد

بعض المخالفات التي تحدث في المولد أمة الإسلام: هل تدرون ماذا يحدث في ذلك المولد؟ إنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، إنه دعاء من دون الله، يدْعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألونه تفريج الكربات، يسألونه قضاء الحاجات، وهو ينهى عن ذلك، ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح عيسى بن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله} فالعبد لا يُعبد من دون الله، بل يُطاع ويُتبع بما أمره الله من وحيه وشرعه. فالذي يلزم المسلمين أن يطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يُحْيُوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يُحْيُوا سننه التي أمييت واندرست؛ سنن سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فكم من سنة اندرست وأميتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار البعض من المسلمين همهم الابتداع في دين الله، وشرع ما لم يأمر به الله ولم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين هم من الصواب يا عباد الله؟ ثم بعض الدول الإسلامية -مع الأسف الشديد- لما انتهت من خطاباتها التي ألقتها في ذلك المولد، قالت: تغنيكم المغنية فلانة، مع الأسف الشديد، وبعضهم يستقدم الفرقة الموسيقية والمطربين والمطربات؛ ليحيوا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله أكبر! لقد عميت أبصارهم, وابتعدوا عن طريق الحق يا عباد الله. والله ما هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وما هكذا فعل خلفاؤه الراشدون المهديون من بعده رضي الله عنهم، ولا فعله بعض أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.

الدين مكتمل فلا داعي للابتداع

الدين مكتمل فلا داعي للابتداع فما الذي حملنا على الابتداع؟ هل الدين ناقص فنكمله؟ كلا، والله ما مات رسول الله إلا وقد أكمل الله به الدين، يقول رب العالمين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. أمة الإسلام! خذوا حذركم من الشيطان، فإنه يأتيكم بالبدع، ويأمركم بمحدثات الأمور، يصور لكم الدين الإسلامي بأنه حبس للحرية، وتضييق على الإنسان، وإرهاق له، وتفويت لمصالحه، هكذا يصور الشيطان، وأعوان الشيطان لا كثرهم الله من علماء الضلال، ومشايخ الطرق البدعية لا كثرهم الله، بل هم غثاء على المسلمين عالة يأكلون، ويخلطون الدنيا بالدين، حسبنا الله ونعم الوكيل، يصورون الدين أنه توسل بالصالحين والأولياء والأضرحة، وهذا والله شرك بالله العظيم، والله إن مات صاحبه عليه فإن الله لا يغفر له، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. أيها المسلمون! إن الدين الإسلامي بريء من كل ما يصفه به أعداؤه، إن الدين الإسلامي هو دين اليُسر والسهولة، هو دين شرعه الله وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وما مات رسول الله حتى أكمل الله به الدين.

أركان الإسلام سهلة ولا نحتاج إلى زيادة عليها

أركان الإسلام سهلة ولا نحتاج إلى زيادة عليها إن الإسلام بُني على خمسة أركان: أولها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. ثانيها: إقامة الصلاة. ثالثها: إيتاء الزكاة. رابعها: صيام رمضان. خامسها: حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً. وهذه الأركان كلها سهلة ويسيرة, وكلها صلاح وتهذيب، وجاء البعض من الناس، يريد أن يزيد هذه الأركان، فقال: توسلوا بالصالحين، توسلوا بالأضرحة، توسلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعاقل من المسلمين يرجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله، فإن وجد ذلك فليأخذه بتسليم، وإن لم يجد ذلك فليرده على المبتدعين المشعوذين؛ الذين يريدون هدم الإسلام بمعولهم؛ بأيديهم وأيدي النصارى الداعية إلى النصرانية، وبأيدي المجوسية، وبأيدي اليهودية والماسونية، وبأيدي الشيوعية. احذروا يا أمة الإسلام، أركان الإسلام خمسة:

الركن الأول تحقيق العبودية لله وعدم الابتداع

الركن الأول تحقيق العبودية لله وعدم الابتداع فأولها: شهادة أن لا إله إلا الله: توحيد الله رب العالمين، وتجريد القلب من التأله لغير الله، فلا ضريح، ولا صالح، ولا ولي، ولا نبي، ولا رسول يُعبد من دون الله، وهو إخلاص العبادة لله، وصرفها لله رب العالمين، لا ذبح، ولا نذر، ولا حلف بغير الله، إلى غير ذلك من العبادة، فإنه يحرم صرفها لغير الله عزَّ وجلَّ, فإنها خاصة لرب العالمين، الذي خلقك فسواك يا عبد الله، وغذاك من نعمه ورباك، فأنت بالنسبة إلى ربك عبد من عبيده، وبالنسبة إلى غيره حر. إن من الحماقة بمكان أن تنطلق من عبودية ربك التي هي حق، وتقيد نفسك بعبودية هواك، أو بعبودية المال، أو عبودية فلان وفلان، إن الكثير من الناس قد اشتغل بطاعة الله، فكأنما يصابر الجمر، لا يصبر على طاعة الله إلا قليلاً، مع قلق في نفسه، وانشغال في قلبه، وإذا اشتغل في أمور الدنيا أو التوسل بالصالحين، أو التوسل بالأضرحة، أو التوسل بالأموات، أقبل عليها بقلبه وفكره، واطمأن إليها، واستراح بها، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وصدق الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. وأما شهادة أن محمداً رسول الله: فهي تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من المخلوقين، فهو رسول ربك، الذي جاهد في الله حق جهاده، الذي جاء بها نقية، هو رسول رب العالمين، الذي كلف بالرسالة إليكم يا عباد الله، وكلفتم باتباعها. أمة الإسلام! إن كل أحد من الناس سوف يسير في عمله على خطة مرسومة، ونهج متبع، فإما أن يكون طريق النبيين، أو طريق الضالين المنحرفين المكذبين و {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32] فانظر يا عبد الله أي الطريقين أهدى وأقوم.

الأركان الأربعة الأخرى وبيان يسرها

الأركان الأربعة الأخرى وبيان يسرها الركن الثاني من أركان الإسلام الصلاة: الصلاة يا عباد الله، وهي الصلة الوثيقة بين الله وبين العبد، فما أيسرها وأسهلها، وما أنفعها للقلب والبدن، والفرد والمجتمع. أيها المسلم! حافظ على صلواتك، ولا تؤدها إلا وأنت متطهر في ظاهرك وباطنك، قم بين يدي الله خاشعاً خاضعاً متقرباً إلى الله رب العالمين بما شرعه لك في الصلاة من ذكر وقراءة ودعاء وركوع وسجود وقيام وقعود، تسأله لدنياك وآخرتك. فالصلاة يا أمة الإسلام؛ تنمي الدين وتحف الذنوب، وتلحق بالصالحين، ويُستعان بها على أمور الدين والدنيا، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يقول رب العالمين: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] ويقول جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} [العنكبوت:45]. الركن الثالث: الزكاة: إنها جزء بسيط تدفعه من مالك لسد حاجة إخوانك الفقراء، وإصلاح مجتمعك، ففيها تزكية المال، وتطهير النفس من البخل الذميم، وتطهير القلب من الذنوب والآثام، فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما نقص مالٌ من صدقة}. فأدوا الزكاة يا عباد الله، وثقوا بوعد الله بالخَلَف العاجل، والثواب الآجل، واحذروا من الوعيد الشديد لمن منع الزكاة. الركن الرابع: صيام رمضان: وهو شهر واحد في السنة، يذكرك نِعَم الله عليك، وفي الصيام فضل عظيم لمن تقبل الله منه. الركن الخامس: الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً: وهو في العمر مرة واحدة، ففي الحج تُحط الذنوب والخطايا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. هذه أركان الإسلام يا أمة الإسلام، وهي أصول الدين الإسلامي، فبالله عليكم هل فيها من صعوبة؟ وهل فيها من خلل أو نقص حتى يأتي المشعوذون والكهَّان والسحرة ليأخذوا من أموال الناس بغير حق، ويشرعوا لهم أموراً نهى الله عنها ورسوله؟ هل بالإسلام نقص يا عباد الله؟ إن قلتم: لا، أو قلتم: نعم، فلا سمع ولا طاعة، بل السمع والطاعة لقول رب العالمين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وجنبنا وإياكم ما يغضبه ويأباه. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. واستغفروا الله يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير من أعداء العقيدة الإسلامية

التحذير من أعداء العقيدة الإسلامية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالْهُدى ودين الحق، أرسله بدين الإسلام، دين الرحمة، والعدالة، والعبادة، والمعاملة، فهدى الله به أقواماً وأضل عنه آخَرين. اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فلاح الرعيل الأول بهدي الإسلام

فلاح الرعيل الأول بهدي الإسلام فيا أيها الناس، اتقوا الله عزَّ وجلَّ. أمة الإسلام! تمسكوا بدين الإسلام، قوموا بدين الله حق قيام. أيها المسلمون! لقد وهب الإسلام للرعيل الأول من رجال هذه الأمة من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهبهم حياة جديدة في كل شيء، ونوراً جديداً أضاء لهم السبُل لكل شيء، فأحياهم بعد جمود، وجمعهم بعد فُرقة، وأغناهم بعد فاقة، وجعلهم أئمة الدنيا، يهدون الناس بإذن ربهم إلى طريق العدل وسبل الخيرات، ووسائل السعادة والسلام، وكانوا المثُل الحية للقلوب الحية، أولئك الذين تمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ممتثلين قول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. فيا أيها المؤمنون بكتاب الله الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ هذا كتاب الله يدعوكم إلى الوحدة، وهذا حديث رسول الله يحرم عليكم الخلاف والتفرقة، ويقول: {لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}. أيها المسلمون! أيها الشاب المسلم! اتق الله عزَّ وجلَّ في مستقبلك، احذر من أعداء الإسلام، احذر من أعداء العقيدة الإعلام.

الحذر من أهل المعاصي والبدع

الحذر من أهل المعاصي والبدع احذر من أعداء الأخلاق والآداب الإسلامية، احذر من هُوَّة الشيطان، احذر من دعاة الاستعمار، احذر من سمهم الملغوم في مجلاتهم السافلة، وفي أشرطة الفيديو الساذجة، وفي تسجيلاتهم الخبيثة، التي يبثونها عن طريق الإعلام. احذرها يا أخي المسلم، وابحث عن عقيدتك الصحيحة، وتعلم العقيدة الصحيحة قبل أن يغزوك أعداء الإسلام، ثم يستميلوا قلبك حبهم، وتشجيعهم على الباطل، فعند ذلك لا تجد لنفسك سبيلاً إلى الخير، كما فُعل بمن كان قبلك ممن شابوا وترعرعوا وشابت ذوائبهم على البدع والخرافات، فصاروا يتمسحون بتراب القبور، ويتوسلون الأضرحة، يذبحون لها الذبائح، وينذرون لها النذور من دون الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] أي: الخارجون عن طاعة الله، فمن تاب تاب الله عليه. فيا من فُتنتَ بهذه البدع والمنكرات، يا من فُتنت بهذه البدع المحدثات، ارجع إلى ربك عزَّ وجلَّ، فهذا القرآن لم يتغير، وهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدي المسلمين، سنتُه محفوظة، لله الحمد والمنة: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. أيها المسلمون! الله الله بعقيدة السلف الصالح تمسكوا بها، الله الله بالرجوع إلى الله، وإلى كتابه، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، الذي جاء بها بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين المتبعين لشرعه، وعلى جميع الصحابة أجمعين. اللهم أيقظنا واهدنا، ووفقنا للحاق بهم يا رب العالمين، ولننهج طريقهم المستقيم يا رب العالمين. اللهم أجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم قيض لهم علماء ورعين، عاملين بعلمهم غير مبتدعين يا رب العالمين. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجمع قلوبنا على الحق، يا رب العالمين، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين، يا رب العالمين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين. عباد الله! ألِحُّوا بالدعاء إلى الله أن ينصر إخوانكم المجاهدين الذين يتساقطون إِرْباً إِرْباً من القنابل والمدمرات، ويحمل عليهم العدو سلاحه، ادعوا الله أن ينصرهم، وأن يثبت أقدامهم، ولا تنسوهم من حطام الدنيا، أمدوهم يا إخواني، فإن النفقة في سبيل الله مخلوفة ومضاعفة. اللهم انصرهم بنصرك، اللهم أمدهم بقوتك وعونك فإنه لا حول ولا قوة إلا بك، يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، ومن أراد خذلاً للإسلام وأهله فاخذله يا رب العالمين، واعْمِ بصره، واصمَّ سمعَه، وقطعه إِرْباً إِرْباً، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له، يا سميع الدعاء. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وصلوا على رسول الله.

استعدوا ولا تغفلوا

استعدوا ولا تغفلوا لقد أنزل الله إليناً كتاباً لنتمسك به ولننتهجه في حياتنا، وأوجب علينا العمل به، وحذرنا من ترك العمل به وإهماله، وأمرنا بطاعته وطاعة رسوله، وذكر لنا عقوبته تعالى لمن تجرأ على انتهاك محارمه غافلاً أو متناسياً لشديد عقابه وقوة بأسه، وقد توعد الله من عصاه بأنواع من العقوبات في دنياه وآخرته.

وجوب طاعة الله ورسوله

وجوب طاعة الله ورسوله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واعلموا أن الله -تبارك وتعالى- أوجب طاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال في محكم البيان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:20 - 21]. ويقول جلَّ وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ويقول جل وعلا: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32]. عباد الله! إن الله غني عنا، وعن طاعتنا، وعن عبادتنا، ولكن نحن الفقراء المحتاجون إلى الله، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32]. نعم! يا عباد الله، يأمر رب العزة والجلال والإكرام بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن أطاع فله السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن عصى الله ورسوله فله العقوبات التي لا تُعد ولا تحصى، ولا تُحد ولا تستقصى؛ لهذا ختم الحكيم العليم، بذكر شدة عقابه لمن عصاه وعصى رسوله بالآيتين السابقتين في سورة النور، فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. إن المعاصي -يا عباد الله- هي التي تجر إلى الشقاء والبؤس والنقمة، وإن الطاعات والأعمال الصالحة هي ذريعة ووسيلة للصلاح والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. نعم! إننا نشكو من كثرة الحوادث والنوازل، نشكو من أمراض القلوب، ولا نفكر -أبداً- فيما تجر علينا هذه الحوادث والنوازل. وما الذي سبب لنا مرض القلوب، لا نفكر بذلك أبداً لماذا؟ لأننا لا نعتني بالغذاء الروحي وهو: القرآن العظيم والسنة المطهرة، لا نعتني بالأخطار التي نبهنا عليها ربنا جل وعلا، وحذَّرنا منها في القرآن، وحذرنا منها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ذلك بالرغم مما ندعيه أننا أهل الإسلام وأننا نحب الله ورسوله، ونسمع الآيات والأحاديث تصرح بتحريم الحرام، وتُحذِّر من الحرام، وكأننا لم نُقصد في ذلك البلاغ.

عقوبة الأمن من مكر الله

عقوبة الأمن من مكر الله يا عباد الله! الذنوب والمعاصي لها عقوبات تتنوع على قدر تلك الذنوب والمعاصي، فتارة تكون العقوبة في الدين، وهي من أعظم العقوبات، أتدري ما هي عقوبة الدين يا عبد الله؟ أن يُحال بين العاصي المدمن على الذنوب وبين الإيمان، فيكون ليس عنده إيمان، أو يكون ناقص الإيمان، ويُحال بينه وبين حسن الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك. يقول الله جلَّ وعلا: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] ويقول سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. ثم يقول جلَّ وعلا: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] هذه عقوبة الدين {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. وتارة تكون عقوبة المعاصي بالأبدان والأموال، من خسف، ومسخ، وإهلاك، وأخذ على غِرَّة وغفلة، كما أخبر الله جلَّ وعلا محذراً للأمة الإسلامية: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:45 - 47]. أو يأخذهم وهم على المدرجات غافلون عن أمر الله، يمر وقت الصلاة ثم الصلاة وهم لا يبالون بذلك، أو يأخذهم وهم عند الأفلام والتمثيليات، تمر أوقات الفضائل وهم على ذلك، أو يأخذهم وهم عند الفيديو وعندما يُبَث فيه من البلاء الذي عمَّ وطمَّ، وأمرض القلوب، بل أماتها، أو يأخذهم وهم على البَلُوْت والكِنْكَان، يقضون أوقات الفضائل ليلة الخميس التي تعرض فيها الأعمال على الله، أو يوم الجمعة الذي تكون فيه الساعة، وفيه ساعة إجابة يا عباد الله!! كل هذه أوقات قضوها في غفلة وإعراض عن الله عزَّ وجلَّ قال سبحانه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99]. عباد الله! لا تغتروا بما بُسط لكم من النعمة، فإنه قد بُسط على مَن كان قبلكم من النعمة فظنوا أن الإمهال إهمال، فجاءهم أمر الله وهم غافلون {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر:84] وما أُخذ قوم إلا عند غِرَّتهم وسلوتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإن أخذه أليم شديد. عباد الله! ألا نتعظ؟ ألا نعتبر؟ أم قد ران على القلوب الران. أمة الإسلام! إنها والله مصيبة عظمى، أن نرى ألوفاً مؤلفة تمر عليهم أوقات الصلوات وهم في غفلة معرضون. أين الخوف من الله جل وعلا؟! أفأمنوا أن ينزل عليهم عذاب الله وهم في أماكنهم جالسون؟ {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] نعوذ بالله من الخسران. أمة الإسلام! أين الدعوة إلى الله؟ البعض من الذين يجلسون على المدرجات، إذا قيل لهم: لماذا لم تصلوا؟ قالوا: نستحي ونخجل أن نقوم نصلي بين الجمهور، هذا الذي يحس بالصلاة يقول: نخجل، ويحصل عندنا الفشل والخجل، أن نقوم نصلي بين الجمهور!! الله أكبر! أين الخوف من الله يا عباد الله؟! أين الشعور بالإيمان يا عباد الله! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لـ معاذ: {لا تترك الصلاة وإن قُتِلْت وحُرِّقْت}. والله عزَّ وجلَّ لم يسقط عن المصافِّين في سبيل الله، فكيف بالجالسين على المدرجات، ينتظرون الشوط الأول والأخير، كيف لا يحسون بهذا الشرع العظيم؟! كيف لا يخافون من رب السماوات والأرض؟! كيف لا يخافون مِن الذي خلقهم وأوجدهم من العدم إلى الوجود؟ كيف لا يخافون من الله الذي أسبغ عليهم هذه النعم، فقابلوها بخلاف شكرها، وقابلوا هذه النعمة بخلاف المطلوب منهم. إن المطلوب والمقصود من المسلمين أن يشكروا الله عزَّ وجلَّ على هذه النعم، ولكن البعض من المسلمين قابلها بالنكران والكفران والعياذ بالله. زد على ذلك! ما فعله البعض من الناس عندما نزل هذا الغيث -نسأل الله أن يجعله مباركاً- عندما عملوا ضربوا المخيمات، وهربوا عن الصلوات، فصارت تمر عليهم الأيام وهم لا يؤدون الجمعة في المساجد -فإنا لله وإنا إليه راجعون- وصدق الله العظيم: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. عباد الله! إن الله إذا أُطيع رضي، وإذا رضي بارك، وليس لبركته نهاية، وإذا عُصي غضب، وإذا غضب لعن، ولعنتُه تبلغ السابع من الولد. فيا عباد الله! أما ترون ظهور هذه المنكرات التي انتشرت في ناديكم، في الحاضرة والبادية، فلم تشمئز منها القلوب، ولم تتمعر لها الوجوه، فأين الغيرة يا عباد الله؟ أين الأنفة؟ أين الإيمان يا أمة الإسلام؟ لماذا لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر؟ لماذا؟ أهذا اغترار بالله؟ أم أمْنٌ من مكر الله؟ {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99]. أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية. اللهم ارحمنا، اللهم ارحمنا، اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله! ليبلغ الحاضر الغائب، أن المسلمين اليوم قد ابتعد الكثير منهم عن تعاليم الإسلام، فليرجعوا إلى الله قبل أن يحل بهم ما حل بِمَن قبلَهم من العذاب والنقمات. أٌقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

وعيد الله لمن عصاه

وعيد الله لمن عصاه الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، على رغم أنف من جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: يا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله! احذروا عواقب الذنوب والمعاصي، فإنها تجلب النقم، وتسلب النعم. جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخَبَث}. نعم، هذه أم المؤمنين -رضي الله عنها- تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: {يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف} فتقول عائشة رضي الله عنها: {يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث}. عباد الله! إذا كثر الخبث فلا يحول دون عذاب الله شيء، بالرغم من وجود الصالحين والعلماء، وقد وردت أحاديث متعددة، بعناوين مختلفة في معنى التواصي بالخير، والمنع عن الشر، وإلا فإن الله سبحانه سوف يغار إذا انتهك العباد محارمه، وتعدوا الحدود، فسوف يسلط عليهم عذاباً من عنده. روى حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم}. أجَل، يا عباد الله! كيف يشتكي المسلمون من الحوادث والنوازل التي تفاجئهم فينة تلو الأخرى، وقد تغيرت أحوالهم وحياتهم رأساً على عقب. بل يجب على المسلمين أن يفكروا فيما إذا نزلت عليهم مصيبة أو فاجعة، أنها لم تنزل بهم إلا لأنهم سببوا لها، وأنهم كانوا يستحقون ذلك بما كسبت أيديهم. بشر الحافي رحمه الله: رأى قطعة فيها اسم الله، فرفعها، وطيبها، فهتف به هاتف: رفعت اسمنا فرفعنا قدرَك، أما الآن، فالأعلام فيها (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) صارت ملعبة بأيدي الأطفال، وتدوسها عجلات السيارات، هل رفعتم هذا الاسم يا عباد الله حتى يرفع الله قدركم؟ جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يبيت قوم من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو ولعب، ويصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير} هل نسمع هذا يا عباد الله؟ اسمع يا من أضعت العمر مع الملاهي، اسمع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: {يبيتُ قوم من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو ولعب، فيصبحوا قد مسخوا قردةً وخنازير، ولَيُصِيْبَنَّهم خسفٌ وقذفٌ حتى يصبح الناس يقولون: خُسِفَ الليلة ببني فلان، وخُسِفَ الليلة ببني فلان بدار فلان، ولَتُرْسَلَن عليهم حجارة من السماء كما أُرْسِلت على قوم لوط -على قبائل فيها، وعلى دور- ولَتُرْسَلَن عليهم الريح العقيم، التي أهلكت عاداً -على قبائل فيها، وعلى دور- بشربِهِمُ الخمرَ، ولبسهم الْحَريرَ، واتِّخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعة الرحم} رواه الإمام أحمد والبيهقي وصححه الحاكم. عباد الله! لا شك في أن هذه الأمور هي التي تسبب الكوارث والنكبات، كالزلازل، والأعاصير، والفيضانات، والمجاعات، واصتدام القطارات، والسيارات، والطائرات، وغيرها من الحوادث التي تتجدد كل يوم، وكذلك الأمراض والمصائب التي انتشرت في كل مكان. فإنا لله وإنا إليه راجعون. يا عباد الله! علينا جميعاً أن نرجع إلى ربنا عزَّ وجلَّ، ونتوب عما نحن فيه من التقصير، ونقلع من الذنوب، فإنه لا يخلف الميعاد، وعَدَ بالمغفرة من تاب، ويتوب على من تاب. عباد الله! اعلموا أنكم سوف تُوقَفُون بين يدي الله, ويسألكم عما استرعاكم عليهم، فأعدوا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً. وصلوا على الناصح الأمين، رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ترككم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، صلوا على من ختم الله به الرسالات، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، أعزهم عاجلاً غير آجل. اللهم يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما تريد، أسألك بعزتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، أن تغيثنا بعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، اللهم أغثنا بعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم اشرح صدورنا للإسلام، اللهم اشرح صدورنا للإسلام، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، أنت ولينا في الدنيا والآخرة، أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إن نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا؛ أن تصلح ولاة أمور المسلمين عامة، وولاة أمورنا خاصة، يا رب العالمين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، يا رب العالمين. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين. اللهم من أرادنا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والتبرج، والسفور، وجميع المنكرات، اللهم أبعدها عنا وعن جميع المسلمين يا رب العالمين. اللهم طهر بيوت المسلمين من جميع المنكرات يا رب العالمين، اللهم طهِّر بيوت المسلمين من جميع المنكرات، يا أرحم الراحمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اهد ضال المسلمين، وثبت مهتديهم يا رب العالمين. اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

آفات اللسان

آفات اللسان خطر اللسان لا يخفى، ومصائبه لا تحصى ولا تستقصى، ورب فلتة منه أوردت النار، وأورثت الخسارة والعار والشنار، ولا شيء أولى بالحفاظ عليه من اللسان، والإنسان بأصغريه: قلبه ولسانه.

خطر اللسان

خطر اللسان الحمد لله رب العالمين أحاط بكل شيء علماً, فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء, هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء, أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل, فاجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بالحذر من معاصيه ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم, واعلموا أن عليكم رقيبا ًعليماً, عليماً بكم لا تخفى عليه منكم خافية, ووكّل بكم حفظة قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [قّ:16 - 18] ويقول جل وعلا: {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11 - 12]. أيها المسلمون! أيها المؤمنون حقاً! أيها المؤمنون بالله وبرسوله وبكتبه وباليوم الآخر! اعلموا واعملوا, فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه, يسأل نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: {أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال صلى الله عليه وسلم: لقد سألت عن عظيم, وإنه ليسير على من يسره الله عليه, تعبد الله لا تشرك به شيئاًَ, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار -أي: تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار- وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلى قول الحق جل وعلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]} فما جزاؤهم؟ لا يعلم جزاءهم إلا الله حيث قال سبحانه: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. ثم يستهل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الوصية لـ معاذ ويقول: {ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله, فأخذ بلسانه وقال: كُفَّ عليك هذا} , يقول معاذ رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: {ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم}. أمة الإسلام: شاهدنا من هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: {وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم}. أمة الإسلام: هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لـ معاذ فحسب؛ بل لكل فرد من الأمة الإسلامية, إذ يرسم فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم طريق السلامة في الحياتين, ويرشد به إلى الفلاح والسعادة في الدارين (كف عليك هذا) ويشير إلى لسانه صلى الله عليه وسلم.

الاستهزاء بالدين

الاستهزاء بالدين أيها المسلمون: كم للسان من عثرات وهفوات محرمة, منها ما يوصل إلى الشرك والكفر والعياذ بالله, ومنها دون ذلك, فالاستهزاء بالله وبدينه وبكتبه وبرسله وبآياته وبعباد الله الصالحين الذين يعبدون ربهم كفر بالله, ومخرج من الإيمان وهو من حصائد اللسان, ألا فليحذر الذين يرمون المتمسكين بالدين بالرجعية, يحذرون من فلتات ألسنتهم التي يطلقونها بدون مبالاة, وبدون أن ينظروا إلى عواقب تلك الكلمات, فكم قالوا للمتدين: هذا رجعي, هذا متزمت, هذا موسوس؛ لأي شيء سموه بهذه الأسماء؟ لأنه صار متمسكاً بدين الله, راجعاً إلى المولى جل وعلا, راجعاً إلى الغفور الرحيم, حافظ على الصلوات، وترك لحيته، ورفع الثوب عن الكعبين, فهل في هذا رجعية؟! هل في هذا تزمت؟! هل في هذا وسوسة يا من تعقلون؟! أنا أجيب عنكم وأقسم بالله ثلاث مرات وأقول: كلا والله, ثم كلا والله, ثم كلا والله؛ بل هذا مطلوب من كل من يؤمن بالله ورسوله, لأن تارك الصلاة كافر, أكفر من اليهود والنصارى, يعتبر مرتداً, يقتل إذا أبى أن يجيب داعي الله مرتداً كافراً, خارجاً من دائرة المسلمين, لا يغسل, ولا يكفن, ولا يصلى عليه, ولا يورث؛ بل ينبذ بعيداً عن بلاد المسلمين, هذا تارك الصلاة. وحالق اللحية قد ارتكب محرماً لأن حلق اللحية حرام, أبى الذين يعارضون أم لم يأبوا, عارضوا أم لم يعارضوا, حلق اللحية حرام, بنصوص الكتاب والسنة, أما الكتاب فقوله جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اعفوا اللحى, أكرموا اللحى, ارخوا اللحى} كل هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا واضح من أحاديث الرسول, ومن أراد الزيادة فليرجع إلى صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتب أهل السنة يجد فيها أن حلق اللحية حرام في نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم, من أراد أن ينهي النفس عن الهوى فليرجع إلى الصواب, أما من أراد أن يتمادى ويطغى فموعده يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون. وجر الثوب حرام, جر الثوب الذي يعير به المتمسك بدين الله, الذي يرفع الثوب فوق الكعبين يقال له: موسوس, فاعلم يا من تعارض أن جر الثوب حرام، وما أسفل الكعبين ففي النار. وبعض الناس يقول: أنا لا أجره خيلاء, أنا أجره وأطول الثوب زينة! نقول له: تعال إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح لا يعارض: {ما أسفل الكعبين ففي النار} وليست النار تأكل الخرق, وإنما تأكل صاحب الخرق, تأكل الذي سحب الثوب والعياذ بالله, تأكل الذي يجر الثوب معصية لله ولرسوله, فلينتبه لذلك من أراد أن يتحرى الصواب ومن أراد أن يجيب داعي الله. عباد الله: الحذر الحذر من فلتات اللسان, ويا أيها الشاب المتمسك بدينه, اصبر فإن موعدك إن ثبت على دينك أن يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, اصبر على أذى الأب والأم, اصبر على أذى القرابة إن كانوا يعارضونك على ذلك, يقولون لك: موسوس ومتزمت ومجنون ولكن إن ثبت على ذلك فموعدك أن يظلك الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, الخلائق تحت شمس محرقة في أهوال شداد, يعانون منها يوم القيامة, وأنت إن كنت مطيعاً عابداً لله, فالله يظلك تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, فعليك أيها الشاب بالتمسك بدينك, والصبر على الأذى، فمن الأسف الشديد ما يصدر من بعض الآباء, يلقبون أولادهم بالمجانين وبالموسوسين لأنهم تمسكوا بدين الله وابتعدوا عن المنكرات, فلا حول ولا قوة إلا بالله! ولقد ورد في الحديث أن الرجل في آخر الزمان يعير بدينه كما تعير الزانية بزناها, وورد في الأثر في آخر الزمان أن المؤمن يكون أذل من الشاة, ورد في آخر الزمان أن المؤمن يمر على القبر ويتمرغ فوقه ويقول: يا ليتني مكانه مما يرى. فالتمسك بدين الله يا عباد الله, والقبض على دينكم أيها المسلمون, لا يغرنكم أهل الأهواء, لا يغوينكم شياطين الجن والإنس, الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

الكذب والغيبة

الكذب والغيبة فالحذر يا عباد الله من فلتات اللسان, ومنها الكذب والغيبة, الغيبة التي صارت فاكهتنا في مجالسنا, نمزق أعراض الآخرين وأولئك يمزقون الأعراض, في المكاتب والمجالس والأسواق, فإنا لله وإنا إليه راجعون. الغيبة التي وصفها الله بأبشع وصف كالذي يأكل لحم أخيه ميتاً, ثم النميمة وهي السعي بين الناس بطريق الإفساد, ويكفي بالنمام أنه لا يدخل الجنة, وفي الحديث: {لا يدخل الجنة نمام}. احذروا من فلتات اللسان؛ ومن الفحش والسب واللعن الذي هرم عليه الآن الكبير, وشب عليه الصغير, حتى إن بعض الأطفال إذا اجتهد في اللعنة قال: (يلعن أبوك يلعن أمك يعلن جدك!) والأب يتبسم ويضحك -ولا حول ولا قوة إلا بالله- والأب يفرح لأنه نطق بهذه الكلمة الخبيثة, بل يقول له: أعد يا بني ويستبشر بهذه الكلمة الخبيثة. كذلك القذف -يا عباد الله- كثيراً ما نسمعه كل هذا من حصائد اللسان: {وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, مع الأسف الشديد على آداب الدين وأخلاقه القويمة, لقد شاع في كثير من الناس أخلاق سيئة من حصائد اللسان, فكثير من الناس لا يبالون بالكذب, ولا يهتمون به, ولم يحذروا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}. وبعضهم يصف كذبته بأنها كذبة بيضاء أو كذبة صغيرة, والرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع امرأة تنادي طفلاً تقول: هاك فقال: {هل أردتي أن تعطيه شيئاً, قالت: نعم تمرة بيدي, قال: لو لم تصدقي لكتبت عليك كذبة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

الشائعات

الشائعات وكثير من الناس يشيعون أشياء بين الناس بمجرد الظنون بغير مبالاة, وربما كانت تلك الشائعات تسيء إلى أحد من المسلمين, وتشوه سمعته وليس لها حقيقة؛ فيبوء بإثم الكذب والعدوان على أخيه المسلم, ويخشى أن يكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل يتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار} حللوها يا عباد الله! وما أكثر تلك الكلمات التي يصدرها البعض من الناس, وفي صحيح البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب رضي الله عنه في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه ملكان فمرّا على رجل مستلق على قفاه, وآخر قائم عليه بكلوب من حديد فإذا هو يأتي إحدى شقي وجهه ويشرشر شدقه, ومنخره وعينيه إلى قفاه, ثم يفعل بالشق الآخر كذلك فما يفرغ منه حتى يعود الجانب الأول صحيحاً, فيرجع إليه ويشرشره كما فعل في المرة الأولى, فقال الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا الكذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق, فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة. فليحذر الذين ينقلون للناس ما يفكرون به من أوهام لا حقيقة لها, بل ربما يكون في كلامهم إلقاء للعداوة والبغضاء بين المسلمين, وإذا حصل ذلك حصل التفكك للمجتمع, والتفرق للجماعة من أجل أمور وهمية وظنون كاذبة. أيها المسلمون: عليكم بالتثبت في الأخبار, والتحري في نقلها, حتى لا تنقلوا إثماً ولا كذباً, فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب} وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما يتبين فيها) أي: لا يتثبت ولا يعلم هل هي خير أو شر, ويقول صلى الله عليه وسلم: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع}. أمة الإسلام: احفظوا ألسنتكم, لا تطلقوا لها العنان فتهلككم وتوردكم الموارد الوخيمة, وإذا أردتم الكلام في شيء فتذكروا كلام الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وتذكروا كلام الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت}. ثم اعلموا أنكم محاسبون على كل كلمة تخرج من أفواهكم, فما جوابكم يوم القيامة إذا سؤلتم؟ قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. فاتقوا الله يا عباد الله ونزهوا الألسنة عن كل ما يغضب الله جل وعلا, واشغلوها بذكر الله عز وجل, اشغلوها بقراءة القرآن, اشغلوها بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وسيرة صحابته الكرام, اشغلوا ألسنتكم بالنصح لإخوانكم المسلمين, وبالقول السديد امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. اللهم وفقنا لصالح الأعمال والأخلاق وأحسنها, واصرف عنا سيئ الأعمال والأخلاق وأبغضها إليك يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب حفظ اللسان

وجوب حفظ اللسان الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاًَ فيه كما يحب ربنا ويرضاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أدى الرسالة وبلغ البلاغ المبين، ونصح لأمته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل واحفظوا اللسان من عثراته وزلاته, ورد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان -أي: تذل وتخضع له- وتقول: اتق الله فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا} تلكم الجوارح لها خصومة مع اللسان؛ فاحفظوه يا عباد الله فإنه يوقع في المهالك, ولقد حذره من هو خير منكم, فهذا عمر رضي الله عنه يدخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوماً وهو يجذب لسانه بيده فقال له عمر رضي الله عنه: [[مه! يغفر الله لك, فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد]] فأين أنتم من أبي بكر يا معشر المسلمين؟ أين أنتم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أين أنتم من رجل لو وزن إيمانه بإيمان هذه الأمة لرجح إيمانه بإيمان هذه الأمة, أين أنتم من رجل يخير من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء, ثم هو يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد. فاتقوا الله يا عباد الله! واستخدموا اللسان فيما يعود عليكم نفعه في الدنيا والآخرة, كذكر الله عز وجل, وقراءة القرآن, والصلاة على رسول الله, وبذل النصيحة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من أبواب الخير, وألزموه الصمت امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت}. وصلوا على الناصح الأمين امتثالاً لأمر رب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد وطأتك عليهم, وارفع عنهم يدك وعافيتك, اللهم مزقهم كل ممزق يا حي يا قيوم, يا ذا الجلال والإكرام, اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم قيض لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه, وتحذرهم من الشر وتبعدهم عنه, إنك على كل شيء قدير. اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم لا تول عليهم الأشرار الذين يسومونهم سوء العذاب, لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان, ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم أقر أعيينا بصلاح أولادنا ونسائنا, اللهم اجعلنا وإياهم هداة مهتدين, اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد؛ أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, إلهنا من لنا سواك نلتجئ إليه, من لنا غيرك نستغيث به, من رب غيرك نطرق أبوابه, لا إله إلا الله عدد ما مشى فوق الأراضين ودرج, وسبحان الذي بيده مفاتيح الفرج, يا فرجنا إذا غلقت الأبواب, ويا رجائنا إذا انقطعت الأسباب, لا إله إلا أنت سبحانك ولا رب لنا سواك. اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب, تبنا إليك، رجعنا إليك, اللهم اقبل معذرتنا, اللهم اقبل توبتنا, اللهم محص ذنوبنا, اللهم سل سخائم صدورنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين, غير ضالين ولا مضلين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلوا على رسول الله وسلموا تسليماً كثيراً.

الصلاة

الصلاة الصلاة عماد الدين وركن ركين، يجب الحفاظ عليها وعدم التهاون بها أو تأخيرها، ولم يعد الصحابة ترك شيء من العمل كفراً إلا الصلاة، وقد جعلها صلى الله عليه وسلم فاصلاً بين الكفر والإيمان.

الحفاظ على الصلاة

الحفاظ على الصلاة الحمد لله الذي أحكم ما شرعه وأتقن ما صنعه، حد لعباده الحدود وشرع لهم الشرائع، وبين لهم كل ما يحتاجون إليه في أمر الدين والدنيا، فسبحانه من رب رحيم وإله حكيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

أوقات الصلاة

أوقات الصلاة أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها؛ فرض عليكم الفرائض لتصلوا بها إلى أحسن الغايات وأسماها، وأعلى الدرجات في روضات الجنات، ولتنجوا بها من عذاب النار ومن الهلكات، فرض عليكم الصلوات الخمس، وأمركم بإقامتها والمحافظة عليها فأدوها كما أمرتم؛ أدوها بشروطها وأركانها وواجباتها وأكملوها بمستحباتها، ولا تتهاونوا بها فتكونوا من الخاسرين. أيها الناس: إن كثيراً من الناس يتهاونون في صلاتهم، فلا يؤدونها في الوقت المحدد لها، فوقت الظهر: من زوال الشمس؛ وهو ما جاوز وسط السماء، وعلامته ابتداء زيادة الظل بعد انتهاء قصره، فيمتد وقتها من الزوال إلى دخول وقت العصر، وذلك بأن يكون ظل الشيء مساوياً له من ابتداء ظل الزوال. وينتهي وقت العصر باصفرار الشمس في حال الاختيار، وبغروب الشمس في حال الضرورة. ثم يدخل وقت المغرب، من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، أي حوالي ساعة ونصف من الغروب. ثم يدخل وقت العشاء إلى منتصف الليل، ووقت الفجر من طلوع الفجر الصادق وهو البياض المعترض في الأفق إلى طلوع الشمس، وصلاة الفجر منفصلة عن بقية الصلوات فبينها وبين العشاء من نصف الليل إلى طلوع الفجر، وبينها وبين الظهر من طلوع الشمس إلى زوالها، قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] وهذه تستوعب أوقات الصلوات الأربع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم فصل وقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] يعني: صلاة الفجر سماها الله قرآناً لطول القراءة فيها: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْر كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] أي: تشهده الملائكة. هذه أوقات الصلوات وقْتَّها الله ورسوله، فلا يحل لمسلمٍ أن يقدم من صلاته جزءاً قبل الوقت، ولا يحل له أن يؤخر منها جزءاً بعد الوقت المحدد لها، إلا إذا كان ينوي الجمع، أو لضرورة، وإذا كان ذلك لا يحل ولا يجوز؛ فكيف بمن يؤخرون جميع الصلوات عن وقتها كسلاً وتهاوناً وإيثاراً للدنيا على الآخرة، ويتنعمون بنومهم على فراشهم، ويتمتعون بلهوهم ومكاسبهم كأنما خلقوا للدنيا، كأنما خلقوا (للبلوت والكنكان) كأنما خلقوا للميسر والقمار، والليل الطويل يذهب مع ذلك وهم لا يبالون بعقاب الله.

التحذير من تأخير الصلاة عن وقتها

التحذير من تأخير الصلاة عن وقتها أمة الإسلام: كيف يكون حال الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها بغير عذر شرعي، وإنما لإشباع رغباتهم وشهواتهم مع أمور تافهة، وأسبابٍ واهية، كأنهم لا يسمعون القرآن وهو يحذرهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] فيا أيها المتأخر عن الصلاة، أيها المؤخر للصلاة عن وقتها. ما هو الويل؟ هل هو حديقة؟ هل هو (فلة) واسعة؟ هل هو ملعب واسع؟ لا. {ويل وادٍ في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره} لمن هو؟ لمن يؤخر الصلاة عن وقتها، هو يصلي ولكنه أخر الصلاة عن وقتها فجزاؤه ويلٌ في جهنم. كأنهم لا يسمعون، ولا يقرءون قول الحق جل وعلا في محكم البيان وهو يقول: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59] اتبعوا الشهوات، وما أكثر الشهوات في زماننا الممرض المميت! ما أكثر الشهوات التي نتبعها ونضيع من أجلها الصلوات! نجلس في الملعب حتى يذهب وقت الظهر والعصر والمغرب، ثم العشاء في الخصام؛ من الذي غلب ومن الذي لم يغلب، ثم إلى الفجر ونحن من تشجع ومن لم تشجع خمس صلوات، ثم ليالي الخميس وليالي الجمعة نقضيها في حفلات الزفاف حتى يؤذن الفجر، فإذا طلع الفجر نمنا فكأننا جيف. الليالي المفضلة نقضيها مع (البلوت والكنكان) وما أدراك من اللعب الكثيرة التي أدخلها علينا أعوان الشيطان وأعداء الإسلام، نقضي معها الليالي الطويلة والأوقات الكثيرة، ثم نقول: إنما نرفه النفس، مسكين. فهذه النفس أنت مسئول عنها يوم القيامة، مسئول عن أوقاتك التي تضيعها في هذه الملاهي والملاعب الباطلة، مسئولٌ عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون. نَفَسُك لا يمضي إلا وأنت محاسب عليه، وأنت تقول ساعة لدينك وساعة لدنياك، خسرت بهذه الكلمة الباطلة التي ألقاها إليك الشيطان، من أين أتتك هذه الفتوى: ساعة لدينك وساعة لدنياك؟ بل محرم عليك الباطل واللهو سواء كنت فارغاً أو لم تكن فارغاً، محرم عليك الباطل التي حرمته الشريعة الإسلامية؛ فما هو الداعي لأن تفتي لنفسك ساعة لدينك وساعة لدنياك، اتق الله يا من استهوت به الشهوات! اتق الله يا من جعلت الشيطان لك إماما! اتق الله يا من عبدت هواك من دون الله! {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] وغي: وادٍ في جهنم، ولكن من رحمة أرحم الراحمين استثنى وقال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:60] حكم عدل لا يظلم شيئاً {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] بعد أن تسرف، بعد أن تهلكك الذنوب ثم ترجع إلى الله، يقبلك أرحم الراحمين {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:60].

التوبة من التهاون بالصلاة

التوبة من التهاون بالصلاة فعلينا يا أمة الإسلام بالتوبة إلى الله، علينا بالتوبة إلى رب العالمين، علينا بالإقلاع من الذنوب والخطايا قبل أن ينزل بنا هادم اللذات، قبل أن ينزل بنا الموت، قبل أن تحل بنا سكرات الموت، فما عندنا إمكان أن نتوب أو نرجع. أمة الإسلام: لا تكونوا إمعة، لا تكونوا كالأنعام، ألم تبلغكم أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم في وعيد من أضاع الصلاة؟ أولم يبالوا بذلك؟ لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله} أي: كأنما أصيب بفقد أهله وماله. فسبحان الله كيف يليق بك يا أخي المسلم تأكل الغداء، ثم تنام إلى المغرب؟ أما تخاف من جبار السماوات والأرض؟ أما تخاف من المطلع على السرائر فسبحان الله. أمة الإسلام: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر وينذر ويقول: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله} وفي الحديث الذي في صحيح البخاري: {من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله} أي: إنما أصيب بفقد أهله وماله، فسبحان الله ما أعظم الأمر وما أكثر الخسارة للذي تفوته صلاة العصر! تصوروا لو أن شخصاً من بيننا كأن له أموال وأهل وكان مبسوطاً في ماله وبين أهله، ثم أصيب بجارحة أتلفت أمواله وأهلكته، فما تكون حالة الناس بالنسبة له؟ إنهم لابد أن يرحموه، ولا بد أن يواسوه، في هذه المصيبة ويقدموا له أنواع العزاء، ومع ذلك وللأسف الشديد نرى كثيراً من الناس تفوتهم الصلاة إثر الصلاة، الصلاة بعد الصلاة، ولا يحزنون لذلك ولا يبالون لما حدث، فعليكم أيها المسلمون أن ترحموهم بالتخويف لهم من عذاب الله وعقابه قبل أن يعمنا العقاب جميعاً، وعلينا بالمناصحة لله.

الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة وكذلك يجب مناصحة الذين يتهاونون بالخشوع بالصلاة؛ والخشوع هو لب الصلاة وروحها وهو: حضور القلب وسكون الأعضاء.

حضور القلب في الصلاة

حضور القلب في الصلاة فأما حضور القلب: فكثيرٌ من المصلين من حين دخوله في الصلاة يبدأ يتجول يمينا وشمالاً في التفكير، ومن العجب أنه كان لا يفكر في هذه الأمور قبل أن يدخل في الصلاة، وأعجب من ذلك أنها أمور لا فائدة منها غالبا، فهي لا تهمه في شئون دينه ولا دنياه، ولكن الشيطان عدو بني آدم، يجلبها إليه ليفسد عليه صلاته، ولهذا تجده يخرج من صلاته وما استنار بها قلبه، ولا قرت بها عينه ولا انشرح بها صدره ولا قوي بها إيمانه، بل كأنه في سجن والعياذ بالله؛ لأنها صارت عبارة عن حركات كحركات الآلة، وإن هذا الداء -الهواجيس والتفكير في الصلاة- لداء مستفحل، ومرض منتشر ليس بين عامة الناس، ولكن بين عامة الناس وخواصهم حتى ذوي العلم والعبادة، إلا من شاء الله تعالى ولكن لكل داء دواء ولله الحمد، فإذا أحس الإنسان بذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليستحضر أنه بين يدي الله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وليتدبر ما يقول في صلاته من الآيات وما يفعل، فلعل الله أن يذهب عنه ما يجد.

سكون الجوارح

سكون الجوارح وأما سكون الجوارح: فكثير من المصلين لا تسكن جوارحه بل تجده يعبث بيديه ورجليه أو عينيه أو رأسه، وأحيانا يحرك يده ينظر إلى ساعته، ويعبث بلحيته يقدم رجله ويردها، يرفع بصره إلى السماء، ورفع البصر إلى السماء في الصلاة ينافي الأدب مع الله، ولذلك كان حراماً رفع البصر إلى السماء حال الصلاة، وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيراً بالغاً وقال فيه قولاً سديداً: {ما بال أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم} فاشتد قوله في ذلك حتى قال: {لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم}. فاتقوا الله عباد الله واحذروا أن تتعرضوا لعقوبة الله.

حكم الحركة لمصلحة الصلاة

حكم الحركة لمصلحة الصلاة أما الحركة التي لمصلحة الصلاة فهذه لا بأس بها بل هي مطلوبة، ولذلك أخر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما حين صلى معه فوقف عن يساره، فأخذ برأسه من وراءه فجعله عن يمينه، فإذا تحرك المصلي لتعديل الصف، أو للقرب من الصف أو للدخول في الصف أو للدخول في الصف المقابل له أو جر أخاً له لسد الخلل بينهما فكل ذلك جائز بل مطلوب؛ لأنه من تكميل الصلاة فانتبهوا لذلك يا عباد الله. واتقوا الله أيها المسلمون في صلاتكم؛ اتخذوها كما افترضها الله عبادة، ولا تتخذوها عادة، اخشعوا فيها لربكم وأحضروا فيها قلوبكم، وسكنوا فيها الجوارح؛ فإن الله مدح الخاشعين في صلاتهم ووعدهم بالفردوس فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10 - 11]. اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

محاسبة النفس مفضية لمراقبتها

محاسبة النفس مفضية لمراقبتها الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله عز وجل حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أمة الإسلام: ليحمد الله كل واحد منا على نعمة الإسلام والإيمان، ولنعلم أن الله عز وجل يرانا ويسمع ما نقول ويعلم ما تكنه ضمائرنا، وأن الله منحنا العقل لنحب ما ينفع ونكره ما يضر، ونأخذ الحلال ونترك الحرام، فعلينا أن نحاسب أنفسنا وأن نرجع إلى طاعة المولى جل وعلا الذي خلقنا، ورزقنا وحبانا بالعافية، وأطعمنا وسقانا وكسانا، ومتعنا بالعقول وبالأسماع وبالأبصار وبالعلم والمعرفة، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، فلنحمد الله على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأعمالنا، بأداء ما افترض الله علينا، وترك ما حرم الله علينا، وفي مقدمة ما افترض الله علينا توحيد الله جل وعلا، وإخلاصه بالعبادة وحده لا شريك له، ثم بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المساجد التي بنيت لإقامة الصلاة وذكر الله فيها؛ فالصلاة يا أمة الإسلام هي عماد الدين، والصلة الوثيقة برب العالمين، وهي شعار المسلم، وهي الفارقة بين الإسلام والكفر، وهي تكفر الذنوب والآثام وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد أوجبها الله على كل مسلم بالغ عاقل، أوجبها الله على كل حال في الصحة والمرض ما دام العقل حاضراً، والإقامة وفي السفر والأمن والخوف على قدر الاستطاعة.

تارك الصلاة كافر حلال الدم

تارك الصلاة كافر حلال الدم اعلموا يا أمة الإسلام أن تارك الصلاة كافر حلال الدم والمال، وأنه لا يزوج بالمسلمة؛ بل إذا تبين أنه تارك للصلاة، فإنها تفسخ منه، ولا يرث ولا يورث ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، الأمر عظيم وخطير يا أمة الإسلام، إلا من تاب وآمن وأقام الصلاة وندم على ما فات من تقصيره فإن الله يتوب على من تاب. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على الناصح الأمين، صلوا على من أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك القائل {من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحابك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام، اللهم انصر أئمتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، اللهم اقض الدين عنا وعن جميع المسلمين، اللهم نفس كرب المسلمين، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تخذلنا بمعصيتك، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، نستغفرك الله من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، اللهم إنا نتضرع إليك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا مغيث اللهفان يا مجيب الدعوات، يا محل الكربات، يا محل الشدائد والبليات، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم أحيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، لا إله لنا إلا أنت، ولا رب لنا سواك، أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغيثنا، اللهم أغثنا، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الثبات ومواجهة الكيد

الثبات ومواجهة الكيد المكايد التي تكاد للإسلام عظيمة، تربتها النفس البشرية الضعيفة، وماؤها الثقافة الغربية، والزارع الشيطان وأعوانه؛ فينبغي للمسلم الثبات على دينه، والاستقامة على منهجه والحذر من مضلات الفتن والأهواء.

الاعتصام بدين الله

الاعتصام بدين الله الخطبة الأولى:

الفلاح في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

الفلاح في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! أيها المؤمنون حقاً! اتقوا الله عز وجل واشكروه على نعمة الإسلام. أيها المؤمنون! بين أيديكم دينٌ عظيم اختاره الله لكم، ومنَّ به عليكم، وفضلكم به على كثير ممن خلق تفضيلاً، فهو دين الإسلام، دين اشتمل على كل ما اشتملت عليه أديان الأنبياء، بل دينٌ نسخ جميع الأديان {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] وينوه رب العزة والجلال فيقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. والذي بعث لتبليغ هذا الدين هو محمد صلى الله عليه وسلم خير رسول عرفته البشرية، فهو أفضل المرسلين وخاتم النبيين، من الله على المؤمنين ببعثته، فهو نور سطع على الدنيا انجلت به ظلمات الجهل والشرك، يقول المولى جل وعلا بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] فبمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاح، فالله جل جلاله علَّق سعادة الدارين بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاوة في الدنيا والآخرة. وقد أقسم رسول البشرية محمدٌ صلى الله عليه وسلم: بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. عباد الله! هذا ربكم جل وعلا في محكم البيان يوصيكم ويقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. عباد الله! بالتمسك بهذا الدين، دين العزة والكرامة، دين مكارم الأخلاق بجميع أنواعها، دين العزة والرقي والأمن والطمأنينة، دين المحاسن بأنواعها؛ بالتمسك به يحصل الأمن والأمان والسلامة والإسلام، إن دين الإسلام ما وجد من فضيلة إلا حث على التخلق بها، ولا من رذيلة إلا حذر من قبحها وبين سوء عاقبتها، فما بال أكثرنا يسير على غير هدى ويقلد الكفار فيما حرمه الله ورسوله؟

نماذج للثبات على الدين

نماذج للثبات على الدين قد أهمل الكثير أمر الدين، واستهانوا بحقوق الله ورسوله، وعبثوا بواجبات دين الإسلام، وتجرئوا على انتهاك حرمات الله، واستبدلوا ذلك بأخلاق الكفار وعاداتهم وتقاليدهم مع الأسف الشديد! أيها المسلمون! إن المسلم الحقيقي لا يرضى لدينه بديلاً مهما كلفه الأمر، ومهما بذل من قبيل الكفرة من المغريات، أو ناله منهم من الأذى. نعم. إن المسلم يبقى أمام كل فتنة صلباً في دينه متمسكاً بعقيدته، ولنا في سلفنا مثالاً، فهذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه يشتد عليه أذى الكفار حتى أنهم يطرحونه على ظهره في رمضاء مكة الملتهبة بالحرارة، ويضعون الصخرة الثقيلة على صدره يريدون منه أن يترك هذا الدين، فيصمد ويثبت على دينه ويقول: [[أحدٌ أحد]] هذا مثال ضربه لكم بلال رضي الله عنه؛ ضربه للذين إذا قيل لهم أنت موسوس أو أنت مطوع انحرف وابتعد عن دين الله. وهذا حبيب بن زيد يقول له مسيلمة الكذاب: قل لا إله إلا الله، فيعلنها ويقول: لا إله إلا الله، فيقول له مسيلمة: قل: أشهد أن مسيلمة رسول الله، فيقول: لا أسمع، ثم يقطعه مسيلمة عضواً عضواً ويأبى أن يقول: مسيلمة رسول الله حتى لقي ربه صابراً محتسباً، هكذا الابتلاء يا عباد الله. وهذا عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه يأخذه ملك النصارى أسيراً عنده ويقول له: اتبعني وأشركك في ملكي، فيأبى ويقول: لا أبغي بدين محمدٍ صلى الله عليه وسلم بديلاً، ثم يحمي ملك الروم النحاس بالنار ويغلي القدور لتعذيبه، وعند ذلك يبكي عبد الله بن حذافة، فيطمع ملك الروم برجوعه عن الإسلام ويقول: تتبعني وتترك دينك، فيرد عليه عبد الله بن حذافة رضي الله عنه بقوله: ما بكيت خوفاً على نفسي، ولكن وددت أن يكون لي نفوساً عدد شعري تعذب في سبيل الله فتدخل الجنة بغير حساب. الله أكبر الله أكبر! وهذا عمار بن ياسر وأبوه وأمه سمية وأهل بيته عذبوا في الله ليتركوا دين الإسلام فصبروا على العذاب وتمسكوا بالإسلام، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليهم وهم يعذبون ويقول: {صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة}. وهذا خباب بن الأرت عُذب في الله وصبر على دينه، وكان من تعذيب المشركين له أن أوقدوا له ناراً وسحبوه عليها فما أطفأها إلا شحم ظهره لما ذاب، كل ذلك وهو صابر على دينه لا يتزحزح عنه قيد شعرة، وكانت أم أنمار وهي سيدته أشد حنقاً عليه من قومها فجعلت تجيء إلى خباب يوماً بعد يوم فتأخذ حديدة محمية من كيره الذي يلين فيه الحديد لصناعة السيوف، فتأخذ تلك الحديدة وتضعها على رأسه حتى يدخن رأسه، ويغمى عليه وهو يدعو عليها، واستجاب الله دعائه فقد أصيبت بصداع لم يسمع بمثل آلامه قط، فكانت تعوي من شدة الوجع كما تعوي الكلاب، وقام أبناؤها يستطبون لها في كل مكان فقيل لهم: إنه لا شفاء لها من أوجاعها إلا إذا دأبت إلى كي رأسها بالنار فجعلت تكوي رأسها بالحديد المحمى فتلقى من أوجاع الكي ما ينسيها آلام الصداع، وهكذا جزاء الظالمين يا عباد الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42] ألا فليحذر الذين يحدثون في دين الله ما ليس فيه أن يدعو عليهم الصالحون فتستجاب دعوتهم.

حنظلة يضحي بحياته في أيام عرسه

حنظلة يضحي بحياته في أيام عرسه أيها المسلمون! هذه نماذج من ثبات المسلمين على دينهم مع شدة الأذى والتعذيب، أضف إلى ذلك ما قدموه في سبيل حماية هذا الدين ونشره، من جهاد بالأنفس والأموال؛ يتساقط منهم مئات الشهداء في المعارك وهم مغتبطون بذلك فخورون، بل تركوا من أجله الديار والأموال، وهاجروا فراراً بدينهم أن يخدش أو يدنس يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، وما ذلكم إلا لما عرفوا في هذا الدين من الخير والسعادة، وتأصل حبه في قلوبهم حتى صار أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأموالهم وديارهم، وإليك أنموذجاً شيقاً ظهر من شابٍ من شباب الإسلام الذين جاهدوا في الله حق جهاده، إنه حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنه؛ حيث تزوج بامرأة جميلة، ودخل بها تلك الليلة وجامعها ولم يغتسل من جنابته وإذا بمنادي الجهاد يقول: حي على الجهاد حي على الجهاد، فخرج تاركاً زوجته الجميلة وفراشه الدافئ والتحق بصفوف المسلمين وقتل شهيداً، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عجباً وهو يسأل عن أهل حنظلة، ودل على زوجته، فتعجب الصحابة: لماذا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما سأل زوجته: ما شأن حنظلة، قالت: إنه جامعني وخرج قبل أن يغتسل من الجنابة لما سمع منادي الجهاد، قال: لقد رأيت الملائكة تغسله بماء السلسبيل في صحائف من ذهب وفضة بين السماء والأرض.

حال بعض المسلمين اليوم

حال بعض المسلمين اليوم هكذا المسلمون الذين يغارون على دينهم، أما مسلمو هذا الزمان فهم يسمعون الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم فلا يجيبون داعي الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحنظلة رضي الله عنه يخرج من زوجته الجميلة ومن فراشه، وقبل أن يغتسل من الجنابة يلتحم في صفوف المسلمين ويخر صريعاً في سبيل الله إجابةً لنداء الله، والمسلمون الآن أكثرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله تشكو إلى الله صلاة الفجر من أفعالهم، لا يعرفون الصلاة إلا في رمضان، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ألا يخافون من عقاب الله ألا يخشون أن يكونوا من المنافقين الذين موعدهم في الدرك الأسفل من النار، نعم. أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، فليحذر الذين يتخلفون عن صلاة الفجر أن يكونوا من المنافقين الذي موعدهم الدرك الأسفل من النار، فالظهر والعصر والمغرب والعشاء كلها فرائض لله ألحق بها الفجر يا عبد الله، اتق الله قبل أن يأتيك هاذم اللذات وأنت لا تعرف صلاة الفجر. اتق الله يا عبد الله، خف الله، راقب الله؛ منادي الله ينادي: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، وقد أثقلك عن صلاة الفجر سهرك مع الملاهي والمعاصي لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنا لله وإنا إليه راجعون! عبد الله! رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: {من صلى البردين دخل الجنة} أتدري ما البردان؟ إنهما الفجر والعصر فحافظ عليهما إن أردت أن تكون من أهل الجنة. وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه، وجنبنا جميعاً ما يغضبه ويأباه إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

مواجهة الغزو الفكري وغيره

مواجهة الغزو الفكري وغيره الخطبة الثانية:-

التحذير من المعاصي

التحذير من المعاصي {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2 - 3] وعد الصالحين بجنته ومستقر رحمته، وتوعد العصاة بدار نقمته وزوال نعمته، وهي جهنم التي وقودها الناس والحجارة، رب العالمين، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، فهو إله الأولين والآخرين، أحمده سبحانه وأسأله أن ينظمنا في سلك عباده الصالحين، وأن يجعلنا من حزبه المفلحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وتأسوا بسلفكم الصالح، فقد كان المسلمون إذا سمعوا الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية استجابوا لداعي الله وأقلعوا عن الخطيئة، ولم يصروا على ما فعلوا من المخالفات الشرعية، أما نحن فكم نسمع من الآيات والأحاديث، ولكن ران على القلوب الران، واستحوذت على القلوب الغفلة، واستحسنت القلوب الفسوق والعصيان، فأقبلت على الفساد وأعرضت عن تعاليم الملك الديان إلا القليل. أيها المسلمون! إذا نظرنا بدقة إلى ما نحن عليه الآن من فساد الأخلاق ومجاهرة الفساق بأوصاف النفاق، رأينا بوناً شاسعاً بين المسلمين وتعاليم الكتاب المبين، وبين سيرة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. أجل يا عباد الله! لقد استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فزعاً محمراً وجهه يقول: {لا إله إلا الله لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح الليلة من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها قالت زينب بنت جحش رضي الله عنها: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم إذا كثر الخبث}.

الدعوة إلى مجتمع صالح

الدعوة إلى مجتمع صالح أجل يا عباد الله! إن المجتمع الذي يهتدي بنور الدين، ويعمل بشعائر الإسلام، ويتحلى بالأخلاق القويمة هو المجتمع الرفيع الراشد السعيد، هو المجتمع الذي كتب الله له العزة، ووعده بالخلافة في الأرض لصلاحه كما هي سنة الله في الذين خلوا من قبل؛ فإن الصالحين يعم الله بصلاحهم ويقطع بهم دابر الفساد؛ لما يقومون به من الدعوة إلى الله وإظهار دينه، وعلى العكس يا عباد الله! على العكس من هذا المجتمع السعيد مجتمع الفشل، المجتمع الذي يتمادى فيه الأقزام المفسدون بطغيانهم وإفسادهم، المجتمع التي تنتكس فيه الأوضاع، فيصبح فيه المنكر معروفاً والمعروف منكراً، حتى أنهم في بعض المجتمعات المنهارة، المجتمعات المنحطة يسمون المتدين المتمسك بدينه رجعياً متطرفاً، لذلك تجد ضعفاء الدين الذين لم يذوقوا طعم الإيمان إذا سمعوا هذه الألفاظ ذهبوا وعمدوا إلى لحاهم وحلقوا اللحى، وأطالوا الثياب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا سمعوا هذا الألفاظ عمدوا إلى الإستريوهات واشتروا الأغاني ليقلدوا أولئك الفسقة الذين خرجوا عن دين الله بفسقهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنهم يسمون المتحلل من الدين والمتحلل من الخلق القويم يسمونه منطلقاً وحراً، ألا بئست الانطلاقة وبئست الحرية، يشربون الخمور وهي أم الخبائث التي جنت الفضائح، وخربت الدور العامرة وأفسدت البلاد، يسمونها المشروبات الروحية، ألا بئس ما يصنعون. وبأساليبهم الخبيثة؛ بمجلاتهم وجرائدهم ينادون المرأة المتحشمة المتمسكة بدينها، ويسمونها المعقدة والمقيدة بالأغلال، ويريدونها أن تخطو الخطوات الشيطانية، يريدونها أن تخرج في ميدان العمل لتزاحم الرجال في مجتمعاتهم، لتخرج على شاشة التلفاز، لتخرج في المسرح لتمثل، إنها دعوةٌ إلى الدعارة، دعوةٌ إلى السفور، دعوةٌ إلى الشر المستطير والجاهلية، ألا تنكرون ذلك أيها المؤمنون، ألا تغارون على محارمكم، ألا تهتكون هذه المجلات، ألا تحاربونها بكل ما أتاكم الله من علم وبصيرة، فإنها تنشر الشر والفساد، وتنشر الدعارة وسوء الأخلاق بين العباد، إنهم يريدون أن تخرج المرأة سافرة متعطرة عليها اللباس القصير تقود السيارة وتزاحم الرجال في مجتمعاتهم، وهل عرف هذا في مجتمع الإسلام سابقاً يا عباد الله، قولوا: (لا) في قلوبكم وأنا أعلنها على هذا المنبر: لا ثم لا ثم لا، بل عاشت المرأة المسلمة متحشمة عفيفة صانها رجال الأمن والإسلام في أول الإسلام.

إصلاح المرأة

إصلاح المرأة وهذا رسول الله يضرب لكم مثلاً في فاطمة رضي الله عنها ويقول: {يا فاطمة! ما خير مال المرأة؟ قالت: ألا ترى الرجال ولا يرونها، فضمها إلا صدره وقال: ذريةٌ بعضها من بعض} هكذا يا عباد الله كان السلف الصالح، نشأوا على هذه الأخلاق الطيبة، ولكن أعداء الإسلام وأعداء المسلمين يريدون أن يخرجوا هذه المرأة المتحشمة، حسدوها على هذه النعمة، حسدوها على هذه العفة، حسدوها على هذه الحشمة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين، وأخلاق الإسلام وأخلاق المسلمين، وعقيدة الإسلام وعقيدة المسلمين، من أرادها بسوءٍ وشرٍ وهدمٍ فاجعل كيده في نحره ودمره تدميراً يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. عباد الله! صلوا على رسول الله الذي أتاكم من الله ليخرجكم من الظلمات إلى النور، لقد أمركم الله فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أيقظنا من رقدتنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا التي استحسنت الجرائد والمجلات، واستحسنت الأفلام والتمثيليات، اللهم أخرج هذه الأمراض من قلوبنا، اللهم أخرج هذه الأمراض من قلوبنا، واستبدلها في قلوبنا القرآن والسنة يا رب العالمين. عباد الله! والله إنه لا صلاح لكم ولا سعادة، إلا إن رجعتم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمسكتم بهما وطبقتموهما بحذافيرهما، فإنكم سترون السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما إذا استمررنا على هذا الانحطاط كل يوم مجلة، أو خمس مجلات تدخل البيوت، والأفلام من جهة والتمثيليات من جهة، فإنكم ستفقدون هذه الغيرة وسيخسف بالقلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم انصرنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أكرمنا بالإسلام، اللهم ارفعنا بالإسلام، واجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير مطبقين له، ناهين عن الشر ومبتعدين عنه يا رب العالمين، اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم أبعد عنهم جلساء السوء، اللهم أبعد عنهم جلساء السوء الذين لا يحذرونهم من الشر بل يدعونهم إليه، اللهم قرب منهم جلساء الخير، اللهم قرب منهم العلماء الورعين العاملين الذين يعينونهم إذا ذكروا ويذكرونهم إذا نسوا يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونسائنا واجعلهم قرة أعين لنا، واحمنا وإياهم من مضلات الفتن يا رب العالمين، اللهم أجرنا من مضلات الفتن. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم نسألك أن تجمعنا ووالدينا ووالد والدينا، وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى، اللهم اجمعنا في جنات الفردوس الأعلى، اللهم اجمعنا في جنات الفردوس الأعلى، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الرحمين. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

لا تكونوا كالذين نسوا الله فنسيهم

لا تكونوا كالذين نسوا الله فنسيهم من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم مواسم للخيرات ليحثهم على المسارعة في الطاعات كشهر رمضان الكريم؛ فإن فيه تُضاعف الحسنات، وبعد انقضاء هذا الموسم العظيم يعود كثير ممن أقبلوا على الطاعات إلى التفريط فيها وارتكاب المنكرات كترك الصلوات والتهاون في تأديتها، فيقال لهؤلاء وأمثالهم: إن عبادة الله ليس لها وقت معين تنتهي إليه دون الموت؛ فهناك أعمال صالحة بعد رمضان كصيام الست من شوال ونحوها.

العبادة حق الله لا تنتهي إلا بموت العبد

العبادة حق الله لا تنتهي إلا بموت العبد الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، ولازموا طاعة مولاكم في السر والعلانية. أمة الإسلام: يا أمة التوحيد! يا أمة القرآن! هاأنتم تودِّعون شهر رمضان المبارك الذي كان ميدان تنافسٍ للصالحين بأعمالهم، ومجال تسابق للمحسنين بإحسانهم، وعامل تهذيب النفوس المؤمنة، روضها على الفضيلة، وارتفع بها عن الرذيلة، وأخذت فيه دروساً للسمو الروحي، والتكامل النفسي، فجانبت كل قبيح، واكتسبت فيه كل هدى ورشاد، فيجب على تلك النفوس المؤمنة أن تستمر على نهج الهدى والرشاد، والاستقامة على طاعة المولى جلَّ وعلا كما كانت في رمضان، فإن في دوامها على ذلك الهدى والرشاد والاستقامة نعيم الصالحين، وإرضاء رب العالمين. أمة الإسلام: ليس للطاعة زمنٌ محدودٌ تنتهي بانتهائه، ولا للعبادة أجلٌ معينٌ، بل العبادة هي حق الله على العباد {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] نعم يا عباد الله! الله جلَّ وعلا لم يخلقنا ليستكثر بنا من قلة، ولا ليستقوي بنا من ضعف، بل خلقنا لطاعته، خلقنا لابتلاءٍ وامتحان، خلقنا للعبادة. والعبادة: هي حقٌ لله يقوم بها العباد في جميع الأوقات، ويشغلون بها فرص الحياة، ويقطعون بها سويعات العمر، فالعبد الذي يقطع مرحلة الحياة في طاعة الله، وفي مرضاة الله، هو من أوليائه المتقين الذين وعدهم الله بعظيم الأجر، وسابغ الفضل، حيث يقول وهو أصدق القائلين: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [المرسلات:41 - 44] هكذا يجزيهم المولى جلَّ وعلا، هكذا يجزيهم رب العالمين أحكم الحاكمين وأعدل العادلين؛ لأنهم عاملوه معاملة العارفين الذين عرفوه حق المعرفة، فقدروه حق قدره، وقاموا بحقه حق القيام، فجازاهم بما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جازاهم في دار الكرامة، في دار النعيم، في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فهنيئاً لهم تلك الكرامة في جوار إله الأولين والآخرين. فيا أرباب الهمم العالية: ويا مَنْ قد تفضل عليهم المولى جلَّ وعلا بإتمام صوم رمضان! وأسبغ عليهم العفو والغفران، وكتب لهم العتق من النيران، يا مَنْ تفضل عليهم المولى جلَّ وعلا بإتمام الصيام والقيام، وأسبغ عليهم العفو والغفران وكتب لهم العتق من النيران! واصلوا الإحسان بالإحسان، واصلوا الإحسان بالإحسان، واصلوا الإحسان بالإحسان، واتقوا ربكم، فإن من تقواه المداومة على عمل البر والإحسان، واعزموا عقد النية على التزام المسلك الراشد الذي التزمتموه في رمضان، فإنه من المؤسف جداً يا عباد الله انهزام تلك الصفوف، إنه من المحزن جداً أن البيوت مليئة بالناس، ولا يرون في المساجد إلا في رمضان، ثم بعد رمضان ينتكسون ويعودون من طاعة المولى جل وعلا إلى طاعة الشيطان، فإنهم في ذلك الفعل الوخيم قد عصوا جبار السماوات والأرض، قولوا لهم يا عباد الله! قولوا لهم يا من تجاورونهم! قولوا لهم يا من تجتمعون بهم! بلغوهم إن كانوا يقبلون المواعظ قبل أن ينزل بهم هادم اللذات، بلغوهم، قولوا لهم: إن كنتم تؤدون الصلاة في رمضان طاعةً لله، فداوموا على طاعة الله، أما إن تركتم الصلاة، ولم تؤدوها بالكلية، فقد كفرتم بالله العظيم.

الصلاة وحكم تركها

الصلاة وحكم تركها تارك الصلاة -يا عباد الله- كافرٌ ملعونٌ لا يُصلى على جنازته إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، تارك الصلاة لا ينكح من المرأة المسلمة، تارك الصلاة لا يُآكل ولا يُشارب، بل يهجر ولا يجالس، قولوا لهم -يا عباد الله- إن كانوا يقبلون القول قبل أن ينزل بهم هادم اللذات، وقولوا للذين لم يتركوا الصلاة بالكلية إنما يصلون في بيوتهم مع النساء، قولوا لهم: يا من رضيتم بالصلاة في البيوت مع النساء! قد ارتكبتم كبيرةً من كبائر الذنوب، وقد توعدكم الله بويلٍ في جهنم {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] قيل: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها لبعدهم عن جماعة المسلمين. نعم يا عباد الله: من تهاون بالصلاة، توعده الله بـ (غي) وهو وادٍ في جهنم، من تهاون في الصلاة فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، من صلى في بيته فقد ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ترك سنة محمد فقد ضل، نسأل الله العفو والعافية. وقال بعض العلماء: [[سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار، ولا يشهد الجمعة، ولا الجماعة، فقال: هو في النار]]. هذا حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، الصحابي الجليل، لما سئل عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولكنه لا يشهد الجمعة ولا الجماعة، قال: هو في النار ثم عاد إليه السائل بعد شهر، فسأله، فقال: هو في النار. وفي الحديث الذي يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويروى موقوفاً على علي رضي الله عنه وأرضاه الذي قال فيه: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} وجار المسجد هو الذي يسمع النداء، ولقد همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بإحراق البيوت على الناس الذين لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، وفي رواية، قال: {لولا ما فيها من النساء والذرية، لأحرقتها عليهم بالنار}؛ لأن النساء ليس عليهنّ صلاة جماعة، وكذلك الذرية -الصغار- الذين لم يميزوا لا يجب عليهم حضور الجماعة، وهذا الذي منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحراق أولئك الذين لا يشهدون الصلاة مع الجماعة بالنار. فلنتق الله عباد الله، ولنواصل أعمال الخير التي كنا نعملها في رمضان، حتى يتوفانا الله جلَّ وعلا وهو راضٍ عنا، قال الحسن البصري رحمه الله: [[إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ قول الحق جلَّ وعلا: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]]]. وقيل لبعض العارفين -وهذه مسألة متقدمة-: إن قوماً يتعبدون ويتهجدون في رمضان، ثم إذا خرج رمضان ودعوا المساجد، وودعوا أعمال الخير، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان. هذه كل عاقل يقولها -يا إخوان- بئس القوم لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان، فإن رب رمضان رب العام كله جلَّ وعلا، فما الذي جعلك أيها الجاهل الذي لم تعرف حقوق الله عز وجل تعبد الله في رمضان، وإذا خرج رمضان انتهيت من العبادة؟ نسأل الله العفو والعافية. إن هؤلاء ربما يكونوا عبدوا رمضان، ولم يعبدوا الله جلَّ وعلا، لأن الله قال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ما قال اعبد ربك في رمضان، وإذا خرج رمضان فاطو السجادة وارفع المصحف، حتى يبني عليه الغبار إلى رمضان الثاني، ثم لا يعلم هل سيدرك رمضان الثاني أم لا؟ لا والله. كلنا لا يدري، وكلنا لا يدري هل يصلي العصر أم لا. وكلنا لا يدري هل نصلي هذه الفريضة أم لا.

التدارك والتوبة قبل الفوات

التدارك والتوبة قبل الفوات عباد الله: إن ملك الموت موكلٌ بنا لا يغفل عنا ساعة، فمتى تم الأجل وانقضت المدة المعينة، هجم علينا هادم اللذات واستل الروح، وأخرجها من العصب والقصب، وظل الجسم منطرحاً يتمنى أن لو ازداد من طاعة الله، ولكن هيهات هيهات. فاتقوا الله عباد الله قبل أن ينزل بكم هادم اللذات، قبل أن يشخص البصر، وقبل أن تلتف الساق بالساق، وقبل أن توضعوا في تلك الحفر، ثم تخلوا بأعمالكم إن كانت صالحة أو سيئة، فالفرق بين ذلك عظيم. ثم بعد ذلك يأتي يومٌ تتشقق فيه السماء بالغمام، وتشخص فيه الأبصار لله الحي القيوم، وتشيب فيه الصغار، وتزفر فيه جهنم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك تحيط الأوزار، في ذلك اليوم العظيم ينصب الصراط، ويقرب العذاب، تشيب الصغار، ويشهد الكتاب، ويحضر الحساب، ويعظم العقاب، فيا له من يومٍ ما أطوله! ويا له من يومٍ ما أهوله! فكم من شيخٍ كبير فرط وأضاع عمره في غير طاعة الله، يصيح بأعلى صوته: واشيبتاه، واشيبتاه، واشيبتاه! وكم من كهلٍ أو شاب اغتر في شبابه، فضيع أوامر الله ورسوله وارتكب المحرمات وترك الصلاة وبارز المولى بالمعاصي، حالقٌ للحيته، مسبلٌ لثيابه، متشبهٌ بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، حياته مع الديسكو، حياته مع الموسيقى، حياته مع الغناء، قضى حياته دائماً مع المخدارت والمسكرات، يؤذي المسلمين في مرافقهم العامة حتى إذا جاءه الأجل وهو على هذه الحالة، فهو ينادي: واشباباه! {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:21]. عباد الله: أعدوا العدة لذلك اليوم، وخذوا الأهبة وتزودوا لذلك اليوم، فإن خير الزاد ليوم القيامة تقوى الله عز وجل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28]. اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا ودعاءنا وتضرعنا بين يديك، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا ممن فازوا بجائزتك يا رب العالمين! اللهم لا تردنا خائبين، ولا من رحمتك يائسين، ولا من عطائك مفلسين، اللهم اجعلنا ممن يواصل العمل في حياته حتى ترضى عنه بعد وفاته يا رب العالمين! واجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها خالصةً لوجهك الكريم، وتقبلها منا يا رب العالمين. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، وصلوا على رسول الله.

الأعمال المرغب فيها، والمرهب منها

الأعمال المرغب فيها، والمرهب منها الحمد لله الذي كتب على هذه الخليقة فناءً وزوالاً، وجعل لكل شيءٍ منها إدباراً وإقبالاً، ليدلنا بذلك على أن لكل نازلٍ رحيلاً وانتقالاً، أهل علينا شهر رمضان ليفيض فيه علينا من الرحمة والإحسان والغفران، ففاز من أطاع الله فيه، وخاب وخسر فيه من أساء الأعمال وعصى الرحمن، فسبحان من قسم عطاءه بين خلقه، فهذا مقبولٌ وهذا مردودٌ، أحمده وأشكره إذ أعاننا على الصيام والقيام كرماً منه وتفضلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل القائل وقوله الحق: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] فلئن انقضى صيام رمضان، فإن العام -يا عباد الله! يا أمة الإسلام- كل العام عبادة.

صيام ستة أيام من شوال

صيام ستة أيام من شوال في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال، كان كصيام الدهر} هذا حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه، ورواه غيره من رواة الحديث. عباد الله: إن الناس قد يتحدثون كثيراً عن صيام ستٍ من شوال، فمنهم من يفتي بغير علمٍ -نسأل الله العفو والعافية- والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار} فما بال من يفتي بغير علم؟ منهم من يقول: من صام بعد العيد مباشرةً، فإنه لا يجوز له الصيام، من أين أتوا بهذه الفتوى؟ من أين أتوا بها يا عباد الله؟ من مجالس السمر، من مجالس قضاء الأحاديث المخزية المردية التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، أما لو كانت مجالس ذكر وحلق علمٍ لاستفادوا من ذلك، وعلموا أن الصيام بعد العيد مباشرةً -يعني: في اليوم الثاني- من الرغبة في الخير، ومن حب الخير؛ لأن هذا من المبادرة إلى الخير، وكذلك إذا بادر الإنسان في صيام هذه الستة الأيام، فإنها تخف عليه؛ لأنه لا زال في ميدان رمضان وعرف الصيام واعتاد على الصيام، فإنها عند ذلك لا تثقل عليه، وهو كذلك من المبادرة إلى طاعة الله جلًّ وعلا. الفتوى الثانية: يقولون: إنه من صام ستاً من شوال فإنها تلزمه طول العمر، وهذا كذلك افتراء وكذب، فإن صيام ستٍ من شوال سنة إذا صمتها أثابك الله، وإن تركتها لم يعاقبك الله، فإن تيسر لك فصمها، وإن لم يتيسر فلا تصمْها ولا شيء عليك. الثالثة: يقولون: لا يجوز تفريدها، إنما تجوز سرداًَ وإلا لا تصام، سبحان الله! الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ستٍ من شوال} ولم يقل متتالية، قال العلماء رحمهم الله: يجوز أن يصومها متفرقة، وكذلك يجوز صيامها في أول الشهر، أو في وسط الشهر، أو في آخر الشهر، ويجوز صيامها مجتمعة أو متفرقة، ويجوز أن يصومها سنة أو يتركها سنة، فلا شيء عليه، فهذه سنة يا عباد الله! فهذا فضلٌ عظيم كصيام الدهر، لأن صيام رمضان بعشرة أشهر والأيام الستة بشهرين، فتكون كصيام الدهر يا عباد الله! فبادروا إلى هذا الفضل العظيم، واغتنموا أوقات العمر، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.

صيام ثلاثة أيام من كل شهر

صيام ثلاثة أيام من كل شهر وكذلك سَنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقال صلى الله عليه وسلم: {صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله} رواه الإمام أحمد، ورواه مسلم رحمهما الله، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وأوصى أبا ذر رضي الله عنه وأرضاه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا تتقيد بالثالث عشر، ولا الرابع عشر، ولا الخامس عشر، بل صيام ثلاثة أيام إن صمتها من أول الشهر، أو وسط الشهر، أو آخر الشهر فجائز كما قالت عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبالي من أي الشهر صام} أي: الثلاثة أيام، فإن تيسر لك صيام ثلاثة أيام من أول الشهر، أو من وسط الشهر، أو من آخر الشهر، فكل ذلك جائز، وأنت مأجور إن شاء الله، وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: {إذا صمت من الشهر فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة} رواه الإمام أحمد والنسائي، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم} وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام الإثنين والخميس، فهذا هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام في كل عام.

صلاة الليل

صلاة الليل وقد شرع قيام الليل في غير رمضان، فإن قيام الليل سنة ثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حث عليه صلى الله عليه وسلم، فقال: {أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} وذلك أن الرب جلَّ وعلا ينزل كل ليلة -وليس في رمضان خاصة- إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بعظمته وجلاله، ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: {من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له}.

رواتب النوافل

رواتب النوافل كذلك يُسَنُّ للمسلم أن يحافظ على رواتب النوافل حتى يحظى بالأجر من الله جلَّ وعلا، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة} وهو حديث صحيح في صحيح مسلم، قال العلماء: أن الاثنتي عشرة وردت في حديث آخر هي: أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، فاجتهدوا -إخواني- في فعل الطاعات، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: {ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها} النافلة خيرٌ من الدنيا وما فيها، فكيف بالفريضة يا عباد الله إذا تقبلها الله منكم. يا عباد الله: اجتهدوا في طاعة المولى جلَّ وعلا، فإنها خير عدةٍ تعتدونها للقائه، واحذروا من معصيته وغضبه، فإنه ينتقم ممن عصاه وتعدى حدوده بأليم عقابه، يقول عز وجل: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:13 - 14] فاتقوا الله -عباد الله- وبادروا إلى طاعته.

تحريم إسبال الإزار

تحريم إسبال الإزار اعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الناصح للأمة، المبلغ عن ربه عز وجل حيث قال وهو لا ينطق عن الهوى: {من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة} رواه البخاري ومسلم، انتبهوا يا عباد الله! وبلِّغوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة} رواه البخاري ومسلم. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً} متفق عليه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} رواه البخاري. الشريعة الإسلامية واسعة، وليس لأحدٍ أن يروغ أو يزيغ إلا من أراد الله إزاغة قلبه -نسأل الله العفو والعافية- فالبعض من الناس يقول: أنا لا أجر الثوب، ولا أجر الإزار، ولا أجر البشت خيلاء، وإنما زينة، ثم يأتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي في صحيح البخاري ويقول له: {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} شئت أم أبيت، رضيت أم سخطت، جررته زينة أو خيلاء أو بطراً، إن جررته خيلاء وبطراً فإن الله لا ينظر إليك يوم القيامة، وإن جررته -كما قلت زينة- والله أعلم بنيتك وسريرتك فإن ما أسفل من الكعبين ففي النار، وليست النار تأكل الخرق، ولكنها تأكل اللحم والعظم. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم} قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه تلميذ الرسول، الصحابي الجليل الذي تربى في مدرسة رسول الله قال: {خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل} المسبل الذي يقول للخياط: اجعل شبراً على الأرض، والمرأة تقول للخياطة: ارفعي شبراً عن الساق، أخرجي الساقين أخرجي القدمين، نحن في التطور! نحن في الانحطاط، نحن في اتباع الكفار والمشركين، ارفعي الثوب عن الساق، شقي الثوب من هنا ومن هنا حتى يخرج الساق، والله ثم والله أن بعض النساء إذا مررت بها ورفع الهواء عن ثوبها، فإنه يخرج إلى الفخذين، والله ثم والله لقد رأينا الفخذين من بعض النساء نعم، إن أراد الإنسان أن يغض بصره ويرمي به إلى الأرض، نظر الفخذين والساقين، وإن رفع، نظر الوجه والحمرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون! نعم يا عباد الله هذا زمن فتن كقطع الليل المظلم، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإسلام، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه الثلاث، ثم يقول أبو ذر: {خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب} وكل هذه موجودة في المسلمين الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون! أما بعد: يا عباد الله: فلا أحب الإطالة عليكم، فسنة رسول الله موجودٌ فيها هذا، ولكن إنما أريد بذلك التحذير والبيان، وأسأل الله عز وجل أن يحيينا وإياكم على الإسلام، وأن يتوفانا على الإسلام، وأن يجعلنا ممن يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، ويقتدي به في الدقيق والجليل حتى يتوفاه الله وهو راضٍ عنه. اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم رد المسلمين إلى دينهم الحق، اللهم ردهم إلى دينهم الصحيح، اللهم ردهم إلى تعاليم دينك يا رب العالمين، اللهم وفقنا جميعاً للاقتداء بسيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم وارفع عافيتك عنهم، ومزقهم كل ممزقٍ يا رب العالمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، ووفقهم للحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ووفقهم لتطبيقهما على الوجه الذي يرضيك يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيننا بصلاح أولادنا ونسائنا، واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وإخواننا وأخواتنا وأحباءنا وجميع إخواننا المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين، اللهم اجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين! اللهم اجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

عندما رجف المنبر

عندما رجف المنبر لابد للمرء ليكون في صلة مع الله والدار الآخرة من تذكير، وأعظم ذكرى وموعظة هي الموت، وفي هذه الخطبة تذكير بالموت وما بعده من الأهوال والشدائد، مما قد يجعل العاصي يتوب، والمطيع يستزيد.

الموت وما بعده

الموت وما بعده الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واقنعوا من هذه الدنيا بالقليل، واعلموا أنكم سوف تنتقلون منها على رغم أنوفكم رضيتم أم سخطتم قريباً أم بعيداً، ولكن خذوا حذركم. أيها الإخوة في الله: لا تغتروا فإنه قد اغتر من كان قبلكم حتى أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، وانتقلوا من الدنيا وهم يتأسفون ويتحسرون؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. أجل يا عباد الله: استعدوا للموت قبل أن تناخ للرحيل الركاب، تنبهوا قبل هجوم هادم اللذات ومفرق الجماعات؛ إنه الموت الذي لا يستأذن على الملوك ولا يدخل من الأبواب، إنه لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً ولا يخاف عظيماً، ثم بعد ذلك القبر وما فيه من الأهوال، إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. بعد ذلك عباد الله: البعث والحشر وأهواله وأحواله الصعاب؛ من طول المقام وازدحام الأقدام والأجسام. يوم القيامة لو علمت لهوله لفررت من أهل ومن أوطان يوم تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولدان يوم عبوس قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشان يوم يجيء المتقون لربهم وفداً على نجب من العقيان ويجيء فيه المجرمون إلى لظى يتلمظون تلمظ العطشان يابن آدم! لو رأيت أو تصورت ما يحل بك، وما يحيط بأرجاءك في ذلك اليوم العظيم لبقيت مصروعاً لما بك. يابن آدم! أما علمت أن أمامك القيامة يوم الصاخة، يوم الطامة الكبرى، يوم القارعة، يوم الحاقة، يوم الزلزلة. يابن آدم! أما علمت أن بين يديك يوماً يصم سماعه الآذان، ويشيب لروعه الولدان، يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها. وترى الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور

التذكير بالقيامة وأهوالها

التذكير بالقيامة وأهوالها أيها الإخوة في الله: تذكروا دائماً يوم القيامة، قفوا عند سماع تلك الأسماء العظيمة التي تهز القلوب هزاً، قفوا عند سماع الطامة، قفوا عند سماع الصاخة، قفوا عند سماع القارعة، قفوا عند سماع الحاقة، ثم تذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه} نعم. جاء الموت بما فيه، جاء هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم الأطفال، ومرمل النساء، ثم تذكروا بعده ذلك اليوم العظيم، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. قال ابن مسعود رضي الله عنه: {جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد: إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض} وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه؛ أنا الجبار؛ أنا المتكبر؛ أنا الملك؛ أنا العزيز؛ أنا الكريم؛ فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا: ليخرن به}. أيها الناس: إن يوم القيامة عظيم، لقد غفلنا عن يوم القيامة، لقد تناسينا يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجا} [النبأ:18]. يوم القيامة تفتح فيه أبواب السماء وتسير فيه الجبال، يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ} [النبأ:3] يوم القيامة {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:25 - 26] ويلك أيها الظالم من ذلك اليوم العظيم. يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} [طه:108] لأن الرحمن جمعهم على أرض مستوية؛ لا جبال فيها ولا وهاد ولا أودية، يسمعهم الداعي ويبصرهم الناظر وقد خرجوا من القبور سراعاً، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44]. {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُون * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:68 - 70]. تفكروا في ذلك اليوم، أنسيتم يوم القيامة؟ ما هذه الغفلة؟ وما هذا الإعراض؟ تذكروا يوم القيامة وما يحصل فيه من الوقوف حفاةً عراةً غرلاً، تذكروا ذلك اليوم الرهيب وما فيه من الكروب والهموم والغموم، وقد طال القيام واشتد الزحام، وكثر البكاء والنحيب، ونفد الدمع، وفر كل قريب من قريبه، وتقطعت الأنساب، والصلات، وقد جمعهم المولى في صعيد واحد.

الحساب الأخروي

الحساب الأخروي نعم. يا عباد الله: تذكروا يوم القيامة، وقد جمعهم الله في صعيد واحد، قد أحاطت الأملاك ولا مفر من الله إلا إليه {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:18 - 23] هنيئاً لهم إذا قيل لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:24 - 30] يا له من نداء ما أفظعه على رءوس الأشهاد إذا قال: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:30 - 31] ياله من مشهد ما أفظعه، إذا سلك في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً! يا لها من أحوال ما أفظعها إذا صلي بنار جهنم! عباد الله: تذكروا المرور على الصراط، وعلى الصراط خطاطيف مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه؛ فمن الناس من ينجو، ومنهم من يخدش، ومنهم الموبق بعمله، ولن ينجو في ذلك اليوم إلا أهل التقى، قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] أترون ذلك الورود؟ إنه على نار جهنم {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:71 - 72]. اللهم اجعلنا من الناجين في يوم القيامة، اللهم اجعلنا ممن يعطى كتابه باليمين، ولا تجعلنا ممن يعطى كتابه بالشمال، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

جزاء المؤمنين وجزاء المجرمين يوم القيامة

جزاء المؤمنين وجزاء المجرمين يوم القيامة الحمد لله على إحسانه، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

تخفيف الحساب على المؤمن وما يلقاه من نعيم

تخفيف الحساب على المؤمن وما يلقاه من نعيم أيها الناس! اتقوا الله عز وجل واعلموا أنه ورد في الآثار أن يوم القيامة يكون كفريضة صلاة على المؤمن، فلا تسأل عما يحصل للمؤمن من تخفيف الحساب، ومغفرة الذنوب، وتثقيل الموازين، ومجاوزة الصراط، ثم المرور على حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ثم لا تسل عن تمام الفرحة والسرور إذا أخذ الكتاب باليمين، ثم يقال للمؤمنين الذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46] اسمع يا عبد الله! لأنك سوف تقف أمام أحكم الحاكمين، اسمع ما الذي يقال للمؤمنين؛ الذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:68 - 70] ثم يساقون إلى جناتٍ تجري من تحتها الأنهار قصورها لبنةٌ من ذهب، ولبنة من فضة، وبلاطها المسك الاذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، وخيامها اللؤلؤ المجوف، هي والله نورٌ يتلألئ، وريحانة تهتز، ونهر مطرد، وفاكهة وخضرة، وزوجات حسان، هناك {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:28 - 31] هناك يأكلون ويتمتعون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، ولا يبولون، بل مسك يرشح من أجسامهم. هناك في الجنة يا عبد الله يضحكون ولا يبكون، هناك في الجنة يقيمون ولا يضعنون، هناك في الجنة يحيون فلا يموتون، هناك في الجنة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39]. هناك في الجنة جمال مبين، هناك في الجنة حورٌ حِسان، هناك في الجنة كل نعيم أبدي، هناك في الجنة الزيادة وهي النظر إلى وجه العزيز الوهاب، إذا اجتمعوا في ذلك الوادي الأفيح؛ اللهم اجعلنا معهم يا رب العالمين، فيالها من لذة وياله من سرور {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22 - 23]. في تلك الجنة: ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إن نجينا من دار الذل والهوان.

جزاء المجرمين في جهنم

جزاء المجرمين في جهنم جهنم يا عبد الله هي دار الذل والهوان والعذاب والخذلان، فيا ويل من عصى الله ورسوله وتعدى الحدود؛ فإن مثواه جهنم ومأواه دار الشهيق والزفرات، دار الأنين والعبرات، دار أهلها أهل البؤس والشقاء والندامة والبكاء. إنها النار: فيها الأغلال والسلاسل تجمع بين أيديهم وأعناقهم، وهم في النار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم، شرابهم من حميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ومأكلهم من شجر من زقوم، يدعون على أنفسهم بالموت فلا يجابون، ويسألون ربهم الخروج منها فيقول الله لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]. في نار جهنم: كيف لو أبصرتهم يا عبد الله وهم ينادون بالويل والثبور، يسحبون على وجوههم وهم لا يبصرون، صم بكمٌ عمي، كيف لو سمعت صراخهم وعويلهم فهم لا يسمعون. اللهم نجنا من النار، اللهم نجنا من النار، عباد الله صلوا على رسول الله الذي قال: {لا تنسوا العظيمتين الجنة والنار} صلوا على رسول الله الذي ترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي أمر الله بالصلاة عليه فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين، اللهم يا أرحم الراحمين، اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاتنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم ارزقنا الاستعداد لما أمامنا، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، ووفقنا لاغتنام أوقات المهلة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله! اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

قصة مؤمن

قصة مؤمن الابتلاء سنة الله في عباده المؤمنين ليميز الخبيث من الطيب، والفلاح والفوز لمن صبر عند البلاء والامتحان، ولنا في رسل الله وأنبيائه وعباده الصالحين الأسوة والقدوة في الثبات على الدين عند الابتلاء من الله.

أعلام ثبتوا على الدين

أعلام ثبتوا على الدين الحمد لله رب العالمين, الذي يعز من أطاعه، ويذل من عصاه، لا مانع لما وهب، ولا معطي لما سلب، طاعته للعاملين أفضل مكتسب، وتقواه للمتقين أعلى الرتب، هيأ قلوب أوليائه للإيمان وكتب، وسهل لهم في جانب طاعته كل نصب، فلم يجدوا في سبيل خدمته أدنى تعب، وقدر الشقاء للأشقياء حين زاغوا فوقعوا في العطب، أعرضوا عنه وكفروا به فأصلاهم ناراً ذات لهب، أحمده على ما منحنا من فضله ووهب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه الله وانتخب، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وجاهدوا في الله حق جهاده, واصبروا واثبتوا عند الامتحان والابتلاء في الدين، قال الله تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3].

الغلام المؤمن

الغلام المؤمن أمة الإسلام: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوم من قبل أمته أنهم أوذوا في الله، وصبروا وثبتوا، وهذا الحديث الصحيح فيه عبرة لمن أراد الثبات على دين الله عز وجل، وفيه عبرة لمن أراد أن يتمسك بدين الله عز وجل، ولا ينظر إلى كلام المغرضين وسفههم وتثبيطهم، بل يعتزم بالله جل وعلا، كما سنذكر في هذا الحديث الصحيح الذي يخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخص بذلك الشباب الذين وفقهم الله للهداية والاستقامة، أخصهم وأحثهم أن يعوا هذا الحديث الذي حصل فيه امتحان عظيم لشاب من الشباب ومع ذلك صبر وامتحن، وقتل في الله ولله. يقول رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {كان ملك في من كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر، فبعث الملك إليه غلاماً يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه، وسمع كلامه -أي: قعد هذا الغلام إلى الراهب وسمع منه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب، وقعد إليه -فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال الراهب: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك -أي: الغلام- إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال -أي: الغلام-: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب؟ وكان الراهب على دين عيسى عليه السلام، فأخذ -أي: الغلام- أخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس. فأتى الراهب -أي: أتى الغلام إلى الراهب- فأخبره، فقال له الراهب: أي بني! أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي للناس من سائر الأدوية بإذن الله تعالى, فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال الغلام: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عز وجل. فقال له الغلام: فإن أنت آمنت بالله عز وجل، دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى -أي: الأعمى- إلى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله -لا إله إلا الله ما أجمل الإيمان إذا رسخ في القلب، ما أجمل الإيمان إذا تغلل في القلوب فإنه لا تزلزله الجبال الراسيات- فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما يبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال الغلام: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدعا بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه. ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه -أي: الملك- فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه. وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، قال الغلام: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك -لا إله إلا الله، اللهم إنا نسألك إيمانا دائماً كاملا، يباشر قلوبنا ويقيناً صادقا- فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله نعم المولى ونعم النصير رب العالمين. فدفعه إلى نفر من أصحابه -الملك أيضاً يحتال إلى حيلة يحارب الله عز وجل والله هو القوي- فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور -أي: سفينة صغيرة- فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به, فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله -لا إله إلا الله، الله أكبر! الكبرياء لله والعظمة لله والقوة لله- فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الملك الناس في صعيد واحد، وصلبه على الجذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في موضع السهم فمات الغلام، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فأوتي الملك الضعيف الحقير الذليل، الذي يريد أن يحارب رب العالمين، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس ماذا فعل هذا الصنديد العنيد؟ أمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه! اصبري فإنك على الحق} حديث صحيح رواه مسلم. والله عز وجل يقول في محكم البيان تصديقاً لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:4 - 9]. اسمعوا بماذا توعدهم الله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] ثم اسمعوا ما وعد الله به المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:11] إي والله إنه لفوز كبير!

امرأة فرعون المؤمنة

امرأة فرعون المؤمنة عباد الله: واسمعوا إلى هذا المثل الآخر من عباد الله المؤمنين، يذكره الله لنا في كتابه المبين، وهي امرأة آمنت بالله عز وجل هي امرأة فرعون، حيث ابتليت في الله وعذبت في الله، فلم يردها ذلك عن دينها قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]. آسية بنت مزاحم آمنت بموسى عليه السلام، فبلغ ذلك فرعون، فأمر بقتلها، فعند ذلك وهي في حالة التعذيب، وهي توضع عليها الحجارة الكبيرة دعت ربها قائلة: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] تقول: يا رب اجعل لي قصراً مشيداً بجوارك في جنة النعيم. قال بعض العلماء: ما أحسن هذا الكلام! فقد اختارت الجار قبل الدار، حيث قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] فهي تطمع في جوار الله قبل طمعها في القصور رضي الله عنها وأرضاها.

حال بعض الناس الآن مع الابتلاء والامتحان

حال بعض الناس الآن مع الابتلاء والامتحان وهكذا يا عباد الله! يجري على المسلمين في كل زمان من الامتحان والابتلاء، ومع ذلك يثبتون ويصبرون، أما حالة البعض من الناس الآن وخاصة المسلمين، فمع الأسف الشديد تجد بعضهم يلتزم مدة يسيرة، ثم يأتيه من بعض الناس بعض الكلام والعياذ بالله، ثم ينحرف وينتكس ويرجع إلى حالته السيئة, بمجرد ما يسمع من الألفاظ: إنك موسوس، أو متزمت، أو متحجر، عند ذلك يذهب إلى اللحية فيحلقها، ويطول الثياب، ويرجع إلى حالة الشر والعار والمعاصي والدمار، بعدما كان متمسكاً تائباً إلى رب العالمين. يترك كل ذلك ويرجع إلى مجالسة قرناء السوء لا كثرهم الله، جلساء السوء الذين ضرب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل بنافخ الكير إما أن يحرق الثياب وإما أن يؤذيك برائحته الكريهة. فالابتعاد الابتعاد يا شباب الإسلام! عن قرناء السوء، ابتعدوا عن قرناء السوء، ولا يبعد أن يفتنوا كبار السن كذلك، فأنا أعرف رجل كبير السن، أسأل الله أن يرحمنا وإياه بواسع رحمته، لما ابتعد عن أولاده وسكن في بيته وحده، دخل عليه قرناء السوء، فصار من مروجي المخدرات وسجن ومات في السجن نسأل الله العفو والعافية. فالحذر الحذر من جلساء السوء يا شباب الإسلام، ويا أهل الإسلام! قبل أن تنادي يوم القيامة واشباباه! وأنت أيها الكبير قبل أن تنادي واكهلاه! واشيبتاه! فالحذر الحذر إننا سوف نعرض بين يدي الله عز وجل في يوم لا ينفع مال ولا بنون، فينبغي لنا أن نكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الابتلاء والامتحان في السلف الصالح

الابتلاء والامتحان في السلف الصالح الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم أحيينا مسلمين وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله حق تقاته، عباد الله! لقد جرى على السلف الصالح من الابتلاء والامتحان، ما لو صب على الجبال الراسيات لذابت.

ابتلاء خباب بن الأرت

ابتلاء خباب بن الأرت خباب بن الأرت رضي الله عنه الصحابي الجليل، كان المشركون إذا اشتدت الهاجرة، أي: اشتدت حرارة الشمس وبدأت تلتهب الأرض التهاباً، أخرجوه إلى بطحاء مكة، ونزعوا عنه ثيابه، وألبسوه دروع الحديد، ومنعوا عنه الماء حتى إذا بلغ من الجهد كل مبلغ، أقبلوا عليه وقالوا: ما تقول في محمد؟ فيقول: عبد الله ورسوله، جاء بدين الهدى والحق ليخرجنا من الظلمات إلى النور، فيوسعونه ضرباً ولكماً. ثم يقولون له: وما تقول في اللات والعزى؟ فيقول: صنمان أصمان أبكمان لا يضران ولا ينفعان. فيأتون بالحجارة المحمية ويلصقونها بظهره، ويبقونها عليه، حتى يسيل دهن كتفيه. الله أكبر! لا إله إلا الله، سبحان موهب الفضل والإحسان! سبحان الذي وهبهم قوة الإيمان! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: أتدرون ما يفعلون بهذا الصحابي الجليل، يأتون بالحجارة المحمية ويلصقونها بظهره، ويبقونها عليه حتى يسيل دهن كتفيه، ولم يرده ذلك التعذيب عن دين الله الصحيح، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بقي هذا الأثر مثل البرص في ظهره رضي الله عنه وأرضاه.

ابتلاء خبيب بن عدي

ابتلاء خبيب بن عدي وهذا خبيب رضي الله عنه، وقد مثل به المشركون وقطعه المشركون القطعة تلو القطعة، يقطعونه وهو ينظر، ويقولون له: أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت ناج؟ فيقول والدماء تنزل منه: والله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي وولدي، وإن محمداً يؤخذ بشوكة. لا إله إلا الله، الله أكبر! يقطع إرباً إرباً، ويقول: ما أحب أن يؤتى محمداً بشوكة تضره صلى الله عليه وسلم. ومات رضي الله عنه وهو ينظرهم يقطعونه إرباً إربا، مات شهيداً دون دينه، لم يرجع عن دينه، ولم يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، مات مسلماً أمره لله عز وجل. وهكذا حصل للسلف رضي الله عنهم.

ابتلاء الإمام أحمد

ابتلاء الإمام أحمد وحصل لبعض التابعين رضي الله عنهم ابتلاء، مثلما حصل للإمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، حين صلب وجلد؛ حتى أخذ اللحم الفاسد من ظهره من شدة الجلد، وحتى أغمي عليه رحمه الله. وثبتوا على دين الله عز وجل، يريدون رضوان الله، والقرب من رب العالمين. فهيا يا عباد الله! المجال مفتوح، والساحة واسعة، فالبدار البدار إلى الاحتذاء بأخلاقهم وآدابهم. اللهم وفقنا جميعاً لاتباع سبيلهم، ووفقنا لمحبتك ومحبة رسولك صلى الله عليه وسلم. اللهم انصرنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. عباد الله: صلوا على رسول الله الذي أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، صلوا عليه امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، صلاة وسلاماً إلى يوم الدين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم الجلساء الناصحين الصالحين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, واجعلنا هداة مهتدين، اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا يا قريب يا مجيب لمن دعاك، يا من قلت وقولك الحق: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك. يا أرحم الراحمين! يا من خزائن السماوات والأرض بيده! يا حي يا قيوم! يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! لا إله لنا إلا أنت ولا رب لنا سواك، أنت الغني ونحن الفقراء، يا ربنا إلى من تكلنا! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا من تكفل بأرزاق العباد! يا من هو الرزاق ذو القوة المتين! يا علي! يا عظيم! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم لا تردنا خائبين, ولا من رحمتك آيسين، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقي عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، ربنا لا تؤاخذنا بسوء أفعالنا. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. يا من هو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا! يا من هو أرحم بنا من أنفسنا! إليك بالدعاء توجهنا، يا أرحم الراحمين! اللهم اسقنا سقيا رحمة، اللهم اسق عبادك، اللهم احيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ِ) [البقرة:201]. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك، اللهم أنت أرحم بنا من أنفسنا، اللهم ارحمنا وإياهم برحمتك التي وسعت كل شيء، فإنهم يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، بطونهم خاوية، يرجون رحمتك ومعونتك، يا رب العالمين! اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك واجعل لنا ولهم التمكين في الأرض إنك على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

قصة صالح

قصة صالح إن لله سنناً في خلقه لا تتغير، فمن أطاعه أكرمه، ومن عصاه أذله، وقد أتى الشيخ في خطبته بمثال على ذلك، فذكر قوم صالح عليه السلام، وكيف أن هؤلاء القوم عصوا الله واجتمعوا على الكفر به وقتل الناقة، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر وهذه سنة الله في أي كافر استهان بحرمات الله.

نبي الله صالح في حوار مع قومه

نبي الله صالح في حوار مع قومه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه. عباد الله: لعلكم تذكرون ما مر بكم من قصص الأنبياء مع أممهم، وما حل بمن عصى منهم من العقوبة والعذاب والدمار، فإليكم أيضا قصة نبي الله صالح عليه السلام، حيث أرسله الله عز وجل إلى ثمود، وهم قبيلة مشهورة وكانوا عرباً يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام مثل قوم عاد، فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله صالح عليه السلام. فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئاً، فآمنت به طائفة منهم وكفر جمهورهم وآذوا صالحاً عليه السلام ونالوا منه بالمقال والفعال. فاسمعوا إلى ربنا جل وعلا يخبرنا في محكم البيان، يخبرنا في القرآن العظيم ويقول: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [الشعراء:141 - 152]. نعم يا أمة الإسلام! هذا نبي الله صالح عليه السلام يعظُ قومه ويذكرهم بنعم الله جلَّ وعلا، يذكرهم بما هم فيه من الأرزاق الدارة، حيث أنبت لهم الجنات والبساتين، وفجر لهم من العيون الجاريات، وأخرج لهم الزروع والثمرات، ثم أقدرهم على نحت البيوت في الجبال، الله أكبر يا عباد الله! وقال لهم هذا الناصح الأمين: قابلوا المنعم بالشكر على هذه النعم، اتقوه وأطيعوه، فردوا عليه وقالوا: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء:153] يقولون: أنت في قولك هذا مسحور لا عقل لك، نسأل الله العفو والعافية!

الناقة وقتلهم لها

الناقة وقتلهم لها نعوذ بالله من التعنت والشقاق والعناد، طلبوا من صالح عليه السلام أن يأتيهم بآية ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم، وقد اجتمع الملأ منهم وطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء! ولكن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأشاروا إلى صخرة من عندهم من صفاتها كذا وكذا، فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح عليه السلام العهود والمواثيق لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه؛ فأعطوه ذلك. فقام نبي الله عليه السلام فصلى ثم دعا الله عز وجل أن يجيبهم إلى سؤالهم؛ فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء على الصفة التي وصفوها. قال الله تعالى: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:155 - 156] ناقة عظيمة خرجت من صخرة بأمر الله الحي القيوم الذي إذا قال للشيء: كن فيكون، ثم أخبرهم أنها ترد الماء، يوم لهم يشربون ويومٌ لها، وحذَّرهم من نقمة الله تعالى أن يصيبوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حيناً من الدهر ترد الماء وتأكل الورق والمرعى وينتفعون بلبنها، فكانوا يحلبون منها ما يكفيهم شرباً ورِّيا. فلما طال عليهم الأمدُّ والناقة تسطح بعض تلك الأودية، ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها؛ لأنها كانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقاً هائلا ومنظراً رائعاً؛ ولكن تلك الآية العظيمة لم تجد بأولئك العتاة الكفرة ولم يؤمن منهم إلا القليل، فعزموا على تغيير النعمة، وعزموا على أن يكفروا نعمة الله، وعلى قتل الناقة مخالفة لله ولرسوله. قال بعض العلماء: إن سبب قتل الناقة: أن عجوزاً كافرة من قوم ثمود تكنى بـ أم عثمان -وكانت من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام- وكان لها بنات حسان في غاية الجمال ولها مال جزيل، وامرأة أخرى يقال لها صدوق ذات حسب ومال وجمال، فكانتا تلك المرأتان تعدان لمن التزم لهما بقتل الناقة بالزواج. فدعت التي اسمها صدوق رجلاً يقال له: الحباد فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة؛ فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال له: مصرع فأجابها إلى ذلك، ودعت العجوز قدار بن سالف وكان رجلاً أحمر أزرق أصهب يزعمون أنه كان ولد زنية، وأنه لم يكن من أبيه الذي نسب إليه، وقالت له العجوزة الكافرة: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة. فعند ذلك انطلق قدار ومصرع فاستغووا غواة من ثمود فتبعهم سبعة نفر فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال الله فيهم: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُون َ) [النمل:48] وكانوا رؤساء في قومهم فاستمالوا القبيلة الكافرة بكاملها فطاوعتهم القبيلة على تلك المعصية، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء، وكمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة -أي: اختبأ لها- على طريقها، وكمن لها مصرع -أيضاً- في أصل أخرى، فمرت على مصرع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها، وشدَّ عليها قدار بن سالف بالسيف فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاةً واحدة تحذر فصيلها ثم طعن في لبتها فنحرها. وانطلق فصيلها -أي: ولدها- حتى أتى جبلا منيعاً فصعد أعلى صخرة في الجبل ورغى، قيل إنه قال: يا رب! أين أمي؟ وقيل: إنه رغى ثلاث مرات وأنه دخل في صخرة فغاب فيها، وقيل: إنهم قتلوه مع أمه والله أعلم.

العذاب يصيب قوم صالح عليه السلام

العذاب يصيب قوم صالح عليه السلام فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة، وبلغ الخبر صالحاً عليه السلام، وجاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى فقال الله عنه: {فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود:65]. وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح عليه السلام وقالوا: إن كان صادقاً عجلناه قبلنا وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته، فلما عزموا على ذلك وتواطئوا عليه وجاءوا من الليل ليفتكوا بنبي الله؛ فأرسل الله سبحانه وتعالى -وله العزة ولرسوله- حجارة فرضختهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم. وأصبح قوم ثمود يوم الخميس -وهو اليوم الأول من أيام النظرة- ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه -عياذاً بالله من ذلك- لا يدرون ماذا يفعل بهم؟! ولا كيف يأتيهم العذاب؟! وأشرقت الشمس وجاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة، لا إله إلا الله القادر على كل شيء! قال تعالى: {أَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67] وقال تعالى أيضاً: {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78] أي: صرعى لا أرواح فيهم ولم يفلت فيهم أحد لا صغير ولا كبير لا ذكر ولا أنثى. عند ذلك تولى عنهم الناصح الأمين صالح عليه السلام هو ومن آمن به وجاء ذلك في القرآن الكريم قال تعالى: {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] وهذا تقريع من صالح لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله، وإعراضهم عن قبول الحق والهدى إلى العمى. فالحذر الحذر يا أمة الإسلام! والحذر الحذر يا أمة محمد! من الإعراض عن قبول الحق واتباع الهدى؛ وإلا فسنة الله واحدة في خلقه. اللهم اغفر لنا أجمعين، واهدنا إلى صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

أمر الشارع بالاعتبار عند النظر إلى قرى الظالمين

أمر الشارع بالاعتبار عند النظر إلى قرى الظالمين الحمد لله حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك المصطفى وعلى آله وأصحابه ومن بآثارهم اقتفى وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى وأطيعوه واحذروا أسباب المعاصي والمخالفات، واعلموا أن الله تعالى مطلع عليكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ظاهرةً وباطنة. فاحذروا -يا عباد الله- أن يراكم الله على ما يسخطه، وبادروا إلى طاعة المولى جلَّ وعلا، واشكروا نعمه التي حباكم بها، وقوموا بواجب هذه النعم التي أنتم تتقلبون بها ليلا ًونهاراً، فقد سمعتم ما حل بالأمم الذين من قبلكم من النقمة والعذاب المتصل الموصل بهم إلى جنهم وبئس المصير لما كفروا النعمة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب في طريقه إلى تبوك لما نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا لها القدور، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين للإبل، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منه الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا إلا وهم يبكون، وقال: {إني أخشى أن يصيبكم مثلما ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم} رواه الإمام أحمد، وفي رواية عن الإمام أحمد أيضاً رحمه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم}. عباد الله! أمة الإسلام: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه أن يدخلوا ديار الظالمين إلا أن يكونوا باكين، فكيف بالذين يذهبون إلى ديار ثمود الآن؟! هل هم يبكون إذا دخلوا عليهم؟ أم هم في غاية الفرح والسرور والمزاح؟! والعياذ بالله! ويدلكم على ذلك أنهم يقيمون فيها فيأكلون ويشربون ويأخذون الصور التذكارية، ويصور بعضهم بعضا، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟! دخلوا ولم يبكوا، وصوروا الصور ذوات الأرواح، فما أكثر المعاصي إلى الله نشكو يا عباد الله! ثم اعلموا وفقني الله وإياكم أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله كما أمركم الله، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد وبلدان المسلمين آمنة مطمئنة رخاءً سخاءً في ظل تحكيم الكتاب والسنة يا رب العالمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، نسألك بأنا نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغيثنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً غدقاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم احيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب والأرض رب العرش الكريم، اللهم نفس كرب المكروبين من المسلمين، واقضِ الدين عن المدينين من المسلمين، واشفِ بلطفك مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: نسأل الله أن يرفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء المنكرات وسوء الفتن، والمضلات ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الصبر

الصبر لقد جرت سنة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم، وهذا الابتلاء يقوى بقوة الإيمان، ويضعف بضعف الإيمان، يبتليهم ابتلاء تمحيص وتهذيب، وفي ذلك أسرار وحكم بالغة، لما فيه من تميز لأهل الإيمان من أهل النفاق، وجعل الله للصبر عاقبة لا يعلم مداها إلا من صدق الله في صبره على البلاء.

الصبر على الابتلاء

الصبر على الابتلاء الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ولي المتقين وناصر المؤمنين، أحمده تعالى وأشكره على ما أولانا من النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين. أما بعد:

أشد الناس بلاء

أشدُّ الناس بلاءً فيا عباد الله: لقد جرت سنة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم ابتلاءً يقوى بقوة الإيمان، ويضعف بضعف الإيمان. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {أشدُّ الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء} يبتلي الله المؤمنين ابتلاءً ليس ابتلاء إهانة أو تعذيب، فحاشى حكمة الله وعدله، ولكنه ابتلاء تمحيص وتهذيب قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:141] وذلكم الابتلاء لأسرار وحكم بالغة: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7] {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] والفتنة هنا بمعنى: الامتحان والاختبار اللذين يظهران حقيقة من يدعي الإيمان على وجه الحق والصدق؛ ومن يدعيه تقيةً ونفاقاً ليحصل على ما لأهله في صف المسلمين من حرمة وتقدير، يقول الله جلَّ وعلا: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3]. والله جلت قدرته وتعالت أسماؤه يعلِّم عباده أن الإيمان ليس مجرد دعوى أو أمنية فحسب، ولكنه حقاً ذو تكاليف وأمانة، ذو عبء وجهاد، ذو صبر وتحمل، لا يحملها إلا من في قلوبهم تجرد لها وإخلاص، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، ويتركوا هذه الدعوى حتى لا يتعرضوا للفتنة، بل يثبتوا لها، ويخرجوا منها صافية عناصرهم، خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب فتفصل بينه وبين العناصر العالقة به. أيها المسلمون: مما تقدم يعلم: أن عبء الإيمان كبير وأن تكاليفه شاقة إلا على القلوب المؤمنة بالله إيماناً راسخاً، والمتقبِّلة لتكاليفه بطواعية ورغبة فيما عنده، وما وعد الله به المؤمنين من نصر وعز في الدنيا وثواب مضاعف في الآخرة كما قال جلَّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:30] متى تتنزل عليهم؟ تتنزل عليهم عند حالة الاحتضار وعند نزول ملك الموت قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:30 - 34] والخلاصة: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]. ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره} نعم أيها المسلمون! عبء الإيمان شاق وكبير، ولكنه سهل ويسير على من يسره الله عليه، سهل على النفوس التي تعرف أن عبء الإيمان كبير، وأن جزاءه ومثوبته أكبر وأجلُّ عند الله، الذي يجزي على الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف. فيا أخي المؤمن! إنك وأمثالك من المؤمنين في هذه الحياة معرضون لألوانٍ من الابتلاء والاختبار بخير أو بشر، بخير كالمال والصحة والولاية؛ ليرى هل تؤدي حق الله فيها بما أوجب عليك وأتمنك عليه؟ وهل قصرت النفس حال الصحة والابتلاء على المأمورات، وأمسكت بعنانها عن ارتكاب المنكرات؟ وهل أديت حق الله فيما استخلفت عليه من مصالح المسلمين؟ هل أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر؟ حتى تكون من أهل التمكين في الأرض الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]. أيها المؤمنون بالله حقاً! اعلموا أن الله عز وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير، بعض الناس يقول: لو كان الله يحبني لأعطاني مثلما أعطى بعض الناس من الملايين، والصحة والعقارات، لا يا أخي! إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فاظفر بالدين وتمسك بالدين، حتى تحشر مع المتقين.

عاقبة الصبر على الابتلاء

عاقبة الصبر على الابتلاء أيها المؤمنون حقاً! الذين لا يزلزل إيمانهم ملايين ولا عقارات ولا غيرها من أعراض الدنيا الفانية! اعلموا أن الله عز وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير، يبتليهم بالمرض، وتسليط الأعداء، وليس ذلك إهانة أو تعذيباً ولكنه لتقوية الإيمان. نعم يا أمة الإسلام! لتقوية الإيمان الحق، ولعظم مثوبة الصبر على البلاء، كما حصل لنبي الله أيوب عليه السلام. أيها المؤمنون: امتثلوا بالمؤمنين واجعلوا المؤمنين لكم قدوة، هذا أيوب عليه السلام حصل له من الابتلاء بالمرض الذي بلغ به إلى أن تخلى عنه جميع الأقارب حتى وضعوه بعيداً عنهم. وكما حصل لأبينا إبراهيم من تسلّط قومه عليه وإلقائهم إياه في النار، فهل لما ألقوه، قال: لنذهب إلى الأمم المتحدة، أو نذهب إلى أمريكا، أو الاتحاد السوفيتي لنستنجد بهم؟ لا. ولكن قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله: {كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] لا تكوني حرباً عالمية طاحنة، كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وذلك لأن الله لا يضيع عباده المؤمنين، ولقد خلقهم في هذه الدنيا ليبتليهم، فمن صبر فله العاقبة الحسنى، ومن تضجر واستعان بغير الله فسيكله إليهم ويكله إلى ضعف وهوان. وما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأذى والمضايقة، والتآمر ضده، والمؤامرة التي فضحها القرآن {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] فماذا كان عاقبة الابتلاء؟! أيها المسلمون: فأيوب كشف الله عنه ضره، وآتاه أهله ومثلهم معهم رحمة من الله وذكرى لأولي الألباب، من هم أولو الألباب: هم أهل العقول السليمة، الذين يعلمون أن الله يبتلي بالشر والخير فتنة. يقول جلت قدرته للنار التي أنشئت لإحراق إبراهيم: {كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] ثم جعله أمة يقتدى به، وجعل له لسان صدق في الآخرين، ومحمد الذي أفلت من مؤامرة المشركين الدنيئة، وخرج من مكة مختفياً مطارداً ويعود بعد ذلك ويطل عليها من أعلى طريق فيها فاتحاً، يطل على الدنيا وعلى الأمة جميعها، متوجهاً إلى رب واحد، وقبلة واحدة، وقيادة واحدة، ويصبح هو إمامها بما بلغها الله إلى يوم القيامة، بل هو فرطها على الحوض وشفيع لها عند الله فهو فاتح باب الجنة. فاتقوا الله أيها المسلمون! اتقوه تقوى المؤمن الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: {عجباً للمؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم الذي جاء من عند الله، واصبروا على ما قد تبتلون به، وما كلفتم به من الله، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وأدوا حق الله فيما أعطاكم وفيما ولاكم، ولا يطغينكم عز ورخاء، أو صحة وثراء، ولا تطغينكم الأحداث والشدائد والمضايقات، فما هي إلا برهة قليلة ثم يأتي فرج الله ونصره ومثوبته، فما حصل للأنبياء وأتباعهم ممن ابتلوا وأوذوا في الله وستكون العقبى لأتباعهم كما كانت من قبل. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] إلا من يا ربنا {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك وجودك يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

يبعث كل عبد على ما مات عليه

يبعث كل عبد على ما مات عليه الحمد لله على التوفيق والسداد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، والنهج القويم السديد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله واعملوا صالحاً تجزون به في دار الجزاء، جاء في الحديث عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: {يبعث كل عبد على ما مات عليه} اللهم توفنا على الإيمان، اللهم توفنا مؤمنين، اللهم توفنا مؤمنين متمسكين بسنة نبيك محمد، اللهم صلِّ على محمد. عباد الله: ذلك الحديث يحفز الهمم على حب العمل، وملازمة السنن والإخلاص لله في القول والفعل؛ ليموت العبد على خير حال، وليكون قرير العين في المآل. أمة الإسلام: يا له من حديث عظيم جليل! خير الهدى رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، الزموا جماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله وقال: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلىَّ علي مرة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسول الله أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً،،اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ارفعنا بالإسلام، اللهم ارفع مكانتنا بالإسلام، اللهم أعد لنا هيبتنا بالإسلام يا رب العالمين، اللهم انصر عبادك الموحدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمرنا وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

منافع الصلاة

منافع الصلاة إن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي النور الذي يستضيء به المؤمن، وهي الحجة والبرهان على صحة الإيمان، والوسيلة للنجاة يوم القيامة، وهي عمود الإسلام وآخر ما يفقده الناس من دينهم، وهي عون للعبد في مصالحه الدنيوية والأخروية. والواجب علينا أن نهتم بها ونؤديها بجميع أركانها وشروطها كما أداها محمد صلى الله عليه وسلم وأن نحذر من التهاون بها أو تركها بالكلية فإن تركها بالكلية كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منزلة الصلاة وفضلها

منزلة الصلاة وفضلها الحمد لله المحمود بفعاله، والمنعوت بصفات الجلال والكمال، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فرض على عباده الصلاة، ووعد من أقامها بخشوعها وآدابها بسكن الفردوس، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أوصى بالصلاة وهو يلفظ آخر الأنفاس، وهو يفارق الحياة صلوات الله وسلامه عليه، ويقول: {الصلاة الصلاة} اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن للصلاة شأناً عظيماً؛ لأنها الصلة بين العبد وربه الصلاة هي النور الذي يستضيء به المؤمن. وهي البرهان على صحة الإيمان، والوسيلة لنجاة المؤمن يوم القيامة، كما ورد في الحديث: {من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة}. الصلاة -يا أمة الإسلام- هي ركن الدين، وعمود الإسلام، وهي آخر ما يفقده الناس من دينهم، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام. وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس، وتفصيل أوقاتها وشروطها ومكملاتها، وفضلها وكثرة ثوابها. فمن فضائل الصلاة: أنها أفضل عبادة يحصل فيها الخضوع والذل لله رب العالمين، وامتلاء القلب من الإيمان به وتعظيمه، وذلك مادة سعادة القلب الأبدية ونعيمه، ولا يمكن تغذية القلب بمثل الصلاة أبداً فلا يفيد القلب الدم، ولا تفيده المرطبات، ولا تفيده كثرة المغذيات؛ إذا كان فاقداً للذة الصلاة، فلا يمكن تغذية القلب بمثل الصلاة، وأقصد بذلك حياته التي توصله إلى رب العالمين، أما الحياة البهيمية فإن القلب يكفيه ما يكفيه. والصلاة -يا عباد الله- من أعظم الأغذية ومن أعظم ما تسقى به شجرة الإيمان، فالصلاة تثبت الإيمان وتنمي ما يثمره الإيمان من فعل الخيرات والرغبة إليها، وهي كذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما أخبر المولى جلَّ وعلا: {أَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله َأَكْبَرُ} [العنكبوت:45] فأخبر بأن فيها الغذاء بذكر الله، والشفاء نهيها عن الفحشاء والمنكر، وأي شيء أعظم من هذا وأجل وأفضل. ومن فضائل الصلاة: أنها أكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه، كما حثنا الله على ذلك بقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] أي: في كل الأمور.

المصالح الدينية للصلاة

المصالح الدينية للصلاة أما عونها على المصالح الدينية: فإن العبد إذا داوم على الصلاة وحافظ عليها قويت رغبته في فعل الخيرات، وسهلت عليه الطاعات، وبذل الإحسان بطمأنينة نفس، واحتساب للأجر والثواب. وبالمحافظة على الصلوات الخمس تذهب أو تضعف دواعي المعاصي، وهذا أمر محسوس مشاهد؛ فإنك لا تجد محافظاً على الصلاة بفروضها ونوافلها إلا وجدت تأثير ذلك في بقية أعماله، ولهذا كانت الصلاة عوناً على الفَلاح، يقول جلَّ وعلا: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18]. وهل المراد عمارتها بالزخارف، أو تصميمها كما تصمم الكنائس، أو بذل الأموال والبذخ فيها؟ لا. إنما المراد عمارتها بالصلاة والقربات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} ولو كان يصلي على الأرض، ولو كان يصلي على التراب، اشهدوا له بالإيمان، فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18]. أما نحن! فقد عمرنا مساجدنا، وباهينا بعمارتها، وزخرفناها، وقد بلغت من التكاليف كذا وكذا، ولكن كم يرودها من المصلين؟ كم يأتي إليها من المصلين؟! وإنا لنخشى أن يقع علينا الخبر في آخر الزمان: {مساجدهم عامرة وهي من الهدى خراب} ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المصالح الدنيوية للصلاة

المصالح الدنيوية للصلاة كما أن في الصلاة عوناً على المصالح الدينية؛ فإن فيها أيضاً عوناً على المصالح الدنيوية: فمن مصالحها أنها تهون المشاق، فقد جاء في الحديث: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة} أما الكافر فإنه إذا ضاقت عليه الأرض ذرعاً وضاقت عليه نفسه انتحر والعياذ بالله، أما شريعتنا الإسلامية فهي تدل إلى كل خير. والصلاة تسلي على المصاب، وهذا من أمر الله عز وجلَّ الذي لا يخالف: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] فيجازي الله صاحبها بتيسير أموره، وتفريج كرباته؛ لأنها الصلة العظيمة بين العبد وبين ربه. ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: "أن رجلاً كان يتجر للناس، وكان رجلاً تقياً عفيفاً، فهجم عليه لص وقال: أريد أن أقتلك وآخذ مالك، قال: خذ المال ولا تقتلني، فأبى إلا قتله، فقال: دعني أصلي ركعتين، فأخذ من ماء كان معه في شنة له، فتوضأ وقام إلى صلاته قام ليبتهل إلى رب العالمين قام ليُشغل الهاتف العاجل قام ليُشغل الحركة بينه وبين ربه، بينه وبين مغيث اللهفان، ومجيب الدعوات فلما سجد في الركعة الثانية توسل إلى المولى جلَّ وعلا وقال: اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد! أسألك بعزتك التي لا ترام وملكك الذي لا يضام أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني قالها ثلاث مرات، فرفع رأسه من السجود وإذا برأس اللص يتدحرج أمامه، وإذا برجل على فرس شاهراً رمحه فقال: من أنت؟ قال: أنا ملك من ملائكة السماء الرابعة، تخاصم فيك الملائكة فاخترت أن أنزل أنا". عباد الله: بالقرب من الله تنال الحاجات وتلبى الطلبات. ومن فضائلها: أن من أكملها وأتقنها، فقد فاز وسعد وللصلاة فوائد كثيرة كل واحدة منها خير من الدنيا وما عليها. والصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وفيها تكفير للسيئات، وزيادة في الحسنات، ورفعة للدرجات وفيها زيادة القرب من رب الأرض والسماوات، وزيادة الإيمان في القلب ونوره. وقد شرع الشارع الحكيم الاجتماع للصلوات الخمس والجمعة والعيد؛ لما في الاجتماع من حصول التنافس في الخيرات، والتنشط عليها والتعلم والتعليم لأحكامها، فإن العالم ينبه الجاهل، والجاهل يتعلم بالقول وبالفعل من العالم، ويقتدي الناس بعضهم ببعض كذلك يحصل في الاجتماع للصلوات في المساجد التعارف والصلات، والملاحظ أن أكثر الجيران لا يعرف بعضهم بعضاً، لعدم إتيانهم إلى الصلاة والعياذ بالله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. والاجتماع للصلوات في المساجد يحصل به التودد والتواصل بين المسلمين، وعدم التقاطع، ويحصل -أيضاً- معرفة من يحافظ على الصلوات ممن يتهاون بها، ممن يتركها، فإن تارك الصلاة منبوذ كافر والعياذ بالله ويحصل بكثرة الخُطى إلى المساجد تكفير السيئات ورفعة الدرجات. ومن فوائد الصلاة: ما فيها من الرياضة المتنوعة النافعة للبدن المقوية للأعضاء؛ من المشي والذهاب والمجيء والقيام والقعود والركوع والسجود المتكرر، وكذلك ما فيها من الداعي إلى النظافة، وهو تكرر الطهارة وكل هذه الحركات نفعها محسوس مشاهد، لمن أنصف من نفسه وأقر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

أهمية الخشوع في الصلاة

أهمية الخشوع في الصلاة أمة الإسلام! بقي أن نعلم أن روح الصلاة ومقصودها الأعظم هو حضور القلب بين يدي الله، ومناجاته بكلامه، وذكره والثناء عليه، ودعاؤه والتضرع إليه، وطلب القربة عنده ورجاء ثوابه، وإذا حصل ذلك فإنه بلا ريب ينير القلب ويشرح الصدر ويفرح النفس والروح يخبر رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {إن العبد إذا قام من الليل فذكر الله وتوضأ ثم صلى ما كتب له؛ انحلت عنه عقد الشيطان كلها، فأصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً}. عباد الله! حافظوا على الصلوات وأدوها في المساجد بقلوب حاضرة، وأريحوا أبدانكم وقلوبكم من المشاغل بإقامة الصلاة، اقتداءً بنبيكم صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول: {أرحنا بها يا بلال} وقد كانت قرة عينه صلى الله عليه وسلم كما قال: {وجعلت قرة عيني في الصلاة}. فالله الله في إقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها ومسنوناتها؛ حتى نفوز بالقرب من رب العالمين، حيث يقول: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُون * أولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:34 - 35]. اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين، بارك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة

لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة الحمد لله العظيم في سلطانه، أحمده سبحانه القائل في محكم التنزيل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى القائل: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} {بين العبد والكفر ترك الصلاة} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وحافظوا على الصلوات الخمس، أدّوها كما أمرتم لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} احذروا من الإخلال بأركان الصلاة وواجباتها، واحذروا من الإخلال بما ينبغي لها، واعلموا أن الصلاة نور كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها}. فمن باع نفسه للرحمن بطاعته واتباع شرعه والتمسك بدينه؛ فقد أعتقها من عذاب الله، ومن باع نفسه للشيطان والكرة والملاهي ولعب الورق ولعب الميسر والشطرنج والقمار، متتبعاً خطوت الشيطان، مستجيباً لإغوائه متبعاً لهواه؛ فقد أورد نفسه موارد الهلاك والعطب، وما أكثر من أطاع الشيطان -والعياذ بالله- فصار هو إمامهم يقودهم إلى كل شر وفساد ورذيلة، يهيمون في شهواتهم، قد أضاعوا الصلوات وأشغلوا أوقاتهم بما يعود عليهم بالخسارة الفادحة يوم القيامة يقول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] والويل: وادٍ في جهنم، فكيف بِمنْ يتهاون بالصلاة، كيف حاله إذا بدأ يهيم في هذا الوادي؟! هذا لمن تهاون بالصلاة، وأخرها عن وقتها. أما من ترك الصلاة بالكلية فهو كافر والعياذ بالله، والويل له من سقر {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:27 - 28] فالحذر الحذر يا عباد الله من ترك الصلاة، الحذر الحذر من التهاون بالصلاة، فإنها الفارقة بين الكافر والمسلم {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} [[لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]]. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك وزد على سيدنا ونبينا محمد صلاةً وتسليماً إلى يوم القيامة، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. اللهم أورثنا ديارهم وأوطانهم، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في برك وبحرك من المسلمين، اللهم أيدهم بنصرك، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم على أعداء الإسلام والمسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اجعلهم قرة أعين لنا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

لمن تكون الطاعة

لمن تكون الطاعة ابتدأ الشيخ خطبته بذكر آيات التقوى من سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، ثم تحدث عن وجوب طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وما يترتب على هذه الطاعة من حل للمشكلات الاجتماعية وعلاج للأمراض الخطيرة التي تفشت بسبب معصية الله ورسوله، وأن تحكيم الشريعة طريق للنصر والعزة والكرامة، ثم تطرق إلى الحديث عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي من صوره الجهاد، وختم بذكر أحاديث في فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل.

وجوب العمل بالشريعة الإسلامية

وجوب العمل بالشريعة الإسلامية الحمد لله الذي تفرد بالجلال والكمال والبقاء، الحي الذي لا يموت أبداً، ذي العظمة والكبرياء، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الإسلام، وأعظم بها من نعمة! وأسأله أن يديمها علينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أطاح بعروش الظلم والظلام، وأقام دولةً إسلامية بوحي من الله وإلهام. اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين نفذوا شرع الله على خير مرام، وفتحوا الفتوحات، ومصروا الأمصار، فدانت لهم العوالم بأسرها مع قلة العَدَد والعُدَد، فرضوان الله عليهم أجمعين، وعلى من سلك طريقهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، فإن ربكم جل وعلا يأمركم في محكم البيان بأن تتقوه حق تقاته، وأن تتمسكوا بدين الإسلام حتى تموتوا عليه، وأن تعتصموا بحبل الله المتين، وينهاكم جل وعلا عن التفرق والاختلاف، ويذكركم بنعمته عليكم حيث جعلكم إخوة في الدين والعقيدة، ولقد أنقذكم بهذه الأخوة من النار، حيث بعث إليكم أفضل المرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وأنزل عليه أفضل الكتب ألا وهو القرآن، واسمعوا إلى القرآن يا أمة الإسلام وهو يخاطب المسلمين جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، يقول المولى جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:102 - 103]. أيها المسلمون: اعلموا أنكم إذا أطعتم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وطبقتم الأوامر التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد حظيتم بالفوز العظيم، ورافقتم نخبةً طاهرةً من عباد الله في رفيع الجنان، وتصديق ذلك في محكم البيان قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} [النساء:69 - 70] وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

الحكم بالشريعة علاج للمشكلات والأضرار

الحكم بالشريعة علاج للمشكلات والأضرار عباد الله: إن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم العمل بجميع ما جاءت به الشريعة الإسلامية أجل -يا أمة الإسلام- علينا أن نقف مع أنفسنا، ونتساءل عما حل بالمجتمعات من ضرٍ وضيقٍ مالي أو أمني فردياً كان أو جماعياً، وكل عاقل سوف يقول: هو بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، وإهمالهم لأوامر الله عز وجل، ونسيانهم شريعة الله عز وجل، والتماسهم الحكم بين الناس من غيرة شريعة الله الذي خلق الخلق وكان أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم، وكان الله جل وعلا أعلم بمصالحهم من أنفسهم. أمة الإسلام: نسمع في هذه الأيام أنهم يعقدون الجلسات ليبحثوا عن علاج لمرض الإيدز ومرض الهربز ومرض الزهري ومرض السيلان، وقد أخبرنا الله بالعلاج منذ خمسة عشر قرناً، منذ أن جاء محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه أتدرون ما هو العلاج؟ إن العلاج هو جلد الزاني والزانية مائة جلدة، وتغريبهما عن البلاد، هذا إذا كان الزاني أو الزانية بكراً لم يتزوج، أما العلاج الثاني وهو للمتزوج فإنه يقتل رجماً بالحجارة، سواء في ذلك الذكر والأنثى إذا كانا متزوجين فيا له من علاجٍ جاءت به الشريعة الإسلامية على لسان محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه! هذا هو علاج مرض الإيدز والهربز والسيلان، وغيرها من الأمراض التي انتشرت من جراء الزنا واللواط، أما الحكم على اللوطي -وهو من يعمل جريمة قوم لوط- فقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به}. ولذلك الصحابة رضي الله عنهم الذين يطبقون شرع الله منهم من أحرق اللوطي بالنار، ومنهم من رجمه بالحجارة، ومنهم من قال: ينظر إلى أعلى محلٍ في البلد، ثم يرمى منه ويتبع بالحجارة، هذا هو اللوطي الذي قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزيراً]] والعياذ بالله! إذاً العلاج في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيضاً علاج الذين يسطون على الأموال، ويرعبون الناس، ويزحزحون الأمن عن البلاد؛ علاجهم في كتاب الله، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38] ولكن بعض الدول التي تدعي الإسلام لما استمعت إلى تلاميذ لينين وماركس، جعلوا يقولون: هذه الأحكام فيها تشويه! -نسأل الله العفو والعافية- أليسوا يعتبرون بذلك كفاراً، إذا أطلقوا هذه العبارات على أحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم؟! مروج المخدرات والمسكرات يقتل ويقضى عليه؛ لأنه من الذين ينشرون الفساد في الأرض، يقول ابن تيمية رحمه الله: شارب الخمر إذا شرب في الأولى يجلد، ثم في الثانية يجلد، ثم في الثالثة يجلد، ثم في الرابعة يقتل فرحمة الله على علماء الإسلام والمسلمين الذين ترووا من شريعة الله.

تحكيم الشريعة طريق للنصر

تحكيم الشريعة طريق للنصر أيها الإخوة في الله: هذه أحكام الله سبحانه وتعالى واعلموا أن المسلمين إذا رجعوا إلى كتاب الله، وإلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظموا شعائر الله؛ فليبشروا بالنصر من الله جل وعلا، فإن النصر لا يحصل ولا يتحقق إلا إذا عمل المسلمون بدين الإسلام كله، وطبقوه عقيدةً وعبادةً، وأحكاماً ونظاماً وأخلاقاً في كل شأنٍ من شئون حياتهم. فعلى المسلمين في كل زمان ومكان إذا أرادوا النصر والفخر والعز والشرف من الله، والتمكين في الأرض؛ عليهم جميعاً أن يعملوا بكتاب ربهم، وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى قوله صدقٌ، ووعده حقٌ، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] ويقول تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] ويقول تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] فإذا وجد الإيمان والإسلام، وجد النصر بإذن الله تعالى، وإذا فقد الإيمان والإسلام، فلا عز ولا نصر جزاءً وفاقاً، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. فإذا أراد المسلمون النصر والعز والنصر، والحفاظ على الممالك الإسلامية؛ فعليهم ألا يغالطوا أنفسهم، وعليهم أن يأخذوا بأسباب النصر، ومن أهمها: العمل بشريعة الإسلام، والاستعداد بالقوة الحسية والمعنوية في قتال الأعداء امتثالاً لأمر الله جل وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ثم التكاتف، والتساند، والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين من أسباب النصر، ولابد -يا عباد الله- أن يكون الجهاد لإعلاء كلمة الله ولنصرة دينه، فلا قومية، ولا شعبية، ولا عنصرية، ولا حمية جاهلية، فإذا أعلن الجهاد لإعلاء كلمة الله، فإن النصر يتحقق بإذن الله تعالى.

صور من العمل بالشريعة الإسلامية

صور من العمل بالشريعة الإسلامية أيها الإخوة في الله: إن من العمل بشريعة الإسلام: فعل جميع الواجبات، وترك جميع المحرمات، ومن تلك المحرمات التي انتشرت بين المسلمين وعلا شرها واستطار: جريمة الربا وهي الكبيرة التي أذن الله لمن يرتكبها بالمحاربة -نسأل الله العفو والعافية- ومن يحارب الله يا عباد الله؟!! ويقول صلى الله عليه وسلم: {الربا ثلاثٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه} وأيضاً ورد في الأثر: {درهمٌ ربا أشد عند الله من ستٍ وثلاثين زنية}. فيا أمة الإسلام: متى نستيقظ؟ متى نحارب هذه الجريمة التي حلت على أهلها اللعنة؟ فقد ورد في الحديث: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} أي: في الإثم سواء. ومن العمل بشريعة الإسلام -يا عباد الله- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أهم الواجبات وأعظم المهمات على المسلمين عموماً إبعاد القوانين الوضعية المخالفة لشريعة الإسلام، فالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها المخلوق لمخلوق مثله كفر وإلحاد وظلمٌ وفساد، قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ويقول المولى جل وعلا: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام:38] ففي الشريعة الإسلامية حلٌ لكل مشكلة، فهي صفوة الأديان ومسك الختام، وقد جاءت لإقامة العدل في الأرض ومنع الفساد، جاءت للإصلاح والصلاح، وتكفلت بإصلاح الأوضاع كلها، وإبطال جميع الأنظمة والقوانين الطاغوتية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأحكام الشريعة الإسلامية أحكام مرنةٌ لا التواء فيها ولا تعقيد كما يوجد في القوانين الوضعية. أمة الإسلام: إن ميدان الشريعة الإسلامية واسع وفسيح، وهي مع ذلك في غاية من الحكمة والسماحة واليسر والتسهيل، وليس في الشريعة الإسلامية عجزٌ ولا قصورٌ عن حل مشاكل الحياة، بل في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم السداد والوفاء والكفاية بجميع متطلبات الحياة البشرية، والآيات التي صرحت بالحكم بما أنزل الله أكثر من مائة وخمسين آية في كتاب الله، فواجب على المسلمين أن يستمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وليهنئ بعضنا بعضاً ونحن في هذه البلاد الآمنة التي تطبق الشريعة الإسلامية يقول لي بعض الإخوان المغتربين الذي جاء من خارج البلاد، ويقسم بالله ثلاثة أيمان، يقول: والله، ثم والله، ثم والله، ما تلذذت بالنوم إلا يوم أن دخلت هذه المملكة. أسأل الله جل وعلا أن يحفظنا بحفظه، وأن يرعانا برعايته حكاماً ومحكومين، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، وأن يجعلنا وإياهم هداةً مهتدين نطبق شرع الله إنه على كل شيء قدير. أقول قولي هذا، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يغفر لنا جميعاً فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الجهاد في سبيل الله وفضله

الجهاد في سبيل الله وفضله الحمد لله أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه بالأجر العظيم والثواب الجزيل لمن أخلص فيه النية لله، وجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي جاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وارجعوا إلى الله، وجددوا توبةً نصوحاً، وجاهدوا في سبيل الله، فإنه من أفضل الأعمال إلى الله، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حجٌ مبرورٌ} متفق عليه وعن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قلت: يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله} متفق عليه وعن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله} متفق عليه ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها} متفق عليه فيا له من فضل عظيم! ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى؛ اللون لون دم، والريح ريح مسك} متفق عليه وعن سهل رضي الله عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} رواه مسلم وعن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه} رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموه فاصبروا} متفق عليه. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} وفي رواية: {مات ميتة الجاهلية}. عباد الله: إن أحاديث الجهاد في سبيل الله كثيرة، وكذلك الآيات الدالة على فضله كثيرة، وما قدمنا فيها كفاية وفيها ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد.

من صور الجهاد

من صور الجهاد عباد الله: علينا -أولاً- أن نجاهد أنفسنا وأهلينا وأولادنا على طاعة الله عز وجل؛ بالقيام بالفروض وأدائها على الوجه المطلوب، ثم علينا أن نجاهد أنفسنا عن المحرمات من غيبةٍ ونميمةٍ، وأكل للحرام، ونجاهد أنفسنا عن الخداع والكذب والغش والخيانة، وأكل الربا، وشهادة الزور، ونجاهد أنفسنا عن الرياء والسمعة، ونجاهد أنفسنا عن ارتكاب المحرمات بجميع أنواعها واختلاف أشكالها، فإذا جاهدنا أنفسنا واستقمنا على الطريقة، جاهدنا الأعداء؛ وحينئذ يتحقق النصر بإذن الله تعالى. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالإكثار من الصلاة والتسليم عليه، فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين والملحدين والعلمانيين والبعثيين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم خذهم أخذ عزيزٍ مقتدر يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، الله أقر أعيننا بصلاحهم، واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، فأنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، يا من قلت وقولك الحق: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا قريباً مجيباً لمن دعاك، يا من قلت وقولك الحق: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] لبيك وسعديك! لبيك وسعديك! نرفع إليك أكف الضراعة يا غني يا حميد! يا علي يا عظيم! يا حليم يا عليم! اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، عاماً طبقاً مجللاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم أنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته لنا قوةً على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللهم أحي بلدك الميت، اللهم أحي بلدك الميت اللهم أحي بلدك الميت اللهم انشر بركتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد! يا من خزائنه ملأى! يا من يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء! أنت الغني ونحن الفقراء لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم فارج الكربات! كاشف الشدائد والبليات! اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.

أمراض القلوب

أمراض القلوب إن للقلب أهمية كبرى في جانب الحياة الروحية والاتصال بالله سبحانه وتعالى، فهل أعطينا القلب ما يستحقه من نصح وعناية وإحاطة بالخير؟! وهل جنبناه مواطن الفساد والمرض؟! إن هذه المضغة الصغيرة ذات أهمية بالغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. وكما أن لموت القلوب أسباباً فكذلك لحياتها أسباباً، وإن من أعظم أسباب حياتها ذكر الله.

أهمية القلب في حياة الإنسان

أهمية القلب في حياة الإنسان الحمد لله يهدي من يشاء, ويضل من يشاء, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلق فقدر, فكلٌ ميسر لما خلق له, فأهل السعادة يسَّرهم الله لأعمال أهل السعادة, وأهل الشقاوة -كذلك- ميسرون لأعمال أهل الشقاوة, اللهم اجعلنا من السعداء ولا تجعلنا من الأشقياء, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي نصح لأمته, وتركهم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس! اتقوا الله عز وجل, وراقبوه في السر والعلانية, كما هي وصية الله للأولين وللآخرين, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي -أيضاً- بعض الصحابة ويقول: {اتق الله حيثما كنت}. أيها الإخوة في الله: من تقوى الله عز وجل إحاطة القلب ونصحه وإدخال كل شيء يرضي الله إليه, وإبعاد كل شيء يغضب الله سبحانه وتعالى عنه, وهذه القطعة الصغيرة التي لا يراها أحد إلا الله سبحانه وتعالى أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي: القلب} اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. أيها الإخوة في الله: إن القلب هو المسيطر وهو الملك على الأعضاء كلها, لذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التوجيه ليحث الأمة الإسلامية على حفظ هذا الوعاء المهم, ألا وهو القلب, كذلك حث على حماية هذا القلب, وعلى وقايته من الأخطار. عباد الله: القلب مصدر سعادة الإنسان أو شقاوته, ومن القلب تنبعث حياة الإنسان الروحية أو ينبعث موته المعنوي. يا أمة الإسلام: القلب يحتاج إلى عناية, وإلى صيانة, ويحتاج إلى عطف منك أيها الإنسان حتى يقوم بواجبه, والقلب يحتاج منك أن تتقرب إلى الله عز وجل, فإذا صلح قلبك صلحت الجوارح كلها.

إهمال الكثير لقلوبهم

إهمال الكثير لقلوبهم أيها الإخوة في الله! Q هل أعطينا القلوب ما تستحقه من حماية؟ وهل أحطنا القلوب بسياج الإيمان الكامل؟ إن معظم الناس بل الأكثر فرط في هذه الناحية الحساسة, وتركها حتى دخل عليها ذئب الإنسان وهو الشيطان, فجعل يخطط للأعداء, ويأمرها وهي تنفذ تلك الأمور الخطيرة, حتى أصبح الأكثر من الناس في أسر الشيطان وقيوده, ووقعوا في أعظم داهية, وأصيبوا بأعظم الأدواء ألا وهو فقدان الإحساس الروحي, وابتلوا بموت الضمائر, حتى ران على القلوب الران, وأعمتها الذنوب والمعاصي، وفقدوا الغيرة والمروءة والحياء, والحياء شعبة من الإيمان, فقده الذين ماتت قلوبهم. أيها الإخوة في الله: إن موت القلوب طغى عليها فأصبحت كالحجارة, لا تتأثر بآية ولا وعظ, ولا تستجيب لنداء الإسلام, ولا تستفزها نذر القرآن, ولم يؤثر بتلك القلوب التي عميت عن الحق ما يطرق أسماعها من الآيات الكونية والعبر, وصدق رب العالمين قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] تعمى عن النظر إلى الحق, وتصم عن سماع الحق, لو كانت القلوب واعية وصحيحة لكفى بها ما تسمع من العبر, وما تشاهده من الحوادث المفزعة, والكوارث المدمرة التي جعلت أهل تلك البلدان المجاورة شذر مذر, وفرقتهم في كل ناحية, فأصبحوا بعد الغنى فقراء, وبعد الشبع جياعاً, وأصبحوا بعد الجماعة فرقة, فإنها عبرة لمن يعتبر. أيها الإخوة في الله: عباد الله! إن موت القلوب أغفل الكثير عن الاهتمام بدين الإسلام, حتى أصبح الكثير من المسلمين لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً, فما بقي إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم يا علماء الإسلام: ما هذا التغافل عن الدعوة إلى الله؟ وما هذا البعد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

أسباب موت القلوب

أسباب موت القلوب أيها الإخوة في الله: بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبسبب غفلة القلوب، تداعت على الإسلام الأمم من كل صوب وحدب وغزوا العقائد والأخلاق, وبذروا الفتن وأججوا نارها بين المسلمين, وأدخلوا البدع فاستحسنها بعض أهل الإسلام -ويا للأسف الشديد- كل ذلك نتيجته موت القلوب وبعدها عن الله, وصارت تلك القلوب العمياء تلك القلوب الميتة أمام الكثير سراباً لا حقيقة له, أو كأنها أضغاث أحلام لا يتوقع لها تأويل, ولا يفكر فيما تولده من شرور, عياذاًَ بالله من مضلات الفتن. كل ذلك نشأ عن موت القلوب, وعدم الشعور والتطلع بمسئولياتها حتى إن بعض الناس لموت قلبه وبعده عن الله أتى بالخادمة وجعلها له ولأهله متعة يتمتع بها، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومن موت القلوب: أنه سمح للفتاة التي امتنعت عن الزواج أن تستقدم لها سائقاً يذهب بها ويرجع, فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومن موت القلوب: ما يتبادله بعض النساء من أفلام خبيثة تعكس الفطر وتنكس أخلاقها، وتجعل تلك المرأة بعد أن كانت أمينة حصينة عفيفة، تكون داعرة خبيثة, مجرمة, تنشر الشر والفساد، وذلك بسبب الأشرطة التي تتبادلها هي وزميلاتها. أيها الإخوة في الله: ألا نحيط قلوبنا بالنصيحة؟ ألا نتفقد قلوبنا؟ ولو صح القلب ووعى, لتفقدنا الأهل والأولاد, ولقمنا بالواجب, ولعلمنا أن علينا مسئولية عظيمة, والله لو وعى القلب لما تركنا المرأة تخرج مع السائق يجوب بها الأسواق وتذهب لتشجع اللاعبين, ولتشاركهم في أفراحهم ولعبهم, أين هذا من المسلمين؟ هذا لم يوجد حتى في مجالس الجاهلية، ولم يذكر في مجالس الجاهلية أن أمرأة جلست معهم في مجالسهم, فأين الغيرة يا أمة الإسلام؟ وأين الحياء يا أمة الإسلام؟! أين الغيرة يا عباد الله؟! كيف يترك الرجل أهله وبناته مع السائق يجوب بهن الأسواق؟ فقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون, وحسبنا الله ونعم الوكيل. إن استقدام السائق والخادم والمربية فتنة فتحت على المسلمين, والله إنها فتنة فتحت على المسلمين, والله إنه شر مستطير, ملأ البيوت بالفتن والشر والفساد, ولعلكم تسمعون وتقرءون ما يحصل في بعض البيوت من الشر والفساد, فإلى متى هذا السكوت على هذه المنكرات؟ قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].

عاقبة موت القلب

عاقبة موت القلب أيها الإخوة في الله: إن موت القلوب الذي عمّ الأكثرين من الناس، سبب لهم عدم المبالاة بأوامر الله, فأكثر الأولاد لا يعرفون المساجد, ولا يصلون في بيوت الله -فإنا لله وإنا إليه راجعون- والله ليست المصيبة مصيبة الدنيا ولا بفقد شيء من المال, إن المصيبة العظمى والكسر الذي لا يجبر هي -والله- مصيبة الدين فإنا لله وإنا إليه راجعون. كم نسمع في البيوت من رجال تعدت أعمارهم الأربعين ماذا ينتظرون إلا هادم اللذات أن يأخذهم على غرة وهم لا يعرفون المساجد, فإنا لله وإنا إليه راجعون, وكثير من النساء لا يعرفن الصلاة, فعلى من تقع هذه المسئولية؟ على ولي أمرها {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}. أيها الإخوة في الله: إن أسباب موت القلوب, جرأت الكثير من الناس على أكل الحرام, وعلى أكل الربا, وعلى أكل الرشوة, وعلى الغش, وعلى الخداع, وعلى بيع المحرمات: كالدخان والمخدرات والمسكرات بأنواعها, وجرأهم على أنهم جلبوا إلى بلاد الإسلام والمسلمين آلات اللهو واستحلوها, وأكلوا أثمانها وهي حرام, والقاعدة الفقهية تقول: "ما حرم استعماله فحرام ثمنه", لو كانت القلوب حية, لو كانت القلوب واعية لعرفنا أن أمامنا يوم عظيم, وأن أمامنا قيام بين يديّ رب العالمين. أيها الإخوة في الله: يوم الجزاء الثاني يوم القيامة, يوم عظيم تبرز فيه الكائنات، وتظهر فيه الحقائق، وتنكشف فيه النيات, وتنشر فيه الدواوين. أيها الرجل: إذا قيل لك يوم القيامة: ما السبب الذي جعلك تأتي بالخادمة والمربية وتتمتع بها وتجعلها بين أولادك وأهلك؟! ما هو الجواب بين يدي الله عز وجل؟ أما سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أما سمعت المبلغ عن رب العالمين وهو يقول: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} أما سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} أعدّ لهذا جواباً بين يدي الله رب العالمين, ثم أعدّ للجواب صواباً. أيها الإخوة في الله: إن موت القلوب أبعد الناس عن ذكر الله عز وجل, حتى غطى الغبار على كتاب الله عز وجلَّ, فإنا لله وإنا إليه راجعون, واستُحلت قراءة كتب أهل البدع والمحدثات, واستُحلت كتب الخلاعة والمجلات الهابطة والجرائد الساقطة وغيرها، وأعرضت القلوب عن ذكر الله قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]. أيها الإخوة في الله: اعلموا يا من تريدون النجاة يوم القيامة, أنه لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم, وما هو القلب السليم؟! القلب السليم هو: الصحيح الممتلئ بمحبة الله وإجلاله وتعظيمه, القلب السليم هو: المتحلي بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه, القلب السليم هو: الخالي من كل شبهة تعارض خبر الله, القلب السليم هو: الخالي من كل شهوة تميل إلى ما حرم الله, فاتقوا الله أيها المسلمون! وتجنبوا كل ما يمرض القلوب أو يميتها. وإن أكثر ممرض وأعظم مميت للقلوب هو: الصدود عن ذكر الله, والصدود عن تلاوة كتاب الله, والإعراض عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأكبر مميت للقلوب استماع الأغاني, والسهر, وقضاء الأوقات مع الأفلام والتمثيليات والمسلسلات التي جلبها أعداء الإسلام والمسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

أخلاق المؤمنين وصفاتهم

أخلاق المؤمنين وصفاتهم واسمعوا وصف المؤمنين الكامل في كتاب الله إن كنتم تريدون أن تقتدوا بهم. الوصف الأول: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] اسمع هذا وصف واحد يا عبد الله, إن كنت من المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وخافت. الوصف الثاني: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:2]. الوصف الثالث: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. الوصف الرابع: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [الأنفال:3]. الوصف الخامس: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال:3]. ولما استكملوا تلك الصفات الخمسة ماذا وصفهم الله؟ قال الله جلَّ وعلا: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:4] لا إله إلا الله! اللهم اجعلنا ممن يحوز على هذا الوصف, وبماذا وعدهم الله؟ {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:4]. اسمع يا عبد الله! أكرر عليك لعلك تنهج نهجهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]. اللهم اجعلنا منهم, اللهم أحينا مسلمين, وتوفنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين, اللهم أجرنا من مضلات الفتن, اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية اختيار الجليس الصالح

أهمية اختيار الجليس الصالح الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما يحب ربنا ويرضاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله, اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: إن كتاب ربنا جلَّ وعلا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيهما الحث على ما يحمي القلوب ويوقظها ويقربها من حضرة علام الغيوب, وفيهما النهي العظيم عن مجالسة الأشرار, فإن مجالسة الأشرار تعمي القلوب، وتصد عن ذكر الله، وتبعد عن الله عز وجل, لذلك فإن رب العزة والجلال نهى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن مجالسة الظالمين, فقال وقوله الحق: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68] لماذا؟! لأنهم سمٌ يدخل في الأبدان, فالكتاب والسنة يأمران بأن نبتعد عن كل خلق ذميم خشية أن يقودنا إلى الهاوية, فالشرير لا يهمه إلا أن يكون جليسه مثله شريراً. إن القرآن والسنة يأمران أن نبتعد عمن انغمس في العصيان وولّى وجهه نحو الشيطان, ويأمران أن نبتعد عمن غلب عليهم الجهل وتسلطت عليهم الأهواء, وإن أعظم مثال يصور لنا خطر جليس السوء ما حصل لـ أبي طالب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم, الذي كان يحميه من أذى المشركين، لما حضرته الوفاة وجعل يعاني من سكرات الموت, ويلفظ آخر أنفاس الحياة, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله} فماذا قال جلساؤه الأشرار؟ قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فعاد عليه الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم: {يا عمِّ قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله} فأعادوا عليه الكرة, وكرروا عليه التلقين وقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فماذا قال في النهاية؟ قال: هو على ملة عبد المطلب، فخرجت روحه على ملة الكفر والشرك والأوثان. أيها الإخوة في الله: إنه لا أخطر على الإنسان من جلساء السوء, فاحذروا جلساء السوء, فكم من شاب تقي صالح أصبح الآن رهينة في السجون؛ بسبب جلساء السوء! وكم من شاب عفيف طاهر أصبح يبيع عرضه بقطعة حشيش، بسبب مجالسة جلساء السوء! كم من شاب كان صحيح العقل مستوي القامة ولكن بصحبة الأشرار وبما قدموا له من الحبوب والمخدرات أصبح الآن بصفة المجانين وفي غرفة يعيش وحده لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً, إنهم جلساء السوء, احذور منهم, احذروا -أيها المسلمون رحمكم الله- أن تجالسوا من ساءت أخلاقهم وفعالهم. ولعل رجلاً يقول: أنا كبير السن ولا يؤثر فيّ جليس السوء, بلى، فقد أثروا على من هو في السبعين سنة، فجالسوه في بيته وحده وقالوا: لعلنا نأتي بالمخدرات ونبيعها نحن وأنت فإن فيها مكاسب, ولما قبض عليهم وأودعوا في السجن خرج يتوكأ على العصا بعد مدة طويلة قضاها في السجن, كل ذلك بمجالسة قرناء السوء, ومات في علته, نسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله حسن الخاتمة. أيها الإخوة في الله: احذروا جلساء السوء، وحذِّروا أولادكم, وحذِّروا نساءكم, فكم من فتاة عفيفة شريفة أهدت إليها جليسة السوء شريط الفيديو؛ فأصبحت خبيثة داعرة, وأصبحت عاهرة شريرة, وأصبحت عاراً على أهلها وأقاربها, بسبب جليسة السوء التي أهدت إليها شريط الفيديو, فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكم من فتيان أرواحهم طيبة, وأجسامهم مستقيمة, وهم على طاعة الله يدأبون, ولكن سرعان ما تحولت نفوسهم الروحانية إلى نفوس شيطانية, بسبب مخالطة بعض المفتونين, ورموا بأنفسهم بين الموبوئين, وكم انحلت من أخلاق، وكم ملئت السجون بأناس لا يعرفون الشر ولكن بسبب مقارنة أهل السوء صاروا أهلاً لذلك, فاتقوا الله يا عباد الله! واحذروا جلساء السوء فإنهم شياطين وما أقبحهم من شياطين، يصدون عن الصراط القويم, ويدعون إلى سواء الجحيم. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اكفنا وإياهم جلساء السوء, اللهم أبعد عنا وعنهم جلساء السوء, اللهم أصلح ولاة أمورنا, اللهم ارزقهم البطانة الصالحة, اللهم أبعد عن ولاة أمورنا بطانة السوء, واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. أيها الإخوة في الله: صلوا على الناصح الأمين, صلوا على من أرسله الله رحمة للعالمين, صلوا على محمد بن عبد الله الذي أمركم الله أن تصلوا عليه، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] , صلوا على من قال: {من صلّى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وأكثروا من الصلاة على رسول الله, فإنه قال: {إن صلاتكم معروضة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة} فأكثروا من الصلاة والسلام عليه, اللهم صلِّ على نبينا محمد, وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم, اللهم بارك على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين, لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل؛ يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

احذر عقوق الوالدين

احذر عقوق الوالدين إن حق الوالدين عظيم، ولذلك قرن الله سبحانه وتعالى طاعته بطاعتهما، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم طاعتهما على الجهاد في سبيل الله. وذلك لما قاما به من عظيم الرعاية وكبير المشقة، وقد تفشت في هذا العصر ظاهرة العقوق وهي المؤذنة بتفكك المجتمع وانحلال روابطه، كما أنها مجلبة لسخط الله وعقابه.

طاعة الوالدين طاعة لله

طاعة الوالدين طاعة لله الحمد لله الذي بيده الفضل ومنه الإحسان، والمعروف منذ القدم بالجود والكرم، لا إله غيره، ولا رب لنا سواه، أحمده سبحانه وأشكره، سخر لنا الوالدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بطاعة الوالدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حذر عن عقوق الوالدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا لله عزَّ وجلَّ وأطيعوه، ومن طاعته الإحسان إلى الوالدين، فالله سبحانه وتعالى عظَّم حق الوالدين، فقرن حقهما مع حقه، وقرن شكرهما مع شكره، فيا له من أمر عظيم! ويا له من حق كبير! فاسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يقرر ذلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23]. (وقضى) أي: وصَّى ربك جل وعلا {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. ويقول الله جل وعلا: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]. ويُروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين. سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله}. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[ثلاث آياتٍ نزلت مقرونة بثلاث، لا تُقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداها: قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59] فمن أطاع الله ولَمْ يُطعِ الرسول لَمْ يُقبل منه. ثانيها: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فمن صلى ولَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقبل منه. ثالثها: قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] فمن شكر الله ولَمْ يشكر والديه لَمْ يُقبل منه]].

حقوق الوالدين

حقوق الوالدين أيها المسلمون: لنعرف حق الوالدين؛ فإن حقهما عظيم، وأمره خطير، وإن من حقوقهما: الحنو والشفقة عليهما، والتلطف لهما، ومعاملتهما معاملة الشاكر لِمَن أنعم عليه، على أن الفضل للمتقدم. أيها المسلم: يا من تحب أن تجزى بالإحسان إحساناً! عامل والديك بالإحسان والتلطف بهما. أيها المسلم: لا تتأفف من شيء تراه، أو تشمه من الوالدين مما يتأذى به الناس، واحذر الضجر والملل! ولا تنغص أو تكدر عليهما بكلام تزجرهما به {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23] أي: حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتقدير، فلا ترفع عليهما صوتك، وتذكر عندما كنت طفلاً صغيراً، ماذا حصل لك من الرعاية والعطف والحنان. واسمع عِظَم هذا الحديث: {جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه بالجهاد في سبيل الله معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} رواه: البخاري، ومسلم، فيا له من حق عظيم للوالدين! ومما ورد في الحث على بر الوالدين: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد في سبيل الله، ولا أقدر عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: {هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد}. قال طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: {يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال: الزم رجليها، فثمَّ الجنة}. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}. نعم. يا عبد الله! للأم ثلاثة حقوق؛ لأنها تنفرد بأشياء كثيرة من المشاق، منها: الحمل، والوضع، والرضاع، وكثرة الشفقة، والخدمة, والحنو، فيا لها من حقوق تحتاج إلى مجازاة! فوالله ثم والله مهما بالغ البار بالوالدين فإنه لم يؤدِّ من الحقوق إلا القليل. فيا أيها العاق! يا أيها المضيع لآكد الحقوق بالعقوق! يا من اعتاض بر الوالدين بالعقوق! يا من نسي ما يجب عليه من الحقوق! يا من غفل عما بين يديه! ألم تعلم أن بر الوالدين عليك دين؟! ففكر، ثم فكر هل وفيت بهذا الدين؟ فإنك ستجد غِبَّ ذلك في أولادك. فيا أيها العاق! يا من نسي الجميل! هل نسيت حمل أمك في بطنها؟! هل نسيت حملك في بطن أمك تسعة أشهر، وكأنها تسع حجج؟! هل نسيت ما حصل لأمك من الكرب عند وضعك؟! فقد حصل لها والله ما يذيب المهج. هل نسيت الرضاع؟! هل نسيت غسلها عنك القذارات؟! هل نسيت ذلك السرير الذي في وسط حجرها؟! ثم إنها تتعب لراحتك؛ فإن أصابك مرض أو شكاية؛ أظهرت من الأسف فوق النهاية، وأطالت الحزن والبكاء! إنها الأم الحنون، إنها الأم الضعيفة، إنها الأم المسكينة، كم بذلَتْ ما في وسعها لترتاحَ؟! ولو خُيِّرَت بين حياتك وموتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها. فكم حرمتها لذيذ المنام؟! فسهِّرت والناس نيام، وكم تلذذت برائحة ملابسك عند فقدك؟! فيا لها من حقوق قابلتها أيها العاق بالنسيان! أعندما احتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك، نسيتها، وقدمت عليها الأهل والأولاد بالإحسان، وقابلت أياديها بالنسيان؟ و {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60]. إنها أمك، صَعُبَ عليك أمرُها وهو يسير، فكم طلبت منك حاجة فقابلتها بالامتناع والاعتذار؟! وربما قلت بكل شناعة: اللهم أرحنا من هذه العجوز! أنسيت يا هذا زمن الطفولة والحنان والرضاع؟! كيف قابلت إحسانها بالتقصير، وهجرتها ومالها بعد الله سواك من نصير؟! هل نسيت فزعها عندما يصيبك خوف أو مرض؟! تذكر يا من نسيت الجميل!

صور من عقوق الوالدين

صور من عقوق الوالدين يا من عق والده وأبعده! تذكر تلك اللحظة عندما بُشِّر أبوك بمجيئك، ضاقت به الأرض بما رَحُبَتْ فَرَحاً بك وسروراً، ثم تذكر كد والدك عليك، لا يهدأ له بال مدى الليالي والأيام، يقتحم الشدائد، ويهيم على وجهه؛ لطلب الرزق لأجلك، وتذكر فرحه عندما يراك وأنت في خيرٍ وعافية، وتذكر دفاعه عنك بيده ولسانه، وتذكر دعاءه لك في أوقات الإجابة، وتذكر لحالته إذا تأخرت عن وقت المجيء والحضور، لا يقر له قرار، ولا يهنأ له عيش حتى يراك، تذكر إذا أقبل أقرانك ولم يرك بينهم. فيا أيها العاق! اعرف حق الوالدين {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60]. فحذاري من العقوق يا شباب الإسلام! والله لقد نسمع ما يندى له الجبين، وتضيق به الصدور من بعض ما يحصل من العاقين هداهم الله، فكم من شابٍ قال لأبيه: هذا فرَّاش عندنا، وكم من شابة قالت: هذه خادمة عندنا، يعنون: الأب والأم، فيا لها من مصيبة! والله إن هذا كفران الجميل! أبعد هذا التعب يكونا لك خادماً وخادمة؟! أبعد هذا الحنو، والشفقة، والعطف، والحنان، وغسل القاذورات، يكونا عندك خادماً وخادمة؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون! ومن أكبر المصيبة أن الرجل إذا كَبُر أو المرأة عند بعض الناس، يأخذوهما بكل استخفاف، وبكل استهتار، ثم يضعونها في دار الرعاية، أنسيت العطف والحنان؟! أنسيت الرعاية يا مسكين؟! بأي شيء تقابل به رب العالمين إذا سألك عن حقوق الوالدين؟!! اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه. اللهم أصلح نياتنا، وذرياتنا، واجعلنا من البارين بوالدينا، ولا تجعلنا من العاقين يا رب العالمين. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، واجعلنا هداة مهتدين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أسباب ظاهرة العقوق

أسباب ظاهرة العقوق الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجْمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتدبروا ما جاء في الكتاب والسنة المطهرة، وتمسكوا بهما، فإن الإعراض عنهما يوحي بوخامة العاقبة. عباد الله: لقد ظهرت في هذا الزمان موجة قوية من العنف والسخط من بعض أبناء هذا الزمان لآبائهم وأمهاتهم، وعدم الاحترام والتوقير لهما، وما ذاك يا عباد الله! إلا لأننا أعرضنا عن الكتاب والسنة، ففي القرآن والسنة نبأ عظيم، وهو لا شك فيه، أن بر الوالدين فريضة لازمة وواجب محتم، وعقوقهما حرام، وذنب عظيم، وقد جعل الله بر الوالدين قرين توحيده وعبادته، وبيَّن ما يجب لهما، وما لا يحل فعله معهما، فقد قرأتُ عليكم قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23]. عباد الله: بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، واعلموا أن سخط الله في سخط الوالدين، وأن رضاه لا يكون إلا إذا رضي عنكم الوالدان، ولا شيء يزيد في العمر، ويبارك في الرزق مثل بر الوالدين، وصلة الأرحام. عباد الله: ورد في الحديث: {ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث، الذي يُقر الخبث في أهله}. والله يا إخوان! إن أكثر ما يصدر العقوق من مدمني الخمور والمسكرات والمخدرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فالشاهد من هذا الحديث: أن العاق لا يدخل الجنة، ومن عقَّ والده عقَّه أولاده، وكما تدين تُدان، ولا يُجازى فاعل الشر إلا بمثل فعله {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف:15]. ويا لطول عنائها في حمله ووضعه! فيا عباد الله: يا من تؤمنون بثواب الله وعقابه! هل امتثلتم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات} فشكر المنعم واجب شرعاً وعقلاً، ولله تعالى نعمة الخلق والإيجاد، وللوالدين نعمة الإيلاد، والتربية الصالحة، والعناية التامة بالأولاد. وأعظم الناس مِنَّةً، وأكبرهم نعمة على المرء والداه، اللذان تسببا في وجوده بعد الله عزَّ وجلَّ، واعتنيا به منذ أن كان حملاً إلى أن صار بالغاً تاماً يعقل ويفهم، فالأم تحمله تسعة أشهر في بطنها، تعاني به الآلام، ثم تضعه وتقاسي به الأسقام. فيا أيها العاق: تُب إلى ربك، ارجع إلى ربك عزَّ وجلَّ، فالأم حنونة، والأب كذلك، عنده من العطف والحنان ما لا يعلمه إلا الله. فبادر أيها العاق لبر الوالدين قبل أن يفاجِئَك هادم اللذات، أو قبل أن تُرزق بأولاد فيُعمل بك ما عملت بوالديك. وقد روى الإمام مسلم رحمه الله مما يبين لنا من شفقة الأم وعطفه: تقول عائشة رضي الله عنها: [[جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرةً لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بين ابنتيها]] فأعجب شأنُها عائشة رضي الله عنها، فذكرت الذي صنعت المرأة مع ابنتيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فلذلك يا عباد الله! لما كانت هي رحيمة وشفيقة، كان الله أرحم منها وأوسع فضلاً، فما الذي جازاها به يا عباد الله؟! اسمعوا! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله قد أوجب لها الجنة، أو أعتقها بها من النار} فانظروا يا عباد الله! هذا الجزاء من الله! فيا للأسف الشديد! لما يصنع بعض أهل هذا الزمان مع الوالدين -مع التقصير الشديد- من العقوق والتقصير في الواجبات، فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. عباد الله! صلوا على الناصح الأمين محمد بن عبد الله؛ امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

الإصلاح بين الناس

الإصلاح بين الناس إن للإصلاح بين الناس ثمرات عديدة، وقد ذكر الله في كتابه الآيات الكثيرة التي تدل على الحث في الإصلاح بين الناس، وذلك مثل قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) فالواجب على المسلم أن يسعى في الإصلاح بين الناس بقدر ما يستطيع؛ وهي التجارة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب الأنصاري.

الحث على الإصلاح بين الناس

الحث على الإصلاح بين الناس الحمد لله رب العالمين, أمر بالإصلاح بين ذات البين، ورتب على ذلك الثواب الجزيل، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله يحب المقسطين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين, وسيد المرسلين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن توثيق عُرى المودة بين المسلمين، وتصفية القلوب من الغل والحقد والحسد، والحرص على ما يجلب المودة والتآلف والتناصر والتعاضد، وتجنب ما يوغر الصدور ويورث العداوة واجب تقتضيه الأخوة الإيمانية، والإيمان لا يكون تاماً إلا بذلك. ولما كان الصلح بين المسلمين أفراداً أو جماعات يُثمر إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل، وحقن الدماء التي تراق بين الطوائف المتنازعة، وتوفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق والباطل، وتوفير الرسوم والنفقات الأخرى، وتجنب إنكار الحقائق التي تجر إليها الخصومات وترك شهادة الزور، وتجنب المشاجرات، والاعتداءات على الحقوق والنفوس، وتفرغ النفوس للمصالح بدل جدالها وانهماكها في الكيد والخصومات, إلى غير ذلك مما يثمره الصلح. لذلك كله! أمر الله به في محكم التنزيل، فقال جلَّ وعلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1] وهذا أمر من الله جلَّ وعلا، ويقول أيضاً: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] ويقول عليه الصلاة والسلام: {المقسطون على منابر من نور يوم القيامة} يقول ربنا جلَّ وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] ويقول الله عز وجل: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] والآيات في هذا المعنى كثيرة. وكذلك ورد في السنة النبوية الحث على الإصلاح وفضله، وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس تجارة، وأنه مما يرضاه الله ورسوله، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي أيوب وهو صحابي جليل: {ألا أدلك على تجارة؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: صِلْ بين الناس إذا تفاسدوا، وقرِّب بينهم إذا تباعدوا} رواه البزار والطبراني، وعند الطبراني: {ألا أدلك على عملٍ يرضاه الله ورسوله؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: صِلْ بين الناس إذا تفاسدوا، وقرِّب بينهم إذا تباعدوا}. وأخبر صلى الله عليه وسلم بأن درجة المصلح بين الناس أفضل من درجة الصائمين والمصلين والمتصدقين؛ لأنه يسعى في الإصلاح بينهم، فقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة} رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث صحيح، قال ويُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين}. ولا غرو إذا ارتفعت درجة المصلح الباذل جهده، المضحي براحته وأمواله في رأب الصدع، وجمع الشتات، وإصلاح فساد القلوب، وإزالة ما في النفوس من ضغينة وحقد، والعمل على إحكام الروابط للألفة والإخاء، وإطفاء نار العداوة والفتن.

الإصلاح وظيفة المرسلين

الإصلاح وظيفة المرسلين إن الإصلاح وظيفة المرسلين -عليهم من الله أفضل الصلاة والتسليم- ولا يقوم بهذه الوظيفة إلا أولئك الذين أطاعوا ربهم، وشرفت نفوسهم، وصفت أرواحهم، يقومون به لأنهم يحبون الخير والهدوء، ويكرهون الشر حتى عند غيرهم من الناس. ولو تتبعنا الحوادث، وراجعنا الوقائع، لوجدنا أن ما بالمحاكم من قضايا، وما بالمراكز من خصومات، وما بالمستشفيات من مرضى، وما بالسجون من بؤساء لوجدنا أن هذا كله يرجع إلى إهمال الصلح بين الناس, حتى عمّ الشر القريب والبعيد، وأهلك النفوس والأموال، وقضى على الأواصر، وقطع ما أمر الله به أن يوصل من وشائج الرحم، وذهب بريح الجماعة، وبعث على الفساد في الأرض، ومن تأمل ما عليه الكثير من الناس اليوم، رأى أن كثيراً منهم قد فشت في قلوبهم، ونمت في طويتهم حب الشر -والعياذ بالله- والميل إليه، والعمل على نشر الشر بين الناس، من أجل ذلك يتركون المتخاصمين في غضبهم وشتائمهم حتى يستفحل الأمر، ويشتد الشر، ويستحكم الخصام بينهم، فيحصل الكلام والقذف والطعن بالكلام, حتى يتدرج الأمر إلى حمل السلاح -والعياذ بالله من مضلات الفتن- كل هذا يحصل وأهل الشر المشجعون لهذه الفتن يتفرجون، ويتغامزون، ويتتبعون الحوادث، ويلتقطون الأخبار، ثم تكون النتيجة سيئة، وقد يكفي لإزالة ما في النفوس من الأضغان والأحقاد والكراهية كلمة واحدة من عاقل لبيب ناصح مخلص لله ولرسوله يقوم بواجبه نحو هذه الرسالة, ألا وهي: الإصلاح بين الناس, حتى تقضي على الخصومات في مهدها، فيتغلب جانب الخير، ويرتفع الشر، وتسلم الجماعة من التصدع. اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

صورة من إصلاح الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه

صورة من إصلاح الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه الحمد لله كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له على رغم من جحد به أو كفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى كل خير, والمحذر من كل شر، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر، اعملوا بطاعة مولاكم، وبالتقرب إليه بما يرضيه عنكم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: {سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتَ خصومٍ في الباب عاليةٍ أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر، ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج عليهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين المتألِّي على الله لا يفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله! وله أيُّ ذلك أحب} متفق عليه. فهذا الرجل كان قبل أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته ممتنعٌ أن يقبل من أخيه المعذرة، ويطلب منه الرفق والمسامحة، فيحلف بالله ألا يفعل، فلما خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنكراً لعمله بقوله: {أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟} عدل الرجل عن رأيه، واستجاب لفعل الخير، وقد قامت في نفسه دوافع الخير إرضاءً لله ولرسوله. أما في زماننا، وفي وقتنا إذا قلنا: اصفح عن أخيك، وتجاوز عنه وستجد أن ما عند الله أعظم أجراً، قال: الآن، أين أنا من يوم القيامة؟ كأنه مستبعد البعث -والعياذ بالله- اتق الله، خاف الله، الآن آخذ حقي، ويوم القيامة لها حلال، هذه لهجتنا العامية التي سارت بيننا إذا حصل الإصلاح، إذا قيل لهم: اتقوا الله خافوا الله، سوف تجدون ذلك عند الله، قال: لا. آخذ حقي الآن، ويوم القيامة لها حلال. يوم القيامة أنت أحوج شيء إلى فضل الله ورحمته وإلى عفو الله ومغفرته، إن الله يحب المتجاوزين عن عباده، لقد غفر لعبدٍ من عبيده ما عمل بطاعته إلا أنه كان يتجاوز عن عباد الله، فقال له: {أنا أحق بالتجاوز عنك} هكذا يا أمة الإسلام. الشاهد من ذلك: خروجه صلى الله عليه وسلم للإصلاح بينهم. فالدين الإسلامي الحنيف أوجب على العقلاء من الناس أن يتوسطوا بين المتخاصمين، ويقوموا بإصلاح ذات بينهم، ويلزموا المعتدي أن يقف عند حده درءاً للمفاسد المترتبة على الخلاف والنزاع، ومنعاً للفوضى والخصام. وأضمن الوسائل التي تصفو بها القلوب من أحقادها: أن يجعل كل منا نفسه ميزاناً بينه وبين إخوانه المسلمين، فما يحبه لنفسه يحبه لهم، وما يكرهه لنفسه يكرهه لهم، وبذلك تستقيم الأمور بإذن الله، قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}. اللهم طهر قلوبنا من الحسد, والحقد, ومن البغض لعبادك المؤمنين. عباد الله: صلوا على رسول الله اقتداءً بأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم اجمع شتات قلوبنا، اللهم املأ قلوبنا من محبتك وخشيتك ومعرفتك، ومن الأنس بقربك يا رب العالمين. اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، ورافع عنهم عافيتك ويدك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم دمّرهم تدميراً، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اجعلهم قرة أعين لنا، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

اقتراب الموت

اقتراب الموت إن الموت باب لابد أن يدخله كل إنسان على هذه الأرض، ولو طال عمره، ولو أحب البقاء على الأرض والعيش فيها، فحري بالعاقل إذا علم أنه سوف يفارق هذه الدار إلى الدار الآخرة أن يكثر من الأعمال الصالحة قبل أن ينزل به الموت، فعندها لا ينفع الندم على التفريط، ففي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.

الحث على تدبر القرآن

الحث على تدبر القرآن الحمد لله الذي قضى بالزوال والفناء على أهل هذه الدار، وتوحد بالبقاء، فلا يعتري ملكه زوال ولا إدبار، العزيز الذي عنت الوجوه لعزته، وخضعت الرقاب من سطوته، المرتدي بالكبرياء، المتزر بالعظمة، أحمده على فضله الشامل، وأشكره على إحسانه الكامل. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله والحق دافر وقدم الصواب عاثر، فقمع الباطل بالحق الظاهر، ونسخ ظلمات الجهالة بنور العلم الزاهر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله وأطيعوه. عباد الله: تدبروا القرآن المجيد، فقد دلكم على الأمر الرشيد وتمسكوا به، فإنه حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم والنور المبين، فطبقوه كما أمركم الله بتطبيقه، وأحضروا قلوبكم عند تلاوته لفهم الوعد والوعيد، ولازموا طاعة ربكم فهذا شأن المتقين ودأب المؤمنين وسلوك الصادقين، واحذروا من غضب الله، احذروا من غضب الجبار، فكم قصم من كل جبار عنيد طغى وتكبر، شيد البنيان وطولها وتأمر على الناس وسادهم، وظن الإنسان جهلاً منه أنه مخلد في هذه الحياة الدنيا، ومعمر فيها، فجمع الأموال ما بلغت، فلما ظن أنه قد حصل على الكمال، وتمكن منه الغرور، وأَمِن مكر الله وغفل عن الخالق جلَّ وعلا، جاءه أمر الله على غرة وسلبه الصحة والعافية، واللذاذة في المطعم والمشرب، فصارت الأموال عنده لا قيمة لها؛ لأنه جاءه ما يدهشه وينسيه، جاءه الموت بما فيه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].

الندم على التفريط عند سكرات الموت

الندم على التفريط عند سكرات الموت فيا من أنذرته المواعظ بمرور الليالي والأيام، ويا من أنذرته المواعظ بموت الآباء والأجداد والأولاد، هل تظن أنك بعدهم سوف تخلد؟! كلا والله، ثم كلا والله، سوف يأتيك ما أتاهم ويطرقك ما طرقهم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]. فيا أيها الإنسان: أما علمت أنك مخلوق في هذه الدنيا، موجودٌ للابتلاء والامتحان؟! أما علمت أنك مسئول عما فرطت فيه من عمرك؟! فما هذا الإهمال، وما هذا التفريط وأنت محاسبٌ ومناقش، وسوف تنطق أركانك بالشهادة عليك بما حُفظ ورصد عليك في ديوان أعمالك: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:17 - 18] ويقول تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10 - 12]. يا من يرى العبر بعينيه، ويسمع المواعظ بأذنيه، إنك تعنى بذلك، إنك تقصد بذلك، فهل أنت مستعدٌ إذا نزل بك ملك الموت؟! هل أنت مستعدٌ إذا نزل بك هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم الأطفال، ومرمل النساء؟! هل أنت مستعدٌ إذا حلت بك سكرات الموت، وتريد الكلام ولا تستطيع؟! تريد أن تقول: واأسفاه على شراء آلات اللهو! واأسفاه على شراء الفيديو! واأسفاه على ما جمعت في البنوك من الربا! واأسفاه على جسم نبت من السحت! واأسفاه على أوقات أمضيتها مع الميسر والقمار! واأسفاه على أوقات قضيتها في خارج البلاد في معاقرة الخمور وارتكاب الزنا، والجلوس في مسارح المجون والفساد والإلحاد! هل يفيدك هذا الندم؟ وقد وصلت الروح إلى الحلقوم، وتماديت في معاصيك ولم تتب، فعند ذلك تقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] ثم يقال لك: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. عند ذلك تندم على تفريطك، وهيهات في ذلك الوقت أن يفيد الندم، وبعد خروج الروح من الجسد، تنتقل من هذه الدار إلى دار أخرى، يحملونك من الدار إلى المقبرة وتبقى وحيداً في قبرك، ينهال عليك التراب، وتنفقع بطنك وتأتيك الديدان من كل ناحية، وعندك عملك؛ إن كان صالحاً فهنيئاً لك، وأنت في روضة من رياض الجنة، وإن كان عملك سيء فويل لك وأنت في حفرةٍ من حفر النار، على ممر العصور ومضي الدهور. بعد ذلك يأذن الله بعد هذا المكث الذي لا يعلم قدره إلا الله جلَّ وعلا، يأذن بالنفخ في الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:20]. فحينئذٍ يعيد الله الأجسام بقدرته إلى أول خلقها: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا} [الأنبياء:104]. لا إله إلا الله! الله أكبر القادر على كل شيء، فيجمعهم الله على صعيد واحد: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيد} [ق:21]. معك الوزير، ومعك الواسطة، ومعك الرفيق، والصديق {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21].

الفرار من القرابة يوم القيامة من شدة الهول

الفرار من القرابة يوم القيامة من شدة الهول عند ذلك في ذلك العرض العظيم {يوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36]. أخوك إذا مرضت جلس عندك في المستشفى، ولو طالت الأيام، وصاحبتك تساهرك الليل والنهار، وأمك وأبوك إذا خرجت إلى السوق وطالت غيبتك جعلا يبكيان حتى تعود إلى البيت، أما في هذا الموضع العظيم والموقف الكبير والمهول {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. نفسي نفسي، لا أسألك اللهم اليوم إلا نفسي، كلٌ يتبرأ من صاحبه، في ذلك المكان يعرض عنك الصديق ويهرب منك الأخ، وتلقى من الهول الشديد كل ما أزعجك وأساءك: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22] من هذا الأمر الذي حذرك الله إياه، وفي ذلك الموقف العظيم تجري الدموع، والعرق يمتد في الأرض أذرعةً طويلة، والشمس حامية، وجهنم تزفر، والرب غضبان، يوم طوله خمسين ألف سنة تتقطع الأكباد فيه من الحسرات، تزفر جهنم على أهلها، وتشهق فرحةً بهم كما تشهق البغلة في الشعير. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! في ذلك اليوم توضع الموازين التي تنزعج لوضعها القلوب، ويقع الخصام ويقول الحق جلَّ وعلا: قد أزلت المُطل والليْ، وفصل هذا الأمر إليَّ، وانتصاف المظلوم من الظالم عليَّ، يا ويلك يا ظالم إن خرجت بمظالمك من الدنيا وأنت ظالم لعباد الله، يا ويلك إذا وقفت بين يدي الله، يا ويلك إذا أنشبت بك الخصوم أظفارها: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28]. حقاً لقد أنذرنا ربنا بالقرآن، فحذرنا من عواقب المعاصي والآثام، وأمرنا باجتناب الظلم، وحرمه على نفسه جلَّ وعلا، وأمرنا باجتناب الإجرام، وبأخذ الحلال واجتناب الحرام. فهل من مستمع؟! هل من مطبق قبل أن يقال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29]؟! يا عباد الله: إن أمامكم يوم القيامة؛ يومٌ تشخص فيه الأبصار وتذهل فيه العقول: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]. فهنيئاً لمن أطاع الله ورسوله، وامتثل الأمر وأدى الفروض، وانتهى عما نهاه الله عز وجل، فسوف يكون مع المؤمنين إذا جاءتهم البشارة السارة، وفازوا بالكرامات من الله إذا قال الله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍِ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ} [ق:31 - 32] لمن يا ربنا؟ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيب * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:32 - 34]. ولا ينتهي ما فيها {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] كرامات تتبع كرامات، رضوان من الله في جوار رب العالمين. أيها الناس: اتقوا ربكم عز وجل، فروا من النار، فروا من دار الهلكات، فروا من الجحيم ما دمتم في وقت الإمكان، فروا إلى دار الرحمة، إلى الدار التي طاب ساكنها ومسكنها، في نعيم أبدي لا يزول ولا يحول في جوار أرحم الراحمين. اللهم اجعلنا من أهل الجنة بمنك وكرمك وإحسانك، اللهم اجعلنا من أهل الجنة بجودك وفضلك، اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، واستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الحذر من كيد أعداء الإسلام

الحذر من كيد أعداء الإسلام الحمد لله العلي العظيم القاهر، الملك السلطان القادر، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، أحمده سبحانه على ما أولانا من بره وإحسانه المتظاهر، وأشكره وقد وعد بالمزيد للشاكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المؤيد بالآيات والمعجزات والبصائر، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله عز وجل واعملوا ليومٍ تنكشف فيه السرائر وتحصى فيه الصغائر والكبائر، إنه يوم الجزاء الأكبر، إنه يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم تدور فيه على المجرمين الدوائر، يومٌ تنشر فيه صحائف الأعمال، فآخذٌ كتابه باليمين له السرور والفرحة والغبطة أنه فاز ونجا، وأما من أخذ كتابه بشماله فسوف يراه عليه في ذلك اليوم من أكبر المصائب، لأنه خسر خسراناً مبيناً، إنه يؤمر به في نار جهنم فبئس المصير. فاتقوا الله عباد الله وسارعوا ما دمتم في زمن الإمكان إلى رضوان الله، وبادروا بالأعمال الصالحة، واحذروا البدع، واحذروا منكرات الأهواء، واحذروا المعاصي بأنواعها، وحاربوا البدع، وحاربوا المنكرات، قبل أن يحل بكم ملك الموت فلا يمكنكم ذلك، تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. خذوا حذركم من أعداء الإسلام فهم يشنون عليكم الغارة بما يوردون لكم من المعاصي والآثام. انتبهوا -يا أمة الإسلام- لا تكونوا من الغافلين، كونوا حريصين على دينكم وعلى أخلاقكم. إن من المؤسف، أن البعض من الناس لا يدري أو يدري ويتجاهل كيف يدس الأعداء الدسائس حتى بأقل حاجة لا يلتفت إليها، إلا الفطن، يصورون على أشرطة الكاسيت المرأة العارية وبجانبها الرجل يقبلها ويضمها، وتباع في أسواق المسلمين، ويؤتى بها إلى أسواق المسلمين ليغيروا بها أمزجة المسلمين، وليضيعوا أفكار المسلمين، ويدفنوا الغيرة من قلوب المسلمين، ويصوروا بها الفاحشة، ويثيروا بها الغرائز الجنسية، ويفعلون بها الأفاعيل بين المسلمين، والمسلمون ساكتون، إنها أشرطة مخبئة لا يعرفها إلا من عايشها، لكن على الذي عايشها، أن يتقي الله ويخاف الله ببلدان المسلمين، ليخاف الله بالمسلمين قبل أن تصيبه دعوة تقطعه إرباً إرباً. اللهم من أراد المسلمين بسوء فإنا نجعلك في نحره، اللهم دمره تدميراً، اللهم مزقه كل ممزق، اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك، أنت القوي القهار تغلب كل شيء بقدرتك؛ فإنك حسبنا ونعم الوكيل، اللهم من أتى إلى هذه البلاد الآمنة وأتى بالفساد فاجعل منيته في طريقه، واجعله غداءً للسباع، اللهم اجعله غداءً للسباع، اللهم اجعله غداءً للسباع، اللهم اجعله غريقاً في البحار، اللهم مزقه كل ممزق. اللهم من جاء إلى هذه البلاد يريد الصلاح ويريد الإصلاح فأعنه على طاعتك واجعل لنا وله من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءً عافية. أمة الإسلام: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فاحذروا البدع -يا أمة الإسلام- وصلوا على خير مرشد، صلوا على نبي الرحمة، وعلى من أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، محمد صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:65]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على أشرف خلقك محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سُقْيَا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار عاماً طبقاً مجللاً عاجلاً غير آجل يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم الآمرين بالمعروف الفاعلين له، الناهين عن المنكر المجتنبين له، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، واجمعنا ووالدينا في جنات النعيم يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الاستعداد للآخرة

الاستعداد للآخرة ما قدمه الإنسان في دنياه فإنه ملاقيه في آخرته، ومحاسب عليه، ويوم القيامة يسعد المرء أو يشقى أبد الآبدين، وقد تحدث الشيخ عن أهمية هذا الأمر، وأن الله عز وجل ما أوجدنا في الدنيا إلا ليبتلينا، فيثيب المحسنين، ويعاقب المسيئين كلٌّ حسب ما قدم، ولن يسعد المرء إلا بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

إثابة الله للمحسن وعقابه للمسيء

إثابة الله للمحسن وعقابه للمسيء الحمد لله رب العالمين، القائل وقوله الحق: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:55 - 57]. مالك يوم الدين، الذي بدأ الخلق وهو يعيده، وهو على كل شيء قدير، وهو الذي خلق الخلق ليعبدوه؛ فيجازيهم بعملهم والله بما يعلمون بصير، فسبحانه من رب عظيم، وإله غفور رحيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال وقوله الحق: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى:10 - 13]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، أرسله الله بين يدي الساعة، فختم به الرسالة، وأكمل به الدين، وأتَمَّ به النعمة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن الله عز وجل خلقكم وأوجدكم في هذه الدار الدنيا للابتلاء والامتحان، ليرى المطيع فيجزيه ثواباً حسناً ومقيلاً في فسيح جناته، ويرى العاصي فيعاقبه بما يستحق من العقوبة والنكال، فاتقوا الله عباد الله، {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان:33]. عباد الله اتقوا يوماً فيه {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. اتقوا الله يا عباد الله واخشوا يوماً ينقسم الناس فيه إلى قسمين: سعداء وأشقياء، فأما السعداء الذين جمعوا الأموال في البنوك من الربا والقمار والميسر، الذين عمروا الفلل، الذين شيدوا القصور، الذين كسدت تجارتهم في هذه الحياة، لا، لا يا مسكين. السعداء الذين اتقوا ربهم ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراًَ، فما جزاء هؤلاء السعداء؟ جزاؤهم أن وجوههم {يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39] وأما الأشقياء العصاة الذين تمادوا في معاصيهم، وفي ظلمهم، وفي عنادهم، وفي عتوهم وإذا قيل لهم: اتقوا الله، قالوا: التقوى هاهنا، ويشيرون إلى صدورهم، وهم يخالفون أمر الله ورسوله فوجوههم {يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:39 - 40] {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس:27]. عباد الله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. يومٌ وياله من يوم عظيم يجمع الله فيه الخلائق الأولين والآخرين، في صعيد واحد، في أرض مستوية، ليس عليها جبل ولا سهل، ولا نهر، يُسمِعهم الداعي، وينفذهم البصر، أجسامهم عارية، وأقدامهم حافية، وقلوبهم وجلة خائفة، {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي} [القمر:8] حضرت الحقائق، ووقعت الواقعة، وجاءت القيامة، {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي} [القمر:8] شاخصة أبصارهم في {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. في ذلك اليوم يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف يمشون على وجوههم، فالذي أقدرهم على المشي على الأقدام، قادر على أن يجعلهم يمشون على وجوههم، في يوم {تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج:8 - 9] تدنو الشمس من رءوس الخلائق قدر ميل؛ فيعرقون على قدر أعمالهم، فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يكون العرق إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، ليس هناك ليل ولا نهار، ولا شمس ولا قمر، إلا شمس حامية قد أرسلت على رءوسهم في ذلك الموقف العصيب، قد كورت الشمس، وانكدرت النجوم، {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] {وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} [طه:111]. في ذلك اليوم يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، تنصب الموازين لوزن الأعمال {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] الناجحون الفائزون، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:103]. وما أدراك ما جهنم؟! نار حامية، جمعت فيها الأهوال، جمعت فيها العقارب والحيات، والسلاسل والأغلال، يوم القيامة يؤتى بالرجل له صلاة وصيام وزكاة، وقد ضرب هذا وأخذ مال هذا، وشتم هذا، وظلم هذا، فيجتمعون عليه الغرماء -الله أكبر الله أكبر- كلاً يريد حقه، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن بقي لهم حق أُخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم ألقي في النار، الله أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.

وجوب أداء الحقوق لأهلها في الدنيا

وجوب أداء الحقوق لأهلها في الدنيا عباد الله! بينما رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، جالس مع أصحابه ذات يوم، فرآه الفاروق عمر بن الخطاب يضحك، حتى بدت ثناياه، فقال له عمر رضي الله عنه: {ما أضحكك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي؟ قال صلى الله عليه وسلم: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ مظلمتي من أخي، فقال الله: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري، وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن تحمل عنهم من أوزارهم}. فاتقوا الله عباد الله! إذا قال لك أخيك المسلم أعطني حقي قبل يوم القيامة، فأعطه حقه، ولا تماطل، اتقِ الله يا عبد الله فإن القيامة قريبة، فإذا مات العبد فقد قامت قيامته، يكفيك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا حمل الرجال الجنازة فإن كانت صالحة، قالت: قدموني قدموني} الله أكبر إلى روضة من رياض الجنة، إلى أول منازل الآخرة إلى القبر {وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها، أين تذهبون بها} إلى حفرة من حفر النار، إلى أول منازل الآخرة، إلى القبر يشتعل عليه ناراً. اتقوا الله عباد الله! في ذلك اليوم، يوم تتطاير الصحف، وتظهر النتيجة مَن الناجح ومَن الراسب، فهنيئاً لمن نجح وأخذ صحيفته باليمين، وويل ثم ويل لمن رسب وأخذها بالشمال. عباد الله! أمة الإسلام كلنا ولله الحمد نؤمن بيوم الحساب ولكننا في غفلة عن الاستعداد لذلك اليوم، قد شغلنا في العمران، قد شغلنا بجمع الحطام، قد شغلنا في التكاثر في الأموال والأولاد، شغلنا في دنيا دنية، وانغمسنا في لذائذها؛ كأننا لا نعلم أننا سوف نموت ونلحق بالأموات، فيالها من قلوب قد استولت عليها أيدي الشهوات! رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة} زوروا القبور، مثلوا لأنفسكم أنكم ستجعلون في تلك القبور، في تلك الحفر، وتلك الحفر بينها فرق شاسع إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. علت على القلوب الشهوات، ران عليها الران، قست فصارت كالحجارة، فسوف يلينها هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومرمل النساء، وميتم الأطفال، إذا هجم عليها واستخرج الروح من العصب والقصب واللحم، عند ذلك لا ينفع الندم، ترى الميت يتلمظ عطشاً، يريد شربة من ماء، يقلب بك البصر، يتمنى شربة من ماء، وأنت لا تدري ماذا يريد، يعاني من سكرات الموت التي عانى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاتقوا الله عباد الله! ولازموا طاعة مولاكم واسألوه أن يحيي قلوبكم، فإنه على كل شيء قدير، ارجعوا إلى المولى جلَّ وعلا، ارجعوا إلى ربكم، اقضوا أوقاتكم بذكر الله، بتلاوة القرآن، بالاستغفار، أحيوا مجالسكم بتلاوة القرآن، بتلاوة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لعل هذه القلوب أن تحيا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} [الزلزلة:1 - 6] أي: صفوف بين يدي الله، ولماذا يصدرون أشتاتاً؟ {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:6 - 8]. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

اجتناب طريق الشيطان

اجتناب طريق الشيطان الحمد لله رب العالمين، خلق فسوى، وقدر فهدى، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، المبعوث بتأسيس الحق وأصول الإيمان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله عز وجل، قوموا بحق الله خير قيام، تالله لقد غرت الأماني أكثر خلق الله، فتركوا سبيل الهدى، وأعطوا نفوسهم هواها، وأعرضوا عما يقربهم إلى دار النعيم، إلى دار القرار في جوار رب العالمين، لما أعرضوا عن ذلك وقعوا في شرك الردى، وتنادوا على التواني، وظنوا أن يتركوا سُدَىً، ونسوا قول الله جلَّ وعلا: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183] نسوا قول الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] نسوا قول الحق تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55 - 56]. عباد الله! مثلوا أحوالكم إذا قمتم من القبور حيارى، حفاة عراة غرلاً، وقد عظمت الأهوال، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، لقد لزمت الصحف الأعناق {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13] وقال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ} [الأنعام:62]. عباد الله! كيف أنتم في ذلك الموقف الرهيب إذا سمعتم الجبار يقول: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28] كيف لكن بالجبار إذا قال: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:28 - 29]. قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60] تحذير من الله، لكن أين القلوب يا أمة الإسلام؟ {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس:60] هذا تحذير من الله، وتوبيخ لمن أطاع الشيطان، فيقول له يوم القيامة: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60] فعند ذلك يؤخذ المجرمون بالنواصي والأقدام، ويطرحون في الجحيم، ويمرح بالنعيم من قدم الخيرات لدار السلام، وعمل بالباقيات الصالحات، ويخص بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، فاتقوا الله عباد الله واسلكوا طريق الشرع القويم، الذي لا اعوجاج فيه، وقوموا بأوامر الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان، اتخذوه عدواً كما أخبركم الله أنه لكم عدواً، واحذروا أن تكونوا ممن غرتهم الحياة الدنيا بزخارفها الزائلة، وأولئك هم الذين تنقص الأيام والليالي آجالهم وهم لاهون غافلون، لا يتعظون ولا يعتبرون بما وقع بمن قبلهم. فاتقوا الله عباد الله وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلىَّ علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أغثنا جميعاً بالإيمان، اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا يا رب العالمين، اللهم أذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم دمر اليهود والمبشرين والشيوعيين وأعوانهم يا رب العالمين، اللهم أدر عليهم دائرة السوء، واقطع دابرهم، ومزقهم كل ممزق، واجعلهم غنيمة للمسلمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وألف بين قلوبهم واجعلهم هداة مهتدين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، واجعلهم هداة مهتدين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين أجمعين يا رب العالمين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجميل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

اسلك سبيل المؤمنين

اسلك سبيل المؤمنين في هذه الخطبة حث الشيخ على المداومة على الأعمال الصالحة في رمضان وفي غيره، مبيناً حكم تارك الصلاة، وأوصى بالتناصح بين الجيران بالمحافظة على الصلاة، كما ذكر بعض الأعمال المستحب التقرب بها إلى الله من صيام وقيام ليل وغيرها.

المداومة على الطاعة بعد رمضان

المداومة على الطاعة بعد رمضان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله: لازموا طاعة المولى في السر والعلانية. أمة الإسلام: وأنتم تودعون شهر رمضان المبارك، الذي كان ميدان تنافس للصالحين بأعمالهم، ومجال تسابق للمحسنين بإحسانهم، وعامل تهذيب للنفوس المؤمنة، روضها على الفضيلة، وارتفع بها عن الرذيلة، فأخذت فيه دروساً للسمو الروحي، والتكامل النفسي، فجانبت كل قبيح، واكتسبت فيه كل هدىً ورشاد. فيجب على تلك النفوس المؤمنة أن تستمر على نهج الهدى والرشاد والاستقامة على طاعة المولى جل وعلا كما كانت في رمضان، فإن في دوامها على ذلك الهدى والرشاد والاستقامة نعيم للصالحين وإرضاء لرب العالمين.

طاعة الله لا تنتهي بوقت معين

طاعة الله لا تنتهي بوقت معين أمة الإسلام: ليس للطاعة زمن مَحدود ينتهي بانتهائه، ولا للعبادة أجل معين تنتهي بانتهائه، بل العبادة هي حق الله على العباد، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] نعم -يا عباد الله- العبادة: هي حق لله يعمر بها العبادُ الزمانَ، ويشغلون بها فرص الحياة، ويقطعون بها سويعات العمر، فالعبد الذي يقطع مرحلة الحياة في طاعة الله وفي مرضاته هو من أولياء الله المتقين، الذين وعدهم الله بعظيم الأجر وسابغ الفضل، حيث يقول وهو أصدق القائلين: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [المرسلات:41 - 44]. هكذا يجزيهم رب العالمين؛ لأنهم عاملوه معاملة العارفين الذين عرفوه حق المعرفة، وقدَّروه حق قدره، وقاموا بحقه حق القيام، فجازاهم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جازاهم في دار الكرامة، في دار النعيم، في جنة عرضها كعرض السماء والأرض، فهنيئاً لهم تلك الكرامة في جوار رب العالمين. ويا أرباب الهمم العالية، ويا من قد تفضل الله عليهم بإتمام صوم رمضان، وأسبغ عليهم العفو والغفران، وكتب لهم العتق من النيران، واصلوا الإحسان بالإحسان، واتقوا الله ربكم، فإن من تقواه المداومة على عمل البر والإحسان, واعزموا عقد النية على التزام المسلك الراشد الذي التزمتموه في رمضان.

العودة بعد رمضان إلى طاعة الشيطان

العودة بعد رمضان إلى طاعة الشيطان فإنه من المؤسف جداً انهزام تلك الصفوف! إنه من المحزن جداً أن البيوت ملأى بأناس لا يُرون في المساجد إلا في رمضان! ثم بعد رمضان يعودون إلى طاعة الشيطان بعد طاعة الله، وربما يكون في عبادتهم شرك إذا كانوا لا يعبدون الله إلا في رمضان، فإنهم في ذلك الفعل الوخيم قد عصوا الله ورسوله، فقولوا لهم -يا من تعرفونهم! يا من كنتم تأكلون معهم مائدة الإفطار! - قولوا لهم: تارك الصلاة كافر، إذا ترك فرضاً واحداً متعمداً فهو كافر، فكيف بمن يترك الفرض أحد عشر شهراً والعياذ بالله؟! وبعضهم لا يصلي إلا يوم الجمعة، وباقي السنة لا يعرف فيها بيوت الله، فهؤلاء إذا أصروا وعاندوا وجحدوا باقي الأوقات فهم كفار والعياذ بالله، وتارك الصلاة كافر مرتد، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. تارك الصلاة كافر ملعون مطرود عن رحمة الله، لا يُصلى على جنازته إذا مات، ولا ينبغي أن يُغش به المسلمون، فمن كان عنده إنسان مات وهو لا يصلي، فلا يغش به إخوانه المسلمين؛ لأنه كافر، والكافر لا يُصلى عليه، ولا يُغسل، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يُدعى له بالرحمة، بل يُوارى بعيداً عن البلد، تارك الصلاة لا يُؤاكَل، ولا يُشارَب، بل يُهجَر ولا يُجالَس. وأما الذين يتركون الصلاة بالكلية، فهم كما ذكرنا كفار والعياذ بالله. أما من يصلي في البيت فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد [[سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فقال: هو في النار]] ثم أتاه السائل بعد شهر، فسأله، فقال: رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فقال: [[هو في النار]]. فانظر كيف حكم ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما على هذا الذي لا يشهد الجمعة والجماعات في النار، نعم يا عبد الله. ولقد همَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -وهو نبي الرحمة- بإحراق بيوت أناس لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، همَّ أن يحرقها عليهم بالنار، ولولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقها عليهم بالنار. فلنتق الله -يا عباد الله- ولنتواصَ بالحق، ولنصبر على ذلك، ولنواصل أعمال الخير التي كنا نعملها في رمضان، حتى يتوفانا الله إليه وهو راضٍ عنا. قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ قول الحق تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] " وقيل لبعض العارفين: إن قوماً يتعبدون ويتهجدون في رمضان، ثم إذا خرج رمضان تركوا ذلك، فقال: بئس القوم! لا يعرفون لله حقاً إلا في رمضان.

أهمية تقوى الله قبل لقائه يوم القيامة

أهمية تقوى الله قبل لقائه يوم القيامة فاتقوا الله، عباد الله، انصحوهم يا عباد الله، كلموهم يا عباد الله، بلغوهم ذلك الوعيد الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. واعلم -يا أخي- أن جارك يتعلق بك يوم القيامة، فتقول: يا رب! لم أظلمه بماله، ولا بعرضه، ولا بأهله، فيقول: صدق، ولكنه رآني على المنكر فلم ينهني ولم يأمرني. ثم أولادك -يا عبد الله- اتق الله فيهم، لا تخرج إلى المسجد وأولادك في فرشهم نائمون؛ فإنك مسئول عنهم يوم القيامة. عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ قبل يوم القيامة، قبل أن توقفوا بين يدي الله عزَّ وجلَّ، فيسألكم عن الصغير والكبير، في يوم تشخص فيه الأبصار لله الحي القيوم، وتشيب فيه الصغار، وتزفر فيه النار، وتحيط به الأوزار، وينصب فيه الصراط، ويغلظ فيه العذاب، ويشهد الكتاب، ويحضر الحساب، ويعظم العقاب، فيا له من يوم ما أطوله وأشد هوله! فكم من شيخ كبير فرط في عمره، وأضاع الحياة، فهو ينادي بأعلى صوته: وافضيحتاه واشيبتاه واشيبتاه وكم من كهلٍ أو شاب اغتر بشبابه، فضيع أوامر الله ورسوله، وارتكب المحرمات، وهجر المساجد، فهو تاركٌ لصلاته، حالق للحيته، مسبل لثيابه، متشبه بأعداء الله، قضى حياته في إدمان المخدرات والمسكرات، والزنا، واللواط، يؤذي المسلمين في مرافقهم، ثم جاءه الأجل وهو على هذه الحالة من غير توبة، وهو يوم القيامة ينادي: واشباباه واشباباه واشباباه فيا له من يوم عظيم لا تنفع فيه الواسطة، قد تجلى فيه الرب للفصل بين العالمين! قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] وقال: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ} [فصلت:21] فيا لها من فضيحة! ويا له من عار بين العالمين! فيا عباد الله: عدوا العدة لذلك اليوم، وخذوا الأهبة ليوم القيامة، يوم الحسرة والندامة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، ووفقنا لصالح الأعمال، واغفر لنا ولوالدِِينا ولوالدِي والدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، برحمتك يا أرحم الراحمين. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

صيامات مستحبة في غير رمضان

صيامات مستحبة في غير رمضان الحمد لله الذي كتب على هذه الخليقة فناءً وزوالاً، وجعل لكل شيء منها إدباراً وإقبالاً؛ ليدلنا بذلك على أن لكل نازل رحيلاً وانتقالاً. أهَلَّ علينا شهر الصيام ليفيض فيه علينا من الإحسان والرحمة والغفران، ففاز من أطاع الله فيه، وخاب وخسر فيه من أساء الأعمال وعصى الرحمن، فسبحان من قسم عطاءه بين خلقه! فهذا مقبول، وهذا مردود، أحمده سبحانه وأشكره، إذ أعاننا على الصيام والقيام، كرماً منه وإفضالاً. اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، اللهم لا تردنا خائبين، ولا من رحمتك آيسين، ولا من عطائك مفلسين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: يا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله: لَئِنِ انقضى شهر الصيام فإن العام كله محل عبادة للواحد القهار، فالله عزَّ وجلَّ يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]. ففي الحث على الصيام يقول سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر} رواه مسلم. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: {صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، رواه الإمام أحمد ومسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم}. وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، ويقول: {إن الأعمال تُعرض فيهما، فأرجو أن يُعرض عملي وأنا صائم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهذا هديه صلى الله عليه وسلم. وأيضاً: حث على صيام يوم عرفة، ويوم العاشر من شهر المحرم.

قيام الليل في غير رمضان

قيام الليل في غير رمضان وقد شُرع قيام الليل في غير رمضان، ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قوله، قال: {أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل}. فاحرص -يا عبد الله- على هذا الفضل العظيم، فإن الرب جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ثم يا عبد الله! اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه أنه: {ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثني عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة} وهي: أربع ركعات قبل الظهر. وركعتان بعد الظهر. وركعتان بعد المغرب. وركعتان بعد العشاء. وركعتان قبل صلاة الغداة، أي: قبل صلاة الفجر {وركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها}.

نصيحة لإبراهيم بن أدهم في قيام الليل

نصيحة لإبراهيم بن أدهم في قيام الليل فاجتهدوا -إخواني- وشمروا في طاعة الله، واسمعوا إلى هذا الحث والنصيحة من إبراهيم بن أدهم رحمه الله حيث يقول: قم الليل يا هذا لعلك ترشدُ إلى كم تنام الليل والعمر ينفَدُ أراك بطول الليل ويحك نائماً وغيرك في محرابه يتهجدُ ولو علم البطَّال ما نال زاهدٌ من الأجر والإحسان ما كان يرقدُ فصام وقام الليل والناس نُوَّمٌ ويخلو برب واحدٍ متفردُ لا يخلو بالأفلام والتمثيليات والبَلُوْت. بحزم وعزم واجتهاد ورغبة ويعلم أن الله ذا العرش يُعبدُ ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً يخلد اسمع يا مسكين! يا من تشيِّد وتبني، وتجعل الأساس إلى الماء! اعلم أنك سوف تنتقل وتموت. أترقُد يا مغرور والنار توقدُ فلا حرها يُطفى ولا الجمر يخمد أترقدُ يا مغرور؟! يا ليتهم يرقدون ويرتاحون من الملاهي، والتمثيليات، والأفلام، والأغاني الماجنة، يا ليتهم يرتاحون من القيل والقال، ومن مغازلة النساء. فيا راكب العصيان ويحك خلِّها فتحشر عطشاناً ووجهك أسودُ فكم بين مشغول بطاعة ربه وآخر بالذنب الثقيل مقيدُ الله أكبر! صحيح، كم بين الذين ذهبوا إلى العمرة، وإلى المسجد النبوي، وإلى الذين ذهبوا خارج البلاد، إلى الزنا, واللواط، والخمور والمسكرات، كم بينهم من الفرق يا عباد الله؟! فهذا سعيد في الجنان منعَّمٌ وهذا شقي في الجحيم مخلدُ الله المستعان!! كأني بنفسي في القيامة واقفٌ وقد فاض دمعي والمفاصل ترعدُ وقد نُصب الميزان للفصل والقضا وقد قام خير العالمين محمدُ محمد صلى الله عليه وسلم الذي سوف يرد على حوضه أناس ثم تردهم الملائكة، فيقول: {يا رب! أمتي أمتي فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك}. فيا عباد الله: احذروا من مضلات الفتن. الله الله بالاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، محمد بن عبد الله الذي ترككم على المحجة البيضاء، صلوا على رسول الله الذي جاء بها نقية من عند رب العالمين، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوا عليه، فإن من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، والله عزَّ وجلَّ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقنا وإياهم الجلساء الصالحين الناصحين الذين يعيوننا إذا ذكرنا، ويذكروننا إذا نسينا يا رب العالمين. اللهم قيض لأولادنا قرناء صالحين، اللهم قيض لأولادنا جلساء صالحين، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام. اللهم يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت! ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، أن تجعل كيد أعداء الإسلام والمسلمين في نحورهم، يا رب العالمين. اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً لهم، يا سامع الدعاء. اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وخالف بين كلمتهم، ورمِّل نساءهم، ويَتِّم أطفالهم، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم وحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، واجعلهم يداً واحدة على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. اللهم اجمعنا ووالدِينا ووالدِي والدِينا، وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات في جنات النعيم، إنك على كل شيء قدير. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:90 - 91]. عباد الله: اشكروا الله تعالى على هذه النعم، قابلوا ربكم على هذه النعم، قابلوه بشكرها، قوموا لله بشكر هذه النعم، اشكروا الله دائماً وأبداً على نعمة الأمن، ورغد العيش، والاستقرار، ونعمة العافية، وأنتم تعبدون الله لا تخافون في الله لومة لائم، اشكروا الله تعالى على هذه النعمة قبل زوالها. ثم اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم. وصلوا على محمد، يا عباد الله.

أشراط الساعة

أشراط الساعة حتمية قيام الساعة أمر مفروغ منه، ولكن لها أشراطاً، وهذه دعوة لكل أحد أن يطلع على هذه الأشراط، ويتفكر فيها، فإن الساعة قريبة، ولتأتينهم بغتة وهم لا يشعرون، ثم دعوة أخرى إلى النظر في أحوال الناس يوم القيامة وأقسامهم ومنازلهم. نسأل الله أن يجعلنا مع السابقين والله المستعان.

أشراط الساعة في السنة النبوية

أشراط الساعة في السنة النبوية الحمد لله الذي تفرد بعلم الغيب، ولا يعلم قيام الساعة إلا هو، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، استوى عنده علم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله! اتقوا الله عز وجل، وتوبوا إليه توبة نصوحاً، قبل أن يحال بينكم وبين التوبة، وقبل أن تفجأكم القيامة بغتة وأنتم لا تشعرون، فإنه من مات قامت قيامته، فإنكم لا تدرون متى تقوم الساعة. وللساعة أشراط وعلامات، قد أظهر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على كثير منها، فيما أوحاه إليه من الكتاب والسنة، وليس يعلم صلى الله عليه وسلم إلا ما أوحاه إليه ربه، فمن ذلك ما في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين؛ كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج -وهو القتل- وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبض الصدقة، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لفحته فلا يطعمه ولا يشربه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها}.

اقتتال الفئتين وبعث الدجالين

اقتتال الفئتين وبعث الدجالين عباد الله! بهذا الحديث أخبر نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم عن اثني عشر أمراً تكون قبل قيام الساعة، أخبر أنه لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعوتهما واحدة، وفسر العلماء ذلك بما وقع في زمن علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث كان كل من الفئتين يدعو إلى ما يرى أنه الحق، فقتل منهم نحو سبعين ألفاً على ما قيل. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون، يزعم كل منهم أنه نبي، وقد ظهر كثير منهم، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] هكذا يقول رب العالمين.

قبض العلم وكثرة الزلازل

قبض العلم وكثرة الزلازل وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، والمراد به العلم الشرعي؛ علم الكتاب وعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكيفية قبض العلم: أن يقبض العلماء كما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا}. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلال، والزلازل نوعان: النوع الأول: زلازل حسية، تهز الأرض فتدمر القرى والمساكن، وزلازل معنوية تزلزل الإيمان والعقيدة والأخلاق والسلوك حتى يضطرب الناس في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكهم، فيعود الحليم العاقل حيراناً، والحديث محتمل لكل منهما.

تقارب الزمان وكثرة الفتن والقتل والمال

تقارب الزمان وكثرة الفتن والقتل والمال وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فيقرب أوله من آخره، وذلك بكثرة الغفلة وفشل الأعمال والأوقات، حتى يمضي الزمن الكثير والإنسان ما صنع إلا شيئاً قليلاً، أو أن معناه سرعة إنجاز الأمور التي لا تنجز إلا بزمن كثير كما يشاهد اليوم في وسائل النقل ووسائل الإعلام، فكم من بلد كانت لا يوصل لها إلا بعد أشهر والآن يوصل إليها في ساعات قليلة، فصلوات الله وسلامه على من لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، فتن الدين والدنيا، أما فتن الدين فكل ما يصد عن الإيمان بالله، والقيام بأوامره واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، من العقائد الفاسدة، والأفكار الهدامة، والسلوك المنحرف، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة بالاشتغال بالشهوات واللذائذ المحرمة؛ من آلات اللهو ومن الأغاني والتمثيليات والأفلام الخليعة التي أفسدت الأخلاق وصدت العباد عن طاعة الله. وأما فتن الدنيا، فما يحصل من القتل والخوف والسلب والنهب. وظهور الفتن يا أمة الإسلام دليل على ضعف العلم الصحيح والإيمان الخالص، وعدم الولاية العادلة. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر القتل، سواءٌ كان ذلك بالحروب أو بالاغتيالات، وقد جرى ذلك. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، وقد كثرت الأموال وسوف تزداد حتى يهم الرجل من يقبض صدقته، وحتى يعرض المال على الرجل هبة أو صدقة؛ فيقول: لا حاجة لي به.

التطاول في البنيان وتمني الموت

التطاول في البنيان وتمني الموت وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، سواءٌ كان التطاول بجمال البنيان وتشييده والاعتناء به، أو بارتفاعه، كل ذلك من التطاول، وهو دليل على اشتغال الناس في أحوال دنياهم دون أحوال دينهم؛ لأن التطاول في البنيان يشغل القلب والبدن، فيلهو به الإنسان عن مصالح دينه. أمة الإسلام! وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وذلك لما يرى من الأمور العظام التي يفضل الموت عليها؛ من عظيم البلاء ورئاسة الجهلاء وخمول العلماء، واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم واستغلال الحرام.

طلوع الشمس من مغربها وقيام الساعة

طلوع الشمس من مغربها وقيام الساعة وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، ويختل نظام سيرها، فحينئذٍ يعلم الناس أنها تسير بتقدير الله وأمره؛ فيؤمنون ولكن لا إيمان ينفع في تلك اللحظة، إلا من كان مؤمناً من قبل أو كاسباً في إيمانه خيراً. ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن الساعة تقوم بغتة، وضرب لذلك أربعة أمثال: تقوم والرجلان بينهما ثوب قد فلاه، يتبايعانه فلا يمكنهما البيع ولا طي الثوب إلا والساعة قائمة تفزعهم. تقوم الساعة والرجل قد انصرف بلبن ناقته ليشربه، فلا يتمكن من شربه. تقوم الساعة والرجل يصلح حوض إبله ليسقيها فلا يسقي فيه تبغته الساعة. تقوم الساعة وقد رفع اللقمة إلى فمه فلا يطعمها. هكذا يخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه. فيا عباد الله! أمة الإسلام! بادروا بالتوبة إلى الله، بادروا بالأعمال الصالحات، آمنوا بالله ورسله وأعدوا ليوم القيامة عدته قبل أن يفجعكم ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18 - 19] بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

أقسام الناس يوم القيامة

أقسام الناس يوم القيامة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله! اتقوا الله حق تقاته، واستعدوا ليوم القيامة، اليوم الذي ينقسم فيه الناس إلى ثلاثة أقسام: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون، وإليكم ذكر أولئك الأصناف من كتاب الله العزيز: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:1 - 10].

السابقون

السابقون هؤلاء الأقسام، ولكن لكل قسم منزلة: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:10 - 26]. هؤلاء أصحاب الرتبة الممتازة.

أصحاب اليمين

أصحاب اليمين وبعد السابقين يأتي أصحاب اليمين قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:27 - 40].

أصحاب الشمال

أصحاب الشمال بعدهم القسم الثالث نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:41 - 51] فرق عباد الله! انظروا إلى السابقين ماذا يأكلون، وإلى هؤلاء ماذا يأكلون، نسأل الله العافية: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ * نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة:51 - 57]. الخاتمة يا عباد الله! لينظر كل منا إلى أين ينسب من هذه الفرق: أصحاب الميمنة، والسابقون، وأصحاب الشمال، فصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صل عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم اسقنا من حوض نبيك محمد، شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا، اللهم لا تحرمنا من شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم ارض عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم تداركنا بواسع رحمتك، واختم بالصالحات أعمالنا يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع عنهم عافيتك ويدك، ومزقهم كل ممزق يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار في مشارق الأرض ومغاربها يقودونهم قيادة حميدة، ويدلونهم إلى كل خير، ويحذرونهم من كل شر، إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، وأجرنا يا مولانا جميعاً من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع إخواننا المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم واقض الدين عن المدينين من المسلمين بلطفك يا كريم. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

أشراط الساعة وفتنة الدجال

أشراط الساعة وفتنة الدجال أشراط الساعة هي علاماتها التي تحدث بين يديها، ولعل أهمها وأكبرها فتنة المسيح الدجال، وقد حذر الأنبياء عليهم السلام أممهم من هذه الفتنة، لأنها فتنة عظيمة، وقد جعلها الله كذلك بأن جعل للمسيح الدجال إمكانات خارقة للعادة، بعيدة عن قدرة البشر.

أشراط الساعة

أشراط الساعة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: أيها الناس: اعلموا علم اليقين أن الساعة آتية لا شك فيها ولا ريب، ومصداق ذلك من كلام الله جل وعلا: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [غافر:59] بل ينكرون ويكذبون والعياذ بالله، فاسمعوا الوعيد الأكيد لمن كذب بالساعة، قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:11 - 14]. ثم اعلموا يا عباد الله! أن الله عز وجلَّ لم يُطلع أحداً من خلقه على علم الساعة، لا ملكاً من الملائكة مقرباً، ولا نبياً من الأنبياء مرسلاً، بل استأثر بعلمها وحده لا شريك له قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34] وقال جل وعلا: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187]. وقد سأل جبريل عليه السلام نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: {متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل} أنت جبريل، وتأتي بالوحي من عند الله، لو كان أحدٌ يعلمها لعلمت أنت يا جبريل، وسأخبرك عن أشراطها -وهذا في رواية البخاري - وفي رواية مسلم عن أماراتها، قال: {إذا ولدت الأمة ربها} وفي رواية مسلم: {إذا ولدت الأمة ربتها، وإذا تطاول رعاة الإبل في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله} ثم تلا نبينا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] وأنا أشهد على ذلك أن الله عليم خبير، وصدق الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87]. وللساعة -يا عباد الله- آيات واضحة إذا ظهرت فإنه لا ينفع إيمان بعد خروجها، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] إذا رأى الناس الآيات آمنوا وصدقوا ولكن لا ينفعهم ذلك، إذا خرج الدجال أو طلعت الشمس من المغرب، أو خرجت الدابة التي تَسمُ الناس، أو خرج من أشراط الساعة ما الله به عليم, فإن الناس حينئذٍ يؤمنون ويصدقون فعند ذلك لا ينفعهم الإيمان. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية السابقة: وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة، كما قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها} أي: كل من على وجه الأرض يؤمن، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشراط الساعة وأماراتها، وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق يجب اعتقاده والتصديق به.

فتنة المسيح الدجال

فتنة المسيح الدجال ذكر صلى الله عليه وسلم للساعة أشراطاً كثيرة منها ما مضى، ومنها ما هو حاضر، ومنها ما هو مستقبل، وأبلغ ما يكون من أشراطها وأعظمه فتنة هي فتنة المسيح الدجال -أعاذني الله وإياكم من فتنة المسيح الدجال- فقد صح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال، وإنه ما من نبي إلا وقد أنذر به أمته، وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار} فتنة عظيمة يا عباد الله، فتنة كبرى، اللهم أجرنا من مضلات الفتن، يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها جنة نارٌ تحرق، والتي يقول إنها نار ماء عذب طيب، ثم يقول الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم: {فمن أدرك ذلك منكم فليقع فيه} أي: في ناره، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم, إنه شاب قطط، أعور العين اليمنى، مكتوب بين عينيه كفر، يقرأها كل مؤمن كاتبٌ وغير كاتب، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه بفواتيح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً}. فاثبتوا يا عباد الله! قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: {أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم, قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا، اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم -فتن يا عباد الله- ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلأً شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل ووجهه يضحك} وفي رواية: {يقول لهذا الشاب: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم, فيستوي قائماً -فتنة يا عباد الله! اثبتوا- ثم يقول: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيأخذه الدجال ليذبحه فلا يسلط عليه}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال, قالت أم شريك: فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم قليل} ويتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفاً، ويخرج همته المدينة، فتصرف الملائكة وجهه عنها؛ لأن الله جعل على كل باب منها ملكين يمنعانه من الدخول. فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين -أي: حلتين- مصبوغتين بورس أو زعفران، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات. ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوماً قد عصمهم الله من الدجال، ويمسح بوجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. عباد الله! سبحان من مكّن هذا الدجال، سبحان الرب العظيم، سبحان القادر المقتدر الذي مكّن هذا الدجال من هذه المعجزات، مكّنه فتنة للعباد، وبين لهم العلامات التي تبين بطلان ما ادعاه وفساده, فإنه أعور ناقص في ذاته، وأنه مكتوب في عينيه: " كفر " يقرأه كل مؤمن، إنه إذا قتل الرجل ثم أحياه لم يقدر عليه بعد ذلك، فهو ناقص في قدرته، إن جنته نار، وناره ماء طيب عذب، فما جاء به الدجال فهو باطل. إن الدجال يا عباد الله خلق مخلوق من مخلوقات الله، وإنه يفنى ويقتل، يقتله عيسى بن مريم عليه السلام، وإنه في الأرض لا في السماء, وكل هذه صفات مخلوق ناقص، التي تبرهن على أنه ليس بإله. فعليكم -عباد الله- بالإيمان الصادق بالله، قووا إيمانكم بالله، التجئوا إلى الله، تعرفوا إلى الله ينجيكم من الشدائد إذا نزلت بكم. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا بك مؤمنين وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، اللهم اجعلنا من الطائفة الذين لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمرك يا ألله، اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن، ونعوذ بك اللهم من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات, ونعوذ بك من النار ونعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، إنك على كل شيء قدير، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

من أهوال يوم القيامة

من أهوال يوم القيامة الحمد لله الذي استأثر بعلم الساعة، ولم يُطلع عليها أحداً من خلقه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال وقوله الحق: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187] أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب لنا سواه, هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخبر بآيات تكون قبل الساعة، وهو الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، وأعدوا العدة والأهبة إلى يوم القيامة، وكلنا ولله الحمد يؤمن بيوم القيامة، ونعلم ونقرأ أننا نبعث بعد الموت، ومن لم يؤمن بيوم البعث والنشور فهو كافرٌ والعياذ بالله، قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] وفي يوم البعث -يا عباد الله- تكون أمور وأهوالٌ عظيمة, جمعها أحد الوعاظ في هذه الموعظة، فقال: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفور وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت عن أهلها خلت الديار فما بها معمور وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك أين نسير؟ فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور كل هذا -يا عباد الله- سوف يحصل يوم القيامة وأشد من ذلك، ولكن قبل يوم القيامة -كما ذكرنا- آيات وعلامات تدل على قيام الساعة، أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر الله عنها في كتابه العزيز منها: الدجال, والدابة, ويأجوج ومأجوج, ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، وطلوع الشمس من المغرب، وحدوث زلازل وخسوف أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما علينا إلا أن نلتجئ إلى الله، نلتجئ إلى أرحم الراحمين، لعله أن يقوي إيماننا فلا تضرنا الفتن إنه أرحم الراحمين. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة, وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي مرة صلّى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك وزد صلاة وتسليماً على إمامنا وقدوتنا ونبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم دمّرهم تدميراً يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم أصلح أئمة المسلمين، وولاة أمورهم في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وأصلحنا جميعاً وأصلح لنا وأصلح بنا, واهدنا واهد لنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا؛ واللواط والسفور والتبرج، والأفلام الخليعة، والتمثيليات الماجنة، والأغاني الشريرة، اللهم ارفعها عنا وعن جميع المسلمين يا رب العالمين، وطهّر بلادنا وبلدان المسلمين منها إنك على كل شيء قدير، اللهم املأ قلوبنا من محبتك, ومن خشيتك, ومن معرفتك, ومن الأنس بقربك, واملأها حكمة وعلماً، اللهم طهر قلوبنا من النفاق والشكوك والشبهات والشهوات، ومن الغل والشحناء والعداوة للمسلمين يا رب العالمين. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

ابتلاءات إبراهيم

ابتلاءات إبراهيم المؤمن لا بد له من ابتلاء واختبار، وقدوتنا في ذلك الأنبياء، فهذا خليل الله يدعو قومه لعبادة الله عز وجلَّ، وينكر عليهم عبادة الأصنام، فيواجه قومه وحده، فيقذفون به في النار، ولكن الله يقول للنار: (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً)؛ ويؤمر بذبح ابنه الوحيد فيقبل أمر الله، ويكرمه الله هو وابنه بالفداء، ويجعله الله إماماً للعالمين.

قصة إبراهيم مع قومه

قصة إبراهيم مع قومه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضل والامتنان والإحسان, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل من قام بشرائع الإسلام، وأفضل من حقق الإيمان، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجلَّ واعرفوا أنبياء الله ورسله عليهم أفضل الصلاة والسلام, وفي مقدمتهم: أبوكم إبراهيم عليه السلام؛ فإنه من أولي العزم عليه أفضل الصلاة والسلام وقد حصل له من الابتلاء والامتحان ما ظهر به صدقه وإيمانه بالله رب العالمين، فقد جاهد في الله حق الجهاد.

إبراهيم ينكر على قومه عبادة الأصنام

إبراهيم ينكر على قومه عبادة الأصنام ففي أول أمره عليه أفضل الصلاة والسلام لما عرف الله حق المعرفة, وعرف أن قومه على غير حق, وأنهم ضالون بعبادتهم الأوثان من دون الله, عزم وشمَّر عن ساعديه مستعيناً بالله الحي القيوم على تدمير الأصنام التي يعبدونها من دون الله. إبراهيم فرد واحد قام بأمر عظيم بإنكار المنكر وهو: تكسير الأصنام التي يعبدها قومه من دون الله, فوثب عليه قومه وصارت المخاصمة والمناظرة بينه وبين القوم، ولكن الله عز وجلَّ أخبر أنه ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا, فكل من قام بأمر من أمور الله، يريد بذلك إعلاء كلمة الله, ونصرة دين الله؛ فإن الله ينصره لا محالة؛ لأن الله جلَّ وعلا لا يخلف الميعاد.

إبراهيم يقذف في النار

إبراهيم يقذف في النار لقد نصر الله إبراهيم -عليه السلام- بحجته الظاهرة، فلجأ القوم ينصروا ما هم عليه من السفه والطغيان فكادهم رب العالمين جلَّ جلَّاله, وأعلى كلمته ودينه وبرهانه, كما قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:68 - 70]. وذلك أنهم انشغلوا جمع الحطب من جميع ما يمكن من الأماكن لمدة شهر؛ حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت نذرت لئن عوفيت لتحملن حطباً لحرق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة, فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأضرموا فيها النيران, فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط, ثم وضعوا إبراهيم -عليه السلام- في كفة منجنيق صنعه لهم رجلَّ من الأكراد يقال له: هيزل , وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض, فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدون إبراهيم عليه السلام ويثبتونه بالحبال وهو في كفة المنجنيق يناجي إله الأولين والآخرين, ويستنصر برب العالمين, "لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الشكر لا شريك لك", هكذا كان نداءه عليه السلام وهم يقيدونه بالحبال ليلقوه في تلك النار العظيمة, فلا يزال أن يقول: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين, لك الحمد ولك الشكر لا شريك لك، فلما ألقوه في النار اتصل بالحي القيوم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, قال: "حسبي الله ونعم الوكيل", الكلمة التي قالها رسول الهدى محمد بن عبد الله إيماناً بالله، واقتداءً بالخليل عليه السلام لما قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:173 - 174]. فاقتداءً بإبراهيم عليه السلام قالها محمد صلى الله عليه وسلم, فإبراهيم عليه السلام، قال: حسبي الله ونعم الوكيل، قال بعض السلف: "عرض جبريل لإبراهيم وهو في الهواء فقال: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ -يقولها جبريل الذي له ستمائة جناح أعظم الملائكة خلقاً, يقول له الروح الأمين: ألك حاجة يا إبراهيم؟ - فقال: أما إليك فلا. حسبي الله ونعم الوكيل. قال ابن عباس رضي الله عنها: [[إن ملك المطر قال: متى أؤمر فأرسل المطر ليطفئ النار عن إبراهيم]] , ولكن أرحم الراحمين، إله الأولين والآخرين، الذي بيده أزمّة الأمور، الذي إذا قال للشيء: "كن" فيكون، قال: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] صدر المرسوم الملكي الذي لا يعارض ولا ينازع: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] التوقيع من جبار السماوات والأرض, فخمدت تلك النار, يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: [[أي: لا تضريه]] وقال بعض المفسرين: لولا أن الجبار جلَّ وعلا قال: {وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] لآذى إبراهيم بردها. بعد هذا المرسوم الكريم: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] كيف صار إبراهيم؟ صار إبراهيم في مثل: الجوبة، حوله الناس وهو في روضة خضراء, والناس ينظرون إليه لا يستطيعون الوصول إليه وهو لا يخرج إليهم. ويروى أن الطاغية الخبيث أبو إبراهيم لما نظر إلى إبراهيم في تلك الروضة، قال: نِعَمْ الرب ربك يا إبراهيم. ويُروى أن إبراهيم عليه السلام مكث في المكان الذي ألقي فيه أربعين أو خمسين يوماً، فإنه قال: ما كانت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشتي وحياتي كلها مثل ذلك إذ كنت فيها. هذا إبراهيم عليه السلام نصره الله، إبراهيم فرد، قام بأمر الله فنصره الله, فما بالكم بملايين المسلمين واليهود يعيثون فساداً في مقدسات الله؟! الشيوعية تعيث فساداً في أنف المسلمين، والنصرانية تعيث فساداً في ديار المسلمين, وأهل البدع يعيثون فساداً في بلاد المسلمين، والمسلمون وهم يُعدُّون بالملايين, وإبراهيم واحد قام بأمر الله عز وجلَّ؛ ولكن الله لا يخلف وعده, فمن صدق مع الله وأخلص النية لله, فإن الله قد أصدر مرسوماً ملكياً يقرأ منذ أربعة عشر قرناً: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر:51].

قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل

قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل هاجر إبراهيم -عليه السلام- لما غير المنكر، وكسَّر الأصنام، وأثابه الله بمثوبة عظيمة ظهرت على رءوس الأشهاد، وهي: إطفاء النار التي يوقدونها شهراً ولم يستطيعوا هم بأنفسهم أن يضعوه فيها إلا بواسطة المنجنيق؛ فأطفأها الله عز وجلَّ, وهاجر إبراهيم من بلاد قومه، وبنى البيت العتيق هو وإسماعيل عليهما السلام، حتى صار البيت العتيق مأوى يأوي إليه الناس, تلبية لنداء إبراهيم حيث أمره الله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] هكذا من قام لله وقام بأمر الله بصدق وإخلاص.

إبراهيم يؤمر بذبح إسماعيل

إبراهيم يؤمر بذبح إسماعيل لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه جلَّ وعلا أن يهب له ولداً صالحاً, فبشَّره الله تعالى بغلام حليم، وهو: إسماعيل عليه السلام, وهو أول ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمره. فلما بلغ معه السعي -أي: شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه- رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا -أي: إسماعيل- ورؤيا الأنبياء وحي، وهذا اختبار من الله عَزَّ وَجلَّ، الله أكبر!! سبحانك وبحمدك لا إله إلا الله {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]! إنه يأمره بذبح ولده، وفلذة كبده إسماعيل الذي أتاه في تأخر من عمره، وهذا -كما قلت- اختبارٌ من الله عز وجلَّ لخليله بأن يذبح هذا الولد العزيز، الذي جاءه على كبر في السن! هل مانع إبراهيم؟ لا. إنما امتثل أمر الله -عز وجلَّ- في ذلك, وسارع إلى طاعة مولاه. عرض ذلك على ولده إسماعيل ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسراً ويذبحه قهراً: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] ابتلاء عظيم!! ابن ليس له غيره من الأبناء, وشب وترعرع وصار في طاعته, ثم أمر بذبحه إنها كبيرة جداً على النفس يا عباد الله! ولكن لا بد من طاعة المولى جلَّ وعلا، قال: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] لا إله إلا الله! {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74] ما أحلى الأولاد البارين! ما أحلى الأولاد الطائعين! {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] فبادر الغلام الحليم والده الخليل: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]. عباد الله! هذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد, قال الله تعالى: {لا إله إلا الله العظيم الحليم} هذا دعاء الكرب الذي أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينبغي لكل مسلم إذا أصابته كربة أن يلجأ إلى الحي القيوم, مفرج الكربات, ومغيث اللهفات, وقاضي الحاجات, ومغني الفاقات, إله الأولين والآخرين, الذي إذا قال للشيء: كن فيكون. نبينا محمد صلى الله عليه وسلم علَّمنا دعاء الكرب، قال: {إذا أصاب أحدكم الكرب فليقل: لا إله إلا الله العظيم الحليم, لا إله إلا الله رب العرش العظيم, لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم} فإذا أصاب الإنسان كرب ودعا بهذا الذكر العظيم فإن الله يفرج له.

الله جل وعلا يفدي إسماعيل بذبح عظيم

الله جلَّ وعلا يفدي إسماعيل بذبح عظيم لما امتثل أبونا إبراهيم عليه السلام طاعة الله {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] ألقاه على وجهه ليذبحه، قال بعض المفسرين: أراد أن يذبحه من قفاه؛ لئلا يشاهده في حال ذبحه, ثم تأخذه رحمة الأب بابنه, وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جنبه لاصق بالأرض, وسمّى إبراهيم، وكبِّر وتشهد الولد للموت, وجعل إبراهيم يمر السكين على حلق إسماعيل, فلم تقطع شيئاً، يقول بعض المفسرين: جعل الله بين السكين والحلق نحاس، أو جعل الله قدرته القادر على كل شيء ألا تضره السكين، فعند ذلك نودي من قبل الله: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104 - 105] ارفع ابنك عن الأرض, وارفع السكين عن إسماعيل, فقد حصل المقصود من اختبارك يا إبراهيم, وحصلت طاعتك لرب العالمين, ورأينا مبادرتك لربك يا إبراهيم {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:106] أي: الاختبار الظاهر، ثم قال رب العزة والجلال: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107] أي: جعلنا فداء ذبح ولده إسماعيل ما يسره الله تعالى من العوض وهو كبش أبيض أعلم, أي: عظيم سواد العين أقرن، قال ابن عباس حبر هذه الأمة وترجمان القرآن: [[كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً]]. فإبراهيم عليه السلام لطاعته لله، وامتثال أوامره، سمَّاه الله عز وجلَّ: أمة؛ فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120] وكذلك يبعثه الله تعالى يوم القيامة أمة واحدة. فاتقوا الله -يا عباد الله! - واشكروا الله على نعمة الإسلام, واشكروه على ما أنعم عليكم من هذه النعمة العظيمة أن جعلكم من خير أمة أخرجت للناس, وجعلكم من الأمة الإسلامية التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم.

وقفة مع الأضحية

وقفة مع الأضحية عباد الله: اشكروا الله على نعمه، ثم على مشروعية الأضاحي التي تتقربون بها إلى ربكم, وتنفقون بها نفائس أموالكم, فإن هذه الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم, وإن لكم بكل شعرة فضل عظيم, إن لكم بكل شعرة حسنة, وبكل صوفة حسنة, يقول صلى الله عليه وسلم: {ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بأظلافها وقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض تطيب بها نفساً}.

حكم الأضحية

حكم الأضحية اعلموا -أيها المسلمون- أن بذل الدراهم بالأضحية وشرائها أفضل من الصدقة بها, والأضحية سنة مؤكدة لمن يقدر عليها, قال بعض العلماء: إنها واجبة على الأغنياء, فضحّوا عن أنفسكم وأهليكم وأولادكم والوالدين, ليحصل الأجر العظيم للجميع، والبعض من الناس يظن أن الأضحية للأموات فقط بل للإحياء، فقد أوتي محمد صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فقال: {اللهم هذا عن محمد وآل محمد، وهذا عمن لم يُضحِ من أمة محمد} فالذي لا يستطيع على الأضحية يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضحَّى عنه, وهذا عن من لم يستطيع أن يضحي من أمة محمد، أو كما جاء في الحديث الصحيح. واعلموا أن الأضحية تكفي للبيت الواحد عن الوالد وأولاده وأهل بيته، وفضل الله واسع, إلا إذا كانت وصية فإنها لصاحبها الذي وصى بها, كما نص في وصيته التي وصى بها.

شروط الأضحية

شروط الأضحية والأضحية تكون من بهيمة الأنعام، إما من الإبل أو البقر أو الضأن أو الماعز ولا تجزئ إلا بشرطين: أولاً: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً. ثانياً: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء, فأما السن ففي الإبل خمس سنين, وفي البقر سنتان, وفي المعز سنة, وفي الضأن ستة أشهر. وأما العيوب التي تمنع من الإجزاء فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {أربع لا تجوز في الأضاحي: العرجاء البين ضلعها, والعوراء البين عورها, والمريضة البين مرضها, والعجفاء التي لا تنقى} فهذه هي العيوب التي تمنع من الإجزاء.

زمن ذبح الأضحية

زمن ذبح الأضحية عباد الله! من كان منكم يُحسِن الذبح فليذبح أضحيته بيده، فقد ذبح أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة, ومن كان لا يحسن فليحضر عند ذبحها فذلك أفضل. واحذروا أن تذبحوا قبل الوقت المحدد للتضحية شرعاً, فالوقت هو من بعد الفراغ من صلاة العيد، والأفضل أن ينتظر حتى يفرغ الإمام من الخطبتين، وينتهي وقت الذبح بغروب الشمس من اليوم الثالث بعد العيد. فأيام الذبح أربعة: العيد, وثلاثة أيام بعده, والذبح في النهار أفضل, ويجوز الذبح في الليل, ويسميها عند الذبح, فإن التسمية شرط عند الذبح, فمن لم يقل: باسم الله متعمداً على ذبيحته -أي: لم يسمِ- فهي ميتة نجسة حرام أكلها, أما الذي ينسى فقد قال جلَّ وعلا: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال صلى الله عليه وسلم: {عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان}. عباد الله! اذبحوا برفق, وحدُّوا السكين, ولا تحدوها وهي تنظر, ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها, ولا تسلخوها أو تكسروا رقبتها قبل أن تموت, وكلوا من الأضاحي، واهدوا وتصدقوا, ولا تعطوا الجزار أجرته منها, بل أعطوه أجرة وأعطوه صدقة إن كان فقيراً. اللهم وفقنا لفعل الخيرات, واجتناب المنكرات واجعلنا هداةً مهتدين, مقتدين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، غير ضالين ولا مبتدعين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فضل الأيام العشر من ذي الحجة

فضل الأيام العشر من ذي الحجة الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجلَّ, وشمروا لطلب الخيرات قبل فواتها, واغتنموا الأعمال الصالحات في أوقاتها, فمنها الأيام المفضلات المخصوصة بالتشريع في محكم الآيات, وهن الأيام المعلومات أيام عشر من ذي الحجة التي فرط الكثير فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله! فلا نسمع التكبير امتثالاً بسلفنا الصالح؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون! أميتت هذه السنة ولا حول ولا قوة إلا بالله! البعض يرى أن التكبير والتهليل عيب ونقيصة, وهو -والله- فضيلة ورفعة, وأجر من رب العالمين {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]. عباد الله! في هذه الأيام اليوم التاسع المخصوص بالفضل العظيم، والمقسم به في القرآن العظيم وهو يوم عرفة, فاغتنموا فضله, واحذروا الموانع والقواطع من الذنوب, يقول صلى الله عليه وسلم: {خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما رؤي الشيطان أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة} لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الرب عن الذنوب العظام, وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيده من النار من يوم عرفة}. وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على صيام يوم عرفة وذلك لغير الحاج, فقال صلى الله عليه وسلم: {صيام يوم عرفة احتسبوا على الله أن يُكِّفر السنة الماضية والسنة الآتية} وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة, فيقول: هؤلاء عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق, يرجون مغفرتي، فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل لغفرتها، ثم يقال لهم: أفيضوا مغفوراً لكم ولمن شفعتم فيه}. فاجتهدوا -عباد الله- بالأعمال الصالحة، وارفعوا أصواتكم بالتكبير في كل مكان: في الأسواق, والمساجد, وفي المجتمعات, وفي البيوت, وأكثروا من قراءة القرآن, ومن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير, ومن الصدقات, واستيقظوا -يا عباد الله- من رقدتكم قبل أن تفوتكم أيام الخيرات, وقبل أن ترتهنوا في حفركم، وقبل أن توضعوا في القبور, فيتمنى الواحد منا أن يقول: لا إله إلا الله أو يقول: سبحان الله, أو الحمد لله, وقبل أن يتمنى الواحد منا أن يصلي ركعتين ولا يحصل له ذلك, فقد ارتهن بعمله، وصفت عليه اللبنات، وحث عليه التراب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم يقوم لرب العالمين. عباد الله! صلوا على رسول الله، امتثالاً لأمر الله؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً} , وربنا جلَّ وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم وحد صفوفهم, واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء.

عواقب معصية الله

عواقب معصية الله حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار, وقالها محمد صلى الله عليه وسلم, ونقولها نحن عندما نتوعد بـ أمريكا والاتحاد السوفيتي وجميع الدول الخبيثة نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. واعلموا -يا عباد الله- أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروكم بشر لم يضروكم إلا بشيء قد كتبه الله لكم، ولو اجتمعوا على أن ينفعوكم بخير لم ينفعوكم إلا بخير قد كتبه الله لكم. عباد الله: قووا إيمانكم بالله, لقد شاب كثير من الشباب, لماذا؟! لما يسمع جاءتك أمريكا , جاءك الاتحاد السوفيتي , جاء كذا وكذا , ونسي الله عز وجلَّ الذي نصر إبراهيم -واحد- عليه السلام قام بأمر الله ونصره الله نصراً مؤزراً, ونصر محمداً صلى الله عليه وسلم وهذا من الله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر:51]. عباد الله! اصدقوا مع الله, قوموا مع الله, وحدوا الله, توبوا إلى الله, بيوت الله تكاد أن تخلى من المسلمين فإنا لله وإنا إليه راجعون. نعم -يا عباد الله- والله ثم والله أن مسجدنا هذا في رمضان أكثر من عشرة صفوف, والآن لا يتم الصفين في صلاة الفجر فإنا لله وإنا إليه راجعون! والله إنها مصيبة عظمى أصيب بها المسلمون. نعم -يا عبد الله- لو كان للإنسان وعد لفزع وقام مذعوراً أما منادي الله: حي على الصلاة, حي على الفلاح, الصلاة خير من النوم, يضع الغطاء ويطيل على المكيف وينام تحته متناسياً لأمر الله عز وجلَّ {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] نعم. سوف يحصل عندنا الذعر والخوف من أعداء الله؛ لأنه ورد في الحديث القدسي: {من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني}. نعم -يا عباد الله- المسلمون لن ينتصر عليهم أعداء الإسلام, ولن يقدروا عليهم إلا إذا نسي المسلمون ربهم وتركوا دينهم فإن الله يسلطهم عليهم بذنوبهم.

من أسباب الهزيمة المعصية

من أسباب الهزيمة المعصية في غزوة أحد نصر الله رسوله في أول الأمر وقال للرماة: لا تبرحوا مكانكم سواء انتصرنا أم لم ننتصر, ولكنهم لما عصوا رسول الله وجاءوا يأخذون معهم الغنائم, كرّ عليهم العدو وفتك بالمسلمين فتكاً عظيماً, بمعصية قليلة انهزم المسلمون وكادوا يقتلون رسول الله صلى الله عليه وسلم, ألقوه في الحفرة وأدموا وجنتيه وكسروا رباعيته صلى الله عليه وسلم, بسبب معصية خالف بها بعض الصحابة رضي الله عنه فكيف الآن بالمسلمين؟ ترك البعض الصلاة -والعياذ بالله- والكثير منهم لم يعرف الصلاة إلا في رمضان, الكثير من شباب الإسلام لا يعرف الصلاة -والعياذ بالله- ولا يعرفون أموراً عظيمة قد تركوها, فوالله لن يؤتى المسلمون إلا من قبل أنفسهم، إن أتاهم آت فإنما يؤتون من قبل أنفسهم وبسبب معاصيهم لله عز وجلَّ. إذا لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله فإن الله يغار، يا عباد الله! إن الله ليس بغافل, إن الله مطلع على السرائر ويعلم ما في الضمائر. فعلينا -يا عباد الله- أن نتوب إلى الله قبل أن يحل بنا ما حل بالمجاورين, ليس بين الله وبين خلقه نسباً, انظروا إلى المجاورين بعدما كانوا في جنات ونهر, وفي ثمار وفي نعمة ورغد عيش, الآن انظروا إليهم ماذا يعملون يأكلون الخشاش -والعياذ بالله- ويأكلون القطط، يأكلون الكلاب، تدوسهم الأعداء بالأحذية لماذا؟! لأنهم عصوا رب العالمين وخالفوا أمره والله لا يخلف الميعاد. أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, وأسأل الله عز وجلَّ أن يصلح قادة المسلمين، أسأل الله أن يرزقهم الجلساء الصالحين، أسأل الله أن يرزقهم البطانة الصالحة التي تحثهم على الخير وتأمرهم به وتعينهم عليه. أسأل الله عز وجلَّ أن يقوي شجرة الإيمان في قلوبنا حتى نغار, وحتى نأمر بالمعروف, وحتى ننهى عن المنكر, وحتى نكون كما أراد الله قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. اللهم قوي إيماننا بك, وبملائكتك, وبكتبك, وبرسلك, وباليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, لا تكفروا النعمة يا عباد الله, احذروا من كفران النعمة, احذروا من المعاصي فإنها تجلب النقم وتزيل النعم, احذروا ثم احذروا! قبل أن يحل بكم ما حل بمجاوريكم, واجعلوا هذه العبارة بين أعينكم وارسموها في جدران قلوبكم, احذروا ثم احذروا! لا يصيبكم ما أصاب المجاورين من زوال النعم ومن دوس الأعداء ومن فتكهم, ومن انتصارهم, ارجعوا إلى ربكم, توبوا إلى ربكم, أقلعوا عما أنتم فيه يا عباد الله. أسأل الله أن يرزقني وإياكم التوبة النصوح, وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أصحاب الغار

أصحاب الغار إن الله سبحانه وتعالى مع عبده المؤمن الذي يلهج دائماً بذكر الله وطاعته، ومع الذين يتعرفون إلى الله في الرخاء، فإذا اشتدت عليهم الكربات، وأظلمت عليهم المصائب والملمات، كان الله قريباً منهم بفعلهم وتقربهم إلى الله عز وجل، ولذا فإن الشيخ قد أورد في هذه الرسالة قصة أولئك النفر المؤمنين من بني إسرائيل وما فيها من فوائد لتكون لنا درساً على مدى التاريخ.

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة, تعرفوا إلى الله عز وجل بالقيام بطاعته, رغبة في ثوابه, وابتعاداً عن عقابه, خوفاً من النار, فإن أليم النار شديد. أيها المسلمون! أيها المؤمنون بالله حقاً! اعلموا أن رخاء العيش، وطيب الحال من النعم التي تستوجب الشكر على العباد، والقيام بطاعة المنعم الجواد جل وعلا. أيها المؤمنون بالله: اعلموا أن الإنسان في حال الرخاء يستطيع أن يعمل ما لا يمكنه القيام به في حال الشدة, ويستطيع أن يعمل في سن الشباب ما لا يمكنه القيام به في حال الكبر والهرم, ويستطيع أن يعمل في زمن الأمن والطمأنينة ما لا يمكنه القيام به في حال الخوف, ويستطيع أن يعمل وهو صحيح، ما لا يمكنه القيام به وهو مريض, وإذا امتحن الإنسان هذه الحياة، وفكر فيها جيداً، عرف حقاً أن العافية في البدن والأمن والترف لا يدوم, فقد يعقبها شدة ومرضاً. نعم يا أهل الأخوة في الله: نعم يا أهل العقول! يا أولي الألباب! إذا امتحن الإنسان هذه الحياة الدنيا وفكر فيها جيداً، عرف حقاًً أن العافية في البدن والأمن والترف لكنها لا تدوم, فقد يعقبها شدة ومرضاً, وخوفاً وجوعاً, لكن المؤمن بالله حقاً، الذي قوى صلته بربه جل وعلا، وقام بحق الله تبارك وتعالى وتعرف للحي القيوم في حال الرخاء، فإن الله تبارك وتعالى يعرفه في حال الشدة, في حال الضيق, فيلطف به ويعينه على الشدائد وييسر أموره, قال جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] * وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] هكذا وعد الله سبحانه وتعالى للمتقين, والله لا يخلف المعياد, فاتقوا الله عباد الله.

قصة ثلاثة نفر عرفوا الله في الرخاء

قصة ثلاثة نفر عرفوا الله في الرخاء وإليكم هذه القصة التي تبين عاقبة الأعمال الصالحة، وأن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة, يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه, فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار, فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجل منهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً, فنأى بي طلب الشجر يوماً؛ فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما, فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً, فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر-الله أكبر- والصبية يتضاغون عند قدمي, فاستيقظا فشربا غبوقهما, اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة؛ فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه. قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليّ -وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء- فأردتها على نفسها فامتنعت مني, حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها؛ ففعلت حتى إذا قدرت عليها -وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه, فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها -الله أكبر- اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه, فانفرجت الصخرة, غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم أنه كان لي أجراء -اسمعوا يا أهل المؤسسات! اسمعوا يا من تظلمون الناس حقوقهم! اسمعوا يا من تواعدون وتخلفون- وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب, فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال, فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله! أد إليّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق, فقال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي, فقلت: لا أستهزئ بك, فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً, اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه, فانفرجت الصخرة, فخرجوا يمشون} لا إله إلا الله, ما أجمل التقوى وأهدى سبيلها! أمة الإسلام: تلكم القصة التي أخبر بها أصدق الخلق محمد صلى الله عليه وسلم, فالأول من أولئك الثلاثة ضرب مثلاً عظيماً في بر والديه, وبقي طول الليل والإناء على يده، لم تطب نفسه أن يشرب منه، ولا أن يسقي أولاده وأهله, ولا أن ينغص على والديه نومهما, لم يقل: يا شيبة يا عجوز قم، لا. تركهما حتى قاما واستيقظا حتى طلع الفجر والقدح على يديه، فلما قاما أسقاهما ذلك الغبوق, الله أكبر. وأما الثاني: فضرب مثلاً بالغاً في العفة الكاملة حيث تمكن من حصول مراده, من هذه المرأة التي هي أحب الناس إليه، ولكن لما ذكرته بالله لما قالت له: اتق الله تركها وقام, ولم يعمل الفاحشة, ولم يأخذ شيئاً مما أعطاها, ناهيك من الذين يتكبدون المشاق يضربون المشاوير الطويلة ليحصلوا على الزنا واللواط, فكم سمعوا في الخطب, كم سمعوا في المواعظ: اتقوا الله اتقوا الله ولكن: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. وأما الثالث: فقد ضرب مثلاً في غاية الأمانة والنصح حيث نمّى للأجير أجره, لم يماطل به, لم يشتكيه على الحقوق المدنية, لم يواعده ويضره, لم يضرب دونه الباب, لم يمنعه أجره بالثمانية أشهر ولا بالعشرة الأشهر، يواعده في بلاده، يعطيه من المواعيد ومن الأماني, فإذا أتى به ثمله وسرحه, فبعضهم يموت جوعاً الآن بسبب أولئك الذين فقدوا الأمانة, فيا ويلهم إذا وقفوا بين يدي الله. هذا الثالث ضرب مثلاً في غاية الأمانة والنصح، حيث نمّى للأجير أجره, فبلغ ما بلغ وسلمه إلى صاحبه, ولم يأخذ على عمله شيئاً, فكان من جزاء هذه الأعمال الصالحة التي تعرفوا بها إلى الله, في حال الرخاء أن الله عرفهم في حال الشدة, فأنقذهم من الهلاك وإلا يا إخوتي في الله من يعلم أنهم في وسط هذا الجبل وسدت عليهم هذه الحجر العظيمة إلا لطف الله عز وجل, لما تعرفوا على الله في الرخاء عرفهم الله في الشدة, فأنقذهم من الهلاك, وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم القيامة، أن من تعرف إلى الله في حال الرخاء عرفه في حال الشدة، كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة}. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الزمر:61 - 63]. اللهم إن نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى, بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

أعظم شدة هي شدة الموت

أعظم شدة هي شدة الموت الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه. عباد الله: قد سمعتم ما في القصة السابقة الذكر من الأمر العجيب لمن أطاع الله واتقاه. أيها المسلمون: إن الشدائد أنواع متنوعة, وإن أعظم شدة يقع فيها الإنسان ما يكون من شدة الموت, عند فراق المألوف، واستقبال المخوف, فإذا كان العبد ممن تعرف إلى الله في حال صحته وحياته ونشاطه وأمنه واستقراره عرفه الله سبحانه في حال شدته وعند حضور ملك الموت، إذا نزع الروح من القصب والعصب واللحم؛ فإن الله يهون عليه الأمر ويحسن له الخاتمة, وينتقل من هذه الدنيا على أحسن حال, وأما إذا كان معرضاً عن الله لم يزده الرخاء إلا بطراً وبعداً عن الله تعالى, فحريٌ بأن يكله الله إلى نفسه, ويتخلى عنه حال شدائده فتحيط به السيئات والأوزار ويموت على أسوأ حال, نسأل الله العافية. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] وهذا الناصح الأمين محمد بن عبد الله، رسول الهدى يقول صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هادم اللذات} ,قال بعض العلماء: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: 1 - تعجيل التوبة. 2 - قناعة القلب. 3 - النشاط في العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: 1 - تسويف التوبة. 2 - عدم الرضا بالكفاف. والناصح يقول: خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر إلى من حوى الدنيا ليجمعها هل راح منها بغير الحنط والكفن 3/ التكاسل في العبادة. عباد الله: الاستعداد للموت هو ألا يفرغ القلب من ذكره, ويتذكر دائماً من أخذه الموت على غرة وبدون إنذار.

سبب عدم إجابة الدعوة في الشدة

سبب عدم إجابة الدعوة في الشدة عباد الله: مر إبراهيم بن أدهم على أناس فسألوه عن قول الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] قالوا: يا إبراهيم! فإنا ندعوه فلا يستجاب لنا! فقال رحمة الله تعالى عليه: " لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: أولاً: أنكم عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. ثانياً: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به. ثالثاً: ادعيتم عداوة الشيطان وواليتموه. رابعاً: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم أثره وسنته. خامساً: ادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها. سادساً: ادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن الذنوب. سابعاً: ادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له. ثامناً: اشتغلتم بعيوب غيركم وتركتم عيوب أنفسكم. تاسعاً: تأكلون رزق الله ولا تشكرونه. عاشراً: تدفنون أمواتكم ولا تعتبرون. فجدير لمن كان الموت مصرعه والتراب مضجعه, والدود أنيسه, ومنكر ونكير سائله, وعمله جليسه, والقبر مقره, والبرزخ مستقره, والقيامة موعده, والجنة أو النار مورده, ألا يغفل عن الموت وما بعده, وألا يستعد إلا له, وألا يهتم إلا به, وألا يحوم إلا حوله, وليعد نفسه في الموتى, ويراها في أصحاب القبور, وليذكر اليوم أنه في الدور والقصور, وغداً في الحفر والقبور. فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى، وأعظم من ذلك الغفلة عنه والإعراض عن ذكره, وعدم التفكير فيه, وترك العمل له, فإن فيه عبرة لمن اعتبر، انتهى كلام ابن أدهم رحمه الله تعالى. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلّى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين, اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا. اللهم أقر أعيننا بصلاح أولادنا ونسائنا, واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين, اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفؤاً أحد, لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أسقنا سقيا رحمة, اللهم لا راحم للعباد سواك يا أرحم الراحمين, اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مرئياً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, اللهم سقيا رحمة اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق, اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم ارفع عنا التبرج والسفور والأفلام الخليعة والأغاني الماجنات, اللهم طهر بيوتنا وبلادنا من هذه الفتن يا رب العالمين. اللهم أحيينا مسلمين, وتوفنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين, غير خزايا ولا مفتونين. عباد الله اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أصول التوحيد

أصول التوحيد إن من أوجب الواجبات على العبد توحيد الله عز وجل؛ لأن التوحيد هو القاعدة وهو الأصل والأساس لدين الإسلام ولا يقبل الله عملاً إلا به. والتوحيد له ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية، والقسمان الأولان منه لا يدخل المعتقد بهما دون أن يعتقد بتوحيد الألوهية؛ لأن المشركين كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق والرازق والمالك والمقدر وغيرها، ومع ذلك لم يكونوا موحدين.

أنواع التوحيد

أنواع التوحيد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار. أمة الإسلام! أمة العقيدة! اعلموا أن من أوجب الواجبات على العبد معرفة توحيد الله عز وجل؛ ذلك لأن التوحيد هو القاعدة والأصل والأساس لدين الإسلام الذي لا يقبل الله عملاً إلا به، وللتوحيد ثلاثة أصول: 1/ توحيد الربوبية. 2/ توحيد الأسماء والصفات. 3/ توحيد الألوهية.

الأصل الأول: توحيد الربوبية

الأصل الأول: توحيد الربوبية ويطلق عليه توحيد أفعال الرب تبارك وتعالى، وهذا الأصل من التوحيد، ولا يكفي العبد في الدخول في الإسلام، والدليل أن المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بهذا التوحيد لله وحده، ولم يدخلهم في الإسلام كما أخبر الله عنهم في محكم البيان: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [يونس:31] ويخبر عنهم جلَّ وعلا فيقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9] ويخبر الله عنهم أيضاً فيقول: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون:84 - 87] ويخبر عنهم أيضاً فيقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف:87] الله أكبر يا أمة الإسلام! المشركون يقرون بذلك، ولكن لم يدخلهم هذا في الإسلام. ومع الأسف الشديد يوجد أناس في هذه الآونة المتأخرة ينكرون وجود الله جلَّ جلاله، ينكرون وجود الخالق جلَّ وعلا, كما هو معتقد الشيوعيين وأتباعهم من أهل الكفر والزندقة والإلحاد، وليس الأسف أن يكون أولئك الذين يعتنقون ذلك المذهب الخبيث، ولكن الأسف ثم الأسف أن أناساً يدعون الإسلام وتربوا في أحضان الإسلام أحبوا ذلك المذهب الخبيث مذهب الشيوعيين، وبعضهم اتبع ذلك المذهب، وإذا قيل لهم اتقوا الله، قالوا: أثبتوا لنا وجود الله.

الأصل الثاني: توحيد الأسماء والصفات

الأصل الثاني: توحيد الأسماء والصفات وهو الإقرار بأن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، السميع البصير، القوي العزيز، اللطيف الخبير، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الرحمن على العرش استوى، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، الذي قال وقوله الحق: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110] ويقول رسول الهدى ونبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: {إن لله تعالى تسعةٌ وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة}. أمة الإسلام: هذا التوحيد لا يكفي أيضاً في الدخول في الإسلام، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبية والألوهية.

الأصل الثالث: توحيد الألوهية

الأصل الثالث: توحيد الألوهية وهو الذي وقع فيه النزاع بين الرسل وأممهم في قديم الزمان وحديثه، وهو أساس الأمر ورأسه، ودعوة الرسل من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معنى لا إله إلا الله، وهو الذي خلق من أجله جميع البشر، وخلقت من أجله الجنة والنار، وأرسل لأجل معرفته والعمل به جميع المرسلين، وهو توحيد الله، وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والاستعانة والاستغاثة والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة، وغير ذلك، قال المولى جلَّ وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ومعنى يعبدون: يوحدون. ويقول المولى جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] ويقول جلَّ وعلا: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:36] ويقول جلَّ وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]. عباد الله: لابد أن يكون التوحيد بالنفي والإثبات، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] فدلت هذه الآية على أنه لابد في التوحيد من النفي والإثبات، فتثبت العبادة لله وحده، وتنفي عبادة ما سواه، وهو معنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256]. وقوام التوحيد -يا عباد الله- على شيئين عظيمين هما: 1/ تجريد الإخلاص لله تعالى وحده لا شريك له كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] وقوله جلَّ وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] ويقول جل وعلا: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]. 2/ تجريد المتابعة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7] ويقول جلَّ وعلا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وحدانية الله وتفرده بالعبادة والدين الخالص، وأن ذلك لا يقبل إلا إذا كان على شريعة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام: هذه هي الأصول الثلاثة الجامعة لأنواع التوحيد، والمنافية لأنواع الشرك والتنديد, قولاً وعملاً واعتقاداً، وقد بينها الله في القرآن، وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، عرفها الله كل التعريف ليعرف ويعبد ويوحد ويذكر بأسمائه وصفاته، ويكون الدين كله لله كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. اللهم اجعلنا مسلمين لك، موحدين لك، متبعين لشرعك، مهتدين بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الشرك في الربوبية وأنواعه

الشرك في الربوبية وأنواعه الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن دعا بدعوته واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أمة الإسلام: لقد سمعتم الأصول الثلاثة الجامعة لأنواع التوحيد، أما ما يضاد التوحيد من الشرك، فهو ثلاثة أقسام بالنسبة لأنواع التوحيد: القسم الأول: الشرك بالربوبية، وهو نوعان: شرك التعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون لعنه الله إذ قال وما رب العالمين؟ وشرك الفلاسفة الذين ينكرون وجود الخالق عز وجل، ويسندون الحوادث بأسرها إلى أسباب يسمونها بأسماء مختلفة منها الطبيعة وغيرها، قاتلهم الله أنى يؤفكون. ومنهم الشيوعية والملاحدة كالمجوس والقدرية , وأشباههم، ومشركي الصابئة، وعباد الشمس والنار. وشرك المعطلة لأسماء الرب وأوصافه من غلاة الجهمية والقرامطة وغيرهم. شرك من جعل مع الله إلهاً آخر: كشرك اليهود الذين يقولون: عزير ابن الله، تعالى الله عما يقولون. وكشرك النصارى الذين يقولون: الله ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهاً، وأمه إلهاً، وما من إله إلا إله واحد سبحانه وتعالى عما يقول الكفرة والفجرة والظالمون علواً كبيراً. ويلتحق بهذا الشرك الشنيع من وجه شرك غلاة عباد القبور, الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فيقضون الحاجات، ويفرجون الكربات، وينصرون من دعاهم، ويحفظون من التجأ إليهم، وقد كذبوا والله، فهم أموات لا يقضون الحاجات، ولا يفرجون الكربات، ولا ينصرون من دعاهم، ولا يحفظون من التجأ إليهم، هم والله كذبوا، فلا ناصر، ولا حافظ، ولا ضار، ولا نافع إلا الله، ولا رافع، ولا خافض، ولا معطي، ولا مانع إلا هو، الذي قال وقوله الحق: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107] وقوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2]. فأحذر إخواني الذين يذهبون إلى خارج البلاد، أحذرهم أن يغتروا بعباد القبور، وقد ذكر لنا كثيرٌ من الذين قدموا من الخارج أنهم ذهبوا بهم إلى الأضرحة، وقالوا لهم: إن أردتم أشياء من الغنى، أو الصحة، أو الزوجات، أو أي شيء من الدنيا، فلا عليكم إلا أن تطوفوا بهذا القبر -قبر الولي- وتسألونه، ولكن -ولله الحمد والمنة- كما قال المولى جلَّ وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] فسرعان -ولله الحمد- ما ينكرون عليهم ذلك، فإذا أنكروا عليهم ذلك، قابلوهم بلهجةٍ يقولونها: أنتم من الوهابية، نسألك اللهم العفو والعافية في الدنيا والآخرة. أمة الإسلام: قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي لله فيها، فكيف بمن اتخذ القبور أوثاناً يعبدها من دون الله؟ لو رأيتموهم -يا عباد الله- وهم يصيحون ويبكون عند تلك الأضرحة، وتلك القبور، ويتمسحون بها، ويأخذون من تلك الأتربة، وقد أعرضوا عن الله الذي يحيي ويميت وبيده النفع والضر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أسمعوهم هذا الحديث -يا عباد الله- ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن من أشرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد} ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك} ما أبلغ هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم. عباد الله: احذروا من الشرك الأصغر والأكبر، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. ومن الشرك الأصغر -يا عباد الله- الحلف بغير الله، والرياء، وغيره من الأمور التي تؤدي أحياناً إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله. عباد الله: الله الله بتعلم العقيدة، الله الله بتعلم التوحيد، وارفعوا والهجوا بلسان الدعاء لله عز وجل, الذي قيض لهذه البلاد وما حولها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ورفع درجته في عليين، وأسكنه الفردوس الأعلى، ونحن معه ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض، ولا يصلحون. عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وعن سائر الصحابة أجمعين.

إقامة حدود الله

إقامة حدود الله أوجب الله جل وعلا حدوداً وأحكاماً على مرتكبي الذنوب والمعاصي، وذلك لحكم عظيمة وجليلة، وقد قال الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياة)؛ وبإقامة الحدود تحفظ الأعراض والأرواح، وتمنع من انهيار المجتمع ومن غضب الله. وقد تعرض الشيخ لذكر بعض الجرائم التي عمت وطمت، ومنها: جريمة الزنا، وتحدث عن جريمة اللواط وحد مرتكب هذه الجريمة، وكلام شيخ الإسلام في ذلك، ودعا الأمة للوقوف أمام المفسدين في الأرض.

لماذا فرضت الحدود؟

لماذا فرضت الحدود؟ الحمد الله الذي شرع عقوبة العصاة ردعاً للمفسدين وصلاحاً للخلق أجمعين، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله الثبات على الدين القويم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل النبيين وقائد المصلحين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واشكروه على نعمة هذا الدين القويم الجامع بين الرحمة والحكمة، رحمة في إصلاح الخلق، وحكمة في اتباع الطريق الموصل إلى هذا الهدف الأسمى. أمة الإسلام: إن من طبيعة البشر أن يكون لهم نزعات متباينة، فمنها نزعات إلى الخير والحق، ومنها نزعات إلى الباطل والشَّر كما قال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4] ولما كانت النفوس الشريرة والنزعات الطائشة والأعمال السيئة لابد لها من رادع يكبح جماحها، ويخفف من حدتها، شرع رب العباد وهو الحكيم العليم الرءوف الرحيم، شرع حدوداً وعقوباتٍ متنوعة، وكل ذلك بحسب الجرائم، وما ذلك إلا لردع المعتدين وأطرهم على الحق أطراً، وإصلاح المفسدين، وتقويم المعوجين.

بإقامة الحدود تحفظ الأعراض

بإقامة الحدود تحفظ الأعراض فأوجب رب العالمين إقامة الحدود على مرتكبي الجرائم كلٌ بحسب جريمته، فالسارق تقطع يده؛ لأنه يسرق بها غالباً، وقطاع الطريق إذا قَتَلوا قُتِلوا، وإن أخذوا المال فقط قُطِعت أيديهم وأرجلهم من خِلاف نكالاً وجزاءً من جنس العمل، وقَاذِف المحصنات والمحصنين يُجلد ثمانين جلدة حتى لا تنتهك الأعراض، ويا للأسف الشديد ما أكثر ما نسمع هذه الكلمات: يا ولد الزنا، ويا إلى غير ذلك من الألفاظ التي تشمئز منها النفوس، وتنكرها القلوب، لقد اعتاد عليها كثير من الناس حتى تربى عليها الصغير والعياذ بالله. كذلك شارب الخمر إذا عُوقِب وأُقِيم عليه الحد، ارتدع عن تناول الخمر التي سمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم الخبائث ومفتاح كل شر.

إقامة الحدود تمنع من انهيار المجتمع

إقامة الحدود تمنع من انهيار المجتمع أما جريمة فساد الأخلاق وانهيار المجتمع، تلك الجريمة البشعة، الجريمة الجالبة للأمراض والبلايا المتعددة التي تكمن في فعل الزنا واللواط، فإنها جريمةٌ عظيمة، ولعظم جرمها وخطرها على المجتمع رتَّب عليها الشارع عقوبة كبرى، فالزاني الذي يطأ فرجاً حراماً إما أن يكون محصناً، وإما أن يكون غير محصن، فالمحصن: هو البالغ العاقل الذي تزوج امرأةً ووطأها بنكاح صحيح، فإذا زنى فإنه يُرجم بالحجارة حتى يموت، ولا شفاعة في حدود الله -اللهم قَاتِل من شفع في حدٍ من حدود الله- ثم يغسل ويكفَّن ويُصلَّى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً، وأما غير المحصن: وهو من لم يتزوج، فإنه إذا زنى جُلد مائة جلدة، ويسفر عن البلد. أمة الإسلام: إذا كان الزنا بالفرج موجباً لهذه العقوبة، فإن هناك زناً آخر دون ذلك يوجب الإثم والعقوبة الأخروية، وربما كان سبباً للزنا الأكبر؛ ألا وهو زنا الجوارح الأخرى، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه}.

وقفة مع جريمة اللواط

وقفة مع جريمة اللواط أما الجريمة الكبرى الثانية، الجريمة النكراء، الجريمة المفسدة للدِّين والدنيا، الهادمة للأخلاق، الماحقة للرجولة، المفسدة للمجتمع، القاتلة للمعنويات، المذهبة للخير والبركات، الجالبة للشرور والمصيبات والأمراض المستعصيات إنها مِعْوَل الخراب والدمار، إنها سبب للذِّل والخزي والعار إنها جريمة اللواط! إنها ركوب الرجل على الرجل إنها الجريمة التي تنكرها وترفضها العقول والفطر السليمة، الجريمة التي جاءت الشرائع السماوية بمقتها والزجر عنها؛ لما فيها من ضرر عظيم، وظلم فاحش للفاعل بما جر على نفسه من الخزي والعار، وقادها إلى ما فيه الموت والدمار، وهو ظلم للمفعول به حيث هتك نفسه وأهانها ورضي لها بالسفول والانحطاط ومحق رجولتها، فكان بين الرجال بمنزلة النساء، لا تزول ظلمة الذل من وجهه حتى يموت، وهو ظالم للمجتمع كله بما يسدي إليه من حلول المصائب والنكبات. ولقد قصّ رب العالمين علينا ما حصل لقوم لوط حيث أنزل عليهم رجزاً من السماء، -أي: عذاباً من فوقهم- أمطر عليهم حجارةً من سجيل، فجعل قريتهم عاليها سافلها، وهي الآن بحيرة منتنة، وهي تسمى بـ البحر الميت قرب الأردن، وبعد أن قصَّ الله علينا قصتهم وما نزل بهم قال جلَّ وعلا: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83]. أمة الإسلام: إنه متى فشت هذه الفاحشة في المجتمع ولم يعاقب الله بدمار الديار، فإنه سيحِلُّ بها ما هو أعظم من ذلك، سيحِلُّ بها انتكاس القلوب، وانطماس البصائر، وانقلاب العقول حتى يسكت عن الباطل، أو يزين له سوء عمله فيراه حسناً، وأما إذا يسَّر الله له ولاةً أقوياء، ولاةً عُدلاء، ولاةً أمناء، يقولون الحق من غير مبالاة، وينفذون الحدود من غير محاباة، فإن هذا علامة التوفيق والصلاح.

حكم من عمل جريمة اللواط

حكم من عمِل جريمة اللواط أمة الإسلام: لما كانت جريمة اللواط فاحشة بشعة من أعظم الجرائم, كانت عقوبتها في الشرع من أعظم العقوبات، فعقوبتها القتل والإعدام، قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به} وقد اتفق جمهور الصحابة رضوان الله عليهم، أو كلهم على العمل بمقتضى هذا الحديث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل من عَمل عمل قوم لوط، سواءً كان فاعلاً، أو مفعولاً به إذا كان راضياً"، ولكن اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: يرجم بالحجارة. وقال بعضهم: يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت. وقال بعضهم: يحرق بالنار. فالفاعل والمفعول به إذا كان راضياً كلاهما عقوبته الإعدام بكل حال, سواء كانا محصنين أو غير محصنين، يقتلون لعظم الجريمة، فإن بقاءهما قتل معنوي للمجتمع، وإعدام للخلق والفضيلة، ولا شك أن إعدام من يعمل عمل قوم لوط خير من إعدام الخلق والفضيلة. هكذا جاء الإسلام، هكذا جاء النور، هكذا جاء البرهان؛ ليهذّب البشرية ويدلها على ما فيه الأمن والسلامة والطمأنينة والخير والاستقرار، فمن أخذ بهذا الدين وطبقه ونفذ أحكامه؛ فليبشر بالتمكين والسعادة، ومن أعرض عن هذا الدين ونبذ أحكامه؛ فسوف يعيش معيشةً ضنكاً، في خوف وقلق وزعازع وانحطاط وانتكاس {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. عباد الله: يقول سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويقول جل وعلا: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمل:12 - 14]. أقول قولي هذا، وأسأل الله بمنِّه وكرمه وإحسانه أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

دعوة للوقوف أمام المفسدين في الأرض

دعوة للوقوف أمام المفسدين في الأرض الحمد لله الذي شرع الأحكام، فبيّن الحلال والحرام، وأمر بالصالحات ونهى عن الآثام أحمده سبحانه على ما شرع وسنّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمدٌ عبده ورسوله, أعرف الخلق بالله وأتقاهم له، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: أمة الإسلام! يا من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً: كيف يحارب الله بالمعاصي؟ كيف يتجرأ على حدود الله ولا يخاف {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17 - 18]؟ وكيف يخالف القرآن ويتبع الشيطان وكان الشيطان للإنسان خذولاً؟ لقد استفز الخبيث بعض الناس بصوته وأجلب عليهم بخليه ورجله، وزين لهم الإثم والعدوان وحب الفساد وأهله دعاهم إلى الزنا واللواط، ودعاهم إلى شرب الخمور، ودعاهم إلى التعامل بالربا وأكله، وحسّن لهم القيل والقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال في غير محله، فلما أغواهم وأوقعهم في تلك المآزق تبرأ منهم، وقال كما أخبر الله في محكم البيان: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر:16 - 17] وهكذا يوقع الإنسان بسياسته الشريرة، فإنه يعدهم ويمنيهم، ثم يكون بعد ذلك معه في نار جهنم وبئس المصير. أمة الإسلام: علينا جميعاً أن نأخذ حذرنا من هذا العدو اللدود المتقدم في العداوة، ونحذر من المزالق التي تهوي بنا في الهواية، علينا جميعاً -كمجتمع إسلامي قوامه الدين والأخلاق ولله الحمد- أن نجتهد بقدر ما نستطيع على التمسك بسياج ديننا الحنيف والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وأن يسعى كل منا -من الولاة فما دونهم- لمنع الفساد والمفسدين, ويقطعون دابر الذين يدخلون إلى هذه البلاد الآمنة ويجرون معهم جراثيم الغرب، ويجرون معهم سيئات الغرب وانحطاطهم، ويبثونها في أماكن يسمونها أماكن التطور والترفه، وهي في الحقيقة أماكن الفساد والانحطاط، ومع الأسف أن المسلمين لا يعالجون الجرح إلا إذا استفحَل وفَشَى بين المجتمع، ثم يكون صعباً تلافيه صعباً إلا بعد العناء والجهد الشديد. إن علينا جميعاً أن نتخذ الحيطة، ونتتبع مواقع المفسدين لتطهيرها، وعلى كل واحد منا أن يراقب حال أولاده وأهله الذكور والإناث، فيمنع النساء من الخروج وهن متبرجات متطيبات فاتنات مفتونات، وعليه كذلك أن يتفقد الأولاد أين ذهبوا؟ وأين غابوا؟ ومن أصحابهم؟ ومن جلساؤهم؟ وكذلك يمنعهم من مخالطة السفهاء والمفسدين الأشرار، فإذا أصلح الرجل أهله، وأصلح أهل الحارة جيرانهم، وحرص الولاة على إصلاح بلدهم؛ حصل بذلك من الخير ما يكفل السعادة للمجتمع. أمة الإسلام: إن أصدق الحديث كلام رب العالمين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة عليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذ في النار. وصلوا على رسول الله استجابةً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى الإسلام، اللهم حبّب إلينا الإسلام، اللهم خُذ بأيدينا إلى تعاليمه، اللهم املأ قلوبنا من حبه إنك على كل شيء قدير. اللهم أعز الإسلام والمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ عليهم من يقوم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين الذين يفسدون في الأرض ويصدون عن سبيلك، اللهم دمّرهم تدميراً، واجعل كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم يا سميع الدعاء اللهم أعم بصائرهم وقطّع أوصالهم، واكف المسلمين شرّهم في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج إن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأكمل الشريعة بسنة المصطفى المبينة للقرآن، فلا يحق لشخص أن يستدرك شيئاً على الله أو يعدل شيئاً. وما كثرت البدع في هذه الأمة، وكثر مروجوها، وخاصة في مثل هذه العصور المظلمة؛ إلا بالجهل. ومن البدع المحدثة بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي.

معجزة الإسراء والمعراج

معجزة الإسراء والمعراج الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, الحمد لله العلي الأعلى الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى, ودفع عنا من النقم ما لا يعد ولا يستقصى, سبحانه من إله عظيم, أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى, وأراه من آياته العظمى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا, قال وقوله الحق: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى وخير الورى, والشفيع يوم القيامة في كل من وحّد الله واهتدى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء, وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء, وسلم تسليماً. أما بعد: أيها الناس عامة: والمؤمنون خاصة! اتقوا الله تعالى, واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى, فإن نعم الله علينا سابغة, وفضله علينا عظيم, لقد منّ الله علينا وبعث فينا خير خلقه أجمعين محمداً صلى الله عليه وسلم, ثم منّ علينا بنعمة كبرى وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس وفضل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بخارقة عجيبة في تاريخ الإسلام, ومعجزة خالدة حيرت عقول أعداء الإسلام, وقرَّت بها أعين المؤمنين وازدادوا بها إيماناً وتصديقاً لمحمد صلى الله عليه وسلم. تلك المعجزة العظيمة إنها الإسراء والمعراج بأكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وسلم حيث عُرِج به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, إنها لعبرة الدهر يغص بها الملحدون كما غص بها من قبلهم الجاحدون من صناديد قريش وأشباههم, الذين تصدوا لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم, حيث حبسوه بالشعب ثلاث سنين أكل فيها ورق الشجر. , ثم ما حصل له من أهل الطائف لما رجموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه صلى الله عليه وسلم. ولكن المولى جلَّ وعلا جعل له من كل هم فرجاً, ومن كل ضيقٍ مخرجاً, وأيده بالأنصار لما هاجر إليهم في بلادهم, أعانوه على تبليغ هذه الرسالة بمعاونة المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين. أيها المسلمون: حادثة الإسراء والمعراج حادثة عظيمة, نَزل يشيد بها قرآن، والعلماء رحمهم الله اختلفوا في تحديد الإسراء والمعراج هل هو بشهر معين أم لا؟ ولكن اختلفوا بحسب النقول الواردة في ذلك, فمنهم من رجح وقوعه في شهر ربيع الأول, ومنهم من قرر حدوثه في ربيع الثاني, وآخرون ذهبوا أنه في رجب, وذهب آخرون منهم إلى غير ذلك, فاتضح -يا من تبحثون عن الدليل الصحيح- أنه ليس ثمة جزم على التحديد بشهر معين حتى ولو حصل التعين المعين, واتضح أنه وقع في تاريخ معين, فليس للمسلمين أن يشرعوا شرعاً لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج

بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج أمة الإسلام: إننا إذا رجعنا للكتاب والسنة, وفعل الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم, نجد أنهم لم يحتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج, ولم يحتفلوا بالمولد النبوي, ولم يحتفلوا بأعياد غير أعياد الإسلام, عرفنا وتحققنا أن البعض قد أحدث في الأزمنة المتأخرة ما لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم, وبفعلهم هذه المحدثات والبدع ابتعدوا عن الصواب نسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً. أمة الإسلام: لما قَدِِم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم المدينة وللخزرج والأوس يومان يلعبون بهما, قال: {ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر} ففي ذلك دليل على النهي عن الاحتفال بغير أعياد الإسلام عيد الأضحى وعيد الفطر. ووقفت القرون المفضلة عند هذا الحد, فلم تكن تعمد إلى إحياء ذكرى الحوادث الإسلامية على كثرتها, ولم تتخذ من الأيام المفضلة أعياداً تحتفل بها, والخير كل الخير فيما ذهب إليه السلف الصالح رحمة الله عليهم, والصواب كل الصواب فيما وقفوا عند حده رضي الله عنهم أجمعين. عباد الله: عليكم بالاقتداء بـ السلف الصالح , يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[من كان مستناً فليستنّ بمن مات, فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة]] نعم. الرجال أولئك! أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً رضي الله عنهم وأرضاهم, اختارهم الله لصحبة نبيهم صلى الله عليه وسلم, ولإقامة دينه, فاعرفوا فضل الصحابة, واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم, فإنهم كانوا على الهدى المستقيم, أولئك الذين يبادرون بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويعملون بما جاء به من عند ربه ويؤمنون به.

قصة الإسراء والمعراج

قصة الإسراء والمعراج لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ مكة قبل الهجرة أوتي بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها: البراق, يضع خَطْوه عند منتهى طرفه, فركبه صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل الأمين عليه السلام, حتى وصل بيت المقدس فنزل هناك وصلّى بالأنبياء إماماً لكل الأنبياء والمرسلين وهم يصلون خلفه, ويتبين بذلك فضل رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, ويتبين شرفه وأنه الإمام المتبوع.

عروج النبي إلى السماوات ومن لقي من الأنبياء

عروج النبي إلى السماوات ومن لقي من الأنبياء ثم عَرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قال: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له صلى الله عليه وسلم, فوجد فيها آدم عليه السلام, فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلّم عليه؟ فسلّم عليه فرد عليه السلام وقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح, وإذا على يمين آدم عليه السلام أرواح السعداء, وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته, فإذا نظر إلى اليمين سر وضحك, وإذا نظر قِبل شماله بكى. ثم عَرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما أبناء خالة، كل واحد منهما ابن خالة الآخر, فقال جبريل: هذان يحيى وعيسى فسلِّم عليهما, فسلَّم عليهما فردا السلام, وقالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, فوجد فيها يوسف عليه السلام فقال جبريل: هذا يوسف فسلِّم عليه, فسلَّم عليه فردَّ السلام, وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم عَرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها إدريس عليه الصلاة والسلام, فقال جبريل: هذا إدريس فسلِّم عليه, فسلَّم عليه, فردَّ السلام وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم عَرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى عليه السلام, فقال جبريل: هذا هارون فسلِّم عليه, فسلَّم عليه, فرد السلام وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم عَرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام, فقال جبريل: هذا موسى فسلِّم عليه, فسلَّم عليه, فردّ عليه السلام وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ولما تجاوزه بكى موسى عليه السلام, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي, فكان بكاء موسى حزناً على ما فات أمته من الفضائل, لا حسداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم عَرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن, فقال جبريل: هذا أبوك إبراهيم فسلِّم عليه -إبراهيم الذي قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: أقرئ أمتك مني السلام, وأخبرهم أن الجنة قيعان, وأنها طيبة التربة, عذبة الماء, وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس} - فسلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبراهيم, فرد عليه السلام وقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح, وكان إبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون ويصلون, ثم يخرجون ولا يعودون إليه, ويأتي غيرهم من الملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله.

فرض الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم

فرض الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سِدْرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها, حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها. ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة, فرضي بذلك صلى الله عليه وسلم ثم نزل؛ فلما مر بموسى عليه السلام, قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال: خمسين صلاة في كل يوم وليلة, فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك, وقد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, قال النبي صلى الله عليه وسلم: فرجعت فوضع عني عشراً, وما زال يراجع ربه حتى استقرت الفريضة على خمس, فنادى مناد: أن أمضيت فريضتي وخففت على عبادي, أي: خمسين في الميزان وخمس في العمل. هذه -يا عبد الله- الصلاة فرضها رب العزة والجلال على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات فرضها بدون واسطة, الصلاة الخمس التي يوصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ آخر رمق من الحياة وهو يقول: {الصلاة الصلاة الصلاة} الصلاة التي ضيّعها الكثير من الناس, عمود الإسلام الذي هدمه كثير من الناس, ومع الأسف الشديد هم يدّعون الإسلام, فالصلاة عمود الإسلام, وهي الفريضة التي فرضها الله على رسول الله من فوق سبع سماوات بدون واسطة, والتي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته, فحافظوا عليها, اتقوا الله في صلاتكم, حافظوا على هذه الصلاة, فإن من حافظ عليها فإنها تكون له نجاةً وبرهاناً يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نجاة ولا برهاناً, وحشر يوم القيامة مع قارون وهامان وأبي بن خلف وفرعون. في تلك الرحلة المباركة التي وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوق السماء السابعة أدخل نبي الهدى صلى الله عليه وسلم الجنة, فإذا فيها قباب اللؤلؤ, وإذا ترابها المسك.

إخبار النبي لقريش وإنكارهم له

إخبار النبي لقريش وإنكارهم له ثم نَزَل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة بغلس, وصلّى فيها الصبح فلما أصبح أخبر قريشاً بما رأى, فكان في ذلك امتحاناً لهم وزيادة في الطغيان والتكذيب, وقالوا: كيف تزعم يا محمد أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهراً في الذهاب وشهراً في الرجوع؟! فهات وصف لنا بيت المقدس؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لهم حيث جلّاه الله له, فجعل ينظر إليه وينعته لهم, فبهتوا! وقالوا: أما الوصف فقد أصاب. وجاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه, فقالوا: إن صاحبك يقول كذا وكذا , فقال: إن كان قاله فقد صدق, ثم جاءه وحوله المشركون يحدثهم صلى الله عليه وسلم فكل ما قاله صلى الله عليه وسلم شيئاً, قال أبو بكر: صدقت, فَسُمي الصديق من أجل ذلك رضي الله عنه وأرضاه. فاعتبروا -أيها المؤمنون- بهذه الآيات العظيمة, واشكروا الله على هذه النعم الجسيمة, واسألوه أن يثبتكم على الإيمان إلى الممات, قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:1 - 18]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, أقول قولي هذا وأسأل الله بمنِّه وكرمه أن يرزقنا إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وأسأل الله بأسمائه الحسنى, أن يجيرنا من مضلات الفتن إنه على كل شيء قدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، واستغفروا ربكم إنه هو الغفور الرحيم

البدع والخرافات في الموالد

البدع والخرافات في الموالد الحمد لله على إحسانه, وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى وتبصروا في دينكم, واحذروا البدع المحدثة, التي تبعدكم عن الله, وتصدكم عن الصراط المستقيم. عباد الله: لقد بلغ بالذين يحضرون الموالد وليلة الإسراء والمعراج من الإفك والافتراء: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد معهم, ولهذا يقومون له محيين ومرحبين, وهذا من أعظم الباطل, وأقبح الجهل, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة, ولا يتصل بأحد من الناس, ولا يحضر اجتماعاتهم؛ بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة, وروحه في أعلى عليين, عند ربه في دار الكرامة. عباد الله: ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة أو فسوف يراني في اليقظة فإنه لا يتمثل بي الشيطان} الشيطان لا يتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام, وإنما يتمثل للمشعوذين المفسدين دعاة السوء والضلال, الذين يخرفون على الناس ويقولون لهم: سوف تحضر الحضرة النبوية, ثم يقوم أولئك الجهال إذا دخل عليهم الشيطان ويقولون: هذا محمد صلى الله عليه وسلم. ومع الأسف الشديد أين العقول؟! أين القلوب؟! محمد صلى الله عليه وسلم ميت, وهو مقيم في قبره إلى يوم القيامة, وروحه في عليين, عند ربه في دار الكرامة, كما قال ربنا جلَّ وعلا: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15 - 16] ليسمع الذين يخرّفون, ليسمع الذين يهرفون بما لا يعلمون, ليسمع المشعوذون, ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة} إذاً: لا ينشق عنه القبر إلا يوم القيامة, أجل فإن دعاة الشر والتخريب والشعوذة كاذبون في ادعائهم أن رسول الله يحضر معهم في موائدهم وفي ليلة الإسراء, كاذبون ثم كاذبون ثم كاذبون, رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره لا يبعث إلا في يوم القيامة, وهو أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة. ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {وأنا أول شافع وأول مشفع} عليه من ربي أفضل الصلاة والسلام, فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف, وما جاء فيما معناهما من الآيات والأحاديث تدل كلها على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات, إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة, وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين المحققين المنصفين, وليس الجهال الذين ألَّفوا القصائد الشركية, الذين ألهوا فيها رسول الله وجعلوه فوق منزلته من العبودية, فحسبهم من الله ما عليهم من العذاب, إنهم فتنوا الكثير من الجهال بقصائدهم التي خرفوا بها وجعلوا رسول الله فوق منزلته. يا عباد الله: إنهم يتوسلون برسول الله, إنهم يسألونه الشفاء, إنهم يسألونه قضاء الحوائج وهو ميت صلى الله عليه وسلم, عبد لا يُعبد, ورسول يصدق, ويتبع فيما شرع وفيما بلغ عن ربه جلَّ وعلا, أما عبادته والتوسل به والاستغاثة به فهي شرك أكبر وصاحبها إذا مات على هذا بغير توبة فهو مخلد في النار. لا تغتروا -يا أهل هذه البلاد- بالذين يأتون من بعيد وقد تكبدوا المشاق, تكبدوا المسافات الطويلة ثم إذا أتوا إلى قبر محمد صلى الله عليه وسلم جعلوا يندبون يسألونه قضاء الحوائج, يسألونه شفاء المرضى, يسألونه العطاء, وهو لا يقدر على هذا صلى الله عليه وسلم.

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالاتباع لشرعه

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالاتباع لشرعه بل من أراد أن يحوز على شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فعليه أن يتبع شرعه القويم ويتمسك به واسمع ما قال صلى الله عليه وسلم, يقول: {أنا سيد الناس يوم القيامة, هل تدرون مما ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم, ويأتون آدم عليه السلام فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر, خلقك الله بيده, ونفخ فيك من روحه, وأمر الملائكة فسجدوا لك, وأسكنك الجنة, ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: إن ربي غضب غضباً لم يغضب قبله مثله, ولم يغضب بعده مثله, وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً عليه السلام ويقول مثل ما قال آدم: نفسي نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم ويقول مثل ما قال نوح يعتذر ويقول: نفسي نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى موسى عليه السلام. فيأتون موسى ويعتذر ويقول: نفسي نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقول مثل ما قال من قبله: اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم} وهذا يوم القيامة اذهبوا إلى محمد في عرصات القيامة ليس في الدنيا، يأتي من مكان بعيد ويطوف بقبر محمد, ويتوسل بقبر محمد, ويسأله قضاء الحوائج, ويسأله رد الغائب, ويسأله شفاء المريض, ورسول الله صلى الله عليه وسلم ميت لا يقدر على شيء, نعم محمد ميت صلى الله عليه وسلم, وروحه في عليين في دار الكرامة. يوم القيامة إن كنت تريد الشفاعة فانهج نهج محمد صلى الله عليه وسلم, يا عبد الله! أطع الله وأطع الرسول, اسمع رسول الهدى, اسمع صاحب اللواء المحمود, والحوض المورود, والشفاعة الكبرى ماذا يقول؟ يقول: {فيقول عيسى: نفسي نفسي نفسي , اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم, فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله, وخاتم الأنبياء, وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي, ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي, ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك سل تعطه, واشفع تشفع. فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب , فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر , أو كما بين مكة وبصرى} متفق عليه. فيا عباد الله: اغتنموا الأوقات بصالح الأعمال, ثم اعلموا أن أناساً يُردون عن حوض محمد صلى الله عليه وسلم, من قبل الملائكة فيقول: أمتي أمتي فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك, فاحذروا من البدع يا عباد الله احذروا من مضلات الفتن، فإحياء ليلة الإسراء والمعراج وإحياء المولد النبوي بدعة, لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يحث عليها, ولم يفعلها الخلفاء الراشدون. ثم الطامة الكبرى التوسل بالقبور, وعبادة الأضرحة فإنها شرك أكبر, وصاحبها إذا مات على ذلك الشرك فإنه مخلد في النار, بلغوا هذا البلاغ إلى من يعتقد أن التوسل بالصالحين وعبادتهم من دون الله ودعائهم من دون الله, وقولهم: المدد المدد! وقول: الغوث الغوث! وقول: الشفاء الشفاء! من أولئك أهل القبور والأضرحة بلغوهم أنه شرك أكبر, وصاحبه إذا مات على ذلك فإنه مخلد في النار, فبينوا لهم ذلك -يا عباد الله- لعل الله أن يهديهم على أيديكم, ولعل الله أن ينقذهم في باقي حياتهم, ويستعدوا لما أمامهم من أهوال القيامة ومن الحشر والنشر. وفقنا الله وإياكم جميعاً لتحقيق التوحيد, اللهم اجعلنا من الذين يحققون التوحيد, فإن الشيخ محمد عبد الوهاب عقد باباً وقال: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عقاب, فعليك -يا عبد الله- بتحقيق التوحيد, عليك بتجريد التوحيد, من شوائب الشرك والبدع ومضلات الفتن. اللهم صلِّ على نبينا محمد الذي بلغ البلاغ المبين, اللهم صلِّ على نبينا محمد الذي نصح الأمة, اللهم صلِّ على نبينا محمد الذي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, حيث أمرنا الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] فأكثروا من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سأل أبو هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أحق الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه} من قالها خالصة حلت له شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم, وأيضاً قال لنا: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول, ثم سلوا لي الوسيلة, فإنه من سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة يوم القيامة} إذا انتهى المؤذن من قول: لا إله إلا الله تقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة, والصلاة القائمة آت نبينا محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته", فإنك إذا دعيت لرسول الله بهذه الدعوة حلَّت لك شفاعته يوم القيامة. اللهم شفع فينا رسولك محمداً صلى الله عليه وسلم, يوم لا ينفع مال ولا بنون, إلا من أتى الله بقلب سليم, اللهم احشرنا في زمرة محمد صلى الله عليه وسلم, اللهم اسقنا من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين. أكثروا من الصلاة على رسول الله فقد حثنا على ذلك وقال: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليّ} أكثروا عليه من الصلاة؛ فإنه من صلّى عليه صلاة صلّى الله عليه بها عشراً. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم رد المسلمين إلى دينهم الصحيح, اللهم وفق علماء المسلمين وأيقظهم من رقدتهم حتى يبينوا للناس أن الأضرحة وما فيها لا تنفع أحداً, بل تضرهم إذا داوموا على التوسل بها, وعبادتها, وسؤالها قضاء الحاجات فإنها تضرهم؛ لأن من مات على ذلك فإنه مشرك والمشرك مخلد في النار. بينوا ذلك يا علماء الإسلام والمسلمين! جددوا العقيدة في قلوب المسلمين, نشئوا الناشئة. أيها المدرس: إنك داعية إلى الله في خلقك, وفي آدابك, وفي سلوكك, إما أن تكون داعية إلى الخير, وإما أن تكون داعية إلى الشر, فاحذر أن تكون من دعاة الشر, احذر أن تكون من دعاة السوء, وكن داعية إلى الله، أخبر الطلاب بما يجب عليهم من تحقيق توحيد الله, وحذّرهم من البدع التي تسمع في المجلات وفي غيرها من مجالات الإعلام والإذاعات المجاورة لنا, إننا نسمعهم وهم يحتفلون بعيد ليلة الإسراء والمعراج, ويحتفلون بالموالد, أخبر الطلاب أيها المعلم! إنها أمانة في عنقك, أخبرهم أنها بدعة, ولم يحث عليها رسول الله ولا الخلفاء الراشدون ولا يعملها أحد من علماء الأمة المنصفين. أيها الأئمة! -أئمة المساجد- عليكم مسئولية عظيمة, بينوا للمسلمين العقيدة, التي كاد البعض من الناس أن يزيغ عنها, {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين, اللهم أصلحهم وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, اللهم أصلح فساد قلوبنا, اللهم اشف مرض قلوبنا, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, يا رب العالمين, اللهم يا مغيث اللهفات ومفرج الكربات, محيل الشدائد والبليات, فرج للمسلمين ما هم فيه من البدع والمضلات التي أحدثت يا رب العالمين, اللهم طهّر بلاد المسلمين عامة من هذه البدع, ومن هذه المحدثات يا رب العالمين. اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط ومضلات الفتن جميعها ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين, اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين, وهب المسيئين منا للمحسنين, واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في جنات الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم اجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى, واجمعنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم يا رب العالمين, ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم, إنك على كل شيء قدير. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, وصلوا على رسول الله

الامتحان الأكبر

الامتحان الأكبر طلب العلم طريق إلى الجنة، إذا أخلص طلابه نيتهم لله سبحانه، وعملوا بما علِموا، وعلَّموا الناس. وإذا علمنا ذلك فجدير بنا أن نعرف بأن الله سبحانه قد وضع امتحانات كبرى لنا، واشترط النجاح فيها حتى نصل إلى رضوانه، أولها في القبر، وثانيها على ساحة العدل بين يديه سبحانه، وقبل ذلك عند الموت، ولا ينال جنة ربنا إلا موحد لله، عامل بعمل أهل الجنة، مفارق لعمل أهل المعاصي.

فضل العلم والعلماء

فضل العلم والعلماء الحمد لله الذي لم يزل بصفات الكمال متصفاً، وبآثار ربوبيته وآلائه إلى عباده متعرفاً، أحاط علماً بجميع الكائنات ما ظهر منها وما اختفى، واطلع على الظواهر والأسرار، الملك الذي تفرد بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والوصل والقطع، وبتوفيقه وفضله فاز الأبرار. لا إله إلا الله اختار من خلقه خلاصةً, وجعل حظهم لديه حظاً موفوراً، ونصب أقدامهم لخدمته، وجعل وقتهم في الطاعة معموراً. فيا عباد الله! السعيد -والله- من استقام قلبه على الحق واستنار، فسبحان من أيقظ أهل الهمم لطلب الدرجات العاليات، لا إله إلا الله رباً جلَّ أن تحيط به الأفكار، لا إله إلا الله تفرد بالإيجاد والاختيار، لا إله إلا الله تنزه عن مشابهة الأغيار، لا إله إلا الله توحَّد بالبقاء على مَرِّ الزمان، لا إله إلا الله الملك القهَّار، لا إله إلا الله العظيم الجبَّار، لا إله إلا الله العزيز الحكيم، لا إله إلا الله الغفار لمن تاب وأناب، لا إله إلا الله أرحم الراحمين, الذي يرحم من قصد جنابه والتجأ إليه، لا إله إلا الله يجبر الكسير، ويغني الفقير، ويكشف الهموم والغموم، ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي شرح الله صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذُّل والصغار على من خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس! اتقوا الله حق تقاته، أطيعوه فلا تعصوه، واشكروه ولا تكفروه، واذكروه ولا تنسوه. عباد الله! يقول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[مَدَح الله العلماء في هذه الآية، ثم قال: يا أيها الناس! افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم، فإن الله يقول: يرفع المؤمن العالم فوق المؤمن الذي ليس بعالم درجات]] وفي الحديث الذي يُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة} ويقول صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه} نعم يا أمة الإسلام! فالعلم له فضلٌ عظيم، لمن صلحت نيته، وأخلص عمله لله، وتبع بذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجمل العلم الذي يتحلَّى به صاحبه! هنيئاً لطالب العلم الذي يحثه علمه على تقوى الله، وإلى المسارعة إلى الخيرات، وإلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وصدق الله حيث يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

الإخلاص في طلب العلم

الإخلاص في طلب العلم أما من طلب العلم للدنيا والرياسة والجاه, فليسمع إلى هذا الوعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة} ومعنى عرف الجنة، أي: ريحها، ويروى -أيضاً- عن ابن عمر رضي الله عنهما: {من تعلم علماً لغير الله، أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار} وحديث الثلاثة الذين تُسعَّر بهم النار يوم القيامة، ومنهم: {رجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأوتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فماذا عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعملت به، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار}. فيا من تطلبون العلم! أخلصوا لله رب العالمين.

الاستعداد للامتحانات الكبرى

الاستعداد للامتحانات الكبرى عباد الله! وأنتم تتأهبون وتستعدون للامتحانات في الدنيا، تذكروا الامتحانات التي سوف تمر بنا عند الموت وفي القبر وعلى أرض القيامة، فعند الموت تحصل فتنة الممات، ولا يدري على أي شيء تخرج الروح! هل على اليهودية؟ أو على النصرانية؟ أو تخرج الروح على ملة الإسلام؟! وهو يردد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله -نسأل الله الثبات. ثم لنتذكر الامتحان في القبر والسؤال من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فهنيئاً لمن نجح في ذلك الامتحان! عندما يجيب، ويقول: {ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، هنيئاً له النتيجة عندما يقال: صدق عبدي! فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة} ولكن الويل كل الويل إن لم يجب على الأسئلة وتلجلج، ولم يحصل على الجواب عندما يقول: {هاه هاه! لا أدري! فيقال: لا دريت ولا تليت، فيضرب بمرزبَّة من حديد}. أيها الأخوة في الله! إنها عقبات وأمور سوف تمر بنا؛ فعلينا أن نستعد لتلك الأمور، وكذلك الاستعداد الامتحان الأكبر الذي يحصل على ساحة العدل، وبين يدي جبار الأرض والسماوات: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * الْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:13 - 17] متى؟! {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} [الحاقة:18] حفاة عراة غرلاً {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضون لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:18 - 20]. ما جزاؤه؟ {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:21 - 24] هذا الذي نجح في الامتحان، هنيئاً له يا عباد الله! أما الآخر: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:25 - 29] النهاية: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32] يا له من رسوب ما بعده نجاح! يا له من دور انتهى ما بعده دور!

نعيم أهل الجنة

نعيم أهل الجنة عباد الله! اذكروا الجنة، وقد أخذتم الشهادة باليمين، اذكروا الجنة وما أعدَّ الله فيها من النعيم المقيم، ثم سارعوا إليها، تيقظوا!! اتركوا الكسل يا عباد الله، شمروا إلى جنة عرضها السماوات والأرض بالأعمال الصالحة وبالإيمان، اسمعوا إلى المولى جلَّ وعلا وهو يحثكم إليها يا عباد الله!! {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] لمن هي يا رب العالمين؟ {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] من هم؟ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134]. نعم يا عباد الله! أنتم -الآن- في هذه الدار مخلوقون للابتلاء والامتحان، وليس امتحان الرياضيات ولا اللغة العربية ولا الإنجليزي ولا غيرها من المواد الدراسية، أنتم مخلوقون لأمر عظيم، للابتلاء والامتحان على الأعمال التي سوف تجزون عليها. يا عباد الله! أنتم في دار عمل ولا حساب, وغداً تنتقلون إلى دار الحساب والجزاء على الأعمال. عباد الله! أنتم في ميدان فسيح, فسابقوا فيه بما يرضي الله من الأعمال الصالحة، اسمعوا رب العزة والجلال وهو يحثكم: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] سابقوا إلى جنة أعد الله فيها لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. البدار البدار يا عباد الله! إلى جنة لا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبانها، ولا تبلى ثيابهم، لا يمتخطون ولا يبولون ولا يتفلون ولا يتغوطون، سالمة من الآفات والأكدار والتنغيصات والأمراض والأسقام، سالمة من الهموم والغموم، لا فيها دينٌ ولا مدين, فيها القصور والمنازل الرفيعة، فيها الحور العين {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 15].

عذاب أهل النار

عذاب أهل النار ثم الذين كفروا في نار جهنم! فيها النكال والعذاب الأليم، فيها السَّموم والزقوم والغِسْلين والزمهرير، قال الله عنها: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] فيا ويل أهل النار إذا أطبق عليهم في نار جهنم! يا ويلهم وهم ينادون ويستغيثون بالويل والثبور، ولهم فيهاضجيج. أمانيهم فيها الهلاك، وهم -والله- مالهم من أسرها فِكاك، قد شدت أقدامهم إلى النواصي بالسلاسل والأغلال، فهم في أوديتها بين الحيَّات والعقارب يُسحبون، ينادون من فجاجها وشعابها بالصراخ من ترادف العذاب: يا مالك! قد أثقلَنا الحديد. يا مالك! قد نضجت منا الجلود. يا مالك! قد تفللت منا الكمود. يا مالك! العدم خير من هذا الوجود. يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود. فيجيبهم بعد زمان طويل: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]. اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وبادروا بالتوبة النصوح إلى الله فإن الله غفور رحيم.

صفات أهل الجنة

صفات أهل الجنة الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! هلمُّوا إلى دارٍ لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبانها، ولا يتغير حسنها وإحسانها، هواؤها النسيم، وماؤها التسنيم، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين، ويتمتعون بالنظر إلى وجه الكريم كل حين: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10]. فأهل الجنة يتنعمون بما أعده الله لهم فيها من النعيم، وقرة العين واللذة والفرح والسرور. الجنة -يا عباد الله- وأَنْعِم بها من دار، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إليها بالإيمان والإسلام والإحسان, فمن أجاب محمداً صلى الله عليه وسلم دخل الجنة، وأكل مما فيها من النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، ومن عصى رسول الله فمأواه جهنم وبئس المصير. أيها الإخوة في الله! لنسمع بعض الصفات لأولئك الذين يدخلهم الله الجنة قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:1 - 9].

المحرومون من الجنة

المحرومون من الجنة أخبروا الذين لا يعرفون المساجد إن كانوا يحبون جنة الفردوس ولم يعملوا بأعمال هؤلاء، فأخبروهم أن الجنة عليهم حرام {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9] طوال السنة!! لا يصلون في رمضان ويتركون باقي العام، لا يصلون يوم الجمعة ويتركون باقي الأسبوع! {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9] ما جزاؤهم؟ {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10 - 11]. عباد الله! هذه صفاتهم، ولهم صفات أخرى، اسمع يا متكئاً على الجدار! يا نائماً! يا من سهره طول الليل! {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الذاريات:15 - 16] ما هي أفعالهم؟ {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذريات:16 - 19].

البدار البدار بالأعمال الصالحة

البدار البدار بالأعمال الصالحة عباد الله! بادروا بالأعمال الصالحة, فسوف تجدون غبَّها {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] قدموا لأنفسكم خيراً، اعملوا بطاعة الله، ولازموا طاعة الله ولا تغتروا بطول الآجال، لا تغتروا بالمراكز وبالجاه وبالأموال؛ فإنكم منتقلون عن هذه الدار إلى دار فيها جزاء وحساب ونقاش، فاستعدوا لذلك -يا عباد الله- وتوبوا توبة نصوحاً. اللهم إنا نسألك توبة نصوحاً تطهر بها قلوبنا، وتمحص بها ذنوبنا، اللهم أصلح أحوالنا، وأصلح أعمالنا وأقوالنا, واجعلها خالصة لوجهك الكريم, واجعلها وفق هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم نجحنا في الامتحان الأكبر يوم العرض عليك يا جبار. اللهم اجعلنا ممن يأخذ كتابه باليمين، ولا تجعلنا ممن يأخذ كتابه بالشمال, ولا من وراء ظهره يا رب العالمين. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, غير ضالين ولا مضلين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، واخذل من خذل الإسلام وأهله، يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم انصرهم نصراً مبيناً، اللهم قَوِّ شوكتهم يا رب العالمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا أرحم الراحمين. اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد.

الأمر بالمعروف

الأمر بالمعروف لم تترك أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أذلها الله ومقتها، وما جعلته أمة شعاراً لها إلا رفعها الله وأصلحها، ولقد تحدث الشيخ عن هذا الجانب، وعرض أدلة هذا الموضوع من الكتاب والسنة، وحذر من عاقبة تركه والتساهل فيه، وأن هذا الأمر واجب على كل مسلم ومسلمة، ولا يعذر منه أحد، ويقوم به الكل حسب قدرته بيده أو لسانه أو قلبه.

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله رب العالمين, أحمده سبحانه وأشكره, ولا أحصي ثناءً عليه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين, وقدوة للسالكين, رسم الصراط المستقيم, وترك أمته على المحجة البيضاء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: اتقوا الله عباد الله! واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان}. عباد الله! اعلموا أن في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعلان بترك الواجبات, واستخفاف بحقوق رب الأرض والسماوات, وبظهور المنكرات وعلو الفسقة, وإن رفعة أهل المعاصي وذل أهل الطاعة موجب للعنة رب الأرض والسماوات, ومقت جميع الخلق لكم حتى الحيوانات, وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لنزع البركات, وموجب لحلول أنواع الأمراض والأسقام والهلكات, وتتسلط الأعداء وتجور الولاة؛ فماذا يرتقي بمرتكب المحذورات المعرض عن الإنكار تهاوناً وعدم مبالاة؟ أما سمع رب العالمين يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:78] بماذا وبأي شيء لعنوا؟ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. عباد الله! أما سمعتم بما فعل بالقرون الخاليات من أنواع التدمير والعقوبات, وما حل بهم من أليم العذاب والهلكات, التي نقلوا بها إلى نار الجحيم والحسرات, وحرموا بها بركة الأعمار والأرزاق؟ عباد الله! أما سمعتم بأنين عذاب الله لفاعل المحرمات, ولمن لم ينكر المحرمات؟ روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعقاب من عنده, قلت: يا رسول الله! أما فيهم يومئذٍ أناس صالحون؟ قال: بلى, قلت: كيف يصنع بهم؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس} ويروى في الأثر: {إذا أظهر الناس العلم، وضيعوا العمل، وتاحبوا بالألسن، وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمَّهم وأعمى أبصارهم}. أيها المسلمون! الله جل وعلا يقول: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] ويقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {ولا ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاءهم} وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {إن رسول صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف, وانهوا عن المنكر, قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم}. ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: {يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا} صدق رسول الله فقد ظهر الهربز, والإيدز, والزهري, والسرطان, والسل, كل ذلك بسبب الذنوب والمعاصي, ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان, ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا, ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سَلَّط الله عليهم عدوا ً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم, وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم}.

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عباد الله! أمة الإسلام! لقد غلب على الكثير الهوى, وأمرضتهم الشهوات, حتى أصبح الكثير من الناس خالياً من الغيرة الإيمانية, فلا يرى المنكر منكراً ولا المعروف معروفاً, وقلَّ الحياء وصاروا لا يتأثرون إذا انتهكت حرمات الله عز وجل, فليحذر أولئك أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم وما جاورهم من الأمم, فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام: أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها, قال: يا رب! إن فيهم فلاناً لم يعصك طرفة عين, قال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة قط}. يا من تترك الأولاد في البيت وتذهب إلى المسجد, لم يتمعر وجهك قط إلا إذا جاء وقت الدراسة، تمعَّر الوجه وانتفخت الأوداج, وارتفع الضغط عندما تيقظ الأولاد, أما الصلوات الخمس فتخرج وهم في البيت يلعبون ويمرحون, أما تخشى أن يقال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة قط؟! أيها المتهاون بأوامر الله! يا من تمر والناس في الطرقات ولم تحرك شفتيك بكلمة, لا تقول: الصلاة يا عباد الله! الصلاة هداكم الله, هل ينقصك شيئاً إذا قلت هذه الكلمات؟! والله ثم والله لا ينقصك شيئاً, بل هي حسنات في ميزان حسناتك عند رب العالمين, يا ليتنا نسمع هذا يا عباد الله, يا ليت كل من مرَّ على أناس جالسون في الطرقات أن يقول لهم: صلوا يا عباد الله, بدون ضرب وبدون رفع صوت, بل بلينٍ وشفقةٍ وعطف ورحمة, صلوا يا عباد الله, فإني أخاف عليكم من سقر وما أدراك ما سقر؟! طبقة من النار, لا تتهاونوا يا عباد الله بالصلاة, لا تؤخروا الصلاة عن وقتها, فإني أخاف عليكم من ويل وهو وادٍ في جهنم, فإني أخاف عليكم من غي وهو وادٍ في جهنم, هكذا يا عبد الله , ذكِّر إخوانك بالله, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن يقال: {اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة قط}. هذا أنس بن مالك رضي الله عنه دخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هو ورجل آخر, فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة؟ فقالت: [[إذا استباحوا الزنا, وشربوا الخمور, وضربوا المعازف غار الله عز وجل في سمائه, فقال للأرض: تزلزلي بهم, فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم]] ولقد شاهدها البعض في آلة التلفاز, أن أناس يغنون فخسف الله بهم وابتلعتهم الأرض, فصدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم. ولكن ماذا سوف يقول المعلق عن هذه الحادثة؟ لعله يقول: هذه براكين! أو لعله أن يقول المهندس: لم يتقن المسرح فانخسف بهؤلاء! لا أيها المعلق وتباً لك ولمعاندتك ومناصرتك لأعداء الله, بل خسف الله بهم الأرض, وغار الله جل وعلا, وإذا غار فغيرة الله لا تمانع ولا تُرد, يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة؟ فقالت: [[إذا استباحوا الزنا, وشربوا الخمور, وضربوا المعازف غار الله عز وجل في سمائه, فقال للأرض: تزلزلي بهم, فإن تابوا ونزعوا, وإلا هدمها عليهم]]. يا عبد الله! لا تستبعد ذلك، لا تقل: إن ذلك في بلاد الكفار, فإن الذي في بلاد الكفار نذير وموعظة للذي في بلاد الإسلام والمسلمين, لعلهم أن ينتهوا ويقلعوا عما هم فيه.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا أمة الإسلام! الله الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! إن حماية الدين وعز هذا الدين لا تكون ولا يحصل إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أمة الإسلام! اعتصموا بحبل الله جميعاً، وتعاونوا على البر والتقوى, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر, ائتمروا بأمر الله, وانتهوا عما نهى الله عنه ورسوله, وتناهوا عن ذلك بقصد النصيحة لله ولعبادة الله بقصد الدعوة والإرشاد. أيها المسلمون! لا تنسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقسم به: {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} لا تستبعد هداية إخوانك يا عبد الله, ألحَّ بالدعوة, أرشد وادع إلى الله عز وجل, فنوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى التوحيد, وأنت -يا عبد الله- ابذل من وقتك يسيراً {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] واعلم أن الهداية بيد الله, إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. عباد الله! ادعوا إلى الله, ادعوا إلى سبيل الله بقصد النصيحة لله ولعباد الله, بقصد الدعوة والإرشاد. أيها المسلمون! إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على هذه الأمة الإسلامية التي هي أفضل الأمم وأكرمها على الله إن استقامت على دين الله عز وجل, ومصداق ذلك قول الله جل وعلا: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:104 - 105]. أمة الإسلام! إنكم إن قمتم بهذا الذي أمركم الله به كنتم خير أمة أخرجت للناس, كما قال الله تعالى في محكم البيان, وإن تركتم ذلك لعنتم كما لعنت بنو إسرائيل, وكنتم من شرار الأمم, إنه لا نسب بين الله وبين عباده, ولكن من اتقاه فهو الكريم عنده وأكرم الناس عند الله أتقاهم لله. أيها المسلمون! إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس, بل هو واجب على الناس جميعاً, كما أخبر بذلك الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان}. عبد الله! ليس لك حجة أن تقول: لا عليّ من فلان! أو لست مكلفاً بفلان! لا. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلفك بهذه المسئولية ويقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان}. البعض من الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بفئة من الناس, وهذا ظن فاسد، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: {من رأى منكم منكراً} وهذا عام لكل من رأى المنكر فيجب أن يغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه بالكلام والنصح والإرشاد, أو الكلام مع ولاة الأمور إن لم ينفع الكلام مع المنصوح, وكل واحد منا يستطيع أن يتكلم مع المسئولين في منع المنكر, في لين وعطف ورحمة, ويجب على المسئولين إذا بلغهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح, وأن يجتمعوا على ذلك لينالوا الفوز والفلاح. إن علينا جميعاً أن نترك الدعة والسكون, وأن نقوم لله مخلصين له الدين, ونبدأ أولاً بأنفسنا وأهلينا وأولادنا ومن تحت أيدينا, ومن جاورنا, وكذلك الزملاء والأصدقاء، ينبغي علينا جميعاً أن نكون دعاة خير ندعو إلى الله على بصيرة, وتكون الهمة هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور, من ظلمات الجهل والمعاصي إلى نور الحق. عباد الله! الله الله بهذه المسئولية العظيمة -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التي جاء بها الإسلام وحثكم عليها, وإذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر وانغمستم في الترف, وكفرتم بنعم الله, فاسمعوا قول الله عز وجل: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ويقول ربنا أيضاً: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]. اللهم إنا نعوذ بك من عذابك ونقمتك, اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء, ودرك الشقاء، وسوء القضاء, وشماتة الأعداء, اللهم إنا نعوذ بك من زوال النعمة, ومن تحول العافية، ومن فجاءة النقمة, ونعوذ بك اللهم من جميع سخطك, اللهم أرشدنا وهيئ لنا الخير, واجمع كلمتنا على الحق, اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك, ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيها عن المنكر إنك على كل شيء قدير, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحرص على وحدة الأمة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحرص على وحدة الأمة الحمد لله أمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, ورتَّب على طاعته وعلى طاعة رسوله أجراً عظيماً, ونهى عن معصيته ومعصية رسوله, ورتَّب على من ارتكب ذلك أن يعاقبه بما يستحق من العقوبة في الدنيا وفي الآخرة, أحمده وأشكره الذي لم يتركنا هملاً, ولم يخلقنا عبثاً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق على الإطلاق في الدعوة والإرشاد والتوجيه, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الناصح الأمين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم وفي دعوتهم إلى يوم الدين, وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر, حافظوا على حدود الله، تمسكوا بالأخلاق القيمة, والآداب الجميلة, قوموا بأوامر الله, وانتهوا عما نهاكم عنه, واتحدوا ولا تفرقوا. واعلموا أن الأمة لا يمكن أن تكون أمة قوية مرموقة حتى تتحد في أهدافها وأعمالها، ولن يمكنها ذلك حتى تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فتكون على دين واحد في العقيدة والقول والعمل, وتنهج صراطاً مستقيماً, صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض, أما إذا لم يحب البعض البعض الآخر, ولم ينصح البعض البعض الآخر, فإن الأمة سوف تتفكك وتنفصم عراها, ويكون لكل واحد منهم هدف, ولكل واحد منهم طريق وعمل, عند ذلك يتفرقون أحزاباً وشيعاً يتيهون في متاهات الضلال, نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. أيها المسلمون! إذا لم تقم الأمة بأمر الله وتسعى في إصلاح المجتمع بالالتزام بدين الله عز وجل, فمن الذي يقوم ويسعى في ذلك؟! وإذا لم نتكاتف على منع الشر والفساد فكلنا هالك. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً, فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه وأكيله, فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض, ولعنهم على ألسنة أنبيائهم ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:78] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد الظالم, ولتأطرنَّه على الحق أطراً, أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم ببعض, ثم يلعنكم كما لعنهم} نعوذ بالله من لعنة الله! عباد الله! الله الله استيقظوا من رقدتكم, واحذروا من أعداء الإسلام في كل مجال يرسلونه لكم, وكونوا على حذر منهم, فإن المؤمن ينظر بنور الله, فاحذروا من دسائس أعداء الإسلام, واعتبروا يا أولي الألباب بالمجاورين, وبما حلَّ بهم من العقوبات والنقمات, والأمراض والأوبئة التي لم يجدوا لها دواءً ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولعل بعضها تسرب إلينا من الذين ذهبوا إليهم واجتلبوا لنا تلك الأمراض الخطيرة, التي لا علاج لها إلا التوبة إلى الله عز وجل, والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله, فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة, وكل ضلالةٍ في النار. عباد الله! عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار, احذروا من التفرق, واعلموا أن الذئب يأكل من الغنم القاصية. وصلوا على الناصح الأمين رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بلّغ البلاغ المبين, وترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, فقد أمركم الله جل وعلا أن تصلوا عليه فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] , ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين. عباد الله! هناك ملحوظة يذكر لي بعض الناس: أنه استفتى بعض الجهال, فقال: إن عليّ صوم من رمضان السابق فهل أقضيه في شعبان؟ فقال له: لا يجوز لك أن تقضيه في شعبان, وهذه فتوىً جاهلية! سوف يسأل عنها هذا الجاهل؛ لأنه لم يعذر لأنه في بلاد الإسلام, وفي بلاد العلماء, فكيف له أن يتفوه بهذه الفتوى؟! حسبنا الله ونعم الوكيل, ولو كان عالماً لطالبناه بالدليل, ولكنه جاهل, وإذا خاطبكم الجاهلون فقولوا: سلاماً. أما يا أخي إذا كان عليك قضاء من رمضان وأردت أن تصومه في شعبان فإنه يلزمك أن تبادر بقضاء هذا الدين الذي عليك, فإن عائشة رضي الله عنها كانت تقضي صومها في شعبان, وهي أم المؤمنين رضي الله عنها التي تربت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو كان لا يجوز القضاء في شعبان لنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرِّع, فلا ينبغي لأحد أن يفتي بغير علم, قال بعض السلف الصالح: إن أجرأكم على النار أجرأكم على الفتوى, فليحذر الذين يفتون بغير علم, فليحذروا من الوقوف بين يدي الله عز وجل, وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. أيها الإخوان! من كان عليه صوم من رمضان فيلقضه -فإنه دين عليه- في كل شهور السنة لا فرق بينها, سواء كان في محرم أو شعبان أو غيره من الشهور؛ لأن عائشة كان يكون عليها القضاء فتقضيه في شعبان. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في كل مكان, اللهم خُذهم أخذ عزيز مقتدر, اللهم خُصّهم بذنبهم ولا تعمَّ معهم يا حي يا قيوم, اللهم إننا نشهدك أننا نبغض العصاة ونبغض أهل المنكرات, اللهم من كان في سابق علمك هدايته فاهده, ومن كان في سابق علمك أنه ضال مضل فخذه أخذ عزيز مقتدر, ولا تعمَّ بعقابه أحداً من عبادك يا رب العالمين. اللهم أيقظنا من رقدتنا, ووفقنا لاغتنام أوقات المهلة, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين, اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم قيّض لهم العلماء الناصحين والعلماء العاملين, الورعين الذين لا يخافون في الله لومة لائم, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, واجعلنا هداة مهتدين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أرنا وولاة أمورنا الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه, وأرنا وولاة أمورنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, إنك على كل شيء قدير. اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى, واغفر لنا ذنوبنا, وتجاوز عن سيئاتنا, واستر عيوبنا, وتوفّنا وأنت راض عنا غير غضبان. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

التجارة الرابحة

التجارة الرابحة إن الله سبحانه وتعالى قد جعل للأمة مواسم وأوقاتاً يحصدون فيها الخيرات والبركات، وإن من هذه المواسم شهر رمضان الكريم الذي يضاعف الله فيه الأجور والحسنات، وقد تكلم الشيخ في هذه المادة عن فضل هذا الشهر وما ينبغي للمسلم أن يفعل فيه.

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان الحمد لله الذي جعل شهر رمضان غرة وجه العام، وأجزل فيه الفضائل والإنعام، وشرف أوقاته على سائر الأوقات، وفضل أيامه على سائر الأيام، وخصه على سائر الشهور بمزيد من الفضل والإكرام، عمر نهاره بالصيام، ونور ليله بالقيام، أحمده وأشكره على إحسانه العام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالكمال والتمام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام وأتقى من تهجد وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أمة الإسلام! بشراكم بشراكم! يطل عليكم بعد أيام قليلة شهر كريم، وموسم عظيم، خصه الله تعالى على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، أنزل الله فيه القرآن العظيم والذكر الحكيم، فرض صيامه شكراً على هذا الإنعام والفضل العميم، وجعل صيامه أحد مباني الإسلام التي لا يقوم على غيرها ولا يستقيم، وسنَّ لكم أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قيامه. فهنيئاً لكم يا أمة الإسلام، فهو شهر الخيرات والبركات، شهر إجابة الدعوات، شهر إقالة العثرات، شهر مضاعفة الحسنات، شهر الإفاضات والنفحات، شهر إعتاق الرقاب الموبقات، شهرٌ لا يعدل به سواه من الأوقات، الحسنة فيه بألف حسنة فيما سواه، والفريضة فيه تعدل سبعين فريضة لمن تقبل منه مولاه. فيا ذا العقول السليمة! والهمم العالية، والمطالب الرفيعة السامية، اغتنموا أوقاته بالجد قبل فواتها، واعزموا على هجر البقالات. عباد الله: استقبلوا شهر رمضان بنية واحتساب فقد أخبرنا الناصح الأمين نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه}. أمة الإسلام: أمة محمد! كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: {قد جاءكم شهر رمضان شهرٌ مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم}. ذكر بعض العلماء في بعض الكتب: أن لله تعالى موضعاً حول العرش يسمى حظيرة القدس، وهو من نور، وفيه ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل، يعبدون الله لا يفترون ساعة، فإذا كانت ليالي رمضان استأذنوا ربهم عز وجل أن ينزلوا إلى الأرض ويحضروا مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح، فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، لما سمع عمر رضي الله عنه ذلك قال: [[نحن أحق بهذا الفضل والأجر]] فجمع الناس على صلاة التراويح رضي الله عنه وأرضاه. ولا يظن البعض أن عمر هو الذي سَنَّ صلاة التراويح، بل سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بأصحابه بعض الأيام، ولكنه خشي أن تفترض عليهم فتركها رحمة بهم صلوات الله وسلامه عليه. يا عباد الله: أقبل شهر رمضان الذي اختاره الله عز وجل زمناً لنزول القرآن، وانطلاقة الإيمان، شهر رمضان الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل يوم بدر، وانتقلت فيه الأمة من أمة حيرانية متلطخة بأدران الوثنية إلى أمة مستنيرة مهتدية بنور الإيمان، تتلقى تعاليمها من السماء بواسطة الوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأصبحت لا تدين إلا لله الواحد القهار وحده لا شريك له. ومنذ أن وجد هذا الشهر ونزل فيه القرآن في ليلة القدر المباركة التي هي خيرٌ من ألف شهر، إلا وبركاته تتوالى على المسلمين، فلقد حصل فيه يوم الفرقان يوم غزوة بدر الكبرى التي نصر الله بها الإسلام والمسلمين، وأذل بها الشرك والمشركين، يوم بدر الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل. أيضاً: حدث في رمضان فتح مكة الذي دخل الناس بعده في دين الله أفواجاً، فكما كان موسماً وزمناً لتلكم الفضائل والعبادات والوقائع الإسلامية فهو لا يزال ولن يزال موسم إفضال وإنعام من الكريم المنان، موسم تحول من غفلة وصدود إلى انتباه وإقبال على الله، موسم تحول من رذيلة إلى فضيلة، ومن تمادٍ واضمحلال وانهماك في الماديات إلى تحليق في سماء الروحيات. وحري بهذه الأشياء أن توجد من نفس صاحبها نفساً روحية، تحلق به في الدنيا مع عالم السماء الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وفي الآخرة مع الذين قال الله فيهم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} [النساء:69 - 70]. فاتقوا الله أيها المسلمون، واشكروه على ما منَّ به عليكم، واسألوا الله عز وجل أن يوفقكم لتدركوا شهر رمضان، فكم من نفس هذه الأيام القليلة سوف تخترمها المنية ولا تدرك شهر رمضان.

علامة صيام رمضان

علامة صيام رمضان اعلموا -يا عباد الله- أنه يجب صيام شهر رمضان بأحد أمرين: إما برؤية هلاله، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين} متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لـ مسلم: {فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم} متفق عليه، أي: إلا إذا كان وافق عادة له بأن كان عادته صوم الإثنين والخميس فوافق ذلك اليوم، أو عليه قضاء فقضاه في ذلك اليوم فلا بأس. ولقد سمعنا من بعض الناس الذين يفتون بغير علم أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يوفق كثيراً من طلبة العلم أن يتوقفوا عن الفتوى بغير علم فإنها والله مسئولية عظيمة أمام الله عز وجل. فالبعض من الناس يغتر إذا رأى إنسان إما كث اللحية، أو عليه سيماء الخير، فإنه يبادر إليه ويستفتيه، فقد تقدم بعض الناس يستفتون بعض الناس، فقالوا: لا يجوز القضاء في شعبان، الله المستعان، فلا أدري من أين لهم هذه الفتوى، وعائشة رضي الله عنها أمة المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: {كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان} رواه البخاري، ولو كان لا يجوز يا معشر المفتين بغير علم، لو كان لا يجوز ذلك لنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ولكن هذا من تمام اليسر، جاز تأخير القضاء، ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان الثاني بدون عذر؛ لأن تأخيره إلى رمضان الثاني يوجب أن يتراكم عليه الصوم وربما يعجز عنه، أو يموت وهو في ذمته، ولكن لأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الأولى إلى وقت الثانية كالصلاة فإن استمر به العذر، أي: إذا كان مريضاً ودخل عليه رمضان واستمر به المرض ولو مدة طويلة، ومات في مرضه فلا شيء عليه؛ لأن الله سبحانه أوجب عليه عدة من أيام أخر، ولم يتمكن منها فسقطت عنه. أما من مرض في رمضان ثم شفاه الله من مرضه، وفرط ولم يصم ما عليه من الأيام التي تركها في رمضان وأفطرها، ثم مات بعد هذا التفريط، فإن أولياء أمره يقضون عنه الصيام كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله: {من مات وعليه صوم صام عنه وليه} متفق عليه. اللهم ارزقنا التفقه في الدين، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم يا واحدٌ يا أحد! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا علي يا عظيم! يا حليم يا عليم! أهلَّ علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، واجعلنا ممن يصومه ويقومه على أحسن حال يا رب العالمين، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وارزقنا القبول والإخلاص يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أدلة وجوب صيام رمضان

أدلة وجوب صيام رمضان الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين وقدوة للسالكين، فما مات إلا وترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:183 - 185]. اللهم شكراً لك على إنعامك الكثيرة وفي مقدمتها نعمة الإسلام. أيها المسلمون: هذه الآية تعلن بفريضة صيام رمضان على الأمة الإسلامية، كما هو مفروضٌ على الأمم من قبلها، وقد فضلت هذه الأمة بفضائل كثيرة ومنها ليلة القدر الليلة التي فيها الخير الكثير لمن قامها إيماناً واحتساباً، فشهر رمضان شهرٌ مبارك، فالمسلمون المؤمنون المصدِّقون بوعد الله يتأهبون لزيادة صلتهم بالله العظيم عن طريق الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وسائر القربات إلى الله جل وعلا، فمن قام بهذه الأعمال بإخلاص نية محتسباً الأجر عند الله، فقد تاجر مع الله، ونعم التجارة فإنها رابحة. أما الذين يفرون ويهربون عن رمضان خارج البلاد ليقضون لياليه وأيامه بالسهر والمتعة بالملاهي والمجون والخلاعة، فهؤلاء المحرومون الذين كتب عليهم الحرمان، وأسرتهم الشهوات وقيدتهم الذنوب والمعاصي، فلم يزدادوا بهذا الشهر الشريف إلا بعداً عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما الذين يعدِّون المسرحيات والتمثيليات والأفلام الخبيثة والأغاني الماجنة لشهر رمضان، فقد ضَربوا بسهم من الحرمان، اللهم إنا نسألك العفو والعافية. أمة الإسلام: إن العبودية الصادقة لله عز وجل تعني: أن يشعر المرء بالحب والخضوع والذل لله رب العالمين، فيلتزم بأوامر الله جل وعلا، وينتهي عما نهاه الله تبارك وتعالى، فعلينا جميعاً يا أمة الإسلام! أن نغتنم هذا الشهر الكريم ونستقبله بالتوبة النصوح لله عز وجل من جميع الذنوب والخطايا، ونجدد توبتنا ونوثق إيماننا بالله الحي القيوم، ونقوم بطاعة مولانا وخالقنا، ونحيي شهر رمضان بقلوب مملوءة بالإيمان والحب، فأهلاً بك يا شهر رمضان، أهلاً بك يا شهر الصيام والقيام، أهلاً بك يا شهر القرآن، أهلاً بك يا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، أهلاً بك يا شهر التعاطف والإحسان، أهلاً بك يا شهر الخيرات، اللهم وفقنا للصيام والقيام وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين. عباد الله: إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، فاحذروا من البدع يا عباد الله، وصلوا على الناصح الأمين محمد بن عبد الله، الذي ترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، صلوا عليه وسلموا تسليماً، امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وفي مقدمتهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم ياحي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق يا من لا يعجزه شيء لا في الأرض ولا في السماء، اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك، اللهم وحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم قيض لهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أبعد عنهم بطانة السوء، اللهم أبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، واجمعنا يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى، اللهم اجمعنا في جناب الفردوس الأعلى يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا حي يا قيوم أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم يا من لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنياءً مريئاً، سحاً غدقاً نافعاً، مجللاً طبقاً، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم أنزل علينا من بركاتك، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أخرج لنا من بركات الأرض يا من لا يعجزه شيء لا في الأرض ولا في السماء، يا من تكفل بأرزاق العباد، يا من بيده ملكوت كل شيء، لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. اللهم لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن والسفور والتبرج والملاهي بأنواعها وجميعها يا رب العالمين، اللهم طهر بيوتنا وقلوبنا وأسواقنا ومسامعنا من الملاهي بأنواعها يا رب العالمين، وأبدلها يا حي يا قيوم حلق ذكر ومجالس علم إنه لا يعجزك يا رب العالمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلا، اللهم طهر قلوبنا بالتوبة النصوح، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

التفكر وتحقيق التوحيد

التفكر وتحقيق التوحيد خلق الله عز وجل خلقه لعبادته، وجعل لهم آيات تدل على قدرته وعظمته وحكمته، ولكي ينتفعوا بها في دنياهم، وقد تحدث الشيخ عن آيات الله المبثوثة في هذا الكون وعظم سيرها وفق نظام محكم لا يختل، وأن الله لَمَّا خلق هذه المخلوقات، لم يخلقها عبثاً وإنما خلقها لمنافع لا تحصى، ولنستدل بها على عظمته، فنفرده بالعبادة لا شريك له.

التفكر في مخلوقات الله

التفكر في مخلوقات الله الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إلهاً أنزل لعباده من الآيات ما فيه عبرةٌ للمعتبرين، وزيادةً في يقين المؤمنين، أحمده سبحانه وتعالى هو أهل الثناء والمجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: تفكروا في آيات الله عز وجل، فإنها تدلكم على وحدانية الله تعالى، وعلى كمال ربوبيته، وعلى أن الله وحده هو الذي يتصرف في ملكه لا يشاركه أحد في تصريف أحوال عباده. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء:111].

التفكر في خلق السماوات والأرض

التفكر في خلق السماوات والأرض يا عباد الله: تفكروا في آيات الله، انظروا إلى السماء في حسنها وارتفاعها فإن فيها دلالة عظيمة على قدرة الباري جلَّ وعلا، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] وقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] وقال سبحانه وتعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:27 - 29]. ثم انظروا -يا عباد الله- إلى الأرض مهدها الله لكم، وجعل فيها سبلاً، ثم أرساها بالجبال لتكون مستقرة لا تميد ولا تتحرك إلا بإذن الله تعالى، ثم هي ميسرة للعباد يمشون عليها، ويزرعون فيها، ويطلبون المعايش بأنواعها على هذه الأرض التي قال الله فيها: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:30 - 33] وقال جل شأنه: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:7] {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] هذه آيات الله يا عباد الله! فمن تأمل ذلك وعقل وتدبر، علم كمال قدرة الباري جلَّ وعلا.

التفكر في خلق الإنسان

التفكر في خلق الإنسان ومن آياته ما بث في الأرض من المخلوقات الكثيرة على اختلاف أشكالها وألوانها ولغاتها قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم:20] هذا أبونا آدم خلقه الله من تراب، أما ذريته فإنهم من ماء مهين، قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم:20] ولما خلق الله الخلق؛ خلق لكل شكلٍ ما يناسبه من المعاش والطعام والشراب والزوجات، أما بنو آدم، ففضلهم الله جلَّ وعلا على كثيرٍ من خلقه تفضيلاً، فخلق الله لهم أزواجاً من شكلهم ومن أنفسهم، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] الله أكبر! انظر إلى هذه الزوجة لا تعرفك من قبل هذا ولا تعرفها، ثم: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. عباد الله: تفكروا في هذه المخلوقات الكثيرة في البر والبحر، في المدن والقرى المنتشرة، هل ترزق أنفسها، أم لها ربٌ يرزقها؟! بل الله وحده لا شريك له هو الذي تكفل بأرزاق عباده {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6]. لا توجد أية تكهنات، ولا أية تخرفات، أو إعلانات من الإذاعات أن هذه الأعوام أو غيرها سوف تكون فيها أزمةٌ في الاقتصاد، فإن الله يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] انظر إلى هذه النملة الصغيرة كيف تدخر قوتها للشتاء، من الذي علمها ذلك؟! هو الله عز وجل الذي تكفل لها: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6].

التفكر في خلق الملائكة

التفكر في خلق الملائكة وكما خلق الله جلَّ وعلا في الأرض من أصناف الخلق؛ فقد خلق في السماوات ملائكة لا يحصيهم إلا الله تعالى، وما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملكٌ قائمٌ لله تعالى، وملكٌ راكع، وملكٌ ساجد، ويطوف منهم كل يوم بالبيت المعمور في السماء السابعة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلا يوم القيامة، ومن الملائكة حملة العرش، ومنهم الروح الأمين جبريل عليه السلام الموكل بالوحي، له ستمائة جناح، هذا خلقٌ من مخلوقات الله، ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر ما تنزل قطرة من السماء إلا وقد كالها عليه السلام بأمر الله تعالى، ومنهم إسرافيل الموكل بنفخ الصور، ومنهم ملك الموت الموكل بقبض روحي وأرواحكم يا عباد الله، وغيرهم كثير لا يعلمهم إلا الله الذي خلقهم.

التفكر في آيتي الليل والنهار

التفكر في آيتي الليل والنهار ثم تفكروا -يا عباد الله- في هاتين الآيتين: الليل والنهار، فالليل جعله الله للراحة، والنهار لطلب المعاش وابتغائكم من فضله، اسمعوا إلى ربنا يقرر ذلك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص:71] ما أتعس الحياة لو كانت كلها ليل، وما أتعس الحياة لو كانت كلها نهار! {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص:72] والله لا غير الله أحدٌ أبداً يا عباد الله شئنا أم أبينا، رضينا أم سخطنا، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص:72] عكسنا الأمر يا عباد الله، وخالفنا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسهر الليل الطويل، وننام عن الصلوات، وننام عن الصلاة المفروضة، وعن التهجد الذي ينزل ربنا جلَّ وعلا فيه كل ليلة إلى السماء الدنيا ويقول: {هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟} ولسان حالنا: لا يا ربنا، نحن عند التمثيليات، وعند الفيديو، وعند الأغاني، وعند البلوت، وعند الكنكان، وعند الضومنة، ثم نملأ بطوننا من المأكل والمشرب، ثم ننام حتى تطلع الشمس، هذا جوابنا لرب العالمين -إلا من شاء الله وقليل ما هم- {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:73].

التفكر في خلق الشمس والقمر والنجوم

التفكر في خلق الشمس والقمر والنجوم ومن آيات الله تعالى وتَقَدَّسَ: الشمس والقمر، يجريان في فلكهما منذ أن خلقهما الله تعالى، يجريان بسير منتظم لا تغير فيه ولا انحراف ولا فساد ولا اختلاف، حتى يأذن الله تعالى بخراب العالم، ثم تكور وتلف الشمس وتجمع الشمس مع القمر، فذلك أوان الذهاب بنورهما وتعطيلهما قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:7 - 10] أين المفر من يوم القيامة؟! {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38] وفي هذا رد على الذين يقولون: الشمس كالمروحة ثابتةٌ في السماء، وربنا يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38] فهل تفهمون الخطاب يا عرب؟! والقمر يا ربنا؟ {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:39 - 40] منذ أن خلقهم الله جلَّ وعلا: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40]. ثم تفكروا -يا عباد الله- في هذه الكواكب والنجوم التي لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، فمنها السيارات، ومنها الثوابت، ومنها المتصاحبات التي لا تزال مقترنة، ومنها المتفارقات التي تجتمع أحياناً وتفترق أحياناً، تسير بأمر الله تعالى الحي القيوم وتدبيره، خلقها الله زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فالكون كله من آيات الله جملةً وتفصيلاً هو الذي خلقه وهو المدبر له وحده لا شريك له، فهذه بعض آيات الله فمن آمن بها وصدق؛ فله الثواب من الله، ومن كذب بها؛ فاسمعوا ما قال الله من العقاب له: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:40 - 41]. واسمعوا ثواب من آمن بآيات الله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:54]. عباد الله: تفكروا في عظيم مخلوقات الله حتى في أنفسكم، قال الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] نعم يا عباد الله! فالعالم لم يخلق نفسه، ولم يكن مخلوقاً من غير شيء، بل لابد له من خالقٍ يخلقه ويقوم بأمره، وهو الله سبحانه وتعالى لا خالق غيره ولا رب سواه. اللهم ارزقنا إيماناً دائماً كاملاً، ويقيناً صادقاً، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم.

تحقيق توحيد العبادة لله عز وجل

تحقيق توحيد العبادة لله عز وجل الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا ربكم تعالى وأطيعوه، عباد الله! لقد سمعتم من آيات الله الكبرى ومخلوقاته العظمى التي تدل على وحدانية الله تعالى، وعلى قدرته التامة على كل شيء، وأنه وحده لا شريك له في ملكه، ولا نِدَّ له، ولا ظهير، ولا وزير، ولا صاحبة، ولا ولد قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] وقال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وقال جلَّ شأنه: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103] وقال سبحانه وتعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:13] وقال عز وجل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18] وقال عز وجل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] وقال عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:22 - 24] هو الله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، ولانت لقدرته الشدائد الصلاب، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، هو الله الذي تألهه القلوب، وتعنوا له الوجوه، وتصمد له الخلائق أجمعين. أجل يا عباد الله! كيف يُعبد غير الله؟!! وكيف يُستعان بغير الله؟!! وكيف يُتوسل بغير الله؟!! وذلك كله لله، فمن صرف شيئاً من العبادة لغير الله؛ فهو مشرك كافر، ومن توسل بغير الله؛ فهو مشرك، ومن دعا غير الله؛ فهو مشرك، ومن ذبح لغير الله؛ فهو مشرك، ومن نذر لغير الله؛ فهو مشرك، ومن خاف غير الله؛ فهو مشرك، ومن استغاث بغير الله؛ فهو مشرك، ومن حلف بغير الله؛ فهو مشرك، {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72] اللهم وفقنا للالتجاء إليك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك واقطع رجاءنا عمن سواك. يقول البعض من الناس -ومن الذين يسمعون إن كانوا حضوراً أم غياباً-: لماذا تقول هذا وبلادنا ليس فيها من القبور، ولا من الأضرحة ما يعبد؟! فأقول له: يا أخي إن كنت صادقاً، وإن كنت ناصحاً، كيف تنكر ذلك؟ وأخوك وابن عمك وابن خالك قد ذهب إلى بلاد الخارج، وطاف معهم في الأضرحة، وتوسل إلى القبور يزعم أنهم قالوا له: إن هذا الولي يشفي مريضك ويرزقك ويغنيك، وطاف معهم في القبور، وهو تربى في بلاد التوحيد، وعاش على التوحيد، ولكنه لما خالط الأقران اجترب مثلهم وأصابه الجرب، فإني أسوق ذلك مخافة أن ينزلق الكثير، أما البعض فقد انزلق وطاف معهم في قبورهم وفي أضرحتهم واستغاث بموتاهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أتوهم من طريق خبيث، قالوا له: هل يأتيك أولاد؟ هل عندك أموال؟ هل أنت موفق؟ هل حظك زين، أم شين؟ ثم إذا شرح لهم الموضوع، أمسكوا بيده وأدخلوه إلى القبر، وإلى الضريح، وقالوا: توسل بهذا الولي، فإنها تُقضى حاجتك ويأتيك أولاد، وتستغني إن كنت فقيراً، مع الأسف الشديد كيف نبذ التوحيد وراء ظهره، وأطاع المشعوذين، والسحرة، والمخرفين، وأطاع المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟! كيف يطيع من داسوا على التوحيد بأقدامهم، ولم يعترفوا بالله العظيم؟! إنما اعترافهم دائماً بالأولياء، وبأصحاب القبور، وبأصحاب الأضرحة، وبأصحاب القبب، نسألك اللهم العفو والعافية، وإنا لله وإنا إليه راجعون. أيها المسلمون: إن من يسافر من هذه البلاد إلى بلاد أخرى فيها الشرك منتشر؛ فإنه على خطرٌ عظيمٌ، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أين النصح يا عباد الله؟! انصحوهم وأرشدوهم جزاكم الله خيراً، وبينوا لهم أن التوسل بالأضرحة، والتوسل بالقبور، والتمسح بأتربة الأموات شركٌ بالله العظيم، وإن مات على هذه الحالة، فإنه مخلدٌ في النار، نعوذ بالله من النار. اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك واقطع رجاءنا عمن سواك، يا رب العالمين! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ارزقنا حب التوحيد، واجعلنا من أهل التوحيد، وارزقنا حبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك. اللهم يا أرحم الراحمين وفقنا للعمل بطاعتك، وارزقنا رضاك ورضا رسولك محمد صلى الله عليه وسلم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ. عباد الله: احذروا البدع في الدين، والتزموا عقيدة التوحيد، وعقيدة أهل السنة والجماعة، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] صلوا على رسول الله القائل: {لا تزال أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله} صلوا عليه وسلموا تسليماً، واسألوا الله أن يجعلكم من هذه الفرقة الناجية التي لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالف أمرهم حتى يأتي أمر الله. اللهم أصلح قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! املئ قلوبنا من محبتك، ومن خشيتك، ومن معرفتك، ومن الأنس بقربك، واملأها حكمةً وعلماً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم طهر بلدان المسلمين من الأضرحة والقبب والقبور التي تعبد من دون الله، والتي يُذبح بها لغير الله، والتي يُنذر لها من دون الله، اللهم طهر بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين، ورد المسلمين إلى دينهم الصحيح، اللهم رد المسلمين إلى عقيدتهم الصحيحة يا رب العالمين! اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، واجعلنا اللهم وإياهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين، الله دمر أعداء الإسلام، وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم أصلحنا وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مُضلين، ولا مفتونين، ولا مُغيرين، ولا مُبدلين حتى تبعثنا من قبورنا يا رب العالمين. اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) اللهم توفنا على الإخلاص لك يا رب العالمين، اللهم توفنا على الإسلام والإيمان، وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان يا رب العالمين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التقوى

التقوى إن المسلم بحاجة إلى التقوى أشد من حاجته إلى الماء والهواء، وأعظم فوائد التقوى هي محبة الله له؛ فمن أحبه الله أحبه الناس، وخير زاد يتزود به المسلم هو التقوى، والباقيات الصالحات كما يقول بعضهم هي اتباع الحسنة بالحسنة، وعلى المسلم إذا بدأ في عمل أن يستمر فيه ويحذر من النكوص عنه، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.

التقوى حقيقتها والحاجة إليها

التقوى حقيقتها والحاجة إليها الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل الأنبياء وأكرم الأتقياء صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله، نعم -يا عباد الله- نسمع هذه الكلمة في كل خطبة وعيد وجمعة، اتقوا الله، اتقوا الله في السر والعلانية، اتقوا الله، فما خلقتم إلا لتقوى الله، وما أسدى عليكم من نعمة إلا لتستعينوا بها على تقواه. وحقيقة التقوى يا عباد الله هي: أن تجعلوا أنفسكم دائماً في وقاية من عذاب الله وعقابه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فلا يراكم حيث نهاكم، ولا يفقدكم حيث أمركم. يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: [[التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد للرحيل]]. أيها المسلمون: إننا لمحتاجون إلى التقوى أشد من احتياجنا إلى الماء والهواء، ولو لم تكن فائدتها إلا أنها تجلب محبة الله لكفى، ومن أحبه الله أحبه الناس، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] ويقول جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4]. وفي الحديث: {إن الله إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض} فاتقوا الله -أيها الناس- فبالتقوى أوصى الله ورسوله، وجدير بالمسلم أن يعضَّ بالنواجذ على وصية الخالق المدبر جلَّ وعلا، ووصية خير البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول عليه الصلاة والسلام: {اتق الله حيث ما كنت}. نعم. يا عباد الله: بالتقوى ينجو الإنسان من الشدائد، وتندك أمامه العقبات، وتزول الشبهات، ويجعل الله له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وييسر له الرزق من حيث لا يحتسب. وذلك مصداق قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4]. عباد الله: بالتقوى ينضج عقل الإنسان، وتتكون عنده ملكة قوية، وبصيرة نيرة، تضيء له الطريق المظلمة، ويفرق بها بين الحق والباطل، وبين النافع والضار، بل وتكفر سيئاته، وتغفر ذنوبه يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:29] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:28]. عباد الله: بالتقوى يأمن الإنسان إذا خاف الناس، ويُسر إذا حزنوا، ويستبشر إذا قنطوا ويأسوا: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:62 - 64] وبالتقوى تزداد علاقات الإنسان بربه، وينال الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:35]. بالتقوى يطمئن المسلم على ذريته من بعده، ولا سيما ضعفائهم: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9].

خير الزاد التقوى

خير الزاد التقوى إذا عرفنا فائدة التقوى، وما تؤول إليه من خير كثير، وعرفنا أننا لا محالة مسافرون عن هذه الدار. نعم يا -عباد الله- نحن مسافرون عن هذه الدار، ومقلعون عنها، ويوشك أن يؤذن لنا بالرحيل غداً أو بعده أو قبله عن هذه الدار، كلنا مسافرون، والكل منا يحتاج إلى تأمين راحته، فسفر الآخرة يحتاج إلى زاد واحد، وهو التقوى وأنعم به زاداً، نعم -يا عباد الله- أنعم به من زاد يكفل السعادة الأبدية، والطمأنينة الكاملة، والعيش الرغيد في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. لذا يا عباد الله: يعرف الإنسان أنه لا غنى له عن التقوى، التي بهها يتخلص من مآزق كثيرة في الدنيا والآخرة، ولاسيما عند الورود على النار، التي لا ينجو منها إلا المتقون، كذلك بالتقوى يكون الله معك، وينصرك، وتفوق عند الله وعند أوليائه أهل الحسب والنسب، مهما عُرفت أنسابهم، وشرفت مراكزهم، وإن كنت مولى الموالي، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ويقول عليه الصلاة والسلام: {لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى}. ويقول بعض السلف رحمه الله: [[ما خرج عبد من ذل المعصية إلى عز التقوى، إلا أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآناسه بلا أنيس]] فاتقوا الله عباد الله، فالتقوى جمال، والتقوى شفاء من الداء العضال، احرصوا أن تكون نفوسكم تقية، فلن يسعد عند الله إلا الأتقياء، وكل من عداهم فهو شقي، اتقوا الله فالتقوى خلف من كل شيء، ولا خلف في التقوى، اتقوا الله فهي أول عدة تعتدونها لأعدائكم وتفوقونهم بها، اتقوا الله في نفوسكم، وفي أهليكم، وفي أموالكم، وفي معاملاتكم، وفي أولادكم، وفي من تحت أيديكم، وفيما ائتمنتم عليه من مصالح المسلمين، وفي أرحامكم، وفي كل مجال من مجالاتكم العامة والخاصة، لتفوزوا برضى الله ورضوانه، بما فيه السعادة في الجنة. اللهم اجعل التقوى خير زاد لنا يا رب العالمين، اللهم اجعل التقوى خير زاد لنا، اللهم اجعل التقوى خير زاد لنا يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، بارك الله ولي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول قولي هذا وأستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

المداومة على الطاعات

المداومة على الطاعات الحمد لله الذي لا يتغير ولا يزول، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى آثارهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ وأكثروا من إتباع الحسنة بالحسنة، فوالله ما أجمل الطاعة إذا أُتبعت بطاعة، ولا أجمل من الحسنة تتلوها الحسنة بعدها، فتلكم الباقيات الصالحات، التي ندبكم إلى فعلها في محكم الآيات، يقول جلَّ وعلا: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46]. فالله الله -يا عباد الله- بالإقبال على ما يرضي الله، فإنه وعد بالخير الكثير لمن أطاعه واتبع رضاه في كل زمان ومكان، فإنه هو الذي أخبر عن نفسه سبحانه وبحمده أنه مع المتقين والمحسنين في كل زمان، أليس هو الذي أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا في رمضان وفي غير رمضان، ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر، ذلكم نزول حقيقي، يليق بجلاله وعظمته، فيقول سبحانه وبحمده: {هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل من فأعطيه مسألته}. عباد الله: ما هذا الانصراف، وما هذه الرغبة عن الله، الذي يحب من عباده المداومة على تقواه، فحذار يا من سمت نفوسهم في رمضان إلى درجات الصالحين، ونعمت وتلذذت لمناجات رب العالمين، وانخرطت في سلك الطائعين، حذار أن تهدموا ما بنيتم، وتبددوا ما جمعتم، حذار يا من كان في رمضان تقياً رحيماً أن تحول نفسك شيطاناً رجيماً، حذار فما أقبح النكوص على الأعقاب، والالتفات عن الله، بعد أن أقبلت عليه تائباً من ذلك، راغباً في رحمته، خائفاً من نقمته. حذار بعد أن كنت في عداد الطائعين وحزب الرحمن، وأسبل عليك لباس العفو والغفران أن تخلعه بالمعاصي، فإنها شهوة قصيرة عاجلة تعقبها حسرة دائمة ونار حامية، في يوم يجاء بجهنم، فتزفر على العصاة وتأخذهم الزبانية بلا رحمة ولا عطف، في يوم ينصب فيه ميزان الأعمال: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6 - 11]. نار بعيد قعرها، شديد حرها، طعام أهلها طعام ينشب في الحلوق {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17] نار لا يموت فيها ولا يحي، ولا يسمع ندائهم فيها ولا يجاب لهم دعاء، يغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه، {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29]. فاتقوا الله -عباد الله- وواصلوا السير إلى الله، لعلكم تفوزون برضاه، وتكونوا من أهل الجنة التي لا يزول نعيمها، ولا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22 - 23]. ويقال لأهلها: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك كرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم احم حوزة الدين، اللهم احم حوزة الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم اخذل من خذل دينك، اللهم انصر من نصر كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، واخذل من خذل كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين من اليهود والمبشرين وأعوانهم والشيوعيين، اللهم أدر عليهم دوائر السوء، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، وردهم إليك رداً جميلاً، وخذ بنواصينا جميعاً إلى كل خير يا رب العالمين، واهدنا سبل الرشاد، اللهم اهدنا سبل الرشاد، اللهم أصلح إمام المسلمين، اللهم ارزقه الجلساء الصالحين، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين وجنبنا وإياهم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونَّ من الخاسرين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ولا ننسى هذه الوصية، وصية رسول الله: {من صام رمضان فأتبعه بست من شوال؛ فكأنما صام الدهر} رواه مسلم. اللهم أعنا على أداء الطاعات، اللهم أعنا على أداء الطاعات، وجنبنا المنكرات يا رب العالمين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكره على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الجهاد

الجهاد الجهاد في سبيل الله بابه واسع، وخيره عظيم، وتجارة رابحة في الدنيا والآخرة، أمر به الله سبحانه وتعالى بالمال والنفس، وجعل لمن مات في سبيله أجراً عظيماً، ويوم تركنا الجهاد -ونحن نعد بالملايين- تداعت علينا الأمم، وأصبحنا طعمة للطامعين، نحب الحياة ونكره الموت ونحن في عداد الميتين فنشكو إلى الله حالة المسلمين!

فضل الجهاد

فضل الجهاد الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: يقول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:10 - 13]. أمة الإسلام: الجهاد في سبيل الله بابٌ واسع، وخيرٌ عظيم، وتجارة رابحةٌ في الدنيا والآخرة، وهو عمل حث عليه ربنا جل شأنه في أكثر من موضع من القرآن، ولم تغفل عنه السنة المطهرة بل اعتنت به عنايةً تامة وبينت مكانته وأنه باب من أبواب الجنة الثمانية.

مبشرات للمجاهدين

مبشرات للمجاهدين عباد الله: الجهاد في سبيل الله بابٌ للحرية، وبابٌ للعزة والكرامة، وللمحافظة على الأنفس والأعراض، وللأموال والبلاد وللعبادات؛ لذلك أمرنا الشارع الحكيم أن نجاهد أعداء الإسلام بكل ما نستطيع. روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم} قال أبو داود: صحيح الإسناد. ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يرعى مصالح المجاهدين وأسرهم أو يجهز غازياً في سبيل الله بأي نوع من أنواع التجهيز فقد شارك الغازي في سبيل الله، وله من الأجر مثل أجر الغازي، فعن سيف بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا} متفق عليه. وتأتي بشارة عظيمة في حديثٍ صحيح ينقله إمام المحدثين البخاري رحمه الله فيقول فيما رواه عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما اغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار} ثم يقول في بشارة أخرى: {لغدوةٍ أو روحةٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها} متفق عليه. وترغيباً في الجهاد وزيادة في الفضل من الله أنه اشترى منا أشياء هو الذي وهبها لنا، وذلك في مقابلة ثمن كريم فقال جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] لذلك ينبغي أن يكون المجاهدون على صلة طيبة بالله تعالى؛ لأن الله تعالى جعل نصرهم على الأعداء بعد طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. ثم يكونوا على أهبة الاستعداد في استيعاب جميع أسلحة القتال امتثالاً لأمر الله {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فإذا حصلت الطاعة وحصل الإيمان الكامل بالله وأعدت القوة الحسية والمعنوية فسوف يحصل النصر والتأييد من الله عز وجل بعدما يكون هذا الجهاد خالصاً لله عز وجل وفي سبيل الله لا يكون لـ قومية أو وطنية أو عصبية أو حمية أو جاهلية، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: {أتى أعرابياً النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة} فعجب لها أحد الصحابة رضوان الله عليهم فقال: أعدها يا رسول الله! فقال: {من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض} قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: {الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله}.

حنظلة يجاهد صبيحة عرسه

حنظلة يجاهد صبيحة عرسه أمة الإسلام: لقد سطر التاريخ الإسلامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته أمثل الأمثال وأروعها لأن الدنيا لم تعظم في قلوبهم. نعم. يا أمة الإسلام! ولم يروا الدنيا شيئاً لأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فإليكم قصة هذا الشاب المسلم، هذا الشاب المسلم من الذين يفخر بهم التاريخ الإسلامي فإنه عمل جاهداً ليكمل شطر دينه، وشاء الله له أن يكمله وأن يتزوج بزوجة عفيفة تقية كما يشتهي رضي الله عنه، فدخل بتلك الزوجة وأتى منها ما يأتي الرجل من زوجته ثم يسمع في صباح عرسه منادي الجهاد: حي على الجهاد، حي على الجهاد؛ فيترك عروسه ودنياه ومتاعه راغباً فيما عند الله من الثواب، وركب الفرس ولبس أدوات الحرب، وما هي إلا لحظات حتى كان منتظماً في صفوف المجاهدين، وقاتل قتال الأبطال الشجعان ما شاء الله له أن يقاتل حتى لقي ربه بين الشهداء وضِمن الشهداء. فلما انتهت المعركة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً عجيباً أثار دهشته! فقال لأصحابه: {هل أحد من أهل حنظلة؟ أين ابن أبي عامر -وكان هذا هو اسم الشهيد- قالوا: يا رسول الله! زوجته وعروسه بنى بها بالأمس -أي: دخل بها- فقال: إلي بها. فجاءت زوجته وعليها آثار العرس فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا زوج حنظلة! اصدقيني القول: ماذا كان آخر العهد بينك وبين حنظلة؟ فقالت: يا رسول الله! بنى بي بالأمس، وأتى مني ما يأتي الرجل من زوجته، وقبل أن يطهر من جنابته سمع منادي الجهاد فخرج للجهاد في سبيل الله ولم يتطهر من جنابته بعد. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: عن هذا سألتك فإني رأيت الملائكة تغسله بماء السلسبيل من الجنة في صحاف من ذهب وفضة بين السماء والأرض تغسله من جنابته}. فيا لها من شهادة حق في سبيل الله!! لقد آثر رضي الله عنه الآخرة على الدنيا ولم يقض شهر العسل في المكسيك أو في البلاد الغربية أو في بلاد الإلحاد والكفر والإشراك، فلقد لقي الجزاء الأوفى من الله عز وجلَّ، وسوف يقضي شهور العسل بل دهور العسل بل حياة طويلة لا انقضاء لها بجوار أرحم الراحمين، في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. اللهم اكتب النصر لأمتنا الإسلامية، اللهم اكتب النصر لأمتنا الإسلامية، اللهم اكتب النصر لأمتنا الإسلامية على أعدائها في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

حال المسلمين اليوم

حال المسلمين اليوم الحمد لله مغيث اللهفات، ومحلِّ الشدائد والكربات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم العلانية والخفيات، ويعلم ما نقوله في ألسنتنا وما تخفيه صدورنا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! قد أوجب الله على المؤمنين الجهاد في سبيله، والاعتصام بدينه الذي هو حبله المتين، والدعوة إلى ذلك، والألفة والاجتماع والتعاون على الخير والبر والتقوى، والاستعانة بالله في جميع الأمور، وقوة التوكل على الله، وعلى القيام بالمستطاع المقدور عليه من الدين والتقوى، وتعلم ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم من العلوم والفنون النافعة التي يحصل بها قيام الدين والأمة، والتمرن على القوة المعنوية والشجاعة الإيمانية وبالأسباب المقوية للإيمان كلها، وبالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة المبطلين والضالين بالتي هي أحسن، والجهاد في سبيل الله حق جهاده، فهذه الأوامر الإلهية في القرآن في مواضع متعددة وكلها داخلة في الجهاد في سبيل الله. ولكن يا للأسف الشديد! لقد تغيرت الأحوال، ولو خرج فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم ورأى التشتت والافتراق وكثرة الأحداث، ورأى واقع المسلمين لقال: بئس ما خلفتموني من بعدي! وما له لا يقول ذلك ونحن نُعد بالملايين وقد تداعت علينا الأمم وأصبحنا طعمة للطامعين، نحب الحياة ونكره الموت ونحن في عداد الميتين. معذرة إلى الله، حالة المسلمين اليوم حالة تبكي لها القلوب وتتفتت لها الأكباد، ويذوب من أجلها الجماد، وكيف لا يكون ذلك وقد أذلهم الرجوع إلى الدول الكافرة في حل مشاكلهم؟ وهيهات أن يحل الكفار مشاكل المسلمين، بل هم فرحون مستبشرون بما يحصل بين المسلمين من التفرق والشتات وسوء المعاملات. فإلى متى هذا الرقاد يا أمة الإسلام؟ تذكروا بيت المقدس ومن ساكنه الآن، أليست شرذمة قليلة ملعونة في كتاب الله؟ {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران:112] تذكروا إخوانكم في أفغانستان فهم يقاومون الشيوعية الحمراء، تذكروا إخوانكم في أفريقيا وقد عثا فيهم التبشير بـ النصرانية. يا شباب الإسلام! الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، يكفي الانحراف، يكفي الانجراف، يكفي الركض وراء المدنية الزائفة، متى الاستيقاظ؟ إلى متى هذا السهاد؟ عباد الله: صلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد الذي جاء بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم صلَِ وسلم وبارك عليه وزد صلاة وتسليماً إلى قيام الأبدان من القبور. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك الشجعان أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وقوي عزيمتنا وأعزنا بالإسلام وردنا إليك رداً كريماً حتى نحذو حذوهم يا من له القدرة التامة! ولا حول ولا قوة لنا إلا بك يا علي يا عظيم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أخرج المسلمين من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، إلى نور الإيمان والإسلام، ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الحج الأكبر

الحج الأكبر حينما يعقد الناس مؤتمراتهم الدنيوية سعياً وراء المصالح، وبحثاً عن الحلول في سبيل التخلص من مشكلات الدنيا؛ عندئذٍ تنطلق كوكبة من طلاب الآخرة لعقد مؤتمرهم الإسلامي السنوي في رحاب الأرض الحرام، ولينجزوا بذلك خطوة في طريقهم إلى الله.

حكم الحج وآدابه

حكم الحج وآدابه الحمد لله، الحمد لله على ما له من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة، والنعم السابغة، أحمده سبحانه وأشكره، ولا أحصي ثناءً عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل. عباد الله، إن الله -جلَّ وعلا- شرع الحج إلى بيته الحرام، وجعله ركناً من أركان الإسلام، وهو كذلك في العمر مرةً واحدةً، فمن زاد فهو تطوعٌ، والله لا يضيع أجر المحسنين. عباد الله! هناك عند بيت الله الحرام وفي المشاعر المقدسة، يجتمع المسلمون ليؤدوا واجباً عليهم، فهنيئاً للمسلمين إن عرفوا قدر هذا الاجتماع، ثم هنيئاً للمسلمين إن عرفوا قدر هذا الاجتماع. أمة الإسلام! إنه موسمٌ عظيم لبَّى فيه المسلمون دعوة الله عز وجل، قال سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:27 - 29]. نعم يا عباد الله! إنها منافعٌ كثيرة تحصل في ذلك الاجتماع العام للمسلمين في تقوية دينهم، وإصلاح دنياهم في قوتهم واتحادهم. نعم يا عباد الله! يحصل في ذلك الموسم العظيم التعارف بين المسلمين، وتقوى صلتهم والروابط بينهم، فيا له من موسمٍ عظيم! ويا لها من فرصةٍ ثمينة! ومناسبةٍ قويمة! لا تحصل لغير المسلمين.

فوائد قصد البيت الحرام

فوائد قصد البيت الحرام اجتماعٌ يلتقون فيه من جميع أقطار الأرض متجهين إلى الله الواحد القهار، فهنيئاً لهم وهم يتجهون إلى تلك البقاع؛ ليجددوا صلتهم بالخالق العظيم، يدفعهم الإيمان، ويحدوهم الشوق، وتقودهم الرغبة فيما عند الله من الخيرات والمغفرة، مؤمنين حق الإيمان بأن الحج ركنٌ من أركان الإسلام، تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان} ورغبةً فيما عند الله من الأجر العظيم، حيث يقول رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {مَن حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} ويقول صلى الله عليه وسلم: {العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة} ويقول -أيضاً- صلى الله عليه وسلم: {تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكيرُ خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثوابٌ إلا الجنة}.

وجوب الحج على الفور

وجوب الحج على الفور عباد الله! الحج واجبٌ على المستطيع على الفور، فلقد خطب نبيكم صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا أيها الناس! قد فُرِضَ عليكم الحج، فحجوا، فقال رجلٌ: أكل عامٍ يا رسول الله؟! فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قالها الرجل ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم. وفي رواية: الحج مرة، فمن زاد، فهو تطوع} وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: [[لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين]]. فاتقوا الله يا من تستطيعون أداء الفريضة، وتتأخرون عن أدائها! اتقوا الله -جلَّ وعلا- قبل أن يأتيكم الموت، وقبل أن ينزل بكم هادم اللذات وأنتم مفرطون، فقدر ورد في الأثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: [[من ملك زاداً وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً]].

ما ينبغي لمن عزم على سفر الحج

ما ينبغي لمن عزم على سفر الحج

التخلص من الديون والمظالم

التخلص من الديون والمظالم عباد الله! اعلموا أنه إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج، أو العمرة، استحب له أن يُوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه، وينبغي أن يكتب ما لَه من الدَّين، ويُشهِد على ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب استجابةً لله حيث يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. وحقيقة التوبة هي: الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفسٍ، أو مالٍ، أو عرضٍ، ردها عليهم، أو تحللها منهم قبل سفره، فقد حث على ذلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {من كان عنده مظلمة لأخيه من مالٍ، أو عرضٍ فليحلله اليوم قبل ألاَّ يكون دينارٌ، ولا درهم، إن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه}.

تعلم أحكام الحج

تعلم أحكام الحج كذلك -يا عبد الله- ينبغي للحاج أن يتعلم ما يشرع له في حجته وعمرته، ويتفقه ويسأل عَمَّا أشكل عليه، ويختار الرفقة الصالحة، ليكون على بصيرة، ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ويحذر أن يصحب معه آلات اللهو، بل يحرص على الذكر والاستغفار، ودعاء الله جلَّ وعلا، ويتضرع إليه ويتلو القرآن ويتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويحفظ لسانه من كثرة القيل والقال، ويتحرز من الخوض فيما لا يعنيه، ويحذر من الإفراط في المزاح، ويصون لسانه -أيضاً- من الكذب، والغيبة، والنميمة، والسخرية بأصحابه وغيره من إخوانه المسلمين، وينبغي له بذلَ البِر في أصحابه، وكفَّ الأذى عنهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة. هذه بعض آداب الحج والعمرة فالزموها، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وجنبني وإياكم ما يبغضه ويأباه، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم حجاً مبروراً، وأن يجعل سعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، إنه غفور رحيم. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المؤمنين، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

فضل الإيمان والعمل الصالح

فضل الإيمان والعمل الصالح الحمد لله مشرف الأيام بعضها على بعض، ومصرف الأحكام بالإبرام والنقض، وموقظ القلوب الغافلة بالتذكير والوعظ، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولانا من الإنعام والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! اعلموا علم اليقين أن الله جلَّ وعلا أعدَّ لمن آمن به وعمل الصالحات خيراً كثيراً، وقد ورد ذلك في كتاب الله، فاسمعوا إلى ذلك يا عباد الله! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]. واسمعوا أيضاً يا عباد الله! إلى هذا الوعد الكريم، لمن آمن وعمل صالحاً: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [العنكبوت:7]. واسمع إلى الوعد يا عبد الله! {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء:124]. واسمع الوعد يا عبد الله! {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة:9]. ويقول ربنا جلَّ وعلا في الذين آمنوا وعملوا الصالحات: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:9 - 10]. وأيضاً يا عبد الله! {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:107 - 108]. ثم يا عبد الله! الذين آمنوا وعملوا الصالحات استثناهم الله من الخسران، بعد أن أقسم جل وعلا، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3].

فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة

فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة فبادروا -رحمكم الله- بالأعمال الصالحة، واغتنموا الفرصة، واسمعوا ما دمتم في وقت الإمكان؛ فإن الله جلَّ وعلا أقسم بهذه الأيام -أيام عشر ذي الحجة- في محكم البيان، والتي قال فيها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {ما من أيامٍ العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بماله ونفسه، ولم يرجع من ذلك بشيء} رواه البخاري. فيا عباد الله! استقبلوها بالأعمال الصالحات، بالإكثار من نوافل العبادة، من الصلاة، والصدقات، والذكر، وقراءة القرآن، والاستغفار، وارفعوا أصواتكم بالتكبير والتهليل في كل مجتمع، وفي كل مكان، فإن هذه سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه عادة سلفكم الصالح، فإنهم كانوا يخرجون إلى الأسواق يكبرون ويهللون، فاقتدوا بهم رحمكم الله، ولا يمنعكم الحياء أن ترفعوا أصواتكم بالتكبير والتهليل، (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً) ما أجمل المسلمين لو رفعوا أصواتهم بهذا الذكر في كل مكان! الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {من صلَّى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}. عباد الله! أمة الإسلام! يا من ترغبون في الخير، سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، قال: {يكفر السنة الماضية والباقية} رواه مسلم ورواه الترمذي أيضاً إلا أنه قال: {صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يُكِّفر السنة التي بعده والسنة التي قبله} فاغتنموا ذلك يا عباد الله! فإن هذا فضلٌ عظيم، ولا تحرموا أنفسكم هذا الفضل. اللهم ارض عن خلفاء رسولك أجمعين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كملتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين. اللهم من قدم إلى هذه البلاد يريد أن يحج ويعتمر، فاجعل حجه مبروراً، وسعيه مشكوراً، وذنبه مغفوراً، واجمعنا وإياه في جنات النعيم، ومن أتى إلى هذه البلاد ليفسد ويؤذي المسلمين في بيتك وفي المشاعر المقدسة، فاجعل منيته في طريقه، واجعله فريسةً للسباع، وأغرقه في البحر قبل أن يأتي إلى هذه البلاد يا رب العالمين، يا قوي يا متين، يا عزيز يا حكيم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح فساد قلوبنا وردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اغفر لنا ولوالِدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الحجاب

الحجاب الحجاب هو المحارب اليوم من أعداء الله من العلمانيين والمنافقين واليهود والنصارى، فلذلك لزم التحدث عنه وحث النساء على التمسك به فهو دين، وقد حذر الشيخ من التبرج والسفور، وذكر أدلة من القرآن على ذلك، كما تكلم عن البرقع وأنه من أسباب الفتنة، وتعرض للتحذير من التشبه بالكافرين، وحذر من مسابقة الإمام في الصلاة.

التحذير من التبرج والسفور

التحذير من التبرج والسفور الحمد لله الذي علمنا الحكمة والقرآن، فمن عمل بما علم فقد أفلح ونجح وبلغ المرام، ومن أعرض عن الذكر الحكيم وما فيه من الآيات المحكمات فقد خاب وخسر وباء بالثبار، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ البلاغ المبين, ونصح الأمة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا ربكم عز وجلَّ، اتقوا الله في السر والعلانية. أيها المسلمون: لا يخفاكم ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج النساء وسفورهن وعدم التزامهن بالحجاب من الرجال، وإبداء كثير من زينتهن الذي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ظهور هذه المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة من أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات، لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد. فاتقوا الله -أيها المسلمون- وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن، وألزموهن بالتحجب والتستر، واحذروا غضب الجبار وعظيم عقوبته. فقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه}.

القرآن يحذر من السفور

القرآن يحذر من السفور أمر ربكم جلَّ وعلا بتحجب النساء في كتابه المبين، وأمر بإلزامهن البيوت وحذّر من التبرج والخضوع بالقول للرجال لأي شيء؛ صيانة لهن عن الفساد؛ وتحذيراً لهن عن أسباب الفتنة، قال الله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:32 - 33] في هذه الآيات الكريمة ينهى الله سبحانه نساء أفضل الخلق، نساء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهل هن مثل نسائنا هذا الزمان؟! لا. وكلا والله، أمهات المؤمنين وهن من خير النساء وأطهرهن ومع ذلك ينهاهن الرب جلَّ وعلا عن الخضوع بالقول للرجال، وما أدراكم ما هو الخضوع بالقول؟ هو تليين الكلام وترقيقه حتى لا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، وكذلك أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بلزومهن البيوت ونهاهن عن التبرج تبرج الجاهلية.

المقصود بالتبرج

المقصود بالتبرج وما أدراك ما هو التبرج؟ هو إظهار الزينة والمفاتن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق، ونحو ذلك من الزينة لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة التي تجول في زماننا ونبعت وكثرت في هذا الزمان. فإن الرجل في زماننا إذا طأطأ برأسه ليغض بصره عن الوجه, نظر إلى الفتحة التي تفوق ما على الوجه والساقين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسألك اللهم المخرج من مضلات الفتن يا رب العالمين. إذا طأطأ الرجل رأسه ليغض نظره عن الوجه ونظر إلى أسفل القدمين والساقين والفخذين قد وضع لهما شقا ليخرجن ليفتن المسلمين، فأين الغيرة يا أمة الإسلام؟! أين الأمر بالمعروف؟! هذا ربنا عز وجل يحذر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحذرهن من إظهار الزينة ومن الخروج من البيوت لما يترتب على ذلك من إظهار للزينة، لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا. لما كانت ملكة الحياء عند نسائنا كان الرجال أشد منهن حياءً، لذلك إذا تقابل الرجل والمرأة في أسواقنا التي كنا نعهدها ضيقة، وليست تلك الشوارع الفسيحة، إذا التقى الرجل بالمرأة وقف الرجل في أول السوق حياءً أن يمس المرأة في ذلك السوق الضيق، ثم تلتصق المرأة بالجدار -لا إله إلا الله! اللهم ردنا إليك رداً جميلا! - والآن -يا عباد الله- لما اتسعت الشوارع قلّ الحياء، والعياذ بالله من مضلات الفتن. إذا كان الله عز وجلَّ يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن، فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عافانا الله وإياكم من مضلات الفتن، يقول الله عز وجلَّ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] فهذه الآية الكريمة ردٌ واضح على من عاند وتعنت في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم, وقد أوضح الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء، وأبعد عن الفاحشة وأسبابها، وأشار رب العالمين جلَّ وعلا إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب سلامة وطهارة.

الفرق بين الحجاب والبرقع

الفرق بين الحجاب والبرقع هذه آيات كريمة تدل على الحجاب لمن ابتغى الهدى والرشاد {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59].

المقصود بالحجاب

المقصود بالحجاب ما هو الحجاب؟ هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب وللتستر به، وهذا الأمر يشمل زوجات النبي وبنات النبي ونساء المؤمنين جميعاً، بإدناء الجلباب على المحاسن من الشعور والوجه وغير ذلك؛ حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذين.

البرقع محرم شرعا

البرقع محرم شرعاً وإن مما يجلب الفتنة ويلفت النظر، هو ما يسمى بـ"البرقع" وهو الذي يبين العيون، والبعض من النساء تزيد في فتحة البرقع حتى تبدي ملامح الوجه، وكذلك ترفع العباءة حتى يظهر مفرق رأسها. أمة الإسلام! أين الغيرة؟ أين الإيمان؟ أين تعاليم الإسلام؟ هذا كله من أسباب الفتنة والتعرض للشر، فتنبهوا لذلك يا أولياء أمور النساء وألزموهن بالحجاب، الحجاب حصن حصين للمرأة، يمنع عنها الشكوك والأوهام، كذلك ألزموا النساء بالبيوت فإن البيت للمرأة خير لها وأسلم عاقبة، وبذلك تتم صيانة الأعراض، قال علي رضي الله عنه الخليفة الراشد: [[ألا تستحون؟! ألا تغارون؟! يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها]] وكان يقول رضي الله عنه: [[أكفف أبصارهن بالحجاب، فإن شدة الحجاب عليهن خير من الارتياب، فإن استطعت ألا يعرفن غيرك فافعل]] الله المستعان! فرضي الله عن علي وعن أصحاب رسول الله أجمعين. ويا ليت علي يرى ما وقع فيه النساء اليوم من التبرج وإبداء المحاسن وظهور الفساد والفواحش! ويا ليت علي يرى الكثير من الناس وهم يبيعون العفة والشهامة، ويهينون الكرامة, يا ليته يرى السائق وهو يذهب بالزوجات والبنات إلى الأسواق والمستشفيات وكأنهن مع إخوانهن أو أزواجهن ولا غيرة ولا مروءة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلينا ولم يبلغنا البلاغ المبين. أين نحن من قول الرسول: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم}. أمة الإسلام: لا تقتلوا أحاديث رسول الله، لا تئدوا سنة رسول الله، لا تهدموا الإسلام بمعاول الاستعمار، اتقوا الله يا عباد الله! يقول لكم رسول الله: {لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} فاتقوا الله يا أمة الإسلام!. أيها المسلمون: الحذر الحذر خذوا على أيدي نسائكم, وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج, وإظهار المحاسن والتشبه بأعداء الإسلام، واستيقظوا من غفلتكم قبل أن يحل بكم ما حل بـ لبنان وما حل بالمجاورين لكم وأنتم تنظرون. انتبهوا قبل أن تندموا وحين ذلك لا ينفع الندم، إنما أضرب لكم المثل بـ لبنان؛ لأنا كنا نعرفها وكأنها بين أعيينا نرى ما فيها من المنكرات وما فيها وما فيها، والآن ويا للأسف يتمنون السكون والراحة من ضرب القنابل والمدافع، كل ذلك لما غيروا وبدلوا غير الله عليهم، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أحلل الغيرة في قلوبنا وأغث قلوبنا بالإيمان، أستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير من التشبه بالكافرين

التحذير من التشبه بالكافرين الحمد لله على نعمة الإسلام، ونسأله الثبات والوفاة على الإسلام والإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد المنّان، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدٌ عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واحذروا من التيارات والمذاهب الهدامة، احذروا من الانزلاق في المدنية الزائفة التي تجر إلى قلة الحياء, وتجر إلى اتباع الصهيونية والشيوعية، وتجر إلى اتباع الغربية وتقليدهم، تجر إلى نبذ التعاليم الإسلامية, ثم تكون خسارة ووبالاً يوم القيامة. من ذلك -يا عباد الله- التشبه بأعداء الإسلام في الملابس والزي وغيرها، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء} ويقول سيد البشرية: {اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء} ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه مسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، فذكر منهما -أي: الصنفين- نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها}. احذروا أن يكون هذا الصنف في بناتكم أيها المسلمون، احذروا يا عباد الله! تذكروا فهذا تحذير شديد من التبرج والسفور ولبس الرقيق والقصير من الملابس، وبذلك انعكست المسألة, فصار بعض الرجال يسحب الثياب ويطيلها، وصارت بعض النساء تقصر الثياب, فإنا لله وإنا إليه راجعون. فلنحذر. ولنحذر من التشبه بأعداء الإسلام, فإنه: من تشبه بقوم فهو منهم وكذلك يجب منع البنات الصغار من الملابس القصيرة حتى لا تشب وتعداد ذلك. فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا ما حرم الله عليكم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه، واعلموا أن الله مجازيكم على أعمالكم وسائلكم عن ذلك، فأعدوا للسؤال جواباً، وللجواب جواباً صواباً، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعطفك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الدين من اليهود والشيوعيين والمستعمرين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً عليه يا مجيب الدعاء. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة الصلاة عمود الدين، ولا دين لمن لا صلاة له، وإن مما يدل على عظم الصلاة وفضلها أنها فرضت من الله عز وجل بلا واسطة، وفرضت فوق السماوات السبع، والصلاة صلة بين العبد وربه فعلى العبد أن يحسن الصلة بينه وبين ربه، وأن يجاهد نفسه على الخشوع فيها، والذين لا يخشعون في صلاتهم لا يجدون لها لذة، ولا تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ولا يصلونها بسكينة وتؤده، وإنما ينقرونها كالغراب، فلذلك يحسون بثقلها ومشقتها.

الأمر بالمحافظة على الصلوات

الأمر بالمحافظة على الصلوات الحمد لله الذي فرض على عباده الصلوات الخمس, فرضها لحكم بالغة وأسرار لا يعلمها إلا هو سبحانه، وجعلها صلة بين العبد وبين خالقه جل وعلا, ليستنير بذلك قلب المؤمن ويحصل له المطلوب في الدنيا ودار القرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها المسلمون المؤمنون بالله حقاً: اتقوا الله تعالى، وحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ حافظوا على الصلوات بأداء أركانها وشروطها وواجباتها, ثم كملوها بفعل مستحباتها، فإن الصلاة عمود الدين، ولا دين لمن لا صلاة له، هكذا قال صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ آخر أنفاس الموت يوصيكم بالصلاة: {الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم}. أيها المسلمون: لقد فرضت الصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم من الله جلَّ وعلا بلا واسطة، وفرضت فوق السماوات العلى، وفرضت خمسين صلاة حتى خفضت إلى خمس صلوات في العمل وخمسين في الميزان ألم يكن هذا أكبر دليل على فضلها والعناية بها؟ أيها المسلمون: إن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، يقف العبد بين يدي الله عز وجلَّ موقف خضوع وإذلال، فيكبر الله عز وجل معظماً ومخبتاً وخاشعاً له يتلو كتابه العزيز, ويتلذذ بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ويسبحه ويعظمه بما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى، ويسأله من حاجات دينه ودنياه ما يكون وسيلة إلى حلول رضوانه وكرامته.

الحث على الخشوع في الصلاة

الحث على الخشوع في الصلاة أيها المسلمون: إنه لجدير بمن كان متصلاً بربه أن ينسى كل شيء دون الله عز وجلَّ، وأن يكون حين هذه الصلة خاشعاً قانتاً مطمئناً قلبه، مستريحاً لله وبالوقوف بين يدي الله، ولذلك كانت الصلاة قرة أعين العارفين، يقول صلى الله عليه وسم: {أرحنا بها يا بلال! أقم الصلاة} فهي راحة قلوب العارفين بالله جلَّ وعلا، لما يجدون في الصلاة من اللذة والأنس بمعبودهم ومحبوهم رب العالمين. أيها المسلمون: إنه لجدير بمن دخل الصلاة خاشعاً مطمئناً قانتاً خائفاً من الله مراقباً لله، أن يخرج منها بقلب مملوءٍ فرحاً وسروراً، وإنابة لربه وإيماناً، لذلك كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لما يحصل للقلب منها من النور والإيمان والإنابة. وإنه لجدير بمن عرف حقيقة الصلاة وفائدتها وثمرتها أن تكون أكبر همه، وأن يكون منتظراً إليها، مشتاقاً إليها، ينتظر تلك الساعة في غاية الشوق والفرح والاهتمام؛ لأنه سوف يقف أمام رب العالمين، وسوف يقف بين يدي ملك الملوك، وسوف يقف بين يدي جبار السماوات والأرض، وسوف يقف بين يدي الواحد القهار الذي إذا سأله الحوائج وقال: يا ربِ! قال: لبيك عبيدي ولذلك أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، وهكذا كان يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حال من لا يخشعون في الصلاة

حال من لا يخشعون في الصلاة أيها المسلمون: التجئوا إلى الله وأقيموا الصلاة كما أمركم الله, وكما صلاها رسول الله, حتى تجدوا لها اللذة وتفرح وتستنير بها قلوبكم. أما اللذين يصلون ولا يعرفون فائدة الصلاة ولا يقدرونها حق قدرها؛ لذلك ثقلت عليهم الصلوات، ولم تكن قرة لأعينهم، ولا راحة لأنفسهم، ولا نوراً لقلوبهم، إنما يصلون تقليداً للآباء، أو حياء وخجلاً من الناس، أو عادة لا يعتبرونها عبادة، فهم ينقرون الصلاة نقر الغراب، وإذا صلوا خلف من يطمئن بصلاته، قالوا: أنت منفر، أنت مبعد عن الدين الإسلامي. ويا للأسف الشديد! إنهم يؤولون حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، ولا يعلمون ما هي صلاة معاذ بن جبل رضي الله عنه، إن معاذاً صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، وجاء إلى قومه ليصلي بهم، فصلى بهم وقرأ سورة البقرة الله أكبر! وهؤلاء يقولون لمن قرأ بالتين والزيتون، أو بالضحى، أو بالشرح، وأحياناً بعبس: إنك منفر ويقولون لمن قال: سبحان ربي العظيم خمس مرات أو سبع مرات، يقولون: إنك منفر، أئت لنا بالواجب مرة واحدة! هل نحن في حالة خوف يا عباد الله؟! ألسنا في أمن ونعمة وطمئنينة ورغد عيش تستوجب الشكر لله، وتستوجب أن نقوم لله قيام من عرف حقه وحق هذه النعم التي هي تترى علينا ليل نهار؟! إن الذين لا يجدون للصلاة لذة ولا يعرفون لها قدراً، وينقرونها نقر الغراب، ولا يطمئنون فيها، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً من هم أولئك؟ أولئك هم المنافقون، ولا صلاة لهم ولو صلوا ألف مرة؛ لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم، المعلم الأكبر الذي جاء بهذا الدين، الذي قال: {صلوا كما رأيتموني أصلي} قال للرجل الذي كان لا يطمئن في صلاته: {ارجع فصل, فإنك لم تصل} فعل ذلك ثلاث مرات، وفي كل ذلك يذهب فيصلي، ثم يأتي فيسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول له: {ارجع فصل, فإنك لم تصل}. وبعد أن ألقى عذره، قال: {يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني} فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بالطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة.

الوسوسة في الصلاة وعلاجها

الوسوسة في الصلاة وعلاجها أيها المسلمون: إن الكثير من الناس يصلي بجسمه لا بقلبه؛ لأنه جاء إلى المسجد بجسمه، وقلبه في كل واد يجول، يفكر في كل شيء حتى في الأمور التي لا مصلحة له منها، وهذا ينقص الصلاة نقصاً كبيراً, ويجعلها قليلة الفائدة للقلب بحيث يخرج هذا المصلي من صلاته وهي لم تزده إيماناً ولا نوراً. وقد فشى هذا الأمر -أعني الوسوسة في الصلاة- ولكن الذي يعين على إزالته هو أن يفتقر العبد إلى ربه، ويأتي الصلاة برغبة، ويقبل على الله بقلب حاضر، ورغبة فيما عند الله عز وجلَّ، ويعلم علم اليقين أنه فقير وعبدٌ لله يريد من الله العون والنجاة في الدنيا والآخرة، ويسأله دائماً أن يعينه على إحسان العمل، وأن يستحضر عند دخوله في الصلاة أنه سوف يقف بين يدي ربه وخالقه الذي يعلم سره ونجواه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وأن يعتقد أنه إذا أقبل على ربه بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه، وأن يؤمن بأن روح الصلاة ولبها هو الخشوع فيها وحضور القلب، ويعلم أن حضور الصلاة بلا خشوع كالجسم بلا روح. ومن الأمور التي تستوجب حضور القلب أن يستحضر معنى ما يقول وما يفعل في صلاته، وأنه إذا كبر ورفع يديه فهو تعظيم لله، وإذا وضع اليمنى على اليسرى فهو ذل بين يدي ربه عز وجلَّ، وإذا ركع فهو تعظيم لله، وإذا سجد فهو تصاغر أمام علو الله جلَّ وعلا، وأنه إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] أجابه الله عز وجل من فوق عرشه قائلاً: حمدني عبدي. وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال الله: مجدني عبدي الله أكبر! يجيبه رب العالمين، يجبيه الخالق جلَّ وعلا، يجيبه من بيده ملكوت كل شيء -فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل هكذا يجيبك مولاك من فوق سبع سماوات، فاستحضر ذلك. واعلم أنك إذا قلت: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى, وإن كنت تقولها بصوت خفي، وإن كنت تقولها في محل مظلم, فإن الله تعالى يراك ويسمعك وهو فوق عرشه, فما ظنك إذا آمنت بأن الله تعالى يقبل عليك إذا أقبلت عليه في الصلاة، وأنه يسمع كل قول تقوله وإن كان خفياً، ويرى كل فعل تفعله وإن كان يسيراً، فهو تعالى المحيط بعبده علماً وقدرة وتدبيراً، وسمعاً وبصراً, وغير ذلك من معاني ربوبيته. فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأقيموا صلاتكم وحافظوا عليها، واخشعوا فيها، فقد قال ربكم في كتابه الكريم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] من هم؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2]. اللهم اجعلنا من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون, وعليها محافظون, وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا كريم، وتقبل منا صالح الأعمال يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأسأل الله بمنِّه وكرمه ألا يجعله حجة عليّ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على صلاة الجماعة

الحث على صلاة الجماعة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك الناصح الأمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واحرصوا على أداء الصلوات المكتوبة في جماعة, وفي أول أوقاتها, ولا تتخلفوا عن الجماعة، فإن في تخلفكم عن الجماعة إضاعة لأمر الله عز وجلَّ, ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام:72] وقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم} متفق عليه. والمتخلف عن الجماعة فوت على نفسه خيراً كثيراً، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة} متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: {إذا توضأ العبد فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة, وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلات ما انتظر الصلاة}. متفق عليه. ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: {جاء رجل أعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له أن يصلي في بيته، فرخص له، فلما ولّى دعاه, فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب} رواه مسلم. فكيف بمن يسمع النداء فوق رأسه ومن الإذاعة والتلفاز، ثم لا يجيب منادي الله عز وجلَّ؟! إنها مصيبة عظمى أصيب بها أكثر الناس، وهي بعدهم عن الله وعن الصلاة وأدائها فمن ترك الصلاة متعمداً فهو كافر، وسوف يكون في سقر، وسقر: اسم من أسماء جهنم, وأما المتهاون بها فسوف يلقى غياً أو غيلاً، وكلاهما واديان في جهنم لمن اتبعوا الشهوات وأضاعوا الصلاة. اللهم نجنا من النار, ووفقنا للقيام بطاعتك يا كريم، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار. عباد الله: صلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليها بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الناصح الأمين، الذي دل الأمة على كل خير وحذرها عن كل شر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الدين، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، واخذل من خذل الإسلام وأهله، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، واجعلهم قرة أعين لوالديهم يا رب العالمين، اللهم انصر بهم دينك، اللهم أعلِ بهم كلمتك، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك، اللهم اشف ما ببعضهم من الأمراض الاجتماعية التي أدت إلى الهوس يا رب العالمين، اللهم أصلحنا جميعاً واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم وفقنا لامتثال أمرك وامتثال أمر رسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح قلوبنا واشف مرضها، اللهم املأ قلوبنا من محبتك وخشيتك، ومن معرفتك ومن الأنس بقربك، واملأها حكمة وعلماً ومعرفة بك يا رب العالمين رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن ترفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الخمور

الخمور أباح الله لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث والمضرات، ولقد كرم الله بني آدم بكرامات كثيرة، أهمها العقل؛ لكن تجد من الناس من يجني على هذا العقل بشرب الخمور والمسكرات. وهنا نداء إلى شارب الخمر قبل فوات الأوان.

إباحة الطيبات وتحريم الخبائث

إباحة الطيبات وتحريم الخبائث الحمد لله الذي أباح لنا جميع الطيبات، وحرم علينا الخبائث والمضرات، أباح لنا الطيبات تفضلاً منه وولاية، وحرم علينا المضرات عناية منه ووقاية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله حق التقوى، وتمتعوا بما أحل الله لكم من الطيبات، واشكروه عليها بالقيام بطاعته، فإن الشكر سبب للمزيد، واسمعوا إلى الرءوف الرحيم، وهو يحثكم على الأكل من الطيبات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. أيها المسلمون! إن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نوراً وهدىً، فيه آيات بينات، وسبل واضحات، من اتخذه إماماً وقائداً؛ سعد في دنياه وفاز في أخراه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] ومن ترك العمل بالقرآن، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ضل في دنياه وشقي في أخراه {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72]. أيها المسلمون: هذا العمى المذكور في الآية الكريمة سببه اجتراح السيئات، وفعل المنكرات، فإن المعاصي توجد في القلب ظلمة حقيقية، يشعر بها العاصي -إن كان له ضمير- كما يشعر بظلمة الليل البهيم، وتزداد هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تعلوا وتكون سواداً في الوجه، وذلك هو الران الذي ذكره الله في كتابه قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].

المسكرات تذهب بالعقول

المسكرات تذهب بالعقول أيها المسلمون: إن المعصية سبب لهوان العبد على الله جل وعلا وسقوطه من عينه، وإذا هان العبد على ربه لم يجد من يكرمه، كما قال سبحانه وبحمده: {وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18] ويقول جل علا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]. نعم. الله عز وجل يكرم بني آدم بكرامات كثيرة، وفي مقدمة هذه الكرامة العقل، إن العقل نعمة كبرى، ثم يجني بعض بني آدم على هذه الجوهرة وهذا العقل السليم ويزيله بما حرم الله عليه، وذلك بالمسكرات والمخدرات من خمور وغيرها، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وهذه المسكرات من الخمور وغيرها توعد الله فاعلها بالخزي في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأخزى؛ لأن الخمر أم الخبائث، ورأس الخبايا، ودليل إلى النار، وهي جالبة لغضب الجبار، فهي التي تيسر للعبد سبل الفساد وتجعله يشتري الجنون بدل الرشاد، ويشتري الجنون بماله الذي تعب فيه، ويبيع كنزاً ثميناً، بل يجني عليه أكبر جناية، ألا وهو العقل الذي ركبه الله فيه. أمة الإسلام: إن شارب الخمر خاسر شرفه، ساقطة مروءته، مرذول بين المجتمع، شارب الخمر لو يرى نفسه وهو سكران، يمشي ويطيش ويتمايل في الطريق والناس يضحكون عليه ويستهزئون به، لو يرى نفسه في تلك الحالة ما قارب الخمر، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، اللهم إنا نسألك العفو والعافية يا رب العالمين.

عاقبة شارب الخمر في الدنيا ويوم القيامة

عاقبة شارب الخمر في الدنيا ويوم القيامة يا شارب الخمر! أين كرامتك حين يراك من كان يظن أنك من المكرمين، بل أين الإسلام وأنت لا تخاف رب العالمين! إن كان شارب الخمر تاجراً، فلا يأمن الإسلام فإن الله قد توعد شاربها بالفقر والجنون والفضيحة بين الناس. وإن كان شارب الخمر موظفاً فستكون عاقبة أمره التشريد والعذاب الشديد، وقد أجمع الأطباء على أن شارب الخمر يصاب بأمراض كثيرة فتاكة، منها: السل والشلل، واحتقان الكبد، وإفساد المعدة، وتغير الخلق، فالسكارى يسارع إليهم التشوه وتسود وجوههم، ويكون كالهرمِ جسماً وعقلاً. فالخمر تضر الجسد ضرراً بالغاً، وتقتله قتلاً فاتكاً ذريعاً، وتؤثر على عقول الذرية، فولد السِكِير لا يكون نجيباً ولا ذكياً، بل ربما يصاب بالخبل والجنون، فهذا بعض ما يصاب به شارب الخمر في الدنيا. أما يوم القيامة، أما يوم الحسرة والندامة، أما يوم الفضيحة، أما يوم الاجتماع الأكبر، فيجيء شارب الخمر متحمل وزره وفضيحته. وعندما يضع شارب الخمر على فمه الكأس، يقول الإيمان للكأس: انتظر حتى أخرج من القلب وتحل أنت فيه؛ لأنه لا يجتمع الخمر والإيمان معاً في قلب مؤمن، بهذا أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وكما أخبر صلى الله عليه وسلم: {أن الله لعن الخمر وشاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستاقها وآكل ثمنها}. وقال صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات} أي: الزواني، يسقى شارب الخمر من هذا النهر الذي يجري من فروج الزواني، الذي يؤذي أهل النار ريح فروجهن. فهل يرضى عاقل من العقلاء أن يكون هذا حاله يوم القيامة؟! وهل تعلم يا شارب الخمر أنك بعد شربها، لا يقبل الله منك صلاة ولا صياماً أربعين صباحاً، وهل سمعت يا شارب الخمر أنك يوم الهول الأكبر تشرب من عرق أهل النار، فيقطع أمعاءك ويشوي لحم وجهك وبدنك، وتكون من الخاسرين، الذين خسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

الإجماع على تحريم الخمر

الإجماع على تحريم الخمر أيها المسلمون: أيها المؤمنون بالله حقاً! لقد أجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في قديم الزمان وحديثه، على أن الخمر حرام إجماعاً قطيعاً لا ريب فيه، فمن قال أن الخمر حلال فهو كافر يستتاب، فإن تاب وأقر بتحريمها ترك، وإلا قتل كافراً مرتداً، لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يرمى بثيابه في حفرة بعيدة، لئلا يتأذى المسلمون برائحته وأقاربه بمشاهدته، ولا يرث أقاربه من ماله، وإنما يصرف ماله في مصالح المسلمين، ولا يدعا له بالرحمة، ولا بالنجاة من النار؛ لأنه كافر مخلد في نار جهنم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب:64 - 66]. نعم أيها المسلمون! إن من اعتقد أن الخمر حلال فهو مضاد لله، مكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خارج عن إجماع المسلمين، أما من شرب الخمر وهو يؤمن ويعتقد بأنها حرام، ولكن سولت له نفسه الأمارة بالسوء فشربها، فهو عاق لله، فاسق عن طاعة الله، مستحق للعقوبة، وعقوبته في الدنيا أن يجلد ردعاً له ولغيره، فإذا تكرر من الشارب الشرب وهو يعاقب ولا يرتدع، فقال ابن حزم رحمه الله: "يقتل في الرابعة" إذا شرب الرابعة يقتل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يقتل في الرابعة عند الحاجة، إذا لم ينته الناس بدون القتل".

من أضرار المسكرات

من أضرار المسكرات فاتقوا الله أيها المسلمون! واجتنبوا الخمر لعلكم تفلحون، فلقد وصفت الخمر بأقبح الصفات في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصفها الله بأنها رجس من عمل الشيطان، وقرنها بالميسر والأزلام وعبادة الأوثان، وقال صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الخمر مفتاح كل شر، وجماع الإثم كله، إن شاربها يفقد عقله، ويلتحق بالمجانين، وربما يقتل نفسه وهو لا يشعر، وربما يزني بأمه وأخته وابنته وخالته وعمته وهو لا يشعر، كل هذا يحصل إذا فقد الشعور بسبب أم الخبائث وبسبب شرب المسكرات. لقد رُئي الكثير من سائقي السيارات الكبيرة وهم يصطدمون بالجدران وهم فاقدو الوعي، وقد رُئي الكثير من سائقي السيارات وهم يختلطون بدمائهم والمسكرات جميعاً -نسأل الله العفو والعافية- فكثير من الحوادث سببها المسكرات، ومنها أكل الحبوب التي غزت المسلمين. اللهم لك الحمد وعليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم من أتى بالحبوب والمسكرات إلى بلاد المسلمين؛ ليفسد البلاد ويؤذي العباد، اللهم اجعل منيته في طريقه، اللهم اجعل منيته في طريقه، اللهم اجعل منيته في طريقه. اللهم من أتى بالمسكرات والمخدرات إلى بلاد المسلمين، لينشر الشر والفساد فاجعل منيته في طريقه، اللهم اجعله فريسة للسباع، اللهم اجعله فريسة للسباع، اللهم مغنماً للسباع يا رب العالمين، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:90 - 91]. اللهم إن نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، أن تجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه إنك على كل شيء قدير. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

نداء لشارب الخمر

نداء لشارب الخمر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح لأمته، وترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صلِّ وسلم على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واسمعوا وأطيعوا. عباد الله: الله الله بالابتعاد عن المسكرات والمخدرات، فقد علمتم ما تقدم من الآيات والأحاديث أن الخمر أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم، وعلمتم أن عذاب شاربها أليم، وأنها أم الخبائث ورأس الخطايا، ومفتاح الشرور، ودليل إلى النار، وجالبة لغضب الجبار، فالحذر الحذر يا عباد الله! فليتق الله شارب الخمر، وليفكر بالموت وسكراته، والقبر وظلماته، ولِيَتُب إلى الله، وليعمل صالحاً، وليقل لنفسه ويؤنبها: نفسي ذهب الصبا وولى وجاء المشيب، وقد قضيت عمري في اللهو فهل ترجعين؟! نفسي إن كان قد غرك الشباب فالعمر ينتهي كلمح البصر، وإن كان غرك المال فما أنتِ من قارون أغنى وقد خسف الله به الأرض، وإن كان غرك نضرة الوجه، فالدود ينتظر أن يشبع من لحم الخدود. فكر يا شارب الخمر فيما سمعت، وعظ نفسك لعلها ترق وتلين، وافتح آذان قلبك لعلك ترجع عن غيك، واذكر يوماً يقوم فيه الناس لرب العالمين، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، يوم يعض الظالم على يديه نادماً على ما جناه {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19] فاتقوا الله عباد الله! وأحسنوا سيرتكم وأفعالكم مع الله، وتجنبوا ما يخجلكم ويخزيكم عند الوقوف بين يدي الله. وصلوا وسلموا على الناصح الأمين، صلوا وسلموا على رسول الله، على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأن نشهد أنه لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نسألك باسمك العظيم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سألت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، وإذا استنصرت به نصرت، أن تعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، اللهم انصر الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم انصر الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقنا وإياهم لما تحب وترضاه، وجنبنا وإياه ما تبغضه وتأباه، اللهم أرنا جميعاً الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا جميعاً الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، وجميع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أصلح أحوال المسلمين وألف ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الدخان ومضاره

الدخان ومضاره اعتنى الإسلام بالمسلم من كل جانب، ومن ذلك صحته، فقد حرم عليه محل ما يضره أو يضر غيره، ومن ذلك التدخين. وقد تحدث الشيخ عن مضار التدخين الصحية والاجتماعية والدينية، وعرض قول العلماء فيه من أصحاب المذاهب الأربعة وأنه لا يجوز بأي اسم أو صورة كان.

تحريم المذاهب الأربعة للتدخين

تحريم المذاهب الأربعة للتدخين الحمد لله, كرّم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحلَّ لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث, وهي من صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق, ويدعو إلى كل فضيلة، وينهى عن كل رذيلة, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا المعاصي بأنواعها, واحذروا المروجين للمعاصي الجالبين للمسلمين ما فيه ضررهم في دينهم ودنياهم وأبدانهم, الذين يسعون لجلب الدخان, أو التتن, أو التبغ, وكلها مسميات لأبي الخبائث الدخان, الذين يسعون لاستيراده, المتساهلين بما فيه من الخطورة والداء العضال, وقد تساهل فيه كثير من الناس حتى عمَّ المجتمعات وابتلي به كثير من الأفراد, وربا عليه الصغير في هذا الزمان، وهرم عليه الكبير إلا من رحم ربك. والدخان لم يوجد إلا حديثاً, ولم يوجد في عهد السلف , ولقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم الدخان, منهم العيني من فقهاء الحنفية، قال رحمه الله: يحرم الدخان لكونه مضر للصحة بأخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك فيحرم استعماله اتفاقاً, ولأنه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهي عن استعمالها شرعاً, للحديث: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر} والدخان مفتر باتفاق الفقهاء سلفاً وخلفاً, ولكون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وخصوصاً في مجامع العبادات ونحوها, ويؤذي الملائكة المكرمين, وفي الحديث المتفق على صحته: {إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم} , ولكون الدخان سرفاً وتبذيراً إذ ليس فيه نفع مباح خالٍ عن الضرر, بل فيه الضرر المحقق باختيار أهل الخبرة، هذا كلام الحنفية. وقال الشيخ/ خالد بن أحمد بن عبد الله من المالكية: لا تجوز إمامة من يشرب الدخان, وإن لم يدمن عليه, والصلاة خلفه باطلة على الأرجح, ولا تجوز شهادته وهي باطلة ثم قال رحمه الله: لا يجوز الاتجار في ذلك يعني الدخان، هذا مذهب المالكية. وقال الشيخ/ ابن علان الصديقي من الشافعية رحمهم الله في إعلام الإخوان بتحريم تناول الدخان: وقد اتفق العلماء على حفظ العقول وصونها من المفترات والمخدرات, وكل من امتص هذا الدخان مُقر بأنه لا بد أن يدوخ أول تناوله, ويكفي ذلك دليل على التحريم, لأن كل ما غير العقل بوجه من الوجوه أو أثر فيه بطريق تناوله فهو حرام، قال صلى الله عليه وسلم: {كل مسكر حرام} والمراد بالإسكار فيه الإسكار القوي, أي: مطلق التغطية على العقل, وإن لم يكن معه الشدة المطربة، ولا شبهة أنها حاصلة لكل متناول أول ما يتناول الدخان. وقوله: إذا تناوله بعد لا يؤثر فيه ذلك, لا ينفي سبب التحريم؛ لأن مدمن الخمر إذا اعتادها لا تؤثر فيه تغييراً أصلاً, ولا يخرجها ذلك عن كونها حراماً, اعتباراً بأصل التغيير الثابت فيها للعقول. قال بعض العلماء رحمهم الله: التنباك حرام -أي: الدخان- ومن دلائل تحريمه أن فيه إضاعة المال من غير فائدة, لا في الدين ولا في الدنيا, وهو إسراف، والإسراف ممنوع لقول ربنا جل وعلا {وَلا تُسْرِفُوا} [الأنعام:141] ولقوله تبارك وتعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء:26] ولقوله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء:5] وأي سفاهة فوق أن يحرق الإنسان ماله, ويحرق قلبه وصدره بلا فائدة؟ والدخان عبث, والعبث مذموم, والدخان خبيث يستخبثه من لا يشربه ولا يصاحب شاربه, وقد قال ربنا جل وعلا: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] مع تلك المضار الكثيرة أنه ينتن الفم الذي هو محل ذكر الله عز وجل, ويحصل منه سواد الشفتين، وعلى كل حال هو شيء لا خير فيه.

أضرار التدخين الصحية

أضرار التدخين الصحية ومن فقهاء الحنابلة الشيخ/ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قال في أثناء جوابه: وبما ذكرنا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم يتبين لك تحريم الدخان الذي كثر في هذا الزمان استعماله, وصحَّ بالتواتر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات خصوصاً إذا أكثر منه أو تركه يوماً أو يومين لا يشربه ثم شربه فإنه يسكر, ويزيل العقل حتى إن صاحبه يحدث عند الناس ولا يشعر بذلك, فهذا ما قاله العلماء والأطباء, وإليك ما فيها -أي: مقالات العلماء- من مضار الدخان: 1 - أنه إسراف وتبذير، وشارب الدخان يعدي أولاده, وخصوصاً الذين يشربونه أمام الأولاد, وربما يرسلون أولادهم يشترون لهم من الدكان. 2 - الدخان يثقل على العبد العبادات, فلا تراه في الصف الأول, ويبغض إليه المكث في المساجد, ويكره صاحبه الصيام, ويدعو شاربه إلى مخالطة الأنذال والسُفَّل، ويزهده في مجالسة الأخيار. 3 - الدخان يؤذي المسلمين, ويؤذي الكرام الكاتبين, ويلوث الفم واللسان والحلق والصدر, وكلها مواضع ذكر لله, ومن أراد أن يتبين ذلك فليمر على صاحب فرن ولينظر في قلبه فإنه يجول مثل ذلك الفرن الملتهب ناراً, وقلبه أسود من كثرة ممارسة الدخان. 4 - من مضار الدخان احتوائه على مادة (النيوكوتين) السامة، والدخان يعرض شاربه لأمراض خطيرة في بدنه, ومن ذلك تعسير الهضم وإحداث التهاب في الرئتين, وإحداث السعال, وتعطيل الشرايين الصدرية, وعسر التنفس, وتشويش انتظام دقات القلب. 5 - شارب الدخان يعين على قتل نفسه والله حرم ذلك: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29]. 6 - الدخان يضعف البصر, ويضر بالعقل, ويورث الحمق وسرعة الغضب, ويخرب كريات الدم, ويحطم الأعصاب, ويؤدي إلى مرض السل الرئوي, ومرض السرطان, ويسود الفم والوجه, ويتلف الأسنان ويذهب نظرتها, ويكرهها للناظرين, ويحدث الأرق وعدم النوم, ويحدث التيبس في الكبد, ويحدث مرض الفالج. فهذه بعض الأمراض الناتجة عن الدخان أبا الخبائث. فالواجب على العاقل الناصح لنفسه أن يتوب إلى الله عز جل عن شربه قبل أن يموت بسببه, فيكون قد أعان على قتل نفسه. اللهم اعصمنا عن كل محرم، اللهم أصلح أولادنا ونسائنا، اللهم اكفنا بالحلال عن الحرام، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين، يقول ربكم بعد أعوذ بالله: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى:9 - 13]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

أضرار التدخين الاجتماعية والدينية

أضرار التدخين الاجتماعية والدينية الحمد لله يهدي من يشاء, ويضل من يشاء, ومن يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل الخلق على الإطلاق، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله عز وجل وراقبوه في السِّر والعلانية, وابتعدوا عن جميع ما يغضب الرب جل وعلا, ابتعدوا عن مجالسة الأشرار, ابتعدوا عن مجالس السوء، وتأملوا ما جاءت به الشريعة من إحلال الحلال وتحريم الحرام؛ فإن الشريعة أحلت ما فيه مصالح للعباد, وحرمت ما فيه مضار للعباد. وللدخان مضار كثيرة فمن مضاره ما ذكرته سابقاً, وكذلك للدخان مضار اجتماعية وهي: انتشار الفساد في المجتمع, وكثير من الذين يشربون الدخان الآن لا يبالون بانتشاره بين الناس, بل يشربونه أمام الناس وأمام أولادهم الصغار, وهذا لا شك يهون شربه عند الصغار ويؤدي إلى نتيجة حتمية وهي: أن الصغار إذا اعتادوه في الصغر فتك بهم فتكاً عظيماً, ثم لا يستطيعون الخلاص منه عند الكبر إلا بعد المشاقة الكبيرة. وأما مضاره الدينية: فإن المحققين من أهل العلم الذين عرفوا مصادر الشريعة ومواردها وسلموا من الهوى قد تبين لهم تحريم الدخان من عمومات النصوص الشرعية, وقواعد الدين المرئية, وإذا كان حرام فثمنه حرام, ومعامله عاصياً لله ولرسوله, وبائعه عاصٍ الله ولرسوله, ضار لأمته ومجتمعه وأولاد المسلمين. وبائع الدخان سوف يلقى جزاءه أمام رب العالمين إذا سأله تلك المسائلة فليعد الجواب وليقل: إن الزبائن يبتعدوا إذا لم يجدوا عندي دخان, ليعد هذا الجواب البائخ, ليعد هذا الجواب الفاشل أمام رب العالمين. وسيقول له الله أنه أخبرنا في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]. أمة الإسلام! الدخان ضرر في الدين؛ فإن الإيمان ينقص في المعصية ويزيد في الطاعة, وقد ألَّف كثير من علماء المسلمين في تحريمه عدة نسخ, جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. ونصيحتي -أيها المسلمون- لمن مَنَّ الله عليه بالعصمة من هذا الدخان, أن يحمد الله على هذه النعمة, ويسأله الثبات عليها، ويدعو لإخوانه بالعصمة من هذه الدخان الخبيث. أما نصيحتي بمن ابتلوا به بأن يتأملوا بدقة وإمعان في مضار الدخان ونتائجه, ليقتنعوا بضرورة الاقتناع منه، ويهون عليهم تركه واجتنابه, وأن يلحوا على ربهم بالدعاء أن يعصمهم منه ويستعينوه على ذلك, ويستعملوا الأسباب التي تعينهم على تركه, وذلك بقوة العزم وعدم الجلوس في كل محل يشرب فيه الدخان, والتسلي بما أباح الله لهم من الطيبات من المطاعم والمشارب, ولينظروا في حال من عافاه الله كيف عادت لهم صحتهم وقوتهم وزالت عنهم الأضرار الناتجة عن شرب الدخان والحمد لله رب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى علي صلاة، صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلنا ممن يحلون الحلال ويحرمون الحرام ويجتنبونه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى المبشرين والشيوعيين, اللهم دمرهم تدميراً, اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك, ومزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين, اللهم أعزنا بالإسلام وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العليم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الربا

الربا الربا مرض عظيم يفتك بالمجتمع، ويقطع الأواصر، وينشر الاستغلال، وينزع الرحمة، ويحل الغضب والحرب من الله، والتحايل عليه لا يجدي عند الله، ولا يخرجه عن اسمه، ولا يعفي مرتكبه من أنه قارف كبيرة، وهذه الخطبة تتحدث حول الربا وأحكامه.

مفاسد الربا

مفاسد الربا إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: {ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

النهي عن الربا في القرآن والسنة

النهي عن الربا في القرآن والسنة فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، اتقوا ربكم الذي أمركم بالحلال ونهاكم عن الحرام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:130 - 132]. نعم. يا عباد الله! هذا القرآن العظيم صارخاً ومحذراً من هذه الجريمة الوخيمة، ومتوعداً من ارتكب هذه الكبيرة ألا وهي الربا، ثم تأتي السنة، الوحي الثاني وتحذر تحذيراً بليغاً، ويقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: ما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلان المؤمنات} حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. الشاهد من هذا الحديث: (أكل الربا) فأكل الربا من الموبقات المهلكات، أكل الربا من كبائر الذنوب. أيضاً في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الربا ثلاثٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه}. أيضاً: {لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء -يعني: في الإثم-} حديث صحيح رواه الإمام مسلم. أيها المسلمون! لقد توعد الله آكل الربا بالنار، وآذنه الله بالحرب، ولعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتب ومات على تلك الحالة، يقول صلى الله عليه وسلم: {درهمُ رباً يأكله الرجل وهو يعلم أنه رباً أشد من ستٍ وثلاثين زنيه}. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء: {ورأيت رجلاً يسبح في نهر دم، وكلما جاء يخرج من هذا النهر استقبله رجلٌ آخر على شاطئ النهر وبين يديه حجارة ويرجمه بحجرٍ في فيه حتى يرجع حيث كان}. وسأل عنه صلى الله عليه وسلم -سأل عن هذا الرجل الذي يعذب في هذا النهر من الدم ويلقم الحجارة- فأخبر أنه كان آكل الربا.

الربا مفسدة على المجتمع

الربا مفسدة على المجتمع أيها المسلمون! إن الربا فسادٌ في المجتمع، واستغلال يبنى على الشح والطمع، آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يتخبطه الشيطان من المس، وذلك علمٌ لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثٍ مرفوع: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بلاءً فلا يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم}. ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله بهلاكها]]. وكما ذكرنا في الحديث السابق: أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم الحجارة؛ والحجارة هو المال الذي جمعه من حرام، فكما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا يبتلع هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صور التحايل على الربا

صور التحايل على الربا أيها المسلمون: احذروا من الربا، احذروا من الربا يا عباد الله، والربا كثير، وقد كثر في بلدان المسلمين.

ربا البنوك

ربا البنوك إن للتحايل على الربا صوراً كثيرة أكثرها شيوعاً ما ظهر في البنوك علانية بين أظهر المسلمين؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.

طريقة المداينة

طريقة المداينة ومنها يا عباد الله! طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس وهي: أن يتفق الدائن والمدين أولاً على المعاشرة، يتفق معه على الدراهم يقول: أريد عشرة آلاف ريال العشرة بعشرة ونصف أو العشرة اثنا عشر أو العشرة إحدى عشر مثلاً، ثم يذهب الدائن والمدين إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة إما سكر أو ربطات خام أو غيرها، فيشتريها الدائن شراءً صورياً تحيلاً على الله ليس له بها غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة بعشرة ونصف أو العشرة بإحدى عشرة أو العشرة باثني عشر إلى غير ذلك من الحيل، والدليل الذي يوضح أنه شراء صوري أنه لا يكاثر بالثمن، ولا يقلب السلعة، ولا يفتشها كما يفعل المشتري حقيقة، وربما كانت تلك الأموال قد أفسدها طول الزمن، أو أكلتها الأرض؛ لأنها لم تنقل وإنما جعلت حيلاً للربا، جعلت فخاً ليصطاد بها الفقراء المحتاجين؛ الذين تحوجهم الدنيا حتى يأتون إلى أهل الطمع والجشع ليصطادوهم بذلك الفخ. عباد الله: هذا الشراء الصوري؛ يبيع الدائن هذه السلع على المدين اتفاقاً عليها في الربح ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان وهي في محلها، ويخرج من الدكان بدراهم؛ وهذا هو عين التحايل.

مفاسد ومحاذير البيع الصوري

مفاسد ومحاذير البيع الصوري أيها المسلمون: إن المداينة بهذا البيع الصوري الذي يعلم الله جل وعلا ويعلم المتبايعان أيضاً أنهما لم يريدا حقيقة البيع وإنما أراد دراهم بدراهم فإن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير: الأول: أنها تحايل على المحرم وخداع لله ورسوله، والخداع من عادة المنافقين قال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة:9]. فنقول لهذا المتحايل: إن حيلتك لن تغني عنك من الله شيئاً: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] ألم تعلم أن الله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] ألم تعلم أن الحساب يوم القيامة على ما في قلبك أيها المخادع. والمحذور الثاني: أن هذه المعاملة توجب قسوة القلب والتمادي في الباطل. والمحذور الثالث: أن في هذه المعاملة معصية لله ورسوله فقد {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حتى تنقل} فكيف يليق بصاحب الدكان أن يشتريها بعدما بيعت وهي في مكانها، قال ابن عمر رضي الله عنهما: {كان الناس يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه} رواه البخاري. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تبتاع السلع -أي: تشترى- حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} فكيف ترضى لنفسك أيها المسلم أن تتعامل بمعاملةٍ تكون فيها معصية لله ورسوله والوقوع فيما حذر الله ورسوله منه من أجل كسبٍ لا يعود عليك بالخير والبركة، بل يعود بالحرمان من رضا الله والمباءة بسخط الله، فتب إلى ربك واتق الله في نفسك، واعرف حقيقة الدنيا وأنها زائلة لا تقدمها على الآخرة. اللهم ووفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، اللهم ووفقنا للزهد والورع، وجنبنا ما فيه هلاكنا من الشح والطمع، واجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه ورأى الباطل باطلاً واجتنبه إنك جوادٌ كريم رءوفٌ رحيم. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

من آثار الربا

من آثار الربا الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، والناهي والمحذر عن سخطه ونيرانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

الكسل والبطالة

الكسل والبطالة فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واحذروا عقوبة المعاصي في الدنيا والآخرة ومنها: جريمة الربا التي تقضي على المودة والتراحم بين المسلمين، وتؤدي بالأغنياء إلى الكسل، وتصرفهم عن الأعمال المشروعة للكسب الحلال إذ يفضل الأغنياء التعامل بالربا مع راحة البدن على الاشتغال بالزراعة والصناعات، أو التجارة ونحوها مما يحتاج إلى تعب البدن وعنائه؛ ولا شك أن هذا ينشر البطالة، ويقتل روح التنافس بين أصحاب الحرف، ويؤدي إلى نقص الإنتاج وقلة موارده، وينتهي الأمر إلى الغلاء، أما إذا سد باب الربا استعمل الغني أمواله بالأمور النافعة بدلاً من تعطيلها وبدلاً من استعمالها بالربا.

الأمراض والمصائب والفتن

الأمراض والمصائب والفتن أمة الإسلام: الإسلام حرم الربا؛ لأنه يساعد على خلق النظام الفاسد المخرب، الربا سبباً لجلب غضب الله عز وجل، ومنها تسليط الأمراض وناهيك بأمراض انفتحت علينا لا نعرف اسمها ولا يعرفها آباؤنا ولا أجدادنا في الزمان السابق، إنما لما تعامل الناس بالربا وصار البعض من الناس يرتكب جريمة الزنا؛ تسلطت تلك الأمراض، وبعض الكوارث لمن يتعاملون بالربا ولمن يرتكبون الزنا فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد يقضي على حياتهم. ومضار الربا شديدة أليمة وعاقبتها وخيمة، الذين يتعاملون بالربا تضطرب نفوسهم، وتختل عقولهم، وتراهم إذا قاموا وساروا يتخبطون كمن أصابه مس من الجنون، لا فرق في هذا بين الدائن والمدين، وإنما أصابهم ذلك؛ لأنهم استحلوا الربا وعدوه كالبيع، وغاب عنهم أن هناك فرقاً عظيماً يجعل البيع حلالاً والربا حراماً. ويخشى على آكل الربا من سوء الخاتمة، فإليكم التفصيل من كلام الله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. اللهم عافنا من أحوالهم ومن مآلهم إلى النار وهم فيها خالدون. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء. حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول لنا ولا قوة إلا بك. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ووفقهم لإزالة المنكرات وأعنهم عليها يا رب العالمين، وارزقهم بغضها يا حي يا قيوم، اللهم وارزقهم بغض المنكرات، وأعنهم على تغييرها وإزالتها بحولٍ منك وقوة فإنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين واجعلهم قرة أعينٍ لوالديهم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

الزنا

الزنا ما حرم الله ورسوله أمراً إلا وفيه منفعة للإنسان، سواءٌ ظهرت هذه المنفعة أو خفيت، ومن أقبح المنكرات وأبشع الجرائم جريمة الزنا، وقد ظهرت كثير من الأمراض الخبيثة نتيجة لهذه الفاحشة، ولا نجاة للمجتمع من هذه الأمراض إلا بالابتعاد عنها ومحاربتها.

أسباب انتشار الفواحش

أسباب انتشار الفواحش الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه من إلهٍ أعزَّ من أطاعه واتقاه، وأذل أهل الفسق والفجور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله حكيمٌ حذر من الفواحش والزور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبيٌ جاء بالحق الواضح في كل الأمور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم البعث والنشور، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، وانتهوا عَمَّا نهاكم الله عنه حيث يقول جلَّ وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151]. عباد الله: لقد انتشرت بين المسلمين في هذا العصر أمراض اجتماعيةٌ خطيرةٌ، من هذه الأمراض فاحشتا: الزنا واللواط، اللتان فشتا بين كثيرٍ من العامة والخاصة، مما يدل على ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المسلمين بلغ ضعف وازع الدين عند كثيرٍ ممن ينتسبون إلى العلم فضلاً عن غيرهم، فاتبعوا الشهوات واستمتعوا بالمآكل والمشارب والمراكب، وسكتوا عن الإنكار خوفاً من الملامة ورجاءً لهذه الدنيا الدنية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى وقف المنافقون من المسئولين حجر عثرةٍ ضد الدعاة والغيورين على محارم الله، لصدهم عن الإنكار، وذلك لحبهم للشر والفساد، وبغضهم للخير وأهله {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:43]. عباد الله: إن حصول الزنا نتيجة للتبرج والسفور والاختلاط الذي فشا بين الناس، وذلك بانفلات الزمام من أيدي الرجال، فأصبحت المرأة تفعل ما تشاء من وسائل الفتنة والإغراء والرجل مغلوب على أمره، قال صلى الله عليه وسلم: {هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، هلكت الرجال إذا أطاعت النساء} رواه الإمام أحمد في مسنده، والمراد: طاعة النساء في غير مرضاة الله تعالى، و {سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار، قال: الفم والفرج} رواه الترمذي. ويقول الله عز وجلَّ وهو أصدق القائلين: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] فالله تعالى الحكيم العليم بشئون خلقه نهى عن الاقتراب من الزنا وما يدعو إليه من النظر المحرم، واللمس والاختلاط والخلوة بالأجنبية، لأن هذه الأشياء تؤدي إلى الزنا ولا بد، إلا من عصم الله، وإذا كان الله قد نهى وحذر من مقدمات الزنا ودواعيه، فالتحذير من ارتكابه أولى وأشدُّ.

أضرار الزنا وآثاره السيئة

أضرار الزنا وآثاره السيئة الزنا من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات التي تهدد المجتمعات الإنسانية بالخراب والدمار، وانتشار الفقر والأمراض، واختلاط الأنساب وضياع الأولاد، فجريمة الزنا أخطر على البشرية من القنابل الذرية والهزات الأرضية، والزنا أيضاً يهدد النسل البشري بالفناء التدريجي، لأن هدف الزانية والزاني هو إطفاء الشهوة الغريزية، أما الحمل والإنجاب فأمران ثقيلان، لما يترتب عليهما من مسئوليات، لذا تجد المرأة الزانية تحول دون ذلك بأي وسيلة، سواء بتعاطي أسباب منع الحمل، أو الإسقاط بعد الحمل، أو قتل المولود فور ولادته، أو إلقائه في المستشفيات ونحوها، هذا والزانية حينما تقتل المولود، فإنما تجمع على نفسها مصيبتين، وترتكب معصيتين: الزنا وهو محرم، وقتل نفسٍ بغير حقٍ وهو أشدُّ تحريما. والزنا آثاره سيئة وعواقبه وخيمة، ومن نتائج الزنا: كثرة اللقطاء غير الشرعيين الذين يعتبرون مبتورين عن المجتمع ليس لهم أي قرابةٍ، أو صلة، فينشئون معقدين نفسياً، شاذِّين فكرياً، لجهلهم أصلهم، وحرمانهم عطف وحنان الوالدين وتربيتهما، ولذا تجد غالبيتهم كما تدلُّ الإحصائيات يعشقون الإثم ويهوون الجريمة. فيا من يرى أن فاحشة الزنا أمرها يسير، ويا من يحب ذلك، قل لي بربك: أتحب ذلك لأمك؟ أتحبه لأختك؟ أتحبه لابنتك؟ أترضا لزوجتك الزنا؟ بالطبع ستقول: لا وألف لا إن كان بك ذرةٌ من إيمان، فإذا كنت لا ترضاه لمحارمك؛ فكذلك الناس لا يرضونه لمحارمهم، فإن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ولو يعلم أحدكم أن زوجته، أو أخته قد قتلت، أهون عليه من أن يبلغه أنها قد زنت، قال سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه: [[لو رأيت رجلاً مع امرأتي، لضربته بالسيف غير مصفح]] فعجبوا منه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {أتعجبون من غيرة سعد؟! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن} رواه البخاري ومسلم.

عقوبة الزاني وفضل العفاف

عقوبة الزاني وفضل العفاف حيث كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، فقد شرع لها الحكيم العليم عقوبةً تناسبها من الرجم أو الجلد، فالزانية أو الزاني الذي يطأ فرجاً حراماً اختياراً، إما أن يكون محصناً، أو غير محصن، فالمحصن هو: البالغ العاقل الذي تزوج امرأةً ووطئها بنكاحٍ صحيح، حتى ولو كانت مطلقةً، أو ميتة؛ فإذا زنا، فإنه يحكم عليه بالموت رجماً بالحجارة رجلاً كان أو امرأة، ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً. وأما غير المحصن: وهو من لم يتزوج على الوصف الذي ذكرنا، فإنه إذا زنا، جلد مائة جلدة ويسفر عن بلده مسافة قصرٍ سنةً كاملة، قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]. عباد الله: من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: {رجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله}. يذكر أن رجلاً تعلق بامرأةٍ، وأنفق عليها أموالاً كثيرةً حتى مكنته من نفسها؛ فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته وأراد الفعل، ألهم التوفيق، ففكر، ثم قام، فقالت له: ما شأنك، فقال: إن من يبيع جنةً عرضها السماوات والأرض بقدر شبرٍ لقليل الخبرة بالمساحة، ثم قام وتركها. روى أبو يعلى بسندٍ حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {ما ظهر في قومٍ الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله، فويل ثم ويل لمن استباح الزنا ودعا إليه بقوله أو فعله} وقد ذكر الفقهاء أن من استحل محرماً مجمعاً على تحريمه فقد كفر، ومن أباح الزنا ودعا إليه ورغب فيه فهو أعظم جرماً ممن استحله فقط، وعلى هذا فلا يبيح الزنا ويدعو إليه ويرغب فيه إلا من هو كافرٌ فاجرٌ محادٌ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة:63] ووالله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، وما ظهر الزنا والربا في قرية إلا وظهر فيها الفقر والأمراض المتنوعة وظلم السلطان. وروى البخاري رحمه الله بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أتاني الليلة آتيان وإنهما انبعثا بي، وإنهما قالا لي: انطلق} فذكر الحديث إلى أن قال: {فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فإذا فيه لغطٌ وأصوات، قال: فاطلعنا عليه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب، ضوضوا -أي: صاحوا- قال: قلت ما هؤلاء؟ -قال في آخر الحديث-قالا لي: هؤلاء هم الزناة والزواني} نسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

وسائل العلاج من الفاحشة

وسائل العلاج من الفاحشة الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له على رغم من جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، عباد الله جاء في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بروا آباءكم تبركم أبناءكم، وعفوا تعف نساءكم} فيا من يحاول الوقوع في الزنا، أو وقع بالفعل ولم يتب سواء كنت في بلدك، أو في غير بلدك كمن يسافر في الإجازات الصيفية، أو الربيعية إلى خارج البلاد بنية المعصية، كن على يقينٍ وثقة بأن ساعة القصاص قريبة، وأن الديان موجود، فكما تدين تدان، وبالكيل الذي تكيل به لغيرك تكتال لنفسك، فالجزاء من جنس العمل ولو بعد حين، قال الشاعر الحاكم في هذا الموضوع: عفوا تعف نساؤكم في المحرمِ وتجنبوا ما لا يليق بمسلمِ من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجدارهِ إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ إن الزنا دَيْنٌ فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ ولرب من يزني بألفي درهمٍ في بيته يزنى بغير الدرهم فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا أنفسكم وأهليكم وأولادكم من أسباب الشر والفساد والتردي في مهاوي الرذيلة، فالوقاية خيرٌ من العلاج. ومن الوقاية: نهي النساء عن التبرج والسفور وخروجهن متعطرات، لأن ذلك يؤدي إلى الفساد، أو اغتصاب النساء، أو التحرش بهن كما يحصل اليوم. ومن الوقاية: تيسير سبل الزواج، وإزاحة العقبات من طريقه والبعد عن مهيجات الغريزة ومثيرات الشهوة كالاختلاط والنظر إلى صور النساء. ومن طرق الوقاية أيضاً: عدم غياب الرجال عن زوجاتهم مدةً طويلةً تزيد عن ستة أشهر. عباد الله: لما كان النظر بريد الزنا؛ أمر الله تعالى بغض البصر قبل حفظ الفرج في قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30 - 31] فالنظرة تولد الخطرة في القلب، ثم الخطوة بالقدم، ثم الوقوع في الخطيئة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {العينان تزنيان وزناهما النظر} ذلك أن النظر إلى محاسن المرأة الأجنبية ضربٌ من التلذذ وإشباعٌ للغريزة الجنسية بغير الطريق المشروع. خرج حسان بن أبي سنان رحمه الله يوم عيد، فلما عاد قالت له زوجته: كم من امرأةٍ حسناء رأيتها هذا اليوم، فقال: والله منذ أن خرجت من عندك حتى رجعت إليك ما رفعت طرفي عن إبهامي. وكان الربيع بن خثيم رحمه الله من شدة غضه لبصره يظن الناس أنه أعمى. عباد الله: ينبغي أن تحثوا نساءكم وبناتكم على تعلم وحفظ سورة النور، وكذلك سورة الأحزاب لما تحويه هاتان السورتان من الآداب الاجتماعية التي يجب أن يتمسك بها المؤمنون في حياتهم العامة والخاصة، كالاستئذان عند دخول البيوت، وغض الأبصار، وحفظ الفروج، وحرمة اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وآداب الستر والحجاب وعدم التبرج، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة المسلمة من العفاف والستر والنزاهة والطهر، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: [[علموا نساءكم سورة النور]]. عباد الله! اتقوا ربكم، واسألوه العافية وحسن العاقبة، فإن ارتكاب الزنا وتعاطي أسبابه والإصرار على المعاصي من أسباب سوء الخاتمة عياذاً بالله من ذلك. هذا وصلوا على النبي المصطفى، نبيٍ ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه، امتثالاً لأمر ربكم حيث يقول جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

المعاصي وعواقبها

المعاصي وعواقبها المعاصي والذنوب قد كثرت في زماننا هذا، بل قد جاهر الناس بالذنوب دون حياء ودون خوف من الله وعقوباته، والله جل وعلا أمرنا بطاعته وانتهاج شرعه، ونهانا وحذرنا من معصيته ومخالفة أمره، وذكر لنا قصصا ًلكثير من المجتمعات التي عتت عن أمره فأنزل بها بأسه وعقوبته.

الله جل وعلا يأمر بطاعته وينهى عن معصيته

الله جل وعلا يأمر بطاعته وينهى عن معصيته الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ذي البطش الشديد والفعال لما يريد، لا تنفعه طاعة المطيع، ولا تضره معصية العاصي، بل هو الغني الحميد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعاملين بشيراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجلَّ واعلموا أن الله تبارك وتعالى أوجب طاعته وطاعة رسوله، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:20 - 21] ويقول جلَّ وعلا: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7] ويقول ربكم جلَّ وعلا: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32]. عباد الله: إن الله يأمر بهذه الآيات الكريمات، يأمر بطاعته وطاعة رسوله، وركَّب على ذلك السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله، ورتب على ذلك من العقوبات ما لا يعد ولا يحصى، ولا يحد ولا يستقصى، ولهذا ختم الآيتين الأوليين بذكر شدة عقابه لمن عصاه ولمن عصى رسوله، وختم الآيتين اللتين في سورة النور بالوعيد، فقال: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. عباد الله: إن المعاصي هي التي تجر إلى الشقاء والبأس والنقمة، وأن الطاعات والأعمال الصالحة ذريعةٌ ووسيلة للصلاح والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، إننا نشكو من كثرة الحوادث والنوازل، ولا نفكر أبداً فيما يجر هذه الحوادث لنا وفيما يسبب تلك النوازل لنا؛ لأننا لا نعتني بكلام الله ولا بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نهتم بالأخبار التي نبهنا عليها وحذرنا منها في القرآن والسنة النبوية، ولم نهتم بما بُين لنا من النافع والضار، وذلك برغم ما ندعيه نحن المسلمين من حب الله ورسوله، ونسمع الآيات ونسمع الأحاديث تصرح بتحريم الحرام، والتحذير في الانتهاك في الحرمات، وكأننا لم نقصد في ذلك البلاغ، فللذنوب والمعاصي عقوبات تتنوع، وعلى قدر الجرائم تكون العقوبة، فتارة تكون العقوبة في الدين، وهي من أعظم العقوبات، وهي أن يحال بين العاصي المدمن على الذنوب وبين الإيمان، وبينه وبين حسن الخاتمة كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] ولكن العاصي لا يرى أنه مصابٌ في دينه، لا يرى أنه مصاب في دينه ولا يرى أن النكتة التي نكتت في قلبه من أثر المعاصي، فتزداد وتعلو حتى تصير كالران، كما قال تعالى: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. وتارة تكون عقوبة المعاصي في الأبدان والأموال من خسف ومسخ وإهلاك، وأخذ على غرة وغفلة، اسألوا أهل اليمن هل جاءهم إنذارٌ قبل أن يأتيهم الزلزال، اسألوا أهل الخفجي هل جاءهم إنذار قبل أن تأتيهم الرياح المدمرة {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:45 - 47] {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99].

آثار المعاصي والذنوب

آثار المعاصي والذنوب عباد الله: لا تغتروا بما بُسط لكم من النعمة، فإنه بُسط على من كان قبلكم من النعمة، فظنوا أن الإمهال إهمال، وجاءهم أمر الله وهم غافلون، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون، وما أخذ الله قوماً إلا عند غرتهم وسلوتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإن أخذه أليم شديد.

سلب النعم بسبب المعصية

سلب النعم بسبب المعصية يخبرنا تعالى في كتابه العزيز عن قوم نسوا ما ذكرهم الله به، ففتح عليهم أبواب كل شيء استدراجاً {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:44 - 45]. فيا أيها المسلمون: أفيقوا من رقدتكم وانتبهوا من غفلتكم قبل أن يطرقكم من أمر الله ما لا طاقة لكم به، والحذر الحذر! ليست هذه خطباً تقال، وليس كلاماً نقوله، إنما هي إنذارات، ولنخرج من المسئولية أمام الله عز وجلَّ، الحذر الحذر من العقوبات والمثلاث التي حلت بالأمم الماضية والقرون الخالية، فلم تغنِ عنهم قوتهم وسلطانهم، لما جاءهم من عقاب الله وسطوته وبأسه ما حال بينهم وبين الشهوات، مما هو معدٌ ومرصد لأمثالهم وأشباههم، وما هي من الظالمين ببعيد.

المعاصي سبب لغضب الله ولعنته وسخطه

المعاصي سبب لغضب الله ولعنته وسخطه عباد الله: إن الله تبارك وتعالى إذا أُطيع رضي، وإذا رضي بارك، وليس لبركته نهاية، وإذا عصي غضب، وإذا غضب لعن، ولعنته تبلغ السابع من الولد. عباد الله: أما ترون ظهور هذه المنكرات التي انتشرت في ناديكم، في الحاضرة والبادية، في كل أسواق المسلمين، فلم يشمئز منها قلب، ولم يتمعر منها وجه، فأين الغيرة الدينية؟ أين الغيرة الدينية يا أمة الإسلام؟! هذه الصلاة تقام، وهي من أعظم الشعائر الإسلامية، والكثير من الذين يدعون الإسلام لا يعترفون بها ولا يؤدونها، وإذا قيل لهم: أدوا الصلاة، قالوا: لستم بربنا، ولستم بمسئولين عنا! الله أكبر! إنه رد للحق، لقد تعالى أهل الباطل، نسأل الله عز وجل أن يهديهم أو يرد كيدهم في نحورهم، زيادة على ذلك إهمال الآباء للأولاد، فإنهم لا يأمرونهم بالصلاة ولا يحثونهم عليها، بل يحثونهم أن يمارسوا اللعب بالكرة في شوارع المسلمين في أوقات الصلوات، ولا يهتمون لذلك، فإنهم مسئولون أمام الله يوم القيامة، فليعدوا للسؤال جواباً، والكثير من الذين يدعون الإسلام لا يعرفون المساجد إلا يوم الجمعة، فتباً لهم لتضييع باقي فروض الله -وهي الصلوات الخمس- التي فرضها الله على العباد في اليوم والليلة.

بعض المعاصي المتفشية في الأمة

بعض المعاصي المتفشية في الأمة لقد فشت المعاصي عند الناس، وصارت عند الكثير بصفة مباحات.

معصية الغناء

معصية الغناء إن الأغاني تشاع وتذاع في البيوت والشوارع والسيارات من غير إنكار ولا خوف من العظيم الجبار الذي بيده أزمة الأمور، وإذا قيل للمتمادي بفسقه المستمع للأغاني: اتقِ الله، قال: ساعة لك، وساعة لدينك، أوحى إليه الشيطان هذه الكلمات، إنا لله وإنا إليه راجعون! والويل لمن قال على الله غير الحق، ولقد أوحى إليه الشيطان -والعياذ بالله- هذه العبارة، يا أخي! الأغاني حرام، فمن أحلها لك ساعةوحرمها عليك في الساعة الأخرى؟! الأغاني حرام في الشريعة الإسلامية سواء كانت ساعة أو دقيقة أو برهة من الزمن، وقد حذر منها الإسلام تحذيراً بالغاً، ولكن ران على القلوب الران.

التبرج والسفور

التبرج والسفور أمة الإسلام: إن السفور من بعض النساء قد انتشر، وما ذاك إلا لإهمال الرجال القوامين على النساء، وترك الحبل على الغارب، فإنهن يخرجن إلى الأسواق متجملات متعطرات، فاتنات مفتونات وبدون مبالاة، أين الرجال؟ أين الشيمة وأين الحشمة؟

شرب الدخان وتعليق الصور

شرب الدخان وتعليق الصور أمة الإسلام: لقد قل الحياء عند الكثير من أهل الإسلام، لقد قل عند الكثير من أهل الإسلام، حتى صار اقتراف المحرمات ظاهراً ويرتكبها علانية، فتراهم يشربون الدخان -أم الخبائث- الذي اتفق كثير من العلماء على تحريمه، ويباع في أسواق المسلمين، وثمنه حرام واستعماله حرام، فإنا لله وإنا إليه راجعون! كذلك ابتليت شوارع المسلمين بكثرة الصور ذوات الأرواح وعرضها في الأسواق تباع، وإدخالها في البيوت وإخراج ملائكة الرحمة من البيوت وإدخال الشياطين.

حلق اللحية

حلق اللحية كذلك اعتاد البعض المقلدون للغرب، المقلدون للإفرنج، المقلدون لأعداء الإسلام اعتادوا أن يعتدوا على حلق اللحية، واعتدوا على الرجولة يقتلونها، فصاروا يحلقون اللحى، وحلق اللحية حرام، شاءوا أم أبوا, رضوا أم سخطوا، ورد في ذلك أحاديث كثيرة تبين أن حلق اللحية حرام، وحلق اللحية من التشبه بالنساء، ومن التشبه بالمجوس، ومن التشبه بالإفرنج، ومن التشبه باليهود {ومن تشبه بقومٍ فهو منهم}. ترفعوا عن ذلك يا أمة الإسلام، ابتعدوا عن المعاصي بشتى أنواعها، احذروا عقوبة الله، احذروا تغييره، فإنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا غيَّر العباد غُير عليهم {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المؤمنون- لعلكم ترحمون، وقوموا لله مثنى وفرادى بقوة وثبات، وليأخذ بعضكم على يد بعض حتى يرجع الأمر إلى نصابه ويكون السداد والصواب؛ لتفوزوا غداً بثواب الله وتأمنوا من نقمته وعقابه. اللهم أصلح أحوال المسلمين أجمعين، اللهم اهدنا صراطك المستقيم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

على من تنزل العقوبات

على من تنزل العقوبات الحمد لله كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له على رغم من جحد به أو كفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرًا. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل واحذروا عواقب الذنوب والمعاصي، فإنها تجلب النقم وتسلب النعم. عباد الله: جاء في حديث روته عائشة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث}. عباد الله: إذا كثر الخبث لا يحول دون عذاب الله شيء، بالرغم من وجود الصالحين والعلماء، وقد وردت أحاديث متعددة بعناوين مختلفة في معنى التواصي بالخير، والمنع عن الشر، وإلا فإن الله سبحانه سوف يغار، إذا انتهك العباد محارمه، وتعدوا الحدود، وسوف يسلط عذاباً من عنده. عباد الله: روى حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث الله عليكم عذاباً من عنده، ثم لتدعنه ولا يستجيب لكم} أجل -يا عباد الله- كيف يشتكي المسلمون من الحوادث والنوازل التي تفاجئهم بين فينة وأخرى، وقد تغيرت أحوالهم وحياتهم رأساً على عقب، بل يجب على المسلمين أن يفكروا إذا نزلت عليهم مصيبة أو فاجعة أنها لم تنزل بهم إلا أنهم كانوا يستحقون ذلك بما كسبت أيديهم. جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب، فيصبحون قد مسخوا قردةً وخنازير، وليصيبنهم خسف وقذف حتى يصبح الناس فيقولون: خسف الليلة في بني فلان وخسف الليلة في بني فلان بدار فلان، ولترسلن عليهم حجارةً من السماء كما أرسلت على قوم لوط على قبائل فيها وعلى دور، ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عاداً على قبائل فيها وعلى دور لشربهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعة الرحم} روى هذا الحديث الإمام أحمد والبيهقي وصححه الحاكم. عباد الله: لا شك في أن هذه هي الأمور التي تسبب الكوارث والنكبات كالزلازل والأعاصير والفيضانات والمجاعات واصطدام القطارات والسيارات والطائرات وغيرها من الحوادث التي تتجدد كل يوم، وكذلك الأمراض والمصائب التي انتشرت في كل مكان، فإنا لله وإنا إليه راجعون! عباد الله: علينا أن نرجع عما نحن فيه من التقصير، ونقلع عن الذنوب ونتوب إلى الله، فإنه يتوب على من استغفر، ويتوب على من تاب. عباد الله: اعلموا أنكم ستوقفون بين يدي الله، ويسألكم عما استرعاكم عليه، فأعدوا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين المهديين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، أسألك أن تردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقنا وإياهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم جنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه، اللهم اجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً، وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً، وارزقنا وإياهم اجتنابه. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذه خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الدين وعظمته

الدين وعظمته الدين الإسلامي أفضل نعمة ينعم الله بها على عباده، ولذلك وجب شكر هذه النعمة والمحافظة عليها والتمسك بها، لأن الله عز وجل لا يقبل إلا دين الإسلام، والصحابة رضوان الله عليهم هم قدوتنا في التمسك بدين الله عز وجل، ومنهم: بلال بن رباح، وعبد الله بن حذافة، وآل ياسر، وخباب بن الأرت.

لا يقبل الله إلا دين الإسلام

لا يقبل الله إلا دين الإسلام الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، أحمده على نعمه التي لا تزال تترى ولا تزال تتوالى على العباد وأشكره وكلما شُكِر زاد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالمحافظة على نعمه بشكرها، ونهى عن تعريضها للزوال بكفرها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق ويهدي لأقوم السبل، فكانت بعثته رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمة الإسلام. أيها المسلمون: إن بين أيديكم ديناً عظيماً، اختاره الله لكم ومنَّ به عليكم، ملة أبيكم إبراهيم، دين اشتمل على كل ما اشتملت عليه أديان الأنبياء، فهو خلاصتها وخاتمتها، قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى:13] واختار لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير رسول عرفته البشرية، فهو أفضل المرسلين وخاتم النبيين، به تمت به النعمة وانجلت به عنكم ظلمات الجهالة والشرك والظلم والعدوان، قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164]. أمة الإسلام: لقد أوصاكم ربكم جلَّّ وعلا بالتمسك بهذا الدين، والاقتداء بهذا الرسول، قال الله جلَّ وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. أيها المسلمون: إن أمامنا طريق السعادة مفتوح، فلماذا لا نسلكه؟! أمامنا طريق الرقي والفلاح واضح، فلماذا نعدل عنه ونتركه، ونسلك طريق التأخر والشقاء والخسران؟! أرأيتم أن دينكم قصر في إرشادكم إلى سبيل الفلاح؟! أرأيتم أن دينكم قصر في إرشادكم إلى طريق الفلاح فعدلتم عنه؟! هل قرأتم في تعليمه ما يصدكم عن جلائل الأعمال ومكارم الأخلاق فهجرتموه؟! كلا. ثم كلا. ثم كلا. إنه دين الله الذي يبقى طريقاً للسعادة والرقي إلى يوم يبعثون. إن دين الإسلام ما وجد من فضيلة إلا حث على التخلق بها، وما من رذيلة إلا حذر من قبحها وبين سوء عاقبتها، فما بال أكثرنا يسيرون على غير هدى، ويقلدون الكفار فيما حرمه الإسلام ونهى عنه، قد أهمل الكثير أمر الدين. واستهانوا بحقوقه، وعبثوا بواجباته، وتجرءوا على انتهاك حرمات الله، واستبدلوا ذلك بأخلاق الكفار وعاداتهم وتقاليدهم مع الأسف الشديد.

نماذج من تمسك الصحابة بدينهم

نماذج من تمسك الصحابة بدينهم أيها المسلمون: إن المسلم الحقيقي لا يرضى بدينه بدلاً مهما كلفه الأمر ومهما عرض عليه من قبيل الكفرة من المغريات، أو ناله من الأذى، نعم. إن المسلم يبقى أمام كل فتنة صلباً في دينه، متمسكاً بعقيدته، ولنا في سلفنا مثال.

بلال بن رباح توضع على صدره الصخرة الثقيلة

بلال بن رباح توضع على صدره الصخرة الثقيلة فهذا بلال، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه يشتد عليه أذى الكفار، حتى إنهم يطرحونه على الأرض في رمضاء مكة أرض ملتهبة بالحرارة ويضعون الصخرة الثقيلة على صدره؛ يريدون منه أن يترك هذا الدين، فيصمد ويثبت على دينه ويقول: [[أحد أحد]].

خبيب يقطع من أجل دين الله

خبيب يٌقَطَّع من أجل دين الله وهذا خبيب بن الربيع يقول له مسيلمة الكذاب لعنه الله، قل: لا إله إلا الله، فيقول: لا إله إلا الله، فيقول له، قل: أشهد أن مسيلمة رسول الله، ويقول: لا أسمع، لا أسمع ثم يقطعه مسيلمة عضواً عضوا، ويأبى أن يقول أن مسيلمة رسول الله حتى لقي ربه صابراً محتسباً.

عبد الله بن حذافة لا يبغي بدين الله بديلا

عبد الله بن حذافة لا يبغي بدين الله بديلاً وهذا عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه وأرضاه، يأخذه ملك النصارى أسيراً عنده، فيقول له: اتبعني وأشركك في ملكي، فيأبى ويقول: لا أبغي بدين محمد صلى الله عليه وسلم بديلاً، ثم يحمي ملك الروم النحاس بالنار ويغلي القدور لتعذيبه، وعند ذلك يبكي عبد الله بن حذافة، فيطمع ملك الروم برجوعه عن الإسلام، ويقول: تتبعني وتترك دينك؟! فيرد عليه عبد الله رضي الله عنه بقوله: [[ما بكيت خوفاً على نفسي -الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر إنها عقيدة الإسلام يا أمة الإسلام! - ولكن وددت أن يكون لي نفوس عدد شعري تعذب في سبيل الله، فتدخل الجنة بغير حساب]]. ثم يطلب منه شيئاً يسيراً، ولكنه عزيز في نفسه رضي الله عنه، يقول له: تقبل رأسي وأطلق صراحك، ويقول: -بعد التردد- نعم وتطلق صراح جميع أسرى المسلمين، قال: نعم. فأطلق سراحه وسراح أسرى المسلمين، فلما وصل إلى عمر رضي الله عنه وأخبره بالقصة، قال: [[حق على كل مسلم أن يقبل رأسك وأنا أول من يقوم]] فقام عمر رضي الله عنه فقبل رأسه.

صبر آل ياسر على دينهم

صبر آل ياسر على دينهم هذا عمار بن ياسر وأبوه وأمه سمية وأهل بيته عذبوا في الله ليتركوا دين الإسلام، فصبروا على العذاب وتمسكوا بالإسلام فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليهم وهم يعذبون ويقول: {صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة}.

خباب بن الأرت يوضع على النار ويصبر

خباب بن الأرت يوضع على النار ويصبر وهذا خباب بن الأرت عذب في الله، وصبر على دينه، وكان من تعذيب المشركين له، أن أوقدوا له ناراً وسحبوه إليها، فما أطفأها إلى شحم ظهره لما ذاب، كل ذلك وهو صابر على دينه لا يتزحزح عنه قيد شعره. أيها المسلمون: هذه نماذج من ثبات المسلمين على دينهم مع شدة الأذى والتعذيب، أضف إلى ذلك ما قدموه في سبيل هذا الدين حماية لهذا الدين ونشره من جهاد بالأنفس والأموال، يتساقط منهم مئات الشهداء في المعارك وهم مغتبطون بذلك، فخورون بل تركوا من أجله الديار والأموال، وهاجروا فراراً بدينهم؛ أن يخدش أو يدنس يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله. وما ذلكم -يا أمة الإسلام- إلا لما عرفوا في هذا الدين من الخير والسعادة، فتأصل حبه في قلوبهم حتى صار أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأموالهم وديارهم، حتى قال قائلهم: "إذا عرض بلاء فقدم مالك دون نفسك، فإن تجاوز البلاء، فقدم نفسك دون دينك".

حال شباب الأمة اليوم

حال شباب الأمة اليوم والآن -يا أمة الإسلام- الكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام ويتسمون بالإسلام، ترخُص عليهم تعاليم الإسلام، عند أدنى طمع فتراهم يستبدلون بتعاليم الإسلام تعليم الكفر والإلحاد، يرفضون أحكام الإسلام العادلة إلى القوانين الوضعية، قوانين الكفر والإلحاد، وأنظمته الهابطة السافلة. ما بال الكثير من المسلمين يتشبهون بالكفار في زيهم؟! في لباسهم؟! في أكلهم؟! بل في أكلهم وشربهم، بل في عاداتهم، بل في حلق لحاهم وتنمية شواربهم، بل في لبس خواتم الذهب، بل في الذهاب إليهم في بلادهم ومشاركتهم في شرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، وارتكاب الزنا واللواط، والجلوس أمام الأفلام الخليعة في مسارح الشر والعار، ثم يعود إلى بلاد المسلمين متنكراً لدينه وآدابه، يحاول أن يحول بلاده إلى قطعة من بلاد الكفار التي قدم منها، فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله! نسألك اللهم أن تعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل في جميع أقطار العالم، إنك على كل شيء قدير. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما صرفت فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اجعلنا هداة مهتدين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

واجب التمسك بدين الله

واجب التمسك بدين الله الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وناصر الموحدين من عباده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ البلاغ المبين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] عباد الله: إن دينكم دين عظيم، هو صلاح البشرية جمعاء، فلا يرخُص لديكم، تمسكوا بهديه وعضوا عليه بالنواجذ، إن دينكم يريد منكم الصدق والصبر والجلد والبذل في سبيله، وصد الهجوم المعادي له، والأخذ على أيدي السفهاء، عن العبث بتعاليمه؛ وإلا فسيرحل عنكم إلى غيركم، فتخسرون الدنيا والآخرة، وصدق الله العظيم: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. فتمسكوا بدين الإسلام، دين الرحمة والبر والإنصاف والعدل والأخوة والمساواة، دين الحق والخير والسلام وصدق الله العظيم حيث يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] اللهم إنا رضينا بك رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه، هكذا ينبغي للمؤمنين أن يقولوا إذا سمعوا داعي الله، أن يقولوا سمعنا وأطعنا، سمعنا وأطعنا، ويمتثلون أوامر الله ويطبقون شرع الله كما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. اعلموا -أيها المسلمون- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وأمركم أنتم -أيها المسلمون- أن تصلوا على رسوله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلىَّ علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن جميع أصحاب رسولك أجمعين، وارض اللهم عن رجال قاموا بدينك وناضلوا في سبيلك، وصدوا كل عدوان عن دين الله وعن سنة رسول الله وفازوا وسموا رجالاً فهنيئاً لهم: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] سماهم الله رجالاً؛ لأنهم قاموا بدين الله {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37] فهنيئاً لهم تلك الأسماء الحميدة. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم دلنا على صراطك المستقيم، وثبتنا عليه حتى نلقاك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، الذين يفسدون في الأرض ويصدعون عن سبيلك، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اجعل بينهم العداوة والبغضاء، اللهم اجعلهم حرباً على بعضهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة ولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وحد صفوف المسلمين تحت راية لا إله إلا الله، اللهم وحد صفوفهم تحت راية لا إله إلا الله. اللهم انصر دينك عاجلاً غير آجل، اللهم انصر كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في برك وبحرك يا رب العالمين. اللهم ثبت أقدامهم وأمدهم بنصرك وعونك وقوتك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم لا تدع لنا في هذه الساعة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عدواً إلا قطعته، ولا عدواً إلا خذلته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا، ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها بحولك وقوتك يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المحافظة على الأمانة

المحافظة على الأمانة الأمانة تبرأت منها السماوات والأرض والجبال، وأشفقن من حملها، وحملها الإنسان لظلمه وجهله. وفي هذا الدرس تحدث الشيخ عن أهمية الحفاظ على الأمانة، مبيناً بأن الصلاة من أعظم الأمانات، وفصل كذلك مفهوم الأمانة في مفهوم الإسلام، وتعرض للحديث عن تربية الأبناء كأمانة تحملها الآباء، عن الشهادة وعلاقتها بالأمانة، وأن خيانة الأمانة من صفات المنافقين، بخلاف المؤمن فإن من صفاته الحفاظ عليها.

مفهوم الأمانة في الإسلام

مفهوم الأمانة في الإسلام الحمد لله الذي أمر بأداء الأمانة في كتابه العزيز، وأشكره وأسأله التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وبادروا بأداء الأمانات رغبةً بالثواب من الله، وخوفاً من عقاب رب العالمين، يقول الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. الأمانة -يا عباد الله- أمرها عظيم, وخطرها جسيم, لذلك تأبى السماوات والأرض والجبال وتشفق من حمل الأمانة ويحملها الإنسان. أيها المسلمون: إن الأمانة من الأخلاق الفاضلة، وهي أصلٌ من أصول الديانات، الأمانة ضرورية للمجتمع الإنساني، لا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر ومزارع وغني وفقير، فالأمانة شرف الغني، وفخر الفقير، وواجب الموظف، ورأس مال التاجر، وسببٌ لشهرة الصانع، وسر نجاح العامل والمزارع، الأمانة مفتاح كل تقدم بإذن الله، ومصدر كل سعادة وندامة بإذن الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]. وليست الأمانة مقصورة على الودائع التي تؤمن عند الناس من غالٍ وثمين، بل الأمانة أوسع من هذا كله، فهي عملٌ لكل طاعة أمر الله بها ورسوله، واجتناب كل مخالفة وعصيان نهى الله عنه ورسوله.

أركان الإسلام من أعظم الأمانات

أركان الإسلام من أعظم الأمانات من أهم الأمانات: الصلاة، وفي الأثر: {أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة} فالصلاة -يا عباد الله- من أعظم الأمانات التي أمرنا الله بالمحافظة عليها، وعلى أوقاتها, والقيام بحقوقها, خاشعين خاضعين لجلالته وعظمته, والمحافظة عليها هو طريق الفوز والسعادة في العاجل والآجل. إن الصلاة الكاملة تنير القلب, وتهذب النفس, وتعلم العبد آداب العبودية لله، وتعلمه كيف يعظم الله ويقدره حق قدره. عباد الله: إن الزكاة أمانةٌ عندكم مطلوبٌ منكم أن تؤدوها في وقتها إذا اجتمعت الشروط المطلوبة، فالزكاة تطهر المال, وتزكي النفس, وتبرأ منها الذمة, وتسلم من العقاب يوم القيامة. عباد الله: إن الصيام أمانة، ألا فاتقوا الله في صيامكم، فإنه لا يطّلع على ذلك إلا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. الحج إلى بيت الله الحرام أمانةٌ في عنق كل مسلم إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً. أمة الإسلام: بقدر ما يكون الإنسان مقصراً في عبادة من هذه العبادات، فإنه يكون غير موفٍ لأمانته تماماً.

أعضاؤك أمانة عندك

أعضاؤك أمانة عندك إن السمع والبصر والفؤاد واليدين والرجلين أمانات يجب حفظها عن ما يخل بالأخلاق والفضيلة, مثل: الغيبة والنميمة، والكذب، والنظر إلى المحرم، وأكل الحرام، واستماع الحرام، والمشي إلى المحرم. الفرج أمانة، ووقوعه في الزنا واللواط خيانة ومقتٌ في الدنيا، وفي الآخرة حسرةٌ وندامة إذا نطقت الجوارح بين يدي الله عز وجل: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:21]. عباد الله: العقل أمانة إن استعمله الإنسان فيما يعود عليه بالسعادة في الدنيا والآخرة فقد حافظ على هذه الأمانة، أما إن استعمله في المكر والخداع للمسلمين وكيدهم وإفساده بالمخدرات والمسكرات، فسوف يُسأل عن هذه الأمانة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

رعاية الأهل من الأمانة

رعاية الأهل من الأمانة عباد الله: أولادكم أمانةٌ في أعناقكم، وأنتم مسئولون عنهم أمام الله، على تركهم هملاً لا ترعونهم الرعاية الكاملة، ولا تحوطونهم بالنصيحة، بل تركتم لهم الحبل على الغارب، لأن الدنيا شغلتنا حتى عن تربية أولادنا، تركنا لهم الحبل على الغارب وسلمناهم الشوارع وصاروا مثل الأغنام السائبة, لا يعرف أكثرهم المساجد، فمن شبّ على شيء في الغالب شاب عليه، وبعضهم لو سألته: كم أركان الإسلام؟ لتلعثم وكأنه لم يعرف الإسلام، أما إذا سألته عن اللاعبين والمغنين والمغنيات لأجابك عن شيء لم تعرفه أنت؛ لأننا سلمناهم الشوارع، وقلنا: ربيهم يا كرة كما ربيتي لينين وما أدراك من الشيوعيين والنصارى؟! ربيهم يا كرة، ونشئهم يا تلفاز على تمثيلياتك وأغانيك، حتى يكونوا رجال مستقبل يحاربون الفضيلة والكرامة. ولم يقتصر البعض على هذا الاعتداء على الأمانة حتى جاء بالفيديو إلى بيته وأهله، وقال لهم بلسان الحال: هلموا لننحرف عن الطريق المستقيم ونتبع كل شيطان مريد, أخبر الله في كتابه العزيز: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:36 - 37] كلام الله واضح لا يحتاج إلى تفاسير, ثقافة, تربية, هذه الثقافة ثقافة الغربيين يأخذها أولادنا ونساؤنا كل ليلة عن التلفاز وما يبث فيه من التمثيليات، وما أدراك؟! والبعض من الناس هدموا بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين يقول القائل: بأي شيء؟ أقول: باستخدام المربيات الكافرات والخدم من النصارى, وغيرهم من مختلف الأديان التي تحارب الإسلام وأهله. ثم إن البعض سلم الأهل والبنات والأخوات للسائقين، وقال: جوبوا بهن الشوارع بدون محرم، واذهبوا بهن إلى المعارض والأسواق، فيا لها من أمور تغضب الله عز وجل! ونقول: تسلطت علينا اليهود، اليهود قتلت المسلمين, سلبت المسلمين, أين المسلمون؟! إن أكثر المسلمين اليوم يتشبهون باليهود, كيف والبعض منا يقول: إخواننا المسيحيين، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل، فيا لها من أمورٍ تغضب الله عز وجل! ويا له من زمانٍ ماتت فيه الفضيلة وانتشرت فيه الرذيلة! ويا له من زمانٍ حارب أهله الأخلاق والشيمة والمروءة، وأهانوا الكرامة! وذلك بتضييع الأمانة. ونقف أمام نقطة ولا نيئس -يا عباد الله- ولا نقنط من رحمة الله إذا تبنا وغيرنا أحوالنا وتحولنا إلى ما يرضي الله عز وجل، وقمنا بما اؤتمنا عليه لعلنا ندخل تحت الحديث، أو لعلنا ندخل في الحديث الشريف الذي أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ويقول صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس} وفي رواية: {يصلحون ما أفسد الناس}. اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، واجعلنا من الصالحين المصلحين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الأمانة في السنة

الأمانة في السنة الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه, وأدوا الأمانات جميعها من حقوق الله عز وجل مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والكفارات، والنذور، وغير ذلك مما ائتمنكم عليه، وكذلك أداء الحقوق لعباد الله كالودائع وغيرها من الأموال وما شاكلها من الأمانات، فمن لم يؤدِ الأمانة في الدنيا، أخذت منه يوم القيامة.

الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة

الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة ورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: {إن الشهادة -يعني: القتل في سبيل الله- تكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بالرجل يوم القيامة -وإن كان قتل في سبيل الله- فيقال: أدِّ أمانتك، أدِّ أمانتك، أدِّ أمانتك ثلاث مرات، فيقول: فأنى أؤديها -من أين يؤديها في ذلك الموقف؟ وقد ذهبت الدنيا، فتمثل له الأمانة في قعر جهنم، فيهوي إليها، فيحملها على عاتقه، ثم إذا أشرف على شفير جهنم، نزلت به حتى الهاوية، فهو يهوي على إثرها أبد الآبدين} وفي الأثر: [[والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع]].

تضييع الأمانة خصلة من النفاق

تضييع الأمانة خصلة من النفاق وكذلك خيانة الأمانة خصلةٌ من النفاق، يقول صلى الله عليه وسلم: {أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا أوتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر} رواه البخاري ومسلم، وورد أيضاً في الحديث: {لا إيمان لمن لا أمانة له}. عباد الله: الأمانة الأمانة تمر الحياة بأحدنا وهو منهمكٌ في ملذاته وشهواته، ولا يفكر في مآله، ولا بيوم الحساب، وكأنه خالدٌ في الدنيا لا يموت أبداً، أو كأن عنده يقين أنه لا يحاسب على ما جناه، فلا يذكر جهنم وأهوالها وأنكالها وما فيها من أنواع العذاب الذي لم تصمد له الجبال الصمُّ الصلاب، لقد قست القلوب وتحجرت الضمائر وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وسبب ذلك -يا أمة الإسلام- الإعراض عن كلام الله. فيا عباد الله: لا تتعرضوا بذلك لسخط الله، وكونوا دائماً في ذكر الآخرة، فإن ذلك يبعث على الخوف من الله، ومن خاف ربه استقام بإذن الله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41]. إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. واعلموا أن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ عن جماعة المسلمين شذَّ في النار، واعلموا إنما يأكل الذئب القاصية من الغنم. وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وارضَ اللهم عن سائر أتباع رسولك أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر من به نصرٌ للإسلام والمسلمين، واخذل من بخذلانه نصرٌ للإسلام والمسلمين، اللهم دمّر الشيوعيين واليهود والكفرة أجمعين, الذي يحاربون عبادك في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرهم بنصرك يا رب العالمين، اللهم أمدهم بقوتك التي لا تغلب يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم أقرَّ أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة للصلاة في الإسلام مكانة رفيعة، وهي عبادة بدنية لا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائها، وقد ذكرها الله في كتابه كثيراً، بياناً لفضلها، وتوضيحاً لأجر فاعلها وعقاب تاركها، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو الذي لا ينطق عن الهوى- وجوبها وأحكامها، وكانت الصلاة هي وصيته الأخيرة لأمته.

مكانة الصلاة في الإسلام

مكانة الصلاة في الإسلام إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

الصلاة في القرآن الكريم

الصلاة في القرآن الكريم أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل. عباد الله! حافظوا على الصلوات وأدوها كما أمركم الله، وصلوا الصلاة في أوقاتها بخشوعٍ وخضوعٍ، وتذلل وحضور قلب وطمأنينة، حتى تحوزوا على الفضل العظيم، والأجر الكبير الذي نوه الله عنه في كتابه فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:162] وقال تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:22 - 24] وقال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:34 - 35] وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].

الصلاة في السنة النبوية

الصلاة في السنة النبوية نعم. يا عباد الله! سمعتم هذا الترغيب في كتاب الله بإقامة الصلاة وسمعتم ثواب من أدى الصلاة، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً تبين فضل الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن، مالم تغش الكبائر} رواه مسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام: {ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب مالم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله} رواه مسلم. وعن زهير بن عمارة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لن يلج النار أحد صلىَّ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها -يعني الفجر والعصر-} رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلىَّ الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه الله على وجهه في نار جهنم} رواه مسلم.

حكم تارك الصلاة والمتهاون فيها

حكم تارك الصلاة والمتهاون فيها عباد الله: حافظوا على الصلوات وأدوها في أوقاتها كما أمرتم، وقوموا لله قانتين خاشعين مطيعين، واحذروا من ترك الصلاة واحذروا من التهاون فيها! واحذروا من الاستخفاف بحقها. عباد الله! إن ترك الصلاة كفرٌ يخرج من الملة والعياذ بالله! وسوف يكون مسكنه في سقر، وسقر طبقة من طباق جهنم، أما المتهاون والمتأخر عن الصلاة لا يبالي أصلاها في وقتها أو أخرها عن وقتها فسوف يلقى غياً، والغي: واد في جهنم يقول الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. وما أكثر أولئك الذين أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات، ولكن نحذرهم -كما ذكر الله في كتابه- من ذلك الغي، وهو وادٍ في جهنم، احذروا يا من تضيعون الصلوات وتتبعون الشهوات، احذروا ذلك الوادي الذي هو في جهنم مرصدٌ ومعدٌّ لمن اتبع الشهوات وأضاع الصلاة. وأما الذين يصلون ولكن لا يصلون الصلاة إلا بعد خروج وقتها فأولئك موعدهم ويل، وويل: وادٍ في جهنم لو صيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، أجارنا الله من ذلك! عباد الله: حافظوا على الصلوات في جميع أوقاتها، وأقيموها وصلوها بخشوعٍ وطمأنينة، أدوها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها؛ تحوزوا الأجر العظيم، والرضا من رب العالمين وفي الحديث: {من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة أو قال: وجبت له الجنة، أو قال: حرم عليه النار}. لما سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: {أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها} وكذلك يروي لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: {من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف} بئس القرناء يا عباد الله، بئس الرفقاء يا عباد الله، وبئس المنزل منزلهم جهنم! عباد الله! إن من اشتغل بأمواله وتجارته ووزارته وولده وملاذِّه عن الصلاة فإنه يكون مع هؤلاء القرناء: قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف، الذين يسهرون على الملاهي، ولعب القمار والميسر والورق، وغيرها ثم إذا جاءت الصلاة ناموا عنها، ثم يقولون: نحن لم نستيقظ، فإنه محال السهر والقيام مبكراً. يا عباد الله: محالٌ السهر والقيام مبكراً، فإن صلاة الفجر بينها وبين التلفاز صراعٌ شديد فأيهما غلب صاحبه فإنه سوف يستيقظ إن ترك السهر مع التلفاز ومع الأفلام ومع غيرها ونام مبكراً واستعان بالله فإنه سوف يقوم بإذن الله ويصلي طيب النفس نشيطاً، أما إن طاوع النفس الأمارة بالسوء، وسهر مع الأفلام ومع الأغاني ومع غيرها فإنه يعقد عليه الشيطان ثلاث عقد ويصبح خبيث النفس كسلاناً. أمة الإسلام! أمة الإسلام! ما هذا التمادي في المعاصي، وأنتم تعلمون أنها معاصي؟ مَنْ منا لا يعلم أن ترك الصلاة كفر؟! فالكثير في البيوت -ونسأل الله العفو والعافية- يعلمون أن تارك الصلاة كافر ولكنهم يسكتون عليه ويؤاكلونه ويشاربونه ويصادقونه ويتخذونه لهم خليلاً، وهو والعياذ بالله بكفره وإصراره على ترك الصلاة كافر، وبعض العلماء يقول: هو مرتد أكفر من اليهود والنصارى. عباد الله: متى نستيقظ من رقدتنا؟! متى نئوب إلى ربنا؟! متى نعرف حقوق الله علينا؟! متى نحب في الله ونبغض في الله؟! ونوالي في الله إذا نزل بنا العذاب؟! ونزلت بنا سنة الأولين؟! إن سنة الله في عباده واحدة، ما نزل العذاب والهلاك والدمار في بني إسرائيل إلا لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجالسوا العصاة وآكلوهم وشاربوهم، ثم لعنهم الله، وضرب قلوب بعضهم ببعض -نسأل الله العفو والعافية- وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، كل ذلك مِنْ تَعدي الحدود وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسكوت على المنكرات، فلا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، وأوقد في قلوبنا نار الغيرة على أعدائك وعلى المحرمات، حتى نتوب إليك ونبتعد عنها ونوالي فيك ونحب فيك ونبغض فيك يا رب العالمين. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله، واستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

فضل كثرة السجود

فضل كثرة السجود الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، وجعلها صلة بينه وبين عباده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي قال وقوله الحق: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} والقائل: {بين العبد والكفر والشرك ترك الصلاة} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} وأصلي على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعن الصحابة الكرام الذين قاموا بدين الله حق القيام وعلى من تبعهم بإحسان. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! أقيموا الصلاة كما أمرتم وأدوها في بيوت الله مع الجماعة، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، فاستكثروا من السجود} رواه ابن ماجة بإسناد صحيح. وعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: {كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: سلني، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} رواه مسلم. فعليكم يا عباد الله بكثرة السجود والتقرب إلى الله عز وجل في طاعته. عباد الله: في خطبة الجمعة الماضية ذكرت لكم طريقة الوضوء والغسل، وقلت لكم: إن الوضوء الواجب أن يغسل كلَّ عضو مرةً واحدة، والغسلة الثانية سنة، وقلت في الثالثة: إسراف وبدعة، وهذا خطأ مني، فإني أستغفر الله، فإن الغسلة الثالثة سنة، أما ما عدا الثالثة إذا لم يحتج العضو إليها فلا شك أنها إسراف فانتبهوا لذلك يا عباد الله.

الصلاة هي الوصية الأخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم

الصلاة هي الوصية الأخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم أسأل الله أن يرزقنا التفقه في الدين، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. يا عباد الله! حافظوا على صلاتكم ومروا أولادكم وأهليكم بها، فإنها آخر وصية محمد صلى الله عليه وسلم في آخر نفسٍ يلفظه وهو يقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم} فجديرٌ بكل مؤمن أن يحافظ على وصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأدوا الصلاة جماعة في بيوت الله، ولا تغتروا بمن عميت بصائرهم وتحجرت أفئدتهم، واشتد الران عليها فأصبحت أنفسهم الأمارة بالسوء، تزين لهم فعلها في البيوت، كأنهم لم يسمعوا، أولم يؤمنوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أنه هَمَّ بإحراق المتخلفين عن الصلاة في المساجد، ولم يمنعه من ذلك إلا ما في البيوت من النساء والصبيان الذين لم تجب عليهم الصلاة}. عباد الله: إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذًّ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، ونسألك بأنا نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين، اللهم اجعلنا من عبادك المقيمين للصلاة المحافظين عليها حتى تتوفانا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع عنهم عافيتك ويدك، اللهم مزقهم كل ممزق يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظنا جميعاً بالإسلام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين. اللهم أمنا في أوطاننا ولا تسلط علينا أعداءنا، اللهم أمِّنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. اللهم نفَّس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم نفَّس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم فك أسراهم، اللهم فك أسراهم، اللهم اشفِ مرضى المسلمين، اللهم اشفِ مرضى المسلمين، واقضِ الدين عن المدينين واشفِ بلطفك مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة، يا رب العالمين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

بر الوالدين

بر الوالدين جعل الله للوالدين حقاً عظيماً، فقرن طاعتهما بطاعته، وذلك لكونهما سبباً في وجوده، ولما يتحمله الأبوان من المشاق والآلام لإسعاده، وحرم الله تعالى جميع الأسباب المؤدية إلى عقوقهما، ولو صغر ذلك الشيء ككلمة (أف)؛ فبر الوالدين من أعظم الأعمال الصالحة، وعقوقهما من أكبر الكبائر، وعقوبة العقوق معجلة في الدنيا قبل الآخرة.

وجوب بر الوالدين

وجوب بر الوالدين الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، الحمد لله حمداً يملأ ما بين السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، وامتثلوا أوامره ونفذوها على ما أراد منكم. عباد الله: لقد جاء في القرآن العظيم والسنة المطهرة ما يوحي ويخبر بأن للوالدين حقوقاً على الأولاد، فلقد قرن الله شكره بشكرهما، فقال جلَّ من قائل عليماً: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها، إحداها: قول المولى جلَّ وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول} [المائدة:92] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لن يقبل منه. والثانية: قول المولى جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فمن صلى ولم يزكِ لن يقبل منه. والثالثة: قوله جل وعلا: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر والديه لن يقبل منه]] ولذلك أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه بقوله: {رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين}. ولقد فصَّل المولى جل وعلا ما يجب من الإحسان إلى الوالدين بقوله تبارك وتعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. وهذا معنى واضح يبين الله جلَّ وعلا فيه؛ أنه إذا وصل الوالدان أو أحدهما إلى الكبر حال الضعف والعجز، وصارا عندك في آخر العمر، كما كنت في أول العمر عندهما طفلاً صغيراً، وجب عليك أن تحنو عليهما وتشفق عليهما، وتلطف بهما، وتعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، على أن الفضل للمتقدم. والمطلوب منك -أيها المسلم- إن كنت تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وإن كنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن كنت مؤمناً حقاً؛ أن تطيع الوالدين، ولا تأفف من شيء تراه، أو تشمه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس، واصبر على ذلك، واحتسب الأجر من الله تعالى، كما صبرا عليك في حال صغرك. واحذر الضجر والملل منهما! ولا تنغص ولا تكدر عليهما بكلام تزجرهما به، وقل لهما قولاً كريماً حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتعظيم، مثل: يا أبتاه! يا والدي! يا أماه! يا والدتي! ولا تدعهما بأسمائهما، ولا تمش أمامهما، بل احترمهما ووقرهما ولا ترفع عليهما الصوت.

فضل بر الوالدين

فضل بر الوالدين واسمع سنة المصطفى ورسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وهي تحث على بر الوالدين وتؤكد ذلك، فقد {جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذنه بالجهاد في سبيل الله معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد} رواه البخاري ومسلم. فانظروا -يا أمة الإسلام- كيف فضل نبيكم صلى الله عليه وسلم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، فيا له من حق عظيم للوالدين على الأولاد! ومما ورد في الحث على برهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد في سبيل الله، ولا أقدر عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل بقي من والديك أحدٌ؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌ ومعتمر ومجاهد}. وقال طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه: {أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال: الزم رجليها فَثمَّ الجنة}. وتأخر رجلٌ من السلف على أصحابه، فقالوا: لماذا تأخرت عنا؟ قال: كنت أتمرغ في روضات الجنة، قالوا: أين؟ قال: تحت أقدام أمي. وبر الأم مقدم على بر الأب، وقد جاء رجلٌ إلى رسول الهدى محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}. رأى ابن عمر رجلاً يطوف بأمه على منكبيه، فقال: يـ ابن عمر! هل ترى أني أديت حق أمي؟! قال: ولا زفرة من زفرات الولادة. الله أكبر! ثلاثة حقوق للأم؛ لأنها تنفرد عن الأب بأشياء منها: مشقة الحمل وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاعة، وكثرة الشفقة والخدمة والحنو، فقد حملتك في بطنها تسعة أشهر، كأنها تسع حجج، وكابدت عند الوضع ما يذيب المهج، وأرضعتك من ثدييها لبناً، وأطارت لأجلك عن عينيها لذيذ المنام، وغسلت بيديها عنك القاذورات والأذى، وآثرتك على نفسها بالغذاء، وصيرت حجرها لك سريراً مريحاً، فلو رأيتها إذا أصابتك شكاية أو مرض، وهي تظهر من الأسف فوق النهاية، وأطالت الأحزان والنحيب، وبذلت ما في وسعها من الراحة، الله أكبر! {رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24].

خطر العقوق

خطر العقوق ثم إن البعض من الذين لا يعرفون المعروف، ولا يقدرون للوالدين الحقوق جعلوا حقوق الوالدين من أهون الحقوق، وعقوا آباءهم وعصوهم وأذاقوهم أليم الهوان والمعاكسة والمعاندة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لو علم الله شيئاً أدنى من الأُفَّ لنهى عنه، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار} وقال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله العاقَّ لوالديه}. أتدري يا أخي ما هي اللعنة؟! هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وقال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله من سب أباه، لعن الله من سب أمه} وقال صلى الله عليه وسلم: {كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه} أي: يعجل له العقوبة قبل يوم القيامة. أمة الإسلام: لقد ورد في روايات كثيرة تبين شناعة عقوق الوالدين وعظم حقهما، فإليكم هذه القصة التي أوردها الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه الكبائر، حيث قال: إن زوجة علقمة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبره أن زوجها في النزع، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عماراً وصهيباً وبلالاً، وقال: امضوا إليه ولقنوه الشهادة. فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بلا إله إلا الله، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه أن لسانه لا ينطق بلا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل من أبويه أحدٌ حي؟ قيل: يا رسول الله! أمه كبيرة السن، فأرسل إليها صلى الله عليه وسلم، وقال للمرسل إليها: قل لها إن قدرت على المسير إلي وإلا فقري في المنزل حتى يأتيك. قال: فجاء إليها الرسول وأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نفسي لنفسه فداء، أنا أحق بإتيانه، فتوكأت على عصا وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها: يا أم علقمة! اصدقيني، وإن كذبتيني جاء الوحي من الله، كيف كان حال ولدك علقمة؟ قالت: يا رسول الله! كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما حالك؟! قالت: أنا عليه ساخطة، قال: ولم؟ قالت: كان يؤثر علي زوجته ويعصيني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة، ثم قال: يا بلال! انطلق واجمع لي حطباً كثيراً، قالت: يا رسول الله! وما تصنع؟ قال: أحرقه بالنار بين يديك، قالت: يا رسول الله! والله لا يتحمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي. قال: يا أم علقمة! عذاب الله أشدُّ وأبقى، فإن سَرك أن يغفر الله له فارضي عنه، فوالذي نفسي بيده! لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمتِ عليه ساخطة، فقالت: يا رسول الله! إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين؛ أني قد رضيت عن ولدي علقمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله أم لا؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني، فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول: لا إله إلا الله، فدخل بلال، فقال: يا هؤلاء! إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة، وإن رضاها أطلق لسانه بلا إله إلا الله. فاتقوا الله -عباد الله- وقوموا بحق الوالدين كما أمركم الله، وليعلم كل إنسان أنهما -أي: الوالدان- جنته وناره، فأطيعوا الله والرسول وبروا بالوالدين، وأطيعوهما إلا إذا أمرا بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. اللهم وفقنا لجميع أعمال البر، ووفقنا لطاعتك ورضاك يا رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أوجب طاعة الوالدين، وحرم عصيانهما وقهرهما، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أخبرنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وتدبروا ما جاء في الكتاب والسنة المطهرة، وتمسكوا بهما؛ فإن الإعراض عنهما يوحي بوخامة العاقبة. عباد الله: لقد ظهرت في هذا الزمن موجة قوية من العنف والسخط من بعض الأولاد والبنات لآبائهم وأمهاتهم، حتى إن بعض الشباب يَعدُ أباه خادماً عنده، وحتى إن بعض الفتيات تعد أمها من الخادمات، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وعدم الاحترام والتوقير للوالدين من كبائر الذنوب التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها. عباد الله: إن بر الوالدين فريضة لازمة وواجب محتم، وعقوق الوالدين حرام، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جعل الله بر الوالدين قرين توحيده وعبادته، وبين ما يجب لهما وما لا يحل فعله معهما، فقال تعالى -وهذا إعادة للآية امتثالاً لأمر الله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55]- {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. عباد الله: بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، واعلموا أن سخط الله في سخط الوالدين، وأن رضاه لا يكون إلا إذا رضي عنكم آباؤكم، ولا شيء يزيد في العمر ويبارك في الرزق مثل بر الوالدين وصلة الأرحام، وقد ورد في الحديث: {ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث} والديوث: الذي يقر الخبث في أهله. فالشاهد من هذا الحديث أن العاق لا يدخل الجنة، ومن عقَّ والداه عقه أولاده، وكما تدين تدان، ولا يجازى فاعل الشر إلا بمثل فعله: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الأحقاف:15] فربُّ العالمين يوصيك بالبر بالوالدين وبالإحسان إليهما وإن كانا مشركين: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} [لقمان:15] وإن كانا مشركين وكافرين، إلا أنك لا تتبعهما على دينهما، إنما برهما وأطعهما بالمعروف، وعاملهما بالمعروف، المعاملة الحسنة، كما فعل ذلك الصحابة الكرام مع آبائهم رضوان الله عليهم أجمعين. وعليك يا أخي! ببر والديك، وإن رأيت منهما بعض ما تكره من المعاصي والذنوب إلا إنك لا تطعهما في المعصية؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} والله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض الله عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام بسوء فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء! اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم لك الحمد، أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

المحافظة على أرواح الناس

المحافظة على أرواح الناس لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الأنفس، وتجنيبها العطب والتلف. وإن من إلقاء النفس للتهلكة وتعريضها للعطب ما يفعله كثير من الشباب من قيادة السيارة بالسرعة التي يفقد السائق بسببها االتحكم فيها مما يؤدي إلى الموت له ولغيره من الناس.

حفظ النفوس من مقاصد الشريعة

حفظ النفوس من مقاصد الشريعة الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. اللهم صلِّ وسلم على رسولك وعبدك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم القويم إلى يوم القيامة، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله رب العالمين، اتقوا أرحم الراحمين، وأطيعوه واشكروه على نعمه الكثيرة التي لا تحصون لها عدداً، ومنها نعمة وسائل النقل بأنواعها كالسيارات وما شاكلها، فإنها نعمة لمن استعملها في مرافق حياته المباحة. عباد الله: لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحقن الدماء والمحافظة عليها، قال الله جلَّ وعلا: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:29 - 30]. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة، في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً}. وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قتل نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة}. روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كان رجلٌ ممن كان قبلكم، وكان به جرح، فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة}. ففي هذه الآية السابقة، والأحاديث الصحيحة تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن يلقي السمع وهو شهيد.

انتشار الحوادث المرورية

انتشار الحوادث المرورية عباد الله: لقد قرر بعض العلماء رحمهم الله أن سائق السيارة إذا كان لا يعرف القيادة، وقاد السيارة بدون معرفة، ثم حصل له حادثٌ ثم مات، فقد عرض نفسه للإتلاف، ولأنه لم يأخذ بالأسباب الواقية، وهي معرفة القيادة، إذاً فهو داخل تحت الوعيد الشديد، الذي مر آنفاً في الأحاديث الصحيحة، والآية الكريمة. وقرر أيضاً بعض العلماء رحمهم الله أن السائق إذا تعدى السرعة التي تمكنه من التصرف بالسيارة، ووقع الحادث ومات، فهو داخل تحت الوعيد الشديد؛ لأن من فعل الأسباب الرفق، وعدم السرعة التي تهدد حياته وحياة البشر جميعاً، فكم نرى، وكم نسمع بالحوادث، وكل ذلك سببه السرعة وعدم معرفة القيادة، وناهيك بعدم معرفة القيادة انتشاراً، فهذا رجل يدخل شوارع المسلمين العامة، ويقول له رجل المرور: ارجع إلى الخلف، فيقول: لا أعرف أرجع! إنه هدَّد نفسه وهدَّد البشرية جميعاً بقتلهم، فحسبنا الله ونعم الوكيل. ألا فليحذر الذين قست قلوبهم وصارت الأرواح عندهم لا قيمة لها! ألا فليحذر الذين عرَّضوا أنفسهم وأهليهم وأولادهم للهلاك! فليحذروا من هذا الوعيد الشديد في الآية: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:29 - 30]. أمة الإسلام: إننا نرى الحوادث كل يوم، ولم نر القلوب تتعظ وترعوي، فكم نرى الجثث تحت السيارات! وكم نرى الجثث تخرج بواسطة الأكسجين! وكم نرى اللحم قد اختلط بالحديد! ومع ذلك فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا نفس تتعظ وتنتهي عن غيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

النهي عن إيذاء المؤمنين

النهي عن إيذاء المؤمنين عباد الله: لقد نهى الله عز وجل عن إيذاء المؤمنين، ومن ذلك إيذاؤهم في شوارعهم العامة والخاصة، وهو ما يفعله بعض السفهاء من عملية التفحيط وإحداث الأصوات المزعجة التي تؤدي إلى القلق، ولا ننسى ما يقوم به رجال المرور والنجدة والدوريات من قمع هؤلاء السفهاء ومطاردتهم وسجنهم، وما أجمل ذلك النظام! وما أحسنه لولا الواسطة الخارقة للنظام! ما أجمل النظام من الرجال المسئولين عن ذلك، لولا الواسطة الخارقة للنظام، فإن المخالف يسجن بالليل ويخرج بالنهار، وهذا الذي جعلهم يتمادون في سفههم وإيذائهم لعباد الله نسأل الله تعالى لهم الهداية والصلاح. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الوصية بالتوبة

الوصية بالتوبة الحمد لله الذي فتح باب التوبة للمذنبين، وكتب الرحمة لعباده المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، هو الحق المبين، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين وقائد الغر الميامين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: استجيبوا لنداء الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8]. عباد الله: إن الله يدعوكم إلى التوبة النصوح، وقد فتح باب الرحمة والتوبة للمؤمنين على مصراعيه، وجعله أوسع الأبواب ليعلموا أن لهم رباً عظيماً، يتضاءل بالتوبة أمام رحمته وعفوه كل ذنب. عباد الله: إن التوبة النصوح الصحيحة التي يكفر الله بها السيئات ويدخل بها الجنات هي الإقلاع عن الذنوب جميعها، الصغائر منها والكبار، والندم على ما مضى منها، والعزم على ألا يفعلها في المستقبل، ورد المظالم، والتحلل من أهلها قبل يوم القيامة. عباد الله: توبوا إلى ربكم وأسلموا له واعملوا صالحاً؛ ينجيكم من عذابه يوم القارعة، يوم الطامة، يوم الزلزلة، يوم الحسرة والندامة، ولا تكونوا غافلين عن الموت وسكراته وأهواله، فهنيئاً لمن تيقظ وتاب وأناب، وعمل عملاً صالحاً، وتباً لمن غفل وأسرف على نفسه، وسوَّف بتوبته، ووافته المنية على إصراره، وعلى إيذاء عباد الله، وإزعاجهم بملاحقة النساء، والتفحيط في شوارعهم العامة والخاصة، فيا لها من فتنة عمياء! ويا له من تقليد أحمق! فلو رأيتم شاباً لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره وقد اختلط لحمه بحديد السيارة من جراء التفحيط لرأيتم عجباً، ولا أدري من يلقى عليه اللوم، هل عليه وهو في سن المراهقة، أو على ولي أمره الذي ترك له الحبل على الغارب؛ فلا نامت أعين الأشقياء. عباد الله: متى نأخذ على أيدي السفهاء؟! ومتى نأطرهم على الحق أطراً، ونقصرهم عليه، ونعلم أنهم أمانة في أعناقنا، ونحن مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة؟! عباد الله: لينظر كل مِنَّا منقلبه ما دام في زمن الإمهال، وليتفكر في منتهاه، ما دام الأمر ممكناً قبل: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56]. عباد الله: إن على الإنسان أن يعمل سراً وجهراً في طاعة المولى جل وعلا، ويذكر ربه وما أحاطه به من النعم، وما له عليه من حقوق، ويذكر ضعفه وقوته وما في يوم القيامة من أهوال، وماذا عمل استعداداً لذلك اليوم العظيم المروع؟ فسيستحضر تقصيره ويتذكر تفريطه، وهو يدري ما يفعل به.

المعاصي تمحق البركة

المعاصي تمحق البركة فيا أخي المسلم: إن المعاصي تمحق بركة العمر والرزق، وتمحق بركة العلم والطاعة والتوبة واجبةٌ في كل وقت، امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهيا إلى التوبة يا عباد الله، فالحياة مرَّة، وإذا انتهت، فلا كرة ولا رجوع. هيا إلى التوبة من قبل أن يأتي يومٌ لا بيع فيه ولا خِلال، فقد يفصل في الأمر، وتغلق الأبواب، والمسوِّف بالتوبة بين خطرين عظيمين: إما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير ريناً وطبعاً، فلا يقبل المحو، وإما أن يعاجله المرض أو الموت فجأة، فلا يجد مهلة لتدارك ما فات. اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام رب العالمين، وخير الهدي هدي سيد الأولين والآخرين، محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة في النار، وكل ضلالةٍ، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عن جماعة المسلمين شذ في النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نسألك أن تردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم وانصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم دمِّر أعداءك أعداء الدين، الذين يصدون عن سبيلك، ويفسدون في الأرض، ويعادون أولياءك، اللهم دمرهم تدميراً ومزقهم كل ممزق، وأدر عليهم دائرة السوء يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين! اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق ومغاربها، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا واللواط، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين! رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المساجد لا الملاعب

المساجد لا الملاعب إن رسالة المسجد عظيمة، فهو مدرسة الإيمان، وفيه تكمن حياة القلوب، وهو قاعة التسبيح والتهليل والذكر، وله أهميته الكبرى في بناء الأمة. والمساجد تضيء الأرض كما تضيء النجوم السماء، وهي منارات للسالكين، وهداية للطائعين، ومقصد للعارفين، وموئل للذاكرين، منها ينطلق التوحيد، ويتخرج الدعاة، وتقاد الأمة وتساس الأرض. والمساجد منذ فجر الإسلام وعلى مدار عصور التاريخ الإسلامي معاهد علم، ومجامع أخوة، وساحة إعداد للجهاد، لذلك فقد أشاد الإسلام بفضل عمارتها والتأدب بآدابها.

رسالة المسجد وعظمها

رسالة المسجد وعظمها الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: {من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وأطيعوه. عباد الله: يقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18] نعم يا عباد الله! إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، وهم رجال مدحهم الله جل وعلا، رجال لا تشغلهم عن طاعة الله الشواغل، رجال {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37] وما أدراكم ما ذلك اليوم يا عباد الله! هو يوم القيامة، يوم الحشر والنشور. وإن أمام الناس حشرٌ وموقفٌ ويومٌ طويلٌ ألفُ عامٍ وأطولُ فيا لك من يوم على كل مبطلٍ فظيع وأهوال القيامة تعضلُ تكون به الأطواد كالعهن أو تكن كثيباً مهيلاً أهيلاً يتهلهلُ يوم القيامة يومٌ {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37] فما ظنكم عباد الله بذلك اليوم؟! عباد الله: ذلك اليوم بضائعه الأعمال، وشهوده الجلود والألسنة والأوصال، وسجنه النار، وحاكمه الجبار. إن ذلك اليوم يوم عظيم، لقد خافه أولئك الذين مدحهم الله بقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37].

فضل عمارة المساجد

فضل عمارة المساجد أمة الإسلام: لقد أشاد الإسلام بفضل عمارة المساجد، وما تعود به زيارتها على نفوس المؤمنين من أثرٍ فعال، فقد ورد في الأثر أنه مكتوب في التوراة: إن بيوتي في الأرض المساجد، وإنه من توضأ فأحسن وضوءه، ثم زارني في بيتي أكرمته، وحق على المزور إكرام الزائر. أمة الإسلام: لقد أضاف الله تعالى هذه الزيارة إلى نفسه الكريمة إضافة تشريف وتكريم، ولا غرابة أيها المسلمون! فرسالة المسجد من أعظم رسالات؛ إذ هي الموضحة لأحوال الناس. وفي زيارة المسلمين للمساجد في اليوم والليلة خمس مرات، يتضح في الظاهر المؤمن من المنافق، وقد ذم الله المنافقين، وأخبر أنهم يخادعون الله وهو خادعهم، وأنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، مع ذلك فإن ذكر الله شاق عليهم، فألسنتهم قد وافقت قلوبهم بما فيها من النفاق، ولذلك توعدهم بأنهم في الدرك الأسفل من النار. ما أكثر المنافقين في هذا الزمان! الذين لم يتكاسلوا عن الصلاة فحسب، بل تركوا الصلاة بالكلية، ويزعمون أنهم مسلمون، ويدَّعون الإسلام بالهوية والتابعية، فتباً لهم، وتباً لما ادعوه من الكفر والنفاق. تارك الصلاة كافر رضي أم سخط، شاء أم أبى. فالحذر يا عباد الله من ترك الصلاة! والحذر يا عباد الله من مجاورة تارك الصلاة! فإنه فد ورد في الأثر: [[أن تارك الصلاة تنزل عليه كل يوم سبعون لعنة]]. والحذر الحذر من التكاسل عن الصلاة يا عباد الله! فإن الأمر عظيم في أعناقكم يا أمة الإسلام! ومع الأسف الشديد أن المساجد في الفجر لا يوجد فيها من يبلغ من الخامسة عشر إلا القليل، فأين تلك القطاعات؟ وأين تلك الفئات التي تخرج للمدارس والأعمال؟ أين هم؟ هل هم مختفون تحت الأرض، لا يخرجهم إلا شعاع الشمس؟ أم أنه التهاون بأمر الله عزَّ وجلَّ وتعظيم أمر المخلوق والخوف من المخلوق؟! فهذا هو الواقع، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الأم والأب، والساعة الثالثة، والساعة الرابعة، وساعة الحائط، كل هؤلاء يتعاونون على الولد إذا جاء وقت الدراسة والعمل، أما وقت الصلاة فإن كان الأب فيه ريح إيمان وأراد أن يوقظه، قالت الأم: اتركه، فإنه كان متعباً من المذاكرة، الله أكبر يا عباد الله! الله أكبر يا أمة الإسلام! هل هذا من تأدية حقوق الله؟! إن المسلمين اليوم في خطر شديد، نكررها ونعيدها، لعلها تصادف قلوباً حية، تخاف من سطوة الله ومن نقمته، فتستيقظ وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. عباد الله: الحذر من التكاسل عن الصلاة، فإن ذلك من عادة المنافقين. والبِدار البِدار إلى تقوية الصلة بينكم وبين الخالق جل وعلا، البِِدار إلى أداء الصلوات في بيوت الله، في خشوع وتذلل للخالق جل وعلا، مستشعرين عظمة الله، متجردين من مشاغل الحياة حال الوقوف بين يدي الله، خلِصّوا أنفسكم من أسر الدنيا، وملذاتها، وفرغوا قلوبكم وأسماعكم لتدبر كلام الله عزَّ وجلَّ، الذي لو أنزله الله على صم الجبال لرأيتموها خاشعة تتصدع من خشية الله، فيالله كم من قلوب طالما سيطر عليها مرض الشهوة، واستفحل بها داء الشبهة، فلما سمعت كلام الله ووقع فيها؛ انفتح أمامها طريق الحق والصواب، فصارت تبصر بنور الله جل جلاله. هذا الفضيل بن عياض: كان لصاً يسرق، فلما تسلق بيت أحد المسلمين ليسرق منه، وإذا هو يتلو قولََ الله جل وعلا: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16] قال: نعم. آن لها الآن، آن لها الآن، وكف عن سرقته وتاب إلى الله، وصار عالماً من علماء المسلمين. ومالك بن دينار: نام نومة وهو سكران، ورأى في المنام أمراً عجيباً، وآخر لما سمع قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] فاستيقظ وهو يرددها، فتاب إلى الله، وصار عالماً من علماء المسلمين.

أهمية المسجد في الحياة الروحية

أهمية المسجد في الحياة الروحية عباد الله: باب التوبة مفتوح، وفضل الله واسع يا عباد الله. أجَل يا أمة الإسلام. المساجد هي مدرسة الإيمان، وحياة القلوب، ومسكن النفس، وقاعة التسبيح والتهليل والذكر. المساجد مزار الملائكة، منها تصعد الأعمال، وفيها تنزل الرحمات، فطوبى لعُمَّار بيوت الله، وطوبى لمن تعبد فيها لله، وطوبى لمن أَلِفَها، وطوبى لمن تعلق قلبه بها، فإن من تعلق قلبه بالمساجد فإن موعده أن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. هي المساجد يا عباد الله: مدراس لتهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق, وصقل العقائد وإنارتها، المساجد مدارس لتلاوة آيات الله البينات، ولتلاوة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

المساجد خرجت الرجال

المساجد خرجت الرجال المساجد هي التي خرجت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحاب رسول الله الذين فتحوا الفتوحات، ومصّروا الأمصار، وجاهدوا في الله حق جهاده، فتحوا القلوب والبلاد، لم يفتحوها بالماجستير ولا بالدكتوراه، ولكن فتحوها بتعلم العلم النافع، على يد المربي الكامل محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن لما تُرِكَت هذه السنة، وهُجِرَت المساجد، وصار البعض يعتبرها لأداء الفريضة فقط، حتى إن بعض أئمة المساجد، وبعض المؤذنين يقف على رأي المصلين، إن كان في حر شديد يطفئ عليهم المراوح والمكيفات، ليخرجهم من بيوت الله، يظن جهلاً منه أنها لم تُبْنَ إلا للصلاة. ولما اندرست هذه السنة ماذا أعقبنا يا عباد الله؟ لما كان السلف الصالح يقضون أوقاتهم في مدارسة العلم في بيوت الله، صاروا في عزة وسعادة ورخاء وطمأنينة بال، أما نحن لما تركنا المساجد واستبدلناها بآلات اللهو، صرنا والعياذ بالله في انحدار وانحطاط، فالأولاد ليلهم ونهارهم مع الكرة في شوارع المسلمين وكأنهم لا مسئولية عليهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكان البعض من الصحابة في الخامسة عشر يحمل لواء الجهاد، يجاهد في سبيل الله مشتاقاً إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وشبابنا الآن يشتاق إلى الكرة، وإلى تشجيع فلان وفلان، ونسي الله ورسوله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويذكر لي بعض الإخوة الثقات: أن بعض المشاهدين للتلفاز لما قال المذيع: لنقف هذه الفترة لنقل أذان العشاء من الكعبة، قال: لعنة الله على الكعبة، وعلى الأذان. الله أكبر يا عباد الله! هذه دسيسة صهيون وأعوانه! هذه التي يريدها منا الصهاينة؛ لتنحل عقائدنا وأخلاقنا، ونرمي ديننا وراءنا ظِهرياً. ما أبشعها من كلمة! يقولها بكل وقاحة: لعنة الله على الكعبة، وعلى الأذان. الله أكبر يا عباد الله! الله أكبر يا أمة الإسلام! إلى أي حد أصابنا هذا الجهل؟! والله لم يقلها أبو جهل، ولم يقلها أبو لهب، ما قال يوماً من الأيام لعنة الله على مكة ولا على الأذان، الله أكبر يا عباد الله! كل ذلك بسبب الدسائس الخبيثة التي أدخلوها على الأبناء وهم صغار، يقال في الأثر: "ما بكم إذا لبستكم فتنة يهرم عليها الكبير ويربو عليها الصغير". إي والله إنها فتنة كبيرة. يقول لي بعض المتحدثين: إن شاباً دخل على أمه، فلما رأى عليها ثوباً يخالف النادي الذي هو يشجعه عَمِد إلى ثوبها فمزقه بيديه، الله أكبر! إلى هذا الأمر وصلت أحوال المسلمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون. أتدرون من أي شيء ذلك؟ لما ترك المسلمون المساجد وهجروا المساجد، ولم يعرف البعض المساجد إلا لأداء الصلاة، ألم يعرفوا أن المساجد هي التي تخرِّج الرجال؛ خرَّجتهم أبطالاً، خرَّجتهم شجعاناً، خرَّجتهم قادة، خرَّجتهم دعاة، خرَّجتهم أئمة، خرَّجتهم قضاة إلى غير ذلك من مصالح المساجد التي تعطلت ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها المسلمون: الرجوع إلى دين الله، الرجوع إلى العقيدة، الرجوع إلى الأخلاق، ما دمتم في زمن الإمهال قبل أن تتحولوا من دينكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه -ماذا يعملان به؟ - يُهَوِّدانه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه} حتى يعْرب عنه لسانُه. فالحذر يا عباد الله! الحذر يا أمة الإسلام! فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن {آخر الزمان تكون فتن كقطع الليل المظلم، يمسي المؤمن كافراً ويصبح مؤمناً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فالنجاة النجاة ووالله لا تحصل النجاة إلا بالرجوع إلى الله، والتمسك بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المحافظة على الصلاة في المسجد

المحافظة على الصلاة في المسجد أيها المسلمون: حافظوا على صلواتكم، فإنه لا غنى لكم عنها، فهي تنير القلوب، وتغرس في القلوب مراقبة الله. إن الصلاة تزكية لمن يخشى، وتذكرة لمن ينسى. إن الصلاة تكفر الذنب، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. الصلاة نور وبرهان، ونجاة لمن أداها كما أمره الله، وكما صلاها على ضوء إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وصدق الله حيث قال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18].

من آداب المسجد

من آداب المسجد أمة الإسلام: التزموا الآداب الشرعية التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عند الخروج من البيت إلى المسجد، وعند دخول المسجد، وحال المكث في المسجد، وحال الصلاة وأنتم واقفون أمام الله، وفي بيت من بيوت الله، فمن الآداب المتعلقة بالمساجد: أن تصان عن كل وسخ، وقذر، وقذاة، ومخاط، وبصاق، ورائحة كريهة من أكل بصل أو ثوم أو كراث، أو دخان، أو غيره، فقد نهاكم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا} إهانة له. وروى البخاري ومسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنَّ مساجدنا -هذا من رواية مسلم لماذا؟ - لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا عباد الله! والله يا له من أذى، وما أقبحها وأكرهها من رائحة، ولكن مع الأسف الشديد تجد الكثير لا يأكلون طعامهم إلا بتلك البقول، ومع ذلك لا يبالون بأذية إخوانهم المسلمين، وبأذية الملائكة الكرام. أمة الإسلام: ينبغي للمسلم الحقيقي الذي جاء إلى بيت من بيوت الله عزَّ وجلَّ برغبة صادقة، أن يعلم لمن أتى، ولمن يريد أن يقف بين يديه، إنه أتى إلى ربه زائراً، ويقف بين يديه، وسوف يكشف الحجاب الذي بينه وبين ربه عزَّ وجلَّ، فسوف يناجيه بكلامه المجيد، ويبدي إليه أسراره وحوائجه التي لا يقدر على قضائها إلا هو جل وعلا. فينبغي للمؤمن أن يأتي إلى المسجد بأحسن هيئة، وأطيب ريح، امتثالاً لأمر الله جل وعلا: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية المسجد في الحياة الاجتماعية

أهمية المسجد في الحياة الاجتماعية الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلِّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: يا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واعرفوا ما للمساجد من المكانة، وعظموها في أنفسكم، فهي بيوت الله في الأرض، بيوتٌ تضيء الأرض كما تضيء النجوم للسماء منارات للسالكين، وهداية للطائعين، ومقصدٌ للعارفين، وموئلٌ للذاكرين، تنطلق من مناراتها دعوات التوحيد، وتكبيرات الإجلال لله رب العالمين. تهيب بكل مسلم: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، فسرعان ما تهوى إليها القلوب المؤمنة بالله، المصدقة لوعده، وسرعان ما تخطو إليها الخطى، ولها بكل خطوة صدقة، ووعدٌ آخر، خطوة ترفع بها درجة، وخطوة تحط بها خطيئة. إنها المساجد يتوافد عليها المسلمون زرافات ووحدانا، في طهارة ثوب وبدن، وخشوع قلب، واستكانة لله رب العالمين، ما أحسن تلك الأحوال لو تحققت يا عباد الله! ما أحسن تلك الأحوال لو تحققت في زماننا وطبقناها على أنفسنا وفي مجتمعنا، فتلتقي شتات القلوب على توحيد الواحد الأحد، فتتآخى في وَحْدَةٍِ، لا ينال منها اختلافُ الأجناسِ، ولا تَبَايُنِ الألسُنِ والألوانِ، ولا تتميز إلا بالتقوى، هكذا كان المسجد منذ فجر الإسلام، وعلى مدار عصور التاريخ الإسلامي، معاهد علم، ومجامع أخوَّة، فهو أول قدسية في الإسلام، وهو أول مدرسة في الإسلام درَّس فيها محمد صلى الله عليه وسلم، وتخرَّج على يديه رجال نشروا الدعوة في الآفاق، وفتحوا الفتوحات، ومصَّروا الأمصار، وعلَّموا العالَم ما لم يعلموا من علم الله جل وعلا، أخرجوا العالَم من براثن الجهل إلى نور العلم، ومن عباة الأوثان والأصنام إلى عبادة رب العالمين. عباد الله: إن للمسجد دور فعال، حيث شرع الله جل وعلا اجتماع المسلمين فيها للجمعة والجماعة، يلتقون فيها على علم نافع، ووعظ زاجر، يحثهم على الإقبال إلى الله والدار الآخرة، ويحذرهم مغبة الغفلة والنسيان؛ ولكن مع الأسف الشديد، لقد تعطلت أكثر المساجد من المصلين، والذي يصلون يظنون أن المساجد للصلاة فقط، فلا يفرغون لأنفسهم من أوقاتهم ساعات قليلة يتفقهون فيها بدين الله عزَّ وجلَّ، ويتعلمون أحكام دينهم، والبعض من الناس إذا كان في المسجد حديث، وخاصة العشاء، تأخر ليشرب الشاي، ويلهو ويسهو حتى تُقام الصلاة، وينقضي وقت الحديث، ويُشغل نفسه بأشياء تافهة، حتى يفوِّت على نفسه خيراً كثيراً. فهذه أحوال الكثيرين اليوم من المسلمين, فلا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم اهدنا ووفقنا وأرشدنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا هُداة مهتدين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين. اللهم ارزقنا الحب فيك، والبغض فيك، واجعلنا اللهم نحب فيك، ونبغض لك، يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، ورد دور مساجدنا كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منارات للعلم والذكر والخير الكثير. اللهم صلِّ على نبينا محمد، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأنعم بهم من رجال، وبقية الصحابة أجمعين، رضي الله عنهم، ورضي عمن تبعهم من السلف الصالح، ومن العلماء العاملين، الذين عملوا بعلمهم. أيها العلماء: إن عليكم مسئولية عظيمة هي تبليغ ما في كتاب الله، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الهدى وقد رسم ذلك لكم في وصية له، فقال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} ماذا تردون عن هذا الجواب يوم القيامة؟ إذا رأيتم الناس يُسألون عن غيهم وجهلهم، وهم يتخبطون في جهلهم، والعلماء الآن حازوا على الشهادات وجعلوها في البراويز، وجعلوها مناظر في المجالس، والله إنهم مسئولون عن علمهم، كم نرى في المساجد أن يأتينا عالم من علماء المسلمين يزورنا ويلقي إلينا كلمات؟ لم نرَ أحداً إلا إنساناً مجتهداً من الجهال مثلي ومن أمثالي، يقفون أمام الناس يتخبطون خَبْطَ عشواءٍ، أما العلماء الذين أخذوا الشهادات وبروزوها في البراويز، فإنهم رقدوا عليها وناموا، وسوف يسألهم الله عزَّ وجلَّ عن ذلك {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام والمسلمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم وفق ولاة المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم وفقهم وأعنهم على الأخذ على أيدي السفهاء حتى يأطروهم على الحق أطراً، إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اجمع كلمتهم على الحق، يا رب العالمين، ووحد صفوفهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم ارفع علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد والعناد. آمين يا رب العالمين. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الموكب الكريم

الموكب الكريم رواد هذا الموكب الكريم يحملون كلمة الله، وهذه الكلمة هي رسالة الخالق إلى المخلوق، ولقد أرسلهم الله في أزمنة متفاوتة، وجعلهم في بقاعٍ شتى، يمضون لغاية واحدة هي الأغلى والأسمى في هذا الوجود. وفي هذا الدرس خمسة أمثلة لهذه الصفوة وهم: نوح، هود، صالح، شعيب، لوط.

أول الرسل نوح عليه السلام

أوَّل الرسل نوح عليه السلام الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس! اتقوا ربكم الذي اختاركم من بين الأمم، واحمدوه على أن جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، واشكروه على نعمة الإسلام والإيمان. أمة الإسلام! لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء سهلة، فيها الخير والصلاح، والسعادة والفلاح لمن تمسك بهذه الشريعة, وقام بها حق قيام. عباد الله! لقد أخبرنا ربنا جل وعلا في محكم البيان ما حصل للأمم مع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا إليهم، ففي سورة هود أخبر الله سبحانه وتعالى عن نوح مع قومه عليه السلام، وأخبر عن هود مع قومه عليه السلام، وأخبر عن صالح مع قومه عليه السلام، وأخبر عن لوط مع قومه عليه السلام، وأخبر عن شعيب مع قومه عليه السلام. فنوح عليه السلام هو أول رسول بعثه الله سبحانه وتعالى إلى أهل الأرض، وقد أمره ربه جل وعلا أن ينذر قومه ويحذرهم عذاب الله، فعاش فيهم طويلاً، وكان أطول الأنبياء عمراً، وأكثرهم جهاداً، فقد تحمل من الأذى ما لم يتحمل أحدٌ من الرسل، فدعى قومه ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وقام فيهم تسعمائة وخمسين عاماً يذكرهم ويعظهم، ويدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكنه لم يلقَ من قومه إلا كل تكذيب واضطهاد وصدود وإعراض. فقد كانت قلوبهم أشد من الحجارة، وعقولهم أصلب من الحديد، ومع طول المدة التي أقامها بينهم لم يؤمن برسالته إلا القليل، كما أخبر الله جل وعلا: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]. بعث الله نوحاً عليه السلام إلى قوم قد أشركوا بالله، وعبدوا الأوثان والأصنام واتخذوا آلهة من دون الله, اعتقدوا أنها تضر وتنفع من دون الله عز وجل، فأرسل الله إليهم نوحاً عليه السلام ليحذرهم فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:1 - 3].

ظهور الأصنام وعبادتها

ظهور الأصنام وعبادتها أيها المسلمون! لقد كان الناس قبل قوم نوح على دين الفطرة يعبدون الله لا يشركون به شيئاًَ، ولا يعرفون أوثاناً أو أصناماً، وكانوا مؤمنين مقرين بوحدانية الله جل وعلا، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [[كان بين نوح وآدم عليهما السلام عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين]] قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [[كان أول ما عبدت الأصنام أن قوماً صالحين ماتوا، فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك فيها, ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمن جعلوا أجساداً على تلك الصور, فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام، وسموها بأسماء أولئك الصالحين: وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً]]. أيها المسلمون! احذروا من اقتناء الصور فإنها تطرد الملائكة عن البيوت، وتوجب لعنة الله عز وجل، واسمعوا إلى ما حصل لقوم نوح من اقتناء الصور: فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين؛ وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، فلما تفاقم الأمر وفشا الشرك فيهم, بعث الله نوحاً عليه السلام، يأمرهم ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

ردة الفعل من قوم نوح عليه السلام

ردة الفعل من قوم نوح عليه السلام ومع هذا التذكير والنصح والإرشاد فقد تمادى قوم نوح في الكفر والضلال والعناد مع طول المدة التي مكثها فيهم نوح عليه السلام لم تلن قلوبهم، قال الله عز وجل: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} [نوح:5 - 20]. ماذا ردوا عليه؟ أبوا أن يطيعوه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً} [نوح:5 - 6] أخيراً دعا عليهم نوح عليه السلام، فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27]. عند ذلك أمر الله نوحاً عليه السلام أن يصنع السفينة قال: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود:37] ولما انتهى نوح من صنع السفينة؛ أمره الله أن يحمل فيها الذين آمنوا معه، ومن الحيوانات من كلٍّ زوجين اثنين، وجعل الله له علامة إذا ظهرت فذلك وقت ركوب السفينة، قال الله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود:41]. تصوروا -يا عباد الله- تلك السفينة والأمواج قد ظهرت على رءوس الجبال {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42]. ماذا قال الابن العاق؟ قال: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:43 - 44] تلكم تذكرة لكم يا أمة محمد.

هود وصالح عليهما السلام والعبرة من قصصهما

هود وصالح عليهما السلام والعبرة من قصصهما

قوم هود ورحلة الكبر من الترف إلى الريح العقيم

قوم هود ورحلة الكبر من الترف إلى الريح العقيم هذا هود عليه السلام أرسله الله إلى قبيلة عظيمة من العمالقة تدعى قبيلة عاد، كانوا أشداء أقوياء قد زادهم الله بسطة في الجسم، وكانوا مترفين في الحياة، يبنون القصور الفخمة الشامخة، وعندهم البساتين النضرة، والعيون الجارية -وليست مثل حدائقنا التي يختلط فيها الرجال والنساء الآن، وتقضى فيها الليالي الفضلى ليلة الجمعة وليلة الخميس، هؤلاء قوم عاد عندهم البساتين النضرة والعيون الجارية- فاغتروا بضخامة أجسامهم وقوتهم، فاستكبروا على الله وعتوا عن أمر رسله, وتمادوا في طغيانهم, لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، فأهلكم الله بالريح العاتية، كما قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:15 - 16]. لما طغت عادٌ وتمردت على نبي الله هود عليه السلام، ولم ينفعها التذكير ولا الإنذار وتمادت في طريق العصيان؛ حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى اشتد عليهم الجهد والبلاء، فاستغاثوا، فأرسل الله عليهم سحاباً كثيباً من السماء، فلما رأوا السحاب فرحوا واستبشروا وظنوا أنه مطر غزير، وأن الله استجاب دعاءهم حين استغاثوا, فلما أظلتهم السحابة رأوها سوداء قاتمة، ففزعوا ثم هبت عليهم الريح وكانت ريحاً عقيماً سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فأهلكهم الله وأبادهم، وصارت أجسامهم كأنها أعجاز نخل خاوية، ونجى الله عز وجل هوداً عليه السلام والذين معه، وكان الذين هلكوا من قوم عاد قد هلكوا عن آخرهم، فلم يبق من أنفسهم ولا من ديارهم شبح ولا رسم؛ لأن الريح قد دمرت كل شيء فلم تبقِ عليهم ولم تذر، قال الله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41]. تذكر يا عبد الله وهي تحمل الرجل ثم تضعه على أم رأسه، تصور هذا العذاب من الله عز وجل، ولكن هل نفكر؟ إنما نقول أعاصير ورياح وبراكين وزلازل ولا نفكر أنها غضب من الله {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:41 - 42] هذا لكم تذكار يا أمة محمد.

أذى ثمود للنبي صالح عليه السلام وللناقة

أذى ثمود للنبي صالح عليه السلام وللناقة وهذا نبي الله صالح عليه السلام أرسله الله إلى قبيلة مشهورة يقال لها ثمود، وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وقد مرّ به رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين، فلما نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود واستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها وطبخوا، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، أمرهم أن يريقوا القدور -أي: يكبوا القدور- وأن يعلفوا العجين الإبل، وارتحل بهم صلى الله عليه وسلم حتى نزل عند البئر التي تشرب منها الناقة، وقال لهم صلى الله عليه وسلم -اسمعوا يا من تأخذون آلة التصوير! اسمعوا يا من تأكلون وتشربون عند ديار المعذبين! ولا تبكون ولا تعتبرون- يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام: {لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم} مع الأسف الشديد ما يفعله البعض من الناس من الضحك والمزاح واتخاذ الصور التذكارية فإنا لله وإنا إليه راجعون. أيها المسلمون! كانت قبيلة ثمود تدين بعبادة الأوثان، وتكفر بالله الواحد الديان، فبعث الله إليهم صالحاً عليه السلام، يذكرهم بنعم الله ويهديهم طريق الفوز والسعادة، وأنهم خلفاء في الأرض من بعد قوم عاد، وأمرهم بالتقوى، ونهاهم عن عبادة الأصنام، فظلوا متمادين في غيهم، عاكفين على عبادتهم الباطلة، وكانوا أهل خصب ونعيم، لما لهم من الخيرات الوافرة, والجنات الزاهرة, والعيون الجارية، وقد ذكرهم الله بهذه النعم فآمن منهم نفر قليل، وأكثرهم كذبوا وكفروا برسالة الله التي جاء بها صالح عليه السلام، وعتوا في طغيانهم عتواً كبيراً، وطلبوا من صالح معجزة تشهد بصدقه، فجاءهم بمعجزة الناقة، وقد كانت آية عظيمة دالة على صدق صالح عليه السلام، وقد حذرهم صالح من التعرض للناقة بسوء، وأنذرهم عذاب الله إن هم أقدموا على قتلها، ولكن النفوس العاتية التي لا تسمع موعظة ولا تقبل نصيحة، والتي قد أعماها حب التمرد والطغيان، وأصم آذانها عن قبول دعوة الله، قد أبت إلا الإجرام. فأقدموا على عقر الناقة بغياً وعتواً، وكان أول من سطا على الناقة الشقي اللعين قدار بن سالف، فعقرها فسقطت على الأرض فابتدرها الرجال بأسيافهم يقطعونها، وكانوا تسعة كما أخبر الله عز وجل: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [النمل:48] وقد هموا بقتل نبي الله صالح صلى الله عليه وسلم بعد قتل الناقة، لا سيما بعد أن أنذرهم بعذاب الله، وتوعدهم به بعد ثلاثة أيام من عقر الناقة، قال الله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود:65] فأرسل الله على ذلك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة من السماء رضختهم ودمرتهم قبل قومهم. قال ابن كثير رحمه الله: "وأصبحت ثمود في اليوم الأول من موعد حلول العذاب، وقد اصفرت وجوههم، ثم أصبحوا في اليوم الثاني وقد احمرت وجوههم، ثم أصبحوا في اليوم الثالث وقد اسودت وجوههم كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما انتهت الأيام الثلاثة ومع شروق الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس، وسكنت الجوارح والحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً هامدة لا أرواح فيها ولا حراك {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس:14 - 15] وأما صالح عليه السلام والذين آمنوا معه، فقد نجوا مما لحق بقومهم من العذاب.

شعيب عليه السلام في أهل مدين

شعيب عليه السلام في أهل مدين يا أمة الإسلام! هذه تذكرة لكم يا عباد الله! يا أمة الإسلام! كل هذا في كتاب الله عز وجل تذكرة لكم. وهذا شعيب عليه السلام أرسله الله إلى أهل مدين، وكانوا أهل تجارة وزراعة، وكانوا أصحاب رفاهية ونعيم، وقد كانوا على دين إبراهيم عليه السلام، ولكنه لم يطل بهم العهد حتى غيروا وبدلوا وكفروا بالله, وانحرفوا عن الصراط المستقيم، قد فشت فيهم منكرات عديدة، منها التطفيف في المكاييل والموازين، فكانوا يبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد بعث الله إليهم شعيباً عليه السلام، فدعاهم إلى توحيد الله وذكرهم بعذاب الله، ونهاهم عن تطفيف المكيال والميزان، وأمرهم بالإصلاح وعدم الإفساد فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون. وقد كان هؤلاء المكذبون على غاية من الضلال والجحود، يقعدون على الطريق يصدون الناس الذين يأتون إلى شعيب عن الدين، ويمنعونهم من الإيمان به، ويتوعدونهم بأنواع التهديدات والوعيد، ولما ألح عليهم شعيب عليه السلام في الدعوة والموعظة جاهروه بالعداء، وادعوا أنهم لا يفقهون كلامه، ولا يعرفون غرضه، وتوعدوه بأنه لولا أن له أنصاراً لقتلوه، ثم هددوه وتوعدوه بالإخراج والطرد من القرية هو والذين آمنوا معه، إلا أن يعودوا في ملتهم ويدخلوا في دين قومهم، قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف:88] وقال الله أيضا عن قوم شعيب: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} [الأعراف:90]. إنهم أمة عتاة حمقى، ولقد كان من شدة حماقتهم أن يطلبوا من شعيب أن يسقط عليهم كسفاً من السماء إن كان من الصادقين في دعوته، فأخذهم عذاب يوم الظلة، بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام، حتى غلت مياههم من شد الحر، ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا تحتها للاستظلال فراراً من شدة الحر، فلما تكامل عددهم في ظلها تزلزلت بهم الأرض وجاءتهم الصيحة وأمطرت عليهم السماء ناراً تلظى فاحترقوا. تلك سنة الله في خلقه، فاتقوا الله وأطيعوه، واحذروا من غضب الله وعقابه, ومن شدة نقمته, بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

لوط عليه السلام في القرية الخبيثة

لوط عليه السلام في القرية الخبيثة الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، في هذه الخطبة الثانية نتحدث عن قوم أرسل الله إليهم رسولاً يدعوهم إلى الله عز وجل، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ولم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم يعهدونه، ولا يألفونه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله، فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام، قال الله تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف:81]. كانوا يرتكبون ذنب اللواط، الذنب الذي كان يغضب رب العباد، إنها الفاحشة التي يضيق بها الفضاء وتأج لها السماء، ويحل بها البلاء، فكشف حال، وسوء مآل، وداء عضال، وقبح فعال، وعيب دونه سائر العيوب، جريمة اللواط عيبٌ تموت به الفضيلة، وتحيا به الرذيلة، اللواط عملٌ مسبوب، ووضع مقلوب، اللواط فاعله ملعون، اللواط خلق فاسد، وشرف مسلوب، وعرض ممزق، وكرامة معدومة، وعاقبته زهري وجرب وألوان، إنها الجريمة الشنعاء البشعة القبيحة، إنه ركوب الذكران بعضهم على البعض. اللهم وإن في هذه الفاحشة الشنعاء من الخزي والعار ما لا تطيقه الطباع السليمة، فعال أمة قديم عصرها، باق ذكرها، كثير شرها، وهي مشهورة ببلاد الغور بناحية حيال البيت المقدس بينها وبين بلاد الكرك والشوبك، إنها أمة ترتكب هذه الفاحشة الشنيعة، والجريمة الفضيعة، علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله من أزواج، ولا يبالون بمن يعتب ويشنع عليهم، وقد بالغ لوط عليه السلام بدعوتهم إلى توحيد الله عز وجل، وحذرهم من فعل الفاحشة وهي إتيان الرجال من دون النساء، وبالغ في إنذارهم وتحذيرهم، وكان الجواب من أولئك العصاة الكفرة على تلك النصيحة، أن قالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]. يقولون هذا ومقصودهم السخرية، والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته لم يلتفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيها وتماروا به.

الملائكة في بيت لوط عليه السلام

الملائكة في بيت لوط عليه السلام وقد أرسل الله عز وجل إلى لوط عليه السلام ملائكة بصفة حسنة؛ جبريل وميكائيل وإسرافيل في صور شباب مرد حسان، محنة من الله واختباراً لقوم لوط، فأضافهم لوط عليه السلام وهو خائف عليهم من قومه، ولكن زوجته السوء العجوز الشريرة بعثت إلى قومها فأعلمتهم بأضياف لوط، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان، يريدون أولئك الشباب المرد الحسان، وأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب وذلك عشية، ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه، ويقول لهم: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر:71] أي: نساؤهم {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79] يريدون فاحشة اللواط، فلما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول، خرج عليهم جبريل عليه السلام، فضرب أعينهم بطرف جناحه فانطمست أعينهم، يقال: أنها غارت من وجوههم، ويقال: أنه لم تبق لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان، ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37]. ولقد جاءت الملائكة لوطاً عليه السلام، تأمره بالخروج من بين أظهر أولئك؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، قال الله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر:65] صدر الأمر العظيم من إله الأولين والآخرين: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر:66].

عقاب الله لقوم لوط عليه السلام

عقاب الله لقوم لوط عليه السلام خرج لوط عليه السلام ومن معه آخر الليل فنجا مما أصاب قومه، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد، ولا رجل واحد، ولا امرأته، بل أصابها ما أصابهم، وخرج لوط عليه السلام وبنات له من بين أظهرهم سالماً لم يمسسه سوء، قال الله تعالى عن قوم لوط: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر:73 - 74]. تذكر الله يا عبد الله! تصور ذلك العذاب! تصور تلك القرى وجبريل عليه السلام يرفعها بجناحه ثم يقلبها عليهم: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:74 - 77]. نعم يخبر الله جل وعلا أنهم أخذتهم الصيحة، وهي ما جاءهم به من الصوت القاصف عند شروق الشمس، وهو طلوعها وذلك مع رفع بلادهم إلى عنان السماء ثم قلبها وجعل عاليها سافلها، وإرسال حجارة السجيل عليهم، أمر الله جبريل -وهو ملك من ملائكة الرحمن له ستمائة جناح- أمر الله جبريل عليه السلام فاقتلع ديارهم بجناح واحد من أصولها, ورفعها إلى السماء الدنيا، حتى سمع الملائكة نباح الكلاب وصياح الديكة، فقلبها عليهم ثم اتبعهم الله بحجارة من سجيل منضود، فتلكم قرية سدوم الذي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتة خبيثة، في طريق مهيع مسلكه مستمر إلى اليوم، وهو المعروف بـ البحر الميت، الذي لا يعيش فيه شيء.

الحكمة من إيراد أخبار قوم لوط

الحكمة من إيراد أخبار قوم لوط أيها المسلمون! إن البعض من المسلمين فتن بهذه الجريمة وهي جريمة اللواط، سواءً من الكبار أو الصغار، الجريمة التي تشمئز لها النفوس، وتضيق بها الأرض ذرعاً، وتأج السماء من فعلها. عباد الله! أيها المسلمون! أتدرون لماذا ذكر الله أخبارهم في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنه والله لنعتبر بما أصابهم ونحذر كل الحذر مما كانوا عليه من سوء الحال وقبح الفعال، والله يقول وهو أصدق القائلين: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] فسبحان الله يا عباد الله! كيف يقع ذكر على ذكر وهو يعلم أن الله حرم ذلك؟! وهو يعلم أن الله يراه ولم يغب عن بصره طرفة عين! ويعلم ما في ذلك من مخالفة العقل والدين! وما فيه من خطر ومرض وشر مستطير، وخزي وعار!! هذا في الحقيقة فعل تترفع عنه طباع الكلاب والبغال والحمير والقردة والخنازير، وما ظهر اللواط في أمة إلا ذلت، وأخزيت وسلب عزها. وإذا أراد الله جل وعلا إهلاك قرية فسق فيها المترفون, فاستحقت الخراب والدمار، فانتبهوا أيها المسلمون! وتناصحوا، واحفظوا أولادكم، واعلموا أنكم مسئولون عن أولادكم أمام الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. أيها المسلمون! صلوا على الناصح الأمين رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضِ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إلى القرآن والسنة يا رب العالمين، اللهم ردنا لنأخذ بسيرة سلفنا الصالح يا رب العالمين، اللهم وفقنا للاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أيقظنا من رقداتنا، الله اشفِ مرض قلوبنا، اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا، وأصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ونعوذ بك اللهم من جميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام راقدين، اللهم لا تشمت بنا ولا تطمع بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم اجمعنا جميعاً في جنات النعيم، واغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا رب العالمين.

الوقاية من النار

الوقاية من النار نار جهنم أحد المصيرين اللذين لا ثالث لهما يوم القيامة، ولهذا وجب علينا أن نهرب بأنفسنا من النار، وهناك أسباب وأمور تجعل الإنسان يقي نفسه وأهله من نار جهنم، ومن الأسباب التي ذكرها الشيخ في هذه الخطبة: الإخلاص في جميع الأعمال، وخشية الله عز وجل. موضحاً أن من أهم الأسباب -أيضاً- عدم غش الأبناء والأهل بإدخال آلات اللهو إلى البيت.

أمور تقي الإنسان من النار

أمور تقي الإنسان من النار الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، الذي فيه البشارة والنذارة، وفيه الترغيب والترهيب وفيه الأمر والنهي، الأمر بما فيه السعادة والفلاح, والنهي عن ما فيه الشر والشقاوة، نحمده ونشكره الذي لم يتركنا هملاً ولم يخلقنا عبثاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقو الله عز وجل وأطيعوه. أمة الإسلام: لقد ناداكم القرآن بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. أمة الإسلام: لقد أمرنا ربنا بهذا الأمر وهو: أن نحفظ الأنفس والأهل من الوقوع في النار التي أعدها الله لمن عصاه وعصى رسله، إنها نار جهنم التي يؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ثم أولئك الملائكة الذين هم في شدة الغلظة والقسوة على من عصى الله، في الأثر: [[أنهم إذا سحبوا العاصي إلى النار يقول لهم: ألا ترحموني؟ فيقولون له: إذا لم يرحمك أرحم الراحمين فلن نرحمك]] أو كما ورد في الأثر. عباد الله: لنفكر ما هو الشيء الذي نفعله ونقوم به حتى ننجو من النار؟ ما هو الشيء الذي نقوم به لله حتى ينجينا من هذه النار؟ إنه خشية الله تعالى، خشية الله في السر والعلانية، وما هي خشية الله؟ هي التي تبعث العبد للعمل بما أمره الله ويجتنب ما عنه نهى الله عز وجل، ويأمر الأولاد والأهل بذلك، فإذ فعل ذلك وامتثل فقد صار من الذين قال الله فيهم في محكم البيان: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12] فإذا حصل على هذا الأجر العظيم فقد حصلت له الوقاية من النار, وزحزح نفسه وأهله عنها, وفتح لنفسه ولأهله طريق الجنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. ومن الوقاية من النار -يا عباد الله-: الإيمان الخالص بالله عز جل، إيماناً لا يخالطه شرك ولا يخالطه شك، إيمان يدفع إلى القيام بحقوق الله عز وجل. ومن أعظم هذه الحقوق إقامة الصلوات الخمس بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها مع جماعة المسلمين في بيوت الله عز وجل، وتعلّم أحكامها وتعليم الأهل والأولاد لأحكامها وأمرهم بإقامة الصلاة في أوقاتها وحثهم عليها, والصبر على ذلك امتثالاً لأمر الله عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. ومن الوقاية من النار: إعطاء الزكاة لمستحقيها الذين ذكرهم الله في محكم البيان. ومن الوقاية من النار: أداء ما فرض الله على عباده من الصيام والحج والجهاد في سبيله. ومن الوقاية من النار: الصدق في الأقوال وأداء الأمانة. ومن الوقاية من النار: النصيحة وعدم الغش والبعد عن الخيانة، ومن الغش والخيانة: إدخال آلات اللهو على الأهل والأولاد من أفلام وأغانٍ وفيديو وسينما وتلفاز ومجلات وغيرها من أدوات الإلحاد والشر التي غزي بها المسلمون، وكذلك صور ذوات الأرواح التي طردت الملائكة عن بيوت المسلمين وأحلت مكانها السخط واللغو وكثرة الشتمات، كل من أدخل هذه في بيته فهو غاش لنفسه ولأهله ولأولاده، وسوف يوقف بين يدي الله عز وجل ويحاسبه على ذلك حساباً دقيقاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. أمة الإسلام: إن من الوقاية من النار: البعد عن جريمتي الزنا واللواط، والبعد عن شرب المسكرات بأنواعها، والبعد عن الشحناء والكذب والنفاق والخيانة، والبعد عن أكل أموال الناس بالباطل، والبعد عن أكل الربا، والبعد عن التعدي والظلم، والبعد عن اللعب بالقمار والميسر، والبعد عن جميع الموبقات التي تسبب للأمة الخزي والعار, والتأخر والاضمحلال، وتسبب زوال النعم، ثم هي بعد ذلك تهوي بمن ارتكبها في النار التي وقودها الناس والحجارة. فالنجاة النجاة يا أمة الإسلام!! انتبهوا من هذا الرقاد وبادروا بالأعمال، بادروا بالأعمال الصالحات فإن الأعمار سريعة الانصرام، والأيام والليالي تمر بكم مر السحاب، وإذا تأملتم هذه الدنيا وفكرتم بها رأيتموها كالسراب، وصدق القائل في وصفها: إذا امتحن الدنيا اللبيبُ تكشفت له عن عدو في ثياب صديق أعوام سريعة المرور، وشهور تتبعها شهور, وعبر بين ذلك ترى بالأبصار، ولكن أين أعين الاعتبار؟! {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] لقد غرت الدنيا قبلنا أقواماً وخدعتهم ورأيتم كيف تقلبت بأهلها الأحوال, وخدعتهم الآمال حتى وافتهم الآجال قبل أن يحصلوا على ما تمنوه من صالح الأعمال، فحاسبوا أنفسكم على ما كسبت من الذنوب والمعاصي الثقال، لقد جنينا على أنفسنا بالذنوب جناية عظيمة فلينوا قلوبكم بذكر هادم اللذات لعلها تلين، وعظوها بذكر القبر وفتنته فإنهما لحق اليقين، وذكروها: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} [آل عمران:30] {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [النحل:111]. اللهم أيقظنا من سِنة الغفلة, ووفقنا لاغتنام أوقات المهلة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على التقوى والرجوع إلى الله

الحث على التقوى والرجوع إلى الله الحمد لله رب العالمين، أحمده وبه أستعين، وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشرية جمعاء، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وارجعوا إلى الله عز وجل، ارجعوا إليه بالتمسك بكتابه العزيز واتباع سنة نبيكم محمد الأمين صلى الله عليه وسلم، واسمعوا قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] فأقلعوا -يا عباد الله- عن جميع المعاصي، واستقلوا عن استعمار الشيطان، لقد استعمركم الشيطان بالمعاصي, فاستقلوا وأقلعوا -يا عباد الله- بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل, حتى لا يصيبنا ما أصاب مجاورينا من زوال النعم وحلول النقم واستبدال الأمن بالخوف, فإن المعاصي تزيل النعم وتجلب الويلات وغضب الله عز وجل. أمة الإسلام: إن الله إذا رضي بارك وإذا غضب سخط، وإذا سخط لعن، ولعنة الله تبلغ السابع من الولد، وأنتم -لله الحمد والثناء- تتقلبون بنعم الله عز وجل ولكن خذوا حذركم فإن أعداء الإسلام أصحاب المبادئ الهدامة والعقائد الفاسدة يبذلون جهدهم ليردوكم عن الصراط المستقيم وعن الوصول إلى ما يقرب من رب العالمين، فاحذروهم كل الحذر. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. واعلموا أن الله عز وجل أمركم أن تصلوا على رسوله فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين، اللهم خذ بنواصينا إلى كل خير، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا يا رب العالمين، اللهم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ولا مغيرين ولا مبدلين. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمّر اليهود والنصارى المبشرين والشيوعيين ومن عاونهم يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار ولا تولِّ عليهم الأشرار الذين يسومونهم سوء العذاب. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

إلى الباحثين عن السعادة

إلى الباحثين عن السعادة يا من يريد السعادة في الدنيا والآخرة عليك بتقوى الله عز وجل فهي الطريق الوحيد للوصول إلى السعادة، والتقوى: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، ولا يكون ذلك إلا بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه من المنكرات والمعاصي.

السعادة هي في تقوى الله عز وجل

السعادة هي في تقوى الله عز وجل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار. عباد الله: يا من تريدون السعادة في الدنيا والآخرة! يا من تبحثون عن العزة والشرف والرفعة في الدنيا والآخرة! يا من تبحثون عن راحة القلوب وسرورها! يا من تبحثون عن علاج الهموم والغموم! يا من تبحثون عن تفريج الكروب وكشف الخطوب ودفع الملمات! عليكم بتقوى الله جل وعلا, فكم نسمع: عليكم بتقوى الله. عليكم بتقوى الله لا تتركونها فإن التقى أقوى وأولى وأعدل لباس التقى خير الملابس كلها وأبهى لباساً في الوجود وأجمل فما أحسن التقوى وأهدى سبيلها بها ينفع الإنسان ما كان يعمل فيا أيها الإنسان بادر إلى التقى وسارع إلى الخيرات ما دمت تمهل وأكثر من التقوى لتحمد غبها بدار الجزا دار بها سوف تنزل وقدم لما تقدم عليه فإنما غداً سوف تجزى بالذي كنت تفعل وأحسن ولا تهمل إذا كنت قادراً فأنت عن الدنيا قريباً سترحل

جزاء المتقين

جزاء المتقين التقوى -يا عباد الله- تحمل العبد على أن يحفظ الرأس وما فيه من السمع والبصر واللسان, أخذاً بقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فلا يسمع إلا إلى الحلال, ولا يطلق بصره إلا إلى ما يحل له, ولا يطلق لسانه إلا فيما ينفع في الدنيا والآخرة. التقوى تحمل من التزمها أن يحفظ الفرج عما حرم الله عليه من الزنا واللواط, التقوى تحمل من التزمها على أكل الحلال وشرب الحلال ولبس الحلال, التقوى عامل أساسي للمبادرة إلى أداء الواجبات الربانية والقيام بأوامر الله على الوجه المطلوب, التقي بار بوالديه, واصل لأرحامه, محسن إلى الفقراء والمساكين, يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويفشي السلام, ويعود المرضى, ويقوم بحق الجوار, ويؤدي الأمانة, ويفي بوعده, ويؤدي الشهادة على القريب والبعيد والصديق والعدو, ويتحرى العدل في جميع معاملاته, ثم يبين لنا هذا الناصح جزاء المتقين على تقواهم فيقول: وجنات عدن زخرفت ثم أزلفت لقوم على التقوى دواماً تبتلوا بها كل ما تهوى النفوس وتشتهي وقرة عين ليس عنها ترحلُ ملابسهم فيها حرير وسندس وإستبرق لا يعتريه التحللُ ومأكولهم من كل ما يشتهونه ومن سلسبيل شربهم يتسلسلُ وأزواجهم حور حسان كواعب على مثل شكل الشمس بل هي أشكلُ يطاف عليهم بالذي يشتهونه إذا أكلوا نوعاً بآخر بدلوا فواكهها تدنوا إلى من يريدها وسكانها مهما تمنوه يحصلُ وأنهارها الألبان تجري وأعسل تناولها عند الإرادة يثملُ بها كل أنواع الفواكه كلها وخمر وماء سلسبيل معسلُ يقال لهم طبتم سلمتم من الأذى سلام عليكم بالسلامة فادخلوا عباد الله: بأي شيء نالوا هذه الكرامات؟! اسمعوا ماذا يقول هذا الناصح: بأسباب تقوى الله والعمل الذي يحب إلى جنات عدن توصلُ

الشقاوة هي في معصية الله

الشقاوة هي في معصية الله إذا عرفنا فائدة التقوى وما فيها من الخير العاجل والآجل في الدنيا والآخرة, فإن ضد ذلك الشقاوة ومن أسبابها عدم الخوف من الله جل وعلا, فإن الله يورث الأشقياء ضنكاً في الدنيا, فلا طمأنينة لقلوبهم, ولا انشراح لصدورهم, بل هي ضيقة حرجاً لبعدهم عن الله عز جل, والله ثم والله إن فيها من الذل والهوان والضيق ما الله به عليم, وإن تنعم ظاهرها, ولبسوا ما شاءوا وأكلوا وشربوا ما شاءوا, وسكنوا حيث شاءوا, وصدق الله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء:77] أهل الشقاوة قلوبهم قلقة؛ لأنها لم يخلص إليها اليقين والهدى, فهي في حيرة وشك, وظلمات تتخبط بها, لماذا؟ لإعراضهم عن اتباع الهدى، واستعمال ما وهبهم الله من الحواس فيما يغضب الله جل وعلا, فلا حفظوا القلوب والأسماع ولا الأبصار, بل أطلقوها فيما حرم الله عليهم, فلذلك ذمهم الله بقوله وتوعدهم: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179]. يا له من وعيد في نار جهنم, ويا له من ذم ما أقبحه, ثم اسمعوا بما وصفهم الله به فقال: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] فكم تتلى عليهم آيات الله؟ قال الله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:105] اسمعوا ماذا يقولون وهم في نار جهنم يعذبون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:106] فيا طول عنائهم! ويا طول مكثهم! ويا لكثرة همهم وغمهم! ويا لكثرة بكائهم وصراخهم وهم ينادون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107] فيجيبهم الله أحكم الحاكمين: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] عند ذلك يزداد بكاؤهم. فيا عباد الله: تذكروا أهل النار وهم يسحبون في أوديتها, في توابيت من نار, وتذكروا عندما يساقون إليها زمراً قد اسودت وجوههم, وتذكروا عندما تقابلهم الزبانية بالتهديد. ونار تلظى في لظاها سلاسل يغل بها الفاجر ثم يسلسل شراب ذوي الإجرام فيها حميمها وزقومها مطعومهم حين يؤكل حميم وغساق وآخر مثله من المهل يغلي في البطون ويشعل يزيد هواناً من هواها ولم يزل إلى قعرها يهوي دواماً وينزل وفي ناره يبقى دواماً معذباً يصيح ثبوراً ويحه يتولول عليها صراط مدحض ومزلة عليه البرايا في القيامة تحمل وفيه كلاليب تعلق بالورى فهذا نجا منها وهذا مخردل فلا مذنب يفديه ما يفتدي به وإن يعتذر يوماً فلا العذر يقبل فهذا جزاء المجرمين على الردى وهذا الذي يوم القيامة يحصل فيا ويل من أعرض عن كتاب الله, ويا ويل من غفل عن ذكر الله, ويا ويل من أضاع الصلاة, يا ويل من منع الزكاة, ويا ويل من ارتكب الجرائم والموبقات, ويا ويل من ارتكب الزنا واللواط, ويا ويل من أكل الربا, ويا ويل من غش عباد الله, ويا ويل من أكل الرشوة, ويا ويل من بات وهو مدمن على شرب المسكرات والمخدرات, ويا ويل من قضى وقته في الغيبة والنميمة, ويا خسارة من قضى وقته مع الأفلام والتمثيليات والأغاني الماجنات, إذا استلم الصحيفة -يوم لا ينفع مال ولا بنون- وقد سجلت عليه تلك الخطايا والسيئات, يا لها من فضيحة لا يماثلها فضيحة! ويا لها من خسارة لا يماثلها خسارة! في ذلك اليوم العظيم, يوم العرض الأكبر على الله يوم القيامة: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ:18 - 19] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] يا لك من يوم عظيم على من أضاع أوامر الله, وهنيئاًَ ثم هنيئاً لمن أطاع الله, إذا قال وهو يرفع تلك الشهادة: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24] اللهم اجعلنا ممن يؤتى كتابه باليمين, واجعلنا ممن يرد حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, اللهم واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

التأهب ليوم القيامة

التأهب ليوم القيامة الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة, وتركها على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه. عباد الله: تأهبوا ليوم القيامة, هل نسيتم يوم القيامة وما فيها؟ ما هي هذه الغفلة؟ ما هذا الإعراض؟ أين التناصح في الله؟ أين الأمر بالمعروف؟ أين النهي عن المنكر؟ أما علمتم أن أمامكم يوم القيامة وسوف تحاسبون فيه على تفريطكم وتندمون على إهمالكم؟ فاسمعوا يا عباد الله: وإن أمام الناس حشر وموقف ويوم طويل ألف عام وأطول فيا لك من يوم على كل مبطل فظيع وأهوال القيامة تعضل تكون به الأطواد كالعهن أو تكن كثيباً مهيلاً أهيلاً يتهلهل به ملة الإسلام تقبل وحدها ولا غيرها من أي دين فيبطل به يُسألون الناس ماذا عبدتم وماذا أجبتم من دعا وهو مرسل حساب الذي ينقاد عرض مخفف ومن ليس منقاداً حساب مثقل ومن قبل ذاك الموت يأتيك بغتة وهيهات لا تدري متى الموت ينزل كئوس المنايا سوف يشربها الورى على الرغم شبان وشيب وأكهل حنانيك بادرها بخير فإنما على الآلة الحدبا سريعاً ستحمل إذا كنت قد أيقنت بالموت والفنا وبالبأس عما بعده كيف تغفل إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى أبن يوم الجزا كيف تفعل أترضى بأن تأتي القيامة مفلساً على ظهرك الأوزار بالحشر تحمل أيصلح إيمان المعاد لمنصف وينسى مقام الحشر من كان يعقل والله لا ينسى ذلك أحد -يا عباد الله- واسمعوا إلى قول رب العزة والجلال وهو يحذركم من الغفلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] ما قدمت لغد يا عبد الله؟ ما قدمت ليوم القيامة؟ أتدري ما هو غد يا عبد الله؟ هو يوم القيامة, يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] ثم اسمع إلى الإنذار, اسمع إلى رب العزة والجلال ينذرك ألا تكون مثل الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19]. ثم استمع -يا عبد الله- إلى الفرق: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر:20] ميز بعقلك يا مسكين هل يستوون؟! لا. ورب العزة والجلال لا يستوون: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20]. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه يقول: {الكيّس من دان نفسه, وعمل لما بعد الموت, والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني}. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين. اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة, اللهم أيقظنا من غفلاتنا, اللهم وفقنا لاغتنام أوقات المهلة قبل أن يهجم علينا هادم اللذات, وننقل إلى تلك الحفر, فلا ينفع والله في تلك الحفر إلا ما قدمت يا بن آدم, إن خيراً فخير, وإن شراً فشراً, ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم وفقنا وإياهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إنك على كل شيء قدير. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم يا حي يا قيوم, يا ذا الجلال والإكرام, ارفع عنا الغلاء, والوباء, والربا, والزنا, واللواط, والسفور والتبرج, والتمثيليات, والأفلام والأغاني الماجنات, اللهم طهّر بيوتنا وبلادنا من هذه الفتن يا رب العالمين. اللهم أحيينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين, غير خزايا ولا مفتونين, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

إن تنصروا الله ينصركم

إن تنصروا الله ينصركم لقد تسلط أعداء الإسلام علينا لما رأوا ما تعيشه أمة الإسلام من اختلاف ونزاع وبعد عن منهج الله، ففرقوا هذه الأمة فكرياً وعقدياً وأخلاقياً، ولكن متى ما صدقت هذه الأمة مع الله تعالى في الجهاد في سبيله وكان قتالها لتكون كلمة الله هي العليا، وحكمت الشريعة، وقامت بأمر الله، وآمنت بالله وباليوم الآخر، وعملت صالحاً، واتبعت سلفها الصالح؛ فستكون العاقبة لها بالحياة السعيدة وبنصر الله لها.

أسباب ضعف المسلمين وعلاجه

أسباب ضعف المسلمين وعلاجه

استغلال أعداء الإسلام لاختلاف المسلمين

استغلال أعداء الإسلام لاختلاف المسلمين الحمد لله رب العالمين, الذي خلق فسوى, والذي قدر فهدى, يسّر من شاء من عباده إلى طاعته فأسعده ونصره وأيده, وطرد من أشقاه فخذله ووكله إلى نفسه, فصار ذليلاً مخذولاً حيراناً, نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. أحمده سبحانه حمداً كثيراً كما يحبه ربنا ويرضى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أمة الإسلام: اتقوا الله تعالى وأطيعوه, واعلموا أن النصر من عند الله, وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. أيها المسلمون! إن الضعف الذي حلّ بالأمة الإسلامية قد أفقدها شيئاً كثيرًا من هيبتها وعزتها, ومن كرامتها, لقد دبّ الضعف في صفوف المسلمين لما اختلفت الأمة في أهوائها, وتفرقت كلمتها, وتشعبت مناهجها؛ فصارت ألعوبة للأعداء ولقمة سائغة أكلتها سباع الشيطان، وما ذاك يا أمة الإسلام, وما ذاك يا أمة التوحيد, وما ذاك يا أمة لا إله إلا الله! إلا لما تركت الأمة الإسلامية ما فيه غذاؤها الروحي والفكري وهو القرآن والسنة والحكم بهما والتحاكم إليهما. لما تركوا ذلك -إلا القليل منهم- ورأى أعداء الإسلام والمسلمين منهم ذلك, جلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم حتى حسنوا لهم البدع والمنكرات, وحتى غزوا الأمة من كل جانب, وبكل سلاح, غزوها من ناحية الفكر والعقيدة فغيروا الأفكار وأفسدوا العقيدة, غزوها من ناحية الأخلاق والمثل العليا فأفسدوا الأخلاق وهدموا المثل العليا, غزوا الأمة من ناحية المنهج والسلوك فضيعوها في متاهات الجهل والخرافات والبدع وفرقت الأمة دينها, وكانوا شيعاً متفرقة وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة, قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي اليوم} فالله المستعان يا أمة الإسلام! الأمة الآن شيع متفرقة استبدلت بالحكم بالكتاب والسنة القوانين الوضعية, وأحكام الطواغيت، وهي الحكم بغير ما أنزل الله جل وعلا. ومع الأسف الشديد لما انزلقت الأمة الإسلامية في ذلك عمّ فيهم الجهل, وأصبحوا الآن يقتل بعضهم بعضا ويسب بعضهم بعضاً في الإعلام والمجلات, وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين خطب في يوم عرفة: {ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} الآن يا أمة الإسلام. إخوة متجاورون في أوطان متجاورة يقتل بعضهم بعضاً, وأعداء الإسلام تتفرج وتتفكر ماذا يفعلون! يقتل بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً في الإعلام والمجلات, وصاروا في حلبة الصراع نهبة للأعداء من كل ناحية, فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم إنا نسألك الخلاص لأمة الإسلام، اللهم إنا نسألك الخلاص لأمة الإسلام.

تسلط الأعداء

تسلط الأعداء أيها المسلمون! إنكم ترون ما بلغت الأمة الإسلامية الآن، إنها بلغت إلى مستوى انحطت معنويتها به, ونزعت من قلوب أعدائها هيبتها, وتسلط الأعداء عليها بقوة السلاح, فغزوها غزواً عسكرياً، فتلكم الشرذمة القليلة من اليهود التي استحلت المسجد الأقصى والمسلمون متشاغلون في الخلافات والمنابذة في الإعلام والمجلات, وتلكم الشيوعية الحمراء تقتل وتشرد وتبث مذهبها الهدام, تلكم التبشيرية بـ النصرانية تعبث بالمسلمين من كل ناحية. كل ذلك وغيره من المبادئ الهدامة التي تبدد الأفكار, وتهدم الأخلاق, وتبرهن وتعلن أنها جاءت لما رأت الضعف بالأمة الإسلامية ولما رأت الكثير يتخلى عن دينه ويتباعد، ويزعم الزعم الخطأ أن الحكم بما أنزل الله قد انقضى وقته, وانقرض أهله, فلا يطابق هذا العصر، ولا يناسب أهله أهل هذا العصر, وما هو إلا رجعية وتخلف إلى الوراء, كل ذلك زعم باطل ولا يقول ذلك ولا يدعي ذلك إلا من ارتد عن دين الله, ورضي بالقوانين الوضعية, ولكن أين أبو بكر لهذه الردة والله يقول وهو أصدق القائلين وأحكم الحاكمين: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

الانحراف عن منهج الله

الانحراف عن منهج الله أيها المسلمون: أيتها الأمة الإسلامية! لعلنا نتساءل: لماذا سلط الأعداء علينا من كل ناحية ومن كل جنس؟ فالجواب في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] فلما غير البعض من المسلمين بالطاعة المعصية, غير الله عليهم وما ربك بظلام للعبيد، فلو تصورنا حال المسلمين اليوم تصوراً صريحاً, وحكمنا العقل بعيداً عن تيارات العاطفة؛ لوجدنا في الأمة التي تدعي الإسلام اليوم ما هو أكبر من أسباب الخذلان والهزيمة, فيهم من لا يؤمن بالله واليوم الآخر, اعتنقوا دين الشيوعية الحمراء, فيهم من يشرك بالله بدعاء المخلوقين، بالتوسل بالموتى وبالقبور، وتعظيم الموتى والتعلق بالأضرحة, فيهم من لا يقيم الصلاة ويقول: إنها روتين, ولا يعترف بها, ولا يؤدي الزكاة, وفيهم من لا يصوم رمضان, ومنهم من لا يحج البيت, وفيهم من يحكم بغير ما أنزل الله, ويرى أن الحكم بما أنزل الله رجعية وقد انتهى وقته -مع الأسف الشديد- وفيهم من تباع الخمور في أسواقهم, وتشرب علانية في بلدانهم, وفيهم من لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر, وفيهم من لا يقيم الحدود التي أوجب الله في الجرائم, ويرى أن إقامة الحدود همجية ووحشية إلى غير ذلك من المعاصي والمنكرات. كل ذلك واقع في أمة الإسلام التي تدعي الإسلام وكثير وكثير! ومع ذلك تطمع في النصر على الأعداء, وهي قد تلبست بكثير من عادات أعداء الإسلام, وأخذها الكثير ممن يدعي الإسلام منهجاً وطريقاً، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم وقال: {من تشبه بقوم فهو منهم}. أمة الإسلام! أيها الإخوة في الله! فما بالكم بهذه الفظائع التي توجد في بعض البلاد العربية اليوم وغيرها؟ مع ذلك يطمعون في النصر على الأعداء، فهذا مستحيل؛ لعدم وجود أسباب النصر التي أمر الله بها قال تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

علاج ضعف المسلمين

علاج ضعف المسلمين إن الأمة الإسلامية متى صدقت مع الله تعالى في الجهاد في سبيله، وكان قتالها لتكون كلمة الله هي العليا، وحكمت الشريعة وقامت بأمر الله, وآمنت بالله وباليوم الآخر, وعملت صالحاً, واتبعت سلفها الصالح, فستكون العاقبة لها, وسوف يورثها الله الأرض كما أورثها سلف الأمة، قال الله تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] وصدق الله حيث يقول: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:105 - 106]. اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد, يا منان! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! نسألك اللهم أن تنصر الإسلام والمسلمين, اللهم انصر الإسلام والمسلمين, اللهم اخذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين, اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يعز فيه أهل طاعتك, ويذل فيه أهل معصيتك, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

عوامل النصر وطيب العيش

عوامل النصر وطيب العيش

ترك المعاصي والتمسك بآداب الإسلام

ترك المعاصي والتمسك بآداب الإسلام الحمد لله كتب للمؤمنين العزة, أحمده سبحانه يؤيد دينه وينصر حزبه, وحزب الله هم المفلحون, والخذلان والحرمان والطرد والإبعاد لمن اتبع غير سبيل المؤمنين, واتبع أعداء الدين, أولئك حزب الشيطان الخاسرون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوان الله وطاعته, والمحذر من سخطه ومعصيته, اللهم وفقنا لاتباعه، اللهم ارزقنا اتباعه، اللهم وفقنا للأخذ في منهجه وسلوك طريقه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وخذوا بأسباب القوة تتحقق لكم الحياة الطيبة في العاجلة والآجلة وتفوزوا برضا الله, فجاهدوا أنفسكم، جاهدوا أنفسكم على القيام بطاعة الله, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وابدءوا أولاً بإصلاح أحوالكم. تمسكوا بآداب الإسلام, وتخلقوا بأخلاقه, نظفوا منازلكم من البدع والمنكرات, ومن آلات اللهو, ومن المجلات التي أعدها أعداء الإسلام حرباً للأخلاق وللعقائد وللفضائل، وقاتلة للمروءة وللغيرة، وقاتلة للأوقات، ومعمية للقلوب التي في الصدور, حتى إنها صدت الكثير عن تلاوة كتاب الله, وعن قراءة سنة رسول الله, ويا لها من مصيبة عظيمة وكسر لا يجبر؛ أن يشتغل المسلمون فيما يضرهم, ويتركون ما فيه نفعهم بالعاجلة والآجلة وصدق الله حيث يقول: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6]. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور ما أحدث على غير هدي من الله، أو من غير سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50].

الاقتداء بسلف الأمة

الاقتداء بسلف الأمة عليكم عباد الله! بما كان عليه الصدر الأول ففي هديهم الرشاد, وفي نهجهم الفلاح والسداد, وليس والله باتباع طريقتهم تأخر ولا رجعية, والله ثم والله ليس في اتباع السلف تأخر ولا رجعية, ومن حاد عن مسلكهم تقاذفته الشبه والأهواء, وارتطم بالفتن، وانزلق في المهاوي. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الدين, اللهم ابعث لدينك ناصراً ومؤيداً يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، فإن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً, لا إله إلا أنت يا سامع الصوت، ويا سابق الفوت, ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت, نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغيثنا يا رب العالمين. اللهم أغثنا, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً، سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم عاماً نافعاً غير ضار يا رب العالمين. اللهم احيي بلدك الميت, اللهم انشر رحمتك على العباد، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا واسع الفضل والإحسان! أنت الغني ونحن الفقراء, إليك لجأنا، إليك فوضنا أمورنا, لا ملجأ لنا منك إلا إليك يا رب العالمين. اللهم أغثنا غيثاً عاجلاً غير آجل, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

إياك والتفريط

إياك والتفريط إن العمر سريع التقضي، أبي التأني، أيام تمضي ولا تعود كغروب الشمس، فمن كان قد أحسن في عمره فليزدد، ومن أساء فليراجع نفسه، قبل أن يختم له بخاتمة سوء، ومما يساعد على ذلك كثرة تذكر الموت والقبر والحساب والجنة والنار.

اغتنام الحياة في التزود من الأعمال الصالحة

اغتنام الحياة في التزود من الأعمال الصالحة أيها الناس! اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واعلموا حق اليقين أن الله لم يخلقكم عبثاً، ولم يترككم هملاً، بل خلقكم لطاعته وعبادته في هذه الحياة الدنيا، وإذا انتهت هذه الحياة وافاكم الله جل وعلا بما أحصاه عليكم من الأعمال {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]. عباد الله! اعتبروا بهذه الأعوام، كيف تمر بكم وتنقضي، فإنها من أعماركم، ومهما عاش ابن آدم، فإن مصيره إلى الموت. أمة الإسلام! تيقظوا وانتبهوا من هذه الغفلة، فإن كل يوم يمر بكم يبعدكم من الدنيا، ويقربكم من الآخرة، فالكيٍّس من اغتنم هذه الحياة الدنيا بالأعمال الصالحة، التي تقربه من الله زلفى، وينجو بها من عذاب جهنم. أيها المسلمون! إنكم في هذه الجمعة، التي هي آخر جمعة من عامكم الذي ستودعونه، والذي سيطوي سجله على ما أودعتموه وخزَّنتموه فيه من الأعمال، فهنيئاً ثم هنيئاً لمن أحسن فيها واستقام، وويل ثم ويل لمن أساء وارتكب المعاصي والمحرمات، ولقي الله غداً وهو مُصِر على ذلك الإجرام، نعم، هنيئاً غداً يوم القيامة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] وهنيئاً لمن يُعطى كتابه باليمين، ويرفعه مسروراً بما فيه، {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:19 - 23] فيقال لهم في تلك الجنة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] هذا هو المؤمن الذي عمل بالصالحات، وقدم الأعمال الصالحة أمامه عند الله. أما الذي قضى حياته، وضيَّع أوقاته في غير طاعة الله، فاسمعوا ماذا يقول إذا أخذ كتابه بالشِّمال: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:25 - 29] فيقال للزبانية: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32]. نعم. هذه النهاية، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. أجل يا عباد الله! إذا عرفنا أن النهاية إما إلى الجنة وإما إلى النار؛ ليقف كل منا مع نفسه، محاسباً ماذا أسلف في العام الذي هو على وشك الانتقال، فإن كان قد عمل خيراً فليحمد الله ويزداد، وإن كان غير ذلك، فليتب إلى أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، ويُقلع ويُنيب ويكثر من عمل الحسنات {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. أجل أيها العاصي، بادر ما دمتَ في وقت الإمكان قبل أن يهجم عليك هادم اللذات، تُب إلى الله قبل إغلاق الباب، وإسبال الحجاب، وطي الكتاب على ما فيه. عباد الله! يُروى أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال: {أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى، لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي، لا يدري ما الله قاضٍ فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت}. عباد الله! تذكروا بانقضاء هذا العام انقضاء العمر، وسرعة زوال الدنيا، وسرعة زوال السرور في الدنيا، وسرعة قرب الموت، وبتقصير الأحوال، وبزوال الدنيا وما فيها، فكم وُلِد في هذا العام مِن مولود؟! وكم مات فيه مِن حي؟! فاغتنموا فرصة العمر يا عباد الله، هذا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويقول: {اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك} هكذا يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم باغتنام هذه الخمس، قبل حلول أضدادها. ففي الشباب: قوة وعزيمة، فإذا هرم الإنسان وشاب ضعُفت قوته، وفترت عزيمته. وفي الصحة: نشاط وانبساط، فإذا مرض الإنسان انحط نشاطه، وضاقت نفسه، وثقلت عليه الأعمال. وفي الغنى: راحة وفراغ، فإذا افتقر الإنسان اشتغل بطلب العيش لنفسه وعياله. أمة الإسلام! في الحياة الدنيا ميدان فسيح لصالح الأعمال، فإذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له. إذا مات الإنسان يتبعه ثلاثة، يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله. فاتقوا الله عباد الله، واستدركوا ما فات بالتوبة النصوح، واستقبلوا عامكم الجديد بالعمل الصالح، فإن إقامتكم في هذه الدنيا محدودة، وأيامكم معدودة، وأعمالكم مشهودة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:1 - 8]. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما صرَّفت فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

سرعة انقضاء الأعمار

سرعة انقضاء الأعمار الحمد لله منشئ الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور، ومضاعف الثواب لمن أطاعه والأجور، وغافر الذنوب لمن تاب إليه من المعاصي والفجور، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويسمع دبيب النمل في دياجي الظُّلَم على الصخور، فسبحانه من إله تسبحه جميع الكائنات، وتَقَدَّس من ولي كريم محسن شكور. أحمده سبحانه على نعم تتجدد بالرَّواح والبكور، وأشكره على سابغ فضله المنشور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، على رغم أنف كل مشرك كفور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صاحب المنزلة العليا، والشفاعة العظمى في يوم النشور. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى. عباد الله! كيف لا يتفكر الإنسان في هذا العمر الذي يتصرم سنة بعد سنة. عباد الله، إنه قد تصرم من مدة الحياة عامٌ قد ودعتموه، شاهداً عليكم بما أودعتموه، فمن أودعه صالح العمل فليثق من الله بالبشرى والرضا والكرامة، ومن فرط أو عمل غير صالح، فأحسن الله عزاه. فيا ليت شعري! على أي شيء تُطوى صحائف هذا العام، ويا غفلة من لعله لم يبق من عمره إلا ساعات أو أيام، ويا أسفاه على من انقضى عمره وهو على تماديه وغفلاته مقيم، ويا خَجْلَة من بنى أجله وهو مكب على المعاصي والآثام. عباد الله! اعتبروا بهذه الشمس، كل يوم تطلع من مشرقها، وتغرب في مغربها؛ فإن في طلوعها ثم غروبها إيذاناً بأن هذه الدنيا ليست دار قرار، وإنما هي طلوع ثم غروب وزوال. واعتبروا بهذه الشهور تهل بها الأهلة صغيرة، كما يولد الأطفال، ثم تنمو رويداً رويداً كما تنمو الأجسام، حتى إذا تكامل نموها، أخذت بالنقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان، طفولة ثم شباب، ثم كهولة، ثم هرم، وما بعد ذلك إلا الممات، ومنكم مَن يُتوفى قبل أن يصل إلى ذلك. واعتبروا أيضاً بهذه الأعوام تتجدد عاماً بعد عام، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نَظَرَ البعيد، ثم تمر به الأيام سراعاً، فينصرم العام كلمح البصر، فإذا هو في آخر العام، كل هذا عبرة ودلالة على زوال الدنيا وفنائها.

الحذر من سوء الخاتمة

الحذر من سوء الخاتمة وهكذا عمر الإنسان، يتطلع إلى آخره تطلع البعيد، فإذا به قد هجم عليه ملك الموت بِغِرَّة وبدون إنذار، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. عباد الله! أطيلوا الفكر في الموت، وأكثروا من ذكر هادم اللذات، وأهواله وشدائده وسكراته، وتفكروا يا عباد الله في شدة النزع والألم الذي يعانيه المحتضر عند خروج الروح من البدن، حتى قيل: إنه أشد من الضرب بالسيوف، ونشر المناشير، وقرظ المقاريظ؛ لأن الموت يهجم على الإنسان، ويستغرق جميع أجزائه من كل عِرق من العروق، وعصبٍ من الأعصاب، ومفصلٍ من المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة، من مفرق رأسه إلى القدمين، {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:26 - 30]. فعند ذلك لا تسأل عن حالة المحتضر وقد نزلت به الكروب والآلام، ومع ذلك فهو لا يقدر على الصياح والبكاء، مع شدة الألم وزيادة الكرب، حيث قهر الموت منه كل قوة، وأضعف كل جارحة، فلم يبق له قوة الاستغاثة، أما العقل فقد غشيه ووَشْوَشَه، وأما اللسان فقد حجزه وأبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها وأوهنها وخدرها، فإن بقي فيه قوة سمعتَ له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه وارْبَدَّ وجهه، وشخص بصره، وحشرج صدره، واقشعرَّ جلدُه، وتشنجت أصابعُه، حتى كأنه ظهر من التراب الذي هو أصله، فالألم منتشر في داخله وخارجه. فلا تسأل عن جسم يُجذب كل عرقٍ على حدة، ثم يموت كل عضوٍ من أعضائه تدريجياً، فتبرد أولاً قدماه، ثم ساقاه، ثم فخذاه، ثم يبلغ حتى بها إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وينسى ما كان قد حافظ عليه في الحياة، وعند ذلك تعظم حسرة المفرط، ويندم حين لا ينفعه الندم. أخي المسلم! أوصيك إذا حضرت محتضِراً، فلا تستعجل عليه في تلقين الشهادة، لعل الله يخرج روحه على كلمة (لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) فإن خرجت روحه على (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فهنيئاً له حسن الخاتمة، فقد ورد في الأثر: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} أما من هذى، وجعل يطرف بالكلمات التي تقشعر منها الجلود، ويندى لها الجبين، فوالله إنها لحالة يُرثى لها، كم قيل لمحتضِر: قل (لا إله إلا الله) قال إنه كافر بـ (لا إله إلا الله). فيا عبد الله! احذر أن تخرج روحك على سوء الخاتمة، فأنت في الحياة الدنيا في ميدان فسيح لمزرعة الأعمال الصالحة، فمن عاش على خير، هنيئاً له أن يحسن الله له الخاتمة. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] ثم استقاموا يا عبد الله، على أي شيء استقاموا؟ أعَلَى السهر والتمثيليات؟ أم مع البَلُوْت والكِنْكان؟ أم على أكل الربا، وغش المسلمين، والخداع؟ أم على أكل الرشوة؟ أم على التبرج والسفور؟ مسكين من أدخل إلى بيته تلك الملاهي، فعند الممات يتمنى أن يقول: أخرجوا هذه الملاهي، ولكن حِيل بينهم وبين ما يشتهون، إنما يُقال ذلك لمن استقام على طاعة الله: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت:30]. اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار. يا عبد الله! ارحم نفسك قبل أن ينزل بك هادم اللذات، وقد حلقت لحيتك، وملأت بيتك بالمنكرات، والملاهي. يا عبد الله! اتق الله، ولا تغفل في هذه الحياة عن الأعمال الصالحة، خشية أن ينزل بك هادم اللذات وأنت على معاصي الله. عباد الله! تيقظوا من هذه الغفلات، يا للأسف الشديد، على مجالس تقتل في غير ذلك، يا للأسف الشديد على عُمْر فَرَّط فيه صاحبُه، لم يعرف فيه بيوت الله، إلا يوم الجمعة أو في رمضان، يا ويله إذا نزل به هادم اللذات، وقيل له: قل (لا إله إلا الله) فمن أين له أن يقول: (لا إله إلا الله) وهو لا يعرف بيوت الله؟! من أين له أن يقول: (لا إله إلا الله) وهو يسهر طوال الليال مع الأفلام والتمثيليات، والأغاني، وكتب الحداثة السخيفة، يقضي وقته ذلك الوقت الذي هو مسئول عنه بين يدي الله، بين يدي جبار الأرض والسماوات؟! فأين الاستعداد يا عبد الله؟! أين الاستعداد لهادم اللذات؟ أين الاستعداد لمفرق الجماعات، وقد أتوا بالطبيب، والطبيب لا ينفع إذا نزل بك هادم اللذات. عبد الله! إذا زرت المريض فذكره بهادم اللذات، وقل له: تُب يا أخي مما جنيت واستعد، ومع الأسف الشديد كم نزور من المرضى، وما منا من يقول: اتق الله, واذكر الله، إنما نقول له: إذا مرضت ولم تُشفَ اذهب إلى أمريكا، أو إلى بريطانيا، حتى تموت في بلاد الكفار. نعم السبب مطلوب، ولكن إذا نزل بك الموت، وإذا جاءت سكرة الموت فلا ينفع حينئذٍ الطبيب، فعليك يا عبد الله أن تُذَكِّر أخاك المسلم، وتعينه على ذكر الله، وتذكره أن الحياة لها نهاية، وأن الحياة الباقية في جنة عرضها السماوات والأرض، أو في جهنم وبئس المصير. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، الذي قال: {زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة}. زوروا القبور يا عباد الله، تذكروا إذا وضعتم أخاكم في قبره، وهو جثة هامدة، لا ينازعكم من الأمر شيئاً، والله لو كان حياً ما أدخلتموه من باب المقبرة، فانظروا إليه وهو جثة هامدة، تضعونه في هذا الصدع من الأرض، وتصفون عليه اللبنات، وتَحْثُون عليه التراب، وترجعون كأن لم تفعلوا شيئاً، والله لقد قست القلوب، بل ماتت، كيف ندفن الموتى ولا نعتبر يا عباد الله؟! كيف لا نعتبر، ولا نتذكر أنَّا بهم لاحقون؟! وسواءً أقرُب الأمد أو بَعُد فإنا سوف نُدفن كما دفنوا، سوف تُصف علينا اللبنات، ونُترك في صدع من الأرض، لا أنيس ولا جليس إلا الأعمال يا عباد الله. اللهم آنس غربتنا في القبور، اللهم آنس غربتنا في القبور، اللهم آنس غربتنا في القبور. اللهم ارحم ذلنا عليك يوم العرض والنشور {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] اللهم رحمتك نرجو يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين. عباد الله! صلوا على خاتم المرسلين، صلوا على الناصح الأمين، الذي ترككم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم، اللهم اسقنا من حوض نبيك محمد شربة هنيئة مريئة، لا نظمأ بعدها أبداً، يا رب العالمين. اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين. وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

بدعة المولد

بدعة المولد لقد أكمل الله لنا الدين، وأي شيء يزاد مما لم يشرعه الله ولا رسوله؛ فإنما هو بدعة محدثه لا تجوز، ومن جوزها فقد زعم أن الله لم يكمل لنا الدين، وقد أتى الشيخ بفتوى العلامة ابن باز رحمه الله في بدعة المولد، وذكر بعض منكرات هذه الموالد، وبين أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكون في كل وقت وحين.

كمال الدين وخطر البدع

كمال الدين وخطر البدع الحمد لله الذي فتح لنا أبواب الهدى بمن جعله مسك الختام, وجعل أمته خير الأمم, وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره من ذوي الإجرام, أحمده سبحانه وأشكره على ما أسبغ علينا من جزيل الإنعام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله رحمة للعالمين, وفارقاً بين الحلال والحرام, وداعياً إلى القيام بأركان الإسلام, نصح الأمة, وكشف الغمة, وجاهد في الله حق الجهاد, وما مات حتى أتمَّ الله به النعمة, وأكمل به الدين, وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله تعالى حق تقاته, واحذروا البدع فإنها ما ظهرت في أمة إلا مات فيهم بدلها سنة. أمة الإسلام! لقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته المباركة في كفاح وجهاد متواصل, وغرس الدين الإسلامي في نفوس البشرية جمعاء, إلى أن اختاره الله له في الرفيق الأعلى, بعد أن قضى ثلاثة وستين سنة, منها في أول عمره تقريب لوجهات العرب, وبعد الأربعين من عمره نزل عليه الوحي في تبليغ رسالة ربه حتى أكمل الله به الدين, وأتم به النعمة, ما ترك خيراً إلا دل أمته عليه, ولا شراً إلا حذرها منه.

فتوى ابن باز ببدعية المولد

فتوى ابن باز ببدعية المولد فيا عباد الله! يا أتباع محمد بن عبد الله! إن كنتم متبعون له صحيحاً على نهجه؛ إنكم تسمعون في هذه الأيام والليالي عبر وسائل الإعلام المجاورة والجرائد وغيرها بدعة محدثة, وهي بدعة عيد المولد النبوي, وقد سئل شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز -وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه, وجعل الجنة مأوانا ومأواه- عن هذه البدعة فأجاب جزاه الله خيراً قائلا: و A أن يقال لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا غيره لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله, ولا خلفاءه الراشدون, ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة, وهم أعلم الناس بالسنة, وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وأكمل متابعة لشرعه ممن بعدهم, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} أي: مردود عليه, وقال في حديث آخر: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة} ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها, وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وقال جلَّ من قائل عليماً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] ويقول الرب جلَّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] والآيات في هذا المعنى كثيرة. وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله, زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله, وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, والله سبحانه وبحمده قد أكمل الدين لعباده, وأتم عليهم النعمة, والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين, ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة, كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم} حديث صحيح. ومعلوم أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم, وأكملهم بلاغاً ونصحاً, فلو كان الاحتفال بالمولد النبوي من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة, أو فعله في حياته, أو فعله أصحابه رضي الله عنهم, فلما لم يفعله صلى الله عليه وسلم, ولم يقع شيء من ذلك, عُلم أنه ليس من الإسلام في شيء, بل هو من المحدثات التي حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته منها -كما تقدم ذكر في الحديثين السابقين- وقد جاء في معناهما أحاديث أخر مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: {أما بعد, فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة} رواه مسلم , والأحاديث في ذلك كثيرة. وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار المولد والتحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وقد رددنا هذه المسألة وهو فصل الخطاب, يقول الشيخ ابن باز وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه: " وقد رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالمولد إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم, ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا, وأمرنا باتباع الرسول فيه, وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به, ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم. فعلمنا من ذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة, ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم, وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق، وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالمولد ليس من دين الإسلام بشيء, بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله بتركها والحذر منها. ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعل من الناس في سائر الأقطار, فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين وإنما يعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] هذا تحذير للرسول صلى الله عليه وسلم.

منكرات الموالد

منكرات الموالد إن غالب هذه الاحتفالات بالمولد مع كونها بدعة, لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى, كاختلاط النساء بالرجال, واستعمال المعازف في الأغاني المسماة بالأناشيد وغيرها, وفي بعض البلدان يشربون المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور, وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك, وهو الشرك الأكبر, وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به، وطلب المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس عند احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره مما يسمونهم بالأولياء, وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين}. ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة, ويدافع عنها, ويتخلف عما أوجبه الله عليه من حضور الجمع والجماعات, ولا يرفع بذلك رأساً ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً, ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان, وقلة البصيرة, وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي. نسأل الله بمنَّه وكرمه أن يعافينا في ديننا ودنيانا وآخرتنا وأن يردنا إليه رداً جميلاً, وأن ينصر دينه, ويعلي كلمته, وأن يبعث لدينه ناصراً, يحيي الدين ويؤذن في تلك البلدان التي فشا فيها الابتداع, ولا حول ولا قوة إلا بالله, وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

بدعة اعتقاد حضور النبي صلى الله عليه وسلم

بدعة اعتقاد حضور النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل, وتبصروا في دينكم, واحذروا البدع المحدثة التي تبعدكم عن الله, وتصدكم عن الصراط المستقيم. عباد الله! لقد بلغ الذين يحضرون الموالد من الإفك والافتراء أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد, ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة, ولا يتصل بأحد من الناس, ولا يحضر اجتماعاتهم؛ بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة, ويرى في المنام، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومما يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ميت ميتة برزخية أكمل من ميتة الشهداء, والأرض لا تأكل لحوم الأنبياء يقول الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15 - 16] وقال سبحانه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] إلى آخر الآيات, وقال صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة} فها هو يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره إلا يوم القيامة, يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة, وأنا أول شافع وأول مشفع} عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم, فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث؛ كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة, وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين, ليس فيه نزاع بينهم. فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور, والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان. أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات, ومن الأعمال الصالحات كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه في يوم الجمعة وليلة الجمعة ولم يقل: صلوا علي في يوم مولدي, إنما هذا اختلاق اختلقه بعض الجهال، وأمره صلى الله عليه وسلم واضح في سنته المطهرة. فأكثروا عليه من الصلاة في كل أوقاتكم دائماً وأبداً حتى تلقوه على الحوض إن شاء الله, وإياكم ومحدثات الأمور! وإياكم والبدع! فيقول صلى الله عليه وسلم: {من صلّى علي صلاة صلّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وفي مقدمة أصحابه الخلفاء الراشدين, وارض اللهم عن البقية أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون, اللهم أصلح ولاة أمورنا ووفقهم إلى الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم قيض لهم الجلساء الصالحين الناصحين, وارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واهدنا واهد لنا واهد بنا يا رب العالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد, نسألك بأنا نشهد أنك أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد, اللهم إنا نسترحمك يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين, اللهم يا واسع الفضل والإحسان يا من خزائنه ملأى يا من يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقا نافعاً غير ضار, عاجلاً غير آجل, اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق, يا حي يا قيوم, يا ذا الجلال والإكرام, اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب, اللهم أنزل علينا من بركات السماء, اللهم أدر لنا الضرع وأنبت لنا الزرع, اللهم أخرج لنا من بركات الأرض ما يكون لنا عونا ً على طاعتك, وبلاغاً إلى حين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم ارفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون, وصلوا وسلموا على رسول الله.

بعد المسلمين عن دينهم

بعد المسلمين عن دينهم إن من أعظم أسباب وجود الضعف بين المسلمين هو بعدهم عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللذان هما غذاؤهما الروحي والفكري، وهو نفسه السبب الذي جعل الأمم الأخرى تداعى على أمة الإسلام كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، والناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يرى فيهم أنواع المعاصي والمنكرات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تتحقق الحياة الطيبة للمسلمين في العاجلة والآجلة إلا بالرجوع إلى دين الله تعالى، والقيام بطاعته سبحانه وتعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وترك المنكرات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتمسك بأخلاق الإسلام وغيرها من أسباب القوة.

سبب وجود الضعف في المسلمين

سبب وجود الضعف في المسلمين الحمد لله المعز لمن أطاعه والمذل لمن عصاه, الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى, يسر من شاء من عباده إلى طاعته فأسعده ونصره وأيده، وطرد من أشقاه فخذله ووكله إلى نفسه, فصار ذليلاً مخذولاً حيراناً, يتمشى مع التقاليد الغربية والشرقية والإفرنجية, نسألك اللهم العفو والعافية في الدنيا والآخرة, أحمدك اللهم وأشكرك, حمداً كثيراً كما تحب ربنا وترضاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاء بها بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وأيقظنا من رقدتنا حتى ننهج نهجهم يا رب العالمين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوا واعلموا أن النصر من عند الله, وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده, والعاقبة للمتقين. أيها المسلمون: ألا يتساءل البعض؟ ألا يتحدث البعض عن سبب حصول الضعف للمسلمين. إن الضعف الذي حل بالأمة الإسلامية قد أفقدها شيئاً كثيراً من هيبتها, ومن عزتها ومن كرامتها, لقد دب الضعف في صفوف المسلمين منذ أن تدخل عبد الله بن سبأ اليهودي بثورته الخبيثة التي قتل فيها أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. نعم. -يا عباد الله- لما اختلفت الأمة الإسلامية في أهوائها وتفرقت كلمتها وتشعبت مناهجها, فصارت ألعوبة للأعداء ولقمةً سائغة أكلتها سباع الشيطان, وما ذاك إلا لما تركت الأمة الإسلامية ما فيه غذاءها الروحي والفكري وهو القرآن والسنة, نعم -يا عباد الله- لما ترك الكثير القرآن والسنة والحكم بالكتاب والسنة والتحاكم إلى الكتاب والسنة, لما تركوا ذلك إلا القليل منهم, وفي مقدمة هذه الفئة القليلة: بلادنا هذه أعزها الله بالإسلام ونصرها وأيدها على من عاداها, فهي ولله الحمد باقية على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك بعد دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بقيادة إمام الدعوة محمد بن سعود رحمهما الله, وعلى ذلك نهج نهجهم من جاء بعدهم من الذرية, فنسأل الله عز وجل أن يزيدهم من ذلك وأن يحبب إلينا وإليهم الإيمان وأن يزينه في قلوبنا وقلوبهم, وأن يُكره إلينا وإليهم الكفر والفسوق والعصيان إنه على كل شيء قدير. أمة الإسلام: إذا سمعنا ولي الأمر أو من بعده من ولاة الأمور خاصةً في هذه البلاد ارتاحت الأنفس وتلذذت بخطبهم؛ لأنهم يدعون إلى التمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبالتمسك بالأخلاق الفاضلة, كل ذلك يدعون إليه جزاهم الله خيراً. أما البقية من المجاورين لما تركوا ذلك وجروا وراء الأعداء ووراء الاستعمار, جلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم, حتى حسنوا لهم البدع والمنكرات, وحتى غزو الأمة من كل جانب وبكل سلاح, غزوها من ناحية الفكر والعقيدة, فغيروا الأفكار وأفسدوا العقيدة, غزوها من ناحية الأخلاق والمثل العليا فأفسدوا الأخلاق, فصارت نساؤهم ترقص في المسارح, ورجالهم يرقصون طرباً وغناء, ونسألك اللهم العفو والعافية. وصار العباد منهم الجهال يحثونهم على بناء القبب على القبور, وعلى التوسل بها, وعلى عبادتها من دون الله, هذا الذي يريده أعداء الإسلام، وهو غزوٌ فكري غزوا به تلك البلدان، وغزوهم من ناحية المنهج والسلوك فضيعوهم في متاهات الجهل والخرافات والبدع, حتى تفرقت الأمة وكانوا شيعاً, واستبدلوا الحكم بالكتاب والسنة, استبدلوها بالقوانين الوضعية، أحكام الطواغيت وهي الحكم بغير ما أنزل الله جلَّ وعلا. ومع الأسف الشديد لما انزلقت تلك الأمم في ذلك عَمَّ فيهم الجهل, وأصبحوا الآن يقتل بعضهم بعضاً, ويَسبُ بعضهم بعضاً في الإعلام والمجلات, وصاروا في حلبة الصراع نهبةً للأعداء من كل ناحية, فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

سبب تداعي الأمم على أمة الإسلام

سبب تداعي الأمم على أمة الإسلام أيها المسلمون: إنكم ترون ما بلغت الأمة الإسلامية الآن, إنها بلغت إلى مستوى انحطت معنوياتها فيه, ونزعت من قلوب أعدائها هيبتها, وتسلط الأعداء عليها بقوة السلاح, فغزوها غزواً عسكرياً, تلكم اليهود وأعوانهم الشرذمة القليلة التي استحلت المسجد الأقصى, والمسلمون منشغلون في الخلافات, وتلك الشيوعية الحمراء وهي تقتل وتشرد وتبث مذهبها الهدام, وتلكم النصارى وهم يبثون النصرانية ويعثون في الأرض فساداً من كل ناحية, كل ذلك وغيره من المبادئ الهدامة التي تبدد الأفكار وتهدم الأخلاق، وتبرهن وتعلن أنها جاءت لما رأت الضعف بالأمة الإسلامية. ولما رأت الكثير يتخلى عن دينه وهذه والله هي المصيبة العظمى -يا عباد الله- والله ثم والله إنها هي المصيبة العظمى يا أمة الإسلام، أعداء الإسلام لما رأوا الكثير يتخلى عن دينه ويتباعد ويزعم الزعم الخاطئ أن الحكم بما أنزل الله قد انقضى وقته وانقرض أهله فلا يطابق هذا العصر ولا يتناسب مع أهل هذا العصر, وما هو إلا رجعية وتخلف إلى الوراء, وكل ذلك زعمٌ باطل من الذين غسل مخهم أعداء الإسلام وأعداء المسلمين من الشيوعية والرأسمالية , ولا يقول ذلك ولا يدعي ذلك إلا من رضي بالقوانين الوضعية والله تعالى يقول وهو أصدق القائلين: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. أيها المسلمون: لعلنا نتساءل، ثم نتساءل لماذا سلطت الأعداء من كل ناحية، ومن كل جنس على الأمة الإسلامية؟ فالجواب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] فلما غير البعض من المسلمين الطاعة بالمعصية غير الله عليهم أحوالهم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

حال المسلمين اليوم

حال المسلمين اليوم فلو تصورنا حال المسلمين اليوم تصوراً صريحاً وحكَّمنا العقل بعيداً عن تيارات العاطفة, لوجدنا في الأمة الإسلامية التي تدعي الإسلام اليوم ما هو أكبر من أسباب الخذلان والهزيمة, ففيهم من لا يؤمن بالله, وانخرط في سلك الشيوعية وصار شيوعياً ملحداً, ولا يؤمن بالله واليوم الآخر, ولا يؤمن بالحساب ولا بالجزاء ولا بالجنة والنار, ومنهم من يشرك بالله, ومنهم من لا يقيم الصلاة, ولا يعترف بالصلاة بالكلية, ولا يؤدي الزكاة, وفيهم من لا يصوم رمضان, ومنهم من لا يحج البيت العتيق, وفيهم من يحكم بغير ما أنزل الله، ويرى أن الحكم بما أنزل الله رجعية، وقد انتهى وقته. مع الأسف الشديد! وفي تلك البلدان التي تدعي الإسلام تباع الخمور في أسواقهم وتشرب علانية, وفيها البارات وفيها الخمارات وفيها بيوت الدعارة، وبيوت الزنا واللواط, أين هم من الإسلام؟! وفيهم من لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر, وفيهم من لا يقيم الحدود التي أوجب الله في الجرائم, ويرى أن إقامة الحدود همجية ووحشية، إلى غير ذلك من المعاصي والمنكرات. أمة الإسلام: لو تفكرنا ونظرنا في كثير من بلدان المسلمين إلى ما يحدث فيها من كثرة البدع والخرافات, والخزعبلات من دعاء الأموات وعبادتهم من دون الله تعالى, والتقرب إلى أهل القبور, وإلى الأضرحة بالنذور وغيرها والطواف بها, وطلب الغوث والنصر من تلك القبور, التي أصبحت فيها تلك الجثث هامدة لا تضر ولا تنفع, وصدق رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حيث قال: {بدأ الإسلام غريبا ًوسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء, قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس} وفي رواية: {الذين يصلحون ما أفسد الناس} فأي غربة أعظم من هذه الغربة؟! والبعض من الناس -مع الأسف الشديد- الذين يدعون الإسلام ليلهم ونهارهم, سرهم وجهارهم يدعون الأموات من دون الله, ويستغيثون بهم, ويطلبون منهم المدد, ويذبحون وينذرون لهم, والبعض ممن يدعي الإسلام قد انشغل وتعلق قلبه بالجن وصار يستعين بهم في كل نائبة وكارثة يهتف بهم ويناديهم من دون الله: يا جني فلان يا جني فلان قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. والبعض من الناس ممن يدعي الإسلام -مع الأسف الشديد- إذا أصابته مصيبة أو ألمّت به ملمة, أو ذهبت له ذاهبة ذهب إلى الكهان والسحرة والمنجمين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صدق كاهناً بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد} وفي رواية: {من صدق كاهناً بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً}. فيا عباد الله أين الإسلام من أولئك؟ وأين الإيمان ممن نسي الله عز وجل, والتجأ إلى غيره ودعا غيره, واستغاث بغيره, أين هم من قول الله المولى جلَّ وعلا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. أمة الإسلام! إن أحوال البعض من المسلمين يرثى لها, كيف لا يا عباد الله وهي قد تلبست بعادات أعداء الإسلام, فنساء المسلمين الآن تلبس القصير والرجال يلبسون الطويل, الرجال يحلقون اللحى ويربون الشوارب, اقتداءً بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين, والبعض من المسلمين قد علق في رقبته الذهب, ولبس في يده خاتم الذهب, ولبس في يده ساعة الذهب -فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من تشبه بقوم فهو منهم}.

أهمية إقامة الدين في نصر الله للمؤمنين

أهمية إقامة الدين في نصر الله للمؤمنين عباد الله: إن الله وعد بالنصر من ينصره, فقال جلَّ من قائل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] فمتى صدقت هذه الأمة مع الله تعالى في إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكَّمت الشريعة وقامت بأمر الله تعالى، ووحدت المولى جلَّّ وعلا، وأقامت الصلاة، وأدت الزكاة، وصامت رمضان وأدت فريضة الحج، ونهجت منهج السلف الصالح الذين فتحوا الفتوحات ومصروا الأمصار فستكون العاقبة لها بإذن الله تعالى, وسوف يورثها الله الأرض كما وعد، فإنه لا يخلف الميعاد حيث يقول سبحانه: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:105 - 106]. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم اجعلنا من الدعاة في سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة على علم وبصيرة يا رب العالمين, اللهم اهدنا ولا تضلنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا, اللهم أعزنا ولا تذلنا, وأكرمنا ولا تهنا, وأعطنا ولا تحرمنا, واجعلنا من عبادك الفائزين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد واستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

النصر يكون بأخذ الأسباب

النصر يكون بأخذ الأسباب الحمد لله الذي كتب للمؤمنين العزة, أحمده سبحانه يؤيد دينه وينصر حزبه, وحزب الله هم المفلحون, والخذلان والحرمان والطرد والإبعاد لمن اتبع غير سبيل المؤمنين, واتبع أعداء الدين أولئك حزب الشيطان هم الخاسرون, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوان الله وطاعته, والمحذر عن سخطه ومعصيته, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وخذوا بأسباب القوة تتحقق لكم الحياة الطيبة في العاجلة والآجلة, وتفوزوا برضوان الله, جاهدوا أنفسكم على القيام بطاعة الله, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وابدأوا أولاً بإصلاح أحوالكم, تمسكوا بآداب الإسلام وتخلقوا بأخلاق الإسلام, نظفوا منازلكم من البدع والمنكرات, ومن آلات اللهو ومن المجلات التي أعدها أعداء الإسلام حرباً للإسلام والمسلمين, وحرباً للأخلاق والعقائد والفضائل, وقاتلة للمروءة والغيرة، وقاتلة للأوقات, ومعمية للقلوب التي في الصدور, حتى إنها صدت الكثير من المسلمين عن تلاوة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيا لها من مصيبة عظيمة، وكسر لا يجبر أن يشتغل المسلمون فيما يضرهم, ويتركون ما فيه نفعهم في العاجلة والآجلة! وصدق الله حيث يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6]. عباد الله: إن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة. عباد الله: إن الله يأمركم أن تصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وبإحسانك يا رب العالمين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء, وحسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين, ووحد صفوفهم, وانصر جيوشهم, وثبت أقدامهم, وانصرهم على القوم الكافرين, اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين, اللهم أمدهم بعونك وقوتك يا رب العالمين فإنه لا حول ولا قوة إلا بك يا رب العالمين. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداة مهتدين, ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا, ربنا إنك رءوف رحيم. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم فإنه وعد الشاكرين بالمزيد, وصلوا على رسول الله.

تبرج النساء

تبرج النساء يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته}. فالواجب على المسلم أن يتقي الله في رعيته، وأن يحافظ عليهم ويتابعهم الأول بالأول، وألا يترك الحبل على الغارب، فعلى الأب أو الزوج أن يعرف أين تذهب نساؤه، وماذا يلبسن من الثياب، ويجب على الرجل أن تكون عنده غيرة على محارمه، فلا يجعلهن يختلطن بمن لا يجوز لهن الاختلاط بهم.

قوامة الرجال على النساء

قوامة الرجال على النساء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها المسلمون المؤمنون بالله حقاً: اتقوا الله تعالى، وقوموا بما أوجب عليكم من رعاية الأهل والأولاد فقال: {يا أيَّها الذينَ آمنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وامتثلوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} فإنكم رعاتهم والمسئولون عنهم. يا أمة الإسلام: يا رجال الإسلام! اذكروا هذه الأمانة العظيمة التي وليتم عليها، قوموا بها على الوجه الأكمل، اسمعوا قول الحق جل وعلا وهو يخاطب معشر الرجال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34]. أيها الرجال: إن الله لم يجعلكم قوامين على النساء إلا لعلمه بقصورهن عقلاً وديناً، ولقد أكد ذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حين قال في النساء: {ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن}. فاعرفوا نعمة الله عليكم، واعرفوا هذا الفضل الذي فضلكم به على النساء، وقوموا بهذه الفضيلة وهذه الأمانة، ولا تغلبنكم النساء على رجولتكم، ولا يلهينكم الشيطان عن رعاية أهلكم، ولا تشتغلوا بالدنيا وحطامها، وتضيعوا ما هو أهم وأولى {إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه}.

فتنة النساء

فتنة النساء أيها المسلمون: إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة التي يُتهاون بها، وليست بالمشكلة الجديدة، إنها مشكلة عظيمة يجب الاعتناء بها، ودراسة ما يقضي على أسباب الشر والفساد فيها إنها مشكلة الوقت كله قديماً وحديثاً، لقد كانت مشكلة بني إسرائيل وما لعن بنو إسرائيل إلا لما تبخترن نساؤهم بالزينة وهي مشكلة هذه الأمة التي حذر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من السناء} وهذا الحديث الثابت في الصحيحين يتضمن التحذير من هذه الفتنة العظيمة، والسعي في القضاء على أسباب الشر قبل أن يستفحل.

حال بعض نساء المسلمين اليوم

حال بعض نساء المسلمين اليوم أيها المسلمون: إن مشكلة النساء قد استفحلت واستطار شرها في التبرج والسفور والتسكع في الأسواق، وكل ذلك مما نهى الله عنه ورسوله، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] لقد توسع النساء توسعاً تعدى التبرج في الجاهلية، توسعاً يحزن قلوب المؤمنين الذين يخشون عقاب الله، ويخافون من نقمته، ويخافون من أليم عقابه، يخشون أن يحل بهم ما حل ببني إسرائيل حينما تبرجت نساؤهم. أيها المسلمون: لقد توسع النساء في التبرج باللباس، فصارت المرأة تلبس للسوق من أحسن اللباس، وتضع عليه عباءة ربما تكون قصيرة لا تسترها، أو خفيفة تصف الذي تحتها، أو ترفعها من أسفل جسمها حتى تبين جمال الثياب والزينة، وربما تشتد بالعباءة حتى تبين حجمها، وكل هذا مما نهى الله عنه ورسوله. قال الله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] فقد نهى الله عز وجل النساء أن يضربن بأرجلهن فيعلم الخلخال الذي تخفيه؛ لأن النساء كانت تلبس الخلخال في الأقدام، أما الآن فلا يكاد يوجد، فإذا كان الله عز وجل نهى عن الضرب بالرجل خوفاً من سماع الخلخال المستور؛ فكيف بمن تلبس جميل الثياب، ثم ترفع العباءة عنه ليراها الناس بأعينهم فتفتنهم؟! ولا شك أن الفتنة بما يُرى أعظم من الفتنة بما يُسمع. وبعض النساء تكشف عن ذراعيها ليظهر ما عليها من الحلي والزينة والنعومة، وأعظم من ذلك إذا خرجت متعطرة متطيبة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية}. فالأمر عظيم وخطير يا أمة الإسلام! لقد وجد ويوجد في أسواق المسلمين اختلاط النساء بالرجال، ومزاحمتهن للرجال، ويتحدثن بأصوات مرتفعة، ويمازحن الرجال، ومع ذلك فلا حياء ولا هيبة من الجبار فأين الرجال يا أمة الإسلام؟ أين المروءة؟ أين الشيمة؟ أين الغيرة؟ لقد عادت جاهلية أشد من الجاهلية الأولى خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال صلى الله عليه وسلم للنساء: {استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق} فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به. أمة الإسلام: أين النساء اللواتي يستجبن لقول الله ولقول رسوله؟ خذوا على أيدي سفهائكم، ائطروهم على الحق أطراً، إنه يجب على الرجال أن يمنعوا النساء من التبرج والتعطر قبل أن تحل بنا اللعنة وقبل أن تنزل علينا اللعنة، وأعظم من ذلك -يا أمة الإسلام- منع القطر من السماء، والطيور تلعن العصاة من بني آدم، والبحر يستأذن كل يوم ليغرق بني آدم أين الغيرة على دينكم؟ فإن النساء قد ترك لهن الحبل على الغارب، يمازحن الرجال، ويبعن ويشترين مع الرجال، ويذهبن إلى الأسواق بدون أمر أو نهي، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الحذر من مشابهة الكفار وتقليدهم

الحذر من مشابهة الكفار وتقليدهم أمة الإسلام: الحذر الحذر من الأخذ بتقاليد الغرب، والحذر الحذر من مشابهة الكفار في لباسهم وزيهم ومشيهم، فإنه من تشبه بهم فهو منهم لا تنخدعوا بما يزيفون لكم، وبما يحسنون لكم من البدع والانحرافات الضالة. أيها المسلمون: إن أعداءكم لو دعوكم إلى الكفر أو الشرك لأبيتم، ولم تجيبوهم، ولكنهم يرضون منكم أن يهدموا أخلاقكم ودينكم من جهات أخرى، من جهات محقرات الذنوب، التي تحتقرونها في عيونكم حتى تجتمع عليكم فتوردكم إلى النار. يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الشيطان قد أيس أن تعبد الأصنام في أرض العرب، ولكنه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات} وهي الموبقات يوم القيامة، فاتقوا الله -أيها المسلمون- ولا تنخدعوا بما يقدمه لكم أعداؤكم. إنكم الآن على مفترق طرق، فقد فتحت عليكم الدنيا، وانهال عليكم الأعداء من كل مكان أتيتم بهم إلى بلادكم، وأعززتموهم بعد أن ذلهم الإسلام، ورفعتم قدرهم بعد أن حطهم الإسلام، فإن الإسلام يقول: خذوا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون، وأنتم رفعتم مكانتهم، وأتيتم بهم ليفسدوا في ديار المسلمين. قدم البعض عليكم بعاداتهم السيئة وتقاليدهم المنحرفة، وسافر البعض منكم إلى بلادهم، وشاهدتموهم في وسائل الإعلام في الصحف والمجلات والتلفاز، فإما أن يكون في دينكم صلابة فتتحطم عليها مكائد الأعداء، وفيكم قوة الشخصية الإسلامية فلا تعتدون ولا تغترون بهم، وتتمسكون بما كان عليه أسلافكم الصالحون، فتنالون خير الدنيا والآخرة. وإما أن يكون الأمر بالعكس لين في الدين، وضعف في الشخصية، وانهيار أمام المثيرات، فتبوءون بالصفقة الخاسرة فيالها من خسارة لا تعوض! ويا له من كسر لا يجبر! إن انطبق عليكم قول الحق جل وعلا: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15]. اللهم اجعلنا هداة مهتدين نقول بالحق ونعمل به، اللهم اجعلنا هداة مهتدين نأمر بالمعروف ونأتمر به، وننهى عن المنكر ونجتنبه، اللهم لا تجعلنا ضالين ولا مضلين يا رب العالمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح نساء المسلمين أجمعين، اللهم خذ بأيدينا إلى طريقة النجاة يا رب العالمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأسأل الله بمنه وكرمه أن يغفر لنا جميعاً إنه هو الغفور الرحيم، واستغفروه يغفر لكم.

خطر الاختلاط بين الرجال والنساء

خطر الاختلاط بين الرجال والنساء الحمد لله كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لأمته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً وكثيراً. أما بعد: فيا أمة الإسلام: اسمعوا القرآن وهو يناديكم بأشرف اسم ألا وهو اسم الإيمان، يقول الله جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:30 - 31] اسمعوا إلى تفصيل الآية الكريمة، اسمعوا يا من تماديتم في المباحات! يا من بدأتم تفتون لأنفسكم والله سائلكم عن فتاويكم يوم القيامة، يوم توقفون بين يدي الله {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31]. إذاً: ليس في الآية أن يبدين زينتهن للأصدقاء، وليس في الآية أن يبدين زينتهن للأقارب الذين ليسوا لهن بمحارم اسمعوا إلى كلام الله عز وجل تفقهوا في دين الله لا تأخذكم الجاهلية العمياء، اسمعوا قول الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. إن إبداء الزينة لا يباح إلا للمحارم فليتفطن لذلك الذين يدعون العقل، ليتفطن لذلك الذين يضربون بهذا القول المبين عرض الحائط، وكأنهم يقولون: لا سمع ولا طاعة إنهم يبيحون الاختلاط فيما بينهم إذا كانوا أصدقاء أو قرابة، ليس فيهم محارم للنساء، فإنهم يجتمعون جميعاً يمازح بعضهم بعضاً، ويأكل النساء والرجال جميعاً، بدعوى باطلة يقولون: إن القلوب نظيفة، سبحان الله! تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً. هل كانت قلوبكم يا من تسمرون مع الفيديو والتلفاز أنظف من قلوب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؟ إن بعض الصحابة لو وزن إيمانه بإيمان هذه الأمة لرجح إيمانه بإيمانهم جميعاً، لقد نزل عليهم القرآن بحضرتهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرتهم: {لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا والشيطان ثالثهما} فقالوا: سمعنا وأطعنا، بجميع ما أمرهم الله به من أحكام الدين، فهنيئاً لهم، وأنعم بهم من رجال اختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم جاء دورنا في القرن الرابع عشر، وقلنا: قلوبنا نظيفة، وقلنا: لا مانع من اختلاط الأصدقاء ونسائهم، وجلوسهم جميعاً، ولربما سلم بعضهم على بعضهم، وصافح نساء لسن له بمحرم ويفعلون هذا، ويعتبرونه تقدماً وتطوراً ومجاراة للعصر وهذا في الحقيقة معصية لله ولرسوله، وهبوط عن درجة الإسلام والإيمان إلى تقليد أعداء الإسلام والمسلمين {ومن تشبه بقوم فهو منهم} ونقص في إيمان الذين يفعلون هذا وعدم غيرة، فلو كان عندهم غيرة ما ترك الرجال الأجانب يتحدثون مع زوجته بصفتهم أصدقاء، إن هذا يفضي إلى قلة الحياء وعدم المبالاة من النساء. ومعلوم أن مصافحة المرأة للأجنبي حرام، وفيها وعيد شديد، فاتقوا الله -يا عباد الله- وأقلعوا عن العادات الجاهلية، التي جاء الإسلام ليحاربها ويزيلها، وليكن عندكم من الغيرة والحياء والمروءة ما تحامون به على أعراضكم ونسائكم، وتميزوا عن الغرب، وعن دعاة الشر والفساد بعفتكم وإسلامكم ولا تقلدوهم. واعلموا أنكم مسئولون أمام الله عن أولادكم ونسائكم، فاتقوا الله -يا أمة الإسلام- غيروا على أعراضكم، وحافظوا على شرفكم، ولا تجعلوا المرأة سلعة بين الأصدقاء وبين الشوارع، خافوا الله وراقبوه وأدوا ما عليكم من الحقوق لعلكم تفلحون وتنجون من عذاب الله يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون. واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وعليكم بجماعة المسلمين، وعليكم بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اقتدوا برسول الله وبصحابته الكرام، وإياكم ومحدثات الأمور، وصلوا على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا جميعاً ما تغضبه وتأباه اللهم واجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى سبيلك ناصحين لعبادك يا رب العالمين، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين وهب المسيئين منا للمحسنين، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك يا رب العالمين. اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اسقنا غيثاً مغيثا، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، مجللاً طبقاً، عاماً عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

تحريم الكبر

تحريم الكبر إن الله عز وجل ما حرم علينا الكبر إلا لحكمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، وقد ظهر لنا بعضها، وخفي علينا بعضها، والكبر كما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال: {الكبر بطر الحق وغمط الناس}. والكبر لا يأتي من فراغ إنما له أسباب منها: العلم، والنسب، والجاه، والسلطان، وغيرها من الأسباب الباعثة إليه. وله أنواع وله علاج، والكبر من الأسباب التي تمنع قبول الحق واستماع النصيحة، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة التي تدل على ذم التكبر والابتعاد عنه.

سبب تحريم الكبر

سبب تحريم الكبر الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له من بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكبير المتعال ذو العظمة والكبرياء والجلال والعزة التي لا ترام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله عز وجل واعلموا أن الله حرم الكبر والإعجاب؛ لأنهما يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل، وليس لمن استوليا عليه قبول النصح ولا قبول التأديب؛ لأن المتكبر يعتقد في نفسه أنه جليلٌ عظيم متعال عن رتبة المتعلمين، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه: {بطر الحق وغمط الناس}. والكبر والعجب من الصفات النفسية المرذولة، التي كثيراً ما تثير الغضب والحقد، وتورث العداوة والبغضاء، وتورث الاحتقار والازدراء بالناس واغتيابهم. الكبر يجافي الصدق وكظم الغيظ، وقبول النصح. الكبر يصد المرء عن النظر إلى عيوبه، ويحول بينه وبين العلم، وبينه وبين الانقياد للحق. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {الكبر بطر الحق} معناه: رده ودفعه وعدم قبوله وهو عالم به، سواءٌ كان من حقوق الله أو من حقوق عباده. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {غمط الناس} معناه: احتقارهم وتنقصهم، وذلك ناشئ عن عجب الإنسان بنفسه وتعاظمه عليهم وتنغصهم بقوله وفعله.

أسباب الكبر

أسباب الكبر وللكبر أسبابٌ كثيرة فقد تكون عن صفة كمال كالعلم والنسب والجاه والسلطان، وربما نشأ عن غرور ووهم؛ بحيث يعتقد أنه أكمل من غيره خطأً وجهلاً، وهذا برهان على نقص عقله، ولذلك يقول بعض العلماء: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخل من ذلك الكبر، قل أو كثر.

العلم

العلم فإن كان الكبر ناشئاً عن العلم كان صاحبه مثالاً سيئاً، وقدوة رديئة، خصوصاً إذا دفعه الكبر إلى صفة ذميمة كالحسد والحقد، أو أفضى به إلى ارتكاب مظلمة من مظالم ارتكبها بيده أو لسانه، فإن ضرر هذا لا يقدر؛ لأن الناس يقتدون بالعلماء في أقوالهم وأفعالهم، فيستسهلون عند ذلك ارتكاب الجرائم وإشباع الصفات الذميمة، كمن يرى بعض العلماء يصلي في بيته، فإنهم يقتدون به ويقولون: الشيخ فلان يصلي في بيته، أو كما يرون بعض العلماء يحلق لحيته ويقولون: ذاك العالم الفلاني يحلق لحيته، أو يقولون: إن العالم الفلاني يستمع الأغاني، أو يقولون: إن العالم الفلاني يستعمل الربا، فإنه صار في هذا شر قدوة وأسوأها، فإن هذا إذا صدر من العلماء فإن فيه شراً عظيماً، وأيضاً لا ينتفع بعلمهم؛ لأنهم يكونون بعد ذلك ضعفاء الإرادة، ومن كان هذا شأنه فإن علمه وبالٌ عليه، وسوف يسأل عن علمه ماذا عمل به. أما العلم النافع: فهو الذي يربي الأنفس ويطهرها من الصفات الرديئة، ويعرف العبد بربه وبنفسه وخطر أمرها، وهذا يورث الخشية والتواضع، فيكون صاحبه مثالاً حسناً في الناس، وقدوةً صالحة في الأقوال والأفعال، هذا إذا كان الكبر في العلماء.

النسب

النسب أما إذا كان الكبر ناشئاً عن النسب، فإنه ربما يكون سبباً للطعن في أنساب الآخرين، وقد يؤدي إلى احتقارهم وازدرائهم، وقد فصل المسألة رب العالمين بقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وفصلها رسول الهدى: {لا فضل لعجمي على عربي إلا بالتقوى}.

الجاه والسلطان

الجاه والسلطان وإن كان الكبر ناشئاً عن الجاه والسلطان، فإنه غالباً يفضي إلى شر أنواع الظلم وانتهاك المحارم من حقوق الله وحقوق خلقه، مثل ألا يبالي بهم، ولا يسمع شكواهم وخاصة الضعفاء، ومثل أن يعرض عن النصيحة وعن العلم بالحق، فإنه في هذه الحالة يكون متكبراً مذموماً ممقوتاً.

أعظم أنواع الكبر وعلاجه

أعظم أنواع الكبر وعلاجه والكبر أنواع، وأعظم أنواع الكبر: الكبر على الله وعلى رسله، وهذا من أشر أنواع الكبر، ومن أراد علاج الكبر فقد ذكره العلماء، فقال بعضهم: أولاً أن يعرف الإنسان ربه ويعرف نفسه، فإنه إذا عرف ربه حق المعرفة، علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله جل وعلا، وإذا عرف نفسه علم أنه ضعيفٌ ذليل، لا يليق به إلا الخضوع لله والتواضع لرب العالمين والذلة لله، قال الله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:17 - 22] ويقول جل وعلا: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] ففي هذه الآيات إشارة إلى خلق الإنسان وإلى آخر أمره وإلى وسط أمره، أما أوله فإنه لم يكن شيئاً مذكوراً، وقد كان في حيز العدم دهوراً، ثم خلقه العزيز الحكيم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظاماً، ثم كسا العظام لحماً، ثم لما استتم الخلق جعله سميعاً بعد أن كان أصمَّ، وبصَّره بعد أن كان فاقد البصر، وقواه بعد أن كان ضعيفاً، وعلمه بعد أن كان جاهلاً، فمن كان هذا أوله، وهذه أحواله فمن أين له البطر والأشر والكبرياء والخيلاء، وهو الضعيف الحقير بالنسبة إلى قدرة الباري جل وعلا؟! فليتأمل العاقل -يا عباد الله- هل يليق الكبر بمن هذا أوله؟! وآخره أنه يسلب روحه! فهذا الإنسان الذي يجول ويصول يسلب روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحواسه وإدراكه وحركاته وجماله وجميع أحواله، فيعود جماداً كما كان أولاً، لا يبقى إلا شكل أعضائه وصورته، ولا حركة فيه، ثم يوضع في التراب في مثواه الأخير في القبر، فيصير جيفة منتنة كما كان في الأول نطفة قذرة، فتبلى أعضاؤه، وتتفتت أجزاؤها، وتنخر عظامه، ويأكل الدود أجزاءه، ويستقذره الإنسان، وأحسن أحواله أن يعود تراباً كما كان، ثم يحييه الذي خلقه أول مرة، فيقاسي البلاء والشدائد، والأهوال والمزعجات فيخرج من قبره كما أخبر الله تعالى بقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44] فينظر إلى قيامة قائمة، وسماء منفرجة منشقة، وأرض مبدلة، وجبال مسيرة، ونجوم منكدرة، وشمس منكشفة، وأحوال مظلمة، وملائكة غلاظ شداد، وجهنم تزفر. فيا ويل المجرمين مما أمامهم في ذلك اليوم العظيم! اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق والأعمال وأحبها إليك، لا يهدينا لأحسنها وأحبها إليك إلا أنت، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين وأنت راضٍ عنا يا كريم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

بماذا يسعد المسلمون؟

بماذا يسعد المسلمون؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل واتبعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه. إنما يسعد المسلمون بأن يتبعوا الحق ويدعوا إليه، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقبلوا النصيحة ممن ينصحهم، ويعملوا بها راضيةً نفوسهم، شاكرةً ألسنتهم غير مستكبرين ولا متعنتين، ولم يعمهم الهوى عن اتباع الحق، إذ بذلك تكمل لهم السعادة ويتم لهم النعيم. رجل يأكل عند الرسول صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال له: {كل بيمينك، قال: لا أستطيع -وهو متعافِ ولكن منعه الكبر- فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فقال: لا استطعت! فما رفعها إلى فيه} وقد كثر المتكبرون في وقتنا الحاضر عن قبول الحق، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يهدي الجميع إلى صراطه المستقيم. أمة الإسلام: لا تكون السعادة في من فشا فيه داء الكبر، فاستحكم وتكبر عن قبول النصح من الناصح وإرشاد المرشد، فإن المرء إذا لم يقبل نصيحة الناصح كان راضياً عن نفسه، وإذا رضي عن نفسه عمي عن عيوبها، فلا يؤثر فيها نصحٌ ولا ينفع معها إرشاد؛ لأن الغرور متحكم فيها والشهوات محيطةٌ بها، فإذا أراد الله بعبده خيراً بصره بعيوب نفسه، فأصلحها واتهمها دائماً بالنقص، وطالبها بالكمال، حتى تلتحق بالنفوس الزكية والأرواح الطاهرة، وهكذا كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [[رحم الله امرأ أهدى إلي عيوب نفسي]] هذا دعاء من أمير المؤمنين إلى من يبصره بعيوب نفسه وإلى من يقول له: أخطأت في كذا؟ لماذا عملت كذا؟ رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأنهم يفرحون إذا نبههم أحد بعيوب أنفسهم، ويعدون ذلك من باب النصيحة ولم يتكبروا.

بعض الآيات والأحاديث التي تدل على ذم التكبر

بعض الآيات والأحاديث التي تدل على ذم التكبر وقد ورد في ذم التكبر آيات وأحاديث تبين أنه شر، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35] ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. في السنة أيضاً مما يحذر من التكبر أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يقول: {لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً} ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: {العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئاً منهما عذبته} ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: {يقول الله جل وعلا: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلٍ جواظ مستكبر} رواه البخاري ومسلم. التقى عبد الله بن عمر بـ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، التقيا على المروة، فتحدثا ثم مضى عبد الله بن عمرو بن العاص، وبقي عبد الله بن عمر يبكي رضي الله عنه، فقال له رجل: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن، قال: هذا -يعني: عبد الله بن عمرو بن العاص -زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، كبه الله على وجهه في النار}. وورد أيضاً في الحديث أنه: {يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجنٍ في جهنم يقال له: بولس، تعلوه نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجلٍ: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس}. عباد الله: الخير والهدي في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أدر عليهم دائرة السوء، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم دمر اليهود والنصارى المبشرين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، اللهم أبعدهم عن بلدان المسلمين يا رب العالمين، اللهم قاتل الشيوعيين، وانصر المجاهدين عليهم يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في برك وبحرك، اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك يا رب العالمين، اللهم أظهر بهم الحق ودينك، اللهم أظهر بهم الدين والحق الذي رضيته يا رب العالمين، اللهم أصلح إمام المسلمين وارزقه الجلساء الصالحين الناصحين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا، واجعلهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تذكر يا بني

تذكر يا بني إن من عظيم حق الوالدين على أولادهما أن قرن الله حقهما بحقه، وجعل رضاه تبعاً لرضاهما، ورفع مكانتهما، وأوصى بهما حتى لو كانا كافرين، فكيف بالمسلمين؟! وقد تحدث الشيخ عن هذه المسألة، وأتى بأدلتها من الكتاب والسنة، وعن سبب رفع الإسلام للوالدين ولحقهما، وبين المشاق والآلام التي يلاقيها الوالدان في تربية الأبناء، وما هي النتيجة السيئة التي يحصلها كل عاق لوالديه.

عظم حق الوالدين في الإسلام

عظم حق الوالدين في الإسلام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، فصلوات الله وسلامه عليه حيث بلغ البلاغ المبين، ورضي الله عن صحابته أجمعين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله. أيها المسلمون: أطيعوا الله، وإن من طاعة الله سبحانه وتعالى الإحسان إلى الوالدين، فإن الله سبحانه وتعالى عظَّم حق الوالدين، فقرن حقهما بحقه وشكرهما بشكره، فيا له من أمرٍ عظيم! ويا له من حقٍ كبيرٍ! فاسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يقرر ذلك في محكم البيان فيقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. الله أكبر! هذا كلام الله جل وعلا ويقول الله سبحانه وتعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] ويروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين} وسأل ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله} وقال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها. إحداها قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:32] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، والثانية: قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فمن صلى ولم يزكِ لم يقبل منه، ومن زكى ولم يصل لم يقبل منه، والثالثة: قول الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر والديه، لم يقبل منه]]. أيها المسلمون: لنعرف حق الوالدين؛ لأن حقهما عظيم، وأمره خطير، فإن من حقوقهما: الحنو والشفقة عليهما، والتلطف لهما، ومعاملتهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه على أن الفضل للمتقدم. أيها المسلم: يا من تحب أن تجزى بالإحسان إحساناً! عامل والديك بالإحسان والتلطف بهما، ولا تتأفف من أي شيء تراه أو تشمه من الوالدين مما يتأذى منه الناس، واحذر الضجر والملل، ولا تنغص ولا تكدر عليهما بكلام تزجرهما به، وقل لهما -امتثالاً لأمر الله- قولاً كريماً حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتقدير، ولا ترفع صوتك عليهما، وتذكر -يا عبد الله- عندما كنت طفلاً صغيراً ماذا حصل لك من الرعاية والعطف والحنان واسمع هذا الحديث: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد في سبيل الله معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} رواه البخاري ومسلم. فياله من حق عظيم للوالدين! ومما ورد في الحث على بر الوالدين: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد في سبيل الله ولا أقدر عليه. فقال له صلى الله عليه وسلم: هل بقي من والديك أحدٌ؟ قال: أمي، قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌ ومعتمرٌ ومجاهدٌ} وقال طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه وأرضاه: {أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال: الزم رجليها فثم الجنة}.

سبب الإحسان إلى الوالدين

سبب الإحسان إلى الوالدين جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}. ولعل البعض قد يقول: لماذا للأم ثلاثة حقوق؟ ولماذا يوصي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة حقوق؟ أقول لك يا عبد الله! -وأنت تعرف ذلك إذا أنصفت نفسك-: إنها تنفرد بأشياء كثيرة من المشاق والمتاعب والمصائب والأمراض والهموم والغموم، ومنها الحمل والوضع والرضاع، وكثرة الشفقة والخدمة والحنو فهذه أمك عندما كنت في بطنها إذا تحرك الجنين آذاها في أحشائها، وإذا سكن ذلك الجنين جعلت تضع يدها على بطنها لماذا لا يتحرك؟ ما الذي حصل له؟ فهل نقدر ذلك يا عباد الله؟ فيا لها من حقوق تحتاج إلى مجازاة، ووالله ثم والله مهما بالغ البار بالوالدين لم يؤد من الحقوق إلا القليل. فيا أيها العاق: يا أيها المضيع لأعظم الحقوق! يا من استعاض من بر الوالدين بالعقوق! -وما أكثر من عق الوالدين في هذه الأزمنة المظلمة! - يا من نسي ما يجب عليه من الحقوق! يا من غفل عما في يديه! ألم تعلم أن بر الوالدين ديَّنٌ عليك، فهل وفيت بهذا الدين؟ فإنك سوف تجد غب ذلك من أولادك يا أيها العاق: يا من نسي الجميل! هل نسيت حملك في بطن أمك تسعة أشهر وكأنها تسع حجج؟ هل نسيت ما حصل للأم من الكرب حين وضعك؟ فقد حصل والله ما يذيب المهج. هل نسيت الرضاع؟ هل نسيت غسلها منك القاذورات بيدها؟ هل نسيت ذلك السرير الذي في وسط حجرها؟ هل نسيت عندما تفز في الليل المظلم، في الليل البارد، في الليل الشاتي، ثم تضفي عليك الغطاء؟ هل نسيت الأم يا عبد الله؟ إنها تتعب لراحتك، فإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية، وأطالت الحزن والبكاء، وبذلت ما في وسعها لترتاح، ولو خُيرت بين حياتك وموتها، لاختارت حياتك بأعلى صوتها وكم حرمتها لذيذ المنام، فسهرت والناس نيام، وكم تلذذت برائحة ملابسك عند فقدك فيا لها من حقوق قابلها بعض الناس بالعقوق والنسيان عندما احتاجت إليه هذه الأم المسكينة، جعلها من أهون الأشياء عليه، نسيها وقدم عليها الأهل والأولاد بالإحسان، وقابل يديها بالنسيان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. إنها أمك صَعُب عليك أمرها وهو يسير، فكم طلبت منك حاجة فقابلتها بالامتناع والاعتذار، وربما قلت بكل شناعة: اللهم أرحنا من هذه العجوز! أنسيت يا هذا زمن الطفولة؟! وربما دعتك لتنقذك من النار، ربما أيقظتك للصلاة، أو لطلب المعاش، فتقابلها بكل وقاحة: اللهم أرحنا من هذه العجوز! الله أكبر يا عباد الله! كيف قابل العاق هذا الإحسان بالتقصير وهجرها، وما لها بعد الله سواه من مصير، هل نسي فزعها عندما يصيبه خوفٌ أو مرض؟! ثم تذكر يا من نسي الجميل! ويا من عق والده وأبعده! يا من اجتمع مع من اجتمع ليطلب مركزاً ليضم العجائز والشيوخ وكبار السن! أنسيت أباك؟! أنسيت والدك؟! ألم تتذكر تلك اللحظة -والله إنك لا تتذكرها- تلك اللحظة عندما بشر الأب بمجيئك، امتلأ فرحاً وسروراً، ثم بدأ يفكر بأي اسمٍ يسميك تذكر تلك الساعة، وتلك اللحظات، تذكر كدَّ والدك عليك فلا يهدأ على مدى الليالي والأيام يقتحم الشدائد، ويهيم على وجهه لطلب الرزق لأجلك، وتذكر فرحه عندما يراك وأنت في خير وعافية، وتذكر دفاعه عنك بيده ولسانه، وتذكر دعاءه لك في أوقات الإجابة، وتذكر كيف يكون حاله إذا تأخرت عن وقت المجيء، فهو يتململ كأنه على الجمر حتى تحضر وحتى تدخل البيت، لا يقر له قرار، ولا يهنأ بعيش حتى يراك. فيا أيها العاق! اعرف حق الوالدين هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فحذار من العقوق، فقد قال رسول الهدى ونبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة عاق} وقال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله العاق لوالديه} وقال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله من سب أباه، لعن الله من سب أمه}. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أصلحنا وأصلح نياتنا وذرياتنا، واجعلنا من البارين يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

عقوبة عقوق الوالدين

عقوبة عقوق الوالدين الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتدبروا ما جاء في الكتاب والسنة المطهرة، وتمسكوا بهما؛ فإن الإعراض عنهما يوحي بوخامة العاقبة. عباد الله: لقد ظهرت في هذه الأزمان المظلمة موجةٌ قويةٌ من العنف والسخط من بعض الأبناء والبنات للآباء والأمهات، وظهر من عدم الاحترام والتوقير، وما ذلك -يا عباد الله- إلا لأننا أعرضنا عن الكتاب والسنة، ففي القرآن والسنة نبأ عظيم، وفيه أن بر الوالدين فريضة لازمة، وواجب محتم، وعقوقهما حرام وذنب عظيم، وقد جعل الله بر الوالدين قرين توحيده وعبادته. فيا إخواني في الله: ألا يكفي بهذا الوعيد؟! يقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث} والديوث: هو الذي يقر الخبث في أهله. فالشاهد من هذا الحديث: أن العاق لا يدخل الجنة، ومن عق والده ووالدته فسوف يقيض الله له من يعقه عند الكبر. ولقد سمعتم بقصة الشاب الذي طلبت منه والدته أن يوصلها إلى بعض أقاربها، ووقف في وجهها، وهو يعطيها من الشروط، ويتوعدها إن تأخرت عن نصف ساعة، فلبت طلبه، وقال: إذا أتيت إلى الباب، وسمعت بوق السيارة ولم تخرجي فسأذهب وأتركك، فلما أتى بعد نصف ساعة، وأعلن بوق السيارة ولم تخرج الأم، ذهب غاضباً مغضباً على أمه، وارتطم بحجرة كبيرة وهو الآن لا يستطيع أن يجلس، ولا يستطيع أن يمشي ولا يتحرك إلا بلسانه، وهذا -والله ثم والله- بعض من العقوبة بسبب عقوقه والدته. وهذه قصة أخرى: كان شابٌ شريرٌ مدمنٌ للخمور، وكانت أمه تعظه وتنهاه عن هذه الطرق السيئة، ولكن كلما وقفت تنصحه، أشهر السكين في وجهها، فاستدعت رجال الأمن ليأخذوه، فأتوا وقالوا: نسجنه؟ قالت: لا، عالجوه انظروا إلى رحمة هذه الأم وحنانها فأدخل تحت العلاج، ولما مكث شهراً تحت العلاج، وخرج واتصل به قرناء السوء التي كانت تحذره منهم، اتصلوا به وأخذوه وبات عندهم ليلة، فاتصلت برجال الأمن: أين ابني؟ فبحثوا عنه، ووجدوه مرمياً في برميل القمامة! فإنه لما اتصل به جلساء السوء الذين كانت تنهاه الوالدة الحنون عن مرافقتهم ومصاحبتهم، اتصل بهم تلك الليلة، وأعطوه إبرة الهروين المدمر للمجتمعات وللشعوب، وهو نوع من المخدرات، دخل علينا عن طريق أعداء الإسلام والمسلمين حسداً وحقداً على الإسلام وأهله، فلما أعطوه تلك الإبرة مات بين أيديهم، وأصبح جثةً هامدةً، وصاروا يبحثون عن الخلاص، ولكن ما هو الخلاص؟ وما هي النهاية؟! لقد حملوه وألقوه في برميل الزبالة: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]. انظروا -أيها الإخوة في الله- ماذا حصل من أثر العقوق وعواقبه وأصبحت هذه الأم في حالة حزنٍ شديدٍ عندما فقدت هذا الابن، وربما أهدت إليه الدعوات، وهي طالما أسدت إليه النصائح، ولكن لما عصى نصيحتها، مات شر ميتة، وحمل شر حمل، ووضع في برميل الزبالة، فتذكروا ذلك، وتفطنوا له. اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا بارين يا رب العالمين. ولكن إلى هذه الشفقة من هذه الأمة الحنون تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: {جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتيها -شقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بين ابنتيها- فأعجب شأنها ذلك عائشة رضي الله عنها، فذكرت الذي صنعت المرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنها لما رفعت تلك التمرة وهي محتاجة إليها، استطعمتها تلك البنتين وشقتها بينهما، فأعطت كل واحدة نصف تمرة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أوجب لها الجنة، أو أعتقها بها من النار} أي بهذه التمرة، فانظروا إلى هذا الجزاء العظيم من الله! فيا للأسف الشديد لما يصنع بعض أهل هذا الزمان مع الوالدين من التقصير الشديد والعقوق! أيها الإخوة: علينا أن نتقرب إلى الله، ونطيع الله جل وعلا حتى لا يسلط علينا أولادنا أو أهلنا، يقول بعض السلف: [[إني لأعصي الله وأرى ذلك في خلق دابتي وولدي وزوجتي]] فالله الله في التوبة النصوح والرجوع إلى الله عز وجل. اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، الله أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغيث قلوبنا بالإيمان. عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله كما أمركم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم يا رب العالمين. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين وأهله، اللهم انصر من أراد إعلاء كلمة (لا إله إلا الله) يا رب العالمين، اللهم اخذل من خذل الدين وأهله، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين والملحدين والعلمانيين والبعثيين يا رب العالمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم دمرهم تدميراً يا سميع الدعاء، يا قريب الإجابة، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، مجللاً طبقاً عاماً يا رب العالمين، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة، اللهم إنا نستسقيك يا رب العالمين سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقٍ، اللهم أحي بلدك الميت، اللهم أحي بلدك الميت يا رب العالمين، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة، يا من لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

تارك الصلاة

تارك الصلاة اعتنى الإسلام بالغذاء الروحي للمسلمين، ومن هذا الغذاء الصلاة، فقد فرضها الله على كل مسلم بالغ عاقل، وقد تحدث الشيخ عن أهميتها وترغيب الله ورسوله فيها والحث عليها والتحذير من التهاون بها، وأورد الشيخ حكم تاركها بالكلية، وما يتبع هذا الحكم من لوازم تجري عليه في حياته وبعد مماته.

ترغيب الله ورسوله في الصلاة

ترغيب الله ورسوله في الصلاة الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، وصلة قوية بين العبد وبين رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العبادة، له الركوع والسجود والخضوع والإنابة، وتفويض الأمور إليه والتوكل عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفقه المصلين، وإمام الخاشعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا على صلاتهم يحافظون، ويسارعون إلى الخيرات، وهم لها سابقون، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيقول ربكم جل وعلا: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36 - 38]. عباد الله! يا من تؤمنون بكتاب الله حق الإيمان، إنه في كثير من سور القرآن الأمر بإقامة الصلاة والمحافظة عليها وعلى الخشوع فيها، وقد رغب الله في ذلك ووعد بالفردوس من امتلأت قلوبهم من حب الصلاة والشوق إليها والإقبال عليها؛ لأنها الصلة بين العبد وبين الله، يقول جل وعلا وقوله حق لا يخالف ولا يمانع: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] إلى أن قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11] هكذا جزاء من أقام الصلاة على الوجه الذي يتطلب منه. وكذلك يأتي الترغيب في السنة المطهرة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ويقول: {أرأيتم لو أن نهراً في باب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات؛ هل يبقى من درنه شيء؟ قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} لا إله إلا الله! فضل عظيم من الله لمن يسر له أداء الصلوات في أوقاتها، رواه البخاري ومسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: {الصلوات الخمس} انتبه يا من تختصر الحديث، وتب في نفسك، فهي أمارة للسوء، بعض الناس يأخذ بجملة من هذا الحديث، ويترك الباقي، فالحديث يقول: {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تؤت الكبائر} رواه مسلم والترمذي، وهذا الحديث صحيح، ولكن بعض الذين قصرت معرفتهم عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلي إلا يوم الجمعة، وينفي عن باقي الأسبوع، فنقول لهم: احذروا ولا تكونوا مثل اليهود عليهم لعنة الله، فإنهم لا يؤمنون بكل ما أمروا به، بل قالوا: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء:150] عياذاً بالله من أقوالهم. عباد الله! إن كنتم آمنتم بالله وبرسوله، فخذوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، قولوا كما قال أسلافكم بالله حقاً: سمعنا وأطعنا.

عقوبة المتهاونين بالصلاة

عقوبة المتهاونين بالصلاة عباد الله! إن ترك الصلاة بالكلية كفر يخرج عن ملة الإسلام والعياذ بالله! وسوف يكون مسكن تارك الصلاة في سقر، وسقر طبقة من طباق جهنم، أما المتهاونون عن الصلاة والمتأخرون عنها، ولا يبالون أصلوها في أوقاتها أو أخروها عن أوقاتها، فسوف يلقون غياً، وهو واد في جهنم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] كم وقت من أوقات الصلاة تذهب وتمضي ونحن في انتظار الشوط الأول والأخير! كم وقت يمضي ونحن ننتظر متى نقضي لعبة البلوت والكنكان! كم من أوقات تنقضي ونحن أمام شاشة التلفاز وما يبثه لنا من برامج وأفلام! {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. وأما الذين يصلون، ولكن لا يصلون الصلاة إلا بعد خروج وقتها، فأولئك موعدهم ويل، وويل واد في جهنم لو صيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره أجارنا الله من ذلك! عباد الله! حافظوا على الصلوات في جميع أوقاتها، وأقيموها وصلوها بخشوع وطمأنينة، وأدوها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها تحوزوا الأجر العظيم، والبعض من الناس الذين لا يأتون إلى الصلاة إلا وهم كسالى يتمايلون من الكسل، وكأن النوم في أعينهم، وكأنهم مغصوبون على أداء الصلاة، ولو زادت الصلاة دقيقتين لخرج من المسجد؛ لأنه لم يأت إلى الصلاة عبادة، وإنما أتى عادة. عباد الله! حافظوا على الصلوات بجميع أوقاتها، وأقيموها وصلوها بخشوع وطمأنينة، أدوها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها، تحوزوا الأجر العظيم، والرضا من رب العالمين، ففي الحديث: {من حافظ على الصلوات الخمس، ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حقاً من عند الله} أي: علم أن الصلاة حق من عند الله، فرضها الله على عبادة، وليست عادة {وجبت له الجنة أو قال: حرم على النار}. ولما سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله، قال: {الصلاة على وقتها، الصلاة على وقتها، الصلاة على وقتها} كذلك يروي لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: {من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف} وبئس القرناء! يا عباد الله! من اشتغل بأمواله وتجاراته ووزارته وولده وملاذِّه عن الصلاة؛ فإنه يكون مع هؤلاء: قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف، كذلك الذين يسهرون على الملاهي ولعب القمار والميسر والورق وغيرها، ويقضون الصلاة ويؤخرونها عن أوقاتها، وذلك لانتظار الشوط الأول والأخير؛ هم كذلك إذا لم يتوبوا فسيحشرون مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف، إذا جاءت الصلاة ناموا عنها، ثم يقولون: نحن لم نستيقظ، يقضون ست ساعات مع السهر، ثم يقولون: لم نستيقظ، محال يا عباد الله! السهر والقيام مبكراً، ولكن نم مبكراً تقم مبكراً، اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه {كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها}. نعم يا عباد الله! الخير كل الخير، والسعادة والنجاة والفلاح في اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع شئون الحياة، إن كنا مؤمنين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21]. اللهم اهدينا في من هديت، وعافينا في من عافيت، وتولنا في من توليت، وأجرنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن أبداً ما أبقيتنا، اللهم اجعلنا ممن حافظ على الصلوات الخمس في أوقاتهن وأداهن على الوجه الذي يرضيك يا رب العالمين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة الحمد لله رب العالمين، أحمده وأشكره، وبه أستعين على أمور الدين والدنيا، فإنه خير معين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، أفضل من صلى وصام وقام، وتهجد لله رب العالمين، جاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المسلمون! اتقوا الله عز وجل، وامتثلوا أمره واجتنبوا نواهيه، وأدوا الصلاة في أوقاتها المفروضة التي أوضحها الشارع الحكيم، واعلموا أن تأخير الصلاة عن وقتها حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، وترك الصلاة بالكلية كفرٌ محض مخرج عن الإسلام، واعلموا وتيقنوا حق اليقين أن تارك الصلاة كافر، ولا يجوز للمسلم أن يزوجه من امرأة مؤمنة، وإذا مات تارك الصلاة لا يُورث ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا تجوز مؤاكلته ولا مجالسته ولا مصاحبته ما دام تاركاً للصلاة؛ لأنه كافر يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وأقام الصلاة؛ وإلا قتل حداً بالسيف مرتداً كافراً، هكذا يقول علماء المسلمين عليهم رحمة الله. أيها السلمون! إن السكوت عن تارك الصلاة لا يسمح به الإسلام، وإنما نتج ذلك من نقص الإيمان وعدم المبالاة بأداء هذا الفرض العظيم الذي هو أحد أركان الإسلام بعد الشهادتين، الصلاة الصلاة يا عباد الله! الصلاة الصلاة يا أمة الإسلام! فإنها الركن العظيم بعد الشهادتين، فكيف يليق بالمسلمين أن يهملوا هذا الركن العظيم؟! وذلك بعدم التآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك يوجد كثير من أهل المحلات في محلاتهم لا يشهدون الصلاة مع المسلمين، بل يرخون الأبواب عليهم، ويحسبون أن الله لا يعلم بهم، ويحسبون أن الله لا يطلع عليهم وهم في محلاتهم، بل الله يعلم ما تخفي الصدور، وكيف لا يعلمك به في وسط محلك أيها الآثم وهو الله العليم الحكيم؟ وبعض الموظفين في دوائرهم والعمال في أعمالهم لا يشهدون الصلاة، وكذلك المجاورون للمساجد لا يشهدون الصلاة إلا القليل، ولو قلت لأحدهم: إنك كافر بتركك للصلاة لأوقفك -عند الحد الأقصى- وأخرج لك الهوية، وقال: انظر أنا مسلم ولا أصلي إلا إذا ذهبت إلى البيت، الله أكبر يا أمة الإسلام! إسلامٌ باللسان والهوية ومعاندة لرب العالمين بالفعل. أيها المسلمون! إن خلو المساجد من كثير من الشباب يحزن القلب، ويندي الجبين، ويحز في النفس، ويرجع ذلك لمصلحة أعداء الإسلام الذين يحاولون ليل نهار إبعاد المسلمين عن دينهم الحنيف وعن تعاليم الإسلام وعن أخلاق الإسلام الفاضلة المؤهلة للنصر والتمكين في الأرض. فيا عباد الله! حافظوا على صلواتكم وتآمروا بها، ومروا أهليكم وأولادكم بها؛ فإنهم أمانة في أعناقكم، فالصلاة آخر وصية محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كان في آخر نفس يلفظه وهو يقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم} فجدير بكل مؤمن أن يحافظ على وصيته صلى الله عليه وسلم، فأدوا الصلاة جماعة في بيوت الله، ولا تغتروا بمن عميت بصائرهم، وتحجرت قلوبهم، واشتد الران عليهم، فأصبحت أنفسهم الأمارة بالسوء تزين لهم فعلها في البيوت، كأنهم لم يسمعوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه همَّ بإحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة في المساجد بالنار؛ لأنهم تخلفوا عن أداء فرض من فروض الله في بيت من بيوت الله، ولم يمنعه من ذلك صلى الله عليه وسلم إلا ما في البيوت من النساء والصبيان الذين لم تجب عليهم الصلاة. عباد الله! إن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حيث أمركم الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام والمؤمنين سوءاً فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين. اللهم مزق أعداء الإسلام والمسلمين تمزيقاً، اللهم ألق عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر المسلمين عليهم في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم ردنا وإياهم إليك رداً جميلاً، اللهم من أراد إفساد شباب الإسلام والمسلمين، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العلمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تصوروا

تصوروا يتحدث الشيخ في هذه الخطبة عن بعض الصحابة حين احتضروا وكيف كان احتضارهم، وحالة الاحتضار سوف يمر بها الجميع، ومن وقت الاحتضار تبدأ رحلة الانتقال إلى الدار الآخرة، فإذا مات غسل، ودفن في قبره، وسأله منكر ونكير، وفتح له باب من الجنة أو من النار، ثم هو في يوم القيامة حاله كما كان في قبره من يسر أو عسر في الحساب، وكل هذا يبشر به من حين الاحتضار إذا رأى ملائكة بيض الوجوه أو سود الوجوه.

حسن الخاتمة

حسن الخاتمة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله. عباد الله: لقد سمعتم في الخطبة الماضية الحث على التوبة النصوح، وسمعتم في الخطبة التي قبلها آثار الذنوب والمعاصي على البلاد وعلى العباد وعلى المجتمع، نسأل الله أن يرزقنا توبةً نصوحاً، ونسأله حسن الخاتمة. عباد الله: إن العبد إذا تاب وأناب وأقبل على الله بالأعمال الصالحة؛ فإنه يرجى له حسن الخاتمة -بإذن الله تعالى- وبالعكس من ذلك إذا كان من الذين عصوا الله، وذهبت حياتهم في غير طاعة الله عز وجل، وأطاعوا الشيطان في جميع ما يأمرهم به من المخالفة والعصيان، فتعدوا الحدود وارتكبوا المحرمات؛ فإنه لا يؤمن عليهم من سوء الخاتمة، والعياذ بالله.

صور من حسن الخاتمة

صور من حسن الخاتمة عباد الله: قد أزعج خوف سوء الخاتمة قلوب الخائفين، وأسهر عيون العابدين، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المكثرين لرواية الحديث، لمّا حضرته الوفاة بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ قال: [[بعد السفر، وقلة الزاد، وضعف اليقين، وخوف الوقوع من الصراط في النار]] الله أكبر! هؤلاء الرجال الذين خافوا الله عز وجل، وعظمت محبة الله في قلوبهم. وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه لما حضرته الوفاة، جعل يجود بنفسه وقال: [[ألا رجلٌُ يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجلٌ يعمل لمثل يومي هذا؟ ألا رجلٌ يعمل لمثل ساعتي هذه؟]]. وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لمّا حضرته الوفاة شهق، ثم أغمي عليه ثم أفاق، وقال: [[مرحباً مرحباً، الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الجنة فقيل له: ماذا ترى؟ قال: هذا رسول الله وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة ينزلون يسلمون علي ويبشرونني، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور العين، وهذه منازلي في الجنة، لمثل هذا فليعمل العاملون]] ثم توفي رضي الله عنه وأرضاه. عباد الله: أمة الإسلام! إن حالة الاحتضار سوف تمر بكل إنسان، فالموفق من وفقه الله وألهمه وثبته على القول الثابت، فإن المؤمن الذي قد عاش على طاعة الله وذكره عندما يقال له: قل لا إله إلا الله؛ يبادر بها ويرفع بها صوته، ومع ذلك هو فرحٌ بالموت مشتاق؛ لأن الله جل وعلا اشتاق للقائه، والبشرى تزف إليه، وملائكة الرحمة تنزل إليه لقبض روحه.

مواقف من بداية الانتقال إلى الآخرة

مواقف من بداية الانتقال إلى الآخرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} -استقاموا على طاعة الله- {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] هكذا المؤمن -يا عباد الله- تبشره ملائكة الرحمة بهذه البشرى التي تقرءونها في كتاب الله عز وجل ويقول الله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:28 - 30]. وأما الصنف الآخر من الناس الذين عاشوا على غير طاعة الله، وغفلوا عن ذكره سبحانه، فحالة احتضارهم مخيفة، حتى جلساؤهم من أقاربهم يفرون منهم، فإنه يقال لأحدهم: قل لا إله إلا الله وإذا به يلهج بما كان عليه من الاشتغال بغير طاعة الله. عباد الله: اعلموا أن سكرات الموت عظيمة، وأن الألم المصيب للبدن إنما يدرك بواسطة الروح، وإذا وصل الألم إلى نفس الروح فلا تسألوا عن كربه وألمه، حتى قالوا: إنه أشدُ من ضرب بالسيوف، ونشرٍ بالمناشير، وقرضٍ بالمقاريض، ومع ذلك فإنه لا يقدر على الصياح مع شدة الألم تجدونه في سكرات الموت يود أن يصيح بكل ما في وسعه، ولكن الموت وسكراته قد أو هنته إلى الأرض، حتى إذا نزل به هادم اللذات قهر كل قوة، وضعَّف كل جارحة، فلم يبق له قوة -في الاستغاثة - أما العقل فقد غشيته وشوشة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد خدرها وضعفها، فإن بقيت فيه قوة، سمعت له خوراً وغرغرةً من صدره وحلقه يريد أن يتكلم ولكن لا يستطيع {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] أين الأطباء؟ أين الممرضون؟ لا يفيدونه بشيء {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] وعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتغلق أبواب التوبة.

موقف نزع فيه الروح

موقف نزع فيه الروح تصور -يا أخي- صرعة الموت بنفسك! وتصور نزعه لروحك! وتصور كربه وسكراته وغمه وقلقه! وتصور ظهور الملك لجذب روحك من قدميك، ثم الاستمرار لجذب الروح من جميع بدنك حتى إذا بلغ منك الكرب والوجع منتهاه، وقلبك وجلٌ محزونٌ، منتظر إما البشرى من الله بالرضا، وإما بالغضب، ثم تخرج الروح ويتبعها البصر.

موقف الغسل والتكفين

موقف الغسل والتكفين وتصور -يا أخي- تجريدك من الثياب بين يدي المغسلين ليغسلوك، وأنت قبل ذلك لا ترضى أن تُرى عورتك، ثم هم بعد ذلك يقلبونك على المغتسل، ثم تلف عليك الأكفان، وتقدم ويصلون عليك صلاةً لا ركوع لها ولا سجود، ثم يحتملونك إلى قبرك وحيداً فريداً لا تلفاز، ولا فيديو، ولا تلفون، ولا عمال، ولا مؤسسة، ولا شركة، ولا مليار ولا مليون، إلا عملك إن كان صالحاً. فكر يا عبد الله! وأطل التفكير، وأكثر من العمل الصالح، فإن رزقك مضمون، وأما الخلاص يوم القيامة فليس لك بمضمون {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [الجاثية:15].

أهوال القبر وظلمته

أهوال القبر وظلمته ثم يحتملونك إلى قبرك وحيداً فريداً، ويصفون عليك اللبنات، ويا ليتهم يجلسون عندك ثانيةً أو دقيقةً في قبرك، ليروا ما أنت فيه من الظلمات ولكن يضعونك في صدعٍ من الأرض ثم يهلِّون عليك التراب، ثم بعد فراقهم -وأنت تسمع قرع نعالهم- يأتيك منكر ونكير، ويجدَّا في سؤالهما لك: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فتصور أصواتهما يا عبد الله! تصور أصواتهما عند ذلك السؤال! فإنه ليس سؤالاً من مدرس أو معلم في الدنيا، إنهم ملائكة لا يقبلون رشوة، ولا يقبلون واسطة تصور قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] والله إنه سوف يقع بنا ذلك، فيا ليت شعري ماذا سيكون الجواب؟ فيا عبد الله: إن كنت مؤمناً فسوف تقول: ربي الله، ونبيي محمد، وديني الإسلام وهنيئاً لمن أجاب، وويلٌ لمن تلجلج في الجواب، والويل لمن قال: هاه هاه لا أدري فمن ثبته الله وأحسن الجواب قالوا له: انظر إلى مقعدك من النار، فقد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، ويأتيه من روحها وطيبها، وعنده عمله الصالح في صورة شاب حسن الثياب طيب الريح، يقول له: أبشر بالذي يسرك، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح. وأما من تلجلج في الجواب، ولم يقل: ربي الله، وديني الإسلام، وونبيي محمد، بل قال: هاه هاه قالوا له: كذبت، ويضربانه بمرزبةٍ من حديد، ويفتح له باب إلى النار، ويأتيه من حرها وسمومها، وعنده عمله الخبيث بصورةٍ بشعةٍ، رائحته منتنة، ومنظره مزعج، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيا لها من حسرة! ويا لها من ندامة! ويا لها من عثرة لا تقال! وإذا أذن الله عز وجل بانقضاء الدنيا وزوالها، وماتت كل نفس، ولم يبق إلا الجبار جلَّ جلاله منفرداً بعظمته وجلاله وكبريائه يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16].

موقف البعث والنشور

موقف البعث والنشور ثم يحيي المولى جلَّ جلاله إسرافيل، ويأمره أن ينفخ في الصورة نفخة البعث، ويأمر الله ملكاً ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية! والأوصال المتقطعة! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:41 - 42] يوم الخروج من القبور، فتأمل -يا أخي- الوقوف في ذلك اليوم، وأنت منفرد عريان خائف، وقد أُدنيت الشمس من رءوس الخلائق، ولا ظل لأحد إلا ظل عرش الرحمن لأوليائه وعباده الصالحين. ثم ازدحمت الخلائق وتدافعت وتضايقت، واختلفت الأقدام، ومالت الأعناق، وتقطعت من شدة العطش والخوف، وحشرت الوحوش منكسةً رءوسها لهول يوم القيامة.

مجيء جهنم

مجيء جهنم تأمل -يا عبد الله- مجيء جهنم وهي تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، قال الله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] الله أكبر! تصوروا -يا عباد الله- وقوفنا في ذلك اليوم، فسوف نقف فيه جميعاً اعتبر يا مسكين! ارجع يا مغرور فسوف نقف جميعاً، وليس هذا الكلام خاصاً للصحابة رضي الله عنهم، بل لكل من خلق الله على وجه البسيطة حتى الوحوش تحشر ويفصل بينها، يؤخذ للشاة الجماء من القرناء ثم يقال لها: كوني تراباً، وعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً. {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ} [الفجر:23] يتذكر يوم القيامة، يوم لا تنفع الندامة، يوم لا تنفع الذكرى، وأين هذا التذكار يا عبد الله؟! أين هذا التذكار في الدنيا وأنت تسرح وتمرح وتقضي أوقاتك فيما يغضب رب العالمين؟! أين هذه الذكرى يا غافل؟! أين هذه الذكرى يا ميت القلب؟ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] مستحيل يا عبد الله! وأنى له الذكرى؟ لا يستفيد من ذلك شيئاً. عند ذلك إذا جيء بجهنم، فلا يبقى ملكٌ مقربٌ، ولا نبيٌ مرسلٌ إلا جثا على ركبتيه يقول: يا ربِ! نفسي نفسي فتصور ذلك الموقف المهيب المفزع الذي تشيب من هوله الولدان! تصور نفسك عندما يتبرأ منك الولد والوالد والأخ والصاحب! قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37].

تطاير الصحف

تطاير الصحف عباد الله: تأملوا الصراط والميزان، وتقسيم صحائف الأعمال، إما باليمين أو بالشمال أو من وراء الظهر قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة:19] هذا هو الأكبر يا عبد الله: {فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] لأنه ما درس على شيوعي، ولا على ملحد، ولا على نصراني، بل درس على مؤمن تقي، علَّمه ما ينفعه في دينه ودنياه، أما الذين درسوا على الشيوعيين فقد علموهم علوم الطبيعة، فأنكروا وجود الله، وأنكروا قيام القيامة، وأنكروا الجنة والنار، فقلوبهم ممسوخة -والعياذ بالله- {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:19 - 23] ثم يقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] هل ذلك في الفندق؟ أم في قصر الأفراح؟ في موضع ينتهي وقته وينتهي زمانه؟ لا. بل في جنة الخلد لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، نعيمهم دائمٌ سرمدي {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] أي: بما أسلفتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا. ثم يأتي الصنف الثاني الذي يعطى كتابه بشماله، قد رسب في الامتحان الأكبر يوم القيام بين يدي رب العالمين، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:25 - 28] المليار الذي يحارب به رب العالمين في كل مكان باستعمال الربا والقمار {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] ثم يقال للزبانية: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً} [الحاقة:30 - 32] تصور -يا عبد الله- هذه السلسة! وما ظنك بهذه السلسلة وهي سبعون ذراعاً بذراع الملك، لو وضعت حلقة من هذه السلسلة على جبلٍ من جبال الدنيا؛ لتركته تراباً!! أيها الإخوة في الله: أوصيكم ونفسي المقصرة الظالمة بتقوى الله عز وجل، والرجوع إليه، فلنرجع -يا عباد الله- إلى أرحم الراحمين، ولنتب إلى أكرم الأكرمين، ولنجدد صلتنا مع الله، لعل الله أن يرحمنا وأن يعطينا كتابنا باليمين إنه على كل شيء قدير. أقول قولي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إنه على كل شيء قدير، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

يوم القيامة وأهواله

يوم القيامة وأهواله الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وما أدراك ما يوم الدين، يوم القيام لرب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله عباد الله: يقول الله عز وجل: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:47 - 52]. عباد الله: سيأتي يومٌ يتغير فيه هذا العالم، فتنفطر فيه السماء، وتنتثر فيه الكواكب، وتطوى السماء كطي الصحيفة، يزيلها الله عز وجل ويطويها كما بناها بقدرته التامة، وتبدل الأرض غير الأرض، وينفخ في الصور فيقوم الناس من قبورهم أحياءً كما كانوا في هذه الدنيا، يقومون حفاةً عراةً غرلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: {يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: يا عائشة! الأمر أشدُّ من أن يهمهم ذلك} الله أكبر يا عباد الله! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك.

حال الكافر يوم القيامة

حال الكافر يوم القيامة وفي ذلك الموقف يحشر الكافر أعمى لا يرى، أصم لا يسمع، أخرس لا يتكلم، وإن كان قبل في الدنيا يتكلم ويؤذي المسلمين يتكلم بالكلمات البذيئة، وينشر في الصحف ما يغضب الله ورسوله، فإنه يوم القيامة أخرس أصم لا يتكلم، يمشي على وجهه في غاية الإهانة أسود الوجه، أزرق العينين، في منتهى العطش، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ليس بينهم في ذلك الموقف وبين الشمس إلا مقدار ميل في ذلك الموقف العقول ذاهلة، والأبصار شاخصة للحي القيوم، ثم يؤمر بهذا الكافر ويسحب إلى جهنم والعياذ بالله. وأما المؤمنون -أسأل الله أن يجعلنا منهم بمنَّه وكرمه وإحسانه- فإنهم ينعمون في جنات عالية قطوفها دانية، ويقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:19] اللهم اجعلنا منهم ومعهم بجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي الناصح الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، فاحذروا من محدثات الأمور يا عباد الله، احذروا من المحدثات التي يروجها أعداء الإسلام والعقيدة، وأعداء الأخلاق والآداب، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، صلوا على رسول الهدى الذي أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، امتثالاً لأمر الرءوف الرحيم حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً} وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

تعظيم بيوت الله

تعظيم بيوت الله إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق جنهم وإنسهم من أجل غاية واحدة، وهي: عبادته سبحانه وتعالى، وشرع لهم أوقاتاً للعبادة والطاعة وأماكن يعبدون الله فيها، وهي أحب البقاع إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه هي المساجد المباركة، ولذلك لابد من تعظيمها واحترامها قولاً وفعلاً، وعمارتها بطاعة الله جل وعلا، وقد تطرق الشيخ في هذه الرسالة إلى الكلام حول تعظيم بيوت الله وما يجب على المؤمنين نحوها من كل الجوانب.

عمارة المساجد بذكر الله والصلاة

عمارة المساجد بذكر الله والصلاة الحمد لله أذن في بيوت أن ترفع ويذكر فيها اسمه، أحمده وأشكره أن هدانا للإسلام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أمة الإسلام! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. عباد الله: لقد فرض الله على الأمة الإسلامية خمس صلوات في اليوم والليلة، وصح في الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس وتفصيل أوقاتها وشروطها ومكملاتها، وفي فضلها وكثرة ثوابها. فمن فضائل الصلاة أنها عمود الإسلام، وأنها أعظم عبادة يحصل فيها الخضوع والذل لله رب العالمين وامتلاء القلب من الإيمان بالله وتعظيمه. عباد الله: لما كانت الصلاة بتلك المنزلة، أمر جلَّ وعلا أن تبنى لها المساجد، وتشاد على اسمه الخاص، وأن تعظم ويرفع شأنها، لتكون منارات للهدى، ومراكز للإشعاع الروحي، يعبد الله فيها بتوحيده، ويذكر وتتلى آياته، يقول جل وعلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37] أولئك المؤمنون كانوا إذا سمعوا النداء تركوا كل شغلٍ وبادروا لطاعة الله عز وجل، وفيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد، التي هي بيوت الله في أرضه، ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه.

تقدير الإسلام للمساجد وتطهيرها

تقدير الإسلام للمساجد وتطهيرها تلكم المساجد يا عباد الله! التي يجب على كل مؤمن أن يعرف قدرها، ويتعاهدها، ويطهرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق بالمساجد. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[نهى الله سبحانه عن اللغو في المساجد]]. وقال قتادة رحمه الله: [[المساجد أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها]] وقد ذكر لنا أن كعباً كان يقول: [[مكتوبٌ في التوراة إن بيوتي في الأرض المساجد، وإنه من توضأ فأحسن وضوءه، ثم زارني في بيتي أكرمته، وحق على المزور كرامة الزائر]] أخرجه ابن أبي حاتم.

النهي عن زخرفة المساجد

النهي عن زخرفة المساجد لقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد واحترامها، وتوقيرها وتطيبها وتطهيرها، واقتصرنا على حديث منها في الصحيحين: عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة} أخرجاه في الصحيحين. فهذا فضل عظيم لمن أخلص النية فيما يبذله في بناء المساجد، من غير مبالغة ولا إسراف في ذلك، فإنه يحرم زخرفة المساجد بذهب أو فضة، وكذلك تكره زخرفة المساجد بنقشٍ وصبغٍ وكتابة، وغير ذلك مما يلهي المصلين. رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما أمرت بتشييد المساجد} قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى]] علم من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الحبر أخذ الخبر عن رسول الله، ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله يقول: [[لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى]] تجعلونها مثل الكنائس في الزخرفة بالأصباغ وبالألوان. وعن أنس رضي الله عنه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: {لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد} رواه الخمسة إلا الترمذي، هذا علم من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اتضح لنا في القرن الرابع عشر زخرفة المساجد وتشييدها وتحميرها وتصفيرها والكتابة عليها. يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أمر ببناء المسجد، قال: [[أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس]].

المساجد أحب البقاع إلى الله

المساجد أحب البقاع إلى الله عباد الله: ورد في حديث أن المساجد أحب البقاع إلى الله عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها} لأن الأسواق يركز الشيطان فيها راياته.

وجوب صيانة المسجد من القذر والروائح الكريهة

وجوب صيانة المسجد من القذر والروائح الكريهة أمة الإسلام: إن المساجد هي بيوت الله، أشرف الأماكن في الأرض، يسن صيانتها عن كل وسخٍ وقذرٍ، ومخاطٍ وبصاق، ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عرضت عليَّ أجور أعمال أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد} تكتب له من الأعمال الصالحة، يخرج العود من المسجد، تكتب له من الأعمال الصالحة، بخلاف الذين يتمخطون في منديل الفاين، ثم يضعونه وراء أعمدة المسجد، يا لها من إهانة! أو يضع باكت الدخان في المسجد، ثم يخرج ويتركه، يا لها من إهانة! {عرضت عليَّ أجور أعمال أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد} ورد في حديث: {إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين}. وورد أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها} هذا إذا لم يكن المسجد مفروش، أما إذا كان مفروشاً وبصق في المسجد، فيا له من تشويه! أمة الإسلام: يسن أن تصان المساجد عن كل رائحة كريهة، من بصلٍ وثومٍ وكراثٍ ودخانٍ ونحوها، لما ورد عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربنا، ولا يصلين معنا} أي: الثوم والبصل. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أكل ثوماً أو بصلاً، فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا} وفي رواية لـ مسلم: {من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم}.

أخذ الزينة عند كل صلاة

أخذ الزينة عند كل صلاة يا عباد الله! إذا عرفنا هذا وتحققناه، فإنه ينبغي للمسلم أن يأتي إلى المسجد بأحسن هيئة، وأطيب ريح، أختم بقول الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي: خذوا زينتكم عند كل صلاة، البسوا الملابس الطيبة الطاهرة، لا تأتِ بملابس الورشة، لا تأتِ بملابس الإسمنت والجص، لا تأتِ بملابس الفران تؤذي عباد الله.

فضل الذهاب إلى المساجد وعمارتها بذكر الله

فضل الذهاب إلى المساجد وعمارتها بذكر الله أمة الإسلام: يجب على الإنسان إذا وقف بين يدي الله، أن يحسن وقوفه ويتطهر ويحسن الوضوء، فإنه إذا توضأ للصلاة، ذهبت ذنوب أعضائه مع آخر قطر الماء، ثم إذا تشهد بعد الوضوء، فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء. فقد ورد في صحيح مسلم ورواه الإمام أحمد ورواه الترمذي، قال: {ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} وفي رواية الترمذي زاد هذه الكلمات بعد أن يتشهد قال: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين} فإذا مشى إلى المسجد، وإلى بيت الله، إذا ذهب يزور الله في بيته، كان له بكل خطوةٍ يخطوها تحط عنه خطيئة، وترفع له بها درجة، فإذا انتظر الصلاة، فإنه لا يزال في صلاته، وإذا صلى، لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ما لم يؤذِ أو يحدث.

النهي عن حديث الدنيا في المساجد

النهي عن حديث الدنيا في المساجد ورد الذم لمن كان حديثهم الدنيوي في المساجد، الذين يتكلمون: ما هي الأخبار اليوم؟ ماذا بعت يا فلان؟ ماذا حصل في المساهمة؟ إن شاء الله طلعت المساهمة، ماذا بعت؟ وكم بعت؟ أين فلان؟ وماذا قالت الإذاعة الفلانية؟ أعطونا الأخبار، هذه أحاديث دنيوية تتنافى مع بيوت الله. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سيكون في آخر الزمان قومٌ يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيه الحاجة} الله أكبر! علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

مما لا ينبغي في المساجد

مما لا ينبغي في المساجد ويحرم في المسجد البيع والشراء، فإن فعل فالبيع باطل ولا ينعقد، ويسن أن يقال لمن باع، أو اشترى في المسجد: لا أربح الله تجارتك، وكذلك يقال لمن أنشد ضالةً في المسجد: لا ردها الله عليك. وينبغي أن تصان المساجد عن الصغير الذي لا يميز، وعن المجنون حال جنونه، وتصان المساجد عن رفع الأصوات بمكروه، فتصان المساجد عن إقامة الحدود، وعن سل السيوف، وكذلك ينبغي أن تصان المساجد عن الكتب التي فيها الصور ذوات الأرواح، كالمناهج الدراسية وغيرها. وينبغي للمسلم أن يحافظ على نظافة بيوت الله، فلا يدخل إلا بعد أن يتفقد نعليه حتى لا يكون فيها وسخ ولا قذر، هذا إذا كان المسجد غير مفروش، أما إذا كان مفروشاً، فكيف تسمح له أنانيته أن يدخل المسجد بنعلين قذرين؟! كيف تأذن له نفسه أن يدخل إلى بيت الله في نعلين وسخين وابنه الصغير إذا دخل المجلس بنعليه مسكه بيده وأخرجه! وهذا بيت الله يجب أن يعتني المسلمون ببيوت الله، وجزى الله حكومتنا خيراً على أن اعتنت في بيوت الله حيث فرشتها، وأعطتها من العناية التامة، فبمناسبة أسبوع المساجد نذكر أئمة المساجد ومؤذنيها أن يدعوا الأبواب مفتوحة في هذه الأيام حتى يعتنى بها أشد، فجزى الله القائمين على ذلك أحسن الجزاء، ووفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه. اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار، وأسكنا معهم في دار القرار، اللهم وفقنا بحسن الإقبال عليك والإصغاء إليك، وارزقنا ووفقنا للتعاون في طاعتك، والمبادرة إلى خدمتك، وحسن الآداب في معاملتك، والتسليم لأمرك، والرضا بقضائك، والصبر على بلائك، والشكر لنعمائك يا رب العالمين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

فضل السنن الرواتب قبل الصلوات وبعدها

فضل السنن الرواتب قبل الصلوات وبعدها الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده وأستعينه وأستهديه، وأستغفره وأتوب إليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له من بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من قام بالواجبات والمسنونات، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واتبعوا الهدى والنور الذي جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقد سن سول الله صلى الله عليه وسلم لأمته سنن أفعال وأقوال، وحثهم على أدائها، ورغبهم فيها.

فضل السنن الفعلية قبل الفريضة وبعدها

فضل السنن الفعلية قبل الفريضة وبعدها من السنن الفعلية التي حثنا عليها الرسول الرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، فقد رُوي عن أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة} أو {إلا بني له بيتاً في الجنة} حديث صحيح رواه إمام المحدثين مسلم رحمه الله. وهذه الرواتب هي أربع قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر، وقد ورد في الحديث الصحيح: {ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها} والعلماء رحمهم الله يسمون هذه الركعات الاثني عشر بالرواتب؛ لأن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليها في الحضر، أما في السفر، فكان يتركها إلا سنة الفجر والوتر، فكان صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهما حضراً وسفراً. والأفضل أن تصلى الرواتب في البيت، فإن صلاها في المسجد فلا بأس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة} إلا الفريضة فإنه لا يجوز للإنسان أن يترك الصلاة الفريضة ويصليها في البيت، فقد ورد الأثر المرفوع عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد]] وجار المسجد هو الذي يسمع النداء، وليس الجار هو الملاصق الجدار بالجدار، لا. إنما الجار الذي يسمع النداء، الجفاء كل الجفاء، والنفاق كل النفاق من سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب. عباد الله: في الحديث: {من صلى أربعاً قبل العصر} لأنه قال في الحديث: {رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربع ركعات} وليست من الرواتب، واثنتين قبل المغرب واثنتين قبل العشاء، إذا صلى هؤلاء الركعات، فحسن، لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، هذه سنن الأفعال.

فضل السنن القولية بعد الصلوات

فضل السنن القولية بعد الصلوات ومن سنن الأقوال: إذا سلم عن يمينه وعن يساره قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله ثلاث مرات، ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم بعد ذلك يقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وعلى حسن عبادتك، ويسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمده ثلاثاً وثلاثين، ويكبره ثلاثاً وثلاثين، فهذه تسع وتسعون، ثم يكمل المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. قال نبينا صلى الله عليه وسلم: {من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر} رواه مسلم. ثم بعد ذلك يقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد، لأنه ورد في الحديث: {من قرأ دبر كل صلاة آية الكرسي وقل هو الله أحد، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت} ويقرأ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وفي صلاة الفجر والمغرب يقول بعد السلام عشر مرات ما ورد عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل} متفق عليه. فيا عباد الله! حافظوا على هذه الفضائل، ولا يفوتنكم إياها الشيطان، بإشغالكم عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والمبشرين والشيوعيين، وأعوانهم يا رب العالمين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اقض الدين عن المدينين من المسلمين يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تفسير سورة الواقعة

تفسير سورة الواقعة سورة الواقعة سورة عظيمة، فيها من الزواجر والمواعظ ما يهز القلوب، وقد قسم الله فيها الناس إلى أصناف، وبين جزاء كل صنف، وفي هذه الخطبة تجد بيان هذه الأصناف.

آيات سورة الواقعة وما تتحدث عنه

آيات سورة الواقعة وما تتحدث عنه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين ومنبراً منيراً للمهتدين يهتدون بنوره؛ فكان شفاءً لما في الصدور ومصلحاً لجميع الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وهو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى على جميع النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، وتدبروا كتاب ربكم الذي أنزله الله رحمة بكم وموعظة لكم وإصلاحاً لدينكم ودنياكم، ولا تعرضوا عنه فتبوءوا بالخسارة وقسوة القلوب, والبعد عن خشية علام الغيوب. أمة الإسلام: إن القرآن موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في صدوركم.

عرض الآيات من السورة

عرض الآيات من السورة أيها المسلمون! إنه لا شيء أبلغ موعظة من القرآن العظيم لمن تدبره وتفكر في معانيه، وإليكم طرفاً من سورة الواقعة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ * وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوْ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:1 - 56].

الواقعة وما يقع فيها

الواقعة وما يقع فيها أيها المؤمنون بالله وبكتاب الله! إن من أعظم المواعظ ما جاء في هذه السورة، تلك السورة العظيمة التي تحدث عن أحوال الناس يوم القيامة، وعن حالتهم عند مفارقتهم الدنيا. ابتدأ الله هذه السورة بجملة شرطية عن وقوع الساعة، حذف جوابها ليذهب الذهن في تقديره كل مذهب، فيسلك في تفخيمه كل طريق، يقول الله تعالى: {إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة:1 - 2]. والواقعة: هي يوم القيامة، وإذا وقعت رأيتم الأحوال العظيمة والمتباينة، عند ذلك ترج الأرض رجاً عظيماً, وتبس الجبال بساً، أي: بعد أن كانت متماسكة صلبة تتفتت دقيقاً فتكون هباءً منبثاً كما قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] وكما قال تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج:8 - 10].

أقسام الناس يوم الواقعة

أقسام الناس يوم الواقعة في هذا اليوم الذي تحصل فيه تلك الأهوال والشدائد والكربات ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام: سابقون، وأصحاب ميمنة، وأصحاب مشأمة.

السابقون

السابقون القسم الأول هم السابقون: السابقون في هذه الدنيا إلى طاعة الله هم السابقون يوم القيامة إلى الكرامة والجنات، وهم المقربون إلى فاطر الأرض والسماوات، يُنعمون في دار لا يفنى نعيمها ولا يبلى جديدها، ولا يتكدر صفوها، نعيمها دائم، وسرورها قائم، تخدمهم الولدان، يسقون الشراب بالأكواب والأباريق والكئوس، شراب لا فيه غول ولا تصديع، ولا لغو ولا تأثيم، بل يجدون شراباً طهوراً. أما طعامهم ففاكهة مما يتخيرون, ولحم طير مما يشتهون، وأما نساؤهم فحور ذو بياض حسن صاف، عين: حسنات العيون، منظر وخلقة كأمثال اللؤلؤ المكنون, في غاية الصفاء، ومع ذلك هم في مجتمع كامل قد نزع الله ما في صدورهم من الغل إخواناً على سرر متقابلين، لا يسمعون في ذلك المكان الطاهر لغواً من القول، ولا كلاماً لا فائدة فيه ولا تأثيماً، بل كلامهم ذكر الله وتسبيحه، ويتحدثون بما أنعم الله عليهم به فهم يقولون ما قال الله عنهم في محكم البيان: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:34 - 35] هؤلاء هم السابقون إلى طاعة الله ورسوله، يقومون بالواجبات والمستحبات ويتركون المحرمات والمكروهات، وكان نعيمهم أكمل النعيم، وأحوالهم أكمل الأحوال.

أصحاب اليمين

أصحاب اليمين القسم الثاني هم أصحاب اليمين: وهم من أهل الجنة ولكنهم أقل حالاً من السابقين، فهم في سدر مخضود, أي مخضود شوكه فليس فيه شوك بل بدل الشوك ثمار من أسفله إلى أعلاه {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29] وهذا السدر والطلح ليس مشبهاً لما في الدنيا؛ إنما الاسم هو الاسم ولكن الحقيقة غير الحقيقة، لأن الله يقول في الحديث القدسي: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر} فأصحاب اليمين في نعيم دائم، عندهم فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فهي لا تنقطع في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا، ولا ممنوعة عن مبتغيها كما تمنع فواكه الدنيا. أما جلوسهم ففي فرش مرفوعة، وأما نساؤهم فقد أنشأ الله الحور منهن إنشاءً بدون ولادة، وأنشأ نساء الدنيا من أهل الدنيا إنشاءً جديداً فجعلهن أبكاراً لا يرجعن ثيبات أبداً، كلما عاد إليها زوجها وجدها بكراً، ومن تمام النعيم أن جعلهن الله عرباً يتحببن إلى أزواجهن بالتلطف والمداراة، أتراباً على سن واحدة حتى لا تفخر واحدة على الأخرى أو ترى نفسها خيراً من الثانية.

أصحاب الشمال

أصحاب الشمال القسم الثالث هم أصحاب الشمال: اللهم لا تجعلنا منهم، اللهم لا تجعلنا منهم، اللهم لا تجعلنا منهم يا واسع الفضل والإحسان. أصحاب الشمال ولا تسأل عن أحوالهم، إنها حال البؤس والشقاء والعناء، حال التعذيب والتحريق بالنار، إنهم في سموم: هواء حار يلفح وجوههم ويدخل في مسام جلودهم، وليس عندهم ما يبرد هذا السموم سوى ماء حميم شديد الحرارة كما قال تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:19 - 20]. كما أنهم ليس لهم ما يحجب هذا السموم سوى ظل من يحموم، واليحموم: هو الدخان الأسود الحالك، لا بارد ولا كريم، أي: ليس فيه وقاية ولا نفح، فهذا مكانهم وموضع إقامتهم. وأما طعامهم وشرابهم فهو الزقوم: وهو شجر خبيث الطعم، خبيث المنظر، منتن الريح، ليس فيه ما يحب الأكل منه؛ ولذلك فهم يتزقمونه تزقماً، لا يسمن ولا يغني من جوع، ويبتلعونه بشدة ومشقة فيملئون بطونهم منه، وحينئذ يحترقون عطشاً فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه، إذا دنى من الوجوه شواها، ويقطع أمعاءهم إذا حل فيها, هذا نزلهم يوم الدين. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من السابقين، ومن التالين لكتابك ومن المنتفعين به يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن اتبعوا القرآن فقادهم إلى رضوان الجنة، ولا تجعلنا ممن اتبعهم القرآن فزخهم في قفاهم إلى النار. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

التوبة إلى الله

التوبة إلى الله الحمد لله أحمده وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, على رغم أنف من جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل.

الأمر بالتوبة والمسارعة إلى الطاعة

الأمر بالتوبة والمسارعة إلى الطاعة أمة الإسلام: عليكم بتقوى الله، سارعوا إلى طاعة مولاكم فإن عاقبتها الرضا وحلول دار الكرامة في الجنة، وإياكم والمعاصي، إياكم والمعاصي، إياكم والمعاصي! فإنها تعقبكم سخط الجبار وتورث دخول النار لمن أصر عليها ومات ولم يتب. فيا عباد الله: توبوا إلى الله واعملوا الأعمال الصالحة التي تقربكم من الله وتحل عليكم رضوانه. أمة الإسلام: لقد سمعتم في بعض السورة التي تليت عليكم الأقسام الثلاثة الذين سوف نكون من ضمنهم، ولكن لا ندري من أي الأقسام نكون، أمن السابقون أم من أصحاب اليمين أم من أصحاب الشمال؟ فهذا علمه عند الله عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فمن عمل الصالحات واتقى الله فليبشر بما يسره، وأما من عمل السيئات وعصى الله فليبشر بما يسوؤه، قال الله تعالى في سورة الواقعة: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:88 - 96]. عباد الله إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم، ومزقهم كل ممزق، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم لا تبق ولا تذر منهم أحداً يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم، لا إله إلا الله مفرج الكربات ومغيث اللهفات ومحل الشدائد والبليات، لا إله إلا أنت ربنا ورب كل شيء ومليكه. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل المفسدون، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل الظالمون، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل المعتدون، لا إله إلا أنت، أنت أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين. اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع بذنوبنا فضلك, لا إله إلا أنت سبحانك، على الله توكلنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا يا رب العالمين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق يا رب العالمين. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

تفسير سورة (ق)

تفسير سورة (ق) سورة ق من أعظم السور القرآنية وقعاً وتأثيراً، وموعظة وتذكيراً، لما تتضمنه من التذكير بالبعث والجنة والنار، وقد جمعت من أصول الإيمان ما يكفي ويشفي فإنها تضمنت المبدأ والمعاد والتوحيد والإيمان بالله وملائكته ورسله، واليوم الآخر، وانقسام الناس إلى هالك وفائز وأوصاف هؤلاء وهؤلاء.

سنية الخطبة بسورة (ق)

سنية الخطبة بسورة (ق) الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) على المنبر يوم الجمعة؛ لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والقيامة والحساب, والجنة والنار، والثواب والعقاب، والترهيب والترغيب، فاستمعوا لها وأنصتوا، وأقرؤها اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

التذكير بالبعث بعد الموت

التذكير بالبعث بعد الموت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:1 - 22].

جزاء المتقين وجزاء الكافرين

جزاء المتقين وجزاء الكافرين وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:23 - 45]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

عرض عام لسورة (ق)

عرض عام لسورة (ق) الحمد لله الذي قال وقوله الحق: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] أحمده سبحانه وأشكره الذي جعل القرآن شفاءً ورحمةً للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فصَّل في سورة (ق) من العبر والمواعظ والوعد والوعيد ما يدل على كمال قدرته ووحدانيته، فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، لا يُسئل عن ما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق على الإطلاق وأتقاهم لله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، وقد سمعتم ما في سورة (ق) السورة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها على المنبر يوم الجمعة، فإن هذه السورة تعالج أصول العقيدة الإسلامية: الوحدانية, والرسالة, والبعث والنشور.

الموضوعات التي طرقتها السورة

الموضوعات التي طرقتها السورة إن هذه السورة رهيبة شديدة الوقع على الحس بما فيها وما دلَّت عليه، تهز القلوب هزاً، وترج النفوس رجاً، وتثير فيها روعة الإعجاب ورعشة الخوف. ابتدأت هذه السورة بالقضية الأساسية التي أنكرها الكفار وتعجبوا منها غاية العجب، وهي قضية الحياة والبعث بعد الممات، ولكن هذه السورة لفتت أنظار المشركين المنكرين للبعث إلى قدرة الله العظيمة المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور في السماء والأرض, والماء والنبات, والثمر والطلع, والنخيل والزروع، وكل هذه براهين قاطعة دالة على قدرة العلي الكبير. ثم انتقلت هذه السورة الكريمة تخبر عن المكذبين للرسل من الأمم السالفة, وما حلَّ بهم من الكوارث والمصائب وأنواع العذاب، وفي هذا تحذير لمن بعدهم أن يحلَّ بهم ما حل بالسابقين. ثم بينت السورة خلق الإنسان، وما وكِّل به من الملائكة عن اليمين وعن الشمال، ثم نهاية الأجل وما يحصل فيه من سكرات الموت وهول الحشر والحساب، ثم ما يلقاه المجرم في ذلك اليوم العصيب من أهوال وشدائد تنتهي بإلقائه في الجحيم. ثم بينت ما أُعدَّ للمتقين من النعيم المقيم, الذي لا يزول ولا يحول، وذلك جزاء من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، فإنهم يلاقون بالتحية والإكرام، يقال لهم: ادخلوا الجنة بسلامة من العذاب، بسلامة من الهموم والأكدار، ذلك هو يوم البقاء الذي لا نهاية له أبداً، لأنه لا موت في الجنة ولا فناء، وكذلك في النار؛ يقال لهؤلاء وهؤلاء: يا أهل الجنة ويا أهل النار! إنها حياة لا موت بعدها، فأهل النار يعذَّبون بما يصلونه من الجحيم، وأهل الجنة يتنعمون بما فيها من النعيم. وفي الجنة من كل ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم، ولهم كذلك -مزيداً على ذلك الإنعام والإكرام- النظر إلى وجه الله الكريم {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] فالزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم. واختتمت السورة الكريمة بالإخبار عن صيحة الحق، وهي الصحية التي يخرج الناس بها من القبور كأنهم جراد منتشر، ويساقون إلى الحساب والجزاء لا يخفى على الله منهم أحد، فيجازي كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها, وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، فعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن أصحابه أجمعين، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك نواصينا بيدك, ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وجلاء أحزاننا, وذهاب همومنا، وكاشف همومنا وغمومنا، وسائقنا ودليلنا إلى جناتك جنات النعيم اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، وبالإيمان بك وبملائكتك وكتبك ورسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم خُذْ بنواصينا إلى كل خير، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما لا تحبه ولا ترضاه. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين, واشدد وطأتك عليهم يا رب العالمين، وارفع عنهم عافيتك، اللهم مزّقهم كل ممزق، اللهم دمّرهم تدميراً، اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر عيوننا بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم دعوة من قلب مخلصٍ لك يا رب أن تصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم ردّ عنهم كيد الكائدين، اللهم من أراد الإسلام وأهل الإسلام بكيد فاجعل كيده في نحره يا رب العالمين. اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بك يا علي يا عظيم، يا مغيث المستغيثين، ويا ناصر المستنصرين، ويا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأجودين، يا من يهدي من يشاء ويضل من يشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير؛ اهد شباب الإسلام والمسلمين لما تحبه وترضاه يا رب العالمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين اللهم حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من عبادك الراشدين اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، ولوالدينا ولوالد والدينا، ولمن أوصانا بالدعاء، ولمن أوصيناه بالدعاء، ولمن أحببناه فيك، ولمن أحبنا فيك يا رب العالمين. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

تفكروا

تفكروا إن المتفكر في آيات الله ومخلوقاته من أرض وسماء، وشمس وقمر، وليل ونهار، يرى كمال قدرة الباري وعظيم صنعته، مما يزيد في إيمانه وتعظيمه لله تبارك وتعالى، وإن من أعظم ذلك ما قصه الله علينا من إحيائه الموتى كما في سورة البقرة؛ فعلى المسلم أن يتدبر كتاب الله تعالى ليزداد إيمانه ويقوى يقينه.

التفكر سبب لزيادة الإيمان

التفكر سبب لزيادة الإيمان الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم:17 - 19] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه على بصيرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها المؤمنون! يا من تؤمنون بالله حقاً! تفكَّروا في آيات الله الدالة على كمال قدرته؛ لتزدادوا بذلك تعظيماً لله تعالى وعبادة؛ لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. إن الله تعالى قد خلق السماوات والأرض وما بينهما، بما في ذلك الشمس والقمر والنجوم، والجبال والشجر والدواب، والبحار والأنهار، خلق الله تلك المخلوقات في ستة أيام، خلقها على أكمل وجهٍ وأتم نظام، ولو شاء لخلقها في لحظة واحدة؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] وقال جلَّ وعلا: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] ولكنه تعالى خلقها في ستة أيام لحكمةٍ اقتضت ذلك، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68].

وفي أنفسكم أفلا تبصرون

وفي أنفسكم أفلا تبصرون عبد الله: تفكَّر في خلقك! لقد خلق الله تعالى الإنسان من سلالة من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. أيها المسلمون: تفكروا في خلقكم، فقد خلقكم الله من ماء مهين، من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، ثم يستقر ذلك المني في قرار مكين، لا تعتريه شمسٌ ولا هواء، ولا حرٌ ولا برد، ثم يطوِّر الله هذه النطفة في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء يظل أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام وهي الأربعة الأشهر، أرسل الله تعالى إليه الملك الموكل بالأجنة، فينفخ فيه الروح ويصبح إنساناً بعد أن كان جماداً، فتبارك الله أحسن الخالقين. هذا خلقك يا عبد الله! فارجع إلى نفسك، وتفكَّر في خلق الله لك {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. ولقد أرى الله عباده من آيات قدرته ما يكون آية للموقنين، وعبرة للمعتبرين، فقد خلق الله تعالى عيسى ابن مريم من أمٍ بلا أب، وأقدره على النطق في المهد، فتكلم بكلامٍ من أفصح كلام البشرية وأبينه، قال الله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم:30 - 33] فما أبلغ هذا الكلام وأفصحه من صبيٍ في المهد! ولقد أخبر الله تعالى عن عيسى أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً، وأخبر أنه يبرئ الأكمه -وهو الذي يولد مطموس العين- ويبرئ الأبرص، وأخبر أنه يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم؛ كل ذلك بإذن الله تعالى.

إحياء الله للموتى في الدنيا

إحياء الله للموتى في الدنيا لقد قصَّ الله علينا في القرآن الكريم في سورة البقرة خمس حوادث، كلها تتضمن إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفيها عظة وعبرة: فأول هذه القصص: قصة بني إسرائيل حين قالوا لنبيهم موسى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] فعاقبهم الله تعالى؛ فأخذتهم الصاعقة فماتوا، ثم بعثهم الله من بعد موتهم، وفي هذا يقول الله تعالى يخاطب بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:55 - 56]. والقصة الثانية: في شأن القتيل من بني إسرائيل الذي قتله ابن عمه؛ من أجل أخذ ماله، فاتهم به قبيلةً أخرى، فاختصموا في أمره إلى موسى عليه السلام، فأمرهم موسى -بوحيٍ من الله تعالى- أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل بجزءٍ منها، ففعلوا -بعد التعنت والمراجعات التي تقرءونها في سورة البقرة: ادع لنا ربك ادع لنا ربك إلى آخر ما قالوا- وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، وضربوه ببعضها، فأحياه الله تعالى القادر على كل شيء، فأخبر عن قاتله: أنه ابن عمه، قتله لأخذ ماله فتلكم من آيات الله العظام لمن تدبر القرآن، وعرف معاني القرآن. القصة الثالثة: في قومٍ نزل في ديارهم وباء، فخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذراً من الموت، فأراهم الله تعالى أنه لا مفر من أقدار الله تعالى، فأماتهم الله؛ ليعلم العباد قوة سلطانه ونفوذ قدرته، ثم أحياهم ليستكملوا آجالهم، وفي ذلك تعليم لهذه الأمة حتى لا تتطير، ولا تفر من أقدار الله، بل تصبر وتحتسب الأجر على الله. القصة الرابعة قصة الرجل الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، قد تهدم بناؤها ويبست أشجارها، فاستبعد هذا الرجل أن تعود إلى ما كانت عليه من العمران والسكان، فأراه الله تعالى آية في نفسه تدل على قدرة الله تعالى؛ أماته الله مائة سنة، وكان معه حمارٌ وطعامٌ وشرابٌ، فمات الحمار وتمزقت أوصاله، ولاحت عظامه، وبقي الطعام والشراب لم يتغير واحدٌ منهما بنقص ولا طعم ولا لون ولا رائحة مدة مائة سنة، والشمس تصهره والرياح تتعاقب عليه، وبعد هذه المدة بعث الله تعالى ذلك الرجل، وأراه طعامه وشرابه لم يتغير مع طول هذه المدة، وأراه الحمار، فنظر إلى عظامه المتفرقة في الأرض يركب بعضها بعضاً كل عظم في محله، ويكسوها الله تعالى لحماً وفي هذا يقول الله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259]. عباد الله! تلكم من أنباء الغيب التي قصها ربنا جلَّ وعلا في هذا القرآن العظيم على سيد البشرية، ونبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه، وقصها عليكم في كتابه المبين؛ ليزداد المؤمن إيماناً بالله العظيم الذي له القدرة التامة على كل شيء. القصة الخامسة: في إبراهيم خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، حين سأل الله عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى، فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة من الطير، فيقطِّعهن أجزاءً ثم يفرقها على الجبال التي حوله، على كل جبل جزءاً من هذه الطيور الأربعة، ثم يناديهن فقطع إبراهيم عليه السلام هذه الطيور وخلط لحمهن، وجعل على كل جبل منهنَّ جزءاً، ثم ناداهنّ إبراهيم، فعند ذلك التأمت تلك الأجزاء المفرقة في الجبال؛ بعضها على بعض، وأتين إلى إبراهيم مشياً لا طيراناً. وفي هذا يقول ربنا جلَّ وعلا: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260].

إحياء الموتى في الدنيا دليل على البعث والنشور

إحياء الموتى في الدنيا دليل على البعث والنشور أيها المسلمون: هذه نماذج من إحياء الله تعالى للموتى في الدنيا تدل على البعث والنشور يوم القيامة، وما أهون ذلك على الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] الإعادة أهون عليه من البداية ويقول جلَّ وعلا: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] ويقول جلَّ وعلا: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] فسبحانه من إلهٍ عظيم! وسبحانه من إله عليم قادر! عباد الله: إنها زجرةٌ واحدةٌ يخرج بها الناس أحياءً من قبورهم، ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً، لا يتخلف منهم واحد، في مثل لمح البصر أو هو أقرب {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44]. عباد الله: ارجعوا إلى كتاب الله عز وجل، وارجعوا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليزداد إيمانكم، ولتعلموا قدرة الله. اللهم ارزقنا التفكر في آياتك وارزقنا الاتعاظ بذلك، وارزقنا الانتفاع بما أنزلت من وحيك، وما قدرته من قضائك، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الاعتناء بالقرآن تدبرا وعملا

الاعتناء بالقرآن تدبراً وعملاً الحمد لله الذي خلق فسوى وقدَّر فهدى {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:14 - 15] فسبحانه من إله خلق فسوى! ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وله الحمد في السماوات والأرض، وله الكبرياء والعظمة، وأشهد أن لا إله إلا الله إيماناً به وتوحيداً، لا رب لنا سواه، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، يحيي ويميت، بيده الخير ومنه الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات التي بهرت العقول، ودلت على نبوته وصدق رسالته، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وتدبروا آيات القرآن العظيم التي فيها من الأخبار ما يملأ القلوب؛ من الإيمان والتصديق والزيادة في معرفة الله العظيم لا تشغلوا أنفسكم بما يضركم في الآخرة والأولى. عباد الله: إن الإكباب على الملاهي، وعلى المجلات والجرائد، والقصص المختلقة؛ إنما هي دسائس من أعداء الإسلام؛ ليشوشوا أفكاركم، وحتى لا تعتبروا بما في كتاب الله، ولا بما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى لا تعتبروا ولا تتعظوا بما في هذا الكون العظيم من مخلوقات الله. عباد الله: ارجعوا إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله إلى الدستور العظيم إلى القرآن الكريم إلى المنهج القويم إلى الينبوع الصافي إلى حبل الله المتين إلى الصراط المستقيم إلى كتاب الله العظيم، الذي من حكم به عدل، ومن تمسك به نجا، ومن دعا إليه فقد هدي إلى صراط مستقيم، ومن تركه تجبراً وتكبراً قصمه الله. فكتاب الله العظيم في تلاوته الأجر الكثير؛ فمن قرأ حرفاً من القرآن؛ فله به عشر حسنات، فيا له من خير فضيل لو كانت القلوب تعقل؛ كما قال عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [[لو طهرت قلوبكم لما شبعت من كلام ربكم]] فإنه أصدق الكلام. وارجعوا إلى خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، واحذوا محدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، واحذروا التفرق يا عباد الله. وصلوا وسلموا على رسول الله، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اشف مرض قلوبنا اللهم اشف مرض قلوبنا اللهم اشف مرض قلوبنا اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة، واجعلنا متحابين فيك يا رب العالمين. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم قيض لهم جلساء صالحين ناصحين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا، وأصلح أولادنا وأهلينا وإخواننا وأخواتنا، وجميع المسلمين والمسلمات. اللهم اجعلنا هداة مهتدين نأمر بالمعروف ونفعله، وننهى عن المنكر ونجتنبه إنك على كل شيء قدير، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الكريم المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا حي يا قيوم، اللهم أمد إخواننا المجاهدين بعونك، اللهم أمدهم بقوة من عندك، اللهم انصرهم نصراً مؤزراً، اللهم انصرهم على أعدائك وعلى أعداء الإسلام والمسلمين يا رب العالمين! اللهم اجعل أعداء الإسلام والمسلمين غنيمةً لأوليائك الصالحين، اللهم مكن المجاهدين منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم يأسرونهم ويسبون نساءهم وذراريهم، اللهم اجعل أعداء الإسلام والمسلمين غنيمةً لعبادك المؤمنين يا رب العالمين! اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك، وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان من بلدان العالم الإسلامي يا رب العالمين! اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك إنك على كل شيء قدير ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، أكثروا من ذكر الله؛ فإن ذكر الله يقربكم من الله، وأكثروا من شكر نعم الله؛ فإن الشكر يزيد النعم، وإياكم وكفران النعمة، حافظوا على هذه النعم يا عباد الله! فإن بشكرها تقر، وبكفرها تفر، وفقني الله وإياكم لشكر النعمة إنه على كل شيءٍ قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

توجيه الشباب

توجيه الشباب إن شباب الصحابة رضوان الله عليهم حين تربوا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، وتوجهوا التوجيه الصحيح؛ رفع الله بهم الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وكان همهم الوحيد هو نصرة الدين وإرضاء رب العالمين عز وجل؛ والناظر إلى شباب المسلمين اليوم وما صاروا إليه يتعجب أشد العجب، فقد تغيرت اهتماماتهم، وتحطمت أخلاقهم، وكل ذلك لأنهم لم يجدوا من يوجههم التوجيه الصحيح الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الفرق بين شباب السلف وشباب الخلف

الفرق بين شباب السلف وشباب الخلف الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌ من الذل وكبره تكبيراً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وخذوا بأسباب النجاة والسعادة، واحذروا من أسباب الشقاوة والهلاك. عباد الله: أرأيتم لو كان لكم أشجارٌ تتعاهدون سقياها، وتتعاهدونها بما يصلح لها، وتختارون لها التربة الطيبة, والمزارعين الفنيين في فن الزراعة، إذا حصل ذلك فسوف تؤتي الثمار اليانعة، ويعظم خيرها، ويكثر جناها. أجل -يا أمة الإسلام- هذا مثال لفلذات أكبادكم، مثال للشباب في عنفوانه ونضرة أيامه، إذا وجد له راعياً أميناً، وموجهاً مرشداً صالحاً ناصحاً، فسوف يثمر أطيب الثمار، ويكون عضواً صالحاً في المجتمع، وعنصراً هاماً لحماية الدين، ورعاية الأخلاق، ورفع راية الفضيلة. أمة الإسلام: إن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم لما كانت تتمشى مع التعاليم السماوية والتوجيهات الربانية، خرجت شباباً كان لهم في أزهى عصور الإسلام جولات عظيمة، ومغامرات كريمة، كان فيها عز للإسلام، ونصر لشريعة سيد الأنام، ورفع لعلم الدين خفاقاً يحكي العزة، ويصور المجد، ويشعر بالقوة، إنهم تعلموا العلم لوجه الله، فنالوا به رفعةً ومجداً وسؤدداً، أولئك الشباب الناشئ في مدرسة الإسلام، غذاهم الإسلام بمبادئه وروضهم على تعاليمه، وقومهم برفيع توجيهاته، وجعل منهم في ميدان البطولة الفدائي, الذي لا يشق له غبار يخوض معركة الشرف لا يريد بذلك وطنية، ولا يريد قومية، ولا جاهلية، ولكن لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. ولقد كانوا رضي الله عنهم في ميدان العلم والمعرفة أئمة في الدين، وأعلاماً في الفقه, وفي مجالات العبادة والإخبات، فهم رهبان بالليل، أسود بالنهار: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] في ميادين البذل والبر والإحسان يبذلون الفضل لوجه الله طلباً للمثوبة والأجر، فهذه أوصاف أولئك الرجال، فإنها حميدة، لم تغلب عليهم السطوة، فكانوا رضي الله عنهم قدوة للشباب المسلم الصالح الذي رفع الله درجته، وأمن مخاوفه، ووعده أن يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ولقد أخبر إمام الأمة وقدوتها صلى الله عليه وسلم بقوله: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} وعدّ منهم: الشاب الناشئ في عبادة ربه عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] ولكن مع الأسف الشديد والحزن المرير أين تلك الأوصاف؟ أين تلك الأشباح؟ رحمة الله على تلك الأرواح، لقد تغيرت الأحوال، وانعكست الأفعال، وعمي الكثير عن الهدى واتباع الحق، وغرق البعض في التقليد الأعمى، ومالت به نفسه الأمارة بالسوء عن الصراط المستقيم، وقلد الكفرة في باطلهم، وقلّد الغرب في الانحلال والميوعة والإلحاد والرذائل، وأطلق لنفسه العنان في الشهوات المحرمة والنزوات الطائشة والرذائل، ونسي الله عز وجل, ولم يراقب الجزاء، ولم يحذر من بطشته وسطوته وأخذه الأليم الشديد، فهو ممن قال الله فيهم: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وممن وصفهم الله بقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:103 - 104].

العامل الأساس للأخذ بأيدي الشباب

العامل الأساس للأخذ بأيدي الشباب إن العامل الوحيد للأخذ بأيدي الشباب وقيادتهم إلى الخير ليكونوا كما كان أسلافهم في عصر النور هو التوجيه الصالح الرشيد الذي يتظافر عليه البيت والمدرسة والإذاعة والصحافة والعلماء والقادة, كل أولئك يجب عليهم أن تتظافر فيهم جهود التوجيه، توجيه الشباب إلى الخير, وقيادتهم إلى أقوم السبل في الأقوال والأفعال والعزائم الصادقة. أما مجرد التوجيه بالأقوال بدون التصديق بالأفعال فلا كأن يقال: إليكم هذا الحديث، إليكم هذه التلاوة المرتلة، ثم يقال: تغني فلانة، ويغني فلان، ثم يأتي في الصحافة، ويقول: مجلة الفن تحل الأغاني وتحل الموسيقى، وهي حرام في الإسلام، فأين هذا التوجيه من التوجيه الإسلامي الصحيح؟! إذا لم تصدق بالأفعال، فذلك مما ينقضه الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3]. ومثل مدرس يشرح حديث {لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء} فيقول له الطالب: كيف ذلك يا أستاذ؟ فيقول: في حلق اللحية، إذا حلق لحيته، فإنه يتشبه بالنساء، ومع الأسف الشديد كان الأستاذ الجليل حالق للحيته، فيقول له الطالب: فلماذا تحلق لحيتك يا أستاذ؟ فيقول: (هذا جَريٌ للمجتمع، وخوف من المعزبة) أو كما قال قولته الشنعاء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3]. كذلك الأستاذ يشرح الدرس، وثوبه يجر خلفه شبراً في الأرض، وهو يقول: إن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء، الله أكبر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3]. إن من شروط الداعي إلى الخير أن يكون قدوةً فيما يأمر به، أما الذي ينهى الأولاد عن شرب المسكرات والدخان، وهو مدمن عليها، فإنهم يهزءون به، لأنه بصفة المختل للعقل، لأنه لم ينه نفسه قبل ذلك. لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم كذلك المعلم إذا كان في أثناء الشرح فهو مرآة، فلينظر ماذا يلقي على أولئك النشء، فإنهم أمانة في عنقه. أما الذين يعلَّمون ولا يعملون فليسمعوا إلى هذا الوعيد الشديد، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه -أي: أمعائه- فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان! ما شأنك؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر، وآتيه}. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك. فاتقوا الله عباد الله، وكونوا مع الصادقين في التوجيه وفي النصح والإرشاد وفي الدعوة إلى الله عز وجل, حتى يصلح بكم أولادكم، ويرتفع بكم المجتمع، وتكونوا قدوةً صالحة. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا يا رب العالمين، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن أبداً ما أبقيتنا يا أرحم الراحمين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

إهمال تربية الأولاد

إهمال تربية الأولاد الحمد لله ذي الكبرياء والعظمة والسلطان، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود، وسيد ولد عدنان، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله كما أمركم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] اتقوا الله في أولادكم، وفي أهليكم، وفي معاملاتكم، وفيمن تحت أيديكم. إنه ليحزن ويمرض أننا نرى الكثير من الآباء قد أهمل الأولاد، وترك لهم الحبل على الغارب! حتى صاروا شراً مستطيراً على المجتمع, وداءً عضالاً وعضواً لا خير فيه, كل ذلك بسبب الإهمال, حتى إن البعض من الآباء تحمل أوزاراً، وهو يعرف أنه فيها ظالم لنفسه ولأولاده، وهو أنه يعينهم على الأسفار إلى بلاد الكفر والفساد، ويدفع لهم الأموال، ويفتح لهم الاعتمادات حتى يفسدوا بها، وينفقونها في سبيل الشيطان، ويقول: نريد لهم الترفه، بل ظلمهم، وأعانهم على إغضاب الرب جلَّ وعلا، فسوف يسأل عن هذا كله إذا وقف بين يدي الله يوم ترتعد الفرائص من الخوف والوجل. أمة الإسلام: إنه من أكبر المنكرات أن يخرج الرجل من بيته إلى المسجد والأولاد في بيته إما يمارسون لعب الورقة، أو جالسون عند التلفاز، أو نائمون في فرشهم، وهو يأتي إلى المسجد، إنه من أكبر المنكرات -والعياذ بالله- من عمى البصيرة: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. أمة الإسلام: لننتبه من رقدتنا ونستيقظ ونستعد قبل أن نقف بين يدي الله ثم نسأل، فمن أين لنا الجواب؟ من أين لنا الجواب؟ وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين السابقين إلى الخيرات، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك ومزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه, إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واهدنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والربا والوباء والزنا واللواط، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيم. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

توحيد الله تعالى

توحيد الله تعالى التوحيد هو الهدف من إرسال الرسل، ولا يصح للإنسان إسلامه إلا إذا وحد الله جل وعلا في جميع عباداته وأعماله؛ ولا يمكن أن تكون هناك وحدة إلا في ظل التوحيد، والعرب ما اجتمعوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله). والشيخ قد تحدث في هذه الخطبة عن كمال الدين والتميز في أحكامه، وشكا متألماً حال الكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام، وهم يتنكرون لأحكامه، والإسلام منهم براء، كما ذكر أن الإسلام هو سبب الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

كمال الدين الإسلامي وشموليته

كمال الدين الإسلامي وشموليته الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، نحمده حمداً متعدٍ يفوق العدَّ والحسبان على نعمه وآلائه العظام، ونستغفره ونشكره، ونسأله العز والعفو وحسن الختام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الذي لم يأل جهداً ولم يدخر وسعاً في تبليغ الرسالة، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين طهرتهم من كل تعصب إقليمي أو قبلي، وعلى كل من تمسك بهديه ومن دعا بدعوته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله سبحانه، فقد حباكم بدين كله مكارم ومحاسن إنه دين أكرم الله أهله وفضلهم على سائر من خلق تفضيلاً دين حمى مصالح من تمسك به بسياج حديدي وإن كان أعجمياً لا أصل له، أو مولى أو لم يكن له نسب دين احترم النفوس؛ فقد أوجب القتل على من قتل نفساً عمداً، أو سعى في الأرض فساداً أن يقتل أو يصلب دين احترم الأموال؛ فقد أوجب قطع اليد على من سرق ثلاثة دراهم فأكثر دين احترم الأعراض، فقد أوجب ثمانين جلدة على من قال لأمرأة: يا زانية، أو غير ذلك من قواذف اللسان الخبيثة التي يقذف بها من تعاليم الشيطان، فمن قذف بهذه الكلمات أوجب عليه الشارع الحكيم ثمانين جلدة. إنه دين احترم أنسابكم؛ فأوجب القتل على الزاني رجماً بالحجارة -الزاني المحصن وهو الذي تزوج- وإبعاد من لم يكن محصناً مع جلده مائة جلدة دين احترم العقول فحرم كل ما فيه خطر على تغطية العقل من خمر أو حشيش أو حبوب مخدرة أو غيرها دين لم يفرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أسود ولا أبيض، وإنما جعل الرابط الوحيد والعلاقة الحقة هي الإيمان بالله. وبالجملة فهو دين أودع الله فيه من الحكم ما هو كفيل بخلوده، وأودع الله فيه ما جعله صالحاً لكل زمان ومكان، صالحاً لمسايرة الإنسانية في تقدمها، ورقيها، وحضارتها الحقيقية. ولا غرابة -يا أمة الإسلام- فهو دين البشرية جمعاء، الدين الذي جاء إليها وهي ترزح تحت أغلال ظلمات الجهل، فأقام سياستها على مبدأ واحد، وإذا أرادت شمسه أن تغيب فلا حول ولا قوة إلا بالله! ولا غرابة؛ فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً} ولكن نأمل من الله واسع الفضل والإحسان أن يجعلنا من الأمة الباقية على دين ربها، لا يضرها من خالفها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

اجتماع الأمة على التوحيد

اجتماع الأمة على التوحيد لقد جمع الدين الإسلامي الأمة تحت لواء التوحيد، تحت راية (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ففي الجملة الأولى (لا إله إلا الله) التخلص من كل عبودية إلا لله وحده، وفي الثانية (محمد رسول الله): أنه لا عبودية صحيحة إلا بما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين. إنه دين أدرك أمتنا العربية في حياتها الوحشية التي نطق بها القرآن الكريم، حياة العبودية للجمادات والأموات أموات لا يسمعون ولو سمعواما استجابوا وكما هو واقع بعض المسلمين في بعض الدول التي تدّعي الإسلام للأسف الشديد! فقد انتشرت عبادة القبور في أكثر أنحاء بلاد المسلمين! فيجلسون عند قبر الميت، ويسألونه الحوائج ونسو القادر المقتدر، الله الذي لا إله إلا هو، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. أما الأموات فقد صاروا رفاتاً وعظاماً وتراباً، ولكن الله سيجمعهم بقدرته إذا نفخ في الصور. أمة الإسلام: لقد جاء الإسلام والعرب الأقدمون الجاهليون في جاهليتهم الجهلاء، وعاميتهم الظلماء، يعبدون الحجارة من دون الله لقد عجب من ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فضحك ثم بكى، فقال له أحد الحاضرين: لماذا بكيت يا أمير المؤمنين ثم ضحكت؟ قال: [[بكيت لأني وأدت ابنة لي وهي حية، وضحكت لأني أعبد صنماً من تمر، فإذا جعت أكلته، وإذا شبعت عبدته]] فهو يضحك رضي الله عنه تعجباً؛ لأن الله أخرجه من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام والإيمان. إنها حياة عبادة الجمادات والأموات ولو سمعوا ما استجابوا لهم حياة وأد البنات حياة شظف العيش وقد حياها أولئك الجاهلون حياة الذئاب المعتمدة في معايشها على النهب والسلب حياة معاقرة الخمور فجاء الإسلام، وجاء النور الساطع، وجاءت الشمس المشرقة جاء الإسلام فسما بها من هذه الأخلاق -وأقبح منها- إلى أوج العزة والكرامة إلى الألفة وصادق الأخلاق؛ فأصبحوا -بعد أن كانوا رعاة للشاة والإبل، وكانوا كالوحوش- أصبحوا قادة عظماء، وخضعت لهم الدنيا، وأطاحوا بعروش الفرس والروم وكان ذلك بفضل الله ثم بفضل إسلامهم الذي لمَّ شعثهم ووحد كلمتهم وقضى على كل ما في نفوسهم من عوامل تفرقة بين عربي وغيره. إن ديننا هذا قبس من نور، ومن محاسنه: آثاره على المتمسكين به في الدنيا والآخرة، فإن الله يعطيهم ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55].

تنكر الناس لدينهم

تنكر الناس لدينهم أيها المسلمون: لقد تنكر كثير من الناس لكثير من مبادئ الإسلام السامية، بالقول أو بالفعل أو بالاستهزاء أو بالمحاربة فقد دعاهم إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام فقعدوا عنها، إما تركاً أو تهاوناً أو كسلاً، فهل أولئك بمسلمين؟ فهل أولئك بمسلمين؟!! ولو سمح الوقت لكررتها في اليوم خمس مرات: فهل أولئك بمسلمين؟! فإن من ترك الصلاة فقد كفر، كما قال صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}. ودعاهم إلى أداء الزكاة فبخلوا ودعاهم إلى النصح فغشوا ودعاهم إلى الصدق فكذبوا ودعاهم إلى البر فعقوا ودعاهم إلى الوصل فقطعوا ودعاهم إلى نفع إخوانهم فضروا ودعاهم إلى الإحسان فأساءوا ودعاهم إلى الإخلاص فبادروا بالرياء والشرك والعياذ بالله. ودعاهم إلى الاحتشام والعفاف فأبوا إلا أن يلوثوا أخلاقهم، ويدسوا على تعاليم دينهم بما يسديه إليهم التلفاز والفيديو من تعاليم خليعة اكتسبنها نساء المسلمين وبناتهم للأسف الشديد! ويقولون: نحن أهل الإسلام، لا. إن الإسلام بريء من هذا كله فاتقوا الله وارجعوا إلى دين الإسلام يا أهل الإسلام، وخافوا عاقبة ما أنتم عليه من تفريط وإهمال، وتمسكوا به، فإن التمسك به هو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال. وإذا ترك المسلمون الإسلام وتعاليمه؛ فقد ضلوا واحتاجوا إلى أعداء الإسلام. عباد الله: لقد غزي هذا الدين العظيم من كل حدب وصوب، ومن أراد أن ينظر إلى الغزو فلينظر إلى أسواق المدن وما فيها من الأجنبيات الخبيثات اللاتي أتين ليغرين أولاد المسلمين وشباب المسلمين، ويبثوا الشهوات التي نهى عنها القرآن قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [مريم:59 - 60]. أمة الإسلام: الله الله في التمسك بدينكم، والذود عنه والمحاربة دونه كما فعل أسلافكم. اللهم اجعلنا من أهل الإسلام الصادقين، وأمتنا تحت ظلاله يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الإسلام سبب للسعادة والفلاح

الإسلام سبب للسعادة والفلاح الحمد لله الذي نسخ بالإسلام جميع الأديان، وميزه بالخلود والصلاح لكل زمان ومكان، أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك المنان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الذي جاء بالنور الصادع والبرهان، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله وتمسكوا بتعاليم الدين، فإن سعادتكم في أن تكونوا به عاملين، وشقاؤكم في أن تكونوا عنه منحرفين. أمة الإسلام: الله الله في التمسك بدين الإسلام، فخليق بكل من له نسبة من عقل أن يعيش في كنف الدين، ويلقي بنفسه بين أحضان هذا الدين، فهو الدين الكامل دين العدالة والمساواة دين من استضاء به اهتدى، ومن تمسك به نجا، ومن عض عليه وصل إلى الدرجات العلا دين من اعتز به فقد عزه، ومن ابتغى العزة من غيره فقد ضل سواء السبيل دين أساسه التوحيد (لا إله إلا الله) وروحه الإخلاص، وشعاره التسامح والإحسان دين ضمن لمعتنقيه السيادة والسيطرة والكرامة دين قام به سلفنا الصالح منذ أن طلع فجر محمد بن عبد الله، وقام به خلفاؤه وأتباعه، وكان لهم ما كان من عز وطيد، ومجد مشيد، وكلمة نافذة؛ فأصبحوا ملوك الدنيا بعد أن كانوا أمة مبعثرة مغلوبة على أمرها {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]. دين لا تطلب السعادة إلا وجدت فيه، ولا خير إلا وجد فيه، ولا يكشف عن مخبوء في الكون إلا وجد فيه دين شرع لنا من العبادات والمعاملات ما يهدم النفوس، ويبعث فيها روح التعاون والإخاء إن نحن تمسكنا بدين الإسلام. أمة الإسلام: والله ثم والله لا دين إلا دين الإسلام، كما قرره ربنا في محكم الكتاب فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] فلا يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا وثنية كلها محاها الإسلام، وسوف يظل الإسلام على رغم أنوف أعداء الإسلام، اللهم ارزقنا التمسك بدين الإسلام. عباد الله: اعلموا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وعليكم بجماعة الإسلام والمسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذَّ عنه أو ابتغى العزة من غير دين الله وعن نهج رسول الله وعن نهج سلفنا الصالح فقد شذَّ في النار، واعلموا أنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. وصلوا على من أرشدنا إلى نور الهداية، ومن أنار الله به قلوب المسلمين بالإيمان صلوا على سيد البشر محمد بن عبد الله الذي أخرجكم الله بدينه من الظلمات إلى النور، صلوا على من بعثه الله بالحنيفية السمحة، كما صلى الله عليه وملائكته {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ما أظلم الليل وما أضاء النهار، وما طلعت شمس وما غابت، وما طلع قمر ونجم وأفل، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وزده صلاة وسلاماً إلى قيام الأبدان من القبور، واجعلنا من الواردين على حوضه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا رب العالمين، وارزقنا الاقتداء بهم. اللهم املأ قلوبنا بالإخلاص حتى لا تضرنا شعارات رفعها الدعاة المدعون لأعداء الإسلام، ممثلون وغيرهم، اللهم اكفنا واكف المسلمين شرهم يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها اللهم دمر أعداء الدين اللهم دمر أعداء الدين اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك ومزقهم كل ممزق اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين اللهم انصر الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أغثنا بعز الإسلام والمسلمين يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين اللهم أصلح أولادنا ونساءنا اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط ومضلات الفتن والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن وعن جميع بلاد المسلمين يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم إنا نسألك أنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الحي القيوم الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد؛ أن تملأ قلوبنا من محبتك ومن خشيتك ومن معرفتك، ومن الأنس بقربك، واملأها حكمة وعلماً، اللهم املأ قلوبنا من الإيمان. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

حادثة الإفك

حادثة الإفك المنافقون خطرهم على الإسلام أكبر من خطر اليهود والنصارى، ولقد بلغ جرمهم ووقاحتهم أنهم اتهموا زوج النبي صلى الله عليه وسلم العفيفة الطاهرة بما يصان اللسان عن التحدث به. وعائشة رضي الله عنها في هذه الخطبة تحكي قصتها بنفسها، وكيف هجرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان نزول براءتها من السماء في قرآن يتلى إلى يوم القيامة؛ فلذلك وجب الحذر من النفاق والمنافقين.

المنافقون وخطرهم على الإسلام

المنافقون وخطرهم على الإسلام الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل واحذروا من عقابه. عباد الله: أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من صميم قلوبكم, فإن الله أخرجكم بدعوته من الظلمات إلى النور, فكم لاقى في سبيل دعوته من المعارضات والمنازعات من قبل خصومه من المشركين والمنافقين وأضرابهم, فلقد شجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسروا رباعيته, وتآمروا على قتله ورموه بالحجارة حتى سال الدم من عقبيه, ويأتيه ملك الجبال بأمر الله القوي العزيز الحميد بهلاك أولئك, وهو أن يطبق عليهم الجبال, ويدمرهم تدميراً عن بكرة أبيهم, ولكن ماذا يقول الرءوف بأمته صلى الله عليه وسلم؟ يقول: {لا. لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً}. هكذا يصمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام تحديات المشركين، حتى أذن الله له بالهجرة إلى المدينة , ولكن أعداء الرسالة المحمدية أصناف متعددة, وتبين منهم في المدينة المنافقون الذين يضمرون الكفر ويعلنون الإسلام. ولكن القرآن فضحهم وبين عداوتهم لله ولرسوله في آيات تتلى؛ ليكون ذلك درساً وعبرة للأمة, لتعرف فيه خطر النفاق والمنافقين وضررهم على الأمة الإسلامية؛ فيحذروهم لا كثرهم الله ولا حياهم ولا بياهم, وزلزلهم الله وأخرجهم عن ديار المسلمين.

حادثة الإفك

حادثة الإفك نعم! أمة الإسلام! نعم يا أمة القرآن-وأنتم ترتلون كلام الله عز وجل، وتقرءون سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مرّ بكم حادث عظيم حدث في الإسلام, حادث بشع يتناول بيت النبوة الطاهر، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم, أكرم إنسان على الله عز وجل، وعرض صديقه الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وهو أكرم إنسان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرض رجل من خيرة الصحابة رضي الله عنهم صفوان بن المعطل الذي يشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يعرف عليه إلا خيراً. إن هذا الحادث حادث الإفك قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية آلاماً لا تطاق, وزرع في بعض النفوس الشك والريبة والقلق، وحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولـ عائشة رضي الله عنها وصفوان رضي الله عنه ما لا يطاق من الألم والهم, حتى نزل القرآن ببراءة زوج الرسول الطاهرة العفيفة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها, وببراءة ذلك المؤمن المجاهد صفوان , وإدانة أهل النفاق وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول بالتآمر على بيت النبوة، وترويج الدعايات المغرضة ضد صاحب الرسالة عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم، واختلاق الإفك والبهتان ضد المحصنات الغافلات المؤمنات.

قصة حادثة الإفك ترويها عائشة

قصة حادثة الإفك ترويها عائشة تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي الصديقة بنت الصديق: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه, فأقرع بيننا في غزوة غزاها, فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب, فأُحمل في الهودج وأُنزل فيه, فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقد دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقدٌ لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت ألتمس عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه, وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل المرأة العلقة من الطعام, فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن, فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس به منهم داع ولا مجيب, فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سوف يفقدوني فيرجعون إليّ, فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه من وراء الجيش؛ فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني, وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! فخمرت وجهي بجلبابي, ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه إنا لله وإنا إليه راجعون! وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها، فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول فهلك فيّ من هلك، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهراً -أي: مرضت شهراً- والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك, وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي, إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف, فذلك يريبني ولا أشعر بالشر, حتى خرجت حين نقهت، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا, وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا}.

عائشة لا تعرف الخبر إلا بعد شهر

عائشة لا تعرف الخبر إلا بعد شهر {قالت رضي الله عنها: فانطلقت أنا وأم مسطح فأقبلت قبل بيتي حين فرغنا من شأننا, فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلتِ! أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ أي هنتاه , أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك, فازددت مرضاً على مرضي, فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي، وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما, فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: يا أمتاه! ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية! هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثّرن عليها, فقلت: سبحان الله! أو لقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم, ثم أصبحت أبكي. قالت رضي الله عنها: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله, فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه, فقال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراًَ, وأما علي فقال: يا رسول الله! لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك الخبر, قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية بريرة , فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول وهو على المنبر, وقال: يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي, والله ما علمت على أهلي إلا خيراً, ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً, وما يدخل على أهلي إلا معي, فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل, فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه, وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك, فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية، فقال لـ سعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل, فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد , فقال لـ سعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر -هكذا يدس المنافقون على الإسلام والمسلمين, حتى يفرقوا جمعهم ويشتتوهم ويجعلوهم شذر مذر, ولكن رحمة أرحم الراحمين- فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا, وتقول عائشة رضي الله عنها: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً, حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي. }.

النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عائشة عن الخبر

النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عائشة عن الخبر قالت رضي الله عنها: {فبينما أبواي جالسان عندي وأنا أبكي, فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودخل الفرج والفتح القريب من رب العالمين, فسلم ثم جلس تقول: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها, وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء, فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد: يا عائشة! إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله, وإن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه, قالت: فما أن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، حتى قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة, فقلت لأبي: يا أبي! أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال, فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال؟ قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ القرآن كثيراً: إنكم والله لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به, فلئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدقوني, وإن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقنيّ، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم حينئذ أني بريئة, وأن الله مظهر براءتي. }

براءة عائشة من فوق سبع سماوات

براءة عائشة من فوق سبع سماوات وتقول: {ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر, ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا فيبرءني الله بها, فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنزل عليه صلى الله عليه وسلم, فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان, وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه, فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة! أما الله فقد برأك، فقالت لي أمي: قومي إليه, فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، وأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11]} عشر آيات بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

احذروا المنافقين

احذروا المنافقين الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله الصادق في وعده، القائل جل وعلا: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! لقد تبين لكم من خلال هذه القصة العجيبة, خطر النفاق والمنافقين، وتآمرهم على الإسلام والمسلمين, وكيدهم لصاحب الرسالة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه, حيث استهدفوا عرضه الشريف وكرامته صلى الله عليه وسلم, وأرادوا أن يلوثوا سمعته الطاهرة بالطعن في عفاف زوجه الصديقة عائشة رضي الله عنها. ولكن الله جل ثناؤه كشف خبثهم وتآمرهم، وبرأ أم المؤمنين من ذلك البهتان العظيم, وجعل ذلك درساً للأجيال وعبرة لأولي البصائر، وعنوان مجدٍ وفخارٍ لزوجاته الطاهرات, ودليل طهرٍ ونزاهةٍ لبيت النبوة {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور:26] فصلى الله وسلم على نبينا محمد، ورضي الله عن زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وورد في الأثر أنه قال: {يأتي في آخر الزمان أقوامٌ يختِلون الدنيا بالدين، لابسين للناس في اللين جلود الضأن، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب} وما أكثرهم لا كثرهم الله! وما أكثرهم لا حياهم الله ولا بياهم! يختِلون الدنيا بالدين لابسين للناس في اللين جلود الضأن ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب. صلوا على رسول الله الذي دلكم على كل خير وحذركم من كل شر, اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وارضِ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر المنافقين وأعوان المنافقين, ومن أراد لهذا الدين وللمسلمين عداءً يا رب العالمين. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين, وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم ارزق ولاة المسلمين الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم قيض لولاة أمور المسلمين الجلساء الصالحين الناصحين الصادقين الذين يذكرونهم إذا نسوا, ويعينونهم إذا ذكروا, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، اللهم اهدنا واهد لنا واهد بنا يا رب العالمين, اللهم اجعلنا هداة مهتدين, اللهم اجمعنا ووالدينا ووالدي والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] اللهم احفظنا بالإسلام قائمين, واحفظنا بالإسلام قاعدين, واحفظنا بالإسلام راقدين, ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

حكم الاحتفال بالمولد

حكم الاحتفال بالمولد إن الدين الإسلامي منذ أن شع نوره وسطع ضوؤه، والأعداء يكيدون له، مرة بالمحاربة، ومرة بالتلبيس، ومرة بالابتداع وإدخال عليه ما ليس منه، ومن هذه البدع المحدثات: بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتف المحتفلون ببدعة الاحتفال، بل أضافوا إلى ذلك منكرات مختلفة تزيد الطين بلة، وقد تحدث الشيخ عن ذلك، وأتى بفتوى العالم ابن باز في هذه المسألة.

بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي فتح أبواب الهدى بمن جعله مسك الختام، وجعل أمته خير الأمم، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره من ذوي الإجرام، نحمده على ما أسبغ من جزيل الإنعام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، ونشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله البدر التمام، الذي بعثه الله رحمة للعباد، وفارقاً بين الحلال والحرام، وداعياً إلى القيام بأركان الإسلام، نصح الأمة, وكشف الله به الغمة, وجاهد في الله حق الجهاد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته. عباد الله: لقد قضى صلى الله عليه وسلم حياته المباركة في كفاح وجهاد متواصل، وأرسى الدين الإسلامي في نفوس البشرية إلى أن اختار الله له في الرفيق الأعلى، فوافاه أجله في هذا الشهر الذي ولد فيه، بعد أن قضى ثلاثاً وستين سنة، أولها في تعبد وتقليب لوجهات العرب، وبعد الوحي في تبليغ رسالة ربه حتى أكمل الله به الدين، ما ترك خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شراً إلا حذرها إياه، ترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. عباد الله: يا أتباع محمد بن عبد الله! يا من يحبونه أعظم من حبهم لأنفسهم وأهليهم! إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإجلاله إنما يكون في اتباعه والاقتداء بسنته, والتخلق بأخلاقه، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

حكم الاحتفال بالمولد

حكم الاحتفال بالمولد أمة الإسلام: ليس حبه صلى الله عليه وسلم في الاحتفال بمولده، كما يفعل في هذا الشهر في الأقطار العربية وبعض الدول الإسلامية، وقد سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز عن الاحتفال بالمولد النبوي، فأجاب باختصار رحمه الله بما فيه كفاية قال: والجواب أن يقال: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون, ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتابعة لشرعه من بعده، وقد ثبت عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة}. ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال الله سبحانه وبحمده: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7] وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] وقال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] , هذا كلام الله، وآيات الله في هذا المعنى كثيرة، ومحدثات مثل هذه تدل على أن الله عز وجل لم يكمل الدين. يقول فضيلة الشيخ: إن مثل هذه الموالد يفهم منها أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. والله جلَّ وعلا قد أكمل الدين لعباده، وأتمَّ عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم} ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً. فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بالمولد ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته منها، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين، فقد جاء في معناهما أحاديث أخرى، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة، {أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة} والآيات والأحاديث في هذا كثيرة.

أدلة تحريم الاحتفال بالمولد

أدلة تحريم الاحتفال بالمولد وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار المولد وتحريمه، عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وقد رددنا هذه المسألة وهي احتفال المولد إلى كتاب الله سبحانه وبحمده، فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا أن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا، وأمرنا باتباع الرسول فيه. ولقد رددنا ذلك أيضاً إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به، ولا سأله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أن المولد ليس من الدين, بل هو من البدع المحدثة وهو من التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم. وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصافاً في طلبه: أن الاحتفال بالمولد ليس من الدين الإسلامي في شيء، بل هو من البدع والمحدثات التي أمر الله ورسوله بتركها والحذر منها، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية كما قال جل وعلا: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالمولد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف, وشرب المسكرات والمخدرات, وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأولياء، وما يقع من دعائه صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به، وجعله نداً لله، والاعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره ممن يسمونهم الأولياء. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إياكم والغلو في الدين! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين} فمن العجائب والطرائف أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجبه الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي. نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير من البدع

التحذير من البدع الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واقتفى آثارهم وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وتبصروا في دينكم، واحذروا البدع المحدثة التي تبعدكم عن الله وتصدكم عن الصراط المستقيم. عباد الله: لقد بلغ بالذين يحضرون المولد من الإفك والافتراء أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد، ولهذا يقومون له محيين مرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما أخبرنا بذلك الله جلَّ وعلا فقال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15 - 16] وقال صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع} عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام. فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم. فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من الذين يدّعون العلم -نسأل الله العافية- ليحذر أولئك مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات, ومن الأعمال الصالحات, كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلّى علي صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى الإسلام، واكفنا شر المحدثين في الدين، اللهم اكفنا شر أهل البدع والخرافات، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً عليهم يا رب العالمين، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم إنا نعوذ بك من شر الكفار والمنافقين الذين يصدون عن دينك, ويبدلون دينك, ويريدون بعبادك الضلال، حسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلهم حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، اللهم انصر بهم دينك يا رب العالمين، واجعلهم قرة أعين والديهم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين! {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

حياة أبي بكر رضي الله عنه

حياة أبي بكر رضي الله عنه لقد اختار الله تعالى لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم خيرة الناس، وخصهم بمزايا عظيمة، وتختلف طبقاتهم وفضلهم بحسب تلك المزايا، وأعظمهم فضلاً ومنزلة أبو بكر الصديق؛ لما اختص به من تقدم إسلامه، وصدق إيمانه، وعظيم تحمله للبلاء، وتضحيته في سبيل هذا الدين، وهو رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وخليفته من بعده، وأشد الناس متابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام.

فضل الصحابة رضي الله عنهم

فضل الصحابة رضي الله عنهم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله: إن الله جلَّ وعلا اختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أصحاباً من خيرة الناس، وخصهم بمزايا لم تكن لسواهم من الناس أجمعين حاشا الأنبياء والمرسلين، وأثنى الله عليهم في كتابه المبين؛ تنبيهاً على جلالة قدرهم وعلو منزلتهم، وعظيم فضلهم وشرفهم، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]. ثم يصف الله الصحابة رضي الله عنهم بشدة الرحمة ولين الجانب بعضهم لبعض، ثم هم أشداء على أعداء الله ورسوله من الكفرة والمعاندين، قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] نعم -عباد الله- آخذين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً} أولئك الرجال الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؛ ليلتقوا بإخوانهم الأنصار أولئك الرجال الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، نعم أولئك الرجال الذين صدقوا في نصرة الله ورسوله، ويحبون من هاجر إليهم، فيوسعون لهم الدور والصدور {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. عباد الله: لقد كان الصحابة رضي الله عنهم أصبر الناس -بعد الرسل- على الأذى في الله، وهم الذين فتحوا القلوب بالقرآن والذكرى والإيمان، وفتحوا القرى بالسيف والسنان، وبذلوا النفوس النفيسة في مرضاة الله جل وعلا، فأي خطة رُشدٍ هم لم يستولوا عليها؟ وأي خصلة خير لم يسبقوا إليها؟ لقد وردوا ينبوع الحياة عذباً صافياً زلالاً، ووطَّدوا قواعد الدين والمعروف، فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً. إذاً يا عباد الله! فلا يشك عاقل أنهم هم الذين حازوا قصب السبق، واستولوا على معالي الأمور من الفضل والمعروف والصدق والعفة، والكرم والإحسان، والقناعة وعلو الهمة، والنزاهة والشجاعة، والتقى والتواضع، وكثير كثير رضي الله عنهم أجمعين، أولئك الصحابة رضي الله عنهم الذين تخرجوا من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسعيد والله ثم والله من تبع طريقهم المستقيم، واقتفى آثارهم، ونهج منهجهم القويم.

أفضلية أبي بكر على سائر الصحابة

أفضلية أبي بكر على سائر الصحابة ففي مقدمة هؤلاء الصحابة الخلفاء الراشدون، وفي مقدمتهم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فهو صديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، ولما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بادر أبو بكر بالتصديق والإيمان، وأعلن إسلامه بين القوم الكافرين.

تحمله المشاق من أجل نشر الإسلام

تحمله المشاق من أجل نشر الإسلام اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في أول الإسلام وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، فألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور من الدار، فقال: يا أبو بكر إنا قليل، فلم يزل أبا بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد الحرام، كل رجل في عشيرته. وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر رضي الله عنه وعلى المسلمين، فضربوا في نواحي المسجد ضرباً شديدا، ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً، ودنى منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفهما لوجهه، ونزل على بطن أبي بكر رضي الله عنه حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاء بنو تميم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملوه في ثوب حين أدخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعت بنو تميم، فدخلوا المسجد، وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، ورجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه، وهو في إغمائه، فجعل أبوه وبنو تميم يكلمون أبا بكر، حتى أجاب فتكلم آخر النهار، فلما أفاق من إغمائه، ماذا قال يا عباد الله؟ قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا عنده أولئك الجهلة، فمسُّوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه. فلما خلت به -أي: خرج عنه أبوه وبنو تميم- ألحت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي علم بصاحبك، فقال رضي الله عنه: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب، فاسأليها، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، فجاءت إليه وأخبرته أن محمداً سالم صحيح، قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله عليَّ ألا أذوق طعاماً ولا أشرب حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالتا له: فأمهلنا، حتى إذا هدأت الرِجل وسكن الناس، فراحتا به يتكأ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ليس بي بأس إنما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاها إلى الله فأسلمت، وأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار شهراً وهم تسعة وثلاثون رجلاً.

خروجه قاصدا الحبشة

خروجه قاصداً الحبشة وكان حمزة رضي الله عنه قد أسلم في اليوم الذي ضرب فيه أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين. واشتد الأذى على المسلمين، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، فخرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج ولا يخرُج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جارٌ، ارجع واعبد ربك في بلدك. فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، ثم طاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يُخرج مثله ولا يخرُج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لـ ابن الدغنة: مُرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره فليفعل، فيها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فلبث أبو بكر بذلك، يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لـ أبي بكر رضي الله عنه فابتنى مسجداً في فناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقذف عليه نساء المشركين، أي: يزدحمون عليه هم وأبناؤهم ويعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إن كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فليفعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لـ أبي بكر الاستعلان. قالت عائشة رضي الله عنها: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر، فقال: قد علمت الذي عاقدتك عليه، فإما أن تقتصر على دارك، وإما أن ترجع إليَّ ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.

مرافقة الرسول في الهجرة

مرافقة الرسول في الهجرة ولما أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا قدَّم أبو بكر رضي الله عنه النفس والمال والولد لله ورسوله، ويسيران والمشركون في الطلب، واختفيا في الغار ثلاثة أيام، قال أبو بكر رضي الله عنه: {قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟}.

خلافته ومسارعته بالخيرات

خلافته ومسارعته بالخيرات نعم -يا عباد الله- إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي استخلف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار خليفة على المسلمين، فكان خير خليفة، جاهد في الله حق جهاده، وسار على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قدم جميع ماله لله ولرسوله، وهو الذي ثبت في قتال أهل الردة ثبوتاً منقطع النظير، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة باباً يقال له الريان، لا يدخل منه إلا الصائمون، وبابٌ للصلاة، وباب للصدقة -وباب لكذا وكذا، يعدد الأعمال الصالحة- فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وهكذا باقي الثمانية الأبواب، فقال أبو بكر رضي الله عنه: وهل على أحد من حرج أن يدعى منها كلها؟ قال: لا، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر} فرضي الله عنك يا خليفة رسول الله! وعن جميع أصحاب رسول الله. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

من فضائل الصحابة

من فضائل الصحابة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله تعالى وأطيعوه. عباد الله: انهجوا سبيل المؤمنين، واقتفوا آثارهم، واعرفوا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم وفضلهم، وأحبوهم يحبكم الله ورسوله، فقد روى الترمذي في سننه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله أوشك أن يأخذه} وقال صلى الله عليه وسلم: {لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه}. ومناقب الصحابة وفضائلهم أكثر من أن تذكر، وقد أجمعت علماء السنة أن أفضل الصحابة هم العشرة المشهود لهم بالجنة، وأفضل العشرة أبو بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولا يشك في ذلك إلا مبتدع منافق خبيث، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية حيث قال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة}. عباد الله: ترضوا عن أصحاب رسول الله، وأحبوا أصحاب رسول الله، فهم بذلوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله، هم الذين أخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهم الذين فتحوا الدنيا، ومصروا الأمصار، وفتحوا الفتوحات، وفتحوا القلوب بالقرآن والذكر والإيمان، وفتحوا القرى بالسيف والسنان، فرضوان الله عليهم أجمعين، اللهم إني أشهدك أني أحبك وأحب رسولك وأحب أصحاب رسولك أجمعين. عباد الله صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء! اللهم اجعل بأس أعداء الإسلام والمسلمين بينهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم اشدد عليهم وطأتك وارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين في برك وبحرك يا رب العالمين! اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك، اللهم ارفع راية الإسلام والمسلمين، اللهم ارفع كلمة التوحيد يا رب العالمين! اللهم دمر اليهود والنصارى والمبشرين والشيوعيين ومن ناصرهم على الإسلام والمسلمين. اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم لا تبقِ منهم أحداً، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك، وحسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، الذين يعينونهم إذا ذكروا ويذكرونهم إذا نسوا، الذين يعينونهم على الحق يا رب العالمي، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيينا بصلاحهم يا رب العالمين! اللهم اغفر لنا ولوالدين ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. اللهم آمنا في أوطاننا، ولا تسلط علينا أعداءنا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم ارفع عنا الغلاء والبلاء والوباء، والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

خطر البدع

خطر البدع شرع الله تعالى لنا، شريعة كاملة ومنهجاً شاملاً، وأمرنا بالتزامها والاهتداء بهديها، وحرَّم علينا إحداث زيادة فيها أو نقصان، وأوجب علينا عرض جميع أعمالنا -عبادات ومعاملات وسلوكيات- عليها، فما وافق أخذناه، وما خالف تركناه، وإن مما أُحْدِثَ مخالفاً للشريعة الإسلامية تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فالواجب علينا إنكار ذلك ومجانبته. وإن مما نهي المسلمون عن فعله مشابهة المشركين في أفعالهم؛ لأن المشابهة تورث المحبة لهم.

كمال الشريعة الإسلامية

كمال الشريعة الإسلامية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، اللهم إنا نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، واعلموا أن الله قد أكمل لنا الدين، وأمرنا باتباعه والتمسك به، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ويقول جل وعلا ناهياً عن الطرق التي تحيد بنا عن صراطه المستقيم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

خطورة الابتداع في دين الله

خطورة الابتداع في دين الله أجل يا عباد الله أجل يا أمة الإسلام! كل عمل ليس له أصل في الشرع ولم يقم عليه دليل من السنة فهو من ابتداع المبتدعين المضلين، وهو من السبل المتفرقة التي تضر بمن اتبعها وأعرض عن صراط الله المستقيم، يقول صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وفي رواية: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}. أمة الإسلام: ما أكثر البدع التي حدثت ودخلت على الناس فاستحسنها البعض وأحبها ونبذ السنن لأجلها. أمة الإسلام: يروي لنا الإمام أحمد رحمه الله تعالى بسنده عن الناصح الأمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها}. عباد الله: احذروا من البدع فإن فيها مفاسد عظيمة، فإن الشيطان يزينها للإنسان حتى يحرص عليها أكثر مما يحرص على السنة، والبدعة -يا عباد الله- هي السلاح الفتاك لأعداء هذا الدين، يستخدمون بدعهم وخرافاتهم، ليشوهوا بها الدين الإسلامي الحنيف، ويغطون بها وجه هذا الدين الصحيح، حتى يظن من لا يعرف حقيقة الإسلام أنه مجموعة من الخرافات والطقوس الفارغة فينصرف عنه من يريد الدخول فيه، فكم لأهل الأهواء والبدع من منكرات ما أنزل الله بها من سلطان؟!

وجوب عرض الأعمال على الشرع

وجوب عرض الأعمال على الشرع فعليك أخي المسلم أن تتحرى الصواب في عباداتك، وأن تعرض أعمالك وأقوالك على الكتاب والسنة، فإن وافقهما فاحمد الله على ذلك واسأله الثبات، وإن كنت تلبست بالبدعة فانخلع منها وابتعد عنها قبل أن يأتيك أجلك المحتوم، وإن أشكل عليك شيء من أمور دينك فاسأل؛ حتى تكون ذا عمل وبصيرة قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. عباد الله: إن المسلم الواعي الرشيد لا يعتمد في دينه إلا ما صح النقل به عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وخاصة فيما يكثر فيه الخلاف بين العلماء رحمة الله تعالى عليهم أجمعين، فقد قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

بدعة ليلة النصف من شعبان

بدعة ليلة النصف من شعبان عباد الله: لقد اشتغلت بعض المجتمعات الإسلامية بما ورد من الآثار عن ليلة النصف من شعبان، واعتمدت ما سطر في بعض الكتب من تخصيص ليلة النصف من شعبان بدعاء يقرأ فرادى وجماعات، يتخلله قراءة سورة يس، مرة يقرءون وينوون به طول العمر، ومرة ينوون به دفع البلاء، ومرة ينوون به الاستغناء عن الناس. فمع الأسف الشديد -يا أمة الإسلام- اجتهد العلماء الجهابذة المحققون فلم يجدوا ذلك في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أبو بكر الصديق، ولا عمر الفاروق، ولا عثمان بن عفان، ولا علي بن أبي طالب، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين، ولا فعله سائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. إذا علم أنه من وضع المبتدعين في الدين فكل بدعة ضلالة؛ كما أخبرنا بذلك سيد المرسلين وإمام المتقين صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك -يا عباد الله- لم يرد في الحديث الصحيح ما يدل على إفراد ليلة النصف من شعبان بقيام من بين سائر الليالي، ولا بصوم يومها من بين سائر الأيام، إنما ورد الحث على صيام أيام البيض من كل شهر الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والذين يزعمون أن ليلة النصف من شعبان نزل فيها قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] فإن جمهور العلماء على خلاف ذلك، بل هذه الآية نزلت في ليلة القدر، وليلة القدر إنما أمرنا أن نتحراها في العشر الأواخر من رمضان، كما أمرنا بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم. فانتبهوا لذلك يا عباد الله! واحرصوا على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فمن اهتدى بهديه وأطاعه فيما أمر به، وانتهى عما نهى عنه والتزم اتباعه أعظم الله له الأجر، وبلَّغه أمنيته في أمور دينه ودنياه. اللهمَّ وفقنا جميعاً لاتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأوردنا حوضه، واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا جميعاً ما تبغضه وتأباه، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

التمسك بالشريعة الإسلامية سبيل السعادة الحقيقية

التمسك بالشريعة الإسلامية سبيل السعادة الحقيقية الحمد لله الذي أمرنا باتباع شرعه القويم، ونهانا عن الابتداع في الدين، أحمده وأشكره الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر ألا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ البلاغ المبين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، عباد الله! اعتزوا بدينكم، وافخروا بدينكم دين الإسلام فإن الله سبحانه وتعالى قد أغنى المسلمين وأنعم عليهم بشريعة كاملة شاملة لكل مصالح الدين والدنيا، وعلق السعادة في الدنيا والآخرة على العمل بها والتمسك بهديها، قال ربنا جل وعلا: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123].

من التمسك بالشريعة حرمة التشبه بالكفار

من التمسك بالشريعة حرمة التشبه بالكفار وهذه الشريعة هي الصراط المستقيم الذي هو طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وما خالفها فهو طريق المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى والمشركين، وأنت -أيها المسلم- في كل ركعة من صلاتك تدعو ربك أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين، حينما تقرأ سورة الفاتحة التي قراءتها ركن من أركان الصلاة في كل ركعة، فتأمل هذا الدعاء ومقاصده وثماره، إنه يعني أول ما يعني: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والتمسك بشريعته في العبادات والمعاملات، وفي الآداب والأخلاق العامة والخاصة، وأنه يعني مخالفة الكفار فيما هو من خصائصهم في العبادات والمعاملات، وفي الآداب والأخلاق؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يورث محبتهم في الباطن {ومن تشبه بقوم فهو منهم}.

الأدلة حول التشبه بالكافرين

الأدلة حول التشبه بالكافرين ولهذا تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على الأمر بمخالفة أعداء الله وأعداء شرعه ودينه، وعن التشبه بهم؛ إبعاداً للمسلم عما فيه مضرته؛ لأن أعمال الكفار باطلة ومساعيهم ضالة، ونهايتهم إلى الهلاك، فجميع أعمال الكفار وأمورهم باطلة. فالحذر يا عباد الله! واسمعوا لرسول الله وهو يحذركم بهذا الحديث الصحيح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سُنَن من كان قبلكم} وفي رواية: {لتتبعن سَنَن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن} أي: من أي القوم إلا هؤلاء رواه البخاري ومسلم. فيخشى علينا من اتباعهم ومن التشبه بهم. فاحذروا -يا عباد الله- من البدع والمخالفات! وتمسكوا بدينكم القويم الصحيح الكامل الشامل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله: إن الله يأمركم أن تصلوا على نبيكم محمد امتثالاً لأمره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن أصحاب رسولك أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع يدك عنهم وعافيتك ومزقهم كل ممزق يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أصلح أئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين. اللهم اشفِ مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم اكتب الصحة والسلامة لنا ولجميع المسمين في برك وبحرك يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنَّا الغلاء والبلاء، والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

خطر المعاصي

خطر المعاصي إن عواقب الذنوب والمعاصي وخيمة في الدنيا والآخرة، فهي تحرم البركة وتطفئ نور القلب، وتقتل الغيرة، وتستنزل غضب الله جل وعلا وعذابه؛ ولقد ذكر الله تعالى لنا ما حلَّ بالأمم السابقة من العذاب والنكال والخسف والحرق والإغراق بسبب ما اقترفوه من الآثام والمعاصي، وقد ذكره عبرة لنا؛ حتى لا يحلَّ بنا ما حلَّ بهم.

عواقب المعاصي

عواقب المعاصي الحمد لله رب العالمين، حذَّر من الذنوب والمعاصي، وأرشد إلى الطاعات وعمل الصالحات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، حذَّر من المعاصي، وحثَّ على التزود من الطاعات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا عز وجل، وتدبَّروا كتاب الله تجدوا فيه ما حلَّ بالأمم السالفة من العقوبات والنكبات؛ لأنهم ارتكبوا المعاصي، وأسخطوا جبار الأرض والسموات، حين عصوه سراً وعلانيةً، فمنهم من ردَّ رسالة نبيه، ومنهم من قتل الأنبياء، ومنهم من قتل الناس الذين يدعون إلى الله.

المعاصي سبب هلاك الأمم

المعاصي سبب هلاك الأمم إن المعاصي -يا عباد الله- لها عقوبات عاجلةٍ وآجلة، ولها آثار سيئة على العباد والبلاد، فكم أهلكت من أمة! وكم دمُرت من بلاد! فما في الدنيا والآخرة من شرور وداء وبلاءٍ إلا بسبب الذنوب والمعاصي. فمن الذي أخبرنا إلا الله عز وجل، أخبرنا بالكتاب العزيز أنه أخرج الأبوين من الجنة آدم وحواء، أخرجهما من دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور؛ إلى دار الآلام والأحزان والمصائب، لما عصوا الله بذنب واحد، نهاهم عن الشجرة فأكلا. وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجُعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وبُدِّل بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان كفراً، وحلَّ عليه غضب الربِّ ومقته؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض؛ كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم، وحروثهم وزروعهم ودوابهم؛ حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبات ما لم يجمعه على أمة غيرهم؟ ولمن يعمل أمثالها {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83]. وما الذي أرسل على قوم شعيب سحائب العذاب كالظلل، فلمَّا صار فوق رءوسهم، أمطر عليهم ناراً تلظى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنَّم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمَّرها تدميراً؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار؟ قتَّلوا الرجال، وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية، فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تتبيرا. وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي، وخراب الديار، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردةً وخنازير؟ وأقسم الرب جلَّ جلاله {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف:167]. إنها الذنوب والمعاصي يا عباد الله! وكل ذلك ذكره الله لنا في كتابه المبين؛ حتى نحذر ذلك ونبتعد عنه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. عباد الله: هذه عقوبات المعاصي، وما تجره على أهلها في العاجلة قبل الآخرة، من غرقٍ وحريق، وريح عقيم {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42] وصيحة واحدة تجعل العصاة كالهشيم، وخسف مروع يجعل عالي الأرض سافلها، ومطرٌ بالحجارة من السماء، وسحابٌ يمطر ناراً تلظى {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:127] وصدق الله حين يقول: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:16 - 19].

وجوب أخذ العبرة من السابقين

وجوب أخذ العبرة من السابقين عباد الله هل من أذنٌ تسمع؟ هل من قلبٍ حاضرٍ يخشع ويتذكر؟ لقد سمعتم أخبار القوم وما حل بهم من النقم والعقوبات والدمار والهلاك. عباد الله: إن سنة الله في خلقه واحدة، وأنتم -يا عباد الله- تسمعون بما يحل في أرجاء العالم من الزلازل والفيضانات، والأعاصير المدمرة التي تجتاح الألوف من السكان، وتهلك المبالغ الطائلة من الأموال، وتدمر الكثير والكثير من المساكن، فكل ذلك -يا عباد الله- من آثار المعاصي والذنوب، وما يحل بالعالم من الأمراض والأوجاع الفتاكة والحوادث المروعة، وما يحدث في العالم من الفوضى، ومن تسليط الظلمة، وكثرة القتل والانقسام إلى شيعٍ وأحزاب، يموج بعضها ببعض، كل ذلك من آثار المعاصي والذنوب، فالحذر الحذر يا عباد الله! الحذر الحذر يا عباد الله من الذنوب والمعاصي! وارجعوا إلى ربكم، وجدَّدوا توبةً نصوحاً قبل أن يحل بكم ما حل بالأمم الذين من قبلكم، واسمعوا إلى قول الله جل وعلا لعلكم تذكرون: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:94 - 99]. فاحذروا من مكر الله! فهذا تحذيرٌ لكم أن تسلكوا طريق من سبق من الأمم؛ من الخلاف والعناد والشقاق، وارتكاب المحرمات واجتراح السيئات. اللهم اهدنا ولا تضلنا، اللهم اهدنا ولا تضلنا، اللهم وفقنا لسلوك الصراط المستقيم، اللهم وفقنا لسلوك الصراط المستقيم، وثبتنا على الحق يا كريم! اللهم أصلحنا وأصلح لنا، وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين يا رب العالمين. وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، واحذروا المعاصي والذنوب! فإنها وخيمة وعاقبتها الآلام، وحرمان البركة، إنها تطفئ نور القلب، وتقتل الغيرة، وتورث ما لا يحمد عقباه في الدنيا والآخرة. أمة الإسلام: امتدحكم الله بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] هذا امتداح للأمة الإسلامية، ولعن آخرين قبلكم؛ لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال جلَّ وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79].

مجانبة أهل المعاصي

مجانبة أهل المعاصي قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي يبده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم} وروى الترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً}.

كثرة المنكرات وانتشارها

كثرة المنكرات وانتشارها عباد الله: احذروا من العقوبة، فقد كثر في مجتمعنا تضييع الصلوات وترك الجُمع والجماعات، لقد كثر أكل الحرام؛ من الربا والرشوة، والغش في المعاملات، وأكل أموال الناس بالباطل بأنواع الحيل، وشهادة الزور، والأيمان الفاجرة في الخصومات، ولقد ارتفعت أصوات المعازف والمزامير والأغاني بأنواعها في البيوت وكل مكان، ولقد تبرجت النساء في الأسواق، وزاحمت الرجال؛ كاسيات عاريات مائلات مميلات، ولقد ضاع كثيرٌ من الشباب، ونشأوا على الأخلاق الرذيلة والعادات السيئة، والجهل بأمور دينهم، وصار الكثير يجاري أعداء الإسلام بالعادات والتقاليد الشيطانية، وأصبحوا لا صلة لهم بالقرآن ولا بتعاليمه، ولا بأخلاق سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم، ولا صلة لهم بالمساجد إلا القليل، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم! عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إلى الخير، وجنبنا كل شر، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والتبرج والسفور وجميع المنكرات، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

رجس من عمل الشيطان

رجسٌ من عمل الشيطان إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأكل من طيبات ما رزقنا، وأن نجتنب ما حرم علينا من المأكولات والمشروبات، ومن الأشياء التي حرمها الله علينا شرب الخمر؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والخمر معلومٌ ضررها على الإنسان؛ فمن أضرارها -وهي أعظمها- أنها تُذهب العقل الذي وهبه الله للإنسان. ويقاس على الخمر أيضاً المخدرات التي أفتى العلماء بقتل من يروجها للناس؛ لأنها أضاعت بكثير من أموال الناس، وأذهبت عقولهم، وجعلتهم ينتهكون حرمات الله التي حرم عليهم.

الأمر بأكل الطيبات وحفظ نعمة العقل

الأمر بأكل الطيبات وحفظ نعمة العقل إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى. أيها المؤمنون: تمتعوا بما أحل الله لكم من الطيبات، واشكروه عليها بالقيام بطاعته، فإن الشكر سبب للمزيد، واسمعوا إلى الرءوف الرحيم، وهو يحثكم على الأكل من الطيبات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. أيها المسلمون: إن الله جلَّ وعلا أنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نوراً وهدىً فيه آيات بينات، وسبل واضحات، من اتخذه إماماً وقائداً قاده إلى الجنة، وسعد في الدنيا وفاز في الأخرى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. ومن ترك العمل بهذا القرآن، ومن ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل في الدنيا، وشقي في الآخرة، يقول الله جلَّ وعلا: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72]. أيها المسلمون: هذا العمى المذكور في الآية الكريمة سببه اجتراح السيئات، وفعل المنكرات، وارتكاب المحرمات، فإن المعاصي توجد في القلب ظلمة حقيقية، يشعر بها العاصي -إن كان له ضمير- كما يشعر بظلمة الليل البهيم، وتزداد هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تعلو وتكون سواداً في الوجه، وذلك الران الذي ذكره الله في القرآن، قال جل وعلا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. أيها المسلمون: إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، سبب لسقوطه من عين الله: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]. ويقول جلَّ وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70] نعم. الله عزَّ وجلَّ كرم بني آدم بكرامات كثيرة، وفي مقدمة هذه الكرامة: العقل. إن العقل -يا عبد الله- نعمة كبرى، ثم يجني البعض من بني آدم على هذا العقل ويزيله بما حرم الله عليه من المسكرات، والمخدرات -نسأل الله العفو والعافية- وغيرها من العار والشنار التي ابتلي بها كثير من الناس، وتوعد الله فاعلها بالخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى؛ لأن المسكرات وفي مقدمتها: أم الخبائث: الخمر هي رأس الخطايا، ودليل إلى النار وغضب الجبار. المسكرات التي تيسر للعبد سبيل الفساد وتجعله يشتري الجنون بدل الرشاد. المسكرات يشتري بها الجنون بماله الذي تعب فيه. المسكرات يبيع بها كنزاً ثميناً، بل يجني عليه أكبر جناية، ألا وهو العقل الذي ركبه الله فيه، العقل الذي ميزه الله به عن سائر الحيوان.

حال شارب الخمر

حال شارب الخمر أمة الإسلام: إن شارب الخمر، خاسر لشرفه، ساقطةٌ مروءتُه، مرذولٌ بين المجتمع، شارب الخمر لو يرى نفسه وهو يُقَذِّرْ على نفسه كما يفعل الصبي، السكران يمشي ويقع ويتمايل في الطرق والناس يضحكون عليه ويستهزئون به، لو يرى السكران نفسه في تلك الحالة ما قارب الخمر، ولكنها كما قال الله جلَّ وعلا: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. السكران، لو رأى نفسه وهو يتبع أمه يريد أن يفعل بها جريمة الزنا ما اقترب الخمر، ولا اقترب المسكرات. السكران، لو رأى نفسه وهو يتبع أخته ومحارمه ليفعل بهن الجريمة ما قرب إلى المسكرات: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. يا شارب الخمر! أين كرامتك حين يراك من كان يظن أنك من المكرمين؟! بل أين الإسلام! وأنت لا تخاف رب العالمين؟! إن كان شارب الخمر تاجراً فلا يأمن الإفلاس؛ فإن الله قد توعد شاربَها بالفقر، والجنون، والفضيحة بين الناس. شارب المسكرات، إن كان موظفاً فستكون عاقبة أمره التشريد والعذاب الشديد. وإن كان مروجاً للمخدرات، وقبضت عليه السلطات فإن مآله إلى القتل، كما أفتى بذلك العلماء جزاهم الله خيراً؛ لأن المروج للمسكرات يعيث في الأرض فساداً. وقد أجمع الأطباء على أن شارب الخمر يُصاب بأمراض كثيرة فتَّاكة، منها: السل، والشلل، واحتقان الكبد، وإفساد المعدة، وتغير الخلق، فالسكارى يسرع إليهم التشوه، وتسودُّ وجوههم في الدنيا قبل القيامة، أسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. السكارى تسودُّ وجوههم في الدنيا قبل الآخرة، ويكون كالهَرِم جسماً وعقلاً، فالخمر تضر الجسد ضرراً بالغاً، وتفتك به فتكاً ذريعاً، وتؤثر على عقول الذرية، فولد السكِّير لا يكون نجيباً، ولا ذكياً، بل ربما يُصاب بالخبل والجنون، هذا بعض ما يُصاب به شارب الخمر في الدنيا. أما يوم القيامة، أما يوم الحسرة والندامة، فيُجاء بشارب الخمر مسودَّ الوجه، خارجاً لسانه على صدره، يتقذره كل من يراه، ويُصار به إلى جهنم وبئس المصير. ويلك أيها السكير، لقد تجاهرت بالمنكرات، وأذهبتَ عقلك بالمسكرات، وارتكبت بسببها جميع المحرمات. إن السكير إذا وضع كأس الخمر على فمه يقول الإيمان للكأس: انتظر حتى أخرج من القلب، وحُلَّ أنت فيه أيها الخمر. فإن الإيمان لا يجتمع والخمر معاً في قلب مؤمن، {لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن} بهذا أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه. وأخبر: {إن الله لعن الخمر، وشاربها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، وآكل ثمنها} إلى آخر الحديث، كل هؤلاء ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقول أيضاً: {ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدقٌ بالسحر، ومن مات وهو مدمن للخمر سقاه الله من نهر الغُوطة، قيل: وما نهر الغُوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات} أي: الزواني اللواتي يؤذي أهل النار ريح فروجهن، نسأل الله العفو والعافية. فهل يرضى عاقل من العقلاء أن تكون هذه حالته يوم القيامة؟! هل تعلم يا شارب الخمر! أنك بعد شربها لا يقبل الله منك صلاة ولا صياماً أربعين صباحاً، كما ورد في الأثر. وهل سمعتَ يا شارب الخمر! أنك يوم الهول الأكبر تشرب عرق أهل النار، فيقطع أمعاءك، ويشوي لحم وجهك، ويذيب جسمك، وتكون من الخاسرين الذين خسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.

سبب الكلام عن الخمر وأدلة تحريمها

سبب الكلام عن الخمر وأدلة تحريمها أيها المؤمنون بالله: لعل البعض من المستمعين الذين عصمهم الله من هذا الشراب الخبيث ومن هذه المسكرات يقول: ما الداعي لهذا أن يتكلم به بين المسلمين؟ فنقول: يا عبد الله! هل راجعتَ مراكز الشرطة؟ هل راجعت محلات الأحداث؟ هل راجعت دار الرعاية؟ حتى تجد أناساً فقدوا العقول، وأصبحوا بصفة المجانين، بسبب استعمال المسكرات والمخدرات، كانوا رجالاً، كانوا من أعقل الرجال، ولكن لما جنوا على هذا العقل على هذه الكرامة صاروا بصفة المجانين، نسأل الله العفو والعافية. اللهم لا شماتة. لو راجعت أخي المسلم مراكز الشرطة رأيتَ بعض الشباب الذين ضاعوا في سبيل الشيطان، وقد أُتي بهم وهم سُكارى والعياذ بالله، إلى أين يرجع هذا؟ يرجع إلى إهمال الآباء، نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً. أيها المسلمون: أولادكم أمانة في أعناقكم، حتى بدأت النساء تتناول هذه المسكرات والمخدرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون. أيها المؤمنون بالله حقاً: حافظوا على هذه الأمانات التي علقها في أعناقكم، فإنكم سوف تسألون عنها يوم القيامة. لقد أجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقديم الزمان وحديثه على أن الخمر حرام، إجماعاً قطعياً لا ريب فيه، فمن قال: إنها حلال فهو كافر، يُستتاب، فإن تاب وأقر بتحريمها تُرك، وإلا قُتل كافراً مرتداً، لا يُغسل، ولا يُكفن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، وإنما يُرمس في ثيابه، في حفرة بعيدة؛ لئلا يتأذى المسلمون برائحته، وأقاربُه بمشاهدته، ولا يرث أقاربُه من ماله، وإنما يُصرف مالُه في مصالح المسلمين، لا يُدعى له بالرحمة، ولا النجاة من النار؛ لأن من مات وهو يُدمن الخمر، فإن حقاً على الله أن يُسْقِيَه من طينة الخبال، وطينة الخبال: عُصارة أهل النار. من استحل الخمر، وقال: إنها حلال، فإنه كافر، يقتل مرتداً، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64 - 65]. نعم، أيها المسلمون! إن من اعتقد أن الخمر حلال، فهو مضاد لله، مكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خارج عن إجماع المسلمين. أما من شرب الخمر، وهو يؤمن ويعتقد بأنها حرام؛ ولكن سولت له نفسه بها، فشربها، فهو عاص لله، ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، فاسق عن طاعة الله، مستحق للعقوبة، وعقوبته في الدنيا أن يجلد ردعاً له ولغيره، فإذا تكرر من الشارب الشرب، وهو يُعاقَب ولا يرتدع، فإن ابن حزم رحمه الله تعالى قال: يُقتل في الرابعة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يقتل في الرابعة عند الحاجة إذا لم ينتهِ الناس بدون القتل. فاتقوا الله -أيها المسلمون- واجتنبوا الخمر لعلكم تفلحون، فلقد وصفت الخمر بأقبح الصفات في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصفها الله بأنها {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] وقرنها بالميسر، والأزلام، وعبادة الأوثان، وقال صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الخمر مفتاح كل شر، وجماع الإثم كله. إن شارب الخمر يفقد عقله، ويلتحق بالمجانين، إنه ربما يقتل نفسه وهو لا يشعر، وربما يزني بأمه وأخته، وقد حصل أن كثيراً من السكارى زنوا بأمهاتهم ومحارمهم، وبعضهم باع شرفه وعرضه، وبعضهم ينبطح كما تنبطح الدابة وتُفعل به الجريمة حتى يحصل على قطعة من الحشيش، وحتى يحصل على قليل من الحبوب المسكرة. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91].

حكم أكل القات

حكم أكل القات يا عباد الله: لا ننسى المصيبة التي ابتلي بها الكثير، وهي الجريمة الخفية التي تفتك بالأموال، وتفتك بكثير من الناس، ألا وهي (القات) -وإن لم يرضَ البعض من الناس- القات الذي أذهب حياة كثير من الناس، وذهبت بسببه الأموال، وبعضهم صار عالة على المجتمع بسبب أكل هذا القات؛ لأنه إذا حصَّل قليلاً من المال ذهب سريعاً حتى يجعله في هذا القات، ووالله ثم والله إن بعضهم حضر عندي يبكي، يقول: أريد أن أقتني مسكناً لأولادي، وعجزت أن أقتني لي مسكناً، وقد حصلتُ على كثير من الأموال، ولكني أذهبها بالقات، أذهب الله القات، وقطعه الله عن أراضي المسلمين. القات -يا عباد الله- الذي يصد الكثير عن الصلوات، فكان بعضهم إذا خَزَّن وأكل القات يترك خمس صلوات والعياذ بالله، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. والله إن كل منصف إذا تحدث عن القات، فبعضهم ولله الحمد عرفه، وعرف مضاره وتركه، فهو يتحدث بصدق. فمن أراد أن يستنصح، فليسأل الذين كانوا يستعملون القات وتركوه، ليعرف ما فيه من المضرة، ومن انتهاك الأموال التي جعلت من يأكله عالة بين المجتمع -نسأل الله العفو والعافية- جعلته يتسول، ويستعمل المسألة التي نهى الله عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لا تزال المسألة بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم} وإذا سألت بعضهم وقلت: لماذا، أنت رجل جَلْد ونشيط وقوي؟ قال: القات أذهبه الله أكل أموالنا، فنسألك اللهم العفو والعافية في الدنيا والآخرة. عباد الله: أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، وأسأله بمنه وكرمه أن يحسن لنا الختام، وأن يتوفانا على الإسلام. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.

الابتعاد عن المسكرات والمخدرات

الابتعاد عن المسكرات والمخدرات الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واسمعوا وأطيعوا. عباد الله: الله الله بالابتعاد عن المسكرات والمخدرات، فقد سمعتم مما تقدم من الآيات والأحاديث أن الخمر من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم، وعلمتم أن عذاب شاربها أليم، وأنها أم الخبائث، ورأس الخطايا، ومفتاح الشرور، ودليل إلى النار، ودليل إلى غضب الجبار. فالحذر الحذر يا عباد الله. فليتق الله شارب الخمر، وليفكر في الموت وسكراته، والقبر وظلماته، وليتب إلى الله، وليعمل صالحاً، وليقل لنفسه ويناجيها: نفسي نفسي ذهب الصبا وولى، وجاء المشيب وقد قضيتُ عمري في اللهو، فهل ترجعين، نفسي إن كان قد غرك الشباب، فالعمر يمشي كلمح البصر، وإن كان غرك المال، فما أنتِ من قارون أغنى وقد خسف الله به الأرض، وإن كان غرك نضرة الوجه، فالدود منتظر أن يشبع لحم الخدود. فكر يا شارب الخمر فيما سمعتَ! وعِظْ نفسك لعلها تَرِقَّ، وتَلِيْنَ، وافتح آذان قلبك لعلك ترجع عن غيِّك، واذكر يوماً يقوم الناس فيه لرب العالمين: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] ندماً على ما جناه {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]. فاتقوا الله -يا عباد الله- وأحسنوا سيرتكم وأفعالكم، وتجنبوا ما يخجلكم ويخزيكم عند الوقوف بين يدي الله رب العالمين. يا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واحذروا المعاصي، فإن أجسامكم على النار لا تقوى.

بعض الأحاديث والآثار التي تحذر من الخمر

بعض الأحاديث والآثار التي تحذر من الخمر عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل مسكر خمر، وكل خمر حرام}. وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه}. وقال صلى الله عليه وسلم: {من شرب الخمر في الدنيا، ومات ولم يتب منها، وهو مدمن لها، لم يشربها في الآخرة}. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طِينة الخَبال، قيل: يا رسول الله! وما طِينة الخَبال؟ قال: عَرَق أهل النار}. وأيضاً -يا عباد الله- يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم، ومن مات وهو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغُوطة؛ وهو ماءٌ يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن} والمومسات: الزانيات. وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقول: [[اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن كان قبلكم يتعبد، ويعتزل الناس، فعلقته امرأة، فأرسلت إليه جاريتها تدعوه للشهادة -غرته هذه المرأة تدعوه للشهادة- فدخل معها فطفقت تغلق الأبواب، حتى أفضى إلى امرأة عندها غلام وراوية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتُك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع عليَّ، أو تقتل الغلام هذا، أو تشرب هذا الخمر، فكأنه تساهل الخمر، فشرب الخمر، فقال: زيدوني، فلم يزل حتى وقع على المرأة وفعل جريمة الزنا، وقتل الغلام]] قتل نفساً بغير حق. ألا يا عباد الله: اجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً، وإن سميت لكم بغير اسمها، وإن سميت بالمشروبات الروحية، وإن سميت جَرَس، فإنها خمر، وحشيش، ومخدرات، ومسكرات، قضت على حياة الكثير، وعلى أعراضهم، وعلى أموالهم، وعلى شرفهم، وأصبحوا رهائن في السجون، نسأل الله العفو والعافية. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، صلوا على نبي الرحمة محمد بن عبد الله، الذي جاء بها بيضاء نقية، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم اهد ضال المسلمين، وثبت مهتديهم على الحق، يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقنا وإياهم الجلساء الصالحين الناصحين، الذين يذكروننا إذا نسينا، ويعيوننا إذا ذكرنا. اللهم اجمعنا جميعاً ووالدينا ووالد والدِينا، وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، في جنات النعيم، يا رب العالمين. عباد الله: حافظوا على أولادكم، حافظوا على فلذات أكبادكم، فإنهم أمانة في أعناقكم، فإنكم سوف تُسألون عنهم يوم القيامة، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88] فأعدوا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والمخدرات، والمسكرات، والأفلام، والتمثيليات، اللهم ارفعها عنا وعن بلدان المسلمين حتى نعود إليك، ونرجع إليك يا رب العالمين، اللهم أبدلنا بها إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وأبدلها يا رب العالمين في بيوت المسلمين بقراءة القرآن، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

رسالة إلى الدعاة

رسالة إلى الدعاة المجتمع اليوم يشكو الجهل والفساد بجميع أشكاله وأنواعه؛ فلذلك أرسل الشيخ رسالة إلى العلماء عبر هذه الخطبة ينبههم على خطر الشيوعية واليهودية والنصرانية، ثم تحدث عن أخلاق الدعاة وما يجب عليهم في الدعوة إلى الله، كما تعرض لذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ظهور الفساد في الأرض إنما هو بسبب تركنا لهذه الفريضة (فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

ثلاثة أخطار تحيط بالأمة

ثلاثة أخطار تحيط بالأمة الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى صراط الله المستقيم، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ، اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. أمة الإسلام! إنه لا يخفى عليكم في هذه الأزمان المتأخرة ما يحل بالمجتمع البشري من إحداث البدع ونشر الشر والفساد الذي سار في الأبدان والقلوب والأفكار، إنها مصائب تتلوها مصائب، موجات إلحاد تتجاذبها عواصف تبشير تزيد تدميرها مع ما يفتح أمامها من المغريات الخبيثة التي يرسلها أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في كل مكان بواسطة أحزاب الشيطان وجنوده من الجن والإنس من الشرور والفساد، وفتح سبل جائرة ومنحازة عن الحق ومجانبة للصواب، المجتمع البشري في الأزمنة المتأخرة يتخبط في ظلمات حالكة مدلهمة يحتاج فيها إلى الدعوة إلى الله عز وجلَّ وإلى سبيله العادل وصراطه المستقيم.

خطر الشيوعية على الأمة

خطر الشيوعية على الأمة يا أمة الإسلام! إن المجتمع البشري اليوم يحيط به شواظ ثلاث وكل شاظية أشر من أختها، قد كشروا بأنيابهم وفتحوا أفواههم ليلتقموا المسلمين لقمة واحدة ويزيلوهم عن الأرض التي يرثها الله ومن عليها. إن أعداء المسلمين وفي مقدمتهم الشيوعية الحمراء التي شردت المجتمعات وفرقتهم وأسالت دماءهم في كل مكان من العالم، على أي شيء يدل هذا يا عباد الله؟ يدل على أن المسلمين ابتعدوا عن دينهم ولعب بهم الأعداء كما يلعب الصبية بالكرة.

خطر اليهودية على الأمة

خطر اليهودية على الأمة ومن وراء الشيوعية الحمراء: اليهود الخبثاء الذين لعنهم الله في محكم البيان -الشرذمة القليلة- وعلى نهجهم تسير الماسونية التي اتخذها الكثير الآن منهاجاً لهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

خطر النصرانية على الأمة

خطر النصرانية على الأمة ثم بعد ذلك يأتي دور النصرانية التي تبث التبشير في العالم، ومع الأسف الشديد كثر منهم الأطباء وكثر منهم الممرضون والممرضات، وكثر منهم الخدم والخادمات، كل هذا يوجد في بلاد المسلمين، نصرانية تدعو إلى النصرانية تبشر بـ النصرانية ما المخرج منها يا عباد الله؟ المخرج هو تحقيق كلمة لا إله إلا الله والرجوع إلى كتاب الله والدعوة إلى الله عز وجلَّ، الدعوة إلى سبيله العادل وإلى صراطه المستقيم.

حاجة المجتمع إلى الدعوة والدعاة

حاجة المجتمع إلى الدعوة والدعاة إن المجتمع الإسلامي اليوم أحوج ما يكون إلى الدعوة إلى الله عز وجلَّ، فقد تفرق الكثير: فمن جائر لا يعرف لمَ خلقه الله عز وجل، ومن حائر لا يعرف الله عز وجل لو قلت له: من ربك؟ لتلجلج ودارت عيناه ينظر إليك لا يعرف من ربه، هذا أمر عظيم وخطر جسيم، لا يعرف الذي خلقه وأوجده من العدم إلى الوجود، ولا يعرف لأي شيء خلق، وهو يعد في عداد المسلمين!

من واجبات الدعاة تعليم الجاهل

من واجبات الدعاة تعليم الجاهل عليكم يا من حملتم العلم بالبيان والتبصير بما يجب على المخلوق بحق الخالق جلَّ وعلا، البعض من المسلمين وهو يؤدي الصلوات الخمس في المساجد ومع المسلمين لو أوقفته قليلاً وقلت: اقرأ عليَّ من كتاب الله لم يعرف ولا حتى أمِّ الكتاب، التي {لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ الكتاب}. البعض من المسلمين لا يعرف كيف يتوضأ، البعض من المسلمين يمكث السنين ولا يعرف الغسل من الجنابة، هذا أمر عظيم حل بالمسلمين، بماذا؟ بالبعد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعلى من نعلق هذه الأمانة؟ نعلقها على عاتق العلماء، إنها أمانة يا علماء المسلمين! فإن العلماء ورثة الأنبياء. كذلك يوجد في المسلمين من هو غافلٌ عن الله وعن أوامره ونواهيه، لا يعرف الحلال والحرام إنما هو كالأنعام. فهذا يحتاج إلى تنبيه، ومن المسلمين من هو معاند يحتاج إلى المجادلة بالتي هي أحسن، فعلى من نعلق هذا؟ نعلقه على العلماء الذين تعلموا العلوم، الذين ورثوا ميراث محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن العالم يحتاج إلى الدعوة إلى الله عز وجلَّ، والدعوة إلى الله أفضل وسيلة لإنقاذ البشرية. مع الأسف الشديد! البعض من طلبة العلم إذا تخرج وتعلم العلوم وأُريد أن يجعل في مكان ليعلم أو يقضي أو ليكون كاتب عدل اعتذر وقال: إنما أكون في وسط المدينة، وإلا فلا حاجة لي في ذلك؛ فإنه مسئول عن علمه هذا. أما علمت -يا أخي- أن في أطراف البلاد أناس لا يعرفون الله عز وجلَّ جهلاً منهم بذلك، لا يعرفون أحكام الإسلام، لا يعرفون أمور دينهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أخي المسلم: بادر إلى الدعوة إلى الله عز وجلَّ، فالدعوة إلى الله أفضل وسيلة لإنقاذ البشرية، إن الدعوة إلى الله عز وجلَّ تلحق الداعي إلى الله بركب الأنبياء وتحله مكانة عالية في عالم السعداء، فالبدار البدار يا علماء الإسلام! البدار البدار يا علماء الإسلام!

الدعوة إلى الله أمانة في أعناق العلماء

الدعوة إلى الله أمانة في أعناق العلماء يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} ماذا تقولون أمام رب العالمين إذا سألكم عن كتاب الله الذي حملتموه، وعن السنة المطهرة التي تعلمتموها، وعن الأحكام التي تعلمتموها ولم تخرجوها لعباد الله؟! البدار البدار يا عباد الله! أناس يدعون أنهم مسلمون ولكن مع الأسف الشديد يعبدون الأوثان ويستغيثون بالجن والشياطين ويستعينون بالكهان والسحرة، ومع ذلك يدعون أنهم مسلمون من أين أتاهم التقصير؟ أتاهم من العلماء! يا علماء الإسلام: اتقوا الله، اتقوا الله وبثوا هذه الدعوة قبل أن تسألوا عنها أمام رب العالمين، ليس العلم أن تبرز الشهادة وتعلقها على الحائط تباهي بها الأقران، إنها مسئولية عظيمة أمام رب العالمين، بماذا عملت فيما علمت؟ أعد لهذا السؤال جواباً أمام رب العالمين.

الدعوة إلى الله تكون على بصيرة

الدعوة إلى الله تكون على بصيرة يا عباد الله: على العلماء عبءٌ ثقيل وأمانة ومسئولية عظيمة سوف يسألون عنها أمام رب العالمين، أين حلق الذكر يا علماء المسلمين؟! أين رياض الجنة يا علماء المسلمين؟! أين الدعوة إلى الله يا علماء المسلمين؟! الدعوة إلى الله هي ميراث الأنبياء يقول الله عز وجلَّ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ويقول الله عن رسوله وهو أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتقتدي به الأمة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] أدعو إلى الله، يا عباد الله! الدعوة نسيت الآن، الدعوة نسيت يا عباد الله! ولم يعرفها إلا النادر من المسلمين، على من نعلق المسئولية؟ أكرر وأعيد، نعلقها على العلماء الذين هم ورثة الأنبياء. فالبدار البدار يا علماء المسلمين! إلى دعوة الناس إلى الخير على هدىً وبصيرة، لمن تتركون هذا المجال، تتركونه للضلال أو تتركونه للجهال؟! فهذا ليس عذراً لكم يا علماء المسلمين، بل الدعوة تحتاج إلى بصيرة، وإلى علمٍ وإلى ثقةٍ وأمانة، من الذي أتى بكثير من المسلمين في طرق الغواية؟! من الذي أتاهم بالطرق والسبل التي نشرها أعداء الإسلام وأعداء المسلمين إلا علماء الضلال، علماء الجهال الذين نشروا سمومهم في تلك البلدان فصار المسلمون فرقاً شتى هذا يأخذ بالطريقة كذا، وهذا يأخذ بمذهب كذا، وهذا يأخذ بدين كذا، حتى افترقت الأمة الإسلامية وصار هذا يعير هذا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! الدعوة على نور وبصيرة يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] فيا ورثة الأنبياء وخلفاء الله في أرضه وأمنائه على تبليغ رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانية! إن داعي الخير قد دعاكم إلى إنقاذ البشرية بدعوتها إلى الفضيلة، إلى العقيدة الصحيحة، إلى البر والتقوى، إلى الخير والهدى، إلى الخير والهدى امتثالاً لأمر الله تعالى إن كنتم تريدون الخير: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]. قوموا -عباد الله- بدعوة الناس والهداية بيد الله، قوموا -عباد الله- بالدعوة إلى الله والهداية بيده: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25].

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء علماء الإسلام: قوموا بالدعوة إلى الله؛ فإنها وظيفة المرسلين وقد أمرتم بالتأسي بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بهذه الدعوة بعزم وجدٍ وحماس لعلكم تحضون بالفضل العظيم من الله عز وجل، وتكونوا من المصلحين الذين ذكرهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حيث قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} من الغرباء؟ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغرباء؟ قال: {الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس} وإنه -يا عباد الله- ليسر القلب ويبهجه ما نراه من يقظة الكثير من المسلمين ورجوعهم إلى دينهم، ولكن لا يكفي أن تكون صالحاً في نفسك بل كن مصلحاً لغيرك، يا من اهتديت يا من عرفت هذا الدين، ورجعت إلى ربك! كن مصلحاً كما صلحت، أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأل الله لك الثبات على دينه. أيها العلماء: استجيبوا لداعي الله عز وجلَّ وقوموا بدعوة الناس إلى الخير كلُّ بحسبه، فما قبل الدين سلفاً ولا ظهر إلا بالدعوة إليه وإظهاره للأمة في أبهى صورة، أما تسمعون ماذا يقول أعداء الإسلام وأعداء المسلمين عن هذا الدين؟! أما تسمعون؟! أما ترونهم يصورونه في أبشع صورة؟! ولكن عليك -يا عبد الله- أن تقوم لله داعياً وتظهر الإسلام بالمظهر اللائق. فلقد كان سلفنا الصالح أمثل ذكرٍ خالد قاموا على قدمٍ وساق فتحوا الفتوحات ومصروا الأمصار، قاموا بحق لا إله إلا الله، فعليكم بالاقتداء بهم بالدعوة إلى الله عز وجلَّ وبالتمسك بتعاليم الإسلام والتخلق بأخلاق سيد المرسلين، دعوة ملؤها الإخلاص وحب الهداية للآخرين.

على الداعية البلاغ والهداية بيد الله

على الداعية البلاغ والهداية بيد الله لا تيئسوا -يا عباد الله- ولا تستبعدوا فإن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، لا تقل: هذا حالق لحيته، لا. إنه حالق لحيته، ولكنه يصلي ومسلم. أخبره أن حلق اللحية حرام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها. ثم أخبره -يا أخي- أن ترك الشارب معصية لله ولرسوله، وقد ورد في الحديث: {من لم يأخذ من شاربه فليس منا}. أخبره -يا عبد الله- أن حلق اللحية حرام حتى يعرف ويعلم ذلك، البعض من المسلمين لا يدري أن حلق اللحية حرام، اسأل الله أن يهديه إلى الطريق المستقيم؛ حتى يعرف أن حلق اللحية حرام ويتصل بالعلماء الناصحين ليخبروه عنها وعن دلائل ذلك في كتاب الله وسنة رسوله. البعض من المسلمين لا يدري أن الإسبال حرام، فأخبره -أيها الداعي إلى الله- أن الإسبال حرام، وإن قال: أنا لا أسبل إلا زينة، فأخبره أن ما أسفل الكعبين ففي النار، هكذا يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل الكعبين ففي النار}. أخبر أخاك المسلم أن الغناء حرام، واستماعه حرام، وثمنه حرام، واستئجار المحل له حرام، وثمن الأجرة حرام، أخبر أخاك -أيها الداعية- أن هذا حرام، البعض من الناس لا يعلم ذلك. أخبر يا عبد الله، أيها الداعي إلى الله، أخبر أهل الموائد إذا خلصوا من مائدتهم وهم يضعونها في برميل الزبالة أن هذا كفران لنعمة الله تعالى، وما أكثر هذا ولكن أين الدعاة الذين يبصِّرون عباد الله ويخبرونهم أن وضع النعم في الزبائل أنه كفران لنعمة الله عز وجلَّ، أو لا يعلمون أن أناساً من المجاورين لو حصلت لهم لأكلوها، وهي مختلطة مع الزبائل؟ ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أيها الداعي إلى الله: قم بواجبك، قم بوظيفة المرسلين واسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقدم لـ علي رضي الله عنه: {فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. يا عبد الله: انظر إلى جارك الذي لا يحضر المسجد وأعلمه أن تارك الصلاة كافر، وأخبره أنه لو مات على كفره أن المسلمين لا يصلون عليه ولا يدفنونه في مقابر المسلمين. أخبر جارك -أيها الداعية إلى الله- أخبره أن تارك الصلاة كافر، وأن امرأته إن كانت مسلمة، فهي حرام عليه، ولو طلبت طلاقها لطلقت منه، بل لا يحل لها أن تمكث معه وهو كافر لا يصلي. عبد الله أيها الداعي إلى الله: أخبر تارك الصلاة أنه لا يرث ولا يورث ولا يدفن في مقابر المسلمين، أخبره أنه لا يغسل ولا يكفن، بل يوارى بعيداً عن بلدان المسلمين، إذا مات هذا تاركاً الصلاة. عبد الله أيها الداعية: أخبر المرأة المتبرجة أنها بتبرجها عاصية لله ولرسوله، وأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما -وذكر من هذا الصنف-: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، وإنهن لا يجدن ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

أخلاق الدعاة إلى الله

أخلاق الدعاة إلى الله أيها الداعي إلى الله: تخلق بالحلم والآداب والسمت، وتروي من الأحاديث التي فيها دلائل تدحض بها شبه الجاهلين، وتروي من كتاب الله عز وجل، وادع إلى الله على بصيرة وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر. اللهم اجعلنا من الدعاة إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة وعلى علم بإخلاص لك يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأسأل الله عز وجل أن يوقظنا من رقدة الغفلة، اللهم أيقظنا من رقدة الغفلة، اللهم إننا نعوذ بك من شرور أعدائنا، اللهم إننا ندرأ بك في نحور أعدائنا من اليهود والنصارى والشيوعيين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، اللهم إنا نشهدك على بغضهم وعلى منابذتهم، اللهم إنا نشهدك على بغضهم وعلى منابذتهم فاكفنا اللهم شرهم وأبعدهم عن ديار المسلمين عامة يا رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بما يصلح الخلق في الدنيا والدين وفي الآخرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بهديهم القويم إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا -يا عباد الله- أنه إنما {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] لعلهم يرجعون، لعلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، لعلهم يصلحون ما أفسد الناس. عباد الله: اعلموا أن ما أصابكم من المصائب فبما كسبت أيديكم، وعفو الله عظيم، فهو يعفو عن كثير، ففساد الأرض ومصائب الخلق هي حصائد الأعمال الخبيثة والمحرمات، وعواقب أفعالهم التي ملأت البر والبحر. أيها المسلمون: إن الواجب على المسلمين أن يأخذ حلماؤهم على أيدي سفهائهم فيأطروهم على الحق أطراً قبل أن يهلكوا جميعاً فقد قال صلى الله عليه وسلم: {إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده}. أيها المسلمون: إن الناس بالنسبة إلى تغيير المنكر، منهم من يستطيع تغييره بيده، ومنهم من لا يستطيع إلا بلسانه، ومنهم من لا يستطيع إلا بقلبه، وقد بين صلى الله عليه وسلم ما يجب على كل واحد من هؤلاء، فقال صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. أيها المسلمون: إننا إذا قمنا بتغيير المنكر حسب الاستطاعة أفلحنا بأنفسنا وأصلحنا مجتمعنا، وحصلت لنا الرفعة في الدارين: الأولى والأخرى، أما إذا ضيعنا الواجب الذي علينا في ذلك فستكون النتيجة وخيمة تكثر المعاصي ويظهر الفسوق وتحل العقوبات وتحل اللعنة كما حلت على بني إسرائيل نعوذ بالله من ذلك. فاتقوا الله -يا عباد الله- وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين والملحدين والكفرة والمنافقين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم أصلح ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين.

سنن الفطرة

سنن الفطرة وفَّقَ الإسلامُ المسلمين لما يصلح دينهم ودنياهم، ومن هذا التوفيق: العمل بسنن الفطرة العشرة، وقد أكَّد الشيخ على هذه السنن، وبيَّن فوائدها وأهمية العمل بها، ووضَّح وجوب اتباع المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم.

وجوب الالتزام بسنن الفطرة

وجوب الالتزام بسنن الفطرة الحمد لله الذي فطر الخلق على ما تستحسنه العقول, وأيد ذلك بما أنزله على الرسول, ففطرة الله التي جبل الناس عليها أمرهم بها تعبداً وثواباً, وما ربك خالقٌ خلقَه عبثاً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالحنيفية السمحة ملة إبراهيم الخليل, الذي اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم, صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى من سار على نهجهم القويم وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل, وأقيموا وجوهكم للدين حنيفاً متمسكين بالفطرة التي فطر الناس عليها, وهي الطهارة الباطنة, والطهارة الظاهرة. فأما الطهارة الباطنة فهي: تطهير القلب من الإجرام وإخلاص العبادة لله وحده والقيام بالأعمال الصالحات. وأما طهارة الظاهر: فمنها ما حث عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: {عشر من الفطرة: الأولى: قص الشارب, والثانية: إعفاء اللحية, والثالثة: السواك, والرابعة: الاستنشاق بالماء, والخامسة: قص الأظافر، والسادسة: غسل البراجم, والسابعة: نتف الإبط, والثامنة: حلق العانة, والتاسعة: انتقاض بالماء -يعني: الاستنجاء-، قال الراوي: ونَسِيْتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضمة}. في الحديث بيان لكمال الشريعة الإسلامية, واهتمامها بما يعود على المسلم من المصالح الكبيرة في الدين والدنيا والآخرة؛ فهذه الأشياء العشرة كلها طهارة وتنظيف يقضي بها العقل السليم, ويحث عليها, فمنها:

من سنن الفطرة: قص الشارب

من سنن الفطرة: قص الشارب وإحفائه, لأن في بقاء الشارب تجميع للأوساخ التي تمر من الأنف, فإذا شرب الإنسان تلوث شرابه بها, وكذلك هي مخالفة لزي المسلمين, لأنها من التشبه بالجاهلية والأعاجم, فإن الإسلام جاء ليهدم ويمحو آثار الجاهلية, وجاء لينهى عن التشبه بالأعاجم وغيرهم من الكفار, وغيرهم من أعداء الإسلام.

من سنن الفطرة: إعفاء اللحى

من سنن الفطرة: إعفاء اللحى وأما إعفاء اللحية فلأن الله خلقها تمييزاً بين الذكور والإناث, وإظهاراً للرجولية والقوة ولذلك -ولله في ذلك حكمة- اللحية لا تظهر إلى عند الحاجة إليها في وقت قوة الإنسان وجلده, وتثبيته لمهمات الأمور. أما في حالة الصغر فلا تظهر اللحية ولله في ذلك حكمة, فلما كانت اللحية من المكملات للرجولة، الفارقة بين الرجال والنساء، جاء الشرع والقدر والفطرة لوجودها وإبقائها, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها وتوفيرها, وقال عليه من الله أفضل الصلاة والسلام: {خالفوا المشركين وفروا اللحاء وحفوا الشوارب} فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام قد هدوا إلى الفطرة, فكانوا يوفرون لحاهم, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وأصحابه الكرام؛ فإنهم على النور المبين والصراط المستقيم، وليس بقاء اللحية من الأمور العادية كما يظنه البعض من الناس, وإنما بقاء اللحية من الأمور التعبدية الواجبة، حتى يقوم دليل على خلاف ذلك، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] ما هي الفتنة؟ الفتنة في الدين هي: رد الحق, ورد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم, وقد يرد المرء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيذيب قلبه فيهلك والعياذ بالله! والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحية, وأمر بمخالفة المشركين, فإذاً هو فرض وليس كما يظنه ويحتج به بعض الجهال, أن من المشركين الآن من يعفي اللحية, فإننا نترك اللحية, ونترك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها من أجل أن بعض المشركين يعفيها, وهذا فهم خاطئ؛ لأن المشرك هو الذي يتشبه بنا ولسنا نحن المتشبهين به.

من سنن الفطرة: السواك

من سنن الفطرة: السواك أمة الإسلام! نعود إلى خصائص الفطرة, فمنها السواك لأن فيه تنظيفاً للأسنان, ويتأكد السواك عند المضمضة في الوضوء, وعند الصلاة, وعند القيام من النوم, فهو مطهرة للفم مرضاة للرب, مفرحة للملائكة. وكذلك الإنسان إذا دخل بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته كان أول ما يبدأ به: السواك.

من سنن الفطرة: الاستنشاق

من سنن الفطرة: الاستنشاق وكذلك من فوائد الفطرة الاستنشاق بالماء لأنه ينظف الأنف من الأوساخ.

من سنن الفطرة: قص الأظافر

من سنن الفطرة: قص الأظافر من سنن الفطرة: قص الأظفار، لأن الأظفار إذا طالت اجتمع فيها من الأوساخ ما يكون ضرراً على الإنسان, فلله در تلك الفطرة الإسلامية, وما تهدي إليه من المنافع. فيا عباد الله! إن بقاء الأظفار تشبهاً بالمخنفسين, وتشبهاً بأعداء الدين, ومخالفة للفطرة.

من سنن الفطرة: غسل البراجم

من سنن الفطرة: غسل البراجم وكذلك يا عباد الله! من سنن الفطرة: غسل البراجم, وهي مفاصل اللحم, التي تكون في الإنسان فإنها تجتمع فيها الأوساخ.

من سنن الفطرة: نتف الآباط

من سنن الفطرة: نتف الآباط كذلك من سنن الفطرة: نتف الآباط؛ لأن الشعر إذا كثر فيها أحدث أوساخاً وروائح كريهة تضر بالإنسان، فلذلك يقول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {انتفوا الآباط}. أما إذا قال المخنفسون وأهل الموضات الإبليسية, وأهل التفنن الشيطانية: نترك الآباط ونترك الشعور ونترك الأظفار, فنقول: لا سمعاً ولا طاعة؛ لأننا نرد كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ونحن نعمل على نتف الآباط أو حلقها أو إزالتها بشيء ليس فيه ضرر على الإنسان.

من سنن الفطرة: حلق شعر العانة

من سنن الفطرة: حلق شعر العانة كذلك يا عباد الله! من سنن الفطرة: حلق شعر العانة, وهو الشعر النابت حول القُبُل, لأن في حلق العانة تقوية للمثانة, ولأن بقاء الشعر يجمع الأوساخ، وفيه ضرر على المثانة التي هي مجمع البول, وقد وقَّت نبيكم صلى الله عليه وسلم وقت في قص الشوارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط وحلق العانات في ألا تترك أكثر من أربعين ليلة.

من سنن الفطرة: الاستنجاء

من سنن الفطرة: الاستنجاء أمة الإسلام! كذلك من سنن الفطرة: الاستنجاء؛ لأنه تطهير للمحل الذي يخرج منه البول والغائط.

من سنن الفطرة: الختان

من سنن الفطرة: الختان وكذلك من سنن الفطرة: الختان، وهو تكميل لآداب الإنسان, لأنه يكمل الطهارة وفعله في زمن الصغر أفضل؛ فهذه آداب الشرع جاءت لتهذب البشرية, وتهديها, وتدلها إلى ما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة. اللهم اهدنا ووفقنا للتمسك بشرعك القويم يا رب العالمين: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أهل القرآن, اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب اتباع هدي النبي والمرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين

وجوب اتباع هدي النبي والمرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين الحمد لله الذي فطر الخلق على الدين القيم, ملة محمد وإبراهيم, ووفق من شاء برحمته فاستقام على هدي النبيين والمرسلين, وخذل من شاء بحكمته فرغب عن هديهم وسننهم وكان من الخاسرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق طريقة, وأقومهم شريعة, وأقربهم إلى الخير العميم, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل, لقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يقول: {إن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها} ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. والهدي: هو الطريق والشريعة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادات, والمعاملات, والأفكار الظاهرة والباطنة, فتمسكوا -يا أيها المسلمون- بهدي نبيكم فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة. إن التمسك بهديه يورث الوجه نضرة, والقلب سروراً, والصدر انشراحاً, والبصيرة نوراً, إن الحياة الطيبة ونعيم القلب والروح لا يحصلان إلا بالإيمان والعمل الصالح, قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. عباد الله: إن الله يأمركم أن تصلوا على رسوله فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى علي واحدة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الدين, اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر, اللهم اشدد عليهم وطأتك, وارفع عنهم يدك, ومزقهم كل ممزق, اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أنقذهم من تيارات الانجراف والهلاك يا رب العالمين، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك, اللهم أقر بهم أعين الأباء. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا يا رب العالمين, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً, هنيئاً مريئاً, سحاً غدقاً, نافعاً غير ضار، اللهم احيي بلدك الميت, اللهم انشر رحمتك على البلاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً, لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والبلاء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين, {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

شهادة الزور

شهادة الزور شهادة الزور فساد للدين والدنيا والآخرة، فهي ضياع للحقوق، وإسقاط للعدالة، وزعزعة للثقة، وخيانة للأمانة، وإرباك للأحكام، وتشويش على المسئولين والحكام. ولعظمها ذكرها الله تعالى مقرونة بعبادة الأصنام وشدد صلى الله عليه وسلم في التحذير منها بلسانه تكراراً وبفعله حيث جلس بعد أن كان متكئاً.

مسائل تتعلق بشهادة الزور

مسائل تتعلق بشهادة الزور

حكم كتمان الشهادة

حكم كتمان الشهادة الحمد لله الملك العظيم العزيز الحكيم, له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة, وله الحكم وإليه ترجعون, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما تخفون وما تعلنون, أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي بين لأمته ما فيه الخير والسعادة, وحذرها من سوء العاقبة والمصير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وأقيموا الشهادة لله وحده, ولا تقيموها لقريب من أجل قرابته, ولا لصديق من أجل صداقته, ولا لغني من أجل غناه, ولا لفقير من أجل فقره, ولا لأمير من أجل إمارته, ولا لقاضٍ من أجل قضائه, ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده, ولا عدو من أجل عداوته, أقيموا الشهادة لله الواحد القهار, أقيموا الشهادة كما أمركم بذلك ربكم وخالقكم، ومدبر أموركم، والحاكم بينكم، والعالم بسركم وعلانيتكم, أقيموها امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135]. أيها المسلمون: إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها, فلا يحل كتمان الشهادة، ومصداق ذلك قول الحق سبحانه وبحمده: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة:283] ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالماً بما يشهد به علماً يقيناً، وأنه مطابق للواقع تماماً، فلا يحل أن يشهد بما لم يعلم, ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه، بل لا يحل أن يشهد بما يغلب على ظنه حتى يعلمه علماً يقيناً كما يعلم الشمس في رابعة النهار, إذا اتضح له الأمر مثل الشمس فليشهد أو فليترك.

شهادة الزور بحسن النية

شهادة الزور بحسن النية أيها المسلمون: إن من الناس من يتهاون بالشهادة، لمجرد وعد عند المحكمة أو عند الإمارة أو عند المركز يقول: ائتني بحفيظة النفوس أو ائتني بالهوية، فيجيب: على العين والرأس يا أبا فلان، هل هذا مطابق للشرع أم محاباة أم شهادة الزور؟! فيشهد بمجرد الظن أو بما لا يعلم أو بما يعلم أن الواقع بخلافه, ويتجرأ على هذا الأمر المنكر العظيم؛ مراعاة لقريب أو تودداً لصديق أو محاباة لغني أو عطفاً على فقير، يقول: إنه يريد الإصلاح بذلك، وقد زين له سوء عمله ورآه حسناً -والعياذ بالله- كما زين لغيره من أهل الشر والفساد سوء أعمالهم فرأوه حسناً, فالمنافقون زين في قلوبهم النفاق {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] فقال الله فيهم: {أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12]. وعباد الأصنام زين في قلوبهم عبادة الأصنام، وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] وهي في الواقع أي الأصنام والأوثان لا تزيدهم من الله إلا بعداً. أيها المسلمون: احذروا من كل مفسد يدعي أنه مصلح, أو ربما يظن أنه مصلح بسبب شبهة عرضت له فالتبس عليه الإفساد بالإصلاح, أو بسبب إرادة سيئة زينت له فاتبع هواه, ولكن الصلاح كل الصلاح باتباع شريعة الله وتنفيذ أحكام الله، والعمل بما يرضي الله. أيها المسلمون: إن من الناس من يشهد لشخص بما لا يعلم أنه يستحقه، بل بما يعلم أنه لا يستحقه, يدعي بذلك أنه عاطف عليه وراحم له، والحق أن هذا الشاهد لم يرحم المشهود له, ولم يرحم نفسه، بل أكسبها إثماً بما شهد به، وأكسب المشهود له إثماً فأدخل عليه ما لا يستحقه, وظلم المشهود عليه فاستخرج منه ما لا يجب عليه. ومن الناس من يشهد لبعض الموظفين المهملين بمبررات لا حقيقة لها, فيشهد مثلاً أن هذا الموظف مريض أو مشغول شغلاً قاهراً وهو ليس بمريض ولا بمشغول, أو يشهد له أنه استأجر سيارة تتبع عمله، ويزيد في الأجرة حتى يأخذ هذه الزيادة, أو يشتري قطع الغيار ويقول لصاحب المحل: زد في الثمن قليلاً ولا يأخذ هو الزيادة, كل هذه الحيل من الشهادة في الباطل، ومن الناس من يشهد لشخص أنه قام بالوظيفة منذ وقت كذا وهو لم يقم بها, ولم يباشرها, ويزعم الشاهد له بذلك أنه يريد الإصلاح للمشهود له, ولم يدرِ أنه بهذه الشهادة أضر بنفسه وأضر بالمشهود له, وأفسد على نفسه وعلى المشهود له ما أفسد من دينه، وكل ذلك يعد من الشهادة بالزور. كل ما سمعتم من هذه الحيل تعد من الشهادة بالزور التي حذر منها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وجعلها من أكبر الكبائر، فقال صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قالوا: ليته سكت}. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: {ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال: الشرك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال: شهادة الزور}. أيها المسلمون: إن هذين الحديثين الصحيحين الثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناصح الأمين بيّن بهما صلى الله عليه وسلم عظيم شهادة الزور، وحذر منها صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وقد عظمه بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئاً, فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها, وبين عظمها بقوله وذلك حين جعل يكرر القول بها حتى تمنى الصحابة أن يسكت. أمة الإسلام: أيها المؤمنون بالله ورسوله! أيها الراجون لرحمة الله! أيها الخائفون من عذابه! أيها المؤمنون بيوم الحساب، يوم تقفون بين يدي الله عز وجل لا مال ولا بنون, ولا واسطة, ولا رشوة تؤخذ في ذلك اليوم، تنظرون أيمن منكم فلا ترون إلا ما قدمتم, وتنظرون أشأم منكم فلا ترون إلا ما قدمتم، وتنظرون أمامكم فلا ترون إلا النار تلقاء وجوهكم, إنكم في ذلك اليوم -يوم القيامة- ستسألون عما شهدتم به, وعن من شهدتم عليه أو شهدتم له, فاتقوا الله واحذروا مغبة ذلك اليوم. أيها المؤمنون: تصوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله عز وجل، القائم بأمر الله تعالى، الناصح لأمته وهو يعرض على أمته بنفسه أن ينبئهم بأكبر الكبائر, ليحذّر الأمة ليبتعدوا عنها. أمة الإسلام! تصوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه أمامكم وكان متكئاً ثم جلس عند ذكر شهادة الزور, تصوروه وهو يكرر ويؤكد أن شهادة الزور من أكبر الكبائر, لو تصورتم ذلك لعرفتم حقيقة شهادة الزور. فالحذر الحذر من شهادة الزور, والحذر الحذر من أن يزينها الشيطان في قلوبكم, ولا تأخذكم في الله لومة لائم, ولا تصدنكم عن الحق ظنون كاذبة, أو إيرادات آثمة؛ فتشاقَّوا الله ورسوله وتتبعوا غير سبيل المؤمنين. اللهم وفقنا لإقامة الحق والعدل والبيان, وجنبنا الباطل والجور والبهتان, واحمنا عما يضرنا في ديننا ودنيانا إنك جواد كريم. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

شهادة الزور وعظم إثمها

شهادة الزور وعظم إثمها إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته. عباد الله: لقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وعقوق الوالدين وهو متكئ ولم يجلس؛ لأن الداعي إلى الشرك والعقوق ضعيف في النفوس, ومخالف للفطرة، لكنه صلى الله عليه وسلم جلس حينما تحدث عن شهادة الزور؛ لأن الداعي إليها قوي وكبير، فالقرابة والصداقة والغنى والفقر كلها قد تحمل ضعيف العقل والدين على أن يشهد بالزور, لكن المؤمن العاقل الذي يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من شهادة الزور هذا التحذير البليغ لا يمكنه أن يقدم على شهادة الزور مهما كانت الأسباب والدواعي. أيها المسلمون: إن شهادة الزور مشكلة في الدين والدنيا، وللفرد والمجتمع، إنها معصية لله ولرسوله، إنها كذب وبهتان, وأكل للمال بالباطل, فالمشهود له يأكل ما لا يستحق, والشاهد يقدم له ما لا حق له فيه, إن شهادة الزور سبب لانتهاك الأعراض، وإزهاق النفوس، فإن الشاهد بالزور إذا شهد مرة هانت عليه الشهادة ثانية, وإذا شهد بالصغير هانت عليه الشهادة بالكبير, لأن النفوس بمقتضى الفطرة تنفر عن المعصية وتهابها, فإذا وقعت فيها هانت عليها وتدرجت من الأصغر إلى ما فوقه. أيها المسلمون: إن شهادة الزور ضياع للحقوق, وإسقاط للعدالة, وزعزعة للثقة والأمانة, وإرباك للأحكام، وتشويش على المسئولين والحكام, فهي فساد للدين والدنيا والآخرة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه زاجر عن ذلك أنه قال: {لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار} اللهم إنا نعوذ بك من النار. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة. وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله امتثالاً للمولى جل وعلا حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الناصح الأمين, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين عزاً عاجلاً غير آجل، اللهم يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض, يا ذا الجلال والإكرام, أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر صرح الشرك والمشركين ,اللهم دمّر الشرك والمشركين عن بلاد المسلمين أجمعين يا رب العالمين. اللهم ودمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمّر من به عداوة للإسلام والمسلمين، وانصر من به نصر للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا أكرم الأكرمين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والشر والفساد والعناد، يا رب العالمين. اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب، اللهم إنا نستغيثك لا إله إلا أنت مفرج الكربات ومحيل الشدائد والبليات, لا إله إلا أنت يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! يا حي يا قيوم! يا من بيده مقاليد السماوات والأرض! يا من إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون! اللهم أغثنا, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم إنّا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون, وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

صفات نار جهنم

صفات نار جهنم إن الواجب على المسلم أن يتقي النار التي أعدها الله لمن عصاه وخالف أمره، وذلك بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ونار جهنم تزيد على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، فما هو طعام أهل النار يا ترى؟ وما هو شرابهم؟ وما هو لباسهم؟ وما هو طلب أهل النار في النار؟ هذا ما تجدون إجابته في كلام الشيخ.

صفات جهنم وأهلها

صفات جهنم وأهلها الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، خلق جهنم وأعدها للعصاة، وما ربك بظلام للعبيد، فهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، وأرحم الراحمين، أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:131 - 132] اتقوا النار بطاعة الله، اتقوا النار بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا، اتقوا النار فإنها دار البوار، دار البؤس والشقاء والخزي والعار، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، دار ساكنوها شرار خلق الله تعالى من الشياطين وأتباعهم، قال الله تعالى مخاطباً إبليس: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ * أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:84 - 85]. دار فرعون وهامان، وقارون وأبي بن خلف، وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم، دار المنافقين وأحزابهم وإخوانهم، هؤلاء سكان جهنم، كفار فجرة، وطغاة ظلمة، ومنافقون خونة، ولئن سألتم عن مكانها، فإنها في أسفل السافلين، وأبعد ما يكون عن رب العالمين، فهي دار عقاب لأعداء الله، فأبعدت عن رحمة الله، وعن دار أولياء الله، يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زمان، مع كل زمان سبعون ألف ملك يجرونها.

حر جهنم وبعد قعرها

حر جهنم وبُعْد قعرها ولئن سألتم عن حرها فهو شديد، ولئن سألتم عن قعرها فهو بعيد، ولقد أخبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {ناركم هذه -ما يوقد ابن آدم- جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم قالوا: يا رسول الله! إنها لكافية -يعنون نار الدنيا- قال صلى الله عليه وسلم: إنها فضلت عليها بتسع وستين جزءاً كلهن مثل حرها} وسمع الصحابة رضوان الله عليهم صوت وجبة -أي: شيء ساقط- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أتدرون ما هذا؟! قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حجرٌ أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً -أي: منذ سبعين سنة- فالآن حين انتهى} أي: إلى قعرها. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقال لليهود والنصارى: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم، ألا تردون؟! فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار} قال الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم:86].

تغيظ جهنم عند إلقاء أهلها

تغيظ جهنم عند إلقاء أهلها عباد الله: ما ظنكم بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف عام، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، قد تقطعت أكبادهم جوعاً، واحترقت أجوافهم عطشاً، ثم سحبوا إلى النار، وهم يطمعون في الشراب، فلا يجدون إلا النار يلقون فيها: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:7] تشهق كما يشهق الحمار أو البغلة إذا رأى الشعير، قد ملأها الله غيظاً وحنقاً عليهم {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8] يلقون فيها أفواجاً يقابلون بالتقريع والتوبيخ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:8 - 10]. هذا ما يقابلون به عند دخولهم النار، توبيخ وتقريع، وإهانة وتنديم، فتتقطع قلوبهم أسفاً، وتذوب أكبادهم كمداً وحزناً، ولكن لا ينفعهم ذلك. فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم، وما أشد عقابهم، يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم يقول تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16].

طعام أهل جهنم وشرابهم

طعام أهل جهنم وشرابهم ولئن سألتم عن طعامهم وشرابهم، فهو الزقوم وهو شجر خبيث مر الطعم، نتن الريح، كريه المنظر، يتزقمونه تزقماً لكراهته وقبحه، ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم، فلا يسمنهم ولا يغني من جوع، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا؛ لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم}. فإذا ملئوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، التهبت أكبادهم عطشاً، فلا يهيأ لهم الشراب، وإنهم ليستغيثون: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف:29]. ما هو الماء الذي كالمهل؟ إنه الرصاص المذاب الذي يَشْوِي الْوُجُوهَ حتى يتساقط لحمها، بئس الشراب الذي يشربونه على كره واضطرار، شرب الهيم وهي: الإبل العطاش التي لا تروى من الماء، فإذا سقط في أجوافهم قطع أمعاءهم، فهو كالمهل في حرارته، وكالصديد في نتنه وخبثه، قال الله تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:15 - 17].

لباس أهل جهنم

لباس أهل جهنم ولئن سألتم عن لباس أهل النار فهو الشر والعار: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] على قدر أبدانهم تلك الثياب لا تقيهم حر جهنم، بل تزيدها حرارة واشتعالاً.

عذاب جهنم مستمر

عذاب جهنم مستمر ولئن سألتم عن المدة فمدتهم مستمرة دائماً: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] *: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56]. وكلما خبت النار زادها الله سعيراً، يرتفع بهم اللهب إلى أعلى، ثم يهوون إلى قعرها: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة:20].

ما يتمناه أهل جهنم

ما يتمناه أهل جهنم ثم يطلبون الراحة مما هم فيه، فيقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يوم من العذاب، وهم فيها سنين طويلة، ثم تجيبهم الملائكة: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي بالأدلة الواضحات، فيقولون: {بَلَى} فتقول الملائكة: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50]. فلا يستجاب لهم، ولا يسمع لهم دعاء؛ لأنهم ما استجابوا للرسل حين دعوهم إلى الله، وإلى عبادته في الدنيا، فإذ لم يستجيبوا ولم يطيعوا الله، كان ذلك جزاءهم، يتعاوون ويصطرخون ويدعون بالويل والثبور، ثم يتمنون الموت حينئذٍ فقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] فيرد عليهم خازن النار: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] ثم يتوجهون إلى رب العالمين، ذي العظمة والجلال والعدل في الحكم والفعال، فيقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107] فيقول لهم أحكم الحاكمين: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]. لا حجة لهم، بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، والآن لا حجة لهم في جهنم: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108].

حال أهون أهل النار عذابا

حال أهون أهل النار عذاباً لقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: {أن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار، يغلي بهما دماغه كما يغلي القدر، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهون أهل النار عذاباً} ويقول صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار} من الذين أذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا واستمتعوا بها، من الذين عصوا الله في هذه الحياة الدنيا: {فيصبغ في النار صبغة} أي يغمس فيها {ثم يقال: يابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب!} أين الترف؟ أين المرح؟ أين الفساد في الدنيا؟ أجل -يا عباد الله- إنه نسي كل نعيم مر به في الدنيا، وقد غمس في النار غمسة واحدة، فكيف به وهو خالد فيها أبداً، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:168 - 169] ويقول تعالى: {ومَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] ويقول جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:64 - 66] ولن يجدي ولن يفيد ذلك. يقولون في الدركات في جهنم: {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] أجل من أطعتم؟ {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] هذه خاتمة قرناء السوء والأشرار: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:67 - 68]. اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أنجنا من النار، اللهم أنجنا من النار، اللهم لا طاقة لنا بجهنم، اللهم لا صبر لنا على النار، اللهم أنجنا من النار، وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار برحمتك يا رب الراحمين، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الإكثار من الأعمال الصالحة قبل فوات الفرصة

الإكثار من الأعمال الصالحة قبل فوات الفرصة الحمد لله الذي حذرنا من النار في محكم التنزيل فقال: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب سواه، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، وأفضل المرسلين، المبلغ عن ربه شرعه المبين، والناصح لأمته، حيث يقول حتى سمعه من في السوق: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واحذروا من أسباب سخطه وعذابه، واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً. عباد الله: تيقظوا من هذه الرقدات، واصحوا من هذه النومة، واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين العباد، ويميز فيه بين المطيعين والعصاة، فالمطيعون سوف يساقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والعصاة سوف يسحبون إلى النار وبئس المصير. فاتقوا الله -يا عباد الله- قبل نزول الموت وانقضاء الأجل، ثم تندمون حينئذٍ ولات حين مندم، فبادروا بالتوبة عباد الله، ألقوا أسماعكم إلى المواعظ، بحضور قلب ورغبة، أقلعوا من الذنوب، توبوا إلى علام الغيوب، تزودوا من الأعمال الصالحات، فإنكم غداً يوم القيامة سوف توقفون بين يدي الله، ثم تسألون عن أعمالكم وتحاسبون، ثم تجزون عليها الجزاء الأوفى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. وصلوا على خاتم الأنبياء والمرسلين اقتداء لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة؛ صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم وفقنا للتزود من الأعمال الصالحات، واجعلها خالصة لوجهك الكريم، وتقبل منا يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، واجمعنا وإياهم ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين في جنات النعيم، ونجنا من نار الجحيم، اللهم نجنا من نار الجحيم، اللهم لا طاقة لنا بجهنم، اللهم لا صبر لنا على النار، اللهم رحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم واقض الدين عن المدينين من المسلمين يا رب العالمين، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

صفة الوضوء والغسل

صفة الوضوء والغسل الصلاة عمود الدين وثاني أركانه بعد الشهادتين، ولا يتم إسلام المرء إلا بتأديتها، وقد جعل الشارع الوضوء والغسل شرطاً لصحتها، وأمر الله تعالى عباده إذا أرادوا الصلاة أن يأتوا إليها متطهرين من الحدثين الأصغر والأكبر، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان الصفة الكاملة لهاتين الطهارتين كما في حديث عائشة وعثمان، وفيهما بيان فضيلة هذه الأمة بالغرة والتحجيل. فالواجب علينا تعلم أحكام الشرع والتفقه في الدين.

صفة الوضوء

صفة الوضوء إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو الذي لا ينطق عن الهوى: {الطهور شطر الإيمان} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهديهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل؛ وأطيعوا الله فيما أمركم به، وانتهوا عما ينهاكم عنه، فإنه ما أمر بشيءٍ إلا وفيه مصلحة ومنفعة، ولا نهى عن شيء إلا وفيه مضرة ومفسدة. عباد الله: يقول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] هذا أمرٌ من الله عز وجل لعبده المؤمن، إذا أراد أن يؤدي الصلاة التي فرض الله عليه، أو أراد أن يؤدي نافلة سنها له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقف بين يدي الله عز وجل طاهراً متطهراً.

الطهارة شرط لصحة الصلاة

الطهارة شرط لصحة الصلاة والطهارة شرطٌ لصحة الصلاة، فمن صلَّى بغير وضوءٍ والماء عنده وهو قادرٌ على استعمال الماء وصلى بدون طهارة فصلاته باطلة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ} والحدث نوعان: حدث أكبر، وحدث أصغر. فالأكبر: يرتفع بالغسل. والأصغر: يرتفع بالوضوء.

الفرق بين الوضوء والاستجمار

الفرق بين الوضوء والاستجمار قبل أن نبدأ بصفة الوضوء، يجب علينا أن نفرق بين الوضوء والاستجمار. أما الاستجمار: فهو: قطع الأذى بالحجارة أو بشيءٍ طاهر من الورق والخرق، أو هو غسل القبل والدبر، يعني: تنقيتهما من الغائط والبول، إما بالحجارة أو بالخرق أو بالأوراق النظيفة أو بالماء، أو يجمع بينهما وهو أفضل. ثم بعد ذلك الوضوء؛ وبعض الناس يجمع بين الاستجمار والوضوء ويقول: أتجدد، ويريد بذلك الوضوء، والتجدد هو: إذا كنت على وضوء ثم أردت أن تجدد وضوءك وأنت على وضوء، وقد ورد في ذلك ترغيب. هذا هو (الجدود) الذي نسمعه كثيراً من إخواننا، أما الوضوء فهو غسل الأطراف الأربعة والصلاة لا تصح بدونه.

صفة الوضوء الكامل

صفة الوضوء الكامل وصفة الوضوء عند الحدث الأصغر هي كما وصفه عثمان بن عفان رضي الله عنه: فإنه دعا بالماء الذي يتوضأ به، فأفرغ على يديه من الإناء فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الإناء ثم تمضمض واستنشق واستنثر -أي: نثر الماء من فمه ومن خياشيمه- ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح رأسه مرة واحدة، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، وقال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلىَّ ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه} حديث صحيح متفقٌ على صحته. فهذا يسميه العلماء الوضوء الكامل؛ لأنه غسل كل عضو ثلاث مرات، أما الوضوء الواجب فهو أن يغسل كل عضو مرةً واحدة، يفرغ على يديه مرةً واحدة، ويتمضمض ويستنشق مرةً واحدة، ويغسل وجهه مرة واحدة ويديه إلى المرفقين مرة واحدة، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه مرة واحدة، هذا هو الوضوء الواجب أما الثنتين والثلاث فهو سنة، والزيادة على الثلاث بدعة وإسراف، إلا إذا أحتاج إلى إزالة نجس أو غيره حتى لو زاد على سبعٍ أو على خمسٍ فلا بأس. عباد الله: اشتمل هذا الحديث الذي ذكره الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على الصفة الكاملة لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان رضي الله عنه من حسن تعليمه وتفهيمه؛ ولأنهم تعلموا في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقٌ عليهم أن يبلغوا هذا العلم إلى الناس فهو رضي الله عنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بطريقٍ عملي؛ ليكون أبلغ تفهماً وأتم تصوراً في أذهان الحاضرين، فإنه رضي الله عنه دعا بإناء فيه ماء وصب على يديه منه ثلاث مرات، وذلك قبل إدخالهما في الإناء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الإنسان لا يدري أين تبيت يده إذا نام، فأمرنا صلى الله عليه وسلم إذا انتبهنا من النوم أن نغسل أيدينا ثلاث مرات قبل أن ندخلهما في الإناء، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسمية عند الوضوء يقول: (بسم الله) ومن ترك التسمية عناداً فلا وضوء له، أما إذا تركها ناسياً أو سهواً فلا إثم عليه ووضوؤه صحيح إن شاء الله، ثم بعد ذلك يأخذ ماء ويتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح جميع رأسه مرة واحدة يدبر بيديه ويقبل بهما، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات، هكذا صفة الوضوء الكامل.

الغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة

الغُرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن الله سبحانه وتعالى يخصهم بعلامة فضلٍ وشرفٍ يوم القيامة من بين الأمم، حيث ينادون فيأتون على رءوس الخلائق تتلألأ وجوههم وأيديهم وأرجلهم بالنور، وذلك من آثار هذه العبادة العظيمة. عباد الله: لا تفوتنا هذه البشارة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن الله سبحانه وتعالى يخصهم بعلامة فضل وشرفٍ يوم القيامة من بين الأمم حيث ينادون فيأتون على رءوس الخلائق تتلألأ وجوههم وأيدهم وأرجلهم بالنور، وذلك من آثار الوضوء، هذه العبادة العظيمة وهي الوضوء الذي كرره على هذه الأعضاء الشريفة ابتغاء مرضاة الله وطلباً لثوابه، فكان جزاؤهم هذه المحمدة العظيمة الخاصة، ومصداق ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل}. عباد الله: احذروا أن تتركوا من أعضاء الوضوء شيئاً، فإنه ورد التحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار} والأعقاب: هي العراقيب في مؤخرة الرِجل، والمراد بذلك أصحابها فإنهم المتوعدون بالويل، وكثيرٌ من الناس لا يبالون بذلك فلو وقفت عند دورة المياه لرأيت العجب العجاب من الكثير من الناس، وكأنهم لم يتربوا في البلاد الإسلامية، وكأنهم لم يطرق أسماعهم قول الله وقول رسوله؛ لابتعادهم عن حِلق الذِّكر، وابتعادهم عن مجالس العلم ويا للأسف الشديد! عباد الله: المتوعد بالويل أصحاب الأعقاب من الناس؛ لأنهم لا يبالون في ذلك، فإنه يغسل اليدين ولا يصل الماء إلى المرفقين، وبعضهم يغسل الرجل ولا يغسل العراقيب، فليحذروا من هذا الوعيد {ويلٌ للأعقاب من النار}.

صفة الغسل الكامل

صفة الغسل الكامل عباد الله: لقد سمعتم صفة الوضوء أما صفة الغسل من الحدث الأكبر مثل الجنابة للرجال والنساء، ومثل الحيض والنفاس للنساء، فعن عائشة رضي الله عنها تصف لنا الغسل قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أنه قد استبرأ، حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه}. هكذا تصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صفة الغسل من الجنابة، للمرأة والرجال، والمرأة كذلك إذا كان رأسها مظفر فلا يجب أن تنقضه، بل يكفيها أن ترويه من الماء وهذا هو الغسل الذي وصفته عائشة رضي الله عنها؛ لأنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد. وفي رواية ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الغسل تنحى فغسل رجليه} أي: أبعد عن مكان الغسل وغسل رجليه لأنه كان متوضأ قبل الغسل ولم يبقِ إلا رجليه، هكذا الغسل يا عباد الله.

الحذر من الإسراف بالماء في الطهارة

الحذر من الإسراف بالماء في الطهارة واحذروا -يا عباد الله- من الإسراف الذي وقع فيه الكثير من الناس، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُدِّ ويغتسل بالصاع، ونحن لا يكفينا إلا خزان كامل -والعياذ بالله- من الإسراف، والبعض من الناس يفتح الصنبور ويجلس تحته، وهذا إسرافٌ وتبذيرٌ من الشيطان، وقد ورد أن في آخر الزمان يأتي أناس يغالون في الوضوء -أي يسرفون- وقد ورد أن للوضوء شيطان اسمه: (الولهان) فكلما كان الإنسان مسرفاً في وضوئه، فإن الشيطان عنده والعياذ بالله يقول: إنك لم تبالغ في ذلك، ولم يصل الماء إلى ذلك ولمْ ولمْ، حتى ينتهي أجرك وأنت في دورة المياه، نعوذ بالله من شر الوسواس الخناس. عباد الله! احذروا من الوسواس في الوضوء، احذروا من الإسراف، حذروا أهليكم، علموهم طريقة الوضوء.

استحباب الدعاء عقب الوضوء

استحباب الدعاء عقب الوضوء يا عباد الله: إذا انتهى المتوضأ وخرج من محل الوضوء ومن دورة المياه يسن له أن يستقبل القبلة، ويقول كما ورد في الحديث الذي رواه لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً، قال: {ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} حديث رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي، وزاد الترمذي أن يقول بعد هذا التشهد: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}. وبعض الناس يقول: وهل للوضوء دعاء؟ نقوله له: اتقِ الله يا أخي! الدعاء عبادة، والعبادة لا تنبغي في دورة المياه، فلا تدعو وأنت في دورة المياه، وادعو الله وأنت واقف بين يديه خاشعاً متخشعاً، أما الوضوء فلم يذكر له إلا أن تقول: (بسم الله) عند بداية الوضوء، وتمسك عن الكلام حتى تخرج من دورة المياه، اللهم اجعلنا هداةً مهتدين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، وأسأله بمنه وكرمه أن يرزقنا التفقه في الدين، اللهم ارزقنا التفقه في الدين، واجعلنا على منهج رسول الله سائرين، ولا تجعلنا من المبتدعين، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شروط التيمم وصاحب الجبيرة

شروط التيمم وصاحب الجبيرة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل واعرفوا ما أوجبه الله عليكم من أحكام دينكم، فإنه لا قوام للآخرة، بل ولا للدنيا إلا بالتمسك بدين الله والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. البعض من الناس لبعدهم عن تعاليم الدين -نسأل الله العفو والعافية- تجده في الأسواق العامة، فإذا حان وقت الصلاة تيمم ودخل إلى المسجد وقال: هذا يكفيني، فمن أين له هذه الفتوى؟! ومن أين له هذا الوحي الشيطاني الذي جرأه على ذلك؟ والله لا تقبل له صلاة حتى يتوضأ، حتى حراج ابن القاسم إذا حان وقت الصلاة، وقال رجال الهيئة الصلاة، ضرب البعض الأرض بيده ومسح بهما وجهه ودخل المسجد، وهو في داخل البلد، والماء موجود ولا عذر له في ذلك، فأخبروا من رأيتم يفعل ذلك أن صلاته باطلة، وأن صلاته مردودة عليه. فإنه لا يعدل إلى التيمم إلا إذا عدم الماء، وكيف يعدل إلى التيمم وهو في بلاد واسعة الأرجاء والماء موجودٌ ولله الحمد، وكذلك الذين يذهبون إلى الرحلات في البر، تجد الماء معهم كثير، ويعدلون إلى التيمم وهذا لا ينبغي، فلا يعدل إلى التيمم إلا من كان في حاجةٍ ماسة إلى الماء، أو كان الماء لا يكفيه إلا لطعامه وشرابه، أما إذا كان معه (وايت) من الماء ثم يعدل إلى التيمم وإذا انتهى من رحلته فتح الماء وأضاعه في الأرض، فهذا من التهاون في الدين وعدم المبالاة في أمر الله، فاحذروا -يا عباد الله- أن تتهاونوا في أمر الله فتسقطوا من عين الله، تعلموا أحكام دينكم، تفقهوا في دين الله، اقتربوا من حِلق الذكر، اقتربوا من مجالس العلماء، حتى تكونوا على بصيرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذِّكر}. أوجب الله عليكم الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، إذا أردتم القيام إلى الصلاة فمن أراد منكم أن يصلي فليتوضأ كما أمره الله، وصفة ذلك: أن ينوي، ثم يذكر اسم الله، ثم يغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه كله من منابت شعر الرأس إلى الذقن، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح رأسه كله من مقدمه إلى قفاه، ومنه الأذنان، ثم يغسل رجليه ثلاثاً مع الكعبين -انتبهوا إلى هذه العبارة - ومن كان لديه في عضوٌ من أعضاء الوضوء جرح يضره الغسل فلا يغسله، فإن وضع عليه رباطٌ أو غيره فيجب أن يكون بقدر الحاجة لا يتعدى موضع الجرح، ثم يمسح على المحل المربوط عند الوضوء، ولا يحتاج إلى تيمم بعد ذلك. اللهم ارزقنا التفقه في ديننا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعلنا هداةً مهتدين. عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك إلى يوم الدين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين آجلاً غير عاجل، اللهم يا واحدٌ أحد! يا فرد يا صمد! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء! حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم انصر من نصر الإسلام، اللهم انصر من نصر الإسلام، في كل مكان يا رب العالمين! اللهم انصر من نصر الإسلام في كل مكان واجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءً عافية، ويسر أمره حيث ما كان يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم وفقهم إلى الجلساء الصالحين الناصحين الذين يذكِّرونهم إذا نسوا ويعينونهم إذا ذكروا. اللهم أصلحنا وأصلح لنا، وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٌ لنا يا رب العالمين. اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في مستقر رحمتك يا رب العالمين! وأظلنا تحت ظل عرشك، يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اسقنا من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

عاقبة الزنا

عاقبة الزنا إن الله سبحانه وتعالى اختار هذه الأمة واصطفاها لتكون تابعة للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وجعلها أمة وسطاً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن قد أخبر المصطفى أنها في آخر الزمان ستترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وستنتشر على إثر ذلك المنكرات ويعم الفساد. ومن أعظم ما عم في زماننا هذا: الزنا ومقدماته ودواعيه، وقد تطرق الشيخ في هذا الدرس لهذا المنكر العظيم، وذكر أسباب انتشاره، وآثاره السلبية على الأمة جميعاً، وذكر حرمته من الكتاب والسنة.

التحذير من الزنا

التحذير من الزنا الحمد لله الذي أحل الحلال، وأمر به في محكم البيان، وحرم الحرام وصوره في أبشع صوره؛ حتى ينتهي عنه أولو العقول والأفهام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يفعل ما يشاء ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله، المتمم لمكارم الأخلاق، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه على التمام وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن من واجب كل مؤمن أن يسعى دائماً في تقوية إيمانه, وبأي شيء يسعى في تقوية إيمانه؟ يقوي عمله بعمل الطاعات، واجتناب المعاصي والسيئات، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. عباد الله! لقد جاء القرآن مصرحاً، وبأسلوب في غاية الشدّة، وبعبارة تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم ويخافون عذابه الأليم، محذراً من الزنا ومقدماته, ومعللاً ذلك ومخبراً بأنه عملٌ إجراميٌ فاحش في غاية القبح والفحش والشناعة، فقال جلَّ وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويشمل هذا الإنذار فعل الفاحشة الشنعاء حقيقة.

التحذير من مقدمات الزنا

التحذير من مقدمات الزنا أمة الإسلام! لقد جاءت الشريعة الإسلامية محذرةٌ أشد تحذير من الزنا ومقدماته، ومن مقدمات الزنا: مغازلة النساء والتعرض لهن بالطرقات والخلوة بهن بدون محرم، وإن كانت خادمة، أو مربية. أمة الإسلام: لقد جاءت الشريعة الغراء بتحريم لمس المرأة ممن لا تحل له, كذلك حرمت النظر إلى من ليست له بمحرم وبالعكس. وكذلك حرمت الشريعة الإسلامية استماع ما فيه فتنة، ويشمل ذلك تليين الكلام من المرأة، وكذلك يحرم استماع الأغاني التي تدعو إلى الافتتان بالنساء، وقد جاء في الأثر: [[الغناء بريد الزنا]] وورد في الأثر أيضاً: [[الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل]] كل هذا من مقدمات الزنا، زيادةً على ذلك: التبرج، وهو: خروج المرأة متعطرة ومتجملة بأحسن الملابس، تتجول في أسواق المسلمين بدون وازع ولا رادع.

حكم الله في الزناة

حكم الله في الزناة ولقد ورد حكم الله في من اقترف الزنا إذا كان أعزب؛ فإنه يجلد مائة جلدة، ويُغرَّب عام، هذا شاملٌ في الرجل والمرأة إذا لم يكونا متزوجين، أما إذا كانا متزوجين ولو في العمر مرة، فإن الشريعة الإسلامية أمرت برجمهما بالحجارة حتى يموتا، وهكذا جاءت السنة النبوية عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: {فإن لم يستوف فالقصاص منهما في الدنيا، وما جاء من غير توبة، فإنهما يعذبان في النار بسياطٍ من نار}. ثبت عن رسولكم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أنه قال: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} وقال -أيضاً0 صلى الله عليه وسلم: {من زنا أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم، وذكر منهم: شيخٌ زان} أي: شيخُ كبيرٌ في السن، نسأل الله حسن الخاتمة. وفي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه وأرضاه، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل وميكائيل، قال: {فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع, فيه لغطٌ وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب، ضوضوا - أي: صاحوا من شدة حره- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني -أي: من الرجال والنساء- فهذا عذابهم إلى يوم القيامة}. قال عطاء رحمه الله في تفسير قوله الله تعالى عن جهنم: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} [الحجر:44] قال: [[أشد تلك الأبواب غماً وحراً وبرداً وأنتنها ريحاً للزناة, الذين ارتكبوا الزنا بعد العلم]]-أي: بعد العلم بتحريمه- وجاء عن نبيكم صلى الله عليه وسلم، قال: {يا معشر المسلمين! اتقوا الزنا؛ فإن فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فذهاب بهاء الوجه، وقصر العمر، ودوام الفقر} كيف لا! إنه لا ينطق عن الهوى، ودوام الفقر الأربعين الألف، والثلاثين الألف، والستين الألف، ليس لها واقفٌ في فرنسا، ولندن، وفي غيرها من دول أوروبا الفاسدة! إنها تذهب هباءً منثوراً، ولذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم: {وأما التي في الآخرة: فسخط الله تبارك وتعالى، وسوء الحساب، والعذاب بالنار} هكذا يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عاقبة الزنا ينادي: {يا معشر المسلمين! اتقوا الزنا, فإن فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فذهاب بهاء الوجه، وقصر العمر، ودوام الفقر، وأما التي في الآخرة: فسخط الله تبارك وتعالى، وسوء الحساب، والعذاب بالنار}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما من ذنبٍ بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفةٍ وضعها رجل في فرج لا يحل له} وورد أيضاً: {أن من وضع يده على امرأة لا تحل له بشهوة، جاء يوم القيامة مغلولةً يده إلى عنقه}. فيا عباد الله! هذه العناية بقطع الطرق والأسباب التي قد توقع في الزنا رحمةً بالإنسانية، وحفظاً للمجتمعات والأفراد من مغبة الزنا ووخامته وشر عقباه. في الزنا من الأمراض الخلقية والاجتماعية والصحية والأضرار ما يكفي أقلها لتحريمه, والابتعاد عنه, إذ أنه مدعاةٌ لضياع الأنساب واشتباهها، فربما أدَّى- عياذاً بالله- إلى أن يتزوج الرجل بذات محرمٍ له في باطن الأمر.

آثار الزنا السلبية على الفرد والمجتمع

آثار الزنا السلبية على الفرد والمجتمع والزنا مدعاة لغرس الأحقاد، والتباغض، والتنازع، وسفك الدماء، ومدعاة لاختلال نظام الأسرة، ولا سيما بين الزوجين الذين أراد الله منهما أن يتعاشرا بالحسنى والمعروف. الزنا مدعاةٌ لهتك الأعراض، وتلويث الأسر، وفساد النساء. الزنا مدعاةٌ لخلط الأمراض المستعصية المتنوعة، فكم من مروءةٍ وفضيلة دفنها، وعفافٍ واحتشامٍ قضى عليه الزنا, لذا فغيره جاءت الحكمة الإلهية بتحريمه -كما تقدم- ومحاربته بالشرائع السماوية منذ القدم. لقد جعلت شرائع لمرتكبيه أقسى العقوبات الدنيوية من قتل وجلد وتشريد بحسب الزاني من إحصانٍ وغيره، كما أن الشريعة الإسلامية توعدت الزناة بألوان العذاب المضاعف في الآخرة، فقال جلَّ وعلا بعد أن ذكر معاصي آخرها الزنا، قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68 - 70]-لا إله إلا الله رحمة ربنا واسعة، أرحم الراحمين اللطيف بعباده يستثني- {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:70].

دعوة إلى التوبة وغض البصر

دعوة إلى التوبة وغض البصر اتقوا الله -أيها المسلمون- وابتعدوا عن هذه الجريمة العظمى، واحذروا من مقارفة الزنا، فإنه عارٌ في الدنيا، ونارٌ في الآخرة، احذروا فإن لكم عواطف ومحارم، يروى في الأثر: [[عفوا تعف نساءكم]] ولا عجب فإن الجزاء من جنس العمل! ربما يزني في أوروبا ويُزنى بزوجته في بلاده، ربما يزني في أوروبا ويزنى ببناته في بلاده، ربما يزني بالخادمة بعرض الطريق، ويزني بابنته المتحصنة بين الجدران، ربما يزني بالخادمة وقد وضع الستار في السيارة أمام أعين الخلق، وابن الجيران يزني بابنته وتحصنه الجدر في فراشه، فلا حول ولا قوة إلا بالله. يا عباد الله! لعل من يخفى عليه هذا الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد أن يقلع عن هذه المعصية، ويتوب إلى الله عز وجل، ويرجع ويندم على ما فات، فإن الله يتوب على من تاب، وباب التوبة مفتوح، والتوبة تجبُّ ما قبلها و {التائب من الذنب كمن لا ذنب له}. اللهم إنا نسألك توبةً نصوحاً, تُطِّهر بها قلوبنا، وتمحِّص بها ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا, وطهِّر قلوبنا, وحصّن فروجنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين. {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:30 - 31]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

أسباب الزنا ودواعيه

أسباب الزنا ودواعيه الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه, واحذروا أسباب سخطه, فإن الله يغار على محارمه: ومن محارمه أن يزني العبد أو تزني الأمة، وكلنا -عباد الله- يعلم بشاعة هذه الفاحشة، ولا يرضاها لأهله ولا لمحارمه، فعلينا -جميعاً- بمحاربة هذه الجرثومة الفتَّاكة، والداء الخطير، الذي ما حدث في شعب من الشعوب إلا دهورها ورداها إلى الهاوية. عباد الله! إن من أسباب الزنا ودواعيه: تبرج النساء في الأسواق، وخروجهن متعطرات فاتنات مفتونات. وكذلك اختلاط الرجال بالنساء من غير محرم. ومن أسباب الزنا ودواعيه، الخلوة بالنساء، فالرسول صلى الله عليه وسلم يُحذِّر أصحابه من الخلوة بالنساء، وهم أنظف منا قلوباً، وأتقى لله، أما نحن، فنقول: قلوبنا نظيفة، والله إنها ليست بأنظف من قلب رسول الله، ولا من قلوب صحابة رسول الله، كيف بنا نقف أمام الناصح ونقول: قلوبنا نظيفة؟ ألا نتقي الله ونبتعد عن العادات الفاسدة التي تؤدي بنا إلى الشر والعار والفساد وهذا الوعيد الشديد؟ إن الزناة معلقون بفروجهم في النار يُضربون بسياطٍ من حديد، فإذا استغاث من الضرب، نادته الزبانية: أين كان هذا الصوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح؟ أين هذا الصوت؟ ألا تراقب الله وتستحي منه. فاتقوا الله عباد الله! {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا, واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم زلزل أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك، اللهم مزّقهم كل ممزق، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم حبّب إليهم الحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اهدهم لتطبيق الشريعة بحذافيرها، اللهم اهدهم لتطبيق الشرعية بحذافيرها، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه يا رب العالمين. اللهم تُب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منا وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

عداوتهم لنا قديمة

عَدَاوَتهم لنا قديمة منذ أن أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وُجِد له من يعاديه ويعادي دعوته، وما نعيشه نحن الآن من عداء من الكفر وأهله إنما هو امتداد لذلك العداء القديم المستمر إلى أن ينتصر الحق وأهلُه. وقد تحدث الشيخ عن هذا العداء في القديم وضرب له أمثلة في السابق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لاقوه من عذاب. ومن أساليبهم الحديثة في عداوتنا اكتساحهم لمجتمعاتنا بالمخدرات والمسكرات والمجلات الخليعة والأفلام الماجنة.

من مميزات دين الإسلام

من مميزات دين الإسلام فيا أيها الإخوة في الله! اتقوا الله عز وجل، وأكثروا من حمد الله وشكره على أن أنعم عليكم بنعمة الإسلام، إن نعمة الإسلام نعمةٌ كبيرة، أخرجنا الله بها من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الضيق إلى السعة، ومن الجور إلى العدل، ومن أحكام الطواغيت من الكهان والسحرة والمشعوذين إلى أحكام القرآن والسنة، ومن الجفاء والغلظة إلى الحلم والرحمة، ومن عبادة المخلوق والجمادات إلى عبادة الواحد القهار. فأنعِم به من دينٍ يدعو إلى كل خير، ويُحذِّر من كل شر، دين يدعو إلى التراحم والتودد والتعاطف، يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وينهى عن مساوئ الأخلاق وسفاسفها، دينٌ حث على أداء الأمانة، ونهى عن الخيانة، حث على الصدق، ونهى عن الكذب والغش والخداع، دينٌ أمر بحفظ الجوار، وإكرام الضيف، وإغاثة الملهوث، دينٌ أمر بإنظار المعسر والتيسير عليه حتى لا ينتشر الربا، ووعد أن من يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، دين التكافل والتضامن، دين من أوعاده الجميلة أن من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة. ومن توجيهاته السامية: أنه حث على طلب العلم الشرعي الذي فيه حياة القلوب، الذي هو ميراث الأنبياء والمرسلين، فقال صلى الله عليه وسلم: {ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة} دين يوجه الأمة ويذكرها الحال التي مضت، وما فيها من الشقاء والبؤس والعناء والتردي والانحطاط والتفرق والشتات وعبادة الأوثان والأصنام. فإذا ذكروا تلك الحال، ازدادوا تمسكاً بهذا الدين وحباً له؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:102 - 103]. نعم، هذا دين الإسلام الذي ختم الله به جميع الأديان، وأَتَمَّ به النعمة على الأمة الإسلامية، حيث قال جلَّ من قائلٍ عليماً: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فهنيئاً للأمة الإسلامية بهذا الدين الذي لا يقبل الله يوم القيامة ديناً سواه، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

دور الشباب في بناء الإسلام

دور الشباب في بناء الإسلام فيا أمة الإسلام! ويا أمة التوحيد! ويا خير أمة أخرجت للناس! اعرفوا قدر هذا الدين، وخاصةً شباب الإسلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرِصَ كل الحرصِ على تكوين الشباب وإعدادهم لحمل المسئولية، وتهيئتهم لأداء الأمانة، وحثهم على اغتنام الفرص، فقال صلى الله عليه وسلم: {اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك} فإذا اغتنم هذه الخمس في هذا التوجيه النبوي، سهَّل عليه الجواب عند السؤال، ما هو هذا السؤال؟ إنه كما قال صلى الله عليه وسلم: {يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به} فإذا أخذ الشباب بهذه التوجيهات النبوية، وبهذه الإرشادات، يتكون المؤمن -وخاصةً الشباب- التكوين الذي يتحمل معه المسئولية ويقدر على حمل الأمانة وأداء المسئولية، ثابتاً راسخاً مؤمناً مجاهداً، فلا يستكين، ولا يضعف، ولا يتقهقر، ولا يميل مع رياح الفتنة، ولا يستسلم لإغراء الفساد، وخاصةً في هذه الأزمنة، ولعلَّ هذه الأزمنة هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويسمي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا}. هذه الأزمنة التي كثرت فيها الدعوات إلى المخططات الشريرة الحنقة الحاقدة على الإسلام وأهله، إنها المخططات الصهيونية والماسونية والصليبية والشيوعية والنصرانية والاستعمار، وكل هذه الأسماء توجد في هذه المجلات التي تنشر في أسواق المسلمين، وتباع مع المواد الغذائية في البقالات وغيرها. ولا شك ولا ريب يا أمة الإسلام! أن هذه المخططات كلها تستهدف إفساد الأمة الإسلامية عن طريق الخمر، والمخدرات، والمسكرات التي ذهب ضحيتها أناسٌ كثيرٌ، وكذلك الجنس، من انتشار الزنا واللواط وإطلاق عنان الغرائز والشهوات، وما يكمن في الأفلام والمسرحيات، والأغاني الماجنات، وما يبث في المجلات كلها -والله ثم والله- تستهدف إفساد الأمة الإسلامية والسيطرة على بلاد الإسلام، وصرف الشباب المسلم عن مهام أمور دينه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وما حل بـ الأندلس ما حل؛ إلا لما دخل عليها النصارى واستعبدوا أهلها وباعوا المسلمين بالحبال في الأسواق. يا شباب الإسلام! الحذر الحذر من أعداء الإسلام، فعداوتهم قديمة وليست حديثة، فهذا إمام المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم كم لقي في سبيل الدعوة إلى الله من أذىً وأساليب متباينة؛ كل هذا ليثنوا من عزمه صلى الله عليه وسلم، ويصدوه عن أداء رسالته، فما ضعف وما استكان، بل بقي صلى الله عليه وسلم يكافح ويناضل في سبيل الله، ويجاهد لإعلاء كلمة الله، وصبر على الأذى وعلى المؤامرات التي حيكت له حتى حبس في الشعب ثلاث سنوات صلى الله عليه وسلم، وما ثنى عزمه ذلك، رجم بالحجارة حتى سالت كعبيه وما ثنى عزمه ذلك، كسرت رباعيته، وشج رأسه، وما ثنى عزمه ذلك عن الدعوة إلى الله. فصلوات الله وسلامه عليه، جاهد في الله حق جهاده، حتى جاء نصر الله والفتح، وقامت دولة الإسلام عزيزة كريمة، فما مضت الأيام والليالي إلا وقد تخرَّج من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم شباباً يُحبِّون التفاني، ويبذلون الجهد حتى بلغ هذا الدين مبلغه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أُوحي إليه بتبليغ الرسالة كان في سن الأربعين صلوات الله وسلامه عليه، وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنوات. وكان عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه وأرضاه عمره حين أسلم سبعاً وعشرين عاماً، وعثمان رضي الله عنه وأرضاه كان أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي رضي الله عنه وأرضاه كان أصغر من الجميع، وهكذا بقية الصحابة رضي الله عنهم كانوا شباباً مثل: عبد الله بن مسعود، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وبلال بن رباح، ومصعب بن عمير، وكثيرٌ وكثير من أولئك الشباب الذين حقق الله على أيديهم النصر؛ ففتحوا الفتوحات، ومصَّروا الأمصار أولئك الشباب، فطريقهم واضح يا شباب الإسلام! يا من هجرتم بيت الله! يا من ودعتم المساجد؛ إلا القليل. أسأل الله الذي رد القليل أن يرد الكثير إنه على ذلك قادر.

نماذج ممن أقاموا الإسلام

نماذج ممن أقاموا الإسلام يا شباب الإسلام! انهجوا نهج السلف الصالح، فإن طريقهم واضح كما أخبر الله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] متأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ امتثالاً لأمر الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فهنيئاً لأولئك الذين مدحهم الله في محكم البيان: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22]. فيا شباب الإسلام! ارجعوا إلى سيرة السلف الصالح، لتجدوا فيها العزة والشرف وهم الذين أعدوا للصبر والابتلاء والثبات على المبدأ نفوساً مؤمنةً صامدة، لا تجزع أمام أحداث الليالي، ولا تتزعزع أمام نوازل الأيام.

صمود بلال بن رباح أمام التعذيب

صمود بلال بن رباح أمام التعذيب هذا بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كم لقي في سبيل الدعوة من أصناف العذاب والبلاء! فكلما اشتدت عليه وطأة الألم، ونزلت به المحن، ووضعت على بطنه الحجارة الثقيلة في وهج الظهيرة المحرق، ازداد إيماناً وتَثَبُتاً، ونادى من الأعماق: [[أحدٌ أحد فردٌ صمد]] الله أكبر يا شباب الإسلام! ولكن بعضها في هذه الأزمنة بمجرد سماعه الكلمة يقول: أنت موسوس، أو متزمت، أو رجعي، ينبذ الإسلام ويعاديه وأهله.

ابتلاء وصبر أسرة آل ياسر

ابتلاء وصبر أسرة آل ياسر الله أكبر يا شباب الإسلام! إليكم هذا النموذج أيضاً، هذا عمار وأمه سمية وأبوه ياسر رضي الله عنهم، تحملوا في سبيل إسلامهم ما لم يتحمله إنسان، وما إن علم بنو مخزوم بإسلامهم حتى انقضوا عليهم يذيقونهم أشدَّ العذاب؛ ليفتنوهم عن دينهم، ويرجعوهم كفاراً بعد أن هداهم الله إلى الإسلام، وفي بطحاء مكة حيث ترسل الشمس بحرارتها الملتهبة، يُقضى على ياسر أياماً في عذاب مقيم، ويمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون وسمع ياسراً وهو يئن في قيوده وهو يقول له: الدهر هكذا يا رسول الله، الدهر هكذا يا رسول الله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء ونادى: {أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة} فعندما سمع آل ياسر النداء، هدأت نفوسهم، وسكنت قلوبهم. لقد استُشهِدَت سمية رضي الله عنها على إثر طعنةٍ من فرعون هذه الأمة أبي جهل لعنه الله، وكانت أول شهيدةً في الإسلام، ثم تبعها ياسر وكان أول من استشهد من الرجال، وبقي عمار رضي الله عنه وأرضاه يغالب العذاب ويصابر الألم حتى بلغ به الجهد مبلغه. الله أكبر يا أمة الإسلام! الله أكبر يا شباب الإسلام! أين الاقتداء؟! أين الاهتداء؟! أين النهوض؟! أين التشمير إلى تلك السير الحميدة؟! أسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يوفقنا جميعاً للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه، إنه على كل شيء قدير، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

مصعب بن عمير يترك نعيم الدنيا

مصعب بن عمير يترك نعيم الدنيا الحمد لله معزِّ من أطاعه واتقاه، ومذلِّ من خالف أمره وعصاه، الناصر لمن ينصره من أهل طاعته وأوليائه -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- لك الحمد يا ربنا كما تُحب وترضى، وشكراً لك على صوابغ نعمك وآلاءك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. وأشهد أن محمداًَ رسول الله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ويا أجود الأجودين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، لقد سمعتم من أخبار السلف الصالح وإليكم هذا الخبر نكمل به ما تقدم، هذا مصعب بن عمير رضي الله عنه، أسلم مع الأوائل في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، وهو شاب في عنفوان الشباب، ولما كشفوا أمره وأخذوه؛ حبسوه وعذبوه، فلم يزل محبوساً معذباً حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، وهاجر مع من هاجر إلى المدينة، بل بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً للأنصار يعلمهم القرآن، ويعلمهم الدين، وفي غزوةٍ من الغزوات قُتل هذا الشاب رضي الله عنه وأرضاه، خرَّ صريعاً شهيداً. وكان في مكة مدللاً عند والديه، يلبس أحسن الثياب، ويتطيب بأحسن الطيب، ولكنه ترك زينة الحياة الدنيا، وأقبل على الله رضي الله عنه وأرضاه، ولما قتل، لم يجدوا شيئاً يكفنونه فيه سوى بردة، فكانوا إذا وضعوها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعوها على رجليه خرج رأسه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر} ثم يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الشاب وهو مقتولٌ مسجىً في بردته، فيقول والدموع تنزل من عينيه: {لقد رأيتك بـ مكة وما بها أحدٌ أرَقَّ حُلةً، ولا أحسن لمةً منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة، وقرأ عليه صلى الله عليه وسلم عليه هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]}. إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها أعمالاً، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. فاقتدوا بهم يا أمة الإسلام، وأكثروا من ذكرهم في المجالس، كم تتلى هذه الآيات! " رجال" يمدحهم الله في محكم البيان، فأنتم لا تنسوهم في مجالسكم، أكثروا من ذكرهم، وعلموا أولادكم أولئك الرجال.

صور من عداوة أعداء الله للإسلام

صور من عداوة أعداء الله للإسلام يا شباب الإسلام! أين الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام؟! البعض يتساءل: لماذا حصل البعد وحصلت الجفوة عن تعاليم الإسلام؟! فأقول لك أيها الأخ المسلم: أحضر القلم والورقة في قلبك بكل صدقٍ وصراحة، حصل هذا لما حصلت الأسباب الآتية: الغش، والخداع، والكذب، والخيانة، والغدر، والنميمة، والغيبة، والظلم، والنفاق، والرشوة، والسخرية، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، وانتشار الأفلام. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي وفق خادم الحرمين لإصدار ذلك الأمر بالقضاء على مروجي المخدرات، أن يصدر أمراً حاسماً على القضاء على من يروج الأفلام الخبيثة التي تنشر الدعارة بين المسلمين، ووالله ثم والله؛ إنها لا تقل خطراً عن المخدرات إن كان المخدر يضر ببعض العائلة، لكن هذه الأفلام تضر بكل العائلة إذا كان عندهم هذا الجهاز. قولوا: آمين، أن الله يقيض ولاة أمورنا لمحاربة هذه الأفلام كما حاربوا تلك المخدرات والمسكرات، نعم يا شباب الإسلام! الذي حصل: هو انتشار الأفلام التي ميَّعت الأخلاق والآداب، وسببت السرقة والمغازلة والمعاكسة، إذا كان شريط الجنس يُهدى إلى المرأة عن طريق الخياط، فإلى الله المشتكى، إذا كان الفيلم في هذا الشريط الخبيث يُهدى بين الطالبات عن طريق الطالبات وتجدون ذلك في حقائب بعض الفتيات، فالله المستعان. يا أمة الإسلام! استيقظوا وفقني الله وإياكم! لماذا تركنا الحبل على الغارب للأولاد والبنات؟ إنكم والله مسئولون عنهم يوم القيامة، زيادةً على ذلك انتشار المخدرات والمسكرات. ومن الغش للمسلمين بيع الدخان علانية بين أظهر المسلمين مع المواد الغذائية، بيع الدخان الذي نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير لسهولة تناوله بين أيدي الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون. يا ليتنا نقاطع تلك المحلات التي تبيع الدخان وتتجر فيه حتى تستقيل، وتبتعد عن هذا الخطر الذي داهم البيوت صغيرها وكبيرها. ومن الغش -أيضاً- لأمة الإسلام الذي فيه من المحاربة لله ولرسوله وللآداب والأخلاق هو: بيع المجلات السافلة الهابطة الخبيثة لما فيها من الصور لبعض النساء شبه العاريات التي تعرض على أبنائنا وبناتنا، واللواتي قُصِد بهن من أعداء الإسلام والعقيدة والأخلاق والآداب إفساد القلوب والناشئة من البنين والبنات، زيادةً على ذلك؛ ما يوجد في بعض المجلات من الإلحاد والمحاربة لله ولرسوله بالقول والفعل. فانتبهوا يا أمة الإسلام من رقدتكم!! وأفيقوا من غفلتكم!! حاربوا هذه المجلات، وقاطعوها، وقاطعوا المحلات التي توجد فيها إن كان فيكم حباً للخير وغيرةً على دينكم. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد، اللهم اجعلنا من الهداة المهتدين، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم وفقنا -جميعاً- لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه. عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، الذي ترككم على البيضاء ليلها كنهارها، فقد أمركم الله سبحانه وتعالى بالصلاة عليه، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، وكما قلت وقولك الحق: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] اللهم وفقنا لتحقيق هذه الخيرية، واجعلنا ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه الخير والصلاح، اللهم سدد خُطاهم، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم أبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم أقرَّ أعيننا بصلاح أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عن أسواقنا السفور والتبرج، الله نظِّف بيوتنا وقلوبنا من آلات اللهو يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن اهتدى بهدي رسولك صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلنا ممن اقتدى برسولك صلى الله عليه وسلم، وأحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله! أكثروا من ذكر الله عز وجل {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله.

عم يتساءلون؟!

عم يتساءلون؟! إن النظريات الملحدة ما زالت يتلو بعضها بعضاً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهدنا هذا، والمجرمون وأهل الإلحاد يتواصون بها. ومن تلكم النظريات إنكار البعث والنشور، وقد رد الله عليهم في غير ما موضع من القرآن الكريم، ومن هذه المواضع سورة النبأ، حيث دلل سبحانه بآياته الكونية على قدرته على البعث والنشور، وحذر المشركين من أليم عقابه إن هم أصروا على إنكارهم وعدم استجابتهم لرسوله.

تدبر معاني سورة النبأ ودلالاتها

تدبر معاني سورة النبأ ودلالاتها الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

الرد على من أنكر البعث

الرد على من أنكر البعث أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله! لنتدبر معاني سورة من القرآن لنقف معها قليلاً؛ لتنبأنا عن الحقائق وتكشف لنا من أسرار العجائب, فهذه سورة النبأ التي تنبئ عن خبر هام, عن يوم القيامة وما فيه, وفي ذلك رد على من زعم أن لا بعث ولا نشور, قال الله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:1 - 5] و (كلا) هذه كلمة ردع وزجر لأولئك المكذبون, وكرر الردع بقوله: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:5] تأكيد للوعيد مع التهويل, أي: سيعملون ما يحل بهم من العذاب والنكال في ذلك اليوم الذي أنكروه واستبعدوا وقوعه, ولكن القادر الذي أوجد المخلوقات العظام قادر على إحياء الناس بعد موتهم, فهو الذي جعل للخلق هذه الأرض التي يسكنون عليها ممهدة, ليستقروا عليها, ويتقلبوا في نواحيها, وبسطها لهم كالفراش, ليستفيدوا من سهولها الواسعة بأنواع المزروعات ويضربوا عليها للابتغاء من فضل الله, وثبتها بالجبال, وجعلها كالأوتاد لئلا تميد بمن عليها, ثم أوجد على هذه الأرض الممهدة أصنافاً ذكوراً وأناثاً, لينتظم أمر النكاح والتناسل ولا تنقطع الحياة حتى يأتي أمر الله, ثم جعل الله لهم نظاماً يسيرون عليه في هذه الحياة. ومن ذلك: النوم ففيه راحة للأبدان, وتخلص لمشاق العمل بالنهار, وجعل النهار سبباً لتحصيل المعاش, اسمعوا يا من عكستم فطرة الله! فالله إنما جعل النهار سبباً لتحصيل المعاش, فالنهار جعله مشرقاً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه بالذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك.

التفكر في آيات الله

التفكر في آيات الله ثم يخبر الله تعالى أنه بنى فوق الناس سبع سماوات محكمة الخلق بديعة الصنع, متينة في إحكامها وإتقانها ومع ذلك فهي لا تتأثر بمرور العصور والأزمان, جعلها الله بقدرته لتكون كالسقف على الأرض, لكن من يتفكر في هذا؟! إلا الذين ذكرهم الله في سورة آل عمران. ثم سخَّر للناس شمساً منيرة ساطعة يتوهج ضوؤها, وجعلها لهم كالسراج, ثم أنزل الله بقدرته على الناس من السحب التي حان وقت إمطارها ماءً دافقاً منهمراً يخرج به أنواع الحبوب والزروع, التي فيها غذاء للإنسان والحبوب, وينبت به الحدائق والبساتين, نسأل الله أن يغيثنا برحمته, اللهم أغثنا برحمتك إنك أنت أرحم الراحمين, اللهم احيي بلدك الميت وانشر رحمتك على العباد. اسمعوا قول الحق جل وعلا: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:5 - 16] كل ذلك من أجلك يا بن آدم. عباد الله! لقد ذكر الله جلت قدرته هذه الأشياء التسع دلالة على قدرته كبرهان واضح على إثبات البعث والنشور, الذي أنكره من أنكره من الكفار, ولا يزال الكفار يتتابع نسلهم إلى يوم القيامة, فمنهم الآن من -ومع الأسف الشديد- تتلمذوا على أيدي الشيوعية، وعلى أيدي الملاحدة والزنادقة, ويعيش بين أظهر المسلمين من ينكر البعث والنشور, وينكر الجنة والنار -فلا حول ولا قوة إلا بالله- ولكن قولوا لهم: سيعلمون متى يوم البعث والنشور, إنه يوم الفصل بين الخلائق، إنه يوم القيامة, يوم ينفخ الصور للقيام من القبور, فيحضرون جماعات جماعات وزمراً زمراً للحساب والجزاء.

متى يكون يوم البعث؟

متى يكون يوم البعث؟ في ذلك اليوم الرهيب الذي تتشقق فيه السماء وتفتح فيه كالأبواب في الجدران من هول ذلك اليوم الذي تسير فيه الجبال فتكون كالعهن المنفوش, قال رب العزة والجلال: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] متى؟! {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:18 - 20].

جهنم ومدة المكوث فيها

جهنم ومدة المكوث فيها في ذلك اليوم الرهيب -الذي هو يوم القيامة- قسم من الذين عصوا وكذبوا وعاندوا في جهنم تنتظرهم وترتقب إليهم, لتلتقطهم إليها ليسجنوا بها أحقاباً لا انقضاء لها, ولا انقطاع, لا راحة لهم فيها, عذابهم دائم أبداً, لا يذوقون في برودة تخفف عنهم حر النار, ولا شراباً يسكن عطشهم فيها إلا ماءً حاراً بالغ الغاية في الحرارة, وغساقاً أي: صديد يسيل من جلود أهل النار {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:13]. ومع ذلك يقال لهم: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:30] يقرر هذا رب العزة والجلال: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:21 - 30] يا لها من حسرات تتابع! يا لها من ذنوب تتراكم! إذا قال لهم الجبار: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:30].

الجنة وما أعد للمتقين فيها

الجنة وما أعد للمتقين فيها عباد الله: اسألوا الله جل وعلا أن ينجيكم من النار, واسألوه أن يدخلكم الجنة دار المتقين, فإن الله أعد للمتقين الأبرار الذين أطاعوا ربهم في الدنيا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وهذا هو موضع الظفر وموضع الفوز بجنات النعيم, وخلاصهم من عذاب الجحيم, أورثهم الجنة بما فيها من الحدائق الناظرة, وما فيها من الأطعمة الطيبة المتنوعة من كل ما تشتهيه النفوس, وما فيها من الحور العين, وما فيها من الأشربة الطيبة وهم في ذلك النعيم المقيم لا يسمعون كلاماً فارغاً لا فائدة فيه ولا كذاباً, لأن الجنة دار السلام. فكل هذا الجزاء العظيم تفضلاً من الله وإحساناً ومكافأةً على حسب أعمالهم, قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:31 - 32] لا يجف ماؤها, لا تتغير نضرتها إنها الجنة يا عباد الله. اسمع أيها الشاب! الذي رجعت عن طاعة المولى جل وعلا, عندما كنت مشتاقاً إلى هذه القصور وما فيها من اللذة والنعيم, جالست الأشرار, جالست جلساء السوء, فحولوك من الراحة إلى الشقاء, حولوك من الراحة إلى العماء, حرموك هذا النعيم. اسمع أيها الشاب! يا من استبطأت هذه القصور وهذه الحور وهذا النعيم ارجع إلى ربك جل وعلا. أيها الشاب! أين ذهابك إلى المحاضرات؟ أين حضورك للندوات؟ أين ذهابك إلى مكة لتعتمر وتحج؟ كيف عكست الأمر وصار عليك وبالاً بذهابك إلى خارج البلاد؟ فهدمت ما بنيت في سالف الأزمان, ارجع إلى ربك ما دمت في وقت الإمكان, ارجع إلى ربك ولا تغتر بقرناء السوء أعوان الشيطان, واسمع إلى ما عند الرحمن: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:31 - 33]. اسمع أيها الشيخ الكبير يا من فتنت بالدنيا, وبما فيها من البساتين التي سوف تخرب وتذهب جثاءً, سوف تمر عليها الأيام وتيبس فيها كل شيء, وهذه حكمة الله في الدنيا أن مآلها إلى الدمار والخراب, ولكن اسمع أيها الشيخ يا من أضعت الليالي الطوال مع الكلام الفارغ, مع أكل لحوم الناس, ذهب فلان وقال فلان وقيل لفلان اسمع يا مسكين اغتنم باقي السنين إن كان لك باقي سنين وإلا والله فالموت يأتي بغتة لا مفر منه. اسمع يا مسكين! يا من رضيت بالعاجل! يا من بعت الغالي بالرخيص! يا من جريت وراء الدنيا تجر أذيال الغفلة, اسمع -يا عبد الله- قليلاً مما عند الله في تلك الجنة: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ:31 - 36] من هذا الرب؟ هذا ملك الملوك، جبار السماوات والأرض الذي إذا قال لشيء كن فيكون {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} [النبأ:37]. عباد الله: إن أمامكم يوم القيامة وأكرر كما كرر الله في هذه السورة، يوم القيامة الذي غفل عنه الكثير, وعن ما فيه من الأهوال والشدائد الصعاب, يوم أن يقتص الله فيه لأهل المظالم ممن ظلمهم, حتى يأخذ للشاة الجماء حقها من الشاة القرناء, ثم يقول لها رب العزة والجلال: كوني تراباً, عند ذلك يتمنى الكافر الذي أضاع أوقاته في الحياة الدنيا في المعاصي والفجور ولمحادة الله ورسوله أن يكون تراباً. اسمعوا إلى قول الله الجبار جل وعلا: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} [النبأ:38] يا له من موقف نزلت فيه أملاك السماوات السبع وصفت صفوف سبعة, أحاطت بأهل الموقف جميعاً {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:38 - 40]. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل, قبل أن ينظر المرء ما قدمت يداه, اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة, اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه إنك على كل شيء قدير. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الوصية بقراءة القرآن وتدبر معانيه وأحكامه

الوصية بقراءة القرآن وتدبر معانيه وأحكامه الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً, والحمد لله الذي جعل القرآن للمؤمنين هدى وشفاءً ورحمة, والحمد لله الذي اختار لنا الإسلام من بين الأديان, والحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس, والحمد لله الذي أرسل إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرجنا به من الظلمات إلى النور, فلك اللهم الحمد دائماً أبداً حمداً كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب للوجود سواه, هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم, خلق فسوى، وقدر فهدى, وهو الفعال لما يريد, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق, فبلغ رسالة ربه، ونصح الأمة، وتركها على البيضاء, وقال صلى الله عليه وسلم: {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا أيها الناس! اتقوا الله عز وجل, وتدبروا القرآن فإن فيه الهدى والنور, قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15 - 16]. فيا أمة الإسلام! ويا أمة القرآن! ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! ويا خير أمة أخرجت للناس! عليكم بقراءة القرآن الكريم واستماعه, وتدبر معانيه, والتفكر فيه، عليكم باتباع أوامره, واجتناب نواهيه, عليكم بتعلم القرآن {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} هكذا يخبركم رسول الله صلى الله عليه وسلم. عليكم بتعلم تفسيره ومعرفة أحكامه, والعمل به لتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192 - 195]. أنزله الله تعالى ليكون دستوراً للأمة الإسلامية, وهداية للخلق, وليكون آية على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وبرهاناً ساطعاً على نبوته صلى الله عليه وسلم, وحجة قاطعة قائمة إلى يوم الدين. أنزله الله ليعمل به المسلم, فيحل حلاله ويحرم حرامه, ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه, ويتلوه حق تلاوته, فيكون حجة له عند ربه وشفيعاً له يوم القيامة, يقول الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم: {القرآن حجة لك أو عليك} رواه مسلم. وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة, قال سبحانه: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] فنعوذ بالله من الإعراض عن كتاب الله. عباد الله! انفضوا الغبار عن كتاب الله, ارجعوا إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصلوا على من أرسله الله رحمة للعالمين, صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك, نواصينا بيدك, ماضٍ فينا حكمك, عدلٌ فينا قضاؤك, نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابتك, أو علمته أحداً من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وجلاء أحزاننا, وذهاب همومنا وغمومنا, اللهم اجعله حجة لنا, اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام, واجعل مآلنا إلى جنات النعيم يا رب العالمين, اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء, اللهم دمِّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد وطأتك عليهم, اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك, اللهم مزّقهم كل ممزق يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم آمنا في أوطاننا, ولا تسلط علينا أعداءنا, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين, اللهم اهد ضال المسلمين, اللهم أصلح شباب المسلمين, اللهم رد شاردهم, وثبت مهتديهم يا رب العالمين. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وصلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عواقب المعاصي

عواقب المعاصي إن للمعصية أثراً في مصير الإنسان في دنياه وآخرته، وإن من هذه المعاصي الكبر، وما عصى إبليس ربه إلا بالكبر على الله أن يسجد لآدم، ولهذا الكبر أسباب، وله علاج يدفعه عن الإنسان، ولن يسعد أحد إلا بتركه للمعاصي واتباعه كتاب ربه جلا وعلا.

الكبر بطر الحق وغمط الناس

الكبر بطر الحق وغمط الناس الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له من بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الكبير المتعال ذو العظمة والكبرياء والجلال, والعزة التي لا ترام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن الله حرم الكبر والإعجاب، لأنهما يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل، وليس لمن استوليا عليه قبول النصح ولا قبول التأديب؛ لأن المتكبر يعتقد في نفسه أنه عظيم جليل متعالٍ عن رتبة المتعلمين، وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه: {بطر الحق وغمط الناس} والكبر والعجب من الصفات النفسية المرذولة التي كثيراً ما تثير الغضب والحقد وتورث العداوة والبغضاء, وتورث الاحتقار والازدراء بالناس واغتيابهم. الكبر يجافي ويباعد بين الصدق وكظم الغيث، ويجافي بين قبول النصح، الكبر يعمي المرء عن النظر على عيوبه, ويحول بينه وبين العلم، وبينه وبين الانقياد للحق، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {الكبر بطر الحق} أي: رده ودفعه وعدم قبوله, وهو عالمٌ به, سواء كان من حقوق الله، أو من حقوق عباده، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {غمط الناس} أي: احتقارهم وتنقصهم، وذلك ناشئ عن عجب الإنسان بنفسه وتعاظمه عليهم، وتنقصهم بقوله وفعله.

أسباب الكبر

أسباب الكبر للكبر أسباب كثيرة، فقد تكون عن صفة كمال كالعلم والنسب والجاه والسلطان، وربما نشأ عن غرور ووهم بحيث يعتقد أنه أكمل من غيره خطأً وجهلاً، وهذا برهانٌ على نقص عقله، ولذلك يقول بعض العلماء: ما دخل قلب امرئٍ شيئاً من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخل من ذلك الكبر قلَّ أو كثر. فإن كان الكبر ناشئاً عن العلم، كان صاحبه مثالاً سيئاً، وقدوةً رديئةً خصوصاً إذا دفعه الكبر إلى صفة ذميمة كالحسد والحقد، أو أفضى به إلى ارتكاب مظلمة من مظالم ارتكبها بيده، أو لسانه، فإن ضرر هذا لا يقدر؛ لأن الناس يقتدون بالعلماء في أقوالهم وأفعالهم، فيستسهلون عند ذلك ارتكاب الجرائم وإشباع الصفات الذميمة. كمن يرى بعض العلماء يصلي في بيته، فإنهم يقتدون به ويقولون: إن الشيخ فلان يصلي في بيته، أو كما يرون بعض العلماء يحلق لحيته، ويقولون: العالم الفلاني يحلق لحيته، أو يقولون: إن العالم الفلاني يستمع الأغاني، أو يقولون: إن العالم الفلاني يستعمل الربا، فإنه في هذا قد أصبح أشرَّ قدوة وأسوأها، وإذا صدر هذا من العلماء فإن فيه شراً عظيماً، وأيضاً فإنه لا ينتفع بعلومهم، لأنهم يكونون بعد ذلك ضعفاء الإرادة، ومن كان هذا شأنه، فإن علمه وبالٌ عليه, وسوف يسأل عن علمه ماذا عمل به؟ أما العلم النافع، فهو الذي يربي الأنفس ويطهرها من الصفات الرديئة، ويعرف العبد بربه وبنفسه وخطر أمرها، وهذا يورث الخشية والتواضع، فيكون صاحبه مثالاً حسناً بين الناس، وقدوةً صالحةً في الأقوال والأفعال، هذا إذا كان الكبر في العلماء. أما إذا كان الكبر ناشئاً عن النسب، فإنه ربما يكون سبباً للطعن في أنساب الآخرين، وقد يؤدي إلى احتقارهم وازدرائهم، وقد فصل المسألة رب العالمين بقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وفصلها رسول الهدى بقوله: {لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى} وذكر تمام الحديث. أما إذا كان الكبر ناشئاً عن الجاه والسلطان، فإنه غالباً يفضي إلى شر أنواع الظلم، وانتهاك المحارم من حقوق الله وحقوق خلقه مثل: ألّا يبالي بهم، ولا يسمع شكواهم، وخاصةً الضعفاء أو أن يعرض عن النصيحة، أو العمل بالحق، فإنه في هذه الحالة يكون متكبراً مذموماً ممقوتاً. والكبر أنواع: وأعظم أنواع الكبر: الكبر على الله، وعلى رسله، وهذا من أشر أنواعه.

علاج الكبر

علاج الكبر ومن أراد علاج الكبر، فقد ذكره العلماء، فقال بعضهم: أولاً: أن يعرف الإنسان ربه عز وجل، ويعرف نفسه، فإنه إذا عرف ربه حق المعرفة، علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله جل وعلا، وإذا عرف نفسه، علم أنه ضعيف ذليل لا يليق به إلا الخضوع لله والتواضع لرب العالمين والذلة له، قال الله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:17 - 22] ويقول جل وعلا: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] ففي هذه الآيات إشارةٌ إلى بداية خلق الإنسان وإلى آخر أمره، وإلى وسط أمره، أما أوله، فإنه لم يكن شيئاً مذكوراً، وقد كان في حيز العدم دهوراً، ثم خلقه العزيز الحكيم من تراب -تفكروا في خلق أنفسكم يا عباد الله- ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظاماً، ثم كسا العظام لحماً، ثم لما استتم الخلق، جعله سميعاً بعد أن كان أصماً، وبصَّره بعد أن كان فاقد البصر، وقوَّاه بعد أن كان ضعيفاً، وعلَّمه بعد أن كان جاهلاً. فكيف من كان هذا أوله وهذه أحواله، فمن أين له البطر والأشر والكبرياء والخيلاء وهو الضعيف الحقير بالنسبة إلى قدرة الباري جل وعلا. فليتأمل العاقل هل يليق الكبر بمن هذا أوله وآخره؟ فإن هذا الإنسان الذي يجول ويصول يسلب روحه في آخر الأمر، ويسلب سمعه, وبصره, وعلمه, وقدرته وحواسه, وإدراكه وحركاته, وجماله وجميع أحواله، فيعود كما كان أولاً جماداً, لا يبقى إلا شكل أعضائه وصورته ولا حركة فيه، ثم يوضع في التراب في مثواه الأخير في القبر، فيصير جيفة منتنة كما كان في الأول نطفةً مذرةً، فتبلى أعضاؤه وتتفتت أجزاؤه وتنخر عظامه, ويصير رميماً رفاتاً, ويأكل الدود أجزاءه ويستقذره الإنسان، وأحسن أحواله أن يعود تراباً كما كان. ثم يحييه الذي خلقه أول مرة، فيقاسي الشدائد وأهوالاً مزعجات، ويخرج من قبره كما أخبر الله تعالى بقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44] فينظر إلى قيامةٍ قائمة, وسماءٍ منفرجةٍ منشقة، وأرضٍ مبدلة، وجبالٍ مسيرة، ونجومٍ منكدرة، وشمسٍ منكسفة، وأحوالٍ مظلمة، وملائكةٍ غلاظٍ شداد، وجهنم تزفر، فيا ويل المجرمين مما أمامهم في ذلك اليوم العظيم! اللهم اهدنا إلى أحسن الأعمال والأخلاق وأحبها إليك، فإنه لا يهدينا لأحسنها وأحبها إليك إلا أنت، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وأنت راضٍ عنا يا كريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير الشديد من داء الكبر

التحذير الشديد من داء الكِبْر الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه. عباد الله! إن سعادة المسلمين في أن يتبعوا الحق ويدعوا إليه، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، تلك سعادة المسلمين، ويقبلوا النصيحة ممن ينصحهم ويعملوا بها راضيةً نفوسهم, شاكرةً ألسنتهم, غير مستكبرين، ولا متعنتين، ولم يعمهم الهوى عن اتباع الحق, إذ ذاك تكمل لهم السعادة ويتم لهم النعيم. رجل يأكل عند الرسول صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال له: {كل بيمينك, قال: لا أستطيع -متعافي ولكن منعه الكبر- فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا استطعت؛ فما رفعها إلى فيه} وما أكثر المتكبرين في وقتنا الحاضر عن قبول الحق. نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يهدي الجميع إلى صراطه المستقيم. أمة الإسلام! لا تكون السعادة في من فشا فيه داء الكبر, واستحكم وتكبر عن قبول النصح من الناصح, وإرشاد المرشد، فإن المرء إذا لم يقبل نصيحة الناصح، كان راضياً عن نفسه، وإذا رضي عن نفسه، عميت عن عيوبها، فلا يؤثر فيها نصحٌ، ولا ينفع معها إرشاد؛ لأن الغرور متحكمٌ فيها، والشهوات محيطةٌ بها، فإذا أراد الله بعبده خيراً، بصَّره بعيوب نفسه فأصلحها، واتهمها دائماً بالنقص, وطالبها بالكمال حتى تلتحق بالنفوس الزكية, والأرواح الطاهرة، وهكذا كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم. فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[رحم الله امرئً أهدى إلي عيوب نفسي]] هذا دعاء من أمير المؤمنين إلى من يبصره بعيوب نفسه، إلى من يقول له: أخطأت في كذا، لماذا عملت كذا؟ رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأنهم يفرحون إذا نبههم أحد بعيوب أنفسهم، ويعدون ذلك من باب النصيحة، ولم يتكبروا، وقد ورد في ذم التكبر آيات وأحاديث تبين أنه شر كما قال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35] ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. في السنة أيضاً مما يحذر عن التكبر أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يقول: {لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطراً} ويقول صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل: العز إزاري, والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئاً منهما عذبته} ويقول صلى الله عليه وسلم: {يقول الله جل وعلا: الكبرياء ردائي, والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما، ألقيته في النار} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظٍٍ مستكبر} رواه البخاري ومسلم. والتقى عبد الله بن عمر بـ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم على المروة، فتحدثا، ثم مضى عبد الله بن عمرو بن العاص، وبقي عبد الله بن عمر يبكي رضي الله عنه وأرضاه، فقال له رجل: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هذا -يعني: عبد الله بن عمرو بن العاص - زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من كان في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من كبر، كبه الله لوجهه في النار}. وورد أيضاً في الحديث: {يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجنٍ في جهنم يقال له: بُلس, تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبةٍ من كبر، فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال: إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس}. عباد الله! إن الخير والهدى هو في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أدر عليهم دائرة السوء، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزّقهم كل ممزق، اللهم دمّر اليهود والنصارى المبشرين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، اللهم أبعدهم عن بلدان المسلمين يا رب العالمين. اللهم قاتل الشيوعيين وانصر المجاهدين عليهم يا رب العالمين, اللهم انصر المجاهدين في برك وبحرك، اللهم ثبت أقدامهم, وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلهم سِلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين، اللهم وأظهر بهم الدين والحق الذي رضيته يا رب العالمين. اللهم أصلح إمام المسلمين وارزقه الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا, واجعلهم قرة أعين لنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منا وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

غزوة أحد

غزوة أحد تطرق الشيخ في هذه المادة إلى بيان وقائع غزوة أحد مشيراً إلى زمن وقوعها، وما هو سببها، ولمن كانت الغلبة، والترتيب العسكري لكلا الجيشين، ومبيناً حب الصحابة للشهادة في سبيل الله وشدة تفانيهم في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبه إلى خطر مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبل هذا أشار إلى خطر المنافقين على الصف الإسلامي وتخذيلهم لضعاف الإيمان، وختم هذه المادة بوصية العمل الصالح قبل هجوم هاذم اللذات ومفرق الجماعات.

وقائع غزوة أحد

وقائع غزوة أحد الحمد لله رب العالمين، الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي ما طلعت الشمس ولا غربت على مثله، نبي أسس الله به ملة الإسلام، وشيد به دولة الإسلام {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33] اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ. عباد الله! لقد سمعنا في رمضان ما وقع في السابع عشر من الغزوة الكبرى التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسميت بذلك يوم الفرقان؛ لأن الله فرق بها بين الحق والباطل، وفي هذه اللحظات نعيش دقائق أو بضع ساعة مع الغزوة التي تليها وهي غزوة أحد. أيها الإخوة في الله! إن أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي غزوة بدر الكبرى، نعم. إنها غزوة بدر الكبرى التي فرق الله بها بين الحق والباطل، الغزوة التي قتل فيها رءوس الكفر وصناديدهم، الغزوة التي حصل فيها النصر للإسلام والمسلمين، حيث مكن الله المسلمين من عدوهم فقتلوهم شر قتلة وأسروا منهم من أسروا، وولى بعضهم مدبرين منهزمين، مغمومين مقهورين. ولكنهم مع ذلك إذا ذكروا تلك الهزيمة وتلك المقتلة أثرت عليهم، وأجاشت شرهم وحمستهم على أن يأخذوا بثأرها.

سبب غزوة أحد

سبب غزوة أحد جعل أبو سفيان يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ويجمع الجموع، فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا وليحاموا عنهن، ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريباً من جبل أحد، وذلك في شوال قال بعض العلماء: إنها في اليوم السابع من شوال -توافق هذا اليوم- في السنة الثالثة من الهجرة.

مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة فكان رأيه صلى الله عليه وسلم ألا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة والنساء من فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي وكان هو الرأي. فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر وأشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج وألحوا عليه في ذلك وأشار عبد الله بن أبي بالمقام في المدينة، وتابعه على ذلك بعض الصحابة، وألح أولئك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهض صلى الله عليه وسلم ودخل بيته ولبس لامته وخرج عليهم، وقد انثنى عزم أولئك وقالوا: أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، فقالوا: يا رسول الله! إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه}. فخرج صلى الله عليه وسلم في ألف من الصحابة واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي بـ المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤياً وهو بـ المدينة؛ رأى أن في سيفه ثلمة، ورأى أن بقراً تذبح وأنه أدخل يده في درعٍ حصينة، فتأول الثلمة في سيفه: برجل يصاب من أهل بيته، وتأول البقر: بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الدرع: بـ المدينة.

رأس النفاق ينخذل بثلث العسكر

رأس النفاق ينخذل بثلث العسكر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فلما صار بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عبد الله بن أبي رأس المنافقين بنحو ثلث العسكر وقال: تخالفني وتسمع من غيري فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يوبخهم ويحضهم على الرجوع، ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم عبد الله بن حرام. فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حرة بني حارثة، وقال: {هل من رجل يخرج بنا على القوم من كثب؟ فخرج به بعض الأنصار حتى سلك في حائط لبعض المنافقين وكان صاحب هذا الحائط أعمى فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين، ويقول: لا أحل لك أن تدخل في حائطي إن كنت رسول الله، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال: لا تقتلوه، فهذا أعمى القلب أعمى البصر} وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشِعْب من أحد في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم.

الترتيب العسكري لجيش المسلمين

الترتيب العسكري لجيش المسلمين لما أصبح يوم السبت تعبأ الرسول للقتال وهو في سبعمائة فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرماة وكانوا خمسين عبد الله بن جبير، وأمره وأصحابه أن يلزموا مركزهم وألا يفارقوه ولو رأوا الطير تتخطف العسكر وكانوا خلف الجيش، وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم، فظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، يعني: لبس درعاً فوق درع وأعطى اللواء ذلك الشاب مصعب بن عمير رضي الله عنه، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى الأخرى المنذر بن عمرو، واستعرض الشباب يومئذٍ -أيهم يريد أن يخرج للمباراة ليشجع على الشوط الأول والشوط الثاني، هل تظنون ذلك يا أهل الإسلام؟ لا والله، استعرض الشباب ليقفوا أمام الأعداء، ليصدوا عن دينهم وعن عقيدتهم. استعرض الشباب يومئذٍ فرد من استصغره عن القتال، خرجوا لم يبلغوا من العمر الرابعة عشرة وكانوا يبكون لما ردهم عن القتال رضي الله عنهم وأرضاهم، أين نحن من شبابنا أو من بعض شبابنا؟ أين نحن من بعض الشباب الذين لم يهتموا بذلك وإنما اهتموا بأشياء تافهة دسها عليهم أعداء الإسلام وأعداء المسلمين؟ كان من هؤلاء الشباب: عبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت، وغيرهم من الصحابة وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم من رآه مطيقاً، وكان منهم: سمرة بن جندب ورافع بن خديج ولهم من العمر خمس عشرة سنة فقيل: أجاز من أجاز لبلوغه بالسن خمس عشرة سنة، ورد من رد لصغره عن سن البلوغ.

الترتيب العسكري لجيش المشركين

الترتيب العسكري لجيش المشركين أيها المسلمون! أما قريش، أما المشركون فتعبأت للقتال، وهم في ثلاثة آلاف وفيهم مائتا فارس، فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى أبي دجانة سماك بن خرشة، وكان شجاعاً بطلاً يختال في الحرب رضي الله عنه.

نشوب المعركة

نشوب المعركة كان أول من بدر من المشركين: أبو عامر الفاسق وكان يسمى: الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاسق، وكان رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ومالوا معه، فكان أول من لقي المسلمين فنادى قومه وتعرف عليهم فقالوا له: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق. فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً وكان شعار المسلمين يومئذٍ: أمت، يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، لا لـ قومية، ولا لوطنية، ولا لجاهلية، وإنما يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا. وأبلى يومئذٍ أبو دجانة، وطلحة بن عبيد الله، وأسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب وأنس بن النضر، وسعد بن الربيع.

مخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونتيجة ذلك

مخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونتيجة ذلك وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار فانهزم أعداء الله وولوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم فلما رأى الرماة هزيمتهم تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه. هذه معصية وقعت عصوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مركزهم وقالوا: يا قوم! الغنيمة الغنيمة فذكَّرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا وظنوا أن ليس للمشركين رجعة وذهبوا في طلب الغنيمة، وأخلو الثغر، وكر فرسان المشركين فوجدوا الثغر خالياً قد خلا من الرماة فجاوزوا منه وتمكنوا حتى أقبل آخرهم فأحاطوا بالمسلمين، وقُتِل من المسلمين من قُتِل، أكرمهم الله بالشهادة وهم سبعون.

إصابة النبي صلى الله عليه وسلم ودفاع الصحابة عنه

إصابة النبي صلى الله عليه وسلم ودفاع الصحابة عنه تولى الصحابة وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه صلى الله عليه وسلم وكسروا رباعيته اليمنى وكانت السفلى، وهشموا البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم، ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين، فأخذ علي رضي الله عنه بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنه طلحة بن عبيد الله. وكان الذي تولى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة، وعتبة بن أبي وقاص. وقُتِل مصعب بن عمير الذي معه لواء المسلمين، قتل ذلك الشاب وخر صريعاً شهيداً في سبيل الله، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء إلى علي بن أبي طالب، ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما في وجهه صلى الله عليه وسلم، وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم وقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: مجه -أي: اتفل هذا الدم- فتحسف أن يتفل دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتلعه فقال: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. ياله من ابتلاء وقع للمسلمين، تكالبت أيدي المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدون ما الله حائل بينهم وبينه، فحال الله عز وجل دونهم وما يريدون، حال دونهم الله عز وجل ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم حال دونه نفر من المسلمين نحو عشرة حتى قتلوا، ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك رضي الله عنه وأرضاه، وأصيبت يومئذٍ عين قتادة بن النعمان وسقطت فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها بيده فردها مكانها وكانت أصح عينيه وأحسنهما. وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمداً قد قتل، ووقع ذلك في قلوب كثيرٍ من المسلمين وفر أكثرهم، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين وكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن اسكت واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه إلى الشِعْب الذي نزل فيه، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعلي، والحارث بن الصمة الأنصاري، وغيرهم. فلما استندوا إلى الجبل أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف على جوادٍ له يقال له: العود، زعم عدو الله أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب منه عدو الله تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة فطعنه بها فجاءت في ترقوته فخر عدو الله منهزماً، وكان يعلف فرسه بنفسه ويقول: أقتل عليه محمداً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: {بل أنا أقتله إن شاء الله تعالى} فلما طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر عدو الله قوله: أنا قاتله؛ فأيقن بأنه مقتول من ذلك الجرح فمات منه في طريقه وهو راجع إلى مكة. وجاء علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ ليشرب منه، فوجده آجناً فرده وغسل عن وجهه الدم صلى الله عليه وسلم، وصب على رأسه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هنالك، فلم يستطع لما به من الجراح فجلس طلحة تحته حتى صعدها وحانت الصلاة فصلى بهم جالساً صلى الله عليه وسلم. وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم تحت لواء الأنصار.

من محبة رسول الله الدفاع عنه وعن سننه

من محبة رسول الله الدفاع عنه وعن سننه إنني أحس من نفسي أن بعض الإخوان تحمس وبوده أن يدافع في تلك اللحظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله قد مات ولكن سنته باقية، فالدفاع الدفاع عن سنة رسول الله إن كنت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كنت تحب الجهاد فجاهد نفسك يا عبد الله! على طاعة الله عز وجل، ما هذا الكسل؟ ما هذا الخمول يا أمة الإسلام؟ أين الصفوف المتراصة في رمضان في صلاة الفجر وغيرها؟ لماذا انهزمت هذه الصفوف؟ هل حضرت غزوة أحد وقتلوا في تلك المعركة؟ أم أغواهم الشيطان وصدهم عن سبيل الله؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك الصحابة رضي الله عنهم الذين تفانوا تحت راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لنصرة دين الله، فحيا بكم أيها المسلمون! انصروا دين الله عز وجل إن أردتم النصر من الله {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7]. هذه نبذة يسيرة عن أخبار أولئك الرجال الذين دافعوا عن دينهم وعن عقيدتهم، ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى كتب أهل العلم، علماء الإسلام الذين خدموا العلم ودونوه جزاهم الله خير الجزاء. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

حب الصحابة للجهاد

حب الصحابة للجهاد الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اعتبروا بأحوال أولئك الرجال، هذا أنس بن النضر لما انهزم الناس قال: [[اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين- ثم تقدم رضي الله عنه، فلقيه سعد بن معاذ فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واه لريح الجنة، واه لريح الجنة، واه لريح الجنة يا سعد! إني أجدها دون أُحد]] ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل، فما عُرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم. وقال عبد الله بن عمرو بن حرام: رأيت في النوم قبل أحد مبشر بن عبد المنذر يقول لي: [[أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت فقال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت: له ألم تقتل يوم بدر، قال: بلى. ثم أحييت]] فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {هذه الشهادة يا أبا جابر!}. وقال خيثمة رضي الله عنه وكان ابنه استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: [[لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت والله عليها حريصاً، حتى ساهمت ابني في الخروج أي: ضربت أنا وهو السهام فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً وقد والله يا رسول! أصبحت مشتاقاً إلى مرافقته في الجنة وقد كبر سني ورق عظمي]]. الله أكبر! لا إله إلا الله! هؤلاء الرجال يقول يا رسول الله: [[قد كبر سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي فادع الله يا رسول الله! أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة]] فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقتل بـ أحد شهيداً.

غسيل الملائكة

غسيل الملائكة وهذا حنظلة بن أبي عامر، لما سمع الصيحة وهو على امرأته في ليلة عرسه قام من فوره إلى الجهاد وعليه جنابته رضي الله عنه، فلما انتهت المعركة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تغسله بين السماء والأرض بصحافٍ من ذهب بماء السلسبيل. نعم. أولئك الرجال الذين يستجيبون لداعي الله وأين هم منا؟ وفي مجتمعنا الذي يسمع بعض الناس (حي على الصلاة حي على الفلاح) ولا يجيب. بعض الذين يتزوجون يجلس سبعة أيام لا يعرف بيوت الله، وبعضهم يسافر إلى الخارج ليتعرف على الكفار ويخالط الكفار؛ يشرب معهم الخمور ويأكل معهم لحوم الخنازير، وهذا شهر العسل الذي خالف فيه حنظلة بن أبي عامر الذي غسَّلته الملائكة بماء السلسبيل بين السماء والأرض. أولئك الرجال الذين عرفوا المستقبل الحقيقي، إنه المستقبل الذي لا يبيد في جنات النعيم في جوار رب العالمين. أما البعض من مجتمعنا يسمعون المنادي ينادي للصلاة وكأنهم لا يسمعون، فيالها من مصيبة وياله من كسر لا يجبر، نسوا أنهم سوف يهجم عليهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، سوف يخرجهم من القصور والفِلل العامرات وسوف يسكنون في حفر مدلهمة ليس فيها أنيس ولا جليس إلا الأعمال، فإن كانت صالحة فيالها من نعمة في روضة من رياض الجنة، وإن كانت الأعمال خبيثة فيالها من خسارة ويالها من حسرة، ما أعظمها إنه في حفرة من حفر النار. فيا من أضاع العمر بالأعمال الخبيثة! بادر إلى المتاب قبل غلق الباب، وقبل طي الكتاب، وإسبال الحجاب إلى ما فيه. يا عباد الله! الصلاة الصلاة! التي كان يوصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ آخر أنفاسه في الحياة وهو يقول: {الصلاة الصلاة} التي أضاعها كثير من الناس فإنا لله وإنا إليه راجعون. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وارض الله على خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، اللهم رد المسلمين إلى دينهم الصحيح ليكونوا عباداً لك دائماً وأبداً، لا عباداً لرمضان، ولا عباداً للشهوة، يكونوا عباداً حتى يأتيهم اليقين أسوةً برسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم أيقظنا من رقدة الغفلة، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، يا رب العالمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فراغ الشباب والحذر من الفيديو

فراغ الشباب والحذر من الفيديو إن الوقت الذي نعيشه في هذه الدنيا لا يقدر بالأثمان، من ربحه ربح عمره، ومن خسره خسر حياته، وخاصة أوقات الشباب، وستجدون في غضون هذه المادة الحث على اغتنام الأوقات، والتحذير من الفراغ وضياع الوقت فيما لا يعود بطائل نفع، والتحذير من الفيديو المهدم.

التحذير من الفراغ والحث على اغتنام الأوقات

التحذير من الفراغ والحث على اغتنام الأوقات إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن الوقت الذي تعيشونه في هذه الدنيا لا يقدر بالأثمان، فاحفظوه يا عباد الله! واغتنموا أوقاتكم بما يعود عليكم نفعه في الدنيا والآخرة، ولا تضيعوا أوقاتكم باللهو والغفلة؛ فتخسروا الدنيا والآخرة. أيها المسلمون: في هذه الأيام يختتم أولادكم عامهم الدراسي الذي أشغلوه بالدراسة، وبعد الدراسة والجهد الكبير ماذا سوف يحصل من الفراغ يا عباد الله؟!

حال الشباب مع الفراغ

حال الشباب مع الفراغ إن هذا الفراغ الذي سيحصل للشباب بعد انقطاع العام الدراسي الذي كانوا فيه مجتهدين ومستغلين لأوقاتهم؛ لا بد أن تنعكس آثاره على نفوسهم وتفكيرهم وسلوكهم، فإما أن يستغلوه في خير وصلاح، فيكون ربحاً وغنيمة للفرد والمجتمع، ويعود نفعه على الجميع، وإما أن يستغلوه في شر وفساد، فيكون خسارة وغبناً للفرد والمجتمع، يخسر فيه نفسه ووقته، ويستغل قواه فيما يشقى به وتشقى به الأمة. وإما أن يقضوا أوقاتهم ويضيعوها سدى، لا يعملون ولا يفيدون، أفكارهم متجمدة، وأذهانهم خاوية متبلدة، يصيرون عالة على أهلهم وعلى مجتمعهم، زيادة على ذلك إذا عدموا التوجيه السليم من الآباء والأمهات، بل بعض الآباء الذين طغت عليهم المادة هم السبب في انحراف أولادهم وفسادهم هدانا الله وإياهم، فتجد أولادهم في كل وادٍ يهيمون، ولكنهم لن يتركوا سدى، إنهم سوف يحاسبون على تفريطهم، وسوف يندمون حين لا ينفع الندم. نعم يا عباد الله: هذا قسم من الناس فرطوا في أماناتهم وضيعوها، وعند الموت وسكراته سوف يقولون: ما أخبر الله عنهم في كتابه العزيز حيث قال: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:56 - 59]. نعم يا عباد الله! سوف يتمنى البعض من الناس الرجوع عند الموت؛ ليستدرك ما فات، ولكن هيهات أن يجاب إلى ذلك، اسمعوا إلى قول الحق جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] ويقول جل وعلا حاثاً على العمل الصالح قبل قرب الأجل وحلول الموت: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:10 - 11].

استغلال أوقات الفراغ

استغلال أوقات الفراغ عباد الله: البعض من الشباب يتساءل في أي شيء أقضي أوقات الفراغ؟ نعم هكذا يتساءل البعض، ولكن الشباب المتطلع إلى المجد والعلا لا يتحير أبداً أن يستغل أوقات فراغه، يمكن أن يستغل أوقاته بعد أداء الفروض والواجبات بمذاكرة العلم ومدارسته، سواء في دروسه التي انتهى منها، أو فيما يستقبل، أو في كتب علم يتثقف بها ثقافة عامة، فيقرأ في كتب التفسير القيمة السالمة من الزيغ في تحريف معاني القرآن، ويقرأ في كتب الحديث الصحيح، وفي مقدمتها صحيح البخاري وصحيح مسلم، ويقرأ في كتب التاريخ المعتمدة، لا سيما تاريخ صدر الإسلام كسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين؛ لأنها سيرة وسلوك، تزيد القارئ علماً بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته، وتحببهم إليه. وأحذرك يا أخي المسلم! أحذرك يا من تؤمن بالله واليوم الآخر من النظر أو القراءة فيما يخشى منه على العقيدة والأخلاق والسلوك، سواءً كانت كتباً مؤلفة أو صحفاً أو مجلات، فإن كثيراً من الناس ينظر في مثلها أو يقرؤها، يظن أنه يثق بنفسه، ثم لا يزال الشر يتجارى به فلا يستطيع الخلاص. وكذلك من المهم -يا عباد الله- أن يشتغل المؤمن دائماً بذكر الله وبطاعته؛ لأن الله أمر بذلك فقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران:41] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] لأن الإنسان مسئول عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به. فعمرك يا أخي المسلم هو أعز شيء لديك فلا تضيعه ولا تفرط فيه. فيا أخي المسلم! احرص على نفسك وأهلك وأولادك، واحرص أن تقضي هذه العطلة الصيفية بتعليم أولادك القرآن، وتحضرهم معك إلى بيوت الله، وتراقب حضورهم وغيابهم، وتنصحهم وتسعى في إصلاحهم، ليكونوا عوناً لك في هذه الحياة، وخلفاً وذخراً لك بعد الممات، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، ووفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه إنك على كل شيء قدير، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير من الفيديو المهدم

التحذير من الفيديو المهدم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ. أمة الإسلام: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} حديث صحيح، أي: أن الكثير من الناس يظلمون أنفسهم ويهضمون حقوقهم ويهملون واجباتهم؛ بسبب لهوهم ولعبهم وتركهم الانتفاع الجدي بصحتهم وأوقات فراغهم. والإسلام يا عباد الله! دينٌ يعرف قيمة الوقت، فهو يدعو إلى الانتفاع بكل لحظة من لحظات الحياة، ويحذر من الخوض في اللهو الباطل. نعم أيها المسلمون: هذا هو الوقت في نظر الإسلام، جد واجتهاد، وعمل مبرور، وسعي مشكور، وصبر ومصابرة، وعبادة خالصة، واغتنام للوقت، وانتهاز للفرص، وإشفاق من قول الحق جل وعلا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] هذا هو الوقت وقيمته الأعمال الصالحة التي سوف تجدونها يوم القيامة، أما الذين استرسلوا في شهواتهم وقتلوا أوقاتهم، من خمور يشربونها، وفواحش يرتكبونها من زنا ولواط، ومن قيل وقال؛ فسيجدون غبها يوم القيامة. ويا للأسف الشديد على أوقات تقتل في لعب الورق، وسهر معها، ومع السلاح الفتاك الذي يستعمل لقتل الأخلاق، والقضاء على الفضيلة حتى تحل مكانها الرذيلة، مع السلاح الذي رومينا به في بلادنا، حتى تسلل إلى كثير من بيوت المسلمين، وصار في متناول النساء والأطفال وسفلة الرجال، ألا وهو جهاز الفيديو، ذلكم الجهاز الخبيث الذي تعرض على شاشته أفلام الدعارة والمجون، أفلام الزنا واللواط، أفلام الرقص والاختلاط، والأفلام التي تعلم السرقة والخيانة، وممارسة الجريمة. إن هذا الفيديو الخبيث يقضي على الغيرة والحياء، ويجرئ على ارتكاب الفاحشة، فيا من عافاك الله منه! احمد الله واحذر أن يدخل بيتك، ويا من ابتليت به تب إلى الله وأخرجه من بيتك، ولا تفسد به أخلاق نسائك، وأولادك وجيرانك، فتكون مع الذين يحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم. أمة الإسلام أخي المسلم! هل ترضى أن تكون ابنتك راقصة مغنية؟ هل ترضى أن تكون زوجتك راقصة مغنية؟ هل ترضى أن تغازل زوجتك الرجال الأجانب؟ هل ترضى أن يكون ولدك مغنياً يقضي وقته في معصية الله؟ إن كنت ترضى ذلك فالله يعينك على ما أمامك من السؤال والحساب الشديد، وإن كنت لا ترضى بذلك، فتب إلى المولى القدير، تب إلى عالم السر والنجوى، أخرج هذه الفتن من بيتك قبل أن يأتيك الأجل وهي في بيتك، ميراث لأولادك، يشبون عليها ويهرمون، ثم بعد ذلك تكون عليك حساباً ووبالاً يوم القيامة. اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن أبداً ما أبقيتنا يا رب العالمين! عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وسلم تسليماً كثيراً يا رب العالمين! اللهم ارض عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. لا إله إلا أنت سبحانك، لا رب لنا سواك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، نسألك بأن لك الْحَمْدُ، لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! أن تعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين! اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، نأمر بالمعروف ونأتيه، وننهى عن المنكر ونجتنبه يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم نفس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم واشفِِ مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم واغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم فاغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، وأغلسهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا، والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

فضل القرآن الكريم

فضل القرآن الكريم إن الله جل وعلا أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعل له أعظم معجزة، وهي القرآن الكريم؛ وإن للقرآن فضائل شهد بها أعداء الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس فضائل القرآن الكريم وما يجب علينا نحوه.

أكبر معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

أكبر معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، أحمدك اللهم وأشكرك على نعمة القرآن العظيم، وأشهد أن لا إله إلا أنت بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، جلَّ رباً وتعالى ملكاً {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] خلق فسوى، وقدّر فهدى، وأنزل على عبده ورسوله محمد: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] وأشهد أن محمداً عبده رسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى وأطيعوه، فلقد أنعم الله عليكم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أنزل الله عليه القرآن الذي هو أكبر معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أتم الله نعمته الكبرى التي قشعت ظلام الجهل والشرك، نعمة الإسلام التي أخرج الله بها العباد من ظلمات الجهل والضلال، من عبادة العباد إلى نور الإيمان، إلى نور العلم والهدى، إلى الهداية السعيدة، إلى عبادة الواحد الديان. يا عباد الله! إنه الكنز العظيم وإنه القرآن العظيم {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:1].

حكمة إنزال القرآن

حكمة إنزال القرآن القرآن شفاء لما في الصدور، وهدى للمؤمنين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]. القرآن أنزله الله للعمل به، ولتدبر آياته، وللاتعاظ والتذكير {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. القرآن أنزله الله ليعرف الخلق بخالقهم جلَّ وعلا، ويُعرِّفهم أنهم مبعوثون، ولم يخلقوا عبثاً {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف:54] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. القرآن نزلت فيه البشارة للمؤمنين, والنذارة للكافرين: {قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً} [الكهف:2 - 3]. القرآن أنزله الله ليكون المُحكِّم الأول في جميع شئون حياة المسلمين: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. نزل القرآن عصمةً ونجاة لمن تمسك به، أنزله الله حجةً على العالمين، وعلامةً على صدق رسالة عبده ورسوله محمد. نعم! أنزل القرآن بتلكم الأمور.

بلاغة القرآن وشهود الأعداء له

بلاغة القرآن وشهود الأعداء له نزل القرآن بأروع أسلوب وأروع بيان. ولا عجب -أيها المسلمون- أن ينزل القرآن بأروع لفظ, وأجمل معنى, وأفصح بيان، وهو كلام الله جلَّ جلاله, الذي تكلم به، وأنزله تسبيحاً خالداً لا يغير ولا يتغير على مدى الزمان: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. لا عجب! فهو حجة الله على عباده، وآية رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعجزة محمد التي تحدَّى الله بها عملاء الضلالة على أن يأتوا بمثله، فعجزوا، ثم بعشر سور مثله، فنكسوا على أعقابهم، ثم بآية، فانقطعوا، وصدق الله العظيم الذي أخبر: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. يروي أحد المفسرين أن الوليد بن المغيرة أحد المشركين استمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قول الجبار: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:1 - 3] فلما فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعاد القراءة، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، فقال: "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً لا هو من كلام الإنس ولا هو من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه طلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدقٌ أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته". هكذا يشهد هذا الطاغية الوليد بن المغيرة لكلام رب العالمين، لا عجب أن يشهد هذا الطاغية في هذه الحقيقة، فمستوى القرآن البلاغي فوق ذلكم، بل فوق كل معارضة ومعاندة، وهاهو يُتلى من مئات السنين، فلا يشبع منه عالم، ولا يمل منه تالٍ، أو سامع متدبر، لا مع كثرة الرد، بل يزداد كنوزاً ومعانٍ جديدة، وحكماً وأسراراً تتجلى بكثرة تكراره, أودعها فيه من جعله تشريعاً وديناً ونظاماً للبشرية جمعاء، أودعها فيه إلى أن تقوم الساعة. أيها المسلمون! إن بين أظهركم لكنزاً عظيماً لا ينفد، ومنهلاً عذباًَ صافياً لا ينضب، ولا يسن أبداً، لا يقع فيكم قول الرسول عن ربه عز وجل: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30]. لقد علا الغبار كتاب الله، لقد تُرِكَ كلام الله، لقد نُهِبَ كتاب الله وعُزِلَ عنه الأكثرون، بين أظهرنا هذا القرآن الكريم الذي جعله الله مخرجاً من كل فتنة, ونجاة من كل بلية، جعله لكم هدىً ونوراً ورحمةً وشفاءً وبركةً، وجعله خيراً محضاً، إنه القرآن العظيم، ولكن لما تدهورت الأفكار، ونقصت العقول بما طمّ عليها وعمّ من بلايا الدنيا وفتنها نُسِيَ القرآن.

التمسك بالقرآن والعمل به

التمسك بالقرآن والعمل به أمة الإسلام! أمة القرآن! إن القرآن ما نزل على محمد وصحابته خاصة، بل نزل إلى كل من يدَّعي الإسلام، إلى كل من يقول: (لا إله إلا الله) إلى كل من يقول: آمنت بالله وبرسله وبكتبه وباليوم الآخر، إنه القرآن الذي أعرض عنه أكثر المسلمين، فأصابهم تشتتاً في أفكارهم, وميولاً عن الحق، وضياعاً عن طريق الحق والصواب، وهذه سنة الله على كل من أعرض عن كلام الله، فتلاوة القرآن واستماعة طاعة لله عز وجل، والعمل بالقرآن، والدعوة إلى القرآن طاعة لله عز وجل. أمة الإسلام! إن المسلمين اليوم في زمن فتن عظيمة, تموج أعاصيرها كموج البحار، فتن شهوات وشبهات، فتن قيل وقال، فتن أعداء تكالبوا على الإسلام من شيوعية , ويهودية , ونصرانية قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف:8] ولا حول ولا قوة إلا بالله. أمة الإسلام! إنه لا سلامة لكم ولا نجاة إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التمسك بالقرآن الكريم قولاً وعملاً واعتقاداً، عملاً بمحكمه، وإيماناً بمتشابهه، وتصديقاً لأخباره، فهو حبل الله القائم بينكم وبينه، إن تمسكتم بالقرآن وصلتم إلى الله، وإذا انقطعتم عن القرآن انقطعتم عن الله، فاتقوا الله وتمسكوا بكتاب الله تمسكاً صادقاً تُرى آثاره في أعمالكم وأقوالكم, وفي آذانكم ومعاملاتكم، في إقبالكم عليه تلاوةً ودعوةً وتعليماً وتعلماً وتحاكماً وتحكيماً في كل شأن من شئونكم -يا أمة الإسلام- سواء كان اجتماعياً، أم اقتصادياً، أم ثقافياً، أم عسكرياً، فلا يصح أن يحكم بعض القرآن ويُعطَّل بعضه, كما لا يصح الإيمان ببعضه ويكفر ببعضه، فخذوا به جملةً وتفصيلاً، فما هو إلا التمسك بالقرآن والنجاة، أو الإعراض والهلاك، يقول صلى الله عليه وسلم: {إني تاركٌ فيكم ما لم تضلوا إذا اعتصمتم به: كتاب الله, وسنتي} ويقول جلَّ وعلا: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123 - 126]. اللهم ارزقنا التمسك بكتابك, لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا أنت مغيث اللهفات, ومجيب الدعوات, ومنزل الكتاب، ومجري السحاب، لا إله إلا أنت ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا للقرآن، اللهم ارزقنا العمل بالقرآن، اللهم ارزقنا اتباع القرآن، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم اقشع غيوم الغفلات والسهوات عن قلوبنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروا إليه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

فضل قراءة القرآن وتعليمه

فضل قراءة القرآن وتعليمه الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء, وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا ونبينا وقدوتنا محمداً الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها المسلمون! اعلموا أن القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أشرف رسول, إلى خير أمة أُخرجت للناس، بأفضل الشرائع وأسماها وأكملها، أنزل القرآن لكي يقرأه المسلم ويتدبر معانيه, ويتفكر في أوامره ونواهيه، ثم يعمل به، فيكون حجةً له عند ربه. القرآن حجةً لك أو عليك, يقرأه المسلم, ويعمل بمحكمه, يؤمن بمتشابهه, ليكون شفيعاً له يوم القيامة، وقد تكفّل الله بمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: {يُؤتى يوم القيامة بالقرآن، وأهل القرآن الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما} ويقول صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه} ويقول صلى الله عليه وسلم: {يجيء القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب! حله -أي: ألبسه حلة صاحب القرآن الذي عمل بالقرآن- فيلبس تاج الكرامة، يقول: يا رب! زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا ربِ! ارض عنه، فيقال: اقرأ وارق -يعني: في درج الجنة- فيزداد بكل آية حسنة} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من قرأ القرآن فاستغفره -أي: حفظه عن ظهر قلب- فأحل حلاله وحرم حرامه، أدخله الله به الجنة، وشفِّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار} وقال صلى الله عليه وسلم: {من قرأ حرفاً من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها} وقال صلى الله عليه وسلم: {من استمع إلى آية من كتاب الله، كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة} وقال صلى الله عليه وسلم: {وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة, وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده} {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4]. أيها المسلمون! هل بعد هذا الفضل العظيم فضلٌ أعظم من هذا؟ لنتساءل جميعاً هل بعد هذا الفضل العظيم فضلٌ أعظم من هذا الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا والله، ثم لا والله، لكنَّ المسلمين -أسأل الله أن يردنا جميعاً إلى الحق- لما أعرضوا عن كتاب الله واستبدلوه بالمجلات والجرائد واستماع الملاهي! هان عليهم هذا الفضل العظيم، وسيكونون في خسارة وسفال، إن لم يرجعوا إلى ربهم وإلى دينهم القويم المستمد من هذا الينبوع العظيم، وهو القرآن الكريم.

التمسك بالقرآن نجاة من الفتن

التمسك بالقرآن نجاة من الفتن أيها المسلمون! لقد أخبرنا البشير، فقال: {إنها ستكون فتن! فَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم: ما المخرج منها؟} هل هي الجريدة التي نجلس على قراءتها الساعة وتمام الساعة، وأكثر من الساعة؟ هل هو في الفيديو الذي يَعِرَض الخلاعة والشناعة والعار؟ أم في التلفاز الذي يُعَرض فيه البلاوي والسفور؟ أم في استماع الأغاني؟ لا. لا يا أمة الإسلام! كل هذه حدثت بعد الرسول، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. {ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله! فيه نبأ ما قبلكم, وخبر ما بعدكم, وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أذله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تنقضي عجائبه} , من الذي أخبرنا عن قوم هود, وقوم نوح، وقوم ثمود، وقوم عاد، وما أصابهم من العذاب إلا القرآن العظيم؟ {لا تنقضي عجائبه, ولا يشبع منه العلماء} , أين العلماء؟ لا إله إلا الله. اللهم بَغِّض حب الدنيا في قلوب العلماء, حتى يرجعوا إلى كلام رب العالمين، وليبينوا ما فيه من الآيات والذكر الحكيم لعباد الله المؤمنين، اللهم أيقظ العلماء من سهاد الرقاد يا رب العالمين. {لا تشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم}. إذا علمت هذا أيها المسلم، فاعلم أن القرآن قد بين فيه كل ما يحتاج إليه العباد, من أصول الدين وفروعه, وأحكام الدارين، وفيه بيان الحلال والحرام, والثواب والعقاب, وهدىً من الضلالة, ورحمةً لمن صدق به وعمل بما فيه, وحكمه في الدقيق والجليل, والويل ثم الويل لمن رجع عن كتاب الله إلى تحكيم القوانين الوضعية, وترك القرآن وأعرض عنه, وأخذ في المجلات والجرائد الكاذبة، فكل حكم سوى حكم الله فهو باطل مردود، وكل حاكمٌ بغير حكم الله ورسوله فهو طاغوت كافر بالله. فيا أمة الإسلام! يا أمة القرآن! ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! ويا خير أمة أخرجت للناس! انفضوا الغبار عن القرآن، وارجعوا إلى كلام الله. عباد الله! إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ شذ في النار. وصلوا على خير خلق الله، محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين, وأرشدنا برحمتك حتى نتبعهم. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اكفنا شر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً عليهم يا رب العالمين، اللهم أذلهم بعز الإسلام والمسلمين، اللهم اخذلهم بعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين عليهم يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

قبل أن تحاسبوا

قبل أن تحاسبوا الإسلام ليس بمجرد الاسم والدعايات الكاذبة، بل هو بالاستسلام والخضوع والانقياد لله رب العالمين، وأقوى عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، ومن محادة الله ورسوله التكبر على أوامره وترك التحاكم إلى شريعته، والتغافل عن الواجبات وفعل المنكرات. ولا تشيع المنكرات إلا إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أسس وقواعد الدين الإسلامي

أسس وقواعد الدين الإسلامي الحمد لله رب العالمين، الذي يسر لعباده حج بيته الحرام، وعادوا بسلامةٍ وأمنٍ وأمان، فلله الحمد والمنة، وله الشكر على كل حال، فهنيئاً لمن تقبَّل منه مولاه هذا الحج، فقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وهنيئاً لمن تقبل الله منه الحج، ولم يرفث، ولم يفسق، وكان حجه مبروراً، فإن مآله إلى الجنة، كما قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة} وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل. عباد الله: هنيئاً لمن أسلم وعرف الإسلام حقيقة، فإنه يمشي على نورٍ وهدىً من الله عز وجل، وبالعكس فإن الذي لم يعرف حقيقة الإسلام، ولم يقبل هدى الله، فإنه كالمكب الذي يمشي على وجهه، نسأل الله العفو والعافية، اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد والثبات على الإسلام. عباد الله! لقد ضرب الله لذلك مثلاً، فقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]. عباد الله! إن الإسلام قد بُني على أسس ثابتة، وقواعدٍ متينة، بإقامتها تحصل الاستقامة، وبوجودها يكون القرب من الله عز وجل، قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {إن الله -تبارك وتعالى- قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ من أداء ما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليًّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله، تردُّدي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه} رواه البخاري. يقول ربنا جل وعلا: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22].

الإسلام ليس بمجرد الاسم

الإسلام ليس بمجرد الاسم الإسلام -يا عباد الله- ليس بمجرد الاسم، وليس بالدعايات الكاذبة، بل الإسلام هو: الاستسلام لله، والانقياد له سبحانه بالقول والاعتقاد والعمل، فلا يستقيم إيمانُ عبد بدون عمل، ولا ينفع عمل بدون إيمانٍ وعقيدةٍ صحيحة، كما أن العمل لا يقبل إلا إذا كان صالحاً خالصاً لله، جارياً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن المبعوث رحمةً للعالمين الأسس التي بُني عليها هذا الدين القويم، فقال صلى الله عليه وسلم: {بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام} رواه البخاري ومسلم.

أسس الإسلام متضمنة للحب والبغض في الله

أسس الإسلام متضمنة للحب والبغض في الله ثم يا عباد الله! ثم يا أمة الإسلام! اعلموا أن هذه الأسس التي أُسس عليها الإسلام هي أسس متلازمة، ووحدةٌ متماسكة، فحقيقة الدين الإسلامي أنه إيمانٌ بالله وبرسوله، وتوحيد الله، وإخلاصٌ لله، وزكاةٌ، وصلاةٌ، وصومٌ، وحجٌ، وفعلٌ للواجبات، وتركٌ للمحرمات، وامتثالٌ للأوامر، واجتنابٌ للنواهي، ومحبةٌ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبةٌ لعباد الله المؤمنين، وبغضٌ لما يبغضه الله ورسوله من الكفر والفسوق والمعاصي، فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وهو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وقد أخبر الله جلَّ وعلا أنه لا يجتمع إيمانٌ بالله ومحبة من عصى الله ورسوله ولو كان من أقرب الناس كالأب والابن والأخ والعشيرة، قال الله جلَّ وعلا: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة:22].

بعض صور المحادة لله ولرسوله

بعض صور المحادة لله ولرسوله إن من أعظم المحادة لله ولرسوله ترك الحكم بالكتاب والسنة، واستبدال الحكم بهما بالقوانين الوضعية -نسأل الله العفو والعافية. ومن المحادة لله ولرسوله: ترك الواجبات، وفعل المحرمات؛ كالربا، والزنا، واللواط، وشرب الخمور، وعقوق الوالدين، وظلم العباد، وإسبال الثياب، وأكل مال اليتيم، وإتيان الكهان والسحرة والمشعوذين لا كثَّرهم الله. أيها الناس! أيها المسلمون! اعلموا حق اليقين أن أعظم هدم للعقيدة هو وجود الكهان والسحرة والمشعوذين الآن لا كثَّرهم الله، ونسأل الله أن يبعدهم عن ديار المسلمين. إن أعظم هدمٍ للعقيدة هم الكهان والسحرة والمشعوذين، وما يصدرونه من الكذب والدجل والخرافات والخزعبلات. ومن المحادة لله ولرسوله: التكبر على الخلق، واستماع الأغاني والموسيقى، وتصوير ذوات الأرواح. يا من تصور ذوات الأرواح! اعلم أنك عاصٍ لله ولرسوله، وأن أشد عذاباً يوم القيامة المصورون، واعلم يا أيها المسلم! أن البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة. ومن المحادة والمعاندة والعصيان لله ولرسوله: حلق اللحية التي تهاون بها أكثر الناس نسأل الله العفو والعافية. ومن ذلك: إعفاء الشوارب التي يسمونها الشنبات، وقد أخبرتكم في خطبةٍ غير هذه أن في حديثٍ ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من لم يأخذ من شاربه، فليس منا}. نعم! ومن أعظم المحادة والمعاندة والعصيان: التبرج والسفور من النساء الذي يوجد في أسواق المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. كل هذا يا عبد الله! من اتباع الهوى، ومن طاعة النفس والشيطان، والنفس الأمارةٌ بالسوء إلى المعاصي.

أسباب انتشار المعاصي والآثام

أسباب انتشار المعاصي والآثام المعاصي والآثام التي عمت وطمَّت في بلاد الإسلام والمسلمين، وتلبَّس بها أكثر الناس، أتدري لماذا حصل ذلك يا عبد الله؟!

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما تهاون المسلمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزال عنهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً} هل يوجد فينا هذا الحديث -الآن- يا عباد الله؟ أنا أجاوبك من على هذا المنبر: لا، لا يوجد فينا. {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} لا يوجد فينا هذا -يا عباد الله- لو كان هذا يوجد بين المسلمين؛ لأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، وأخذنا على يد السفيه، وأطرناه على الحق أطراً، ولكن هذا لا يوجد. انظر ماذا أثر التلفاز من وقت وجوده حتى الآن والمسلمون ينقصون أفواجاً أفواجاً عن صلاة الصبح، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! فالتلفاز بينه وبين صلاة الفجر صراعٌ عظيم. فمن سهر مع التلفاز، ومع الأفلام والتمثيليات، فحريٌ به ألا يعرف صلاة الفجر إلا في رمضان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لماذا يا عبد الله لا يكون عندك هذا الإحساس؟ جارك لا يعرف الصلاة في المسجد وأنت ساكتٌ عنه، ولا ترشده، ولا توقظه لصلاة الفجر، أما علمت أنه يوم القيامة سوف يمسك بتلابيبك بين يدي رب العالمين، ويقول: يا رب! إن فلاناً ظلمني، بماذا؟ ثم تقول: والله ما أخذت ماله، ولا هتكت عرضه، ولا، ولا، ثم يقول: صدق، ولكنه رآني على المنكرات، ولم يأمرنِ ولم ينهنِ، أولادك سوف يوقفونك بين يدي الله عز وجل لتركك إياهم لا يعرفون المساجد، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قد ملئت بطونهم بالمأكولات والمشروبات، وكسيت ظهورهم، وبنيت لهم الفلة، ووسعت لهم المساكن، ولكن قطعتهم من الغذاء الروحي -غذاء الإيمان- وهو تعليم الكتاب والسنة، فلو تعلموا الكتاب والسنة، ما اتخذوا الكرة لهم إلهاً من دون الله، ولما رأيتهم في الشوارع يهيمون ويسرحون ويعبثون، وأنتم عنهم لاهون. يا أمة الإسلام! والله إنها عليكم مسئوليةٌ عظيمة، سوف يتمنى الإنسان يوم القيامة أنه ليس له أولاد، أمانةٌ في عنقك يوم القيامة سوف تسأل عنها بين يدي الله رب العالمين، تخرج إلى المسجد وأولادك في مضاجعهم نائمون، تخرج إلى المسجد وأولادك في الشوارع يهيمون ويسرحون وراء الكرة، وبالليل وراء التمثيليات والأفلام، سوف تسأل عنهم أمام رب العالمين، فأعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً. نعم يا عبد الله! هذه حال الكثير من الناس.

عدم معرفة الله حقيقة

عدم معرفة الله حقيقة والبعض منهم لا يعرف الله إلا في رمضان، تجدهم في رمضان يملئون المساجد ويقرءون القرآن، ويتصدقون، فإذا انتهى رمضان، ودعوا المساجد، وهجروا القرآن، هل عرفوا الإسلام حقيقة؟ أم هل عرفوا الله الذي خلقهم وأوجدهم من العدم إلى الوجود؟ أم هل عرفوا الله الذي يطعمهم ويسقيهم، وإذا مرضوا فهو يشفيهم؟ إنهم لو عرفوا الله حقيقة، لما اقتصرت طاعتهم لله في رمضان -فقط- ويعصونه ويجفونه في باقي السنة، والله يقول -وقوله الحق-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] هل أخبرت ابنك الصغير أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين؟ بعض الأطفال صار بينه وبين والده صراع، يقول: إن الذي يأتي في التلفاز -وهو من أفلام الكرتون- أنه أقوى من الله عز وجل! انظروا إلى هذا الهدم من أعداء الإسلام والمسلمين كيف يهدمون العقيدة! أبى الطفل الصغير أن يعترف بأن القوة لله، يقول: القوة للذي يأتي في التلفاز في أفلام الكرتون- نسأل الله العفو والعافية- وهذه هي التي يريدها أعداء الإسلام؛ لأن الطفل الصغير كالحجر إذا نقش فيه النقش، فإنه لا يتغير، فإن أفلام الكرتون تؤثر في الطفل الصغير، وتنقش في قلبه تلك الخرافات التي يبثونها لهذا الطفل الصغير، فأسأل الله عز وجل أن يهدي ضال المسلمين. نعم يا عبد الله! البعض من الناس يحج ويعتمر، وإذا رجع لم يزدد بحجه وعمرته قرباً من الله تعالى، بل يعتبر ذلك حملاً وضعه عن ظهره، ولم يفكر بما عند الله من الأجر والثواب العظيم.

اعتبار العبادات عادات وتقاليد

اعتبار العبادات عادات وتقاليد الخلاصة يا عباد الله! أن البعض يعتبر الصلاة والصيام والزكاة والحج عادات وتقاليد ورثها عن الآباء والأجداد، ولم يعلم أنها أركانٌ تعبد الله بها الخلق، وأوجدهم لأجلها، فمن قام بها وأدَّاها امتثالاً لأمر الله عز وجل، فهو من الذين قالوا: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} [الإنسان:10 - 13]. تصورهم -يا عبد الله- وهم في ذلك المكان الآمن {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:13 - 21] وفي النهاية يقال لهم: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} [الإنسان:22] هذا لمن أطاع الله ورسوله وقام بهذا الدين، أما الذين بعكس أولئك عصوا الله ورسوله، ولم يقوموا بهذا الدين، فاسمعوا ماذا يقول الله عنهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [السجدة:12 - 14] فذوقوا، لا تحسبون أن الله غافلٌ عنكم، يا من أذهبتم حياتكم سُدى، وأوقاتكم قتلتموها في غير طاعة الله {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة:14]. أيها الإنسان! أنت في ميدان العمل، في الحياة الدنيا وعندك الإمكان. أيها الإنسان! أنت في وقت الإمكان، فاختر لنفسك إحدى الدارين إما العمل الصالح وبعده الجنة، وإما العمل الخبيث وبعده النار. أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، وأن يجعلنا من أهل الجنة، وألا يجعلنا من أهل النار اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

جزاء من أطاع الله وجزاء من عصاه

جزاء من أطاع الله وجزاء من عصاه الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي بلَّغ رسالة ربه، ونصح الأمة، وأدَّى الأمانة التي اؤتمن عليها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المسلمون! أطيعوا الله ورسوله، فإن في طاعة الله وطاعة رسوله سعادة الدنيا والآخرة {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] اسمع يا عبد الله! اسمع وعد الله الذي لا يخالف، ولا يمانع {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] واحذر -يا عبد الله- من معصية الله ومعصية رسوله، فإن فيهما العطب والهلاك، وعاقبة ذلك دخول النار التي وقودها الناس والحجارة -والعياذ بالله- {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23]. إن المجرم الذي يتعدى الحدود، ويقترف الموبقات، ويعص الله ورسوله في ضلال وسعر، اسمعوا قول الحق جلَّ وعلا: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [القمر:47] تصور يا عبد الله! {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] أما المتقين الذي أطاعوا الله ورسوله، وعملوا الصالحات، وامتثلوا الأوامر، واجتنبوا المنهيات، اسمعوا قول الحق: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر أين الاشتياق؟! أين الاشتياق إلى تلك المقاعد يا عبد الله؟! أين الاشتياق إلى القرب من الله عز وجل؟! {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] ولهم في الجنة، في دار النعيم من الكرامات ما لم تسمع به الآذان، ولم تر الأبصار، ولم يخطر على قلوب البشر، فهنيئاً لهم في دار الكرامة والنعيم المقيم التي قال الله فيها: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:15] هؤلاء المتقون الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأطاعوا الله والرسول. اسمع يا عبد الله! هذا كتاب الله ينطق عليكم بالحق، فإن شئت فخذ، وإن شئت فدع، والموعد غداً {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] أما المجرمون فيقول الله عنهم: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]. اللهم اجعلنا من المتقين المؤمنين، ولا تجعلنا من المجرمين، اللهم لا تجعلنا من المجرمين. عباد الله! فضل الله واسع، والخير كثير، وما عليك -يا عبد الله- إلا أن تقبل على الله عز وجل، اسمع إلى هذا الفضل اليسير، طرفاً يسير يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى لله في اليوم والليلة اثنا عشرة ركعة تطوعاً من غير الفريضة، بنى الله له بيتاً في الجنة} أي بيت يا عبد الله في الجنة! هل هي فلة تخرب؟ هل هي زوجةٌ تموت من زوجات الدنيا؟ هل هي الحياة الدنيا التي فيها التنغيصات والتنكيدات؟ لا. في جنات النعيم التي لا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبانها، ولا تبلى ثيابهم، نعيمهم دائمٌ في حياةٍ أبدية بجوار أرحم الراحمين، فمن أراد ذلك؛ فلينافس بالأعمال الصالحة. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد والعناد. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم ارزق ولاتنا الجلساء الصالحين الناصحين. اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين والعلماء العاملين، الذين يبينون لهم طرق الخير، ويحذرونهم من طرق الشر. اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين الذين يعينونهم إذا ذكروا، ويذكرونهم إذا نسوا يا رب العالمين. اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أبعد عنهم البطانة الفاسدة، اللهم أبعد عنهم البطانة الفاسدة. اللهم أنزل في قلوب ولاة أمورنا بغض البطانة الفاسدة يا رب العالمين إنك على كل شيءٍ قدير وبالإجابة جدير. اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين، اللهم اجمعنا في جنات النعيم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقاءك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

قصة لوط

قصة لوط قصص الأمم السابقة هي مرآة لسنة الله في هذا الكون، وفيها آية للمؤمنين، وهذا النوع منها -أي قصص الأمم المجرمة وما حل بها من عذاب الله- جدير بالتدبر والتفكر في أعمالهم الخبيثة وعقوباتهم الشديدة، وما هي من الظالمين ببعيد. وهنا في قصة لوط ظهور لجريمة بشعة، ثم ظهور لنبي ينذر ويحذر، ثم كيف كان تكذيبه وكيف كانت العاقبة، وتكتمل الصورة بذكر النظرة الخالدة لشريعتنا إلى مثل هذه الأعمال المشينة.

رسل الله في بيت لوط عليه السلام

رسل الله في بيت لوط عليه السلام الحمد لله الحي القيوم، الباقي وغيره لا يدوم، رفع السماء وزينها بالنجوم، وأمسك الأرض بجبال بالتخوم، صور بقدرته هذه الجسوم، ثم أماتها ومحى الرسوم، ثم ينفخ في الصور فإذا الميت يقوم، ففريق إلى دار النعيم وفريق إلى نار السموم، اللهم اجعلنا من أهل دار النعيم ولا تجعلنا من أهل نار السموم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

شناعة جريمة قوم لوط

شناعة جريمة قوم لوط أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! في هذه الخطبة نتحدث عن قوم أرسل الله إليهم رسولاً يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ولم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم: ألا وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم يعهدونه ولا يألفونه ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله، فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام قال الله تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف:80 - 81] نعم يا عباد الله! كانوا يرتكبون ذنب اللواط، الذنب الذي يغضب رب العباد، إنها لفاحشة يضيق بها الفضاء، وتأُج لها السماء، ويحل بها البلاء، فكشف حال وسوء مآل، وداء عضال، وقبح فعال، عيب دونه سائر العيوب، جريمة اللواط، عيب تموت به الفضيلة، وتحيا به الرذيلة، اللواط عمل مسبوب ووضع مقلوب، اللواط فاعله ملعون، اللواط خلقٌ فاسد، وشرف مسلوب، وعرض ممزق، وكرامة معدومة، وعاقبته زهري وجرب ذو ألوان. إنها الجريمة الشنعاء، إنها الجريمة البشعة، إنها الجريمة القبيحة، إنها اللواط، إنها ركوب الذكور بعضهم على بعض، اللهم إن في هذه الفعلة الشنيعة من الخزي والعار ما لا تطيقه الطباع السليمة، إنه فعل أمة قديم عصرها، باق ذكرها، كثير شرها، وهي مشهورة ببلاد " الغور " بناحية حيال البيت المقدس بينها وبين بلاد الكرك والشوبك إنها أمة ترتكب هذه الفاحشة الشنيعة والجريمة الفظيعة علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله لهم من أزواج ولا يبالون بمن يعتب ويشنع عليهم. بالغ لوط عليه السلام في دعوتهم إلى توحيد الله عز وجل، وحذرهم من فعل الفاحشة وهي إتيان الرجال دون النساء، وبالغ في إنذارهم وتحذيرهم، وكان الجواب من أولئك العصاة الكفرة الفجرة على تلك النصائح أن قالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56] يقولون هذا ومقصدهم السخرية والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته ولم يلتفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه بل شكوا فيه وتمادوا به؛ أرسل الله عز وجل إلى لوط عليه السلام ملائكة بصفة حسنة: جبريل، وميكائيل، واسرافيل في صور شباب مرد حسان وذلك محنة من الله واختبار لقوم لوط، فأضافهم لوط عليه السلام وهو خائف عليهم من قومه الذين يرتكبون جريمة اللواط. وزوجته زوجة السوء العجوز الكافرة الخبيثة -زوجة لوط- أرسلت إلى قومها فأعلمتهم بأضياف لوط، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان يريدون أولئك الشباب المرد الحسان، فأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب وذلك عشية ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ويقول لهم: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِين} [الحجر:71] {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:79] أي: ما يريدون الحلال، ما يريدون زوجاتهم أي: ليس لنا فيهن إرب {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد} [هود:79]. ولما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول خرج عليهم جبريل عليه السلام وضرب أعينهم بطرف جناحه فانطمست أعينهم يقال: إنها غارت، ويقال: إنه لم تبق لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان عمياناً، ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37] وقد جاءت الملائكة للوط عليه السلام تبشره بفرج الله القريب وتأمره بالخروج من بين أظهر أولئك الكفرة الفجرة؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، قال الله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر:65 - 66] هذا المرسوم الملكي نزل من رب العالمين، اخرج يا لوط. فخرج لوط عليه السلام ومن معه آخر الليل فنجى مما أصاب قومه، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد، ولا رجل واحد، حتى امرأته أصابها ما أصابهم، وخرج لوط عليه السلام وبنات له من بين أظهرهم سالماً لم يمسسه سوء.

عاقبة فعلهم والحكمة من إيراد أخبارهم

عاقبة فعلهم والحكمة من إيراد أخبارهم قال الله تعالى عن قوم لوط: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيل * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:74 - 77] يخبر الله جلَّ وعلا بالقدرة التامة أنهم أخذتهم الصيحة بأمره جلَّ وعلا، وهي ما جاءهم به من الصوت القاصف عند شروق الشمس، وذلك مع رفع بلادهم إلى عنان السماء ثم قلبها وجعل عاليها سافلها، وإرسال حجارة السجيل عليها. أمر الله جبريل ذي القوة المتين فاقتلع ديارهم من أصولها ورفعها إلى السماء الدنيا -حتى سمع الملائكة نباح الكلاب وصياح الديكة- فقلبها عليهم، ثم أتبعهم الله بحجارة من سجيل منضود فتلكم يا عباد الله! تلكم قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة في طريق مهلع، مسالكه مستمرة إلى اليوم وهو المعروف بـ البحر الميت الذي لا يعيش فيه شيء. انظروا إلى قدرة الخالق يا عباد الله! بعد أن كانت أمم تعيث في الأرض فسادا أهلكهم الله وصارت مساكنهم بحيرة ميتة لا يعيش فيها شيء. أيها المسلمون: أتدرون لماذا ذكر الله أخبارهم في كتابه العظيم، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنه والله ثم والله ما ذكر أخبارهم إلا لنعتبر بما أصابهم، ونحذر كل الحذر مما كانوا عليه من سوء الحال وقبح الفعال، قال الله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] أي: العقوبة ما هي ببعيدة عمن يعمل عمل قوم لوط، سبحان الله! كيف يقع ذكر على ذكر وهو يعلم أن الله جلَّ وعلا يراه وقد نهاه، بل وهو يعلم ما في ذلك من مخالفة العقل والدين وما فيه من خطر وغضب وشر مستطير وخزي وعار؟! هذا في الحقيقة فعل تترفع عنه طباع الكلاب والبغال والحمير بل والقردة والخنازير، وما ظهر اللواط في أمة إلا ذلت وأخزيت وسلب عزها، وإذا أراد الله جلَّ وعلا إهلاك قرية فسق فيها المترفون فاستحقت الخراب والدمار. فانتبهوا أيها المسلمون! وتناصحوا، واحفظوا أولادكم، واعلموا أنكم مسئولون عنهم وعن إهمالكم لهم، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تهدينا لأحسن الأعمال والأخلاق وأحبها إليك، وأن تصرف عنا سيء الأعمال والأخلاق وأبغضها إليك، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

نظرة الشريعة الإسلامية إلى هذه الجريمة

نظرة الشريعة الإسلامية إلى هذه الجريمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته، عباد الله! احذروا وحذروا من اللواط، وعجباً يا عباد الله! أن نرى تلك العادة الشائنة القبيحة تنتقل من أولئك الأشرار الذين خسف الله بهم إلى غيرهم من النوع الإنساني مع أنها لم تكد توجد في الحيوانات الأخرى، فإنكم لا تكادون تجدون حيوانا من الذكور يأتي ذكراً مثله اللهم إلا قليلاً نادراً. إن جريمة اللواط فيها عار وخزي ودمار. عباد الله: إن ما نسمعه من الذين قد أذهب الله عقولهم بما يستعملونه من المسكرات والمخدرات، أو انتزع الله منهم الحياء من فعلهم القبيح، فكيف يليق برجل يبلغ من العمر أربعين سنة أن يرتكب جريمة اللواط بطفل لا يبلغ الرابعة من عمره ثم بطفل لم يبلغ الخامسة من عمره ثم بطفل لم يبلغ السادسة من عمره؟ اللهم إنا نسألك العفو والعافية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب} [آل عمران:8]. ثم البعض من الذين انتزع الله منهم الحياء إذا عملوا جريمة اللواط؛ أتبعوها بجريمة القتل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اهدنا لسوء السبيل، اللهم اهدنا صراطك المستقيم، اللهم جنبنا طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين. أمة الإسلام: أرشدنا الشارع الحكيم إلى قتل من ارتكب هذه الجريمة ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به}. عباد الله: كذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط} وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله من عَمِلَ عَمَل قوم لوط، لعن الله من عَمِلَ عَمَل قوم لوط، لعن الله من عَمِلَ عَمَل قوم لوط، ثلاث مرات} وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها} ويروي أنس رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله تعالى إليهم حتى يحشره معهم}. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار وصلوا على رسول امتثالا لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: {من صلى علي صلاة الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن ترضى عن أصحاب رسولك أجمعين وفي مقدمتهم الخلفاء الراشين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، ودمر المفسدين يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة المسلمين أجمعين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، ياذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وتر حمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اسقنا، اللهم أنت أرحم بنا من أمهاتنا، اللهم أنت أرحم بنا من أنفسنا يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين! يا أجود الأجودين! يا من خزائنه ملأى! لا تضره النفقات، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق يا أرحم الراحمين. اللهم احيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم مفرج الكربات، مغيث اللهفات مجيب الدعوات، سامع الأصوات، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين! يا من قال وقوله الحق: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} [غافر:60]. اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والسفور والتبرج والأفلام الخبيثة والأغاني الماجنة والأخلاق السافلة، اللهم ارفعها عنا بمنك وكرمك، واهدنا لطاعتك وجنبنا معاصيك، اللهم افتح على قلوبنا لقبول الحق يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

قصة موسى عبرة للطواغيت

قصة موسى عبرة للطواغيت إن الله سبحانه وتعالى أورد قصص الأنبياء والمرسلين في كتابه عبرة للمؤمنين وتسلية للعلماء والدعاة إلى رب العالمين، وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس قصة موسى عليه السلام وما حصل له مع فرعون من حوار وشجار؛ حين دعاه إلى الله سبحانه وتعالى، وكيف نصره الله عز وجل، وأغرق فرعون وجنوده، وجعل لهم النار يعرضون عليها غدواً وعشياً، ويوم القيامة لهم عذاب أليم.

رؤيا فرعون وموقفه من بني إسرائيل

رؤيا فرعون وموقفه من بني إسرائيل الحمد لله رب العالمين الذي أوجد جميع الكائنات بقدرته, وقهرها بقوته, أحمده سبحانه وأستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من جميع بريئته ابتعثه الله رحمة لمن آمن به وأجاب دعوته, وحجةً على من أعرض عما جاء به وقطعاً لمعذرته, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وذريته ومن اقتفى أثره واتبع سنته. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ. عباد الله: ودعتم عاما ًمضى وقد ظهر لكم ما فيه من العبر, وتستقبلون عاماً جديداً، الله أعلم ما أنتم فاعلون فيه, فإن الله سطر أعمالكم في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقكم, فتستقبلون عاماً جديداً وشهراً مفضلاً حميداً أضافه نبيكم صلى الله عليه وسلم إلى الله وعظمته فقال: {أفضل الصوم بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم}. عباد الله: هذا شهر الله المحرم لقد وقع فيه نصرةٌ عظيمة لنبي من أنبياء الله ورسله وهو أحد أولى العزم من رسل الله إنه موسى عليه السلام, وكما مر عليكم في شهر ذي الحجة أن الله نصر إبراهيم عليه السلام وهو أمة واحدة، أيده الله ونصره, وقواه على إزالة المنكرات, وهدم الأوثان ومحق الأصنام, وكل ذلك بقدرة الله عز وجل. وهذا موسى عليه السلام ذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن مرة بن مسعود رضي الله عنه: [[أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قدمت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل -هكذا رأى فرعون هذه الرؤيا- فلما استيقظ هاله ذلك, فجمع الكهنة والحذقة والسحرة وسألهم عن ذلك, فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يده, ويكون ذهاب ملكك على يديه أيضاً, وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه, فلهذا أمر الطاغية فرعون -لعنه الله- بقتل الغلمان وترك النسوان]]. والمقصود: أن فرعون احترز كل الاحتراز ألا يوجد هذا الغلام وهو موسى عليه السلام, ولكن قدرة الله تغلب كل شيء, حتى جعل فرعون -لعنه الله- رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى ويعلمون ميقات وضعهن فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته, حذراً من أن يوجد هذا الغلام موسى عليه السلام.

موسى عليه السلام قبل الرسالة

موسى عليه السلام قبل الرسالة

مولد موسى عليه السلام وترعرعه في قصر فرعون

مولد موسى عليه السلام وترعرعه في قصر فرعون إن القبط الذين كانوا يستخدمون بني إسرائيل شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور, وخشي أن تتنفانى الكبار مع قتل الصغار فيصيرون هم الذين يقومون بما كان يقوم به بنو إسرائيل من الخدمة, فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً وأن يتركوا عاماً, فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في العام الذي سمح فيه من القتل, وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتل الأبناء, ما أعظم حكمة الله! وما أجلَّ قدرة الله! ولد موسى عليه السلام في العام الذي تقتل فيه الأبناء, فضاقت أمه به ذرعاً، فأوحى الله إليها إلهاماً ألا تخافي ولا تحزني؛ لأن هذا المولود سيكون له شأن عظيم, وسيحفظه الله الذي خلقه وأوجده من العدم, سيحفظه من كيد فرعون, ثم يجعله من المرسلين, وقذف في قلب أم موسى السكينة وأمرها أن ترضعه حتى إذا خافت عليه تصنع له تابوتاً من خشب ثم تضعه فيه وتلقيه في البحر, وقد جعلت في التابوت حبلاً إذا جاءها أحدٌ أرسلت موسى الذي هو في التابوت في البحر, فإذا ذهبوا استرجعته إليها. وتأتي الحكمة الإلهية والقدرة الربانية, فتأخذ التابوت بما فيه وتلقيه في دار فرعون, فتأخذه الجواري فلم يتجاسرن على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم رضي الله عنها, فلما فتحت التابوت وكشفت الحجاب, رأت في التابوت وجهاً يتلالأ بتلك الأنوار النبوية, فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً جداً, وهذا مصداق قول الله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39]. فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه, فاستوهبته آسية رضي الله عنها وقالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} [القصص:9] , فقال لها فرعون المحروم المطرود من رحمة الله: قرة عينٍ لك أما لي فلا حاجة لي فيه, قال بعض العلماء: لو قال قرة عين لي لهداه الله به كما هدى آسية رضي الله عنها, ولكن رفض ذلك فلم يسعد بل بقي شقيا. وأخذت آسية زوجة فرعون تبحث لموسى عن مرضعة, واشتد به الجوع واشتد به البكاء وهو لا يقبل ثدي أحد, لأن الله قال: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:12] فهو لا يقبل ثدي أحدٍ من المرضعات, حتى خشيت عليه امرأة فرعون من الهلاك. ورأت أخت موسى ذلك وهي ترقبه من بعد, فجاءت إلى آسية وعرضت عليها أن تأتي لها بامرأة مرضعة أمينة ناصحة تتعهد هذا الرضيع مقابل أجرٍ لها, فقالت لها امرأة فرعون: ائتيني بها فإن أخذ ثديها أكرمتها بأنواع من الإكرام. فانطلقت أخت موسى حتى جاءت إلى أمه فأخبرتها الخبر, فأتت أمه فلما رأته كادت أن تقول: هذا ابني لولا أن الله ثبتها حتى لا يشعر آل فرعون بهذه؛ لأنها أمه، فلما وضعته في حجرها التقم ثديها وأخذ يرضع حتى ارتوى, ففرحت آسية فرحاً عظيماً, وطلبت منها أن تمكث في القصر عندها لترضع لها هذا الغلام, ووعدتها بالإعطاء والإكرام, قالت لها أم موسى: إن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب إلى بيتي وأتعهده بالعطف والرعاية, كما أتعهد ولدي، وأنا لا أستطيع أن أدع بيتي وأولادي من أجل هذا الغلام. فرضيت آسية أن تدفعه لها على أن تأتي به في كل فترة لتراه ثم تعيده لها, وهكذا حقق الله وعده فرد موسى إلى أمه لترضعه وهي آمنة مطمئنة بعدما كانت تضعه في التابوت وتخبيه في البحر خوفاً من فرعون صار يأكل ويصرف عليه من بيت فرعون, وأمه آمنة مطمئنة ولله في ذلك حكمة, قال الله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:10 - 12] صدق الله العظيم، لا يوجد أنصح من الأم لابنها: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:13] رضع موسى من أمه وتعطى الأجر على رضاع ولدها, ولله في ذلك حكمة.

قتل موسى للقبطي وهروبه إلى مدين

قتل موسى للقبطي وهروبه إلى مدين شب موسى عليه السلام في بيت فرعون وعاش فيهم معززاً مكرماً حتى إذا بلغ أشده دخل ذات يوم من الأيام المدينة، وبينما هو يتجول في طرقها إذ هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي من آل فرعون وقد اعتدى القبطي على الإسرائيلي، فلما مر موسى استغاثه الإسرائيلي ليخلصه من شر ذلك القبطي، فأقبل نحوه موسى فوكزه أي: ضربه بجمع يده فقضى عليه, وخر القبطي على الأرض ميتاً, ولم يرد موسى قتله عليه السلام, إنما أراد إبعاده فكانت القاضية. فحزن موسى على قتله, وندم على ما حدث, وتنحى يستغفر الله ويطلب من الله الرحمة والرضوان, فلما قتله أصبح في المدينة خائفاً يترقب الأخبار, فأخبر فرعون بالخبر، فأمر جنده أن يبحثوا عن موسى ويأتوه به ليقتله حتى لا يتجرأ بنو إسرائيل على قتل أحد, فذهبوا يفتشون في طرقات المدينة عن موسى. وجاء رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه فأخبر موسى الخبر, وأمره أن يخرج من أرض مصر؛ لأن الجنود يبحثون عنه يريدون قتله, فتوجه موسى إلى أرض مدين ودعا ربه أن يهديه الطريق وينجيه من شر فرعون, وبقي يمشي حتى وصل إلى مدين، قال ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة وترجمان القرآن ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم: خرج موسى من مصر إلى مدين وبينهما مسيرة ثماني ليال, لم يأكل إلا البقل وورق الشجر, وكان حافيا فسقطت نعلا قدميه من الحفاء, وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه, وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع, وإنه لمحتاج إلى شق تمرة, وبينما هو جالس للاستراحة أبصر امرأتين ترعيان الأغنام تريدان سقاية أغنامهما من تلك البئر الكبيرة؛ لأن القوم إذا سقوا الأغنام جعلوا عليها حجراً لا يزلزله عشرات الرجال, ولكن لما رأى موسى عليه السلام ضعف هاتين المرأتين عليه أقبل إلى تلك المرأتين، ونزع تلك الحجر من البئر وسقى لأغنام تلك المرأتين, فعجبتا تلك المرأتان من صنع هذا الرجل الذي أعطاه الله القوة, فلما رجعت المرأتان إلى أبيهما أخبرتاه بخبر هذا الرجل, وطلبتا منه أن يكرمه على هذا الصنيع الجميل, وأن يستأجره لرعاية الغنم فأرسل واحدة منهن لتدعوه إلى أبيها, فجاءته وهي تمشي على استحياء فقالت له: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا, وإنما صرحت له بهذه لئلا يوهم كلامها الريبة, وهذا من تمام ذكائها وعفتها وصيانتها, فلما جاءه وقص عليه القصص, قال له شعيب: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25] وزوجه ابنته وهو يرعى الغنم, حتى أتم المدة وهي عشر سنين، كما ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحكمة في رعاية الغنم من جهة الأنبياء والمرسلين هي أن يتعودوا على السكينة والتواضع, وليكون ذلك مقدمة لسياسة الأمة وقيادتها, كما يقود الراعي غنمه, وهكذا الأنبياء الكرام انتقلوا من رعاية الغنم إلى قيادة الأمم, صلوات الله وسلامه عليهم. وبعد أن قضى موسى الأجل الذي بينه وبين شعيب عزم على الرجوع إلى أرض مصر مع أهله, وبينما هو في الطريق في ليلة مظلمة باردة, تاه في الطريق, فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً, فلما وصل قريباً من جبل الطور رأى نوراً عظيماً ممتداً من عنان السماء إلى شجرة عظيمة هناك, فتحير موسى وارتعدت فرائصه, فسمع خطاب الله جلَّ وعلا يأمره أن يخلع نعليه {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه:12] ثم يدخل ذلك الوادي المقدس حتى يقترب من جبل الطور؛ فإن الله سبحانه وتعالى سيكلمه وسيجعله رسولاً يرسله إلى فرعون, ليبلغه رسالة الله جلَّ وعلا, يقول الله جلَّ وعلا: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [طه:9 - 14] لما تلاها عمر بن الخطاب دخل الإيمان في قلبه, {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]. وللقصة بقية في الخطبة الأخيرة إن شاء الله. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

دعوة موسى عليه السلام لفرعون إلى عبادة الله

دعوة موسى عليه السلام لفرعون إلى عبادة الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل, يقول الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات:15 - 25]. نعم. يا عباد الله! إن موسى عليه السلام دعا فرعون إلى توحيد الله عز وجل, فقال فرعون منكراً وجاحداً: وما رب العالمين؟ فأجاب موسى عليه السلام {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء:24] فأنكر فرعون رب العالمين, فأنكر فرعون الرب العظيم الذي قامت بأمره السماوات والأرض وما فيهن, وما بينهما من الآيات العظيمة, والمخلوقات الكثيرة, ثم قال فرعون ساخراً ومستهزئاً بموسى: ألا تستمعون؟ فذكَّره موسى عليه السلام بأصله وأنه مخلوق من العدم وصائرٌ إلى العدم كما صار آباؤه الأولون, فحينئذٍ بهت فرعون فادعى دعوى المكابرة فقال: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. فأخبره موسى بأمر الله عز وجل, وبين له أن الجنون إنما هو إنكار الخالق العظيم رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. فلما عجز فرعون عن رد الحق لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون, لجأ إلى الإرهاب فتوعد موسى عليه السلام بالسجن فقال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:29] فما أثرَّ ذلك بموسى, ولا تزعزع ولا رجع, بل بادر إلى الدعوة بعزيمة وجد وذلك بعون من الله جل وعلا, ولا يزال يأتي بالآيات الواضحات البينات وفرعون يحاول بكل مجهوداته أن يقضي عليها بالرد والطمس, حتى قال لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] وقال أيضاً: أنا ربكم الأعلى, قال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54].

خروج موسى عليه السلام وقومه إلى الشام

خروج موسى عليه السلام وقومه إلى الشام فلما أطاعوه وتمادوا في كفرهم وطغيانهم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يخرج بالمسلمين من أرض مصر ليلاً, فخرج بهم فساروا مستمرين قاصدين بلاد الشام فلما علم فرعون بذهابهم غضب عليهم غضباً شديداً, وجمع جيشه وجنوده ليلحقهم ويمحقهم, فأخرجه الله من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم, ليجعلها ربنا جلَّ وعلا لموسى وقومه من بعد فرعون وقومه. فركب فرعون في جنوده طالباً موسى وقومه, فأدركهم عند شروق الشمس, قريباً من البحر, وتراءى الجمعان ولم يبق إلا المقاتلة، فعند ذلك قال أصحاب موسى: إنا لمدركون, ذلك لأنهم انتهوا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوك البحر وخوضه, وهذا ما لا يستطيعه أحد, والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم، وهي شاهقة رفيعة، وفرعون قد غالقهم وسدَّ عليهم طريق الرجعة بجيوشه وجنوده, وقد عرفوا منه البطش والفتك فشكوا إلى نبي الله موسى عليه السلام, وقالوا: إنا لمدركون. فقال موسى عليه السلام -الواثق بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد-: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] فأوحى الله إلى موسى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63] فتقدم صلوات الله وسلامه عليه إلى البحر, وهو يتلاطم بأمواجه, فلما ضربه انفلق وانفتح اثنتي عشرة طريقاً يابسة, لا وحل فيها, وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال. الله أكبر لا إله إلا الله, اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً كاملاً, يباشر قلوبنا ويقيناً صادقاً. فانحدر موسى هو وجنوده في هذه الطرق اليابسة التي كانت بحراً يتلاطم, وصارت بقدرة الله طرقاً يابسة فانحدر فيها موسى وقومه مسرعين مستبشرين مبادرين, ودخل فرعون وجنوده في أثرهم، فلما جاوز موسى وقومه وخرج آخرهم من البحر وتكامل فرعون وقومه في داخل البحر أطبقه الله عليهم, وعاد إلى حالته الأولى, مياه وأمواج فأغرقهم أجمعين, أجسامهم إلى الغرق, وأرواحهم إلى الحرق, {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:46]. فانظروا رحمكم الله إلى هذا الحدث العظيم, والنصر المبين الذي ظهر فيه الحق على الباطل في اليوم العاشر من المحرم, فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء, فقال: {ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون, قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا} فيستحب صيام اليوم العاشر شكراً لله تعالى فقد صامه موسى عليه السلام شكراً لله, وصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه, وقال في فضله صلى الله عليه وسلم: {أحتسب على الله صيام اليوم العاشر أن يكفر السنة التي قبله}. وينبغي للمسلم أن يصوم اليوم الذي قبله لتحصل مخالفة اليهود بذلك, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فصوموا اليوم التاسع والعاشر, أو العاشر والحادي عشر. واعلموا أن الخير كل الخير في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله, قال صلى الله عليه وسلم: {أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة}. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, كما دمرت فرعون وقومه يا رب العالمين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, كما دمرت فرعون وقومه يا رب العالمين, اللهم نصرك المبين لعبادك المؤمنين الموحدين المجاهدين منهم والقاعدين, اللهم انصرنا وانصر المجاهدين في سبيلك أجمعين الذين يريدون إعلاء كلمة الله, إنك على كل شيء قدير. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات, برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى, وصفاتك العليا أن تصلحنا وتصلح ولاة أمورنا, وتصلح أولادنا وأزواجنا وجميع إخواننا المسلمين, في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم وحد صفوف المسلمين, واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين, واجعلنا جميعاً هداة مهتدين آمرين بالمعروف فاعلين له, ناهين عن المنكر مجتنبين له إنك على كل شيء قدير. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين يا رب العالمين, اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان, اللهم اجعلنا لا نتوكل إلا عليك, ولا نستعين إلا بك, اللهم ولا نستهدي إلا أنت, ولا نسترزق إلا أنت, يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم انصرنا ولا تنصر علينا, اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا, اللهم كن لنا ولا تكن علينا, اللهم امكر لنا ولا تمكر علينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

لا إله إلا الله

لا إله إلا الله خلق الله عز وجل عباده ليعبدوه وحده، ويفردوه بالمحبة والتعظيم والتذلل والخضوع والانقياد، وهو ما تضمنته كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، فمن أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وانقسم الناس إلى مؤمنين وكفار؛ فريق في الجنة وفريق في السعير.

شأن التوحيد ومكانته

شأن التوحيد ومكانته الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته, وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته, وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو, لما أودعها من عجيب صنعته, وبديع آياته, وسبحان الله وبحمده عدد خلقه, ورضا نفسه, وزنة عرشه, ومداد كلماته, ولا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته, كما لا شريك له في ربوبيته, ولا شبيه له في ذاته, ولا في أفعاله ولا في صفاته, والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. وسبحان من سبحت له السماوات وأملاكها, والنجوم وأفلاكها, والأرض وسكانها, والبحار وحيتانها, والجبال والشجر والدواب والرمال, وكل رطب ويابس, وكل حي وميت، لا إله إلا الله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, كلمة قامت بها الأرض والسماوات, وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله, وأنزل كتبه, وشرع شرائعه, ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين. لا إله إلا الله، لأجلها قام سوق الجنة والنار, ولا إله إلا الله، بها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار, تلكم شهادة أن لا إله إلا الله. وهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب, وهي الحق الذي خلقت له الخليقة, وعن حقوق: لا إله إلا الله، ويكون السؤال والحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون، وعن لا إله إلا الله يكون الحساب والثواب, وعليها يقع الثواب والعقاب, ولا إله إلا الله عليها نصبت القبلة, ولا إله إلا الله عليها أسست الملة, ولا إله إلا الله لأجلها جردت سيوف الجهاد, إنها كلمة لا إله إلا الله؛ حق الله على جميع العباد. فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام, وعن شهادة أن لا إله إلا الله يسأل الأولون والآخرون؛ فلا تزول قدم العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فجواب الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله؛ معرفةً وإقراراً وعملاً, وجواب الثانية: تحقيق أن محمداً رسول الله؛ معرفةً وإقراراً وانقياداً وطاعة. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه, وخيرته من خلقه, وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم, والمنهج المستقيم, أرسله الله رحمة للعالمين وإماماً للمتقين, وحجة على الخلائق أجمعين, أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أعظم الطرق وأوضح السبل, وافترض على العباد طاعته وتعزيره، وتوقيره ومحبته, والقيام بحقوقه, وسدّ ربُّ العزة والجلال دون جنته الطريق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه صلَّى الله عليه وسلم -بعد الشفاعة الكبرى التي يتبرأ منها أولو العزم من الرسل- اللهم فصلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:

حقيقة التوحيد ومعناه

حقيقة التوحيد ومعناه أيها الناس! اتقوا الله عز وجل, واعبدوه مخلصين له الدين.

معنى لا إله إلا الله

معنى لا إله إلا الله عباد الله: حققوا التوحيد, واعرفوا معنى: لا إله إلا الله, واعرفوا ما لها من شروط وأركان, وما دلت عليه من إفراد الله بالعبادة, والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه. والله جلَّ وعلا ما خلق الخلق إلا ليعبدوه؛ قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58].

معنى شهادة أن محمدا رسول الله

معنى شهادة أن محمداً رسول الله ثم اعرفوا معنى شهادة: أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمعناها: طاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر, وألا يعبد الله عزَّ وجلَّ إلا بما شرعه صلى الله عليه وسلم, وأن يجتنب كل ما نهى عنه وزجر, فرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب, بل يطاع ويتَّبع, شرَّفه الله بالعبودية الخاصة، والرسالة العامة إلى جميع الثقلين؛ من الجن والإنس قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث بالحنيفية السمحة، وختم الله به الرسالات، وجعلت أمته خير أمة أخرجت للناس, فجزاه الله عن أمته خير ما جزى به رسولاً عن أمته. لقد أوضح لنا الدليل, وأنار السبيل, ونصح لأمته، وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, بلَّغ رسالة ربِّه صلوات الله وسلامه عليه. فواجب ثم واجب ثم واجب على كل مسلم يؤمن بالله ورسوله أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حباً من نفسه, وولده, ووالده, ومن الناس أجمعين، وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن عبد حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين, ولما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي, قال صلى الله عليه وسلم: لا حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر رضي الله عنه: أنت أحب إليّ من كل شيء حتى من نفسي، قال: الآن يا عمر}. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا في المحبة ولوازمها, فإنه يتحتم على من أراد الفلاح والسعادة والهداية في الدنيا والآخرة، أن يتبع هدي هذا الرسول النبي الأمي؛ الذي نوه الله بذكره في جميع الكتب المنزلة, وبشرت به جميع الأنبياء، وأمر الله باتباعه في محكم البيان؛ قال جلَّ وعلا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158].

دعوة الرسول إلى محبة الله

دعوة الرسول إلى محبة الله أمة الإسلام: اتبعوا هذا الرسول النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه, وأطيعوه فيما دعاكم إليه, فقد دعاكم إلى توحيد الله جلَّ وعلا, ودعاكم إلى إفراد الله بالعبادة, ودعاكم إلى محبة الله تعالى, فوالله ثم والله إن أنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها، وأعلاها وأجلها محبة الله الذي جبلت القلوب على محبته, وفطرت الخليقة على تأليهه؛ فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والإجلال, والتعظيم والذل, والخضوع, والتعبد والعبادة, ولا تصلح كل هذه إلا له وحده لا شريك له, فهو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير, وهو الذي يحي ويميت, ويُعز ويذل, ويعطي ويمنع, وينفع ويضر, ويعافي ويبتلي, ويقبض ويبسط, وهو الذي رحمته وسعت كل شيء, وإحسانه عم جميع خلقه, بَرَّهم وفاجرهم، ناطقهم وبهيمهم, فهو الله القادر؛ الذي يجيب الدعوات, ويكشف الكربات, ويغيث اللهفات, ويفرج الكربات من غير حاجة إلى عباده, بل هو الغني الحميد. فكيف -يا عباد الله- لا يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يديم عليه النعم, بعدد الأنفاس, فالله يدر عليه النعم, والصحة والعافية بعدد الأنفاس، ومع ذلك العبد يسيء ويقصر, فخير الله إليه نازل وشره إليه صاعد, يتحبب إليه ربه بالنعم, وهو غني عنه, والعبد يتبغض إليه بالمعاصي, وهو فقير إليه, فلا إله إلا الله. فلا إله إلا الله أجود الأجودين, وأكرم الأكرمين, أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله, يشكر القليل من العمل وينميه, ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه, لا إله إلا الله: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] لا يشغله سمع عن سمع, ولا يضجر بكثرة المسائل, ولا يتبرم بإلحاح الملحين, بل يحب الملحين في الدعاء, قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] فهو يحب أن يُسأل, ويغضب إذا لم يُسأل, فهو الذي ينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: {من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له} فلك الحمد -يا رب العالمين- فقد جبلت قلوب المؤمنين على محبتك, اللهم اجعلنا مؤمنين بك يا رب العالمين. عباد الله: كيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو؟ ولا يذهب بالسيئات إلا هو؟ ولا يجيب الدعوات, ويقيل العثرات, ويغفر الخطيئات, ويستر العورات, ويكشف الكربات, ويغيث اللهفات, وينيل الطلبات إلا هو سبحانه وتعالى؟ فهو أحق من ذكر, وأحق من شكر, وأحق من عبد, وأحق من حمد, وأرأف من ملك, وأعز من التُجئ إليه, ورب العزة والجلال أرحم من استرحم, أرحم بعبده من الوالدة بولدها, وهو الذي أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا, يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم, يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم, يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم, يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني, ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم, ما زاد ذلك في ملكي شيئاً, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر, يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه} رواه مسلم. اللهم ارزقنا حق معرفتك, وأذقنا حلاوة الإيمان بك وبملائكتك وكتبك ورسلك, وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الإخلاص شرط لقبول الأعمال

الإخلاص شرط لقبول الأعمال إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد؛ الذي بلغ البلاغ المبين, فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: تعرفوا إلى الله عز وجل, وأخلصوا له الأعمال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه} رواه مسلم , فأخلصوا لله الأعمال, واطلبوا ثوابها من الله جلَّ وعلا فإنه الكريم. عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً قال: {يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار, أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه, والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض} رواه البخاري ومسلم , وقال أبو موسى رضي الله عنه: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: {إن الله تعالى لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل, حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه} رواه مسلم. عباد الله: تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة.

سعة رحمة الله

سعة رحمة الله عباد الله: توبوا إلى الله عز وجل, والتجئوا إليه, وأقلعوا من جميع المعاصي فهو يحب التوابين, وهو أشد فرحاً بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة, إذا يئس من الحياة ثم وجدها, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث على التوبة: {إن الله جلَّ وعلا يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, حتى تطلع الشمس من مغربها} رواه مسلم , ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي} رواه البخاري , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله, والنار مثل ذلك} رواه البخاري , فتعرفوا إلى ربكم -يا عباد الله- وتقربوا إليه بصالح الأعمال, واحذروا السيئات قبل أن يفاجئكم هادم اللذات, قبل أن تغتنمكم المنية، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا, وتأهبوا للعرض الأكبر على الله فقد قال سبحانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. عباد الله: إن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] , ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلّى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم يا قريب مجيب لمن دعاك اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام والمسلمين, اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين, اللهم سدد خطاهم, اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين, اللهم وحد صفوفهم, اللهم سدد رميهم, اللهم الطف بنا وبهم يا رب العالمين, اللهم أنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين وأجود الأجودين لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين بالحكم لكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه, وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

ليس في الدين قشور

ليس في الدين قشور انتشرت عند كثير من الناس فكرة أن في هذا الدين قشوراً وأن فيه لباً. مع أن الدين كله لب، ولا يوجد فيه قشور. وفي هذا الدرس تحذير من تساهل كثير من المسلمين في حلق اللحية، وإسبال الإزار وتذكير بما جاء في ذلك من نصوص شرعية ليس للمسلم إزاءها إلا السمع والطاعة.

واجب الامتثال لأمر الله وأمر رسوله

واجب الامتثال لأمر الله وأمر رسوله الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله! أطيعوا الله وأطيعوا الرسول تسعدوا في الدنيا والآخرة، وتفوزوا فوزاً عظيماً. واعلموا -عباد الله- أنها لا تتم طاعة الله إلا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:31 - 32] ويقول رب العالمين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]. أمة الإسلام: من هذه الآيات الكريمة يتبين لنا معنى شهادة أن محمداً عبده ورسوله، ما معنى شهادة أن محمداً عبده ورسوله؟ معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبد الله جل وعلا إلا بما شرع صلى الله عليه وسلم، محمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي رسالتُه خُتمت بها الرسالات، وهو الذي بُعث إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، اسمع يا عبد الله! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.

حكم إسبال الإزار بطرا

حكم إسبال الإزار بطراً أمة الإسلام: لقد تفشَّت في مجتمعنا صفة محرمة، وهي من كبائر الذنوب، واستحسنها كثير من الناس، ألا وهي الإسبال، ألا وهي جر الثياب والمشالح والسراويل من الرجال. واسمعوا -يا عباد الله- النهي الشديد من الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً} متفق عليه. وأيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم! ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم! ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم! -قرأها ثلاث مرات- قال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب} رواه مسلم وفي رواية: {المسبل إزاره}. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {إزارة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج -أو لا جناح- فيما بينه وبين الكعبين، فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه} رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {مررتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إزاري استرخاءٌ، فقال: يا عبد الله، ارفع إزارك، فرفعتُه، ثم قال: زد، فزدتُ، فما زلتُ أتحراها بعدُ، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إلى أنصاف الساقين} رواه مسلم. عباد الله: هل بعد هذا البلاغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم عذرٌ للمعاندين الذين اعتادوا أن يسحبوا الثياب؟ هل لهم عذرٌ إذا وقفوا بين يدي الله عزَّ وجلَّ؟ لا والله ليس لهم عذر، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين. إن بعض أولئك المعاندين الذين نراهم في المناسبات وهم يجرون ثيابهم عندما يصبون القهوة والشاي، إننا إذا رأيناهم تكاد القلوب أن تتفطر مما نرى من المنكرات التي تجتمع في تلك المناسبات، ولو كان إيماننا قوياً لم نحضر تلك المناسبات وفيها تلك المنكرات، إن حلق اللحية منكر، وإن ترك الشوارب منكر، إن إسبال الثياب منكر، ولكن مع الأسف الشديد! نجلس ونضحك ونتحدث مع القوم، لو هجرناهم حتى يتركوا هذه المحرمات ويرجعوا إلى الله، لكن لم يحصل ذلك عندنا، لم يحصل ذلك الهجر، ولم تحصل تلك المقاطعة.

حكم جر الثوب زينة

حكم جر الثوب زينة إن بعض أولئك المعاندين يقولون: لم نجره خيلاء، ولكن زينة، فنقول لهم: ليست الزينة والجمال فيما حرمه الله ورسوله، فاسمعوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} رواه البخاري. اسمع أيها المعاند، اسمع أيها العاصي، ما حجتك بين يدي الله، وقد سمعت هذا البلاغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} رواه البخاري. واسمعوا يا عباد الله! قال رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: {من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً قالت: إذاً: تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعاً، لا يزدن} رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والله يا عباد الله! والله يا أمة الإسلام! يا من غفلوا عن تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله لقد عظمت المصيبة في زماننا، انعكس الأمر وانتكس، فالمرأة هي التي قصَّرت ثيابها، وكشفت عن قدميها وساقيها، والرجل حل محلها، فأسبل الثياب، وستر القدمين، فلا يظهر منه إلا الوجه وأطراف القدمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون! والله لو فكرنا نحن الحاضرون في هذه اللحظة لوجدنا الكثير منا قد أسبل الثياب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم هذه أحاديث رسولك محمد صلى الله عليه وسلم قد بلغتُها كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {بلغوا عني ولو آية}. اللهم هذه أحاديث رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، أقرؤها على هذا المنبر، اللهم فاشهد أني قد بينت أن الإسبال محرم، وإن تلطخ به الكثير من المسلمين. فأسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً، اسمعوا إلى قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. فما ظنكم -يا عباد الله- بإنسانٍ يقف أمام الخياط ويأخذ مقاسه، ويوصيه أن يجعل الثوب أو الإزار أو المشلح طويلاً، ولقد قلت لبعض الناس: يا أخي! ارفع ثوبك فلا تجره، فيقول: أريد الستر، مع الأسف الشديد إن كان يريد الستر فهو امرأة؛ لأن الستر هو للمرأة، أما عورة الرجل فمن السرة إلى الركبة، وأما المرأة فهي كلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة، فمن قال: أريد الستر، فهو يتشبه بالنساء، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء. اللهم وفقنا إلى ما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم اجعلنا ممن يتواصون بالحق، اللهم اجعلنا ممن يتناصحون لله وفي الله، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه ما دمتم في وقت الإمكان، استغفروه وتوبوا إليه ما دمتم في وقت الإمكان، فإن الله غفور رحيم.

الحذر من شؤم المعاصي

الحذر من شؤم المعاصي الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وأطيعوه. عباد الله: احذروا أسباب سخط الله، وتيقظوا من هذه الغفلة. نعم. لقد غفل الكثير من الناس، ونسوا الله عزَّ وجلَّ، حتى آل بهم الأمر إلى ارتكاب المحرمات، وصار بعضهم يفعل ذلك جهاراً دون حياءٍ ولا مبالاة، كل ذلك أسبابه البُعد عن الله عزَّ وجلَّ، وعما يقرب إلى الله تعالى. فمن غفل عن الله ونسيه، فإن الله جلَّ وعلا ينساه جزاءً وفاقاً، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. نعم. لقد انهمك الكثير في هذه الأزمنة بالدنيا حتى ألهته عن العمل للدار الآخرة، فغفل عن مصالح نفسه، فصار عبداً للدنيا والهوى، فلا يسعى بما يخلص به نفسه من عقبات أمامه، نسي الموت بما فيه من الغُصَص والسكرات، ونسي القبر وظلمته، ونسي سؤال منكر ونكير. نعم. -يا عباد الله- أي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها ونسي مصالحها وداءها ودواءها، ونسي أسباب سعادتها وفلاحها في حياتها الأبدية؟! فتذكر -يا عبد الله- أين المصير يوم القيامة؟ هل أنت من أهل الجنة فهنيئاً لك، أم أنت من أهل النار فيا ويلك من النار؟ إذا كنت تذكر ذلك حقاً، فلماذا هذا التهاون بالله جلَّ وعلا؟! ولماذا هذا الابتعاد عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لماذا هذا التهاون بالصلاة، التي من تركها متعمداً فقد كفر؟! لماذا هذا التهاون بأداء الزكاة، التي هي قرينة الصلاة؟! لماذا هذا التهاون بارتكاب المخدرات والمسكرات التي نقلتك عن حيز الآدميين إلى التشبه بالمجانين والحيوانات؟! لماذا هذا الانهماك في جريمتي الزنا واللواط؟! لماذا تسمع الأغاني وهي بريد الزنا وتنبت النفاق بالقلب كما ينبت الماء البقل، وهي رُقية الزنا؟! ومع ذلك إن مِت من غير توبة، يُصب في أذنك الآنِك يوم القيامة، وهو الرصاص المذاب. ثم لماذا هذا التجرؤ على حلق اللحية، التي ميزك الله بها عن النساء؟! وحلقها تشبه باليهود والنصارى والمجوس، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أيها الغافل: يا من ضيع عمره عند الأفلام والتمثيليات ومع المجلات! تذكر يوم العرض الأكبر على الله، إذا أعطيت الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدت فيه تلك الأوقات التي قتلتها في غير طاعة الله، في الليل والنهار. يا من أسبل الثياب وتهاون بأمر الله! استعد ليوم القيامة.

الاستعداد لليوم العظيم

الاستعداد لليوم العظيم يا من غفل عن ذلك اليوم العظيم! ستراه عياناً {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:18 - 20] تذكر ذلك اليوم يا عبد الله، يوم القيامة، {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38] {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40]. تذكر يوم القيامة الذي سوف تقف به شاخص البصر، حافي القدم، عاري الجسم {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:25 - 26]. نعم. الملك يومئذٍ الحق للرحمن، الذي قال وقوله الحق: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. ثم يأمر الله جلَّ وعلا إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض، -إلا من شاء الله- حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد إله الأولين والآخرين -الحي الذي لا يموت أبداً- بالديمومة والبقاء، وهو القائل جلت قدرته: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. ثم تذكر -يا عبد الله- قول الله جلَّ وعلا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه، فيقول جلَّ وعلا: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. ثم يحيي ربنا جلَّ وعلا إسرافيل، ويأمره أن ينفخ في الصور أخرى، نفخة البعث التي قال الله فيها: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]. تذكر -يا عبد الله- إذا قمت من قبرك، تنفض التراب من رأسك يا عبد الله. والله لو رسخ الإيمان في قلوبنا لما تجرأنا على هذه المحرمات، ولما عصينا جبار السماوات والأرض، ولما تعدينا الحدود، ولكن لك ميعاد {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44]. أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من الآمنين يوم الفزع الأكبر {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88] يومٌ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يُحشر الناس يوم القيامة حُفاة، عراة، غُرْلا قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض}. فيا عباد الله: استعدوا لذلك اليوم، استعدوا ليوم القيامة، استعدوا ليومٍ يُنفخ في الصور، فتأتون أفواجاً، وتُحضرون بين يدي الله عزَّ وجلَّ. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، ردنا إليك رداً كريماً، اللهم ردنا إليك رداً كريماًَ، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين. اللهم أصلح ولاة أمورنا، وولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم ارزق ولاة أمور المسلمين جلساء صالحين، وبطانة صالحة، وأبعد عنهم بطانة السوء. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

ما أعد الله لأهل الجنة

ما أعد الله لأهل الجنة لقد أعدَّ الله لعباده في الجنة كما قال: {ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر} وما جعل الله هذا النعيم إلا لأناس ذكر صفاتهم في كتابه وعلى لسان نبيه، وقد أعطى الله لأدنى أهل الجنة منزلاً أكثر من ملك الدنيا بعشر مرات؛ فكيف بمن هم في أعالي الدرجات؟! ولكن هل من مشمر لها.

حال أهل الجنة في الجنة

حال أهل الجنة في الجنة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجل ولا تغتروا بما في هذه الحياة الدنيا من الزخارف البراقة والسراب اللامع، فإن كل هذه الحياة الدنيا وما فيها مآلها للزوال والخراب؛ ولكن استعدوا لدار لا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبانها، ولا تبلى ثيابهم، ولا ينقطع نعيمها، واسمعوا إلى المولى جلَّ وعلا وهو يحثكم إليها في القرآن العظيم، ويقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136]. ويقال لأهل الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:46 - 48]. ويُقال لأهل الجنة: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] مَن هُم الذين يقال لهم هذا يا عباد الله؟ يقال للذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين، اسمعوا وصفهم: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف:69 - 73]. ثم هم في مقام أمين من الحوادث وغيرها، في أمان من تغير الزمان وتقلبات الحياة، في جنات وعيون، ولهم فيها من اللباس: السندس، والإستبرق، متنعمين مع الزوجات من الحور العين، الراضيات المرضيات، الطاهرات من الحيض والنفاس، النظيفات من البصاق والمخاط، اسمعوا يا عباد الله! {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] يا ألله نسألك من فضلك، الله أكبر! يا عباد الله! أين النفوس التي تشتاق إلى هذا؟ نفوسنا في غفلة، قلوبنا ميتة {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:51 - 57]. عباد الله: بادروا إلى الجنة وما أعد الله فيها لعباده الصالحين، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]}. ولكن قبل هذه الآية، آيات تبين أعمالهم، يقول جلَّ وعلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] ماذا يعملون يا رب العالمين؟ يلعبون البَلُوْت والكِنْكَان؟ يغيرون من فيلم إلى فيلم، ومن تمثيلية إلى تمثيلية؟ فإذا جاء وعد الله الذي لا يخلف وعده, وجاء النزول الإلهي إذا هم كالجيف الميتة في فُرشهم، الآن بعضهم إلى الآن في فراشه بعد سهرة الليل، وتمر عليهم صلاة الفجر، والظهر، والعصر وهو نائم فإنا لله وإنا إليه راجعون. {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} هؤلاء عباد الله، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ماذا يعملون؟ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] الفرق شاسع وبعيد، فهؤلاء تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، خائفين من الله، طامعين لما عند الله، ونحن نسهر ليلة الجمعة وليلة الخميس. ليلة الخميس: الليلة التي تُعْرض فيها الأعمال على الله، وإذا بفلان وعلان يلعبون القمار والميسر، البَلُوْت والكِنْكَان، ويتشاتمون فيما بينهم، هذا يشتم والدَي هذا، وذاك يشتم والدَي الآخر، إنا لله وإنا إليه راجعون، تُعرَض الأعمال على الله، وهم يمارسون تلك اللعب. وليلة الجمعة: التي تقوم فيها الساعة المستجابة، يمارسون فيها تلك الألعاب، فإذا جاءت أوقات الفضائل، فإذا هم كالجيف والعياذ بالله قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17] اللهم اجعلنا منهم، يا عباد الله! نسأل الله أن يجعلنا منهم.

صفات أهل الجنة

صفات أهل الجنة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشدِّ كوكب دري في السماء ضوءه، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الأَلُوَّة، أزواجهم الحور العين} لا إله إلا الله! نسأل الله من فضله، نسأل الله أن يقوي عزائمنا وهممنا لنقضي حياتنا بالأعمال الصالحة، يقول: {أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء} متفق عليه، وفي رواية لـ مسلم: {آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم فيها المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يُرى مخ ساقيهما من وراء اللحم من الحُسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا}. عباد الله: لقد جاء الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبي الله موسى عليه السلام سأل الله عزَّ وجلَّ: {ما أدنى أهل الجنة منزلة؟} موسى يسأل الله: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ {يقول الله جلَّ وعلا: هو رجل يجيء بعدما أُدخل أهلُ الجنة الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أيا رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِك من ملوك الدنيا، فيقول: رضيتُ ربي، فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله, ومثله -أربع مرات- ويقول في الخامسة: رضيتُ ربِّ، فيقول: هذا لك، وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسُك، ولذت عينك، فيقول: رضيتُ ربِّ، قال موسى عليه السلام: ربِّ، فأعلاهم منزلة؟ قال الله جلَّ وعلا: أولئك الذين غرستُ كرامتهم بيدي، وختمتُ عليها، ولم ترَ عينٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشر} حديث صحيح رواه الإمام مسلم. وجعل الله عزَّ وجلَّ زوجات أهل الجنة عُرُباً أتراباً، والعُرُب: هي المرأة المتوددة إلى زوجها باللطافة، ولين الكلام، ومع ذلك فهن على سن واحد، ولا تباغض ولا تحاسد في الجنة، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعيُن، وفوق ذلك: أنهم فيها خالدون؛ لا يبغون عنها حولاً، ولا هم منها مُخرجون، ينادي منادٍ: {إن لكم أن تصِحُّوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشِبُّوا فلا تهرموا أبداً}. وفوق ذلك يا عباد الله: أن الله أحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً، وفوق ذلك كله: ما يحصل لهم من التلذذ برؤية رب العالمين إذا كشف الحجاب الذي بينه وبينهم، فهم يرونه عياناً بأبصارهم، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: {إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم -اسمعوا يا عباد الله- ألا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها فافعلوا} ما هما هاتان الصلاتان، هما: صلاة الصبح، وصلاة العصر. عباد الله: إن سألتم عن أهل هذه الجنات، وساكني تلك الغرفات، فهم الذين وصفهم الله في كتابه الكريم -نسأل الله أن يجعلنا منهم- قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 - 11]. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما صرفت فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

من نعيم أهل الجنة

من نعيم أهل الجنة الحمد لله الذي صرف هِمَّة أوليائه عن الركون إلى دار الغرور، فاغتموا بقاءهم في الدنيا بالأعمال الصالحة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والكرامات، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وتقربوا إلى المولى بفعل الطاعات؛ تنالوا عنده رفيع الدرجات، فقد سمعتم في وصف الجنة ما لذَّ وطاب، وقد ورد في الحديث المتفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال صلى الله عليه وسلم: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين} أيها المسلمون! رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، من هم هؤلاء الرجال؟ أهم الذين أنشبوا أنيابهم في الدنيا، وانجرفوا في سيلها المغرق؟! أم هم الذين يبيعون دينهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل؟! أم هم الذين يخدعون ويغشون في المعاملات؟ أم هم الذين عاشوا على انتهاك الحُرُمات، واقتراف الكبائر، مثل أكل الربا، وارتكاب الزنا، واللواط، وشرب الخمور، واللعب بالقمار والميسر؟! كلا والله يا عباد الله! إنهم رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وحُق لهم أن يسمَّوا رجالاً؛ لأنهم بخلاف المجرمين العُصاة المنحرفين، الذين يجرون أذيالهم وراء الشهوات، ويبيعون آخرتهم بدنياهم، حتى يوافوا القيامة بالإفلاس والخيبة والخسران، والعياذ بالله من ذلك. أين أولئك مِن الذين لم تغرهم الدنيا بزخارفها البَرَّاقة، ولم تخدعهم بسرابها؟ أين أولئك الذين أشبعوا رغباتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهو يقول: {ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فهذا {عمر رضي الله عنه يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى الحصير قد أثر بجنبه الشريف، فيقول وهو يبكي رضي الله عنه: يا رسول الله، الروم وفارس يجلسون على الحرير والديباج وأنت على هذا؟! ثم يرد صلى الله عليه وسلم بالرد المقنع الجميل: إنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فأين الاقتداء يا أمة الإسلام؟! أين الاقتداء يا عباد الله؟! لقد جرفت المدنية الزائفة الكثير، حتى ألجأهم الأمر إلى ارتكاب الديون، فيأتون بالفُرش والأثاث من بلاد بعيدة، كل ذلك يعود على التفاخر والتكاثر، والانهماك في الترف الذي هو السبب في نسيان الآخرة، ونسيان يوم القيامة. عباد الله: {الكيِّس: مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز: مَن أتبعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأماني}. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أيقظنا مِن سِنَةِ الغفلة. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56] ثم يأمرك المولى جلَّ وعلا فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً يا رب العالمين، وسائر بلاد المسلمين عامة. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم ارفع عنا البلاء، والوباء، والغلاء، والربا، والأمراض والأسقام، وعن جميع المسلمين أجمعين يا رب العالمين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا بلاء، ولا غرق، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

ما أعد الله لأهل النار

ما أعد الله لأهل النار النار حرها شديد، وقعرها بعيد، وأمدها بعيد، وهولها منكر، وهي من أعظم المواعظ وأكبر الزواجر عن الصغائر والكبائر، ذكر الله بها عباده، وأوصى خلقه سلفاً وخلفاً باتقائها، وهذه خطبة تنبيك عن النار وأحوال أهل النار علك تتعظ، والذكرى تنفع المؤمنين.

ما أعده الله للكفار في النار

ما أعده الله للكفار في النار الحمد لله ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، المكرم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد، فسبحان من قسم خلقه قسمين، وجعلهم فريقين، فمنهم شقي ومنهم وسعيد، أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتمجيد، وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا كفؤ ولا عدلَ ولا ضدَّ ولا نديد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد، والساعي بالنصح للقريب والبعيد، المحذر للعصارة من نار تلظى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفذ نعيمها ولا يبيد. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً. فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وأطيعوه، احذروا أسباب سخطه واجتنبوا معاصيه، لقد سمعتم في الجمعة الماضية الجنة، وما أعد الله فيها لأوليائه المتقين. اعلموا يا عباد الله: أن الله خلق الخلق ليعرفوه، وأوجدهم ليعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه، ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه، ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال، فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. عباد الله: لقد كرر الله سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم، والضريع والْحَميم والسلاسل والأغلال إلى غير ذلك مِمَّا فيها من العظائم والأهوال. عباد الله: إن لجنهم سبعة أبواب، ذكرها الله عزَّ وجلَّ بقوله: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:43 - 44]. ثم يا عباد الله! تلك الأبواب مغلقة عليهم، قال الله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] وقال جل وعلا: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد:20] أي: أن تلك الأبواب مطبقة عليهم، فلا يُفتح لهم باب، ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها رَوح إلى آخر الأبد. وللنار شدة في حرها وزمهريرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً؛ فنفسني، فأذن لها في نفسين، نفسٌ في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر من سمومها، وأشد من تجدون من البرد من زمهريرها}. وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه التي يوقدُ ابنُ آدم جزءٌ واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم} قالوا: والله إن كانت لكافية، قال: {إنها فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها}. ثم أهل النار فيها يا عباد الله: يُذاقون أليم العذاب وشدته، يقول تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:19 - 21]-نسأل الله العفو والعافية والنجاة من النار- وفي الآية الأخرى يقول: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:22]. عباد الله: اتقوا النار؛ فإن حرها شديد، وقد فُضِّلت على نار الدنيا كلها بتسع وستين جزءاً، يصلاها المجرمون، قال الله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] لماذا؟ {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:56] ثم يرتفع بهم اللهب حتى يصلوا إلى أعلاها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها. وكم قعر جنهم؟ قعره سبعون خريفاً {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة:20].

لا يستجاب لأهل النار

لا يستجاب لأهل النار عذابهم دائم {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] يتكرر عليهم، فلا يستريحون، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة فلا يُجابون، يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] وتقول الملائكة لهم: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50]. فلا يُستجاب لأهل النار، لأنهم لم يستجيبوا لرسل الله حينما دعوهم إلى الله، فكان الجزاء من جنس العمل: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107] فيرد الله عليهم على وجه الإذلال والإهانة: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] فحينئذٍ ييأسون من كل خير، ويعلمون أنهم فيها خالدون، فيزدادون بؤساً على بؤسهم، وحسرة إلى حسرتهم {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:65 - 66] في تلك اللحظات: {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] فعند ذلك لا ينفع الندم، حينما يساقون إلى نار {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] يقولون للملائكة الزبانية إذا سحبوهم: ألا ترحموننا؟ فيقولون لهم: لم يرحمكم أرحم الراحمين، ونحن نرحمكم؟

تشوق النار لأصحابها

تشوق النار لأصحابها نارٌ إذا رأت أهلها من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، تتقطع منها القلوب {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:7 - 8] يقول ابن عباس: [[إذا رأت النار من يُراد به دخول النار تشهق كما تشهق البغلة للشعير]] تكاد تتقطع من شدة الغيظ والغضب على أهلها، فهي نار حانقة غضبى على أهلها، وهم في جوفها، فما ظنكم أن تفعل بهم؟! عباد الله: اتقوا النار، احذروا أن تكونوا من أهل النار، ولقد بين الله لكم صفات أهل النار، وصفات أهل الجنة جملة وتفصيلاً؛ {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165]. قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37 - 41]. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، يا عزيز يا غفار، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وانفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أٌقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

من أوصاف النار وأهلها

من أوصاف النار وأهلها الحمد لله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله بمنِّه وكرمه أن يجعلنا من أهل الجنة، وألا يجعلنا من أهل النار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نسأله أن يتوفانا عليها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وأدى الأمانة، وترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واحذروا الأعمال الخبيثة، واحذروا المعاصي والسيئات؛ فإنها حطب جهنم، جهنم التي حذركم الله منها في كتابه الكريم، وحذركم منها رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله عزَّ وجلَّ يقول: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أنذرتُكم النار، أنذرتُكم النار، أنذرتُكم النار}. إنها نار محرقة، كلما نضجت جلودهم فيها بدلهم الله جلوداً غيرها، إنها دار البوار، دار البؤس، دار الشقاء والعذاب الشديد، دار من تعدى الحدود، وارتكب المحرمات، دارٌ لا يسكنها إلا الأشرار من خلق الله الذين عصوا رُسُله، ولم يمتثلوا أمره ونهيه. إنها النار يا عباد الله! قد جمع أوصافها عالم من علماء المسلمين، فقال: النار منزل أهل الكفر كلهم طباقها سبعةٌ مُسْوَدَّةُ الحُفرِ جهنم ولظى من بعدها حطمه ثم السعير وكل الهول في سقرِ وتحت ذاك جحيمٌ ثم هاويةٌُ تهوي بهم أبداً في حرِّ مستعِرِ فيها غلاظ شداد من ملائكةٍ قلوبهم شدةً أقسى من الحجرِ لهم مقامع للتعذيب مُرْصدةٌ وكل كسرٍ لديهم غيرُ مُنْجَبِرِ سوادءُ مظلمةٌ شعثاءُ موحشةٌ دهماءُ محرقةٌ لواحةُ البشرِ فيها العقارب والحيات قد جُمعتْ جلودُهم كالبغال الدُّهْمِ والحُمُرِ لها إذا ما غلت فورٌ يقلبهم ما بين مرتفعٍ منها ومنحدرِ عباد الله: يروي لنا البزار رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث طويل قال فيه: {أتى النبي صلى الله عليه وسلم على وادٍ فسمع صوتاً، فقال: يا جبريل، ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب! ائتني بأهلي وبما وعدَتني فقد كَثُرَت سلاسلي، وأغلالي، وسعيري، وحميمي، وغَسَّاقي، وغِسْلِيني، وقد بَعُد قعري، واشتد حري، ائتني ما وعدتني، قال: لك كل مشركٍِ ومشركة، وخبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب}.

صور من أحوال من يخشون الله عند ذكر النار

صور من أحوال من يخشون الله عند ذكر النار عباد الله: يروي لنا عبد الرحمن بن مصعب: [[أن هناك رجلاً كان على شط الفرات، فسمع تالياً يتلو قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف:74] فلما تلاها، وسمعها هذا الرجل تمايل، فلما قال التالي: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] سقط هذا المستمع في الماء، فمات رحمه الله]] يخافون من ذكر النار. عن لقمان الحنفي قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب ينادي في جوف الليل، لا شابٌّ ينادي عند الشوط الأول والأخير، وعند البَلُوْت والكِنْكَان، وعند المخدرات والمسكرات، مثل أكثر شبابنا، إلى الله المستغاث شبابٌ ذهبوا مع الشيطان والهوى، أكثر شبابنا يؤسَف لهم يا أمة الإسلام! المساجد منهم خالية، وأصواتهم مرتفعة باللعنات والشتمات في أوقات الأسحار والإجابات، يشتم بعضهم بعضاً، يشربون المسكرات، يتبادلون المخدرات، لعبهم ولهوهم الميسر والقمار، البَلُوْت والكِنْكَان، كأنهم لم يُخلقوا إلا عبثاً، وكأنهم متروكون هَمَلاً، إلى الله نشكو أحوال كثير من الشباب، فهذا {شاب يمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينادي في جوف الليل: واغوثاه من النار، واغوثاه من النار، واغوثاه من النار قضى ليله في هذه الكلمة، فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا شاب، لقد أبكيتَ البارحة ملأً من الملائكة كثيراً} الله أكبر! الله أكبر! إخواني: اعتبروا من هذه الأحوال بسلفكم الصالح، فإنَّهم كانوا يَخافون من النار. وأنتم يا عباد الله: أما تشفقون من النار؟! أما تشفقون من نار جهنم وما فيها من العذاب والأنكال؟! أما تحذرون سلاسلها والأغلال؟! واعجباً! لمن يقرع سمعَه ذكرُ السعير، وهو من عذابها بالله غير مستجير. فيا من تتعدون الحدود، يا من تعصون الملك العلام، أفيكم جلد على نار وقودها الناس والحجارة، أم قد رضيتم لأنفسكم بهذه الخسارة؟ فيا ويلاً لمن كانت النار له دار. اللهم يا رب الأرباب! ويا مسبب الأسباب! ويا أرحم الراحمين! نسألك أن تعيذنا من الْهَلَكات، ومن دار السعير والدركات، وتباعد بيننا وبين ما فيها من الأغلال واللفحات، وأن تجعلنا مِمَّن يُكرم في روضات الجنات. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك وجودك يا رب العالمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم إن أحوال الشباب تُرثى يا حي يا قيوم، اللهم إن أحوال الشباب تُمْرِض، وتضيق لها الصدور، ويَندى لها الجبين، فنشكو إليك يا من تُشكى إليه الأمور، يا من لا تخفى عليه سرائر ما في الصدرو، نشكو إليك أحوالنا يا رب العالمين. اللهم ردنا إليك جميعاً. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وأغث بلادنا بالقطر النافع يا رحمن، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سَحَّاً غدقاً، نافعاً غير ضار، اللهم نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رَحْمَة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له، يا سميع الدعاء! إنك حسبنا ونعم الوكيل. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اجمع قلوبنا جميعاً على الحق يا رب العالمين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة، يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

متى اليقظة؟

متى اليقظة؟ لقد انتشرت المعاصي في المجتمع الإسلامي، وأصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وذلك بسبب ضعف الدين وقوة الباطل، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداهنة في دين الله عز وجل، والإقبال على الدنيا والزهد في الآخرة؛ حتى تأخرنا عن الفضائل، وسرنا إلى الهلاك، بل لم نهتم حتى بتربية أبنائنا وتوجيه أهلينا وذوينا فهل من عودة إلى دين الله؟!

الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله القوي العظيم، الرقيب الشهيد، يدبر خلقه كما يشاء بحكمته، فهو الفعال لما يريد، أحكم ما شرع، وأتقن ما صنع، فهو الولي الحميد، حد لعباده حدوداً، ونظم لهم تنظيماً وقال: {وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] فصار الناس على أقسام: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) [فاطر:32] {إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، هو الملك الواحد القهار، فلا ضد له ولا نديد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القائم بأمر الله، الناصح لعباد الله على الرشد والتسديد. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واصغوا أسماعكم إلى نداء رب العالمين، حيث يقول بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. ويقول جَلَّ مِن قائلٍ عليماً: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. ويقول جلَّ وعلا: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25]. أمة الإسلام: لا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، لا تغرنكم الأموال وكثرتها، ولا تغرنكم الزخارف والأماني الخدّاعة، لا يغرنكم رغد العيش ونظارة الدنيا وزهرتها، لا يغرنكم ما أنعم الله به عليكم من العافية والأمان، ولا يغرنكم إمهاله لكم مع تقصيركم في الواجب، وتماديكم بالعصيان. إن اغتراركم بهذا من الأماني الباطلة، والآمال الكاذبة هو كما قال تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].

أسباب انتشار المعاصي في المجتمع الإسلامي

أسباب انتشار المعاصي في المجتمع الإسلامي أمة الإسلام: لقد انتشرت المعاصي في مجتمع الأمة الإسلامية، وأصبح ما كان منكراً بالأمس معروفاً اليوم، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، تعاملوا بالربا، ومنعوا الزكاة، وأضاع البعض الحياء، وانتهكوا الحُرمات، وصاروا كالبهائم يطلبون متاع الدنيا وإن أضاعوا الدين، صدوا عن سبيل الله، واتبعوا سبل الكافرين، زُين لهم سوء أعمالهم، فظنوا ذلك تحرراً وتقدماً وتطوراً، وما علموا أن ذلك هو الرق تحت قيود الهوى، والتأخر عن الفضائل إلى الوراء، والتدهور إلى الهاوية والردى. أيها المسلمون: إن أسباب هذا التدهور يرجع إلى أمرين: أحدهما: ضعف الدين في النفوس، وقوة الداعي إلى الباطل. ثانيهما: ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمداهنة في دين الله عزَّ وجلَّ. يا أمة الإسلام يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن حماية الدين وعزته لا تكون ولا تحصل إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم يا أمة الإسلام! الأمر بما أمر الله به ورسوله، والنهي عمَّا نهى الله عنه ورسوله، وذلك بقصد النصيحة لله، ولعباد الله وبقصد الدعوة والإرشاد. أيها المسلمون: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على هذه الأمة الإسلامية التي هي أفضل الأمم وأكرمها على الله؛ إن استقامت على دين الله عزَّ وجلَّ، ومصداق ذلك في كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو دستور للأمة، حيث يقول وقوله الحق: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104] ثم نهاكم فقال: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] ثم توعدهم فقال: (وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]. أمة الإسلام: إنكم إن قمتم بهذا الدين كما أمركم الله؛ كنتم خير أمة أخرجت للناس، وإن تركتم ذلك كنتم من شرار الأمم، إنه لا نسب بين الله وبين عباده، ولكن من اتقاه فهو الكريم، وأكرم الناس عند الله أتقاهم له.

إنكار المنكر ووسائله

إنكار المنكر ووسائله أيها المسلمون: لعلكم تتفكرون في هذه الكلمات، ولعلها تدخل في صميم قلوبكم: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الناس جميعاً، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان}. والبعض من الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بفئة من الناس، وهذا ظن فاسد، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، رسولكم الذي ترككم على المحجة البيضاء قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان}. فقوله: {من رأى منكم منكراً} عامٌ لكل من رأى المنكر، يجب أن يغيره بيده، بالضرب أو غيره. فإن لم يستطع فبلسانه، بالكلام والنصح والإرشاد، أو الكلام مع ولاة الأمور إن لم ينفع الكلام مع صاحب المنكر، وكل واحد منا يستطيع أن يتكلم مع المسئولين في منع المنكر، ويجب على المسئولين إذا بلغهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح، وأن يجتمعوا على ذلك، لينالوا الفوز والفلاح. أمة الإسلام: إن الواجب علينا جميعاً أن نترك الدعة والسكون، وأن نقوم لله مخلصين له الدين، ونبدأ أولاً: بأنفسنا وأهلينا، وأولادنا، ومن تحت أيدينا، ومن جاورنا، وكذلك الزملاء والأصدقاء، ينبغي علينا جميعاً أن نكون دعاة خير، ندعو إلى الله عزَّ وجلَّ على بصيرة، فتكون الهمة إخراج الناس من ظلمات الجهل والمعاصي إلى نور الحق والهدى. أيها الناس: إن من المؤسف المروِّع أن نرى مجتمعنا الإسلامي أمة محمد صلى الله عليه وسلم هكذا، شعوباً متفككة متفرقة، مضيعين لأمر الله، لا يغارون لدين الله، ولا يخافون من وباله، لا يتفقد الرجل أهله وولده، ولا ينظر في جيرانه، ولو كان الرجل عنده غيرة ويتفقد أهله؛ ما ترك البعض من الناس زوجته وبناته مع السائق، وكم نكرر هذه العبارة مرات تلو المرات؛ ولكن اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة. اللهم اشف مرض قلوبنا. عباد الله: إن القلوب مريضة إلا ما رحم الله. تجد بعض الناس يترك أهله مع السائق الأجنبي، وهو ليس لهن بمحرم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وترى الرجل من الناس عاقلاً، ذا حزمٍ وجدٍ، ولكن -مع الأسف الشديد- إذا نظرتَ في بيته، وجدت رجالاً ليسوا لأهله بمحارم، هذا طباخ، وهذا سائق، وهذا خادم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم إذا نظرتَ أيضاً، وإذا هذه خادمة عند شبان ليسوا لها بمحرم، فأين الغيرة يا أمة الإسلام، ثم إذا أصبنا بمصيبة عضضنا على البنان، ولم نفكر أننا ارتكبنا ذنوباً، ولم نفكر أننا عصينا الله سبحانه وتعالى. فمتى نستيقظ يا عباد الله؟! لعل في هذه المواعظ التي تَطْرُقُ آذاننا ليلاً ونهاراً، وتَقُضُّ مضاجعنا، لعلها تكون لنا عبرة، فنحمي محارمنا، ونأمر أولادنا وأهلينا بطاعة الله، فكم من أناس يخرجون من البيوت إلى المساجد وأولادهم لا يصلون معهم في المساجد! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! عباد الله: تداركوا الأمر وتوبوا إلى الله، ارجعوا إلى الله، لعلكم تسمعون المواعظ ليلاً ونهاراً، لعلكم تسمعون ما يحيط بكم يميناً وشمالاً، فخذوا حذركم، توبوا إلى الله، ارجعوا إلى الله قبل أن يحل بكم ما حل بالمجاورين، يقول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] هذا كلام الله. وأيضاً اسمعوا ماذا يقول الله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]. اللهم ألهمنا رشدنا، وهيئ لنا الخير، واجمع كلمتنا على الحق، اللهم اجمع كلمتنا على الحق يا رب العالمين. اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم رب محمد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، وأجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على تربية الأبناء

الحث على تربية الأبناء {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2 - 4]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى قال تعالى: {يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. عباد الله: إن عليكم مسئولية كبرى، وفي أعناقكم أمانة عظمى، ستسألون عنها يوم يبعث الأولين والآخرين. إن الله سائل كل راع عما استرعاه، ألا وهم أولادكم، وفلذات أكبادكم، فاتقوا الله فيهم، ووجهوهم إلى الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، فإن هؤلاء الأولاد سيكونون في المستقبل رجالاً، فإذا تربوا على طاعة الله عزَّ وجلَّ، وتعودوا الأخلاق الحسنة والفاضلة التي ترفع شأنهم، وتُعلي مقامهم، وحصَّلوا من العلوم النافعة ما ينفعون به أنفسهم، وينفعون به عباد الله، كانوا أساساً مكيناً لنهضة الأمة ورقيها. وإن اعتادوا سافل الأخلاق وهجروا العلوم الشرعية، وما يعين عليها كانوا ضرراً على أنفسهم وعلى الأمة. إذاً: فالتربية أمرٌ عظيم، وكبير القيمة، فالطفل أمانة عند والدَيه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، خالية من كل نقش وصورة، فهو على فطرته التي فطره الله عليها، ينتظر ما يُلقى فيه من خيرٍ وشر، فإن عوّده أبواه الخير، وعلماه العلوم النافعة التي تدله على الدين الإسلامي وتحببه إليه، وترغبه فيه، وفي آدابه قولاً وعملاً واعتقاداً؛ فسوف ينشأ على ذلك، ويسعد في الدنيا والآخرة، ويشاركه في الثواب أبواه، وكل مؤدبٍ ومعلمٍ علمه الخير، أما إذا نشأ في أحضان المربية، وأحضان الخادمة، فسوف ينشأ على عكس ذلك، على الشرور والفساد، فإن الطفل إذا أُهمل وتُرك بلا عناية شقي وهلك، وكان على والديه ما يستحقون من الإثم. يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه}. لذلك أجمع العقلاء على أن الإنسان بحاجة إلى التربية، فإنه يولد صغيراً مجرداً عن كل المميزات، قابلاً لكل نقش، مستعداً لكل ما يُلقى إليه من تعليم وتثقيف يُحاط به. ألا فلنحذر أنفسنا وأولادنا من الثقافة الغربية. الحذر الحذر من الغزو الفكري، الذي يتسرب عن طريق التمثيليات، والأفلام، والمجلات السافلة الساقطة، والقصص الغرامية التي تثير الغريزة، وتسقط العفاف والشرف، وتقتل النخوة والغيرة والحمية، وتدعو إلى التقليد الأعمى، وإلى الميوعة والانحطاط، كيف لا، وهي مسلَّحة ومعدَّة للقضاء على الأخلاق، والعقيدة، بل للقضاء على الآداب، وعلى الدين لا سمح الله. أمة الإسلام: عباد الله! الله الله في أولادكم، اتقوا الله في أولادكم، وتذكروا ساعة الوقوف بين يدي الله عزَّ وجلَّ، تذكروا السؤال، تذكروا النقاش بين يدي الله في ذلك اليوم العظيم، يوم أن تنزل الشمس مقدار ميل، ويوم أن يذهب العرق في الأرض سبعين ذراعاً ثم يفيض على الناس، تذكروا ذلك اليوم العظيم الذي سوف تسألون فيه عن أولادكم، وعن نسائكم، فاتقوا الله، وأعدوا للسؤال جواباً. اللهم اهدنا، اللهم اهدنا جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا جميعاً ما تبغضه وتأباه. اللهم اجعلنا متحابين فيك، متناصحين فيك، إنك على كل شيء قدير. اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا. {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد أن تعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، يا رب العالمين! اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع عنهم عافيتك ويدك. اللهم مزقهم كل ممزق. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا. اللهم استر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا. اللهم آمن روعاتنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم آمن روعاتنا. اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم قطعه إرْباً إرْباً، اللهم قطعه إرْباً إرْباً، اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس:85 - 86]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

محمد رسول الله

محمد رسول الله منَّ الله عز وجل على الأمة بأن بعث لها رسولاً من أنفسهم عزيزاً عليه عنتهم، بالمؤمنين رءوف رحيم، وقد حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على إقامة توحيد الله في الأرض وإخلاص العبادة له، وهي دعوة كل الرسل، ومن شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على التوحيد أن سد كل سبب يفضي إلى تعظيم غير الله من انحناء أو تصاوير أو غيرها، وعظّم كلمة (لا إله إلا الله) حق تعظيمها.

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى. أمة الإسلام: اشكروا الله على ما مَنَّ به عليكم أن بعث فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آيات الله بينات، ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، رسولاً أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجور والإساءة إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمات الفوضى الفكرية والاجتماعية إلى نور الاستقامة في الهدف والسلوك، ومن ظلمات القلق النفسي وضيق الصدور إلى نور الطمأنينة وانشراح الصدور. يقول الله جل وعلا: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22] ويقول الله جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم:1 - 2]. أيها المسلمون! لقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم والناس يتخبطون في الجهالات، ففتح لهم أبواب العلم في معرفة الله تعالى، وما يستحقه من الأسماء والصفات، وماله من الأفعال والحقوق، وفتح لهم أبواب العلم في معرفة المخلوقات في المبدأ والمنتهى والحساب والجزاء، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12 - 16]. لقد فتح الله لعباده ببعثه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أبواب العلم في عبادة الله تعالى، وفتح لهم أبواب السير إلى الله تعالى، وفتح لهم أبواب العلم في السعي في مناكب الأرض، وابتغاء الرزق الحلال بوجهه المشروع، فما من شيء يحتاج الناس إلى معرفته من أمور الدين والدنيا إلا بين لهم ما يحتاجون إليه، حتى صاروا على طريقة بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتيه فيها إلا أعمى القلب. لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والناس منغمسون في شتى أنواع الشرك فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد المسيح بن مريم، ومنهم من يعبد العزير، ومنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الحجارة، حتى كان الواحد منهم إذا سافر ونزل أرضاً، أخذ منها أربعة أحجار، فيضع ثلاثة منها تحت القدر وينصب الرابع إلهاً يعبده من دون الله! الله أكبر يا لها من عقول أسخفها! فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ينقذهم من هذه الهوة الساحقة؛ من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فحقق التوحيد لرب العالمين تحقيقاً بالغاً، وذلك بأن تكون العبادة لله وحده، يتحقق فيها الإخلاص لله بالقصد والمحبة والتعظيم، فيكون العبد مخلصاً لله في قصده ومحبته وتعظيمه، وظاهرة وباطنة، لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى، والوصول إلى دار كرامته، ويسير على ذلك النهج مستدلاً بقول الحق جل وعلا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. وممتثلين لقول الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] ومستجيبين لله حيث ناداهم بقوله: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج:34]. هكذا جاء كتاب الله تعالى يحث على التوحيد والإخلاص، ثم تلته سنة المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق التوحيد وإخلاصه، وتخليصه من كل شائبة، وسد كل طريق يمكن أن يوصل إلى ثلم هذا التوحيد أو إضعافه، حتى إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: {أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده} فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل أن يقرن مشيئته بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما، وجعل ذلك من اتخاذ الند لله عز وجل، واتخاذ الند لله عز وجل إشراك به. وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف الرجل بغير الله، وجعل ذلك من الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك}. وذلك لأن الحلف بغير الله تعظيم للمحلوف به بما لا يستحقه إلا الله عز وجل، فلا يجوز للمسلم أن يقول عند الحلف: والنبي، أو وحياة النبي، أو والكعبة، أو والأمانة، أو وحياتك، أو وحياة فلان بل يحلف بالله وحده أو ليصمت. ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلقى أخاه فيسلم عليه أينحني له؟ فقال: لا. فمنع صلى الله عليه وسلم من الانحناء عند التسليم. انتبهوا يا أمة الإسلام! يا من إذا لقيتم إخوانكم انحنيتم لهم! انتبهوا لذلك يا من تدعون الإسلام! فإن ذلك قد حرمه الإسلام، فقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الانحناء عند التسليم؛ لأن ذلك خضوع، والخضوع لا ينبغي إلا لله رب العالمين، فهو سبحانه وحده الذي يُركع ويُسجد له، وكان قبل الإسلام السجود عند التحية جائزاً في بعض الشرائع السابقة، ولكن هذه الشريعة الكاملة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم منعت من السجود لغير الله، وحرمته إلا لله تعالى وحده. وفي الحديث: {أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم الشام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم -أي: زعماؤهم- وذلك قبل أن يسلموا، فلما رجع معاذ رضي الله عنه سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معاذ ما هذا؟! فقال معاذ رضي الله عنه: رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله -أي: أحق من أساقفتهم بالسجود- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها} وذلك لعظم حقه عليها.

حرص النبي صلى الله عليه على سد ذرائع الشرك

حرص النبي صلى الله عليه على سد ذرائع الشرك لقد بلغ من سد النبي صلى الله عليه وسلم ذرائع الشرك ووسائله ألا يترك في بيته صورة شيء يعبد من دون الله تعالى، أو يعظم تعظيم عبادة، ففي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت: {لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه}. والتصاليب: هي الصلبان التي يتخذها النصارى شعاراً لدينهم، ويزعم النصارى أن المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام صلب عليها بعد أن قتل، وقد نفى الله ذلك كله، فقال في القرآن مكذباً من زعموا أنهم قتلوه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157] وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:157 - 158]. فكان النصارى يقدسون الصليب ويضعونه فوق محاريبهم، ويتقلدونه في أعناقهم، فكان من هدي رسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم إزالة كل ما فيه تصاليب؛ حماية لجناب التوحيد، وإبعاداً عن مشابهة غير المسلمين ولقد كانت بلادنا هذه المملكة الواسعة الأرجاء المترامية الأطراف -ولله الحمد والمنِّة- من أعظم البلاد الإسلامية محافظة على توحيد الله تعالى، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بما مَنَّ الله عليها من علماء منيبين وولاة منفذين، وصارت عند أعداء الإسلام قلعة الإسلام، فغزوها من كل جانب بكل شكل من أشكال الغزو، حتى كثرت الفتن فيها، وصارت صور الصلبان على بعض الألعاب للأطفال، بل وعلى الفرش لتكون نصب أعين المسلمين صبيانهم وكبارهم، وفي أفلام التلفاز إذا جاء النصارى يمثلون فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون. فخذوا حذركم يا أمة الإسلام! واحذروا من أولئك الخدم والخادمات والسائقين الذين جاءوا بأوثانهم معهم ليضلوكم وأنتم لا تشعرون وإنما أقصد بذلك الوثنيين الذين يعبدون الأصنام من دون الله -مع الأسف الشديد- وملئوا بيوت المسلمين، وقدمهم المسلمون فاللهم أنقذنا من ظلمات الجاهلية يا رب العالمين، اللهم تداركنا بواسع رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعد للأمة الإسلامية دينها وقها شر أعدائها، اللهم أيقظ قلوب المسلمين من الغفلة عما يراد لهم يا رب العالمين إنك جواد كريم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

عظم كلمة لا إله إلا الله

عظم كلمة لا إله إلا الله الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، وأسأله بمنِّه وكرمه أن يثبتنا عليهما، وأن يحينا مسلمين ويتوفانا مسلمين، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وحققوا توحيدكم، واستمسكوا بالعروة الوثقى (لا إله إلا الله) يقول صلى الله عليه وسلم: {ما قالها عبدٌ مخلص إلا فتحت لها أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر} وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال موسى عليه السلام: يا رب! علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى! قل لا إله إلا الله، قال: يا رب! كل عبادك يقولون ذلك، قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهنَّ لا إله إلا الله} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو عل كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه} وقال صلى الله عليه وسلم: {من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة؛ حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر} رواه البخاري ومسلم. فعلينا جميعاً أن نسارع في كنوز الأعمال الصالحات {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46]. وصلوا وسلموا على رسول الله الناصح الأمين، الذي أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، صلوا على فرط أمته على الحوض، صاحب اللواء المحمود والحوض المورود، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، امتثالاً لقولك يا ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد صلاة وتسليماً مدى الدنيا حتى انقضائها إلى يوم القيامة يا رب العالمين، على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وارض اللهم عن صحابته وفي مقدمتهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحابه أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنّا كنا مِنَ الظَّالِمِينَ! نفوض أمورنا إليك يا رب العالمين، نستغيث بك يا مغيث الملهوفين! ويا مجيب دعوة الداعين! ويا أرحم الراحمين: أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم لا تبقي منهم أحداً، اللهم اقطع دابرهم، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلا وارزقنا وإياهم اجتنابه يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. اللهم إنا خلق من خلقك، فقراء إليك، ضعفاء بين يديك، لا حول لنا ولا قوة إلا بك، ولا ملجأ لنا منك إلا إليك، نسألك أن تغيثنا يا مغيث المستغيثين، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء لا ملجأ لنا منك إلا إليك، أنت ملاذنا ومفرنا وملجؤنا، أنت الذي خلقتنا وتكفلت بأرزاقنا فلا تكلنا إلى أحد من خلقك سواك يا رب العالمين اللهم أغثنا، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم غيثاً تُغيث به البلاد والعباد، وتحيي به البلاد، وتجعله متاعاً للحاضر والباد اللهم أنزل علينا من بركات السماء يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه علىنعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

مداخل الشيطان

مداخل الشيطان لقد سلط الله تعالى على الإنسان في هذه الحياة الدنيا عدواً لدوداً؛ ليميز بينهم، ألا وهو الشيطان الرجيم، فمن أطاعه وتبعه في حزبه دخل في اللعنة الحالة به، ومن عصاه فاز بنعيم الله، ونجا من عذابه، فالواجب على المسلم في الحياة أن يكابد عدوه بطاعة الله عز وجل، وأخذ الحذر من الشيطان وأتباعه، والحذر من تلبيسه وإغوائه ومداخله والاعتصام بالله منه.

مداخل الشيطان

مداخل الشيطان الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الآداب, وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب, أنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب, وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين نوره حجاب, هدى المؤمنين بفضله ورحمته, وأضل المعرضين بعدله وحكمته، إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وسلم تسليماً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه, لقد قدمت لكم نبذة يسيره عن عداوة الشيطان في الدرس الماضي وفي هذه الدرس أبين نبذة يسيرة عن مداخل الشيطان.

الحسد

الحسد فمن مداخله الحسد الذي أخرج به إبليس من الجنة, لعدم السجود للأبوين, وورد في الأثر عن رسول الهدى ونبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إياكم والحسد! فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} أو قال: {كما تأكل النار العشب} رواه أبو داود. عباد الله: احذروا الحسد فإنه خلق إبليس, وهو من مداخل الشيطان, ويقول صلى الله عليه وسلم فيه: {لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً, ولا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث} متفق عليه.

الحرص

الحرص ومن مداخل الشيطان الحرص, فمتى كان العبد حريصاً على شيء أعماه حرصه وأصمه, وغطى نور بصيرته التي يعرف بها, فعند ذلك يوصله الحرص إلى شهواته, وإن كان منكراً أو فاحشاًَ, كل ذلك طاعة للشيطان.

الغضب

الغضب وكذلك من مداخل الشيطان الغضب والحدة, فإن الغضب غول العقل, وإذا ضعف جند العقل هجم الشيطان, ولعب بالإنسان كما يلعب الصبيان بالكرة, ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد منه وصية قال له صلى الله عليه وسلم: {لا تغضب، فردد مراراً: قال أوصني يا رسول الله؟ وفي كل ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: لا تغضب} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب}. فاحذروا الغضب يا عباد الله! فإنه نار يشعلها الشيطان في قلب الإنسان, وإن الإنسان إذا غضب ربما قضى على نفسه أو على أولاده بسبب غضبه, وكذلك يحمله الغضب أحياناً على إطلاق لسانه بالقذف، والغيبة والنميمة، والبهت والاستهزاء والسخرية، والشتم والسب والطلاق وسائر أنواع المعاصي. والغضب مضاره كثيرة، فليحذر المسلم منه؛ لأنه مدخل من مداخل الشيطان, احذروا الغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله, فعند ذلك يجب الغضب لله عز وجل, كما هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الشبع

الشِبع ومن مداخل الشيطان الشبع، فإنه يقوي الشهوة ويشغل عن الطاعة, أرأيتم الصائم كيف يكون عنده من الأخلاق والآداب حال الصيام؛ لأنه حصل عنده االصيام الذي يضيق على الشيطان مجراه؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم, فالحذر يا عباد الله من الشبع, وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [[إياكم والبطنة! فإنها تذهب الفطنة وتثقل عن الصلاة]]. والشيطان أعظم ما يتحكم من الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام, ولهذا جاء في بعض الآثار: [[ضيقوا مجاري الشيطان بالصوم]] وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: {ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه} ولو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله عز وجل, وإذا أغفل القلب عن الذكر ساعةً واحدة جثم عليه الشيطان، ووعده ومنّاه وشهاه, وهام به في كل واد, فإن النفس إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات, وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت, نعم يا عباد الله، فاحذروا الشبع.

الطمع في الناس

الطمع في الناس ومن مداخل الشيطان الطمع في الناس, فإن من طمع في شخص بالغ بالثناء عليه بما ليس فيه, وداهنه، ولم يأمره بالمعروف ولم ينهه عن المنكر, وبذلك حقت على بني إسرائيل اللعنة قال تعالى: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معصية لله ولرسوله، وما ترك قومٌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أصيبوا بالذل والهوان, وتسلط الأعداء.

العجلة وحب المال

العجلة وحب المال ومن مداخل الشيطان العجلة وترك التثبت، وقد روي في الأثر: [[العجلة من الشيطان, والتأني من الله تعالى]]. ومن مداخل الشيطان حب المال، ومتى تمكن القلب من حب المال أفسده، وحمله على طلب المال من غير وجهه, وأخرجه إلى البخل, وخوفه الفقر, فمنع الحقوق اللازمة، كما أخبر الله عنه بقوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. عباد الله: هذا طرف يسير من مداخل الشيطان, وينبغي للإنسان أن يحترز عن مواقع التهم؛ لئلا يساء به الظن. عباد الله: سدوا على الشيطان الأبواب التي يدخل منها, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه, قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء, وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله ولم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء} رواه مسلم. ومن مداخل الشيطان: سماع الأذنين إلى الحرام, فإن الأذنين تزنيان بالاستماع. ومن مداخل الشيطان نظر العينين إلى الحرام, فإن زنا العينين النظر. ومن مداخل الشيطان البطش باليدين في الحرام. ومن مداخل الشيطان الرجلان إذا سارا إلى الحرام, فاحفظوا ذلك يا عباد الله, وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه, وجنبنا وإياكم ما يبغضه ويأباه، وجعلنا الله وإياكم هداة مهتدين. وصلى الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واستغفروا الله يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الأذكار تعصم الإنسان من الشيطان

الأذكار تعصم الإنسان من الشيطان الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله!. خذوا حذركم من هذا العدو اللدود, خذوا حذركم من عدوكم الأكبر, خذوا حذركم من الشيطان الرجيم الذي حذركم الله عداوته في كتابه العزيز الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42] وحذركم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمركم أن تستعينوا بالله عليه بكثرة ذكره تعالى, فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير في يوم مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة, وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي, ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه} متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: {لو أن أحدكم إذا أتى أهله -أي: إذا أراد أن يجامع أهله- قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: {من قال إذا خرج من بيته: باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: كفيت وهديت ووقيت, وتنحى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي} وقال أبو هريرة رضي الله عنه: {ولاّني رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة رمضان أن أحتفظ بها، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته, فقال: دعني فإني فقير وعليّ عيال ولا أعود, فذكر الحديث وقال: فقال له في الثالثة مثلما قال في الأولى ثم قال له: أعلمك كلمات ينفعك الله بهن: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها إلى آخرها, فإنه لا يزال عليك من الله حافظ, ولا يقربك شيطان حتى تصبح, فخلى سبيله, فأصبح أبو هريرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله, فقال: صدقك وهو كذوب, أتدري من تخاطب يا أبا هريرة؟ قال: لا, قال: ذلك الشيطان}. وأنا سأقرأ آية الكرسي، ولعل بعض الإخوان الذين لم يحفظوها أن يحفظوها قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]. اللهم احفظنا بحفظك، وارعنا برعايتك, واكلأنا بعيناتك, واحرسنا بعينك التي لا تنام. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وبإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين, اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك يا رب العالمين, اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, اللهم وأصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أصلح أولادنا ونساءنا, اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, أكثروا من ذكر الله يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم فإنه وعد الشاكرين بالمزيد, وصلوا على رسول الله.

مع سورة الانفطار

مع سورة الانفطار سورة (الانفطار) تصور أهوال يوم القيامة، وفيها عتاب للإنسان الغافل وتذكرة له بأصله وهو التراب. أما من يقول: إن أصل الإنسان هو القرد فقد كفر بالله. وفي السورة أيضاً توبيخ للكفار، وبيان للإنسان أن عليه حفظة يكتبون عمله، وأن هناك يوماً للحساب والجزاء لا شك فيه.

صورة العالم يوم القيامة كما في سورة الانفطار

صورة العالم يوم القيامة كما في سورة الانفطار الحمد لله الذي بيده ملكوت كل شيء, وهو القادر على كل شيء, وهو وحده لا شريك له, المتصرف في جميع مخلوقاته, يفعل ما يشاء ويختار, لا معقب لحكمه, أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله: تدبروا القرآن العظيم, قفوا عند عجائبه, وحركوا قلوبكم بمواعظه, ابكوا عند تلاوته فإن لم تبكوا فتباكوا فإنها من صفات العارفين, وكيف لا يبكي المؤمن وهو يعرف أن هذا القرآن هو كلام الله الذي لو أنزله الله على صُمِّ الجبال لتصدعت وخشعت من خشية الله عز وجل, هيبة وإجلالاً وتعظيماً لله عز وجل. عباد الله: أمة الإسلام! أمة القرآن! يا خير أمة أخرجت للناس! كفى بالقرآن واعظاً وزاجراً لمن كان له عقل يتدبر، أو أصغى للموعظة وهو حاضر القلب ليتذكر ويعتبر. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحيم الرحيم: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:1 - 4] نعم -يا عباد الله- إذا حصل هذا الحادث العظيم في يوم خطير وهو يوم القيامة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] أي: تشققت بأمر الله عز وجل لنزول الملائكة, قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:25] في ذلك اليوم العظيم لمن الملك؟ الله عز وجل يقرر ذلك ويقول: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:26] ذلك اليوم العظيم يوم القيامة. {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار:2] أي: النجوم تساقطت وتناثرت، وتبدلت بعد الضياء كدوراً, وزالت عن أماكنها وبروجها. {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:3] أي: فتح بعضها على بعض, فاختلط عذبها بمالحها, وأصبحت بحراً واحداً بقدرة العزيز الجبار. {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:4] أي: نبش ما فيها من الموتى قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:41 - 44]. في ذلك اليوم العظيم يأمر الله ملكاً أن ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية! والأوصال المتقطعة! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء, في ذلك اليوم العظيم الذي قال الله فيه: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:5] أي: علمت كل نفس في ذلك الموقف العظيم وفي ذلك اليوم الرهيب ما أسلفت من خير وشر, قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] لماذا؟ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37].

تذكير سورة الانفطار لمن غفل عن نعمة ربه

تذكير سورة الانفطار لمن غفل عن نعمة ربه انتقلت سورة الانفطار في مواعظها إلى مواعظ أخرى وهي لتذكير الإنسان الغافل الجاهل، الذي جحد نعمة ربه وكفرها, حيث أوجده رب العالمين من العدم, وجعله سوياً سالم الأعضاء يسمع ويعقل ويبصر وجعله معتدل القامة منتصباً في أحسن شكل وهيئة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران:6]. لقد خلق الله جلَّ وعلا الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه ونعمه، وفضله على كثير من المخلوقات, وجعله إنساناً سميعاً بصيراً ذا عقل وفهم، وميزه عن غيره من الحيوانات. ثم نأتي ونبين نُبذة من خلق آدم عليه السلام, لما أراد الله جلت قدرته أن يخلق آدم أخذ من الأرض قبضة من التراب, ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون, ثم أرسل عليها الريح فجففها حتى صارت صلصالاً كالفخار, ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات وصورها فأبدع في تصوريها, وأظهرها في أحسن أشكال, وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها, وهيأ كل جزء منها لما يراد منه, وقدره لما خلق له على أبلغ الوجوه, والملائكة تراها ولا تعرف ما يراد منها؛ لأنهم لا يعلمون الغيب, إنما الغيب لله عز وجل, وإبليس يطوف بها ويقول: "لأمر ما خُلِقَتْ" فلما تكامل تصوريها وتشكيلها وصارت جسداً مصغراً مشكلاً كأنه ينطق إلا أنه لا روح فيه ولا حياة, طينة مُنجدل أرسل إليه روحه جلَّ وعلا، ونفخ فيه نفخة وقال له: كن فانقلب ذلك الطين لحماً ودماً وعظاماً وعروقاً وسمعاً وبصراً وشماً ولمساً وحركة وكلاماً, لا إله إلا الله المتفرد بالخلق والإيجاد. ولما وصلت الروح أنف أبينا آدم عطس عليه السلام, فأول شيء بدأ به من الكلام أن قال: الحمد لله رب العالمين, فقال له الرب جلت قدرته: يرحمك الله يا آدم, فاستوى جالساً أجمل شيء وأحسنه منظراً, وأتمه خلقاً وأبدعه صورة, فقال الرب تبارك وتعالى لجميع ملائكته: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف:11]-الله أكبر يا بن آدم! كرمك الله عز وجل، أسجد الملائكة لأبيك آدم- فبادر الملائكة الكرام بالسجود تعظيماً وطاعة لأمر الواحد المعبود, إلا إبليس الخبيث أبى واستكبر، حسد آدم، ولأجل آدم أخرج وطرد من ملكوت السماء، وصار شيطاناً رجيماً مريداً لعنه الله, طرده الله من رحمته فصار قواداً لكل شر, خبيثاً يدعو الناس إلى جهنم ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً لا يفتر لحظة, ولكن خذوا حذركم يا عباد الله. فهذا أبوكم آدم الذي قال له الله: إنك في الجنة لا تظمأ ولا تضحى، ولا تجوع ولا تعرى, ولكن أتاه الخبيث ووسوس إليه وأخرجه من الجنة, نهاه الله عن الشجرة ولكن أغواه الشيطان حتى أكل منها, فلما عصى ربه وأكل من الشجرة هو وزوجته أخرجه الله من الجنة. ولكن رحمة أرحم الراحمين تداركت آدم، قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] ما هي الكلمات؟ {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] فتاب الله على أبينا آدم؛ فلله الحمد والمنِّة, وسوف يرجع إلى الجنة مكرماً معززاً، وسوف ترجع ذريته إلى الجنة بما ابتلاهم الله في هذه الحياة الدنيا من الأعمال الصالحة, فمن أطاع الله وأطاع المرسلين فسوف يرجع إلى الجنة معززاً مكرماً، ومن عصى وتعدى الحدود فسوف يتبع إبليس الرجيم الذي عصى الله في أن يسجد لآدم. هذا خلق آدم من تراب, ومن رحمة أرحم الراحمين اشتق له صورة هي مثله في الحسن والجمال، ليسكن إليها وتقر نفسه بها، وهي حواء أم البشر, ثم أخرج الله من بينهما ما لا يحصى عدده من الرجال والنساء, فهذا خلقك يا أيها الإنسان، في أحسن تقويم خلقك الله جل وعلا, وفي أجمل صورة وفي أحسن شكل وهيئة, فتباً لأصحاب النظريات الذين يدعون أن الإنسان كان قرداً, ومع الأسف الشديد بعض الوعاظ يقول: هم القرود, لا, هم أناس خلقهم الله من بني آدم ولكنهم بقولهم هذا كفروا وجحدوا نعمة الله تعالى, يقولون: إن الإنسان كان قرداً وتطور حتى صار إنسانا, فبقولهم هذا كفروا بالله الذي خلقهم وفضلهم على كثير من مخلوقاته. ومع الأسف الشديد ليست مرة ولا مرتين ولا ثلاث يقف أمامي بعض الشباب ويقول: هل صحيح أن الإنسان كان قرداً؟! من أين أخذت هذا؟ فيقول: من المعلم يقول: إن الإنسان كان قرداً فتطور فصار إنساناً, بئس أولئك المعلمين الذين يعلمون هذه النظريات, لقد خانوا الأمانة وخانوا الله ورسوله، وكفروا نعمة خلقهم وإيجادهم, أناس مكرمون معززون مفضلون على كثير من المخلوقات. فحذار يا شباب الإسلام من تلك النظريات الخبيثة, الله الله بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

سورة الانفطار وتوبيخ الكفار

سورة الانفطار وتوبيخ الكفار نرجع إلى سورة الانفطار وفيها توبيخ لمن جحد وكفر وكذب بيوم الدين، يوم الحساب والجزاء قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:9 - 11] عليكم ملائكة تحفظ أعمالكم، ويراقبونكم في تصرفاتكم، ويسجلون عليكم في صحائفكم ما يصدر منكم من خير وشر لتجزوا به يوم القيامة: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] , وقال تعالى في سورة (ق): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:16 - 18].

السورة تبين انقسام الخلق يوم القيامة

السورة تبين انقسام الخلق يوم القيامة بين الله في سورة الانفطار انقسام الخلق يوم القيامة إلى أبرار وفجار وذكر مآل كلٍّ من الفريقين فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13] من هم الأبرار؟ هم الذين آمنوا واتقوا ربهم في الدنيا وتقربوا إليه بطاعته وطاعة رسله عليهم أفضل الصلاة والسلام, فإنهم في بهجة وسرور لا يوصف, يتنعمون في رياض الجنة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ثم قال الله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14] والفجار هم الذين عصوا ربهم في الدنيا وتعدوا الحدود وانحرفوا عن الطريق المستقيم، فإنهم في نار محرقة وعذاب دائم مقيم في دار الجحيم, قال تعالى: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} [الانفطار:15] أي: يدخلونها ويقاسون حرها في ذلك اليوم، يوم الدين الذي كانوا به يكذبون. وهذا أيضاً فيه هدم لنظريات أولئك الخبثاء الذين يريد بعض الناس أن يطلع على كتبهم وعلى مذاهبهم الخبيثة الهدامة، المذهب الشيوعي الدُّهري الذي ينكر وجود الرب جلًّ وعلا، وينكر الجنة والنار، والجزاء والحساب, ولكن الله جلَّ وعلا يقرر ذلك بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17] تعظيماً لهذا اليوم, وأي شيء هو في شدته وهوله أشد من ذلك اليوم؟ {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:18] قرر ذلك تعظيماً لشأنه, وتهويلاً لأمره, ثم قال: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19] هو ذلك اليوم الرهيب، الذي لا يستطيع أحد أن ينفع أحداً بشيء من الأشياء ولا يدفع عنه ضراً. عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واستعدوا لما أمامكم، فإن خير الزاد لذلك اليوم هو تقوى الله عز وجل, واحذروا ثم احذروا من المذاهب الهدامة، والعقائد الفاشلة الباطلة، التي يروجها أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم, واجعلنا من أهل القرآن العظيم, الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين, وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

سورة الانفطار تصور القيامة

سورة الانفطار تصور القيامة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ البلاغ المبين عن رب العالمين, عليه من الله أفضل الصلاة والسلام, وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، وتقربوا إلى الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. عباد الله: ورد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من سره أن ينظر إلى القيامة رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت} فأمر القيامة عظيم, وخطرها جسيم، قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين الملوك؟} متفق عليه, وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرأضين بالأخرى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟} رواه مسلم. وربنا جلَّ وعلا يقول: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] فإذا قام الناس من قبورهم لرب العالمين نودوا: هلمّوا إلى ربكم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24]. في ذلك اليوم خشعت الخلائق، وخضعت الرقاب وذلت للواحد القهار, تراهم يستجيبون مسارعين إلى المنادي لا يعاندون ولا يميلون؛ قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه:111 - 112] وفقني الله وإياكم لصالح الأعمال والإخلاص. أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يهدينا إلى أحسن الأعمال والأخلاق وأحبها إليه, وأن يجنبنا أبغض الأعمال والأخلاق إليه, اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] رسول الله الذي أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور, رسول الله الذي جاء بها بيضاء نقية, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, نعوذ بالله من الزيغ, ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا, صلوا على رسول الله القائل: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت إلى إبراهيم وعلى إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد, اللهم ارض عن جميع أصحاب رسولك أجمعين وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن جميع أصحاب رسولك ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. إخواني: احذروا وحذِّروا أولادكم من معلمي السوء الذين ينشرون الشر والفساد, أسأل الله بمنه وكرمه وإحسانه وجوده ولطفه وبره في من أتى إلى هذه البلاد أو بلاد المسلمين عموماً ليفسد الشباب والشابات، أو يدخل عليهم المذاهب الهدامة؛ أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر, اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك, اللهم اجعله غذاءً للسباع في البر, وغذاء للحوت في البحار, اللهم زلزل به الأرض من تحت قدمه, قبل أن يدخل هذه البلاد أو بلاد المسلمين عموماً يا رب العالمين. والله ثم والله في عام (91هـ) يدرسنا مدرس -ولا حاجة في ذكر جنسيته- التقويم, ثم استدرج في الكلام وقال: وهذا الذي قتل فيه المسيح عيسى بن مريم -قاتله الله- فقام طالب من أردى الطلاب في المعرفة فقال: كذبت يا أستاذ، عيسى بن مريم ما قتله بل رفعه الله إليه, الحق يعلو ولا يعلى, شباب نشأوا على العقيدة الإسلامية, أسأل الله أن يثبتهم عليها, وأن يرد كيد الأشرار في نحورهم, اللهم إنا نجعلك في نحور الأشرار, اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم, ونعوذ بك من شرورهم, إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح ولاة أمورنا, وولاة أمور المسلمين أجمعين, في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أحينا مسلمين, وتوفنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين, ولا مغيّرين ولا مبدلين. اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وذرياتنا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين والمسلمات في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين, يا أكرم الأكرمين، يا أجود الأجودين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تستجاب الدعوات بإذن الله.

مع سورة (ق)

مع سورة (ق) لقد عالج الله سبحانه وتعالى كثيراً من القضايا في سور من كتابه العزيز، فمن هذه السور سورة (ق) التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرءوها على المنبر في يوم الجمعة، فإن هذه السورة تعالج أصول العقيدة الإسلامية والوحدانية، ومسألة البعث والنشور، وما هي عاقبة المكذبين بشرع الله، وما حل بهم من العذاب. وإن المتأمل بعين البصيرة والمتدبر في هذه السورة يجدها رهيبة شديدة الوقع على الحس فهي بما فيها وما دلت عليه تهز القلوب هزاً وترج النفوس رجاً وتزيد من روعة الإعجاب بالقرآن الكريم.

وقفات مع سورة (ق)

وقفات مع سورة (ق) الحمد لله الذي قال وقوله الحق: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] أحمده سبحانه وأشكره، الذي جعل القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, فصل في سورة (ق) من العبر والمواعظ والوعد والوعيد ما يدل على كمال قدرته ووحدانيته, فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل الخلق على الإطلاق وأتقاهم لله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين. أما بعد:

القضايا التي تعالجها سورة (ق)

القضايا التي تعالجها سورة (ق) فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه, واستمعوا إلى سورة ق, فهي السورة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها على المنبر يوم الجمعة، فإن هذه السورة تعالج أصول العقيدة الإسلامية والوحدانية والرسالة والبعث والنشور, إن هذه السورة رهيبة شديدة, شديدة الوقع على الحس, فهي بما فيها وما دلت عليه تهز القلب هزاً, وترج النفس رجاً, وتزيد فيها روعة الإعجاب, ورعشة الخوف. ابتدأت هذه السورة بالقضية الأساسية التي أنكرها الكفار وتعجبوا منها غاية العجب, وهي قضية الحياة بعد الموت, والبعث بعد الفناء, ولكن هذه السورة لفتت أنظار المشركين المنكرين للبعث إلى قدرة الله العظيمة المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور من السماء والأرض, والماء والنبات, والثمر والطلع, والنخيل والزرع, وكل هذه براهين قاطعة دالة على قدرة العلي الكبير. ثم انتقلت سورة (ق) تخبر عن المكذبين بالرسل من الأمم السابقة, وما حلَّ بهم من الكوارث والمصائب وأنواع العذاب, وفي هذا تحذير لمن بعدهم أن يحل بهم ما حل بالسابقين, ثم بينت سورة (ق) خلق الإنسان وما وكل به من الملائكة عن اليمين وعن الشمال, ثم بينت نهاية الأجل وما يحصل فيه وما يحصل عنده من سكرات الموت, ثم هول الحشر, وهول الحساب, ثم ما يلقاه المجرم في ذلك اليوم العصيب من أهوال وشدائد تنتهي بإلقائه في الجحيم, وبينت ما أعد الله للمتقين من النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، وذلك جزاء من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب, فهم يلاقون بالتحية والسلام، يقال لهم: ادخلوا الجنة بسلام من العذاب والهموم والأكدار, ذلك هو يوم البقاء الذي لا انتهاء له؛ لأنه لا موت في الجنة ولا فناء, ومع ذلك لهم في الجنة من كل ما تشتهيه أنفسهم, وتلذ به أعينهم, ولهم كذلك مزيد على ذلك وهو النظر إلى وجه الله الكريم. واختتمت السورة الكريمة بالإخبار عن صيحة الحق, وهي الصيحة التي يخرج الناس بها من القبور كأنهم جراد منتشر, ويساقون للحساب والجزاء, لا يخفى على الله منهم أحد, فيجازى كل واحد بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

نص سورة (ق)

نص سورة (ق) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:1 - 45]. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم, وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين. وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

فضل عشر ذي الحجة

فضل عشر ذي الحجة الحمد لله مشرف الأيام بعضها على بعض, ومصرف الأحكام بالإبرام والنقض, وموقظ القلوب الغافلة بالتذكير والوعظ, أحمده وأشكره على ما أولانا من الإنعام والإحسان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واستقبلوا عشر ذي الحجة بالأعمال الصالحة, فإنهن الأيام المعلومات والمخصوصات بالتعظيم في محكم الآيات, وقد بيَّن فضلها وشرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله, إلا رجل خرج بماله ونفسه ولم يرجع من ذلك بشيء} وفي رواية أيضاً: {أفضل أيام الدنيا الأيام العشر، قالوا يا رسول! الله: ولا مثلهن في سبيل الله، قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه بالتراب}. فيا عباد الله: استقبلوها بالعمل الصالح, فهي الأيام التي أقسم الله بها في محكم الآيات، هي أيام إجابة الدعوات ومضاعفة الحسنات، فاعمروها وقوموا فيها بطاعة الله اقتداءً بنبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام, بإظهار التكبير والتهليل والتحميد في كل مكان. روى البخاري في صحيحه أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. عباد الله: ارفعوا بالتكبير أصواتكم. أيها المسلمون أحيوا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم, واتبعوا صحبه الكرام في هذا النهج القويم. واعلموا أنه يحرم على من أراد أن يضحي أو يُضحى عنه إذا دخلت العشر أن يأخذ شيئاً من شعره, ولا أظفاره, ولا بشرته حتى يضحي, وقد ورد بذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن سقط من شعره أو بشرته أو أظفاره شيئاً من غير قصد فلا حرج عليه, ولا بأس أن تمتشط المرأة برفق وسهولة. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. عباد الله: الزموا طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وانهجوا نهجه، وإياكم والابتداع! فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. عباد الله: احذروا من الابتداع؛ حتى لا ترد عليكم أعمالكم. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين وثبت مهتديهم يا رب العالمين. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اجمع قلوبهم على الحق، اللهم وحد صفوفهم، اللهم وحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين, غير ضالين ولا مضلين, ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى, يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء يا أرحم الراحمين! ويا أكرم الأكرمين! ويا أجود الأجودين! لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

معاول هدم الإسلام

معاول هدم الإسلام الإسلام يكاد له ليلاً ونهاراً من قبل أعداء الله، فهم يعملون ويسهرون من أجل هدم هذا الدين. والشيخ في هذه الخطبة تحدث عن نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وأفاض في شرح الناقض الخاص بعدم تكفير المشركين أو الشك في كفرهم، وذكر العقيدة الصحيحة في ذلك، وحث على التمسك بالكتاب والسنة، لأن بهما نحذر من أعدائنا ونرضي ربنا.

التمسك بالسنة سبيل النجاة

التمسك بالسنة سبيل النجاة الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، فبين لنا طريق الرشد وبرهانه, وترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى أتباعهم الذين ساروا على هذا الدين القويم, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته. عباد الله: أمة الإسلام أمة التوحيد ارفعوا رءوسكم لما خلقتم له, إنكم خلقتكم لأمر عظيم وهو القيام بما جاء به الرسل الكرام, ثم اعلموا أنه لا ينفع قول بلا عمل ولا ينفع عمل بلا إخلاص, ولا ينفع إخلاص بلا متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء, قيل: ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس} وفي رواية: {يصلحون ما أفسد الناس من سنتي} ففي هذا الحديث خبر عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، أنه لا بد من وجود الفساد في هذه الأمة, وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم التي بهرت العقول؛ لأن ذلك وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم. وكم أخبر صلى الله عليه وسلم من أخبار وقعت كفلق الصبح، يقول صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس, ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات, رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا}. أمة الإسلام: تعلمون ما وقع فيه غالب الناس من الجهل بآثار الرسالة المحمدية, وعدم العلم لما خلقوا له, فحصل الفساد في الاعتقادات والأعمال, وحصل الانحراف عن السنة، وحاد الكثير عن الصراط المستقيم يقول ابن مسعود رضي الله عنه: {خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وشماله وقال: هذه السبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه ثم قرأ قول الحق جلَّ وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]}. عباد الله: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على محجة بيضاء ليلها كنهارها، وقد بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وكشف الله به الغمة، وقال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة}.

نواقض الإسلام العشرة

نواقض الإسلام العشرة أمة الإسلام: لقد ذكرت في خطبة الجمعة الماضية بعض نواقض الإسلام، ووعدتكم أن أذكرها كاملة, فإليكموها بتمامها. قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه, ورفع درجته في عليين, ورحمه رحمة واسعة: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة: 1/ الشرك في عبادة الله تعالى قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. 2/ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم؛ كَفَر إجماعاً. أي: إذا صدرت منه هذه الأمور فهو كافر بإجماع العلماء. 3/ من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر. 4/ من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه, أو أن حكم غيره أحسن من حكمه, كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر. 5/ من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, ولو عمل به كفر. 6/ من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم, أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. 7/ السحر، ومنه الصرف والعطف, فمن فعله أو رضي به كفر, والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102]. 8/ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين, والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]. 9/ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر. قال الشيخ صالح البليهي رحمه الله، في كتابه عقيدة المسلمين: هذا الاعتقاد موجود عند بعض الصوفية , فبعض زعماء الصوفية يعتقد أنه لا يحتاج إلى الرسول, وإنما يأخذ عن الله, وبعضهم يعتقد أنه قد سقطت عنه التكاليف وليس بعد هذا الكفر كفر, وليس بعد هذا الغرور غرور يا من خُدع بـ الصوفية. 10/ الإعراض عن دين الله, لا يتعلمه ولا يعمل به, والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22]. ثم يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجادِّ والخائف، إلا المكره, وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، ونعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم.

شرح الناقض الثالث

شرح الناقض الثالث قال الشيخ صالح البليهي رحمه الله تعليقا ًعلى الناقض الثالث من نواقض الإسلام، وهو قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "من لم يكفر الكافرين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر" قال الشيخ صالح البليهي رحمه الله: ومن ذلك: محبتهم ومناصرتهم وموالاتهم والرضا عنهم، واستحسان ما هم عليه, كل ذلك ردة عن الإسلام, بل الواجب بغضهم وعداوتهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:1] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة:13] اسمع يا من يناديه رب العزة والجلال بالإيمان قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] هذه هي المصيبة التي وقع فيها أكثر الناس من حيث لا يشعرون.

حكم تهنئة المشركين بأعيادهم

حكم تهنئة المشركين بأعيادهم وذكر الشيخ حديثاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام}. فيا ليت شعري لو قام فينا رسول الله ورأى بعض المسلمين يهنئ اليهود والنصارى بأعياد ميلادهم, فإنا لله وإنا إليه راجعون. هذا رسول الهدى هذا رسول الإسلام هذا رسول ختم الله به جميع الأديان ونسخ الله بدينه جميع الأديان يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام, وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه} متفق عليه فلطفك ورحمتك يا ربنا! اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور, بنور العلم يا رب العالمين, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. وبعض المسلمين الآن يحصل منهم معانقة لليهود والنصارى، وتهنئة لهم بأعيادهم، بل والجلوس والضحك معهم, فإنا لله وإنا إليه راجعون!

حكم استخدام الكفار في المكاتب والبيوت

حكم استخدام الكفار في المكاتب والبيوت يقول الشيخ صالح البليهي رحمه الله: " أما استخدام الكافر في المكاتب والبيوت وجعل منهم سائقين وطباخين ومربين ومربيات في البيوت، ومخالطتهم والثقة بهم فلا شك في تحريم ذلك؛ لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد العقائدية والأخلاقية والسياسية, والبعض من المسلمين تساهلوا في ذلك، والعاقبة شرٌ ومحنةٌ وبلاء فالله تعالى عليم وعظيم وحكيم، قد قطع الصلة بين المسلم والكافر، وحذر ونهى عن محبة الكفار وعن موالاتهم والركون إليهم واعتماداً على نصوص القرآن والسنة صرح كثير من علماء الإسلام بأن موالاة الكافرين ردة عن الإسلام " إلخ فالحذر الحذر يا شباب الإسلام خاصة, والحذر الحذر يا أمة الإسلام عامة والآن نسمع من المسلمين من يهنئهم بعيد ميلادهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

اتباع الكتاب والسنة

اتباع الكتاب والسنة الحمد لله الذي حذر المؤمنين من تولي الكفرة, في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة:13] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الواحد القهار الذي بيده أزمّة الأمور يغني ويفقر, يعطي ويمنع, لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ البلاغ المبين, ونصح الأمة وتركها على البيضاء ليلها كنهارها, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل, وتمسكوا بالكتاب والسنة، وطبقوهما علماً وعملاً واعتقاداً, ولا تبغوا لهما بديلاً, ولقد أثنى الله تعالى على الذين يتمسكون بكتابه الذي يقودهم إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, كما هو مكتوب فيه فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف:170] أي: يعتصمون به ويأتمرون بأوامره، وتركون زواجره.

حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بسنته

حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بسنته وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على التمسك بسنته فيما رواه عنه العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: {وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب, فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً} صدق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم, لقد ظهرت أمورٌ كثيرة من البدع والمحدثات والخرافات والخزعبلات، فإلى الله نشكو, ونسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً. يقول صلى الله عليه وسلم: {فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} هذا حديث صحيح, وفيه الحث على التمسك بالسنة المطهرة.

التمسك بالكتاب والسنة نجاة من كيد الأعداء

التمسك بالكتاب والسنة نجاة من كيد الأعداء أمة الإسلام: إن من تمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نجا من غوائل أعداء الإسلام، الذين يحاولون القضاء على الإسلام بكل ما يستطيعون من قوة, ولقد أخبر الله عنهم في محكم البيان، فقال جلَّ من قائل عليماً: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]. أمة الإسلام: لقد حاول أعداء الإسلام أن يقضوا على هذا الدين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ثم في عهد خلفائه الراشدين, ثم في العصور التالية لهم، وإلى وقتنا هذا وهم يحاولون القضاء على الإسلام، فقد هاجموا الإسلام بالعنف والصراع المسلح تارة, وبالمكر والخداع تارة, وبالخطط الهدامة تارة, وليست هذه المحاولة من أعداء المسلمين من صنف واحد, ولكن من سائر أصناف الأعداء, من المشركين واليهود والنصارى والشيوعيين، وسائر الكفرة والمنافقين والملحدين قال الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217] واسمعوا إلى هذا التحذر من المولى جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149] إذاً من نتبع؟ {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران:150]. لا شك -يا عباد الله- أن أعداء الإسلام يريدون القضاء على الإسلام؛ لأن الإسلام هو الذي أطاح بعروشهم من أول ما شع نوره, وفرقهم في الأرض وتركهم مذبذبين, وهو الذي يرعبهم ويخيفهم، ولا تعجبوا -يا إخوة الإسلام- من تصريح أعداء الإسلام, ولكن نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى هذا الدين القويم.

التمكين في الأرض للمتمسكين بدين الله

التمكين في الأرض للمتمسكين بدين الله اسمعوا -يا عباد الله- إلى هذا الوعد الرباني لمن تمسك بدين الإسلام، يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:105 - 106] وأي بلاغ أكبر من هذا البلاغ يا أمة الإسلام؟ فعلينا أن نرجع إلى دين الإسلام، وأن نتمسك بدين الإسلام نرجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله, نحب في الله ونبغض في الله. وصلوا وسلموا على رسول الله، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: اطلبوا العلم, ارجعوا إلى التوحيد, ارجعوا إلى عقيدة السلف الصالح قبل أن تهووا في هوة ساحقة, وتخسروا دينكم وعقيدتكم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحا ورزقاً حلالاً طيباً. اللهم أعزنا بالإسلام, اللهم انصرنا ولا تنصر علينا, اللهم كن لنا ولا تكن علينا, اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا, اللهم انصرنا على من بغى علينا, اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره.

أعداء الله يستهينون بأسماء الله

أعداء الله يستهينون بأسماء الله أمة الإسلام: أين الغيرة؟ أما رأيتم اسم الجلالة وقد كتب تحت النعال؟! أين الغيرة يا أمة الإسلام؟ أين الدموع التي لا تنقطع؟ هذه أقل دسائس أعداء الإسلام, كتبوا اسم الجلالة (الله) تحت الحذاء، وهذا والله لو صادف قلوباً واعية وقلوباً حية لا نقطع الدمع، وجاء الدم بعد الدمع غيرة على هذا, ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون! ومع ذلك نقوم على ساق وقدم ونقول: هم أهل الصدق وهم أهل الإخلاص وهم أهل الأمانة وقد كتبوا اسم الجلالة على حفائظ الأطفال! وعلى سراويل الأطفال! وتحت الحذاء! فأين الغيرة يا أمة الإسلام؟ أين الحب في الله والبغض في الله يا أمة الإسلام؟ فماذا نقول؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! لَمَا قَلَّ قدر (لا إله إلا الله) في قلوبنا ذهبت الغيرة فصرنا نرى وكأننا لم نرَ. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, اللهم اشف مرض قلوبنا, اللهم طهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من الرياء, وألسنتنا من الكذب, وأعيننا من الخيانة. اللهم ارزقنا الحب فيك, والبغض فيك, اللهم اجعلنا من المتحابين في جلالك يا رب العالمين, اللهم أظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه اللهم إن أعداء الإسلام تطاولوا على اسمك وكتبوه تحت الحذاء, وهم لا يعجزونك, اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر, اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين, اللهم إنهم لا يعجزونك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك, اللهم زلزل بهم الأرض من تحت أقدامهم إنك على كل شيء قدير اللهم احفظ أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة عين لنا. اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين, وهب المسيئين منّا للمحسنين, اللهم واغفر لجميع موتى المسلمين, الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك, اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد, اللهم لا تفتنا بعدهم. إلهنا وسيدنا ومولانا تلاطمت أمواج الفتن ولا مخرج لنا منها إلا بك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم إن أعداء الإسلام نزلوا في أحضاننا ودخلوا في بيوت بعضنا, وجعلهم البعض خدماً كسائقين عصوا رسولك حيث قال: {لا يجتمع دينان في جزيرة العرب} اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان, ولا حول ولا قوة إلا بك! اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله: صلوا على رسول الله وأكثروا من ذكر الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

مفتاح للشرور!!

مفتاح للشرور!! إن صاحب العقل السليم لا يقبل لنفسه أن يأتي المشين من الأعمال، فبينها وبين العقل السليم تنافر، ومن جنى على عقله بالإذهاب المؤقت لهذا العقل بتناول المسكر، فقد ارتضى لنفسه كل الخبائث، وفتح باباً للشر لا صلاح له إلا بإغلاقه. والشيخ في حديثه هنا ينتقل بنا من مخاطر المعاصي عموماً إلى خطورة الجناية على العقل، ومخاطر الإدمان واستحلال الخمر، وضرورة توبة المدمن أو المستحل لهذه الآفة. وقد تناول في آخر كلامه بعض الأضرار الأخروية لمن مات من هؤلاء ولم يتب.

من أضرار المعاصي

من أضرار المعاصي الحمد لله الذي أباح لنا جميع الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث والمضرات، أباح لنا الطيبات تفضلاً منه ومنةً، لا إله إلا هو ولا رب لنا سواه، وحرَّم علينا المضرات عنايةً منه ووقاية، فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا راحم للعباد سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أخرج أمته من الظلمات إلى النور، بشرهم بالحق ودعاهم إلى توحيد رب العباد، ونهاهم عن الباطل والشرك وكل ما يؤول بهم إلى النار، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المؤمنون بالله! اتقوا الله حق التقوى كما أمركم الله بذلك، وتمتعوا بما أحل الله لكم من الطيبات، واشكروه عليها بالقيام بطاعته، فإن الشكر سببٌ للمزيد، واسمعوا إلى الرءوف الرحيم وهو يحثكم على الأكل من الطيبات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. أيها المسلمون! إن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نوراً وهدىً، فيه آيات بينات، وسبل واضحات، من اتخذه إماماً وقائداً سعد في دنياه، وفاز في أخراه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] ومن ترك العمل بالقرآن، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلَّ في دنياه وشقي في أخراه {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72]. أيها المسلمون: إن هذا العمى المذكور في الآية -الكريمة سببه اجتراح السيئات وفعل المنكرات، فإن المعاصي توجد في القلب ظلمةً حقيقيةً يشعر بها العاصي إن كان له ضمير كما يشعر بظلمة الليل البهيم، وتزداد هذه الظلمة حتى تظهر في العينين، ثم تعلو وتكون سواداً في الوجه، وذلك الران الذي ذكره الله في كتابه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. أيها المسلمون: إن المعصية سببٌ لهوان العبد على الله جلَّ وعلا، وسببٌ لسقوطه من عين الله، وإذا هان العبد على ربه، لم يجد من يكرمه؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18] ويقول جلَّ وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]. نعم! لقد كرم الله عز وجل بني آدم بكرامات كثيرة، وفي مقدمة هذه الكرامات العقل.

عواقب إدمان الخمر والمخدرات

عواقب إدمان الخمر والمخدرات إن العقل نعمة كبرى، وقد يجني البعض من بني آدم على هذا العقل، ويزيل هذا العقل بما حرَّم الله عليه، وذلك بتعاطي المسكرات والمخدرات من خمورٍ وغيرها -نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة- وهذه المسكرات من الخمور -وغيرها- توعد الله فاعلها بالخزي في الدنيا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:127] لأن الخمر أمُّ الخبائث، ورأس الخطايا، ودليل إلى النار، وسبب لغضب الجبار، فهي التي تيسر للعبد سُبلَ الفساد، وتجعله يشتري الجنون بدل الرشاد، يشتري الجنون بماله الذي تعب فيه، ويبيع كنزاً ثميناً، بل يجني عليه أكبر جناية ألا وهو العقل، الذي ركَّبه الله فيه، ولكن صدق الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. عباد الله: أخبروا السِّكير، أخبروا صاحب المخدرات والمسكرات؛ أنه خاسرٌ لشرفه، أخبروا السِّكير أن مروءته ساقطة، أخبروا صاحب المخدرات والمسكرات أنه مرذولٌ بين المجتمعات. عباد الله: أخبروا صاحب المخدرات عن نفسه، ماذا يحصل له حال سكره؟! لو يرى نفسه وهو يمشي مثل البهيمة التي تقاد لتذبح، بل البهيمة تميز بين الحفر، فتبتعد عنها، أما السِّكير فهو في حالة يُرثى لها، لو رأى الناس وهم يضحكون عليه كما يضحكون على القردة، السِّكير لو رأى أهله وهم في حالة ذُعرٍ وخوف عندما يشرب المسكرات ويصول في بيته كالثور الهائج. ولو رأى نفسه حين يرى نفسه، وهو يُقذِّر على ثيابه، ويبول كما يفعل الطفل الصغير. قولوا يا عباد الله! لصاحب المخدرات والمسكرات: أين عقلك وقد وضعت من وراء قضبان الحديد، تتمنى أن تجتمع مع أبيك وأمك، تتمنى أن تجتمع مع إخوانك وأصدقائك، وقد وضعت وراء القضبان، حرمت لذة الاجتماع مع الوالدين، ومن الذي جنى عليك إلا أنت الذي جنيت على نفسك، أين كرامتك حين يراك من كان يظن أنك من المكرمين؟! أيها السِّكير! تذكر وأنت تستعمل المسكرات والمخدرات أن الله مُطَّلعٌ عليك، فأين الخوف من رب العالمين؟! أين الخوف من الذي أطعمك وسقاك وغذَّاك بنعمته، وأعطاك الصحة والعافية؟! بل من أين لك الجواب إذا سُئِلت عن هذه الأموال التي تنفقها في المخدرات والمسكرات؟! أيها السِّكير! فكِّر في العواقب، فإن كنت تاجراً فلا تأمن الإفلاس، فإن الله قد توَّعد شاربها بالفقر والجنون والفضيحة بين الناس، وإن كنت -أيها السِّكير موظفاً، فستكون عاقبة أمرك التشريد والطرد من الأعمال، مع ما تصاب به من الأمراض الفتَّاكة، هذا في الدنيا قبل الممات. ثم إن كثيراً من أهل المخدرات والمسكرات قد جُلبت لهم سوء الخاتمة عند سكرات الموت، وعند خروج الروح، فيا لها من خسارة عندما يخرج من الدنيا، ولم يقل: لا إله إلا الله!! فكم من سكِّير عربيد عند الاحتضار قيل له: قل: لا إله إلا الله، قال: ناولوني الكأس! ناولوني الكأس! وخرجت روحه وهو ينادي يريد الكأس! ثم في البرزخ يأتيه هذا العمل الخبيث، ثم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، يجاء بشارب الخمر مسود الوجه، خارج لسانه على صدره، يستقذره كل من يراه، فيصار به إلى جهنم وبئس المصير. فيا أيها السِّكير! تب إلى الله ما دمت في زمن الإمكان. عباد الله: قولوا لهم يتوبوا إلى الله ما داموا في زمن الإمكان، ويقلعوا عما هم فيه ما داموا في زمن الإمكان. عباد الله: قولوا للسِّكير: ويلك لقد جاهرت بالمنكرات، وأذهبت عقلك بالمسكرات، وارتكبت بسببها المحرمات. هل تصدقوا -يا عباد الله- أن شاباً لما شرب الخمر، عمل بأمه جريمة الزنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا لها من مصيبة لا تقدر بمصائب الدنيا بأسرها!! يركب أمه ويفعل بها الزنا؛ لما شرب المسكر يا عباد الله! إنا لله وإنا إليه راجعون. إن السِّكير إذا وضع كأس الخمر على فيه، يقول الإيمان للكأس: انتظر حتى أخرج من القلب، وحل أنت فيه، فإنه لا يجتمع الخمر والإيمان معاً في قلب المؤمن، هكذا ورد في الأثر يا عباد الله.

حكم الخمر وخطر استحلالها

حكم الخمر وخطر استحلالها أيها المسلمون: لقد أجمع علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، في قديم الزمان وحديثه، على أن الخمر حرام إجماعاً قطعياً لا ريب فيه، فمن قال: إن الخمر حلال، ولو سمَّاها بغير اسمها، فهو كافر يستتاب، فإن تاب وأقر بتحريمها ترك وإلا قتل كافراً مرتداً، لا يُغسَّل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يُرمى بثيابه في حفرةٍ بعيدةٍ، لئلا يتأذى المسلمون برائحته، وأقاربه بمشاهدته. أيها الإخوة في الله! إن شارب الخمر إذا قُتِلَ وهو جاحد لتحريمها، فإنه لا يُدعى له بالرحمة ولا بالنجاة من النار، لأنه كافر في نار جهنم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:64 - 66]. نعم أيها المسلمون! إن من اعتقد أن الخمر حلال، فهو كافر مضاد لله، مكذبٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم، خارج عن إجماع المسلمين، أما من شرب الخمر وهو يؤمن ويعتقد بأنها حرام، ولكن سوَّلت له نفسه فشربها، فهو عاصٍ لله، فاسقٌ عن طاعته، مستحقٌ للعقوبة، وعقوبته في الدنيا أن يجلد ردعاً له ولغيره، فإذا تكرر من الشارب شربه وهو يعاقب ولا يرتدع، فقال ابن حزم رحمه الله: "يقتل في الرابعة" وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يقتل بالرابعة عند الحاجة إذا لم ينته الناس بدون القتل". فاتقوا الله أيها المسلمون! واجتنبوا الخمر لعلكم تفلحون، فلقد وصفت الخمر بأقبح الصفات في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصفها رب العزة والجلال بأنها: رجسٌ من عمل الشيطان، وقرنها بالميسر والأزلام وعبادة الأوثان، وقال صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الخمر مفتاح كل شر، وجماع كل إثم. إن شاربها يفقد عقله، ويلتحق بالمجانين، إنه ربما يقتل نفسه وهو لا يشعر، وربما يزني بأمه وأخته، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

ضرورة توبة المدمن

ضرورة توبة المدمن الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، والله الله بالتحذير من جميع الذنوب والسيئات عموماً، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. عباد الله! لقد سمعتم -فيما تقدم- آيات وأحاديث تبين تحريم المسكرات والمخدرات بأنواعها، وأنها من كبائر الذنوب، ومن أعظم الجرائم التي انتشرت في المجتمعات. عباد الله: اعلموا وبلغوا أن الله قد توعد من أدمن على المسكرات والمخدرات ومات ولم يتب توعده الله بأليم العذاب في النار، كيف لا يا عباد الله! وهي أم الخبائث ورأس الخطايا!! ومفتاح الشرور، ودليلٌ إلى النار، وسببٌ لغضب الجبار جلَّ وعلا! عباد الله: قولوا لأهل المخدرات والمسكرات: اتقوا الله، وفكروا في الموت وسكراته، والقبر وظلماته، قولوا لهم: قفوا مع أنفسكم قليلاً؛ فحاسبوها. يا نفس! ذهب الصبا وولى، وجاء المشيب، وقد انقضى العمر في اللهو، فهل ترجعين؟! يا نفس إن كان قد غرك الشباب، فالعمر ينتهي كلمح البصر. وإن كان غرك المال، فما أنت من قارون أغنى وقد خسف الله به وبداره الأرض. يا نفس! إن كان غرك نضرة الوجه، فالدود ينتظرك في القبر وسوف يشبع من لحم الخدود، وتتمزق الأعضاء وتنتخر العظام، ثم لا تدري إلا وأنت تسمعين الصيحة، لتقومي بين يدي رب العالمين. ثم تنظر إلى ما قدمت يداك يوم يعضُّ الظَّالم على يديه نادماً على ما جناه {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]. فاتقوا الله عباد الله! وبلغوا أهل المسكرات والمخدرات التحذيرات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل مسكرٍ خمر، وكل خمرٍ حرام} ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها وهو مدمنٌ لها، لم يشربها في الآخرة} ويقول أيضاً: {إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طينة الخبال، قيل: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار}. وأيضاً يروى من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمنٌ بسحر، ولا قاطع رحم، ومن مات وهو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة وهو ماءٌ يجري من فروج المومسات- يعني: الزانيات- يؤذي أهل النار ريح فروجهن}. ويروى عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يقول: [[اجتنبوا الخمر فإنها أمُّ الخبائث]] إنه كان رجلٌ ممن كان قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فعلقته امرأة، فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة، فدخل معها، فطفقت تغلق الأبواب حتى أفضى إلى امرأة عندها غلام وراوية خمر، فقالت: إني -والله- ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع عليَّ، أو تقتل الغلام هذا، أو تشرب هذه الخمر، فاستسهل أمر الخمر، فشرب الخمر، فلما شرب الخمر، قال: زيدوني، فلم يزل يقل: زيدوني حتى وقع على المرأة، وفعل بها الزنا، وقتل الغلام، قتل نفساً بغير حق، فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً، إلا أوشك أحدهما أن يخرج الآخر. اللهم اعصمنا من جميع المنكرات، اللهم اعصمنا من جميع المنكرات، اللهم اعصمنا من جميع المنكرات، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. عباد الله: صلوا على رسول الله، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

من آيات الله

من آيات الله على المسلم أن يتفكر في مخلوقات الله، فكم في السموات من مخلوقات ومجرات! وكم في الأرض من المخلوقات العجيبة التي تدل على قدرة الله تعالى! ولو تفكر الإنسان في خلقه لعلم أن أعماله التي عملها طول حياته لا تساوي نعمة البصر التي خلقها الله فيه. ومن آيات الله تعالى إحياء الموتى، وقد ورد في القرآن الآيات الكثيرة التي ذكر فيها إحياء الله للموتى في هذه الدنيا، والمتدبر لآيات الله يعلم حقيقة ذلك.

مراحل خلق الإنسان

مراحل خلق الإنسان الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه على بصيرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المؤمنون بالله حقاً! اتقوا الله تعالى وتفكروا في آياته الدالة على كمال قدرته؛ لتزدادوا بذلك تعظيماً لله تعالى وعبادة، فلقد خلق الله تعالى السماوات والأرض وما بينهما بما في ذلك: الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والأنهار، خلق تلك المخلوقات في ستة أيام على أكمل وجه وأتمَّ نظام، ولو شاء لخلقها في لحظة واحدة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50]. ولكنه تعالى خلقها في ستة أيام؛ لحكمة اقتضت ذلك: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] ولقد خلق الله الإنسان من سلالة من طين، خلق منها: أبونا آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، من منيٍّ يمنى، قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:6 - 7] ثم تستقر تلك النطفة في قرار مكين لا يعتريه شمس ولا حر ولا هواء ولا برد، يطوره الله تعالى في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء، أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام وهي أربعة أشهر -وفي بعض الروايات: وعشراً- أرسل الله تعالى إليه الملك الموكل بالأجنة؛ فنفخ فيه الروح، فأصبح إنساناً بعد أن كان جماداً: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14].

عيسى ومعجزات نبوته

عيسى ومعجزات نبوته ولقد أرى الله عباده من آيات قدرته ما يكون آيةً للموقنين، وعبرةً للمعتبرين، لقد خلق الله تعالى عيسى بن مريم من أم بلا أب، وأقدره على النطق في المهد، فتكلم بكلام من أفصح كلام البشر وأبينه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم:30 - 33] فما أبلغ هذا الكلام وما أفصحه من صبي في المهد. ولقد أخبر الله عن عيسى أنه يخلق من الطين كهيئة الطير -بإذن الله تعالى- فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله تعالى، وأخبر أنه يبرئ الأكمه -وهو الذي يولد مطموس العين- ويبرئ الأبرص بإذن الله تعالى، وأخبر أنه يحي الموتى، يقف على القبر ويقول: قم بإذن الله، فيخرج من قبره بإذن الله تعالى.

بعض قصص إحياء الله للموتى

بعض قصص إحياء الله للموتى ولقد قص الله تعالى علينا في القرآن في محكم البيان خمس حوادث، كلها تتضمن إحياء الموتى في هذه الدنيا.

بني إسرائيل وموسى عليه السلام

بني إسرائيل وموسى عليه السلام فأولها: قصة بني إسرائيل حين قالوا لنبيهم موسى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] فأخذتهم الصاعقة فماتوا، ثم بعثهم الله تعالى من بعد موتهم، وفي هذا يقول الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:55 - 56].

قتيل بني إسرائيل وأمر الله بذبح البقرة

قتيل بني إسرائيل وأمر الله بذبح البقرة القصة الثانية: في شأن القتيل من بني إسرائيل لما قتله ابن عمه؛ لأجل أخذ ماله، فاتهموا به قبيلة أخرى، لأن القاتل قتله، ثم سحبه وجعله في قبيلة أخرى حتى تتهم في قتله، وخاصموا تلك القبيلة وهي لم تقتله، إلى من رجعوا؟ رجعوا إلى موسى -عليه السلام- فأمرهم موسى بوحي من الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل بجزء منها، أخذوا لحمة من البقرة بعد التعنت والمراجعات وما كادوا يفعلون، أخذوا ذلك الجزء وضربوا الميت بهذا الجزء من البقرة؛ فأحياه الله تعالى القادر على كل شيء، فلما أحياه الله أخبر أن قاتله هو ابن عمه، فتلكم من آيات الله العظام لمن تدبر القرآن وعرف معانيه.

القرية التي أماتها الله ثم أحياها

القرية التي أماتها الله ثم أحياها القصة الثالثة: في قوم نزل في ديارهم وباء، فخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذراً من الموت، هاربين من أمر الله تعالى، فأراهم الله تعالى أنه لا مفر من قدرته، فأماتهم ليعلم العباد قوة سلطانه ونفوذ قدرته، ثم أحياهم ليستكملوا آجالهم، وفي ذلك تعليم لهذه الأمة حتى لا تتطير ولا تفر من أقدار الله، بل تصبر وتحتسب الأجر من الله.

الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه

الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه القصة الرابعة: في رجل مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وتهدم بناؤها، ويبست أشجارها، فاستبعد هذا الرجل أن تعود كما كانت عليه من العمران والسكان، فأراه الله تعالى آية في نفسه تدل على قدرة الله تعالى، فأماته الله مائة سنة، وكان معه حمار وطعام وشراب، فمات الحمار، وتمزقت أوصاله، ولاحت عظامه، وبقي الطعام والشراب لم يتغير واحد منهما بنقص ولا بتغير طعم ولا لون ولا رائحة، مكث مدة مائة سنة والشمس تصهره والرياح تتعاقب عليه، بعد هذه المدة مائة سنة بعث الله تعالى ذلك الرجل، وأراه طعامه وشرابه لم يتغير مع طول هذه المدة، وأراه الحمار، فنظر إلى عظامه المتفرقة في الأرض يركب بعضها بعضاً، كل عظم في محله ويكسوه الله تعالى لحماً، وفي هذا يقول الله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259]. تلك من أنباء الغيب، تلك من أنباء رب العالمين، قصها في هذا القرآن العظيم على سيد البشر محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ لتزداد الأمة المحمدية إيماناً بالله العظيم، الذي له القدرة التامة على كل شيء.

إبراهيم عليه السلام حين سأل الله أن يريه كيف يحي الموتى

إبراهيم عليه السلام حين سأل الله أن يريه كيف يحي الموتى القصة الخامسة: في إبراهيم عليه السلام حين سأل الله عز وجل أن يريه كيف يحي الموتى، فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة من الطير فيقطِّعهن ويخلطهن بلحمهن وعظمهن، ثم يفرقها على الجبال التي حوله، ويجعل على كل جبل جزءاً من هذه الطيور التي اختلط لحمها بعظمها، ثم يناديهن، ففعل إبراهيم عليه السلام فناداهن، فعند ذلك التأمت تلك الأجزاء المتفرقة على الجبال بعضها على بعض، وأتين إلى إبراهيم مشياً لا طيراناً. وفي هذا يقول رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]. أمة الإسلام: هذه نماذج من إحياء الله تعالى للموتى في الدنيا، وهي تدل على البعث والنشور يوم القيامة، وما أهون ذلك على الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28] {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] فسبحانه من إله عليم قادر! زجرة واحدة يخرج بها الناس أحياءً من قبورهم ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً لا يتخلف منهم أحدٌ في مثل لمح البصر أو أقرب {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44]. اللهم ارزقنا التفكر في آياتك، اللهم ارزقنا الرجوع إلى القرآن العظيم لِنَحكُم به، ونُحكِّمه، ولنرى ما فيه من العجائب مخلوقاتك، اللهم ارزقنا التفكر في آياتك وارزقنا الاتعاظ بذلك، وارزقنا الانتفاع بما أنزلت من وحيك وما قدَّرته من قضائك، اللهم اغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على قراءة القرآن وتدبره

الحث على قراءة القرآن وتدبره الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:14 - 15] فسبحانه من إله خلق فسوى، وقدَّر فهدى، له الحمد في السماوات والأرض وله الكبرياء والعظمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صاحب الآيات والمعجزات التي بهرت العقول، ودلت على نبوته وصدق رسالته، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين لم يترددوا في تصديقه واتباعه، اللهم ارحمنا رحمة توقظ بها قلوبنا حتى نسلك سبيلهم يا رب العالمين. أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتدبروا آيات القرآن العظيم، التي فيها من الأخبار ما يملأ القلوب من الإيمان والتصديق وزيادة المعرفة بالله العظيم، ولا تشغلوا أنفسكم بما يضركم في الآخرة والأولى، فإن الإكباب على المجلات والجرائد والقصص المختلقة، إنما هي دسائس من أعداء الإسلام وأعوان الشيطان؛ ليصدوكم بها عن تلاوة كتاب الله وذكره والتفكر في مخلوقاته، وعن التفكر في آيات الله الدالة على وحدانيته وصمدانيته وإلهيته وربوبيته. فالرجوع الرجوع -يا عباد الله- إلى الدستور العظيم، الرجوع إلى المنهج القويم، الرجوع إلى الينبوع الصافي وإلى حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، وكتاب الله العظيم الذي من حكم به عدل، ومن تمسك به نجا، ومن دعا به فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، ومن تركه تكبراً وتجبراً قصمه الله العزيز الحكيم. في تلاوة القرآن الأجر العظيم، من قرأ حرفاً من كتاب الله فله بها عشر حسنات، فيا له من خير فضيل! لو كانت القلوب تعقل فهو أصدق الكلام وأفصح البيان، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، عليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، اللهم صلِّ وسلم على قدوتنا ونبينا محمد، اللهم صلِّ وسلم على خير عبادك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم ارزقنا التمسك بكتابك والرجوع إليه وتحكيمه في القليل والكثير يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم رد المسلمين إلى مجدهم القويم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم اكفنا شر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين، اللهم اكفنا شرهم بما تشاء إنك على ذلك قدير. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

مواعظ قرآنية

مواعظ قرآنية إن كتاب الله سبحانه وتعالى لم ينزل لأن يتخذ زينة في البيوت والرفوف، وإنما أنزله الله لقراءته والتعبد بتلاوته وتدبره، ففيه مواعظ وعبر لهذه الأمة. وفي هذا الدرس بعض المواعظ من أخبار الأمم السابقة وما أنزل الله بها من عذاب ونكال، وحذر من مصاحبة أهل الشر والفساد؛ حتى لا يصاب الإنسان بسخط الله ومقته عليه.

التحذير من الفواحش والمنكرات

التحذير من الفواحش والمنكرات الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وابتعدوا عن المعاصي ظاهرها وباطنها. وأذكركم وأقول لكم: أكثروا من الحمد والثناء على الله جلَّ وعلا الذي جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، فلا تدنسوا أنفسكم بالذنوب والمعاصي، اشكروا الله تعالى على أكبر نعمة أنعم بها عليكم، وهي نعمة الإسلام والإيمان. أيها الإخوة في الله! لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحة سهلة، فيها الخير والصلاح والسعادة والفلاح لمن تمسك بها، وقام بها خير قيام. أيها الإخوة في الله! كلنا نسمع ما في كتاب الله، والبعض يقرأ القرآن -ولله الحمد والمنة- فعلينا أن نقف عند مواعظه ونحرك بها القلوب. عباد الله: إذا تدبرنا كلام الله جلَّ وعلا وجدنا أنه يذكر لنا ما حصل للأمم مع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله إليهم. فنوحٌ عليه السلام: أرسله الله إلى قومه، وهم يعبدون الأصنام والأوثان، فدعاهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً (950 عاماً) يدعوهم إلى توحيد الله عزَّ وجلَّ، فأبوا عليه، فأغرقهم الله سبحانه وتعالى.

اللواط وعقاب الله لمن قارفه

اللواط وعقاب الله لمن قارفه وهذا لوط عليه السلام بعثه الله إلى قومه، وهم قومٌ عُثاة، قومٌ أشر خلق الله، يدعوهم إلى التوحيد، ويحذرهم من فعل فاحشة لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالمين، فاحشة شنيعة، ألا وهي جريمة قوم لوط، إنها الجريمة القبيحة التي تلبس بها كثير من الناس في هذا الزمان، إنها إتيان الذكور دون الإناث، فعلتها أمة لوط التي لم تُسبق لمثل هذه الفعلة، وهذه الجريمة الفظيعة، وكانوا يفعلونها علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله لهم من أزواج، ولا يبالون بمن يمقتهم ويعتب عليهم، ولا يبالون بمن يشنع، وقد حذرهم لوط عليه السلام من فعل هذه الفاحشة، وكان الجواب من أولئك الكفرة: {أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56] يقولون هذا ومقصودهم السخرية والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته لم يلتفتوا إلى ذلك، ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيه، وتماروا به. وقد أرسل الله عزَّ وجلَّ إلى لوط عليه السلام ملائكة بصفة حسنة، جبريل وميكائيل وإسرافيل في صور شباب مُرد حِسان، محنة من الله واختباراً لقوم لوط، فأضافهم لوط عليه السلام وهو خائف عليهم من قومه، ولكن زوجة السوء، العجوز الشريرة بعثت إلى قومها، فأعلمتهم بأضياف لوط عليه السلام، فأقبلوا يُهرعون إليه من كل مكان، يريدون أولئك الشباب المُرد الحِِسان، وأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب -وذلك عشية- ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه، ويقول لهم: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر:71] أي: نساءهم {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:79] أي: ليس لنا فيهن إِِرَب (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) [هود:79]. فلما اشتد الحال، وأبوا إلا الدخول على لوط عليه السلام خرج عليهم جبريل عليه السلام، فضرب أعينهم بطرف جناحه، فانطمست أعينهم، يُقال: إنها غارت من وجوههم، ويُقال: إنه لم تبقَ لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان، ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37]. أما لوط فقد جاءته الملائكة تأمره بالخروج من بين أظهر أولئك؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، فخرج لوط عليه السلام ومن معه آخر الليل، فنجا مما أصاب قومه، ولم يؤمن بلوط عليه السلام من قومه أحد، ولا رجل واحد حتى امرأته أصابها ما أصابهم، فخرج هو وبناته من بين أظهرهم سالماً، عند ذلك حل بهم بأس الله جلَّ وعلا، وحق عليهم العذاب، وهو أن الله جلَّ وعلا أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع ديارهم بجناحه، ثم رفعها إلى عنان السماء، حتى سمعت الملائكة صياح الديكة، ونباح الكلاب، ثم قلبها عليهم، وأتبعهم حجارة من سجيل منضود، فتلكم هي قرية سدوم التي أصابها ما أصابها، من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة، بطريق مهيعٍ، مسلكه مستمرٌ إلى اليوم، وهو المعروف بـ البحر الميت، الذي لا يعيش فيه شيء، قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:73 - 75] لماذا فعل الله بهم ذلك يا عباد الله؟ لأنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين، يرتكبون الجريمة الشنعاء، الذكر يركب الذكر، استغنوا بذلك عن النساء وعما أحل الله لهم، أي جريمة أقبح من هذه الجريمة؟! ثم أتدرون لماذا ذكر الله لنا أخبارهم في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ذكرهم الله لنا لنعتبر بما أصابهم، ونحذر كل الحذر مما كانوا عليه من سوء الحال، وقبح الفعال. حقاً يا عباد الله! إن هذه الجريمة التي عملها قوم لوط جريمة بشعة؛ لما فيها من مخالفة العقل والدين، وما فيها من خطر ومرض وشر مستطير، وخزيٍ وعار. إنه في الحقيقة فعل تترفع عنه طباع الكلاب والبغال والحُُمُر، إنه ركوب الذكر على الذكر، إنها جريمة قوم لوط، ما ظهرت في أمة إلا ذلت وأخزيت وسُلب عزها، وإذا أراد الله جلَّ وعلا إهلاك قرية فسق فيها المترفون فاستحقت الخراب والدمار. فانتبهوا يا عباد الله وتناصحوا، واحذروا من هذه الجريمة البشعة، فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، والله جلَّ وعلا قال: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] لما ذكر عقوبة قوم لوط ذكر الله أن عقوبتهم ليست ببعيد ممن يفعل هذه الجريمة البشعة، هذه الجريمة الخبيثة، وهي ركوب الذكر على الذكر، يقول صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به} الله أكبر يا عباد الله! إنها جريمة بشعة؛ لذلك أكثر الصحابة اتفق رأيهم على تحريق اللوطي؛ لأنه جرثومة خبيثة مفسد في الأرض؛ ولذلك -يا عباد الله- يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[اللوطي إذا مات من غير توبة، فإنه يُمسخ في قبره خنزيراً]] والعياذ بالله، ثم يوم القيامة عندما يبعث الخلائق، عندما يقوم الناس لرب العالمين، ناهيك به من عار على وجه هذا اللوطي، الذي عمل جريمة اللواط، يُعرف بها يوم القيامة، عندما يُسحب إلى النار، ومن تاب تاب الله عليه.

التحذير من الزنا ودواعيه

التحذير من الزنا ودواعيه ثم احذروا يا عباد الله -أيضاً- من جريمة أخرى، وهي جريمة الزنا، وهي التي قرنها الله جلَّ وعلا بالشرك، وقتل النفس في محكم البيان. جريمة الزنا حذرنا الله منها في محكم البيان، فهي في غاية من القُبح والفُحش، وهي عمل إجرامي خطير، وجرثومة فتاكة، ووباء شره مستطير، ما حل في أمة من الأمم إلا دهورها وأرداها إلى الحضيض. نعم. إنها جريمة الزنا، عارٌ في الدنيا، وعذاب في البرزخ، جريمة الزنا عذاب في النار في الآخرة، يقول الله تعالى في محكم البيان عن شناعة هذه الجريمة: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. عباد الله: لنتساءل: ما الذي يدعو إلى الوقوع في جريمة الزنا؟! إن من أسباب ودواعي الزنا: تبرج النساء بالأسواق وخروجهن متعطرات. ومن دواعي الزنا: اختلاط الرجال بالنساء بدون محرم، واسمعوا إلى هذا الأثر الذي ورد في بعض الأخبار: الزناة معلقون بفروجهم في النار، يُضربون بسياط من حديد، فإذا استغاثوا من الضرب نادتهم الزبانية: أين كان هذا الصوت وأنت تضحك، وتفرح وتمرح ولا تراقب الله، ولا تستحي من الله. عباد الله: الشريعة الإسلامية جاءت بأحكام صارمة على الزناة، وصدرت الأحكام الربانية على من ارتكب هذه الجرمية، وهي: إن كان بكراً ولم يتزوج فإنه يُجلد مائة جلدة، ويُغرب عن البلد، سواء بذلك الذكر أم الأنثى، وإن كان محصناً وإن كان قد طلق زوجته فإنه يُرجم بالحجارة حتى يموت، وكذلك المرأة إذا كانت ثيباً، وارتكبت جريمة الزنا فإنها تُرجم بالحجارة حتى تموت. من دواعي الزنا وهي كثيرة: مشاهدة الأفلام الخليعة، التي يوجد فيها النساء العاريات. ومن دواعي الزنا: استماع الأغاني الماجنات. ومن دواعي الزنا: قراءة القصص الغرامية، وقراءة المجلات السخيفة، التي تحمل صور النساء العاريات.

انتشار الذنوب والمعاصي وغزو أعداء الله للمسلمين

انتشار الذنوب والمعاصي وغزو أعداء الله للمسلمين عباد الله: كم نسمع ما يحصل في هذه الأزمان، بل في هذه الأيام من أسباب الذنوب والمعاصي! فالكثير من الناس ابتعد عن تعاليم الإسلام، وآدابه وأخلاقه وأصبح يتلقى البدع والمحدثات، التي غُزي بها أهل الإسلام، مِن قِبَل أعدائهم، وأصبح بعض الناس يقلد الكفرة، حتى إن البعض من المسلمين -مع الأسف الشديد والحزن المرير- أصبح ينكر ويتنكر لدينه. أقول: إن البعض من المسلمين أصبح الآن يتنكر لدينه، وصار يسمي الدين الإسلامي رجعية وتزمتاً، وحتى آل الأمر بهم إلى محبة الكفار، وتفضيلهم على المسلمين، وهذا خطرٌ عظيم، وبعض من يدعي الإسلام لا يعترف بأركان الإسلام، إنما هو مسلم بالهوية -مع الأسف الشديد- كم نكرر هذه في الجُمع والأعياد؛ ولكن اللهم اشف مرض قلوبنا. نعم. يا أمة الإسلام! إن الكثير من المسلمين الآن يدعي الإسلام بالهوية، فكم تركوا الصلاة؟! وكم منعوا الزكاة؟! وكم أفطروا في رمضان؟! وكم استهزءوا بالركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الحج إلى بيت الله الحرام، ومع ذلك هم يدعون الإسلام، ويُحسبون في عداد الإسلام والمسلمين. ومن الخطر الذي اجترف كثيراً من المسلمين، وهذه والله هي المصيبة العُظمى التي ما حل بالمسلمين أشد منها في هذه الأزمان المتأخرة، سواء صدرت من كبار السن أم من الشباب، وهو السفر إلى خارج البلاد، إلى بلاد الكفار، إلى بلاد الحرية والإباحية والهمجية، فمجرد ما يجلس بعض قرناء السوء مع بعض، فيشرحوا لهم تلك الأوضاع الخبيثة، وتلك السبل المتيسرة، من ارتكاب الزنا، واللواط، وشرب الخمور، وقضاء الوقت في المسارح، ثم يستميلونهم بتلك الأحاديث المسمومة، حتى إن بعضهم ينهمك في كثير من المعاصي والذنوب، ثم يرجع وقد حمل لبلاده من الأفكار الهدامة، والأمراض الاجتماعية، الحسية والمعنوية الكثير الكثير، هذا مع ما أضاع من الأموال، بل قد تجد بعض الذين فُتنوا بالسفر إلى الخارج، يحاربون الأخلاق الفاضلة, والآداب السامية، لماذا؟ الجواب يا أمة الإسلام: لأنهم عاشروا أناساً لا يبالون بأوامر الله، فتجد بعضهم انهمك في المسكرات، والمخدرات، وبعضهم ينتهك الأعراض، ويُقدم على الزنا، وبدون خوف من الله، الذي أوجده من العدم إلى الوجود، وأمده بالنعم، ومنحه القوة والصحة والعافية، ومع ذلك فرب العزة والجلال مطلع عليه، لا تخفى عليه منهم خافية، ثم يرجع من السفر بأفكار هدامة، وصور خليعة، صورٌ بشعة، صورٌ يستحي أن ينظر إليها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان مع الأسف الشديد. أمة الإسلام! ثم يأتي وقد استمع إلى الصراعات، وانطبعت في فكره افتراءات من أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، شنعوا عليه هذا الدين، وبغَّضوا إليه هذا الدين الإسلامي، وسموه تعقداً وتجمداً وتزمتاً، ثم يأتي وقد حمل تلك الأفكار، التي أملاها عليه أعداء الإسلام والمسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فأُحَذِّر الذين يسافرون إلى خارج البلاد ليرتكبوا جرائم الزنا أن لهم أمَّهات، ولهم أخوات، ولهم خالات وعمات وبنات، وإن كانوا متزوجين فلهم زوجات، فليحذروا إذا ركبوا الطائرة أن يقترفوا تلك المحرمات فإنهم يخلفهم أناس أقرب منهم في بلادهم ليفسدوا في نسائهم، فليأخذوا لذلك حذراً. وليتقوا الله عزَّ وجلَّ، وليتوبوا إلى الله قبل أن يقفوا يوم القيامة بين يدي جبار الأرض والسماوات، ثم يسألهم عن ذلك كله. اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم إنا نسألك حسن الختام. {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:21 - 22]. اللهم إن نعوذ بك من الشيطان، وأعوانه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

مضار مجالسة أهل السوء والفساد

مضار مجالسة أهل السوء والفساد الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: احرصوا على مجالسة الصالحين وأهل الخير؛ فإنها تثمر في الدنيا والآخرة. واحذروا من مجالسة أهل السوء والفساد؛ فإن لها مضار في الدنيا والآخرة، نعم في الآخرة عندما تتقطع الصلات والأنساب، وتتلاشى المَوَدَّات وتذهب، قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166 - 167]. نعم. هكذا يحصل يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يتبرأ الرؤساء من الأتباع الذين اتبعوهم على الباطل في الدنيا، يتبرأون منهم حينما يرون العذاب، وتنقطع بينهم الروابط، وتزول المودات، وكذلك الأتباع، يتمنون لو أن لهم رجعة إلى الدنيا؛ ليتبرأوا من هؤلاء الذين أضلوهم السبيل، وكما أن الله أراهم شدة العذاب، كذلك يريهم أعمالهم القبيحة ندامات شديدة، وحسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم، وصدق الله حيث أخبر عنهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] وهم يتأسفون على تضييع العمر في المعاصي، وعلى تضييع أوقات الصلاة، فقد عصوا جبار الأرض والسماوات، ثم يا للمصيبة، ويا للأسف على الغيرة التي ذهبت من الكثير من الناس، حتى جلبوا السائقين والخدم والخادمات والمربيات، وأدخلوهم في البيوت، وتركوا لهم الحبل على الغارب مع النساء، فصاروا لهن مثل المحارم، حتى ذهبت الغيرة من بعض الناس، وصاروا لا يبالون بأعراضهم، ولا يحافظون على شرفهم، فتلاشت الأخلاق، وحصل الفساد، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومع المعاصي التي هدمت كثيراً من البيوت: إدخال الأفلام الخبيثة، والتمثيليات الهابطة، والأغاني الماجنة إلى البيوت، حتى هوت بالأخلاق والآداب إلى الحضيض، وقتلت الحياء من الذكور والإناث، ومن جراء ذلك حصلت أمور لا نعرفها سابقاً، منها: مغازلة النساء، ومعاكسة النساء، وكثرة التبرج والسفور، وهذا والله أمر يُنذر بوخامة العاقبة إن استمر الحال على ذلك. مع ما انتشر أيضاً من المخدرات والمسكرات التي هي عار وشنار في الدنيا والآخرة، فكم أزهقت من أرواح بريئة؟! وكم أذهبت من أخلاق وعقول وأهانت أهلها، وأدت بهم إلى الحضيض حتى صاروا من الأرذال؛ بما سببوا على أنفسهم وعلى عقولهم وأعراضهم وشرفهم، وعلى أموالهم بسبب هذه المخدرات والمسكرات! وكم أضاعوا من أُسر! وخسروا من أوقات، وسوف يُسألون عنها يوم القيامة، ولا تسأل عما يحصل لهم عند الموت، إن جاءهم الأجل على غير توبة، وأيضاً إن ماتوا على غير توبة فإن الله توعدهم أن يسقيهم من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار، وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة} رواه البخاري ومسلم وغيرهما. شارب الخمر يتجرع إلى أن يترك الصلاة والصوم ويظلم ويفسق، ويستمر في الغواية، ويُرخي العنان لنفسه في سبيل الغواية، فتكثر ذنوبه، وتقل حسناته. شارب الخمر ربما يرتكب المحارم؛ لأنه فقد العقل الذي ميزه الله به، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم مع الأسف الشديد ما يحصل في كثير من بلدان الإسلام والمسلمين من أكل الربا، ومن التعامل به، وكذلك أكل الأموال بالباطل، مثل الرشوة، والغش في البيع والشراء والمعاملات، والخداع، والسرقة، ولعب القمار والميسر, وكل ذلك حرام، ثم أتبع بذلك بيع الدخان، إلى غير ذلك من الملاهي وغيرها، ثم إذا ألمَّت بالمسلمين ملمة، ورفعوا أكفهم إلى الله، وإذا بالأكف قد تناولت الحرام، والبطون امتلأت من الحرام، ثم يُقال: أنَّى يُستجاب لذلك؟! أما إذا رجعنا إلى الله، وتبنا إلى الله، وأكلنا الحلال، فإنا إذا رفعنا أكفنا إلى الله، وتضرعنا إلى الله فإن الله يستجيب الدعاء، ويدفع البلاء، ويقبل الصدقات، ويغفر الزلات. اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا، إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا علي يا عظيم، يا حليم يا عليم، لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الإجلال والإكرام، اللهم عليك بالظلمة وأعوان الظلمة، اللهم عليك بالظلمة وأعوان الظلمة اللهم عليك بالظلمة وأعوان الظلمة، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، يا أرحم الراحمين. اللهم ارحم الشيوخ والأطفال والنساء. اللهم اشدد وطأتك على الظلمة، وأعوان الظلمة، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا مغيث المستغيثين، يا أرحم الراحمين، يا ناصر المستضعفين، لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم أيدهم بتأييدك، وانصرهم بنصرك يا أرحم الراحمين. عباد الله! صلوا على رسول الله.

موصلات الجنة

موصلات الجنة إن الله جلَّ وعلا قد وصف الجنة بأعلى وأجمل وأحسن وصف؛ حتى يشمر لها المشمرون، ووصف أهلها المشمرين بأوصاف حميدة، حتى يتصف بها من أراد الفوز بالجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى، وقد بين الشيخ حفظه الله في هذه الرسالة أوصاف أهل الجنة الموصلة إليها من الكتاب والسنة.

أوصاف أهل الجنة في القرآن

أوصاف أهل الجنة في القرآن الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. لقد سمعتم في الجمعة الماضية ما حل بالأمم المكذبة لرسل الله عزَّ وجلَّ حيث أنْزَل بهم النقمات، وحلَّت بهم العقوبات ونزلت بهم، ومزقهم الله كل ممزق، فتلكم ديارهم عامرة، وآثارهم موجودة؛ ولكن الله عزَّ وجلَّ دمَّرهم تدميراً، لما عصوا رسل الله عزَّ وجلَّ، ثم بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فختم الله به الأنبياء والمرسلين، وأنزل معه الكتاب المبين. أيها المسلمون: لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل معه القرآن العظيم. أيها الأمة: أمة الإسلام، لقد استخلفكم الله من بعد تلك الأمم التي بادت وانقرضت وهلكت بعقوبة الله عزَّ وجلَّ، ثم بعث إليكم محمداً صلى الله عليه وسلم، فمدحكم الله في القرآن، حيث قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110]. أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم، الذي فيه حَثٌ لكم إلى المبادرة والمسارعة إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ والابتعاد عما يُغضب الله حتى لا يحل بكم ما حل بالأمم الماضية، قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:133 - 135]. فهذه أوصاف أهل الجنة الذين أطاعوا الله عزَّ وجلَّ:

الوصف الأول: (المتقون)

الوصف الأول: (المتقون) المتقون، الذين ذكر الله وصفهم في أول سورة البقرة: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:3 - 5] ثم ختم لهم: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]. المتقون: وهم الذين اتقوا ربهم جل وعلا، باتخاذ الوقاية من عذابه بفعل ما أمرهم به، وطاعةً له ورجاءً لثوابه جل وعلا، وترك ما نهاهم عنه، طاعةً له، وخوفاً من عقابه، أولئك هم المتقون.

الوصف الثاني: (الذين ينفقون في السراء والضراء)

الوصف الثاني: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء) الوصف الثاني من أوصاف أهل الجنة: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران:134] فهم ينفقون ما أمروا بإنفاقه على الوجه المطلوب منهم: من الزكاة، والصدقات، والنفقات على من لهم حق عليهم، والنفقات في الجهاد، وغيره من سبل الخير، يبادرون بأداء الزكاة، يتصدقون، ولا يريدون من أحد جزاءً ولا شكوراً، ينفقون ذلك في السراء والضراء، لا تحملهم السراء والرخاء على حب المال، والشح فيه، طمعاً في زيادته، ولا تحملهم الشدة والضراء على إمساك المال خوفاً من الحاجة إليه، بخلاف الذين يقولون: لا ننفق؛ فإننا نخشى أن يقل الرصيد، وأن ينقص ما عندنا من الرصيد، أسأل الله العفو والعافية. اللهم قنا شح أنفسنا، اللهم قنا شح أنفسنا.

الوصف الثالث: (الكاظمين الغيظ)

الوصف الثالث: (الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) الوصف الثالث للمتقين، الذين هم من أهل الجنة: {الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران:134] وهم الحابسون لغضبهم إذا غضبوا، فلا يعتدون، ولا يحقدون على غيرهم بسببه.

الوصف الرابع: (العافين عن الناس)

الوصف الرابع: (الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) الوصف الرابع من أوصاف المتقين وهم أهل الجنة: {الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] يعفون عمن ظلمهم واعتدى عليهم، فلا ينتقمون لأنفسهم مع قدرتهم على ذلك. وفي قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] إشارة إلى أن العفو لا يُمدح إلا إذا كان من الإحسان، وذلك بأن يقع موقعه، ويكون إصلاحاً، فأما العفو الذي تزداد به جريمة المعتدي، فليس بمحمودٍ، ولا مأجور عليه.

الوصف الخامس: (الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم)

الوصف الخامس: (الَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) الوصف الخامس من أوصاف المتقين، الذين هم أهل الجنة: {الَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران:135] ماذا يعملون إذا فعلوا فاحشة؟ هل يأتون بالصور من دول الخارج؛ حتى يفضحوا أنفسهم بعدما سترهم الله؟! يأتون بصورهم، وهم سكارى، وهم عُراة، مع الزواني، ومع الذين يفعلون اللواط -والعياذ بالله- يأتون بصورهم، وهم يخرون صرعى في مسارح العار والشنار، في بلاد الكفر -نسأل الله العفو والعافية- لا. ليس أولئك، إن المتقين غير أولئك، اسمعوا وصف المتقين: {الَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135]. ما هي الفاحشة؟ الفاحشة: ما يُستفحَش من الذنوب، وهي الكبائر، كقتل النفس المحرمة بغير حق، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، والزنا، والسرقة، ونحوها من الكبائر. وما هو ظلم النفس؟ أما ظلم النفس فهو أعم، فيشمل الكبائر والصغائر. فهم إذا فعلوا شيئاً من ذلك ذكروا عظمة من عصوه، فخافوا من عقابه، وذكروا مغفرته ورحمته، فسعوا في أسباب ذلك، فاستغفروا لذنوبهم، بطلب سترها، والتجاوز عن العقوبة عليها، وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135] إشارة إلى أنهم لا يطلبون المغفرة من غير الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه لا يغفر الذنوب سواه.

الوصف السادس: (لم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)

الوصف السادس: (لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الوصف السادس من أوصاف المتقين، أوصاف أهل الجنة: {لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] أي: لم يستمروا على فعل الذنب وهم يعلمون أنه ذنب، ويعلمون عظمة من عصوه، ويعلمون قرب مغفرته، بل يبادرون إلى الإقلاع عنه, والتوبة منه، فالإصرار على الذنوب مع هذا العلم يجعل الصغائر كبائر، ويتدرج بالفاعل إلى أمور خطيرة صعبة. نسأل الله أن يرزقنا توبة نصوحاً.

الوصف السابع: (المؤمنون)

الوصف السابع: (الْمُؤْمِنُوْنَ) ومن أوصاف أهل الجنة المتقين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُوْنَ} [المؤمنون:1] أي: أنهم الذين آمنوا بالله، وبكل ما يجب الإيمان به، من ملائكة الله، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، آمنوا بذلك إيماناً يستلزم القبول والإذعان والانقياد بالقبول والعمل.

الوصف الثامن: (الذين هم في صلاتهم خاشعون)

الوصف الثامن: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ومن أوصاف أهل الجنة: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] حاضرة قلوبهم، ساكنة جوارحهم، يستحضرون أنهم قائمون في صلاتهم بين يدي الله عزَّ وجلَّ، يخاطبونه بكلامه، ويتقربون إليه بذكره، ويلجئون إليه بدعائه، فهم خاشعون بظواهرهم وبواطنهم. أما الذين يعبثون في الصلاة فتكثر حركاتهم، وربما يخرج المفاتيح من الجيب، وربما يخرج الآلة الحاسبة، ويحسب وهو في الصلاة، فأولئك أبدانهم في المساجد، وقلوبهم في المزابل، تهيم في أودية الدنيا، ليس لهم من أوصاف المتقين حق، المتقون اسمعوا أوصافهم: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2].

الوصف التاسع: (الذين هم عن اللغو معرضون)

الوصف التاسع: (الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ومن أوصاف أهل الجنة: {الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3] أي: أنهم معرضون عن اللغو؛ لقوة عزيمتهم، وشدة حزمهم، لا يمضون أوقاتهم الثمينة إلا فيما فيه فائدة، فكما حافظوا على صلواتهم بالخشوع، فإنهم حافظوا على أوقاتهم عن الضياع.

الوصف العاشر: (الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)

الوصف العاشر: (الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) ومن أوصاف أهل الجنة: {الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5 - 6] فهم حافظون لفروجهم. فهؤلاء أهل الجنة، حافظون لفروجهم {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:6] فهم حافظون لفروجهم عن الزنا، واللواط، لما فيهما من معصية الله والانحطاط الخلقي والاجتماعي، ولعل حفظ الفرج يشمل ما هو أعم من ذلك، فيشمل حفظه عن العادة السرية، التي انهمك فيها الكثير من الناس، نسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله أن يفرج للمكروبين الذين صعبت عليهم طرق الزواج، نسأل الله أن يفرج لنا ولهم من كل كربة، إنه على كل شيء قدير. فيا من لم تتزوج راقب الله عزَّ وجلَّ، واتقِ الله يجعل لك مخرجاً، لا تذهب هذا الجوهر، لا تخرج هذا المني بالعادة السرية، فإنك مسئول عن فعلك هذا يوم القيامة يا عبد الله! ولكن عليك بتقوى الله عزَّ وجلَّ، والمبادرة إلى طاعة الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] ما أجمل التقوى! فإن الله عزَّ وجلَّ يذلل بها الصعاب، ويُسهل بها العسير، فيا أيها الشاب! راقب الله في السر والعلانية، واتق الله في السر والعلانية، واسأل الله أن يفرج لك كل كربة، فإن الله قريب {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] فتب إلى الله أيها الشاب من هذه العادة القبيحة، وخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء} لكن -مع الأسف الشديد- بعض الشباب يذهب إلى الأشياء التي يماري فيها أبناء الجنس، من شراء السيارة الفاخرة، وشراء الأزياء التي لا تنفعه في الحياة، إنما الحياة تعبر بغيرها، إنما الحياة تصلح من دون تلك الأشياء التي ابتلي بها كثير من الشباب، يصرف الدراهم الكثيرة، ثم إذا قيل له: تزوج، قال: المهور غالية، وهو يصرف أكثر من المهر -والعياذ بالله- إما بشراء سيارة فاخرة، أو بالذهاب إلى خارج البلاد؛ ليفسد في أرض الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. نعم. حفظ الفروج، يشمل ما هو أعم من ذلك، فيشمل -كما قلتُ لكم- العادة السرية، فينبغي للإنسان أن يحفظ نفسه عن هذه العادة، وعن النظر إلى المحرمات من النساء، والمُرْدان، والأفلام، والمجلات التي فيها الصور العارية، وغيرها. وأيضاً ينبغي للإنسان أن يتقي الله عزَّ وجلَّ، ولا يتعدى، فإنه ملوم على فعل ذلك التعدي، إلا على الزوجة، والمملوكة لما في ذلك من الحاجة إليه، لدفع مقتضى الطبيعة، وتحصيل النسل، وغيره من المصالح.

الوصف الحادي عشر: (الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)

الوصف الحادي عشر: (الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) ومن أوصاف أهل الجنة: {الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8] أي: أنهم قائمون برعاية الأمانات والعهد فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين الخلق، ويدخل في ذلك الوفاء بالعقود، والشروط المباحة فيها.

الوصف الثاني عشر: (الذين هم على صلواتهم يحافظون)

الوصف الثاني عشر: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) ومن أوصاف أهل الجنة: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9] فهم على صلواتهم يحافظون، يلازمون على حفظها من الضياع والتفريط، وذلك بأدائها في وقتها على الوجه الأكمل، بشروطها، وأركانها، وواجباتها. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافاً كثيرة في القرآن العظيم لأهل الجنة، سوى ما نقلناه هنا، ذكر ذلك سبحانه وتعالى ليتصف به من أراد الوصول إلى الجنة.

أوصاف أهل الجنة في السنة النبوية

أوصاف أهل الجنة في السنة النبوية وفي الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء كثير، فقد قال الناصح الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل اللهُ له به طريقاً إلى الجنة} رواه مسلم. أجل يا عباد الله! كل منا ينبغي أن يسلك الطريق الموصل إلى الجنة، فالبعض من الناس لا يُحسن قراءة الفاتحة، ولا يُحسن قراءة التشهد في الصلاة، ولا يُحسن الغُسل من الجنابة، ولا يحسن الوضوء، ألا يسلك الطريق إلى العلماء ليسألهم عن ذلك حتى يسهل الله لهم طريقاً إلى الجنة؟! نعم يا عباد الله.

المحافظة على الصلاة في جماعة وترديد الأذان

المحافظة على الصلاة في جماعة وترديد الأذان ويقول صلى الله عليه وسلم: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات -اسمع يا من تصلي في بيتك بجوار المرأة، اسمع يا من ضيعت هذا الفضل العظيم! - قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة} رواه مسلم. اسمعوا يا أمة الإسلام! هذا الحديث! يقول صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتِّحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء} رواه مسلم وغيره. واسمع يا عبد الله! قال صلى الله عليه وسلم: {إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة} رواه مسلم. اسمع يا عبد الله! فضل الله عظيم: {ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة} رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: {من قال حين يسمع النداء -أي: الأذان- اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلَّت له شفاعتي يوم القيامة} رواه مسلم.

بناء المساجد

بناء المساجد ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة}. اسمعوا أيها الأثرياء! اسمعوا أيها الأغنياء! يا من تبخلون بالأموال! يقول صلى الله عليه وسلم: {مَن بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة} بعض الأثرياء وبعض الأغنياء إذا أتته الورقة وفيها ذكر المسجد بدأ يتحكَّك ويلتفت يميناً وشمالاً، حتى لا ينفق مالاً يُبنى له به بيت في الجنة -مع الأسف الشديد- ولكن لو قيل: إن فيه دعاية، بادر وكتب المعروض، حتى يخرج صاحب الدعاية باسمه أولاً. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {مَن بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة} رواه البخاري ومسلم. ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة} أخبروا الذين يضيعون الصلاة، أخبروا الذين يفرطون في الصلوات، أعلموهم بهذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة} رواه الإمام أحمد، وأبو داوُد، والنسائي. وعن ثوبان رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الله به الجنة، فقال له صلى الله عليه وسلم: {عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة} رواه مسلم.

المحافظة على نوافل الصلوات

المحافظة على نوافل الصلوات اسمعوا يا عباد الله! اسمعوا يا أمة الإسلام! اسمعوا إلى هذا الفضل العظيم، وبادروا يا عباد الله! يقول الناصح الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة} رواه مسلم. وفصلها بعض العلماء فقال: (12) ركعة: - أربع ركعات قبل الظهر. - ركعتان بعد الظهر. - ركعتان بعد المغرب. - ركعتان بعد العشاء. - ركعتان قبل صلاة الصبح. وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار، قال صلى الله عليه وسلم: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت} رواه الإمام أحمد، والترمذي، وصححه. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم} رواه البخاري ومسلم. اسمعوا يا من تهملون الأعمال الصالحة، اسمعوا يا من تضيعون العمر في غير طاعة الله، يقول الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم: {العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} رواه البخاري ومسلم.

تربية البنات طريق إلى الجنة

تربية البنات طريق إلى الجنة اسمعوا يا من تكرهون البنات. اسمعوا يا من لا تحبون البنات. يقول صلى الله عليه وسلم: {من كان له ثلاث بنات، يؤويهن، ويرحمهن، ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة -فضل عظيم- يؤويهن، ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة قالوا: يا رسول الله، فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قالوا: وواحدة؟} رواه الإمام أحمد. ولكن يا عبد الله! إن كنت تريد الجنة بإحسانك إلى هذه البنات، فاتق الله عزَّ وجلَّ وراقب الله فيهن، لا تدع لهن الحبل على الغارب، لا يخرجن إلى الأسواق متبرجات متعطرات، فاتنات مفتونات، لا تدخل عليهن آلات اللهو، لا تجعل لهن سائقاً يجوب بهن الأسواق، اتق الله في هؤلاء البنات، إن كنت تريد أن تكون في الجنة. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي بشيء من هذه البنات، كن له ستراً من النار}. و {سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: تقوى الله، وحسن الخلق} رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: {أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال} رواه مسلم في حديث طويل. أيها الإخوة في الله: فهذه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين شيئاً كثيراً من أعمال أهل الجنة، لمن أراد الوصول إليها. أسأل الله عزَّ وجلَّ أن ييسر لنا ولكم سلوكها، وأن يثبتنا عليها، إنه جواد كريم. وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

جزاء آخر من يدخل الجنة

جزاء آخر من يدخل الجنة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله: بادروا بالأعمال الصالحة لعلكم تنجون من عقاب الله وأليم عذابه. عباد الله: اسمعوا إلى ما في هذا الحديث الصحيح من العجائب يا عباد الله! فإن فيه حثاً على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلوك الصراط المستقيم. عن الزهري رحمه الله قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي رحمهما الله، أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبرهما أن الناس قالوا: {يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون بالشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، يُحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، تبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله عزَّ وجلَّ فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم، فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، يقول صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحدٌ إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلِّم، اللهم سلِّم سلِّم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، قال: إنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يَعلم قدر عِظَمِها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل، ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيُصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجلٌ بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة، مقبلٌ بوجهه قِبل النار، فيقول: يا رب، اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيقول: هل عسيتَ إن فُعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك فيُعطي ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة، رأى بهجتها، وسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب، قدمني عند باب الجنة -الله أكبر- قال: يا رب، قدمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق ألا تسأل غير الذي كنت سألتَ، فيقول: يا رب، لا أكون أشقى خلقك، فيقول: فما عسيتَ إن أُعطيت ذلك أن لا تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها، ورأى زهرتها وما فيها من الزهرة والنضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله له أن يسكت، ويقول: يا رب، أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم! ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيتَ، فيقول: يا رب، لا تجعلني أشقى خلقك، ويضحك الله عزَّ وجلَّ منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تَمَنَّ، فيتمنى، حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله عزَّ وجلَّ: من كذا وكذا؟ أقْبَل، حتى إذا انتهت الأماني قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه} رواه البخاري وفي رواية لـ مسلم: {لك مثل ملك عشرة ملوك من ملوك الدنيا} هذا آخر من يدخل الجنة يا عباد الله. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه. اللهم اجعلنا من أمة محمد، الذين يدخلون الجنة، بغير حساب ولا عذاب. اللهم أدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعلنا على الصراط من الناجين، ولا تجعلنا في النار مكردسين، يا رب العالمين. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه. عباد الله: إن الله يأمركم أن تصلوا على رسول الله، فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وفي مقدمتهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أذل الشرك والمشركين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين. اللهم أيدهم بتأييدك. اللهم انصرهم بنصرك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد. اللهم يا قريب مجيب لمن دعاك، يا من قلت وقولك الحق: ادعوني استجب لكم، استجب لنا دعاءنا، يا أرحم الراحمين. لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، أنت مغيث اللهفات، ومفرج الكربات، ومحيل الشدائد والبليات، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء. اللهم أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

موعظة عامة

موعظة عامة إن المجتمع الفاسد هو المجتمع الذي يتمادى فيه المفسدون بطغيانهم، وهو الذي تنتكس فيه الأوضاع؛ حيث يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فانتشار الفساد في المجتمع يدل على عدم الغيرة الإيمانية، ولذلك كان من أهم صفات المجتمع الراشد السعيد أنه شديد الغيرة الإيمانية؛ فهو يسعى لإزالة الفساد واقتلاعه؛ لأن الفساد هو السبب الرئيسي في حلول النقم وزوال النعم وحصول المصائب.

استشراء الفساد في المجتمع

استشراء الفساد في المجتمع الحمد لله الذي أمرنا بطاعته ونهانا عن معصيته، ووعد الصالحين بجنته ومستقر رحمته، وتوعد العصاة بدار نقمته وزوال نعمته، وهو الذي لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين. أحمده سبحانه وأسأله أن ينظمنا في سلك عباده الصالحين، وأن يجعلنا من حزبه المفلحين، وأن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحجة البالغة على خلقه بلا نزاع، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل. أمة الإسلام: كان المسلمون إذا سمعوا لآيات الله القرآنية، أو للأحاديث النبوية قالوا: سمعنا وأطعنا لما فيها من الأوامر، وانتهينا لما فيها من النواهي، سمعوا وأطاعوا وأقلعوا عن الخطيئة ولم يصروا على ما فعلوا من المخالفات الشرعية. أما في هذه الأزمنة المتأخرة، فكم نسمع من الآيات والأحاديث! ولكن ران على القلوب الران، واستحوذت عليها الغفلة، واستحسنت الفسوق والعصيان، فأقبلت على الفساد وأعرضت عن تعاليم الملك الديان. أيها المسلمون: إذا نظرنا بدقة إلى ما نحن عليه الآن من فساد الأخلاق، ومجاهرة الفساق بالاتصاف بالنفاق، رأينا بوناً شاسعاً بين المسلمين وبين تعاليم الكتاب والسنة: {استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فزعاً محمَّراً وجهه يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتح الليلة من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش إحدى زوجاته رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال نعم: إذا كثر الخبث}. أجل يا أمة الإسلام! إن المجتمع الذي يستقيم أفراده ويهتدي بنور الدين ويعمل بشعائر الإسلام، ويتحلى بالأخلاق القويمة هو المجتمع الرفيع الراشد السعيد، هو المجتمع الذي كتب الله له العزة، ووعده بالخلافة في الأرض لصلاحهم؛ كما هي سنة الله في الذين خلوا من قبل، فإن الصالحين يعم الله بصلاحهم ويقطع بهم دابر الفساد، لما يقومون به من الدعوة إلى الله وإظهار دينه.

علامة المجتمع الفاشل

علامة المجتمع الفاشل وعلى العكس -يا عباد الله! - من هذا المجتمع السعيد، مجتمع الفشل، وهو المجتمع الذي يتمادى فيه المفسدون بطغيانهم وإفسادهم، هو المجتمع الذي تنتكس فيه الأوضاع؛ فيصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، حتى إنهم في بعض المجتمعات المنهارة، والمجتمعات المنحطة، يسمون المتدين والمتمسك بدينه رجعياً متطرفاً. ويسمون المتحلل من الدين، والمتحلل من الخلق القويم، يسمونه منطلقاً، ويسمون فعله انطلاقة وحرية، ألا بئست الانطلاقة، ألا بئست الحرية؛ يشربون الخمور؛ أم الخبائث ومفتاح كل شر، ويسمونها المشروبات الروحية، فبئس ما يصنعون! ينادون المرأة المتحشمة المتمسكة بدينها، ويسمونها المعقدة المقيدة بالأغلال، ويريدونها أن تخطو الخطوة السريعة، وما هي الخطوة السريعة؟ وما أدراك ما الخطوة السريعة؟! هي أن تخرج في ميدان العمل، لتزاحم الرجال وتضرب إليتها إلية الرجال، ويلتمس كتفها بكتف الرجال، وتصافح الرجال في مجتمعاتهم، تخرج سافرة متعطرة متبرجة، عليها اللباس القصير، إنها دعوة إلى الجاهلية الأولى التي حاربها الإسلام، وقضى عليها. إن من علامة فشل المجتمعات ظهور المنكرات وإعلانها؛ فإن امتلاء الأسواق والحوانيت والبيوت من الصور ذوات الأرواح، يعلن بعدم الغيرة الإيمانية، وبعدم الإحساس، وبعدم قبول ما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم به، إنه رسول الله، إنه الناصح الأمين، إنه الرءوف الرحيم بأمته، حذرنا أتم التحذير، بقوله: {لعنة الله على المصورين} ويقول: {أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة المصورون يقال لهم: أحيوا ما خلقتم} ويقول: {من صوَّر صورة كُلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ} ويقول أيضا: {يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان أزرقان يقول: وُكِلتُ بكل مصور وبكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، ثم يلتف عليهم ثم يقذفهم في النار} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إن في تلك الأحاديث لعبرة لمن أراد أن يعتبر، وموعظة لمن كان في قلبه إيمان؛ إن التهاون بين الناس في أمر التصوير دليل على عدم الوازع الإيماني بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا نهوا عن ذلك قالوا: إنما التصوير بالآلة، فيقال لهم: إن الوعيد الذي جاء يصدق على صاحب الآلة؛ لأنه هو المحرك لها والمتصرف فيها كيف يشاء، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وفي الأثر: {إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده} أجل، إن ظهور الخلاعات والصور القذرة التي ترسمها الأفلام السينمائية على الشاشة، وينظر إليها الرجال والنساء، وكأنها شيء مألوف، إن فيها الدمار والشر والعار، والفساد والسم الزعاف فهل من مدكر؟! إن ما في الصحف والمجلات الرخيصة باسم القصة وتحت ستار الترفيه، فيه من استعمار الأفكار وانحطاط الأخلاق ما لا يحصره العبد. وإن الشباب حين يقرءونها يتلقون منها دروساً في الإباحية والسقوط، وكل خبائث الغرب وأقذاره، فكل ذلك تقليداً لأعداء الإسلام، وتقليداً لأعداء الأخلاق، وتقليداً لأعداء الفضيلة، واندفاعاً وراء التيارات الهدامة، التي بزعمهم أنها مدنية، وما هي في الواقع إلا سلسلة من الإجرام؛ تجر على البلاد والعباد المصائب والدمار، تذكروا ما حدث في بلدة الأصنام في الجزائر، تذكروا ما حدث لمجاوريكم في اليمن، تذكروا ما حدث لـ أفغانستان؛ من الزلازل، إنها آيات يذكر الله بها العباد فهل من مستعتب؟! أمة الإسلام: إن الذي نسمعه عنهم لداعٍ لنا إلى الانتزاع من المعاصي، وإلى البعد عن العذاب، إن البلاد المجاورة وهي تدور رحى الحرب عليها، والزلازل وانتهاك الأعراض، والقتل والسلب والعياذ بالله، فكل هذه الحوادث أسبابها الذنوب والمعاصي، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] {وما ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:57]. لقد حدث زلزال في المدينة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخطب وتوعدهم بقوله: [[لئن حدث ثانية لا أساكنكم فيها أبداً]] الله أكبر، هؤلاء عباد الله الذين يخافون من عذاب الله ومن نقمته ومن سطوته لما تزلزلت ضرب الأرض وقال رضي الله عنه: [[لئن حدث ثانية لا أساكنكم فيها أبداً]] وما ذاك إلا لتخوف أمير المؤمنين من الذنوب وما تجره من ويلات ومحن ومصائب، فما نزل ضر وبلاء وشدة إلا بسبب الذنوب وتنوع أساليب المعاصي، ولا شك أن العبد كلما أحدث ذنباً أحدث الله له عقوبة تتنوع وتتشكل حسب عظم الذنب وضخامة الجرم. فاتقوا الله -عباد الله- وهلموا لتجديد توبة نصوحة، هلموا لنسأل الله العفو والغفران، إنه كان غفاراً، ولنبكِ يا عباد الله! الزموا بدموع الندم على ما فرطنا وما قصرنا فيه من حقوق الله، لنبادر بالتوبة النصوح إلى الله عَزَّ وَجَلّ، ومن تاب تاب الله عليه، والتوبة تجب ما قبلها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

صفات المجتمع الراشد

صفات المجتمع الراشد الحمد لله يهدي إلى الحق ومنهاج السداد، أحمده سبحانه شرع لعباده الأمر بالمعروف لإقامة الحجة ودرء الفساد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وضَّح المعالم لطريق الرشاد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن المجتمع الصالح الراشد المسدد هو المجتمع الذي يتعاون أفراده على الخير، وتتظافر جهودهم لدفع الشر ونفي الخبث والأخذ على يد الظالم، وذلك ما ينطبق تمام الانطباق على المجتمع الإسلامي الصالح فهو الذي وصف الله واقعه بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]. فأوضح الله سبحانه عوامل الصلاح والرشاد؛ وهو الأخذ في سبل الطاعة وفي تطبيقها، وفي مقدمتها أداء الفرائض، ومن أهمها: الصلاة الصلاة يا أمة الإسلام! الصلاة يا عباد الله! وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأسس الصحيحة التي وصفها الإسلام، وأمر بها وشجع عليها بقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. فعلينا -أمة الإسلام- جميعاً مسئولية عُظْمى حمَّلها، رسول الهدى كل فرد في الأمة حسب إمكانياته، ففي القيام بها سلامة المجتمع، والإبقاء عليه. فاتقوا الله -عباد الله! - ولتتظافر منكم الجهود، ولتصح العزائم للأخذ في سبل الإصلاح، والقضاء على الفساد في مهده: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، اللهم اجعلنا هداة مهتدين. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول سيد البشرية: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، واخذل من أراد للإسلام خذلاناً وأهله، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم ارزقه الجلساء الصالحين الناصحين؛ الذين يدلونه على الخير ويأمرونه به ويحثونه عليه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أئمة وولاة المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفقنا وإياهم جميعاًً للحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، اللهم ارفع عنا وعن جميع المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم رب محمد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] اللهم إن نسألك توبة نصوحاً، تطهر بها قلوبنا وتمحص بها ذنوبنا إنك سميع الدعاء، مجيب لمن دعاك يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

نعم الله ومحاسن الإسلام

نعم الله ومحاسن الإسلام الإسلام له محاسن ومزايا لا يمكن حصرها في محاضرة أو خطبة، وربما لا يستطيع الإنسان بعقله الضعيف حصرها، فقد قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). وهنا تحدث الشيخ عن أهم ما يدعو إليه الإسلام ويحث عليه، كالتوحيد، والأخلاق الحسنة، والعلم بنوعيه الديني والدنيوي، وكل شيء ينفع الإنسان، وتكلم عن أعداء الشريعة الذين ينكرون الخالق سبحانه وتعالى، وحث المؤمنين على التمسك بدينهم.

محاسن الإسلام وفضائله

محاسن الإسلام وفضائله الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والعز والكبرياء والجمال، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أولاه من الإنعام والإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تبارك وتعالى. عباد الله: يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] نعم -يا عباد الله- لقد أكمل الله هذا الدين بالنصر والإظهار على جميع الأديان، بل نسخت به جميع الأديان، فنصر الله عبده ورسوله محمداً وخذل أهل الشرك خذلاناً عظيماً بعدما كانوا حريصين على صد المؤمنين عن دينهم طامعين في ذلك، فلما رأوا عز الإسلام وانتصاره؛ يئسوا كل اليأس من المؤمنين أن يرجعوا إلى دينهم، وصاروا يخافون منهم ويخشونهم وانهزموا أمام الحق وضعفوا، وما ذاك إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر بالرعب مسيرة شهر، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. وأتم جل وعلا على عباده نعمته بالهداية والتوفيق، والعز والتأييد والتمكين في الأرض، ورضي الإسلام لنا ديناً، اختاره لنا من بين الأديان، فهو الدين عند الله لا غير، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. عباد الله: لقد نظر أصحاب الأفكار البريئة السليمة في أحكام الإسلام نظر القانع فاعتنقوه، وتأملوا في حكمه الجليلة فأحبوه، وملكت قلوبهم مبادئه الحكيمة فعظموه، واسمع إلى هذا العبارة يا أخي المسلم حقاً: وكلما كان المرء سليم العقل، نير البصيرة، مستقيم الفكر، اشتد تعلقه بهذا الدين؛ لما فيه من جميل المحاسن وجميل الفضائل، بل كله محاسن وكله فضائل.

الإسلام يدعو إلى التوحيد بأنواعه

الإسلام يدعو إلى التوحيد بأنواعه جاء الدين الإسلامي بعقائد التوحيد التي يرتاح لها العقل السليم، ويقرها الطبع المستقيم، يدعو إلى اعتقاد أن للعالم إلهاً واحداً لا شريك له، أولاً لا ابتداء له، وآخراً لا انتهاء له {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى:11] له القدرة التامة والإرادة المطلقة، والعليم المحيط، يلزم الخلق الخضوع له والانقياد والعمل بما يرضيه. وذلك لامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعدم تعدي الحدود، وذلك بسلوك الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فأوضح السبل وأنارها، ونصب الأدلة والبراهين في الأنفس والآفاق، وحث العقول على النظر والاستدلال لتصل بالبراهين إلى معرفته وتعظيمه والقيام بحقوقه، فتراه تارة يلفت نظرك إلى أنه لا يمكن أن توجد نفسك، ولا أن توجد من دون موجد، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] ويقول جل وعلا: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7] وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]. أما كون الإنسان موجداً لنفسه فهذا أمر ما ادعاه الخلق، وأما وجود الإنسان هكذا من غير موجد فأمر ينكره منطق الفطرة، ابتداءً ولا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل. وإذا كان هذان الغرضان باطلان؛ فإنه لا يبقى إلا الحقيقة التي يقولها القرآن الكريم وهي: أن الخلق خلقه الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، هذه دلائل على خلق الإنسان. وتارة يلفت تبارك وتعالى النظر إلى السماوات والأرض، فهل هم خلقوها؟ فإنها لن تخلق نفسها كما أنهم لم يخلقوا أنفسهم. وتارة يفتح أمام العقل والبصر صحيفة السماء وما حوت من شمس مشرقة، وقمر منير، ونجم مضيء، فيقول تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61] وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3 - 4]. ثم يلفت النظر إلى الأرض وما فيها من أشجار متنوعة، وما فيها من جبال وقفار وسهول، قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] فتشاهد عدة أشجار بعضها بجوار بعض في قطعة واحدة وتسقى بماء واحد، وقد جعل الله لكل شجرة جذوراً تمتص بها من الأرض ما يناسبها من الغذاء الذي به قوامها وحياتها، ثم بعد ذلك تنفتح تلك الأشجار المتجاورة كل واحدة منها عن ثمرة تخالف الأخرى في اللون والطعم والرائحة، ألا يدل هذا على وجود صانع حكيم؟! ألا يدل ذلك على وجود قادر مقتدر؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [البقرة:248] أي: لدلالة وعلامة لمن آمن بالله العظيم الذي غلبت قدرته على كل شيء. ومرة يلفت النظر إلى ما ينزله من السماء من الماء الذي به قوام الحياة، ولو شاء لجعله أجاجاً لا نفع فيه. ومرة يتحدث عن وحدانيته وعن انفراده بالملك والتدبير وحده لا شريك له في ملكه، كما أنه هو المتصرف في خلقه يحكم فيهم ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، لا يحتاج إلى هيئة أمم متحدة، ولا يحتاج إلى مؤتمرات كاذبة قال تعالى: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91] وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] إلى غير ذلك من الأدلة.

الإسلام يشرع العبادات التي تهذب النفوس

الإسلام يشرع العبادات التي تهذب النفوس من رحمة الله بعباده المؤمنين: شرع لهم من العبادات ما يهذب بها النفوس ويصفيها، وينظم العلاقات ويقويها، ويجمع القلوب ويزكيها، فلا شك ولا ريب أن كل علم نافع ديني أو دنيوي أو سياسي قد دل عليه القرآن دلالة لا شك فيها، فمتى بهذه الدلالة؟ إذا استغنينا عن هيئة الأمم المتحدة، أو عن الدولتين الصغيرتين أمريكا والاتحاد السوفيتي، نعم. إذا استغنينا عن تلك الدول الخبيثة العقائد التي لا تريد الإسلام ولا تريد أهله أن يبقوا على الأرض طرفة عين، فكيف يحق لنا أن نستعين بهم يا أمة الإسلام؟! كيف يحق لنا أن ننظر إليهم إلا بعين الاستزراء والاستسخار لا شك في هذا.

الإسلام يدعو إلى العلم

الإسلام يدعو إلى العلم أمة الإسلام: لا شك ولا ريب أن كل علم نافع ديني أو دنيوي أو سياسي قد دل عليه القرآن دلالة لا شك فيها، فليس في شريعة الإسلام ما تحيله العقول، وإنما في شريعة الإسلام ما تشهد العقول السليمة الزكية بصدقه ونفعه، بل في شريعة الإسلام ما تشهد العقول السليمة الزكية بصدقه ونفعه وصلاحه.

الإسلام عدل كله

الإسلام عدل كله وكذلك أوامر الإسلام كلها عدل لا حيف فيها ولا ظلم، فما أمر بشيء إلا وهو خير صالح أو راجح، وما نهى عن شيء إلا وهو شر خالص أو ما تزيد مفسدته على مصلحته. كلما تدبر العاقل اللبيب الإسلام وأحكامه قوي إيمانه وإخلاصه، وعندما يتأمل ما يدعو إليه هذا الدين يجده يدعو إلى مكارم الأخلاق، والصدق والعفاف، والعدل وحفظ العهود، وأداء الأمانات، والإحسان إلى الأيتام والأرامل والمساكين، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، كما يدعو إلى تحصيل التمتع بلذائذ الحياة -الحلال- التي أحلها الله من الطيبات، أحل ذلك التمتع بقصد واعتدال قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31]. كما أن الإسلام يدعو إلى البر والتقوى، وينهى عن الفحشاء والمنكر، وينهى عن الظلم والإثم والعدوان، فهو دين كامل لا يحتاج إلى قوانين وضعية، ولا يحتاج إلى أفكار منحرفة، دين كامل لا يأمر إلا بما يعود على العالم بالسعادة والفلاح، ولا ينهى إلا عما يجلب الشقاء والمضرة للعباد. تباً ثم تباً لأعداء الشريعة الإسلامية الذين يظنون بالشريعة ظن السوء، عليهم دائرة السوء واللعنة، يؤلهون الطبيعة وينسبون إليها النظم الوضيعة، ويزعمون أن هذا الوجود خلق نفسه وكون أجزاءه العليا والسفلى، وينكرون وجود الله عز وجل، فليس العجب من هلاكهم، والله ثم والله ليس العجب من هلاكهم؛ ولكن العجب والأسف على من احتذى حذوهم من الذين يدعون الإسلام!! ينكرون وجود الله عز وجل الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، فياله من جحود عنيد آثم! ووالله ثم والله لن تأتي الصدف بهذه المخلوقات في الأرض والسماوات، ولا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن تكون هذه العوالم أوجدت نفسها! بل أوجدها الله، يا أمة الإسلام! يا أهل العقول السلمية! يا أهل الفطر المستقيمة! لا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن تكون هذه العوالم أوجدت نفسها! بل أوجدها الله الذي رفع السماء بغير عمد نراه، وبسط الأرض على تيار الماء، فلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولا نعبد إلا إياه ولو كره الشيوعيون، ولو كره الملحدون، ولو كره اليهود والنصارى والمبشرون. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونور قلوبنا بنور الإيمان، اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان، وأرحنا من شرور أنفسنا والشيطان، ووفقنا لطاعتك وجنبنا الكفر والفسوق والعصيان، والحكم بغير ما أنزلت يا رب العالمين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

كونوا من الغرباء

كونوا من الغرباء الحمد لله الكريم الجواد، اللطيف بالعباد، الذي من اعتز به رأس وساد، ومن تمسك بكتابه أيده وحماه من الأضداد، ومن عض بنواجذه على سنة نبيه نصره وإن قل الأعوان والأجناس، نحمده ونستعينه ونسأله التوفيق لاتباع الكتاب والسنة، ونسأله أن يقينا من البدع المدلهمة السوداء، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن ارتكاب المعاصي والفساد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله ربنا بالحق بشيراً ونذيراً، وما مات حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ليس فيها لبسٌ ولا اشتباه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا أتبع الناس لسنته في اليقظة والرقاد وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله فإن تقواه نعم العدة ليوم المعاد، وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن التمسك بهما أعظم الجهاد لا سيما عند كثرة الأهواء وظهور الفساد، فقد ورد في الحديث: {المتمسك بدينه في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة} و {المتمسك بدينه كالقابض على الجمر} وذلك لقلة الأعوان وكثرة الأضداد، في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} أمة الإسلام: كونوا من الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس. أيها المسلمون: أي غربة أشد من أن أكثر المسلمين الذين يدعون الإسلام لا يعرفون قراءة القرآن، وبالأخص لا يعرفون قراءة فاتحة الكتاب التي هي أم القرآن وهي السبع المثاني، ولا يعرفون ما يجب عليهم من أمور الدين كالقراءة في الصلاة وغيرها، أليس ذلك يا أمة الإسلام من البعد عن التعاليم التي رسمها الإسلام؟ أمة الإسلام: أليس ذلك كله من البعد عن التعاليم التي رسمها الإسلام وجاء بها القرآن؟ حتى الذين يتعلمون لا يهتمون بالقرآن كما يهتمون بالمواد الدراسية الأخرى -وللأسف الشديد- دستورنا القرآن الكريم وصراطنا المستقيم لا يعد من المواد الرسمية في بعض الدول العربية التي تدَّعي الإسلام، كما يهتمون بالمواد الأخرى التي أدخلها أعداء الإسلام للمسلمين حتى انحرف الأكثرون عن تعاليم الإسلام، وصاروا يحاربون التعاليم الإسلامية ولا يبالون بها، فماذا نقول؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله! وحسبنا الله ونعم الوكيل! اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ومن شذَّ عن جماعة المسلمين شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وفي مقدمتهم خلفاؤه الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأيقظنا من غفلتنا حتى نتبع نهجهم يا رب العالمين، اللهم أيقظنا من غفلتنا حتى نسلك سبيلهم يا أرحم الراحمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم انصرنا بالإسلام، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم من آذى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم أنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم مزق أعداء الإسلام وأعداء المسلمين تمزيقاً، اللهم مزقهم تمزيقاً، اللهم أدر عليهم دائرة السواء، واجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. اللهم وأصلح أولادنا ونساءنا، اللهم وأصلح أولادنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن ومضلات الفتن، اللهم ارفع عنا مضلات الفتن، اللهم طهر بلادنا من مضلات الفتن التي دخلت علينا بالشر والفساد يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

نعيم القبر وعذابه

نعيم القبر وعذابه إن كل الناس -وإن طالت حياة بعضهم- قادمون على الله جل وعلا، فلينظر كل واحد منهم ماذا قدم من عمل ينجيه من عذاب الله عز وجل، وخير دافع لذلك بأن يتذكر الإنسان قدومه على الله من ساعة الاحتضار إلى أن يقف بين يدي الله عز وجل، وقد بين الشيخ حفظه الله في هذا الدرس مرحلة من مراحل الانتقال إلى الله، وهي مرحلة القبر، وذكر ما يقع للمؤمن والكافر فيه.

تذكر اليوم الآخر

تذكر اليوم الآخر الحمد لله الذي خلق الموت والحياة؛ ليبلو العباد أيهم أحسن عملاً، فقسمهم إلى قسمين: فمنهم شاكر، ومنهم كفور. أحمده وأشكره، وأسأله أن يوفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله عزَّ وجلَّ {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان:33] {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. عباد الله: هل تعلمون ما هو ذلك اليوم؟ هو والله يوم القيامة، يوم الطامة الكبرى، يوم الصاخة، يوم تشقق السماء بالغمام، يوم تفتح السماء فتكون أبواباً، فينزل من كل سماء ملائكتها، ينزلون ليحيطوا بأهل الموقف، في ذلك اليوم الذي يتجلى فيه الرب لفصل القضاء بين الخلائق. عباد الله: إذا تحققنا من ذلك وآمنا به، علمنا حق اليقين أن هذه الحياة الدنيا لا بد لها من الزوال، وأنها دار ممر وعبور إلى الآخرة، وأن أهلها سوف ينتقلون منها إلى ما قدموه من الأعمال. فتذكروا عباد الله! تذكروا حالتكم عند حلول الآجال، ومفارقة الأوطان والأهل والعيال والجيران. تذكروا حينما تشاهدون الآخرة وهي أمامكم، وأنتم مقبلون إليها، وأنتم منتقلون إليها، وأنتم مدبرون عن الدنيا.

حالة الاحتضار

حالة الاحتضار تذكروا حالة الاحتضار، تذكروا نزول ملك الموت.

خروج روح المؤمن

خروج روح المؤمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم أكفان من الجنة، وحنوط من الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ويجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس المطمئنة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة مِن فِيِّ السقاء، فيأخذها ملك الموت، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، فيجعلوها في ذلك الكفن, وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون على مَلَأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة، فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحوا له، فيُفتح له، ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، إلى السماء السابعة، فيقول الله عزَّ وجلَّ: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوها إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيُجلسانه، فيقولان له: ما دينك؟ ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: ما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنتُ به وصدقتُه، فينادي منادٍ أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويُفسح في قبره مدَّ البصر، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، ويقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: يا رب! أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي}. اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين، يا أرحم الراحمين.

خروج روح الكافر

خروج روح الكافر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأما الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، ويقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتَفَرَّق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السَّفُّود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على مَلََأٍِ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يُسمى بها في الدنيا، حتى يُنتهى بها إلى السماء الدنيا، فيُستفتح لها، فلا يُفتح لها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] ثم يقول الله عزَّ وجلَّ اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى مع الشياطين، فتُطرح روحه طرحاً، ثم قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31]. فتُعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه في القبر حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءُك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: يا رب! لا تقم الساعة}.

أقسام الناس في قبورهم

أقسام الناس في قبورهم عباد الله: هذا الذي يحصل بعد الموت في القبر. فقسم من الناس، توفاهم الملائكة طيبين، يقولون: سلام عليكم {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32]. وقسم من الناس توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50]. أمة الإسلام: تذكروا إذا حُملتم إلى القبور، فانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال والقصور، فارقتم الفلل، فارقتم الفرش، فارقتم الكنبات، جليسكم فيها الأعمال، موسَّدون التراب، مفترشون التراب، قد صُفت عليكم اللبنات، فإما خيرٌ تسرون به إلى يوم القيامة، وإما شرٌ تجدون به الحسرة والندامة. ثم تذكروا إذا {نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر:68] فإذا نحن قيام من القبور، ننفض التراب من رءوسنا، حفاة، عراة، غُرْلاً، في {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] في يوم يُجمع فيه الأولون والآخِرون في صعيد واحد، في ذلك اليوم، يوم التغابن، ووالله يوم التغابن، ليس التغابن -يا عباد الله- في نيل عرض من الدنيا، أو توسيع الفلل وارتفاع القصور، فإنما {الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] تزدهر قليلاً، ثم تزول سريعاً. فتنافسوا -أيها المسلمون- في أعمال الآخرة، لتدركوا الأجر العظيم في يوم القيامة، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، واجعل القبر لنا بعد منازل الدنيا أفسح المنازل، وآمِن خوفَنا يوم الفزع الأكبر، واجعلنا ممن يأخذ كتابه بيمينه يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أٌقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه ثم توبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

أقسام الناس يوم القيامة

أقسام الناس يوم القيامة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ حق تقاته, واستعدوا لما أمامكم يوم العرض الأكبر على الله، حينما ينقسم الناس إلى قسمين: سعداء، وأشقياء. فأما السعداء: ففي روضات الجنات، لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، ولهم فيها ما يدَّعون، لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وأما الأشقياء: فمآلهم إلى النار، لهم فيها زفير وشهيق، يُطعمون الزقوم، ويُسقون فيها ماءً حميماً، يقطع الأمعاء والأوصال، ولا يُسمع لهم دعاء، ولا يُرحم لهم بكاء، ولا يزدادون من طول مكثهم فيها إلا عذاباً. فالحذر الحذر يا عباد الله، الحذر الحذر يا عباد الله من جميع المعاصي, ومن مُضلات الفتن، ومن اتباع الشهوات، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن عليكم، وتأهبوا للعرض الأكبر على رب العالمين. واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، من اليهود والنصارى والشيوعيين، إنك على كل شيء قدير. اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم عافيتك ويدك، اللهم مزقهم كل ممزق. اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في برك وبحرك. اللهم أيدهم بنصرك، اللهم أيدهم بنصرك. اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، يا رب العالمين. اللهم أصلح إمام المسلمين، وارزقه الجلساء الصالحين الناصحين، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، وحكم بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، وجنبنا وإياهم مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

نواقض الإسلام

نواقض الإسلام نواقض الإسلام كثيرة ومتعددة، وقد يأتي المسلم بناقض أو أكثر وهو لا يعلم، فليس الإسلام مجرد دعوى بلا حقيقة، بل هو وحدة كاملة لا تتجزأ، وفي هذه المادة بيان لبعض نواقض الإسلام التي ينبغي للعبد أن يحترز منها ويجتنبها.

خطورة الردة عن الإسلام

خطورة الردة عن الإسلام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا أن نكون له موحدين عابدين مخلصين، وأنزل القرآن على عبده ليكون هدىً للمتقين، وتنبيهاً للغافلين، وذكرى للمؤمنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفي الله وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ودعا إلى التوحيد أساس الإسلام. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً. أما بعد: أيها المسلمون: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. عباد الله: إن دين الله واحد وطريقه واضح مستقيم، وإن الضلالة طرق متشعبة، ومتاهات كثيرة فاسمعوا وأطيعوا. هذا ربكم يدعوكم في محكم البيان ويقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153] ثم ينهاكم جل وعلا عن طرق الضلال فيقول: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. أمة الإسلام: الحذر كل الحذر من سبل الضلال، فإن كل سبيل من سبل الضلال عليه شيطان يدعو إليه، فالسالك على طريق الحق تعترضه صوارف عن المضي في طريقه إلى طرق الضلال، تارة بالترغيب وتارة بالترهيب، فهو يحتاج إلى علم بالطريق المستقيم وعلم بتلك الطُرق المضلة، ويحتاج إلى صبر وثبات على الحق.

أشكال الردة عن الإسلام

أشكال الردة عن الإسلام أيها المسلمون: انتبهوا على ما يلقى عليكم وارعوا الأسماع، عباد الله! إن الارتداد عن دين الإسلام والعياذ بالله إلى الكفر تارة يكون بترك الإسلام بالكلية إلى ملة من ملل الكفر، وتارة يكون بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام مع بقاء التسمي بالإسلام، وأداء شعائره، فيكون محسوباً من جملة المسلمين وهو ليس منهم، وهذا أمر خطير وموقف دقيق يحتاج إلى بصيرة نافذة، يحصل بها الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال. إذ كثير ما يلتبس هذا الموقف على كثير من الناس؛ بسبب جهله بنواقض الإسلام وأسباب كثيرة، فيظن أن من أدى شيئاً من شعائر الإسلام صار مسلماً ولو ارتكب شيئاً من المكفرات، وهذا الظن الفاسد إنما نشأ بالجهل بحقيقة الإسلام وما يناقضه، وهذا واقع مؤلم يعيشه كثير من الناس في عصرنا هذا، ممن لا يميزون بين الحق والباطل والهدى والضلال؛ فصاروا يطلقون مسمى الإسلام على من يؤدي بعض شعائر الإسلام، ولو ارتكب ألف ناقض نسأل الله العافية! نعم. لو ارتكب ألف ناقض يسمونه مسلماً! ولم يعلموا أن من ادعى الإسلام ومارس بعض العبادات، ثم ارتكب شيئاً من نواقضه فهو بمثابة من يتوضأ ثم يحدث فهل بقي لوضوئه أثر؟!

الإسلام ليس مجرد دعوى بلا حقيقة

الإسلام ليس مجرد دعوى بلا حقيقة أيها المسلمون! إن الإسلام ليس مجرد دعوى بلا حقيقة، ولا جمع بين المتناقضات. إن الإسلام دين الحق والصدق، إن الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله. إن الإسلام وِحْدَةٌ كاملة لا تتجزأ، لا بد من القيام بشعائره وحقوقه، وتجنب نواقضه. إن الإسلام دين ودولة، عبادة وحكم وعمل، دعوة وجهاد. وبالجملة إن الإسلام يحكم جميع التصرفات والتحركات الصادرة من معتنقيه. عباد الله! إنه لا يكون المرء مسلماً بمجرد الانتساب إلى الإسلام مع البقاء على ما يناقضه من الأمور القصرية، كما أنه لا يكفي مدح الإسلام والثناء عليه من غير تمسك بأهدابه وعمل بأحكامه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3]. فاليوم المنتسبون إلى الإسلام كثير، ولكن المسلمين منهم بالمعنى الصحيح قليل، واليوم نسمع كثيراً ونقرأ كثيراً من مدح الإسلام، ولكن إذا رجعنا إلى مجال التطبيق والعمل؛ وجدنا الشقة بعيدة بين حقيقة الإسلام وبين كثير ممن يمدحونه ويثنون عليه، هل نفع أبو طالب مدحه للإسلام؟! هل نفع أبو طالب ثناءه للإسلام؟! بل مات مشركاً كافراً في النار والعياذ بالله. هل نفع الأعشى مدحه للإسلام؟! بل مات على سوء الخاتمة والعياذ بالله. أيها المسلمون! إنه لمن الظلم الواضح والضلال المبين أن نطلق اسم الإسلام على من لا يستحقه، لمجرد أنه يدعيه أو يمدحه أو يثني عليه، وهو بعيد عنه بأفعاله وتصرفاته، كما أنه من الظلم الواضح والضلال المبين أن نصف بالإسلام من هو مرتكب لما يناقضه من أنواع الردة، لمجرد أنه يصوم أو يصلي أو يمارس شيئاً من شعائر الإسلام، وهذا منا إما نتيجة جهل بحقيقة الإسلام، أو اتباع للهوى، وكلا الأمرين خطير وقبيح.

أسباب الردة عن الإسلام

أسباب الردة عن الإسلام أيها المسلمون: إن نواقض الإسلام كثيرة وأسباب الردة متعددة، لكننا نذكر منها ما يكون كفيل الوقوع في مجتمع المسلمين اليوم، نذكره لنكون على بينة منه، لنحذره فمنها:

الشرك بالله

الشرك بالله الشرك في عبادة الله، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]. مثلما يفعل اليوم في بعض البلاد الإسلامية عند القبور؛ من التقرب إلى الموتى بطلب الحاجات منهم، وصرف النذور لهم، والذبح لأضرحتهم، والذبح للجن لطلب شفاء المريض، وهذا باطل اليوم، والذي يذهب إلى البلاد المجاورة يرى هذا أعياناً، وقد يتسرب إلينا من بعض الخدم والخادمات، والسائقين الكفرة، فقد عثر على كثير منهم ومعهم صور وتماثيل يعبدونها من دون الله في بلاد المسلمين، بل في بيوت المسلمين، وبين أظهر المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومن أنواع الشرك ما يفعل عندنا ويمارسه الذي يذهبون إلى المشعوذين والدجالين؛ لطلب العلاج، فيأمرونهم بالذبح للجن، فينفذون ذلك من غير مبالاة، وليعلموا ثم ليعلموا إذا كانوا لا يعلمون: أن الذبح لغير الله شرك أكبر وصاحبه مخلد في نار جهنم، إذا مات قبل أن يتوب، ومن تاب تاب الله عليه.

الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام

الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام أيها المسلمون: احذروا من الردة عن الإسلام وأنتم لا تشعرون، فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كالذي يستهزأ بإعفاء اللحى، أو بالسواك، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالجهاد أو غير ذلك، فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، قال الله تعالى مكفراً للمنافقين الذين صاروا منافقين بسبب استهزائهم بآيات بالله وبآياته ورسوله وبصحابته الكرام، قال الله تعالى عنهم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66].

الحكم بغير ما أنزل الله

الحكم بغير ما أنزل الله ومن أنواع الردة عن الإسلام الحكم بغير ما أنزل الله، فمن حكم بغير ما أنزل الله وهو يرى أنه أحسن من حكم الله ورسوله وأصلح للناس، أو يرى أنه مخير بين أن يحكم بما أنزل الله، أو يحكم بغيره من القوانين، فهو كافر مرتد عن الإسلام قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] وسواء حكَّم القانون في كل شيء أو حكمه في بعض القضايا، ما دام أنه يرى أن ذلك أصلح للمجتمع، أو أنه أمر جائز؛ فهو كافر بالله، ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم. وكذلك الذي يطلب التحاكم إلى غير شرع الله منافق، ومرتد والعياذ بالله، فهذا خطر داهم المسلمين اليوم، فإن كثيراً من الحكام نبذوا كتاب الله، واستبدلوه بقوانين استوردوها من الغرب وحكموا بها بين الناس، فيجب على المسلمين أن يعرفوا حكم الله في هؤلاء، ويحكموا به عليهم، ولا يرضوا بفعلهم، قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60]. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه، وأحيينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم رد حكام المسلمين إلى الشريعة الإسلامية، اللهم وفقهم لتطبيق الشريعة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

ترك الصلاة

ترك الصلاة الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأمرنا بالتمسك بهذا الدين والثبات عليه إلى الممات، وحذرنا من التخلي عنه، فقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! ومن نواقض الإسلام أيضاً ترك الصلاة يا أمة الإسلام! ومن ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، ومن ترك الصلاة وهو يقر بوجوبها لكن تركها من باب الكسل فهذا يؤمر بها، ويدعى إليها فإن أبى أن يصلي واستمر على تركها، فهو كافر على الصحيح من أقوال العلماء، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] فدلت الآيتان على أن من لم يقم الصلاة لا يخلى سبيله، بل يقتل وليس هو من إخواننا؛ لأنه كافر، قال الله عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:42 - 43] فأخبر أن من جملة الأسباب التي دخلوا بها النار هو ترك الصلاة، وأخبر أنه لا تنفعه شفاعة الشافعين، فدل على أنهم كفار. وقال صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} أي: العهد الذي بيننا وبين الكفار الصلاة، فدل الحديث على أن الصلاة هي الفارقة بين الكافر والمسلم، فمن لم يصل فليس بمسلم رضي أم سخط. وقال صلى الله عليه وسلم: {بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة} وهذه نصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تدل على كفر تارك الصلاة وخروجه من الملة، ولو كان يدعي الإسلام، ولو كان يقيم مع المسلمين. وقد كثر اليوم ترك الصلاة وعدم المبالاة بها، مع العلم أن تاركها لا حظ له في الإسلام، بل يستتاب فإن تاب وأقام الصلاة وإلا قتل مرتداً لا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه، بل يصادر ماله لبيت مال المسلمين، وكذلك يجب أن يفرق بينه وبين زوجته المسلمة؛ لأن المسلمة لا تحل لكافر، قال الله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]. فلا يجوز أن يزوج من مسلمة، ولا يجوز أن تبقى معه مسلمة في عصمته، والآن ما أكثر الذين في حوزتهم نساء مسلمات وهم لا يعترفون بالصلاة فإنا لله وإنا إليه راجعون. أيها المسلمون! لو أن حكم الله نفذ في هؤلاء الذين يتركون الصلاة وطهرت منهم بلاد المسلمين، وبيوت المسلمين لارتدع الناس عن هذه الجريمة، ولم يجد هذا المجرم مكاناً له في مجتمع المسلمين، لكن حينما أغلق المسلمون أعينهم عن هؤلاء، وتركوهم يساكنونهم في بيوتهم، ويتزوجون من نسائهم، صارت جريمتهم من الأمور المعتادة التي لا تستنكر، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم لا تصيبنا باللعنة كما أصابت بني إسرائيل لما سكتوا عن المنكرات ورضوا بها، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصيبنا ما أصابهم.

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أيها المسلمون: لقد كثرت نواقض الإسلام وانتشرت في كثير من البلاد الإسلامية والمجتمعات الإسلامية، منها اعتناق المبادئ الهدامة كـ الشيوعية والاشتراكية والقوميات المناهضة للإسلام، وانتشرت عملية التبشير بالدعوة إلى النصرانية والماسونية اليهودية، فمن استحسن شيئاً من هذه المبادئ، أو أحبها أو دافع عنها أو أعان أهلها على المسلمين؛ فقد ارتد عن دين الإسلام ولحق بالكفار. فالحذر يا أمة الإسلام! الله الله!! الزموا ثغور الإسلام، فكل منكم على ثغر من ثغور الإسلام فالحذر أن يؤتى الإسلام من قبله، ولنكن على بصيرة من ديننا وبينة من أمرنا؛ لنعرف ما هو الإسلام، وما هي نواقض الإسلام، لنحب في الله لنبغض في الله، لنأمر بالمعروف، لننهى عن المنكر حتى نحذر منها ومن أهلها. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم بصرنا بالإسلام، وثبتنا على الإسلام إلى يوم نلقاك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أيها المسلمون: أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، اللهم اجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء، اللهم أدر دائرة السوء على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم خذ أعداء الإسلام وأعداء المسلمين أخذ عزيز مقتدر، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يصدون عن سبيلك ويفسدون في الأرض ولا يصلحون. اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمر المسلمين أجمعين، اللهم وفقهم وأعنهم على تطبيق الشريعة الإسلامية، اللهم وفقهم وأعنهم على تطبيق الشريعة الإسلامية يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا، اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك، نسألك بأسمائك الحسنى أن ترفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العلمين. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] , وقال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

هنيئا لهم

هنيئاً لهم إن الله سبحانه وتعالى حين أنزل هذا الدين على نبيه صلى الله عليه وسلم، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، جعل الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أوامر ونواهي اختباراً وابتلاءً للناس، ليعلم من يطيعه ومن يعصيه، ولذلك فاز المؤمنون بطاعة ربهم ورضوانه سبحانه وتعالى وتلهفوا بالشوق إلى ما وعدهم ربهم سبحانه. ولذلك بين الشيخ في هذا الدرس ما وعد الله به المؤمنين، ومن هم المؤمنون، وما هي صفاتهم، وذكر حال الفريق الآخر المقابل لهم، وما وعدوا به من الوعيد في الدنيا والآخرة، ثم ختم الدرس بتذكر الآخرة واليوم الآخر.

ما وعد الله به المؤمنين

ما وعد الله به المؤمنين الحمد لله، الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أمة الإسلام! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ. عباد الله، كم تمر على أسماعنا، وكم نقرأ في آيات الكتاب المبين من قول المولى جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحج:14]. وأيضاً نقرأ ونسمع: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:23 - 24]. عباد الله: اسمعوا إلى هذه الوعود الطيبة من الكريم المنان؛ ولكن لمن هي يا عباد الله؟ هي لمن آمن بالله وعمل الصالحات، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وقام بفروض الدين كاملة بإخلاص لله رب العالمين، ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اسمعوا إلى ما وعدهم الله به: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وأيضاً: {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:277].

صفات المؤمنين المستحقين للوعد

صفات المؤمنين المستحقين للوعد وأيضاً اسمعوا إلى صفاتهم أيها الإخوة في الله: قال الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]. أيضاً لهم صفات يا عباد الله، اسمعوا هذه الصفات، أسأل الله أن يجعلنا ممن يتصف بها إنه على كل شيء قدير: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67]. واسمعوا إلى صفاتهم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:68]. ولهم صفات أخرى: قال الله عنها: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]. ولهم صفات أخرى: قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 - 11]. ولهم صفات أخرى: قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:7 - 8]. إنها صفات طيبة؛ لذلك جزاهم علام الغيوب بما يستحقون من الدرجات العُلا في جنات النعيم. هنيئاً لمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، واستقام على طاعة الله. هنيئاً له يوم أن يُبعث من قبره، وقد أُعدت له النجائب، واستقبل بالتحف والإكرام. هنيئاً لهم عندما يُعطَون كتبهم بأيمانهم. هنيئاً لهم يوم أن تُثََقل موازينهم يوم الحساب. هنيئاً لهم يوم أن يتجاوزوا الصراط. هنيئاً لهم يوم أن يردوا على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فيشربون شربة هنيئة مريئة لا يظمئون بعدها أبداً. هنيئاً لمن أدخله الله الجنة، ونعمه بما فيها من النعيم المقيم، فهو آمن {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:10 - 16]. هنيئاً لهم {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس:56]. هنيئاً لهم، يفجرون الأنهار، ويَجنون الثمار، {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [محمد:15]. هنيئاً لهم {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22 - 23] قد أمنوا من المخاوف، وسلموا من الأحزان والهموم والغموم والأنكاد، {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} [الحجر:48]. هنيئاً لهم في الجنة، أمنوا من الموت، وكُتب لهم الخلود في دار سليمة أبد الآباد، عندهم الحور في دار الحبور، ويتمتعون بالنظر إلى وجه الله الكريم؛ لأنهم قاموا بخدمة المولى، فرضي عنهم وأرضاهم يوم لقائه. فيا من يحب أن يُتبع بهم، يا من يحب أن يصحبهم، عليك بطاعة الله، استقم على طاعة الله.

حال من أعرض عن الله وجزاؤه

حال من أعرض عن الله وجزاؤه يا من أعرض عن طاعة الله، وابتعد عما يقربه من الله، كيف حالك إذا قدمت على الله يوم القيامة؟! كيف حال الذين أعرضوا عن ذكر الله يوم الوعيد، الذين قال الله فيهم: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]؟! كيف حال الذين يتركون الصلاة، ويضيعونها، كيف حالهم يوم القيامة إذا أدخلوا سقر؟! {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر:27]! إنها نار جهنم!! كيف حال الذين يأكلون الربا، ويتعاملون بالربا، ويحتالون على الناس؟! كيف حالهم عندما يقومون من القبور كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم يُسحبون إلى نار جهنم؟! كيف حال الذين يرتكبون جريمة الزنا يوم القيامة؟! كيف حالهم يوم الحسرة والندامة؟! كيف حال الذين يرتكبون جريمة اللواط؟! كيف حالهم وهم في القبور قد مُسخوا خنازير، ثم يوم القيامة تشتعل بهم النار؟! كيف حال الذين انهمكوا في المسكرات والمخدرات؟! كيف حالهم يوم القيامة، يوم يُسقون من طينة الخبال؟! وما أدراك ما طينة الخبال! إنها عصارة أهل النار!! كيف حال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً؟! كيف حالهم يوم يقوم الناس لرب العالمين، وقد تحقق فيهم: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10]؟! كيف حال الذين يمشون بالنميمة، ويغتابون الناس، يوم يُؤخذ من حسناتهم لمن اغتابوا؟! كيف حال الذين يأكلون الحرام، ويشربون الحرام، ويلبسون الحرام، ويتعاملون بالغش والخداع والمكر والخيانة والكذب؟! كيف حالهم يوم العرض الأكبر على الله؟!

دعوة إلى التوبة إلى الله

دعوة إلى التوبة إلى الله فيا عبد الله: يا من يريد النجاة يوم الوعيد! بادر بالتوبة إلى الله، بادر بالتوبة إلى الله، قبل أن يتحقق فيك قول الله جل وعلا: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:56 - 58]! ففي ذلك اليوم لا يُجاب لهم مطلب، ولا يُسمع لهم كلام، كما أخبر الله في محكم البيان: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:27 - 28] قال الله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28]. عباد الله! في يوم القيامة تظهر السرائر وتنكشف أمام العالمين، قال الله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:2 - 4]. إن يوم القيامة أمره عظيم، وخطره جسيم، في ذلك اليوم العظيم يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟! أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟! وينادي رب العزة والجلال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] ففي ذلك اليوم لا تسأل عما يحدث من الدمار الكوني، فالأرض تُزَلزل وتُبَدل، والسماء تُشَقق بالغمام وتمور موراً، والشمس تُكَور، والقمر يُخْسَف به، والنجوم تَنْكَدر، وينقطع عِقْدُها، ويذهب ضوءُها، والبحار تُفَجر وتُسَجر، والوحوش تُحْشَر، والنفوس تُزَوج، والجحيم تُسَعر، والجنة تُزْلَف، والخلائق قد جُمِعوا في صعيد واحد، ينفذُهم البصر، ويُسْمعهم الداعي، اجتمعوا ليوم الفصل. يومٌ تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الوِلْدان عباد الله: علينا أن نستعد لذلك اليوم، علينا أن نبادر بطاعة الله، ونستقيم على ما يحبه الله ويرضاه. اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم إنا نسألك حسن الختام، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واجعلنا من هؤلاء الصنف. يوم يجيء المتقون لربهم وفداً على نُجُبٍ من العِقْيانِ ولا تجعلنا من المجرمين. ويجيء فيه المجرمون إلى لظى يتلمظون تلمظ العطشانِ اللهم صل وسلم على نبينا محمد. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم

يوم القيامة وما فيه من أهوال

يوم القيامة وما فيه من أهوال الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ حق تقاته. عباد الله! تذكروا دائماً يوم القيامة لعل القلوب أن تلين وتَرْعَوِي، وترجع وتنيب إلى الله عزَّ وجلَّ. عباد الله! تذكروا يوم يأتي كل واحد منا منفرداً بأحزانه وهمومه وغمومه، فالقلب خائف، والبصر خاشع. ثم تذكروا عندما تقبل الوحوش منكسة رءوسها. ثم تذكروا هذه الشمس التي تشرق وتضيء العالم عندما تكور، والقمر عندما يخسف به، والنجوم عندما تتناثر وتنكدر، والسماء عندما تتشقق بالغمام، وعندما تتفتح مثل الأبواب، لينزل من كل سماء ملائكتها؛ ليحيطوا بأهل الموقف. ثم نتذكر يا عباد الله عندما تدنى الشمس على رءوس العباد، وانضاف إلى حرها كثرة الأنفاس، وازدحام الأجسام، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم، فمنهم من يبلغ منه العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى أنصاف ساقيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وانضاف إلى ذلك العطش وطول القيام، فلا نوم ولا راحة. عباد الله! تذكروا عندما يتبرأ منكم الصاحب والقريب، والولد والوالد والأخ، وتقطعت الصلات والأنساب؛ لما في ذلك من المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والرعب والذعر. يُروى {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فنعس فتذكرت الآخرة، فبكت فسال دمعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ بدموعها، فرفع رأسه فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرتُ الآخرة، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن، فإن أحداً لا يذكر إلا نفسه: إذا وُضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله، وعند الصراط}. عباد الله! تذكروا تلك المواقف العظيمة وأنتم وقوف في ذلك العالم، وقد تغير عليكم سماؤه وأرضه، واجتمعتم بالأولين والآخرين على صعيد واحد، الله أكبر يا عباد الله! إنه يوم عظيم، قال فيه بعض العلماء: مَثِّل لنفسك أيها المغرورُ يوم القيامة والسماء تمورُ قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفورُ وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسيرُ وإذا العشار تعطلت عن أهلها خلت الديار فما لها مغرورُ وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدورُ وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك أين نسيرُ فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمورُ وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعورُ هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهورُ اللهم ارحمنا بواسع رحمتك، اللهم ارحم وقوفنا يوم العرض الأكبر يا حي يا قيوم، اللهم ارحم عرضنا عليك يوم العرض الأكبر يا رب العالمين. اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين، اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين، اللهم آمن خوفنا يوم الفزع يوم الدين يا رب العالمين. عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، صلوا عليه وسلموا تسليماً، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين، وكثر الأنين. اللهم ارحمنا إذا حُملنا إلى القبور، ووضعنا في تلك اللحود، وصُفَّت علينا اللبنات، وحُثي علينا التراب، وتخلينا بها وحدنا، اللهم آنس وحشتنا في القبور، اللهم آنس وحشتنا في القبور، وارحم غربتنا فيها، وآمن فزعنا يوم الحشر والنشور. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض ولا يُصلحون. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هُداة مهتدين. اللهم واجمعنا ووالدِينا ووالدِي والدِينا وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، في جنات الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين، ويا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة، يا رب العالمين. عباد الله! استيقظوا من رقدتكم، أفيقوا من غفلتكم، أكثروا من ذكر الله، أقبلوا على الله؛ فإن أمامكم القيامة تحتاج إلى زاد واحد، وهو التقوى يا عباد الله، اتقوا الله يا عباد الله، ارجعوا إلى الله، والله ثم والله إنها أمور يؤسف لها عندما نرى المساجد بعد رمضان! كيف انهزمت تلك الصفوف؟! أين ذهبت تلك الصفوف يا عباد الله؟! ألا يراقبون الله؟! ألا يخافون الله الذي أمدهم بالنعم، الذي أمدهم بالصحة والعافية، ورزقهم وأوجدهم؟! ألا يتقون الله؟! ذكروهم يا عباد الله، ذكروهم وقولوا لهم: إن أمامكم هادم اللذات، سوف يهجم عليكم على غرة، ثم تُنقلون إلى القبور، وفي يوم من الأيام تُعرضون على جبار الأرض والسماوات، فكيف حالكم وقد أضعتم فرائض الله؟! فاستعدوا لذلك اليوم يا عباد الله، إنه يوم يشيب منه الوليد، وتضع الحوامل حملها، ويفر الولد من والده, والوالد من ولده، والزوجة من زوجها، والزوج من زوجته، والابن من أمه، والأم من ابنها، إنه يوم عظيم. اللهم وفقنا للاستعداد لذلك اليوم، اللهم وفقنا للاستعداد لذلك اليوم. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لقد بعث الله رسوله عليه الصلاة والسلام على فترة من الرسل، فكان أول ما بدئ به الرؤيا الصالحة، ثم نزل عليه الوحي وهو في غار حراء يتعبد فيه، ثم أمره الله تعالى بتبليغ الدين، فلقي من قريش أشد الأذية والتكذيب، فجعل يعرض دعوته على القبائل، حتى أذن الله له بالهجرة إلى المدينة، فاستقر فيها حتى أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، فاختاره الله إليه في الرفيق الأعلى، فتوفي صلى الله عليه وسلم وهو قرير العين على أمته.

البشرى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم

البُشرى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، واشكروه على بعثة هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، وهداكم به من الضلالة، وأخرجكم به من الجهل إلى العلم، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن الظلم إلى العدل، إنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بشرت به الأنبياء، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6].

نزول الوحي والأمر بالدعوة

نزول الوحي والأمر بالدعوة أمة الإسلام: لقد بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، بعثه الله على رأس الأربعين من عمره {فأول ما بُدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بـ غار حراء فيتحنَّث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود إلى ذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثل تلك الليالي؛ حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ -أي لست بقارئ، لأنه أميٌ صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب- قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق:1 - 3] فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لـ خديجة وأخبرها الخبر وقال: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنَّك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عمها، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب بالعبرانية، ويكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمي! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك، أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي، ثم أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:1 - 7]}.

مبادرة أبي بكر بالإسلام

مبادرة أبي بكر بالإسلام قام صلى الله عليه وسلم، بأمر ربه تبارك وتعالى مبشراً ومنذراً، وكان أول من أجابه من غير أهل بيته أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وكان صديقاً لرسول الله قبل النبوة، فلما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، بادر إلى التصديق، بادر أبو بكر إلى التصديق بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقال: [[بأبي وأمي أهل الصدق أنت يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله]] وصار أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه من الدعاة إلى الإسلام حينئذٍ، فأسلم على يديه عثمان والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين.

مكايد قريش ضد الدعوة

مكايد قريش ضد الدعوة مكث نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سراً حتى نزل قول الحق تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] فصدع بأمر الله تعالى، وجهر بدعوته، فجعل المشركون يسخرون منه، ويستهزئون به ويؤذونه بالقول وبالفعل، وكان أبو طالب يحوطه ويحميه، وتوفي أبو طالب، وتوفيت زوجته خديجة رضي الله عنها، ولقي من المشركين أشد المضايقة، والاستهزاء والسخرية، وكان من أشد الناس له إيذاءً وسخريةً عمه أبو لهب وزوجته اللذان قال الله فيهما: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5] واشتد أذى قريش بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ بهم من الدناءة والرذالة أن ألقوا عليه فرث الناقة وسلاها، وهو ساجد يتعبد لله بجوار بيته الحرام، ولم يقدر أحدٌ على رفعه عنه، فلم يزل ساجداً حتى جاءت ابنته فاطمة رضي الله عنها، فألقته عن ظهره الشريف صلى الله عليه وسلم.

عرض الدعوة والإذن بالهجرة إلى المدينة

عرض الدعوة والإذن بالهجرة إلى المدينة ولما رأى الاستهانة وكثرة الأذى له ولأصحابه، أمر بعضهم بالهجرة إلى الحبشة، وخرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام، وقابل رؤساءهم وعرض عليهم الإسلام، ورد عليه أهل الطائف رداً قبيحاً، وأرسلوا غلمانهم وسفهاءهم يقفون في وجهه، ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه صلى الله عليه وسلم، ورجع عنهم ومدَّ يد الافتقار إلى العزيز الحكيم، إلى الواحد القهار، إلى ربَّ العزة والجلال، وتضرع إلى الله، أن ينصره وينصر الإسلام، فقيَّض الله له الأنصار، فبايعوه على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يمنعوه إذا قدم عليهم مما يمنعوا منه نساءهم وأبناءهم، عند ذلك وفي ذلك الحين أذن الله له بالهجرة إلى المدينة، وخلَّف على فراشه علياً رضي الله عنه وأرضاه، ليخرج إلى الهجرة، وقد عزمت قريش وعقدوا في دار الندوة، على أن يجمعوا من كل قبيلة شاباً وليترصدوا لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم حتى يقتلوه قتلةً واحدةً، ويتفرق دمه بين القبائل، فجمعوا أمرهم، ولكن الله أبطل كيدهم، فترصدوا له عند بابه ليفتكوا به إذا خرج، فخرج من بيته يذر على رءوسهم التراب وهو يتلو هذه الآية: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] وخرج رسول الله، ولما خرج وانتبهوا من عماهم ومن نومتهم التي أعماهم الله فيها، نظروا في البيت فإذا فيه علي رضي الله عنه وأرضاه، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج سالماً من شرهم، فخرج هو وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، في شهر ربيع أول , وقد اختفيا في غار ثور ثلاثة أيام، والمشركون يطلبونهم من كل وجه، حتى كانوا يقفون على الغار الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيقول أبو بكر {يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما} الله أكبر.

استقبال أهل المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

استقبال أهل المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى المدينة بحفظ الله ورعايته، بعد أن خرجوا من الغار سالمين، فلما سمع الأنصار رضي الله عنهم بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلوا يخرجون كل يومٍ إلى حرة المدينة ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النور في إشراقته، فاجتمعوا إلى رسول الله وهم يرددون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع أو كما قالوا رضي الله عنهم في استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محيطين به متقلدين سيوفهم، وخرج النساء والصبيان وكل واحدٍ يأخذ بزمام ناقته يريد أن ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {دعوها فإنها مأمورة} حتى إذا أتت محل مسجده اليوم، وهو المسجد النبوي الشريف، فعندما وصلت ذلك المكان المبارك بركت فيه، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكن دار أبي أيوب الأنصاري حتى بني المسجد وبنُيت مساكنه.

التمكين للدين وموت الرسول صلى الله عليه وسلم

التمكين للدين وموت الرسول صلى الله عليه وسلم ثم لما استقر وأذن الله له بقتال الأعداء، وكان في المدينة ثلاث فرقٍ من اليهود، فقاتلهم رسول الله وأجلاهم عن المدينة وطهَّر المدينة منهم صلى الله عليه وسلم، وقاتل الأعداء أعداء الدين من قريش وغيرهم الذين كانوا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فأظهره الله عليهم، وأيده بنصره وبالمؤمنين، ولما أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على المؤمنين، أراد الله أن يختاره إلى جواره في الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فابتدأ به المرض في آخر شهر صفر وأول ربيع أول، وخرج إلى الناس عاصباً رأسه، وصعد المنبر، فتشهد وحمد الله وكان أول ما تكلم به بعد ذلك أن استغفر للشهداء الذين قتلوا في غزوة بدر وأحد، ثم قال صلى الله عليه وسلم: {إن عبداً من عباد الله خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله فلما قال صلى الله عليه وسلم تلك المقالة؛ فهمها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فبكى، وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر} ثم قال: {إن أَمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام ومودته، ثم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس} ولما كان يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول اختاره الله لجواره، فلما نزل به الموت، جعل يدخل يده في ماء عنده ويمسح به وجهه ويقول: {لا إله إلا الله، لا إله إلا الله! إن للموت لسكرات} ثم شخص بصره نحو السماء وكان يوصي في تلك الحالة الحرجة في آخر أنفاسٍ يلفظها من الدنيا، وهو يقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} ثم شخص بصره نحو السماء، وقال: {اللهم في الرفيق الأعلى} فتوفي صلى الله عليه وسلم، وخرجت روحه الشريفة، واضطرب الناس عند ذلك حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: [[أما بعد: فمن كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيٌ لا يموت ثم قرأ قول الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]]] فاشتدَّ بكاء الناس، وعرفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فغسِّل وكفُن صلى الله عليه وسلم في ثيابه، ودفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ليلة الأربعاء، صلوات الله وسلامه عليه. مات وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً وأبداً وسرمداً إلى أن نلقاه على الحوض. اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجمعنا به في دار كرامتك مع المؤمنين والصديقين والشهداء في جنات الفردوس الأعلى. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أمة محمد، أمة الإجابة، القابلة للحق الناهجة على الصراط المستقيم، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الآيات والمعجزات المؤيدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

الآيات والمعجزات المؤيدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أيد رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعجزات، والآيات البينات، واختصه بالفضائل الكثيرة والكرامات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى على جميع المخلوقات، المبعوث رحمةً للعالمين، وقدوة للسالكين إلى رب العالمين، إلى رب الأرض والسماوات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

معجزة القرآن الكريم

معجزة القرآن الكريم فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعرفوا ما أيَّد الله به نبيكم صلى الله عليه وسلم من الآيات والمعجزات، فإن الله أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وأبلغ ما أوتيه صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم، ففيه عبرة لمن اعتبر، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفصل ما بينكم، اشتمل على ذكر أخبار الأولين والآخرين، واشتمل على الفصاحة والبلاغة التي عجزت عنهما مدارك الجن والإنس السابقين منهم واللاحقين.

السنة ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم

السنة ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أعظم ما خلَّف وورَّث لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنته المطهرة، فإن مات رسول الله، فإن سنته حية وباقية إلى يوم القيامة؛ المشتملة على سيرته في عبادته ومعاملاته وأخلاقه، فكان صلى الله عليه وسلم من أجود الناس وأشجعهم في الجهاد، وأصبرهم عند اللقاء وعند الدعوة إلى الله، وأحسنهم مجالسة، وألطفهم مكالمة، وألينهم جانباً، وأبلغهم في جميع صفات الكمال، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، تمسكوا به واقتدوا به يا عباد الله! وعضوا عليه بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، الزموا جماعة المسلمين، وإياكم والتفرق، إياكم والانحطاط. أمة الإسلام: إن الله عز وجل يأمركم أن تُصلُّوا على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدَّته، اللهم اجزه عن أمة الإسلام خير ما جزيت به نبياً عن أمته، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا؛ وجميع ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم قيِّض لولاة أمور المسلمين جلساء صالحين ناصحين؛ يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، ولا مغيرين، ولا مبدلين، اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا، وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، في جناتك؛ جنات الفردوس الأعلى، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين! اللهم ارفع عن الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

يسروا الزواج

يسروا الزواج الزواج أصبح اليوم من الأمور المتعسرة عند الشباب، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حث ودعا إلى المسارعة إلى الزواج. والله قد وعد -ووعده الحق- بأن من كان فقيراً وتزوج يريد العفاف، فالله جل وعلا سيغنيه من فضله. ومن القصص العجيبة: قصة عمر بن الخطاب عندما كان يبحث لابنته عن زوج، وسعيد بن المسيب يزوج ابنته لأحد طلابه الفقراء رغم أنه قد طلبها ابن السلطان. وينبغي لكل متزوج أن يتجنب الشائعة وأن يبتدئ حياته الأسرية بطاعة الله لا بمعصيته.

دعوة إلى المسارعة بالزواج

دعوة إلى المسارعة بالزواج الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الشأن العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، واعلموا -يا أمة الإسلام- أن الله جلَّت قدرته ما أنزل القرآن إلا لتعملوا بمحكمه، وتؤمنوا بمتشابهه، وتقولوا: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] ففي القرآن كل دلالة على الخير، وكل تحذير من الشر، وإنما تحصل الدلالة على الخير للمؤمنين: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. أمة الإسلام! في كتاب الله آية كريمة تعالج مشكلة اجتماعية تكلم عنها العلماء، وأطنب في ذكرها الخطباء، وعاتبني فيها بعض الناس، يقول: إنك لا تتعرض لها، فما هي؟ هي الواقع المرير الذي يعيشه كل ذكر وأنثى محروم من الزواج، تلك هي مشكلة: (الزواج) فهو أمر فطري تدعو إليه الطباع والغرائز، وتترتب عليه عمارة الكون، وقد كان من الواجب أن يصبح أمره ميسراً ليكون باستطاعة كل فرد أن يقدم عليه مهما كان وضعه غنياً أو فقيراً، أميراً أو صعلوكاً، امتثالاً لأمر الله جلَّ وعلا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32]. ففي الآية الكريمة ندب وحث على تزويج الأيامى، والأيامى: جمع أيم، وهي: المرأة لا زوج لها، والرجل لا زوج له. وكذلك في هذه الآية الكريمة الوعد الصادق من رب العالمين الذي لا يخلف الميعاد، الوعد بالغنى والخير لمن يتزوج ليريد العفاف. أيضاً في الآية الكريمة قطع لحجة الذين يقولون: لا نتزوج حتى نحصل على ما يكفل الحياة السعيدة، فهذا ادعاء باطل، فإن الحياة وما فيها من الأرزاق بيد الحي القيوم القادر على كل شيء، وقد أخبرنا نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه: {لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها} فعليك -أيها المسلم- أن تفعل الأسباب، وتستعين بالله -جلَّ وعلا- في طلب الرزق، وتعلم حق اليقين! أن رزق الله لا يأتي به حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره، ثم ليعلم الماديون -أهل الطمع والجشع- أن الرازق والمعطي هو الله وحده لا شريك له، فإنه قادر أن يغني فقيراً ويفقر غنياً. فهذا رد على أهل النظرة الخاطئة الذين يقولون: لا نزوج فقيراً يزيده الزواج فقراً لفقره، هذا إذا اجتمع (مجلس الوزراء الداخلي) الأم والأب وبعض الأقارب الذين يريدون أن يمتصوا هذا المهر -مهر هذه الفتاة- ثم يجتمع هذا المجلس على أمر خطير كلٌ يدلي برأيه، هذا يقول: فقير، وهذا يقول: خضيري، وهذا يقول: قبيلي، وهذا يقول: طويل، وهذا يقول: عريض، وهذا يقول: اشترطوا عليه التلفاز، وهذا يقول: اشترطوا عليه الفيديو، وهذا يقول: اشترطوا عليه محلاً واسعاً، ولا نرضى المطرقة ولا نرضى الزرادية. مع الأسف الشديد من المطرقة؟ هو الأب الذي قضى حياته ليرى هذا الابن سعيداً في هذه الحياة، يكد ليله ونهاره ليجمع له لقمة العيش، ومن هي الزرادية -أو كما يقولون: الكولة-؟ هي: الأم المسكينة التي حملته في بطنها تسعة أشهر، وضمته في حجرها وجعلته له سريراً، لا تتلذذ بالنوم ما دام هذا الابن صاحياً يتململ، فهي كأنها تحس بهذا الملل، ثم بعد ذلك يشترط هذا المجلس -الذي لا بارك الله فيه- يجتمع فيه الأم والأب وبعض القرابة، ويقولون: لا نريد الشاكوش ولا نريد الكولة. الله أكبر! أين المسلمون؟ أين الإسلام؟ من هؤلاء الذين يعينون على قطع الأرحام، وعلى قطع الصلة بين القرابة، وعلى عقوق الوالدين؟ إنها مصيبة عظمى يا عباد الله! متى نتخلص من هذا؟ نتخلص من هذا إذا قطعنا المسلسلات الخبيثة التي تحارب الأم والأب، وتحارب تعدد الزوجات، إذا قطعنا هذه المسلسلات التي جرأت الأطفال على السرقة، وعلمتهم شرب الدخان، وعلمتهم ترك الصلاة، وعلمتهم العقوق، ورفع الأصوات على الوالدين، إذا قطعنا هذه المسلسلات ورجعنا إلى رب العالمين؛ فإننا سوف نعرف رشدنا. أمة الإسلام: إن الزواج أصبح في هذه الأزمنة المتأخرة مشكلة معضلة، وليس هذا عن قلة الفتيات، ولكن عن وجود ما ذكرت لكم من هذه الأمور القاطعة، ومن هذه الأمور التي تعوق الشاب أن يقدم ليحصل على فتاة يعف بها نفسه، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء}.

يسر الزواج عند السلف وعسره في زماننا

يُسر الزواج عند السلف وعسره في زماننا عباد الله: لا تنظروا إلى هذه النظرة الخاطئة التي تقول: لا نزوج فقيراً يزيده الزواج فقراً لفقره، بل يجب عليك إذا كنت غنياً قد أمدك الله بالمال أن تبحث لهذه الفتاة عن زوجٍ تقيٍ ديّنٍ أمينٍ عفيفٍ تزوجه هذه البنت، حتى إذا جاءك الأجل مت وأنت قرير العين مرتاحاً.

مبادرة عمر بن الخطاب إلى تزويج حفصة

مبادرة عمر بن الخطاب إلى تزويج حفصة يا عبد الله: هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعل ذلك، جعل يبحث لـ حفصة بنته، عرضها على عثمان، وعرضها على أبي بكر رضي الله عنهما، ويسر الله لها خير الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم.

سعيد بن المسيب يزوج ابنته لأحد طلابه

سعيد بن المسيب يزوج ابنته لأحد طلابه سعيد بن المسيب سيد التابعين -رحمه الله تعالى- لما انقطع عنه طالب من طلاب العلم، فسأله عن انقطاعه؟ فقال: كنت أمرض زوجتي وتوفيت، فقال: هل تريد أن أزوجك ابنتي؟ فجعل يُفكِّر في أن ابن السلطان طلبها منه فمنعه عنها، وما منعه عنها يريد الدنيا ولا الطمع، ولكنه يريد الدين والعفة، فقال: هل تريد أن أزوجك ابنتي؟ فقبل هذا الطالب، وتأخر ثلاثة أيام يهيئ لهذه البنت المكان، وما درى إلا وسعيد بن المسيب يطرق عليه الباب، وقال: السلام عليكم! قال: من بالباب؟ قال: سعيد، فجعل يفكر من سعيد؟ لأن سعيداً كان من المسجد إلى بيته أربعين سنة، من سعيد؟ قال: سعيد بن المسيب، وفتح الباب، وأدخل عليه زوجته، ودعا له. الله أكبر يا عباد الله! ليس عيباً أن تبحث لابنتك أو أختك إن كانت يتيمة وكانت في حجرك، ليس عيباً أن تبحث لها عن زوج تقي! نعم. إنما العيب أن تأتي بالسائق يذهب بها إلى المدرسة وإلى المستشفى وحدها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك أشد النهي، هذا هو العيب -يا عبد الله- إن كنت تعرف العار والعيب. نعم! تزوج -يا عبد الله- لا يغرك الذين يقولون: لا تتزوج حتى تهيئ البيت السعيد، وحتى تجمع المادة!! لا. بل تزوج والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقك وتكفَّل برزقك، يقول جلَّ وعلا: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6].

قصص لمن حرم الزواج

قصص لمن حرم الزواج يا عبد الله: بادر بزواج هذه الفتاة، حتى تحظى بالأجر العظيم. يقول لي بعض المشايخ الثقات: زار رجلٌ أختاً له بالمستشفى، وقد تقدم بها السن ولم تتزوج، ولما أراد أن يزورها في آخر لحظة، قالت: اقترب مني يا أخي! فلما اقترب منها، قالت: حرمك الله الجنة كما حرمتني من الزواج، وفاضت روحها، فجعل يطرق الأبواب ماذا يعمل؟ أفتوني أفتوني؟ ولكن هيهات هيهات! فات الأوان يا عبد الله! ورجل أراد أن يكوي امرأة فيها مرض الجنب، فلما اقترب منها وإذا هي متقدمة في السن، قال: ارفعي ثديك إن كنت ترضعين ولدك، قالت: يا شيخ! أنا لم أتزوج إلى الآن، وحرم الله من حرمني من الزواج من الجنة. هكذا تدعي عليكم البنات والأخوات وأنتم لا تدرون يا مساكين! أنت أصبحت حياتك أنه إذا ظهر راتبها ذهبت لتأتي به من البنك، وما تدري ماذا تقول لك؟ لعلها تدعو عليك بكل درهم من هذه الدراهم دعوة، وأنت لا تدري يا مسكين! نعم والله، ما أديت حق الله فيها إذا كنت ربيتها وأدَّبتها فابحث عن زوج لها، لا تأخذ ما صرفته عليها. بعض الناس يقول: لماذا لا نأخذ من الراتب؟! نأخذ من راتبها وإذا استمتعنا خمس سنوات أو ست سنوات نزوجها، ثم يأتي إنسان يخطبها وقد صارت في السن متقدمة، فهل يقدم صاحب سن العشرين على أم الأربعين؟ لا والله. إلا إذا كان فيه نقص أو عيب ورده الناس فإنه عند ذلك يفرح ويتزوج بهذه. وإن كان البعض يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من خديجة وهي في الأربعين من عمرها وهو صلى الله عليه وسلم في الخامسة والعشرين من عمره نقول: صحيح. ولكن هل يوجد في زماننا هذا؟ لا يوجد. تقول المرأة: أريد شاباً وقد تقدمت في السن، وإذا جاء رجل يريد أن يخطب ومعه امرأة، قالوا: لا نريد التعدد، لماذا؟ لأننا سمعنا في فلم أذيع في التلفاز أنه يحارب التعدد وأنه يجلب للزوج الجنون -مع الأسف الشديد- فقاتل الله أعداء الإسلام وأعداء المسلمين كما غزونا فكرياً، قاتلهم الله ثم قاتلهم الله.

تعسير الزواج سبب للفتن

تعسير الزواج سبب للفتن عباد الله: اتقوا الله عز وجل، يقول أبو بكر رضي الله عنه: [[أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى]] ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[التمسوا الغنى في النكاح]] ويقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة حقٌ على الله عونهم، ومنهم: الناكح يريد العفاف}. وهذه: {امرأة أهدت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها صلى الله عليه وسلم، وكان عنده رجل جالس، قال: زوجنيها يا رسول الله! قال: هل عندك شيء؟ قال: لا. قال: التمس ولو خاتماً من حديد قال: ولا خاتماً من حديد -فزوجه بتلك المرأة بأي شيء يا عباد الله؟! - فقال له: تعلمها ما معك من القرآن وهذا مهرها}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير} أي فتنة أكبر من هذه يا عباد الله؟ ففي هذا التوجيه القيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنذار والتحذير من واقعنا المرير الذي وقع فيه الكثير من الناس، من التأخر في الزواج، ومن المتاجرة في الفتيات، والمباهات في المغالات في المهور، حتى أثقل كاهل الشباب، وتقاعسوا عن الزواج، وصار البعض من الشباب -اسمعوا هذه الفتنة، وهذا الشر الكبير، وهذا الفساد الكبير الذي خافه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم- لا يفكر إلا أن يحصل على قليل من النقود، فيذهب خارج البلاد ليقضي وطره في تلك البلدان التي فيها الإباحية والزنا واللواط، وفيها مسارح العار والشر المستطير، ثم يرجع حاملاً معه كل فتنة وشر وهلم جرا. فلو تعاون الشباب وأولياء أمور الفتيات لكان ما ينفق في الفساد خارج البلاد فيه كفاية، أما إذا دام الوضع هكذا الفتيات يحجر عليهن في البيوت، الأب يشترط ألا يزوجها حتى يأخذ قسطاً من راتبها، وهي في البيت، تمر عليها السنون تلو السنين، والشباب يتقلب على جمر نيران الشهوات، أتعبوا السيارات بالتفحيط، وأذهبوا أخلاقهم بما لا يرضي الله ولا رسوله، كل هذا من نار الشهوات التي ثارت في قلوبهم، وأنتم تعلمون ما فتح الله علينا من الدنيا، ومن هذه المأكولات التي تهيج الشباب، والتي تأجج نار الشهوة في الشباب، هذه المأكولات التي لم تمر على أسلافنا من قبل، ولمَّا كان أسلافنا -آباؤنا وأجدادنا- حياتهم دائماً تعب وهم يشتغلون، وطعامهم قليل، لا تراهم يفكرون في الفساد، ترى الرجل منهم يفرح بالساعة التي يرتاح فيها، أما نحن لما كثرت عندنا المأكولات والمشتهيات والفراغ والماديات صار الكثير من الشباب لا يهمه إلا ممارسة الفساد، كيف لا وهو يعيش بين أشرطة الفيديو والسينما والصور الخليعات والمجلات الماجنة؟ التي طالما تمناها أعداء الإسلام لإفساد المجتمع المسلم، والتي يميتون بها القيم والآداب الإسلامية. هذه المسلسلات يحبذون بها حلق اللحية، يحبذون بها الخنفسة، يحبذون بها التختم بالذهب، وتعليق السلاسل في العنق وغيرها من العادات الآثمة التي تشن حربها على الآداب الإسلامية، وعلى الأخلاق الفاضلة، فمتى نستيقظ يا عباد الله؟! ومتى نرجع؟! ومتى نفكر أن أعداء الإسلام وأعداء المسلمين هم لنا أعداء، بما ينشرون وما يبثون وما يرسلون؟ متى نستيقظ يا عباد الله؟! نستيقظ إذا رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلنا حلقاً نتذاكر فيها كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح، فإلى ذلك -يا عباد الله- والمسابقة المسابقة. هداني الله وإياكم سواء السبيل، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وجنبنا وإياكم ما يبغضه ويأباه، إنه على كل شيء قدير، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

البحث عن الزوجة الصالحة

البحث عن الزوجة الصالحة الحمد لله، أحمده سبحانه وأستعينه وأستهديه، وأستغفره وأتوب إليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير} ويقول صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة} ويقول صلى الله عليه وسلم: {تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك} ذات الدين! لا تطلب التلفاز والسينما والفيديو والخادمة. يا عبد الله! تشترط عليك بعض النساء إذا أردت أن تتزوجها، تقول: في بداية الأمر خادمة، أين نجعل الخادمة؟ في البيت، وأين أنتِ؟ تذهبين إلى العمل، ثم يبقى الزوج مع الخادمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}. فعلينا -يا عباد الله- أن نتنبه لهذه النقاط التي أتانا الشيطان منها ونحن لا ندري. أوضح صلى الله عليه وسلم في الحديثين السابقين أن الذي يراعى فيه هو جانب الدين، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: {فاظفر بذات الدين تربت يداك} وقوله صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة} المرأة الصالحة التي تعينك على طاعة الله، تحفظك إذا غبت عنها، وتدوم عشرتها؛ لأنها إذا ذكرت وعد الله ووعيده ازدادت حباً لزوجها الدَّين المتمسك بدين الله، أما غير ذات الدين؛ فإنك تسمع منها كلاماً لا يرضي الله ولا رسوله، نسأل الله عز وجل أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، إنه على كل شيء قدير.

حرمة التبذير في الأعراس

حرمة التبذير في الأعراس عباد الله: هناك مصيبة عظمى يرتكبها بعض الناس، وهي ما يوجد من الولائم التي تشبه الكثير من الناس فيها بالشياطين؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] ما هو الداعي -يا عبد الله- إلى أن تستأجر هذا الفندق لليلة الزواج؟ هل فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل فعل هذا أبو بكر الصديق؟ هل فعل ذلك عمر بن الخطاب؟ هل فعل ذلك عثمان بن عفان؟ هل فعل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ لا. ثم لا. ثم لا. إذاً: لأي شيء نرجع؟ نرجع إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور} اسمعوا يا عباد الله! الخطاب لكل مسلم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فيقول له صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحدثات الأمور، فالذي يقع الآن كله -والله- من محدثات الأمور، ومن البدع التي يحاربها الإسلام. أيها المسلمون: إن أكثر الناس اليوم تشبهوا بالشياطين، وأسرفوا والله لا يحب المسرفين، فما هو الداعي أيها المسلم لعمل تلك الولائم الهائلة الضارة بالمتزوج؟ هل تعلمون من هو المستفيد من هذه الولائم؟ A هي الحفر في البر والقفار، وذلك واقع، أكثر الناس اليوم يسرفون ويبذرون ثم يحملونها لإلقائها في تلك الحفر، وربما وضعت في المزابل مع حفائظ الأطفال، هذا واقع المسلمين الآن، فلا حول ولا قوة إلا بالله! هل تدري -يا عبد الله- أن لك إخواناً يتمنون كسرة الخبز، يتمون التمرة التي طالما تمنوها وأنت تجعلها في القمائم مع الزبائل؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! عباد الله: عاقبة التبذير والبذخ وخيمة وأليمة، ألا فلنتق الله عز وجل، ولنقتصد قبل أن يحل بنا ما حل بالمجاورين من زوال تلك النعم حتى صاروا بعد الشبع جياعاً، ورجعوا إلى ما كانوا يرمونه في براميل النظافة، رجعوا يأكلونه ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأكلوا أشياء لا نذكرها، فكلكم تسمعون عنها وتقرءون في المجلات وغيرها {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:33]. اللهم إنا نعوذ بك من زوال النعمة، وتحول العافية، وفجاءة النقمة، اللهم اجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوما، وارزقنا التطبيق لما نسمع يا رب العالمين، اللهم ارزقنا التطبيق لما نسمع، فلعلنا نسمع في الأسبوع القادم -إن شاء الله- أن تكثر مناسبات الزواج، كل أب نصوح يبحث لابنته عن زوج صالح، فأسأل الله أن يحقق ذلك إنه على كل شيء قدير. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، امتثالاً لأمر رب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى علي صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أيقظنا من رقداتنا حتى نحذوا حذوا سلفنا الصالح يا رب العالمين، وما ذلك على الله بعزيز، إنما علينا أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد جاءني شاب يقول: أنا من زمن التاسعة في العمر، وأنا أستمع الأغاني حتى بلغت الثامنة عشر من عمري، وجعلت أستمع إلى أغانٍِ شيطانية أجنبية، حتى يقول: لا أعرف معناها، يقول: فصار يداخلني إذا سمعتها مثل القشعريرة حتى أني أبكي من سماع الغناء، أين هذا البكاء من سماع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} فاتق الله أيها الأب! خاف الله وراقبه! فإغضابهم في الدنيا أهون من أن يغضبوا عليك أمام رب العالمين، كيف بك إذا تعلق بك الابن، وتعلقت بك البنت، وتعلقت بك الزوجة، يقولون: يا ربنا! ظلمنا رب البيت، يا ربنا! ظلمنا هذا، والابن والبنت والزوجة تقول: ظلمنا، فيقول: يا رب! ما ظلمت، كيف أظلمهم وهو الليل والنهار يكد عليهم ليجد لهم لقمة العيش؟ فيقولون: لا. ولكنه رآنا على المنكر فلم ينهنا، ولم يأمرنا بالمعروف، فأعدوا لهذا السؤال جواباً، للجواب صواباً. فكروا يا عباد الله! اعمروا بيوتكم بطاعة الله، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، فإن الله جاعلٌ من صلاتكم في بيوتكم خيراً} ما هذا الخير؟ هو الاقتداء، يقتدي بك أهلك وأولادك، ولكن إذا كان البعض لا يصلي -والعياذ بالله- بعض الشباب الآن يقول: آباؤنا لا يصلون، فإنا لله وإنا إليه راجعون! بعض الأبناء يبكي لماذا تبكي أيها الابن؟ فيقول: أبي إذا رآني أصوم الإثنين والخميس يضربني، ويقول: افطر، حتى لا تكون موسوساً ولا مجنوناً. مع الأسف الشديد! أنت المجنون الذي تحارب هذه الفطرة، وهذا الخير الكثير، والله لو كانت الهداية تُشترى لاشتريناها ببعض طعامنا، ولكنها بيد الله عز وجل. أسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي ضال المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم ثبتهم على قول الحق يا رب العالمين، وأجرنا -جميعاً- يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شئ قدير، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا رب العالمين! اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم قيظ لهم الجلساء الصالحين الناصحين، الذين يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، وأشغلوا أنفسكم بذكر الله تحيا قلوبكم وتقربكم من الله، واشغلوها بالحمد والشكر والثناء على الله، فإن بالشكر تدوم النعم، وبكفرها تزول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

يوم الحشر

يوم الحشر إن يوم القيامة يوم تقلب فيه القلوب والأبصار، فيه من الشدة والأهوال ما الله به عليم، فهلا تفكرنا في وصف رب العالمين لأهوال هذا اليوم العظيم، وفي وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهذا اليوم الشديد فتعال بنا أخي الحبيب لنتأمل في هذا اليوم الرهيب في غضون هذه المادة.

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه، يوم يجمعهم يوم القيامة يوم القارعة يوم تزلزل الأرض زلزالها يوم الحاقة يوم الواقعة، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أحمدك اللهم وأشكرك، وأسألك أن تظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك، القائل: {يا أيها الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى، وتفكروا في يوم النفخ في الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:68 - 70].

النفخ في الصور

النفخ في الصور يصرح القرآن -كلام رب العالمين- بما سوف يكون يوم القيامة, وبما يحصل يوم القيامة، وقيل: ذلك مقدمات، وهن قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] وهذه هي النفخة الثانية، وهي نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم -الذي كان أولاً وهو الباقي آخراً- بالديمومة والبقاء، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ثم يقول جل وعلا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل, ويأمره أن ينفخ في الصور، وهي النفخة الثالثة، وهي نفخة البعث، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] الله أكبر! ترانا قياماً ننظر وننفض التراب من رءوسنا أحياءً بعدما كنا عظاماً ورفاتاً, صرنا أحياءً ننظر إلى أهوال يوم القيامة، وما يكون فيها من الأمور العظام، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:1 - 13]-نسأل الله من فضله- {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:13 - 14]. كل هذه الأهوال سوف تحصل في ذلك اليوم الرهيب, الذي تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت، وتضع فيه الحامل حملها، وتشيب فيه الولدان الصغار، الوليد الصغير الذي لم ينبت له شعر يشيب في ذلك اليوم العظيم، قال تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].

حال المؤمن والكافر يوم العرض على الله

حال المؤمن والكافر يوم العرض على الله لكن حَانَ وقت الامتحان، وقت العرض الأكبر على الله الذي لا تخفى عليه خافية: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] فجاء لفصل القضاء، مجيئاً يليق بعظمته وجلاله ليقضي بين العباد: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} [الحاقة:18] حفاةً عراةً غرلاً بهماً: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] ففي هذه اللحظة -عند العرض على عالم السر والنجوى- يتبين الرابح من الخاسر، والناجح من الراسب قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ} [الحاقة:19] رافعاً للكتاب بيمينه: {فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24]. أسأل الله الكريم من فضله. يا عباد الله: هل نتفكر في كلام رب العالمين؟! قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] ما الذي أسلفوه في الأيام الخالية؟! هل هو التفريط والتضييع أم طاعة الملك العلام؟! بل طاعة الله المطلع على السرائر والنجوى، المطلع على ما تخفيه الضمائر، فيا لها من سعادة أبدية، ويا له من فرح شديد بهذه النتيجة التي لا تحصل إلا لمن قام بالواجبات وأتى بالحسنات وعمل الصالحات، وخرج من الدنيا وقد حصل على حسن السيرة والسلوك مع الله؛ لأن الله يعلم السر والنجوى، ففي الدنيا تمشي -وإن كنت فاسقاً- إن كان لك واسطة تعطى حسن السيرة والسلوك، وإن كنت مؤذياً لعباد الله، وإن كنت ظالماً ومفسداً، فإنك تعطى حسن السيرة والسلوك في الدنيا، أما عند الذي يعلم السِّر والنجوى، فإنه لا يعطيك هذا السلوك إلا بعد الامتحان، بعد الطاعة وعمل الصالحات، فقد ورد في الأثر: يعطى المؤمن جوازاً على الصراط، بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان أدخلوه جنة عاليةً قطوفها دانيةً. الله أكبر يا عباد الله! يعطى المؤمن جوازاً على الصراط: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان، أدخلوه جنةً عاليةً, قطوفها دانيةً، فهنيئاً، ثم هنيئاً لمن كانت هذه عاقبته يوم يلقى الله، ويا خسارة ويا خيبة من رسب في ذلك العرض الأكبر وأعطي كتابه بشماله! فهو يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27] يقول ذلك وهو يتحسر وإن كان في الدنيا صاحب أموال، أو صاحب جاه، أو أعطي حسن سيرة وسلوك بواسطة الواسطة, فكل ذلك لا يجزي عمن عصى الله، فهو ينادي: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] عند ذلك وبعد أن اطّلع على النتيجة التي استحق بها الإهانة والإبعاد، أمر الله عز وجل الزبانية أن تأخذه عنفاً من المحشر، فتنقله، فتغله بالأغلال في عنقه، ثم تسحبه إلى جهنم، فتصليه ناراً حامية وبئس المصير. وقد ورد في بعض الآثار: أنه إذا قال الله عز وجل: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] ابتدره سبعون ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه، فهذا جزاء من عصى الله وتعدَّى الحدود، ولم يقم بحق الله عليه من طاعته وامتثال أوامره والإتيان بعبادته، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] لا يوجد بين الله وبين عباده واسطة، ولا نسب, من أطاعه دخل الجنة، بل أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالنذارة والبشارة، فمن أطاعه أدخله الله الجنة، ومن عصاه أدخله النار، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. اللهم توفنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين يا رب العالمين! أقول قولي هذا وأسال الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ممن يأخذ كتابه باليمين، وأن يدخلنا جنة النعيم إنه على كل شيءٍ قدير، وأسأله بمنه وكرمه أن يتوب علينا توبةً نصوحاً، وأن يغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها, صغيرها وكبيرها, أولها وآخرها، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وقفة مع حديث: (أنا سيد الناس يوم القيامة)

وقفة مع حديث: (أنا سيد الناس يوم القيامة) الحمد لله أمره بين الكاف والنون، أي: إذا قال للشيء: كن؛ فيكون, يأمر إسرافيل بنفخ الصور، فإذا هم قيامٌ من الأجداث إلى ربهم ينسلون، أحمد الله الذي لا إله إلا هو, يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ملكه، ولا في عبادته، ولا في ربوبيته، ولا ند ولا ظهير، ولا معين لله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن أمامكم القيامة وما فيها من الأهوال والأمور الفظيعة، يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون ممّ ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، فتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون} يا ليتنا نتفكر في ذلك اليوم، لو تفكرنا في ذلك اليوم؛ لاستيقظنا من رقدتنا، وانتبهنا من غفلاتنا، واقتصدنا في قتل أوقاتنا، يقول صلى الله عليه وسلم: {وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم؟ ألا ترون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، ويأتونه، فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة, ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة، فعصيت، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً عليه السلام، فيقول مثلما قال آدم: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقول مثلما قال نوح: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى ويقول مثلما قال إبراهيم: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقول مثلما قال موسى: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم}. أمة الإسلام: لنحمد الله الذي جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لنحمد الله ولنشكر الله ولنثني على الله، ولنقوم بالواجبات طاعةً لله وشكراً لله, الذي جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولنطيع محمد صلى الله عليه وسلم. {اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني، فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ثم ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي تحت العرش، ويقع ساجداً لرب العالمين، ثم يفتح الله عليه من المحامد وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبله صلى الله عليه وسلم، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطى، واشفع تشفع, فأرفع رأسي وأقول: أمتي يا ربِ أمتي يا ربِ}. الله أكبر! لا إله إلا الله! يقول أبو هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال لا إله إلا الله}. {فيقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى} متفق عليه.

الحث على اغتنام الأوقات والمسارعة في الخيرات

الحث على اغتنام الأوقات والمسارعة في الخيرات فيا عباد الله: اغتنموا الأوقات بصالح الأعمال، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، وسارعوا إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض، لا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها دارٌ وصفها الله في كتابه أنها دار غرور، دار متاع قليل، ولعب ولهو وممر وطريق إلى الآخرة، وكما هو الواقع -يا أمة الإسلام- فإن الدنيا دار مملوءة بالأكدار والمصائب والآلام والأحزان، دارٌ ما أضحكت إلا وأبكت، ولا سرت إلا وأساءت، دار نهاية، قوة ساكنها إلى الضعف، ونهاية شبابه إلى الهرم، ونهاية حياته إلى الموت، انظروا إلى أهل الملايين هل يدفن معهم شيء في قبورهم إلا ما قدموه من صالح الأعمال. عباد الله: سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، واتقوا الله جل وعلا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل هجوم هادم اللذات، ومفرق الجماعات قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران:102] ما أكثر ما نسمع هذه الآيات في أغلب فرائض الصلوات قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] ما هو ذلك الغد؟! هو يوم القيامة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] ثم ينهانا جل وعلا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] ثم فصل جل وعلا كلا الفريقين: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] فلو أنه ما يأتيك من الفوز إلا أنك تنجو من نار حامية, من نار وقودها الناس والحجارة لكفى. أمة الإسلام: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذ في النار. عباد الله: إن الله يأمركم أن تصلوا على من هو بأمته رحيم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} ويقول: {أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة وليلتها فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وقدوتنا وإمامنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى جميع الأصحاب والآل، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، واجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا إله إلا الله. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين المفسدين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين نأمر بالمعروف ونأتيه، وننهى عن المنكر ونجتنبه يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيننا بصلاح أولادنا ونسائنا، اللهم أقر أعيننا بصلاح أولادنا ونسائنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين. اللهم املأ قلوبنا من محبتك، ومن خشيتك، ومن معرفتك، ومن الأنس بقربك، واملأها حكمةً وعلماً يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك حبك, وحب من يحبك, وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة, إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، نسألك بأنا نشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام! نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ، ولا غرقٍ، اللهم سقيا نافعةً تحيي بها البلاد وتسقي بها العباد، وتجعلها بلاغاً للحاضر والباد. اللهم أحي بلدك الميت, اللهم انشر رحمتك على العباد يا من خزائنه ملأى، ويا من يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ، ولا غرقٍ. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلِّ سلم على نبينا محمد. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

يوم الفرقان

يوم الفرقان بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيراً لقريش قادمة من الشام بقيادة أبي سفيان، فخرج هو وأصحابه للتعرض لها، فعلم بذلك أبو سفيان، فأرسل إلى قريش يعلمهم الخبر، فخرجت قريش بألف مقاتل، وأراد الله أن يجمع بين الفريقين في معركة يعز الله فيها جنده، ويذل فيها جند الشيطان؛ فالتقى الجمعان على غير ميعاد، وأيد الله رسوله بنصر من عنده، وهزم الأحزاب وحده.

غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، أحمده سبحانه وأشكره، الذي أيّد رسوله والمؤمنين بنصره المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبلغ عن ربه البلاغ المبين، والذي جاهد في الله حق جهاده, اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، الذين فتحوا الفتوحات، ومصَّروا الأمصار، حتى انتشر دين الإسلام في كل مكان، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله: هذا شهر رمضان المبارك، إنه مبارك لما فيه من الخيرات، وهو الذي وقعت فيه غزوة بدر الكبرى، وهي أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سبب غزوة بدر

سبب غزوة بدر وسببها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَلَغه أن عِيْراً لقريش أقبلت من الشام بقيادة أبي سفيان، وفيها أموال عظيمة لقريش، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وأمر من كان ظهره حاضراً بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالاً بليغاً، أي: لم يأخذ لها الأُهبة؛ لأنه لم يرد بذلك قتالاً صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خرج مسرعاً في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ولم يكن معهم من الخيل إلا فَرَسان، فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الأسود، وكان معهم سبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزميلاه يعتقبون بعيراً، قال علي رضي الله عنه وكانت عُقبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {نحن نمشي عنك يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنتما أقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما} واستخلف على المدينة، وعلى الصلاة ابن أم مكتوم، فلما كان بـ الروحاء ردَّ أبا لُبابة بن عبد المنذر، واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، الشاب الذي مات شهيداً في غزوة أحد، ودفع الراية إلى علي رضي الله عنه، والأخرى التي للأنصار إلى سعد بن معاذ، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وسار صلى الله عليه وسلم، فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمر الجهني، وعدي بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبار العير.

خروج قريش لاستنقاذ القافلة

خروج قريش لاستنقاذ القافلة وأما أبو سفيان: فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخاً بقريش بالنفير إلى عيرهم؛ ليمنعوا عيرهم من محمد وأصحابه، وبلغ الصريخ أهل مكة، فنهضوا مسرعين، ولم يتخلف من أشرافهم أحد، سوى أبي لهب، فإنه عوَّض عنه رجلاً كان له عليه دين، وحشدوا فيما حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش، إلا بني عدي، فلم يخرج معهم منهم أحد، وخرجوا من ديارهم، كما قال الله تعالى: {بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:47] أقبلوا بحَدِّهم وحديدهم، جاءوا على حَرْدٍ قادرين، على حمية وغضب وحنَق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه رضي الله عنهم، لِمَا يريدون مِن أخْذ عيرهم، وقتْل مَن فيها.

استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج للمعركة

استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج للمعركة ولَمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش، استشار الصحابة رضي الله عنهم، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانياً، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثالثاً ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، فبادر سعد بن معاذ، فقال: [[يا رسول الله! كأنك تعرِّض بنا]] وكان في البيعة إنما بايعهم على أن يحموه من الأحمر والأسود في ديارهم، فلما عزم على الخروج استشارهم صلى الله عليه وسلم ليعلم ما عندهم، فقال سعد رضي الله عنه: [[لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها ألا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئتَ، وحِل حيث شئت، وصِلْ حبل من شئتَ، واقطع حبل من شئتَ، وخذ من أموالنا ما شئتَ، واعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركتَ، وما أمرتَ فيه من أمر فأمرنا تبع لأمركَ، فوالله، لئن سرت بنا حتى تبلغ البِرْكَ من غمدان، لنَسِيْرَنَّ معك، ووالله لئن استعرضتَ بنا هذا البحر، خضناه معكَ]]. وقال أيضاً المقداد رضي الله عنه -وهو من المهاجرين-: [[لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، ومن بين يديك، ومن خلفك]] فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسُر بما سمع من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال صلى الله عليه وسلم: {سيروا، وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيتُ مصارع القوم} فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر.

نجاة القافلة وإصرار قريش على القتال

نجاة القافلة وإصرار قريش على القتال أما أبو سفيان فلحق بساحل البحر ونجا بالعير، ولما رأى أنه قد نجا كتب إلى قريش: "أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم"، فأتاهم الخبر وهم بـ الجحفة، فهموا بالرجوع، فقال أبو جهل لعنه الله: والله لن نرجع حتى نقدم بدراً، فنقيم بها، ونشرب الخمور، وتغني على رءوسنا القينات، ونطعم من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك -الحمد الله الذي رد كيده في نحره، وجعله من أذل الناس- فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع، فعصوه، فرجع هو وبنو زُهْرة، فلم يشهدوا بدراً، فلم يشهد بدراً زُهْرِيٌُّ، فاغتبطت بنو زُهرة بعدُ برأي الأخنس، وأرادت بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل برأيه الأعمى الفاسد، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع، فسار المشركون سراعاً يريدون الماء. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وسعداً والزبير إلى بدر يلتمسون الخبر، فقَدِموا بعبدين لقريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فسألَهُما أصحابُه: من أنتما؟ قالا: نحن سقاة لقريش، فكره ذلك أصحابه رضي الله عنهم، وودوا لو كانا لعير أبي سفيان، ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته قال لهما: {أخبراني، أين قريش؟ قالا: وراء هذا الكثيب، فقال: كم القوم؟ فقالا: لا علم لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: كم ينحرون كل يوم؟ -أي: كم يذبحون من الذبائح؟ - فقالا: يوماً عشراً -عشراً من الْجَزور- ويوماً تسعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -بفراسته- القوم ما بين تسعمائة إلى الألف}.

تأييد الله المؤمنين بإنزال المطر

تأييد الله المؤمنين بإنزال المطر وفي ذلك اليوم أنزل الله عزَّ وجلَّ مطراً، فكان على المشركين وابلاً شديداً، منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلاً طهّرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطَّأ به الأرض، وصلَّب به الرمل، وثبَّت به الأقدام، ومهَّد به المنزل، وربط به على قلوبهم، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الماء؛ وذلك بمشاورة بعض الصحابة رضي الله عنهم، فنزلوا عليه شطر الليل، وصنعوا الحياض، ثم غوَّروا ما عداها من المياه، وبُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش يكون فيه على تل يُشرف على المعركة، ومشى في مواضع المعركة، وجعل يشير بيده: {هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى}.

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه وتأييد الله المؤمنين بالملائكة

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه وتأييد الله المؤمنين بالملائكة فلما دنا المشركون نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر، فاستقبل نبي الله القبلة. ثم مدّ يديه إلى القوي العزيز العلي العظيم، وجعل يهتف بربه: {اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض} فما زال يهتف بربه مادَّاً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فرده على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: [[يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك]] فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] فأمدَّه الله بالملائكة، واستنصر المسلمون بالله، واستغاثوا بالله، وأخلصوا لله، وتضرعوا لله، فأوحى الله إلى ملائكته: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:12] فنَعَس رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، وأخذ القوم النعاس، في حال الحرب، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فقال: {أبشر يا أبا بكر! هذا جبريل على ثناياه النقع -أي: على ثناياه الغبار- يقاتل في سبيل الله} وجاء النصر، وأنزل الله جنده، وأيد رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على القتال والصبر والثبات

الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على القتال والصبر والثبات ولما دنا العدو، وتواجه القوم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً، فوعظهم وذكَّرهم، بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظفر العاجل، وثواب الله الآجل، وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فقام عمير بن الحمام رضي الله عنه، فقال: {يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: نعم. قال: بخٍ بخٍ يا رسول الله! قال: ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها, قال: فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهنَّ، ثم قال رضي الله عنه: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قُتل} فكان أول قتيل في غزوة بدر. ثم حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب، واشتد القتال، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وذلك بإيحاء من الله- ملء كفه من الحصباء، فرمى بها وجوه القوم، وقال: {شاهت الوجوه} فلم تترك رجلاً منهم إلا ملأت عينيه، ومنخريه، وفمه، واشتغلوا بالتراب في أعينهم، وشُغل المسلمون بقتلهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ في شأن هذه الرمية، على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] , وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم. وانتهت المعركة، وقد أعز الله جنده، وانهزم المشركون وتساقطوا بأيدي المسلمين، منهم سبعون صريعاً، ومنهم سبعون أسيراً.

أحداث ما بعد معركة بدر

أحداث ما بعد معركة بدر

مصرع أبي جهل

مصرع أبي جهل ولما بردت الحرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من ينظر لنا ما صنع أبو جهل} فانطلق ابن مسعود رضي الله عنه، ووجده قد ضربه ابنا عفراء، شابان تعاونا على أبي جهل، فضرباه بسيفيهما رضي الله عنهما شابان لم يستعدا من شهر شعبان بالمكياج، والثياب الضيقة، والشعور الطويلة، حتى يتعرضا لنساء المسلمين في الأسواق التجارية في رمضان، في شهر الله المبارك- شابان أتيا على أبي جهل بسيفيهما، فضرباه، فخرَّ صريعاً على الأرض، لم يكونا مثل شبابنا الذين استعارهم بعض التجار ليكونوا في مقدمة المحلات ليغروا بهم النساء، ليسحبوا بهم النساء مع الأسف الشديد, والحزن المرير، والموت الفتاك، الذي قضى على الغَيرة وعلى الحياء، فإنا لله وإنا إليه راجعون! والله إن بعض التجار يستأجر بعض الشباب، ويختار الشباب الجرد المرد الحِسان، وإذا لم يجد في هذه البلاد استقدم من البلاد الأخرى، حتى يجتلب بهم النساء، ويجعلهم في مقدمة المحلات، فما هو العذر -يا عبد الله- للذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيعطي النساء ضحكة وابتسامة وكلاماً، ويقول: هذه هدية، وهذا لكِ دَين مؤخر، حتى يتعرف على المرأة ويجتذب المرأة بأسلوبه الخبيث، بأسلوبه الخاطئ، الذي أسأل الله جلت قدرته أن يهديهم ويبعدهم عن نساء المسلمين، أو يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، إنه على كل شيء قدير. ثم لا ننسى أن أهل المحلات الذين يصفون تلك الملابس حتى تعلو رأس المرأة، ثم تكون المرأة خلف تلك الصفوف من الملابس، ويحادثها ويمازحها، ويلمِّسُها، ويقبلها، وولي أمرها جالس في السيارة، أو مع السائق، والسائق معه طفل يحمله، والمرأة داخل المحل، يخاطبها صاحب المحل، يلمِّسُها، ويقبلها، والولي جالس في السيارة، أو مع زملائه، يلعب البَلُوْت، والكِنْكان، أو مع الخادمة في بيته، فإنا لله وإنا إليه راجعون!!. يا أمة الإسلام! أين الغَيرة؟! أين الغَيرة يا أمة الإسلام؟! هل دفنتم الغيرة؟! هل ذبحتم الغَيرة؟! أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أن يأتينا أبناء فارس والروم فيغزونا ويقتلونا بسلاحهم الفتاك، فإنا لله وإنا إليه راجعون! نعم، ابنا عفراء، هما اللذَان قتلا أبا جهل، فخرَّ فرعون هذه الأمة صريعاً، وأتى إليه ابن مسعود رضي الله عنه، وهو لا يزال في رمق من الحياة، وأخذ ابن مسعود بلحيته - ابن مسعود الذي يقول فيه رسول الله، وهو دقيق الساقين: {إنهما لأثقل من أحد في الميزان} - يأتي فيعلو صدر أبي جهل، ويمسك بلحيته، ويحز رأسه بالسكين، ويأتي به، ويضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: [[الله أكبر! الله أكبر! الحمد لله الذي صدق وعده, ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده]] فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {انطلق، أرنِيِه} فانطلقنا، فأريته إياه، فقال: {هذا فرعون هذه الأمة، الحمد لله}.

وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا القتلى

وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً القتلى وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى، فقال: {بئس عشيرة كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس} يقصد: الأنصار رضي الله عنهم، ثم أمر بصناديد قريش، أمر بالصرعى، أمر بالقتلى الذين قُتلوا في سبيل الشيطان، فسُحبوا إلى قليب من قُلُب بدر، فطرحوا فيه، ثم وقف عليهم، فقال: {يا عتبة بن ربيعة! ويا شيبة بن ربيعة! ويا فلان! ويا فلان! هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني وجدتُ ما وعدني ربي حقاً فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما تخاطب من أقوام قد جيَّفوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب} ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرصة ثلاثاً، وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثاً والعرصة: هي البقعة الواسعة بغير بناء.

رجوع الرسول إلى المدينة

رجوع الرسول إلى المدينة ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم مؤيَّداً منصوراً، قرير العين بنصر الله له، ومعه الأسرى والمغانم، فلما كان بـ الصفراء، قسّم الغنائم، وضرب عنق النضر بن الحارث بن كلدة؛ لأنه كان يؤذي المسلمين، ثم لَمَّا نزل بـ عرق الضبية ضرب عنق عقبة بن أبي معيط؛ لأنه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤذي المؤمنين، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مؤيَّداً مظفراً منصوراً، قد خافه كل عدو له بـ المدينة وحولها.

مصير أسرى بدر

مصير أسرى بدر وأما الأسرى: فإن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة فيهم، وكان سعد بن معاذ قد ساءه أمرهم، وقال: [[كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين، وكان الإثخان في الحرب أحبَّ إليَّ من استبقاء الرجال]] وقال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: [[أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل -أي: أخيه- فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان -يقصد: قريباً لـ عمر - فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها]] وقال أبو بكر رضي الله عنه: [[هم بنو العم والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فدية, فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام]] فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفدية، فكان أكثرهم يفتدي بالمال من أربعة آلاف درهم إلى ألف درهم، ومنهم من افتدى بتعليم صبيان أهل المدينة الكتابة والقراءة، ومنهم من كان فداؤه إطلاق أسير عند قريش من المسلمين، ومنهم من قتله النبي صلى الله عليه وسلم لشدة أذيته للمسلمين، ومنهم مَن مَنَّ عليه بدون فداء للمصلحة. هذه غزوة بدر يا أمة الإسلام! انتصرت فيها فئة قليلة على فئة كثيرة {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران:13] انتصرت الفئة القليلة؛ لأنها قائمة بدين الله، تقاتل لإعلاء كلمة الله, لا للوطنية، ولا للشعبية، ولا للعروبة، ولا ولا؛ تقاتل لإعلاء كلمة الله، لم تستعن بأحد من الأجانب، إنما استعانت بالله الحي القيوم، فنصرهم الله على أعدائهم. اللهم انصر الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، يا حي يا قيوم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

فضل العشر الأواخر من رمضان

فضل العشر الأواخر من رمضان الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

تحري ليلة القدر في العشر الأواخر

تحري ليلة القدر في العشر الأواخر فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واغتنموا مواسم الخيرات، واستغلوها بما يقربكم من الله تعالى، فهذا شهر رمضان، قد ذهب منه الثلثان، ولم يبق منه إلا الثلث، فتداركوا ما بقي منه بصالح الأعمال، بقي منه العشر الحسان، التي ترجى فيها ليلة القدر، التي قال الله فيها: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] قال بعض العلماء رحمهم الله: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها. ألف شهر -يا عباد الله- ثلاثة وثمانون عاماً، وأربعة أشهر، فالعمل في هذه الليلة لمن وفقه الله خير من العمل في ثلاثة وثمانين عاماًَ وأربعة أشهر. في الحديث الصحيح: {تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان} ولن تظفر -يا عبد الله- بهذه الليلة إلا إذا قُمتَ ليالي العشر كلها، فقد أخفى الله جل وعلا علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة، بالصلاة، والذكر، والدعاء، فيزدادوا تقرباً إلى الله تعالى وثواباً، وأخفى الله ليلة القدر في ليالي العشر اختباراً للعباد، ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها، حريصاً عليها ممن كان كسلاناً متهاوناً، يقول صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام}. عباد الله: اغتنموا هذه الأوقات الفضائل.

سنة الاعتكاف في العشر الأواخر

سنة الاعتكاف في العشر الأواخر عباد الله: اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدَّ المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها}. فمنها: الاعتكاف: فإنه كان يداوم عليه في العشر الأواخر حتى توفاه الله تعالى، يطلب فيها ليلة القدر، وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم، ولا يشتغل بهم ولهذا ذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أن المعتكف لا يُستحب له مخالطة الناس، ولا حتى لتعليم عِلم، بل الأفضل له الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وذكره، ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية، وإنما يكون في المساجد؛ لئلا يترك به الجمعة والجماعات؛ فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها، لذلك [[سئل ابن عباس، ترجمان القرآن، وحبر هذه الأمة عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد الجمعة والجماعة، فقال: هو في النار، ثم سأله السائل بعد شهر، فقال: هو في النار]]. أمة الإسلام: عليكم بالخلوة المشروعة لهذه الأمة، وهو الاعتكاف في المساجد، خصوصاً في شهر رمضان، وبالأخص في العشر الأواخر منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله، وعكف بقلبه وقالِبه على ربه، وما يقربه منه، فما بقي له همٌ سوى الله، وما يرضيه عنه؛ فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الاعتكاف يأمر بخباء، فيُضرب له في المسجد، يخلو فيه بربه عزَّ وجلَّ، فإذا صلى الفجر دخله، وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان الضرورية، وكان يُخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة، فترجله وتغسله، وهو في المسجد، وهي حائض، وكان بعض أزواجه تزوره وهو في معتكفه، فإذا قامت لتذهب قام معها يوصلها، وذلك ليلاً، ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف، لا بقبلة، ولا بغيرها، كل هذا تحصيل لمقصود الاعتكاف ووجهه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكَف موضع عِشْرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، وربما أتى بعضهم بتلفاز، وربما بعضهم أخذ الجريدة اليومية، فهذا لونٌ، والاعتكاف النبوي لون آخر. لله در القائمين بليلهم يدعون رباً للقليل شكورا قوم أقاموا للإله نفوسهم فكسا وجوههم الوسيمة نورا تركوا النعيم وطلقوا لذاتهم زهداً فعوضهم بذاك سرورا قاموا يناجون الحبيب بأدمُعٍ تجري فتحكي لؤلؤاً منثورا ستروا وجوههم بأستار الدجى ليلاً فأضحت في النهار بدورا وإذا بدا ليل سَمِعْتَ أنينَهم وشَهِدْتَ وَجْداً منهمُ وزفيرا يخافون من النار ويرجون من الله الجنة. تعبوا قليلاً في رضا محبوبهم فأراحهم يوم المعاد كثيرا الله أكبر! هؤلاء الرجال، ما عرفوا التمثيليات، ولا الأفلام، ولا البَلُوْت، ولا الكِنْكَان. مع الأسف الشديد كيف يقضي بعض الناس أوقاتهم في ليالي رمضان؟! النساء: في التبرج. وكبار السن: قد عكفوا على البَلُوْت، والكِنْكَان، إلا من رحم ربك, والشباب: عكفوا على الكرة وغيرها, والأطفال: لا تسمع لهم إلا الصيحات في الشتائم واللعنات مع الأسف الشديد. اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين. اللهم وفقنا، وأيقد في قلوبنا نار الغيرة ومحبتك، يا رب العالمين؛ حتى نعرف قدر هذه الأشهر المفضلة، ونرجع إليك يا ربنا. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، الذي ترككم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوا عليه وسلموا تسليماً، فقد أمركم بذلك رب العزة والجلال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك، وإحسانك، يا رب العالمين. اللهم يا واحدٌ أحد، يا فردُ يا صمد، يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا عليُّ يا عظيم، يا حليمُ يا عليم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، يذل فيه أهل الخنافس، وأهل المغازلة، الذين آذوا الناس في أعراضهم، وفي بناتهم، وزوجاتهم، وفي بيوتهم بهواتفهم. اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد والعناد، يا رب العالمين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه, اللهم اجعلنا وإياهم ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه. اللهم قَوِّ دعائم الأمر بالمعروف، اللهم قَوِّ دعائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اللهم من وقف أمام أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخذه -يا رب- أخذ عزيز مقتدر، وأرح منه البلاد والعباد، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والتبرج والسفور، وجميع الفتن التي ظهرت في أسواقنا، وفي بيوتنا، وفي قلوبنا، يا رب العالمين. اللهم رب محمد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، وأجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن. عباد الله: أكثروا من ذكر الله عزَّ وجلَّ، اذكرو الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وأكثروا من سؤال الله الجنة، وتعوذوا بالله من النار، وأكثروا من الاستغفار. اللهم تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم, اللهم صلَِّ على نبينا محمد.

استقبال شهر رمضان [1]

استقبال شهر رمضان [1] شهر رمضان شهر التوبة والغفران، تضاعف فيه الحسنات، وتغفر فيه السيئات، وترتفع فيه الدرجات وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، فينبغي الاستعداد له بما يحبه الله ويرضاه.

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان الحمد لله الذي جعل شهر رمضان غرة وجه العام، وأجزل فيه الفضائل والإنعام، وشرف أوقاته على سائر الأوقات، وفضل أيامه على سائر الأيام، وخصه على سائر الشهور بمزيد من الفضل والإكرام، وعمر نهاره بالصيام، ونوَّر ليله بالقيام، أحمده وأشكره على إحسانه العام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المُتفرد بالكمال والتمام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وأتقى من تَهجد وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

اختصاصه بالصيام ونزول القرآن فيه ومضاعفة الحسنات

اختصاصه بالصيام ونزول القرآن فيه ومضاعفة الحسنات فيا عباد الله! أمة الإسلام! يطل عليكم بعد أيام قليلة شهر كريم، وموسم عظيم، خصه الله تعالى على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، أنزل الله فيه القرآن العظيم، والذكر الحكيم، وفرض صيامه على أمة الإسلام، شكراً على هذا الإنعام والفضل العميم، جعل صيامه أحد مباني الإسلام التي لا يقوم على غيرها ولا يستقيم. وسن لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم قيامه، وهو شهر الخيرات والبركات، شهر إجابة الدعوات، شهر إقالة العثرات، شهر مضاعفة الحسنات، شهر الإفاضات والنفحات، شهر إعتاق الرقاب الموبقات، شهرٌ لا يُعدل به سواه من الأوقات. الحسنة فيه بألف حسنةٍ فيما سواه، والفريضة فيه تعدل سبعين فريضة لمن تقبل منه مولاه. فيا ذوي العقول السليمة، والهمم العالية، والمطالب الرفيعة السامية، اغتنموا أوقات شهر رمضان بالجد قبل فواتها، واعزموا على هجر البطالات.

فضل من صامه وقامه لله

فضل من صامه وقامه لله عباد الله! استقبلوا شهر رمضان بنية واحتساب، وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم فيما صح عن أنه قال: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه}. أمة الإسلام! لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: {قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب الجحيم, وتُغَل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم}. ذُكر في بعض الآثار: أن لله تعالى موضعاً حول العرش يسمى: حظيرة القدس، وهو من نور، وفيه ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله عزَّ وجلَّ يعبدون الله لا يفترون ساعة، فإذا كانت ليالي رمضان استأذنوا ربهم عزَّ وجلَّ أن ينزلوا إلى الأرض، ويحضروا مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم صلاة التروايح، فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، لما سمع عمر رضي الله عنه ذلك قال: [[نحن أحق بهذا الفضل والأجر]] فجمع الناس على صلاة التراويح رضي الله عنه وأرضاه.

شهر رمضان موسم خير

شهر رمضان موسم خير نعم يا عباد الله! إن شهر رمضان الذي اختاره الله عزَّ وجلَّ زمناً لنزول القرآن، وانطلاقة الإيمان، وفرق فيه يوم بدر بين الحق والباطل، وانتقلت فيه الأمة من أمة حيرى متلطخة بأدران الوثنية، إلى أمة مستنيرة مهتدية بنور الإيمان، تتلقى تعاليمها من السماء بواسطة الوحي إلى النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، لا تدين إلا لله الواحد القهار وحده لا شريك له، وحينئذٍ ومنذ أن وُجد هذا الشهر، ونزل فيه القرآن في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر، وبركاته تتوالى على المسلمين، فلقد حصل فيه يوم الفرقان، يوم بد ر، يوم غزوة بدر الكبرى، التي فرق الله فيها بين الحق والباطل، حصل في رمضان فتح مكة، الذي دخل الناس بعده في دين الله أفواجاً، فكما كان موسماً وزمناً لتلكم الفضائل والعبادات والوقائع الإسلامية، فهو لا يزال ولن يزال موسم إفضال وإنعام، موسم تحولٍ من غفلة وصدود إلى انتباه وإقبال على الله، موسم تحولٍ من رذيلة إلى فضيلة، موسم تحولٍ من تمادٍ وانهماك في الماديات، إلى تحليق في سماء الروحيات. وحري بهذه الأشياء أن توجد من نفس صاحبها نفساً روحية تحلق به في الدنيا مع عالم السماء الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون, وفي الآخرة مع الذين قال الله فيهم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} [النساء:69 - 70]. فاتقوا الله أيها المسلمون! واشكروه على ما منَّ به عليكم من إدراك هذا الشهر الكريم، والموسم العظيم، وتلقوه بنية صادقة، وعزم على الرشد، ورغب واستبشار، تلقوه بنفوس متهيئة لاستقباله بالتوبة الصادقة النصوح، والتطهير الشامل الكامل، بالعزم على فعل الفضائل، ومجانبة الرذائل. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، الملك المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام. أهل علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ووفقنا للصيام والقيام يا رب العالمين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الاستعداد لرمضان

الاستعداد لرمضان الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه، وأستغفره وأتوب إليه، وأعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

الاستعداد لرمضان بالتهيؤ للطاعة لا للمآكل والملاهي

الاستعداد لرمضان بالتهيؤ للطاعة لا للمآكل والملاهي فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله! قد اقتربت أيام شهر رمضان المبارك الذي يستعد له الجميع. فالمسلمون المؤمنون الصادقون يتأهبون لزيادة صلتهم بالله، عن طريق الصيام والقيام، وتلاوة القرآن، وسائر القربات إلى الله، فمن قام بهذه الأعمال بإخلاص نية لله عزَّ وجلَّ محتسباً الأجر، فقد تاجر مع الله، وسوف يربح غداً يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. أما الذين يستعدون لشهر رمضان باللهو والسهر والمتعة، ويعدونه شهر مجون وخلاعة، وشهر تنوع للمأكولات والمشروبات، فهؤلاء قد أسرتهم شهواتهم، وقيدتهم الذنوب والمعاصي، فلم يزدادوا بهذا الشهر المبارك إلا بُعداً عن الله عزَّ وجلَّ. أمة الإسلام! إن العبودية الصادقة لله عزَّ وجلَّ تعني أن يشعر المرء بالحب والذل والخضوع لله سبحانه وبحمده، وبهذا الحب والخضوع والذل، يخلِّص الإنسانُ نفسَه لخالقه جل وعلا، فيلتزم بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ولا يمكن أن يأتي عملاً يُفقِد عبادتَه لله، أو يحبط عمله الصالح الذي يبتغي به وجه الله سبحانه وبحمده؛ لذلك فإن المسلم الصادق ينتهز فرصة شهر رمضان ليجدد إسلامه، ويستوثق الإيمان، ويقوم بطاعة الله عزَّ وجلَّ. أمة الإسلام! لنحي شهر رمضان بقلوب مملوءة بالإيمان والحب، فنقول: أهلاً بك يا شهر رمضان، أهلاً بك يا شهر الصيام والقيام، أهلاً بك يا شهر تلاوة القرآن, أهلاً بك يا شهر عمارة المحراب، أهلاً بك يا شهر الرحمة، أهلاً بك يا شهر المغفرة، أهلاً بك يا شهر العتق من النيران. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله! إنه لا يخفى على الجميع ما أُصِبْنا به من موت إمام المسلمين خالد بن عبد العزيز، فلا يسعنا إلا أن نصبر ونسلِّم للقضاء والقدر، ونقول كما أمرنا الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]. اللهم اجعل الولاية في عقبه خير ولاية، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نُزُله, ووسع مُدخله، وغسِّله بالماء والثلج والبرد، واجزه عن المسلمين خير الجزاء؛ لما قام به من جُهد وأداه من واجب. اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره، اللهم أصلح ولاة أمورنا، وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، والجلساء الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، الذين يذكرونهم ما نسُوا، ويعينونهم إذا ذَكَروا، يعينونهم على الخير ويحذرونهم من الشر. اللهم وفقنا وإياهم لفعل الخيرات وترك المنكرات، والتمسك بالكتاب والسنة يا رب العالمين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، ولا تجعلنا وإياهم ضالين ولا مضلين. اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولوالدِي والدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

استقبال شهر رمضان [2]

استقبال شهر رمضان [2] صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، وينبغي للصائم أن يحفظ صومه عما يجرحه، وأن يعمره بالطاعة، وأن يجتنب المعاصي والذنوب، فإن الحكمة من الصوم أن يغرس الصائم في نفسه خلق التقوى، ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

الحث على الصلاة

الحث على الصلاة الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الآداب، وأنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب، وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين هديه حجاب، أحمده وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العزيز الوهاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

الحفاظ على الصلاة وفي جماعة

الحفاظ على الصلاة وفي جماعة فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وراعوا آداب الصيام، وحافظوا عليها، وقوموا بما أوجب الله عليكم من العبادات القولية والفعلية، التي من أهمها وآكدها الصلاة المفروضة التي هي آكد أركان الإسلام، والتي هي بمنزلة الرأس من الجسد، حافظوا عليها، وقوموا بأركانها وواجباتها وشروطها، أدوها في أوقاتها، في بيوت الله مع جماعة المسلمين فإن ذلك من التقوى، التي من أجلها شُرع الصيام، وفرض على الأمة، وإضاعة الصلاة منافٍ للتقوى، وموجب للعقوبة. مع الأسف الشديد أن من الصائمين من يتهاون بصلاة الجماعة مع وجوبها عليه، وقد أمر الله عزَّ وجلَّ بالصلاة مع الجماعة في حال القتال والخوف، ففي حال الطمأنينة والأمن أولى وآكد. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فرخص له صلى الله عليه وسلم، فلما ولى دعاه وقال: {هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب} رواه مسلم. فلم يُرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة مع أنه رجل أعمى وليس له قائد. أمة الإسلام! هناك مكبرات للصوت، وإذاعة تنقل الأذان، فلقد عظُمَت الحجة علينا يا أمة الإسلام.

من آثار ترك الجماعة

من آثار ترك الجماعة عباد الله! إن تارك الجماعة مع إضاعته الواجب قد حَرم نفسه خيراً كثيراً، فإن صلاة الجماعة مضاعفة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة}. تارك الجماعة تفوته مصالح اجتماعية، منها: غرس المحبة والألفة. تعليم الجاهل. مساعدة المحتاج. تارك الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما -أي: من الأجر- لأتوهما ولو حبواً}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة؛ فأحرق عليهم بيوتهم بالنار}. نعم يا أمة الإسلام! وعيد شديد من رسول الله، فيا ليت رسول الله يرى في رمضان تلك الصفوف المتراصة، ثم بعد رمضان تختفي كأن لم تكن أتت إلى المساجد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وبئس القوم من لا يعرفون الله إلا في رمضان.

آداب واجبة على الصائم

آداب واجبة على الصائم عباد الله: من الآداب الواجبة على الصائم:

آداب مأمور بفعلها

آداب مأمور بفعلها أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله ورسوله، من الأقوال والأفعال، فيجتنب الكذب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّاباً} متفق عليه. كذلك يجب على المسلم أن يجتنب الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، سواءٌ كان فيه ما تقول أم لم يكن، ولقد نهى الله عنها ورسوله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدروهم، فقال: {من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يغتابون الناس، ويقعون في أعراضهم}. كذلك يجب على المسلم أن يجتنب النميمة، وهي نقل الكلام بين الناس بطريق الإفساد، ويكفي فيه وعيداً أن النمام لا يدخل الجنة. كذلك يجب على المسلم أن يجتنب الغش في جميع معاملاته، فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ نبينا صلى الله عليه وسلم، من فاعل الغش فقال: {من غشنا فليس منا} والغش خديعة، وخيانة، وضياع للأمانة، وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام، لا يزيد صاحبه إلا بُعداً من الله.

آداب تتعلق بأمور يجب تركها

آداب تتعلق بأمور يجب تركها عباد الله! أمة الإسلام! أمة لا إله إلا الله! يا من كنتم خير أمة أخرجت للناس! اجتنبوا المعازف بجميع أنواعها، واحذروا من سماعها، فإنها تنبت في القلب النفاق، وهي بريد إلى الزنا، وتزداد تحريماً وإثماًَ إذا اقترنت بأصوات مثيرة وأغانٍ شريرة، تدعو إلى الشر والفساد، يقول ربنا جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] الآية. صح عن ابن مسعود، وعن كثير من العلماء، أن هذه الآية نزلت في الغناء والمزامير. وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، في معرض التحذير من المعازف، وقَرَنَها بالزنا، فيقول صلى الله عليه وسلم: {ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف} رواه البخاري. فالحِرَ: هو الفرج، والمراد به الزنا. فمعنى يستحلون: أي يفعلونها فعل المستحل لها بدون مبالاة، وقد وقع هذا في هذا الزمان المظلم، فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف، وهذه الأغاني والأفلام، والتمثيليات كأنها شيء حلال، اعتاض كثير من الناس بالأغاني والمعازف وعن ذكر الله، وعن مهام دينهم، وعن مهام دنياهم، وأصبح الكثير من الناس يستمعون لها أكثر من استماعهم للقرآن والأحاديث، وكلام العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فاحذروا أمة الإسلام، احذروا أيها المسلمون، احذروا نواقض الصوم ونواقصه، وصونوه عن قول الزور، والعمل به، وليكن عليكم وقار وسكينة، وليكن يوم صومكم ويوم فطركم سواء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير من المعاصي في رمضان

التحذير من المعاصي في رمضان الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

جريمة الإفطار من غير عذر

جريمة الإفطار من غير عذر فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ، اتقوا رب العالمين، اتقوا المطلع على السرائر وما تخفيه الصدور، واحذروا من الإفطار في نهار رمضان من غير عذر شرعي، احذروا فالله عزَّ وجلَّ يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه. أمة الإسلام! يقول الإمام الذهبي رحمه الله: تقرر عند المؤمنين أن من ترك صوم رمضان بلا مرض، فهو أشر من الزاني، وأشر من مدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام، ويظنون به الزندقة والانحلال. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أُسس الإسلام، من ترك واحدةً منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان} قال الذهبي: صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر له، وإن صامه}. فيا أمة الإسلام! أجيبوا داعي الله إن كنتم مؤمنين، وادخلوا دار الصوم راشدين، واحرصوا على شعائر الدين، واحذروا من البدع في الدين، واحذروا أن تكونوا من المستهترين، الذين فسدت قلوبهم، وضلت عقولهم، وساءت أخلاقهم، فأفطروا في رمضان من غير عذر شرعي، وأعرضوا عن الرحمن، وهدموا من الإسلام الأركان، وأحلهم دار البوار {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:29]. اللهم ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاًَ لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل. اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر المجاهدين لإعلاء كلمتك يا رب العالمين، اللهم انصرهم بنصرك، اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، وأرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا اغفر لنا ولوالدِينا ولوالد والدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

اللواط [1]

اللواط [1] لقد نكل الله تعالى بقوم لوط وسامهم في الدنيا سوء العذاب جزاء اقترافهم أقبح الجرائم وأشنعها بعد الإشراك بالله، ألا وهي جريمة اللواط، تلك الجريمة التي يقشعر من ذكرها الجلد، ويندى لها الجبين، وتنبو عنها الأسماع، وتنفر الطباع. ولقد كان حكم الشريعة الإسلامية في مرتكبي هذه الجريمة أن يقتل الفاعل والمفعول به.

فاحشة قوم لوط

فاحشة قوم لوط الحمد لله على نعمة الإسلام، وأنعم به من دينٍ! أحل الله به الحلال وحرم الحرام، أباح الطيبات وندب إليها، وحرم الخبائث ونهى عنها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل على عبده الكتاب المبين، فيه البشارة والنذارة، والوعد والوعيد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ البلاغ المبين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: جاء في القرآن الكريم ذكر أمة من الأمم لها فعلٌ وخيمٌ لم تسبق إلى مثله، إن تلك الأمة جاءت بعارٍ شنيع فعُيرت بذلك الفعل الوخيم، وعذبت به عذاباً سُطِّر خبره في كتاب الله عز وجل؛ ليكون تحذيراً للأمة الإسلامية؛ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما تلك الأمة التي فعلت تلك الجريمة الشنعاء، التي يقشعر من ذكر جريمتها الجلد، ويندى لها الجبين؟ إنهم قوم لوط؛ الذين أخبر الله عنهم في كتابه المبين حيث قال: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] فهي فاحشةٌ عظيمةٌ ووخيمةٌ، كيف لا؟! والله يذكرها في مواضعٍ من كتابه بذكر وتصريح فتشمئز منها القلوب، وتنفر عنها الطباع أشد نفرة، ألا وهو إتيان الرجل رجلاً مثله! فيقول الله جلَّ وعلا: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف:81] والإسراف هو: مجاوزة الحد، ثم وصف الله جل وعلا تلك الأمة بوصفين في غاية القبح، فقال جل وعلا: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء:74] وسماهم مفسدين، وسماهم ظالمين، والآيات فيهم في كتاب الله كثيرة معلومة. عباد الله! إنه ليس في المعاصي مفسدةٌ أعظم من مفسدة اللواط، فهي كبيرةٌ عظيمةٌ وفاحشةٌ شنعاء، وهي التي تلي مفسدة الكفر، ولم يبتلِ الله بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، فلهذا عاقبهم الله عقوبة لم يعاقب بها أمةً غيرهم.

عقاب الله لقوم لوط

عقاب الله لقوم لوط أيها المسلمون: لقد جمع الله على قوم لوط أنواعاً من العقوبات منها: الإهلاك، وقلب ديارهم وخسفها بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذبهم وجعل عذابهم مستمراً، فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمةً سواهم، وما ذاك إلا لعظيم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة من أقطار والسماوات والأرض إذا شاهدوها؛ خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها لشناعة هذه الجريمة.

عقوبة من عمل عمل قوم لوط في الإسلام

عقوبة من عمل عمل قوم لوط في الإسلام ثم إن شريعة الإسلام جاءت بأرقى الآداب وأسمى الأخلاق، ونحمد الله الذي اختار لنا الإسلام ديناً، واختار لنا محمداً رسولاً، واختار لنا القرآن دستوراً، ولما كانت تلك الجريمة تتنافى مع الأخلاق والآداب، وتغضب الجبار جل وعلا، جاء فيها وعيدٌ شديدٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به} وسئل ابن عباس رضي الله عنهما في البكر يوجد على اللوطية، قال: يرجم، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط} وفي الحديث: {إذا كثرت اللوطية؛ رفع الله يده عن الخلق، فلا يبالي في أي وادٍ هلكوا}. وروى الطبراني والبيهقي: {أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخطه، قلت: يا رسول الله! من هم؟ قال: المتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، والذي يأتي البهيمة، واللوطي}. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن اللوطي إذا مات من غير توبة، مسخ في قبره خنزيراً]] لذلك حرّم كثيرٌ من العلماء الخلوة بالأمرد في نحو بيتٍ ودكان، وما ذاك إلا لخوف الوقوع في هذه الفاحشة العظمى. وورد في الحديث القدسي: {النظر سهمٌ مسموم من سهام إبليس من تركه مخافتي؛ أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه} ولما كانت الخلوة بالأمرد من الأسباب الداعية إلى الوصول إلى تلك الجريمة الشنعاء؛ حرمه العلماء، وهذا سفيان الثوري رحمة الله عليه لما دخل عليه في الحمام صبي حسن الوجه، قال: أخرجوه عني فإني أرى مع كل امرأةٍ شيطاناً، ومع كل صبي بضعة عشر شيطاناً. فهؤلاء هم أرباب القلوب الحية، الخائفون أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها. أيها المسلمون: إن جريمة اللواط جريمة شنعاء وفاحشةٌ عظيمةٌ، ولذلك اختلف في كيفية قتل هذا المجرم الذي عَمِلَ عَمَل قوم لوط، فروي عن الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أنه أحرق رجلاً يعمل عمل قوم لوط بعدما استشار من اجتمع عنده من الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك أحرق بالنار من عمل عمل قوم لوط ابن الزبير رضي الله عنه وأرضاه، وهشام بن الوليد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[يرمى من أعلى شاهقٍ في البلد منكساً، ثم يتبع بالحجارة]].

حكم توبة اللوطي

حكم توبة اللوطي ومن تاب تاب الله عليه، وقد استقرت حكمة أحكم الحاكمين وأعدل العادلين أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد ضمن الله تعالى لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبِّدل سيئاته حسنات، وهذا حكمٌ عامٌ لكل تائب من الذنب إذا أقلع وتاب إلى الله، وعزم على عدم العودة إلى الذنوب، فإن الله يتوب عليه، والله يقول وهو أصدق القائلين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ويقول جل وعلا: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] ويقول الرب الرحيم: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} [الفرقان:70 - 71]. فهذا رب العالمين يحث المسرفين على التوبة، ويدعو العصاة إلى أن يطرقوا باب الكريم الرحيم التواب: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله} [الزمر:53] ارجعوا إلى الله، وتوبوا وأنيبوا إليه ما دمتم في وقت الإمكان قبل أن ينزل هادم اللذات ومفرق الجماعات، فتقول نفس: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56]. اللهم ارزقنا توبةً نصوحاً تطهر بها قلوبنا وتمحي بها ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

ضرورة التحذير من عمل قوم لوط

ضرورة التحذير من عمل قوم لوط الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، المحذر من سخطه وعصيانه، الناصح لأمته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا من أسباب سخطه وعقابه، وخذوا على أيدي سفهائكم وأطروهم على الحق أطراً، وحذروهم من فاحشة اللواط، وحذروهم من الجريمة الشنعاء التي تشمئز منها القلوب، وتقشعر منها الجلود، وأعلموهم أن أهلها ومتعاطيها على خطرٍ عظيمٍ من عذاب الله عز وجل العاجل والآجل؛ كما أخبر الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:82] أي: مطبوق: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83]. قال قتادة وعكرمة رحمهما الله: يعني ظالمي هذه الأمة، وما هذا العذاب من ظالمي هذه الأمة ببعيد. فهؤلاء قوم لوط ما أجار الله منهم ظالماً، بل جعلهم آيةً للعالمين، وموعظةً للمتقين، وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارهم في طريق السالكين، وأمر جبريل عليه السلام فأدخل جناحه تحت منازلهم فاقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب، ثم جعل عاليها سافلها وأمطرت عليهم حجارةٌ من سجيل، وكانت تلك القرى فيما ذكر أربع قرى، وقيل: خمس فيها أربعمائة ألف، وما يعجز الله من شيء، فقلبها عليهم وما يتبعها من الضواحي فنسأل الله العفو والعافية. ويروى في الحديث: {لا تذهب الليالي والأيام حتى تستحل هذه الأمة أدبار الرجال كما استحلوا أدبار النساء، وتصيب طوائف من هذه الأمة حجارةٌ من ربك} فلما عتوا وتمردوا واستمروا على العمل الخبيث، أخذهم أمر الله وهم نائمون، وجاءهم بأسهم وهم في سكرتهم يعمهون، فما أغنى عنهم ما يكسبون. تقلبوا على تلك اللذات طويلاً، فأصبحوا بها يعذبون، ورتعوا مرتعاً وخيماً، فأعقبهم عذاباً أليماً، فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم، وبكوا على ما أسلفوه، فجرت دموع الدم، ويقال لهم وهم إلى العذاب يسحبون: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر:24] {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. فاتقوا الله -عباد الله-: واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون، وتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون، وخذوا على أيدي السفهاء وذودوهم عن مراكع الهلكة، فإنكم عنهم مسئولون أمام الله عز وجل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وصلوا على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله؛ امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً؛ صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على من بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اقمع أهل الشر والفساد والعناد الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم اقمعهم، اللهم اكبتهم، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، وما يئوون إليه من الفساد واجعل دائرة السوء عليهم يا رب العالمين! اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين! اللهم جنبنا وإياهم جميع المنكرات، وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين! اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين -يا رب العالمين- غير ضالين، ولا مضلين، ولا مفتونين، ولا مغيرين، ولا مبدلين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوفٌ رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

اللواط [2]

اللواط [2] إن اللواط من أخطر الفواحش على الفرد والمجتمع؛ لأنها محاربة لله بالمعاصي وخلع لجلباب الحياء والمروءة، وتخل عن صفات أهل الرجولة والشهامة، وتحل بصفات البهائم، ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الجريمة الشنيعة، وأجمع العلماء على تحريمها وكل أمر ووسيلة تؤدي إليها، وقد ذكر الله في القرآن قصة قوم لوط وما جمع عليهم من أنواع العذاب، وماذاك إلا لشناعة هذه الجريمة وقبحها.

التحذير من اللواط

التحذير من اللواط إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وانتهوا عما نُهيتم عنه لعلكم تفلحون. عباد الله: تكلمنا في الجمعة الماضية عن الشق الأول من الفواحش القبيحة وهي فاحشة الزنا ذلك المرض الخلقي الخبيث، وحديثنا في هذا المقام عن الشق الثاني وهي جريمة اللواط. عباد الله: إن اللواط يعتبر من أخطر الفواحش على الفرد والمجتمع، تلك الفاحشة النكراء والمصيبة العظمى التي تسلب الرجولة سلباً، وما أقرب اللواط من القاذورات والأوساخ!! وما أبعده عن الرجولة والذوق السليم!! إن هذا الفعل المشين يعبر عن الفوضى الخلقية في أوسع حدودها، وعن الهمجية في أبشع مظاهرها. عباد الله: من عمل عمل قوم لوط، فقد حارب الله تعالى بالمعاصي، وخلع جلباب الحياء والمروءة، وتخلّى عن شعائر وصفات أهل الشهامة والرجولة، وتحلّى بصفات البهائم، بل إن البهائم أفضل منه، فلا نجد حيواناً ينكح ذكراً مثله، نعم. فالحيوان مفطورٌ على النفور من هذا العمل الدنيء، وناهيك برذيلة تعف عنها الحمير، فكيف يليق فعلها بمن هو في صورة عاقل رشيد؟! فيكون أسفل من الحيوان همة، وأنتن من الجيفة، فمن كان هذه حاله، فهو من أكثر الناس خزياً وذلاًً، فبعداً له وسحقاً. روى ابن حبان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله من عَِملَ عَمَل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط} وروى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا كثر اللوطية، رفع الله عز وجل يده عن الخلق، فلا يبالي في أي وادٍ هلكوا}. وروى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى رجلاً، أو امرأةً في دبرها}. هذا واللوطية في هذه الأمة على أصناف ثلاثة: صنف ينظرون. وصنف يصافحون. وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث. فاتق الله يا عبد الله! واحذر أن تكون واقعاً في أحد هذه الأصناف، فتهلك من حيث لا تشعر، واحفظ جوارحك عن الحرام.

التحذير من مخالطة المردان

التحذير من مخالطة المردان هذا وقد أجمع العلماء على تحريم النظر بشهوة إلى الشباب المردان والنساء الأجنبيات، عملاً بقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] ولهذا بالغ الصالحون في الإعراض عن الشباب المردان وعن النظر إليهم وعن مخالطتهم ومجالستهم، قال الحسن بن ذكوان رحمه الله: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور العذارى، وهم أشد فتنةً من النساء، وقال بعض التابعين: [[ما أنا بأخوف على الشاب الصالح من سبعٍ ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه]] ومعنى كلامه رحمه الله: قد لا أخاف على الشاب الصالح من السباع الضارية بقدر ما أخاف عليه من الشباب الصغار، خوفاً من الفتنة، والفتنة أشد من القتل. وتحرم الخلوة بالشاب الأمرد في نحو بيتٍ، أو دكان، أو نحو ذلك كالمرأة، بل من المردان من يفوق النساء بحسنه، فالفتنة به أعظم، ولأنه يتيسر في حقه من طرق الريبة والشر ما لا يتيسر في حق المرأة، لاضطرار المخالطة، فهو بالتحريم أولى. وأقوال السلف في التنفير عنهم، والتحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر، فقد نهوا عن مجالستهم ومصاحبتهم، ولو كان الرجل صالحاً. قال بعض التابعين: [[إذ رأيتم الرجل يحب النظر إلى الأمرد، فاتهموه في دينه]] وقال سفيان الثوري: [[إني أرى مع كل امرأةٍ شيطاناً، ومع كل صبيٍ بضعة عشر شيطاناً]] وجاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه صبيٌ حسن الوجه، فقال له: من هذا منك؟ فقال الرجل: هو ابن أختي. قال: لا تأتي به إلينا مرة أخرى، ولا تمش معه في طريق، لئلا يظن بك من لا يعرفك ويعرفه سوءاً. وقال هشام بن عبد الملك رحمه الله: لولا أن الله تعالى ذكر فعل قوم لوطٍ في القرآن ما صدقت أن ذكراً يركب ذكراً. فيا من هو واقعٌ في هذا الداء الخطير، إن حبك لهذا الشيء يدل على فساد طبعك وهبوط ذوقك، وإنك بهذا قد أغضبت ربك ونشرت الرذيلة في مجتمعك، وفقدت رجولتك، وإن متعاطي هذا الفعل الذميم لا يوثق به أن يخلو ولو ببهيمة.

قبح اللواط في الشرع والفطرة

قبح اللواط في الشرع والفطرة وقد اختلف رجلان في قبح اللواط، هل هو قبيحٌ من جهة الشرع فقط أو الطبع فقط، أو أن قبحه من الناحيتين الشرعية والفطرية، فحكَّما بينهما رجلاً لم تتدنس نفسه بهذا المنكر، وارتضيا أن يكون حكمه فاصلاً بينهما. اسمع يا من ابتليت بهذا الداء الدفين، الذي يحصد الرجولة حصداً إلى ما قال هذا الرجل الحكيم، إن كان لك قلبٌ يعي، أو أذنان تسمع بهما. قال: شيء أفر منه في الطريق إذا رأيته، فكيف أدخل عليه في وكره؟

أضرار اللواط وعقوبة أهله

أضرار اللواط وعقوبة أهله وأن مما يسببه هذا الفعل المشين: الانحطاط الخلقي، والتأثير على أعضاء التناسل، والإصابة بالأمراض الرهيبة التي تنتقل عن طريق التلوث بالمواد البرازية، ولهذا كانت عقوبة متعاطيه شديدة؛ لعظم المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به} ولهذا أجمعت الأمة على قتل الفاعل والمفعول به إذا كان راضياً سواء أكانا محصنين، أو غير محصنين، وإنما اختلفوا في كيفية قتلهما، فمنهم من رأى إحراقهما، ومنهم من رأى ضربهما بالسيف، ومنهم من رأى إيقاعهما من أعلى مكان في البلد، ثم يتبعان بالحجارة كما فعل الله بقوم لوطٍ الظالمين، قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83]. نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا وقلوب المسلمين عامة من أدران الذنوب والمعاصي، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

قصة قوم لوط وعقاب الله لهم

قصة قوم لوط وعقاب الله لهم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: أيها المسلمون: اعلموا أنه كان فيمن مضى قبلكم من الأمم أمة كاملة بشبابها وشيبها أصيبت بهذا الداء الخطير -المعروف باللواط- حتى أصبح يُمارس في مجتمعاتهم وأنديتهم، وهم أول من سن هذا العمل القبيح على وجه البسيطة الذي يسمى في الوقت الحاضر بالشذوذ الجنسي، ولقد استشرى الشذوذ بينهم، واشتهروا بهذا العمل الخبيث حتى إنه لم ينج منهم ضيفٌ، أو غريب، أو عابر سبيل، فأرسل الله إليهم نبيه لوطاً عليه السلام، يدعوهم إلى الطهر والعفاف، ويحذرهم من شؤم المعصية وسوء العاقبة، فلم يصغوا، بل صموا آذانهم، وسخروا منه، وأجابوه إجابة كل مجتمع جاهلي يسمي الفضيلة رجعية، ويسمي الاحتشام تأخراً، ويسمي الالتزام بالإسلام تعصباً، ويسمي الدعارة فناً، ولم يعبئوا بنصح لوط عليه الصلاة والسلام، بل لجوا في طغيانهم يعمهون: {قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت:29]. فأرسل الله تعالى ملائكته لإنزال العذاب بهم، فجاءوا إلى نبي الله لوطٍ عليه السلام في صورة ضيوف من البشر، وجاء أهل المدينة يستبشرون وأرادوا الفاحشة منهم، فقال لهم نبي الله: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78] ويريد بذلك نساء القرية بالزواج الحلال، قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود:79 - 81] لأنها كانت كافرة وتخبر القوم بمن أتى إلى لوط، ثم قال الله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:81 - 83] أي: من هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم، فأهلكهم الله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت:35]. ولقد ذكر الله تعالى عقوبة اللوطية وما حل بهم من البلاء في عشر سورٍ من القرآن، وجمع عليهم من العذاب مالم يجمعه على قوم قبلهم، جمع بين عمى الأبصار، وخسف الديار، والقذف بالأحجار، ودخول النار، وقال محذراً لمن عمل عملهم، وصفاً لما حل بهم من العذاب الشديد: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89] فتذهب اللذات وتبقى الحسرات، وتفنى الشهوة وتبقى الحسرة. تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الخزي والعار تبقى عواقب سوءٍ في مغبتها لا خير في لذةٍ من بعدها النار هذا وفي نفس الطريق الذي أدى بقوم لوطٍ إلى الهواية يتبعهم الغرب ومن سار على نهجهم اليوم بحضاراتهم المادية الجنسية حذو النعل بالنعل، وقد يعجب الإنسان ويتساءل: لِِمَ لَمْ تجرِ عليهم سنة الله في قوم لوط؟ وهو سؤال ينم عن صفة العجلة في الإنسان، قال الله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج:47] وإذا أردت معرفة الإجابة، فتدبر قول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} [غافر:21]. هذا وصلوا على النبي المصطفى، -نبيٍ ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه- امتثالاً لأمر ربكم حيث يقول جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين! اللهم أصلح ووفق ولاة أمور المسلمين، وارزقهم المستشارين الأمناء الناصحين، اللهم أصلح أولاد المسلمين، وجنبهم جلساء السوء من الفجرة والفاسقين، اللهم اجعلنا من الذي إذا أحسنوا؛ استبشروا، وإذا أساءوا؛ استغفروا، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكونن من الخاسرين. اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، وفرج كرب المحزونين، واقض الدين عن المدينين، واشفِ مرضى المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

التعجيل بالتوبة [1]

التعجيل بالتوبة [1] من أعظم الواجبات التي تتوقف صحة إيمان المسلم عليها: الإيمان باليوم الآخر، وعليه تتوقف سعادته أو شقاؤه، فعلى المسلم أن يستعد لذلك اليوم بالإيمان الصادق والعمل الصالح والمسارعة بالخيرات قبل أن يفجأه الموت؛ لأن من مات فقد قامت قيامته، فهو في نعيم أو عذاب إلى أن ينفخ في الصور وتعرض الخلائق يوم العرض الأكبر للحساب والعقاب، فإما إلى جنة عرضها السماوات والأرض أو إلى نار وقودها الناس والحجارة.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر الحمد لله الذي أوضح سبل هدايته لأرباب ولايته وأدنج، وحرك أهل عبادته إلى التوبة النصوح وأزعج، وأدى بدائع قدرته في محكم صنعته وأخرج، وينزل إلى السماء الدنيا، فينادي العباد: أين الذي بالمناجاة والاستغفار يلهج؟ ليجيب الدعوات، ويغفر الزلات، ويعطي المسئولات، وهو أهل الكرم والسماح، الذي لا يخيب من رجاه، ولا يطرد من عصاه إذا تاب مما جناه وأناب، هو المعروف بالربوبية المتفرد بحقيقة الوحدانية، فسبحانه من إله مطلع على الضمائر يعلم ما تكن وما تعلن! أحمده على ما يسر لعباده من الأمور، وأشكره وأثني عليه بما صرف من المكروه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالهدى والصلاح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه. عباد الله: إنه لا يتم إيمان المسلم إلا بعد أن يؤمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة، سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره} واليوم الآخر هو يوم القيامة. {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التغابن:9 - 10]. أمة الإسلام: حقٌ على كل إمام، أو واعظ، أو مرشد أن يبين للأمة الإسلامية خطر يوم القيامة، لأن البعض من الأمة الإسلامية كاد أن يغفل عن يوم القيامة، والبعض منهم كاد أن ينكر يوم القيامة، نعوذ بالله، عياذاً بالله من سوء الخاتمة. عباد الله: حقاً إن أمر القيامة عظيم، وشأنها جسيم، وموعدها قريب، فإن من مات قامت قيامته، وانتقلت روحه إلى الجنة أو إلى النار، ونال جسمه في قبره نعيمٌ أو عذاب، فالقبر إما روضةٌ من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. تذكر -يا أخي المسلم- إذا أهل عليك إخوانك المسلمون التراب، إذا صفوا عليك اللبنات، وأهلوا عليك التراب، وتركوك وحيداً فريداً في قبرك، فنعيم القبر أو عذابه حقٌ ثابتٌ للبدن والروح، ثابتٌ في الكتاب والسنة، وبإجماع الأمة، وهو من الإيمان بالغيب الذي لا ينكره إلا ملحد معاند، وقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وأمرنا بالاستعاذة في كل صلاة بعد التشهد.

أهوال القيامة

أهوال القيامة إذا تمت المدة المقدرة لهذا العالم، وتمت مدتهم في قبورهم، أمر الله جل وعلا إسرافيل بنفخ الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] أي: ماتوا إلا من شاء الله، ثم يأمر الله عز وجل إسرافيل بنفخة البعث: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر كيف حالنا إذا قمنا ننفض التراب عن رءوسنا؟ {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] يقومون من قبورهم لرب العالمين حفاةً عراةً غرلاً فرادى كما خلقوا أول مرة، ليس معهم شيء سوى أعمالهم من حسنات أو سيئات. إنه يوم القيامة، يوم يقرع القلوب هوله، يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، وتكون الجبال فيه كالعهن المنفوش: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 3] فسرها الله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:4 - 5] الجبال التي تضرب بالديناميت فيعجز عنها البشر أن يدكوها إلا بعد زمن طويل، وإذا قامت القيامة، صارت كالعهن المنفوش، وتدنو الشمس من رءوس الخلائق، ويشتد الحر، ويعظم الهول، في يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، في يوم القيامة تبرز الخلائق لله الواحد القهار، والملائكة محيطةٌ بهم صفاً صفاً.

انقطاع الصلات والعلائق

انقطاع الصلات والعلائق إنه يوم عظيم يتناسى فيه الحبيب حبيبه وتنقطع الأنساب، ويتبرأ الأنساب، ويفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، يوم القيامة يومٌ يشيب فيه الولدان لشدة هوله، يوم القيامة يوم تضع الحوامل فيه حملها، يوم تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت، إنه يوم ما أطوله حيث يقدر بخمسين ألف سنة! {كَلاَّ إِذَا دُكَّت الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:21 - 23] يتأسف على عمره الذي أمضاه في الحياة الدنيا، يتذكر وأنى له الذكرى؟! إنه يوم عظيم يجاء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها، لها تغيظ وزفير، في ذلك اليوم العظيم يحاسب الله عز وجل الخلائق ويجزي كلاً بعمله {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] من أين له ذلك اليوم أن يرد المظالم؟! فأعطوا الناس حقوقهم؛ لأن في يوم القيامة يفرح أهل الحقوق بحقوقهم ذلك اليوم، وفي ذلك اليوم العظيم يعطى كل إنسان نتيجة، وهم متفاوتون في ذلك الموقف العظيم منهم المسرور الفرح، ومنهم المغموم الترح.

حال أهل النعيم

حال أهل النعيم أما المؤمنون، فتبيّض وجوههم وتثقل موازينهم بالحسنات، ويردون حوض نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، الحوض الذي هو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه شربةً لا يظمأ بعدها أبداً، يمرون على الصراط على حسب أعمالهم في السرعة وعدمها، قال الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} [الزمر:73] يا الله من فضلك! وجوههم على صورة القمر ليلة البدر، {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73] فتتلقاهم خزنتها يسلمون عليهم، ويهنئونهم بسلامة الوصول إلى دار النعيم والسلامة من عذاب الجحيم، يهنئونهم بما في الجنة من الخلود الأبدي في ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح والأبدان، وتمام ذلك أن يحل عليهم الرب جل جلاله رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً، ويقال لهم: إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصِحُّوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً. ولهم نعيمٌ أجل من ذلك وأعلى، وهو التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع خطابه والابتهاج برضاه، عند ذلك يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74].

حال أهل الجحيم

حال أهل الجحيم أمة الإسلام: يا من تريدون النجاة من النار! وتزحزحون عنها، وتدخلون الجنة عليكم بالعمل الصالح، الله الله جدوا بالمسابقة إلى طاعة الله، فإن طريق الجنة يسير على من يسره الله عليه، هو الإيمان الصادق بالله، والعمل الصالح، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وامتثال الأوامر وتطبيقها، ليس الإشارة بالصدر كما يقول بعض الجهال: التقوى هاهنا، صحيح التقوى هاهنا ولكن كل إناء بما فيه ينضح، إذا كانت التقوى في القلب، وإذا كان القلب فيه تقوى وإيمان، فإن الإيمان ينضح على الجوارح، بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي، والتوبة النصوح من جميع الذنوب في جميع الأوقات، والإنابة إلى الله تعالى في كل وقت وحين، وكثرة ذكره ودعائه واستغفاره حتى تنجوا من مأوى الكفار والمجرمين والمشركين والعصاة والملحدين، فإنهم يخرجون من قبورهم قلقين فزعين مرعوبين خائفين يحملون أوزارهم على ظهورهم، ألا ساء ما يزرون، فيحاسبهم الله على ما أسلفوا من الجرائم، ويخزيهم بين الخلائق، فتسوّد وجوههم، وتخف موازينهم من الحسنات، ويعطون كتب أعمالهم بشمائلهم، ويساقون إلى جهنم جياعاً عطاشاً، قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الزمر:71] هل ينكرون: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:71 - 72] ويقول الله لهم أيضاً بعدما يسألونه بعد حين طويل: {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ففي ذلك الحين يأخذون في الزفير والشهيق، وييأسون من كل خير، ومن كل فرج وراحة، ويتيقنون الخلود الدائم والعذاب الأبدي المستمر. ما أشد شقاءهم يا عباد الله! وما أعظم عناءهم! ينوع عليهم العذاب، ينوعون بالسعير المحرق لظهورهم وبطونهم {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] وتارةً بالزمهرير الذي بلغ من برده أن يهري اللحوم، ويكسر العظام، وتارةً يعذبون بالعطش والجوع المفزع، ثم يسقون ويطعمون بالغسلين والزقوم والضريع، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع. بسم الله الرحمن الرحيم. {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:1 - 7] الفرق البين: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:8 - 16]. اللهم نجنا من النار، وأدخلنا الجنة يا عزيز يا غفار! اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه من صالح الأعمال يا رب العالمين! وجنبنا ما تبغضه وتأباه من سيئ الأعمال يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

العرض للحساب في القيامة

العرض للحساب في القيامة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشكره، وأسأله المزيد من فضله العميم، وأعوذ به من نار الجحيم، وأسأله من فضله جنات النعيم إنه على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه المسارعين إلى الخيرات، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، فقد حذركم من أليم عقابه، وتوعد العاصين بالنار، فاحذروا عباد الله النار! احذروا يا عباد الله النار! فإنه لا صبر لكم عليها، ولا مهرب لكم عنها ولا فرار، ولن ينجيكم منها إلا تقوى الله عز وجل، لن ينجيكم من النار إلا تقوى الله عز وجل، لن ينجيكم من النار إلا تقوى الله عز وجل والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. عباد الله: بينما الناس في كرب القيامة وأهوالها إذْ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب، وأطلت عليهم نارٌ ذات لهب، وسمعوا لها تغيظاً وزفيراً من شدة الغضب، فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب، وجثت الأمم على الركب، وعاين الظالمون سوء المنقلب، وخرج المنادي قائلاً: أين فلان بن فلان المسوف نفسه بطول الأمل، المضيع عمره في سوء العمل، فيبتدرونه بمقامع من حديد، ويسوقونه إلى العذاب الشديد، وما فيه من الزمهرير والصديد، فعياذاً بالله من النار، وما فيها من العذاب.

التحذير من النار

التحذير من النار روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} وري عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، حتى لو أن رجلاً في أقصى السوق لسمعه، وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر حتى وقعت خميصةٌ كانت على عاتقه عند رجليه}. رواه الإمام أحمد. اعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض الله عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات الأرض يا ذا الجلال والإكرام! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يستجاب له. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على الكافرين الذين يعدون العدة على دينك وعلى أمة الإسلام، اللهم حاربهم بعدلك وقوتك يا رب العالمين! اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، فأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم أصلح إمام المسلمين، وأئمة جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، واجعلهم قرة أعين لوالديهم يا رب العالمين! اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك، اللهم انصر بهم دينك يا رب العالمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! اللهم حبب إلينا الإيمان جميعاً وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين! {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، اللهم أرسل السماء علينا مدراراً، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ، ولا غرق، اللهم أغث عبادك، اللهم أغث عبادك، اللهم احيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

التعجيل بالتوبة [2]

التعجيل بالتوبة [2] لقد توعَّد الله تعالى المعرضين عن التوبة والإنابة إليه بالعذاب الأليم؛ وأمر عباده بالمبادرة بالتوبة قبل حلول الأجل ونزول الموت. والتوبة النصوح هي: الندم المثمر بالإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه.

المبادرة بالتوبة قبل حلول الأجل

المبادرة بالتوبة قبل حلول الأجل الحمد لله الملك القهار، العزيز الجبار، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوب، أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أقوم الناس طاعةً بفعل المأمور وترك المحظور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل ما دمتم في وقت الإمهال، وبادروا بالتوبة النصوح قبل حلول الآجال، قبل إسبال الحجاب وطي الكتاب على ما فيه، بادروا قبل طلوع الشمس من المغرب، فإنها آية من أكبر الآيات الدالة على قيام الساعة، فبادروا بالتوبة -يا عباد الله- امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} [التحريم:8] رب العالمين يناديكم يا عباد الله! أرحم الراحمين يناديكم باسم الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8]. ما هي التوبة النصوح؟ هي: توبة صادقة جازمة، تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب، وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات، فإن العبد إذا تاب وأقبل على الله، وندم على ما فات، فإن الله وعده بقبول توبته، فقال وقوله الحق: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ} [الشورى:25] سبحان الله العظيم! لا إله إلا الله {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25]. ومهما عملت أيها العبد من الذنوب والخطايا، ثم تبت منها، فإن الله يغفرها ولا يبالي، فاسمع قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. فبادر يا أخيّ! بادر استجابةً لله عز وجل، بادر بالتوبة والإنابة، فإن الله يقول: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54] فالمصيبة إذا حلَّ العذاب يا أمة الإسلام! {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54] ثم يحثنا ربنا جل وعلا باتباع أحسن ما أنزل إلينا، فإننا إذا تمسكنا بالكتاب والسنة، وسرنا على نهجهما، فإن في ذلك الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة، وأما إذا أعرضنا وابتعدنا عن الكتاب والسنة؛ فلا تأمنوا العذاب أن يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون، وذلك مصداق قول الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55]. فعند نزول العذاب، يبدأ الإنسان يتحسر ويندم في حين لا ينفع الندم، ويقول فيما أخبر الله عنه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:56 - 58] قال الله تعالى رداً عليها: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59].

شدة هول يوم القيامة

شدة هول يوم القيامة حين ينفخ في الصور، يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاةً بلا نعال، وعراةً بلا ثياب، وغرلاً بلا ختان. حدَّث نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، فقالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً؛ ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض، أجل -يا عباد الله- إن الأمر أشد من أن ينظر الرجال إلى النساء، أو النساء إلى الرجال، إن الأمر عظيم، إن الأمر أعظم من أن تسأل الأم عن ولدها والابن عن أبيه، يقول تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون:101] تنقطع العلاقات، تنقطع المعارف، لا يعرف أحدٌ أحداً، الأبصار شاخصةٌ للحي القيوم، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] هنالك القلوب واجفة، والأبصار خاشعة، هنالك تنشر الدواوين، وهي صحائف الأعمال، فيأخذ المؤمن كتابه باليمين، ويأخذ الكافر كتابه بالشمال أو من وراء ظهره {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ} [الحاقة:19] فرحاً مسروراً {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] فزت، ونجحت، أخذت العلاوة، أخذت المرتبة {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ} [الحاقة:25] حزناً وغماً {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] ويدعو ثبوراً في ذلك اليوم العظيم، وفي ذلك اليوم العظيم توضع الموازين، فتوزن فيها أعمال العباد من خيرٍ وشرٍ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] ويقول الحق جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47].

الناس يسألون الشفاعة في المحشر

الناس يسألون الشفاعة في المحشر في ذلك اليوم العظيم يموج الناس بعضهم ببعض، ويلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون فيقول الناس: ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم، فيأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى عليهم السلام، وكلهم يقدم عذراً، ثم يأتون إلى عيسى على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء أفضل الصلاة والسلام، فيقول عيسى: لست لها، ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه -نحمدك الله ونشكرك الذي جعلتنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، وأوردنا حوض نبيك محمد يا رب العالمين. ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيأتون العبد المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول مفتخراً بنعمة الله: {أنا لها، أنا لها} فيستأذن من ربه عز وجل، ويخر له ساجداً، ويفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحدٍ قبله، ويدعه الله ما شاء أن يدعه، ثم يقول: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسَلْ تعط.

قضاء الله بين عباده

قضاء الله بين عباده في ذلك اليوم العظيم ينزل الله جل جلاله للقضاء بين عباده، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر إنه ليومٌ عظيمٌ يا عباد الله! ينزل فيه الله جل جلاله للقضاء بين عباده ومحاسبتهم، فيخلو بعبده المؤمن وحده، ويضع عليه ستره، ويكلمه ليس بينه وبينه ترجمان، فيخبره بما عمل من ذنوبه، حتى يقر ويعترف، فيظهر الله عليه فضله، فيقول: قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فتب أيها المسلم! تب -يا أخي المسلم- حتى يتوب الله عليك، ويبدلك الله بها مغفرةً وحسنات. تب ما دمت في وقت الإمهال. تب ما دمت في ميدان الأعمال الصالحة، وأكثِر من الأعمال الصالحات، فأنت الآن في الدنيا في دار العمل، وأما غداً يوم القيامة فحساب وجزاء.

دنو الشمس من الخلائق

دنو الشمس من الخلائق يوم القيامة تدنو الشمس من الخلق حتى لا تكون قدر ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. يا عباد الله: المسابقة المسابقة فأنتم في دار الأعمال! أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

حال الناس على الصراط

حال الناس على الصراط وفي ذلك اليوم العظيم يوضع الصراط على متن جهنم؛ أدق من الشعرة وأحد من السيف، وترسل الأمانة والرحم، فيقومان على جانبي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر الناس على الصراط على قدر أعمالهم، ليس على قدر تجارتهم، ليس على قدر شجاعتهم في المبايعات والمشتريات، ليس على قدر شجاعتهم في الكذب والخيانة والحيل، إنما على قدر أعمالهم الصالحة، تجري بهم أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر يزحف على الصراط زحفاً، ومنهم من ينتكس في جهنم، ومنهم من هو بين ذلك، ونبيكم قائم على الصراط، يقول: {يا رب! سلم سلم}. لقد جاءكم نبيكم بها بيضاء نقية يا أمة الإسلام! فالحذر الحذر أن تلقوا ربكم على معاصيه! الحذر الحذر أن تلقوا ربكم على ما يغضبه! الحذر الحذر من معاصي الله! نبيكم على الصراط قائمٌ يقول: {يا رب! سلم سلم} فاتقوا الله -يا عباد الله- وخذوا لهذا اليوم عدته، فإنه مصيركم لا محالة، وموعدكم لا ريب ولا شك فيه، وإنه على عظمه وشدته وهوله ليكوننَّ يسيراً على المؤمنين المتقين، فآمنوا بالله واتقوه، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم أخرج أرواحنا على كلمة لا إله إلا الله، اللهم أخرجنا من الدنيا على الإسلام والإيمان، اللهم نور لنا في قبورنا، واجعلها لنا روضة من رياض الجنة، اللهم يسر حسابنا، ويمن كتابنا، واجعلنا ممن يمر على الصراط كالبرق الخاطف بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأسال الله بمنه وكرمه ألا يجعل قولي هذا عليَّ حجة، اللهم لا تجعل عليَّ قولي هذا حجة، اللهم اجعلنا ممن تعلم وعمل يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن تعلم وعمل بما عمل، ونفعه عمله يوم لقائك يا رب العالمين، ولا تجعل في أعمالنا رياءً، ولا سمعةً، ولا بطراً، ولا عجباً يا رب العالمين، وأسأله أن يغفر لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.

انقسام الناس يوم القيامة إلى فريقين

انقسام الناس يوم القيامة إلى فريقين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أن جميع ما ذكر سوف يحصل يوم القيامة. سوف ينقسم الناس إلى قسمين: أشقياء وسعداء، فأما الأشقياء ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، وأما السعداء ففي الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، ولهم فيها ما يشتهون، فالكيس يا عباد الله، والفطن، والحذِر من دان نفسه، أي: حاسبها على الدقيق والجليل، وعلى الكثير والقليل، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، اللهم وفقنا لفعل الخيرات وجنبنا المنكرات. اعلموا -يا عباد الله- أن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، وأطيعوا ربكم فيما أمركم به حيث يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، الله أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، الله اشف مرض قلوبنا يا رب العالمين، اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا، اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا، اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، اللهم سلِّم قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين. اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على الكافرين يا رب العالمين، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك ومزقهم كل ممزق، واجعلهم غنيمةً للمسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين يا رب العالمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اقذف في قلوبنا وقلوبهم الإيمان يا رب العالمين، اللهم حبب الإيمان إلينا جميعاً، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين، واجعلنا هداةً مهتدين، واغفر اللهم لنا في هذه الساعة أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين يا رب العالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ، ولا غرقٍ، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، سحاً، غدقاً، طبقاً، عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغثنا غيثاً تغيث البلاد به، وتحيي به البلاد يا رب العالمين، واجعله يا رب متاعاً للحاضر والباد إنك على كل شيء قدير، اللهم أحيي بلدك الميت وانشر رحمتك على العباد. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الحب في الله والبغض في الله [1]

الحب في الله والبغض في الله [1] الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، ولقد ركز الشيخ في هذه المادة على الحب في الله، وذكر طرفاً من الأحاديث التي ترغب في الحب في الله؛ مبيناً أنه لا يكمل إيمان العبد إلا بإيثار النبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة ذاكراً علامات محبته صلى الله عليه وسلم، ثم ختم هذه المادة ببيان أن الحب في الله سبب للمغفرة.

أوثق عرى الإيمان

أوثق عرى الإيمان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله الله بشيراً ونذيراً, وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه على نهجه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل, وأحبوا أهل طاعة الله, وأبغضوا من عصى الله, ولو كان أقرب قريب, فإن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان, يقول ربكم جلَّ وعلا: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22] اللهم اجعلنا منهم, اللهم اجعلنا من حزبك المفلحين يا رب العالمين!

أحاديث ترغب في الحب في الله

أحاديث ترغب في الحب في الله أيها المسلمون: الحب في الله رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره في أحاديث متعددة إليكم طرفاً منها، قوله صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه} يا عبد الله! إذا أحببت في الله يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, يوم تنزل الشمس مقدار ميل على رءوس الخلائق, يوم يلجم الناس بالعرق إلجاماً. أحب في الله؛ يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, روي عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وعلى قربهم من الله. فقام رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء تغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! صفهم لنا يا رسول الله؟ فسر وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال هذا الإعرابي فقال صلى الله عليه وسلم: هم ناس من أفناء الناس وموازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا, يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها, فيجعل وجوههم نوراً وثناياهم نوراً, يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون, وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون}. الحب في الله عباد الله! الحب في الله يا أمة الإسلام! ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار} رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري ومسلم: {ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب في الله ويبغض في الله} ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} رواه مسلم. فهذه أحاديث صحيحة فيها الخير الكثير لمن أحب في الله. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يخبر أن ربنا جلَّ وعلا أرصد ملكاً من ملائكة السماء لعبد من عباده يخبره أنه يحبه, بأي شيء حصل ذلك؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً -مدرجته أي: طريقه- فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أخاً لي في هذه القرية -أخ له يحبه في الله- قال: هل لك عليه من نعمة تردها؟ قال: لا. غير أني أحبه في الله, فقال الملك: فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه} رواه مسلم. عن أبي مسلم رحمه الله قال: قلت لـ معاذ رضي الله عنه: [[والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك, قال: فبأي شيء؟ قلت: لله, قال: فجذب حبوتي ثم قال: أبشر إن كنت صادقاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء} قال أبو مسلم: ولقيت الصحابي الجليل الثاني عبادة بن الصامت رضي الله عنه فحدثته بحديث معاذ فقال عبادة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى: {حقت محبتي على المتحابين فيَّ, وحقت محبتي على المتناصحين فيَّ, وحقت محبتي على المتباذلين فيَّ, هم على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء والصديقون}]]. ثم يقول أنس رضي الله عنه: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {متى الساعة يا رسول الله؟ قال: وما أعددت لها, قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله, قال: أنت مع من أحببت. قال أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم, بحبي إياهم} رواه مسلم. عباد الله! إن في هذا الحديث بشارة عظيمة سارة لمن أحب الله ورسوله وأحب صحابته وأحب عباد الله المؤمنين واقتدى بهم.

حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته

حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته عباد الله! الحق وقول الفصل أنه لا يتم ولا يكمل إيمان الإنسان إلا بإيثار النبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة والتكريم على سائر خلق الله، في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين} رواه البخاري. ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم: إيثار رضاه صلى الله عليه وسلم, والعمل بشريعته, ونصر سنته, والتأسي به في شمائله وسيرته الكريمة المنيرة, وتنحصر في: طاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر. أما من ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤثر العمل بشريعته فتلك دعوى باطلة، وعملة مزيفة، وتبجح كاذب؛ لأن صاحبها لم يكن حجة على صحة دعواه، وحقيقة ما ادعاه, والله جلَّ وعلا يقول: {وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم تقبل طاعته, ومن أطاع الرسول ولم يطع الله لم تقبل طاعته, بل {وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59]. تلكم المحبة في الله يا عباد الله! اسمعوا إلى من أحب في الله وأبغض في الله يقول الله فيهم: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] الذين اجتمعوا في الدنيا على غير محبة الله تنقلب محبتهم يوم القيامة عداوة، إلا المتقين الذين تحابوا في الله يقول الله لهم: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] ماذا تقول لهم يا ربنا؟ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70]. اللهم وفقنا لمحبتك, ومحبة رسولك وأوليائك, وعبادك الصالحين, اللهم اجعلنا متحابين فيك, نحب بحبك من أحبك، ونعادي أعداءك إنك على كل شيء قدير, اللهم انفعنا بالقرآن العظيم, وبما صرفت فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الحب في الله سبب للمغفرة

الحب في الله سبب للمغفرة الحمد لله الذي منّ علينا بالإيمان والإسلام, وتفضل علينا ببيان الشرائع والأحكام, وأحلَّ الحلال وحرّم الحرام, ووعد من أطاعه بالثواب في دار السلام، وتوعد من عصاه بالعقاب في دار الهوان والانتقام, نحمده على ما أفضى علينا من الإنعام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتمسكوا بأوثق العرى وهو الإسلام, وبشرائعه الحسان, وصفوا قلوبكم من الغش، والخداع والخيانة، والتباغض والتحاسد, واحرصوا على باب الإسلام, واحمدوا ربكم على نعمة الإسلام. اسمعوا إلى الصحابي الجليل وهو يروي لكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إذا سمعته القلوب اشتاقت إلى الحب في الله, عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق من الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف, وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر}. وقال أبو عمرو الأوزاعي: حدثني عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد قال: [[لقيته فأخذ بيدي فقال: إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر, قال عبدة: فقلت له: هذا يسير, فقال: لا تقل ذلك فإن الله يقول: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63]]]. عباد الله! اعلموا أن أحسن الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة, ومن شذَّ شذَّ في النار. صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أسألك بأنا نشهد أنك أنت الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد: أن تعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد وطأتك عليهم يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, وأئمة وولاة المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين, اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, يا ربنا! يا الله! ارحم ضعفنا, وأسق بلدنا, وأحيي بلدنا الميت يا رب العالمين, وجميع بلدان المسلمين، اللهم أغثنا, اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق إنك على كل شيء قدير، أنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين, وأجود الأجودين, فضائلك ملأى، ويداك مبسوطتان تنفق كيف تشاء لا إله إلا أنت سبحانك. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, اللهم اسقنا, اللهم أحيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة, اللهم لك الحمد وإليك المشتكى, وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان, ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد. عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الحب في الله والبغض في الله [2]

الحب في الله والبغض في الله [2] إن المتحابين في الله لهم المنازل العظيمة يوم القيامة، فهم في ظل الله على منابر من نور، يحبهم الله سبحانه وتعالى ويحشرون معاً، يغبطهم النبيون والشهداء، وقبل هذا قد وجدوا طعم الإيمان في دنياهم. وفي هذه المادة يتحدث الشيخ عن ذلك ويبين أنه لا يتم إيمان العبد حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما، ثم ختم المادة ببيان أن من أسباب المحبة إفشاء السلام، ومن أسباب المغفرة المصافحة.

فضائل وآثار المتحابين في الله

فضائل وآثار المتحابين في الله الحمد لله الدائم بلا زوال، القائم بعميم الفضل والنوال، والمتصرف في عباده باختلاف الأحوال، المتوحد بالعظمة والجلال، والمنفرد بالقدم والبقاء والزمان، المتعالي عن الأسباب والأمثال، لا إله إلا هو الكبير المتعال. أحمده حمداً يحفظ النعم عن الزوال، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادةً تبلغ نهاية الآمال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو لا ينطق عن الهوى: {ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الهادي من الضلال، والداعي لأشرف الخلال، المرشد إلى صالح الأعمال، والمحذر من الجحيم، والمبشر بالنعيم المقيم الذي ليس له زوال. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: عليكم بتقوى الله؛ فإن بها تنال الدرجات، وتزكو الأعمال، فمن ذلك الحب في الله والبغض في الله فهو أوثق عرى الإيمان، يا لها من كلمة قد نسيناها! قد اندثرت على مدى الزمان، وعلى طول الأعوام: الحب في الله والبغض في الله.

المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة

المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا القول ليس للصحابة بل لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يجعلنا من أمة الإجابة الذين أجابوا رسول الله وسمعوا لما قال، يقول صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وعلى قربهم من الله -الله أكبر! هؤلاء الناس من الآدميين، هؤلاء الناس من البشر يخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقام رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وعلى قربهم من الله؟! صفهم لنا يا رسول الله؟ فسر وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: هم ناس من أفناء الناس وموازع القبائل لم تصل بينهم أرحامٌ متقاربة إنما تحابوا في الله وتصافوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها فيجعل وجوههم نوراً وثناياهم نوراً يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. الله أكبر! بثمن بسيط نالوا تلك المنازل، بالحب في الله والبغض في الله.

المتحابون في الله يجدون طعم الإيمان

المتحابون في الله يجدون طعم الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بِهِنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أن يحب العبد لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار} رواه البخاري ومسلم. وروى البخاري ومسلم أيضاً: {ثلاثٌُ من كُنَّ فيه وجد بِهنَّ حلاوة الإيمان وطعم الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب في الله ويبغض في الله}.

المتحابون في الله يظلهم الله في ظله يوم القيامة

المتحابون في الله يظلهم الله في ظله يوم القيامة عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟} ليس للمساهمات، ولا للأموال الطائلة، يقول يوم القيامة في ذلك الموقف الرهيب، في ذلك الموقف العظيم الذي يشيب فيه المولود، وتضع الحوامل حملها. {أين المتحابون بجلالي؟} الله أكبر! اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أتبعنا بالمتحابين فيك يا رب العالمين، إنها كلمة لها مقام يا عباد الله! يقول ربنا جلَّ وعلا: {أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} حديث صحيح يرويه الإمام مسلم.

المتحابون في الله يحبهم الله

المتحابون في الله يحبهم الله عباد الله: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر هذا الخبر أن ربنا جلَّ وعلا أرصد ملكاً من ملائكته لعبدٍ من عباده يخبره أنه يحبه، بأي شيء حصل ذلك يا عباد الله؟! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرصد الله على مدرجته -يعني: على طريقه- ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد يا عبد الله؟ قال: أخاً لي في هذه القرية -زيارة لله، حباً لله، تباذلاً لله- قال: هل لك عليه من نعمة؟ تردها} هل شاركك في المساهمة؟ هل ضرب لك سهماً؟ هل أدخل لك مالاً في البنوك الربوية؟ {قال: لا. غير أني أحبه في الله}. الله أكبر! يذهب إلى قرية أخرى لأنه يحبه في الله، وماذا قال له الملك؟ {قال له: فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه}. من فوق سبع سموات يعلم الضمائر وما تخفي الصدور، علام الغيوب يعلم ما في القلوب، يرسل ملكاً من الملائكة لعبدٍ من عباده يخبره أنه يحبه؛ وبسبب أنه يحب أخاً له في الله ويزوره في الله. الله أكبر!

المتحابون في الله يغبطهم النبيون والشهداء

المتحابون في الله يغبطهم النبيون والشهداء عن أبي مسلم رحمه الله؛ وهو تابعيٌ من التابعين قال قلت: لـ معاذ؛ الصحابي الجليل رضي الله عنه: [[والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك، قال: فبأي شيء؟ قلت: لله، قال: فجذبني بحبوتي ثم قال: أبشر إن كنت صادقاً فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء}. يقول أبو مسلم التابعي رحمه الله -لأنهم حريصون على حب الخير وعلى البحث عن الخير- ثم لقيت عبادة بن الصامت؛ صحابي جليل فحدثته بحديث معاذ، فقال عبادة رضي الله عنه: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى: {حقت محبتي على المتحابين فيَّ، وحقت محبتي على المتناصحين فيَّ، وحقت محبتي على المتباذلين فيَّ -هم على أي شيء يا عبادة! كما أخبرك رسول الله؟ - هم على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقين والشهداء}]]. لا إله إلا الله! اللهم أغث قلوبنا بالإيمان.

المتحابون في الله يحشرون معا

المتحابون في الله يحشرون معاً عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {متى الساعة يا رسول الله؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت. قال أنس رضي الله عنه: ما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. قال أنس رضي الله عنه: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم} رواه مسلم. عباد الله: إن في هذا الحديث بشارة عظيمة سارة لمن أحب الله ورسوله وأحب صحابة رسول الله ومن تبعهم بإحسان واقتدى بهم.

محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولوازمها

محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولوازمها عباد الله! الحق والقول الفصل أنه لا يتم ولا يكمل إيمان الإنسان إلا بإيثار النبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة والتكريم على سائر خلق الله. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ومن الناس أجمعين}.

علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم

علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يدلنا على محبة رسول الله؟ كيف نستدل على محبة رسول الله؟ هل بلفظ: (صلى الله عليه وسلم)؟ لا تكفي هذه، بل من علامات محبته صلى الله عليه وسلم: إيثار رضاه، والعمل بشريعته، والنصر لسنته المطهرة، والتأسي به في شمائله وسيرته الكريمة المباركة النيرة، وتنحصر في: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر، هكذا يحصل حب الرسول صلى الله عليه وسلم، أما المحبة السطحية، أما المحبة التقليدية، أما المحبة العلة الزائفة، فتلك دعوة باطلة، وعلة لا تروج، وتبجح كاذب؛ لأن صاحبها يترجم الحجة على صحة دعواه وحقيقة ما ادعاه. والله يقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [التغابن:12]. كذلك يقول في المتحابين في جلاله: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:67 - 68] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] يقال لهم يوم القيامة: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70]. اللهم وفقنا لمحبتك ومحبة رسلك وأوليائك وعبادك الصالحين. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم اقشع عنها غيوم الغفلة يا رب العالمين، اللهم أيقظنا من سِنَةِ الغفلة، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه في الدنيا والآخرة. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

إفشاء السلام سبب للمحبة

إفشاء السلام سبب للمحبة الحمد لله الذي منَّ علينا بالإيمان والإسلام، ونسأله أن يكون صدقاً من عميق وصميم قلوبنا، نسأل الله أن يجعلنا مؤمنين حقاً، ونسأله أن يتفضل علينا بالمنِّة وبالهداية والتوفيق والسداد والحب في الله والبغض في الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وقد دلكم رسول الله على شيء إذا فعلتموه تحاببتم فقال -وهو لا ينطق عن الهوى-: {ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم}. أفشوا السلام بينكم يا عباد الله! سلموا على من عرفتم ومن لم تعرفوا، وتمسكوا بأوثق عرى الإيمان وهو الإسلام وبشرائعه الحسان، وصفو قلوبكم من الغش والخداع، والخيانة والتباغض والتحاسد، واحرصوا على آداب الإسلام، واحمدوا الله على مِنِّة الإسلام واسألوه الثبات عليها.

المصافحة سبب للمغفرة

المصافحة سبب للمغفرة يروي لنا سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده -يعني: إذا صافحه وسلم عليه- تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر}. ويقول أبو عمرو الأوزاعي: حدثني عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد قال: [[لقيته فأخذ بيدي -يعني صافحني- فقال: إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر، قال عبدة رحمه الله: فقلت له: هذا يسير، قال: لا تقل ذلك فإن الله يقول: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63]]]. عباد الله: اعلموا أن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلاله. وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم املئ قلوبنا من محبتك ومن خشيتك ومن معرفتك ومن الأنس بقربك واملأها حكمةً وعلماً. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك. اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، ومن المتواصلين فيك، ومن المتناصحين فيك يا رب العالمين. اللهم ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم واشدد وطأتك عليهم، وارفع يدك عنهم، ومزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:9 - 10]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تحقيق الإيمان

تحقيق الإيمان إن الإيمان بالله ورسوله هو الأصل القويم الذي يرفع صاحبه من العذاب يوم القيامة، ويوجب خلوده في دار النعيم، لكن لابد على العبد أن يحقق الإيمان في هذه الحياة، ويعرف علامات الإيمان الصحيح ويطبقها حتى يرتقي إلى هذه الدرجة. وقد تناول هذا الدرس بيان الإيمان الصحيح والإيمان الباطل والفاسد ونتائجهما، وكيف يكون تحقيق الإيمان في هذه الحياة.

الإيمان الصحيح عقيدة راسخة

الإيمان الصحيح عقيدة راسخة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي, ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! حققوا إيمانكم بالله. أمة الإسلام: إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب ورسخ فيه، وصدقته الأعمال بفعل الطاعات واجتناب المعاصي. إن كل واحد يستطيع أن يقول: أنا مسلم، بل يرتقي إلى أعلى ويقول: أنا مؤمن، كل واحد يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. المنافقون -وهم في الدرك الأسفل من النار- يذكرون الله المنافقون يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: نشهد أنك لرسول الله المنافقون يحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنهم لمنهم وما هم منهم، ولكن كل هذه الشهادات والأيمان لم تنفعهم فهم في الدرك الأسفل من النار، تحت كل مشرك ودهري ويهودي ونصراني؛ لأن هذه الشهادات والأيمان لم تصدر عن يقين وإيمان, ولا عن قبول وإذعان، فقد أخبر بذلك علام الغيوب، فقال وقوله الحق: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] فالإيمان عقيدة راسخة قبل كل شيء، تنتج قولاً سديداً وعملاً صالحاً الإيمان عقيدة راسخة تنتج الحب لله ولرسوله، والإخلاص في توحيد الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام: إن الإيمان جد وعمل, ومثابرة ومصابرة, وحبس للنفس على ما تكره من طاعة الله، ومنع لها عما تحب من معصية الله.

علامات الإيمان الصحيح

علامات الإيمان الصحيح أيها المسلمون: إن للإيمان علامات كثيرة ذكرها الله في كتابه, وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4] وقول الحق جل وعلا: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124 - 125]. أمة الإسلام: يا من نزل القرآن ليهذبهم! من منا إذا ذكر الله وجل قلبه خوفاً من الله وتعظيماً له؟ من منا إذا تليت عليهم آيات ربهم زادتهم إيماناً واستبشروا بها ويجدون في نفوسهم من حلاوة التصديق بها والامتثال لأحكامها؟ من منا قام بتحقيق التوكل على الله والاعتماد عليه وعدم التعلق بالمخلوقين؟ من منا إذا قام إلى الصلاة أقامها على الوجه المطلوب, بالمحافظة عليها وإتقانها؟ من منا قام بالإنفاق مما رزقه الله من بذل زكاة وسد حاجة المعوزين؟

حال المسلمين عند ضياع الإيمان

حال المسلمين عند ضياع الإيمان عباد الله: لابد أن نفكر في حال المسلمين، إننا إذا فكرنا في حال المسلمين اليوم -لا في هذه الجزيرة فحسب, ولكن في جميع البلاد الإسلامية- نجد مسلمين بلا إسلام، ومؤمنين بلا إيمان، إلا أن يشاء الله إسلام بالهوية ونكران لحق الله علانية، إننا نجد في الأمة الإسلامية تقصيراً في الإيمان واليقين، ونجد تقصيراً في الأخلاق الفاضلة وحمايتها، ونجد تقصيراً في الأعمال؛ لأننا نجد بعض الناس -ولا سيما بعض من عاش فترة من الزمن في بلاد الكفر، ونهل وشرب وورد من صديد أفكارهم الملوثة وثقافتهم المزيفة- نجد في هؤلاء من في قلوبهم شك وريبٌ فيما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب نجدهم -والعياذ بالله- في شك من وجود الملائكة، ووجود الجن، وصحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

شك بعض الناس في وجود الله تعالى

شك بعض الناس في وجود الله تعالى إن بعض المسلمين في شك من وجود الله جل وعلا, سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً سبحان الله! يشك في وجود خالقه ولا يشك في وجود نفسه! إن كل من يشك في وجود الله يجب أن يشك في وجود نفسه أولاً؛ لأنه لم يخلقه أحد سوى الله عز وجل. إنه يوجد من المسلمين اليوم من إذا ذكر الله عنده لم يتحرك قلبه أبداً، ولا كأن شيئاً ذكر عنده، فضلاً عن أن يقول لك: يا موسوس! أو يا متزمت! أو يا متجمد! وفضلاً عن أن يوجل قلبه. ويوجد من المسلمين اليوم من إذا تليت عليهم آيات الله لم يزدادوا إيماناً بل يزدادون رجساً إلى رجسهم، فيسخرون بآيات الله وبقارئ القرآن، ويستكبرون عن أحكام الله.

عدم التوكل على الله تعالى

عدم التوكل على الله تعالى ويوجد من المسلمين اليوم من لا يتوكلون على الله تعالى، وإنما يعتمدون على الأسباب المادية المحضة اعتماداً كلياً، ولهذا تجدهم لا يسيرون في طلب رزقهم على شريعة الله؛ ظناً منهم أن الأخذ بالطرق الشرعية يضيق موارد الرزق، فلذلك تجدهم يسعون لتحصيل الرزق بكل وسيلة حلالاً كانت أم حراماً. ويوجد من المسلمين من اعتمدوا على أعداء الله وأعداء الإسلام وأعداء الشريعة في أمنهم وسلامتهم، حتى علا الأمر بهم إلى أن أطاعوهم في بعض الأمور المخالفة لشريعة الله تعالى، وتجد أن هؤلاء الذين أطاعوا الأعداء في بعض الأمور المخالفة للشريعة؛ إنما سلكوا هذا المسلك المنحرف لضعف توكلهم على الله وقوة اعتمادهم على غيره.

تصييع الصلاة ومنع الزكاة

تصييع الصلاة ومنع الزكاة ونجد من المسلمين اليوم -وهم كثير من أولاد المسلمين، نسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً- من لا يقيمون الصلاة ولا يحافظون عليها، فلا يصلون مع الجماعة، ولا يأتون بشروطها وأركانها وواجباتها، فلا يبالون بالطهارة أتقنوها أم فرطوا فيها، ولا يصلون في الوقت المحدد للصلاة، ولا يطمئنون في القيام والقعود والركوع والسجود فنجد أن من الناس الذين قالوا إنهم مسلمون من لا يصلي، بل من يسخر ويستهزئ بمن يصلي. ونجد من المسلمين من هو جماعٌ للأموال مناع لحقها، لا ينفق مما رزقه الله فلا زكاة ولا صدقة ولا أعمال بر، ومع ذلك تجد الكثير من هؤلاء يبذلون أموالهم فيما لا ينفعهم, بل فيما حرم الله عليهم أحياناً. إن المسلمين اليوم في حالة يرثى لها؛ من تضييع لفرائض الله، وتعد لحدود الله, وتهاون في شريعة الله, ونسيان لذكر الله, وأمن من مكر الله, واعتلاء بما خلق لهم، وغفلة عما خلقوا له؛ ولهذا سُلط عليهم أعداؤهم, فأذلوهم واستهانوا بهم وتلاعبوا بهم سياسياً واقتصادياً، حتى صاروا: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171] فإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا، وفي انتظار فريضة من فرائضك التي مننت بفرضها علينا، نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا منان! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! نسألك أن تحبب إلينا الإيمان وإلى أهلينا وأولادنا، وأن تزينه في قلوبنا وترسخه فيها، وأن تكره إلينا وإلى أهلينا وأولادنا الكفر والفسوق والعصيان وتباعدها عنا، وأن تهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشداً. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

دعوة إلى تقوية الإيمان والتمسك بالكتاب والسنة

دعوة إلى تقوية الإيمان والتمسك بالكتاب والسنة الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى، وكل ميسر لما خلق له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ البلاغ المبين، ونصح للأمة وتركها على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل, وتدرعوا بسلاح الإيمان، وتقوّوا بالقوة الربانية قوّوا إيمانكم بالقرب من الله بطاعته، وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، واعلموا أنكم خلقتم في هذه الحياة للابتلاء والامتحان، واعلموا أنكم سوف تقفون بين يدي الله، وسوف تعرضون عليه ويسألكم عن أعمالكم دقيقها وجليلها، فأعدوا للسؤال جواباً إذا وقفتم بين يدي الله حفاة عراة غرلاً في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار تمسكوا بكتاب الله، واهتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحذروا من أعداء الإسلام وأعداء الشريعة، وأهل البدع والمحدثات. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعطفك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أحيي شجرة الإيمان في قلوبنا، اللهم أسقها من غيثك يا رب العالمين، اللهم إن قلوبنا مريضة فاشفها يا رب العالمين، اللهم إن قلوبنا أمرضتها الشبهات والشهوات فاشفها يا رب العالمين، اللهم أخرجها من ظلمات الجهل يا حي يا قيوم، اللهم املأ قلوبنا من محبتك وخشيتك، واملأها من معرفتك، والأنس بك والقرب منك، وحبب إليها طاعتك وطاعة رسولك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك, وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك يا رب العالمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا, وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك. اللهم بك نجول وبك نصول وبك نقاتل، اللهم إنا نجعلك في نحور أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم رد كيدهم عليهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم يا سميع الدعاء. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أوقد نار الغيرة في قلوبهم لمحارمك ولدينك ولنصرة كتابك ولنصرة رسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم أقر أعين والديهم بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين، اللهم انصر بهم دينك يا حي يا قيوم، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، ربنا لا تؤاخذنا بسوء أفعالنا، ربنا لا تؤاخذنا بما صدر من ذنوبنا، فإن رحمتك وسعت كل شيء، ومغفرتك أوسع من ذنوبنا، لا إله إلا أنت سبحانك لا رب لنا سواك، ولا إله لنا غيرك يا ملاذنا! يا ملجأنا! يا مغيث اللهفات! يا مجيب الدعوات! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، عاماً مجللاً طبقاً عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا غرق، اللهم صل وسلم على نبينا محمد. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

حق المسلم على المسلم

حق المسلم على المسلم إن دين الإسلام الحنيف جاء إلى هذه الأمة بحفظ حقوقها، وتعزيز كرامتها، وعدم تهميش أفرادها، فأعطى كل ذي حق حقه، وقد تناول حقاً عظيماً وهو حق المسلم على المسلم جملةً وتفصيلاً كما وردت فيه الأحاديث.

رابطة الأخوة الإيمانية

رابطة الأخوة الإيمانية الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة في الإيمان، وشبههم بالبنيان، وشرع لهم من الأسباب ما تقوم به تلك الأخوة وتستمر على مدى الزمان، أحمده وأشكره، وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من المؤمنين حقاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث إلى جميع الإنس والجن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. أيها الإخوة في الله! إن دين الإسلام الميسر الحنيف الذي عنى بمصالح البشر ومتطلبات معاشهم ومعادهم قد أوجب على بعضهم البعض حقوقاً، فبالأخذ بهذه الحقوق والتأدب بها يسود بين المؤمنين الوئام والتآخي والتعافي والتشاد؛ استجابةً لنداء الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فهذه الأخوة والرابطة الدينية أقوى من كل رابطة وصلة، فحققوها بالتحاب بينكم والتآلف، ومحبة الخير بعضكم لبعض، وبالتعاون على الخير، وبفعل الأسباب التي تقوي ذلك وتنميه، وترك الأسباب التي تضعف ذلك وتنقصه، فالأمة لا تكون أمة ولا يجتمع لها قوة حتى تكون كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً} ويقول صلى الله عليه وسلم: {المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربة، فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة} وفي رواية: {من يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة}. كذلك -يا عباد الله- {مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} هكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}. الله أكبر ولا إله إلا الله! إعلان هام من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}.

الحقوق الإسلامية

الحقوق الإسلامية يقول صلى الله عليه وسلم: {حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس} متفقٌ عليه.

من حقوق الإسلام: رد السلام

من حقوق الإسلام: رد السلام لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برد السلام؛ لما في السلام من الألفة وحصول المحبة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله وأبلغ، فقال: {والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم} رواه مسلم فإذا لقي بعضكم بعضاً، فليسلم عليه، وخيركم الذي يبدأ بالسلام. أمة الإسلام! سلموا على من عرفتم ومن لم تعرفوا، ولا يكن السلام للمعرفة، بل السلام على جميع المسلمين.

من حقوق الإسلام: عيادة المريض

من حقوق الإسلام: عيادة المريض وكذلك من حق المسلم على أخيه المسلم: عيادته إذا مرض، له في هذه الزيارة خيرٌ كثير، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع قيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: جناها} وأيضاً ورد: {ما من مسلمٍ يعود مسلماً غدوةً إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنة}. ألا يا عباد الله! فحافظوا على هذه الحسنات وأخلصوا لله النية في جميع الأعمال.

من حقوق الإسلام: اتباع الجنازة

من حقوق الإسلام: اتباع الجنازة كذلك من حق المسلم على أخيه المسلم: اتباع الجنازة، ومن المؤسف جداً، ومن المحزن كثيراً! أن الكثير لا يهتم بهذا الحق لأخيه المسلم، إلا إذا كان ذا جاهٍ أو سلطانٍ أو مال؛ فإننا نرى المقبرة تمتلئ بالكثير من الناس، تمتلئ بالكابرس والمرسديس والسيارات المتنوعة كل ذلك إذا كان الميت صاحب جاهٍ أو سلطانٍ؛ فإننا نرى المقبرة تمتلئ بالكثير من الناس، هل هذا لله أم لطلب الدنيا يا عباد الله؟ أما إذا لم يكن ذا جاهٍ ولا سلطان ولا مال، فإنه لا يؤبه له، ولا تتبع جنازته، وهذا مما يتنافى مع الآداب الإسلامية، ومع الوصية النبوية لحق المسلم؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: اتبعوا الكبار والأغنياء والملوك، ولا تلتفتوا إلى بقية المسلمين؟! لا. وحاشاه أن يقول ذلك صلى الله عليه وسلم، بل قال: {حق المسلم على المسلم} سواء كان ملكاً أم مملوكاً، وسواء كان فقيراً أم غنياً، فلننتبه لذلك، ولنحذر من شرور أنفسنا الأمارة بالسوء. أمة الإسلام! إنه من المؤسف جداً أن نرى الفقير لا يتبعه إلا اثنان أو ثلاثة، ثم يكون عليهم عالةً في الدفن يا عباد الله! أين التعاون؟ أين التراحم؟ أين التلاطف؟ أين الأخوة الإسلامية يا عباد الله؟ عباد الله! إن في الصلاة على الجنازة واتباعها أجرٌ عظيم، وفضلٌ جزيل، لا يتخلى عنه إلا من حرم نفسه الأجر، يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: {من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها، فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين} متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من اتبع جنازة مسلمٍ إيماناً واحتساباً- لا يكون فخراً ولا رياءً ولا سمعةً ولا أشراً ولا بطراً- وكان معه حتى يُصلى عليه ويفرغ من دفنها، فإنه يرجعُ من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثلُ: أحد. ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تُدفن، فإنه يرجعُ بقيراط} متفق عليه. أمة الإسلام! لماذا نضيع هذه الفرائض؟ لماذا نضيع هذه الحسنات؟ كل ذلك اتباعاً ورغبةً لشهوات النفس.

من حقوق الإسلام: تشميت العاطس

من حقوق الإسلام: تشميت العاطس كذلك من حق المسلم على أخيه المسلم: تشميته إذا عطس فحمد الله، أما إذا لم يحمد الله، فلا تشمته، إذا عطس فحمد الله، فإنه يُقال له: يرحمك الله، ويقول العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم. عباد الله! هذه بعض الحقوق للمسلم على أخيه المسلم، فعليكم بالتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:102 - 103]. اللهم ارزقنا التمسك والاهتداء بما يرضيك، اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الإسلام يدعو إلى الاعتصام والتآخي في الله

الإسلام يدعو إلى الاعتصام والتآخي في الله الحمد لله الذي أتم علينا نعمة الإسلام، وأكمل لنا الدين وشرعه الحكيم، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وتعانوا على البر والتقوى، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فمن واجب المسلم على أخيه المسلم أن يكف أذاه عنه، ولا يحقره ولا يخذله ولا يسلمه، ولا يضاره، ولا يشق عليه، فليعينه ويرد عليه السلام، ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطش فحمد الله، وينصره في مواطن الظلم {انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً} إن كان مظلوماً فانصره، وإن كان ظالماً فاحجزه واردعه عن الظلم، وانصح لأخيك المسلم إذا استنصح منك، نفِّس عنه كرب الدنيا، ويسر عليه عند إعساره. هذه نماذج مما جاء للمسلم على أخيه المسلم من حقوقٍ جاء الإسلام بها؛ ليرفع بها أهل الإسلام من حياة التقاطع والتدابر والتناحر إلى حياة أفضل، إلى حياة الترابط والتآخي في الله، إلى حياة التناصح والتعامل من أجل الله، ليصبحوا بهذا جسداً واحداً، وقلباً واحداً، ينبض بروح الإيمان والمحبة لعباد الله. عباد الله! صلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى تعاليم الإسلام، اللهم وفقنا لتعاليم الإسلام، اللهم اهدنا إلى الطرق الموصلة إلى سبل السلام، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرهم بنصرك المبين، اللهم انصرهم بنصرك المبين، اللهم انصرهم يا رب العالمين، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، واخذل من خذل الإسلام وأهله، اللهم أدر دائرة السوء على أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم دمرهم تدميراً يا رب العالمين، اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين، إنك القادر على ذلك يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أصلح أولادنا ونسائنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، وعن جميع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا. اللهم اجعلنا إخوةً متحابين فيك، متراحمين فيك، متعاطفين فيك، اللهم اجعل في قلوبنا الألفة والإيمان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

مكانة الصلاة في الإسلام

مكانة الصلاة في الإسلام الصلاة من أعظم أركان الإسلام، وهي سبب الفوز والفلاح، وتركها سبب للخزي والدمار والشنار في الدنيا والآخرة؛ والصلاة جماعة في المسجد من علامات المؤمنين، والتهاون بها من علامة المنافقين، وأما تارك الصلاة بالكلية فهو كافر خارج من الملة، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يقبر في مقابر المسلمين.

المحافظة على الصلاة سبب الفلاح

المحافظة على الصلاة سبب الفلاح الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، والصلة القوية بين جلالته المقدسة وبين عباده المؤمنين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله المعبود، الذي له الركوع والسجود. وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، أفضل المصلين، وإمام الخاشعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، الذين كانوا على صلواتهم يُحافظون، ويُسارعون إلى الخيرات وهم لها سابقون، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعليهم أجمعين، وألحقنا بالصالحين يا رب العالمين. عباد الله! يا من يؤمنون بكتاب الله حق الإيمان! يا من يؤمنون بالقرآن وما فيه من الحِكَم والأحكام! إنه في كثيرٍ من سوره يأمركم بإقامة الصلاة للمحافظة على الخشوع فيها، وتارةً يأمر بالترغيب والوعد بالفردوس لمن في قلوبهم شوقٌ إلى الصلاة، قال ربكم جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] إلى أن قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10 - 11].

ترك الصلاة سبب لدخول النار

ترك الصلاة سبب لدخول النار أمة الإسلام! يأتي القرآن تارة بالتهديد والتخويف الذي ترتعد منه الفرائص، وتندك منه الجبال الصم لو خوطبت به كما في قوله جلَّ وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] ما هو الغي يا عباد الله؟ ما هو الغي يا أمة الإسلام؟ ما هو الغي يا من يراد منكم أن تتدبروا القرآن؟ الغي: هو وادٍ في جهنم، وفيما ذكر عن أهل النار إذا سئلوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:42 - 43].

القرآن يأمر بالحفاظ على الصلوات

القرآن يأمر بالحفاظ على الصلوات وتارةً يأمر القرآن بالقول المطلق، كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة:238] ولا غرابة -يا عباد الله- أن يقف القرآن الكريم من الصلاة هذا الموقف، وكذلك ينادي بالمحافظة على الصلوات، ويصدع بذكرها الخطباء والوعاظ؛ لأن الصلاة أعظم ركنٍ من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وعمود الإسلام الذي لا يقوم إلا عليه، فمن أقام الصلاة أقام دينه، ومن هدم الصلاة هدم دينه، وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً. فاتقوا الله عباد الله! اتقوا الله في صلاتكم لا تضيعوها، فلا دين بعد ضياع الصلاة، لأن الصلاة آخر ما يفقد من الدين.

التكاسل عن أداء الصلاة من صفات المنافقين

التكاسل عن أداء الصلاة من صفات المنافقين أمة الإسلام! ابتعدوا عن صفات الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، الذين يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً، فإنهم وُعِدُوا بوعيد شديد وهو الدرك الأسفل من النار. عباد الله! لا تُأخروا الصلاة عن أوقاتها، لا تزوجوا المسلمة من تارك الصلاة، ولا تورثوا تارك الصلاة من أقاربه المسلمين ولا يدفن تارك الصلاة في مقابر المسلمين، ولا يصلى على جنازته، لأنه كافر بإجماع علماء الإسلام والمسلمين. عباد الله! حافظوا على صلاتكم وتناصحوا بها، وهي آخر ما أوصاكم بها نبيكم عليه الصلاة والسلام، وجديرٌ بكل مؤمن أن يحافظ على وصية أبي القاسم صلى الله عليه وسلم يقول وهو يلفظ آخر أنفاسه: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم}.

الأدلة على وجوب الصلاة في الجماعة

الأدلة على وجوب الصلاة في الجماعة عباد الله! أدوا الصلاة جماعة في المساجد، فالقرآن يقول: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] لا تغتروا بمن عميت بصائرهم، وتحجرت قلوبهم، واشتد الران على قلوبهم، فأصبحت أنفسهم الأمارة بالسوء تُزين لهم أن يُصلوا في البيوت كأنهم لم يسمعوا أو يؤمنوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه همَّ بإحراق المتخلفين عن الصلاة في المساجد، فلقد همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق المتخلفين عن الصلاة في المساجد، ولم يمنعه من ذلك إلا ما في البيوت من نساءٍ وصبيان لم تجب عليهم الصلاة. يا عباد الله! لقد مرَّ على أسماعكم خبر الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {إني رجلٌ أعمى، وإن المدينة كثيرة الهوامِّ والسباع، وليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، وأخيراً قال له صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: لا أجد لك رخصة}. عباد الله! لقد حانت الصلاة والمعركة حاميةٌ بين المسلمين والمشركين، فقام وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يمنعه من ذلك القتال في سبيل الله، قام وصلاها هو وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، البعض تجاه العدو، والبعض يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول وصحابته رضي الله عنهم أجمعين ذووا الفهم السليم، والذوق الصحيح، والإدراك الجاد، قاموا إلى الصلاة ولم يجدوا رخصة في تلك الساعة الحرجة في مقابلة الأعداء، فما عذر المتخلف لغير عذرٍ شرعي؟ عباد الله! إن الاجتماع للصلاة في المساجد شعيرةً إسلاميةً بها يتعارف المسلمون، وبها يفقد المريض فيُعاد، ويعرف المنافق فيحذره المسلمون. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:37 - 38]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة الحمد لله رب العالمين، أحمده وأشكره، وبه أستعين على أمور الدنيا والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو خير معين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها المسلمون! اتقوا الله وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وأدوا الصلاة في أوقاتها المفروضة التي أوضحها الشارع الحكيم. واعلموا -يا عباد الله- أن تأخير الصلاة عن وقتها كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وترك الصلاة بالكلية كفرٌ محض مخرجٌ عن الدين الإسلامي، واعلموا وتيقنوا حق اليقين أن تارك الصلاة كافر لا يجوز للمسلم أن يزوجه من ابنته المسلمة، وإذا مات لا يرث ولا يورث ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تجوز مؤاكلة تارك الصلاة، ولا مجالسته، ولا مصاحبته ما دام تاركاً للصلاة، يُستتاب تارك الصلاة لفعلها ثلاثة أيام، فإن تاب وأقام الصلاة وإلا قُتِلَ حداً بالسيف كافراً مرتداً، نعوذ بالله من سوء الخاتمة. أيها المسلمون! يا من نزل على نبيكم قوله تعالى آمراً لكم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110]. إن السكوت عن تارك الصلاة لا يسمح به الإسلام، وإنما نتج ذلك من نقص الإيمان وعدم المبالاة بأداء هذا الركن العظيم الذي هو آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، كيف يليق بالمسلمين أن يهملوا هذا الركن العظيم، وذلك بعدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، فلذلك يوجد كثيرٌ من أهل المحلات في محلاتهم لا يشهدون الصلاة مع المسلمين، وكذلك بعض الموظفين في دوائرهم، وبعض العمال في أعمالهم، وكذلك في النوادي والملاعب، فإنا لله وإنا إليه راجعون! كذلك يوجد الكثير من المجاورين للمساجد لا يصلون مع المسلمين إلا القليل. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا {آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة} فإنا لله وإنا إليه راجعون! إن ترك الصلاة والتجول في الشوارع في أوقات الصلاة معاندة لله رب العالمين. أيها المسلمون! إن خلو المساجد من كثيرٍ من الشباب يحزن القلوب، ويندي الجبين، ويحز بالنفس! يرجع ذلك لمصلحة أعداء الإسلام الذين يحاولون ليل نهار إبعاد المسلمين عن دينهم الحنيف، وعن تعاليمه السامية، وعن أخلاقه الفاضلة الباعثة للنصر والتمكين.

نداء للشباب بالمحافظة على الصلاة

نداء للشباب بالمحافظة على الصلاة فيا شباب الإسلام! يا من تملئون النوادي والملاعب! يا من تملئون المدارس! الله الله بدينكم، الله الله بالمحافظة على كرامتكم وأخلاقكم وآدابكم التي جاء بها القرآن العظيم لا تضيعوها، فإن العالم بأسره يتطلع إليكم تطلع الظمآن، وينظر إليكم بعين الاقتداء، لأنكم في بلد الإسلام وفي مهبط الوحيين ومنبع الرسالة. حاربوا -يا شباب الإسلام- كل خلق يتنافى مع تعاليم الإسلام، وقوموا لله حق القيام، قوموا لله قانتين، حافظوا على الصلة العظيمة، والمنحة الكريمة التي منحكم الله إياها وفرضها عليكم ألا وهي الصلوات الخمس، قوموا بها بأركانها وخشوعها وسننها وواجباتها حتى تفلحوا وتحوزوا الفردوس الأعلى. وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي قال وهو لا ينطق عن الهوى: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى تعاليم الإسلام، وارزقنا التمسك بدين الإسلام. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين يا رب العالمين. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين من الشيوعيين واليهود والنصارى المبشرين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم أدر عليهم دائرة السوء يا رب العالمين، اللهم مزق شملهم وشتته يا رب العالمين، اللهم أدر عليهم دائرة السوء. اللهم وأصلح أئمتنا وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلهم نصرةً لدينك، وحرباً على أعدائك، وسلماً لأوليائك يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوفٌ رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الحذر من السرعة الجنونية والتوبة إلى الله

الحذر من السرعة الجنونية والتوبة إلى الله من الأمور المعلومة شرعاً تحريم إلقاء النفس إلى التهلكة وتعريضها للتلف، وإن من أنواع إلقاء النفس إلى التهلكة قيادة السيارة بسرعة مفضية للهلكة، وهو وإن لم يؤد إلى حادث مؤسف فإنه من أذية المسلمين المحرمة شرعاً، ومن الأمور الموجبة للعن من قبلهم، فهي أشد من التبرز في طرقات الناس بلا شك، وقد كثرت في الآونة الأخيرة الحوادث المؤسفة؛ وذلك نتيجة للترف وضعف الوازع الديني في النفوس.

أدلة تحريم إلقاء النفس في التهلكة

أدلة تحريم إلقاء النفس في التهلكة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على نعمه الكثيرة التي لا تحصون لها عدداً. عباد الله: إن من نعم الله تعالى التي أنعم بها علينا، ومنحنا إياها وسائل النقل بجميع أنواعها، فإنها نعمة لمن استعملها في مرافق حياته المباحة، وإن الله قد حرم على المرء أن يعرض نفسه للهلاك ومن أدلة ذلك ما يلي: الدليل الأول: عباد الله: لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحقن الدماء والمحافظة عليها، قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:30]. عباد الله: تلكم الآية الكريمة تنذركم ألا تقتلوا أنفسكم؛ لأن الله كان بكم رحيماً، فإن قتلتم أنفسكم عدواناً وظلما فسوف يصليكم ناراً وكان ذلك على الله يسيراً. الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً}. الدليلين الثالث والرابع: وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم، قال رسول الله الهدى صلى الله عليه وسلم: {من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة} وروى البخاري ومسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان فيمن كان قبلكم رجل كان به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة فهو في النار}. ففي هذه الآية السالفة والأحاديث الصحيحة، تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

تحريم السرعة المفضية للموت

تحريم السرعة المفضية للموت لقد قرر بعض العلماء وفقهم الله لما يحبه ويرضاه: أن سائق السيارة إذا كان لا يعرف القيادة وقاد السيارة بدون معرفة، ثم حصل له حادث، ثم مات فقد تعرض لإتلاف نفسه، زد على ذلك إذا كان معه مجموعة فإنه يزاد عليه في العذاب؛ لأنه لم يأخذ بالأسباب الواقية وهي معرفة القيادة. فمع الأسف الشديد مجرد ما يخرج الرجل في نفوذه، يقول لصاحب المعرض: وجه لي السيارة، ثم يمشي بها من دون معرفة نسأل الله العفو والعافية، فهذا داخلٌ تحت الوعيد الشديد الذي مر آنفاً بالأحاديث الصحيحة والآية الكريمة. وقرر أيضاً بعض العلماء رحمهم الله: أن السائق إذا تعدى السرعة التي تمكنه من التصرف بالسيارة أثناء الحادث ومات فهو داخل تحت الوعيد الشديد؛ إلا من فعل الأسباب: الرفق، ومعرفة القيادة، وعدم السرعة التي تهدد حياته وحياة البشر جميعاً.

انتشار الحوادث المرورية وأسبابها

انتشار الحوادث المرورية وأسبابها فكم نسمع بآذاننا، ونرى بعيوننا من الحوادث التي تقشعر منها الجلود، ويندى لها جبين كل رحوم، وكم تُحدِّث: أصبح أولاد فلان أيتام، وأصبحت نساؤه أرامل، وكم نسمع: لقد ذهب فلان وأهله وأولاده ضحية حادث، فهل ارتدع البعض من الناس عند سماع هذه الأخبار؟ كلا والله، فإنهم في غيهم يعمهون، وعلى السرعة الجنونية مستمرون، نتيجة ذلك وحاصله نقص الإيمان، وعدم احترام الأرواح البريئة، وقسوة القلوب التي أثرت عليها عوامل الشر والفساد من أكل الحرام، واستعمال المخدرات التي فشت وانتشرت، نسأل الله أن يقطع دابر من يستوردها، وأن يجعله فريسة لسباع البر قبل أن يدخل بها بلاد المسلمين. يا عباد الله: احذروا من السرعة، احذروا يا من تعرضون أنفسكم وأهليكم وأولادكم للخطر وأنتم لا تشعرون! احذروا أن تقعوا في وعيد الله، في هذه الآية الكريمة التي يقول فيها: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} لكن إذا اعتديتم وتجرأتم وتعديتم الحدود وحصل منكم بعض الأسباب التي جنيتم بها على أنفسكم من قتل أو غيره فعند ذلك سقطت حرمتكم من عين الله عز وجل، وحل بكم هذا الوعيد {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}.

النهي عن إيذاء المؤمنين

النهي عن إيذاء المؤمنين أمة الإسلام عباد الله! من رحمة الله جل وعلا أنه ينهى عن إيذاء المؤمنين، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] وما أكثر الأذى اليوم! إلى الله نشكو، ما أكثر الأذى اليوم في شوارع المسلمين العامة والخاصة! وهو ما يحصل من البعض من الإزعاج، سواء كان من السرعة، أو التفحيط، أو مغازلة النساء، أو معاكسة الفتيات، فإنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا نهاية قصدنا، ولا إلى النار مصيرنا، ولا تسلط علينا سفهاءنا، اللهم لا تسلط علنيا من لا يرحمنا من السفهاء وغيرهم يا رب العالمين. بقي شيءٌ أختم به الكلام، وهو أنه ينبغي للمسلمين جميعاً أن يكونوا يداً واحدة متعاونين على البر والتقوى، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويأخذون على أيدي السفهاء ويأطرونهم على الحق أطراً، ولا يتركون لهم الحبل على الغارب، كونوا عباد الله إخواناً متناصحين ومتحدي الصف والكلمة، ولا يخذلنكم الشيطان عن ذلك إنه لكم عدو مبين. اللهم وفقنا جميعاً وأئمتنا وولاة أمورنا للقيام بما يرضيك يا رب العالمين، واجعلنا هداة مهتدين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا أرحم الراحمين. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

التوبة النصوح

التوبة النصوح الحمد لله الذي فتح باب التوبة للمذنبين، وكتب الرحمة لعباده المؤمنين، وأشهد أن لا إله أن لا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر الميامين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: استجيبوا لنداء الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8]. عباد الله: إن الله يدعوكم إلى التوبة النصوح، وقد فتح باب الرحمة والتوبة للمؤمنين على مصراعيه، وجعله أوسع الأبواب، ليعلموا أن لهم رباً عظيما يتضاءل بالتوبة أمام رحمته وعفوه كل ذنب.

حقيقة التوبة النصوح

حقيقة التوبة النصوح عباد الله إن التوبة النصوح الصحيحة التي يكفر الله بها السيئات ويدخل بها الجنات هي الإقلاع عن الذنوب جميعها؛ الصغائر منها والكبائر، ويندم على ما مضى منها، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل، ويرد المظالم، ويتحلل من أهلها قبل يوم القيامة.

من التوبة الكف عن إيذاء المؤمنين

من التوبة الكف عن إيذاء المؤمنين عباد الله: توبوا إلى ربكم وأسلموا له واعملوا صالحاً ينجيكم من عذابه يوم القارعة، يوم الطامة والزلزلة، يوم الحسرة والندامة، فلا تكونوا غافلين عن الموت هاذم اللذات، ولا تنسوا سكرات الموت وأهواله، فهنيئاً لمن تيقظ وتاب وأناب وعمل صالحاً! وتباً لمن غفل وأسرف على نفسه، وسوَّف بالتوبة ووافته المنية على إصراره، وعلى إيذاء عباد الله وإزعاجهم بملاحقة النساء، والتفحيط في شوارعهم العامة والخاصة، ويا لها من فتنة عمياء وتقليد أحمق! اللهم اهدِ ضال المسلمين. عباد الله: أولادكم أمانة في أعناقكم، ونحن مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة. عباد الله: لينظر كل منا منقلبه ما دام في زمن الإمهال، وليتعرف إلى الله عز وجل، وليتفكر في منتهاه ما دام الأمر ممكناً، قبل {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56]. عباد الله: إن على الإنسان أن يعمل سراً وجهراً بطاعة الله جل وعلا، ويذكر ربه وما أحاطه به من النعم، وما له عليه من حقوق، ويذكر ضعفه وموته وما في القيامة من أهوال وماذا عمل، يذكر ذلك استعداداً لذلك اليوم العظيم المروع، فيستحضر تقصيره، ويتذكر تفريطه، وما يدري ما يفعل به. فيا أخي المسلم: إن المعاصي تمحق بركة العمر والرزق والعلم، والطاعة والتوبة واجبة في كل وقت امتثالاً لأمر الله ورسوله بها، فهيا إلى التوبة يا عباد الله!، فالحياة مرة، فإذا انتهت فلا كرة ولا رجوع، هيا إلى التوبة من قبل أن يأتي يومٌ لا بيع فيه ولا خلال، فقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب، والمسوف بالتوبة بين خطرين عظيمين؛ إما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو، وإما أن يعاجله المرض وهاذم اللذات فجأة فلا يجد مهلة لتدارك ما فات. اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. اللهم أصلحنا جميعاً، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا جميعاً هداة مهتدين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

الحث على الأمر بالمعروف

الحث على الأمر بالمعروف إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أفراد هذه الأمة، إذ أنه ركن من أركان هذا الدين، ولا يقوم دين الإسلام إلا به، ومن رحمة الله لهذه الأمة الإسلامية أن بين لها ما يضرها وما ينفعها. وفي هذا الدرس بين الشيخ أهمية الأمر بالمعروف وفضله ومنزلته من الدين، وذكر عاقبة تركه وإهماله.

المؤمن لا يغتر بالدنيا ولا يأمن مكر الله

المؤمن لا يغتر بالدنيا ولا يأمن مكر الله الحمد لله القوي العظيم، الرقيب الشديد، يدبر خلقه كما يشاء بحكمته، فهو الفعال لما يريد، أحسن ما شرع، وأتقن ما صنع فهو الولي الحميد، حد لعباده حدوداً, ونظم لهم تنظيماً، وقال لهم: {وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] فصار الناس على أقسام: فمنهم ظالم لنفسه, ومنهم مقتصد, ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وهو الملك القهار فلا ضد له ولا نديد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائم بأمر الله، الناصح لعباد الله على الرشد والتسديد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وافضوا أسماعكم إلى نداء رب العالمين, حيث يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33] ويقول جل وعلا: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] ويقول جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]. أمة الإسلام: لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، لا تغرنكم الأموال وكثرتها، ولا تغرنكم الزخارف والأماني الخداعة، ولا يغرنكم رغد العيش ونضارة الدنيا وزهرتها، ولا يغرنكم ما أنعم الله به عليكم من العافية والأمان، ولا يغرنكم إمهاله لكم مع تقصيركم في الواجب وتماديكم بالعصيان، إن اغتراركم بهذا من الأماني الباطلة والآمال الكاذبة {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].

أسباب تدهور الأمة الإسلامية

أسباب تدهور الأمة الإسلامية أمة الإسلام: لقد انتشرت المعاصي في مجتمع الأمة الإسلامية، وأصبح ما كان منكراً بالأمس معروفاً اليوم، أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات وتعاملوا بالربا ومنعوا الزكاة، ابتعدوا عن الحياة، انتهكوا الحرمات، صاروا كالبهائم يطلبون متاع الدنيا وإن أضاعوا الدين، صدوا عن سبيل الله واتبعوا سبل الكافرين، زين لهم سوء أعمالهم فظنوا ذلك تحرراً وتقدماً وتطوراً، وما علموا أن ذلك هو الرق تحت قيود الهوى، والتأخر عن الفضائل إلى الوراء، والتدهور إلى الهواية والردى. أيها المسلمون! إن أسباب هذا التدهور ترجع إلى أمرين: الأول: ضعف الدين في النفوس, وقوة الداعي إلى الباطل. الثاني: ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمداهنة في دين الله عز وجل. يا أمة الإسلام: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن حماية الدين، وإن عزّ هذا الدين لا تكون ولا تحصل إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم يا أمة الإسلام، الأمر بما أمر الله به ورسوله، والنهي عما نهى الله عنه ورسوله، وذلك بقصد النصيحة لله ولعباد الله، بقصد الدعوة والإرشاد.

فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها المسلمون! إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على هذه الأمة الإسلامية التي هي أفضل الأمم وأكرمها على الله إن استقامت على دين الله عز وجل، ومصداق ذلك في كتاب الله الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول وقوله الحق: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] ثم النهي عن ألا تقع هذه الأمة بما وقع بها من سبقها من الأمم قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. أمة الإسلام: إنكم إن قمتم بهذا الذي أمركم الله به كنتم خير أمة أخرجت للناس، وإن تركتم ذلك كنتم من شرار الأمم، إنه لا نسب بين الله وبين عباده، ولكن من اتقاه فهو الكريم عنده جل وعلا، أكرم الناس عند الله أتقاهم لله. أيها المسلمون: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الناس جميعاً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل تعلم الفئة التي أسند إليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن في بيتك من المنكرات الضارة في دينك وفي دنياك؟ هل تعلم أن عندك في بيتك أولاد لا يعرفون الإسلام؟ هل تعلم أن في بيتك نساء لا يعرفن الله طرفة عين؟ كل ذلك وُكِلَ أمره إليك {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف واجب على الناس جميعاً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} البعض من الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بفئة معينة من الناس وهذا ظن فاسد, فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: {من رأى منكم منكراً} وهذا عام لكل من رأى المنكر يجب أن يغير بيده: بالضرب أو غيره، فإن لم يستطع فبلسانه: بالكلام والنصح والإرشاد، أو الكلام مع ولاة الأمور إن لم ينفع الكلام مع ذلك الذي يعمل المنكر. وكل واحد منا يستطيع أن يتكلم مع المسئولين في منع المنكر، ويجب على المسئولين إذا بلغهم الأمر أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح, وأن يجتمعوا على ذلك لينالوا الفوز والفلاح، إن علينا جميعاً أن نترك الدعة والسكون وأن نقوم لله مخلصين له الدين، وأولاً نبدأ بأنفسنا وأهلينا وأولادنا ومن تحت أيدينا، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر.

عاقبة الفساد في الأرض وانتشار المعاصي

عاقبة الفساد في الأرض وانتشار المعاصي أيها المسلمون: إن من المؤسف المروع أن ترى مجتمعنا الإسلامي، أمة محمد صلى الله عليه وسلم تراها هكذا شعوباً متفككة ومتفرقة، مضيعين لأمر الله، لا يغارون لدين الله، ولا يتفقد الرجل أهله وولده لا ينظر في جيرانه، بل تراه يرى المعاصي فيهم ولا ينهاهم عنها، ويرى التقصير في الواجب فلا يتداركه، وهذا -أيها المسلمون- ينذر بالخطر الجسيم والعذاب الأليم لا سيّما مع كثرة النعم والانغماس في الترف. نعم يا أمة الإسلام! إن النعم تدر علينا ليل نهار, ونحن نتمادى في المعاصي، نقصر في طاعة الله، وهذا -والله- ينذر بالخطر الجسيم والعذاب الأليم لا سيما مع كثرة النعم, والانغماس في الترف, يقول سبحانه وتعالى محذراً في القرآن العظيم: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16]. قول بليغ يفهمه كل إنسان {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ويقول جل وعلا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]. اللهم ألهمنا رشدنا, وهيئ لنا الخير واجمع كلمتنا على الحق يا رب العالمين، اللهم أبرم لأمتنا الإسلامية أمراً يؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله أمر بطاعته وطاعة رسوله, ورتب على ذلك أجراً عظيماً، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله, ورتب على من ارتكب ذلك أن يعاقبه بما يستحق من العقوبة في الدنيا والآخرة. أحمده وأشكره الذي لم يتركنا هملاً ولم يخلقنا عبثاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل الخلق على الإطلاق في الدعوة والإرشاد والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا لله عز وجل، اتقوا الله عز وجل، اتقوا الله عز وجل، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حافظوا على حدود الله، تمسكوا بالأخلاق القيمة والآداب الجميلة، قوموا بأوامر الله وانتهوا عن ما نهاكم عنه، واتحدوا ولا تتفرقوا، واعلموا أن الأمة لا يمكن أن تكون أمة قوية مرموقة حتى تتحد في أهدافها وأعمالها، ولا يمكنها ذلك حتى تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون على دين واحد في العقيدة والقول والعمل، وتنهج صراطاً مستقيماً، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، أما إذا لم تقم بذلك فإنها تتفكك وتنفصم عراها، يكون لكل واحد هدف ولكل واحد طريق وعمل؛ عند ذلك يتفرقون أحزاباً وشيعاً، يتيهون في متاهات الضلال، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. أيها المسلمون: إذا لم تقم الأمة بأمر الله وتسعى في إصلاح المجتمع بالالتزام بدين الله فمن الذي يقوم ويسعى بذلك؟ وإذا لم نتكاتف على منع الشر والفساد فكلنا هالك، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه أو أكيله -أي: يأكل معه- فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب ببعضهم على بعض، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصو وكانوا يعتدون} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنّ على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض, ثم يلعنكم كما لعنهم} فاتقوا الله عباد الله وكونوا على حذر فإن الله يغار. لما فتح المسلمون جزيرة قبرص فرق أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرُئي أبو الدرداء رضي الله عنه -وهو صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- يبكي فقيل له: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا هم أضاعوا أمر الله، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى، صاروا إلى الأسر، صاروا إلى القتل والهوان. فاتقوا الله يا عباد الله، واعتبروا يا أولي الأبصار، اعتبروا يا أولي الألباب واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها المسلمون! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله كما قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأكرم وأنعم بهم من رجالٍ قاموا بأمر الله, ونهجوا الطريق المستقيم, رضي الله عنهم وعن جميع أصحاب رسوله أجمعين، وعنا معهم بفضله وكرمه وإحسانه، وإن كنا مقصرين إنه أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعد للمسلمين كرامتهم وعزتهم يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمة وولاة أمور المسلمين ووفقهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا حي يا قيوم، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أدر عليهم دائرة السوء، اللهم مزق شملهم، وشتت جمعهم، واقطع دابرهم، واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط, وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، اللهم أرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، الله أغثنا، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكرو على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

التبرج والسفور

التبرج والسفور جاء الدين الإسلامي بسد كل السبل المفضية إلى الوقوع في الإثم والفاحشة، ولما كان التبرج والسفور من أسباب انتشار الفاحشة ومن ثم عقاب الله؛ نهى الله المؤمنات عن ذلك، وأمرهن بلزوم البيوت، وإخفاء المفاتن ومواضع الزينة، وعدم تليين الكلام، وعدم الاختلاط بالرجال. وأمر الله الرجال والنساء جميعاً بغض البصر ولزوم مراقبة الله في السر والعلن.

ظاهرة التبرج والسفور

ظاهرة التبرج والسفور الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعم, ورضي لنا الإسلام ديناً, نحمدك اللهم ونشكرك ونشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك, قلت وقولك الحق: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك أدى الأمانة وبلِّغ الرسالة ونصح الأمة. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتمسكوا بدين الإسلام، وطبقوا دين الإسلام كما أراد الله ظاهراً وباطناً, واحذروا مضلات الفتن، وحاربوا البدع والعادات القبيحة, التي جاء الإسلام ليقضي عليها ويزيلها. أمة الإسلام: إنه لا يخفى على كل من له معرفة ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهنَّ, وعدم التحجب من الرجال, وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة.

السفور من أسباب عقوبة الله

السفور من أسباب عقوبة الله إن من أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات ما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش, وارتكاب الجرائم, وقلة الحياء, وعموم الفساد. وقد صح أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه} أي منكر أكبر من مطالبة المنحطين ومتأخري الأفكار بإخراج المرأة من دائرة الحشمة والعفة إلى مزاحمة الرجال في المكاتب والمؤسسات, وقيادة السيارة وغيرها, التي ليست من شئون المرأة ولم تندب إليها، بل وظيفة المرأة أن تكون ربة بيت قائمة بواجبها نحو الزوج والأولاد, متمسكة بآداب الإسلام, ممتثلة لأوامر الله بالتحجب, ولزوم البيوت, والحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال؛ صيانةً لهذه المرأة عن الفساد، وتحذيراً لها من أسباب الفتنة.

أدلة تحريم التبرج والسفور

أدلة تحريم التبرج والسفور يقول ربنا جل وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:32 - 33]. ففي هذه الآيات ينهى ربنا جل وعلا نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين, وهن من خير النساء وأطهرهن على الإطلاق, ينهاهن عن الخضوع بالقول عند الرجال، وهن من خير النساء ينهاهن عن تليين الكلام وترقيقه, لئلا يطمع الذي في قلبه مرض شهوة الزنا, ويظن أنهن يوافقنه على ذلك. ويأمر جل وعلا بلزومهن البيوت وينهاهن عن تبرج الجاهلية, وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراعين والساقين ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم, والفتنة الكبيرة, وتحريك قلوب الرجال حتى أودت بالشباب إلى الجنون, حتى صاروا يفحطون في الشوارع بدون عقول, إن الجنون فنون! إن تفحيط الشباب وظهورهم بهذا المظهر إنما هو من جنون القرن العشرين, وما ظهر فيه من الفتن؛ بما في ذلك من الشر المستطير الذي حصل من تبرج النساء؛ لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا. إذا كان الله سبحانه وتعالى يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن فغيرهنَّ أولى بالتحذير والإنكار, والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن. ففي هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن يقول ربكم جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] لأي شيء ذلك يا ربنا؟ {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] ففي هذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال, وتسترهن من الرجال, وهذا واضح من كلام رب العالمين، أن التحجب أطهر لقلوب الرجال وقلوب النساء، وأبعد في الوقوع عن الفاحشة وأسبابها.

دعاة السفور ودعاويهم

دعاة السفور ودعاويهم ويشير ربنا سبحانه وبحمده في الآيات إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة, وأن التحجب طهارة وسلامة.

التمسك بالعادات والتقاليد

التمسك بالعادات والتقاليد إن الذين يكابرون ويعاندون ويردون أحكام الشريعة ويقولون: إنا لا نترك العادات والتقاليد, فيهم شبه من المشركين الذين قالوا: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] فالإسلام يأتي ليحارب تلك البدع، وليحارب ذلك التخلف، وليحارب عادات الجاهلية, وهم يقولون: إننا لا نترك العادات والتقاليد، وقلوبنا نظيفة، تلك حجة المعاندين الذين لم يذوقوا طعم الإيمان, ولم يرتووا من أحكام هذه الشريعة السمحة, وإنما ارتووا من المجلات والجرائد الخليعة التي تريد أن تخرجهم من دائرة الإسلام, وتدخلهم في دين بيجن وشركاؤه من أعوان الظلمة والكفار. فهذه الآيات والأحكام ليست خاصة بزوجات نبينا صلى الله عليه وسلم، بل هي عامة في زوجاته وبناته ونساء المؤمنين، بقول ربنا جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] والجلابيب: جمع جلباب؛ وهو: ما تضعه المرأة على رأسها في التحجب والتستر به، وبه أمر الله سبحانه وتعالى جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك, حتى يعرفن بالعفة فلا يؤذين أحداً ولا يؤذيهن أحد. ويقول ربنا جل وعلا: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:60] ففي هذه الآيات يخبر تعالى أن القواعد من النساء وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً, لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوههن وأيديهن, إذا كن غير متبرجات بزينة, فعلم بذلك أن المتبرجة بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها, وغير ذلك من زينتها وأن عليها جناحاً في ذلك ولو كانت عجوزاً؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة؛ ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة, ولو كانت عجوزاً, فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟ لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد، والفتنة بها أكبر. عباد الله: لا يخفى ما وقع فيه الناس اليوم من التوسع في التبرج, وإبداء المحاسن، فالواجب سد الذرائع وحسم الوسائل المفضية إلى الفساد وظهور الفواحش, وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم}.

ادعاء طهارة القلوب

ادعاء طهارة القلوب ومن أعظم أسباب الفساد والمعاندة ما يفعله بعض الناس من الاختلاط بدون محرم, وبدون حجاب, ويقولون: هذه عاداتنا وتقاليدنا والقلوب نظيفة, نقول لهم: أنتم أنظف قلوباً من قلوب الصحابة؟! هذا سؤال لهم، هل هم أنظف قلوباً أم الصحابة رضي الله عنهم؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زمن الصحابة الذين هم خير القرون: {لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم} وقال صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون زوجاً أو ذو محرم} كل هذه المقالات في عهد الصحابة رضي الله عنه الذين هم خير القرون وأنظف قلوباً من قلوبنا, ويا ليت قلوبنا تزن من قلوبهم ولو مثقال ذرة. فاتقوا الله -أيها المسلمون- وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج وإظهار المحاسن والتشبه بأعداء الإسلام, واعلموا أن السكوت على هذه المنكرات مشاركة لهن في الإثم, وتعرض لغضب الله, وعموم عقابه, عافنا الله وإياكم وجميع المسلمين من ذلك. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

أسباب توقي الفتن

أسباب توقي الفتن الحمد لله كما أمر, وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, على رغم أنف من جحد به وكفر, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاء بها نقية لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: يقول ربكم جل وعلا في محكم التنزيل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:30 - 31] فيأمر فيها سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار, وحفظ الفروج, وما ذلك إلا لعظيم فاحشة الزنا, وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين؛ ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب, ووقوع الفاحشة, وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك وأحفظ للفرج، وأزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة. ويخبر جل وعلا أنه خبير بما يصنعه الناس, وأنه لا يخفى عليه خافية, وفي ذلك تحذير للمؤمنين من ركوب ما حرم الله, والإعراض عما شرعه الله له, وتذكير له بأن الله سبحانه وتعالى يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها, كما يقول جل وعلا: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]. فيا عباد الله: ويا أمة الإسلام! الواجب على المسلم أن يحامي على نسائه وبناته، وعلى أخواته وزوجاته, ولا يغرنه أقوال المنخدعين, وأقوال المنحرفين, وأقوال الضالين: إنه موسوس, إنه منحط, إنه متجمد, يا للأسف الشديد! إنها أقوال قد عدَّها بعض العلماء من نواقض الإسلام التي تدخل صاحبها في الكفر والعياذ بالله. فالواجب على العبد أن يحذر ربه عز وجل، وأن يستحي منه أن يراه على معصيته، أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه ويقول سبحانه وبحمده: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] فأمر جل وعلا المؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج, كما أمر المؤمنين بذلك؛ صيانة لهن من أسباب الفتنة وتحريض لهن على أسباب العفة والسلامة. فاحذروا يا عباد الله! احذروا يا أمة الإسلام! احذروا من طلاقة البصر, ومن الخلوة بالنساء, والدخول عليهن بدون محرم؛ لأن ذلك من وسائل الفتنة والفساد, واحذروا من مصافحة المرأة الأجنبية؛ فإنها ليست من المحارم, وفيه وعيد شديد, وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء}. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه. وصلوا على سيدنا ونبينا محمد كما أمرنا الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى علي صلاة، صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعد للمسلمين مجدهم، اللهم أعد للمسلمين عزتهم، اللهم عزنا بالإسلام, اللهم أذل الشرك والمشركين, ودمّر أعداء الدين, وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله, واخذل من خذل الإسلام وأهله. اللهم دمّر اليهود والنصارى والشيوعيين ومن به عداء للإسلام والمسلمين, ومن كان من جلدتهم, وإن كان من جلدتهم, وإن كان ينطق بلهجتهم, اللهم اشدد وطأتك على الكافرين ودمرهم تدميراً يا رب العالمين. اللهم انصر عبادك الموحدين, واجعل هذا البلد وجميع بلدان المسلمين عامة مطمئنة آمنة يا رب العالمين. اللهم أرنا الحق حقاًً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واهدنا وإياهم لما فيه الصلاح والخير في الدنيا والآخرة، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا, اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

مشاهد القيامة

مشاهد القيامة وعد الله تعالى من أطاعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ووعده بجنة عرضها السماوات والأرض، من دخلها لا يبأس أبداً، فيها من النعيم والإكرام، وذهاب الضغائن والأحقاد، وما تلذ الأنفس وما تشتهيه، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأعظم من ذلك كله رؤية المؤمنين لربهم جلَّ وعلا.

وصف نعيم الجنة

وصف نعيم الجنة الحمد لله، الحمد لله الذي نصب الكائنات على ربوبيته ووحدانيته حججاً، وحجب العقول والأبصار أن تجد إلى تكييفه منهجاً، وأوجب الفوز بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغ لها عوجاً، وجعل لمن لاذ به واتقاه من كل ضائقةٍ مخرجاً، وأعقب من ضيق الشدائد وظنك الأوابد لمن توكل عليه فرجاً، وجعل قلوب أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكل والإنابة والتفويض والمحبة والخوف والرجاء، فسبحان من أفاض على خلقه النعمة! وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه، وأسبغ على عباده نعمه الظاهرة والباطنة، وسخر لهم البر والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياء والظلال، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه يدعوهم إلى جواره في دار السلام، يدعوهم إلى جواره في دار النعيم واللذة والسرور، يدعوهم إلى جنةً عاليةٍ قطوفها دانية. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، أرسله رحمةً للعالمين، وقدوةً للعامِلين، ومحجةً للسالكين، وحجةً على العباد أجمعين، داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، يدعو الناس إلى الجنة ويحذرهم من النار، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: لقد سمعتم في الخطبة الماضية أوصاف القيامة، وما فيها من الأهوال والشدائد العظيمة والأمور المفزعة التي من شدتها تشيب الولدان، وتضع الحوامل حملها، وتذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت ففي يوم القيامة ينقسم الناس إلى قسمين: قسم إلى النار المحرقة، وقسم إلى الجنة التي لا يخرب بنيانها ولا يهرم شبانها ولا تبلى ثيابهم، ولا ينقطع نعيمهم، في جوار أرحم الراحمين.

الحث على المسارعة بالأعمال الصالحة

الحث على المسارعة بالأعمال الصالحة اسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يحثكم إليها: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136] ويقال لأهل الجنة -اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم-: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:46 - 47] تصوروا ذلك المجلس يا عباد الله! تصوروا ذلك المجلس، وفكروا فيه طويلاً {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:47 - 48] ويقال لأهل الجنة: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] من هم -يا عباد الله- الذين يقال لهم هذا؟ يقال للذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف:69 - 73].

حال أهل النعيم في الجنة

حال أهل النعيم في الجنة ثم هم -يا عباد الله- في مقامٍ أمينٍ من الحوادث وغيرها، في أمان من تغير الزمان وتقلبات الحياة، في جنات وعيون لهم فيها من اللباس السندس والإستبرق متنعمين مع الزوجات من الحور العين الراضيات المرضيات الآمنات الطاهرات من الحيض والنفاس والمخاط، اسمعوا يا عباد الله! اسمعوا يا من تشتاقون إلى الجنة! {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] نسألك اللهم من فضلك. اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الدخان:51 - 52] اللهم إنا نسألك من فضلك، الله أكبر -يا عباد الله- تذوقوا طعم الجنة قبل أن تدخلوا الجنة، يقول ابن تيمية: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها، لم يدخل جنة الآخرة. تذوقوا طعم الجنة. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان:51 - 56] سكرات الموت سلموا منها، سلموا من الموت الذي هو أشد من الضرب بالسيوف والقرض بالمقاريض {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان:56] لأن أهل الدنيا وإن كانوا في القصور والفلل والعمارات، فإنهم سوف يذوقون الموت، أما أهل الجنة، فإنهم لا يذوقون الموت، تكفيهم الموتة الأولى {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان:56] ومع ذلك {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:56 - 57] إي وربي إنه لهو الفوز العظيم في جنة النعيم! عباد الله: بادروا إلى الجنة وما أعد الله فيها لعباده الصالحين، يقول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]} ويقول رسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم: {أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٌ دريٌ في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتفلون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، أزواجهم الحور العين، على خلق رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء} متفق عليه، وفي رواية لـ مسلم: {آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم فيها المسك، ولكل واحدٌ منهم زوجتان يُرى مخ ساقيهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجلٍ واحد يسبحون الله بكرةً وعشياً}.

آخر أهل الجنة دخولا إليها

آخر أهل الجنة دخولاً إليها عباد الله: لقد جاء الخبر الصحيح عن الصادق المصدوق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم {أن موسى عليه السلام سأل ربه عز وجل: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي ربي! كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكِ من ملوك الدنيا، فيقول: رضيت ربي، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت ربي، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت ربي، قال موسى عليه السلام: ربي أعلاهم منزلة؟ -يسأل عن أعلى أهل الجنة منزلة- قال الله: أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عينٌ، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر}. حديث صحيح، رواه مسلم. وجعل الله عز وجل زوجات أهل الجنة عُرباً أتراباً، والعرب هي: المرأة المتوددة إلى زوجها باللطافة ولين الكلام، ومع ذلك هنَّ على سن واحد، ولا تباغض، ولا تحاسد في الجنة، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفوق ذلك أنهم فيها خالدون لا يبغون عنها حولاً، ولا هم عنها مخرجون، ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وفوق ذلك أن الله أحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً.

أعظم النعيم في الجنة رؤية الله جل جلاله

أعظم النعيم في الجنة رؤية الله جل جلاله وفوق ذلك كله ما يحصل لهم من التلذذ برؤية ربهم عز وجل إذا كشف الحجاب الذي بينه وبينهم، فهم يرونه عياناً بأبصارهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا} وهي صلاة الصبح وصلاة العصر. عباد الله: إن سألتم عن صفات أهل هذه الجنات وساكني تلك الغرفات، فهم الذين وصفهم الله بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم. {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 - 11]. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

شدة كرب الموقف يوم القيامة

شدة كرب الموقف يوم القيامة الحمد لله أمره بين الكاف والنون وإذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، يأمر إسرافيل بنفخ الصور فإذا هم قيام من الأجداث إلى ربهم ينسلون، أحمد الله الذي لا إله إلا هو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشكره على نعمه وأسأله المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا ظهير ولا معين له {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم في أرض المحشر

الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم في أرض المحشر فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن أمامكم القيامة وما فيها من الأهوال والأمور الفظيعة، يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مما ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس} تصوروا هذا الموقف يا عباد الله! فكروا في هذا الموقف، أطيلوا النظر طويلاً في هذا الموقف مثلما تطيلون النظر في المخطط إذا سلمكم إياه المهندس، أطيلوا النظر بهذا الموقف العظيم مثلما تطيلون النظر في الصك هل نقص القاضي أم زاد من مساحة الأرض، أطيلوا النظر في هذا الموقف، فالأمر عظيم أشد من مخطط المهندس، أشد من الصك الذي يسلمك إياه القاضي. يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، ونحن معهم وقوف، وتدنو منهم الشمس، ويبلغ الناس من الهمِّ والكرب ما لا يطيقون، فلا يحتملون، فيقول الناس وهم يموجون بعضهم على بعض، الأقدام متزاحمة، والأرض بهم متضايقة: {ألا ترون إلى ما أنتم فيه وإلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم! فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه، ويقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا! فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وقد نهاني عن أكل الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح، ويقول نوح مثلما قال آدم: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إلى إبراهيم ويقول مثلما قال نوح: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى ويقول مثلما قال إبراهيم، يقول: اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى ويقول مثلما قال موسى: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمداً، فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه! فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنطلق فآتي تحت العرش، فأخر ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطَ، واشفعْ تشفعْ، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا ربِ! أمتي يا ربِ، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى} متفق عليه. اللهم أدخلنا من تلك الأبواب، اللهم أدخلنا من تلك الأبواب، اللهم لا تحرمنا من شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اسقنا من حوضه شربةً هنيئةً مريئةً لا نظمأ بعدها أبداً. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] صلوا على رسول الله وأكثروا من الصلاة عليه، قال أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: {يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه}. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم افتح مسامع قلوبنا لقبول الحق يا رب العالمين! اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم اجعلنا هداةً مهتدين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعرف على الله في الرخاء

تعرف على الله في الرخاء إن المتأمل في الكون وما أودع الله تعالى فيه من آيات باهرات تسير في نظام دقيق ومسار منسق يزداد إيماناً إلى إيمانه، ويقيناً إلى يقينه، ويقوده ذلك إلى التعرف على الله خالق تلك الآيات الكونية العظيمة. ومن تعرف على الله في الرخاء والتجأ إليه في حالة الأمن؛ كان الله معه في حالة الشدة والخوف.

التفكر في آيات الله سبيل معرفة الله

التفكر في آيات الله سبيل معرفة الله الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسلك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: تعرفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة. عباد الله: تفكروا في آيات الله عز وجل، فإنها تدلكم على وحدانية الله تعالى، وتدلكم على كمال ربوبيته، وتدلكم على أن الله وحده هو الذي يتصرف في ملكه، ولا يشاركه أحدٌ لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء:111].

التفكر في السماء وما فيها

التفكر في السماء وما فيها عباد الله: تفكروا في آيات الله، انظروا إلى السماء في حسنها وارتفاعها وجمالها، فإن فيها دلالة عظيمة على قدرة الباري جل وعلا، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] وقد قامت بقدرة الباري جل وعلا: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ويقول جل وعلا: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:27 - 29] فلا إله إلا الله، له القدرة التامة على كل شيء.

التفكر في الأرض وما عليها

التفكر في الأرض وما عليها ثم انظروا -يا عباد الله- إلى الأرض التي مهدها الله لكم، وجعل فيها سبلاً، ثم أرساها بالجبال؛ لتكون مستقرة لا تميد ولا تتحرك إلا بإذن الله تعالى، ثم هي ميسرة، فكل العباد يمشون عليها، ويزرعون فيها، ويطلبون المعايش بأنواعها على هذه الأرض التي قال الله تعالى فيها: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:30 - 32] ما ظنكم -يا عباد الله- لو أن الأرض تميد بأهلها وتنكفئ وتنقلب بهم هل يرتاحون عليها؟ لا. ورب العزة والجلال؛ ولكن قال جل وعلا: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:32 - 33] ويقول أيضاً: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:7]. ثم انظروا إلى الأرض يا عباد الله! قال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد:4] كل هذه الأصناف {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد:4] ثم انظروا إلى النبات وإلى الثمرة، تجدونها مختلفة الأرض واحدة، والماء واحد، ولكن النبات باختلافه تختلف هذه الثمار بقدرة من؟! بقدرة الله الذي لا إله إلا هو، فمن تأمل ذلك -يا عباد الله- وعقل وتدبر؛ علم كمال قدرة الباري جل وعلا. ومن آياته ما بث في الأرض من المخلوقات الكثيرة على اختلاف أشكالها وألوانها ولغاتها، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم:20]. ولما خلق الله الخلق، خلق لكل شكل ما يناسبه من الزوجات، أما بنو آدم فخلق الله لهم زوجات من أشكالهم ومن أنفسهم، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

التفكر في رزق المخلوقات

التفكر في رزق المخلوقات ثم تفكروا في هذه المخلوقات الكثيرة المنتشرة، هل هي ترزق أنفسها أم لها ربٌ يرزقها؟ بل لها رب يرزقها فإن الله وحده لا شريك له هو الذي تكفل بأرزاق العباد، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]. من الذي هدى النملة حتى تدخر قوت الصيف للشتاء إلا الله؟ ومن الذي هداها إذا دخل عليها الماء أن تنشر طعامها على بيتها حتى ينشف، ثم تدخله إلى بيتها مرة أخرى من الذي هداها إلا الله؟ اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا.

التفكر في خلق الملائكة

التفكر في خلق الملائكة وكما خلق الله جل وعلا في الأرض من أصناف الخلق، فقد خلق في السماء ملائكة لا يحصيهم إلا هو سبحانه, فما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائمٌ لله تعالى، أو راكع أو ساجد، ثم يوم القيامة يقولون كلهم: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ويطوف في البيت المعمور كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ومن الملائكة حملة العرش، ومنهم الروح الأمين جبريل عليه السلام الموكل بالوحي، له ستمائة جناح، ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر، ومنهم إسرافيل الموكل بنفخ الصور، ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، ومنهم الحفظة، ومنهم زبانية جهنم، ومنهم الملائكة الذين يستقبلون المؤمنين في الجنة، وملك الأرواح الذي ينفخ الروح في الأرحام، يرسله الله إذا بلغ الجنين أربعة أشهر وعشراً لينفخ فيه الروح وغيرهم كثير لا يعلمهم إلا الله.

التفكر في آيتي الليل والنهار

التفكر في آيتي الليل والنهار عباد الله: تفكروا في هاتين الآيتين العظيمتين: الليل والنهار، فالليل جعله الله للراحة، والنهار لطلب المعاش، وابتغاؤكم من فضله، يقول رب العزة والجلال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71 - 73].

التفكر في الشمس والقمر والكواكب والنجوم

التفكر في الشمس والقمر والكواكب والنجوم ومن آيات الله تعالى وتقدس: الشمس والقمر حيث يجريان في فلكهما منذ خلقهما الله تعالى، يجريان بسير منتظم لا تغير فيه ولا انحراف، ولا فساد، ولا اختلاف, حتى يأذن الله تعالى بخراب هذا العالم، ثم تلف وتكور وتجمع، ثم تلقى في النار، يقول الله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:9] ثم يلفان ويلقيان في النار. عباد الله: تفكروا في آيات الله العظيمة، تفكروا في هذه الآيات العظيمة التي تجري بنظامٍ سيّرها الله فيه، يقول المولى جل وعلا: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40]. ثم تفكروا -يا عباد الله- في هذه الكواكب والنجوم التي لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، فمنها السيارات، ومنها الثوابت، ومنها المتصاحبات التي لا تزال مقترنة، ومنها المتفارقات التي تجتمع أحياناً وتفترق أحياناً، تسير بأمر الله تعالى وتدبيره، خلقها الله زينةً للسماء ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يهتدى بها في ظلمات البر والبحر والكون كله من آيات الله جملةً وتفصيلاً، هو الذي خلقه، وهو المدبر له وحده لا شريك له، وهذه بعض آيات الله، فمن آمن بها وصدق؛ فليبشر بثواب الله، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:54].

التفكر في أنفسنا

التفكر في أنفسنا عباد الله: تفكروا أيضاً في هذا الخلق البديع في خلق أنفسكم؛ كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] فالله جلت قدرته هو الخالق لكل مخلوق الله جل وعلا هو الموجد لكل موجود الله جل وعلا هو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن مساكين ضعاف الإيمان، مساكين الذين ضاعت عندهم العقيدة ولم يعترفوا بالله، نسأل الله العفو والعافية، الله جل وعلا يقول: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:16] ويقول تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [غافر:62]. فيا عباد الله: تعرفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، تقربوا إلى الله بطاعته وعلينا أن نجدد إيماننا بالله سبحانه وتعالى، ونلتجئ إليه نوحده ونؤمن به، ونعلم أن الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد, الحي القيوم, الذي لا يموت أبداً. اللهم ارزقنا إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا، اللهم إنا نسألك اليقين والعافية، اللهم إنا نسألك اليقين والعافية، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار. عباد الله: استغفروا ربكم، فإنه غفور رحيم.

من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة

من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها، وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ. عباد الله: لقد سمعتم من آيات الله الكبرى ومخلوقاته العظمى التي تدل على وحدانيته، وعلى قدرته التامة على كل شيء، وأنه وحده لا شريك له في ملكه، ولا ند، ولا ظهير، ولا وزير، ولا صاحبة، ولا ولد, قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] هو الله جلت قدرته: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103] فيا ويل من أعرض عن الله! ويا ويل من غفل عن الله! ويا ويل من ابتعد عن الله! الله جل وعلا له ما سكن في الليل والنهار, وهو السميع العليم هو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير هو الله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنةٌ ولا نوم. عباد الله: تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، وتقربوا إليه بطاعته فهو الله الذي لا إله هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلّت لجبروته الصعاب، ولانت بقدرته الشدائد الصلاب رب الأرباب، ومسبب الأسباب. عباد الله: تعرفوا إلى الله، فهو الذي تعنو له القلوب والوجوه، وتصمد له الخلائق أجمعين كيف يعبد غير الله؟! وكيف يستعان بغير الله؟! وكيف يتوسل بغير الله وذلك كله لله جل وعلا؟! فمن صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر. عباد الله: احذروا من البدع، واحذروا من مضلات الفتن، والتزموا عقيدة التوحيد، عقيدة أهل السنة والجماعة، واعلموا علم اليقين أن الله هو مالك الملك، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، هو الذي بيده النفع والضر, وبيده أزمَّة الأمور، فالتجئوا إلى الله عباد الله! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لن ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك} اسمع يا صاحب السراج! اسمع يا من ادخرت الطعام! اسمع يا مسكين! يا من ضعف عنده اليقين! {واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لن ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف}. اللهم اهدنا ووفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا، اللهم إنا نسألك اليقين والعافية. عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم أسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم لا تحرمنا من شفاعته يا أرحم الراحمين. اللهم ارض عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم تداركنا بواسع رحمتك، واختم بالصالحات أعمالنا يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع عنهم عافيتك ويدك، ومزقهم كل ممزق يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار في مشارق الأرض ومغاربها، يقودونهم قيادة حميدة، ويدلونهم إلى كل خير، ويحذرونهم من كل شر، إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، وأجرنا يا مولانا جميعاً من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع إخواننا المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم واقض الدين عن المدينين من المسلمين، بلطفك يا كريم. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

من كمال الشريعة الإسلامية

من كمال الشريعة الإسلامية إن الله سبحانه وتعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم المرسلين، وجعل هذا الدين الذي أرسل به آخر الأديان وناسخها، وجعله صالحاً لكل زمان ومكان وعصر، وجعله كاملاً لا يحتاج الناس إلى غيره من الأديان والأفكار.

حال الجاهلية إبان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

حال الجاهلية إبان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فيا عباد الله! أمة الإسلام! اتقوا الله عز وجل، ولا يخفى عليكم أن الله عز وجل بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى البشرية جمعاء، بعثه رحمةً منه وإحساناً، ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم. أيها المسلمون! لقد كانت العرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء، وشقاءٍ ما بعده شقاء، يعبدون الأصنام ويئدون البنات، ويسفكون الدماء بأدنى سببٍ وبلا سبب، كانوا في ضيق من العيش، وفي نكدٍ وجهدٍ من الحياة، يعيشون عيشة الوحوش ومع الوحوش، يتحاكمون إلى الكهان والطواغيت، فلما جاء الله بهذا الإسلام، وجاء بهذا النبي الأمي الكريم صلى الله عليه وسلم، أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، أخرجهم من ظلمة الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد، ومن ظلمة الجهل والطيش إلى نور العلم والحلم، ومن ظلمة الجور والبغي إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمة التفرق والاختلاف إلى نور الاتفاق والوئام، ومن ظلمة الأنانية والاستبداد إلى نور التواضع والتشاور، ومن ظلمة الفقر والجهل إلى نور الغنى والرخاء، بل أخرجهم من ظلمة الموت إلى الحياة السعيدة، أكمل الله به الدين، وأتم به مكارم الأخلاق؛ لأنه يأمر بعبادة الله الواحد القهار الذي أمره الله به لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يأمر ببر الوالدين، وبصلة الأرحام، ويأمر بالإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، وبالتحاكم فيما بيننا وفيما تنازعنا فيه إلى الله ورسوله. ما من خير إلا ودل الأمة عليه، ولا شر إلا وحذر أمته منه، أخبر بما كان وما يكون إلى يوم بعث الأبدان من القبور، رسم للأمة طريق السعادة في الدنيا والآخرة في سياستها الشرعية التي يعجز كل أحدٍ أن يأتي بناحيةٍ من نواحيها، فرسم للأمة طريق السياسة مع الأعداء، وبيَّن لأمة الإسلام كيف يقاتلون أعداء الإسلام، وبيَّن لهم كيف يعاملون أعداء الإسلام، وبيَّن لهم الطرق من الحرب وغيرها من السلم ووجوبه، ومن المعاهدات والصلح وحفظ العهود. لقد أوجب عليهم الاستعداد بكل قوة لردع الأعداء وإرهابهم بالآلات الحربية، كالطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها، ومما يوحد ويزيد المسلمين قوة أمره لهم أن يأخذوا كل نهضتهم، وقبل أن يأخذوا تلك القوة المذكورة عليهم أن يأخذوا القوة المخرقة للأعداء. ما هو يا أمة الإسلام ذلك السلاح الفتاك بالأعداء؟ ما هو يا عباد الله؟ هو الإيمان بالله الحي القيوم.

كمال الشريعة في حقوق الراعي والرعية

كمال الشريعة في حقوق الراعي والرعية أيها المسلمون! لقد بينت الشريعة في الإسلام ما للإمام من الحقوق على رعيته، يقول ربنا جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ويقول سيد البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {اسمع وأطع لمن ولاه الله أمرك} وقال صلى الله عليه وسلم: {اسمعوا وأطيعوا، وإن تأمر عليكم عبدٌ حبشي}. كما بينت الشريعة الإسلامية ما للرعية على ولي الأمر من الحقوق في قوله جلَّ وعلا: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم من ولي أمراً من أمور أمتي فرفق بهم فارفق به، ومن ولي أمراً من أمور أمتي فشق عليهم فاشقق عليه} صلواتك اللهم وسلامك على رسولك النبي الأمي الرحيم بأمته، هذا دعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم من ولي أمراً من أمور أمتي فرفق بهم فارفق به، ومن ولي أمراً من أمور أمتي فشق عليهم فاشقق عليه} وأمرت الشريعة الإسلامية بمشاورة أولي الرأي، بل جعلت الشريعة مكانة الشورى بين الصلاة والزكاة للاهتمام بالشورى وعظم شأنها في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى:38]. كما بينت الشريعة الاستجابة لله ولرسوله وأولي الأمر، ونهت عن الإخلاد إلى الكسل والعجز والدعة والراحة. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا سببٌ للذل، بل أمرهم أن يكونوا أقوياء أشداء أعزاء، لا تلين قناتهم لأحد سوى رب العالمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

كمال الشريعة في الزراعة والصناعة والتجارة

كمال الشريعة في الزراعة والصناعة والتجارة وكذلك أمرت الشريعة بالضرب في الأرض لطلب الكسب والتجارة من غير إفراط باتباع شهوات الدنيا، فأمرت الشريعة بحرث الأرض للمعاش، وحثت على ممارسة الزراعة، وشجَّعت أهلها بما لهم من البركة والأجر العظيم، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما من مسلم يزرع زرعاً، أو يغرس غرساً، فيأكل منه طيرٌ أو دابة أو إنسان إلا كان له في ذلك صدقة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وأمرت الشريعة الإسلامية بالصناعة مع العمل الصالح، وجاءت الشريعة الإسلامية بإقامة الحدود وردع الفساد، ولطالما تمنَّت ذلك الدول الصغيرة التي تدَّعي أنها كبيرة ولكن بحقدهم وحسدهم وعتوهم حرمهم الله ذلك. أمة الإسلام! لقد جاءت الشريعة الإسلامية بإقامة الحدود وردع المفسدين وردهم عن فسادهم، من قتل القاتل، وقطع يد السارق، وحد الزنا والقذف وحد المسكر. وبالجملة! فقد رسمت الشريعة الإسلامية أحكاماً لكلٍ من الزراعة والصناعة والتجارة، وأوجبت حفظ الحقوق، وأمرت بالكتابة والإشهاد، وحرمت كتمان الشهادة أشد تحريم، وما ذلك يا عباد الله! إلا لحماية الأموال، وسلامة الصدور عن التقاطع أو التباغض. كما نهت الشريعة الإسلامية عن الغش والخداع في المعاملات {من غشنا، فليس منا} وحرمت الربا بأنواعه، وبيع البعض على بيع البعض، وحرمت النجش وبيع الغرر، كل هذا حفظاً للحقوق، وحرصاً على الضوابط بين المسلمين. أين المسلمين من هذه الأنظمة؟! أين المسلمين من هذه الأنظمة؟! أين المسلمين من هذه الأنظمة؟! من الغش والخداع في المعاملات، من أكل الربا، من الغش بأنواعه، من بيع البعض على بيع بعض، من التدليس، من الغرر، من النجش.

كمال الشريعة في شئون الأسرة والأقارب والأرحام

كمال الشريعة في شئون الأسرة والأقارب والأرحام أمة الإسلام! أين المسلمين من هذه الأنظمة؟ لقد أوضحت الشريعة الإسلامية كيف يكون الاقتصاد وكيف يصرف المال، ونهت عن التبذير والتقتير، وأمرت بالقوام بينهما. كما نظمت الشريعة الإسلامية شئون الأسرة الواحدة عموماً، وبيَّنت حقوق الوالد وما عليه، وحقوق الأولاد وما عليهم، وحقوق جميع الأقارب وذوي الأرحام كلٌ بحسبه، ولم يمر بالإنسان طورٌ من أطوار حياته من حين وضعه إلى إدبار وفاته، بل إلى ما بعد ذلك إلا وبينته الشريعة تبييناً واضحاً كاملاً، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] فلله ما أعظم هذه الشريعة وأجلها وأسماها وأكملها! وكلما ازداد المرء معرفةً بها، ازداد لها احتراماً وتعظيماً وتوقيراً.

إعراض المسلمين عن تعاليم الإسلام

إعراض المسلمين عن تعاليم الإسلام وإنه لمن العجب!! إعراض كثير من أبناء المسلمين في هذه الأزمنة عن تعاليم هذه الشريعة السامية، الشريعة الكاملة، واستبدالها أو شركها بقوانين وضعية، إن ظاهرة التناقض واضحة الجور، فاسدة المعنى، يجري عليها تغييراً وتبديلاً كلما حكم بذلك ماركس رئيس الاتحاد السوفيتي، كلما بدا له رأي تغيرت هذه القوانين الشرعية تبديلاً بحسب آباء من اخترعها، وهكذا دواليك ما بقيت هذه النظم المستمدة من نحاسة ماركس وأعوانه الشيوعيين، ومن نحاسة الأفكار الخبيثة وذبالة الأذهان. أما الشريعة الإسلامية فهي صالحةٌ لكل زمان ومكان، مضى عليها أربعة عشر قرناً وهي في تمامها في ثوبها الجديد، وحفظها لكافة الحقوق بجميع الطبقات، وأهدأ الناس حالاً، وأنعمهم بالاً، وأقرهم عيشاً، أتمهم تمسكاً بهذه الشريعة الإسلامية، سواء من الأفراد، أم من الشعوب، أم من الحكومات، وهذا شيء يعرفه كل واحد إذا كان عاقلاً منصفاً، وإن لم يكن من أهلها؛ كما شهد بذلك المستشرقون من أعداء الإسلام فهم يفضلون الإسلام ويشهدون له بالكمال، وإنه فوق كل نظام.

شمولية الإسلام لكل زمان ومكان

شمولية الإسلام لكل زمان ومكان لا شك أن الدين الصحيح الكفيل بكل ما يحتاجه البشر على وجهٍ صحيح يكفل لهم المصالح، ويدرأ عنهم المفاسد، إنه لدينٌ كامل، إنه دين الإسلام، دين الفطرة السليمة، دين الرقي الحقيقي، دين العدالة بأسمى معانيها، دين العدالة والحرية، دين المدنية بمعناها الصحيح، دين العمل، دين الاجتماع، دين التوادد والتناصح. دين الإسلام؛ دين رفع ألوية العلم والصنائع والحرف ولم يقتصر على أحكام العبادات والمعاملات، بل شمل جميع منافع العباد ومصالحهم على مر السنين وتعاقب الدهور إلى أن تقوم الساعة، ولكن يا للأسف! ويا للخيبة! إن أبناء هذا الدين جهلوا قدره، وجهلوا حقيقته، بل إن كثيراً من أبناء المسلمين عَاْدَوْا دينهم الحنيف وأصبحوا يكبون عليه بمعاولهم ليهدموه وليفرقوا أهله، ويفضلون أهل الغرب على المسلمين؛ ظناً منهم -بعقولهم وآمالهم الفاسدة- أن الدين هو الذي أخرَّهم، وهيهات هيهات! أن يكون الدين الإسلامي هو الذي أخرهم، بل الذي أخرهم هو دين ماركس -دين الشيوعية - ودعايات بني صهيون من اليهودية وغيرها، أما الإسلام فهو دين الكمال، دين العزة والشرف، فهم لما أعرضوا عن دين الإسلام، وأخلدوا إلى الكسل، وقنعوا بالجهل؛ أصبحوا في حيرة من أمرهم. إنهم لو عرفوا دين الإسلام وطبقوا تعاليمه، لوصلوا فوق ما وصل إليه غيرهم من التقدم والصناعات، ولكنهم تركوا دينهم، وتركوا النعيم، وأهملوا العناية بهذا الدين القويم، فوالله ثم والله لو أن أهل الإسلام قاموا بما يجب عليهم، لحازوا شرف الدنيا والآخرة.

واجب العلماء وولاة الأمر

واجب العلماء وولاة الأمر أمة الإسلام! إنه لمن الواجب على أهل الإسلام وخصوصاً: العلماء وولاة الأمور أن يبثوا الدعوة للإسلام، وينشروا محاسنه لينُشِئوا عليه أبناء الإسلام، وليرغبوا فيه، ويرشدوا الأمة لأحكامه وحكمه كما فعل أوائلهم من الأماجد، فإن الصحابة قاموا رضوان الله عليهم قاموا بالدعوة لرب العالمين، فبينوا للأمم محاسن الإسلام وسماحته، وشرحوا الإسلام شرحاً واضحاً وافياً، بذلك امتد سلطان الأمة الإسلامية، واتسعت مملكتهم، وأخضعوا من سواهم لتعاليم الإسلام. اللهم أعد لنا عزتنا وكرامتنا، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ويقول جلَّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واجعلنا مسلمين لك مؤمنين في أعمالنا وأقوالنا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب الجهاد في سبيل الله والدعوة والاعتصام

وجوب الجهاد في سبيل الله والدعوة والاعتصام الحمد لله مغيث اللهفان، ومفرج الشدائد والكربات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بدين الله حق قيام، وجاهدوا في الله حق جهاده، اللهم وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله! لقد أوجب الله على المؤمنين الجهاد في سبيله، والاعتصام بدينه الذي هو حبله المتين، وأوجب عليهم الدعوة إلى ذلك، وأوجب عليهم العصمة والاجتماع والتعاون على البر والتقوى والخير والاستعانة بالله في جميع أمورهم، وعلى قوة التوكل عليه، وعلى القيام بالمستطاع مما يقدر عليه من الدين والتقوى، وعلى تعلم ما يحتاجون إليه سوى أمور دينهم ودنياهم من العلوم والفنون النافعة التي يحصل بها قيام الدين والأمة، والتمكن على القوة المعنوية والشجاعة الإيمانية، وحثهم على فعل الأسباب المقوية للإيمان كلها، وحثهم على الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبمجادلة المبطلين الضالين بالتي هي أحسن، وحثهم على الجهاد في الله حق جهاده، فهذه الأوامر الإلهية في القرآن في مواضع متعددة وكلها داخلةٌ في الجهاد في سبيل الله؛ ولكن -للأسف الشديد- لقد تغيرت الأحوال، ولو خرج فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم ورأى التشتت والاختلاط وكثرة الأحداث، ورأى ما يقع المسلمون فيه من التغير والانحطاط والابتعاد عن الصراط القويم الذي رسمه للأمة، لقال: بئس ما خلفتموني من بعدي، وما له لا يقول ذلك! ونحن نعد بالملايين وقد تداعت علينا الأمم، وأصبحنا لقمةً للطامعين، نحب الحياة ونكره الموت، ونحن في عداد الميتين، فمعذرةً من الله حالة المسلمين اليوم! حالةٌ تبكي لها القلوب، وتتفكك لها الأكباد، ويذوب منها الجماد، كيف لا يكون ذلك وقد أذلهم الرجوع إلى الدول الكافرة في حل مشاكلهم، وهيهات، ثم هيهات، ثم هيهات!! أن يحل أعداء الإسلام والمسلمين مشاكل المسلمين، بل هم والله فرحون مستبشرون بما يحصل بين المسلمين من التفرق والشتات وسوء المعاملات، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فإلى متى هذا الرقاد يا أمة الإسلام؟! تذكروا بيت المقدس ومن ساكنه الآن؟ أليست شرذمةٌ قليلةٌ!! قتلة الأنبياء، ملعونة في كتاب الله، أليسوا اليهود؟ تذكروا إخوانكم في أفغانستان وهم يقاتلون الشيوعية الحمراء. تذكروا إخوانكم في أفريقيا وقد فشا فيهم التبشير بـ النصرانية. تذكروا إخوانكم في حماه في سوريا العربية والصواريخ والدبابات والقنابل تحرق النساء والذرية، ويا للأسف الشديد أين المسلمين؟ أين الصرخة الصادقة؟ يا أمة الإسلام! يا شباب الإسلام! الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل، الله الله بالتعاون فيما بيننا على البر والتقوى والقيام بما يرضي عز وجل. أيها المسلمون! صلوا على نبيكم كما أمركم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] صلوا على من قال: {مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاُ، اللهم قوَّم ما اعوج من أخلاقنا، واهدنا صراطك المستقيم، اللهم اجعلنا من المتراحمين، واجعلنا من المتحابين، واجعلنا من المتوادين فيك يا رب العالمين. أمة الإسلام! اسألوا الله عز وجل أن يثبتكم على الإسلام فنحن في زمان كثرت فيه الفتن. نسأل الله الثبات على الإسلام، اللهم ثبتنا على الإسلام، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين يا رب العالمين! اللهم وفق أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار، ولا تولِّ عليهم الأشرار، اللهم اجعل ولاية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار. عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

لئن شكرتم لأزيدنكم

لئن شكرتم لأزيدنكم إن الله جل وعلا ابتلى الناس بالخير والشر، وبالنعم المتجددة على عباده؛ ليختبرهم في ذلك، وينظر من يطيعه ويشكر ممن يعصيه ويستخدم هذه النعم في معاصي الله عز وجل. وقد تطرق الشيخ في هذا الدرس إلى أهمية شكر نعمة الله وعدم مقابلتها بكفران النعم والتبذير وغير ذلك من المعاصي.

الابتلاء بالخير والشر واقع لكل الناس

الابتلاء بالخير والشر واقع لكل الناس إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واشكروه على هذه النعم المتوالية، واسألوه من فضله المزيد، فإن خزائنه مَلْئَى، لا تَغُضُّها النفقات. عباد الله! إن الله عليم بعباده، قد يبتليهم بالفقر والحاجات، امتحاناً واختباراً لهم، هل يصبروا؟ فأما المؤمنون بالله، فإنهم لا يزيدهم ذلك إلا صبراً، ولجوء إلى الله عزَّ وجلَّ كما أخبر الله سبحانه وتعالى في محكم البيان فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. كما قد يبتليهم رب العزة والجلال بالنعم وسعة الأرزاق، كما هو واقعنا اليوم ليختبر إيمانهم، هل يشكروا؟ قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15].

حال المؤمن مع السراء والضراء

حال المؤمن مع السراء والضراء وأيضاً: يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال المؤمن، فيقول صلى الله عليه وسلم: {عجباً لأمر المؤمن! إنَّ أمره كله خير! إنْ أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإنْ أصابته ضراء فصبر كان خيراً له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن} اللهم اجعلنا من المؤمنين. عباد الله: أيها المسلمون! إن الشكر عند تجدد النعم هو مظهرٌ لتقدير النعمة، واعتراف بعظيم المنة. ولقد كان القدوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عند تجدد النعم، واندفاع النقم، يخر ساجداً لله رب العالمين، يخر ساجداً شكراً لله، كما روى ذلك عنه أبو بكرة رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بُشر به خر ساجداً شكراً لله تعالى}. وأكَّد الله سبحانه وبحمده الوعد بالجزاء الظافر للشاكرين على شكرهم. كما توعد الجاحدين لنعمه بشديد العذاب على جحودهم، فقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. أيها المسلمون: إن العاقبة الحميدة في كل ذلك للمتقين، الذين تكون أعمالهم وفق ما شرع الله، كالصبر، والاحتساب في حال الفقر والحاجة، وشكر الله عزَّ وجلَّ على النعم، واندفاع النقم. أيها الإخوة في الله: من الاقتصاد الذي أُمِر به المؤمن، أن يصرف المال مصارفه في المآكل والمشارب من غير تقتير على النفس والأهل، ولا إسراف في تضييع المال من غير حاجة، وقد نهى الله عن ذلك كله، قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29].

ذم الإسراف

ذم الإسراف ونهانا ربنا عزَّ وجلَّ عن إضاعة المال، فقال جل وعلا: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] ففي هذه الآية الكريمة ينهى الله تعالى عن إعطاء الأموال للسفهاء؛ لأنهم يصرفونها في غير مصاريفها. ونَهى الله تعالى عن الإسراف، وأخبر أنه لا يحب المسرفين، كما قال تعالى في محكم البيان: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]. ما هو الإسراف؟ الإسراف: هو الزيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة، والتبذير في غير وجهه، وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب والمباني، حتى إن البعض قد لحقته الديون بسبب مجاراته للآخرين في التبذير والإسراف، وقد ذم الله المبذرين ووصفهم بأبشع وصف يا عباد الله فقال: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27]. وهو ما يحصل الآن مع الأسف الشديد من أهل الولائم وحفلات الأعراس، فلا يكتفون بقدر الحاجة، بل اعتادوا البذخ والتبذير، ثم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطريق الممتهنة، والبعض من أهل البيوت العادية غير أهل الولائم اعتادوا إذا أخذوا حاجتهم من الطعام ألقوا الباقي مع الزبالة وحفائظ الأطفال، فيجتمع في الزبالة: الطعام والخبز، وأشياء -لا حول ولا قوة إلا بالله- لا ينبغي أن تكون مع هذه النِّعم. أيها المسلمون: إن هذا والله من كفر النعمة، وسبب تحولها وزوالها، فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة، وإذا فضل عنده شيء عن الحاجة بحث عمَّن هو في حاجته، وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان، لتأكله الدواب، ويسلم من الامتهان. أيها الإخوة في الله: هذا الواجب على المسلم، أن يحرص على اجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون حكيماً في تصرفاته، مبتغياً في ذلك وجه الله، شاكراً لنعمه، حذراً من التهاون بها، ومن صرفها في غير مصارفها. أيها الإخوة في الله: ثم نسمع من بعض الناس، أنهم يفتخرون بذلك، أن فلاناً ذبح مائة ذبيحة، ومعها جزور، وفلاناً ذبح أقل، وفلان ذبح أكثر، هذه من المباهاة، وهذا التبذير يصرفهم ويجعلهم من إخوان الشياطين والعياذ بالله.

الشكر إنما يكون بالعمل

الشكر إنما يكون بالعمل عباد الله: لقد أخبر الله جل وعلا أن الشكر يكون بالعمل، لا بمجرد القول، قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. فالشكر لله يكون بالقلب، واللسان، والعمل بالجوراح، فمن شكر الله قولاً وعملاً، زاده من فضله، وأحسن له العاقبة. ومن كفر بنعم الله ولم يصرفها في مصارفها، فهو على خطر عظيم، وقد توعده الله بالعذاب الشديد. فلنتساءل -يا عباد الله- هل من شكر نعم الله أن نضرب الخيام في البر، ونسهر على الأغاني والمزامير، ومع الأفلام والتمثيليات؟! هل من شكر النعمة أن نضيع الجُمَعة والجماعات في تلك المخيمات؟! ألم نسمع بالعقوبات التي تتوالى؟! عباد الله: السعيد من وُعظ بغيره، هل هذا من شكر النعمة أن نستأجر الفندق بالأموال الطائلة على حساب ليلة الزفاف وإخوان لنا يبيتون جياعاً؟! هل هذا من شكر النعمة يا عباد الله والأيتام يرضخون تحت اليُتم والحاجة يا عباد الله! والبعض من الناس يبذر أمواله في الفنادق على حساب ليلة؟! فماذا نقول يا أمة الإسلام؟! نقول: إذا كنتَ في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعمْ وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقمْ يا عباد الله: ما هذا البذخ، وما هذا التباهي في المهور وغيرها؟! فإلى الله نشكو، إلى الله نشكو! كم نسمع صيحات الأيتام؟! وكم نسمع صيحات الأرامل، وذوي الحاجات؟! ومع هذا لا نتعظ، ونبذر الأموال في أشياء ليس لها قيمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. عباد الله: علينا أن نقابل هذه النعم بشكر الله عزَّ وجلَّ، ثم أحذر الذين في تلك المخيمات، تمر عليهم الجُمَع والجُمُعات ولا يحضرونها مع الجماعة. يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من ترك ثلاث جُمع متواليات طبع الله على قلبه} نعوذ بالله. عباد الله! علينا أن نقابل هذه النعم بشكر الله عزَّ وجلَّ، ونحمد الله عليها، فإننا إذا حمدنا الله وشكرناه زادنا من ذلك، وإن كفرنا النعمة فقد سمعتم وعيد ذلك في كتاب الله. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الوصية بتربية البنات وتعليمهن الدين

الوصية بتربية البنات وتعليمهن الدين الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، الذي بلغ البلاغ المبين، ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واعلموا أن من البر العطف على البنات حال الصغر، حتى يجعل الله لهن سبيلاًَ، إما زواجاً، وإما نهاية أجل، يقول نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من كان له ثلاث بنات يأويهن ويرحمهن ويكفلهن ويزوجهن، وجبت له الجنة ألبتة قيل: يا رسول الله! وإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين} قال راوي الحديث: [[فرأى بعض القوم أن لو قالوا: واحدة]]. أمة الإسلام: إنه فضل عظيم، وأجر كبير؛ لكن لمن يحصل هذا الأجر، وهذا الفضل العظيم؟ يحصل لمن رباهن تربية إسلامية، وعلمهن علوم الدين، وأحاطهن بالنصيحة، ولم يدخل عليهن السائق، ولا الخادم، ولا الفيديو، ولا الأغاني، ولا التمثيليات الخليعة، ولا الأغاني الماجنة التي تعلم البنات الحب والغرام، ومغازلة الرجال. يحصل هذا الأجر العظيم والثواب الكبير؛ لمن حافظ على تلك البنات من الخروج إلى الأسواق متبرجات، فاتنات مفتونات. يحصل هذا الأجر العظيم، والثواب الكثير لمن نفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: {من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه}. أما الذين صاروا يتاجرون بالفتيات، ويعرضوهن للبيع فلن يفلحوا، وسوف يكون ذلك الحطام الذي يأخذونه وبالاً عليهم في العاجل والآجل، وليعلم أولئك أن أكثر النساء بركة أيسرهن مؤونة. أيها الآباء: علينا جميعاً أن نتعاون على البر والتقوى، ونأخذ بالأثر: {زوجوهن وأعينوهم عليهن} ولنَخْتَار الأزواج الصالحين، لأولئك الفتيات؛ فإنهن أمانة في أعناق الآباء. فيجب على الآباء أن يختاروا لهن الأزواج الصالحين، الذين هم عوناً على طاعة الله. أمة الإسلام: الآباء في ذلك يختلفون: من الآباء: من يساوم على ابنته، ويحدها بمائة وخمسين ألف ريال، مع ما يتبعها من الشبكة وغيرها للأم والإخوة والأعمام والأخوال. ومن الآباء: من يقول: نعم. أزوجكها؛ لكن دعني أستلم راتبها من البنك. ومن الآباء: من يقول: لا أزوجها؛ لأنها صغيرة، وهي دائماً تتصل على العلماء وتكاتب العلماء، وتقول: بلغت من العمر ثلاثين سنة، ووالدي لم يزوجني، وإذا أتى خاطب يقول: هي صغيرة. ومن الآباء: من شارك رأيه رأي النساء، فإذا جاءه الخاطب جلس مع النساء، وعقد معهن المشورة، ثم يقول لهؤلاء النساء: أتانا خاطب، فتبدأ المشورة من الأم، إلى الأقارب، فيقولون له: إن هذا الذي أتى يخطب ابنتك مطوع له لحية، وليس في بيته فيديو، ولا تلفاز، وثوبه قصير، إذا زوجته حبس حرية البنت، فلا يدعها تخرج إلى الأسواق، ويمكن أنه فقير؛ لأنهم لما علموا أنه ليس في بيته آلات لهو صار في أعينهم فقيراً؛ ولكنه بإذن الله عند الله شريف، أسأل الله أن يثبتنا على طاعته, وأن يجيرنا من مضلات الفتن. أيها الإخوة في الله: ذلكم -يا عباد الله- ما يقع في هذا الزمان، ثم يأت الأب ويعتذر من هذا الزوج الكفؤ؛ لأن مجلس المشورة لم ينعقد على قبوله، فيعتذر لهذا الزوج الكفؤ؛ لأنهم شهدوا له أنه رجل مستقيم، وهم لا يريدون الرجل المستقيم مع الأسف الشديد، وهذا بإذن الله سوف يكون قليلاً في المجتمع؛ لأن من الناس من يحب الخير لنفسه ولبناته. فأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم أن يوفق كل فتاة متمسكة، لزوج صالح يعينها على طاعة الله، وإلا فكم من امرأة صالحة لما تزوجها شرير من سائر الناس، الذي أغرى الأب والأم، أفسد البنت، أفسد عليها دينها وأخلاقها وآدابها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أيها الآباء: إنها والله أمانة عظيمة في أعناقكم سوف تسألون عنها يوم القيامة، اللهم إني بلغتهم أحاديث رسولك، وآياتك في كتابك، فرسولك صلى الله عليه وسلم يقول: {كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته}. ورسولك يقول: {من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد كبير}. اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارضِ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

التحذير من ترك الصلاة

التحذير من ترك الصلاة الصلاة هي عماد الدين والركن الركين بعد لا إله إلا الله، وهي الدليل على الإيمان، ومن ضيعها ضيعه الله، ومن حافظ عليها لا يضيع أبداً، ولا يجهل مسلم منزلتها ومكانتها وقد فرط فيها كثير من الناس إما بالتضييع الكامل وإما بالتأخير وإما بأدائها في البيت، وقد هم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بإحراق من يتخلفون عنها.

منزلة الصلاة في الإسلام وحكم تاركها

منزلة الصلاة في الإسلام وحكم تاركها الحمد لله الذي أعز بالإسلام من تمسك به، وأذل وخذل من ابتغى غير الإسلام ديناً، أحمدك اللهم وأشكرك، بنيت هذا الدين على أركان وأسس متينة، ومن أهمها بعد التوحيد الصلاة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبلغ عن ربه دين الإسلام، وما مات حتى أكمل الله به الرسالة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، وتمسكوا بأهداف دينكم القويم الحنيف، دينكم دين السماحة والسهولة. عباد الله: يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]. إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام التي تأخذ بيد المسلم المنقاد لله رب العالمين فتوصله إلى الغاية الحميدة، ويأمن بها من العثرة، ويأمن بها من الفزع في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فيأمن المسلم بهذه الصلاة حين يخاف الناس، ثم هذه الصلاة تكون له برهاناً على إيمانه، وصدقاً على إسلامه، وفي النهاية تكون له الصلاة نجاة من النار، وما ذاك -يا عباد الله- إلا لعظم منزلة الصلاة من الدين القويم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام. أمة الإسلام: الصلاة هي الصلة الوثيقة بين العبد وبين خالقه وموجده جل وعلا، فإذا قطع تلك الصلة ونسي الله وتركها قطع الله عنه عونه ووكله إلى نفسه ونسيه الله، عند ذلك يتولاه الشيطان ويكون من حزب الشيطان، أولئك حزب الشيطان وهم الخاسرون في الدنيا والآخرة. فإذا تولاه الشيطان تقاذفته المحن، وتسلطت عليه البلايا، وهيهات أن يفلح عبد تخلى عنه رب العالمين، وهيهات أن يفلح عبد تولاه الشيطان الرجيم، وهيهات وهيهات أن يفلح عبد أعرض عنه أرحم الراحمين وتولاه شيطان رجيم مطرود عن رحمة الله. إنه صار بترك الصلاة كافراً والعياذ بالله، وبرئت منه ذمة الله. ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة، وأكثر من ذكرها في القرآن الكريم وعظم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها، وأمر بأدائها مع الجماعة في بيوت الله وحذر من التهاون بها والتكاسل عنها، وأن ذلك من صفات المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ومآلهم إلى الدرك الأسفل من النار، فهم يصلون ويذكرون الله لكنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويذكرون الله لكنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً وبدون رغبة، فمآلهم إلى الدرك الأسفل من النار. عباد الله: لقد أمركم الله بالمحافظة على الصلاة في كتابه الكريم، فقال وقوله الحق: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. عباد الله: إن الذي يتخلف عن أدائها مع الجماعة بدون عذر شرعي يكون عاصياً لله، مرتكباً كبيرة من كبائر الذنوب، وتوعده الله بويل في جهنم؛ وهو وادٍ لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حره، وهذا لمن تهاون بالصلاة.

وقفات مع صلاة الجماعة

وقفات مع صلاة الجماعة عباد الله: صلوا مع الجماعة في بيوت الله امتثالاً لأمر الله تعالى حيث قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وهذه الآية نصٌ في وجوب الصلاة مع الجماعة، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله جل وعلا: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية.

وجوب صلاة الجماعة في الجهاد

وجوب صلاة الجماعة في الجهاد ولقد أوجب الله سبحانه وتعالى الصلاة في جماعة في حال الحرب، فأوجبها رب العالمين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، فكيف بحال السلم؟! فكيف بحال الأمان؟! فكيف بحال الطمأنينة؟! فكيف بحال رغد العيش؟! فكيف بحالٍ والشوارع منارة؟! لا حجة لأحدٍ أبداً. أجل -يا عباد الله- لو كان أحدٌ يُسامح بترك الصلاة في جماعة لكان المصافُّون للعدو والمهددون بهجوم العدو؛ أولى بأن يسمح لهم بترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحدٍ يدعي الإسلام ويدعي الإيمان أن يتخلف عن الصلاة في الجماعة امتثالاً لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري والإمام مسلم وغيرهما رحمهم الله في بيان وجوب الصلاة مع الجماعة، حيث يقول أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم انطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار}. أمة الإسلام: عجباً لمن عرف الدليل وحاد عن الجادة! عجباً لمن يسمع قال الله وقال رسوله، ويقول: أنا آخذ بقول فلان وفلان وعلان! لو فكر هذا المسكين المعاند لمن أمر أن يتبع، هل أمر أن يتبع ويقتدي بفلان وفلان، أو أمر أن يقتدي ويتبع بمن جاء بالهدى والنور الذي جاء بالشرع الحكيم والذي يهدي إلى صراط الله المستقيم، الذي قال الله فيه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] إنه الشرع القويم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام: متى ظهر الحق واتضحت أدلته، لم يجز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان وفلان. أمة الإسلام: متى ظهر الحق واتضحت أدلته فإنه لا يجوز لأحد أن يحيد عنه لقول أحد كائناً من كان؛ لأن الله عز وجلَّ يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].

حكم صلاة الجماعة للأعمى

حكم صلاة الجماعة للأعمى عباد الله: الأدلة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في وجوب الصلاة في جماعة وإقامتها في بيوت الله كثيرة: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال: {يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: نعم. فلما ولى دعاه صلى الله عليه وسلم وقال له: هل تسمع النداء؟ -هل تسمع الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله الله، أشهد أن محمداً رسول الله، هل تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ - قال: نعم، قال: فأجب}. أمة الإسلام: ما أكثر من يسمع الأذان ويضع الغطاء على رأسه، ما أكثر من يسمع الأذان وينام ويهنأ تحت المكيف عصياناً لله ولرسوله، متى يجد غب ذلك؟ يجد غب ذلك: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. عباد الله: إن مكبرات الصوت حجة عليكم، إنها ليست تسمع فحسب بل هي تهز البيوت، ولكن -مع الأسف الشديد- أكثر المجاورين لبيوت الله لا يحضرون الصلوات، اللهم اهدهم بهداك، أو أزلهم عن مجاورة بيوتك المطهرة، فإنهم -ولا حول ولا قوة إلا بك- لا يحضرون الصلاة، يسمعون الأذان والإقامة ويسمعون الصلاة تقام ولا يحضرون الصلوات مع الجماعة في المساجد، إنها المصيبة العظمى يا عباد الله! إنه الخطر الكبير الذي يشعر أن الكثير من المسلمين قد تخلوا عن دينهم الحنيف! نعم يا عباد الله! إنه الخطر الجسيم الذي يشعر أن الكثير من المسلمين ابتعدوا عن أهم موقف يقف به العبد بين يدي رب العالمين، إنها المصيبة العظمى، إنه الإعلان من كثير من المسلمين بترك عمود الإسلام، ومع الأسف الشديد إنهم إذا تركوا عمود الإسلام وتركوا الصلاة فإنهم كفار مرتدون لا يصلى على جنائزهم ولا تتبع، ولا يعاد مرضاهم، ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ولا يغسلون إذا ماتوا، والله ثم والله لو أتي بجار من جيران المسجد وأخبرنا أنه لا يصلي فلن نصلي عليه، بل نتركه يخزيه الله في الدنيا قبل الآخرة. نعم -يا عباد الله- نقولها بصراحة: لو أتي بأحدٍ من جيران المسجد الذين لا يشهدون الصلاة، وجاء شهود على تركه للصلاة فلا نصلي عليه؛ ليخزيه الله في الدنيا قبل الآخرة، ألا فليتقوا الله، ألا فليخافوا الله عز وجلَّ قبل أن يأتيهم أمر الله وهم غافلون، إنا لله وإنا إليه راجعون!

مشكلة تخلف الأبناء عن صلاة الجماعة

مشكلة تخلف الأبناء عن صلاة الجماعة يا عباد الله: إنها مصيبة عظمى، وأكبر من تلك المصيبة، الذين يأتون إلى المسجد ويتركون أولادهم في الشوارع يلعبون، أو في فرشهم نائمون، لم يبذلوا الأسباب فلم يوقظوهم، من أين لهم حجة إذا وقفوا بين يدي رب العالمين، وما هي حجتهم إذا وقفوا بين يدي رب العالمين؟ ألا يفعلون الأسباب؟ ألا يوقظون أولادهم؟ حتى ولو يتأخرون عن الصف الأول، إنما أنت مطالب بهذه الأمانة في عنقك، ولست مطالباً في أن تكون في الصف الأول، بل أنت مطالب بهذه الأمانة في عنقك أن تأتي به إلى المسجد فيصلي. وهذه -يا عباد الله- مصيبة عظمى سوف نسأل عنها يوم القيامة، ولنبحث ما هو السبب الذي جعل الأبناء يبتعدون عن المساجد، ما هو السبب يا عباد الله؟ لنفكر في ذلك، ولنبحث عن ذلك لعلنا نعالج هذا المرض الخطير الذي قضى على كثير من الشباب فصاروا لا يعرفون بيوت الله طرفة عين، فإنا لله وإنا إليه راجعون! عباد الله: البعض من الناس إذا دعي إلى هذا الصلوات تكلم بكلماتٍ تشمئز منها القلوب، سواء كان مجاوراً أو غير مجاور، سواء كان من الجيران أو غير الجيران، إذا دعي إلى هذه الصلوات الخمس تكلم بكلمات تشمئز منها القلوب المؤمنة، ولكن لا تيئس يا أخي المسلم، ادع جارك ونبهه إلى الصلاة لعلك تبرأ من تبعته يوم القيامة، إنه في الدنيا يتكلم عليك، ولا تدري غداً لعل الله يأخذه وترتاح منه أو يهديه ويكون في صفك في المساجد. أما في الآخرة فإنه يتعلق في رقبتك يوم القيامة، ويقول: يا رب! جاري ظلمني، فتقول: والله ما ظلمته بحق يا رب العالمين، فيقول: بلى إنه رآني على المعاصي فلم ينهني، ولم يأمرني بطاعة الله. فالخلاص الخلاص يا عباد الله، الخلاص ما دمت في وقت الإمكان، فالبعض من الناس -ويخشى أن يكونوا من الذين يعلمون أولادنا- يسمون الصلاة رجعية مع الأسف الشديد، وهم يعلمون أبناءنا، لا رد الله رجعتهم إذا سافروا إن كان قصدهم الفساد وتثبيط أولادنا عن دين الإسلام، فهم يسمون الصلاة رجعية، ويسمون من يصلي رجعياً، ويرمونه بالجمود، فحسبنا الله ونعم الوكيل! وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون. لقد أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ وهو من أجلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال رضي الله عنه: [[لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق عُلم نفاقه أو مريض. ثم يقول: وإن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة]] وقال: [[إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى: الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه]] وقال أيضاً: [[من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم]]. ثم يخبرنا بهذا الفضل ويقول: {ما من رجل يتطهر فيمس الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة}. عباد الله: إن الواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر والمبادرة إليه والتواصي به، إنها الصلاة يا عباد الله! اللهم وفقنا لما فيه رضاك وإصلاح أمر ديننا ودنيانا، وأعذنا من مشابهة الكفار والمنافقين إنك جواد كريم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية الصلاة

أهمية الصلاة الحمد لله القائل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله معلم الخير والهدى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل. أمة الإسلام: اعلموا أن شأن الصلاة عظيم، وقد بلغ من عناية الإسلام بأمر الصلاة أن أمر بإقامتها في الحضر والسفر، وفي السلم والحرب، ولم يرخص في تركها للمريض، فقال صلى الله عليه وسلم للمريض: {صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب} يسرٌ وسهولة، هكذا دين الإسلام؛ دين الكرامة والعزة، دين المفخرة العظمى لأهل الإسلام الذين تمسكوا به وأقاموه وقاموا بواجباته على نور من الله وبرهان، وعلى رأس ذلك وفي مقدمته الصلاة التي هي الركن العظيم من أركان الإسلام ومبانيه التي لا يقوم إلا عليها، فمتى حافظ عليها العبد فإنها تهديه بنورها إلى الطريق السوي، ويبدو أثر ذلك في سلوكه واتجاهه نحو الخير وبعده عن الإثم والرذيلة. يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن العبد إذا صلى فأحسن الصلاة صعدت ولها نور، فإذا انتهت إلى أبواب السماء فتحت أبواب السماء لها وتشفع لصاحبها وتقول: حفظك الله كما حفظتني، وإذا أساء في صلاته فلم يُتمَّ ركوعها ولا سجودها ولا حدودها -إنما جاء مكرهاً ليس مطيعاً، إنما جاء مدبراً غير مقبلٍ، إنما جاء اتباعاً للعادة لا عبادة- صعدت ولها ظلمة فتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، فإذا انتهت إلى أبواب السماء غلقت دونها، ثم لُفَّت كما يلَفُّ الثوب الخلق فيُضرب بها وجهه} نسأل الله العفو والعافية. فاتقوا الله -عباد الله- وأقيموا فرائض الله وفي طليعتها الصلاة. الصلاة -يا عباد الله- لا يُشغلنكم عنها، أو يحملكم على التهاون بأدائها في وقتها أي شاغل من وظيفة، أو رئاسة أو ندوة؛ أو بيع أو شراء؛ أو حرفة أو لهو، فإن في ترك فريضة رب العالمين غبنٌ يا له من غبن! ويا لها من خسارة! ومروا أبناءكم بالصلاة وحثوهم عليها ما داموا في السابعة، واضربوهم إذا تركوها وهم أبناء عشر سنين، هكذا حثكم الناصح الأمين. وصلَّوا على رسول الله امتثالاً لأمر رب العالمين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين وإن زعموا أنهم معلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين وإن زعموا أنهم أساتذة محضرون، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم أبدل الإسلام والمسلمين بخيرٍ منهم يا رب العالمين، اللهم أبدل أولاد المسلمين إناثاً وذكوراً بمعلمين يعلمونهم الخير ويهدونهم الصراط المستقيم يا رب العالمين. اللهم من أتى إلى هذه البلاد ليعلم أولادنا الشر والفساد ويدعي أن الإسلام رجعية وأن الصلاة رجعية فاجعل منيَّتُه في طريقه، واجعله فريسة لسباع البر يا رب العالمين، اللهم أغرقه في البر، اللهم اخسف به الأرض من تحته يا رب العالمين، ومن أتى لينشر التعاليم الإسلامية ويدل أولادنا على الخير فاجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، وارزقه من حيث لا يحتسب، ويسر أمره حيثما كان يا رب العالمين. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا جميعاً الحق حقاً وارزقنا اتباعه واجبلنا على اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجبلنا على اجتنابه يا رب العالمين. اللهم احمِ بلادنا من مضلات الفتن وجميع بلدان المسلمين يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

حياة عمر بن الخطاب

حياة عمر بن الخطاب الناظر في حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وفي سيرته الراشدة وحياته الطيبة منذ إسلامه واعتناقه هذا الدين بصدق واعتزاز وما كان له من دور كبير في امتناع المسلمين وقوة شوكتهم، وجعلهم يظهرون بعض شعائرهم؛ يرى العجب العجاب، ولقد تحول عمر رضي الله عنه من أعدى أعداء الإسلام إلى ذاك البطل الذي يذود عن حماه، ويحارب من أجله. لقد اتصف عمر بن الخطاب بسمات عظيمة، منها الشدة في دين الله مع تواضع جم، وحينما تولى الخلافة كان مثالاً للخليفة العادل المهتم بأمور رعيته، ولقد استمر عطاؤه وخيره وتضحيته إلى استشهاده على يد أبي لؤلؤة المجوسي لعنه الله.

عمر بن الخطاب وقصة إسلامه

عمر بن الخطاب وقصة إسلامه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها المسلمون! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله: إن المسلم الحقيقي إذا تصفح سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، بادرت عيناه باهمال الدموع والترحم عليهم؛ لأنهم بذلوا جهدهم لله وبالله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم رسم لهم منهج الفضائل والمعروف، والصدق والعفة، والكرم والإحسان، والقناعة وعلو الهمة، والنزاهة والشجاعة، والتقى والتواضع، فصاروا رضي الله عنهم أسبق الناس إليها، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده. أمة الإسلام: لقد سمعتم في خطبة الجمعة الماضية شيئاً يسيراً عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لو وزن إيمانه بإيمان هذه الأمة لرجح بها، وهو أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن بجواره في حجرة عائشة رضي الله عنهما. وتولى بعده الخلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أداركم ما عمر يا عباد الله! هو الذي كان قبل أن يسلم أعدى الأعداء للإسلام وأهل الإسلام، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام أن ينصر الله الإسلام بأحد العمرين: عمرو بن هشام أبو جهل أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسبقت السعادة ولله الحمد والمنة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وباء أبو جهل بالخيبة والخسران واللعنة ومأواه النار. ففي يوم من الأيام خرج عمر بن الخطاب متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، قال: أين تذهب يا بن الخطاب، فقال: أريد أن أقتل محمداً. قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة إذا قتلت محمداً؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه. فقال: أفلا أدلك على ما هو أعجب من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أختك وختنك -أي: زوج أختك- قد تركا دينك الذي أنت عليه. فمشى عمر ذامراً، حتى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له: خباب بن الأرت رضي الله عنه، فسمع خباب حس عمر فتوارى، فدخل على أخته وزوجها، فقال لهما: ما هذه الهيمنة التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرءون سورة طه، يقرءوهم إياها خباب. فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا، قال: فلعلكم قد صبوتما؟ فقال له زوج أخته: أرأيت يا عمر! إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على زوج أخته فوطأه وطأً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها بيده -أي: لطمها- فقالت وهي غضبى: يا عمر! إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فعندما رأى عمر رضي الله عنه الدم في وجه أخته، رق لها، وبدأت الرحمة في قلبه، فقال لأخته: أعطوني الكتاب الذي عندكم، فأقرأه وكان عمر يكتب، فقالت أخته: إنك رجسٌ ولا يمسه إلا المطهرون، فاغتسل وتوضأ، قال: فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ من قوله تعالى من سورة طه: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:1 - 8]. فقرأها عمر إلى قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] وعندما قرأ عمر هذا القرآن، الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وكان عمر في أول جاهليته وهو متلبس بأنجاسه وأدران شركه، فعندما قرأ عمر هذا القرآن بدأت الروح الإيمانية تدب في جسم عمر، وكم يقرأ القرآن! وكم يتلى القرآن! وكم يسمع القرآن! قلوب كثير من المسلمين غافلة، وعن هديه متباعدة، فهذا عمر جاهلي مشرك لا يعرف الإسلام عندما سمع تلك الآيات القرآنية التي أنزلها رب العزة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنزلها شفاءً لما في الصدور، قرأها عمر بدأت الروح الإيمانية تدب في جسم عمر، وبدأت غيوم الجاهلية تنقشع عن قلب عمر. فقال: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر! فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس، فإنه قال: {اللهم أعز الإسلام بـ عمر بن الخطاب أو بـ عمرو بن هشام} أي: أبو جهل، وسبقت السعادة لـ عمر بن الخطاب.

إعلان عمر لإسلامه

إعلان عمر لإسلامه قالوا له: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا، فانطلق عمر متوشحاً بسيفه حتى أتى الدار، قال: وعلى باب الدار حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة رضي الله عنهما وأناس من الصحابة، فلما رأى حمزة وجل القوم، أي: خوفهم من عمر، قال حمزة: نعم فهذا عمر فإن يرد الله بـ عمر خيراً يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن يرد الله غير ذلك يكن قتله علينا هيناً. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل الدار يوحى إليه، فقال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف وقال: {أما أنت بمنته يا عمر! حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بغيرك؟} فقال عمر: [[يا رسول الله! جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله]] قال: فكبر رسول الله، ونحن نكبر ثم نكبر: الله أكبر! الله أكبر! خرج مقاتلاً لرسول الله، ثم لم يمضِ هنيهة من الوقت، إلا وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أثر إسلام عمر على المسلمين

أثر إسلام عمر على المسلمين فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف أهل البيت أن عمر قد أسلم، ولما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان رجلاً ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر رضي الله عنه، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى وصل إلى الكعبة وصلى وراء المقام]] وصلى معه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قال: يا رسول الله! ألسنا على حق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال: لنخرج. فخرج عمر رضي الله عنه، وجعل يعلن إسلامه بكل مجلس كان يعلن به الكفر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب]] وقال ابن مسعود أيضا: [[إن إسلام عمر كان فتحاً، وهجرته كانت نصراً، وإمارته كانت رحمة]].

أثر عمر على الخلافة

أثر عمر على الخلافة وبعد أن هاجر رضي الله عنه، وتولى الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فتح الفتوحات، ومصر الأمصار، ودون الدواوين، وجاهد في الله حق جهاده، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج في عدة سرايا، وهو أول من دعي: أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ الهجري، الذي يحاول أعداء الإسلام الآن أن يحلوا محله التاريخ الميلادي، ميلاد عيسى بن مريم، تاريخ النصارى، ليحلوا محل التاريخ الهجري الذي أول من كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ}. اكتبوا التاريخ الإسلامي، اكتبوا التاريخ الهجري يا عباد الله! وابتعدوا عن مشابهة اليهود والنصارى. عمر بن الخطاب الذي أحيا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، فإن صلاة التراويح صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركها خشية أن تفترض على الأمة، رحمة بأمته صلى الله عليه وسلم، وأحيا تلك السنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجمع الناس على صلاة التراويح في رمضان. عمر بن الخطاب أول من عس بـ المدينة، كان متواضعاً في الله، خشن العيش، خشن المطعم، شديداً في ذات الله، يرقع الثوب بالأديم، ويحمل القربة على كتفه وهو أمير المؤمنين، ويركب الحمار، وكان قليل الضحك، لا يمازح أحداً، وكان نقش خاتمه كفى بالموت واعظاً يا عمر. عمر بن الخطاب التي خصاله لا تعد ولا تحصى، إنما ذلك يسير من كثير، وإنما ذلك فيض من غيض لمن تنفعه الذكرى، ولمن أراد أن يرجع إلى سير الصحابة والخلفاء وسلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين، فليرجع إلى تلك السير، وليتروى منها وليقتدي بهم، فإنهم الرجال الذين امتدحهم الله بالقرآن. اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، واجعلنا هداة مهتدين. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

ما كان عليه عمر من الصفات

ما كان عليه عمر من الصفات الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر الميامين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه وانهجوا نهج السلف الصالح تبلغوا ما بلغوا من العزة والكرامة والرفعة في الدنيا والآخرة.

تواضع عمر

تواضع عمر يقول طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: خرج عمر رضي الله عنه ليلة في سواد الليل، فدخل بيتاً فلما أصبحتُ ذهبتُ إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ فقالت: إنه يتعهدني مدة كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، الله أكبر! ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. إنه التواضع يا أمة الإسلام!

تفقد عمر للرعية

تفقد عمر للرعية قال أسلم رحمه الله: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة، وأقام حتى إذا كنا بصرار إذا بنار، فقال: يا أسلم! هاهنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فإذا امرأة مع صبيان لها وقدر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون، أي: يصيحون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء! قالت: وعليك السلام، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع، فقال: وأي شيء على النار، قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر! فبكى عمر رضي الله عنه، ورجع يهرول إلى دار الدقيق، فأخرج عدلاً من دقيق، وجراباً من شحم، وقال: يا أسلم! احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين! فقال: أنت تحمل أوزاري يوم القيامة؟! فحمله عمر على ظهره، وانطلقنا إلى المرأة، فألقى عن ظهره الدقيق، وأخرج من الدقيق فرماه بالقدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر عمر بن الخطاب الخليفة الراشد، الفاروق أفضل الأمة بعد رسولها وبعد أبي بكر رضي الله عنه، جعل ينفخ تحت القدر، والدخان يتخلل لحيته، ثم أنزلها عن النار، وقال: ائتني بصحفة، فأوتي بها، فافرغ فيها، ثم تركها بين يدي الصبيان، وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا والمرأة تدعو له، وهي لا تعرفه، فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، الله أكبر! يا لك من خليفة! أحنُ من الآباء والأمهات، إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصى لهم بنفقة، وانصرف ثم أقبل على أسلم، فقال: يا أسلم! الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم. تلكم القليل من فعال عمر بن الخطاب، الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إني رأيت قصراً في الجنة من ذهب أحمر، فقلت: لمن هذا؟ قيل: لشاب من قريش} إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي يقول: يا ويح أم عمر إن لم يغفر الله لـ عمر! الله أكبر! إنه عمر رضي الله عنه. أمة الإسلام: لولا الإطالة لبسطنا الكلام، ولكن إشارة بسيطة، ومن أراد أن يتروى من أخبار أولئك السلف الصالح، فليرجع إلى السير والتواريخ التي سطر فيها أولئك الرجال ملخص تلك الأعمال الطيبة عن الرجال، إنهم الرجال ثم الرجال ثم الرجال.

وفاة عمر رضي الله عنه

وفاة عمر رضي الله عنه إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فرغ من الحج سنة ثلاث وعشرين، ونزل بـ الأبطح دعا الله عز وجل وشكى إليه أنه قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وانتشرت رعيته، وخاف من التقصير، وسأل الله أن يقبضه إليه، وأن يمن عليه بالشهادة في بلد النبي صلى الله عليه وسلم. في صحيح الأخبار أنه كان يقول: [[اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك]] فاستجاب الله هذا الدعاء، وجمع له بين هذين الأمرين، الشهادة في المدينة. ففي يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة ضربه أبو لؤلؤة المجوسي الأصل، وهو قائم يصلي الصبح رضي الله عنه، عمر بن الخطاب قائم يصلي الصبح بالناس يؤم المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه المجوسي بخنجر ذات طرفين ثلاث ضربات، وقيل ست ضربات، إحداهن تحت سرته فقطعت الصفاق، فخر من قامته رضي الله عنه، واستخلف عبد الرحمن بن عوف، ورجع المجوسي لعنه الله، رجع بخنجره لا يمر بأحد إلا ضربه، حتى ضرب ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فألقى عليه رجلاً من المسلمين بردة، فلما رأى أنه قد تمكن منه المسلمون نحر نفسه لعنه الله. وبعد ذلك حمل عمر رضي الله عنه إلى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع الشمس، فجعل يفيق ثم يغمى عليه، ثم يذكرونه بالصلاة فيفيق ويقول: [[لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]] ثم صلى في الوقت، ثم سأل عمن قتله من هو؟ فقالوا له: هو أبو لؤلؤة المجوسي، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي إلا على يد رجل يدعي الإيمان، ولم يسجد لله سجدة، ومات رضي الله عنه، ومات عمر بن الخطاب، مات الخليفة الراشد، مات الذي ملأ أقطار الدنيا بالعدل، مات الخليفة الزاهد، مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودفن يوم الأحد بالحجرة النبوية، إلى جانب الصديق ورسول الله صلى الله عليه وسلم. عباد الله: هذه نبذة يسيرة عن أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، اللهم وفقنا للاقتداء بهم والتأسي بأحوالهم والتخلق بأخلاقهم. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أمة الإسلام: عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. أمة الإسلام: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم قيِّض لهم القرناء الصالحين، اللهم وفقهم للجلساء الصالحين الناصحين، الذين يعينونهم إذا ذكروا ويذكرونهم إذا نسوا يا رب العالمين! اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

ماذا بعد الموت!

ماذا بعد الموت! على المرء المسلم أن يعلم أنه عبد راجع إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتزود من الصالحات؛ لأنه ليس هناك بعد الموت من دار إلا الجنة والنار. وقد تطرق شيخنا في هذه الرسالة إلى وصف ماذا سيكون بعد الموت من حشر وأهوال عظام، وجنة ونار تلظى وغير ذلك من الأوصاف.

أنذرتكم النار

أنذرتكم النار إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:131 - 132] اتقوا النار بطاعة الله، وبامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه؛ فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بامتثال أوامر الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه. عباد الله: اتقوا النار فإنها دار البوار، والبؤس والشقاء والخزي والعار، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، دارٌ ساكنها شرار خلق الله تعالى من الشياطين وأتباعهم. لعل البعض يقول: لماذا هذا المسكين يكرر ذكر الجنة والنار؟ فأقول: يا عبد الله: إن النار هي سجن لمن عصى الله، والجنة رحمة لمن أطاع الله، فلننظر في أعمالنا يا عبد الله، هل تتجدد أعمالنا باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه؟! لا، والله. بل نحن في انحطاط وابتعاد عن أوامر الله واجتناب نواهيه، لماذا؟ لأننا لا نزداد طاعة بعد طاعة على تجدد نعم الله علينا، نعم الله تدر علينا ليل نهار ولكن مع الأسف الشديد نقابلها بالمعاصي والنكران للجميل.

وجوب شكر النعم قبل أن يحل عذاب الله

وجوب شكر النعم قبل أن يحل عذاب الله يا عبد الله: إن كان قلبك مؤمناً بالله ومصدقاً، فإذا سمع ذكر جهنم، يلين ويرعوي ويرجع إلى الله عز وجل، والنار موعد الشيطان الذي عصى وتكبر وطغى، ولكنه سوف يجتذب معه آخرين اتبعوا سنة الشيطان فعصوا الله وعصوا رسوله فموعدهم جهنم، يقول الله: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:84 - 85] النار: السجن الذي توعد الله بها العصاة، دار فرعون وهامان، دار قارون وأبي بن خلف وغيرهم من بغاة الخلق وفجارهم، دار المنافقين وأحزابهم وإخوانهم، هؤلاء هم سكان جهنم، كفار فجرة وطغاة ظلمة، ومنافقون خونة، ولكن سار على نهجهم الأكثرون الآن، فالذي لا يصلي كافر، والمتخلف عن الصلاة والثقيلة عليه منافق {أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً} نعم. ما أكثر الصفوف في غير الفجر والعشاء! أين هم في الفجر يا عباد الله؟! أين هم في الفجر يا عباد الله؟! أكرر ذلك؛ لأني أخاف أن تزول عنا هذه النعم؛ ولأن ترك الصلاة كفر والعياذ بالله، وتارك الصلاة توعده الله بسقر، وما أدراك ما سقر! طبقة من طباق جهنم. أما المتخلف عن الصلاة والذي يعتذر بالوظيفة يقول: إذا أتيت من العمل متأخراً وأذان العصر قد حان فأنا أريد أن آكل وأشرب، والصلاة سأقضيها بعد الفراغ، هذا إذا كان حريصاً أما الذي لم يكن حريصاً فإنه إذا أكل وشرب نام وترك صلاة العصر والمغرب حتى العشاء. فيا عباد الله! إن هذه النعم سوف نحاسب عليها، ونخشى أن ينزل علينا من الله غضب ونحن غافلون، يقول بعض السلف: إذا رأيت الله يدر على عبده النعم وهو يعصيه فاعلم أن ذلك استدراج. نعم -يا عباد الله- والعقاب لا يخص بل يعم، يقول صلى الله عليه وسلم لما سألته إحدى زوجاته قالت: {يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم. إذا كثر الخبث} إذاً الخبث بأي شيء يغير يا عباد الله؟! يغير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا لم نغير ولم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر فلا نأمن عقاب الله.

وصف النار في السنة

وصف النار في السنة نعم. ما أشد عقاب الله! أشده جهنم وما أدراك ما جهنم! فإنها في أسفل السافلين وأبعد ما يكون عن رب العالمين، فهي دار عقاب لأعداء الله فأبعدت عن رحمة الله وعن دار أولياء الله، أما هي فيؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، أما حرها فهو شديد، وأما قعرها فبعيد، ولقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {ناركم هذه -ما يوقد ابن آدم- جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم} الله أكبر يا عباد الله! {ناركم هذه -ما يوقد ابن آدم- جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم} قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله! إنها لكافية. يعنون نار الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: {إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها}. وسمع الصحابة رضي الله عنهم صوت وجبة - أي: شيء سقط- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً -سبعين سنة- فالآن حين انتهى إلى قعرها} رواه مسلم. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقال لليهود والنصارى: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا ربنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون، فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً؛ فيتساقطون في النار} قال الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم:86].

وصف النار في القرآن

وصف النار في القرآن عباد الله! يقول بعض العلماء: ما ظنكم بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف عام لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، قد تقطعت أكبادهم جوعاً، واحترقت أجوافهم عطشاً، ثم سحبوا إلى النار وهم يطمعون في الشراب فلا يجدون إلا النار يُلقون فيها! {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:7] يقول ابن عباس رضي الله عنه: تفور: [[أي لها شهيق مثل شهيق البغلة إذا رأت الشعير]]. هذه نار جهنم، إذا أقبلوا بالعصاة إليها يسحبونهم الزبانية {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:7] تفور فوراناً تقلبهم كما تقلب الحبة في المقلى، نار قد ملأها الله غيظاً وحنقاً عليهم {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8] انظروا يا عباد الله! جهنم غاضبة لغضب الله عز وجل، تكاد تميز من الغيظ على عصاة الله، يلقون فيها أفواجاً أفواجاً، يقابلون بالتقريع والتوبيخ {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8] هل ينكرون؟! لا. {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير} [الملك:9] فماذا عملتم؟ {فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:9] يقولون ذلك لأنبياء الله ورسله، ثم يعودون باللوم على أنفسهم {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} [الملك:10 - 11] يعترفون في جهنم، ولكن هل يفيدهم هذا الاعتراف؟! لا والله لا يفيدهم {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11] هذا ما يقابلون به عند دخولهم النار، توبيخ وتقريع وإهانة وتنديم فتنقطع قلوبهم أسفاً، وتذوب أكبادهم كمداً وحزناً، ولكن لا ينفعهم ذلك. فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم، وما أشد عقابهم، يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يقول الله جل وعلا: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16] ولئن سألتم عن طعام أهل النار وشرابهم ما هو؟ فهو الزقوم. وما هو الزقوم؟ الزقوم: شجر خبيث، مر الطعم، نتن الريح، كريه المنظر، يتزقمونه تزقماً لكراهته وقبحه، ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم فلا يسمنهم ولا يغني من جوع، في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم} قطرة من قطرة الزقوم الذي يشربونه في نار جهنم! فإذا ملئوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع التهبت أكبادهم عطشاً، فلا يهيئ لهم الشراب وإنهم ليستغيثون ولكن بماذا يغاثون؟ {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف:29]. ما هو المهل يا عباد الله؟ المهل: هو الرصاص المذاب يشوي الوجوه من شدة حره وبئس الشراب كما قال الله جل وعلا {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف:29] يشربونها على كره واضطرار شرب الهيم وهي: الإبل العطاش التي لا تروى من الماء. فإذا سقط في أجوافهم ماذا يعمل؟! يقطع أمعاءهم فهو كالمهل في حرارته وكالصديد في نتنه وخبثه! قال الله تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:15] أسأل الله العافية في الدنيا والآخرة! يا عباد الله! ما هذه المواعظ التي تتلى علينا ولكن أين القلوب؟ هل ماتت القلوب يا عباد الله؟! لا نرانا نزداد في طاعة الله أبداً ولا حول ولا قوة إلا بالله! وكالعادة نأتي إلى المساجد ونخرج، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اسمعوا يا عباد الله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:15 - 17] {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:74] إنا لله وإنا إليه راجعون! ويل لمن كانت جهنم مسكنه يا عباد الله! ثم إن سألتم عن لباسهم؛ فهو لباس الشر والعار {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] ما بالكم بجسم مسيرته ثلاثة أيام، وضرسه مثل جبل أحد!! هذه أجسام أهل النار، ثم تقطع لهم هذه الثياب {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] على قدر أبدانهم، ولا تقيهم حر جهنم بل تزيدها حرارة واشتعالاً، ولئن سألتم عن المدة فعذابهم مستمر دائم يقول الله: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] أبلسوا من رحمة الله، نسأل الله العفو والعافية! ثم تلك الجلود كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب الأليم، وكل ما خبت تلك النار زادها الله سعيراً، يرتفع بهم اللهب إلى أعلى جهنم ثم يعودون إلى قعرها {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة:20] ثم يطلبون الراحة من جهنم، ثم يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] فلا تجيبهم الملائكة إلا بالتوبيخ، ثم تقول لهم الملائكة: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:50] هل يكذبون؟ لا. ويقولون: بلى. قد جاءتنا رسل ربنا، والقرآن، والسنة، والمرشدون والواعظون؛ ولكن ما لقلب بميت إيلام قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] جاءت الرسل بالأدلة الواضحات فيقولون: بلى. فتقول لهم الملائكة: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50] فلا يستجاب لهم، ولا يسمع لهم دعاء لأنهم لم يستجيبوا للرُسل حين دعوهم إلى الله وإلى عبادته في الدنيا، فإذا لم يجابوا وهم يتعاوون ويصطرخون ويدعون بالويل والثبور تمنوا الموت حينئذٍ فقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] يطلبون الموت راحة لهم مما هم فيه من العذاب، فيرد عليهم خازن النار: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77]. ثم يتوجهون إلى رب العالمين ذي العظمة والجلال والعدل في الحكم والفعال فيقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107] فيقول لهم أحكم الحاكمين: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]. لقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {أن أهون النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل -أي القدر- ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بأنعم أهل الدنيا -الذي كان يأكل ويشرب وينام مثل البهائم- من أهل النار فيصبغ في النار صبغة -أي: يغمس فيها- ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب} الله أكبر! نسي المأكل والمشرب والمنام والغفلة، أجل -يا عباد الله- إنه نسي كل نعيم مر به في الدنيا وقد غمس في النار غمسة واحدة فكيف به وهو مخلد فيها أبداً. يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:168 - 169] ويقول ربنا جل وعلا: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] متى هذه الأخبار؟ هل تقال لنا يوم القيامة؟ لا. هذه موجودة في القرآن الآن، في رمضان نقرأ القرآن من أوله إلى آخره، ونسمع هذه الإنذارات، وتقرأ في فرائض الصلوات هذه الإنذارات {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23]. وأيضاً يقول رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64 - 65] لا يجدون واسطة يخلصهم من الحجرة أو من السجن، يدخل في الليل ويخرج في النهار لا. {لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:65] متى ذلك؟ {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:66] يا رب! يا رحمن! رحمتك يا كريم! النار يا عباد الله! اهربوا من النار، اهربوا من النار إن كانت لكم قلوب واعية {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:66] ماذا يقولون؟ {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] ثم قالوا: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:67 - 68]. اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام نجنا من النار، اللهم أيقظنا من غفلاتنا، اللهم أيقظنا من رقداتنا، اللهم صحنا من سكراتنا سكرات الدنيا حتى نستيقظ لما أمامنا يا رب العلمين. اللهم إنا نسألك أن ترزقنا صالح الأعمال التي ترضيك يا رب العالمين وتخلصنا بها من النار إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. اللهم ارحمنا، فإنه لا طاقة لنا بجهنم يا رب العالمين، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا، اللهم إنا نعوذ بك من نار جهنم فإنه لا طاقة لنا بنار جهنم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، يا من هو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، يا من هو أرحم بنا من أنفسنا، لا تجعل إلى النار مصيرنا، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

دعوة إلى محاسبة النفس قبل الفوات

دعوة إلى محاسبة النفس قبل الفوات الحمد لله الذي حذرنا من النار في محكم التنزيل فقال: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وأفضل المرسلين، المبلغ عن ربه شرعه المبين، والناصح لأمته حيث يقول: {أنذرتكم النار! أنذرتكم النار! أنذرتكم النار!}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل واحذروا من أسباب سخطه وعقابه، واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً ولم تتركوا سدىً، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين العباد ويميز فيه بين المطيعين والعصاة، فالمطيعين سوف يساقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والعصاة سوف يسحبون إلى النار وبئس المصير، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء الآجال، ثم تندمون حينئذٍ ولات حين مندم، فبادروا بالتوبة النصوح. عباد الله: تزودوا من الأعمال الصالحات فإنكم غداً يوم القيامة سوف توقفون بين يدي الله ثم تسألون عن أعمالكم وتحاسبون عليها، ثم تجزون عليها الجزاء الأوفى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] وصلوا على رسول الله، صلوا على الناصح الأمين الذي ترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، صلوا عليه امتثالاً لأمر رب العالمين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم اشف أمراض قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، نأمر بالمعروف ونفعله وننهى عن المنكر ونجتنبه، اللهم أصلحنا وأصلح بنا، اللهم أصلح أولاد المسلمين أجمعين ذكورهم وإناثهم يا رب العالمين، اللهم أقر عيون والديهم بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم رد شاردهم، وثبت مهتديهم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين، وأستغفر الله العلي العظيم.

لا تأمنوا

لا تأمنوا إن العبد المؤمن في هذه الحياة الدنيا لا يأمن مكر الله وعقابه وسخطه حتى يضع أول قدم في الجنة، والعبد الفاجر والملحد يتمادى في المعاصي والذنوب، ولا يذكر أن هناك حساباً وعذاباً، ولا يخاف من مكر الله جل وعلا.

موت القلوب وغفلتها

موت القلوب وغفلتها الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يزل بصفات الكمال متصفاً، وبآثار ربوبيته وآلائه إلى عباده متعرفاً، أحمده وأشكره، ولا أحصي ثناءً عليه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله: لقد استولت على القلوب الغفلة؛ حتى أمرضتها، بل أماتت بعض القلوب، فأصبحت لا تخشع عند ذكر الله ولا تلين ولا تعتبر فيما يحدث في هذا الكون من العبر والمحن، فإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. عباد الله: ألا نعتبر بهذه الرياح التي تهب؟ فإنها تكون على بعض الناس نقمة، وتكون لبعضهم رحمة. ألا نعتبر بهذه الأمطار التي تنزل من السماء بقدرة الله عزَّ وجلَّ؟ فإنها تكون على بعض الناس نقمة، ولبعضهم رحمة من الله تعالى. هل نعتبر بذلك يا عباد الله أم نقول: فيضانات، وغيرها من التعبيرات التي أماتت القلوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! هل نعتبر بكسوف الشمس وبخسوف القمر؟ إن الشمس لا تَكْسِف عبثاً، ولا القمر يخسف عبثاً، بل سوف يأتي يوم ينخسف القمر والشمس فلا يريا بعد ذلك اليوم. يا عباد الله: كل ذلك فيه عبرة لمن يعتبر، كنا إذا رأينا الأموات قبل سنين أصابنا الرعب، وانصرفت هِمَمُنا عن الأكل والشرب؛ لما نرى من هذه الجثث الهامدة التي ارتحلت عن الدنيا وانتقلت. لما كانت القلوب واعية تعتبر وتبصر، كنا إذا رأينا الميت، هلَّت العيون بالدمع، وشعُر القلب بالحزن، وجعل البعض يقول، بل كلنا: نسترجع، ونحوقل، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما الآن لما قست القلوب، بل مات بعضها، صار البعض من الناس يأخذ تلك الأعضاء -الرأس، والأيدي، والأرجل من ناحية في تلك الحوادث التي تقع كل حين بعد حين- ولا تلين القلوب، ولا تعتبر، ونخرج الأموات من سلة الثلاجة في المستشفى، ولا نعتبر بذلك يا عباد الله، لماذا؟ لأن القلوب مرضت وغفلت وابتعدت عن الله عزَّ وجلَّ، وأبعد القلوب من الله: القلب القاسي. عباد الله: كيف لا تحزن القلوب ولا تدمع العيون إذا رأت تلك الجثث الهامدة، بينما كانت في صحة متمتعة، فرحة بقوتها وشبابها، لا يخطر لها الضعف على قلب، ولا الموت على بال إذ هجم عليها المرض، وجاء الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرح، والكدر محل الصفاء، ولم يعد يؤنسه جليس، ولا أهل ولا أولاد ولا مال ولا آلات لهو من أغانٍ وغيرها مما كان يفكر فيه ويرغبه في أيام الصحة والفراغ. ثم بعد تلك الصحة والفرح ينزل به هادم اللذات، ثم يكون جثة هامدة، يفقد القوى، ويفقد الصحة، ولا يستأنس بأحد: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. نعم. ألا تخشع القلوب، ألا تَهْمُل العيون بالدمع وهي ترى إنساناً قد استفحل به المرض، ولم يعد الطبيب والدواء يفيد به؟ ترى ذلك عند قرب الموت، يستشعر الندم على ما مضى وفات من التفريط والإهمال، وقد نزل به ملك الموت وتغير اللون وغارت العينان ومال العنق والأنف، وذهب الحُسن والجمال، وخَرُس اللسان، وصار لا ينطق بالكلام، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، إنها جثة هامدة. كيف لا تخشع القلوب ولا تدمع العيون ونحن نرى تلك الجثث يا عباد الله؟! صار يقلب بصره في من حوله من الأولاد والأهل والأقارب؟ ألا ترحمه يا عبد الله! وهو يقلب بصره فيمن حوله من الأهل والأولاد، وهم كذلك ينظرون ما يقاسيه من كرب السياط، وشدة السكرات؟ ولكنهم عن إنقاذه عاجزون، يقول تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:83 - 85]. ويقول أيضاً: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [المدثر:26 - 27] ائتونا بالطبيب، ائتوا بالأطباء جميعاً، احملوه إلى بلد غير بلده، ابحثوا عن الأطباء {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ويقول تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:27 - 30]. ألا تخشع القلوب يا عباد الله؟ ألا تَهْمُل العيون بالدمع من هذا المنظر الفظيع، من إنسان يعالج سكرات الموت، ثم لا يزال يعالج سكرات الموت وشدائده حتى يتتابع النَّفَس، ويختل نبض القلب، ويتعطل السمع والبصر، ويحلُّ الأجل، وينفذ القضاء، وتفيض الروح إلى السماء، خرجت الروح إلى السماء من ذلك الجسد، ثم صار جثة هامدة، وجيفة بين أهله وعشيرته. قبل أن تخرج روحه يعاني مما حصل منه في حياته، إن كان مرابياً محارباً لله ولرسوله، يعاني من ذلك، ويقول: يا ويلتاه يا ويلتاه مما أمامي من الحساب والعذاب الشديد، يا ويلتاه من عناء تلك الأموال التي جمعتُها من الربا. إن كان غاشاً، إن كان مخادعاً، إن كان حلاَّفاً فإنه يقول كذلك، نسأل الله العفو والعافية. إن كان من الذين أدخل على أهله الملاهي، فهو يتوجع في حال موته، يريد أن يقول لأهله: أخرجوا هذه الملاهي التي فتنتكم بها عن بيتي؛ ولكنهم لا يفقهون ذلك، ثم يموت، ويكون وزره مثل أوزارهم، باستعمالهم تلك الملاهي، والعياذ بالله.

لابد أن نعد للسؤال جوابا

لابد أن نعد للسؤال جواباً يا عبد الله: أعد للسؤال جواباً أمام رب العالمين، أنت أدخلتَ الفيديو وما فيه، أفسدتَ النساء، أفسدتَ أخلاق النساء، جعلتهن في محل دعارة وهن في بيت حصين، تذكر -يا عبد الله- أن بيتك بوجود الفيديو صار بيت دعارة، صار بيت زنا وأنت لا تدري؛ ولكن هل تدري متى تدري؟ تدري إذا نزل بك هادم اللذات، وصرتَ تقلب بصرك في نواحي البيت. تريد أن تقول: أخرجوا الفيديو، أخرجوا الفيديو، أخرجوا الفيديو؛ ولكن هيهات لك من مجيب! هيهات لك أن تنطق، وقد نزل بك هادم اللذات! تريد أن تقول: أخرجوا الخادمة، أخرجوا الخادمة التي جئتُ بها، وجعلتُها بين الشباب في بيتي، يعتقبون عليها طول الليالي يزنون بها؛ ولكن لا تستطيع أن تقول ذلك. تريد أن تقول: أخرجوا الطباخ، أخرجوا السائق من بيتي، الذي ربما زنا بزوجتك وبالبنات؛ ولكن لا تستطيع أن تقول ذلك. فمتى يا عباد الله؟ متى نستيقظ هل إذا حل بنا هادم اللذات؟ نعم. لا يفيدك الكلام يا عبد الله! إذا لم تأخذ الأُهْبَة وتستعد له قبل أن ينزل بك، ثم بعد ذلك صرتَ جيفة هامدة، بين الأهل والعشيرة، قد استوحشوا من جانبك، بعدما كانوا يتواعدون للجلوس معك، صاروا يقولون: ائتونا بغاسل يغسله حتى ندفنه بالتراب، وتباعدوا من جنبك، ومات اسمك فلان بن فلان، الذي كانوا يعرفونك به، كما مات شخصك الذي كانوا يأنسون به، وأصبحوا وقد خيم الحزن عليهم، وضاقوا به ذرعاً. فأسرعوا إلى المغسل، وقد جاءوا بالمغسل يا عبد الله، وجردك من الثياب، وصار يقلبك عرياناً، وقد كنت تستحي من قبل أن تُرى عورتُك. ثم أدرجك بالأكفان، وحنطك بالحنوط، واحتملك الرجال على أكتافهم سراعاً، ثم صلوا عليك صلاة لا ركوع لها ولا سجود. ثم حملوك على أكتافهم إلى مثواك قبل الأخير، إلى قصرك الذي عمرته، إن كنتَ عمرته بالأعمال الصالحة، فهنيئاً لك قصراً مشيداً وسيعاً فسيحاً، وإن كنت عمرته بالأعمال السيئة، فيا ويلك من حفرة ضيقة مظلمة موحشة. ثم تذكر يا عبد الله! إذا صفوا عليك اللبنات، وأهلوا عليك التراب، وقَفَّوا من عندك، وأنت تسمع قرع نعالهم، وقد جاءك منكر ونكير. تذكر ما هو الجواب يا عبد الله! تذكر إذا جاءك منكر ونكير، هل تجيب، وتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد؟ أم تقول: هاه هاه لا أدري، ولا يستويان! فإن كان الجواب الأول: يقال لك: أبشر، فهذا منزلك من النار قد أبدلك الله به منزلاً من الجنة، ويأتيك عملك الصالح شاب حسن الثياب، طيب الريح. وإن كان الجواب الثاني: هاه هاه لا أدري، فيقال لك: انظر إلى مقعدك من الجنة قد أبدلك الله به مقعداً من النار، ويأتيك عملك السيء الخبيث. فيا عباد الله! علينا جميعاً أن نستعد لهذا الموت الفاجع، والخطب الفادح؛ فإنه يأتي على غرة، وبدون سابق إنذار، فاعتبروا بمن اخترمتهم المنية من الشيوخ، والكهول، والشباب، والأطفال، والملوك، والمملوك، والغني، والفقير، كلهم يموتون، قال الله فيهم: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] وقال تعالى: {قل إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. فاستعدوا يا عباد الله! وتوبوا إلى الله، جددوا توبة نصوحاً {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50]. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

معنى شهادة أن محمدا عبد الله ورسوله

معنى شهادة أن محمداً عبد الله ورسوله الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: يا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ. عباد الله: استعدوا لهادم اللذات، استعدوا للموت؛ فإنه يأتي على غرة، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، واعلموا أن بطاعة الله ورسوله الفلاح والسعادة والأجر في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80]. ويقول جل وعلا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:31 - 32]. ويقول جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]. عباد الله: في هذه الآيات الكريمة يتبين لنا معنى شهادة: أن محمداً عبده ورسوله، وهي: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يُعبد الله إلا بما شرعه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسالتُه خاتمة الرسالات، وهو الذي بُعث إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.

من طاعة النبي اجتناب المحرمات والمعاصي

من طاعة النبي اجتناب المحرمات والمعاصي أجَل يا عباد الله! أجَل يا أمة الإسلام! كم نسمع من التحذير من ارتكاب جريمة الربا، وأنها محاربة لله ولرسوله؟! كم نسمع من جريمة الزنا وأنها تجر الويلات والدمار، وأنها تخرب البلاد العامرات؟! كم نسمع من جريمة اللواط، وأنها عارٌ مستطير، قد حلَّت بأمم عيَّرهم الله في القرآن, وأنزل بهم عقوبة لم يعاقب بها مثلهم أمة من الأمم؟! كم نسمع من الغش، والخداع والحلف الكاذبة، التي عمَّت المسلمين إلا من شاء الله؟! كم نرى ونسمع من الذين يحلقون لحاهم، ويعتذرون بأعذار واهية ليس لهم بها حُجة ولا مخرج من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن حلق اللحية حرام يا عباد الله! إن حلق اللحية حرام شاءوا أم أبوا. إخوتي في الله: ويقترن مع حلق اللحية أمر عظيم وجريمة كبيرة تفشت بين الناس ولم يعتبروها جريمة، إلا من جعل الله في قلبه إيماناً، أتدرون ما هي يا عباد الله؟! هي الإسبال، جر الثياب والمشالح والسراويل من الرجال، واسمعوا يا عباد الله النهي الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، اسمع يا من تخشى أن تموت وأنت على تلك الحال، فتب إلى الله عزَّ وجلَّ ولن يقع عليك هذا الوعيد الأكيد وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً} حديث متفق عليه. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاًَ: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم} ثم يكرر صلى الله عليه وسلم ويقول: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم} ثم يكرر الثالثة صلى الله عليه وسلم ويقول: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم قال أبو ذر: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟! قال: المُسْبِل، والمنَّان، والمنفق سلعتَه بالحلف الكاذب} رواه: مسلم. يا عبد الله: اسمع -أيضاً- من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {أزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين، فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه} حديث صحيح رواه أبو داود. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مررتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء، فقال: {يا عبد الله، ارفع إزارك فرفعتُه، ثم قال: زد فزدتُ، فما زلتُ أتحراها بعدُ، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين} رواه: مسلم. عبد الله! هل بعد هذا البلاغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر للمعاندين الذين اعتادوا أن يسحبوا الثياب؟ هل لهم عذر إذا وقفوا بين يدي الله عزَّ وجلَّ؟ لا. إن البعض من المعاندين يقولون: لم نجره خيلاء ولكن زينة، فنقول لهم: ليست الزينة ولا الجمال فيما حرم الله ورسوله، مثل الذين إذا قيل لهم اتركوا اللحية، قالوا: (النظافة من الإيمان) والله إنها لمقالة شنعاء، كذبوا بها على الله ورسوله {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف:5] يقولون: (النظافة من الإيمان) مع الأسف أصبح تغيير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان؟ بل أنت ناقص الإيمان عندما غيرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. البعض من الناس إذا قيل له: لا تجر الثوب، قال: أنا لا أجره خيلاء ولا بطراً؛ ولكن أجره زينة، فنقول له قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} حديث صحيح رواه البخاري. واسمعوا يا عباد الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من جر ثوبة خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف تصنع النساء بذيولهن، قال: يرخين شبراً قالت: إذاً: تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعاً ولا يزدن} رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. عباد الله: لقد عَظُمَت المصيبة، وكلنا نرى في هذا الزمان الذي انعكس الأمر فيه وانتكس، فالمرأة هي التي قصرت ثيابها، وكشفت عن مفاتنها، والرجل حل محلها، فأسبل الثياب، وستر القدمين، فلا يظهر منه إلا الوجه، وأطراف القدمين، فما نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

عاقبة من عصى النبي صلى الله عليه وسلم

عاقبة من عصى النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. هل لديك طاقة يا عبد الله بجهنم؟! {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. فما ظنكم يا عباد الله بأناس يرون أولادهم يجرون الثياب وهم يصبون لهم القهوة، ويقدمون لهم الطعام، ولا يغيرون هذا المنكر العظيم؟! ما ظنك ببعض الآباء وأولاده يقفون أمام الخياط ليأخذ مقاساتهم والولد ويوصيه أن يجعل الثوب أو الإزار طويلاً يلامس الأرض، ولا ينكر عليه هذا؟! فهذا -والله يا إخواني- من عدم الغيرة الإيمانية، ومن عدم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فلا حول ولا قوة إلا بالله! أسأل الله أن يحيي قلوبنا بالإيمان، وأن يغيثها بالإيمان، وأسأل الله أن يشفي مرض قلوبنا، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، إنه على كل شيء قدير. عباد الله: صلوا وسلموا على الناصح الأمين، امتثالاً لأمر الله ربكم، حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، الذي ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك {ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في سبيلك، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، يا رب العالمين. اللهم أيدهم بتأييدك، وانصرهم بنصرك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم اجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، الذين يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا، يا رب العالمين. اللهم رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار. اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, واجمعنا والمسلمين في جنات النعيم. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

من أسباب دخول النار

من أسباب دخول النار إن النار دار قد خص أهلها بالإبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، وبدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. لذلك كله كان لا بد من معرفة أسباب دخولها حتى يحذر منها.

وصف النار

وصف النار الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته, أيها المؤمنون الذين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، ويؤمنون بالقدر خيره وشره، ويؤمنون بالنعيم والعذاب, ويؤمنون بالجنة والنار, نعم -أيها المؤمنون بالله حقاً- إن القرآن دائماً في وعده ووعيده، دائماً يكرر: يا أيها الذين آمنوا، ينادي باسم الإيمان, فعليك أيها المؤمن أن تصغي لها سمعك, فإن بعد هذا النداء الجليل إما خيراً تدعى إليه, وإما شراً تحذر منه. أجل -يا عباد الله- لقد وصف الله سبحانه وتعالى نار جهنم، ووصف أهلها وأحوالهم وأعمالهم في القرآن العظيم, ووصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال بعض العلماء في وصف النار: "إنها دار قد خص أهلها بالإبعاد, وحرموا لذة المنى والإسعاد, بدلت وضاءة وجوههم بالسواد, وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد, عليها ملائكة غلاظ شداد, لو رأيتهم في الحميم يسرحون وعلى الزمهرير يطرحون، وحزنهم دائم فما يفرحون, مقامهم محتوم فما يبرحون, أبد الآباد في نار جهنم، عليها ملائكة غلاظ شداد, توبيخهم أعظم من العذاب, تأسفهم أقوى من المصاب, يبكون على تضييع أوقات الشباب, وكلما جاء البكاء زاد, هذه جهنم عليها ملائكة غلاظ شداد، يا حسرتهم لغضب الجبار! يا محنتهم لعظيم البوائق! يا فضيحتهم بين الخلائق على رءوس الأشهاد! أين كسبهم للحطام؟! أين سعيهم في الآثام؟! كأنه كان أضغاث أحلام، ثم أُحرقت تلك الأجسام، وكلما أُحرقت تعاد في جهنم عليها ملائكة غلاظ شداد". نعم -يا عباد الله- هل على هذه النار نستطيع أن نصبر؟! هل على جهنم نستطيع أن نصبر؟! أم هل على هذه النار جلد؟ يا عباد الله: الأجسام رقيقة وضعيفة. عباد الله: لنرجع إلى القرآن، ثم لنسمع قول المولى جلَّ وعلا، لنسمع قول الحق تبارك وتعالى الذي لا مرية فيه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

الأسباب التي توجب دخول النار

الأسباب التي توجب دخول النار عباد الله: إن الله عز وجل لما أخبرنا عن النار في القرآن العظيم, وحذرنا منها أخبرنا بالأعمال التي توصل إليها، حتى لا يكون لأحد على الله حجة يوم القيامة, وكذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة.

من أسباب دخول النار: الشرك بالله

من أسباب دخول النار: الشرك بالله فأما النوع الأول الذي يدخل النار ويخلد فيها: الشرك بالله, بأن يجعل لله شريكاً في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات, فمن اعتقد أن مع الله خالقاً مشاركاً، ولو كان يعتقد انفراد الله بالخلق, أو اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أن يعبد أو عبد مع الله غيره، فصرف شيئاً من أنواع العبادة إليه, أو اعتقد أن لأحد من العلم والقدرة والعظمة ونحوها مثل ما لله عز وجل، فقد أشرك بالله شركاً أكبر واستحق الخلود في نار جهنم، قال الله عز وجلَّ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]. اسمعوا يا من تأتون إلى الكهان والعراف والسحرة والمنجمين, اسمعوا هذا الوعيد الشديد: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] ليسمع الذين يعتقدون أن الأولياء والصالحين والأنبياء والملائكة وغيرهم أن لهم قدرة على الأشياء، أو أنهم يعلمون الغيب، فإن علمهم هذا باطل, إذا استغاثوا بهم، أو استعانوا بهم، أو طافوا بأضرحتهم, أو توسلوا بهم, فإن عملهم هذا باطل, وليسمعوا إلى هذا الوعيد: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]. إذاً هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد, الحي القيوم, الذي لا يستعان إلا به, ولا يستغاث إلا به, ولا يدعى إلا هو, ولا يقضي الحاجات إلا الله, ولا يفرج الكربات إلا الله, لا إله إلا الله ولا رب سواه. اسمع يا من غره أولئك المشعوذون, أولئك أهل الخزعبلات, أولئك أهل الخرافات الذين يقولون: إذا نزلت منزلاً جديداً فأتِ بالذبيحة واذبحها عند الباب تكون لك تقرباً إلى الجن, ويندرءُ بك شر الجن, فهذا شرك -يا عباد الله- لأنه ذبح لغير الله, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن ذلك ويقول: {لعن الله من ذبح لغير الله} لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من ذبح لغير الله، فهل بعد هذا البيان بيان؟!

من أسباب دخول النار: الكفر بأركان الإيمان

من أسباب دخول النار: الكفر بأركان الإيمان أمة الإسلام: النوع الثاني من الكفر الذي يدخل النار: الكفر بالله عز وجلَّ أو بملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو قضاء الله وقدره, فمن أنكر شيئاً من ذلك تكذيباً أو جحداً أو شكاً فيه فهو كافر مخلد في النار, قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} [النساء:150 - 151].

من أسباب دخول النار: إنكار ركن من أركان الإسلام

من أسباب دخول النار: إنكار ركن من أركان الإسلام النوع الثالث: من أنكر شيئاً من أركان الإسلام الخمسة, فمن أنكر توحيد الله أو الشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة, أو عمومها لجميع الناس, أو أنكر فريضة الصلوات الخمس, أو أنكر فريضة الزكاة, أو أنكر صوم رمضان, أو أنكر الحج, فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله, وإجماع المسلمين، وكذلك كل من أنكر تحريم الشرك، أو قتل النفس التي حرم الله، أو أنكر تحريم الزنا، أو أنكر تحريم اللواط، أو أنكر تحريم الخمر، أو غيرها مما تحرمه الشريعة الإسلامية وهو ظاهر صريح في كتاب الله، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, من أنكر ذلك أو أحل شيئاً مما حرمه الله فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

من أسباب دخول النار: الاستهزاء بالله أو بدينه أو برسوله صلى الله عليه وسلم

من أسباب دخول النار: الاستهزاء بالله أو بدينه أو برسوله صلى الله عليه وسلم النوع الرابع: الاستهزاء بالله سبحانه وتعالى، أو بدينه أو برسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى مصرحاً بكفر من فعل ذلك في كتابه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] وهذه هي المصيبة العظمى التي وقع فيها كثير من الناس في هذا الزمان. الاستهزاء هو: السخرية، وهو من أعمال المنافقين الذين وعدهم الله هذا الوعيد، فاسمعوا: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة:68].

من أسباب دخول النار: سب الله تعالى

من أسباب دخول النار: سب الله تعالى والنوع الخامس: هو سب الله تعالى, ومن يجترئ أن يسب الله؟! ومن يجترئ أن يسب الله الخالق الرازق المدبر؟! ومن يجترئ أن يسب رب العالمين، الذي بيده ملكوت كل شيء؟! ولكن بعض الناس يتجرأ على الله الذي خلقه من نطفة من ماء مهين، فيسب الله تعالى أو يسب الدين أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا هو القدح والعيب, وذكرهم بما يقتضي الاستخفاف والانتقاص، كاللعن والتقبيح ونحو ذلك، فمن فعل ذلك فهو كافر, وقد توعده الله بقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة:68].

من أسباب دخول النار: الحكم بغير ما أنزل الله

من أسباب دخول النار: الحكم بغير ما أنزل الله والنوع السادس: الحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أنه أقرب إلى الحق وأصلح للخلق, فمن حكم بغير ما أنزل الله معتقداً ذلك فهو كافر, لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].

من أسباب دخول النار: النفاق

من أسباب دخول النار: النفاق والنوع السابع: هو النفاق -نعوذ بالله من النفاق- وهو أن يكون كافراً بقلبه, ويظهر للناس أنه مسلم، وهذه هي المصيبة العظمى, كافر بقلبه، ويظهر للناس أنه مسلم، وإما بقوله أو بفعله، وهذا صنف أعظم كفراً من الكفار, ولذلك كانت عقوبة أصحابه أشد، فهم في الدرك الأسفل من النار؛ وذلك لأن كفرهم جامع بين الكفر والخداع والاستهزاء بالله وآياته ورسوله، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] ماذا يفعلون؟! {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [لبقرة:9 - 10]. وللنفاق علامات كثيرة:- العلامة الأولى: الشك فيما أنزل الله، وإن كان يظهر للناس أنه مؤمن, ومنها كراهة حكم الله ورسوله. العلامة الثانية: أن المنافق يكره ظهور الإسلام وانتصار أهله، ويفرح بخذلانهم. العلامة الثالثة: أن المنافق يحب أن تظهر بين المسلمين الفتنة, ويحب تفريق المسلمين. العلامة الرابعة: لمز المؤمنين وعيبهم في عباداتهم، مثل الذين يستهزءون بأهل اللحى, هذه مصيبة -أيها الإخوة في الله- الذين يستهزءون بأهل اللحى، يسمونهم موسوسين، يقولون: (يا أبو لحية التيس!) (يا أبو المكنسة!) يا ويلهم مما أمامهم يوم القيامة. أكرر ذلك ولو حصل لي أن أكرر ذلك بعد كل الفروض من الصلاة لكررت ذلك؛ لأن الأمر عظيم، ووقع فيه الكثير من الناس, حتى إن بعض الناس أصابهم حيرة وشك في دينه، من الذين يرددون هذه العبارات لا كثرهم الله, يستهزءون بأهل اللحى ويسمونهم: موسوسين، أو يستهزءون بالذين يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم, الذين يلبسون الثياب القصيرة، فإنهم يسمونهم: متزمتين رجعيين، ويتسهزءون بالمرأة المتحجبة -مع الأسف الشديد- المتمسكة بدينها فيسمونها: رجعية أو متزمتة, نسأل الله العفو والعافية, إذا لم يتوبوا فيا ويلهم مما أمامهم! فيا أخي المسلم، ويا أختي المسلمة: الله الله بالتمسك بأهداب الدين الحنيف، ولا يلتفتوا إلى المنافقين أعوان الشياطين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. العلامة الخامسة: ثقل الصلاة والتكاسل عنها, قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] فهم يصلون لكن بصفتهم هذه -نسأل الله العافية- فلا يقومون إليها إلا وهم كسالى, ومع ذلك يراءون الناس، جمعوا بين الأعمال الخبيثة وبين الرياء والنفاق وبين التكاسل عن طاعة الله عز وجل. فتش عن نفسك -يا عبد الله- هل أنت من هؤلاء؟ فبادر إلى الله بالتوبة النصوح واستعن بالله، وبادر إلى طاعة الله عز وجلَّ, وإن لم تكن منهم فاحمد الله عز وجلَّ, يقول نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: {أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر} أسأل الله العافية، أجل. الذين لا يعرفون الصلاة إلا في رمضان, لا يعرفون صلاة الفجر إلا في رمضان, وبعضهم ينزل ويرتحل ما رئي في المسجد أبداً, يا ويلهم مما أمامهم إن ماتوا من غير توبة, هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر}. العلامة السادسة: أذية الله ورسوله والمؤمنين. العلامة السابعة: أنه إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر. فهذه طائفة من علامات المنافقين, ذكرناها للتحذير منها, ولتطهير النفس من سلوكها, اللهم إنا نعوذ بك من النفاق, ومن أعمال المنافقين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

من أسباب دخول النار: عقوق الوالدين والدياثة وإدمان الخمر

من أسباب دخول النار: عقوق الوالدين والدياثة وإدمان الخمر الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي نصح الأمة, وتركها على البيضاء وحذرها من الشر وطرقه, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ. عباد الله: اسمعوا أيضاً لعدة أسباب يستحق فاعلها دخول النار -نعوذ بالله من النار- منها عقوق الوالدين, والديوث الذي يقر الخبث في أهله, ومدمن الخمر, فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر الخبث في أهله} رواه الإمام أحمد والنسائي.

من أسباب دخول النار: قطيعة الرحم

من أسباب دخول النار: قطيعة الرحم ومن أسباب دخول النار: قطيعة الرحم قال صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة قاطع} قال سفيان رحمه الله: [[أي: قاطع رحم]] , رواه البخاري ومسلم , وقال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23] ومن المؤسف أن كثيراً من المسلمين اليوم غفلوا عن القيام بحق الوالدين والأرحام, وقطعوا حبل الوصل، وحجة بعضهم: أن أقاربه لا يصلونه, وهذه الحجة لا تنفع؛ لأنه لو كان لا يصل إلا من وصله, لم تكن صلته لله، وإنما تكون مكافئة. عباد الله: إذا وصل رحمه وهم يقطعونه فإن له العاقبة الحميدة, وسيعودون فيصلونه, كما وصلهم إن أراد الله بهم خيراً.

من أسباب دخول النار: مجموعة من الأسباب التي توجب دخول النار

من أسباب دخول النار: مجموعة من الأسباب التي توجب دخول النار ومن أسباب دخول النار: أكل الربا وأكل مال اليتامى وشهادة الزور وأكل الرشوة واليمين الغموس. ومن أسباب دخول النار: القضاء بين الناس بغير علم, أو بجور وميل. ومن أسباب دخول النار: الغش للرعية, وعدم النصح لهم. ومن أسباب دخول النار: تصوير ذوات الأرواح من إنسان أو حيوان. ومن أسباب دخول النار: الكبر والنميمة. ومن أسباب دخول النار: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب للرجال والنساء, وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط يضربون بها الناس, ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا}. كل ما تقدم من أسباب دخول النار له دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ولولا الإطالة لذكرت ذلك مفصلاً, ومن أراد الدليل فليرجع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله. فاحذروا -أيها الإخوة في الله- أسباب دخول النار, واعملوا بالأسباب التي تبعدكم عنها؛ لتفوزوا بدار القرار, واعلموا أن متاع الدنيا قليل؛ لأنها سريعة الزوال, كما أخبر الله في محكم البيان. وأسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم, وأن يثبتنا على الحق, وأن يحيينا مسلمين, وأن يتوفانا مسلمين, وأن يجعل أعمالنا كلها صالحة, وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم, ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد عليهم وطأتك, وارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق, إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, غير ضالين ولا مضلين, اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، الذي لا إله إلا هو، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم إنا نستغيثك يا مغيث اللهفات, يا مجيب الدعوات، يا مفرج الكربات, يا محيل الشدائد والبليات، لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء، يا علي يا عظيم, يا حليم يا عليم, نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، يا أجود الأجودين، يا من خزائنه ملأى, لا تنقصها النفقات, يا من يداه مبسوطتان, ينفق كيف يشاء، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق, اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً, سحاً غدقاً, نافعاً غير ضار, اللهم احيي بلدك الميت, اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة, وإليه المآب, لا إله إلا أنت, ولا رب لنا سواك. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

وداعا شهر رمضان

وداعاً شهر رمضان يرحل عنا شهر رمضان، وقد مضت أيامه ولياليه سراعاً كساعة من نهار، خرج منه المجتهدون بوافر الحظ والنصيب، وضيع حسناته المفرطون المحرومون. ولقد شرع لنا ربنا الكريم في ختام شهر رمضان عبادات جليلة منها: زكاة الفطر والتكبير وصلاة العيد.

شهر رمضان مستودع للأعمال

شهر رمضان مستودع للأعمال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن فضله شرع لنا ما يقرب إليه من صالح الأعمال ويسرها، وجعل ثواب من فعل ذلك تكفير الذنوب والسيئات، أحمده سبحانه على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعروف بالفضل والإحسان على الدوام. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وتهجد وقام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن على نهجهم استقام، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وفكروا ماذا عملتم في شهر رمضان الذي قارب وأوشك على الارتحال، وسيكون شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، لقد كانت أيام هذا الشهر الكريم، معمورة بالصيام والقيام والذكر وقراءة القرآن، فيا أسفاً على تلك الليالي والأيام! لقد مضت سراعاً كساعة من نهار، وأخذ المجتهدون منها بوافر الحظ والنصيب.

حال المفرط

حال المفرط أما المفرط المحروم فقد أضاعها وذهبت عليه هباء، يتمنى لو عاد الشهر من أوله ليتلافى ما فرط وأضاع، وهيهات هيهات فكم وعظهم الواعظون، ونصحهم الناصحون، ولكنهم كحمر مستنفرة يفرون ويتهربون، وعن الخيرات يبتعدون، قد ران على قلوبهم الران، وخدعهم والله طول الأمل، وغرهم بالله الغرور. فتمادوا في المعاصي في مختلف ألوانها وأشكالها، فلو رأيتهم وهم يأخذون الأُهبة والاستعداد للسفر لبلاد الكفر والفساد، ليجدوا جواً مهيأ لهم في فعل المنكرات، من شرب المسكرات، وفعل الزنا واللواط، والجلوس في أماكن تدفعهم إلى ارتكاب أقبح الجرائم والذنوب، من أفلام سينمائية قذرة، تصور الإثم وتدعو إلى الفساد والتحلل عن الأخلاق الفاضلات، ومع الأغاني الخليعة وغيرها من التمثيليات الأثيمة التي تفسد الأخلاق، وتصور الميوعة والانحلال التي يدعو إليها الشيطان وأعوانه من المفسدين في الأرض، ليصدوا بها العباد عن طاعة الله. عباد الله! يا من صمتم شهر رمضان! وترجون من الله القبول، احذروا المعاصي فإنها برهان واضح على الغفلة، احذروا المعاصي فإنها نكران للجميل، احذروها فإنها كفران لنعمة المنعم العظيم، فمن حق المنعم جل وعلا أن يُشكر ولا يُكفر، وأن يطاع ولا يعصى، ويُحمد ويُعبد، ولا يعصى طرفة عين.

المبادرة للعمل الصالح

المبادرة للعمل الصالح عباد الله! إنكم تودعون شهر رمضان وقد قارب الارتحال، فهذه آخر جمعة من شهركم الكريم، وهو شاهد عليكم غداً بما أودعتموه وبما أضعتم، فيا ليت شعري هل يرحل حامداً فعلكم، أو ذاماً تضييعكم. فبادروا عباد الله! بادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة قبل الارتحال إلى القبور، وانهضوا إلى فعل الأسباب الموصلة إلى رحمة الله عز وجل قبل طي الكتاب، وبادروا بالتوبة والاستغفار ما دمتم في زمن الإمكان، قبل إغلاق الباب وإسبال الحجاب، وقبل أن يختم على كل عمل بما فيه من حسن أو قبح. فهذه أيام الخيرات والبركات، أيام إعتاق الرقاب الموبقات، أيام رمضان ولياليه قد تصرمت وأوشكت على الانتهاء، لقد كانت مواسم لمضاعفة الأجور والغفران.

ما يشرع في ختام رمضان

ما يشرع في ختام رمضان عباد الله! إن الله شرع لكم في ختام شهركم، شرع لكم التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى وقت صلاة العيد، وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، واجهروا بهذا التكبير في المساجد، والبيوت والأسواق، إعلاناً بتعظيم الله، وإظهاراً لعبادته وشكراً له على تمام الصيام. أمة الإسلام! ما أجمل حال المسلمين! وهم يكبرون الله تعظيماً وإجلالاً في كل مكان، عند انتهاء شهر الصوم، ما أجملهم وهم يملئون الآفاق تكبيراً وتحميداً وتهليلاً! يرجون رحمة الله ويخافون عذابه. كما شرع لكم صلاة العيد، ويسن الخروج إليها ماشياً إذا لم يشق عليه المشي، ويلبس أحسن الثياب، مع الحذر من المحرم مثل الحرير والذهب، فإنهما حرام على الذكور من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤدي الصلاة بخشوع وحضور قلب، ويكثر من ذكر الله ومن دعائه، ويتذكر بذلك الاجتماع اجتماع الناس على صعيد واحد يوم القيامة، في ذلك الموقف العظيم بين يدي الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا الصيام والقيام والدعاء، وأن يرزقنا التوبة النصوح إنه على كل شيء قدير فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

زكاة الفطر

زكاة الفطر الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله ربي ورب كل شيء ومليكه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل خلق الله على الإطلاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

مقدار زكاة الفطر ونوعها

مقدار زكاة الفطر ونوعها أيها المسلمون! لقد شرع لنا ربنا الكريم في ختام هذا الشهر عبادات جليلة، نزداد بها إيماننا، وتكمل بها عباداتنا، وتتم بها علينا النعمة، شرع لنا ربنا في ختام هذا الشهر: زكاة الفطر، والتكبير، وصلاة العيد، فأما زكاة الفطر فهو صاع من طعام، صاع من البر أو التمر أو الزبيب أو الإقط أو الرز أو غيرها من قوت البلد. قال أبو سعيد رضي الله عنه: {فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام} وكلما كان من هذه الأصناف أطيب وأنفع للفقراء؛ فهو أفضل وأعظم أجراً، تطيب بها نفساً، وأخرجوها من أفضل ما تجدون، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]. وهي ولله الحمد قدر بسيط لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فكيف لا يحرص الإنسان على اختيار الأطيب، مع أنه أفضل عند الله وأكثر أجراً، ويجوز أن يوزع الإنسان فطرته على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر، وزكاة الفطر فرض على جميع المسلمين الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الملك والمملوك، فأخرجوها عن أنفسكم، وعمن تنفقون عليه من الزوجات والأقارب، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في بطن أمه، وإن أخرج عنه فهو خير وأفضل.

وقت إخراجها

وقت إخراجها والأفضل في وقت إخراجها: يوم العيد قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين فقط، ولا تجزئ بعد صلاة العيد، بل تكون بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات، ويأثم بتأخيرها، وتدفع إلى الفقراء، ولا يجوز لغني أخذها، ويجوز للفقير أن يوكل شخصاً في قبض ما يدفع إليه من زكاة، فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل، فإنها وصلت إلى يد موكله.

حكم إخراجها نقدا

حكم إخراجها نقداً واعلموا يا عباد الله! إنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخرج قيمتها، ولا أخرجها أحد من الخلفاء الراشدين، فمن أخرج القيمة فإنه يكون مخالفاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفاً لهدي خلفائه الراشدين الذين قال فيهم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين}. وصلوا يا عباد الله! على خير خلق الله محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم فقال قولاً كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد البشير النذير، والسراج المنير، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم واحم حوزة الدين، اللهم ودمر اليهود وأعوانهم، والمبشرين والشيوعيين، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا، اللهم اجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين، وآتنا اللهم ربنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

اتقوا الله واشكروا النعم

اتقوا الله واشكروا النعم إن الواجب على المسلم أن يعتبر ممن قبله من الذين لم يشكروا نعم الله عليهم، مثل قرية سبأ التي أنعم الله عليها بالنعم العديدة، فما شكروا الله وأعرضوا عنه، فأرسل الله عليهم سيل العرم، وأبدلهم مكان النعمة العذاب والخسران، وهذه هي سنة الله في الذين يكفرون نعمه ولا يشكرونها. والشكر لا يكون باللسان فقط؛ بل بالأعمال الصالحة المختلفة كالصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الأعمال الصالحة.

كفران النعم سبب لزوالها

كفران النعم سبب لزوالها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، وتفكروا في هذه النعم التي أمدكم الله بها ومن أهمها وأكبرها نعمة الإسلام، والأمن، والاستقرار والصحة والعافية في الأبدان ونعم رغد العيش، ونعمٌ كثيرةٌ، وصدق الله حيث يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18]. عباد الله: لقد أنعم الله علينا بنعمٍ كثيرةٍ وافرةٍ في هذه البلاد الواسعة الأرجاء، بينما كثيرٌ من الناس في كثيرٍ من الأقطار والأمصار يعانون من المخاوف وعدم الاستقرار، وعدم الأمن، وتهددهم المجاعات، وتطحن عليهم الحروب رحاها؛ ففرقتهم ومزقتهم كل ممزق، فهم ما بين جريح وقتيل، ويتيم وأرملة، ومشلول ومعلول، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

سبب إهلاك الله لقوم سبأ

سبب إهلاك الله لقوم سبأ عباد الله: إن الله ليس بظلام للعبيد، وليس بينه وبين خلقه نسباً، فتلكم -يا عباد الله- عواقب المعاصي والإجرام وتعدي حدود الله، فإن الله يملي للظالم فإذا أخذه فإنه يأخذه أخذ عزيز مقتدر، واسمعوا إلى القرآن وهو يخبر عن أمة كفرت نعم الله وجحدتها قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15 - 17]. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم وبلقيس صاحبة سليمان عليه السلام من جملتهم، وكانوا في نعمةٍ وغبطةٍ في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله تبارك وتعالى الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده تبارك وتعالى، ويعبدوه حق عبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد شذر مذر، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} [سبأ:18] ولكنهم عافوا هذه النعمة، وسئموها كما سئمت بنو إسرائيل المن والسلوى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:19].

سنة الله في الذين يكفرون بنعمه

سنة الله في الذين يكفرون بنعمه وضرب الله أيضاً مثلاً لعصاة ولكفار آخرين، ومنهم أهل قريش لما كفروا النعمة وبطروها، والمثل لقريش وغيرهم ممن كفروا نعم الله وجحدوها ولم يستعملوها في طاعة الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] وأخبر الله عز وجل أنه أرسل إليهم رسولاً منهم صلى الله عليه وسلم، ولكنهم عتوا وكفروا ولم يطيعوا؛ فعذبهم الله جلا وعلا، وما ربك بظلام للعبيد، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل:113]. نعم يا عباد الله: هذه سنة الله في خلقه، فإن الناس إذا كفروا نعمة الله؛ فإن الله يغار على نعمه؛ فيحل الخوف بدلاً من الأمن؛ وتحل النكبات والكوارث والفقر والجوع والتشريد والجلاء عن الديار، وهلاك الأنفس، وتلاف الأموال، والترويع والإرهاب، والتخريب والاغتيالات، والاختطاف وتفجير القنابل المروعة التي تهدم المباني المشيدة، وتهلك النفوس الكثيرة، وتلحق الأضرار البالغة بالجراحات والتشويه، وما يتبع ذلك من نهب الأموال، وقطع الطرق ونشر المخاوف، كل ذلك يجري إذا كُفرت النعمة، وغير العباد الطاعة بالمعصية، وأغضبوا جبار الأرض والسماوات، فإنه يغار ويسلط ويسلب النعم ويحل النقم، فهو القادر على كل شيء، وهو الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله وهو أصدق القائلين: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53]. عباد الله: اسمعوا إلى ربكم يحذركم في محكم البيان، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، فهل من أذن تسمع؟ وهل من قلبٍ يتعظ؟

ظهور بوادر الشرك وكفران النعمة

ظهور بوادر الشرك وكفران النعمة يا أمة الإسلام: إن الوضع يحزن؛ لقد ظهرت بوادر الشر وكفران النعمة من تضييع الصلاة، انظروا المساجد بعد أن خرج شهر رمضان كيف ودعها الكثير من الناس وهم ينعمون بالصحة والعافية والأمن والاستقرار؟ أجل. إنهم كفروا هذه النعمة، وقابلوا مسديها بالنكران للجميل. نعم -يا عباد الله- فكثير من البيوت تمتلئ بالرجال والأولاد الذين لا يشهدون الصلاة في المساجد، ومنهم من يترك الصلاة بالكلية، وهناك بيوت تمتلئ بآلات اللهو والأفلام الخليعة، وترفع فيها أصوات المطربين والمطربات بالأغاني الخليعة والأصوات الفاجرة، وهناك أناس هتكوا ستر الحياء، وذبحوا الشيمة والمروءة، وتساهلوا في أمر نسائهم ومحارمهم، فتركوهن يخرجن للأسواق متبرجات متعطرات، وبعضهم جلبوا إلى بلاد المسلمين قطعاناً من الرجال والنساء الأجانب وأدخلوهم في بيوتهم، وخالطوهم مع عوائلهم باسم خدامين وخدامات، ومربين وسائقين، وأكثرهم كفرة وملاحدة جاءوا لإفساد عقائد المسلمين وأخلاقهم، وتدمير بيوتهم، وغير ذلك من المنكرات التي حدثت في بلادنا مؤذنةٌ بزوال تلك النعم إن لم نتدارك أمرنا ونقلع عما نحن فيه، ونتآمر بالمعروف، ونتناهى عن المنكر، ونأخذ على أيدي سفهائنا بجدٍ وحزمٍ، ولنستمع إلى قول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] وهذه سنة الله في خلقه، إذ هو يقول: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} [الإسراء:17]. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ونعوذ بك اللهم من جميع سخطك، اللهم صلِّ على محمد، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

انتشار ظاهرة الإسراف

انتشار ظاهرة الإسراف الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي الأمين الناصح الذي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتها، وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، فلقد أنعم الله عليكم بنعمٍ كثيرةٍ، وجاد علينا بخيراتٍ وافرةٍ، غفلنا عنها وعن ضدها، وجهلنا حكمتها، وأعطانا ربنا جل وعلا النعم الكثيرة الظاهرة والباطنة، والله أوجب علينا الشكر لنعمه، وهو الغني الحميد، غني عن العالمين، والخلق هم الفقراء إليه كما أخبر سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] وليس لله في شكرنا منفعةٌ تعود عليه، ولا في كفر نعمه ضررٌ عليه، إنما تعود منفعة الشكر على الشاكر كما قال تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. عباد الله: تسمعون ما يحصل في كثيرٍ من المناسبات من البذخ والتبذير والإسراف مما يندى له الجبين، ويقشعر منه الجلد، كل ذلك جرياً وراء العادات، ووراء التقاليد مباهاة ومفاخرة، حتى إن البعض من الناس صارت عنده العادات بمنزلة الفريضة، فبعضهم إذا نزل عليه ضيف ولو كان واحداً قدم له الذبيحة، ثم يأخذ منها بقدر ما يأخذ الضيف، والباقي أين يوضع يا عباد الله؟! لو نذكر هذه العبارة مع البكاء حتى ينفد الدمع ويتبعه الدم؛ ما قدرنا أن نعبر عما يفعله الناس، أين يوضع الباقي يا عباد الله؟! إن الإنسان يستحي أن يقول: إنه يوضع في محل النفايات مع القاذورات، في محل حتى الكلاب والقطط لا تأكل منه، أليس هذا يا عباد الله من كفر النعمة؟ بلى والله. ثم بلى والله. ثم حدثوا يا عباد الله: عن البراري والصحاري، وما يوضع فيها ولا حرج، إن البعض من الإخوان الثقات، قال لي: لقد رأينا (قلاب) وهو يظهر منه حرارة، فتتبعناه، فإذا هو يفرغ طعاماً كثيراً، سبع ذبائح لم يؤخذ منها شيء إلا القليل قدر البيضة، وبعضها لم يؤخذ منها شيء. ثم زيادة على ذلك ما يدفع من النقود الباهضة للفنادق وغيرها من قصور الأفراح في مناسبات الزواج، وربما كان ذلك كله دينٌ في ذمة الزوج، قد استدانه من تجار حمَّلوه ما لا يطيق (فيا ليت للصقيمة الوليمة) ولو أن إيجارات قصر الأفراح ترد على الزوج ليقضي ما عليه من الدين، واكتفى بشيءٍ يسير يجتمع عليه هو وأقاربه وجيرانه لكان في ذلك كفاية وخير كثير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف: {أولم ولو بشاة} والصحابة في حاجة، وشدة جوع، ويقول له صلى الله عليه وسلم: {أولم ولو بشاة}. ولكن متى نرعى النعمة يا عباد الله؟ متى نقيد النعمة يا عباد الله ونحن نبذر ونسرف في تلك المناسبات! حتى -يا عباد الله- إذا حل بنا ما حل بالمجاورين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهم بطروا النعمة وكفروها، وأخيراً صاروا يبحثون عنها مع الوحوش ليسدوا رمق الجوع، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وما هي من الظالمين ببعيد. اللهم أيقظنا من غفلاتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشداً.

شكر النعم

شكر النعم عباد الله: أيدوا النعمة بالشكر، ولا يكفي الشكر باللسان، بل بالقيام بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالمحافظة على الصلوات في بيوت الله، وبأمر الأولاد بالصلاة، وبمناصحة الجيران والزملاء، لنجعل مجتمعاتنا دائماً وأبداً على طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تدوم هذه النعمة؛ ويزيدنا الله من فضله، فإن الله وعد الشاكرين بالمزيد، أما إن كفرنا هذه النعمة، فإنه وعد من كفر النعمة بالانتقام والعذاب الشديد. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها، وأكرمها علينا، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام والمسلمين، واشدد وطأتك على أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وقيض لهم القرناء الصالحين، والجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين، اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداةً مهتدين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ، وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، وصلوا على رسول الله!

تحريم الربا

تحريم الربا كثر في زماننا هذا التعامل بالربا، واقتات منه الأبناء والأولاد، وهو محرم في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدلة واضحة صريحة لا غبار عليها. ويرى الشيخ أن هناك صورة من صور الربا يتعامل بها الناس كثيراً اليوم، ويرى أن حقيقتها حيلة، كما تعرض الشيخ لمضار الربا وذكر معظمها.

التحذير من الربا في الكتاب والسنة

التحذير من الربا في الكتاب والسنة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله القائل في محكم كتابه: {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى: {ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين. أما بعد:

التحذير من الربا في القرآن

التحذير من الربا في القرآن فيقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:130 - 132]. هكذا القرآن جاء محذراً من هذه الجريمة، ومتوعداً من ارتكب هذه الجريمة ألا وهي الربا.

التحذير من الربا في السنة النبوية

التحذير من الربا في السنة النبوية تأتي السنة -وهي الوحي الثاني- وتحذر تحذيراً بالغاً، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا السبع الموبقات -ونسوق الحديث بتمامه للفائدة- قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات} رواه البخاري ومسلم. الشاهد من هذا الحديث: (أكل الربا) فأكل الربا من الموبقات المهلكات، ومن كبائر الذنوب. أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: {الربا ثلاثٌ وسبعون باباً أيسرها مثل: أن ينكح الرجل أمه} لا حول ولا قوة إلا بالله! بئس البطن الذي يجر على مثل هذه الجريمة، يقول صلى الله عليه وسلم في معرض اللعن: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} يعني: في الإثم. أمة الإسلام: لقد توعد الله جل وعلا آكل الربا بالنار، وآذنه الله بالحرب، ولعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتب ومات على تلك الحالة وقد قال: {أيما جسمٍ نبت من سحت فالنار أولى به} ويقول صلى الله عليه وسلم: {درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أنه ربا أشد من ستٍ وثلاثين زنية}. ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء: {رأيت رجلاً يسبح في نهر دم، وكلما جاء ليخرج من هذا النهر؛ استقبله رجلٌ آخر على شاطئ النهر، وبين يديه حجارة ويرجمه بحجر منها في فيه حتى يرجع حيث كان، فسأل عنه صلى الله عليه وسلم: من هذا الذي يسبح في هذا النهر من الدم ويلقم الحجارة؟ فقال: إنه كان يأكل الربا}. أيها المسلمون: إن الربا فساد في المجتمع واستغلال، بني على الشح والطمع، آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً، وذلك علمٌ لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في حديث مرفوع: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بلاءً فلا يرفعنه عنهم حتى يرجعوا عن دينهم} ويقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[إذا ظهر الزنا والربا في قرية آذن الله بهلاكها]]. وكما ذكرنا في الحديث السابق أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم، ويلقم الحجارة وتلك الحجارة هي المال الذي جمعه من حرام، فانقلب المال حجارة يلقم بها في البرزخ، فيلقم حجارةً من نار كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا، هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صورة من صور الربا

صورة من صور الربا أيها المسلمون: إن للتحايل على الربا صوراً كثيرةً أكثرها شيوعاً ما ظهر في البيوت علانية بين أظهر المسلمين، ومنها: طريقة المداينة التي يستعملها كثيرٌ من الناس وهي: أن يتفق الدائن والمدين أولاً على المعاشرة، يتفق معه على الدراهم يقول: أريد عشرة آلاف العشرة باثني عشر، أو ثلاثة عشر، أو أربعة عشر، أو غيرها مثلاً، ثم يذهب به إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة سكراً، أو ربطات خام، أو غيرها، فيشتري الداعم شراءً ليس له به غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة باثني عشر، أو ثلاثة عشر، أو إلى غير ذلك، والدليل الذي يوضح ذلك أنه شراءٌ صوري أنه لا يكاثر بالثمن، ولا يقلب السلعة، ولا يفككها كما يفعل المشتري حقيقة، وربما اتفق هو والتاجر خفية حتى يصطادون ذلك المسكين، وربما كانت هذه الأموال أفسدها طول الزمن، أو أكلتها الأرض؛ لأنها لم تنقل ولم تقلب، ولم تفكك، بعد هذا الشراء الصوري يبيع الدائن هذه السلعة على المدين المسكين بما اتفقا عليه من الربح، ثم يعود المدين، فيبيعها على صاحب الدكان وهي في محلها، ويخرج من الدكان بدراهم؛ وهذا هو عين التحايل.

لماذا كانت هذه الصورة ربا

لماذا كانت هذه الصورة ربا أيها المسلمون: إن المبايعة بهذا البيع الصوري الذي يعلم الله جل وعلا ويعلم المتعاقدان أنفسهما أنهما لم يريدا حقيقة البيع، وإنما أرادا دراهم بدراهم، فإن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير: الأول: أنها تحايل على المحرم، وخداعٌ لله ولرسوله، والخداع من صفات المنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، ونقول لهذا المتحايل: إن حيلتك لن تغني عنك من الله شيئاً كما لم تغن حيل اليهود عنهم شيئاً. ثانياً: إن هذه المعاملة توجد القسوة في القلب والتمادي في الباطل. الثالث: إن في هذه المؤامرة السيئة معصية لله ولرسوله، فقد نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حتى تنقل، قال ابن عمر رضي الله عنهما: {كان الناس يبتاعون الطعام جزافاً، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه} رواه البخاري. يقول بعض الناس: أنا أشتري سيارة، ولم أستطع أن أدفع الثمن كاملاً، فهي تقدر بخمسة عشر ألفاً، ثم آتي لصاحب السيارة، فأقول: بعنيها إلى العام المقبل بثمانية عشر ألفاً، هل هذا ربا؟ نقول: لا. هذا يسمونه العلماء من المباح؛ لأنه يسمى بيعٌ مؤجل، والزيادة هذه لأجل الأجل، لذلك أباحه بعض العلماء. نعم -يا أمة الإسلام- علينا أن نتقي الله عز وجل، ونحذر من الوقوع فيما حذر الله ورسوله منه من أجل كسبٍ لا يعود علينا بالخير والبركة، فلنتب إلى ربنا، ولنتق الله عز وجل، ولنعرف الحقيقة في الدنيا قبل العذاب في الآخرة. اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم وفقنا لسلوك طريقك المستقيم، وارزقنا الزهد والورع في هذه الدنيا، وجنبنا ما فيه هلاكنا من السحت والطمع، واجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه إنك جوادٌ كريم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

مضار الربا

مضار الربا الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، والمحذر من مساخطه ونيرانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

الربا يقضي على التراحم ويساعد على البطالة

الربا يقضي على التراحم ويساعد على البطالة فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واحذروا عقوبة المعاصي في الدنيا والآخرة، ومنها جريمة الربا التي تقضي على المودة والتراحم بين المسلمين، وتؤدي بالأغنياء إلى الكسل وانحرافهم عن الأعمال المشروعة من كسب الحلال، إذ يفضل بعض الأغنياء التعامل بالربا مع راحة البدن، ويفضلون ذلك عن الاشتغال بالزراعة والصناعات أو التجارة ونحوها مما يحتاج إلى تعب البدن وعنائه، ولا شك أن هذا ينشر البطالة، ويقتل روح التنافس بين أصحاب الحرف، ويؤدي إلى نقص الإنتاج وقلة موارد الثروات، وينتهي الأمر إلى الغلاء، أما إذا سد باب الربا فإن الأغنياء يستعملون أموالهم لأعمال نافعة بدلاً من تعطيلها واستعمالها للربا، ولاصطياد الناس.

الربا سبب لغضب الله

الربا سبب لغضب الله أمة الإسلام: الإسلام حرم الربا؛ لأنه يساعد على خلق نظام فاسد مخرب، الربا سبب لجلب غضب الله عَزَّ وَجَلّ، ومنها: تسليط الأمراض وبعض الكوارث لمن يتعاملون بالربا، فقد يقضي على حياتهم، ومضار الربا شديدةٌ أليمة وعاقبته وخيمة، والذين يتعاملون بالربا تضطرب نفوسهم وتختل حركاتهم، وتراهم إذا قاموا صاروا يتخبطون كمن أصابه مسٌ من الجنون، لا فرق في هذا بين الدائن والمدين، وإنما أصابهم ذلك لأنهم استحلوا الربا وعدوه كالبيع، وغاب عنهم أن هناك فرقاً عظيماً يجعل البيع حلالاً والربا حراماً، وإليكم التفصيل بكلام الله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام رب العالمين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، فعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وأنعم بأولئك الرجال! اللهم ارض عنهم أجمعين، ووفقنا -يا حي يا قيوم- لاتباعهم والأخذ بطريقهم يا رب العالمين، والأخذ بسلوكهم إلى صراطك المستقيم. اللهم أعزنا بالإسلام، وارزقنا مناصرة الإسلام وأهله في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمر الشيوعيين واليهود والنصارى المبشرين، اللهم اشدد عليهم وطأتك يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين عليهم في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم إنا نجعلك في نحور أعداء الإسلام والمسلمين، ونعوذ بك من شرورهم يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة أمور المسلمين وولاتهم في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء والربا والوباء والزنا واللواط، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين، واقض الدين عن المدينين، ولا تحوجهم إلى أهل الربا يا رب العالمين، اللهم يسر لنا ولهم اليسرى، وجنبنا وإياهم العسرى. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحدٍ من خلقك يا رب العالمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة إن الصلاة هي الركن الثاني لهذا الدين، وهي صِلَة بين العبد وربه، وهي برهان على إيمانه وصدق إسلامه. ولقد أوجب الله تعالى على عباده أداء هذه العبادة الجليلة، والشعيرة العظيمة في جماعة، ولم يعذر أحداً في التخلف عنها لا في حال السلم ولا في الحرب.

منزلة الصلاة في الإسلام

منزلة الصلاة في الإسلام الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، والحمد الله الذي أعزَّ بالإسلام من تمسك به، وذلَّ وخذل من ابتغى غير الإسلام ديناً، أحمده سبحانه وأشكره، بنى هذا الدين على أركان وأسس متينة، ومن أهمها بعد التوحيد: الصلاة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبلِّغ عن ربه دين الإسلام، وما مات حتى أكمل الله به الرسالة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله حق تقاته وتمسكوا بأهداب دينه القويم. عباد الله! يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]. إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي تأخذ بيد المسلم المنقاد لله رب العالمين، فتوصله إلى الغاية الحميدة، ويأمن بها من العثرة، ومن الفزع يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. نعم يأمن المسلم بهذه الصلاة حين يخاف الناس، ثم هي للمسلم برهاناً على إيمانه وصدق إسلامه، وفي النهاية تكون له نجاة من النار، وما ذاك -يا عباد الله- إلا لعظم منزلة الصلاة من الدين القويم، ولأن الصلاة عمود الإسلام. أمة الإسلام! الصلاة هي الصِّلة الوثيقة بين العبد وبين خالقه وموجده، بينه وبين ربِّ العالمين، فإذا قطع العبد تلك الصلة، ونسي الله وترك الصلاة؛ قطع الله عونه ووكله إلى نفسه، ونسيه الله عند ذلك، فيتولاه الشيطان، ويكون من حزبه، فتقذفه المحن، وتتسلط عليه المصائب، وهيهات أن يُفلح عبدٌ تخلَّى عنه رب العالمين، وتولَّاه الشيطان الرجيم، إنه صار بترك الصلاة كافراً -والعياذ الله- برئت منه ذمة الله.

وجوب الصلاة جماعة

وجوب الصلاة جماعة ولقد أكثر الله -سبحانه- من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظَّم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها، وأمر بأدائها مع جماعة المسلمين في بيوت الله، وحذَّر من التهاون بها، والتكاسل عنها، وبيَّن أن ذلك من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم: {وإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. ومآل المنافقين في الدرك الأسفل من النار. ولقد أمر الله بالمحافظة على الصلاة في كتابه الكريم، فقال جلَّ من قائل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. أجل يا عباد الله! إن الذي يتخلف عن أدائها مع الجماعة بدون عذر شرعي يكون عاصياً لله، ومرتكباً كبيرة من كبائر الذنوب، وسوف يَصْلَى وادٍ في جهنم {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5]. ويقول جلَّ وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] فهذه الآية نص في وجوب الصلاة في جماعة، ولو كان المقصود: هو إقامتها -فقط- لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية. ولقد أوجب الله -سبحانه وتعالى- الصلاة في جماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم؟! أجل يا عباد الله! لو كان يُسامح أحدٌ في ترك الصلاة في جماعة لكان المُصَّافون للعدو، المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلمَّا لم يقع ذلك؛ عُلِمَ أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحدٍ التخلفَ عنها. وجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في بيان وجوب الصلاة مع الجماعة، حيث يقول أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة؛ فأحرق عليهم بيوتهم} الحديث. أمة الإسلام! عجباً لمن عرف الدليل وحاد عن الجادة! عجباً لمن يسمع: قال الله وقال رسوله، ويقول: أنا آخذ بكلام فلان وفلان وعلان! لو فكر هذا المسكين المعاند من أُمِر أن يتبع؟ هل أُمِرَ أن يتبع ويقتدي بفلان وفلان، أو أُمِرَ أن يقتدي ويتبع من جاء بالهدى والنور، الذي جاء بالشرع الحكيم، والذي يهدي إلى صراط الله المستقيم، الذي قال الله فيه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21]؟ إنه الشرع القويم الذي جاء به محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام! متى ظهر الحق واتضحت أدلته؛ فلا يجوز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان وفلان؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].

الأدلة على وجوب الصلاة جماعة

الأدلة على وجوب الصلاة جماعة عباد الله! إن الأدلة في كتاب الله وفي سنة رسول الله على وجوب الصلاة في الجماعة، وإقامتها في بيوت الله كثيرة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه {أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد؛ فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ -ماذا رد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب}. أجل -يا عباد الله- إن مكبرات الصوت -أي: الميكرفونات- حجة عليكم؛ إنها ليست تسمع فحسب! بل هي تهزُّ البيوت، ولكن -مع الأسف الشديد والحزن المرير- أكثر المجاورين لبيوت الله لا يحضرون الصلاة مع الجماعة في المساجد، إنها المصيبة العظمى، إنه الخطأ الكبير؛ الذي يشعر أن الكثير من المسلمين تخلوا عن دينهم، إنه الخطر الجسيم الذي يشعر أن الكثير من المسلمين ابتعدوا عن أهم موقف يقف فيه العبد بين يدي رب العالمين، إنه الإعلان -من كثير من المسلمين- بترك عمود الإسلام علانية، وبدون خوف من الواحد القهار، كيف وبعض المتخلفين عن الصلاة يستترون حتى تُقضى تلك الفريضة؟ يختفون في محلاتهم، أو يغلقونها ويقفون أمامها أمثال الشياطين، وبدون خوف من الله الذي يعلم السر وأخفى.

استهزاء بعض الناس بالصلاة

استهزاء بعض الناس بالصلاة وبعضهم قد تكبرَّ على الله، وعلى ما جاءت به الرسل الكرام، حيث إنه إذا دعي إلى هذه الصلوات الخمس تكلم بكلمات تشمئز منها القلوب المؤمنة، إنهم يُسمَّون الصلاة رجعية، ويسمون من يصلي رجعي، ويُرمى بالجمود! لقد أكبروا الفرية، وما ربك بغافل عما يعمله الظالمون. لقد أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من الصحابة الأجلاء، حيث قال رضي الله عنه: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق عُلِمَ نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة]]. وقال: [[إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المساجد الذي يؤذن فيه]]. وقال أيضاً: [[من سرَّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم -وفي رواية: لكفرتم- وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف]]. عباد الله! إن الواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر العظيم، والمبادرة إليه، والتواصي به. اللهم وفقنا لما فيه رضاك وإصلاح أمر ديننا ودنيانا، اللهم أعذنا من مشابهة الكفار والمنافقين إنك جواد كريم {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. اللهم انفعنا بالقرآن العظيم وما صرّفت فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

عناية الإسلام بالأمر بالصلاة

عناية الإسلام بالأمر بالصلاة الحمد لله القائل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، مُعلِّم الخير والهدى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بتمام الهدى، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ. أمة الإسلام! اعلموا أن شأن الصلاة عظيم، وقد بلغ من عناية الإسلام بالأمر بالصلاة بأن تقام في الحضر والسفر، في السلم والحرب، ولم يرخص في تركها للمريض، فقال صلى الله عليه وسلم للمريض: {صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب} هذا في حق المريض، ومع الأسف الشديد! فبعض المرضى يدخل أحدهم في المستشفى ويخرج ولم يصلِّ فرضاً واحداً، يقول: أجمعها جميعاً، وهل تدري يا مسكين! هل تخرج معافى أم تخرج جنازة؟ ثم تبقى عليك هذه الفرائض دينٌ عليك تحاسب بها؛ لأنها حقٌ من حقوق الله.

عدم سقوط الصلاة بأي حال من الأحوال

عدم سقوط الصلاة بأي حال من الأحوال الإسلام دين يسر، دين الكرامة والعزة {صلِّ قائماً؛ فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب} هكذا دين الإسلام يدعو إلى السهولة واليسر، دين يدعو إلى العزة والمفخرة العظمى لأهل الإسلام؛ الذين تمسكوا به وأقاموه، وقاموا بواجباته على نور من الله وبرهان، وعلى رأس ذلك وفي مقدمات الدين الإسلامي: الصلاة التي هي الركن العظيم من أركان الإسلام، ومبانيه الذي لا يقوم إلا عليها، فمتى حافظ عليها العبد فإنها تهديه بنورها إلى الطريق السوي، ويبدو أثر ذلك في سلوكه واتجاهه نحو الخير وبعده عن الإثم والرذيلة. يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن العبد إذا صلَّى فأحسن الصلاة صعدت ولها نور، وإذا انتهت إلى أبواب السماء فتحت أبواب السماء لها، وتشفع لصاحبها، وتقول: حفظك الله كما حفظتني، وإذا أساء في صلاته فلم يتم ركوعها ولا سجودها ولا حدودها صعدت ولها ظلمة، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، فإذا انتهت إلى أبواب السماء غلقت دونها، ثم لفت كما يُلف الثوب الخلق، فيضرب بها وجه صاحبها} أو كما قال.

وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة

وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة فاتقوا الله -عباد الله- وأقيموا فرائض الله وفي طليعتها: الصلاة، التي كان يُوصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ آخر أنفاس الموت. الصلاة الصلاة يا أمة الإسلام! لا يشغلنَّكم عنها، أو يحملكم على التهاون بأدائها في وقتها أي شاغل؛ من وظيفة أو رئاسة، أو ندوة أو بيع أو شراء، أو حرفة أو لهو أو غير ذلك؛ فإن في ترك فريضة رب العالمين غبناً يا له من غبن! ويا له من خسارة! مروا أبناءكم بالصلاة وحثوهم عليها وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم إذا تركوها وهم أبناء عشر سنين؛ هكذا حثكم الناصح الأمين. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وهو القائل: {من صلّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمَّر أعداء الدين، الذين يُفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين وأبناء المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم من أتى ليعلِّم أولاد المسلمين الخير فزده أجراً ومثوبة يا رب العالمين! ومن جاء ليعلم أولاد المسلمين الشر فأخرس لسانه واشدد على قلبه وأهلكه عاجلاً غير آجل يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين! رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللهم اجعل ما أنزلته لنا معونة على طاعتك، ومتاعاً إلى حين، اللهم اجعل ما أنزلته علينا من الغيث معونة لنا على طاعتك ومتاعاً إلى حين، واجعله يا رب العالمين يا قادر يا كريم، اجعله سُقيا رحمة ولا سقيا عذاب، ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اجعله معونة على طاعتك ولا تجعله استدراجاً إلى معاصيك يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الزواج والمهور

الزواج والمهور الزواج أمر فطري تدعو إليه الطباع والغرائز، وقد حث الإسلام على الزواج وإعفاف النفس كما عالج مشاكله، وحذر من عواقب تعسيره.

علاج مشكلة العزوبة

علاج مشكلة العزوبة الحمد لله على الإسلام, عظيم السلطان, أحمده سبحانه خلق الخلق من ذكر وأنثى, وجعل في ذلك عمارة الأكوان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, ولا نظير ولا أعواناً, وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا آمرنا محمد بن عبد الله القائل عليه من الله أفضل الصلاة والسلام: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن الله جلت قدرته ما أنزل القرآن إلا ليعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، فإن فيه كل دلالة على الخير وكل تحذير من الشر، وإن يحسن للمؤمنين {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

تيسير الزواج

تيسير الزواج في كتاب الله عز وجل آية تعالج مشكلة اجتماعية، هي في الواقع مشكلة كل فرد من ذكر وأنثى، تلك هي مشكلة الزواج, فهو أمر فطري تدعو إليه الطباع والغرائز, وتترتب عليه أمارة الفوز, وقد كان من الواجب أن يصبح أمر الزواج والنكاح ميسراً؛ ليكون باستطاعة كل فرد أن يقدم عليه مهما كان وضعه، غنياً أو فقيراً، أميراً أو صعلوكاً، يقول الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32] في هذه الآية الكريمة حث الله على تزويج الأيامى، والأيامى: جمع أيم وهي: المرأة لا زوج لها, والرجل لا زوج له, وكذلك في الآية الكريمة الوعد الصادر من رب العزة الذي لا يخلف الميعاد، وعد بالغنى والخير لمن يتزوج يريد العفاف، في الآية الكريمة أيضاً قطع لحجة الذين يقولون: لا نتزوج حتى نحصل على ما يكفل الحياة السعيدة.

الغنى في النكاح

الغنى في النكاح أمة الإسلام! في هذه الآية من كتاب الله ردٌ على الذين يقولون: لا نتزوج حتى نحصل على ما يكفل الحياة السعيدة, فهذا شعار باطل, فإن الحياة وما فيها من الأرزاق هي للحي القيوم القادر على كل شيء, وقد أخبرنا الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بأنه {لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها} فعلى الإنسان أن يفعل الأسباب، ويستعين بالله ويجزم في الطلب، ويعلم حق اليقين أن رزق الله لا يأتي به حرص حريص, ولا ترده كراهية كاره, وليعلم الماديون أهل الطمع والجشع أن الرازق والمعطي هو الله وحده لا شريك له, فإنه قادر أن يغني فقيراً ويفقر غنياً, فهذا رد على النظرة الخاطئة، الذين يقولون: لا نزوج فقيراً يزيده الزواج فقراً لفقره, فكم من فقير أصبح بعد زواجه موفور النعمة, قرير العين, يقول أبو بكر رضي الله عنه: [[أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الرباح]] ويقول الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: [[التمسوا الغنى في النكاح]] ويقول رسول البشرية صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة حق على الله عونهم ومنهم: الناكح يريد العفاف} وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي لم يجد عليه إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد, ومع هذا زوجه بتلك المرأة وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن.

عواقب غلاء المهور

عواقب غلاء المهور ويقول صلى الله عليه وسلم في توجيهه الصالح لأمته: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} ففي هذا التوجيه القيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الإنذارات والتحذير من واقعنا المرير الذي وقع فيه الكثير من الناس, من المتاجرة بالفتيات, والمباهات في المغالاة في المهور, حتى أثقل كاهل الشباب وتقاعسوا عن الزواج, وصار البعض -هدانا الله وإياهم- من الشباب لا يفكر إلا أن يحصل على قليل من النقود, فيذهب خارج البلاد ليقضي وطره في تلك البلدان التي فتحت أبوابها للشر والعار والفساد, ثم يرجع حاملاً معه كل فتنة وشر, وهلم جراً. فلو تعاون الشباب وأولياء أمور الفتيات لكان ما ينفق في الفساد خارج البلاد فيه كفاية, أما إذا دام الوضع هكذا، فتيات يحرج عليهن في سوق الطمع والجشع, وهن في بيوت تمر السنون تلو السنين, والشباب يتقلبون على جمر نيران الشهوات من بين تلك المجتمعات التي فشا فيها السفور وقلّ فيها الحياء, وكثر فيها الفساد, وبين أشرطة الفيديو والسينما والصور الخليعات، والمجلة الماجنة التي طالما تمناها أعداء الإسلام؛ لإفساد المجتمع المسلم, والتي يميتون بها القيم والآداب الإسلامية ويحببون فيها معصية الله مثل حلق اللحية والخنفسة، والتختم بالذهب, وتعليق السلاسل في العنق, وغيرها من العادات الآثمة التي تشن حربها على الآداب الإسلامية, والأخلاق الفاضلة, مثل: استعمال المسكرات, وترك الصلاة. فإذا رجعنا للحق يا أمة الإسلام! فهل من الممكن أن يزوج تارك الصلاة؟ أو من تورمت عيونه من استعمال المخدرات؟ أو ارتكب ما يخل بالشرف والدين والمعاصي؟ فكل هذه أو بعضها تتنافى مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه} لنرجع إلى ربنا وإلى دينه القويم, لكي نتمسك بأهداف الإسلام ولنعض عليه بالنواجذ, حتى نكون أهل خلق ودين, لنملأ المساجد, ونعبئ فيها الفروض, ونترك سبيل اللحية ونقص الشوارب, ونزيل الخنافس والتواليت, ونرمي بخواتم الذهب طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل الصحابي لما ظهر له الحق وعرف أنها جمرة من النار في يده، ونقطع السلاسل, ونترفع عن عادات النساء من الميوعة وتضييق الملابس, ولبس الأساور وغيرها, ونجعل لنا حلقات ذكر نتذاكر فيها العلوم النافعة, من القرآن والأحاديث, وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حتى نحذو حذوهم, ونقتدي بهم كما أمرنا الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب:21]. فاتقوا الله عباد الله! وكونوا من أولي الألباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:18]. اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم, وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إلى إسلامنا، اللهم ردنا إلى ديننا، اللهم ردنا إلى آدابنا، اللهم ردنا إلى أخلاقنا العليا، اللهم ردنا إلى دينك القويم يا رب العالمين. وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

من آداب الزواج

من آداب الزواج الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه, وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه وسلم تسليمًا كثيراً. أما بعد:

قبول الزوج الصالح واختيار الزوجة الصالحة

قبول الزوج الصالح واختيار الزوجة الصالحة فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} ويقول صلى الله عليه وسلم: {تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولحسبها, ولجمالها, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك}. أوضح صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين الجانب الذي يجب مراعاته ويجب تطبيقه في الزواج على كل الجوانب, ألا وهو: الدين, فتدين الزوجين يدفع كلاً منهما للمحافظة على حقوق الآخر التي أوجبها الله عليه, وبذلك تدوم الألفة ويسود الوئام, وتصلح البيوت, ويقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] ويقول الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].

عدم الإسراف

عدم الإسراف أمة الإسلام! إن أكثر الناس اليوم تشبهوا بالشياطين, ولقد تعدوا حدود الشياطين, وأفسدوا إن الله لا يحب المفسدين؛ فما هو الداعي يا أمة الإسلام! لعمل تلك البدائل الهائلة الضارة بالمتزوج؟ هل تعلمون من الذي يستفيد من هذه الولائم؟ هي الحفر في الملاهي القفار, وذلك واقع أكثر الناس اليوم, يسرفون ويبذرون ثم يحملونها لإلقائها في تلك الحفر, وربما وضعت في المزابل مع القمائم, تلك الأطعمة الفاخرة التي لطالما تمناها إخوان لنا في أطراف البلاد. تلك الأطعمة الفاخرة التي لطالما تمناها المجاهدون الذين يتمنون قطعة الخبز, ومع ذلك ذبائح ترمى في البر مع القمائم, وربما رميت تلك الذبائح وهو لم يؤخذ منها شيئ، إنما ذلك عاقبة التبذير والإسراف الزائد عن المعقول, ألا فلنتق الله عز وجل, ونقتصد قبل أن نتمنى تلك الأطعمة, وقبل أن نرجع إليها ونأكلها وهي جيفة من البراري, وقبل أن نرجع إلى المزابل ونأكل منها كما أكل منها أجدادنا وأسلافنا. أمة الإسلام! لنتفكر في العواقب لما انفتحت علينا هذه النعم, هل أدينا شكرها أم كفرنا نعمة الله؟ ألا فلنتق الله ونقتصد قبل أن يحل بنا ما حل بالمجاورين اليوم من زوال تلك النعم, وزوال الأمن والاستقرار, حتى صاروا بعد الشبع جياعاً، ورجعوا إلى ما كانوا يرمونه في براميل الزبالة, نسأل الله العافية والسلامة في الدنيا والآخرة: {وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:33]. اللهم إنا نعوذ بك من زوال النعمة, وتحول العافية, وفُجاءة النقمة يا رب العالمين، صلوا على رسول الله كما أمركم الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول سيد البشرية: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن تابعيهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أنزل بأعداء الإسلام والمسلمين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا ذا القوة المتين! يا من هو على كل شيء قدير! اللهم وفق أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، نأمر بالمعروف ونعمل به، وننهى عن المنكر ونجتنبه. اللهم أصلح زوجاتنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة, وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين. عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

قصة وعبر

قصة وعبر يقول تعالى حاكياً عن الأمم الماضية: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) فالله عز وجل إنما ذكر لنا قصص من قبلنا لتكون لنا عبرة، ومن القصص التي ذكرها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قصة إبراهيم عليه السلام كيف دعا قومه، وما هو الأذى الذي لقيه منهم، وبماذا ابتلاه الله عز وجل وإلى غيرها من الأحداث التي حصلت له في حال دعوته عليه السلام.

دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه

دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه الحمد لله الذي اختص بالتفضيل والتشريف بعض مخلوقاته، وأودع فيها من عجائب حكمه وبدائع مصنوعاته ما شهدت العقول السليمة بأنه من أكبر آياته، خلق فقدر، وملك فدبر، وشرع فيسر، وربك أعلم حيث يجعل رسالاته. أهَّل من شاء لما شاء من الخيرات، ويسر عليه نيل أسباب الكرامات، وهو أعلم بمواضع اختياره وكراماته. أحمده سبحانه وأشكره على جزيل إحسانه وعظيم هباته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وكمالاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من جميع برياته. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! إليكم نبذةً يسيرةً عن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي آتاه الله رشده في صغره، وابتعثه الله رسولاً واتخذه خليلاً في كبره، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:51] وكانت أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام كما أخبر الله عنه بقوله جلَّ وعلا: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} [مريم:41 - 45] فلما عرض إبراهيم هذا الرشد على والده، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه، ولا أخذها منه، بل تهدده وتوعده، قال: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:46]. فعندها قال له إبراهيم عليه السلام: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم:47] وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114] فعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترةٌ وغبرةٌ، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا ربِّ إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزيٍ أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم! ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذبح ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار} رواه البخاري.

محاولة إحراق إبراهيم عليه السلام

محاولة إحراق إبراهيم عليه السلام كم حصل لإبراهيم من المناظرات مع قومه، ولكن الله نصره وأيده وأظهره على قومه، فقد أنكر على قومه عبادة الأوثان، وحقرها عندهم وصغَّرها وتنقَّصها، فوثب عليه قومه وصارت المخاصمة والمناظرة بينه وبينهم، فلجئوا إلى القوة لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء:68] فكادهم الرب جلَّ جلاله، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:69 - 70] وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن؛ حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت نذرت أنها إن عوفيت من مرضها لتحملن حطباً لحرق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبةٍ عظيمةٍ، فوضعوا فيها ذلك الحطب وأضرموا فيها النار، فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شررٌ لم يُرَ مثله قط، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجلٌ من الأكراد يقال له هيزل، وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدون إبراهيم عليه السلام ويكتفونه في الحبال وهو في كفة المنجنيق، وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، فلما ألقوه في النار، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. قال بعض السلف: [[إنه عرض لإبراهيم جبريل وهو في الهواء، فقال: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ فقال: أما إليك، فلا]] ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ملك المطر قال: [[متى أؤمر، فأرسل المطر لأطفئ النار عن إبراهيم؟]] ولكن رحمة أرحم الراحمين أسرع من كل شيء، إذ قال رب العزة والجلال: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[معنى سلاماً: لا تضريه]] وقال بعض المفسرين: لولا أن الله قال: {وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] لأذى إبراهيم بردها، وصار إبراهيم في مثل الجوبة حوله نار، وهو في روضة خضراء والناس ينظرون إليه، ولا يقدرون الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم، ونظر إليه والده، ولم يتكلم بكلمة طيبة سوى هذه الكلمة، فقال: نِعم الرب ربك يا إبراهيم، ومكث إبراهيم في ذلك المكان أربعين يوماً، أو خمسين يوماً، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: [[ما كانت أياماً وليالي أطيب عيشاً منها، إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل ذلك]].

بناء إبراهيم وإسماعيل البيت

بناء إبراهيم وإسماعيل البيت بعد هذا هاجر إبراهيم عليه السلام، وسأل الله جلَّ وعلا أن يهب له ولداً، فبشره الله تعالى بغلامٍ حليمٍ وهو: إسماعيل عليه السلام، وهو أول ولدٍ يولد له على ستٍ وثمانين سنة، وتركه هو وأمه في تلك البقعة المباركة حتى شبَّ وترعرع وبلغ السعي، وصار يسعى في مصالحه، وتزوج إسماعيل من جُرهم. وبعد مدة رجع إبراهيم ووجد إسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحةٍ قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. قال: يا إسماعيل! إن الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتاً هاهنا، وأشار إلى أكمةٍ مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127].

امتحان الله لإبراهيم بذبح ابنه

امتحان الله لإبراهيم بذبح ابنه وأراد الله جلَّ وعلا أن يختبر إبراهيم عليه السلام، فرأى في المنام أنه يؤمر بذبح ولده -يعني: إسماعيل- ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي، وهذا في غاية الابتلاء في أن يذبح هذا الولد الذي جاءه على كبر سنه، ولكن لابد من الامتثال لأمر الله عز وجلَّ. فسارع إبراهيم إلى طاعة الله عز وجلَّ، ثم عرض ذلك على ولده إسماعيل، ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسراً ويذبحه قهراً: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] الله أكبر يا عباد الله! {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] اسمعوا إلى رد الولد البار، فبادر الغلام الحليم ولده الخليل، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] اسمع أيها الشاب! اسمع يا من تؤذي الوالدين! يا من لا تباشر بقضاء حوائج الوالدين! وليست حاجتهما منك كحاجة إبراهيم من إسماعيل، اسمع حاجة إبراهيم من إسماعيل: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] اسمع إلى رد الولد: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]. وهذا الجواب من هذا الابن البار في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد، قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] أي: ألقاه على وجهه. قال بعض المفسرين: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال ذبحه، فتأخذه رحمة الوالد بولده، وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض، وسمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت، وجعل إبراهيم يمر السكين على حلق إسماعيل، فلم تقطع شيئاً، فتلك حكمة أحكم الحاكمين، فعند ذلك نودي من الله عز وجلَّ: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:104 - 107] وعوضه الله بكبشٍ رعى في الجنة أربعين خريفاً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. عباد الله! اتقوا الله عز وجلَّ، وبادروا بطاعته، فالله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

النحر وأحكام الأضاحي

النحر وأحكام الأضاحي الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، واغتنموا أوقاتكم بطاعة الله، ولقد شرع الله لكم في يوم عيد الأضحى عبادتين جليلتين ألا وهما: صلاة العيد والنحر، فإذا قضيتم الصلاة، فانحروا الأضاحي اقتداءً بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فإنها سنةٌ مؤكدةٌ سنها نبيكم إبراهيم، وتبعه عليها نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فأحيوها وعظموها، فإنها شعائر الله. عباد الله! البعض من الناس يظن أنها خاصةٌ للموتى، والصحيح أنها للأحياء، ولكن إذا أشرك الحي الميت من أجرها فإن ذلك يصل إلى الميت إلا إذا كانت وصية أوصاها الميت، فإنها تجرى على وصيتها التي أوصى بها الميت. أيها المسلمون! لقد مكث نبيكم صلى الله عليه وسلم بـ المدينة عشر سنين كان كل عام يضحي بكبشين أملحين سمينين، تطيب بها نفساً -يا عباد الله- واحذروا من الاستخفاف بها مع القدرة.

حكم إخراج القيمة بدل الأضحية

حكم إخراج القيمة بدل الأضحية أمة الإسلام! إن البعض من الناس يدعي أن إخراج القيمة أفضل من إراقة دمها، وهذا مخالفٌ للشرع، ومصادمٌ لهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الأضاحي عبادة نتعبد الله بها، وقرباناً نتقرب إلى الله بها، اقتداءً بسنة نبينا وأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن الله عز وجلَّ أمر إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل ابتلاءً وامتحاناً لإبراهيم بعدما وقع حب إسماعيل في قلب إبراهيم ابتلاه بذبحه؛ ليظهر إيمان إبراهيم وصدقه، فامتثل أمر الله، وقال لابنه عارضاً عليه: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] فما كان من إسماعيل عليه السلام إلا أن قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]. هكذا يتجاوب الابن البار مع أبيه، لا متفكراً، ولا متردداً، فلما استسلما للقضاء المحكوم، وسلَّما أمرهما للحي القيوم، وأضجع الخليل ابنه وفلذة كبده قرباناً لرب العالمين، وتقديماً لمحبة الله، وإرغاماً للنفس والشيطان، أدركته رحمة أرحم الراحمين، فنودي: يا إبراهيم! ما أمرناك بذلك إلا امتحاناً، وقد ظهر صدق ذلك، ففداه الله بكبشٍ من الجنة فداءً لولده إسماعيل. أمة الإسلام: لقد رغَّب نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بهذه السنة وحثَّ عليها، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، تثبت يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً} وفي الحديث الآخر: {ما أنفقت الورق في شيءٍ أفضل من نحيرة في يوم عيد}.

بعض أحكام الأضاحي

بعض أحكام الأضاحي عباد الله: إن لهذه الأضاحي أحكاماً لابد من بيانها، فمن ذلك: السن المعتبر شرعاً، وهو: خمس سنين للإبل، وسنتان للبقر، وسنةٌ للماعز، وستة أشهر للظأن. وكذلك تكون الأضحية سليمةً من العيوب المانعة من الإجزاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن العيوب المانعة، فقال: {أربعٌ لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها} وهي المنخسفة عينها، أو الناتئة. وهذا هو العيب الأول. العيب الثاني: {المريضة البين مرضها} التي ظهر أثر المرض عليها، في أكلها وشربها ومشيها. العيب الثالث: {العرجاء البين ضلعها} وهي التي لا تعانق الصحاح في المشي. العيب الرابع: {العجفاء} وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، وكذلك إذا وجد فيها هذا العيب، فإنها تكره كراهية، وهي ما قطع أكثر من نصف الإذن والقرن، وكذلك ساقطة الأسنان، فكلما كانت الأضحية كاملة في ذاتها وصفاتها، كان ذلك أفضل، وأيام التشريق ثلاثة، بعد يوم العيد. ومن كان يحسن الذبح فليذبح بيده؛ اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان لا يحسن الذبح فليحضر عند ذبح أضحيته، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يا فاطمة! قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرةٍ من دمها} وكذلك تجب التسمية عند الذبح، فإن نسي فلا حرج في ذلك، وإن تعمد ترك التسمية، فهي ميتةٌ حرامٌ أكلها، ولا بد -يا عباد الله- من إنهار الدم. والرقبة كلها محل للذبح، ولابد من قطع الوريد والمري ويتمم ذلك بقطع الودجين. ويستحب عند الذبح حد الشفرة: وهي السكين، وإراحة الذبيحة، ولا تحد الشفرة والذبيحة تنظر، ولا تذبحوها والأخرى تنظر إليها، فكلوا من الأضاحي واهدوا وتصدقوا يبارك الله لكم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:1 - 3]. عباد الله: صلوا على رسول الله؛ امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم وحد صفوف المسلمين، اللهم اجمع شملهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم وحد صفوفهم. اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك يا رب العالمين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. اللهم من أراد أن يؤذي حجاج بيتك الحرام فأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم. اللهم أصلح أحوال المسلمين، وأصلح ولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وارزقهم الحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، وهب للمسيئين منا للمحسنين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في جنات النعيم يا رب العالمين، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

دعاة القبور

دعاة القبور لقد جاء الإسلام لتحقيق التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك والبدع، ومن ضمن ذلك تحريم دعاء غير الله؛ فالنفع والضر بيد الله سبحانه وتعالى، كما نهى وحذر من الغلو في الصالحين من الأموات، وحرم البناء على القبور سداً لباب ذريعة عبادتها من دون الله.

تحقيق التوحيد وتخليصه من الشرك والبدع

تحقيق التوحيد وتخليصه من الشرك والبدع الحمد لله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده وأشكره، أمر ألا تعبدوا إلا إياه مخلصين له الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله: لقد أرسل الله رسله ليدعوا الناس إلى توحيده، وإخلاص العبادة له سبحانه وبحمده، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. أمة الإسلام: إذا عرف هذا، فاعلموا أن تحقيق التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك والبدع مطلوب، والتوحيد هو أساس الدين الصحيح، الذي لا يقوم الدين إلا عليه؛ لأنه لا يصح للعبد إسلام، ولا يقبل منه صلاة، ولا زكاة، ولا صوم، ولا حج إذا لم يكن موحداً لله؛ لأن غير الموحد مشرك، والمشرك عمله حابط وذنبه غير مغفور كما أخبر الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. أمة الإسلام! اعلموا أن معنى التوحيد هو: إفراد الله بالعبادة، والعبادة هي غاية الذل مع الخضوع، والعبادة أنواع كثيرة، منها: الدعاء وهو: سؤال مغفرة الذنوب، وسؤال دخول الجنة، وسؤال النجاة من النار، وشفاء المرضى، ورد الغائب، وتفريج الكربات، وإنزال الغيث، والنصر على الأعداء، والصلاح ونحو ذلك، فكل هذه المطالب عبادة لا تطلب إلا من الله؛ لأنه هو القادر عليها، فمن طلب من المخلوق شيئاً منها فقد عبده من دون الله، وجعله لله نداً وشريكاً؛ لأن الدعاء مخ العبادة، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدعاء مخ العبادة} وكما قال ربنا جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ويقول جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18].

النفع والضر بيد الله

النفع والضر بيد الله أجل يا أمة الإسلام! أجل يا أمة القرآن! أجل يا أمة لا إله إلا الله! لينتبه الذين غفلوا وأهملوا العقيدة، لينتبه الذين أهملوا عقيدة التوحيد وساروا وراء القبوريين، وراء المخرفين، وراء الغلاة الضالين، صاروا لا يفكرون، ولا يعتبرون ولا يذكرون، هم في جانبٍ والحق في جانب، هم يتوسلون ويتبركون بأصحاب القبور، ويسألونهم ما لا يقدرون عليه، يسألون تلك الجثث الهامدة، يسألون عظاماً صارت رميماً، يسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، والله وهو أصدق القائلين يقول: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:13] الله أكبر! أين المسلمون من القرآن؟ أين هم من آيات الله المحكمات؟ أين هم من الآيات البينات الواضحات؟ إذ هو رب العالمين يخاطبهم في محكم البيان، إن كانوا مسلمين، يقول لهم جل وعلا: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:13 - 14]. والله لو كانوا يملكون لأنفسهم نفعاً لما ماتوا، ولما صاروا تحت التراب، ولما صاروا عظاماً رفاتاً، ولما لعب بهم دود الأرض؛ فكيف يسألهم المخلوقون؟! كيف يتوسلون بهم من دون الله؟! كيف يستغيثون بهم من دون الله؟!

أحاديث موضوعة ومكذوبة

أحاديث موضوعة ومكذوبة لقد تعلق كثير من الجهال بأحاديث موضوعة ومزورة ومكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه فقال: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} يا له من تحذير شديد! فيه من الوعيد الأكيد ما يجعل المسلم في حذر شديد من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أجل يا أمة الإسلام! إن أهل البدع والخرافات يزورون ويكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوردوا أحاديث كثيرة منها قولهم: إنه قال: {إذا أعيتكم الأمور، فعليكم بأصحاب القبور} الله أكبر! حاشا أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا، حاشا أن يقول وهو يقول: {ألظوا بياذا الجلال والإكرام} حاشا أن يقول وهو إذا فزعه أمرٌ رفع رأسه إلى السماء، وقال: يا حي يا قيوم، لماذا لا يستغيث بأبيه آدم؟ لماذا لا يستغيث بنوح؟ لكن حاشا لله أن يكون رسوله بالمنزلة هذه، فهو أصدق القائلين: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: إنه قال: {إذا أعيتكم الأمور، فعليكم بأصحاب القبور} الله أكبر {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] هذا كذبٌ وزورٌ وباطل، وحديث موضوع لا أصل له.

التحذير من الغلو

التحذير من الغلو فالحذر الحذر يا أمة الإسلام! فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: {إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو} وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تتخذوا قبري عيداً} لا نقول: لنركب الطائرة، أو السيارة ولنذهب إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إن قلنا هكذا، فنحن قد عصينا الله وعصينا رسوله، لأن الرسول نهانا: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى}. إذاً: شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم محرم، وهي من الزيارة البدعية المنكرة التي أدخلها الغلاة في دين الإسلام، هاهو صلى الله عليه وسلم يحذرنا ويقول: {إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو} وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم}. الله أكبر! قد علَّم الأمة دعاء الكرب محمد صلى الله عليه وسلم، رءوف بأمته علمهم ما ينفعهم، وحذرهم مما يضرهم، علمهم دعاء الكرب فقال: {إذا أصاب أحدكم الكرب فليقل: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. أمة الإسلام: يونس عليه السلام لما أصابه ما أصابه في بطن الحوت، وهو في لجة البحار، ماذا قال؟ هل قال يا أبت يا آدم! يا نوح! يا إبراهيم؟! لا. قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] الله أكبر! هؤلاء العارفون بالله، لما ابتلعه الحوت جعل يصلي في بطن الحوت، في وسط لجج البحار، ينادي: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قال الله جل وعلا لما أنجاه: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] الذين يلتجئون إلى الله ويتوسلون بأسماء الله العظام، بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، أما أن يأتي يقول عند القبر: يا سيدي! يا سيدتي! إنها سخافة، إنها رداءة عقول. البهيمة إذا أصابتها الولادة، جعلت ترفع طرفها إلى السماء، تنظر إلى الحي القيوم، وهذا الإنسان الذي أعطي العقل يجلس أمام القبر، يقول: يا سيدي! يا سيدتي! يتمسح بالتراب، تباً لها من عقول كعقول قريش المشركين الجاهلين، قريش أعرف من جهال هذه الأمة؛ لأنهم قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [صّ:5] ويا ليت مشركي هذه الأمة جعلوها آلهة كآلهة الأولين، إنما جعلوها شركاً كثيراً، جعلوها قبوراً وأضرحة يتوسلون إليها، يأتون إلى القبر ويتمسحون به: يا سيدي فلان! يا سيدتي فلانة! يا لها من عقول! الله أكبر! هكذا الإسلام يعلمنا، ويحذرنا من علماء الجهل والضلال، من شيوخ الضلال الذين جعلوا عند الأضرحة صناديق يأخذون بها النقود والنذور.

أدعية منهي عنها

أدعية منهي عنها أمة الإسلام: اعلموا حق اليقين أن من قال: اللهم إني أسألك بحق نبيك، أو قال: بحق قبره المعظم، أو بحق البيت الحرام، أو بحق أنبيائك ورسلك، أو أسألك بحرمة نبيك، أو بجاهه، أو بحق فلان، أو بجاه فلان، وما شاكل ذلك من الأقوال، فمثل ذلك هذيان وزور، وباطل ومحرم وبدعة في دين الإسلام. وأما من قال: يا رسول الله! أغثني، أو يا رسول الله! انصرني، أو يا رسول الله! رد غائبي، أو قال: العادة يا رسول الله! فمثل هذه الألفاظ وما شاكلها محادة لله ولرسوله، وشركٌ وكفرٌ بالله العظيم، ومثل قولهم: يا سيدي! أو يا سيدتي! وهي أسماء القبور في بعض الدول التي تدعي الإسلام -ويا للأسف الشديد- يقفون أمام القبور، ويطوفون حولها، وكأنهم يطوفون حول البيت الحرام، يقولون ألفاظاً ينادون بها أصحاب تلك القبور، وهم جثث هامدة لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، إنما الذي يستفيد من ذلك أعداء الإسلام، الذين أدخلوا البدع على دين الإسلام، فحسبنا الله ونعم الوكيل. فيا للمصيبة! متى يعرف الناس أن لهم رباً لا يحتاج إلى وسائط؟! وأنه هو القوي، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، هو النافع والضار، هو مجيب الدعوات ومغيث اللهفات.

تحريم البناء على القبور

تحريم البناء على القبور أمة الإسلام: اعملوا أن البناء على القبور محرم في شريعة الإسلام، لأن البناء على القبور وسيلةٌ إلى عبادة صاحب القبر، وسواء كان البناء صغيراً أو كبيراً، مسقفاً أو لم يكن مسقفاً، وسواء كان البناء على صورة معبد، أو مسجد، أو غير ذلك فحرام. يجب على أمة الإسلام أن يقوموا بحملة صادقة، بإيمانٍ صادقٍ، ويهدموا البناء الذي على القبور، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه {نهى عن تجصيص القبور، وأن يقعد عليها} وأن يبنى عليها، ومن بنى على القبر، فقد استحق لعنة الله، نعم. من بنى على القبر فقد استحق لعنة الله، لما جاء في الصحيحين -ونحن لا نتكلم إلا بما جاء عن الله وعن رسول الله- صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: {لعن الله اليهود والنصارى -لماذا؟ - اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}. أجل. في بعض الدول التي تدعي الإسلام لا تجد مسجداً إلا وبجانبه قبر، إذا صلى ذهب إلى القبر، بعدما استقبل وجه الله، بعدما استقبل الحي القيوم، ذهب ليبطل تلك الأعمال، ذهب يتمسح بالقبر الفلاني، وهو بخشوعٍ: يا سيدي فلان! يا سيدتي فلانة! عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج}. أيها المسلم: اتصل بربك بدون واسطة، اتصل به تجده قريباً مجيباً، والله جل وعلا يقول في محكم البيان، يقول المحكم العظيم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] وهو جل وعلا يحب من عباده أن يلحوا بالدعاء، وهو يجيب من استغاث به، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة}. عباد الله: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الاستمساك بالعروة الوثقى

الاستمساك بالعروة الوثقى الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، وأسأل الله أن ينشر هذه النعمة على جميع بلدان المسلمين، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، فلا حاجة لنا في مشايخ الضلال، لا حاجة لنا في الغلاة، لا حاجة لنا في الضالين ما دام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، وحققوا توحيدكم، واستمسكوا بالعروة الوثقى (لا إله إلا الله) يقول صلى الله عليه وسلم: {ما قالها عبدٌ مخلصاً إلا فتحت لها أبواب السماء، حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر}. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال موسى عليه السلام: يا رب! علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى! قل لا إله إلا الله، قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله}. لا إله إلا الله كلمة التوحيد، لا إله إلا الله كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله من حققها وقالها بصدقٍ ويقين، نقلته من الشرك إلى الإسلام، من قالها موقناً بها قلبه، وعمل بما تقتضيه، فتحت له أبواب الجنة. عباد الله: اعلموا أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ارزقنا التمسك بلا إله إلا الله، اللهم خلص لا إله إلا الله من شوائب الشرك والبدع، لا إله إلا الله، اللهم امتنا على لا إله إلا الله، اللهم ابعثنا على لا إله إلا الله. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، وارزقه الجلساء الصالحين الناصحين، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم أقم علم الجهاد، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد والعناد. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، الذين يشككون في الدين ويدخلون البدع والضلالات، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم حِل بينهم وبين ديننا يا رب العالمين، وبينهم وبين عقيدتنا، وبينهم وبين أخلاقنا، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم أدر عليهم دائرة السوء، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا، اللهم أصلح أولادنا ذكوراً وإناثاً، اللهم أصلح أولادنا ذكوراً وإناثاً، وارزقهم المعلمين الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم المعلمين الناصحين الصالحين، الذين يبينون لهم الحق ويأمرونهم باتباعه، ويبينون لهم الباطل وينهونهم عن اتباعه، إنك على كل شيء قدير، ربا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ ولا غرقٍ، اللهم انشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات

أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. وقد جاء فضل الصلاة في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما جاء الوعيد الشديد لتاركها أو من تهاون فيها.

الحث على المحافظة على الصلوات

الحث على المحافظة على الصلوات الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين, {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:17 - 19] أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله الأولين والآخرين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فضل المحافظة على الصلوات من القرآن

فضل المحافظة على الصلوات من القرآن أيها الناس! اتقوا ربكم الذي سوف يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] وسوف يحاسبكم على أعمالكم، وأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة, فحافظوا على الصلاة يا عباد الله, وأدوها كما أمركم الله, وصلوا الصلاة في أوقاتها, بخشوع وخضوع وتذلل وحضور قلبٍ وطمأنينة, امتثالاً لأمر الله القائل جل وعلا حيث مدح المؤمنين الذين يقيمون الصلاة بخشوع وطمأنينة وحضور قلب, ويقومون بما أمرهم الله من شرعه القويم مثل إيتاء الزكاة والصيام والحج وغيرها من الأعمال الصالحة, قال الله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:162] ومن يعلم قدر هذا الأجر؟ لا يعلمه إلا الله جل وعلا, ثم قال سبحانه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ثم قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:22 - 24]. هكذا يا عباد الله! يجزى عباد الله الذين أطاعوا الله، وصبروا على طاعته في الرخاء والشدة, ثم قال الله تعالى يمدحهم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] إلى أن قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9] ماذا يجزيهم الله رب العزة والجلال: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10 - 11] وقال أيضاً يعدهم بكرامة أخرى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:34 - 35] ثم قال جل وعلا يبين أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]. هكذا يا عباد الله! الترغيب في كتاب الله أصدق القائلين وأرحم الراحمين, يعد بهذا الثواب العظيم, وهو الفردوس في جنات النعيم, وهو أعلى منزلٌ في الجنة {إذا سألتم الله فاسألوا الفردوس فإنه أعلى منزلة في الجنة, وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة} هذا المنزل لمن أقام الصلاة, وفي إقامة الصلاة ثواب عظيم فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

فضل المحافظة على الصلوات من السنة

فضل المحافظة على الصلوات من السنة عباد الله! اسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً يبين لنا فضل إقامة الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال الأعرابي: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا} فلما ولّى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الصلوات الخمس: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء, قال: وكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} الصلوات الخمس التي هي عمود الإسلام, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر} رواه مسلم. فهل من قلب حاضر يعي؟ هل من أذن تسمع يا عباد الله؟ اسمعوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله} رواه مسلم. وعن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لن يلج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها -أي: الفجر والعصر-} رواه مسلم , وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى الصبح فهو ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه الله على وجهه في نار جهنم} رواه مسلم. صلاة الفجر يا عباد الله: {من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء؛ يدركه ثم يكبه الله على وجهه في نار جهنم}.

وعيد من ترك الصلاة وتهاون فيها

وعيد من ترك الصلاة وتهاون فيها عباد الله! حافظوا على الصلوات وأدوها بأوقاتها كما أمرتم، وقوموا لله قانتين خاشعين مطيعين, واحذروا من ترك الصلاة, احذروا من التهاون بالصلاة, واحذروا من الاستخفاف بحق الصلاة يا عباد الله. عباد الله! إن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة -والعياذ بالله- وكم نسمع هذه العبارة مرات بعد مرات, وكرات بعد كرات, ولكن انطبق على الكثير قول الله جل وعلا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] مراراً وتكراراً نسمع أن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة -والعياذ بالله- وسوف يكون مسكن تارك الصلاة إذا مات على حاله مِصراً سقر، وما أدرك ما سقر، إنها طبقة من طباق جهنم. أما المتهاون والمتأخر عنها ولا يبالي أصلاها في وقتها أو أخرها عن وقتها فسوف يلقى غياً, وهو وادٍ في جهنم يقول الله جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] وأما الذين يصلون ولكن لا يصلون الصلاة إلا بعد خروج وقتها؛ فأولئك موعدهم ويل, وويل: واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، أجارنا الله وإياكم من ذلك. عباد الله! حافظوا على الصلوات في جميع أوقاتها وأقيموها وصلوا بخشوع وطمأنينة, أدوها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها تحوزوا الأجر العظيم والرضا من رب العالمين، في الحديث يقول: {من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة} أو قال: {وجبت له الجنة أو قال: حرم على النار} ولما سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أحب الأعمال إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم: {الصلاة على وقتها}. وكذلك يروي لنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: {من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون وهامان، وأبي بن خلف} بئس القرناء ثم في نار جهنم والعياذ بالله. فإن من اشتغل بأمواله وتجارته، ووزارته وولده وملاذه عن الصلاة، فإنه يكون مع هؤلاء قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف. عباد الله! انقلوا هذه الأحاديث إلى الذين يسهرون على الملاهي, ولعب القمار, يسهرون مع الأغاني والتمثيليات والأفلام, انقلوا لهم هذه الأحاديث, وأخبروهم أن الصلاة أمرها عظيم. عباد الله! إن من سمع شيئاً؛ فإنه واجب عليه أن يبلغ من لم يسمع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {بلغوا عني ولو آية} تسمعون الأحاديث, وتسمعون كلام الله عز وجل في وعيد من تخلف بالصلاة, وفي وعيد من تهاون عن الصلاة، فأنذروا يا عباد الله, وكونوا دعاة إلى الله في السر والعلن, تحوزوا رضا الله عز وجل, فإن الداعي إلى الله له أجرٌ عظيم. أسأل الله عز وجل أن يغيث قلوبنا بالإيمان, وأن يجعلنا هداة مهتدين, وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, واستغفروا ربكم يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على كثرة السجود والخطى إلى المساجد

الحث على كثرة السجود والخطى إلى المساجد الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين, وجعلها صلة بينه وبين عباده, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله أقيموا الصلاة كما أمرتم, وأدوها في بيوت الله مع الجماعة, عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة} فاستكثروا من السجود يا عباد الله, واستكثروا من الخطى إلى بيوت الله, فإن كل خطوة ترفع بها حسنة, وكل خطوة تحط بها سيئة, عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: {كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة, قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} رواه مسلم. فعليكم يا عباد الله! بكثرة السجود والتقرب إلى الله عَزَّ وَجَلّ. عباد الله! أطيعوا الله عز وجل، وأدوا ما أمركم الله به، وبادروا إلى طاعته قبل أن يهجم عليكم هاذم اللذات, ومفرق الجماعات فحينئذٍ لا ينفع الندم. اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه, واجعلنا هداة مهتدين, دعاةً إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة. أقول قولي هذا, وأسأل الله عز وجل أن يحيينا مسلمين وأن يتوفانا مسلمين وأن يختم بالصالحات أعمالنا, وأن يجعلنا هداة مهتدين. عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, وأذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء, اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين, واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين, ووحد صفوفهم إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واهدنا واهد لنا واهد بنا, واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات؛ في جنات الفردوس الأعلى إنك على كل شيء قدير. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

وصف النار

وصف النار لقد جاء في القرآن الآيات الكثيرة التي تصف النار وحرها، وشدة غيظها وزفيرها، وشدة حبها للعصاة أن يقذفوا فيها، فهي نار أعدها الله لمن عصاه وخالف أمره؛ نار ملئت بشتى أنواع العذاب، وهي مضاعفة على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، ونار جهنم لها سبعة أبواب، وجميع تلك الأبواب مغلقة على أهلها، فلا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً.

الجزاء من جنس العمل

الجزاء من جنس العمل إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه لتفوزوا بجنة عرضها السماوات والأرض. عباد الله: ما أشرف من أكرمه المولى العظيم، وما أسعده من خصه بالتشريف والتعظيم، وما أقرب من أهَّله للفوز والتقديم، فإن عباداً أطاعوه؛ فإنهم يوم القيامة بالربح من الفائزين، فيا حسنهم والولدان بهم يحفون، وبين أيديهم يطوفون، وقد أمنوا مما كانوا يخافون، وبالحور العين في خيام اللؤلؤ يتنعمون، وعلى أسرة الذهب والفضة يتزاورون، وبالوجوه الناضرة يتقابلون، وهم بجوار أرحم الراحمين آمنين من كل بلوى.

الرسول يحذر أمته من النار

الرسول يحذر أمته من النار عباد الله: هذه الجنة، فهل من مشمر لها؟ فالمبادرة المبادرة. يا عباد الله! فروا من النار، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب ذات يوم، فقال: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار} ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه، لاحترق المسجد ومن فيه} رواه أبو يعلى والبزار ويروى أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لو أن غرباً من جهنم جعل في وسط الأرض، لآذى نتن ريحه وشدة حره ما بين المشرق والمغرب، ولو أن شرارة من شرر جهنم بالمشرق لوجد حرها من في المغرب} وقال مالك بن دينار: إن الويل وادٍ في جهنم فيه ألوان العذاب، وقال عطاء بن يسار: الويل: وادٍ في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره. ويل، وقد توعد من تهاون بالصلاة بويل، وهو كما علمتم، الويل: وادٍ في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب فقال: {لا تنسوا العظيمتين، لا تنسوا العظيمتين، لا تنسوا العظيمتين الجنة والنار، ثم بكى صلى الله عليه وسلم حتى جرى وابل دموعه جانبي لحيته، ثم قال: والذي نفس محمد بيده، لو تعلمون ما أعلم من أمر الآخرة، لمشيتم إلى الصعيد ولحثَّيتم على رءوسكم التراب}.

العبرة من وصف النار

العبرة من وصف النار فيا عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه واحذروا أسباب سخطه واجتنبوا معاصيه، واعلموا -يا عباد الله- أن الله خلق الخلق ليعرفوه، وأوجدهم ليعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه، ويخافوه خوف إجلال وخوف تعظيم، ووصف لهم شدة عذابه، ووصف لهم دار عقابه التي أعدها لمن عصاه؛ ليتقوه بصالح الأعمال، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

وصف النار وما أعده الله لأعدائه فيها

وصف النار وما أعده الله لأعدائه فيها عباد الله: لقد كرر الله سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال. عباد الله: إن لجهنم سبعة أبواب ذكرها الله عز وجل بقوله: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44] ثم -يا عباد الله- تلك الأبواب مغلقة على أهلها، قال الله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] يعني: أن تلك الأبواب مطبقة عليهم، فلا يفتح لها باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد. وللنار شدة في حرها وزمهريرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا ربِ! أكل بعضي بعضاً فنفِّسني، فأذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سمومها، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه التي توقدون جزءٌ واحدٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، قال الصحابة رضي الله عنهم: والله إن كانت لكافية، قال: إنها فضلت عليها بتسعةٍ وستين جزءاً كلهن مثل حرها}. ثم فيها -يا عباد الله- يذاقون أليم العذاب وشدته، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج:19] ما هو الحميم يا عباد الله؟ ماءٌ أوقد عليه حتى اشتدت حرارته وصار له غليان: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:19 - 22] إنها النار يا عباد الله. عباد الله: اتقوا النار، فإن حرها شديد، قد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعٍ وستين جزءاً، يصلاها المجرمون: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:56] يرتفع بهم اللهب حتى يصل إلى أعلاها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم به تكذبون، عذابهم دائم: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] يتكرر عليهم فلا يستريحون، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة فلا يجابون، يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] فتقول لهم الملائكة: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50] فلم يستجيبوا لهم؛ لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله، فكان الجزاء من جنس العمل: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107] فيرد الله عليهم على وجه الإذلال والإهانة: {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] لا تنقطع أبداً إذا قال لهم الجبار: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] فحينئذٍ ييئسون من كل خير، ويعلمون أنهم فيها خالدون، ويزادون بؤساً إلى بؤسهم وحسرةً إلى حسرتهم {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:65 - 66] يقولون ذلك في جهنم: {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] فعند ذلك لا ينفع الندم حين يساقون إلى نارٍ: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] نارٌ إذا رأت أهلها من مكان بعيد، سمعوا لها تغيظاً وزفيراً تتقطع منها القلوب {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:7 - 8] أي: تكاد تتقطع من شدة الغيظ والغضب على أهلها، فهي نارٌ حالقةٌ غضباء على أهلها وهم في جوفها، فما ظنكم أن تفعل بهم. فيا عباد الله: اتقوا النار، احذروا أن تكونوا من أهلها، ولقد بين الله لكم صفات أهل النار، وصفات أهل الجنة جملةً وتفصيلاً، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

خوف السلف من النار

خوف السلف من النار الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وأدى الأمانة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واحذروا الأعمال الخبيثة، واحذروا المعاصي والسيئات؛ فإنها حطب جهنم، جهنم التي حذركم الله منها في كتابه الكريم، وحذركم منها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يقول: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز رحمه الله، -فما تجاوزها- قرأها في صلاة المغرب، فلما وصلها خنقته العبرة، فما تجاوزها رحمه الله حتى انتقل منها إلى سورة أخرى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] إنها نارٌ محرقةٌ كلما نضجت جلودهم، بدلهم الله جلوداً غيرها، إنها دار البوار، ودار البؤس، والشقاء والعذاب الشديد، دار من تعدى الحدود وارتكب المحرمات، دارٌ لا يسكنها إلا الأشرار من خلق الله؛ الذين عصوا رسله ولم يمتثلوا أمره ونهيه، إنها النار يا عباد الله. النار منزل أهل الكفر كلهم باقها سبعةٌ مسودة الحفر جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر وتحت ذاك جحيمٌ ثم هاويةٌ تهوي بهم أبداً في حر مستَعر فيها غلاظٌ شدادٌ من ملائكةٍ قلوبهم شدةً أقسى من الحجر لهم مقامع للتعذيب مرصدةٌ وكل كسرٍ لديهم غير منجبر سوداء مظلمةٌ شعثاء موحشةٌ دهماء محرقةٌ لوّاحة البشر فيها العقارب والحيات قد جمعت جلودهم كالبغال الدهم والحمر لها إذا ما غلت فورٌ يقلبهم ما بين مرتفعٍ منها ومنحدر عباد الله: يروي لنا البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه من حديث طويل قال فيه: {ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم على وهدٍ، فسمع صوتاً منكراً، فقال: يا جبريل! ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب! ائتني بأهلي وبما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغسّاقي وغسليني، وقد بعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مشركٍ ومشركة، وخبيثٍ وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب} وعن عبد الرحمن بن مصعب: أن رجلاً كان على شط الفرات، فسمع تالياً يتلو القرآن، فلما وصل قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف:74] تمايل الرجل، فلما قال التالي: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] سقط في الماء، فمات رحمة الله عليه، وعن لقمان الحنفي قال: {أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على شابٍ ينادي في جوف الليل: واغوثاه من النار، واغوثاه من النار، واغوثاه من النار، فلما أصبح، قال: يا شاب! لقد أبكيت البارحة ملئاً من الملائكة كثيراً}. إخواني اعتبروا بهذه الأحوال لسلفكم الصالح، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان يمر بالآية من ورده فتخنقه العبرة، فيعودونه ويحسبون أنه مريض، وهكذا أحوال السلف الذين يحضرون قلوبهم عند تلاوة كتاب الله، فأحضروا قلوبكم -يا عباد الله- عند تلاوة كتاب الله. عباد الله: أما تشفقون من النار، أما تشفقون من نار جهنم، وما فيها من العذاب والأنكال، أما تحذرون سلاسلها والأغلال، واعجباً لمن يطأ سمعه ذكر السعير، وهو من عذابها بالله غير مستجير، فيا من تتعدّون الحدود! يا من تعصون الملك العلام! أفيكم جلدٌ على النار؟ أفيكم جلدٌ على النار؟ أفيكم جلدٌ على النار؟ نارٌ وقودها الناس والحجارة، أم قد رضيتم لأنفسكم بالخسارة والحرمان، فيا ويلاً لمن كانت النار له دار. اللهم يا رب الأرباب! ويا مسبب الأسباب! ويا أرحم الراحمين! نسألك أن تعيذنا من النار، اللهم أعذنا من النار، واجعلنا ممن يكرم في روضات الجنات. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم افتح مسامع قلوبنا لقبول الحق يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم اجعلنا هداةً مهتدين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم قيض لهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على كل خير وتحذرهم من كل شر إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت! ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اهد ضالهم، اللهم رد شاردهم، اللهم ثبت مهتديهم يا رب العالمين، اللهم أجرنا جميعاً من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حافظوا على نسائكم

حافظوا على نسائكم جاء في الصحيح عن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) فالنساء هن أكبر فتنة يفتن بها الرجال. وفي هذه المادة تناول فيها الشيخ الحديث عن النساء وما يجب عليهن في الشرع، وما أحدثته النساء اليوم من المنكرات العظيمة.

تبرج النساء وسفورهن في الأسواق

تبرج النساء وسفورهن في الأسواق الحمد لله الذي علمنا الحكمة والقرآن، فمن عمل بما علم فقد أفلح وأنجح وبلغ المرام، ومن أعرض عن الذكر الحكيم وما فيه من الآيات المحكمات فقد خاب وخسر وباء بالتباب، قال الله جل وعلا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حذر أمته من مضلات الفتن، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وراقبوا ربكم في السر والعلانية. أيها المسلمون: أيها المؤمنون: لا يخفى عليكم ما عمت به البلوى في كثير من البلدان، ومع الأسف الشديد بلدان المسلمين، ما عمت به البلوى من تبرج النساء وسفورهن، وعدم التزامهن بالحجاب من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك يا عباد الله! ويا أمة الإسلام! يا أهل الغيرة والحمية! أن ظهور هذه المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة من أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات، لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش، وأعظمها فاحشة الزنا، وارتكاب الجرائم، وقلة الحياء، وعموم الفساد، فاتقوا الله أيها المسلمون! وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الجبار، ونقمة الله عز وجل الذي إذا غضب فلا مانع لعقوبته ولا راد لقضائه، فقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه} وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم. إذا كثر الخبث} فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. يغضب بعض الأقارب إذا قلت لزوجتك أو لبناتك: الزمن الحجاب والتستر، يغضب لذلك ويقول: هذه عاداتنا عشنا عليها منذ وجود آبائنا. تباً لهذا الرد الخبيث، هذا مثل رد المشركين الذين قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] فمن أراد أن يكون مع الجاهلين المشركين فليلتزم هذا الرد الخبيث فليقولوا: هذه عاداتنا، وهذه تقاليدنا فلا نستطيع تغييرها.

وجوب الحشمة والنهي عن الخضوع بالقول

وجوب الحشمة والنهي عن الخضوع بالقول ما جاء الإسلام -يا عبد الله- إلا ليخرجك من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإسلام؟ وقد أمر ربكم جل وعلا بتحجب النساء في كتابه المبين، وأمر بلزومهن البيوت، وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال؛ صيانة لهن عن الفساد وتحذيراً لهن من أسباب الفتنة فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:32 - 33] ففي هذه الآيات البينات ينهى الله جل وعلا نساء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين، وهن من خيرة النساء وأطهرهن، ينهاهن عن الخضوع بالقول للرجال، وما أدراكم ما هو الخضوع بالقول؟ هو تليين الكلام، لو رأيت المرأة يا أخي عند صاحب المجوهرات، أو رأيتها عند صاحب القماش، أو رأيتها في محل تلك الفتن في تلك الأسواق، وهي تمازح الرجل وتضحك معه وتلين له القول، قول والله لن تقوله لك في فراشك، قول لا تخاطبك أيها الحلال الذي أباح الله مخاطبتك لها ومكالمتك وممازحتك لها، لا تخاطبك بهذا الكلام، إنما تخاطب به صاحب الذهب، والمجوهرات، أو صاحب المعرض الذي من طلوع الشمس حتى الساعة الثامنة والنصف وهو يضرب نفسه كالمرأة بالزينة وغيرها. وإذا دخل شاب إلى السوق؛ ابتدرت هيئة الأمر بالمعروف وأوقفته عند حده، وإن كان له غرض قالت له: لا تدخل السوق فأنت رجل! إذاً صاحب المجوهرات ليس برجل، وليست له شهوة؟! صاحب القماش أليست له شهوة؟! إذاً هذا الشاب الذي أُرجع من أول السوق قال له صاحب هيئة الأمر بالمعروف: ارجع، فإن السوق ممنوع من الرجال. ثم المرأة تدخل وحدها، يقول: اترك امرأتك تدخل وحدها إلى صاحب المجوهرات وصاحب العطورات وهو يطيبها، ويدخل المجول في يدها وتسمع كلاماً يزلزل عرش الرحمن، ورجلها ينتظرها في السيارة خارج السوق، وصاحب المجوهرات يدخل المجول في يدها، ويقول كلاماً تنأى عنه الفضيلة ويندى عن ذكره الجبين أن يذكر. الله أكبر يا عباد الله! أين الغيرة؟! أين الحمية على المحارم؟! أين الخوف من رب العالمين؟! أين الحفاظ على هذه الأمانة التي قلدكم الله إياها في أعناقكم؟ ولقد ذكر لي رجل ثقة أنه وجد رجلاً من عمال المعارض يعمل بامرأة الفاحشة في الدكان، أجل كيف لا؟! والدكان له طابق علوي وله ملف خلف الدكان يلوذ به إذا أراد أن يعمل الخبث والفساد؟ وزوجها يقول له صاحب الهيئة: اجلس خارج السوق ولا تدخل مع زوجتك ولا مع أختك فإنه ممنوع دخول الرجال! الله أكبر -يا عباد الله- ألا نفكر في هذه المصيبة؟ المرأة إذا دخلت السوق هل تجد نساء مثلها؟ تجد صاحب الدكان شاباً وسيماً قد انتخبه صاحب المعرض من أجمل الشبان لماذا؟ حتى يدرج البضاعة، مثل صاحب الدخان وصاحب البقالة يقول: أنا إذا لم أوجد الدخان في البقالة لن يأتي إلي الزبائن، وصاحب المكتبة يقول: إذا لم آت بالمجلات لن يأتي إلي الزبائن. إنها دسائس شيطانية، وصاحب الخياطة تقف عنده المرأة الساعة والساعتين وهو يخاطبها ويكلمها ويخطط معها التخطيطات، كل ذلك حل بالمسلمين، ولكن المسلمين لا يزالون راقدين سامدين، ماتت الغيرة، دفنوا الغيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلذلك يا عباد الله في العهد النبوي صلى الله عليه وسلم، في وقت نزول الآيات طرية غضة ينهى الرب جل وعلا نساء الرسول الطاهرات المطهرات عن الخضوع بالقول وتليين الكلام؛ حتى لا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، وكذلك أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بلزومهن البيوت، ونهاهن عن التبرج تبرج الجاهلية، وما أدراك ما التبرج؟ هو: إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراعين والساقين ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله عز وجل يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن؛ فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن.

وجوب الحجاب للمرأة والنهي عن التبرج

وجوب الحجاب للمرأة والنهي عن التبرج ثم يقول الرب جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] لماذا؟ {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء على الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها، وأشار رب العالمين جل وعلا إلى السفور وعدم التحجب أنه خُبث ونجاسة وأن التحجب سلامة وطهارة، وهذا كله آيات كريمات أنزلها رب العالمين؛ ليخرج بها العباد من الظلمات إلى النور لمن ابتغى الهدى والرشاد فيقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب:59] ثم يأتي بعض المعارضين، ثم يأتي بعض المفتونين ويقول: الحجاب خاص بنساء النبي أما نساءكم فأظهروهن لنا ودعونا ننظر إليهن، وزينوهن لنا، وقفوهن بالشوارع حتى يركبن مع صاحب الأجرة ومع غيرهم! يقول: خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم! ثم نمسك يده إن كان أعمى، وإن كان أعمى القلب فصدق الله العظيم {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] والقلب إذا كان منكفئاً، فإنه لا يحمل شيئاً مثل الإناء يا عباد الله، الإناء إذا كان منكفئاً لا يتسع لشيء، فربنا جل وعلا لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59] إن كنت مؤمناً صادقاً ونساؤك مؤمنات وبناتك مؤمنات فهذه الآية تشملك يا مسكين! وإن كنت ممن لا يؤمن بآيات الله ويريد المعارضة فحسبك الوقوف بين يدي الله يوم لا ينفع مال ولا بنون. يقول الرب جل وعلا -وليس الخطاب خاص بالنبي- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59] ربما المعارض هذا لم يعلم أن هذه الآية في كتاب الله، أو أعماه الهوى وصده اتباع الباطل عن اتباع الحق فإننا نكررها {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] يا لها من آداب سامية! ما هو الجلباب؟ هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر، وهذا الحجاب يشمل زوجات النبي وبنات النبي ونساء المؤمنين جميعاً بإدناء الجلباب على المحاسن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة. بماذا تعرف المرأة؟ هل تعرف بمقدمتها أو بمؤخرتها؟ إذا كانت حاجبة عن وجهها؟ لا. أما إذا كشفت عن وجهها فإنها تعرف في أول وهلة وفي أول الأمر؛ فينبغي لها أن تحتجب وتغطي وجهها ولا تطِع أهل الفتن وأهل الأهواء الذين يريدون لها الضلال والعياذ بالله. فهذا النهي من ربنا جل وعلا، حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذين، وكذلك المصيبة العظمى والتي أنتجته لنا قصيدة عمت بها البلوى لا كثرهم الله، يقول: (ما هقيت أن البراقع يفتننا) قلبه مفتون، عيونه مفتونة، قلبه مفتون أسأل الله أن يهديه أو يأخذه ويريح المسلمين من شره، وهو البرقع الذي لما سمعن به ناقصات العقول والدين جعلن يبحثن عن هذا البرقع، كان البرقع لا يستعمله إلا أهل البادية، ولما سمع به النساء ناقصات العقول والدين من هذا المغني أخذنه بالقبول وأخذنه بالثمن حتى أنه يقاس عليها، يقول: كذلك مما يجلب الفتنة ويلفت النظر هو ما يسمى بالبرقع، وهو الذي يبين العيون، والبعض من النساء تزيد في فتحة البرقع حتى تبدو ملامح الوجه، وكذلك ترفع العباءة حتى يظهر مفرق رأسها. كل هذا من دواعي الفتن التي انفتحت على المسلمين، والتعرض للشر فانتبهوا لذلك يا عباد الله، ويا أولياء النساء! واعلموا أن المرأة أمانة في أعناقكم، يقول صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي بشيء من هذه البنات كن له ستراً من النار، ومن كان له جاريتين فأحسن تربيتهن … -إلى آخر الحديث- كنت أنا وهو كهاتين في الجنة}. فما هي الآداب يا أخي المسلم؟ ما هي التربية التي ينبغي لك أن تتخذها لبناتك ونسائك وأخواتك حتى تكون رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ الزم النساء بالحجاب، احفظهن من التبرج والسفور، كن لهن حصناً حصيناً بعد توفيق الله عز وجل، فهذا كله يمنع عنها الشكوك والأوهام.

تحريم السفر والخلوة بالمرأة إلا مع محرم

تحريم السفر والخلوة بالمرأة إلا مع محرم وكذلك -يا عباد الله- ألزموا النساء البيوت إلا لحاجة ضرورية، فإن بيت المرأة خير لها وأسلم عاقبة، وبذلك تتم صيانة الأعراض، يقول علي رضي الله عنه: [[ألا تستمعون؟ ألا تغارون؟ يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها؟]] وكان يقول رضي الله عنه: [[اكفف بصرهن بالحجاب، فإن شدة الحجاب عليهن خير من الارتياب، فإن استطعت ألا يعرفن غيرك فافعل]] رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين. يا ليت علياً يرى ما وقعت فيه النساء اليوم من التوسع في التبرج وإبداء المحاسن وظهور الفساد والفواحش، ويا ليت علياً يرى الكثير من الناس وهم يبيعون العفة والشهامة ويهينون الكرامة، يا ليته يرى السائق وهو يذهب بالزوجات والبنات إلى الأسواق والمستشفيات والمدارس، ويجوب بهن الأسواق وكأنهن مع إخوانهن أو مع أزواجهن ولا غيرة ولا مروءة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين لنا ذلك ولم يبلغنا، أو لم يبلُغنا قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذي محرم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما} هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم. والله ثم والله، ما مشى على الأرض أنصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين، وشريعته نسخت جميع الأديان، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، يقول: {لا يخلون رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما} الرسول يخاطب الصحابة ولا يخاطبنا نحن الذين نزكي أنفسنا ونقول: نحن قلوبنا طاهرة، لا تمنع امرأتك أن تحتجب أو ابنتك أن تحتجب عن قريبك. قول بغير علم والعياذ بالله! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب الرجال الذين نوه الله بذكرهم في القرآن والسنة، يقول لهم: {لا يخلون رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما} فاتقوا الله أيها المسلمون! وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج وإظهار المحاسن، وامنعوهن من التشبه بأعداء الإسلام الذين أرسلوا لكم بالمجلات وغيرها، واستيقظوا من غفلتكم قبل أن تندموا حين لا ينفع الندم. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أحي الغيرة في قلوبنا، ووفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

النهي عن تشبه الرجال والنساء بأعداء الله

النهي عن تشبه الرجال والنساء بأعداء الله الحمد لله على نعمة الإسلام، ونسأله الثبات والوفاة على الإسلام والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، واحذروا من التيارات، احذروا من المجلات والأفلام، التي غزتكم في قعر بيوتكم وأفسدت نساءكم وبناتكم وأولادكم. اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الوقوف بين يدي الله حق لا شك فيه، وأنه سوف يحصل جواب وسؤال. عباد الله! احذروا من المبادئ الهدامة التي أتى بها إليكم السائق والخادمة والمربية، احذروا من الانزلاق في المدنية الزائفة التي تجر إلى قلة الحياء ونبذ التعاليم الإسلامية، ثم تكون خسارة وويلاً يوم القيامة، ومن ذلك -يا عباد الله- التشبه بأعداء الإسلام في الملابس والزي وغيرها، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء} ويقول صلى الله عليه وسلم: {فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء} ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} والله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21]. فإذا كانت المرأة استعملت هذه المنهيات أو ارتكبت هذه المنهيات فإنها لا تدخل الجنة، فحذروا -يا إخواني- زوجاتكم وبناتكم وأخواتكم، إنها أمانة أطرحها بين أيديكم وفي أعناقكم: أن تبلغوا نساءكم وتخبروهن أن الأمر عظيم: صنفان من أهل النار وذكر منهم رسول الله: {نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} هذا تحذير شديد من التبرج والسفور ولبس الرقيق والقصير من الملابس؛ ولذلك -يا عباد الله- ترون أن الأمر انعكس فصار بعض الرجال يسحب الثياب ويطيلها، وصارت بعض النساء تقصر الثياب فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون. والله ثم والله أن في بعض المناسبات تتفطر الأكباد مما نرى من بعض الرجال الذي يجرون الثياب أو يضيقونها كما تفعل النساء، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلنحذر -يا عباد الله- من التشبه بأعداء الإسلام فإنه {من تشبه بقوم فهو منهم} وكذلك يجب عليك يا أخي أن تمنع البنات الصغار من الملابس القصيرة حتى لا تشب وتعتاد على ذلك، فاتقوا الله يا عباد الله واحذروا ما حرم الله، واعلموا أن الله مجازيكم على أعمالكم وسائلكم عن ذلك. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، وقيض لهم القرناء الصالحين الناصحين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. عباد الله! إن أردتم أن يستجيب الله دعاءكم؛ فأصلحوا أعمالكم وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، توبوا إلى الله توبة نصوحاً، أقبلوا على الله بأعمالكم وبقلوبكم حتى يقبل الله دعاءكم، أما ما دامت هذه المنكرات ظاهرة فقد ورد في الأثر: {ثم تدعوني فلا أستجيب لكم، وتستنصروني فلا أنصركم} وما أكثر المنكرات! فإن أردتم إجابة الدعاء وقبول الله منك الدعاء؛ فغيروا هذه المنكرات، وأقبلوا على الله جل وعلا فإنه غفور رحيم، تواب رحيم، رءوف رحيم، وأن أردتم أن تيبس بلدانكم من الغيث، وتموت قلوبكم وتستحوذ عليكم الأعادي فجاروا أعداء الإسلام، جاروهم بالتشبه وبالمصانعة وبمحبتهم والعياذ بالله؛ ثم تقع اللعنة كما وقعت على بني إسرائيل، لماذا وقعت اللعنة؟ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فنسأل الله أن يرزقنا توبة نصوحاً. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، ووفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، وصل وسلم على نبينا محمد.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن من أعظم أسباب الهلاك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإنما جعل الله الخير في هذه البلاد لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة طرق لإنكار المنكر فقال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" فالحذر الحذر في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحذر الحذر من مجالسة أهل المنكر!

عقوبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عقوبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله معز من أطاعه واتقاه, ومذل من خالف أمره وعصاه, الناصر لمن ينصره من أهل طاعته وأوليائه, الذين يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه, ولا تأخذهم في ربهم لومة لائم, ولا يخشون أحداً سواه، ويحبون لحبه ويبغضون لبغضه, ويوالون أولياءه ويعادون أعداءه, ويجاهدون أهل معاصيه بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم، طاعة لله. أحمده سبحانه حمداً يملأ الأرض والسماء, وأشكره على سوابغ نعمه آلائه, ونعوذ بالله من زوال نعمه إنه على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الذي يغار إذا انتهكت محارمه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أنه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعلان بترك الواجبات, واستخفاف بحق رب الأرض والسماوات, وإعلان بظهور المنكرات، وإعلان بعلو الفسقة. عباد الله: إن تلقي بعض الناس لبعض الفساق والعصاة، ورفعة أهل المعاصي، وذل أهل الطاعات موجب للعنة رب الأرض والسماوات, ومقت جميع الخلق لكم حتى الحيوانات, وسبب لنزع البركات, وموجب لحلول أنواع الأمراض والأسقام والهلكات, مثل أمراض السل والسرطان, ومثل الأمراض التي استعصت على كثير من الأطباء. إن بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لتسلط الأعداء وجور الولاة, فماذا يرتقب مرتكب المحظورات المعرض عن الله تهاوناً وعدم مبالاة؟! أما سمعتم الله يقول في محكم الآيات: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]. عباد الله: أما سمعتم بما فعل بالقرون الخاليات من أنواع التدمير والعقوبات؟! منهم من خسفنا, ومنهم من أرسلنا عليه حاصباً, ومنهم من أغرقه الله، وما حل بهم من أليم العذاب والهلكات, التي يصلون بها إلى نار الجحيم والحسرات, ويُحْرَمون بركات الأعمال والأرزاق. عباد الله: أما سمعتم بعظيم عذابه لمرتكب المحرمات, وبمن لم ينكر المنكرات، روى الإمام أحمد رحمه الله عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعقاب من عنده، قلت: يا رسول الله! أما فيهم يومئذٍ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: كيف يصنع بهم؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس}. في الأثر: لا تزال هذه الأمة تحت يد الله, وفي كنف الله, ما لم يمالئ قراؤها فساقها, وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن شرارها خيارها، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده, ثم سلط عليهم جبابرتهم, فساموهم سوء العذاب ثم ضربهم بالفاقة والفقر, وروي عن نبيكم صلى الله عليه وسلم: {إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل, فتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا الأرحام، لعنهم الله عند ذلك, فأصمهم وأعمى أبصارهم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم}. وتقول عائشة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: {يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم}. أمة الإسلام: لنستمع إلى هذا الحديث بإمعان، يقول صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم وتسألوني فلا أعطيكم} فما بعد هذا الحرمان -يا أمة الإسلام- حُرمنا القطر من السماء لأي شيء يا عباد الله؟ بظهور المنكرات وانتشار المعاصي, فإليك اللهم المشتكى, وإنا لله وإنا إليه راجعون! يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: {يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهنّ ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا, ولا نقص قوم المكيال إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان, ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم, فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم}. فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر, حتى تكونوا من الذين قال الله فيهم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] ويقول جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]. اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه, وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فإن كل واحد منا عليه واجب بقدر المستطاع، فأولاً باليد فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، هكذا أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون: بالأمر بالمعروف يحصل الخير الكثير: ينقمع أهل المعاصي والفساد, وتظهر هيبة المسلمين حتى في قلوب الأعداء, ويحصل الأمن والاستقرار, وحصول البركات والخيرات, أما إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسترون المنكرات بأعينكم, وتلمسونها بحواسكم، وتفقدون القوة والأمن والاستقرار، ويطأكم الأعداء بالأقدم، وتحل اللعنة وترسل الرحمة ويصيبكم العذاب, فلا دعاء مستجاب عند ذلك. أمة الإسلام: اعتبروا فيمن سلف من الأمم من قبلكم, وما أصابهم الله به من أنواع العقوبات, وما ربك بظلام للعبيد, غير أن الله عز وجل يغار, وغيرته أن يأتي العبد ما حرم الله عليه. أيها المؤمنون: توبوا جميعاً إلى الله عز وجل, وأقلعوا عما أنتم فيه من الغفلة والرقاد, واعلموا أن كلكم راعٍ, وكل راعٍ مسئول عن رعيته, وسوف تقفون بين يدي الله عز وجل, ويسألكم عن هذا التفريط والإهمال, فأعدوا للسؤال جواباً, وللجواب صواباً, وليس الجواب أن نترك الحبل على الغارب ونقول: عجزنا! لا. بل نجاهد ولو في بيوتنا, كما كان عباد الله الذين مدحهم الله في القرآن فهذا إسماعيل عليه السلام يقول فيه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:54 - 55] ويقول جل وعلا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132].

التحذير من مجالسة أهل المنكرات

التحذير من مجالسة أهل المنكرات عباد الله: الحذر الحذر من مجالسة أهل المنكرات, فإن العقوبة واللعنة تعمّ من جالسهم ورضي بأفعالهم, وأقرهم عليها, ومصداق ذلك ما رواه إمام أهل السنة في مسنده وما روي في السنن من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي جعد عن أبي عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من كان قبلكم كان إذا عمل فيهم العامل الخطيئة جاءه الناهي تعذيراً, فإذا كان الغد جالسه وآكله وشاربه, كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى سبحانه وتعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض, ثم لعنهم على لسان أنبيائهم: {دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:78]} وكان متكئاً صلى الله عليه وسلم فجلس وقال: {والذي نفس محمد بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً؛ أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض, ثم يلعنكم كما لعنهم}. ذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمر الصنعاني: أن الله أوحى إلى يوشع بن نون عليه السلام: أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم, وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب! هؤلاء الأشرار, فما بال الأخيار؟! قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي, وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم. فيا عباد الله -يا أمة الإسلام- لننتهي عن المداهنة, لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر, ونرجع إلى الله عز وجل ونتوب؛ فإنه يقبل التائب إذا ناب ورجع, وعلينا بإصلاح أنفسنا وأهلينا حتى يصلح المجتمع وتحصل الخيرات وتحل البركات من فاطر الأرض والسماوات. إخواني المسلمين: إن الأهل والأولاد تحت مسئوليتنا فعلينا أن نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر, ونرشدهم إلى طاعة الله عز وجل, فإنهم أمانة في الأعناق, وسنسأل عن هذه الأمانة أمام الله عز وجل في يوم لا تنفع فيه أعذار. وصلوا على من أدى الرسالة, وبلغ الأمانة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أمركم الله أن تصلوا عليه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك وإن كنا مقصرين يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم انصر بهم دينك، اللهم اجعلهم حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، اللهم أقر بهم أعين الآباء يا رب العالمين. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, ربنا أنت غني عنا وعن أعمالنا؛ فلا تأخذنا بسوء أعمالنا ولا بما فعل السفهاء منا يا رب العالمين، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, عاجلاً غير آجل, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم ارحم عبادك, اللهم إنا خلق من خلقك, فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أغثنا يا رب العالمين, يا من خزائنه ملأى, يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم أحي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

إلى متى تذكروا

إلى متى تذكروا في هذا الدرس يتحدث الشيخ عن أعظم الجرائم بعد الشرك ألا وهي جريمة اللواط والعياذ بالله! وقد بين خطرها على الأمة، وأنها سبب عذاب الله وغضبه وانتقامه، وذكر حد الذي يفعلها، وهو القتل، وأن الصحابة -من شدة قبح هذه الجريمة وشناعتها- لم يختلفوا في وجوب قتل اللوطي، ولكنهم اختلفوا في كيفية قتله. ثم حث الشيخ على التوبة، محذراً من ذنوب قد فشت في هذه الأمة مثل التبرج والسفور وإهمال الأبناء والنساء.

اللوطية وخطرها على الأمة الإسلامية

اللوطية وخطرها على الأمة الإسلامية الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أنعم علينا بنعمة الإسلام، الذي أحل الله به الحلال، وحرم به الحرام، الإسلام الذي جاء ليحل الطيبات، ويحرم الخبائث على الأمة الإسلامية، الإسلام ندب إلى الطيبات وحرم الخبائث ونهى عنها. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب لنا سواه، هو أرحم الرحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي أنزل الله عليه الكتاب المبين، فيه البشارة والنذارة، والوعد والوعيد، اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، الذي بلغ البلاغ المبين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي جاء بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: لقد جاء في القرآن العظيم وعدٌ ووعيد، ومن الوعيد الذي جاء في كتاب الله ذِكْر أمة من الأمم لها فعلٍ وخيم، لَمْ تسبق إلى مثلِه. إن تلك الأمة جاءت بعارٍ شنيع عُيِّرت بذلك الفعل الوخيم، وعُذِّبت به عذاباً سُطِّر خبرُه في كتاب الله عز وجل؛ ليكون تحذيراً للأمة الإسلامية التي بُعِث بها محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم الله به مكارم الأخلاق، ويدعو إلى كل فضيلة، وينهى عن كل رذيلة.

قوم لوط في القرآن

قوم لوط في القرآن أمة الإسلام: لقد جاء تعيير أمة من الأمم في كتاب الله العزيز، وما أدراكم ما هذه الأمة! هي أمة عملت جريمة وخيمة شنعاء تقشعر من ذكرها الجلود، ويندى لها الجبين، إنهم قوم لوط الذين أخبر الله عنهم في كتابه المبين حيث قال: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80]. نعم. إنها فاحشة عظيمة وخيمة، كيف لا. والله يؤكد ذكرها في مواضع من كتابه بذكر وتصريحٍ تشمئز منه القلوب، وتنبو عنه الأسماع، وتنفر منه الطباع أشد نفرة؟! ألا وهو إتيان الرجل رجلاً مثله، ألا وهو ركوب رجل رجلاً مثله، فيقول الله جلَّ وعَلا: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف:81] والإسراف يا عباد الله هو مجاوزة الحد، ثم أكد الله جل وعلا على تلك الأمة الذم بوصفين في غاية القبح فقال جل وعلا: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء:74] وسماهم مفسدين، وسماهم ظالمين، والآيات فيهم بكتاب الله كثيرة معلومة. أجل يا عباد الله! يا من يؤمن بالله واليوم الآخر! إنه ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، فهي كبيرة عظيمة، وفاحشة شنعاء، وهي التي تلي مفسدة الكفر والعياذ بالله، ولم يبتلِ الله بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، فلهذا عاقبهم المولى جل وعلا عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم. أمة الإسلام! لقد جمع الله على قوم لوط -الذين يأتون الذكران من دون النساء- أنواعاً من العقوبات: قلب ديارهم، وخسفها بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذَّبهم، وجعل عذابهم مستمراً، جعل ديارهم بحيرة منتنة، فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم، وما ذاك يا عباد الله إلا لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوا فاحشة اللواط خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتئز الأرض إلى ربها، وتكاد الجبال تزول على ما فيها؛ لشناعة هذه الجريمة، إنها جريمة اللواط، إنها ركوب الذكور بعضهم على بعض.

عقوبة اللوطي

عقوبة اللوطي ثم إن شريعة الإسلام -يا عباد الله- جاءت بأرقى الآداب وأسمى الأخلاق، ولما كانت تلك الجريمة تتنافى مع الأخلاق والآداب، وتغضب الجبار جلَّ وعلا، تغضب الخالق الرزاق، تغضب البارئ المصور، تغضب رب الأرض والسماوات، تغضب الذي أوجد الكائنات، تغضب إله الأولين والآخرين، جعل جل وعلا فيها وحياً أكيداً، فقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به}. ثم يقول ابن عباس رضي الله عنهما في البكر يوجد على اللوطية قال: [[إذا وجد وهو بكر يعمل عمل قوم لوط فإنه يرجم]] وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط} فإنا لله وإنا إليه راجعون! ما أكثرها تكون في مجتمعات الشر والفساد! في مجتمعات اللهو والغفلة يا عباد الله! رسول الهدى يقول: {إذا كثرت اللوطية رفع الله يده عن الخلق فلا يبالي في أي وادٍ هلكوا. ويقول في رواية: أربعة يصبحون في غضب الله، ويمسون في سخطه، قلت: يا رسول الله! من هم؟ قال: المتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، والذي يأتي البهيمة، واللوطي}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في قبره خنزيراً]]. أمرٌ عظيمٌ يا عباد الله، إن اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في قبره خنزيراً؛ لذلك حرم كثيرٌ من العلماء الخلوة بالأمرد في نحو بيتٍ ودكان، وما ذاك إلا لخوف الوقوع في هذه الفاحشة العظمى، وورد في الحديث القدسي: {النظر سهمٌ مسموم من سهام إبليس، مَن تركه مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه} ولما كانت الخلوة بالأمرد من الأسباب الداعية إلى الوصول إلى تلك الجريمة الشنعاء حرمها بعض العلماء. وهذا سفيان الثوري رحمه الله لما دخل عليه صبي في الحمام حسن الوجه قال: [[أخرجوه عني، فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً، ومع كل صبي بضعة عشرة شيطاناً]]. فهؤلاء هم أرباب القلوب الحية، الخائفون أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها.

اختلاف العلماء في كيفية قتل اللوطي

اختلاف العلماء في كيفية قتل اللوطي أيها المسلمون: إن جريمة اللواط جريمة شنعاء، وفاحشة عظيمة، ولذلك اخْتُلِف في كيفية قتل هذا المجرم. هذه الجرثومة الخبيثة التي تنتشر في البلاد، ما هو العمل على إبادتها؟ فقال بعض العلماء: في رواية عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه أحرق رجلاً يعمل عمل قوم لوط بالنار، بعدما استشار من اجتمع عنده من الصحابة رضي الله عنهم. وكذلك حرَّق بالنار مَن عَمِل عَمَل قوم لوط عبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك، وقال: [[لو لم يذكر الله عمل قوم لوط في القرآن لم أصدق أن الرجل يركب الرجل]] رحمهم الله ورضي الله عنهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وهو رأي له رحمه الله: [[أنه يُرمى من أعلى شاهقٍ في البلد، مُنَكَّساً على رأسه، ثم يُتْبَع بالحجارة]].

حث على التوبة

حث على التوبة وفي نهاية المطاف يا عباد الله! فباب التوبة مفتوح، والله غفور لمن تاب وآمن، ومن تاب تاب الله عليه، وقد استقرت حكمة أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين: أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد ضمن الله تعالى لمن تاب من الشرك، وقتل النفس، والزنا؛ أنه يبدل سيئاته حسنات، وهذا حكمٌ عامٌ لكل تائبٌ من ذنب إذا أقلع وتاب إلى الله، وعزم على عدم العودة إلى الذنوب فإن الله يتوب. أبشر أيها العاصي فإن باب التوبة مفتوح، وربك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وباب التوبة مفتوح ولن يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها أو يأتيك هادم اللذات. فأنت أيها العاصي لا تدري متى يهجم عليك الموت، هل يهجم عليك وكأس الخمر في يدك؟! هل يهجم عليك وأنت راكبٌ على ذكرٍ مثلك؟! هل يهجم عليك وأنت تعاني من السكر؟! هل يهجم عليك وأنت تمارس جريمة الزنا؟! هل يهجم عليك وأن تتسلق بيوت المسلمين لتسرق منهم؟! أيها العاصي! فمتى تتوب؟! هل عندك من الموت إنذار؟! هل عندك صكٌ في طول حياتك؟! أو في عدد مدتك التي تعيشها في هذه الحياة؟! لا والله، ثم لا والله، بل ملك الموت يأتي من دون إنذار. فتب إلى الله أيها العاصي، واسمع قول الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. ويقول أيضاً في البشارة: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] أربعة شروط يا عبد الله، إذا استكملتها تاب الله عليك: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]. ويقول الرب جل وعلا: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:70] فما تبدله يا ربنا؟ {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70] ثم زدنا يا ربنا من هذه البشارة! {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} [الفرقان:71] ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: {التوبة تجب ما قبلها}. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً. اللهم ارزقنا توبة صادقة تطهر بها قلوبنا، وتمحص بها ذنوبنا. اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا يا أرحم الرحمين! بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

ذنوب عمت وطمت في الأمة

ذنوب عمت وطمت في الأمة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، واحذروا من أسباب سخطه وعقابه، وخذوا على أيدي سفهائكم.

إهمال رعاية الأهل والأولاد

إهمال رعاية الأهل والأولاد إنكم مسئولون عن أولادكم يا عباد الله، طول الليالي وطول ساعات الليل والنهار، وطول ساعات العمر، تركتم لهم الحبل على الغارب، يهيمون في الشوارع وفي غيرها من المحلات كأنهم بهائم سائبة، فإنكم -والله ثم والله- مسئولون عنهم أمام الله، فما العذر يا عباد الله؟! ما الحجة إذا وقفت بين يدي الله ترتعد فرائصك، وقلبك يرجف؟! ما العذر بين يدي الله إذا سألك عن هؤلاء الأولاد، وعن النساء أدخلت عليهن الفيديو في بيتهن حاربت أخلاقهن وآدابهن، والأولاد من الذكور تركت لهم الحبل على الغارب في الشوارع يهيمون؟! وأنا كنت في محل من محلات الشرطة، وإذا بالشرطي يتصل بأحد الآباء ويقول: قبضنا على ابنك يعمل كذا وكذا، ويقول الأب: والله ما أدري عنه منذ يومين، الله أكبر! الله أكبر! ليواجه رب العالمين بهذا السؤال إذا سأله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. إن هؤلاء الأولاد نعمة، ثم هم نقمة: نعمة إن قام الرجل بتربيتهم وتأديبهم، ونقمة عليك يوم القيامة تحاسب عنهم. كذلك جارك تحاسب عنه إذا رأيته على المعاصي ولم تأمره بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر، فكيف بولدك وفلذة كبدك الذي هو قطعة من لحمك تترك له الحبل على الغارب، فلنقل جميعاً: إنا لله وإنا إليه راجعون! والله ثم والله إن آلات اللهو ما دخلت على المسلمين إلا بالنقص والشرور، فإلى الله نشكو، وحسبنا الله ونعم الوكيل! إنا لله وإنا إليه راجعون! فمتى نستيقظ يا عباد الله؟! متى نستيقظ من رقدتنا؟! إذا نفخ في الصور ووقفنا بين يدي الله عز وجل! ما هو العذر لك يا عبد الله؟!

مفاسد في البيت المسلم

مفاسد في البيت المسلم المراة مع السائق يجوب بها الأسواق، والبنت مع السائق، والأب مع الخادمة في البيت يمازحها ويقبلها ويلمسها نعم يا عباد الله، دُفِنَت الغَيرة، قُتِلت الأخلاق، ذُبِحَت بغير سكين، فإنا لله وإنا إليه راجعون! والله لن يصدق أحدٌ أن هذا يقع في المسلمين! المرأة والبنات يجوب بهن السائق في الشوارع، وربما أدخلهن على العزاب، ويفعلون بهن الجرائم، والرجل في بيته يفعل بالخادمة الجريمة، وإذا أُتِي إليه بخادمة قبيحة أرجعها وقال: ردوا إليَّ أحسن منها. ليتنا نموت، ليتنا ما خُلِقْنا يا عباد الله! ليتنا ما وُجِدْنا في هذه الحياة! الأطفال يُذْبَحون ويُفْعَل بهم الجرائم من أجل سبب سجارة يمصها. الرجل الكبير يبيع عرضه لحفنة حشيش. الرجل العاقل يركب أمه ويزني بها إذا شرب الخمر وسط الحشيش. ليتنا ما خُلِقْنا، ليتنا ما وُجِدْنا في هذه الحياة! والله! إنها حياةٌ يُمَلُّ ويُسْأم منها، والله إنا إذا دخلنا الأسواق ورأينا النساء متبرجات، ورأينا السائق يجوب بهن، ويلَمِّسهن، ووالله لو كان القتل للنفس جائزاً لقتل كثيرٌ من الناس أنفسهم؛ لما يرون من كثيرٍ من الناس وقد باعوا الغيرة، وهتكوا حرماتهم! ما هو العذر أمام الله؟! خافوا الله، راقبوا الله، اخشوا الله قبل أن يخسف الله بكم الأرض من تحتكم، قبل أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أين الأمر بالمعروف؟ أين النهي عن المنكر يا أمة الإسلام؟! والله إنها أمورٌ تشيب الذوائب، وتنجرح القلوب منها، ولكن لمن نشكو، ومن نخبر، خطب ومواعظ تتلى؟ وتدخل مع اليمنى وتخرج مع اليسرى، فلا حول ولا قوة إلا بالله! لا حول ولا قوة إلا بالله! وصدق رسول الله: {يأتي زمان يمر الرجل على القبر يتمرغ عليه يقول: يا ليتني مكانك ما به من شيء، ما به إلا البلاء}. والله ما أشد البلاء الآن! نساءٌ كاسيات عاريات مع السائقين يجوب بهن الأسواق، ونساءٌ شابات يطفن على الخياطين وعلى المكتبات، والسائق وصاحب الخياطة يعرض عليها أزياءً تقشعر منها الجلود، هذه أزياءٌ تيلاندية، وهذه أزياءٌ فرنسية، وهذه أزياءٌ شيطانية، ما هذا العمل؟! حتى يقتلوا المسلمين، لا يقتلونهم بسكين ولا بسلاح، بل يقتلونهم بقتل الإيمان في قلوبهم! فإلى متى هذه السكرة؟! إلى متى هذه الغفلة؟! حتى إذا نفخ في الصور ونحن مداهنون، ولا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر، هل نتحرى خسفاً ومسخاً وحجارةً تنزل علينا من السماء؟! نزعت البركات، والقطر من السماء لا ينزل إلا لهلاك الكثير من الناس، فنزول هذه الأمطار بكثرتها وهذه الفيضانات إنها عذابٌ من الله، الزلازل ليست براكين كما يزعمه الشيوعيون، إنها -والله- غضبٌ من الله، إنها نقماتٌ من الله، ولكن المسلمين مسخت قلوبهم والعياذ بالله، السكر من ذلك القليل، وأستغفر الله ألا يعم الجميع! أسأل الله بمنه وكرمه أن يوقظنا من رقدتنا، وأن يهب لنا توبة نصوحاً يطهر بها قلوبنا، وأن يُقْبِل بقلوبنا عليه إنه على كل شيء قدير. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين. اللهم ارزقهم البطانة الصالحة. اللهم قيض لهم البطانة الصالحة، الذين يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا. اللهم ارزقهم البطانة الصالحة. اللهم ارزقهم العلماء الصالحين الناصحين، الذين يبينون لهم تلك المنكرات التي فشت وعمت في بلاد المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون! يا إخواننا! لا ننظر إلى اليهود، لا ننظر إلى النصارى، لا ننظر إلى الشيوعيين، بل ننظر إلى -نحن المسلمين- مسلمون ندعي الإسلام، تركنا كتاب الله وراءنا ظهرياً، وتركنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. صار الكثير من المسلمين الآن يتحلى بالتقاليد الغربية، يتحلى بها وينبسط بها، وإذا عوتب على ذلك قال: أما رأيتَ إلاَّ أنا؟! فانظر إلى فلان وفلان. فإنا لله وإنا إليه راجعون! عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاًَ لأمر الله حيث قال في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي قال: {إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار}. اللهم ارض عن خلفائك الراشدين الذين قاموا بدين الله حق قيام، فتحوا الفتوحات، ومصَّروا الأمصار، ودينهم باقٍ إلى الآن، علاماته وآثاره، ولكن طمسه المفسدون ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم انصر دينك عاجلاً غير آجل، اللهم انصر دينك عاجلاً غير آجل، اللهم انصر دينك عاجلاً غير آجل يا رب العالمين. اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، وأصلح فساد قلوبنا، وردنا إليك رداً جميلاً. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أيها الشاب عد إلى ربك

أيها الشاب عد إلى ربك إن الله سبحانه وتعالى حذر عباده المؤمنين أن يقعوا فيما حرم الله عز وجل، وإن كثيراً من شباب الأمة اليوم قد غرقوا في اللهو واللعب والمعاصي، وتركوا شرع الله وراءهم ظهرياً، فعلى الشباب أن يعودوا إلى ربهم ويتقوا الله قبل أن ينزل بهم هاذم اللذات، وتبلغ الروح الحلقوم، ويحصَّل ما في الصدور.

حال العبد عند خروج روحه

حال العبد عند خروج روحه الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوا العباد أيهم أحسن عملاً، قسمهم إلى قسمين: فمنهم شاكرٌ ومنهم كفور، وأحمده وأشكره وأساله أن يُوفقنا إلى صالح الأعمال والأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم اجعلها آخر كلامنا من الدنيا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس! اتقوا الله عزَّ وجل، واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جاز عن والده شيئاً {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. عباد الله! هل تعلمون ما ذلك اليوم؟ هو والله يوم القيامة يوم الطامة الكبرى يوم الصاخة يوم القارعة يوم الحاقة يوم الواقعة يومٌ تشقق السماء فيه بالغمام يومٌ تُفتح فيه السماء فتكون أبواباً، فينزل من كل سماءٍ ملائكتها ليحيطوا بأهل الموقف في ذلك اليوم العظيم، الذي يتجلَّى فيه الرب لفصل القضاء، الذي ينزل فيه الرب -جل وعلا- لفصل القضاء بين الخلائق. عباد الله! إذا تحقق ذلك وآمنا به، علمنا حق اليقين أن هذه الحياة الدنيا لا بد لها من الزوال، وأنها دار ممر وعبورٌ إلى الآخرة، وأننا سننتقل منها إلى ما قدَّمنا من الأعمال، فتذكروا -عباد الله- حالتكم عند حلول الآجال، ومفارقة الأوطان والأهل والعيال، ومفارقة الأصدقاء الذين تأنسون بهم ويأنسون بكم. تذكروا حينما تشاهدون الآخرة أمامكم، وأنتم مُقبلون إليها، مُدبرين عن الدنيا؛ تذكروا حالة الاحتضار، وعند نزول ملك الموت، هل أنت إذا قيل لك: قل: لا إله إلا الله تُبادر وتجيب؟ وتقول: لا إله إلا الله؟ أم تتلعثم ويثقل لسانك، وتجمد الأعضاء، وتفكر، وتقول: بما أمضيت من سيئ الأعمال. عباد الله! {إن المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه؛ كأن وجوههم الشمس، معهم أكفان من الجنة، وحنوطٌ من الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ويجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس المطمئنة! اخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوان} يالها من فرحة وسرور يُقابل بها المؤمن عند خروجه من الدنيا! {يا أيتها النفس المطمئنة! اخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيَّ السقا، فيأخذها ملك الموت، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، فيجعلوها في ذلك الكفن، الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض؛ فيصعدون بها إلى السماء، فلا يمرون على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يُسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتح له فيفتح له، ويشيعه من كل سماء مُقربوها، إلى السماء التي تليها -إلى السماء السابعة- فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوها إلى الأرض فإني منها خَلَقتهم، وفيها أُعيدهم، ومنها أُخرجهم تارة أخرى، قال: فتُعاد روحه إلى جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه. فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هو محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدَّقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مدَّ البصر، ويأتيه رجلٌ حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: يا رب! أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي. قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، ويقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها ملك الموت، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريحٍ جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يُسمَّى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح لها فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السُّفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيضربانه بمرزبة من حديد، فيغاص في الأرض سبعين ذراعاً، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه في قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: يا رب! لا تقم الساعة}. عباد الله! هذا الذي يحصل بعد الموت وفي القبر، فقسمٌ من الناس توفاهم الملائكة طيبين يقولون: سلامٌ عليكم ألا تخافوا ولا تحزنوا ويبشرونهم بالجنة، وبما فيها من النعيم المقيم، وقسمٌ من الناس توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50].

الاستعداد ليوم المعاد

الاستعداد ليوم المعاد عباد الله! أين الاستعداد لذلك اليوم؟ وأين الاستعداد لنزول الموت؟ وأين الاستعداد للقبور؟ يا عباد الله: إذا حملتم إلى القبور، وانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال، ومسحتم من القصور والعمائر والفلل؛ فإما خيرٌ تسرون به إلى يوم القيامة، وإما شرٌ تجدون به الحسرة والندامة. عباد الله: رُوي أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كان إذا دخل منزله يبكي حتى الصباح، وفي يومٍ زاد بكائه حتى أبكى أهل البيت، فلمَّا سمعهم الجيران كانوا يبكون معهم، فأتوا إليه فقالوا: يرحمك الله، ما هذا البكاء قال: [[تصورت يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير، ولا أدري أين أكون؟]]. عباد الله! تذكروا دائماً هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومروا على القبور واعلموا أنها ستكون لكم مساكن كما سكنها من قبلكم، سوف تصف عليكم اللبنات، ويستوي عليكم الليل والنهار، سوف تنقلون عن فسيح الديار، وتدخلون في القبور وهي أول منازل الآخرة، إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. اللهم هون علينا سكرات الموت، واجعل القبر لنا بعد منازل الدنيا أفسح المنازل، وآمن خوفنا يوم الفزع الأكبر، واجعلنا ممن يُعطى كتابه بيمينه، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.

خطر الاغترار بالدنيا

خطر الاغترار بالدنيا الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله حق تقاته، واستعدوا لما أمامكم يوم العرض الأكبر على الله عز وجل، حين ينقسم الناس إلى قسمين: سعداء وأشقياء. فأما السعداء؛ ففي روضات الجنات لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، ولهم فيها ما يدَّعون، لهم فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. أيها الشاب المسلم! اتق الله، ولا تغتر بزخارف الحياة الدنيا. مع الأسف الشديد! أن بعض الشباب يستقيم أحياناً ويتردى أحيانا، إما تكذيباً لوعد الله أو مخادعةً لأمر الله، أو فيه صفة من صفات المنافقين الذين يُخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم، أسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. إنه من المؤسف يا عباد الله! أن نرى في عامٍ مضى بعض الشباب الذين استقاموا، ثم نراهم قريباً قد انحرفوا وانجرفوا وراء التيارات، وانزلقوا وراء ما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم في الدنيا، والله ثم والله كلُّ ذلك بسبب جلساء السوء الذين لا يعينون على الخير ولا يدعون إليه، بل همتهم كلها الدعوة إلى الشر والترغيب فيه، فحسبنا الله ونعم الوكيل. أيها الشاب: أنسيت وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله}؟ أنسيت أيها الشاب هذا الوعد المحقق من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]؟ استقطعت هذه الحياة الدنيا، فما متاع الحياة الدنيا إلا غرور، فما متاع الحياة الدنيا إلا قليل، فاتق الله أيها الشاب لا تهدم الأعمال الصالحة لا تنحرف لا تدبر بعد أن أقبلت إلى الله، لا تحرم نفسك ذلك الموضع الذي يغبطك عليه من في الموقف أجمعين، أنت تحت ظل عرش الرحمن، وعلى مائدة الرحمن، تأكل وتضحك وتتبسم، وغيرك في الحساب واقفون قد ألجمهم العرق، وغاص بهم في الأرض منهم سبعون ذراعاً. فلا تحرم نفسك -أيها الشاب- هذا الفضل العظيم، ولا تغتر بدعاة الزور، ولا تجالس جلساء السوء لا كثرهم الله.

التحذير من رفقة السوء

التحذير من رفقة السوء عباد الله: من كان له شابٌ مستقيم فليحافظ عليه من جلساء السوء؛ فإنهم كثروا في هذه الأزمنة -لا كثرهم الله- وما أتوا إلا بدسائس من أعداء الإسلام، الذين حسدوا المسلمين على هذا الإسلام، وعلى هذا الدين، ويريدون أن يجترفونهم معهم، ويصحبونهم معهم، في صحبة إمامهم ومقدمتهم الشيطان في نار جهنم، حيث يخطبهم ويقول: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. عباد الله! الحذر الحذر من مضلات الفتن، والحذر الحذر من البدع المحدثة التي داهمت المسلمين في البيوت والأسواق وفي كل محل من محلاتهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم يا مُقلِّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك}. فيا أيها الشاب! عليك بالإكثار من هذا الدعاء: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك": {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. أسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدي ضال المسلمين، اللهم اهدِ ضال المسلمين، وثبت مهتديهم يا رب العالمين! اللهم ثبت مهتديهم يا رب العالمين! اللهم من كان مهتدياً ومستقيماً فزده من الهدى والتقى حتى يلقاك يا رب العالمين! ومن كان منحرفاً فاهده الصراط المستقيم حتى تنقذه من الهاوية يا رب العالمين! اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين، وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين! عباد الله! اعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي الناصح الأمين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين؛ امتثالاً لرب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد دائماً وأبداً إلى قيام الأشهاد، وبارك عليه كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم ارض عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وارزقنا اتباعهم يا رب العالمين! اللهم ارزقنا اتباعهم يا رب العالمين! وارزقنا الاقتداء بهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وارزقنا الإخلاص في أعمالنا وأقوالنا، اللهم ارزقنا الإخلاص في أعمالنا وأقوالنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم افسح لهم في قبورهم، واجعلها لهم روضة من رياض الجنة، خاصة بذلك المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات يا رب العالمين! اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين! اللهم ارحمنا جميعاً بواسع رحمتك إنك على كل شيء قدير. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، أكثروا من ذكر الله تحيا قلوبكم، وزوروا القبور؛ فإنها تذكركم بالآخرة، واشكروا الله على هذه النعم التي ترفلون بها، وتتقلبون فيها ليلاً ونهاراً، اشكروا الله على هذه النعم، واغتنموها بصالح الأعمال، قبل أن يأتيكم ما يشعركم يا عباد الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، واستغفروا ربكم إنه هو الغفور الرحيم.

أهوال يوم المحشر

أهوال يوم المحشر إن الله سبحانه وتعالى وصف يوم القيامة وما فيه من أهوال في كتابه الكريم وبما أوحى به إلى نبيه مما ذكره في حديثه الشريف، وإن أحوال الناس في ذلك اليوم العصيب تختلف؛ فمنهم المؤمن الناجي بعمله، ومنهم الكافر الهالك بعمله، ومنهم المنافق المكردس في جهنم بنفاقه وكذبه ودجله.

حال الناس يوم القيامة

حال الناس يوم القيامة الحمد لله رب العالمين، الذي أوضح سبل هدايته، وحرض أولياءه لطاعته وعبادته، فساروا على نهجٍ قويم، وواصلوا السير في طريقهم إلى رضوان الله، وخالفهم آخرون فاتبعوا أهواءهم وجاءهم الأجل المحتوم، وهم مفرطون، فصدق الله رب العالمين: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه. عباد الله! ما هذه الغفلة؟ وما هذا الإعراض؟ والبعض من الناس صار يعكف على آلات اللهو استماعاً ونظراً، والبعض من الناس ذهبت عنه الغيرة، وصار يرتكب المحرمات من الزنا واللواط أذهب عمره فيها، وانفد أمواله فيها، وصارت حياته حياة الأنعام، والبعض من الناس أذهب عمره في القيل والقال والغيبة والبهتان، والبعض من الناس أنهك حياته وأمواله في المخدرات والمسكرات وبعضهم باع محارمه بشيء من المخدرات والمسكرات، باع عرضه، حتى إن بعضهم ركب أمه ومنى بها لما فقد شعوره بشرب المسكرات. نعم. يا عباد الله! زيادة على ذلك ما ظهرت في الأزمنة المتأخرة من نساء كاسياتٍ عارياتٍ مفتوناتٍ فاتنات، كل هذا ظهر دون خوفٍ من الله جل وعلا، ومن جبار الأرض والسماوات، وما ذاك يا عباد الله إلا أن الإيمان قد نقص عند الكثير من الناس، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، فأين الإيمان ممن تجرءوا على محارم الله ومعاصيه؟! أما علم أولئك أنهم سوف يهجم عليهم الموت، وسوف ينقلون إلى حفرٍ ضيقات، وإن من مات فسوف يرى في قبره ما قدم، إن كان من أهل الجنة فقبره روضة من رياض الجنة، وإن كان من أهل النار، فقبره حفرة من حفر النار. يا عباد الله! ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أن نعيم القبر وعذابه حقٌ ثابتٌ لا مرية فيه ولا شك، ولا ينكر ذلك إلا ملحدٌ معاند، ثم لا يعلم مدة المكث في هذه القبور إلا الله عز وجل، فإذا تمت هذه المدة المقدرة لهذا العالم أمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ في الصور، قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] يقومون من قبورهم لرب العالمين، تصوروا ذلك القيام يا عباد الله! حفاةً عراةً غرلاً فرادى كما خلقوا أول مرة، ليس معهم شيء سوى أعمالهم من حسناتٍ وسيئات. عباد الله! إن أمر القيامة عظيم، وشأنها جسيم، وموعدها قريب. أجل أيها العاصي ما الذي جرأك على أن تعصي الله، وأنت سوف توقف بين يديه يوم القيامة؟!

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة أيها الغافل! تذكر يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة؟! إنه يومٌ يقرع القلوب هولاً، يومٌ يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، وتكون الجبال فيه كالعهن المنفوش، وتدنو الشمس فيه من رءوس الخلائق، ويشتد الحر ويعظم الهول، ويوم القيامة {تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم:48] يوم القيامة تبرز الخلائق لله الواحد القهار، والملائكة محيطة بهم صفاً صفا، إنه يومٌ عظيم، يتناسى فيه الحبيب حبيبه، وتنقطع الأسباب، ويتبرأ الأنساب، ويفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم القيامة يوم يشيب فيه الولدان لشدة هوله، يوم القيامة يومٌ تضع الحوامل فيه حملها، يومٌ تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت، يوم القيامة ما أطوله حيث يقدر بخمسين ألف سنة، هل نسيت ذلك اليوم أيها العاصي حتى تجرأت على محارم الله {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:21 - 23] إنه يومٌ عظيم، يجاء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرونها، إنها جهنم لها تغيظ وزفير، إذا كنت تعرف جهنم فما الذي أقدمك على معاصي الجبار؟! في ذلك اليوم العظيم يحاسب الله جل وعلا الخلائق ويجزي كلاً بعمله {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيدا} [آل عمران:30] في ذلك اليوم يعطى كل إنسان نتيجته وبينهم تفاوت في ذلك الموقف العظيم؛ منهم المسرور الفرح، ومنهم المظلوم الترح، أما المؤمنون فتبيض وجوههم، وتثقل موازينهم بالحسنات، ويردون حوض نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

حال أهل الجنة

حال أهل الجنة نعم. يا عباد الله! أما المؤمنون فتبيض وجوههم، وتثقل موازينهم بالحسنات، ويردون حوض نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم؛ الحوض الذي هو أشد بياضاً من اللبن, وأحلى من العسل، من شرب منه شربةً لا يظمأ بعدها أبداً، ويمرون على الصراط الذي وقف الأنبياء بجانبيه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم واقف على طرف الصراط ويقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم. أمة الإسلام! أين الاتعاظ؟! أين التذكار لذلك اليوم العظيم؟! يوم القيامة الذي قال الله فيه للمؤمنين المطيعين: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73] يتلقاهم خزنتها ويسلمون عليهم ويهنئونهم بسلامة الوصول إلى دار النعيم، هنيئاً لنا إن كنا منهم، ثم هنيئاً لنا إن كنا منهم، ويسلمون عليهم ويهنئونهم بالسلامة من عذاب الجحيم، يهنئونهم بما في الجنة من الخلود الأبدي فيما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من نعيم القلوب والأرواح والأبدان، وتمام ذلك أن يحل عليهم الرب جل جلاله رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً، ويقال لهم: {إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً} ولهم نعيمٌ أعلى وأجل من ذلك وهو التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع خطابه، والابتهاج برضاه، عند ذلك يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74].

حال أهل النار

حال أهل النار أمة الإسلام! يا من تريدون النجاة من النار، يا من تريدون أن تزحزحوا عن النار وتدخلوا الجنة، الله الله جدوا في المسابقة إلى طاعة الله، وإن طريقها يسير على من يسره الله عليه، هو الإيمان الصادق، والعمل الصالح، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي، والتوبة النصوح في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، والإنابة إلى الله تعالى في كل وقتٍ وحين، وكثرة ذكره ودعائه واستغفاره حتى تنجو من النار، وما أدراك ما النار؟ هي مأوى الكفار والمجرمين والمشركين والعصاة، ومأوى الملحدين فإنهم يخرجون من قبورهم قلقين فزعين مرعوبين خائفين {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31] فيحاسبهم الله على ما أسلفوا من الجرائم، ويجزيهم بين الخلائق، وعلى رءوس الخلائق، فتسود وجوههم، وتخف موازينهم من الحسنات، ويعطون كتب أعمالهم بشمائلهم، ويساقون إلى جهنم حفاةً عراةً قال الله تعالى في حقهم: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:70 - 71]. ويقول الله لهم أيضاً بعدما يسألونه بعد حين طويل: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ففي ذلك الحين يأخذون في الزفير والشهيق، وييئسون من كل خير ومن كل فرجٍ وراحة، ويستيقنون الخلود الدائم، والعذاب الأبدي المستمر. عباد الله! ما أشد شقاهم! وما أعظم عناهم! ينوع عليهم العذاب، تارةً يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب الأليم، وتارة بالزمهرير الذي بلغ من برده أنه يهرى اللحوم، ويكسر العظام، وتارة يعذبون بالعطش والجوع المفزع، ثم يسقون ويطعمون بالغسلين والزقوم والضريع، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع. فالحذر الحذر عباد الله! أنتم في وقت الإمهال، أنتم في هذه الدنيا في دار المزرعة والعمل فاعملوا صالحاً، اللهم وفقنا وأيقظنا من رقداتنا، اللهم ارزقنا الاستعداد لما أمامنا، اللهم نبهنا من غفلاتنا، اللهم نجنا من النار، وأدخلنا الجنة يا عزيز يا غفار! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

إلى متى الغفلة؟!

إلى متى الغفلة؟! الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشكره وأسأله من فضله العميم، وأعوذ به من نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه المسارعين إلى الخيرات، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله! إن الله جل وعلا قد حذركم من أليم عقابه، وتوعد العاصين بالنار؛ فاحذروا -عباد الله- النار فإنه لا صبر لكم عليها، ولا مهرب لكم منها ولا فرار، ولن ينجيكم منها إلا تقوى الله عز وجل، والتمسك بكتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. عباد الله! الله الله بادروا بالأعمال الصالحة لعلكم تنجون من عذاب النار. عباد الله! بينما الناس في كرب القيامة وأهوالها إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب، وأطلت عليهم نارٌ ذات لهب، وسمعوا لها تغيظاً وزفيراً من شدة الغضب، فعند ذلك أيقن المجرمون بالغضب، وجثت الأمم على الركب، عاين الظالمون سوء المنقلب، وخرج المنادي قائلاً: أين فلان بن فلان المسوف نفسه بطول الأمل، المضيع عمره في سوء العمل، المضيع عمره عند آلات اللهو عند الأغاني والتمثيليات، عند اللعب بالليل؛ لعب القمار والميسر، اللعب بالورق الذي والله ثم والله إن بعض الناس عادت حالتهم تحزن وتنذر بعذابٍ أليم، وتنذر بموت قلوبهم وبعدهم عن الله وعن شرع الله، أجل يا عباد الله كيف يسهرون طول الليالي مع اللعب ثم ينزل ربنا جل وعلا إلى السماء الدنيا وهم في لهوهم ولعبهم ساهون؟! إنها والله ماتت القلوب ولم تعمل للحي القيوم، فهذا والله ينذر بعذابٍ أليم، ولكن الناس لم يفكروا إذا أصابتهم المصائب والكوارث لأي شيء أصابتهم هذه الكوارث والمصائب ولو رجعوا لأنفسهم لرأوا أنهم هم الذين جنوا على أنفسهم باقتراف المعاصي والسيئات، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله وصدق الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. فأيها المسوف بالتوبة! أيها المضيع لعمره! استمع يوم القيامة إذا نادى المنادي: أين فلان بن فلان المسوف نفسه بطول الأمل؟ المضيع عمره في سوء العمل؟ فيبتدرونه بمقامع من حديد، ويسوقونه إلى العذاب الشديد، وما فيه من الزمهرير والصديد، فعياذاً بالله من النار وما فيها من العذاب. عباد الله! أسأل الله عز وجل أن يمن علينا جميعاً بالتوبة النصوح، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يوقظنا من رقدة الغفلة إنه على كل شيء قدير. صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشرا} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين', وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء. اللهم يا واحد! يا أحد! يا فرد يا صمد! يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تنزل بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، اللهم مزقهم تمزيقا، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم فإنه لا حول ولا قوة إلا بك، وحسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات في جنات الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والربا والزنا واللواط، والتبرج والسفور وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين! اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اكفنا شر الأشرار يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تذكروا

تذكَّروا إن الله جل وعلا قد حذرنا من أهوال يوم القيامة وما فيه، كي يستعد له المسلم بالأعمال الصالحة؛ فذكر الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والصراط وما بعده، وذكر تطاير الصحف، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله، وذكر الجنة ونعيمها، والنار وعذابها، كل ذلك للذكرى والاتعاظ والاعتبار، وهذا هو ما تكلم عنه الشيخ حفظه الله في خطبته هذه.

مواقف للذكرى والاعتبار

مواقف للذكرى والاعتبار الحمد لله الذي رفع قدر ذوي الأقدار عن الركون إلى هذه الدار، ومنح صفاء إحسانه لأهل تلك الدار، ونزَّل تصاريف الأقدار في أهل الجنة والنار، فسبحان مَن يسَّر كلاًّ لما خُلق له والذي قال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] أحمده سبحانه وأشكره، وللشكر على أصحاب الشكر آثار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الناصح الأمين، والبشير النذير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلِّم تسليماًَ كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. ويقول جلَّ وعَلا: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19]. ويقول جلَّ وعَلا: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:15 - 17]. ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعتُ مثلها قط، فقال صلى الله عليه وسلم: {لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. وزاد أبو ذر في روايته: ولَمَا تلذذتم بالنساء على الفُرُش، ولخرجتم إلى الصُّعَدات تجأرون إلى الله} وفي رواية: {عُرِضَت عليَّ الجنة والنار، فلم أرَ كاليوم من الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً}. فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، فطأطؤا رءوسهم ولهم خنين، أي: جعلوا يبكون؛ لأنهم -رضي الله عنهم- أدركوا بقوله صلى الله عليه وسلم: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً} أدركوا صوراً شتى ذَكَروا الجنة وما أعد الله فيها لأهلها من النعيم المقيم وذَكَروا النار وما فيها من النكال والعذاب الأليم ذَكَروا عظمة الجبار في انتقامه من الظالمين والعصاة ممن اتبع هواه وكان من الغاوين. وأنتم يا عباد الله! تذكروا أن الدنيا دار فناء ولا بقاء لها ولا لأهلها، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]! تذكروا النهاية المحتومة لكل حي، وما يكون في آخر المرحلة من نزع الروح والاحتضار، ومعاناة سكرات الموت! ويا لها من سكرات! تذكروا جمود العينين، ويَبْس اللسان! ووقوف الجنان عن النبضات! تذكروا وأنتم جثث هامدة، قد انقطعت منكم الآمال! تذكروا صورة البعث والنشور، وقيام الناس من قبورهم لرب العالمين! وقبل ذلك: تذكروا القبر! واعلموا أن عذاب القبر ونعيمه حق لا مرية فيه، إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. تذكروا قيام الناس من قبورهم لرب العالمين، حُفاةً عُراةً غُرْلاً في موقف القيامة وأهواله! تذكروا دُنُوَّ الشمس من الخلائق! تذكروا تطاير صحف الأعمال، إما إلى اليمين وإما إلى الشمال!

الصراط وما بعده

الصراط وما بعده تذكروا صورة المرور على الصراط منصوباً على متن جهنم، أنتم فوقه تسيرون وجهنم تحتكم تزفر! تذكروا الصراط ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عنده يقول: {اللهم سَلِّم سَلِّم}! تذكروا كلاليب جهنم، وهي تخطف الناس إلى الهاوية! تذكروا ذلك الصراط الذي هو أدق من الشعر، وأحد من السيف، يجتازه الناس على قدر أعمالهم، حتى يكون منهم من يُجْتَذَب إلى النار! وتذكروا صور العذاب في النار؛ من حر وسَموم، وزمهرير وزقوم! وتذكروا الزبانية الغلاظ الشداد! تذكروا أهلها ينادُون ويستغيثون، لهم فيها بالويل ضجيج، أمانيُّهم فيها الهلاك، وما لهم من أسر جهنم فكاك قد شُدِّت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ذل المعاصي ينادُون من فجاجها وشعابها بُكِيَّاً من تَعاظُم العذاب: يا مالك! قد أثقلنا الحديد يا مالك! قد نضجت منا الجلود يا مالك! قد تفلذت منا الكُبُود يا مالك! العدم خير من هذا الوجود يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود فيجيبهم بعد زمان: {قَالَ اخْسَئُوا فِيْهَا} [المؤمنون:108] ولا بد من الخلود! أين هذا البكاء وأنتم تكفرون؟! أين هذا البكاء وأنتم تزنون؟! أين هذا البكاء وأنتم تلوطون؟! أين هذا البكاء وأنتم تغشون وتخدعون وتمكرون؟! أين هذا البكاء وأنتم تمترون؟! ثم يجيبهم الله جلَّ وعَلا قائلاً مصداقاً لقولهم: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:77 - 78]! تصوَّر يا عبد الله! إن كنت عاصياً ومِتَّ على غير توبة، تذكر نفسك وأنت في أودية جهنم تهيم، ومن طعامها وشرابها تأكل صباحاًَ ومساءًَ! تذكر إن مت على المعاصي والذنوب! تذكر جسمك هل يتحمل هذا العذاب!

الجنة وما أعده الله للمتقين فيها

الجنة وما أعده الله للمتقين فيها عباد الله: تذكروا أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم، والسعادة الأبدية، التي لا يعتريها نقصٌ، ولا زوالٌ، ولا انحلالٌ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا} [الكهف:107 - 108] يا عبد الله، أين عقلك؟! فرِّق يا مسكين! فرِّق بين النعيم والجحيم! {خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:108]. يا غشاش لنفسه! فرِّق بين الجنة والنار، وبين الصحيح والسقيم. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: {أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر. ثم قال صلى الله عليه وسلم: اقرءوا ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]} عباد الله: إنها الجنة! التي لا يَخْرب بنيانها، ولا يَهْرَم شُبَّانها، ولا تبلى ثيابهم، سالمة من الأنجاس، والأكدار، والتنغيصات، والأمراض، والأسقام: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:25 - 26]. ويقول الله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:15]. اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، ولا تجعلنا من أهل الجحيم يا رب العالمين. عبد الله: تزوَّد واستَعِد، فإن أمامك سفر طويل، ومكث في القبور لا يعلم مدته إلا الله، وجليسُك فيه الأعمال، فإن كانت صالحة؛ فهنيئاً لك، وإن كانت سيئة؛ فيا ويلك على مر الأزمان. اللهم أحسن ختامنا يا رب العالمين، اللهم أحسن ختامنا يا رب العالمين، واجمعنا ووالدِينا ووالدِي والدِينا وجميع المسلمين والمسلمات في جنات النعيم يا رب العالمين. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

نشر الصحف وشهادة الأعضاء على الإنسان

نشر الصحف وشهادة الأعضاء على الإنسان الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ؛ أحمده سبحانه القائل عن نفسه: {لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلَّم تسيلماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281]. اتقوا يوماً يوضع فيه الكتاب، وتلاقُون فيه الحساب، يوماً يُنشر لكم فيه واضحاً ملف أعمالكم، وديوان حصيلتكم من خير أو شر {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. ويقول جلَّ وعَلا: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13 - 14]. ويقول جلَّ وعَلا: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]. روى الإمام مسلم -رحمه الله- عن أنس رضي الله عنه قال: {كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم! قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب! ألَمْ تُجِرني من الظلم؟! فيقول سبحانه: بلى. فيقول: إني لا أقبل اليوم شاهداً إلا مني. فيقول تعالى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] والكرام الكاتبين شهوداً. فيُختم على فيه، فيقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله -نعوذ بالله من الخزي والندامة، ونعوذ بالله من الفضيحة يوم القيامة- ثم يُخَلَّى بينه وبين الكلام، فيقول: بُعْداً لكن وسُحقاً! فعَنْكُنَّ كنت أناضل}. فاتقوا الله -يا عباد الله- من ذلك اليوم العظيم، والهول الجسيم، اتقوا ذلك الموقف الذي ستُقْدِمون فيه للمساءلة والمحاسبة، وسيُوقَف كل منا بين يدي الله عزَّ وجلَّ متخلياً عنه أقرب قريب، وأصدق صديق، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. عباد الله: اسألوا الله عزَّ وجلَّ أن يخفف عليكم الحساب، واسألوه أن يحسن لكم الخاتمة، ودائماً أكثروا من قول: يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك. حتى تلقوا ربكم، وأكثروا من قول: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، محمد بن عبد الله الذي أمركم الله أن تصلوا عليه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل. اللهم أذل الشرك والمشركين اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، بعيدين أم قريبين يا رب العالمين. اللهم انصر دينك، وأعلِ كلمتك اللهم انصر الموحدين من عبادك، واجمع قلوبهم على الحق يا رب العالمين، ووحِّد صفوف المسلمين أجمعين اللهم اجعلهم يداً واحدة على من عاداك، وعادى رسولك، وعادى المؤمنين يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المؤمنين، اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك، اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، اللهم قد قلت وقولك الحق: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وأنت يا ربنا لا تخلف الميعاد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، نسألك أن تغيثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سَحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم انشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا وإليه المعاد! اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أرسل السماء علينا مدراراً. لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، أنت ولينا في الدنيا والآخرة. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، يا مغيث اللهفات، ويا مفرج الكُرُبات، ويا مُوْهِِن الشدائد والبليات، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اللهم انشر رحمتك على العباد. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. اللهم رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وسلِّم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين.

تذكروا قصة الثلاثة

تذكروا قصة الثلاثة إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق بطبيعتهم في التفريط والتقصير، وقد قال رسول الله: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولأتى بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) ففي هذا ظهور للرحمة والمغفرة من الله على عباده. والواجب على كل من عصى الله أن يقلع عن معصيته ويصدق مع الله، ويتوب التوبة النصوح، حتى لا يدركه الموت وهو على غير طاعة الله، فيختم له بخاتمة السوء.

قصة الثلاثة الذين خلفوا

قصة الثلاثة الذين خلفوا الحمد لله رب العالمين، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وبادروا بالتوبة إلى الله ما دمتم ممهلين. عباد الله! إن للتوبة النصوح شأناً عظيماً، فإن التائب يكون عنده إقبال على طاعة الله عز وجل، وهذا من علامة قبول التوبة، وكذلك التائب يكون من أحباب الله عز وجل، وإذا أحبه الله وضع الله له القبول في الأرض، فأحبه أهل السموات والأرض. عباد الله! إن للتوبة النصوح شأناً عظيماً، قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118]. عباد الله! من هم هؤلاء الثلاثة؟ يفسر لنا هذه الآيات أحد الثلاثة وهو كعب بن مالك رضي الله عنه فيقول: {لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحداً تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أعظم في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، وغزاها صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدداً كبيراً، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ، فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن ذلك أنه سيخفى عليه ما لم ينزل به وحي من الله. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعِّر -أي: أميل، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معه، فأرجع ولم أقض شيئاً، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، حتى إذا أردت فما يزال يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، ولم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتطارق الغد، فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت! ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه بالنفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بـ تبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئس ما قلت فيه، والله يا رسول الله! ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك رأى رجلاً مبيضاً يجول به السراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري. قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غداً، وأستعين بذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، حتى أردت أني لم أنج منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً، فقبل منهم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي، حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ أي اشتريت، قال: قلت: يا رسول الله! إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر فلقد أعطيت جدلاً، ولكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، وإن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل، ما كان لي من عذر يا رسول الله، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك. وسار رجال من بني سلمة فتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا، لقد عجزت في ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي. ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقدي، قال: فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدراً فيهما أسوة، قال: فمضيت حينما ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني. قال: حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة؛ وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك الله! هل تعلمني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فسكت، فعدت مناشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، فتوليت حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بـ المدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون إليّ، حتى جاءني فدفع إليّ كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً؛ أي: أقرأ، فقرأت فإذا فيه، أما بعد: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله في دار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت حين قرأتها: وهذه أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها. حتى مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني رسول الله أرسل إلينا- يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضايع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا. ولكن لا يقربنك. فقالت: والله ما به من حركة إلى شيء، فوالله ما زال يبكي منذ أن كان من أمره ما كان إلى يومه. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟}.

توبة الله على الذين خلفوا

توبة الله على الذين خلفوا {قال كعب: فلبثت بذلك عشر ليال، تكمل لنا خمسون ليلة، من حين نهى عن كلامنا، ثم صليت صلاة الفجر، صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا، قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر، يا كعب بن مالك! أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أنه قد جاء الفرج. فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إليّ فرساً، وسعى ساع من أسلم قبليّ، وأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلقاني الناس فوجاً فوجاً، يهنئونني بالتوبة ويقولون لي: لتهنئك التوبة، لتهنئك توبة الله عليك. فدخلت المسجد وإذا برسو ل الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لـ طلحة. قال كعب: ولما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا. بل من عند الله عز وجل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، فقلت: إني ممسك سهمي الذي بـ خيبر. فقلت: يا رسو ل الله! إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى بما بقي، قال: فأنزل الله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:117 - 119]. قال كعب رضي الله عنه: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين سبقوا}.

فوائد من قصة الذين خلفوا

فوائد من قصة الذين خلفوا الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

أهمية الصدق مع الله

أهمية الصدق مع الله أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وكونوا من الصادقين، اصدقوا مع الله واصدقوا مع عباد الله {فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}. أيها المسلمون! إن الصدق بجميع أنواعه محبوب، وإن الصادق محبوب إلى الله وإلى الخلق، إن الله يرفع ذكره، ويزيد أجره، وإن أبين دليل على ذلك ما يحصل من ثناء الناس على الصادقين، في حياتهم وبعد مماتهم. نعم. أهل الصدق أخبارهم مقبولة، وأماناتهم موثوقة، يكفي لذلك ما حصل لـ كعب بن مالك رضي الله عنه عندما صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الله ذكره، وأنزل في شأنه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة. نعم يا عباد الله! إن هذه هي الغبطة، والنعمة والفائدة الكبيرة.

مشروعية هجر أهل الفسق والمعاصي

مشروعية هجر أهل الفسق والمعاصي عباد الله! لقد سمعتم ما حصل لهؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم من الهجر والمقاطعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الصحابة رضي الله عنهم، ومن أقاربهم؛ وذلك من تمام الإيمان، امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هجروهم وقاطعوهم، حتى ضاقت الحال، وتراكمت الكربات، وضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، حتى جاء الفرج من الله، فتاب الله عليهم، وأعلنت توبتهم في كتاب الله، تتلوها الأمة إلى يوم القيامة. أما الذين نافقوا وكذبوا الله ورسوله فأنزل الله فيهم: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:95 - 96]. أيها المسلمون! اعتبروا بهذه الآيات، يا ليتنا نطبق هذا الأدب الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة. هل نهجر تارك الصلاة؟ هل نهجر المتخلف عن الصلاة؟ هل نهجر الفساق الذين أعلنوا فسقهم بين الناس بدون حياء ولا خوف من الله؟ إذا أردنا أن نتبع هدي محمد صلى الله عليه وسلم فلنهجرهم ولننابذهم حتى يرجعوا إلى الله ويتوبوا إليه، اعتبروا بهذه الآيات وطبقوها يا عباد الله، وانظروا ما تختارون لأنفسكم، فلن يرضى المؤمن إلا أن يكون مع الصادقين المتقين. عباد الله! صلوا على الناصح الأمين، صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين يا رب العالمين! اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم قيض لولاة أمور المسلمين جلساء صالحين ناصحين وعلماء عابدين يدلونهم على كل خير ويحذرونهم من كل شر يا رب العالمين! لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك، ارحمنا اللهم بواسع رحمتك يا أرحم الراحمين! ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم إنك قلت وقولك الحق {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغثياً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا سقيا رحمة، اللهم اسقنا سقيا رحمة، اللهم لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم أنت أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأرحم بنا من أنفسنا، يا أرحم الراحمين! اللهم لا تردنا خائبين، ولا من رحمتك آيسين، ولا من عطائك مفلسين، اللهم ها نحن عبادك ببابك واقفين، اللهم لا تردنا خائبين، يا إله الأولين والآخرين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا هدم، ولا بلاء ولا غرق، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على واسع نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

احذروا الفتن

احذروا الفتن لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع في آخر الزمان من الفتن والمحن، وهاهو عصرنا يشهد بعضاً منها؛ كقلة العلماء وكثرة أهل الضلال، والشح والطمع وإضاعة الأمانة، والحرص على اكتساب المال من حلال أو حرام وهذا هو ما تحدث عنه الشيخ، وبين أهمية محاربة الفتن والحذر منها، وترك الشبهات، واكتساب المال الحلال.

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتن آخر الزمان

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتن آخر الزمان الحمد لله عالم السر والنجوى، أحاط علماً بجميع الكائنات فلا تخفى عليه خافية، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، المبين عن ربه شرعه المنتقى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن لنهجهم اقتفى وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واحذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن. أمة الإسلام: تمسكوا بدينكم، واحذروا مما يصدكم عنه من مال وأهل وولد: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:28]. أمة الإسلام: احذروا فتنة القول وفتنة العمل، وفتنة العقيدة والآراء الهدامة والمشاهدات السيئة؛ فإن ذلك كله يصدكم عن دينكم، ويوجب هلاككم والعياذ بالله. أمة الإسلام: انظروا إلى سلفكم الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، واسلكوا طريقهم؛ فإنكم بذلك أمرتم، وبذلك تفلحون، إن شاء الله. ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بما سيكون إلى قيام الساعة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بفتن في آخر الزمن، أخبرهم لعلهم يحذرون ويتقون ويرجعون إلى ما كان أسلافهم عليه ويتمسكون به، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة الدين بما يحدث من المغريات المادية والفكرية، فقال صلى الله عليه وسلم: {بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا}. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة الجهل والطمع والفوضى، فقال صلى الله عليه وسلم: {يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرجْ قالوا: يا رسول الله! وما الهرج؟ قال: القتل} متفق عليه.

قلة العلماء وكثرة أهل الضلال

قلة العلماء وكثرة أهل الضلال أمة الإسلام! لقد كاد أو قرب قبض العلم، وقل العلماء؛ قل العلماء الربانيون، قلّ أهل الخشية لله تعالى، وأهل الهداية، إن العلم حقيقة هو العلم النافع؛ الذي يكون صاحبه قدوة في الخير والصلاح والزهد والروع، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين. لقد ظهرت الفتن شتى من كل نوع ومن كل جهة ظهر الطعن في الإسلام، والتشكيك في الدين، وتزييف الناس فيه، وسلب محبته من قلوب الناشئين، ومحاولة إبعادهم عن هذا الدين الحنيف بكل المحاولات والمغريات المعروفة والتي انتشرت بين الخافقين بكثرة. أيها المسلمون: لقد تصاعدت الفتنة من جزئيات الدين وفروعه إلى أصوله وأركانه، وتطورت الفتنة من الأفراد والأقليات، وتلك طامة كبرى، ومصيبة عظمى، أن تتدرج الفتن هذا التدرج، وتتوسع هذا التوسع في حجمها وشكلها اللهم إنا نسألك الثبات على الإسلام، اللهم إن نسألك الثبات على الإسلام، اللهم إن نسألك الثبات على الإسلام. أيها الإخوة في الله: شيوعية، ويهودية، وماسونية، ونصرانية، وإلحادية، ومجوسية، ووثنية؛ كل هؤلاء يحاولون الوثب على الإسلام، ولكن نسأل الله الحي القيوم أن يجعل شرورهم في نحورهم، وأن يردهم خائبين إنه على كل شيء قدير. أمة الإسلام: كونوا على يقظة مما يدبره لكم الأعداء، ومما يجتمعون من أجله ليصدوكم عن دينكم، فهذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: {قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير الذي جئت به من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: وهل بعد ذلك من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا} فقد ظهر هذا -يا عباد الله! - ولكن خذوا حذركم، وتمسكوا بكتاب الله وبهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

الشح والطمع وإضاعة الأمانة

الشح والطمع وإضاعة الأمانة عباد الله: لقد ألقي الشح والطمع في قلوب بعض العباد؛ حتى منعوا الزكاة المفروضة، والنفقات الواجبة، وطمع البعض من الناس فيما ليس لهم به حق، وكثرت الفوضى والقتل، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فتنة الأمانة، وأنها سترفع في آخر الزمان حتى لا تكاد ترى أميناً. ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلقد قبضت الأمانة إلا ما شاء الله، ولقد صار الأمناء يعدون بالأصابع، فترى القبيلة ليس فيها إلا أمين واحد، والرجل يعجبك في عقله وظرفه وجلده، لكن ليس في قلبه إيمان؛ لأن الأمانة نزعت منه، ومن أراد أن ينظر إلى هذا ويتحقق منه؛ فليدخل إلى أسواق المسلمين، ويرى ما فيها. ولقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة} رواه البخاري.

الحرص على المال وكسب الحرام

الحرص على المال وكسب الحرام عباد الله: ألا وإن من الفتن الكبيرة العظيمة: فتنة المال، وقلَّ من يسلم منها، قلَّ من يأخذ المال من وجهه ويصرفه في وجهه المشروع، فكان عند الكثير من الناس الحلال ما حل في يده بأي طريق كان، والمصروف منه ما صرفه في هواه ولو في الحرام، نستجير بالله من مضلات الفتن. قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: {ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من الحرام} رواه البخاري. ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الكثير من الناس لا يبالون بالمال من أي وجه اكتسبوه، وكأنما خلقوا للمال وللدنيا، ولا حساب عليهم في ذلك ولا عقاب، يكسبون المال بالغش وبالكذب وبالرشوة وبالربا صريحاً أو خداعاً أو حيلة، ويكتسبون المال بالدعاوى الباطلة، وما أكثرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بالمحاماة وبغيرها، فيدَّعون ما ليس لهم، ويجحدون ما كان عليهم، ولا يؤدون أعمالهم الوظيفية، ويأخذون المرتبات كاملة من غير نقص، كل هذه الطرق التي دخل معها المال فإنه حرام لا خير فيه، وعاقبته العذاب والنكال: {وأيما جسم نبت من السحت فالنار أولى به}.

محاربة الفتن والاستعاذة بالله منها

محاربة الفتن والاستعاذة بالله منها احذروا -أيها المسلمون- هذه الفتن واجتنبوها ما دمتم في زمن الإمكان قبل أن يهجم عليكم هادم الذات. احذروا الفتن وحاربوها، فإنها إذا ظهرت عمت المجتمع كله، وأصابت الصالح والفاسد، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25] تقول زينب أم المؤمنين رضي الله عنها: {استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمراً وجهه، يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها- قالت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث} رواه البخاري. أمة الإسلام: لقد أمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم أن تستعيذوا بالله من الفتن في كل صلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {إذا تشهد أحدكم -أي: قرأ التحيات- فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جنهم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال}. اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وأذهب غيظ قلوبنا، اللهم أذهب غيظ قلوبنا، اللهم أجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

ترك الشبهات والحرام واكتساب الحلال

ترك الشبهات والحرام واكتساب الحلال الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واحرصوا على الحلال الطيب، وجانبوا الحرام وابتعدوا عنه، واسمعوا إلى الناصح الأمين، وهو يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه لنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فلسد الجسد كله، ألا وهي القلب}. ومع الأسف الشديد أن الكثير من الناس استسلموا لشهواتهم، فقادتهم إلى مسالك خطرة، وسبل ملتوية مظلمة، ومن أخطر هذه الشهوات: حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، والاندفاع وراءها في كل طريق، والتعلق بالشبه الواهية لتحصيل المال من أي وجه، ولقد تعددت في زماننا هذا أبواب المال الحرام وكثرت، ووقع فيها الكثير، فأهلكوا بذلك أنفسهم وأهليهم، ومن المصادر الخبيثة المحرمة: أكل الربا والتعامل به، والغش، والخداع، والكذب، والخيانة، والرشوة، والتزوير، ويبع آلات اللهو بجميع أنواعها، وبيع الدخان الذي يباع مع الأطعمة في محلات التموينات مع الأسف الشديد، ولكن المنخدع بهواه، الذي غش نفسه، إذا قيل له في الدخان، قال: أعطونا الدليل، وكم ذكرت له الأدلة في ذلك؛ فبيع الدخان حرام، وشرب الدخان حرام، وهو لا يقل عن ثمن المسكرات. كذلك ثمن تصوير ذوات الأرواح، وثمن الصور ذوات الأرواح محرم يا عباد الله! فاكتسبوا الحلال من طرقه واجتنبوا الحرام. اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك. يا عباد الله: إذا أكل الإنسان الحلال، وشرب الحلال، ولبس الحلال، وتغذى بالحلال، ورفع يديه إلى رب العزة والجلال، يقول: يا رب! يا رب! يقول الرب جل وعلا: لبيك وسعديك، يسأله فيعطيه، ويتصدق فيقبل منه، ويصلح له النية والذرية، أما إذا كان المأكل من الحرام، والمشرب من الحرام، والملبس من الحرام، والغذاء حرام، فأنى يستجاب لذلك. اللهم أصلح أحوالنا وأعمالنا وأقوالنا واجعلنا هداة مهتدين. عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على من بعثه الله بشيراً ونذيراً، أكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله أن تصلوا عليه في محكم البيان فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلَّ الله عليه بها عشراً}. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحابه أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أحصهم عدداً، اللهم اقتلهم بدداً، اللهم لا تبق منهم أحداً، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام! اللهم يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما تريد، نسألك بعزتك التي لا ترام، وبقوتك التي لا تضام، يا حي يا قيوم، من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، واغفر لآبائنا وأمهاتنا، واجمعنا وإياهم في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين. عباد اللهّ! يا أهل المجوهرات! يا أهل الذهب! اسمعوا يا من تبيعون الذهب بالدين؛ فإنه حرام ولا يجوز، فلا يجوز بيع الذهب إلا يداً بيد، وتقابض في المجلس، فمن أدان صاحبه أو صديقه فذلك رباً لا يجوز، وهذه المعاملات تدور عند كثير من الذين يبيعون الذهب إذا أتاه صديقه أو قريبه قال: خذ من الذهب ومتى ما يسر الله عليك أعطنا القيمة، فهذا حرام ولا يجوز، فاحذروا من هذا، يا من تبيعون الذهب! أسأل الله أن يجعلنا ممن يأكل الحلال، ويشرب الحلال، ويتغذى بالحلال، إنه على كل شيء قدير. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الاتحاد وجمع الكلمة

الاتحاد وجمع الكلمة لقد أوجب الله علينا أمراً عظيماً ننال فيه كل غاية مثلى، هو مصدر عزنا ومجدنا، ألا وهو الاتحاد والاجتماع ونبذ الفرقة والعصبية، فالاتحاد أساس كل سعادة وتقدم ورقي، وتاريخ سلف الأمة الإسلامية خير شاهد ودليل على ذلك، فلقد عاشوا في عز منيع وشرف رفيع، ولما شاعت فينا الفرقة والاختلاف، وصلنا إلى هذه الحالة من الذل والهوان، ولن نستطيع أن نصل إلى ما وصلوا إليه من الرفعة والعزة والمجد، إلا باتباع الكتاب والسنة والاجتماع ونبذ الفرقة.

الاتحاد وجمع الكلمة مصدر عز الأمة

الاتحاد وجمع الكلمة مصدر عز الأمة الحمد لله ألّف بالإسلام قلوب المؤمنين، وأوجب عليهم الاتحاد، وحرم عليهم التفرق في كتابه المبين، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا هو العزيز الحكيم، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خير داعٍ إلى الطريق القويم، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين صَفَتْ قلوبهم، واتحدت كلمتهم، والتقت أهدافهم في مصب واحد، وهو إعلاء كلمة الله، وعلى من تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين، وسلم تسيلماً كثيراً. أما بعد: يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:102 - 103]. أيها المسلمون! إن كتاب الله هو حبله المتين والحق المبين؛ من وقف عند حدود كتاب الله نجا، ومن تحلى بآداب القرآن سعد، ومن تمسك بالقرآن فقد هُدي إلى الصراط المستقيم، وإن الله جلت حكمته قد أوجب عليكم في القرآن أمراً عظيماً، أنتم أطعتم الله فيه، ونفذتم الأوامر، وقمتم بحقوق الله؛ نلتم من الخير ما تحبون، وبلغتم الغاية المثلى التي تطلبون، وذلك بأن تتحد القلوب، وتتآلف النفوس، ونتعاون على الخير فيما بيننا، ونرمي بالعصبيات والجاهليات عرض الحائط، وندفن القومية والعصبية والتفرق مع الجاهلية الأولى التي دفنها الإسلام.

الاتحاد أساس السعادة والرقي

الاتحاد أساس السعادة والرقي أمة الإسلام: إن الاتحاد هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي، فالصحابة رضوان الله عليهم ليسوا من صلب واحد، ولا من أب وأم واحدة، إنهم من أقطار متفرقة، ولكن اجتمعوا تحت ظل لا إله إلا الله محمد رسول الله، اجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالاتحاد -يا أمة الإسلام- هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي، والتاريخ الإسلامي يشهد لما جاء به الدين الإسلامي من أن الخير كل الخير في اجتماع الكلمة والتضامن، وتوحيد الصفوف، والتضحية بالمصالح الشخصية والرغبات الفردية في سبيل المصلحة العامة، فما نالت أمة من الأمم نصيباً من التقدم في شيء من شئونها إلا باجتماع الكلمة. يا أمة الإسلام! على كل فرد مسلم واجب يؤديه، ووظيفة يجب أن يقوم بها لصالح الجميع؛ لأن كل فرد من أمة المسلمين على ثغر من ثغور الإسلام، فيجب أن يقوم بوظيفته ويؤديها بأمانة وإخلاص ووفاء. عباد الله: فحذارِ حذارِ من التنازع والتفرق؛ فإنهما والله لمن الجنايات العظمى، والجرائم الكبرى، التي قد يدخل ضررها على العجائز في أقصى بيوتهن، نعم والله إنهما لمؤذنان بوخامة العاقبة وسوء المصير، يقول الله سبحانه وهو أصدق القائلين: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. يا عباد الله! اتقوا الله واجتنبوا التنازع والاختلاف والتفرق؛ فإن ذلك مبلبلٌ للأفكار، مهرقٌ للدماء، مؤججٌ لنار العداوة والبغضاء، وما أدراكم ما العدواة والبغضاء؟! هي والله الغزو الموحش والحرب الطاحنة، التي طالما هزت أركاناً راسية، وأودت بمصالح، وكشفت عن خبايا. يا أمة الإسلام: اتقوا الله واعملوا على ما يجمع كلمتكم، ويقرب وجهاتكم، فذلك أول عدة تعتدونها لقتال أعداء الإسلام، وابتعدوا جميعاً عن مغريات الأعداء التي يزرعونها في صفوف المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها؛ ليضلوكم بها عن سبيل الله، ويبعدوكم عن دينكم الحنيف، وعن أخلاقكم، وعن المثل العليا التي جاء بها الإسلام ورسم لنا خطتها.

أهمية توحيد الصفوف ونبذ الفرقة

أهمية توحيد الصفوف ونبذ الفرقة أيها المسلمون! ما نال سلفنا الصالح في ماضيهم ما نالوه من عز منيع، وشرف رفيع، بكثرة أعدادهم، ولا بتوفر عددهم ولا بصواريخهم، ولا بطائراتهم النفاثة، ولا بقنابلهم الذرية، ولكن نالوا ذلك بالإيمان بالله، فهو العدة القوية، والسلاح القويم؛ الإيمان بالله، وتوحيد الصفوف، ولَمِّ الشعث فيما بينهم، حتى أصبحوا يداً واحدة، ولساناً واحداً، ينبروا لصالح الإخاء والإخلاص الذي أطاح بعروش الظلم والعدوان -عروش كسرى وقيصر- ونشر لواء العدل والمساواة في أرجاء المعمورة. وأما الآن -أيها المسلمون- فإن الحالة يرثى لها؛ لأن بعض المسلمين استبدل بحكم الكتاب والسنة الحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها أعداء الإسلام من آرائهم، ونطقت بها أفواههم، معرضين عن كلام رب العالمين؛ الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، معرضين عن سنة رسول الله التي هي أوضح من شمس النهار، لا يزيغ عنها إلا هالك، واستبدل البعض بالقوانين، واستبدل البعض بالأحزاب البعثية، واستبدل البعض بـ الاشتراكية، واستبدل البعض بـ الشيوعية إلى غير ذلك من الأعمال التي نجح بإدخالها أعداء الإسلام، وهي مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {افترقت اليهود والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة؛ ما أنا عليه وأصحابي}. أمة الإسلام! لقد نجح أعداء الإسلام بإدخال تلك المزيفات على الإسلام والمسلمين، وقد أعانهم عليها الشياطين الذين تلبسوا بالإسلام وليسوا من الإسلام في شيء، وإنما هم أعوان للشياطين. يا عباد الله: اتقوا الله واعملوا على ما يجمع الكلمة، ويوحد الصفوف، ويكون الهدف والغاية، تحت ظلال لا إله إلا الله محمد رسول الله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]. اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ألّف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، يا ذا الجلال والإكرام. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين -الأحياء منهم والأموات- من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

سلف الأمة وخلف اليوم تجاه الكتاب والسنة

سلف الأمة وخلف اليوم تجاه الكتاب والسنة الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله! اتقوا الله، يقول الله جل وعلا في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] دليل واضح من كتاب الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] إذا غيروا الطاعة بالمعصية، غير الله عليهم الرحمة عذاباً وتسليط أعداء. أيها المسلمون! لقد كانت الأمة الإسلامية فيما مضى متمسكة بكتاب الله، عاملة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيحة في عقائدها، صالحة في أعمالها، حسنة في معاملاتها وعاداتها، كريمة في أخلاقها، بصيرة في أمر دينها ودنياها، وراقية في آدابها وعلومها، عزيزة الجانب، قوية الشوكة، صاحبة سلطان وصولة على من عادها. واليوم أيها المسلمون! كثر عدد المسلمين، وقلّ العمل بالكتاب والسنة، وتبدلت الأحوال، واختلت العقائد، وفسدت المعاملات، وتدهورت الأخلاق، وتأخرت العلوم، وصارت الأمة ذليلة الجانب، ضعيفة الشوكة، فاقدة الهيبة، تتخبط في ظلمات الجهل، وتنقاد للخرافات والأوهام، والتيارات الهدامة والدعايات الزائفة، وما ذاك -يا أمة الإسلام- إلا لأنها خالفت كتاب رب العالمين، وانحرفت عن طريق الهادي الأمين، محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وسارت وجرت وراء أهوائها، واكتفت بزخارف الحضارة والمدنية الزائفة، وأدخلت في مدارسها علوم الإفرنج والغربية، وصارت أكثر تداولاً في أيدي الطلاب، حتى صار البعض الذين لا يفرقون بين الحق والباطل يوالون أعداء الإسلام، ويأخذون بأفكار أعداء الإسلام الزائفة، وأخلاقهم البشعة التي لا تتفق مع التعاليم الإسلامية، ولا مع الأخلاقه السامية التي جاء بها رسول البشرية صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: {إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق} وصدق الله حيث يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فلك الحمد يا ربنا على نعمة الإسلام، وتباً ثم تباً وخسارة لمن ابتغى غير الإٍسلام ديناً. وصلوا على رسول الله -أيها المسلمون- امتثالاً لأمر الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ولقوله صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومنقذنا ومخرجنا من الظلمات إلى النور، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً كريماً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أمدهم بنصرك المبين وتأييدك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا ولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد أمة الإسلام عامة يا رب العالمين. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الأضحية

الأضحية إن المتأمل في سيرة الخليل إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله ليعلم عظم ما حصل له من الابتلاء والامتحان، ومن هذا الابتلاء رؤياه حيث أمره ربه أن يذبح ولده إسماعيل، فلما امتثل أمر ربه نجى الله إسماعيل وفداه بذبح عظيم، فصارت سنةً سار عليها إبراهيم عليه السلام ونبينا صلى الله عليه وسلم من بعده، وفي هذه المادة تجد عرضاً سريعاً لذلك، وتذكيراً نافعاً بما هنالك

ملامح من حياة إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله

ملامح من حياة إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله الحمد لله، الحمد لله الذي شرع لعباده التقرب إليه بذبح القربان، وذكر النحر والصلاة في محكم القرآن. وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ذو الفضل والامتنان والإحسان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل من قام بشرائع الإسلام، وأفضل من حقق الإيمان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فنحن في استقبال يوم الحج الأكبر، وعيد الأضحى المبارك، الذي حصلت فيه السنة التي سنها أبو الأنبياء أبونا إبراهيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وحذا حذوه واقتدى به نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام: لقد حصل لأبينا إبراهيم الكثير من الابتلاء والامتحان، فقد جاهد في الله حق الجهاد. ففي أول أمره لما عرف اللهَ حق المعرفة، وعرف أن قومه على غير حق حتى أبُاه، الذي كان من أكبر الكفار، وأنهم ضالُّون بعبادتهم الأوثان من دون الله، عزم وشمر عن ساعدَيه مستعيناً بالله الحي القيوم على تكسير الأصنام التي يعبدونها من دون الله، فوثب عليه قومه، وصارت المخاصمة والمؤامرة بينه وبين القوم، ونصره الله الذي وعد بالنصر: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:51] ونصره الله عليهم بحجته الظاهرة، فلجئوا إلى القوة لينصروا ما هم عليه من السفه والطغيان، فكادهم الرب جل وعلا، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه، كما قال جل وعلا: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:68 - 70]. وذلك بأنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع الأماكن، حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحرق إبراهيم، ثم عمدوا إلى أخاديد عظيمة فوضعوا فيها الحطب، وأشعلوا فيها النار، فاضطرمت وتأججت والتهبت، وعلا لها شررٌ لَمْ يُرَ مثله قط، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجلٌ من الأقباط، وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. وهكذا كل مَن سن سنة سيئة فسوف يعاقبه الله، ومن سن سنة حسنة فسوف يُعْظِم الله له الأجر. أمة الإسلام: لما سن ذاك الخبيث تلك السنة التي وُضع فيها إبراهيم ليُلْقُونه في النار، جعل الله عقوبته أن خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. ثم أخذوا يقيدون إبراهيم ويكتفونه وهو في كفة المنجنيق، وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك أنت رب العالمين، لا إله إلا أنت سبحانك أنت رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، فلما ألقوه في النار قال: حسبي الله نعم الوكيل. لذلك يقول بعض المفسرين: لما عرض لإبراهيم جبريل عليه السلام وهو في الهواء قال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا؛ لأنه فوَّض أمره لله القادر على كل شيء. يقول ابن عباس رضي الله عنه: [[إن ملك المطر كان يقول: متى أؤمَر فأرسِل المطر لأطفئ النار عن إبراهيم؟!]] ولكن أمر الله أرحم الرحمين، القادر على كل شيء، الذي بيده أزِمَّة الأمور، أسْمَعُ وأسْرَعُ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69]. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[برداً وسلاماً، أي: لا تَضُرِّيْه]]. قال بعض المفسرين: لولا أن الله تعالى قال: {وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] لآذى إبراهيم بردها، ولكن جعلها برداً وسلاماً حتى صار إبراهيم في مثل الجوبة حوله نار وهو في روضة خضراء، والناس ينظرون ولا يقدرون الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم. ويُروى أن والد إبراهيم، الزنديق الملحد الكافر الخبيث، لما نظر إلى إبراهيم في تلك الروضة قال: نِعْم الرب ربك يا إبراهيم! أمة الإسلام! هذا جزاء مَن يصبر على الدعوة إلى الله، فإن الله لا يضيعه، قال الله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:51]. يروى أن إبراهيم مكث في المكان الذي ألقوه فيه أربعين أو خمسين يوماً، وأنه قال: ما من أيام وليالي أطيب عيشاً منها إذ كنت فيها، وودت أن عيشي وحياتي كلها مثل ذلك.

هجرة إبراهيم عليه السلام من بلاد قومه وبناء البيت العتيق

هجرة إبراهيم عليه السلام من بلاد قومه وبناء البيت العتيق بعد ذلك وغيره من الابتلاء والامتحان هاجر إبراهيم عليه السلام من بلاد قومه، وبنى البيت العتيق هو وابنه إسماعيل عليهما السلام، حتى صار مأوىً يأوي إليه الناس تلبية لنداء إبراهيم حيث أمره الله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] وأجاب دعوته حين قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم:37]. فأجاب الله تلك الدعوة، وصار البيت العتيق مأوىً للمسلمين يأوون إليه كل عام.

حادثة الذبح والفداء

حادثة الذبح والفداء لمّا هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشره الله تعالى بغلامٍ حليم، وهو إسماعيل عليه السلام، وهو أول ولدٍ ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمره عليه السلام، فلما بلغ معه السعي؛ أي شب وترعرع وصار يسعى في مصالح أبيه؛ رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده إسماعيل، ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي، وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله بأن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر في السن، فامتثل أمر الله في ذلك، وسعى إلى طاعة رب العالمين، ثم عرض ذلك على ولده إسماعيل ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسراً، ويذبحه ظهراً قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] ما قال الغلام: أبتاه! أريد مشاورة أصدقائي، أريد أن أشاور الزوجة، بل بادر الغلام الحليم والده الخليل: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]. الله أكبر! لا إله إلا الله! هذا الجواب -يا عباد الله- في غاية التذلل والخضوع لأمر الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103] أسلما أمرهما إلى الله، الوالد أسلم أمره لطاعة الله، والابن أسلم أمره لطاعة أبيه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] أي: ألقاه على وجهه، قال بعض المفسرين: أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده وهو يذبح فتدركه الرحمة، وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، فبقي طرف جبينه لاصقاً في الأرض، وسمى إبراهيم وكبّر، وتشهد الولد للموت، وجعل إبراهيم يمرر السكين على حلق إسماعيل، الله أكبر! لا إله إلا الله! سبحانك اللهم وبحمدك، أنت العليم بعبادك يا رب! وجعل إبراهيم يمرر السكين على حلق إسماعيل، ولم تقطع شيئاً، يقول بعض المفسرين: جُعل بين السكين والحلق نحاس، والله أعلم بذلك، فعند ذلك لما علم الله عز وجل صدق إبراهيم. وصبر إسماعيل قال الله عز وجل: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [الصافات:104 - 105] أي: قد حصل المقصود، ونجحت في الامتحان، وأخذت شهادة الامتياز، في طاعة رب العالمين، في مبادرتك إلى أمر ربك: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:106] أي: اختبار الله نبيه المبين. عند ذلك فداه الله بذبحٍ عظيم، أي: جعل فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى من العوض عنه، وهو كبشٌ أبيض أعين، عظيم سواد العين، أقرن، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[كبشٌ قد رعى في الجنة أربعين خريفاً]]. فإبراهيم عليه السلام لطاعته لله وامتثال أوامره سماه الله عز وجل أمّة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120] كذلك يُبعث يوم القيامة أمة واحدة.

مشروعية الأضاحي وفضلها

مشروعية الأضاحي وفضلها عباد الله: اتقوا الله واحذوا حذو أبيكم إبراهيم عليه السلام، واشكروه على ما أنعم به عليكم من مشروعية الأضاحي التي تتقربون بها إلى ربكم، وتنفقون بها نفائس الأموال؛ فإن هذه الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم، ونبيكم محمد عليهما أفضل الصلاة والتسليم. أيها المسلمون، إن لكم بكل شعرة منها حسنة، وبكل صوفة حسنة، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بأظلافها وقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض}. أيها المسلمون! اعلموا أن الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، والأضحية سنة مؤكدة جداً لمن يقدر عليها، فضحوا عن أنفسكم وأهليكم وأولادكم والوالدِين، وذلك بواحدة تجزئ عن البيت جميعاً؛ ليحصل الأجر العظيم للجميع، واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم؛ حيث ضحى عنه وعن أهل بيته، ويكفي أن يضحي واحد لجميع أهل البيت، وفضل الله واسع إلا إذا كانت وصية فإنها لصاحبها الذي أوصى بها كما نص في وصيته التي وصى بها.

شروط الأضحية

شروط الأضحية أمة الإسلام: والأضحية تكون من بهيمة الأنعام: إما من الإبل، أو البقر، أو الضأن، أو المعز، ولا تجزئ إلا بشرطين: الأول: أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً. والشرط الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء. فأما السن: ففي الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر. وأما العيوب التي تمنع من الإجزاء: فقد بينها رسولكم صلى الله عليه وسلم وقال: {أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تَنْقَى}. فهذه هي العيوب التي تمنع من الإجزاء. ومن كان منكم يحسن الذبح فليذبح أضحيته بيده، ومن كان لا يحسن فليذبح عند الأتقياء، فذلك أفضل. واحذروا أن تذبحوا قبل الوقت المحدود للأضحية شرعاً، وهو الفراغ من صلاة العيد، والأفضل أن يُنتظر حتى يفرغ الإمام من الخطبتين، وينتهي وقت الذبح بغروب الشمس من اليوم الثالث بعد العيد، فأيام الذبح أربع، العيد وثلاثة أيامٍ بعده، وفي النهار أفضل ويجوز الذبح بالليل، ويسمي عند الذبح، والتسمية شرطٌ عند الذبح، فمن لم يقل باسم الله متعمداً على ذبيحته فهي ميتة نجسة حرام أكلها، وإذا نسي فلا بأس ولا حرج عليه.

آداب الذبح

آداب الذبح أمة الإسلام: اذبحوا برفق، وحدوا السكين، ولا تحدوها وهي تنظر، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها، ولا تسلخوها، أو تكسروا رقبتها قبل أن تموت، وكلوا من الأضاحي، واهدوا، وتصدقوا، ولا تعطوا الجزار أجرته منها، بل أعطوه أجره من غيرها، وأعطوه صدقة إن كان فقيراً. اللهم وفقنا لفعل الخيرات، واجتناب المنكرات. اللهم وفقنا للصواب في جميع أعمالنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

بيان فضل العشر من ذي الحجة والعمل فيها

بيان فضل العشر من ذي الحجة والعمل فيها الحمد لله الذي فضل يوم عرفة على سائر الأيام، وجعله لعقد أيام العام واسطة النظام، وأكمل فيه الدين وأتم الإنعام، ورضي الإسلام لعباده المؤمنين ديناً موصلاً إلى دار السلام، وجَعَله موسماً لعتق الرقاب، ومغفرة الذنوب والآثام، فسبحانه من إله عظيم لا يُماثَل ولا يضاهى ولا يرام، أحمده سبحانه على إحسانه العام، وأشكره على التوفيق للإيمان والإسلام، وأسأله أن يثبتنا على ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة من النار والفوز بدار السلام، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المخصوص بأكمل خُلُق وأرفع مقام، أفضل من صلى وصام، وأتقى من راح بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام، ومصابيح الظلام، صلاة وسلاماً دائمَين متعاقبَين بتعاقب الليل والنهار. أما بعد: فاتقوا الله، وشمّروا لطلب الخيرات قبل فواتها، واغتنموا الأعمال الصالحات في أوقاتها، فمنها الأيام المفضلات المخصوصة بالتشريف في محكم الآيات، وهن الأيام العشر المعلومات، عشر ذي الحجة، وفيها اليوم التاسع المخصوص بالفضل العظيم في القرآن العظيم، فاغتنموا فضله، واحذروا الموانع والقواطع من الذنوب، يقول صلى الله عليه وسلم: {خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيين قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شرك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما رئي الشيطان أصغر ولا أدحر منه يوم عرفة} لما يلقى من تنزل الرحمة، وتجاوز الرب عن الذنوب العظام. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيده من النار من يوم عرفة}. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام عرفة وذلك لغير الحاج، فقال صلى الله عليه وسلم: {صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والسنة الآتية}. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي أتوني شعثاً غبراً مِن كل فجٍ عميق يرجون مغفرتي؛ فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل لغفرتها} الله أكبر! يقال لهم: أفيضوا مغفوراً لكم ولمن شفعتم فيه. عباد الله: اجتهدوا بالأعمال الصالحة وارفعوا أصواتكم بالتكبير في كل مكان؛ في الأسواق، والمساجد، وفي المجتمعات، وفي البيوت، وأكثروا من قراءة القرآن، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، واستيقظوا من رقداتكم، وانهضوا من غفلاتكم، فلا تمر بكم ساعات الفضائل وأنتم لاهون غافلون. اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ولا تجعلنا عن بابك مطرودين، ولا من فضلك محرومين، ولا تجعل مصيبتنا في الدين، أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان. وصلوا على رسول الله كما أمركم الله فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد. وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم انصر من نصر كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، واخذل من خذل كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين. اللهم أقر بهم أعين الآباء، وانصر بهم الإسلام، واحمِ بهم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار. اللهم ولِّ عليهم الأخيار، ولا تول عليهم الأشرار. اللهم اجعل ولاية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فيمن يخافك ويقيم حدودك، ويحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا، والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم اشفِ مرضانا ومرضى جميع المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى جميع المسلمين، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

التعرف على الله في الرخاء

التعرف على الله في الرخاء إن الإنسان في حال الرخاء يستطيع أن يعمل ما لا يمكنه القيام به في حال الشدة، والإنسان لا يعيش في رخاء دائم ولا شدة دائمة وإنما تتقلب عليه الأمور، فمرة في شدة ومرة في رخاء، فحري بالمسلم العاقل إذا كان في رخاء أن يتعرف إلى الله ويكثر من طاعته والقيام بأمره؛ لأن من تعرف إلى الله في الرخاء تعرف الله إليه في الشدة.

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة الحمد لله ذي الفضل العظيم، والخير الواسع العميم، أنعم على عباده بنعم لا تحصى، ودفع عنهم من النقم ما لا يعد ولا يستقصى، وتفضل عليهم بالعمل الصالح، وجازاهم عليه أفضل الجزاء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي وصل بفضل ربه إلى أعلى مكانٍ يصل إليه الورى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن بهداهم اهتدى، وسلَّم تسليماًَ. أما بعد: أيها المؤمنون! اتقوا الله تعالى، وتعرفوا إلى ربكم في الرخاء يعرفكم في الشدة، تعرفوا إلى الله عز وجل بالقيام بطاعته رغبة في ثوابه، وابتعدوا عن معصيته خوفاً من عقابه؛ فإنه أليم شديد. أيها المسلمون! أيها المؤمنون بالله حقاً! اعلموا أن رخاء العيش وطيب الحال من النعم التي تستوجب الشكر على العباد، وتستوجب القيام بطاعة المنعم الجواد جل وعلا. أيها المؤمنون بالله! اعلموا أن الإنسان في حال الرخاء يستطيع أن يعمل ما لا يمكنه القيام به في حال الشدة، ويستطيع أن يعمل في سن الشباب ما لا يمكنه القيام به في حال الكبر والهرم، ويستطيع أن يعمل في زمن الأمن والطمأنينة ما لا يمكنه القيام به في حال الخوف، ويستطيع أن يعمل وهو صحيحٌ ما لا يمكنه القيام به وهو مريض. نعم. إذا امتحن الإنسان هذه الحياة، وفكر فيها جيداً؛ عرف حقاً أن العافية في البدن، والأمن والترف لا يدوم، فقد يعقبها شدة ومرض وخوف وجوع؛ لكن المؤمن بالله حقاً الذي قوى صلته بربه جل وعلا، وقام بحق الله تبارك وتعالى، وتعرف للحي القيوم في حال الرخاء، فإن الله تبارك وتعالى يعرفه في حال الشدة، وفي حال الضيق، فيلطف به ويعينه على الشدائد، وييسر أمره، قال جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:2 - 4] هكذا يعد الله عباده المؤمنين، والله لا يخلف الميعاد. فاتقوا الله عباد الله! وإليكم هذه القصة التي تبين عاقبة الأعمال الصالحة، وتبين أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدائد وأنجاه: يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجلٌ منهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً، فلم أُرِح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر -الله أكبر! - والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا، فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه. وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي -وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء- فأردتُها على نفسها، فامتنعتْ مني، حتى ألَمَّت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلتُ، حتى إذا قدرتُ عليها -وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالت: اتقِ الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، وأعطيتهم أجرهم غير رجلٍ واحد، ترك الذي له وذهب، فثمَّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حينٍ فقال: يا عبد الله! أدِّ إليِّ أجري فقلت: كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق أجرك، فقال يا عبد الله! لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون} لا إله إلا الله! فخرجوا يمشون! متفق على صحة هذا الحديث. أمة الإسلام! تلكم القصة التي أخبر بها أصدق الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فالأول من أولئك الثلاثة: ضرب مثلاً عظيماً في البر بوالدَيه، بقي طوال الليل والإناء على يده، لم تطب نفسه أن يشرب منه، ولا أن يسقي أولاده وأهله، ولا أن ينغص على والدَيه نومهما حتى طلع الفجر. وأما الثاني: فضرب مثلاً بالغاً في العفة الكاملة، حيث تمكن من حصول مراده من هذه المرأة التي هي أحب الناس إليه، ولكن لما ذكرته بالله، وقالت له: اتق الله، فتركها وقام ولم يعمل الفاحشة، ولم يأخذ شيئاً مما أعطاها. وأما الثالث: فضرب مثلاً في غاية الأمانة والنصح؛ حيث نَمَّى للأجير أجره فبلغ ما بلغ، وسلَّمه إلى صاحبه، ولم يأخذ على عمله شيئاً، فكان من جزاء هذه الأعمال الصالحة التي تعرفوا بها إلى الله في حال الرخاء أن تعرف الله عليهم في حال الشدة. نعم يا أمة الإسلام! هكذا كان جزاؤهم على هذه الأعمال الصالحة التي تعرفوا بها إلى الله في حال الرخاء، أن الله عرفهم في حال الشدة، فأنقذهم من الهلاك. وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم القيامة، أن من تعرف إلى الرب جل وعلا في حال الرخاء عرفه في حال الشدة، كما أوصى بذلك رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: {تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة}. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين. {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الزمر:61 - 63]. اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما صرَّفت فيه من الآيات والذكر الحكيم. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

أعظم الشدائد ما يكون عند الموت

أعظم الشدائد ما يكون عند الموت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وأشهد أن لا إله لنا ولا رب سواه، وهو الذي له القدرة التامة على خلقه أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، فقد سمعتم ما في القصة السابقة الذكر من الأمر العجيب لمن أطاع الله واتقاه. أيها المسلمون! إن الشدائد أنواعٌ منوعة، وإن أعظم شدة يقع فيها الإنسان ما يكون من شدة الموت عند فراق المألوف، واستقبال المخوف. فإذا كان العبد ممن تعرف إلى الله في حال صحته، وحياته، ونشاطه، وأمنه، واستقراره، عرفه الله سبحانه في حال شدته، وعند حضور ملك الموت إذا نزع الروح من القصب والعصب واللحم، فإن الله يهون عليه الأمر فيحسِّن له الخاتمة، وينتقل من هذه الدنيا على أحسن حال. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] هكذا تبشر الملائكة أولياء الرحمن، الذين تعرفوا إلى الله في الرخاء، تبشرهم عند الشدائد، وعند سكرات الموت. وأما إن كان معرضاً عن الله مشتغلاً بدنياه عن طاعة الله، مشتغلاً بآلات لهوه، وبمسكراته ومخدراته ومفتراته، لم يزده الرخاء إلا بطراً وبُعداً عن الله تعالى، فحريٌ بأن يكله الله إلى نفسه، ويتخلى عنه في حال شدائده، فتحيط به السيئات والأوزار، ويموت على أسوأ حال وأخبث مآل. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة؛ صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين. اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام. اللهم قَوِّ إيماننا بك، وبملائكتك، وبكتبك، وبرسلك، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. اللهم املأ قلوبنا من محبتك، ومن خشيتك، ومن معرفتك في الرخاء والشدة. اللهم املأ قلوبنا من الإيمان والحكمة يا رب العالمين. اللهم نور قلوبنا بالإيمان، اللهم نور قلوبنا بالإيمان. اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة يا رب العالمين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، من اليهود والنصارى المبشرين والشيوعيين يا رب العالمين. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم أدِرْ على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين دائرة السوء. اللهم مزقهم كل ممزق. اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين. اللهم خذهم أخذ عزيزٍ مقتدر. اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين. اللهم وفقنا وإياهم جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا. اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع إخواننا المسلمين يا رب العالمين. اللهم إنا نعوذ بك من الجنون، والجذام، والبرص، وسيء الأسقام. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحوُّل عافيتك، ومن فجاءة نقمتك. اللهم إنا نعوذ بك من جميع سخطك. اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

الوعيد للمصورين

الوعيد للمصورين إن الله عز وجل أنزل القرآن الكريم، وأنزل فيه من الوعد للمؤمنين بجنات النعيم، والوعيد للكافرين بنار الجحيم، وأنزل في القرآن تحذيراً للمؤمنين من الشرك بالله. وقد تحدث الشيخ عن الشرك بالله وبداية ظهوره، وذكر أن بداية ظهوره كانت في قوم نوح، وذلك بسبب اتخاذهم للصور، وتعظيمهم لها، ثم ذكر أن هذا هو سبب عذابهم وإهلاكهم، ثم ختم حديثه بذكر عدة أحاديث تحذر من التصوير وتبين خطره.

القرآن ووعده ووعيده

القرآن ووعده ووعيده الحمد لله رب العالمين، الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين، فمن أطاعهم واتبعهم فجزاؤه جنة النعيم، ومن عصاهم وخالف أمرهم فقد باء بغضب من الله ومأواه الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، كما لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل رسول بعثه الله إلى خير أمة أخرجت للناس، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها المؤمنون بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره! يا من تؤمنون بالقرآن: اعلموا أن القرآن أنزل ليعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، فيه عبرة لمن اعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر، فيه وعد أكيد لمن انقاد وأطاع الأوامر وقام بها، فله جنة عالية قطوفها دانية، في نعيمٍ أبدي سرمدي، لا ينقطع ولا يزول ولا يحول، بجوار رب العالمين، وبرفقة المؤمنين، في شباب لا بعده هرم، وفي صحة لا بعدها سقم، في لذة لا يعقبها تنكيد ولا تنغيص، في دار النعيم، دار اللذة والسرور، دار البهجة والفرح، في دار لا يعتري من سكنها هم ولا غم ولا حزن، وأكمل نعيمها أن أهلها {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:56]. عباد الله: هذا لمن انقاد لأوامر الله واتبع القرآن، ثم إن في القرآن وعيد شديد لمن تعدى الحدود، وعصى المعبود، وخالف الأوامر وارتكب النواهي، فيا ويله ويا حسرته، وهو يطوف في جهنم بينها وبين حميم آن يسقى من الحميم، ويطعم الزقوم والغسلين، ويسحب فيها بالسلاسل، مكبلاً بالأغلال، في أضيق الأماكن مقرنين، تنهشهم الأفاعي والعقارب التي أعدت لذلك المكان، ثم عندهم ملائكة غلاظ شداد، معهم مقامع من حديد، يضربون بها وجوههم وأدبارهم، ويوبخونهم ويقولون لهم: {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181] وهم أبد الآبدين يصلون بنار حامية قد أطبقت عليهم، وهم يتعاوون فيها كما تتعاوى الكلاب، يبكون ولا يسمعون، ويدعون ولا يجابون إلا بأشد مما هم فيه {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب َ) [النساء:56] هذا لمن عصى الله وتعدى الحدود.

الشرك وبداية ظهوره في قوم نوح

الشرك وبداية ظهوره في قوم نوح عباد الله: إن في القرآن عبراً لمن أراد الاعتبار، وهذا كتاب الله عز وجل يخبرنا أن الله أرسل الرسل ليحذروا الناس من الشرك، ويدعوهم إلى عبادة الواحد القهار، وذلك -يا عباد الله- أنه كان بين أبينا آدم إلى زمان نوحٍ عليه السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [[وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوماً صالحين ماتوا، فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك فيها؛ ليتذكروا حالهم وعبادتهم، فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان، جعلوا أجساداً على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين، وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، ولما تفاقم الأمر وطغى الشرك فيهم بعث الله نوحاً عليه السلام يأمرهم ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له]]. وقد أنزل الله فيه آيات كثيرة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ يسليه فيها ويخبره بما وقع على قوم نوح من العذاب والنكال، ومع الأسف الشديد قد وقع في كثير من البلدان الإسلامية من الأضرحة والمشاهد وغيرها التي تعبد من دون الله، ويطاف بها، ويدعون الأموات فيها من دون الله الشيء الكثير، وإنا لله وإنا إليه راجعون! وقد أنزل الله عز وجل في القرآن العظيم سورة كاملة فيها تفصيل تام عن دعوة نوحٍ عليه السلام، حتى نهاية ما حل بقومه من العذاب، يقول ربنا جل وعلا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً * قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} [نوح:1 - 21]. ومع هذا التذكير والنصح والإرشاد، فقد تمادى قوم نوحٍ في الكفر والضلال والعناد، وقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، فما لانت قلوبهم ولا انتفعت بالتذكير، ولا ازدادوا عند ذلك إلا عتواً ونفوراً، وعند ذلك قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27] ولما دعا عليهم أمره الله بصنع السفينة فقال تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود:37] فلما انتهى من السفينة أمره الله أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل. فلما ركبوا في السفينة كما أمرهم الله، قال الله جل وعلا: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11 - 12] أي: فالتقى ماء السماء مع ماء الأرض على حال قد قدره الله في الأزل وقضاه بإهلاك المكذبين غرقاً، فلم يبق على وجه الأرض شيء إلا أدركه الغرق، وهذه سنة الله في خلقه، وقد ورد في الأثر: لو أراد الله أن يرحم من قوم نوحٍ أحداً لرحم أم الصبي، فقد كان معها ابنها، وكلما ازداد الماء رفعته، فلما غرقت سقطت هي وإياه في الماء. فهذه سنة الله في خلقه.

المعاصي سبب للنقمة والهلاك

المعاصي سبب للنقمة والهلاك عباد الله: الحذر الحذر من المعاصي! فإنها سبب للنقم، وكم نسمع من الفيضانات، والزلازل، والأعاصير والرياح المدمرات، وكم نسمع من الحروب الطاحنات، فهل ربنا ظلام للعبيد؟ لا، وكلا! والله ثم والله إن ربنا ليس بظلام للعبيد. {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. عباد الله: إن المعاصي سبب للنقم وحلول العذاب وانتزاع البركات. ولما دعا نوح عليه السلام على الكفار عقبه بالدعاء للمؤمنين فقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28] بدأ بنفسه، ثم بأبويه، ثم عمم بجميع المؤمنين والمؤمنات؛ ليكون ذلك أجمع وأبلغ، ثم قال: {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً} [نوح:28] أي: ولا تزد من جحد بآياتك وكذب رسلك إلا هلاكاً وفساداً في الدنيا والآخرة. اللهم اجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إنك على كل شيء قدير.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من التصوير

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من التصوير الحمد لله حمداًُ كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أتقى المرسلين وخاتم النبيين، عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى من استن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتدبروا آيات الكتاب المبين، لتدلكم على كل خير، وتحذركم من كل شر. عباد الله! عليكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. واحذروا من الصور يا عباد الله! فإن الشرك ما حدث في قوم نوح إلا لما صوروا التصاوير، ونصبوا التماثيل، وقد ورد عن رسول الهدى الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم التحذير من التصوير في عدة أحاديث صحيحة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون بها يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم} متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: {يا عائشة! أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهئون خلق الله} متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: {كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[فإن كنت فاعلاً فاصنع الشجر وما لا روح فيه]] متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ} متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون} متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة} متفق عليه. فهل نسمع ونعقل يا عباد الله؟! أم يدخل من أذن ويخرج من الأخرى؟ نحضر المواعظ ولكن لا فائدة فيها، مجالسنا منصوبة فيها الصور، وبيوتنا قد امتلأت بالصور، إنها مصيبة عظمى أصبنا بها، ودواهي كبرى عمت علينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ووالله ثم والله ليس لنا منها مخرج إلا الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} فأكثروا من الصلاة على رسول الله، فإن صلاتكم تعرض عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغيث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم ردنا إليك رداً جميلًا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم أصلح أحوال المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة ولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم وفقهم وأعنهم لإزالة المنكرات يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير. اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا واللواط والسفور والتبرج والتصاوير وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن بلدان المسلمين أجمعين يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

عقيدة التوحيد

عقيدة التوحيد إن الله خلق الإنسان وجمله بالعقل ليوحد الله تعالى ويطيع رسله، ويعبده ولا يشرك به شيئاً، ولقد رجع بعض الناس القهقرى في هذا العصر إلى الجاهلية الأولى، حيث كثر الشرك في كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام، فيجب على المسلمين التمسك بالعروة الوثقى والحذر من البدع ما ظهر منها وما بطن.

ضرورة التمسك بعقيدة التوحيد

ضرورة التمسك بعقيدة التوحيد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد؛ الذي جاء بالتوحيد، وهدم الأصنام وأزالها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله} اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله عز وجل. عباد الله: تمسكوا بعقيدة التوحيد، واعرفوا معنى لا إله إلا الله، فإن الله جل وعلا خلق الإنسان، وجملَّه بالعقل؛ ليفهم وليعرف أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. عباد الله: لقد أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين يدعون إلى الله عز وجل، وأنزل معهم الكتب فيها البراهين القاطعات تبين معنى لا إله إلا الله، فقامت بذلك الحجج على العباد، فقد فاز -والله- من أطاع الرسل ووحد الله، وقال خالصاً من قلبه: لا إله إلا الله. وخسر -والله- من تمرد وعتا، وأبى الانقياد لله ورسله، ولم يحقق معنى: لا إله إلا الله، فحسبه جهنم وبئس المصير.

شروط لا إله إلا الله

شروط لا إله إلا الله أمة الإسلام: اعلموا أن لـ (لا إله إلا الله) شروطاً، وهي: الشرط الأول: العلم بمعناها: بأنه لا معبود بحقٍ إلا الله، فمن لم يعرف المعنى فهو جاهل بمدلولها. الشرط الثاني من شروط لا إله إلا الله: اليقين المنافي للشك. لأن من الناس من يقول: لا إله إلا الله وهو شاك فيما دل عليه معناها. الشرط الثالث من شروط لا إله إلا الله: الإخلاص المنافي للشرك؛ فإن من لم يخلص أعماله كلها لله، فهو مشرك شركاً ينافي الإخلاص. الشرط الرابع من شروط لا إله إلا الله: الصدق المنافي للنفاق؛ لأن المنافقين يقولونها، ولكن لم يطابق ما قالوه لما يعتقدونه، فصار قولهم كذباً لمخالفة الظاهر للباطن. الشرط الخامس من شروط لا إله إلا الله: القبول المنافي للرد؛ لأن من الناس من يقولها مع معرفة معناها، ولكن لا يقبل ممن دعاه إليها؛ إما كبراً، أو حسداً، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من القبول، فتجده يعادي أهل الإخلاص، ويوالي أهل الشرك ويحبهم، والمرء مع من أحب يوم القيامة. الشرط السادس من شروط لا إله إلا الله: الانقياد المنافي للترك؛ لأن من الناس من يقولها وهو يعرف معناها، لكنه لا ينقاد فيأتي بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء، والعمل بشرائع الإسلام، ولا يلائمه إلا ما وافق هواه، أو تحصيل دنياه، وهذه حال كثير من الناس. الشرط السابع من شروط لا إله إلا الله: المحبة المنافية للبغض. فتجب محبة الله بكل القلب، وإرضاؤه بكل الجهد. الشرط الثامن من شروط لا إله إلا الله: الكفر بما يعبد من دون الله. أيها الناس: هذه شروط لا إله إلا الله، فيجب على كل مكلف معرفة الله تعالى؛ لأنه رب العالمين، الرحمن الرحيم، المالك المتصرف ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وجميع الكون وكل ما فيه خلقه وملكه وعبيده، وتحت ربوبيته وتصرفه وقهره، إذا عرفت هذا -أيها الإنسان- عرفت أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة دون ما سواه. والعبادة تكون بمنتهى الذل مع منتهى المحبة. والعبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الحسية الظاهرة والقلبية الباطنة، فمن صرف من ذلك شيئاً لغير الله فقد أشرك مع الله غيره في عبادته، والمشرك حرام عليه الجنة ومأواه النار.

مظاهر من الشرك في عبادة الله تعالى

مظاهر من الشرك في عبادة الله تعالى عباد الله: إنه من المؤسف جداً ما يفعل في كثيرٍ من الأقطار التي تنتسب للإسلام؛ حيث إن كثيراً ممن ينتسبون للإسلام يشركون بالله في كثيرٍ من أنواع العبادة مثل: الدعاء، والذبح، والنذر، وهم يدعون الأموات، ويطلبون منهم حوائجهم، أو رد غائبهم، أو شفاء مرضاهم، ويجعلونهم وسائط بينهم وبين الله. فيذبحون لغير الله، كذبحهم للقبور وللجن، وينذرون لغير الله، إلى غير ذلك من أنواع الشرك الأكبر الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. ومع الأسف -يا عباد الله- ما يفعل عند تلك الأضرحة وعند تلك القبور من الدعاء والتوسل والذبح والنذر لغير الله، فلو رأيتم إسبالهم العبرات، وبكاءهم وصراخهم، وطوافهم عند تلك القبور وحولها، وسفك الدماء لها، وبذل الأموال الطائلة للسدنة، ولو رأيتم ذلك -يا عباد الله- لتقطعت قلوبكم حسراتٍ على التوحيد وعلى العقيدة، فكم من أناسٍ يدعون الإسلام وهم مشركون، ولقد قال لي بعض إخواننا الوافدين إلى هذه البلاد: إن آباءنا وأمهاتنا قد ماتوا على الشرك -والعياذ بالله- حيث إنهم إذا أصابتهم المصائب، ونزلت بهم البلايا، وألمت بهم الملمات؛ لم تسمع منهم إلاّ التوسل بأهل تلك القبور، فتسمع من يقول: يا رسول اللهّ! ومنهم من يقول: يا علي! ومنهم من يقول: يا حسين! ومنهم من يقول: يا زيلعي! ومنهم من يقول: يا عبد القادر! ومنهم من يقول: يا عيدروس! ومنهم من يقول: يا محضار يا زهير يا شاذلي يا ابن علوان يا بدوي يا دسوقي يا جيلاني إلى غير ذلك من الألفاظ الشركية، فهم دائماً يندبون ويتوسلون ويدعون أولئك الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، والله ثم والله! إن أولئك الأموات لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. إنها مصيبة عظمى؛ حيث رجع أكثر الناس إلى الوثنية، ورجع أكثر الناس إلى الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} والله لو أنزلوا حاجاتهم وفاقاتهم بالله، وتضرعوا إلى الله والتجئوا إلى الله، ودعوه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ لجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ولكن عميت قلوبهم عن الحق، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدي ضال المسلمين، ويردهم إلى الحق المبين، حتى يرجعوا إلى العلي الأعلى إلى الكبير العظيم، إلى الجليل الحميد المجيد، إلى السميع البصير العليم، إلى القوي العزيز المكين إلى القدير الغني الحكيم إلى الحي القيوم الحيي الستير، إلى الصبور العفو الشهيد الرقيب الحفيظ اللطيف المجيب المغيث الجواد الكريم الوهاب الودود الشكور الغفور الغفار التواب الأحد الصمد القهار الجبار الحبيب العدل الرشيد الحكم القدوس السلام الفتاح الرزاق المقدم والمؤخر، والمعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، إلى غيرها من أسماء الله الحسنى. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن تملأ قلوبنا بالإيمان. {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء:110 - 111]. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

ضرورة التوبة إلى الله تعالى

ضرورة التوبة إلى الله تعالى الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب لنا سواه، لا ملجأ ولا مفر لنا منه إلا إليه، هو ملاذنا وهو مغيثنا، وإليه نرفع حاجاتنا وسؤالاتنا وتضرعاتنا، فلا رب لنا غيره ولا إله لنا سواه، نحمده اللهم على كل حال، ونعوذ به من أهل النار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله له التصرف التام في جميع خلقه، وفي كونه العلوي والسفلي، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ الذي جاء بالتوحيد، وبالعقيدة نقية بيضاء لا فيها غموض إلا على من أضله الله عن طريق الحق، اللهم اهدنا ولا تضلنا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها المسلمون: أيها المفرطون في جنب الله: أما آن لكم أن تتوبوا إلى الله ربكم؛ الذي خلقكم ورزقكم من الطيبات، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، والذي سوف يميتكم ثم يبعثكم ويجازيكم جزاءً يوافق ما قدمتموه من عمل! إن خيراً فخير وإن شراً فشر. أما آن لكم أن ترجعوا إلى الله قبل أن يأخذكم هادم اللذات ومفرق الجماعات وقاطع الآمال. أما آن لكم أن تذرفوا الدموع أسفاً وندماً على ما أسلفتموه من تفريط وإهمال في دين الله، فوالله! إن أحدكم لا يدري إذا أصبح هل يمسي وإذا أمسى هل يصبح، ثم بعد الموت يقدم على ما قدم من عمل؛ إن كان صالحاً فقد فاز، وإن كان غير ذلك فذلك الخسران المبين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. عباد الله! الله الله في عقيدة التوحيد، الله الله في التمسك بالعروة الوثقى (لا إله إلا الله) احذروا البدع ما ظهر منها وما بطن، فإن أعداء الإسلام يريدون أن تضلوا السبيل فالحذر الحذر! والله الله بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نسألك ونستغيث بك، ونتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى: أن تعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم طهر بلدان المسلمين من الشرك والبدع والخرافات يا رب العالمين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم دمرهم تدميراً واجعلهم غنيمة للمسلمين. اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم ارزقنا وإياهم الجلساء الصالحين، ووفقنا للجلساء الصالحين الناصحين؛ الذين يذكروننا إذا نسينا، ويعينوننا إذا ذكرنا، واجمعنا جميعاً في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسقنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

قصة هود عليه السلام

قصة هود عليه السلام إن في القرآن الكريم عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين، وذلك لما تضمنه من أخبار الأمم الماضية وما فيها من العبرة والعظة، ومن أولئك الأمم قوم عاد الذين أرسل الله إليهم هوداً عليه السلام لينذرهم ويأمرهم بالتوبة والاستغفار من الذنوب والخطايا، فعصوه وكذبوه ولم يأتمروا بما أمرهم به؛ فأنزل الله عليهم عذابه وعقابه، وأرسل عليهم ريحاً فيها عذاب أليم. والشيخ هنا تحدث عن ذلك وأشار إلى أهمية الاتعاظ بما حصل للأمم السابقة، ثم ذكر كيف كان خوف النبي صلى الله عليه وسلم وخشيته من عذاب الله تعالى.

إرسال هود عليه السلام إلى عاد

إرسال هود عليه السلام إلى عاد الحمد لله المتفرد بالجلال والبقاء والعظمة والكبرياء، والعز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الملك الذي لا يحتاج إلى أحد، العلي عن مداناة الأوغاد، الجليل العظيم الذي لا تدركه العقول والأفهام، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، فكل من عليها مفتقرٌ إليه على الدوام، وفق من شاء من عباده فآمن به واستقام، وحكم على آخرين بالشقاوة فباءوا بالطرد والحرمان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عز من اعتز به فلا يضام، وذل من تكبر عن طاعته ولقي الآثام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه وتحفظونه هو كلام ربكم رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، وهو الذكر المبارك، والنور المبين، تكلم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته، وألقاه على جبريل الأمين، أحد الملائكة الكرام المقربين، فنزل به على قلبِ محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون من المنذرين بلسانٍ عربي مبين، ووصفه الله بأوصاف عظيمة لتعظموه وتحترموه. عباد الله: في القرآن عبرة لمن اعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر، فيه أخبار الأنبياء والمرسلين مع أممهم، ولقد سمعتم في الجمعة الماضية قصة نوح عليه السلام، وأنه أول رسول أرسله الله إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يجدِ فيهم، فدعا عليهم فأغرقهم الله جميعاً إلا من ركب مع نوحٍ في السفينة. ثم بعث الله من بعد نوحٍ وقومه أمة أخرى قصهم الله علينا في القرآن العظيم، وهم عاد قوم هود عليه السلام، قال الله جل وعلا: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:65 - 68].

قوم عاد ورغد العيش

قوم عاد ورغد العيش نعم يا أمة الإسلام! نعم يا أمة القرآن! هذا هود بعثه الله إلى عادٍ؛ وهم عرب يسكنون الأحقاف؛ وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت من جهة بلاد اليمن، وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب. اعتبروا يا أولي الأبصار! اعتبروا يا أهل الفلل والقصور! اعتبروا يا أهل السيارات والبيوت! اعتبروا واعلموا أن الله قويٌ شديد العقاب، اعتبروا يا أهل البهارج التماثيل! اعتبروا يا أهل الصواريخ والبازوكا، إن الله على كل شيء قدير، اعتبروا يا أهل القنبلة الذرية! اعتبروا واعتبروا ثم اعتبروا! كانوا في غاية من التركيب والقوة، والبطش الشديد، والطول المزيد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات، والأنهار والأطيار، والزروع والثمار، ولكنهم مع هذا كله كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى؛ يعبدون الأوثان والأصنام، فبعث الله إليهم هوداً عليه السلام؛ رجلاً منهم بشيراً ونذيراً؛ يدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار، إلى عبادة الحي القيوم؛ الذي بيده النفع والضر، الذي لا يحتاج إلى أحدٍ في قليل ولا كثير، وحذرهم نقمته وعذابه، وهو -عليه السلام- لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ والإرشاد؛ إنما يبغي ثوابه من الله الذي فطره.

هود عليه السلام يدعو قومه إلى التوبة والاستغفار

هود عليه السلام يدعو قومه إلى التوبة والاستغفار قال الله تعالى عن هودٍ عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ} [هود:50 - 51] ثم حثهم -عليه السلام- على الاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وأمرهم بالتوبة فيما سيتقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة -أي: بكثرة الاستغفار- يسر الله عليه رزقه، وسهل عليه أمره، وحفظ شأنه، يروى في الحديث: {من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب}. وقال عليه الصلاة والسلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52] فأخبر الله جل وعلا أنهم ردوا عليه دعوته، وعاندوا وجحدوا وكذبوا، فقال الله مخبراً عنهم في محكم البيان: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء:136 - 138] افتراءً على الله تعالى.

عصيان قوم هود عليه السلام لأوامر الله

عصيان قوم هود عليه السلام لأوامر الله ويخبر ربنا جلَّ وعلا في الآيات البينات عن قوم هود عليه السلام أنهم بغوا وعصوا وعتوا، فقال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [فصلت:15] ثم إنهم أعجبوا بشدة تركيبهم، وثقل وزنهم وقواهم، واعتقدوا أنهم يعتصمون بها من بأس الله جل وعلا {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فرد الله تعالى عليهم قائلاً: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] أي: ما لهؤلاء القوم لا يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة، فإنهم يبارزون العظيم؛ الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها، وأن بطشه شديد، أولئك عاد حاربوا الجبار بالعداوة، وجحدوا بآياته البينات الواضحات، وعصوا رسله، وعند ذلك قال الله فيهم ورسولهم يعتذر إلى الله: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:54 - 56].

عقوبة تكذيبهم لنبيهم عليه السلام

عقوبة تكذيبهم لنبيهم عليه السلام ولما تبرأ منهم عليه السلام ومن أعمالهم، وأنهم كذبوه، أخبر الله عنهم فقال: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:18 - 20]. اسمعوا يا عباد الله، أيها المتكبرون! يا من لا تلين قلوبهم! اسمعوا كلام الله: {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] وقبل أن يحل بهم العذاب أمسك الله عليهم المطر ثلاث سنين، حتى أصابهم الوحل، ثم أنشأ الله سحابات ثلاثاً: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى كبيرهم الذي ذهب يستسقي لهم في جبال تهامة، ناداه منادٍ من السماء: اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب، فقال: اخترت السحابة السوداء؛ فإنها أكثر السحاب ماءً. فناداه مناد: اخترت رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً يترك ولا ولداً، إلا جعلته همداً. وساق الله السحابة السوداء التي اختارها بما فيها، فخرجت عليهم من وادٍ يقال له المغيث، ولما رأوها استبشروا {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف:24] هذا هو الذي تحادون الله به، هذا العذاب الذي تتحدون الله به: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:24 - 25] إنها ريح فيها عذاب، رأت امرأة من قوم عاد يقال لها: مميت، فلما تبينت ما في هذه الريح صاحت ثم صعقت، فلما فاقت قالوا: ما رأيت يا مميت؟ قالت: ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، كما قال الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:6 - 8] فتح الله عليهم من الريح قدر الخاتم، فأتت مع من يقودونها، فكانت الريح تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تمزقه على أم رأسه فتسلخ رأسه حتى تفصله من جثته. نعم يا عباد الله! نعم يا أمة الإسلام! تلكم القصص في القرآن العظيم تسلية لإمام الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذيراً للأمة المحمدية من أعمال أولئك الكفرة العصاة، حتى لا يسلكوا طريقتهم. فالحذر الحذر يا عباد الله من المعاصي فإنها بريد الكفر! والحذر الحذر من الاغترار بهذه الدنيا وما فيها من الحطام الزائل! اللهم أيقظنا من رقدة الغفلة، ووفقنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم أجرنا من عذابك، اللهم أجرنا من نقمتك، اللهم إنا نعوذ بوجهك العظيم وكلماتك التامة من غضبك ومن أليم عقابك، ومن شر عبادك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

خوف النبي صلى الله عليه وسلم وخشيته من عذاب الله

خوف النبي صلى الله عليه وسلم وخشيته من عذاب الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واحذروا بطشه وانتقامه؛ فإن بأسه شديد، وهو عزيزٌ ذو انتقام، وسنة الله واحدة في خلقه، تقول عائشة رضي الله عنها: {ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلماً مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهاته -أي: لا أراه يضحك ويفتح فاه حتى أرى أقصى فمه- إنما كان يتبسم تبسماً صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب} الله أكبر! من كان بالله أعرف كان لله أخوف. أما نحن فنقول: الجو جميل وطيب لنأكل في الملاهي، ونبارز ربنا في البراري، لنعصي الله عزَّ وجلَّ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب} أخرجه البخاري ومسلم فقد عُذِّب قومٌ بالريح، وقد رأى قوم العذاب، وقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به} وقالت رضي الله عنها: {وإذا تخيلت السماء تغير لونه صلى الله عليه وسلم، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، فعرفت ذلك فسألته، فقال صلى الله عليه وسلم: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:24]}. عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وانصر الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الإسلام والمسلمين إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفقهم بالجلساء الصالحين، وارزقهم البطانة الصالحة الذين يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا يا رب العالمين. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والتبرج والسفور والأغاني والتمثيليات والأفلام الخليعة يا رب العالمين، اللهم طهر بلداننا من هذه البلايا وبلدان المسلمين أجمعين، اللهم انصر دينك عاجلاً غير آجل، وانصر من نصر الدين وأهله إنك على كل شيء قدير. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

§1/1