دروس للشيخ عبد العزيز بن باز

ابن باز

كلمة في عقيدة أهل السنة والجماعة

كلمة في عقيدة أهل السنة والجماعة عقب الشيخ رحمه الله على محاضرة في العقيدة ألقاها أحد الإخوة تضمنت فصولاً جيدة مهمة، وقد تضمن هذا التعقيب شذرات مفيدة عن أهمية العقيدة، ومصدرها، وبعض مسائلها.

شذرات من العقيدة الصحيحة

شذرات من العقيدة الصحيحة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فقد سمعنا جميعاً هذه المحاضرة القيمة من فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن حماد بن عمر، والتي هي عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي محاضرة -بحق- مفيدة، وموافقة لما هو معروف عن أهل السنة والجماعة. ومن المعروف أن الناس اغتروا كثيراً، وتنوعت بهم الطرق، وحاد كثيرٌ منهم عن الطريق السوي، فوفق الله أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، للأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما دل عليه كتاب الله العزيز، ومما جاء في السنة الصحيحة، هدى الله أولئك الأخيار وهم الصحابة ومن سلك سبيلهم، للأخذ بالحق والسير عليه، والتعرف إليه. وهؤلاء أهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان؛ من التابعين، وأتباع التابعين، وأئمة الهدى من بعدهم إلى عصرنا هذا، ومن سار على طريقهم فهو منهم، جعلنا الله وإياكم منهم. وقد أجاد فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن وأفاد عن هذه العقيدة العظيمة، فجزاه الله خيراً، وأعظم مثوبته، ونفعنا وإياكم جميعاً بما سمعنا وعلمنا، وزادنا وإياكم وإياه علماً وفقهاً وتوفيقاً وفهماً. ورد أن هذه العقيدة يجب على كل مسلمٍ أن يعرفها وأن يفهمها؛ لأن كثيراً من الجهلة والمنحرفين وأعداء الإسلام يلبسون على الناس في عقائدهم، ويتكلمون فيها بجهل وبغير علم، وبقصد سيئ، للتضليل، والتشبيه، والتزييف، وقصد انحراف الناس عن الهدى، فإذا كان المسلم على بينة وعلى بصيرة بالعقيدة الصالحة؛ استطاع أن يحذر شر هؤلاء، وأن يبتعد عما يطلبون من الشر، ويدعون إليه من الباطل، بما أعطاه الله من الهدى والبصيرة. وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) ، فعلامات السعادة والخير أن يُفَقّهَ العبد في دين الله، وأن يتبصر في أمر الله؛ هذه علامة أن الله أراد به خيراً، أما الإعراض، والجهل، والغفلة، وعدم العناية بأمر الدين؛ فهذه علامة ظاهرة على أن الله ما أراد بالعبد خيراً، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذا الخلق، وهو خلق الإعراض والرضا بالجهل، وعليه أن يتعلم ويتفقه ويحضر حلقات العلم، ويسأل عما أشكل عليه.

مصادر اقتباس العقيدة الصحيحة

مصادر اقتباس العقيدة الصحيحة وهذه العقيدة بحمد الله ميسرة؛ لأنها في كتاب الله الذي تقرؤه -أيها المسلم- دائماً، هذه العقيدة في كتاب الله عز وجل، في القرآن العظيم، الذي فيه الهدى والنور، وهو ميسر بين يديك، تستطيع قراءته ليلاً ونهاراً في جميع الأوقات، وقد بيّن فيه سبحانه وتعالى العقيدة الصحيحة، وبيّن فيه ما يجب له من الحقوق، وبيّن أسماءه وصفاته، وبيّن أمر الآخرة والجنة والنار، وبيّن صفات الأخيار وصفات الأشرار بيّن صفات المؤمنين وصفات الكافرين، وبيّن أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار، فأنت إذا تدبرت كتاب ربك عرفت منه العقيدة الصحيحة، قال الله جل وعلا: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت:44] ، وقال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] ، وقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155] . ثم ما صح من السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ميسر مدون وموجود في كتب أهل العلم، ففي إمكان طالب العلم، وفي إمكان المسلم وطالب الحق أن يسأل عن كل ما أشكل عليه، وأن يكون على بينة وعلى بصيرة؛ ولاسيما عند سماع ما قد يشكل عليه، وعند دعوته إلى ما قد يشكل عليه بإمكانه أن يسأل أهل العلم، ويتبصر حتى يعلم الحق بدليله، وحتى يسلم من شبهات المشبهين، وتضليل الضالين، وقد قال الله جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] ، فالمتبعون للصحابة بإحسان هم المرضي عنهم، وهم أهل الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم! واتباعهم بالعلم النافع، والتفقه في الدين، وبالعمل بما كانوا عليه من طاعات، وترك ما حذروا منه من البدع والخرافات والمحرمات، والسير في الطريق السوي الذي ساروا عليه واستقاموا عليه؛ وهو صراط الله المستقيم.

توحيد الألوهية

توحيد الألوهية ومن ذلك ما سمعتم من توحيد الله وتخصيصه بالعبادة، وأن الواجب أن يخص سبحانه وتعالى بالعبادة دون ما سواه، وإن انحرف كثير من الناس، وهم ينتسبون إلى الإسلام، ويزعمون أنهم مسلمون، ومع ذلك انحرفوا عن الطريق السوي في طاعة الله وعبادته، وقوم يعبدون القبور وأهل القبور، ويستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويطلبون منهم المدد: المدد المدد يا فلان! وربما طافوا بقبورهم، وهذا من أقبح الشرك بالله عز وجل؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] ، وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186] ، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، فهو سبحانه يدعى ويرجى، أما الأموات والأشجار والأحجار والأصنام فلا، هذا دين الجاهلية ودين المشركين، أما دين أهل التوحيد. أهل الإسلام، فهو توحيد الله وإخلاصه، وهذا معنى (لا إله إلا الله) ، ومعناها: لا معبود بحقٍ إلا الله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] .

توحيد الربوبية

توحيد الربوبية كذلك الإيمان بأن الله هو الخالق الرازق، مدبر الأمور، مصرف الأشياء، بيده كل شيء، العالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع، فتضرع إليه، وتسأله حاجاتك سبحانه وتعالى، وتستقيم على شريعته، وتحذر ما خالفها.

توحيد الأسماء والصفات

توحيد الأسماء والصفات ومن ذلك ما سمعتم من العناية بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها علا، وأنه موصوف بها على الوجه الذي يليق به جل وعلا، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا زيادة ولا نقصان؛ فالمؤمن يُمِر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتأول، ولا يحرف، ولا يزيد ولا ينقص، ولا يكيف، ولا يعطل؛ بل يؤمن بأن الله جل وعلا موصوف بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى. فكما أن ذاته سبحانه حق لا تشبه الذوات، فهكذا صفاته كلها حق لا تشبه صفات المخلوقين، فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن جميع صفات النقص والعيب. نؤمن أن الله تعالى مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا يشابهه الخلق في استوائهم، استواؤه على العرش ليس مثل استواء المخلوقين على دوابهم، أو على سياراتهم، أو على طائراتهم، أو على سطوحهم، لا! وإنما هو استواء يليق بالله، لا يشابهه الخلق في صفاته جل وعلا، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] وقال: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] فيقال: الاستواء معلوم، والارتفاع معلوم، والكيف مجهول، لا نعلم كيفية الاستواء وكنهه هذا! ولكن نعلم أنه سبحانه فوق العرش، وأنه عالٍ فوق جميع خلقه، وأنه العلي الأعلى ليس فوقه شيء سبحانه وتعالى. وهكذا الموصوف بأنه الرحمن، والرحيم، والسميع، والبصير، وبأنه يغضب ويرضى، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع إلى غير ذلك. وهو موصوف بأن له يدين وقدمين جلا وعلا يسمع ويبصر له أصابع تليق بالله لا يشابه خلقه سبحانه وتعالى. وقد أخبر عن نفسه بأنه سبحانه وتعالى له يدان، قال جل وعلا: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] ، وقال سبحانه وتعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ، وقال: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار) ، وقال: (إن جهنم لا تزال يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله، فيلتوي بعضها على بعض فتقول: قَطْ قَطْ) أي: حسبي حسبي نسأل الله العافية! فالمقصود أن صفاته سبحانه تليق به جل وعلا، لا يشابهه خلقه سبحانه وتعالى، فـ أهل السنة والجماعة من الصحابة ومن اتبع سبيلهم يمرونها كما جاءت، ويؤمنون بها ويعلمون أنها حق، وأن الله سبحانه وتعالى لا يشابه الخلق في شيء من صفاته جل وعلا.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان وهكذا في الإيمان والمعاصي والطاعات، أهل السنة والجماعة لهم طريق ولهم صراط مستقيم، ليس كطريق أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وغيرهم، فـ أهل السنة والجماعة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص -الإيمان بالله ورسوله يزيد وينقص- يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأصل إيماننا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأركان الإسلام خمسة -وهي معلومة لديكم-: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، مع ما في هذا من الفائدة والعلم. هذه أصول أهل السنة والجماعة، عليها ساروا، وعليها استقاموا، وأهل البدع الذين غيروا وبدلوا على أنواع وعلى أقسام، لكن أهل السنة والجماعة ثابتون على الحق، يؤمنون بالله ورسوله، ويصدقون بما جاء عن الله ورسوله، ويقولون: إيماننا يزيد وينقص بالصلاة، بالصيام، بالحج، بالجهاد، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوى إيمان العبد ويتضاعف ويزيد ويكثر، وإذا عصى بسرقة، أو عقوق، أو قطيعة رحم، نقص إيمانه وضعف، لكن لا يكون كافراً، مثل الشجرة إذا قطع منها غصن أو غصنان لا تزول، وإنما يكون شيء منها ناقصاً، فإذا قطع أساسها واجتث ذهبت، وهكذا الإيمان، له أساس، وله أصول، وله فروع، فإذا قطع من فروعه بعض الأشياء لا يزول بل يبقى معه أصل إيمان، كما في أصل الشجرة، فـ أهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص، بالاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على دين الله؛ يقوى الإيمان ويزداد ويكمل، وبتعاطي العبد بعض المعاصي التي لا تكفره، كشرب الخمر، والزنا، والعقوق، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان والكاذبة، وأشباه ذلك؛ هذه كلها نقص في الأصول والفروع، كلها تضعف الإيمان والدين، ولكن لا يكون كافراً، وبعض أهل البدع يقولون: متى سرق كفر، ومتى زنا كفر، ومتى شرب الخمر كفر، ليس عندهم فرق بين الأصول والفروع، ولا بين الزيادة والنقصان، كـ الخوارج، وهذا باطل. وكذا المعتزلة من جنسهم يقولون: متى فعل هذه الكبائر خرج من الإسلام، وكان مخلداً في النار يوم القيامة، وإن تورعوا عن تكفيره، لكنهم مع مكفريه في المعنى. أما أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعهم بإحسان، فيقولون: إن الإيمان يزيد وينقص ما دام أصله موجوداً، أما فروعه فإنه إذا أخل منها بشيء لا يكفر ما لم يستحله، فإذا زنى وهو يعلم أن الزنا حرام يكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان، مستحقاً لعقوبة الله والحد في الدنيا والعذاب في الآخرة إذا فعل ذلك. كذلك إذا شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام، وأنه عاصٍ، فهو عاصٍ وإيمانه ناقص، ويستحق الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، لكن لا يكون كافراً مثل اليهود والنصارى والمشركين، إلا إذا استحله، إذا قال: إن المسكر حلال، والزنا حلال؛ صار كافراً كفراً أكبر مخرجاً عن الإسلام، كالكفار واليهود والنصارى وغيرهم، بل أشد؛ لأن الردة فوق ذلك. هذه الأشياء التي سمعتم ووضحت لكم أصول ومهمات عظيمة، ينبغي أن تكون على البال.

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة ومن أهم أصول أهل السنة والجماعة: محبة الصحابة رضي الله عنهم، والترضي عنهم، والكف عما شجر بينهم؛ فإن الرافضة يسبون الصحابة، يسبون أبا بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة، ويلعنونهم، وهذا من أعظم البلاء والعياذ بالله! وهذا من جهلهم وضلالهم وانحرافهم عن الهدى -نسأل الله العافية- ويزعمون أن الصحابة ظلموا، وأن الخلافة لـ علي، وأنهم تعدوا عليه وأخذوا الخلافة منه، فكفروهم وفسقوهم بهذا. والرافضة ضالون مضلون، قد خالفوا الطريق، وخالفوا ما عليه أهل السنة والجماعة، وخالفوا النصوص.

مراحل الشباب أهم مراحل العمر

مراحل الشباب أهم مراحل العمر مرحلة الشباب مرحلة عظيمة وخطيرة، إن استغلت في الخير والطاعة، فيافوز من وفق لذلك! وإن استغلت في الشر والمعصية فيا خيبة من فاتته هذه المرحلة! واستغلالها في الطاعة يكون بالعناية والاهتمام بالقرآن والسنة حفظاً وتفقهاً، مع استغلال الأوقات حتى لا تذهب سدى، مع طلب المعالي في جميع الخيرات والترفع والتنزه والابتعاد عن الموبقات والمهلكات.

استغلال نعمة الشباب في طاعة الله

استغلال نعمة الشباب في طاعة الله الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الشباب من نعم الله العظيمة، وصاحبه قد مُنح قوة تعينه على تحقيق آماله بالاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، وهي مرحلة عظيمة ينبغي أن تصان عما لا ينبغي من الأخلاق والأعمال، وينبغي لصاحبها أن يجتهد فيما يبلغه إلى الله عزَّ وجلَّ ونفع عباده. مرحلة الشباب مرحلة عظيمة، هي أهم المراحل، ومن سنة الله عزَّ وجلَّ أن العبد إذا استقام على أمرٍ وواظب عليه وشب عليه، فإن الله جلَّ وعَلا يعينه على إكمال ذلك، ويتوفاه على ما عاش عليه ونشأ عليه من الخير، وقد أشاد الإسلام بالشباب وحثه على الاستقامة، ورغبه بأسباب النجاة والسعادة، ولهذا ثبت في الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) . هذا الحديث العظيم يدل على عظم شأن الشباب، وأنه ينبغي للشاب أن يُعنى بهذه المرحلة، وأن يستقيم فيها على أمر الله، وأن يحاسب نفسه؛ حتى لا يكون سبباً لضلال غيره. وقد ذكر عليه الصلاة والسلام هؤلاء السبعة، وبدأهم بالإمام العادل؛ لأن الإمام العادل مصلحته تعم المسلمين، وتنفع المسلمين، فيقيم فيهم شرع الله، ويحكم فيهم بالعدل، وينصف مظلومهم من ظالمهم، ويعينهم على طاعة الله عزَّ وجلَّ، فلهذا صار أول السبعة، الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ثم ذكر بعده الشاب الذي نشأ في عبادة الله، فصار هو الثاني؛ لأن الشاب إذا نشأ في عبادة الله نفع الله به الأمة، فعلمهم، ودعا إلى الله في شبابه وبعد مشيبه وكبر سنه، فيكون نفعه عظيماً، والفائدة كبيرة، لكونه نشأ في طاعة الله وعبادته، ولكونه تعلم في حال القوة والنشاط، فيزداد علماً وهدىً وتوفيقاً كلما زاد سنه وارتفع، فيكون نفعه أكثر للأمة، والتأسي به في ذلك، كذلك من الشباب المماثل، فالشباب يتأسى بعضهم ببعض، ويقتدي بعضهم ببعض، فكلما قوي نشاط الشباب في طاعة الله تأسى به الآخرون، وكثر عباد الله المستقيمون، وانتشر العلم بينهم، وتأسى بهم غيرهم، فيكثر الخير، ويقل الشر، ويقوم أمر الله، ويخذل الباطل، وتشيع الفضائل، وتختفي الرذائل. ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) فأمر الشباب بالزواج، حتى يحصنوا فروجهم ويغضوا أبصارهم، وحتى يكونوا قدوة لغيرهم في الخير، ولهذا قال: (فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) . فعُلِم بذلك أنه ينبغي للشباب أن يبادر إلى كل ما يعينه على طاعة الله، حتى يتأسى به غيره، وحتى تكون سجية له، وعملاً مستمراً له في طاعة الله سبحانه وتعالى.

نصائح وتوجيهات للشباب

نصائح وتوجيهات للشباب مما يتعين على الشباب: أن يجدوا في طلب العلم، والعناية بالقرآن الكريم، حتى يعرف الشاب أحكام الله، وحتى يسير على بصيرة من الله في حال شبابه وبعد كبر سنه، بخلاف ما إذا كبر في السن، فإن المشاغل تكثر، والفهم يضعف، أما حال الشباب فهي أقوى على فهم النصوص، وأقرب إلى حفظها، وأقرب إلى العمل بها، وأقوى على ذلك، فلهذا ينبغي للشاب أن يحفظ وقته، وأن يصون شبابه، حتى لا يقع فيما حرم الله عليه، وحتى لا يتكاسل ولا يضعف عما أوجب الله عليه. أيها الشباب: أيها الإخوة في الله! أيها الأبناء! إن الواجب عظيم، فعليكم بالجد والتشمير في طاعة الله، وفي طلب العلم، والتفقه في الدين، وحفظ الأوقات عما لا ينبغي، فالوقت في الحقيقة أعز وأغلى من الذهب، فينبغي أن يُصان عما لا ينبغي ينبغي أن يصان عن المحارم، وعن الرذائل، وعن كل ما يشين المؤمن، وينبغي أن يُحفظ فيما ينفع، وفيما يعين على طاعة الله، وفيما يقوي على الجهاد في سبيل الله، وفيما ينفع الأمة في دينها ودنياها. هكذا ينبغي للشاب أن يكون وقته محفوظاًَ في طاعة الله، وفي التعلم والتفقه في الدين، وفي تعلم الأشياء الأخرى التي تنفع الأمة، وتعينها وتغنيها عن الحاجة إلى الغير، فالأمة في حاجة إلى التفقه في الدين، وإلى ما يبصرها فيما شرع الله لها، وفيما أوجب الله عليها، كما أنها في حاجة إلى شباب يتعلموا كل ما تحتاجه الأمة في جميع شئونها الدفاعية، وشئونها التي تحتاج إليها في حياتها. فينبغي للشاب أن يكون ذا عناية وذا حفظ للوقت، يشغله بما ينفع في العلم النافع والعمل الصالح، وفي العلوم الدنيوية النافعة التي يُستعان بها على الإعداد للأعداء، وعلى حفظ البلاد، وعلى نصر دين الله، والجهاد في سبيله، وعلى الغنى عما عند أعداء الله، حتى لا نحتاج إليهم. ومعلوم أن الشباب قوته على العمل، وصبره على العمل، وقوة حفظه وفهمه أكثر بكثير مما إذا ارتفعت السن، وخطه الشيب، وجاءه الضعف، فإن الحال غير الحال، فينبغي له أن يحفظ هذا الوقت العظيم، وهذه الفرصة العظيمة حتى لا تصرف إلا فيما ينفع في الدين والدنيا، وفيما ينفعه لنفسه، وفيما ينفع الأمة الإسلامية، حتى ينفعها في دينها ودنياها، وحتى يساعد في بناء نهضتها الإسلامية النافعة المفيدة، وحتى يساعدها أيضاً في حمايتها من كيد أعدائها، وفي إعداد القوة النافعة المفيدة التي تعينها في جهاد الأعداء، وفي حماية البلاد وحفظها عن مكائد أعداء الله.

الشباب والعناية بالقرآن

الشباب والعناية بالقرآن من أهم الأمور وأعظمها: العناية بالقرآن، فإن القرآن الكريم هو رأس كل خير، وهو ينبوع السعادة، فينبغي للشباب أن يُعنى بكتاب الله، وأن يكون له نصيب من تلاوته، وتدبر معانيه، وحفظه، حتى يستنبط منه ما أراد الله من العباد من أحكام وشرائع، من أوامر ونواهٍ، وأخبار وقصص، حتى يكون على بينة فيما مضى وفيما يأتي، وعلى بينة في أحكام الله وشرائعه.

الشباب والاهتمام بالسنة

الشباب والاهتمام بالسنة بعد ذلك: السنة المطهرة، ينبغي للشباب أن يُعنى بها حفظاً ودراسة، وتفقهاً ومذاكرةً فيما بينهم، وسؤالاً للمدرسين والعلماء عما أشكل، فيكون وقته محفوظاً بين دراسة وحفظ، وبين مذاكرة، وبين سؤال من المدرسين والعلماء والموجهين عن كل ما يشكل من ذلك. ولا يتأتى هذا إلا بعد العناية والدراسة والتدبر في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا العلوم الأخرى التي يتعلمها لمصلحة الأمة، وحماية دينها ودنياها، وحماية الأوطان عن مكائد الأعداء. فهو لا يزال في علم نافع، وفي فوائد يستفيدها إما في دينه وإما في دنياه، مع حفظ الأوقات الأخرى في المذاكرة والسؤال والمطالعة فيما يحتاج إليه، وبقية الوقت يكون محفوظاًَ أيضاً في حاجته الخاصة في نومه، وتناول طعامه وشرابه، وفي صلته بأهله، وغير هذا من شئونه.

الشباب وحفظ الأوقات

الشباب وحفظ الأوقات لا ينبغي للعاقل أبداً أن يضيع الوقت في غير منفعة، إما في دين وإما في دنيا. ولهذا شرع الله لنا أن نحفظ أوقاتنا، وأن نصونها عما لا ينفع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي هو الذي يعتني بالأمور كلها، فيعتني بالعلم النافع، والتفقه في الدين، ويعتني بالعلوم الأخرى التي تنفع الأمة في دنياها ودينها، وتغنيها عن الحاجة إلى أعدائها. وهو أيضاً قوي في تنفيذ الأوامر والنواهي، قوي في طلب العلم، قوي في التفقه في الدين، قوي في أمر الله والدعوة إلى سبيله، قوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوي في جهاد الأعداء، قوي في وعيه وتفكيره، قوي في كل شأن من شئونه، هكذا المؤمن القوي، هكذا المتبصر الموفَّق، العالي الهمة، هذا شأنه أبداً، إما في علم وعمل، وإما في دعوة إلى الله، وإما في مذاكرة، وإما في أمور أخرى تنفع الأمة في دينها ودنياها، فهو قوي في قلبه، قوي في عمله، قوي في علمه، قوي في تفكيره، قوي في دعوته، قوي في أمره بالمعروف، قوي في نهيه عن المنكر، قوي في صبره على الجهاد، قوي على مصابرة الأعداء، قوي في تعلمه كل ما ينفع في أمر الدين والدنيا. ولهذا كان أحب إلى الله وخيراً عند الله من المؤمن الضعيف الذي ليس عنده همة عالية، وعناية تامة بالأمور الأخرى التي يتعدى نفعها إلى الأمة. ثم قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذه كلمة جامعة من جوامع الكلم التي أوتيها النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الله جمع له العلوم الكثيرة والمعاني العظيمة في كلمات قليلة، يقال لها: جوامع الكلم، وهذه منها: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) لما بين أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، بيَّن ما ينبغي للمؤمن، وما يُشرع له أن يسير عليه، فقال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذا هو المطلوب من المؤمن، أن يحرص على ما ينفعه عاجلاً وآجلاً، في أمر دينه ودنياه، وأن يستعين بالله في ذلك، فلا يضعف ولا يكسل، ولا ينسى عون ربه فيعتمد على نفسه فقط، بل يعتمد على نفسه بعد الاستعانة بالله، وبعد اللَّجَأ إلى الله، وتعليق القلب به، والاستعانة به في كل شيء، فهو سبحانه المعين والموفق. والعبد ضعيف بدون ربه، فعليه أن يستعين بالله، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] فأخبر أنه المعبود، وأنه المستعان. فأنت عليك أن تعبده بطاعتك له سبحانه، وباللجوء إليه والاستعانة به سبحانه وتعالى، وعليك مع ذلك أن تحرص على ما ينفعك، مجتهداً في الأسباب، حريصاً على تعاطيها؛ لكن مع الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، واللجوء إليه، وإيمانك بأنه هو المعين وهو الموفق، وأنه لا عون لك إلا هو سبحانه وتعالى.

الشباب والجمع بين التوكل وتعاطي الأسباب النافعة

الشباب والجمع بين التوكل وتعاطي الأسباب النافعة وهكذا ينبغي للمؤمن أن يكون جامعاً بين الأمرين، آخذاً بالأسباب، متعاطياً الأسباب النافعة في أمر الدين والدنيا، مستعيناً بالله على ذلك. هكذا شأن المؤمن، وهكذا شأن المتوكلين، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] . فالمتوكلون يجمعون بين الأمرين؛ بين الحرص على الأسباب النافعة، والعوامل المفيدة في أمر الدين والدنيا، ومع ذلك يعتمدون على الله، ويتوكلون عليه، ويستعينون به سبحانه وتعالى، مقرين ومعترفين بأنه لا غنى لهم عنه سبحانه وتعالى، وأنهم به جلَّ وعَلا، ليس لهم غنىً عنه طرفة عين، هكذا ينبغي للمؤمن في جميع أحواله. فإذا فات المحبوب أو حصل المكروه فلا يعجز، ولا يلجأ إلى التحسُّر وإلى إرضاء الشيطان، فيقول: لو فعلتُ كذا لكان كذا، لو فعلتُ لكان كذا، لا. بل يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون، هكذا يقول المصاب الذي فاته المحبوب، أو حصل عليه المكروه، بعدما جدَّ واجتهد، وبعدما ثابر وعمل، وأخذ بالأسباب، فعند هذا يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، قد فعل ما ينبغي، قد أخذ بالأسباب، وجدَّ واجتهد؛ ولكن قد سبق في علم الله وقدره أن هذا لا يحصل له، فهو جاد مجتهد في أسباب الخير والتوقي للشر، جاد مجتهد في طلب المعالي ومكارم الأخلاق، جاد مجتهد في الحذر من سفاسف الأمور، وسيئ الأخلاق، ولكن قد يفوته بعض مطلوبه، وقد يحصل له بعض المكروه، فعند ذلك لا يجزع ولا يتحسر ولا يضعف عن العمل، بل يستمر في العمل، ويصبر ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قَدَرُ الله وما شاء فعل، فهو وإن أخفق في بعض المسائل، ولم يحصل له المطلوب؛ لكنه في الغالب يفوز بالمطلوب، وهذه سنة الله في عباده. من جدَّ واجتهد وأخذ بالأسباب وصابر فإنه في الغالب يفوز بالمطلوب، ويسلم من المكروه، سنة الله في عباده، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] . وإن أهم الأمور أيها الأبناء الكرام الحفاظ على دين الله، والاستقامة عليه، كما قال جلَّ وعَلا في الفتية: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] . فالشباب إذا وفقهم الله في الحفاظ على دينه، والاستقامة عليه، والتفقه فيه، والدعوة إليه، والصبر والمصابرة، فإن الله جلَّ وعَلا يعينه فيما بقي من عمره، ويحفظ عليه بقية عمره، ويعينه على أداء الواجب وتبليغ الرسالة أينما كان، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] . فمن اتقى الله، وجدَّ في الأعمال وصابر، فإن الله يعينه, ويفتح له أبواب الخير، ويسهل له الأسباب النافعة، ويمنحه الصبر على ذلك، ويثيبه الثواب الجزيل على صبره وإخلاصه وصدقه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] . فعلينا أيها الأبناء الكرام! أن نأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأباحها، وأن نجاهد في ذلك، ونصابر، وأن نحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ، وعلينا مع ذلك أن نتوقَّى ونحذر مَحارمه، ونؤدي ما أوجب علينا بإخلاص وصدق، نرجو ثوابه، ونخشى عقابه.

الشباب والمصابرة في طلب المعالي

الشباب والمصابرة في طلب المعالي هكذا المؤمن يؤدي ما عليه، ويصبر على ما شرع الله له، ويحافظ عليه، ومع ذلك هو أيضاً يطلب المعالي، ويسير في ركاب الخير، ولا يلين، ولا يضعف، ولا يجزع، ولا يسخط، ولا ييئس، بل هو صابر مجاهد مسارع إلى كل خير، واقف عن كل شر، يرجو الخير ويطلب ويأخذ بأسبابه، ويتوقى الشر ويبتعد عن أسبابه, عالماً أن ربه جلَّ وعَلا على كل شيء قدير، وأنه مسبب الأسباب، وأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى، وأنه شرع لنا أن نأخذ بالأسباب، وأن نأتي الأمور من أبوابها، ووعدنا التأييد والتوفيق والنصر: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5] . فوعده بأن يعطيه مطلوبه، ويسهل له مرغوبه، ومع ذلك يُعْظِم له الأجور، ويغفر له الذنوب سبحانه وتعالى، فهذه من نعمه وفضله سبحانه وتعالى على من طلب فضله, وجد في طلب مرضاته، وسارع إلى ما أمر به، وتباعد عما نُهي عنه عن فقه وبصيرة، وعن نظر فيما يجب عليه، وعن ابتعاد عما حرم الله عليه. وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] . فالمؤمن سواء كان شاباً أو شيخاً فإنه يتقي الله، ويتزود مما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويتباعد عن مساخط الله، ومع ذلك هو أيضاً جاد في الأسباب الأخرى النافعة في دينه ودنياه، التي تنفع الأمة، وتحفظ كيانها، وتغنيها عن شر أعدائها والحاجة إلى أعدائها، فلا يقف عند حد، بل هو دائم التشمير في طلب المعالي، كلما فرغ من شيء تشوف إلى ما هو أعلى منه وإلى ما هو فوقه من أعمال وعلوم ومنافع ينفع بها الأمة، وينفع بها نفسه. والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب:70-71] فالمؤمن متى اتقى الله، وحفظ لسانه، أصلح الله أعماله، وغفر له ذنوبه. فأنت يا عبد الله متى اتقيت ربك، وجاهدت نفسك، وصابرت في طلب المعالي، وطلب ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويباعد من سخطه، أصلح الله لك الأعمال، ويسر لك الأمور، وبلغك الآمال، وغفر لك الذنوب؛ فضلاًَ منه وإحساناً. فإياك والغفلة، وإياك والكسل، وإياك والعجز، وإياك وسوء الظن بالله، كل هذه الأمور يجب أن تتضح، وأن تكون عالي الهمة، قوي الأمل، حسن الظن بالله عزَّ وجلَّ، صالح الأعمال، صادق الرغبة، نشيطاً في كل خير، بعيداً عن كل شر، وبهذا تكتسب المعالي، وتوفَّق لأحسن الأعمال، وأفضل الأعمال، وتُعان على كل خير، وتوقي كل شر. وأسأل الله عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والنصح في العمل، وأن يعيننا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه فلاح الأمة ونجاتها. كما أسأله سبحانه أن يصلح حال المسلمين جميعاً، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفقهم لما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم. وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية العلاج من اللواط والعادة السرية

كيفية العلاج من اللواط والعادة السرية Q إنني يا فضيلة الشيخ إنسان مؤمن بالله والحمد لله على ذلك؛ فالصلاة أقوم بها، والصوم كذلك، والعمرة، فقد اعتمرتُ حتى الآن ثلاث عشرة مرة، وعمري تسع عشرة سنة، ومنذ نحو ست سنوات مضت كنت أقوم بشيء لا يرضي الله ولا رسوله، وهو والعياذ بالله اللواط والعادة السرية، ففي عامنا الفائت وفي إجازة الربيع (1404هـ) ذهبنا إلى مكة لأخذ عمرة، فصممتُ التوبة إلى الله من هاتين العادتين السيئتين، فتبتُ، ولله الحمد على ذلك، فلما أتى رمضان في نفس العام، أخذتُ عمرةً أيضاً ومشكلتي حينما انتهى رمضان عدتُ للعادة السرية فقط ولم أرجع للواط، وحينما دخل عامنا (1405هـ) وبدأت اختبارات نصف السنة التي قد مضت منذ ما يقرب الشهرين عُدت والعياذ بالله إلى عادة اللوط، وتركتُها، وأود من فضيلتكم الإفتاء في ذلك، وإفادتي أفادكم الله، حتى أتوب إلى الله توبة نصوحاً، وكيف الطريق إلى ذلك؟ A الله جلَّ وعَلا حرَّم علينا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأوجب علينا التوبة النصوح من جميع الذنوب، فقال سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] وقال سبحانه: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:74] هذه الآيات وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب التوبة، وأنه سبحانه وتعالى قد فتح أبوابها ويسرها لعباده، فعليك أيها السائل أن تتقي الله، وأن تجزم بالتوبة وتصدق بالتوبة، وأن تبتعد عن نقضها، وأن تحذر مكائد الشيطان، فإن الشيطان عدو مبين، وله نواب من الإنس يدعون إلى الفواحش والمنكرات ويحببونها، ويحببون نقض التوبة، ويقولون: إن الله غفور رحيم، إن الله تواب حكيم، إن الله كذا، إن الله كذا، حتى يوقعوك فيما حرم الله، وقد ينزل بك الأجل وأنت على معاصي الله سبحانه وتعالى، فيحال بينك وبين التوبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالواجب عليك أن تجزم على التوبة، وتصدق في التوبة من اللواط ومن العادة السرية، هذان محرمان، واللواط أعظم وأشنع؛ لأن اللواط من كبائر الذنوب، ومن أعظم الجرائم، وقد جاء في الحديث: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) ، وقال الله في كتابه العظيم عن اللوطية: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:28] فأخبر أن اللوطية ما سبقهم أحد، قوم لوط، لم يسبقهم أحد بهذه الفاحشة ممن قبلهم، نسأل الله العافية، وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وقد أجمع علماء الصحابة رضي الله عنهم على أن اللائط والملوط به يُقتلان إذا كانا مكلَّفَين؛ لأنها جريمة أشنع من جريمة الزنا، والعياذ بالله. فيجب الحذر والتوبة الصادقة، والبُعد عن أسباب ذلك، وعن مخالطة من يدعو إلى ذلك، أو يجر إلى ذلك، أو تتوق النفس إلى فعل ذلك معه، يجب الحذر من أولئك، فإن صحبة الأشرار من أعظم أسباب الشر، ومن أعظم دواعي الشر، فيجب البُعد عن صحبة الأشرار، ويجب الحرص على صحبة الأخيار، مع سؤال الله الثبات والتوفيق للاستقامة على التوبة، وعدم نقضها. وهذا العادة السرية عادة قبيحة ومنكَرة، قال الله فيها وما في معناها: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7] أي: ظالمون، والعادة السرية غير الزوجة وغير ملك اليمين، فتكون من العدوان والظلم، وفيها مضار كثيرة كما بين أهل العلم، وبيَّن أهل الطب. فيجب عليك الحذر منها؛ لأنها عادة سيئة منكَرة، فإياك وإياها، واحذرها، واحذر من يشير بها، أو يدعو إليها. نسأل الله لنا ولك الهداية، والثبات على الحق، والصدق في التوبة.

حكم من احتلم ولم يصل حتى وجد الماء

حكم من احتلم ولم يصلِّ حتى وجد الماء Q ذهبنا مع بعض الأصدقاء إلى رحلة خارج الرياض، وبالضبط في الثمامة، فخرجنا يوم الأربعاء في الليل، فحينما جاء وقت النوم نمنا، فلما أصبحنا على يوم الخميس وجدتُ نفسي قد احتلمتُ، وكان عددنا أربعة، ولا يوجد معنا غير جالون ماء للشرب والأكل، فأخبرتُ أحد الأصدقاء بما حدث لي، فقال لي: تعفَّر وصلِّ معنا الفجر، يجوز لك ذلك، فعملتُ ما أمرني به، ولما جاء وقت صلاة الظهر شككتُ في الأمر، ولم أصلِّ معهم جميع الأوقات من فجر يوم الخميس إلى عشاء ليلة السبت في نهار الجمعة، فلما ذهبنا إلى الرياض صليتها بعد أن اغتسلتُ، وبدون أن أقصر في جميع الأوقات فيما فاتني، فماذا عليَّ في ذلك؟ A الواجب عليك إذا وقع مثل هذا أن تنظر، إن وجدتَ ماءً قريباً منك تستطيع الغسل به فعلتَ ووجب عليك ذلك، فإن لم تجد تيممت كما قال لك صاحبك، تعفَّرت بالتراب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجُعِلَت الأرض مسجداً وطهوراًَ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فعنده مسجده وطهوره) ويقول صلى الله عليه وسلم: (وجُعِلَ التراب لي طهوراً إذا لم أجد الماء) ، فمن لم يجد الماء فالصعيد وضوءه. فعليك إذا فقدتَ الماء في أي مكان أن تتيمم، وتضرب التراب بيديك، وتمسح به وجهك وكفيك كما أمر الله سبحانه وتعالى وتصلي، وليس عليك إعادة، وإذا كنتَ في محل فيه ماء وجب عليك الغسل، وإذا كان الوقت بارداً سخَّنته بالنار، وإذا لم تجد ناراً وخشيت على نفسك شدة البرد تيممتَ وصليت وأجزأك، والحمد لله. وأما تركك للصلاة معهم المدة الطويلة يوم الخميس والجمعة، فهذا غلط وخطأ منك، فعليك بالتوبة إلى الله من ذلك، والندم على ما مضى منك، وعدم العودة إلى مثل ذلك، وقد أحسنتَ في قضاء الصلاة لَمَّا تمكنت من الماء؛ ولكنك أخطأت في تركها، وفي التأخير. فالواجب التوبة من ذلك، وألا تؤخرها عن وقتها، إن وجدتَ ماءً فاغتسل، وإلا فتيمم وصلِّ ولا تؤخرها عن وقتها أبداً.

حكم استخدام علاج يضعف الشهوة الجنسية

حكم استخدام علاج يضعف الشهوة الجنسية Q ما رأي فضيلتكم في علاج يميت اللذة الجنسية، فقد سمعتُ بعلاج يُدعى الكافور، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله وجزاكم خيراً. A شدة الشهوة وقوتها وخطرها قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فينبغي لك أن تصوم ما تيسر، وتستعين بالله، ثم بالصوم، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إذا استطعتَ ذلك، فإن لم تستطع فاتصل بالمختصين من الأطباء الذين لهم عناية بهذا الشيء؛ حتى يرشدوك إلى ما يعينك على حفظ نفسك، وعلى كف شهوتك عما حرم الله، هناك أدوية تضعف الشهوة، ولا تقطع الشهوة؛ لكن تضعفها إلى أن تأتي الأسباب التي تعين على قضائها في الحلال، فعليك بسؤال المختصين الذين لهم عناية بهذا الأمر، حتى يرشدوك إلى أسباب تعينك على كبح شهوتك، والحذر من طغيانها؛ بالأدوية النافعة التي لا تقطعها ولا تضرك؛ لكن تضعفها في وقت خاص وفي وقت معين؛ حتى يتيسر لك الزواج، وقضاء الوطر فيما أباحه الله سبحانه وتعالى، والصوم إذا أمكن فهو من أحسن وأفضل الدواء الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام. وهنا نقطة ينبغي أن تُعْلَم وهي: الزواج الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، كثير من الشباب يتقاعس عن الزواج، ويعرض عن الزواج، وربما شجعه بعض زملائه على ذلك، تارة بالصبر حتى تنتهي الدراسة، وتارة حتى يجد وظيفة تقوم بحاله، وتارة كذا، وتارة كذا، وهذا خطأ. والواجب البدار بالزواج إذا تيسر ذلك ولو من طريق أبيك، أو من طريق أخيك الكبير، أو من طريق أمك، أو من أي طريق تصل بها إلى الزواج، بادر بالزواج، ولا تنتظر انتهاء الدراسة، ولا تنتظر الوظيفة، ولا تنتظر وجود بيت سكني تملكه، ولا غير هذه الأعذار، بادر للزواج، والمتزوج يعينه الله، والله يقول سبحانه وتعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] فجعل النكاح من أسباب الغنى. فعليك بالزواج والبدار إليه, ولا تؤجل إلى انتهاء الدراسة، أو إلى كذا، أو إلى كذا؛ بل إذا تيسر ذلك ولو من طريق والدك، أو من طريق أخيك، أو من طريق أمك، أو بأي طريق يحصل لك به ذلك، فلا تتأخر وبادر وسارع؛ لأن في هذا مصالح كثيرة منها: 1- غض بصرك. 2- إحصان فرجك. 3- تكثير النسل، وتكثير الأمة. 4- أن الله جلَّ وعَلا سيغنيك بذلك، ويعينك بذلك على مصالح كثيرة. ولا يخفى أيضاًَ أن الزواج فيه هدوء وسكن للنفس، وطمأنينة، فالله جعل المرأة سكناً للزوج: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] فالأزواج جعلهن الله سكناً للزوج، وراحة له، وطمأنينة له، فإذا تزوج فقد استعان بشيء جعله الله له عوناً على الطمأنينة، والراحة، وسكن النفس، وراحة البال، فلا تؤخر هذا الشيء الذي جعله الله لك سكناً وعوناً على الخير، وسبباً لحمايتك مما حرم الله عزَّ وجلَّ.

حكم الصلاة في مسجد بجواره قبر

حكم الصلاة في مسجد بجواره قبر Q يوجد لدينا مسجد تقام الصلاة فيه جماعة وجمعة؛ ولكن يوجد قبور حول المسجد في مقدمته ومؤخرته، والفرق بين المسجد والقبور نحو ستة أمتار فقط، علماً أن المسجد بُني قبل وضع القبور، فهل تصح الصلاة في هذا المسجد؟ A نعم، تصح الصلاة فيه، ولو كان حوله قبور، إذا كان المسجد قائماً، ووُضعت حوله القبور عن يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه هذا لا يضر، وقد كان الناس فيما مضى يدفنون حول البلاد من الخوف والفتن والحروب، كانوا يدفنون حول مساجدهم، يخرج المسجد ويدفن حول المسجد. أما الآن فقد وسع الله ويسَّر، فينبغي إبعادها عن المساجد؛ حتى لو دعت الحاجة إلى توسيع المسجد وُسِّع المسجد، وحتى لا يظن جاهل أن للدفن جوار المساجد سراً أو قصداً. فينبغي أن تكون المقابر بعيدة عن المساجد حتى لا يظن ظان خلاف الحق، أو حتى لا تدعو الحاجة إلى التوسعة، فيكون وجود القبور مانعاً من ذلك، أو داعياً إلى نبشها ونقلها مرة أخرى. المقصود أن القبور التي حول المساجد لا تمنع من الصلاة في المساجد، إنما المحرم أن تُبنى المساجد على القبور، وأن تتخذ القبور مساجد، هذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) . فلا يجوز أن يُبنى على القبور مساجد، ولا يُصلى حولها، ولا بينها، ولا يدفن الميت في المسجد، كل هذا لا يجوز، يجب أن تُدفن الموتى بعيداً عن المساجد، وألا تقام المساجد على القبور، هكذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ ولكن متى وجد قبور جوار المسجد لم تمنع من الصلاة فيه.

دفع شبهة حول الاحتجاج بالقدر

دفع شبهة حول الاحتجاج بالقدر Q يلبس الشيطان وقرناء السوء على بعض الشباب في مسألة القدر، وأنه لا فائدة من التمسك بالدين ما دام الأمر قد فُرغ منه، نرجو التوجيه من سماحتكم، جزاكم الله خير الجزاء؟ A هذه الشبهة قد وقعت قديماً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقعت للصحابة رضي الله عنهم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حدثهم وقال: (ما منكم من أحد إلا وقد عُلِمَ مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله! ففيمَ العمل حينئذ؟! قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فيُيَسَّروا لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيَسَّروا لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10] ) . فهذا يبين لنا أن القدر مفروغ منه، وأن الله قد علم كل شيء، وأحصى كل شيء سبحانه وتعالى؛ ولكنه جعل لهذا أسباباً ولهذا أسباباً، فللخير أسباب، وللشر أسباب، وللجنة أعمال، وللنار أعمال، فمن كان من أهل السعادة، وفقه الله لأعمال أهل السعادة وأعانه، ومن كان من أهل الشقاوة يُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فعلى المؤمن أن يجدَّ في العمل الذي يعلم أنه طيب، وأنه من أعمال أهل السعادة، على المؤمن أن يجِدَّ فيه، وأن يسارع إليه، وأن يكثر منه، وأن يحذر من الأعمال التي جعلها الله من أعمال أهل الشقاوة، ويبتعد عنها، وينفر الناس منها.

حكم الركوع قبل الوصول إلى الصف

حكم الركوع قبل الوصول إلى الصف Q في حالة الصلاة في المسجد والجماعة راكعون، هل يصح أن أركع وأنا بعيد عن الجماعة، وليس بجانبي أحد، وبعد أن أعتدل أتقدم حتى أصل إلى الصف مع الجماعة؟ A هذا وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم، وهو أبو بكرة الثقفي رضي الله عنه، فإنه جاء ذات يومٍ والنبي عليه الصلاة والسلام راكع، فركع دون الصف، ثم مشى ودخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن ذلك، كأنه أحس بذلك، وكان من خصائصه أنه يرى مَن خلفه عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ) نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف، فدل ذلك على أن الواجب الصبر، حتى يصل إلى الصف، وليس لك أن تركع وحدك، فاصبر حتى تصل إلى الصف، وتسد الفرجة، أو إلى طرف الصف وتصف مع الناس، وليس لك أن تصلي وحدك، ولا أن تركع وحدك، بل تصبر حتى يوجد معك أحد، أو تلتمس فرجة من الصف، أو في طرف الصف، فتدخل في ذلك.

حكم الملاكمة

حكم الملاكمة Q ما حكم الملاكمة في الإسلام؟ A الملاكمة فيها خطر عظيم، والذي يظهر لي أنها محرمة، وأنها ممنوعة، وأنها سبب لشر كبير، فلا تنبغي أبداً؛ لأنها تفضي إلى خطر عظيم. والذي يظهر من قواعد الشرع منعُها، وقد قال الله جلَّ وعَلا: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] . وقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) والضرر متحقق فيها، قد يضربه ضربة تقضي على حياته، أو تكسر عضواً من أعضائه. الحاصل أن الملاكمة التي سمعنا عنها وبَلَغَنا عنها لا خير فيها والذي يظهر من قواعد الشرع منعها وتحريمها؛ لأنها تفضي إلى شر كثير بلا جدوى وبلا فائدة تذكر، فليست ذات أهمية، وإنما المشروع المسابقة بالرماية، والمسابقة على الخيل، هذا هو الذي ينفع الناس، التدرب على الرماية وأنواع السلاح، والتدرب على ركوب الخيل، وركوب الإبل، وقد يأتي يوم نحتاج إليها فيه. والظاهر أن الأمر في آخر الزمان يعود إلى الإبل والخيل، وتنتهي هذه المخترعات الجديدة. المقصود أن الشيء الذي يضر ولا ينفع، وتكون منفعته قليلة، قاعدة الشرع منعه وتحريمه.

مشروعية الضم بعد القيام من الركوع

مشروعية الضم بعد القيام من الركوع Q أين يضع المصلون أيديهم بعد الركوع؟ A السنة أن توضع الأيدي على الصدر، قبل الركوع وبعده، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فيما روى مسلم في صحيحه عن وائل قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على كفه اليُسرى) . وقال سهل بن سعد رضي الله عنه: (كان الرجل يؤمر أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) . وفي مسند أحمد وغيره عن أحد الصحابة (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على صدره في الصلاة) . وقال وائل: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يديه على صدره في الصلاة) . هذا هو السنة أن يضعهما على صدره وهو قائم في الصلاة، قبل الركوع وبعده، لا فرق في ذلك؛ لأن وائلاً قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة، وضع يمينه على شماله على صدره في الصلاة) .

القول المختار في دوران الشمس حول الأرض

القول المختار في دوران الشمس حول الأرض Q لسماحة الشيخ/ عبد العزيز جزاه الله خيراً قول في دوران الأرض وجريان الشمس، وعدم إنارة القمر، فنأمل التوضيح؟ A الأدلة التي لنا هي رد على من قال بدوران الأرض وحركاتها، ورسوخ الشمس وثبوتها، هذا كتبنا فيه ردوداً وجُمعت، وطُبعت، وتوزَّع وعنوانها: " الأدلة النقلية والحسية على سكون الأرض، وعلى جريان الشمس وعلى إمكان الصعود إلى الكواكب " هذا الذي نقلناه من كلام أهل العلم، أن الأرض ثابتة وساكنة، وأن الشمس والقمر دائران وسائران. وأما عدم إنارة القمر فهذا لا أصل له، وما قلتُ هذا، القمر جعله الله نوراً بنص القرآن، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} [يونس:5] فالقمر له نور، والشمس لها نور وضياء، هذا بنص القرآن وبالمشاهَدة، ومن نقل عني أني أقول بعدم إنارة القمر فهذا قول فاسد لا أصل له ولا أقول به، وكتابي موجود يوزع من المكتبة ومن المستودع، ومن أراده وجده، والأدلة التي ذكرناها عن أهل العلم واضحة في أن الشمس والقمر دائران، كما نص الرب على ذلك، قال تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} [الرعد:2] . وأما الأرض فهي ساكنة، وقد نقل القرطبي رحمه الله في تفسيره إجماع العلماء قال: وأهل الكتاب أيضاً على أن الأرض ساكنة وثابتة. وقال عبد القاهر البغدادي في كتابه: الفَرْق بين الفِرَق قال: أجمع أهل السنة على أنها ساكنة وثابتة، هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة. أما ما يقوله الناس اليوم وينسبونه إلى الرياضيين أو الفلكيين من دوران الأرض فهذا قول لا أصل له، ولا دليل عليه، وإنما هي خرافة وظنون ليس لها دليل من الواقع ولا من الحس، ولا دليل من نقل، وإن زعموا وجود ذلك، فالأرض ثابتة ومستقرة في الهواء بإذن الله عزَّ وجلَّ، والشمس والقمر والكواكب دائرات من حولها في جوها وفي فلكها.

حكم الفوائد الربوية وبيان مصرفها إذا أخذت

حكم الفوائد الربوية وبيان مصرفها إذا أخذت Q لي أب يعمل في شركة (أرامكو) منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، ومنذ بدايته وهو يضع نقوده في بنك الضمان الاجتماعي في الشركة، والآن انتهى من العمل، وسوف يعطونه أمواله وزيادة، أو مضاعفة، فماذا يعمل في هذه النقود؟ وهل هي ربا؟ وماذا أفعل لو أخذها، أفدنا أطال الله بقاءك؟ A هذا صدر فيه فتوى من اللجنة الدائمة، أن النقود التي توضع في الشركات التي تشترط من العامل إذا دفع نقوداً من راتبه كل شهر أنه بعد خمس سنوات يعطي كذا، وبعد عشر سنوات يعطي كذا، (60%) أو (50%) أو (100%) فإن هذه الزيادة ربا؛ لأنها تنتفع بأمواله وتنميها وترابي فيها، وتعطيهم ذلك، وهذا شيء اطلعنا عليه في بعض بنود الشركات، وأنها بعد مرور خمس سنوات تعطيك (50%) مثلاً أو أقل أو أكثر، وإذا مضى عليه عشر سنوات أعطته (100%) في مقابل ما دفعه من أقساط، وهذا ربا. والذي يظهر لنا أن الواجب عليه الصدقة بها، أو صرفها في مشاريع خيرية؛ ولا يأكلها لأنها ربا، فيأخذ ماله الذي جمع، وحصل له من الأقساط التي قدمها لهم. وأما الربا الذي أعطوه زيادة فهذه تصرف في وجوه البر وأعمال الخير، وبناء الطرق والمدارس، ودورات المياه، ومواساة الفقراء وقضاء دين المدينين، وإعطاء المجاهدين والمبتلين بالفقر في أي مكان. هذا هو الذي يجب؛ لأنه مال جاءه من غير حله، فلا يُحرق ولا يُتلف؛ ولكن يُصرف في مصارف الأموال الضائعة والأموال التي ليس لها أحد.

حرمة الآلات الموسيقية

حرمة الآلات الموسيقية Q هنا في بيوت الشباب يتدرب بعض الشباب على الآلات الموسيقية، فهل لسماحتكم توجيه في هذا؟ وكذلك يسبح بعض الشباب بسراويل قصيرة لا تستر العورة، فلعل فضيلتكم يوجه هؤلاء؟! A أما الموسيقى فالذي نعرفه بنص الشرع أنها من آلات الملاهي، وأنه لا يجوز استعمالها، ولا يجوز تعلمها وإن وجدت في الإذاعة أو في التلفاز، فليس وجودها حجة على إباحتها، فقد يوجد في الدول، وترى الدول أشياء ليس في الشرع ما يدل على حلها، قد تفعلها لتأويل، أو لأسباب دعت إلى ذلك، وليس في ذلك حجة على حلها، فجميع آلات الملاهي من العود والكمان والموسيقى وغيرها مما لا نعرف من آلات الملاهي والأغاني كلها محرمة وإن فعلها الناس، والله سبحانه يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] ولهو الحديث: قال أكثر أهل العلم: إن المراد به الغناء، كالذي يمدح بالباطل، ويذم بالباطل، أو يحبب الجنس والدعوة إلى الفاحشة، وذكر النساء، ومحاسن النساء، والتشبيب بالنساء، وما أشبه ذلك، وهكذا ما يشترك في ذلك، وما ينافس ذلك من آلات الملاهي، والأصوات المنكرة من الموسيقى أو العود أو الكمان أو أي صوت من أصوات المنكر كأصوات الملاهي. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري في الصحيح. والحرَ هو: الزنا. والحرير: في حق الرجال محرم. والخمر: معروف وهو كل مسكر. والمعازف: آلات الملاهي والغناء.

حكم من أخذ قوتا للحاجة بغير إذن أهله

حكم من أخذ قوتاً للحاجة بغير إذن أهله Q فضيلة الشيخ/ عبد العزيز. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد: إنني أحبك حباً شديداً، حباً في الله لما قدمته لنا من الخير والفضل الذي تقدمه دائماً إلينا في كل وقت. وبعد: كانت عائلتي صغيرة، وكنا نقطن في قرية صغيرة، وكان قد أصابنا جوع وقحط، وكانت أمي تأخذ من عند أهلها حباً بدون علمهم ولا دراية منهم، فتطحنه وتقدمه لنا غذاءً، نريد من فضيلة الشيخ أن يفيدنا فيما يجب على الوالدة أن تفعله، وما هي الكفارة إذا كان علينا شيء؟ أفيدونا أثابكم الله! A أما حبك لأخيك في الله، فأقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتحابين بجلاله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) . ويقول صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله وذَكَر المتحابين في الله) . وأما ما يتعلق بما فعلته أمك في حال الجوع والحاجة مما تأخذ من بيت أهلها فلا حرج عليها في ذلك؛ لأن الواجب على أهلها من أبيها وأمها أن يطعموها وأن يطعموا أولادها إذا كان ليس لهم من يعينهم، ولا من ينفق عليهم، فالواجب عليهم أن ينفقوا ويحسنوا إليهم، والمسلمون شيء واحد، يجب عليهم أن يرحموا فقيرهم ويواسوه، ويحسنوا إليه، ويقوموا بحاجته، فالمسلم أخو المسلم. وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه -أي: لا يخذله، ويتركه لمن يظلمه- ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) . وقالت هند بنت عتبة: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ إلا ما أخذتُ من ماله بغير علم، فهل علي في هذا من جناح؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) أي: بغير علم. فما أخذته أمك من أهلها من بيت أبيها وأمها مما يسبب إنقاذها وإنقاذ أولادها فلا حرج فيه، ولا شيء عليها فيه ما دامت محتاجة، وليس هناك من يقوم بها غيرهم.

أسباب عدم الخشوع في الصلاة وعلاج ذلك

أسباب عدم الخشوع في الصلاة وعلاج ذلك Q سماحة الشيخ، جزاك الله كل خير. هناك البعض يشتكون من عدم الخشوع في الصلاة، فما هو العمل الذي يجعل المرء يخشع في صلاته؟ وهل البكاء في الصلاة من ضمن ذكر الله في الخلاء؟ A الواجب على المؤمن أن يطمئن في صلاته، وألا ينقرها، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2] . قال عبد الله بن أبي عامر، دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي قال: (رأيته يصلي، وله أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء) . وكان الصدِّيق رضي الله عنه إذا صلى بالناس لا يُسمعهم من بكائه رضي الله عنه. والمقصود أن البكاء من خشية الله أمر مطلوب في الصلاة وغيرها، ولا يضر الصلاة، وإذا أحس المؤمن من نفسه عدم خشوع فلينظر، فإن هذا نتج عن إعراض وغفلة حين الصلاة، فإذا ذهب للصلاة فليقبل عليها بقلبه، وليعلم أنه بين يدي الله، وأنه واقف بين يديه سبحانه وتعالى يرجو رحمته ويخشى عذابه، وليتفكر، وليتدبر كتاب الله، ولينظر فيمن هو واقف بين يديه، وهو الله سبحانه وتعالى، حتى يخشع في ركوعه وسجوده وقراءته وغير ذلك، وليحذر الغفلة والهواجس التي تعرض له في بيته وفي شئونه وشئون أولاده، وشئون دكانه، وشئون مزرعته، وليُقبل على صلاته، وليقطع هذه الوساوس وليبتعد عنها، وليجتهد غاية الاجتهاد في الإقبال على صلاته واستحضار عظمة الله عزَّ وجلَّ، وأنه قائم بين يديه، وأن هذه الصلاة عبادة عظيمة مفروضة عليه، حتى يقبل فيها بقلبه، وحتى يخشع فيها لربه، فهذه من الأسباب التي تباعده عن الأفكار الفاسدة، وعن الغفلة في صلاته والله المستعان.

حكم استخدام السراويل القصيرة أثناء السباحة

حكم استخدام السراويل القصيرة أثناء السباحة Q أحد الإخوان العاملين في بيت الشباب هنا، جاء مستدركاً ليوضح لسماحتكم أن السراويل التي يستعملها الشباب في السباحة طويلة، وأن الموسيقى لا توجد في البيت، كما يقول! A على كل حال، معرفة الحكم طيب، فالموسيقى وغيرها من آلات الملاهي منكَرة ولا تجوز وإن فعلها الناس، والسراويل القصيرة لا تجوز، السراويل القصيرة التي يبدو منها بعض الفخذ لا تجوز، الفخذ عورة كما جاء في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب ستر الأفخاذ عند اللعب، وعدم بروز شيء منها، هذا هو الواجب.

علاج وسوسة الشيطان للعبد في صلاته

علاج وسوسة الشيطان للعبد في صلاته Q كيف يتجنب الإنسان وسوسة الشيطان وإغواءه في الصلاة وغير الصلاة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً! A تقدم الجواب عن هذا، وأن الشيطان حريص على إفساد أعمال العبد في الصلاة وغيرها، وأن الطريق إلى ذلك: أن يقبل على صلاته، ويتذكر وقوفه بين يدي الله، وليتعوذ بالله من الشيطان، ويشتغل بذكر الله، وقراءة القرآن، وغير هذا مما شرع الله في الصلاة، ويكون مستحضراًَ عظمة الله، وأنه واقف بين يديه، وأن هذه الصلاة عبادة عظيمة، وأنها فرض عليه، وأنها عمود دينه، حتى يقبل عليها، وحتى يخشع فيها لربه، وإذا غلب عليه ذلك وكثر، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يتعوذ بالله من الشيطان، ينفث عن يساره ولو في الصلاة، ينفث عن يساره، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يكررها، فإنه بإذن الله يسلم من شره إذا غلب عليه وكثر، وينفث ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات عن يساره ويقول هذا، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص، لما قال: (يا رسول الله! إن الشيطان لبَّس عليَّ صلاتي! فأمره أن ينفث عن يساره، ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاًَ) ففعل ذلك فوقاه الله شره بعد ذلك.

حكم مسح الوجه بعد الصلاة أو القراءة

حكم مسح الوجه بعد الصلاة أو القراءة Q ما حكم مسح الوجه بعد الصلاة أو بعد التلاوة؟ أرجو توضيح ذلك! A المسح على الوجه لم يرد فيه أحاديث صحيحة، ورد فيه أحاديث لا تخلو من الضعف، ولهذا الأرجح والأصح أنه لا يمسح وجهه بيديه. وذكر بعض أهل العلم أنه لا بأس بذلك؛ لأن فيها أحاديث يشد بعضها بعضًا، وإن كانت ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً، فتكون من قبيل الحسن لغيره، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه بلوغ المرام في الباب الأخير. والمقصود أن المسح ليس فيه أحاديث صحيحة، فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء، ولا في غيرها من المواقف التي رفع فيها يديه؛ كموقفه عند الصفا والمروة، وفي عرفات، وفي مزدلفة، وعند الجمار، لم يذكروا أنه مسح وجهه بيديه لما دعا، فدل ذلك على أن الأفضل ترك ذلك.

حكم تسمية الملتزمين بالمطاوعة

حكم تسمية الملتزمين بالمطاوعة السؤال الثاني: ما حكم تسمية طلاب العلم بالمطاوعة؟ A الناس طبقات: العالم، وطالب العالم، والعامي، وكل طبقة أصناف وأنواع، ومن عادة أهل نجد هنا أن بعضهم يسمي أهل المرتبة الوسطى، وهو طالب العلم الذي يصلي بالناس، أو يعلمهم القرآن، يسمونه: مطوع، أي: قد طوَّعه الله, جعله الله عابداً له، مطيعاً له سبحانه وتعالى برتبة زائدة على العامة، فهو فوق العامة ودون العالم، لأن معنى مطوع أي: قد طوَّعه الله وجعله يعمل بطاعة الله، وينفع الناس، ويصلي بهم، ويعلم أولادهم، ويقال له: مطوع، في كثير من أنحاء نجد، وأظنه غير معروف في البلاد الأخرى، هذا معنى مطوِّع. وإذا لقب بهذا حسب العرف فلا بأس بذلك، ولكن إذا ترك ذلك ولقَّبه باسمه كان أحب إليه، كأن يقول: يا أبا فلان، يكنيه بكنيته، أو يا فلان، باسمه المعروف، أو يا أخي، يقول إذا كان هذا أحب إليه، فلا بأس؛ لأن بعض الناس قد يكره أن يقال له مطوِّع، فإذا كان يكره ذلك، فليخاطبه بما يحب، وأما إذا كان لا يكره ذلك أو يحب ذلك فلا بأس.

كتب تعين الإنسان على التفقه في الدين

كتب تعين الإنسان على التفقه في الدين السؤال الثالث: دلني على كتاب أو كتابين جيدَين؛ لأتفقه بهما في أمر ديني! A أدلك على كتب مناسبة، منها: - بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، وهو كتاب جيد في الحديث. - والأربعين النووية، وتتمتها لـ ابن رجب. وهذان الكتابان في الحديث كتابان عظيمان. - وفي الفقه أدلك على: - آداب المشي إلى الصلاة، للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فإنه كتاب جيد في الصلاة، وفي الصيام، فيه كلمات طيبة وعبارات مفيدة. وهكذا أرشدك إلى زاد المعاد، لـ ابن القيم، فإنه كتاب جيد مهم، سماه مؤلفه: زاد المعاد في هدي خير العباد، وهو كتاب جيد ومفيد. هذان الكتابان جيدان ومفيدان. ومن الكتب الطيبة النافعة: الوابل الصيب في الكلم الطيب لـ ابن القيم رحمه الله، فإنه ذكر فيه فوائد جمة في أوله، وأبواباً مفيدة في الأذكار.

مبادئ وأسس الدعوة

مبادئ وأسس الدعوة Q ما هي مبادئ وأسس الدعوة إلى الله؟ وما هي طرقها؟ A المبادئ معروفة: أولاً: المؤمن يجتهد في نفسه، ويتعلم، ويتبصر، ويتفقه. وإذا رزقه الله العلم وتفقه في دينه فإن المبدأ في ذلك: أن يدعو إلى الله بتعليم الناس، وبإرشاد الجاهل وتعليمه، وتوجيهه إلى الخير، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] . المبدأ الأول: أن تتفقه وتتعلم وتتبصر، وتعتني بالقرآن وحفظه وتدبر معانيه، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تحفظ منها ما تيسر، وتشتغل على أهل العلم، وتسأل أهل العلم، وتذاكر أهل العلم، حتى تكون على بينة. فإذا عرفت ما شرع الله لك، وما أوجب عليك، وما حرَّم عليك، تدعو إلى الله، فتكون ممن قال الله فيهم: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] وممن قال فيهم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] وممن قال فيهم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] . تنفع نفسك، وتنفع الناس بالحكمة والكلام الطيب، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] . فتدعو إلى الله بالكلام الطيب، وترشد إليه، وتعلم الناس الخير، وتنهاهم عن الشر، هكذا ينبغي لك.

صلاة من يخرج منه غازات باستمرار

صلاة من يخرج منه غازات باستمرار Q أنا شاب مصاب بمرض أجاركم الله وهو خروج الغازات باستمرار أثناء الصلاة، وقد حُرمت بسبب هذا المرض من أداء السنن الرواتب، كما أن الفروض التي أؤديها يراودني شك في طهارتي فيها، أرجو إفادتي ماذا أفعل فيها، جزاكم الله خيراً! A لا عليك يا أخي، صلِّ النوافل والفرائض جميعاً، صلِّ هذه وهذه، صلِّ الفرائض والنوافل الرواتب وغيرها، أنت معذور، الذي عنده غازات أو بول سلس دائم، أو امرأة معها استحاضة دائمة، فكل يصلي على حسب حاله؛ لكن لا تتوضأ إلا إذا دخل الوقت، إذا دخل وقت الظهر يتوضأ ويصلي الظهر ورواتبها، والنوافل التي يريد، ويقرأ القرآن، ويستمر إلى دخول وقت العصر، فإذا جاء وقت العصر وخرج منه شيء يتوضأ وضوءاً ثانياً للعصر، ولا يزال يصلي العصر ويصلي قبلها ما تيسر، ويستعين بذكر الله إلى غروب الشمس وهو على طهارته، إذا غربت الشمس توضأ للمغرب وصلى بها صلاة المغرب وصلى النوافل، وهكذا العشاء، سواءً كان غازات أو بولاً أو غير ذلك مما يخرج من الإنسان، لا يضر مع الوضوء، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة لما كان الدم دائماً قال: (توضئي لكل صلاة) فإذا دخل الوقت فتوضئي وصلي النوافل والفرائض جميعاً، والحمد لله.

حقيقة الحياة في النباتات

حقيقة الحياة في النباتات Q إن النبات ينمو ويترعرع ويشب ويشيب، ويأكل ويشرب ويموت، وتمر به مراحل كمراحل الإنسان، فهل لهذا النبات روح، مؤيداً الجواب بالدليل، علماً بأن علماء الأحياء وعلماء اللغة وعلماء الدين في مدرستنا الثانوية لهم آراء متضاربة، فأرجو التوضيح؟ والسلام عليكم. A الحياة حياتان كما بين أهل العلم، ودل على هذا كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. الحياة حياتان: حياة ذات روح، تسمع وتُبصر، وتخرج وتأتي، وهذه: الحيوانات، هي بنو آدم والحيوان ولها روح، خلقها الله عزَّ وجلَّ مستقلة، تدخل في الحيوان وتخرج من الحيوان بالموت، والروح الله أعلم بكنهها، قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] أي: الروح قائمة لنفسها تسمع وتبصر، وتخرج وتأتي وقت النوم، ووقت الموت لها شأن. الحياة الثانية: حياة النمو والزيادة والحركة، هذه للنباتات التي جعلها الله تشب وتنمو وتشيب وتهلك، هذه حياة نمائية، حياة النمو، حياة التصاعد، حياة الحركة، بسبب الماء، أو بأسباب أخرى، هذه حياة خاصة، ليست حياة الروح التي تدخل وتخرج وتسمع، حياة جمادية، ليس لها خصائص الروح التي فيها السمع والبصر والخروج والذهاب والمجيء، هذه حياة النمو التي جعلها الله في النبات، بها ينمو، وبها يتحرك، وبها يزيد، وبها يتناهى إلى غايته، ثم بعد هذا تأتي عليه أشياء أخرى تجعله يضمحل ويذوب.

حكم تصوير الصحابة

حكم تصوير الصحابة Q أنا مواطن قد اكتشفتُ أن الخطوط السعودية توزع قصصاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأطفال، والملاحظة على هذه القصص وضع صور بعض الصحابة رضي الله عنهم! حالة أخرى: أن هناك في الأسواق تباع بعض القصص المسماة: سبعة يظلهم الله في ظله، والملاحظ عليها: وضع مظلة، يعني: شمسية، قُصِد بها ظل العرش الكريم، والعياذ بالله. الملاحظ أن هذه القصص قد طُبعت في داخل المملكة! A لا يجوز تصوير مثل الصحابة والأنبياء، ليس لأحد أن يصور الصحابة ولا الأنبياء، بل يجب منع ذلك، حتى لا يكون وسيلة إلى امتهانهم والسخرية والتندر بهم ونحو ذلك، فيجب أن يُصانوا عن ذلك. وجنس الصور محرمة في الأصل، كل الصور محرمة، صور الصحابة وغير الصحابة؛ لكن يجب أن يُصان الصحابة والأنبياء عن التصوير، لا في القصص ولا في غيرها؛ لئلا يُصوَّروا على غير وجه، ولئلا يُمتهنوا، ولئلا يُزدرى بهم، ولئلا يُتندر بهم، وغير ذلك من الأسباب؛ ولأن جنس التصوير محرم، الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المصورين، وقال: (كل مصور في النار) ، وقال (إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) لكن ننظر في هذا إن شاء الله.

حكم تفويت الحارس صلاة الجماعة

حكم تفويت الحارس صلاة الجماعة Q أنا أعمل موظفاً في الهاتف السعودي، والمراقب المسئول يمنعني من تأدية الصلاة في وقت العمل، مع العلم أن المسجد مقابل مبنى الهاتف، فما هو رأي سماحتكم في ذلك؟ A الواجب عليك أن تصلي في محلك؛ لأنك تشبه الحارس، الحارس إذا كان حارساً على مال، أو على مزرعة، أو غيرها، يصلي في محله، ولا يلزمه جماعة، إذا كان الذهاب إلى جماعة يفوِّت الحراسة، وربما جاء في الهاتف ما يدعو إلى الحذر، والحاصل أن من وُكل إليه الهاتف المهم للمسلمين، يكون بمثابة الحارس الذي يصلي عند محل الحراسة. أما أن يضيع الوقت، فلا، يجب أن يصلي في الوقت، ولو قدِّر أن الهاتف تكلم؛ فإن مدة الصلاة مدة قليلة، خمس دقائق أو أقل من ذلك. فالواجب أن تصلي الصلاة في الوقت، ولا يجوز أن تُهمل من أجل الحراسة، ولا من أجل الهاتف. فإذا كان هناك ضرورة وجب التناوب، فيُجعل هذا الحارس ينوب بعض الوقت، ثم يذهب ويصلي، ويأتي الحارس الآخر وقد صلى، فينوب عنه. أما أن يوكَل إليه حراسة تمنعه من الصلاة فهذا ظلم ولا يجوز.

حكم الغش في الاختبارات

حكم الغش في الاختبارات Q ما حكم الغش في الاختبارات الدراسية، علماً بأن المدرس على علم من ذلك؟ A الغش محرم في الاختبارات كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا علم الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة والله المستعان.

حكم الإسبال لغير المخيلة

حكم الإسبال لغير المخيلة Q ما حكم الإسبال من غير قصد المخيلة؟ A الإسبال محرم ولا يجوز، وإذا كان عن قصد المخيلة فهو أشد إثماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) ولم يشترط الخيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنَّان فيما أعطى، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم في صحيحه. قال عليه الصلاة والسلام: (إياك والإسبال فإنه من المخيلة) . فلا يجوز الإسبال مطلقاً؛ لكن إذا كان على الخيلاء فهو أشد في الإثم. أما إذا غلبه، وارتخى ثوبه أو (بشته) عن غير قصد الخيلاء، بل غلبه في بعض الأحيان، فهذا يعفى عنه، كما جرى للصديق رضي الله عنه، فإذا تعاهد الإنسان إزاره، ثم انتقض عليه بعض الشيء، فتعاهده ورفعه حتى يُخاط، فلا شيء عليه. أما أنه يتعمد سحب (البشت) ، أو سحب الإزار، أو سحب السراويل، فهذا منكر.

تحريم الغناء أمره محسوم ومعلوم

تحريم الغناء أمره محسوم ومعلوم Q ورد في جريدة عكاظ مقال للهاشم عابد، ينقل فيه عن محمد عبده أنه قال: وحُسم الجدال في شرعية الغناء في بلدنا، فهل نفهم من ذلك أن الغناء صار مشروعاً، وأنه لا تحريم فيه الآن؟ كيف تُكتب مثل هذه المقالات؟! A أنا لم أقرأ هذا المقال؛ لكن هذا كلام باطل، ولا يُعَوَّل عليه، ومَن الذي حلَّل؟ هذا كلام فاحش، الغناء محرم مطلقاً، وليس لأحد أن يحله، لا زيد ولا عمرو، لا الملوك ولا الرؤساء ولا العلماء ولا غيرهم، الغناء الذي حرمه الله هو محرم، وهو من لهو الحديث، والغناء الذي يتعلق بالنساء، ومحاسن النساء، والتشبيب بالنساء، أو بمدح الحرام، أو ذم الحلال، أو ما أشبه ذلك، هذا محرم، ولا يقال: إنه حلال، ومن أحله فقد أضر بنفسه.

الأسلوب الأمثل في التعامل مع النساء والأولاد والأموال

الأسلوب الأمثل في التعامل مع النساء والأولاد والأموال Q آيات في القرآن الكريم تتحدث بأن أولادنا ونساءنا فتنة، فإذا أحس الرجل بأن زوجته تلهيه عن الذكر، وتريده دائماً بجوارها مما يجعل جهده في الدعوة وفي تحصيل العلم قليلاً؛ ولكنها في نفس الوقت تصلي وتصوم وتحفظه في ماله وعرضها، فما السبيل لإصلاح شأنها، وإن لم يكن هناك صلاح، فهل أطلِّقها حفاظاً على ديني وجهدي في سبيل الله؟ علماًَ بأن لدي منها ولداً. A كل داء له دواء يا ولدي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما من داء إلا وله دواء) فإذا كانت الزوجة صالحة طيبة، فإنها لن تشغلك إن شاء الله عن الخير، وإنما تشغلك إذا كانت غير صالحة. أما الصالحة فإذا ما بينت لها حاجاتك عذرتك وقنعت، يقول الرب جلَّ وعَلا: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14] ، فإذا كانت الزوجة تعينك على المعاصي، والولد يعينك على المعاصي ويمنعك من الواجب، فهؤلاء أعداء خالفهم وجاهدهم حتى تسلم من شرهم، ويقول سبحانه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] أي: اختبار، الفتنة اختبار وامتحان، الله اختبر الناس بأولادهم وأموالهم، فإذا أطاعوا أولادهم في الباطل، واستغلوا أموالهم واشتغلوا بها في الباطل، فَشَرٌّ عليهم، وإذا استعانوا بالمال فيما ينفعهم، وفي طاعة الله صار خيراً ولحقهم، وهكذا الأولاد، إن طاوعتهم في الباطل، وأخذت برأيهم في الباطل والحرام صاروا شراً عليك وعدواً لك، وإن أخذت على أيديهم، وجاهدتهم في الله، وعلمتهم الخير، ومنعتهم من الشر صرت سبباً لسعادتهم، وسبباً لنجاتهم، وسلمت من شرهم وفتنتهم. الفتنة: الاختبار والامتحان، المال فتنة، والأولاد فتنة، فاحذر هذه الفتنة، واستعن بها على طاعة الله، واحذر أن يصدك المال أو الأولاد عن طاعة الله، كما قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77] . والزوجة الصالحة المطيعة لله لا تُطلَّق، بل تكرم، ويُعتنى بها، ويحتفظ بها، وإذا أرادت بقاءك عندها فهذا من حبها لك، ومن حرصها عليك، فأقنعها بالأشياء التي تحتاج إليها، حتى تذهب للصلاة، وتذهب لطلب العلم، وتذهب للدعوة إلى الله، وللمصالح العامة، تقنعها وتبين لها المصالح، حتى تكون على بينة، وحتى تقتنع بهدفك الطيب، وأعمالك الجميلة.

حكم ترك صلاة الجماعة لسائق سيارة الشرطة

حكم ترك صلاة الجماعة لسائق سيارة الشرطة Q أنا رجل شرطة، وأقود سيارة الشرطة لوحدي، ولا أستطيع أن أصلي مع الجماعة، فما حكم ذلك؟ وهل عليَّ إثم في ذلك؟ A عليك أن تصلي مع الجماعة، إلا إذا كنت في حراسة، فعليك أن تحرس محلك حتى تأتي النوبة إلى غيرك، وتصلي في محلك. وأما مجرد الدوران فإذا جاء وقت الصلاة، فقف بالسيارة عند أي مسجد وصلِّ مع الناس، وليس عملك في الشرطة عذراً لترك الجماعة، صلِّ في أي مسجد عند دورانك بالسيارة.

حكم لعب الكاراتيه في رحبة المسجد

حكم لعب الكاراتيه في رحبة المسجد Q أنا أحد المدربين في كلية عسكرية في لعبة الكاراتيه، وهي لعبة الدفاع عن النفس، والكلية لا يوجد فيها مكان مخصص للتدريب، فهل يصح أن أقوم بالتدريب في مكان يُبنى على أساس أنه مسجد، ولم يكتمل بعد؟ A ما دام أن هذا التدريب ينفع في سبيل الله وفي جهاد أعدائه فلا بأس، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة، ولعبوا في المسجد بالدرق والحراب، يدورون في المسجد بالدرق والحراب. فإذا كانت اللعبة يُستعان بها على الدفاع على النفس، وجهاد الأعداء، وتوقي شرهم، فلا بأس في المسجد الذي فيه رحبة، وفيه سعة، حتى يوجد مكان آخر يكون فيه اللعب، بشرط ألا يكون هذا اللعب مما يتأذى به المسجد.

حكم الزواج بنية الطلاق

حكم الزواج بنية الطلاق Q رجل مسافر إلى الخارج في مهمة تتعلق بالدراسة، وكان ملزماً بذلك، وهو لم يتزوج بعد، ويخشى على نفسه، فهل له الزواج من هناك، مضمراًَ في نفسه أنه سيطلقها عندما يسافر إلى بلده، دون أن يعلمهم بذلك؟ A لا حرج في ذلك إذا تزوج في محل السفر وفي نيته أنه يطلق إذا أراد الرجوع، لا حرج عند جمهور أهل العلم، بعض أهل العلم قد توقف في هذا، وخشي أن يكون من باب نكاح المتعة، وليس كذلك، المتعة يشترط فيها مدة معلومة، يتزوج على أنه يطلقها بعد شهر أو شهرين، على أنه لا نكاح بينهما بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة، هذا نكاح المتعة، أما الزواج المطلق الذي ليس فيه شرط، ولكن في نفسه ونيته أنه يطلقها عند سفره من تلك البلاد، هذا لا يكون متعة، فقد يطلقها وقد يرغب فيها، فليس هذا من باب المتعة على الصحيح، وعلى ذلك جمهور أهل العلم. والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لقاءات مع طلبة العلم وأعيان أهل الدلم

لقاءات مع طلبة العلم وأعيان أهل الدلم لقد ترك الإمام ابن باز فراغاً كبيراً وأثراً عظيماً على أحبابه وطلابه وأعيان الناس وعامتهم في شتى أنحاء الأرض، ومن هؤلاء أهالي وأعيان منطقة الدلم التي عاش الإمام ابن باز بين أهاليها في شبابه فترة زمنية طويلة مدرساً وقاضياً وخطيباً وناصحاً ومصلحاً؛ حتى أحبه الصغير والكبير والأرملة والمسكين، وما ذاك إلا لما كان يحمله هذا الجبل العظيم من حرص على الإسلام وأهله، ومحبة الخير ونفع المسلمين في دينهم ودنياهم.

عمل ابن باز منذ بداية دخوله منطقة الدلم

عمل ابن باز منذ بداية دخوله منطقة الدلم المقدم: الحقيقة نريد في البداية الكلام عن سماحة الشيخ عبد العزيز منذ دخوله الدلم. الشيخ: دخل الدلم سنة سبع وخمسين، وعمره بين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين، أو ما يقارب ذاك الحد، قام بإمامة المسجد أولاً، وهو مرسل ليكون قاضياً في البلد، وكان إماماً للجامع ومعلماً، وكان قائماً بالقضاء على الوجه الشرعي، من السليمية واليمامة والخرج والهياثم وضبيعة، وجميع الدلم كلها قاضياً للبلد، قائماً بالدراسة، معلماً ليلاً ونهاراً، أما الصبح إذا صلى الفجر جلس من حين يصلي الفجر -هذا برنامجه- إن كان في الشتاء في الخلوة، وإن كان في الصيف يجلس ظاهراً، وجلوسه يبدأ من وقت الصلاة إلى أربع ساعات بعد الصلاة أو ثلاث ساعات ونصف.

تدريس ابن باز أهالي الدلم

تدريس ابن باز أهالي الدلم يبدأ أولاً للطلبة بـ الآجرومية والأصول أصول التوحيد - هذا للمبتدئين. ثم الذين بعدهم بالتوحيد كشف الشبهات وغيرها. ثم الذين بعدهم في الدرجة الثالثة في بلوغ المرام، والمنتقى، وعمدة الأحكام في الحديث، والزاد، وألفية ابن مالك، هذا الذي عرفنا منه. وكان رحمه الله وقدس روحه يأتيه الطلاب من الأفذاج، ومن حوطة بني تميم، والحريق، واليمامة، والسليمية، ومن القصيم عبد الرحمن البراك، ومن العراق، ومن مصر محمد حسن ومعه أناس، ومن اليمن سيف وسعيد، وكذلك من الباحة سعيد بن عياش، ومسفر منهم، وكل هؤلاء اجتمعوا، وعددتهم يوماً في الحلقة فإذا هم سبعون واحد في يوم، وكان رحمه الله أولاً: يبدأ بـ الثلاثة أصول، والآجرومية، والقطر، في النحو، ثم بعد ذلك التوحيد، وكشف الشبهات، وعمدة الأحكام، والأربعين النووية، ثم بعد ذلك بلوغ المرام، والمنتقى، ثم الزاد، والروض المربع. ثم بعد ما يتقنون هذه الفنون يجلسون في المطولات: تفسير ابن كثير، وتفسير ابن جرير الطبري، وإعلام الموقعين لـ ابن القيم، وفتح الباري، وصحيح مسلم، والطرق الحكمية، وفتح المجيد، كل هذه مطولات بعد ما ينتهوا من المتون، وكل قراءتهم في المتون غيباً، لا يجعل أحداً من هؤلاء الطلاب يقرأ نظراً أبداً، وهذا ما أعرف منه، مع ورعه وإحسانه، وقد سبقنا بالكلام عنه من هم خير منا.

عمل ابن باز بعد انتهاء الدروس

عمل ابن باز بعد انتهاء الدروس المقدم: نريد أن نواصل البرنامج أين يذهب بعد انتهاء الدروس؟ الشيخ: يجلس في البيت فترة قصيرة، ويأتي بفطيرة وتمرة وقهوة، وقليل من جريش، ونأكله معه أنا وأخي صالح؛ لأننا مجاورون له، أو الذين يأتون من بعيد فهو لا يرضى أن نذهب فكان يحب طلبة العلم، ومعنا أناس آخرون، ومتى انتهى جلس وقال: أين أهل الخصومات؟ ليقضى بينهم، فلا محكمة عنده ولا شيء، وكان عنده عدد من الكتاب، وهم كثير، منهم الشيخ راشد. ، وعبد الله بن سليمان المسعري، وعبد الرحمن بن سحمان، وعلي الحواس، وعبد الله بن عبد الرحمن بن باز ابن أخيه، وعبد الرحمن بن إبراهيم ابن أخيه كذلك، وعبد اللطيف بن شدين، وسعد بن عيسى الزير. المقدم: هؤلاء ماذا كانوا يكتبون؟ الشيخ: هؤلاء الذين كانوا يحررون. المقدم: يحررون ماذا؟ الشيخ: يحررون الخصومة إذا حكم، وليس هناك دفاتر ولا شيء، يكتبون ورقة ويعطونه ويمشي الذي حكم له، هذا من سجاياه، مع قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبعد المغرب كل يوم دراسة في الفرائض، وبعد الظهر المطولات، وبعد العصر والعشاء البحوث. المقدم: هل الدراسة تستمر؟ الشيخ: نعم تستمر كل يوم حتى الخميس. المقدم: متى ينتهي بعد صلاة العشاء؟ الشيخ: بعد صلاة الفجر يفتتح أول دروسه ويستمر إلى الساعة الرابعة أو الخامسة من النهار، وبعد العشاء دراسة المطولات، أو البحث في الكتب التي عنده من كتب رجال الأحاديث، ويقول لنا: أنا جالس أُعَلِّم وأتعلم -يقول لنا هكذا- والوقت لا يترككم ولن تجدوا وقتاً ليس للعلم، أو وقتاً تلهون فيه عن التعلم، فكان يحض الناس على طلب العلم. المقدم: يا شيخ ناصر! نريد منك أن تحدثنا عن مواقف حصلت لك مع سماحة الشيخ؟ الشيخ: ما عندي إلا مثل ما قال عثمان.

عناية ابن باز بطلاب العلم وصرف المكافآت لهم

عناية ابن باز بطلاب العلم وصرف المكافآت لهم المقدم: معروف عن الشيخ رحمه الله عن قضايا الطلاق والفتيا فيها، هل تذكرون فيها شيئاً؟ الشيخ: والله ما نذكر. المقدم: مواقفه مع طلبة العلم، كيف كان يستقبلهم ويصبر عليهم؟ الشيخ: يستقبلهم استقبالاً عظيماً، ويجلس لهم، ويقرءون عليه، يأتون من كل مكان، من صلاة الصبح وهم يدرسون عليه إلى أن يكملوا. المقدم: كيف كان وقته في المناسبات، هل كان يحضر المناسبات عند الجيران والأهل والأقارب؟ الشيخ: والله لا أدري. المقدم: ما حضرت مناسبة وكان فيها الشيخ؟ الشيخ: والله ما حضرت. المقدم: الزواجات التي في الدلم هل كان يحضرها الشيخ؟ الشيخ: لا أدري هل حضرها أم لا. المقدم: طيب ننتقل إلى أحد المشايخ، بالنسبة يا شيخ عثمان للمكافآت التي يقدمها الشيخ لطلبة العلم والعناية؟ وهل هناك رواتب؟ الشيخ: الرواتب ثلاثمائة تأتي آخر الشهر، الصغار على ثلاثة والكبار على خمسة، وهذه ثلاثمائة أو ثلاثمائة وخمسين. المقدم: هل هناك عناية أخرى يقدمها الشيخ لطلبة العلم، يشفع لهم مثلاً في الوظيفة أو غيرها؟ الشيخ: يشفع في طرق الخير دائماً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل شيء قائمٌ به، الله يسكنه الجنة، ولا نطيل في المدح فيه، الله يغفر له ويقدس روحه.

اهتمام ابن باز بالفقراء

اهتمام ابن باز بالفقراء المقدم: هل وجهكم سماحته إلى الاعتناء بالفقير؟ الشيخ: نعم. كثيراً ما يشير علينا بمجالستهم ومساعدتهم، والقيام عليهم. المقدم: كيف استقباله للفقراء في ذلك الوقت؟ الشيخ: كان لهم جناح خاص.

الشيخ عبد الرحمن الجلال يحكي سيرة ابن باز

الشيخ عبد الرحمن الجلال يحكي سيرة ابن باز المقدم: الشيخ عبد الرحمن الجلال، يا شيخ! هناك من يقترح إقامة بعض البرامج ومسابقات لسماحة الشيخ المفتي رحمه الله تقام باسمه، كأن تقام مسابقة سنوية تحمل سماحة الشيخ عبد العزيز تحفيظ القرآن الكريم في مناطق المملكة، هل تؤيدون مثل هذه الأفكار الخيرية؟ الشيخ: فكرة طيبة وصائبة إن شاء الله، ونافعة للمسلمين، ونافعة لسماحة الشيخ رحمه الله.

فاجعة ابن باز عند الشيخ عبد الرحمن الجلال

فاجعة ابن باز عند الشيخ عبد الرحمن الجلال المقدم: متى علمتم بنبأ وفاة الشيخ ابن باز؟ الشيخ: علمنا به في الصباح المبكر من يوم الخميس نفسه. المقدم: كيف كان وقع الخبر على نفوسكم وعلى المثقفين وطلبة العلم؟ الشيخ: والله كغيرنا من الناس، وقع عظيم وكبير، ونعلم أنها مصيبة عامة للمسلمين، وخاصة علينا أهل الدلم وعلى طلبة العلم.

عناية ابن باز الخاصة بعبد الرحمن الجلال

عناية ابن باز الخاصة بعبد الرحمن الجلال Q سمعنا أن سماحة الشيخ إذا قمتم بزيارته يقدمك في الصلاة ويقول: أسمعنا صوتك؟ A هذا شيء معروف من وجوده في الدلم من السابق، كان رحمه الله يخصص لي ما بين أذان العشاء حتى الإقامة، طيلة هذه المدة التي شاء الله، كان مخصصاً لي أن أقرأ في تفسير ابن كثير، وغالب المجالس التي أحضر معه فيها المناسبات يسأل عني ويأمرني أن أقرأ، وحتى في بعض المجالس إذا كنت متأخراً ودخلت وسلمت وسمع صوتي استأذن من الذي يقرأ ويقول: يا أخ! اسمح لنا من أجل فلان أندى صوتاً منك. فآخذ الكتاب من يد القارئ عليه وأقرأ، وحتى بعد ما ذهب من الدلم غالباً أي مجلس آتيه أو أجتمع فيه يطلب مني الشيخ، وكان ذلك يتكرر غالباً في كل مجلس، فقد سافرنا معه إلى الحوطة والحريق وجلسنا مدة أيام، وفي كل مجلس يبدأ بالقرآن يطلب مني، وبعد ذلك في أي كتاب آخر يطلبه. ولا أنسى ما خصني به من العناية والمحبة والاحتفاء، وقد كان بي حفياً رحمه الله. كنت أزوره بين وقت وآخر، وكان فيه من إخواني وأحبابي من طلاب العلم في الدلم من يطلب صحبتي، فيصحبني إلى الشيخ؛ لعلمهم بما يعمله معي جزاه الله خيراً، ويذهبون ليستفتوه في مسائل أخرى والاستئناس به والجلوس معه، فكنا نصلي معه المغرب، فعندما أسلم عليه في المسجد، يمسك يدي ويقول: لا بد من جلوسكم عندنا بعد المغرب في المجلس العام، وبعد العِشاء للعَشاء، فأقول: طيب؛ لأني أخبر الإخوان الذين معي أنهم ما أتوا إلا لطلب الفتيا منه، فنجلس معه بعد المغرب، وبعد العشاء نرجع ويجتمع بنا في المكتبة رحمه الله حتى يحضر العَشاء، ونتعشى، ونجلس معه بعد العَشاء، ويطلب منا الجلوس حتى بعد العَشاء مدة حتى ينام. وأذكر قصتين حصلتا: القصة الأولى: أننا ذهبنا أنا والأحبة الذين معي، وجلسنا في المجلس معه بعد المغرب، وقبيل الأذان قمت من جانبه وذهبت لأتوضأ، فمررت من المكتب وفيه الشيخ محمد بن موسى جزاه الله خيراً، فقال لي: لماذا جئتم الليلة؟ فهذه الليلة لن يحصل لكم الذي تعودتم، قلت: لماذا؟ قال: الليلة عنده موعد في الإفتاء بعد العشاء، فلن يحصل لكم الاجتماع، قلت: طيب! عند الله السعة، بدل الليلة ليلة أخرى، ذهبت توضأت وجلست مكاني بجانبه، وبعد ما أذن وقام قبلت رأسه وقلت: أستودعك الله يا والدي. قال: لماذا؟ أين تذهبون؟ قلت: سمعنا أنكم اليوم مشغولون، وبدل الليلة ليلة أخرى، قال: لا. عندنا الإفتاء، والإفتاء نعطي لهم مكان الليلة ليلة أخرى، أما أنتم تبقون وأنا باقي معكم، فبقي واعتذر من الإفتاء. المرة الثانية: ذهبنا كعادتنا، سلمت عليه في المسجد وقت المغرب، وطلب مني أنا وإخواني الذين معي أن نجلس بعد المغرب في المجلس العام، قال: وبعد العشاء لا بد من العشاء والجلوس، قلت: طيب! هذه رغبته، وبعدما قارب أذان العشاء، قمت كالعادة أتوضأ، ومررت بالمكتب، فقال لي أحد الكتاب وأظنه محمد بن موسى: جئتم اليوم والشيخ مشغول عنكم اليوم، ما يمكن أنكم تجلسون معه بعد العشاء، قلت: خيراً إن شاء الله، ماذا عنده بعد العشاء؟ قال: عنده زواج ابنته الليلة، فابنته ستتزوج الليلة. قلت: خيراً إن شاء الله، بدل الليلة ليلة أخرى، ذهبت وجلست بجانبه، وبعدما أذن وأقام قبلت رأسه وقلت: يا شيخ أستودعك الله واسمح لي. قال: لماذا؟ قلت: سمعت أنكم مشغولون الليلة، وبدل الليلة ليلة أخرى، قال: لا. عندنا زواج البنت، والوفود الذين سيأتون عندهم الأولاد يصلحونهم، أما أنتم فلا، أنا وأنتم بعد العشاء على العادة، وفعلاً صلينا العشاء ورجعنا، ودخل بنا رحمه الله في المكتبة، وجلسنا معه، وضيوفه عند أولاده في المجلس، وجلسنا فجاء موعد العشاء، جاءه ابنه عبد الله وقال: يا أبتِ! العشاء جاهز. قال: قوموا وتفضلوا. وذهبنا وتعشينا معه، وكان الزواج مختصراً، ما فيه إلا القليل، وبعد العشاء قال: اتفضلوا -يعنينا- دخلنا معه في المكتبة مرة أخرى، والزوج ومن معه قابلهم أولاد الشيخ، وأدخلوهم على بنت الشيخ، وانتهوا، وجلسنا مع الشيخ حتى قام إلى النوم. هذا مما أذكر منه رحمه الله.

مساعدة ابن باز للمحتاجين والمتضررين

مساعدة ابن باز للمحتاجين والمتضررين المقدم: إذا تقدم أحد لسماحة الشيخ لطلب المساعدة من فقراء وغيرهم، سماحته يخصكم بشرح للمعاملة ترجع إلى الشيخ عبد الرحمن الجلال، ماذا يعني هذا؟ الشيخ: هذا هو الواقع منذ أن انتقل من الدلم، قلَّ أن يأتيه معاملة من الدلم سواء مساعدة، أو في نكاح، أو في طلاق، أو في غيره، إلا ويرسلها لي ويكتب تحتها: فضيلة الشيخ فلان أرجو الاطلاع والإفادة عما ذكر فيها، وإثبات ما ذكر، وإثبات عجز -إذا كانت مساعدة- المذكور عن إيفاء الدين. فأنا أقوم باللازم وأردها، كذلك الكتاب عنده عرفوا هدفه، فإذا قدم لهم شيئاً، قالوا: من أين أنتم؟ قالوا: من الدلم، قالوا: اذهبوا إلى عبد الرحمن الجلال، اجعلوه يصدق عليها. فثقته كاملة رحمه الله وجزاه عنا خيراً. المقدم: كم تتوقعون عدد المستفيدين من هذه المساعدات في السنة الواحدة؟ الشيخ: والله في السنة الواحدة كثير، ممكن تقول: ثلاثين أربعين خمسين، كثير؛ لأنه لا يرد سائلاً مطلقاً، وإنما يتثبت فقط. المقدم: هل تتذكر أعلى مساعدة قدمها الشيخ، مبلغ مالي كبير، كشراء بيت لفقير؟ الشيخ: أعلى مساعدات هي شراء البيوت، فكثيراً ما يُطلب منه شراء بيت لأحد الفقراء، فيكتب لنا في ذلك، فإذا شرحنا له الوضع اشترى، وقال: اشتروا له. ومن أربعمائة إلى خمسمائة ألف ريال، وهذه موجودة وأهلها موجودون، ومن آخر ما مرَّ عليَّ له رحمه الله أن جماعة رفعوا له، قالوا: إن فلانة بنت فلان معوقة ولا يمكن أحد يرغب في زواجها، ونطلب من سماحتكم أن تشتروا لها بيتاً لعله يرغبها في أعين الخطاب، وهي مضطرة ولا لها أحد، وفعلاً أرسل لي يسألني عنها وأخبرته بعد التحقق عنها، وجاءنا أمر بشراء بيت لها، اشترى لها بيتاً فوق أربعمائة ألف، وكتبناه باسمها في كتابة العقد، هذا قبل ثلاثة أو أربعة أعوام.

ابن باز واعظا ومرشدا ومصلحا في سوق الدلم

ابن باز واعظاً ومرشداً ومصلحاً في سوق الدلم المقدم: فضيلة الشيخ! ذكر لنا أن سماحة الشيخ كان في أيام السوق الرسمية الإثنين والخميس يدخل السوق، ماذا كان يفعل سماحة الشيخ في السوق؟ الشيخ: نعم هذا في أول الأمر، قبل ازدحام الأعمال عليه، كان ينصب له كرسي من الطين، ويوم الخميس والإثنين هو مجتمع الناس، البادية والحاضرة، من الدلم ومن القرى المجاورة لها كلها، يجتمع منهم جمع كثير، ففي هذين اليومين اجتماع الناس، حتى إنه يجتمع فيه نساء ورجال، النساء على حدة والرجال على حدة، فبني له كرسي من الطين بين الرجال وبين النساء، فكان يجلس في ضحى هذين اليومين عند اجتماع الناس، ويلقي عليهم محاضرة، كل يوم الإثنين والخميس مدة طويلة، ويلقي درساً. المقدم: هل كان يحتسب في السوق كالتأكد من الموازين، ويمنع اختلاط النساء بالرجال؟ الشيخ: لا. كان يرسل المحتسبين وينفذون للشيخ هذا، وكل ما بلغه شيء في وقته لا يتساهل، حتى أذكر أنه في مرة من المرات، لما جاءت السيارات، جاءت سيارة ووقفت في السوق وفيها سائق أعتقد أنه غير سعودي ولا يعرف أنظمة الناس، فأخرج الباكت من مخبأة الدخان، وصار يشرب الدخان، والناس لم يعرفوا الدخان ولم ينظروه، فاستنكروا كلهم، وكما قلت: مفزع الناس بعد الله الشيخ ابن باز، ما يفزعون إلى أحد غيره، ذهبوا إلى الشيخ في بيته، قالوا: يا شيخ! في السوق رجل سواق يشرب الدخان، فسأل الشيخ وتثبت، ولما ثبت عنده أمر بتعزيره، فأدب وسط السوق. وقصة أخرى مشابهة نفس الشيء، أدب شخصاً آخر شرب الدخان في السوق.

زواج ابن باز في الدلم

زواج ابن باز في الدلم المقدم: عن حياة الشيخ الخاصة، هل تزوج الشيخ في الدلم؟ الشيخ: نعم. تزوج في الرياض ثم طلق قبل قدومه، وأعتقد أنه خطب قبل أن يأتي إلى الدلم، وجاء صهره الشيخ عبد الرحمن بن عتيق رحمه الله بعائلته بما فيهم زوجة الشيخ، ودخل بها في الدلم، وسكن في الدلم وهي أم عبد الله، وأولاده كلهم الأولون ولدوا في الدلم.

وفاة ابن باز وأثرها على العلماء والمثقفين وطلاب العلم

وفاة ابن باز وأثرها على العلماء والمثقفين وطلاب العلم المقدم: نريد أن تتحدث لنا فضيلة الشيخ عن وفاة الشيخ ابن باز، وأثر ذلك بين المثقفين والعلماء وطلبة العلم؟ A الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: الحديث عن الأثر الذي تركته وفاة والد الجميع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي المملكة العربية السعودية، أثر الحديث عنه مما يضفي على الإنسان الأسى والحزن والتأثر البالغ، ونحن في الواقع خاصة أهالي الدلم نعتبر سماحة الشيخ والداً لأهل الدلم، والد عطف وحنان ومرحمة على جميع أهالي الدلم، وله فضل لا يعرفه أحد أكثر مما يعرفه أهالي الدلم، والسبب: أن الحقبة الزمنية التي قضاها سماحة الشيخ هي باكورة عمره العملية، فهو ما عمل في القضاء في غير الدلم، فقد عين في القضاء في الدلم لمنطقة الخرج كلها، ومقر إقامته مدينة الدلم منذ شبابه، وسنه يناهز العشرين بما أعرف، أو سبعة وعشرين تقريباً، وهذه الحقبة الزمنية التي تربو على أربعة عشر عاماً هي باكورة نشاطه العلمي والدعوي والقضائي والإصلاحي، كل ذلك كان في الدلم، ثم هي جذوة حماسه الشبابي في مجال الدعوة وطلب العلم، والحض عليه، والدعوة لطلاب العلم، وهذه الحقبة الزمنية ليست بالأمر الهين، وهي زهرة في سيرة حياة الشيخ، لكن لا يعرفها أكثر من أهالي الدلم إلا النزر اليسير ممن لهم صلة بسماحة الشيخ ممن يزوره آنذاك، أو يعرف عنه ذلك. وحياة الشيخ في مقامه في الدلم كما يعلم الكثير في ذلك الوقت القاضي هو كل شيء، والدولة وفقها الله في حياة الملك عبد العزيز المؤسس رحمه الله كان القاضي مكان الثقة التامة، والقاضي يقوم مقام ولي الأمر العام ونائبه في كل ما يستدعي ذلك، فالقاضي هو الداعية والخطيب والإمام، والناظر للأوقاف، والراعي للأيتام، وهو المعلم، وهو كل شيء في الواقع؛ لأنه هو الذي يمثل الحاكم العام. والصلاحيات لديه، ويتصرف حسب ما يرى أنه المصلحة العامة، والثقة فيه من جهة ولاة الأمور. لذا حظيت الدلم بهذه الحقبة الزمنية من عمل الشيخ الجاد المثمر في التدريس في حلقات حسبما سمعنا من الشيخ/ عثمان بن هليل، ومن شيخنا وأستاذنا الشيخ/ عبد الرحمن بن الجلال، حلقات ربما سبقني المشايخ في الحديث عنها، وأنا من صغار طلابه، كنت آنذاك من طلاب العلم الصغار أدرس الأصول الثلاثة وآداب المشي إلى الصلاة وزاد المستقنع والأربعين النووية ونحو ذلك. ولكني أذكر المواقف التي لا يمكن أن تحصل -والله تعالى أعلم- أو يتحملها أحدٌ سوى الشيخ، خاصة السيرة الذاتية، فالعلم وطلب العلم ميدان للجميع، ويمكن أن هناك علماء يكونون في المكانة العلمية الكبرى، لكن السيرة الذاتية والأخلاق والمواهب التي وهبها الله لسماحة الشيخ عبد العزيز هي فضل من الله، مثل: حسن الخلق، والتواضع، والسماحة، والعطف على الناس، والمساواة بين الناس، والبذل المالي، والسخاء والكرم، وفتح بابه للناس في كل وقت، وحب الناس له، وانفتاح القلوب وثقتهم به، هذه مواهب من الله سبحانه وتعالى، وقد حظي بها سماحته فضل من الله سبحانه وتعالى ومنة عليه، والناس شهداء الله في أرضه. ونحن نرى الآن ماذا ترك أثر وفاته رحمه الله في العالم الإسلامي كله، لا في المملكة فقط، نرى ما يقرأ، وما يذاع، وما ينشر، وما يقال في المنابر، وفي كل مناسبة نرى عظم الصدمة التي واجهها العالم الإسلامي بفقد ذلك الفذ العالم الإمام الموفق رحمه الله تعالى وجمعنا به في جنات النعيم. والدلم حسبما أذكر وأنا صغير كانت بمثابة جامعة، جامع الدلم جامعة تتعاقب عليه حلق طلب العلم من بعد صلاة الفجر واستمراراً إلى العشاء، عدا فترة الضحى هذه للمحكمة، يجلس في المحكمة، وإذا كان يوم الإثنين أو يوم الخميس يجلس في السوق المعروف المعتاد في الدلم، وحتى الآن الأسواق عندهم يومي الإثنين والخميس للسوق نصيبه من الوعظ والإرشاد، إذا اجتمع الناس في ذروة اجتماعهم في السوق قرابة الساعة الثامنة خرج إلى السوق وجلس ثم انضوى حوله الرجال والنساء، وخشعت تلك الأصوات في السوق، واجتمعوا حوله، فبدأ بالتذكير والوعظ والتوجيه والوصية، والتحذير من الحرام، والمبايعات المغشوشة، وغير ذلك فيما يخدم المصلحة العامة، ثم يقوم ويتوجه إلى المحكمة، فهذا الصبر والجلد، وهذا الوقت المبارك، بالإضافة إلى عمله الرسمي في المحكمة، فهذا أمر لا أظنه يتهيأ لإنسان سوى ذلك الرجل. أسأل الله أن يغفر له، وأن يجمعنا به في جنات النعيم، وأن يحسن الخلفة للأمة الإسلامية، وأن يعوضها من فيه البركة والسداد، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد، وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله.

عبد العزيز بن عسكر يحكي سيرة ابن باز الذاتية

عبد العزيز بن عسكر يحكي سيرة ابن باز الذاتية Q المواطن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عسكر، سبق وأن قابلتم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ماذا تتذكر عن الشيخ وسيرته الذاتية؟ A والله ما نتذكر إلا أنه في حمايته للدين والدنيا، من مصالح الدين والمسلمين، عامة وخاصة، ليست خاصة فحسب، بل وعامة في جميع الأمور كلها، يدافع عن الكتاب والسنة وفي مصلحة الجميع، حتى في ذاك الحين يوم جاء البلد جراد وأكل الثمار يحامي معهم ويضحك معهم، ويرسل من يأتي لهم بمتاع، ويأتي لهم بالقهوة، ويشجع الناس على قتل هذه الجراد التي فيها مضرة على ثمار المسلمين، وغيره وغيره لا تعد ولا تحصي، والشاهد الله على الجميع في أمور دينهم ودنياهم، وفي القضاء، حتى أن ذاك الحين الدلم والهياثم وضبيعة واليمامة والسليمية كلها تبع قاضٍ وشخص واحد، ما معه شريك ولا مساعد، وقائم بالواجب.

سعد الدريهم يتحدث عن سيرة ابن باز في الدلم

سعد الدريهم يتحدث عن سيرة ابن باز في الدلم Q الأستاذ سعد الدريهم، مدير مصلحة المياه، والمؤرخ التاريخي المعروف في محافظة الخرج، ماذا تتحدثون عن حياة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز؟ A بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كان قاضياً ومعلماً ومصلحاً اجتماعياً في محافظة الخرج ككل، وكما نعلم توفي سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يوم الخميس الموافق (27/1/1420هـ) ، وأتقدم بخالص المواساة وعزائي لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني سمو الأمير: عبد الله بن عبد العزيز، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير: سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وإلى كافة أسرته الكريمة، وإلى كافة إخواني المسلمين، ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. وسأتكلم باختصار عن جانب من جوانب حياته العامرة بالصلاح والإصلاح، وهو القضاء في الخرج، والقضاء يشمل المحافظة جميعها، مدنها وقراها، منها: الدلم واليمامة والسليمية ونعجان وضبيعة والعين وماوان، والمدن القديمة القائمة في عهد الملك عبد العزيز، وما يسمى… حالياً الخرج مقر المحافظة أنشأ أخيراً بمبادرة كريمة من جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تولى القضاء في الخرج، ومقره قاعدة الخرج الدلم، وهو القاضي والمعلم، تولى القضاء في الخرج في عام (1357هـ) حتى عام (1371هـ) ولمدة أربعة عشر عاماً، تصله القضايا من جميع أنحاء إقليم الخرج، وكان رحمه الله ينهي القضية بأسرع وقت، وينجزها بعد ما يتحرى الدقة بين المتقاضيين، وكان حريصاً جداً على إعطاء كل ذي حق حقه، ولا تأخذه في الحق لومة لائم. أول من أنشأ السجلات، وقيد القضايا، واستخرج الوثائق -الصكوك حالياً- في أقليم الخرج، وجعل من سكنه محلاً للقضاء والتحاكم، وأوجد فيه مجلس انتظار للرجال ومجلساً للنساء. مدينة الدلم كانت محظوظة جداً حيث قدم لها السعدي عندما تم تعيينه قاضياً فيها ولجميع بلدان إقليم الخرج، فازدهر كل شيء فيها، واعتز الناس بها، وأصبحت مدينة من أكبر المدن بمقياس ذلك الوقت، ولحب الملك عبد العزيز للخرج وأهله، أرسل سماحة الشيخ لهم، واستبشروا واستفادوا من قدومه، قدم معه العلم والتعليم، وسماحة الشيخ جعل من المسجد الجامع الكبير بـ الدلم جامعة علمية، يدرس فيه القرآن وعلومه، وعلوم الشريعة ودوافع الطلاب من خارج محافظة الخرج للدراسة على يديه، واتخذوا من مدينة الدلم سكناً لهم للقرب من التعليم على يد الشيخ، وكان سماحته رحمه الله حريصاً جداً على رعايتهم وإكرامهم، وتزامن ذلك في وقت كان الملك عبد العزيز طيب الله ثراه يشجع التعلم والتعليم، وخاصة في بداياته، ويجزل العطاء، إيماناً منه بأن التعليم هدف أساسي في نمو البشر، وقد كتب سماحة الشيخ عبد العزيز للملك عبد العزيز يشرح فيه ظروف المتعلمين، وأمر ببناء مقر لهم، ومنحهم المكافآت، وقد درس على يديه كثير من العلماء الأجلاء، وقد وصلوا إلى مرحلة متقدمة من التعليم، ووصلوا إلى أعلى المستويات، وساهموا في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم، ولذا لم يكن سماحة الشيخ في محافظة الخرج قاضياً فقط، بل كان قاضياً ومعلماً ومفتياً، ومسئولاً على الخدمات العامة، وعلى أعلى المستويات. ومن الأهمية بمكان، أن نذكر أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يفد عليه كثير من الناس بمقر إقامته بمدينة الدلم من خارج محافظة الخرج، يستفتونه في مسائل الطلاق ويفتيهم، فكم له من فتوى أعادت البسمة بين زوجين متفارقين كادا يفترقا طول عمرهما، وكم من ابن وابنة ضمهما جناح الأبوين الأب والأم، فكان سماحته حريصاً على صلة الأرحام، وترابط الأسر، وصلة ذوي القربى، ويحث عليه، ويركز على المودة والمحبة، وحريصاً على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة. كان له مجلساً عاماً في السوق العام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، حيث الناس يستمعون في هذين اليومين من كل أسبوع رجالاً ونساءً للتسوق فيذكرهم ويناصحهم ويتفهم قضاياهم ويدلهم على الخير وطرقه، مجتمع ريفي حظي بإنسان عاش بينهم قاضياً ومعلماً ومفتياً ومصلحاً اجتماعياً، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته. ولي أن أذكر جانباً من جوانب خدماته الاجتماعية: كان رحمه الله هو المسئول عن الأوضاع الزراعية والبلدية والقضائية، وجميع ما يسمى في وقتنا الحاضر إدارة الخدمات، يتصرف بحكمة فيما يصلح شأن المسلمين، من غير كلل أو عدم مسئولية، ففي وقته بدأت السيارات وبأعداد قليلة، وفي ذلك الوقت كانت الشوارع ضيقة جداً لا تتسع للسيارات، فأمر ووقف على توسيع بعض الشوارع متخذاً المصلحة العامة هدفاً أساسياً، ويقف بنفسه حتى يصلح ما يراد إصلاحه، ولا يترك خللاً يفسد ما أصلحه. وفي عام (1360هـ) وقعت أمطار كثيرة، وكانت البيوت طينية، والشوارع ضيقة، وامتلأت الشوارع بالمياه الخارجة من هذه البيوت، وكاد يحصل منه ضرر كبير، إلا أنه وبثاقب بصيرته أمر بفتح مجرى لإنزال هذه السيول إلى آبار ملحقة ببساتين لخدمة سكان المدينة، حيث في ذلك الوقت لا توجد شبكة مياه، ويعتمد الناس على الآبار في سقياهم، وحلت مشكلة كبيرة، وبعدها درس مشكلة تصريف سيول هذه الأمطار، حسب المناسير -أي: الانحدار- وشق لها مجرى وعين لها مصرفاً، ومع ذلك يتخذ القرار حسب المصلحة العامة، ولا تهمه المصلحة الخاصة أو المعارضة. وفي نفس العام أيضاً حصل قدوم سيول كثيرة، وكانت البلد محاطة بسور من الطين، وطبيعة مدينة الدلم تقع في وسط الأودية، وخاف سماحة الشيخ من دخول هذه السيول البلد وتهدمها، ولا بد من دفع الخطر، فأمر على الرجال المقتدرين بالحضور مع الأدوات والمعدات وأمر بتجهيز مئونة الأكل والشرب، وتقدمهم سماحته في مواقع مختلفة وجلس بينهم يحثهم ويدعو لهم، وتم عمل حواجز كبيرة لدرأ خطر السيول، وفعلاً تم اجتياز الخطر والحمد لله. وفي عام (1364هـ) سنة الدبا، والدبا: صغار الجراد، يزحف مع بداية نموه يأكل الأخضر واليابس، أمر سماحته على الناس بمكافحة هذا الوباء، وتقدم الناس بعد ما تم تأمين الأكل والشرب، وتم حفر عدة خنادق، لردم هذا الدبا، وكان سماحته يأخذ جريدة من سعاف النخيل، ويهش بها، وكان مشجعاً وداعياً لهم بالقوة، ويزيد ذلك من فعاليتهم، واستمر ذلك عدة أيام حتى رفع الله البلاء. رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد العزيز السدحان يحكي سيرة ابن باز وعلاقته معه

الشيخ عبد العزيز السدحان يحكي سيرة ابن باز وعلاقته معه المقدم: نريد أن تتكلم لنا يا دكتور وأنت من الذين عايشوه في الدلم والحمد لله في جانب الطلب وتعامله مع طلابه، كيف كان تعامله مع طلابه؟ كيف كانت دروسه؟ كيف كان برنامجه في الدروس بإيجاز؟ A بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله. أما بعد: أولاً: نسأل الله تعالى أن يتغمد الشيخ عبد العزيز بن باز بواسع رحمته، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يجزيه عما قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء. ثم أما بعد: فلقد أنعم الله عليَّ وأكرمني بالتعرف على شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز في عام (1397هـ) وكان رحمه الله مثالاً عجيباً في التواضع، فعلى رغم ما نسمع عنه من سعة في العلم، وتضلعه فيه، وما له من هيبة عند ولاة الأمور، إلا أن الجالس معه يشعر أنه عند إنسان عادي بتواضعه وأخلاقه. وكنت في صغري أتردد عليه، وعلم الله كم أجد من السعادة والراحة النفسية والبدنية عنده، وأذكر حين كنت في أول الطلب حرص الشيخ رحمه الله تعالى على التلميذ، والوصاية بالعلم، وكان يوصيني دائماً بأن أحفظ بلوغ المرام، وأذكر أنها قرابة ثمان مرات يقول لي: يا فلان احفظ بلوغ المرام، وكنت أعجب من طلب الشيخ ومن أمر الشيخ بهذا الكتاب، ثم زاد العجب لما علمت أن فتاوى الشيخ كلها لا تكون إلا مصاحبة بالدليل الشرعي، ووجدت أن عزو الشيخ للأحاديث يدل على أنه يحفظ البلوغ حفظاً تاماً، ولعل الشيخ عبد الرحمن الجلال يوافقني على هذا المبدأ. ثانياً: أن الشيخ عبد العزيز رحمه الله وأسكنه الله جنته، كان مثالاً في السنة في لباسه وتصرفاته، مع العالم وطالب العلم، ومع العامي والكبير والصغير، فإذا رأيت في لباسه رأيت السنة، وإذا رأيت هديه وسمته وحسن منطقه رأيت السنة متمثلة فيه، وقلَّ من يجتمع فيه التمثل بالسنة في اللباس والفعال وأثناء الطعام، والعلم برجل معين، ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وأذكر أني مرة قلت له: يا سماحة الوالد! محبة الناس لك هذه ما جاءت من فراغ، القبول عند الناس لا نعرف أحداً من الناس كبيراً ولا صغيراً حتى والله العاصين إلا ولك في القلب محبة فما السر في ذلك؟ فكان سماحته يتهرب بأدب ويقول: نحن مقصرون، فلما ألححت عليه، قال: يا فلان! ما أعلم في قلبي غلاً على أحد من المسلمين، ولا أعلم بين اثنين شحناء إلا سارعت للصلح بينهما. وهذه لا يطيقها كل أحد، لفظها يسير، لكن تطبيقها عسير، وكان الشيخ مثالاً في التواضع، يدلك على ذلك حرصه على سماع الفائدة العلمية من أصغر التلاميذ، يقرأ التلميذ البحث عليه فيصغي بجميع جوارحه، تراه يتلهف لسماع الفائدة، بل يقول: أعد أعد، وقد يغير الفتوى أو ينشئ فتوى جديدة بسبب بحث الطالب له. وكان رحمه الله عنده جلد في البحث، وقبل أن أذكر مثالاً أذكر أنه رحمه الله كان من أبعد الناس عن المدح، وعن حب سماع الثناء، أذكر من عدم حبه لثناء الناس، أن شاعراً استعطفني حتى أشفع له في إلقاء قصيدة على سماحة الشيخ، والقصة أن الشاعر كان له قريحة سيالة فقلت له: لماذا لا تمدح الشيخ بقصيدة تخلد مآثر الشيخ؟ فقال: تعدني أن ألقيها عليه، فقلت: أحاول، فنظمها ودبجها وأحسن اختيارها، فلما جاء الموعد كلمت الشيخ واستعطفته فقال: القصيدة في ماذا؟ فقلت: في شخصك أنت يا شيخ، قال: لا. لا. لا نحتاجها، ننفع الناس بخير منها، يا سماحة الوالد وعدت الشاعر، قال: إن شاء الله خيرها في غيرها، وبعد إلحاح من بعض المرافقين للشيخ، تكرم الشيخ حفظه الله بإلقاء القصيدة. أيضاً: أذكر أنني دخلت على الشيخ مرة في داره وقلت: يا شيخ! عندي موضوع سأكلمك فيه، وما عندي موضوع، لكن محبة للانفراد بالشيخ، فلما انتهى الشيخ أخذته على انفراد قال: ما عندك يا عبد العزيز! قلت: والله ما عندي شيء، لكن يا شيخ تفضل الله وإنعام الله عليك بهذه المحبة من الناس هذا خير لك يا شيخ! ونعمة من الله عليك، فقال لي كلاماً لا يقوله إلا إنسان يعرف قدر العلم، يعرف معنى تعظيم الله تعالى، قال: نحن مقصرون نحتاج إلى النصيحة والتعاهد، تعاهدونا بالنصح، الإنسان لا يأمن على نفسه، فمن يقول هذا الكلام وهو في منزلة سماحة الشيخ ابن باز. وأيضاً كان في درسه مثالاً للحلم، أذكر عام (99) رجلاً توفي رحمه الله، وكان فيه حدة، فسأل الشيخ عن مسألة في صلاة السهو، وكان الطلاب ما بين 20 إلى 25 طالباً، فقال السائل: يا شيخ! -وأنا أسمع- إمامنا صلى المغرب أربع ركعات واختلفنا، فقال الشيخ: ما سبحتم له؟ فقال: اصبر اصبر يا شيخ دعني أكمل السؤال، فرده الثانية، قال الشيخ: هل قمتم، أم ما قمتم؟ قال: يا شيخ! لا تعجل اتركني أكمل السؤال، ونحن الطلاب على أوج الغضب، فرده الثالثة فكانت الطامة، فالشيخ أراد أن يجيب، فقال: يا شيخ! أنت عجل، أنت مفتي، اسمع وافهم السؤال، ثم أجب، فقال: إن شاء الله أبشر، فلما سأله ماذا كان جواب الشيخ؟! قال: أمهلني أياماً ثلاثة حتى أبحث المسألة. أيضاً أذكر من حلم الشيخ وتواضع الشيخ أن فقيراً جاءه من أهل السودان في داره، وكان الفقير كبيراً في السن، فلما دخل على مائدة الشيخ عبد العزيز كان في المجلس أناس كأنهم تضايقوا من جلوس الفقير بجانبهم، فقام الفقير على استحياء وجلس في طرف المائدة، فكأن الشيخ فقده، كان على يمين الشيخ، ففقده الشيخ، فقلت: يا شيخ! قام المكان الفلاني، فالشيخ سلَّم على الذين حوله وكلمهم كلمات يسيرة، ثم قال: يا فلان! -يكلم الفقير- كيف حال الزراعة عندكم في السودان؟ حتى بدأ يتكلم كيف حال التوحيد؟ كيف حال السنة؟ وبدأ من أول المائدة حتى آخرها والشيخ في حديث معه، والرجل أخذ يتفاعل مع الشيخ في الكلام، وأخذ يتكلم مع الشيخ من أول المائدة حتى قام، لماذا؟ لأن إكرام الفقير على مائدة الكبير يبقى أثرها في نفس الفقير حتى عند موته. وبكل حال يكفي أيها الأكارم أن نعلم أن الشيخ والد فقده الأبناء، وشيخ فقده التلاميذ، وشيخ للشيوخ فقده الشيوخ، ومرب فقده الناشئة، وبكل حال فقد جمع الله له خصالاً من الخير قلَّ أن تجتمع، وأنا أقول: لو كان الذهبي رحمه الله حياً، ورأى الشيخ عبد العزيز بن باز ورأى أخلاقه وشمائله وعلمه، لصنفه في كتابه تذكرة الحفاظ لحفظه وفقهه وسعة اطلاعه. وبكل حال يكفي أيها الأكارم أن هذا الحدث أثر في جميع البلد، من كبار وصغار، ولا أذكر؛ كما أنكم أيضاً فيما أعلم لا تعلمون جنازة في الإسلام حدث لها من الصيت والذيوع ما حدث لهذا الرجل الصالح، وهذه عاجل بشرى المؤمن.

رؤى تبشيرية للشيخ ابن باز

رؤى تبشيرية للشيخ ابن باز وأحب أن أوضح رؤيا نشرتها بعض الصحف، والشيخ عبد الرحمن كابتني وطلب مني أن أوضحها، والرؤيا مفادها: جاءني رجل فقال لي: إن النبي صلى الله عليه وسلم موجود في مسجد معين في الرياض، فذهبت إليه ورأيت ثمانية رجال من الخلف كلهم في الروضة فرأيت عليهم العمائم، تعلوهم الهيبة والوقار من ظهورهم، فقلت: أين النبي صلى الله عليه وسلم منهم؟ قال: أحد هؤلاء الثمانية، فأتيت من طرف الصف الشمالي، فرأيت صفحة وجوههم اللحى والهيبة والوقار، فكنت متحفزاًَ أن أراه وأدقق النظر فيه، فأقيمت الصلاة فقلت: الآن سيتقدم عليه الصلاة والسلام، سبحان الله! وكأن الأرض انشقت عن الشيخ ابن باز، لا أدري كيف جاء؟ فتقدم بين الصفوف ثم قال: استووا، ثم كبر للصلاة وكبر من خلفه معه، فسألت أحد المعبرين؟ فقال: هذه لا تحتاج إلى تعبير، تعبر نفسها بنفسها، الرسول صلى الله عليه وسلم هو السنة، والشيخ عبد العزيز رحمه الله هو إمام أهل السنة في وقته، وحتى لو ما جاءت الرؤيا، هذه الرؤيا حق، أعماله في اليقظة تغني عن المنامات، ولكن المنامات عاجل بشرى المؤمن. وبكل حال أولاً: نشكر الشيخ عبد الرحمن لكرمه وسعة صدره، ولحضور المشايخ والإخوان جزاهم الله خيراً؛ لأن مجيئهم وتجشمهم هذه المسافة دليل على خير في قلوبهم، وأرجو أن يكون مجيئهم إلى هنا قربة نتقرب بها إلى الله، ما جئنا إلا لننشر للناس سمعة هذا الرجل الصالح العالم، حتى يحتذي أهل العلم حذوه، ويستفيد الناشئة وطلبة العلم والعامة من كتاباته، والشيخ عبد العزيز كما قال أحد العامة عزاني فيه فقال: يا عبد العزيز! الشيخ ما خسر، نحن الذين خسرنا، الشيخ ذهب إلى خير مما عندنا، فنحن فقدناه. وختاماً! نسأل الله تعالى أن يجزي الشيخ خير الجزاء، وأن يجعل الفردوس الأعلى مثوانا ومثواه، وأن يجمعنا وإياكم في الدنيا على أحسن حال، وفي الآخرة على أحسن مآل، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وصلى الله وسلم على رسول الله. المقدم: نشكر فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان أحد طلاب الشيخ عبد العزيز رحمه الله. بالمناسبة على ما ذكر لنا هذه الرؤيا العجيبة فقد بلغني ما يشبهها، فحدثني الشيخ عبد الله بن محمد الشتري، مدير فرع منطقة الرياض للهيئات، فذكر لي أن ابناً له يدعى سعوداً من حفظة كتاب الله، ومن الشباب الصالح إن شاء الله، يقول: إن ابني هذا حدثني أنه رأى كأنه في المسجد الحرام، وقد رأى في المسجد جملة من الأنبياء، ورأى أحدهم يخطب، ورأى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله باز بين هؤلاء الأنبياء، رآه في المسجد الحرام قبيل وفاة الشيخ رحمه الله. فكل هذه رؤى تسر، وأسأل الله أن يغفر لوالد الجميع، وأن يتغمده برحمته، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خيراً. مداخلة: على ذكر المنامات وهي بشارة، كنت في بيتي أمس يا شيخ عبد الرحمن، فقال لي أحدهم وهو اتصال من جنوب المملكة، فقال: أحد طلاب العلم الكبار رأى في المنام حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ومعه الشيخ ابن باز، فقال الشيخ: يا حذيفة! هل عدني الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا. قال: يا حذيفة! هل عدني منهم؟ قال: لا. يا حذيفة! فقال: لا. فقال حذيفة: عدك من الصديقين. ثم أخرج كتاباً كأني أراه مكتوباً عليه: الصديقون، وفتح فيه وإذا بي أقرأ: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز مواليد عام كذا وكذا. يقول: ترجمة مصغرة للشيخ ابن باز، غفر الله للشيخ وأسكنه جنته. عندكم فوائد أو شيء؟ عندنا الشيخ إبراهيم البار مدرس في معهد إمام الدعوة، يدرس الفرائض ويعمل في وكالة الجامعة، يقول: قبل أسبوعين من وفاة الشيخ رأيت في المنام أني في مجلس الشيخ، يقول: أنا ما زرت الشيخ، فيقول: كأننا جالسون في المجلس، ثم قال الشيخ: رأيتم الذي خرج، يقول: نحن مبصرون لكن ما رأيناه، والشيخ كفيف، فتعجبنا كيف يقول هذا الكلام، فقال: هذا ملك الموت أتى ليقبض روحي، وأبشركم أني رأيت منازلي وأبشركم أنها خير. فيقول: ارتعت من هذه الرؤيا قبل أسبوعين، فحرصت أني لا أحدث أحداً إلا بعد وفاة الشيخ رحمه الله. والشيخ سعد الجريد يقول: رأيت في المنام يوم الأربعاء ليلة الخميس كأنا ذاهبون لزيارة الشيخ -وهو ذهب معي كم مرة لزيارة الشيخ- فيقول: جلسنا فإذا بالشيخ في صورة وفي رؤيا عجيبة جداً، يقول: في لحظة قال: ائذنوا لي فأنا أحب أن أرتاح، فيقول: فخرج من عندنا ليرتاح، يقول: كان وجهه يتهلل نوراً سبحان الله! ليلة الوفاة يوم الأربعاء ليلة الخميس.

بيان عقيدة أهل السنة والجماعة

بيان عقيدة أهل السنة والجماعة إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لحكمة اقتضاها، وهي عبادته سبحانه وتعالى وترك عبادة ما سواه، وإن من أعظم ما يتعبد الله به هو توحيده والإيمان به، وبكل ما أخبر به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية؛ كالإيمان بالرسل والملائكة واليوم الآخر، والإيمان بوجود الجنة والنار وعدم فنائهما، وعبادة الله سبحانه بإثبات ما أثبته لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله عن نفسه من صفة عيب ونقص، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.

الحكمة من خلق العباد

الحكمة من خلق العباد الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله جل وعلا خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بها سبحانه وتعالى، فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58] سبحانه وتعالى. فخلقهم للعبادة، وتكفل بأرزاقهم، كما قال في الآية الأخرى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] ، وأرسل الرسل جميعاً لهذا الأمر العظيم؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله، ويأمروهم بها، ويوضوحها لهم، فقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] . وهكذا فجميع الرسل بعثوا لهذا الأمر العظيم؛ ليأمروا الناس أن يعبدوا الله وحده دون كل ما سواه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] ، ويقول سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، وهذه العبادة التي خلقوا لها، وأرسلت الرسل بها، أمرهم بها سبحانه في كتابه العظيم، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] ، وقال في سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:36] ، وقال في سورة بني إسرائيل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] ، وقال في سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة:5] ، وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:2-3] .

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله هذه العبادة التي خلق العباد لها قد أمروا بها، وبينت لهم في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبعث الله بها الرسل جميعاً، وكان خاتمهم وأفضلهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فقد بعثه الله ليدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده والإخلاص له، ومكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى توحيد الله، وطاعة الله، يأمرهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يخلعوا عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان والملائكة والأنبياء وغير ذلك. فكان يقول: يا قوم! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فأجابه الأقلون، وأنكر دعوته الأكثرون، ولم يزل صابراً داعياً إلى الله عز وجل حتى أمره الله بالهجرة إلى المدينة، بعدما اشتد أذى المشركين له، ولم ينقادوا لما جاء به عليه الصلاة والسلام، فهاجر إلى المدينة ومكث فيها عشر سنين يدعو إلى الله، ويعلم الناس شريعة الله، وأنزل الله عليه القرآن العظيم بعضه في مكة وبعضه في المدينة وبينه للناس، وأرشد الناس إلى ما دل عليه القرآن، وبين لهم ما أوحى الله إليه في ذلك، فإن الله أعطاه وحيين: القرآن، والسنة: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1-2] أي: محمد صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] ، فالله أوحى إليه القرآن، وأوحى إليه السنة، والسنة هي أحاديثه عليه الصلاة والسلام، وما بينه للأمة من شرع الله، فتلقى الصحابة رضي الله عنهم عنه هذا الدين العظيم -دين الإسلام- ونقلوه إلينا غضاً طرياً، وهكذا نقله التابعون عن الصحابة، وهكذا أتباع التابعين، ولم يزل أهل العلم ينقلون هذا العلم من جيل إلى جيل، ومن قرن إلى قرن، ويكتبون في كتب كثيرة، ويوضحون للناس دعوة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وما بينه الكتاب العظيم -وهو القرآن- من دين الله.

مفهوم عقيدة أهل السنة والجماعة

مفهوم عقيدة أهل السنة والجماعة فعقيدة المسلمين التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، هي ما بيَّن الله لعباده في كتابه العظيم، وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام، وتلقاه الصحابة عن نبيهم رضي الله عنهم وبلغوه للناس، وهو دين الله وتوحيده وطاعته، واتباع رسوله، وترك ما نهى عنه، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله. هذا هو دين الله، وهذه هي العقيدة التي درج عليها سلف الأمة، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والعمل بذلك قولاً وعملاً وعقيدة، عن محبة وانقياد وإخلاص وموالاة ومعاداة. فالإيمان بالله ورسوله هو: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من الطاعات القولية والفعلية، وعلى المؤمن أن يتلقى ذلك عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، كما تلقاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من السلف الصالح، وقد بينه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فقد شرح للناس معنى الإسلام والإيمان والإحسان، وأوضح للناس أوامر الله ونواهيه قولاً وعملاً. فعقيدة أهل السنة والجماعة هي: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والعمل بكل ما أمر الله به ورسوله، عن إيمان صادق، وإخلاص لله، ومحبة ورغبة ورهبة، فهم يؤدون أوامر الله، وينتهون عن نواهي الله، ويقفون عند حدود الله، عن إيمانٍ بالله ورسوله، وعن إخلاص وصدق، وعن رغبة، ورهبة لا رياءً ولا سمعةً ولا نفاقاً، بل عن إيمان وصدق. وهذه العبادة التي خلقوا لها سماها الله إسلاماً، وسماها إيماناً، وسماها تقوى، وسماها هدى، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23] ، وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر:45] ، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء:1] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء:136] ، وقال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136] . فهي إيمان وإسلام وهدى وتقوى وبر وصلاح وإصلاح، هذه هي العقيدة التي درج عليها أهل السنة والجماعة، وهي دين الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبعث به جميع المرسلين قولٌ وعمل وعقيدة قول باللسان، وعمل بالجوارح، واعتقاد بالقلب، عن محبة، وإخلاص، وصدق، وعن رغبة ورهبة.

عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان

عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان وجميع ما جاءت به الرسل يندرج تحت الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، كما قال جل وعلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177] ، وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136] ، وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285] ، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء:136] .

الإيمان بالله

الإيمان بالله فدين الإسلام، وعقيدة أهل السنة والجماعة، هي الإيمان بالله قولاً وعملاً وعقيدة، ويدخل في الإيمان ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما سأله عن الإيمان، والإسلام، والإحسان؛ فبين له أركان الإسلام، وأركان الإيمان الستة، والإحسان، وقال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) . هذا هو دين الله عند التفصيل: إسلام، وإيمان، وإحسان، فما أمر الله به ورسوله من الأعمال الظاهرة يسمى إسلاماً، أي: خضوعاً لله الإسلام والانقياد والذل لله، سمى الله دينه إسلاماً؛ لأن المسلم ينقاد لله، ويذل له، ويؤدي حقه من الخضوع والذل والانكسار، وهذا هو العبادة، ولهذا سمي الدين كله عبادة؛ لأنه يؤدى بالذل، والانكسار، والخضوع لله سبحانه وتعالى. فالعبادة هي الإسلام، وهي دين الله، وهي الإيمان والهدى. فقوله: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله. إلخ، داخل في قوله: أن تؤمن بالله، فالعقيدة التي تلقاها أهل السنة والجماعة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاها أصحاب النبي عن رسول الله، هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذه الأصول الستة هي أصول الدين كله، فيدخل في الإيمان بالله: الإيمان بكل ما أمر الله به وشرعه من الإسلام، من توحيد الله والإخلاص له، والشهادة بأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، والشهادة بأن محمداً عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. ويدخل في ذلك: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج؛ كله داخل في الإيمان بالله، والإيمان بجميع المرسلين، كما نص عليه جل وعلا في كتابه العظيم، ونص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. فالإيمان بالله يشمل جميع ما أمر الله به ورسوله، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر إلى غير ذلك من كل ما أمر الله به ورسوله؛ كله داخل في الإيمان بالله.

الإيمان بالملائكة

الإيمان بالملائكة والإيمان بالملائكة معناه: الإيمان بكل الملائكة الذين خلقهم الله، يؤمن بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته وعبادته وتنفيذ أوامره سبحانه وتعالى، نؤمن بهم جميعاً، وأنهم خلقوا من النور، وأنهم في طاعته واتباع أمره، وتنفيذ أوامره سبحانه وتعالى، لا يحصي عددهم إلا الله جل وعلا، نؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً، نؤمن بهم إجمالاً بأن لله ملائكة في طاعته واتباع أوامره وتنفيذها، ومنهم من فصله الله لنا وبين لنا أسماءهم، كجبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك خازن النار، فهؤلاء بينهم الله سبحانه وتعالى وهكذا ملك الموت، ومن سماه الله من غيرهم، نؤمن بهم على سبيل التفصيل.

الإيمان بالكتب

الإيمان بالكتب وهكذا نؤمن بالكتب، وكلٌ داخل في الإيمان بالله، وداخل في الإسلام، وهي الكتب التي أنزلها الله على الرسل، فإن الله جل وعلا أرسل الرسل وأنزل الكتب {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] ، فالله أرسلهم وأرسل معهم الكتب لبيان الحق للناس، فنؤمن بكتب الله جميعاً على الإجمال والتفصيل نؤمن بجميع الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنها: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن الذي هو أعظمها، وهو المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وصحف موسى، وصحف إبراهيم، فنؤمن بكل الكتب التي أنزلها الله على رسله، وأفضلها وخاتمها هو القرآن الكريم.

الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل وهكذا نؤمن بجميع الرسل من أولهم إلى آخرهم نؤمن بهم جميعاً، وأنهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة عليهم الصلاة والسلام، ومنهم آدم عليه الصلاة والسلام رسول نبيٌ مكلَّم، فهو رسول الله إلى ذريته يدعوهم إلى توحيد الله، ويأمرهم بأمر الله، وينهاهم عن نهي الله، ثم بعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام، وذلك بعدما وقع الشرك في بني آدم. فنوح هو أفضل الرسل إلى أهل الأرض، بعد ما وقع الشرك فيهم بعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وصبر على أذى قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وظل فيهم يدعوهم إلى الله، فلما استمروا في العناد، أهلكهم الله بالغرق، وأنجاه وأصحاب السفينة عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعده من الرسل؛ كهود، وصالح، وشعيب، ولوط، وموسى، وهارون وغيرهم؛ كلهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، إلى أن ختمهم الله بأفضلهم محمد عليه الصلاة والسلام فنؤمن بذلك كله. فمن عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله ورسوله: أن نؤمن بهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم أدوا الرسالة وبلغوها، وأدوا أمانة الله وصبروا، فمنهم من قتل، ومنهم من سلم، وهم متفاوتون، فمنهم من تبعه جمع غفير، ومنهم من لم يتبعه إلا قليل، حتى قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: (منهم من لم يتبعه إلا الرهيط -الثلاثة والأربعة والخمسة- ومنهم من لم يتبعه إلا الرجل والرجلان، ومن الرسل من لم يتبعه أحد) خالفه قومه كلهم والعياذ بالله!

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر وهكذا نؤمن باليوم الآخر، وهو الأصل الخامس من أصول الإيمان، فـ أهل السنة والجماعة يؤمنون باليوم الآخر وهو يوم القيامة، وسمي بالآخر لأنه دبر الدنيا، فأولاً الدنيا ثم يوم القيامة، فحين تقوم الساعة تذهب الدنيا، والدنيا هي اليوم الأول، ثم تقوم الساعة وهي اليوم الآخر، ويجازى الناس بأعمالهم في هذا اليوم الآخر، وفيه تنصب الموازين، ويحاسب الناس ويوفون أعمالهم، ويعطى هذا كتابه بيمينه وهذا كتابه بشماله، فمن أعطي كتابه بيمينه فهو الرابح السعيد، وله الجنة والكرامة، ومن أعطي كتابه بشماله فهو الهالك وله النار يوم القيامة. ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عن الآخرة عن يوم القيامة، والجنة، والنار، والجزاء، والحساب، وغير ذلك؛ كله داخل في الإيمان باليوم الآخر.

الإيمان بالقدر خيره وشره

الإيمان بالقدر خيره وشره والأصل السادس: الإيمان بالقدر، وهو أن الله علم الأشياء قبل أن تكون، فقد علمها سبحانه وقدرها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فعلم أعمال العباد، وما يقع في هذه الدار، وما يقع في الآخرة، كل ذلك علمه سبحانه وأحصاه وكتبه. فالمسلمون تلقوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم الإيمان باليوم الآخر، كما دل عليه القرآن: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:136] وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:177] . فالمسلمون يتلقون إيمانهم عن رسولهم صلى الله عليه وسلم، وعن كتاب ربهم بهذه الأصول الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. فتؤمن بأن الله علم الأشياء كلها، وأنه أحصاها وكتبها، وأنه سبحانه هو القادر على كل شيء، العالم بأحوال عباده، وأن العباد لن يخرجوا عن قدر الله وما سبق في علمه سبحانه وتعالى، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك قالوا: يا رسول الله! إذا كان الله قد قدر كل شيء أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10] ) .

عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات

عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات ومن الإيمان بالله أيضاً: الإيمان بأسمائه وصفاته، كما أنه داخل في ذلك الإيمان بشرائعه، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وغير ذلك، كل ذلك داخل في الإيمان بالله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لما قال له رجل: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك؟ قال: (قل آمنت بالله ثم استقم) ، فكل شيء داخل في الإيمان، كل ما أمر الله به ورسوله داخل في الإيمان بالله. وهكذا قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] ، فمن آمن بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بحق، واستقام على دينه؛ فهذا هو دين الله، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الهدى، وهذه هي العبادة التي خلقنا لها الإيمان بالله ثم الاستقامة الإيمان بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بحق، والإيمان بكل ما شرع من الأوامر والنواهي، والعمل بذلك، هذا كله هو العبادة، وهذا هو الدين، وهذا هو الإيمان بالله، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الهدى، وهذا هو التقوى. ومن الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه وصفاته، كله داخل في الإيمان بالله الإيمان بأنه سبحانه حكيم عليم رحمن رحيم على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سبحانه بيده تصريف الأمور، والقادر على كل شيء، وإليه مصير العباد، فالإيمان بكل أسمائه وصفاته كل ذلك داخل في الإيمان بالله، فعلى المكلف أن يؤمن بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بالحق، وعليه أن ينقاد لشريعته؛ فعلاً للمأمور، وتركاً للمحظور. هكذا الإسلام، وهكذا الإيمان إيمان بالله يتضمن أداء فرائضه وترك محارمه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون.

أسماء الله وصفاته توقيفية

أسماء الله وصفاته توقيفية وصفات الله وأسماؤه توقيفية، تؤخذ من كتابه ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن يؤمن بذلك، وبكل ما دل عليه كتاب الله من أسمائه وصفاته، وبكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، من أسماء الله وصفاته، كله داخل في الإيمان بالله، مع الإيمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء، له الكمال المطلق في علمه وتوحيده، وفي قدرته وحكمته، وفي كل أسمائه وصفاته، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقال عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1-4] ، ويقول سبحانه: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] . فله الكمال المطلق في علمه وقدرته وحياته، وفي كل شيء سبحانه وتعالى، لا شريك له، ولا شبيه له، ولا كفء له.

النفي والإثبات في الأسماء والصفات

النفي والإثبات في الأسماء والصفات وأسماؤه وصفاته جاءت مفصلة ومجملة، مفصلة في الإثبات: {أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:209] {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:61] {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:20] ، مفصلة في إثباتها، ومجملة في نفيها، جمع سبحانه بين النفي والإثبات، نفي مجمل وإثبات مفصل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74] ، كل هذا نفي مجمل، ويوجد نفي مفصل: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] ، ولكنه قليل. فالغالب على النفي الإجمال، وهو نفي النقائص والعيوب والمشابهة لخلقه، وفصل صفاته الثابتة في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:75] {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:28] {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:22-24] إلى غير هذا من أسمائه وصفاته جل وعلا.

واجب العبد تجاه كل ما أخبر الله به ورسوله

واجب العبد تجاه كل ما أخبر الله به ورسوله فعلى العبد أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته على الوجه الذي يليق به سبحانه، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، فنؤمن بذلك على الوجه الذي يليق به سبحانه، ليس له مثيل، ولا نظير، ولا كفء ولا ند جل وعلا، فعلمه كامل ليس كعلمنا، وقدرته كاملة ليست كقدرتنا، وبصره كامل ليس كبصرنا وهكذا بقية صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا يسمع ويبصر ليس كسمعنا وبصرنا، بل هو أكمل وأعظم. وهكذا موصوف بأن له يداً: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] ، سميع بصير، وله قدم كما في الحديث الصحيح: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله -وفي رواية: قدمه- فينزوي بعضها إلى بعض، ثم تقول: قطٍ قطٍ) أي: حسبي حسبي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] لا مثيل له في سمعه، ولا في بصره، ولا في يده، ولا في وجهه، ولا في قدمه، ولا في غير ذلك {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:88] فهذه الصفات التي وصف بها نفسه نصفه بها، ونقول كما قال: له وجه، وله يدان، وله سمع، وله بصر، وله قدم، وله أصابع؛ كلها تليق به، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، للحديث الصحيح: (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرب يقلبها كيف يشاء) . وعرفت أن الإيمان بالكتب يشمل الإيمان بجميع الكتب المفصلة والمجملة، فنؤمن بكتب الله المنزلة على رسله وأنبيائه، وما سمى الله نسميه، من التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى، وأعظمها القرآن وهو خاتمها. وهكذا الملائكة: نؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً، من سماه الله سميناه، كجبرائيل، وميكائيل، ومن لم يسم الله نقول: إن لله ملائكة لا يحصيهم إلا الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنهم: (في البيت المعمور الذي فوق السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه) ، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك للتعبد، ثم لا يعودون إليه، فلا يحصيهم إلا الله جل وعلا. وله ملائكة يتعاقبون فينا، يشهدون معنا الصلوات، فإذا صلى الناس الفجر عرج الذين باتوا فينا، وبعد العصر يعرج الذين قعدوا فينا في النهار لينزل أهل الليل، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح، ملائكة يتعاقبون فينا يشهدون على أعمال العباد، وما شاهدوا منه يسألهم ربهم وهو أعلم إذا عرجوا إليه: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون. وكل واحد منا معه ملكان يكتبان أعماله، هذا يكتب حسناته وهذا يكتب سيئاته: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12] . فجدير بك -يا عبد الله- أن تحرص على إملاء الخير على هؤلاء الملائكة أمل عليهم الخير أمل عليهم ما ينفعك ويرضي الله عنك، من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والدعوة إلى الله، وتعليم الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلى غير هذا من وجوه الخير، وهكذا العمل، عليهم أن يكتبوا كل شيء.

من عقيدة أهل السنة الإيمان باليوم الآخر

من عقيدة أهل السنة الإيمان باليوم الآخر وعلينا جميعاً، على جميع المكلفين من الجن والإنس، الإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه كل ما أخبر الله به يوم القيامة، كله داخل في الإيمان باليوم الآخر الجنة والنار، والحساب والجزاء، وتوزيع الكتب على الناس، والمرور على الصراط يوم القيامة، ومرور المؤمنين على الصراط إلى الجنة إلى غير هذا من كل ما أخبر الله به ورسوله في اليوم الآخر.

الإيمان بالبعث بعد الموت

الإيمان بالبعث بعد الموت وعلينا أن نؤمن بأن الله يبعث عباده بعد مماتهم في آخر الزمان، وعند قيام الساعة يرسل الله ريحاً طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الأشرار في خفة الطير وأحلام السباع، يأتيهم الشيطان ويزين لهم الشرك بالله، وعبادة غير الله، فيعبدون غير الله، وتمتلئ الأرض من شركهم وكفرهم وضلالهم، وعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية. فالله جل وعلا يحكم بين عباده يوم القيامة، ويجازيهم بأعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، كما قال جل وعلا: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] ، وقال جل وعلا: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] ، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] ، ويقول سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] . فجميع أعمال العباد يوفون إياها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فتنصب الموازين يوم القيامة وتوزن فيها أعمال العباد، فهذا يثقل ميزانه وهذا يخف ميزانه {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6-11] ، فمن ثقلت موازينه أعطي كتابه بيمينه، ومن خفت موازينه أعطي كتابه بشماله، والعصاة الذين ماتوا على المعاصي والسيئات أمرهم إلى الله، من شاء سبحانه عفا عنه وأدخله الجنة، وصار من أهل اليمين من أهل النجاة والسعادة، ومن شاء سبحانه أدخله النار بذنوبه ومعاصيه، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار ويلتحق بإخوانه في الجنة.

الإيمان بأبدية الجنة والنار

الإيمان بأبدية الجنة والنار وأهل الجنة فيها منعمون أبد الآباد، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، بل في نعيم دائم وخير دائم، وهذا الطعام والشراب يصير جشاء ورشحاً، لا بولاً ولا غائطاً ولا مخاطاً ولا بصاقاً، وأهل النار في عذاب وبلاء أبد الآباد، نسأل الله العافية، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:37] ، وقال عز وجل: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] ، وقال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] . هذه نهاية الناس، فجدير بالعاقل أن تكون هذه النهاية على باله، وألا يغفلها، فلا بد منها، ومن مات فقد قامت قيامته، فليحذر العبد أن يغفل وأن يجازف في هذه الأمور؛ فيندم غاية الندامة، فليعد لهذا اليوم عدته، وليحرص قبل أن يفاجئه الأجل. هذه العدة الصالحة والزاد الصالح من طاعة الله ورسوله، والقيام بحقه، والاستقامة على دينه، وذلك بامتثال أوامر الله وترك نواهيه، فالعدة الصالحة أن تستقيم على دين الله، وأن توحد ربك وتخصه بالعبادة، وأن تؤدي فرائضه، من صلاة وغيرها، وأن تنتهي عن نواهيه، وأن تقف عند حدوده، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، فهذه هي العدة الصحيحة التي أنت مأمور بها ومخلوق لها، وهي: أن تعبد ربك وحده وتشهد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وتؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، وتؤدي فرائض الله التي فرضها عليك بإخلاص له سبحانه، ورغبة فيما عنده ومحبة، وتنتهي عن نواهي الله عن إيمان وصدق وإخلاص، وتقف عند حدود الله مؤمناً بالله ورسله، مؤمناً بأن الله قدر الأقدار وشاء ما شاء سبحانه وتعالى، فعليك أن تؤمن بالقدر خيره وشره، وأن تعلم أن الله علم الأشياء وكتبها، وأنه الخالق لكل شيء، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

الإيمان برؤية الرب في الآخرة

الإيمان برؤية الرب في الآخرة ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بأن الله يُرى يوم القيامة إذا جاء للفصل بين العباد يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] أي: يوم القيامة، وهم يرونه فيكشف لهم عن ساق، وينظر إليهم ويكلمهم ويحييهم سبحانه وتعالى، ثم في الجنة يرونه سبحانه يراه المؤمنون في الجنة كما يشاء سبحانه وتعالى، وما أعطوا في الجنة شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجهه، كما قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.

الإيمان بالصراط

الإيمان بالصراط والمسلمون إذا انتهوا من الموقف يمرون على الصراط، وهو منصوب على متن جهنم، أصله في الأرض ونهايته إلى الجنة، يمر عليه المؤمنون ويمنع عنه الكافرون، فاحرص على العدة التي تيسر لك مرورك، من الإيمان بالله والتقوى، وعليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يخدش وينجو، ومنهم من يخطف ويسقط بسبب معاصيه. والكفار لا يمرون عليه، بل يساقون إلى النار ويحشرون إليها، كما ضيَّعوا أمر الله وأشركوا به وكفروا به.

الإيمان بنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار

الإيمان بنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بأن المؤمن مخلد في الجنة أبد الآباد، ونعيمهم فيها متفاوت؛ قصورهم، ونعيمهم، وزوجاتهم، فهم متفاوتون في ذلك، منهم من يعطى زوجات كثيرات، ومنهم من هو أقل من ذلك، ولكل واحد زوجتان من الحور العين غير زوجاته من الدنيا، وغير ما يعطى من الزوجات الأخريات من الحور العين، وكل واحد لا ينقص عن زوجاته من الحور العين مع ما له من زوجات من الدنيا، فالنساء في الجنة أكثر وفي النار أكثر في الجنة أكثر لما للرجل من الحور العين، وفي النار أكثر بما يحصل من الإضاعة لأمر الله، والمعاصي الكثيرة التي من أسبابها صرن أكثر أهل النار قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير -تكثرن اللعن والشتم، وتكفرن الأزواج والإحسان- لو أحسن الزوج إلى إحداكن الدهر ثم منعها شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط) الرسول أعلم. إنكار الجميل عند أقل شيء من الزوج، ولهذا كن أكثر أهل النار بسبب المعاصي والشرور، وكفران العشير، وعدم الإيمان بالله ورسوله، وهن أكثر أهل الجنة لما معهن من الحور العين، فالمؤمنات في الجنة مع أزواجهن المؤمنين، ولأزواجهن مزيد من الحور العين لكل واحد زوجتان من الحور العين، وقد يزاد بعضهم زوجات كثيرات على حسب أعمالهم الصالحة، لكن أقلهم له زوجتان من الحور العين غير نصيبهم من زوجات الدنيا. ومن أعمال اليوم الآخر: أن أهل الجنة يتزاورون فيها، وهم في نعيم دائم لا يتغوطون ولا يبولون ولا يتفلون، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يسبحون الله بكرة وعشياً، يتنعمون بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وذكر الله عز وجل، وهم مع تزاورهم واختلاف منازلهم في الجنة، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، كل واحد يرى نفسه أنه في نعمة ليس فيها غيره من النعيم العظيم، ليس يعتريه حزنٌ ولا مضايقة، بل في نعيم وسرور دائم، مع لقائهم لإخوانهم في الأوقات التي يشاؤها الله. ولهم مواعيد مع ربهم يزورونه ويسلمون عليه، وينظرون إلى وجهه الكريم على حسب مراتبهم، كل هذا من الإيمان باليوم الآخر. ولهم يوم المزيد، يوم يجمع الله فيه أهل الجنة، ويزورونه وينظرون إليه، ويسلم عليهم، ويحادثهم سبحانه وتعالى.

الإيمان بعدل الله يوم القيامة

الإيمان بعدل الله يوم القيامة ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بأن جميع الخلائق يوفون أجورهم في ذلك اليوم، فلا يضيع حق أحد، وكلٌ يعطى حقه من مسلم وكافر وعاصٍ، ولو كان مثقال ذرة فهو لا يضيع {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] .

واجب العبد تجاه الاستعداد لليوم الآخر

واجب العبد تجاه الاستعداد لليوم الآخر فالواجب على كل مكلف من الرجال والنساء أن يعد العدة لهذا اليوم، وأن يكون الرجل على باله أن يعد العدة، وأن يتقي الله، وأن يستقيم على دين الله، وأن يحافظ على ما أوجب الله عليه من صلاة وغيرها، والمرأة كذلك تؤدي حق الله، وتستقيم على دين الله، وتتفقه في دين الله، وتؤدي حق زوجها بالمعروف، وتحذر كفران العشير وإيذاء الزوج بغير حق. وعلى الزوج أن يتقي الله في أهله وألا يظلمهم، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ، فعلى الزوج أن يتقي الله، وأن يعاشر بالمعروف، وعلى الزوجة أن تتقي الله، وأن تسمع لزوجها بالمعروف، وعليهما أن يتعاونا على البر والتقوى، وعلى طاعة الله ورسوله؛ حتى تكون زوجته في الجنة، وحتى يكون زوجها في الجنة.

الإيمان بالحوض المورود

الإيمان بالحوض المورود ومن الإيمان باليوم الآخر: الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، يرده الناس، وهو حوضٌ عظيم: طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، يرده المؤمنون أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، يردونه ويشربون منه يوم القيامة، ويذاد عنه من كفر بالله وخالف أمره، ويذاد عنه الكافرون الذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو ارتدوا بعد وفاته، فيذادون عنه ويحرمون منه، كما يحرمون من دخول الجنة، ويرده المؤمنون ويشربون من هذا الحوض المورود. كل هذا من أخبار يوم القيامة، وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة يوم طويل عظيم، لكنه لا ينتصف إلا وقد صار أهل الجنة إلى منازلهم، قال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان:24] أي: عند نصف النهار يكون أهل الجنة قد وصلوا إلى منازلهم وتبوءوها وتنعموا فيها: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان:24] . وماذا في ذلك؟ الخلق وطول الحساب، والله جل وعلا هو الحكيم العليم الذي يجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها، وهو الحكم العدل، قال تعالى: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17] ، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] ، وقال عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] .

محاسبة النفس

محاسبة النفس فأنت يا عبد الله! حاسب نفسك هكذا، وأنتِ يا أمة الله! حاسبي نفسك، كلٌُ يحاسب نفسه وينظر ماذا قدم وماذا فعل؟ هل أدى حق الله؟ هل استقام على دين الله؟ هل أدى واجب الله؟ هل ترك محارم الله؟ هل وقف عند حدود الله؟ هل أدى ما عليه لإخوانه؟ وهكذا الزوج يحاسب نفسه: هل أدى حق زوجته؟ هل أنصفها؟ هل أدى حق والديه؟ هل أدى حق أولاده وقرابته؟ وهكذا الزوجة تحاسب نفسها وتنظر! هل أدت حق زوجها؟ هل أدت حق والديها وأقاربها؟ كل ذلك مطلوب، كما أن عليك أن تؤدي حق الله فهكذا حق المخلوق أيضاً، وحق الله أعظم وأكبر؛ ولكن أوجب عليك حقوقاً لغيره أوجب عليك حقاً لوالديك لزوجتك لأولادك لإخوانك المسلمين عليك أن تؤديها، وهكذا المرأة عليها أن تؤدي الحق الذي عليها لربها، ولزوجها، ولقرابتها، وللمسلمين. ومن الحق على الجميع الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير، والنصح لله ولعباده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا من حق الله على الجميع، ألا وهو التواصي بالحق والتناصح {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] . ومن الحق على الجميع التعاون على البر والتقوى، يقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، فالواجب على كل إنسان أن يحاسب نفسه: هل أدى الحق الذي عليه لله ولعباده؟ ولا شك أنه متى حاسب نفسه وناقشها وجد التقصير، فعليه أن يكمل طريقه، وعليه أن يستقيم عليه، وأن يجاهد نفسه لله حتى يؤدي الحقوق التي لله ولعباده. وأهل السنة والجماعة يؤمنون أيضاً بكلام الله، وأنه يكلم أهل الجنة، ويكلم عباده يوم القيامة، ويسمعون كلامه سبحانه وتعالى، ويسلم على أهل الجنة، فيقول: (هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا! ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، ألم تثقل موازيننا؟! ألم تدخلنا الجنة؟! ألم تنجنا من النار؟! قال: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟! قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) ، وهذا فضله وجوده جل وعلا.

مصادر أهل السنة والجماعة

مصادر أهل السنة والجماعة إن جميع ما يقوله أهل السنة والجماعة كله موزون بالكتاب والسنة والإجماع، فدين الله مبني على هذه الأصول الثلاثة على كتاب الله القرآن، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى إجماع سلف الأمة. وأهل السنة والجماعة، هم المستقيمون على دين الله ورسوله، وهم التابعون للحق، وهم المنقادون لشرع الله، وهم أهل السنة والجماعة ومن شذ عنهم وخالفهم فهو من أهل البدع. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فالفرقة الناجية هم المؤمنون وهم أهل السنة والجماعة، وهم المستقيمون على دينه وعلى اتباع شريعته، وهم الفرقة الناجية، واثنتان وسبعون متوعدون بالنار، إما لكفرهم وإما لبدعهم ومخالفاتهم. أما أهل السنة والجماعة فهم الذين استقاموا على دين الله قولاً وعملاً وعقيدة، واتبعوا شرع الله، ونصحوا لله ولعباده، وتباعدوا عن مساخطه، فهؤلاء هم أهل السنة والجماعة هم أهل الحق هم الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم، والتابعون لهم بإحسان. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المؤمنين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم. كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، وأن يعيذهم من دعاة الباطل، ومن نزغات الشيطان، ومن كل ما يخالف أمره سبحانه، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن ينصر بهم الحق، ويخذل بهم الباطل، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

الأسئلة

الأسئلة

الرد على دعوى أن مصير اليهود والنصارى وغيرهم إلى الجنة

الرد على دعوى أن مصير اليهود والنصارى وغيرهم إلى الجنة Q كاتب أطلق رصاصة من جريدة الشرق الأوسط، حيث نشر فيها مقالاً يقول فيه: فإنه من العبث الادعاء أن ستة مليارات من الناس المنتشرين على سطح البسيطة سيكون مصيرهم النار هكذا بموجب فتوى لا تستند إلى الحق والعدل، ويقول: إن أتباع جميع الديانات السماوية باستثناء المحرفين لكتاب الله سيذهبون إلى الجنة فيما إذا عملوا صالحاً، تحقيقاً لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] إلى آخر ما قال. فما توجيهكم؟ A لا شك أن من آمن بالله واليوم الآخر، واتبع الرسل من جميع الأمم، فلا شك أنه إلى الجنة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] ، فمن آمن بالله ورسله من هذه الأمة، ومن بني إسرائيل، ومن اليهود والنصارى، ومن غيرهم من الأمم؛ كلهم إلى الجنة، وكل من تابع الرسل من أولهم إلى آخرهم فهو إلى الجنة، ومن عصاهم وخالفهم فهو إلى النار، ولا شك أن أكثر الخلق إلى النار وأقلهم إلى الجنة، كما قال جل وعلا: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] ، وقال جل وعلا: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] ، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20] ، لكن في آخر الزمان، إذا رفع الله القرآن وأرسل الريح التي تقبض أرواح المؤمنين، والمؤمنات فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، وهم من أهل النار، لأنهم بقوا على الشرك بالله وعبادة غيره، فعليهم تقوم الساعة نسأل الله العافية (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) ، وفي رواية: (حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله) ، نسأل الله السلامة. وأما القول بأن جميع أهل الأرض في النار فهذا كلام باطل، بل من آمن بالله واليوم الآخر فهو من أهل الجنة، وإنما يكون من أهل النار من كفر بالله وخالف أمره، لكن في آخر الزمان بعد رفع الكتاب العزيز، وبعد موت المؤمنين والمؤمنات، يبقى الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، وهم من أهل النار نسأل الله العافية.

حكم اعتناق دين غير دين محمد عليه الصلاة والسلام

حكم اعتناق دين غير دين محمد عليه الصلاة والسلام Q وعبارة أخرى أوردها يقول: إن الإسلام والإيمان ليسا محصورين برسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقط، بل إن الإسلام والإيمان يخصان كل إنسان يعبد الله بأي صورة كانت قبل وبعد البعثة المحمدية المباركة، فما تعليقكم؟ A أما قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكل من آمن بالرسل الماضين فهو من أهل الجنة من آمن بموسى بعيسى بهود بصالح بجميع الرسل، فهو من أهل الجنة إذا مات على ذلك، أما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فليس من أهل الجنة إلا من تابع محمداً صلى الله عليه وسلم، فجميع أهل الأرض بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ليس لهم نجاة إلا باتباعه محمد عليه الصلاة والسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) . فأتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين يدخلون الجنة دون غيرهم، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار) ، فلا يكون من أهل الجنة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من اتبعه. أما من بلغه خبره وكَفَرَ به، ولم يؤمن به، فهو من أهل النار، وأما من لم يبلغه خبر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الفترات الذين لم يسمعوا بالرسول ولا بالقرآن، فهؤلاء يقال لهم: أهل الفترة، وهؤلاء أمرهم إلى الله يوم القيامة، يمتحنهم جل وعلا، فمن نجح في الامتحان دخل الجنة، ومن لم ينجح دخل النار، نسأل الله السلامة، وأما من بلغه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن ولم يؤمن؛ به فهو من أهل النار. ومن لم يكفر الكفار فهو مثلهم، فيجب تكفير من لم يؤمن بالله، وتكفير من كفر به، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وحد الله وكفر بما عبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) ، ويقول الله جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256] . فلابد من الإيمان بالله، وتوحيده، وإخلاصه، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولابد من تكفير الكافرين الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والشيوعيين، وغيرهم ممن يوجد اليوم وقبل اليوم، فمن بلغته رسالة الله ولم يؤمن فهو من أهل النار، نسأل الله العافية.

حكم التحذير من كتب ابن حجر والنووي

حكم التحذير من كتب ابن حجر والنووي Q هناك من يحذر من كتب الإمام النووي والإمام ابن حجر رحمهما الله تعالى، ويقول: إنهما ليسا من أهل السنة والجماعة، فما الصحيح في ذلك؟ A لهم أشياء غلطوا فيها في الصفات، فـ ابن حجر والنووي وجماعة آخرون لهم أشياء غلطوا فيها، ليسوا فيها من أهل السنة، وهم من أهل السنة فيما سلموا فيه ولم يحرفوه هم وأمثالهم ممن غلط.

كيفية التعامل مع الرافضة

كيفية التعامل مع الرافضة Q كيف يكون التعامل مع الرافضة الذين خالطونا في البلاد في مثل هذه الحالات: إذا كانوا طلاباً، أو مدرسين، وإذا كانوا أطباء، أو مرضى، وإذا كانوا زملاء في العمل؟ A من أعلن بدعته وجب هجره، وذلك كالغلو في أهل البيت كـ علي وفاطمة، وبغض الصحابة، فهذا يهجر؛ لأن الغلو في أهل البيت وبغض الصحابة كفر وردة عن دين الإسلام، فمن أظهر بدعتة يهجر، ولا يوالى، ولا يسلم عليه، ولا يستحق أن يكون معلماً ولا غيره، وأيضاً يقال مثل ذلك في الوظائف. ومن لم يظهر بدعته ولم يبين شيئاً، وأظهر الإسلام مع المسلمين؛ فيعامل معاملة المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما سئل: (أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) ، فمن أظهر الإسلام فهو أخونا، نسلم عليه ونرد عليه السلام، ومن أظهر الشرك والبدعة فليس أخانا، إن كان أتى شركاً، وإن كان أتى بدعة استحق الهجر عليها، حتى يدعها وينقاد إلى الحق. وهكذا من أظهر المعاصي كالزنا، وشرب الخمر؛ استحق أن يهجر وإن كان مسلماً، يستحق أن يهجر حتى يتوب إلى الله من شرب الخمر، ومن إظهار ما أظهر من المنكرات. السائل: إذا مرض هل يعالج؟ إذا كان دخل بأمان وعهد فلا بأس أن يعطى العلاج، ويعلم، ويدعى إلى الله، أما إذا كان حربياً فلا يعطى العلاج، بل يقتل! وكذلك ما دام أنه في أمان عندنا فلا بأس أن يعالج في المستشفيات، يعطى الدواء ما دام تحت الأمان، حتى يقام عليه حد الله.

حكم من وقع في الشرك الأكبر

حكم من وقع في الشرك الأكبر Q هل كل من يقع في الشرك الأكبر يكون مشركاً وتطبق عليه أحكام المشركين؟ A من كفر بالله صار كافراً، ومن أشرك بالله صار مشركاً، كما أن من آمن بالله ورسوله صار موحداً مؤمناً، أما من لم تبلغه الدعوة فهذا لا يقال عنه: مؤمن، ولا كافر، ولا يعامل معاملة المسلمين، بل أمره إلى الله يوم القيامة، ويضاف أهل الجهل الذين ما بلغتهم الدعوة، فهؤلاء يمتحنون يوم القيامة، فيبعث الله إليهم عنقاً من النار، ويقال: ادخلوا، فمن أجاب صار عليه برداً وسلاماً، ومن لم يجب قذف إلى النار، نسأل الله العافية. فالمقصود أن من بلغته الدعوة ولم يؤمن ولم يسلم فهو كافر عدو لله.

حكم ادعاء معرفة أماكن وجود الماء تحت الأرض

حكم ادعاء معرفة أماكن وجود الماء تحت الأرض Q بعض الناس يدعون العلم بما تحت الأرض وما فوقها، ويحددون أماكن الآبار، خاصة في الأماكن الصحراوية والجبلية، فهل يصدقون؟ وهل هذا من الكهانة؟ A دعوى معرفة المياه لا أظنه من الكهانة، فهو يدرك بأمارات، والمياه في الأراضي تدرك بعلامات وأمارات يعرفها المختصون، قد يخطئون وقد يصيبون، لكن إذا كان علمهم جيداً فالغالب أنهم يصيبون، كما ذكر ابن القيم رحمه الله وغيره أن هناك أمارات يعرف بها مواضع المياه.

حكم الانتساب إلى أهل السنة والجماعة

حكم الانتساب إلى أهل السنة والجماعة Q بعض الناس ينكرون الانتساب إلى أهل السنة والجماعة ويقولون: كلٌ يدعي ذلك، ولكن الأولى أن ينتسب إلى السلف، فما تعليقكم؟ A السلف هم أهل السنة والجماعة، والانتساب إليهم إذا كان من أتباع أهل السنة والجماعة، من أتباع الصحابة، ومن يؤمن بالله واليوم الآخر ينتسب إلى أهل الحق لا ينتسب إلى أهل الباطل، فعلى من ينتسب إلى أهل السنة أن يجاهد نفسه على الصدق، لا أن تكون دعوى، بل يجاهد نفسه حتى يصل.

صحة حديث: (خلق آدم على صورة الرحمن)

صحة حديث: (خلق آدم على صورة الرحمن) Q ما صحة حديث: (إن الله خلق آدم على صورته أو على صورة الرحمن) ؟ A الحديث صحيح، ومعنى خلق آدم على صورته، أي: سميعاً بصيراً يتكلم، ذا عين وذا يد وذا قدم، وليس معناه المشابهة، فإن الله لا يشبهه شيء {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، لكن معناه: خلقه الله على صورته سميعاً بصيراً، له وجه له يد له قدم يعلم ويسمع ويبصر، هكذا قال أهل السنة كـ أحمد وإسحاق وغيرهم رحمة الله عليهم.

حفظ اللسان من التلفظ بالألفاظ الشركية والبدعية

حفظ اللسان من التلفظ بالألفاظ الشركية والبدعية Q هناك من يتلفظ بألفاظ فيها الاستعانة بالجن، والدعاء والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعندما ينبه يقول: اعتاد عليها لساني، فما الحكم في ذلك؟ A يجب أن يعود لسانه على الكلام الطيب ويحذر الكلام المنكر، وليس هذا بعذر، فيجب أن يحفظ لسانه عما حرم الله من الاستغاثة بالجن ودعائهم، ومن الشرك بالله جل وعلا، قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6] كانت العرب في جاهليتها تعبد الجن وتستعيذ بهم وتخافهم، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يثق بالله، وأن يعتمد على الله، ويستعيذ بكلمات الله التامات ليلاً ونهاراً من شر ما خلق، ويقيه الله شرهم، يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، في ليله ونهاره، وفي أي منزل، وفي أي مكان (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ، يكررها ثلاثاً أو أكثر، دائماً صباحاً ومساءً، ويقيه الله من شرهم، وهكذا إذا قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحاً ومساءً، هذا من أسباب العافية من كل شيء، وهكذا قراءة المعوذتين و (قل هو الله أحد) صباحاً ومساء ثلاث مرات بعد الفجر وبعد المغرب، من أسباب السلامة من كل شر. فالمقصود أن الواجب عليه أن يحفظ لسانه عما حرم الله من كل كلام رديء، من دعاء الجن، ومن الحلف بغير الله، وغير ذلك من سائر كلامه المنكر، وليس له عذر بقوله: اعتاده لساني، بل يحذر ويحفظ لسانه عما حرم الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، والله يقول في كتابه العظيم: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] . وهو مسئول عن كلامه، فعليه أن يحفظ لسانه عن كل ما حرم الله من الغيبة والنميمة والسب، ودعاء الجن، والتوسل بالمخلوقات إلى الله، كأن يتوسل بالنبي، أو بجاه النبي، أو بحق النبي؛ فكل هذا لا يجوز، التوسل يكون بدعاء الله وتوحيده، وبالإيمان به سبحانه واتباع الشريعة، والتوسل بأعمالك الصالحة، كل هذا طيب. فلا بأس أن تقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبمحبتي لك، واتباعي لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ببري والدي بصلتي للرحم بأدائي للأمانة توسل بأعمالك مثل أصحاب الغار الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة؛ فأنجاهم الله وفرج كربتهم. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة ممن قبلنا آواهم المبيت من المطر إلى غار، فدخلوا فيه من أجل المطر والليل يبيتون فيه، فأنزل الله صخرة تدحرجت من أعلى الجبل حتى سدت عليهم الغار، ولم يستطيعوا لها دفعاً، فقالوا فيما بينهم: لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فأنجاهم الله منها. قال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً. والغبوق: الحليب في أول الليل، من عادة البادية أن يصبوا الغبوق في الليل إذا حلبوا الإبل، فكان يأتي بالحليب ليسقي والديه قبل أهله، فإذا به ذات ليلة تأخر فجاء فوجدهما نائمين، فكره أن يوقظهما، وبقي واقفاً بالقدح ينتظر استيقاظهما، والصبية عند قدميه يتباكون يريدون الحليب، ومن شدة حبه لوالديه وبره بهما بقي واقفاً حتى طلع الفجر، فاستيقظا فسقاهما، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج. ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إليَّ، فراودتها عن نفسها -أي: الزنا- فأبت علي، فألمّ بها سنة شديدة، أي: حاجة، فجاءت إليه تطلبه الرفد والحاجة، فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك. -أي: حتى تسمح له بالزنا بها، فعند الضرورة سمحت- فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، وقد أعطاها مائة وعشرين ديناراً، فلما قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، خاف من الله وقام وتركها وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك -أي: ترك الزنا، وترك الذهب- فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً أيضاً، لكنهم لا يستطيعون الخروج. ثم قام الثالث فقال: اللهم إنه كان لي أجراء -عمال عنده- فأعطيتهم حقوقهم إلا واحداً بقي له حق عندي، فنميته وثمرته في إبل وغنم وبقر وعبيد، وبقيت أنتظر مجيئه ليأخذ حقه. فصار يتصرف ويتجر فيه، واشترى من الإبل، وهو إنما بقي له آصع من شعير أو من ذرة أو من الأرز، فنَّمى هذا المال، واتجر فيه، واشترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فجاء بعد مدة وقال: يا عبد الله! أعطني حقي، الذي تركته عندك، قال: يا فلان! كل ما ترى من حقك، كل الإبل والبقر والغنم والعبيد ثمرته لك، فقال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي، قال: إني لا أستهزئ بك هو من حقك خذه، فاستاقه كله، استاق الإبل والبقر والغنم والعبيد، ثم قال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا. بأسباب أعمالهم الصالحة التي توسلوا بها إلى الله عز وجل، فنفعتهم عند الشدة، وأنجاهم الله بها عند الشدة، فتوسل إلى الله بإيمانك، وتقواك، وبر والديك، وأدائك الحقوق، وهكذا التوسل بتوحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به؛ فكلها أعمال صالحة. توسل إلى الله بأنك تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك تؤمن بالله ورسوله، وأنك تؤمن باليوم الآخر، فهذا كله وسيلة شرعية. اللهم إني أسألك بأسمائك وصفاتك وسيلة شرعية، أما التوسل بالمخلوقات، أو بجاه النبي، أو بحق النبي، أو بجاه فلان، أو رأس فلان، أو شرف فلان؛ فهذه وسيلة باطلة لا تنفع، وليست وسيلة شرعية.

الحكم على جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ

الحكم على جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ Q بعض الجماعات الإسلامية مثل جماعة التبليغ، وجماعة الإخوان المسلمين، هل هؤلاء من أهل السنة والجماعة؟ A كلهم عندهم نقص، جماعة التبليغ، وجماعة الإخوان المسلمين يجب أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يستقيموا على الحق، وأن ينفذوا ما دل عليه الكتاب والسنة في توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، واتباع شريعته. فعلى الإخوان المسلمين -وفقهم الله- أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم، وأن يستقيموا على دين الله قولاً وعملاً وعقيدة، وأن يحذروا مخالفة أمره أينما كانوا. وعلى جماعة التبليغ أن يحذروا ما كان يفعله أسلافهم من تعظيم القبور، والبناء عليها، أو جعلها في المساجد، أو دعائها والاستغاثة بها، كل هذا من المنكرات، والاستغاثة بها من الشرك الأكبر، فعليهم أن يحذروا ذلك، وهم جماعة لهم نشاط في الدعوة إلى الله، وكثير منهم ينفع الله به الناس، لكن عند أسلافهم عقيدة غير صالحة، فيجب على الخلف أن يتطهروا منها، وأن يحذروا العقيدة الرديئة، وأن يستقيموا على توحيد الله حتى ينفع الله بهم وبجهادهم.

معنى السلام على النبي ومشروعيته في التشهد

معنى السلام على النبي ومشروعيته في التشهد Q روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [إنا كنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نقول في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وبعد وفاته كنا نقول: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته] فهل هذا صحيح؟ وهل نقوله في التشهد؟ A المشروع أن نقول مثلما علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، فقد علمهم أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فنقول كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، حيث علم الصحابة ولم يقل لهم: إذا مت فغيروا، بل علمهم وهم سيسافرون ويذهبون إلى البلاد البعيدة أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فيدعون له بالسلامة والرحمة والبركة، و (أيها النبي) معناها: استحضار أيها النبي، ليس معناه أنهم يدعونه، بل يدعون له (السلام عليك) ، أي: لك السلامة، ولك العافية والرحمة والبركة من ربك، وهو دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس يدعى هو. ولكنك تطلب الله له السلامة والرحمة والبركة، ومن قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فلا بأس، لكن الأفضل أن يقول كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، هذا هو الذي علمه النبي أمته، ومات على ذلك عليه الصلاة والسلام.

شمولية الدين لجميع شئون الحياة

شمولية الدين لجميع شئون الحياة Q هل الدين خاص بشعائر معينة، أم هو شامل لكل أمور الحياة؟ وما الحكم فيمن يقول: إن الدين خاص بالمسجد، أو لا يتدخل في المعاملات والسياسة، وما شابه ذلك؟ A الدين عام، يعم المسجد، ويعم البيت، ويعم الدكان، ويعم السفر، ويعم الحضر، ويعم السيارة، ويعم البعير، ويعم كل شيء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] ، أي: في الإسلام كله، فعلى العبد أن يتقي الله في كل شيء، وأن يسلم وجهه إلى الله في كل شيء، ليس في المسجد فقط، بل في المسجد، وفي البيت، ومع أهله، ومع ضيوفه، ومع جيرانه، وفي الأسواق مع إخوانه في محل البيع والشراء، عليه أن يبيع كما شرع الله، ويحذر من الربا، ويحذر الكذب، ويحذر الخيانة، ويحذر الغش وهكذا في جميع أحواله. فالدين عام في كل شيء، الدين معك في كل شيء: في بيتك في دكانك في سفرك في إقامتك في الشدة في الرخاء عليك أن تلتزم بالدين ليس فقط في المسجد، فهذا إنما يقوله الضالون والعلمانيون، ودعاة الضلالة والإلحاد. الدين معك في كل شيء، فعليك أن تلتزم بدين الله في كل شيء، وأن تستقيم على دين الله بكل شيء، المسلم يلتزم بدين الله، ويستقيم على أمر الله في جميع الأمور، ولا يختص بالبيت، ولا بالمسجد، ولا بالسفر، ولا بالحضر، بل في جميع الأشياء، عليك أن تطيع الله وتؤدي فرائضه، وتنتهي عن محارمه، وتقف عند حدوده أينما كنت، في بيتك، أو في الجو، أو في البحر، أو في السوق، أو في أي مكان.

صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب

صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب Q ما هي صفات السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ A بينهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم المستقيمون على دين الله، سبعون ألفاً ومع كل ألف سبعون ألفاً، مقدم هذه الأمة المؤمنة قدموهم في الدخول إلى الجنة على صورة القمر ليلة البدر، وهم الذين جاهدوا بأمر الله، واستقاموا على دين الله أينما كانوا، بأداء الفرائض وترك المحارم، والمسابقة إلى الخيرات. ومن صفاتهم: لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون. لا يسترقون أي: لا يطلبون من يرقيهم، ولا يكتوون ليس معناه تحريم ذلك، فلا بأس بالاسترقاء ولا بأس بالكي عند الحاجة إليهما، ولكن من صفاتهم: ترك ذلك والاستغناء بالأسباب الأخرى. لا يسترقون أي: لا يطلبون من يرقيهم، أي: لا يقولون: يا فلان! ارقني، وإذا دعت الحاجة فلا بأس، ولا يخرج بذلك إذا دعت الحاجة عن السبعين، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تسترقي في بعض مرضها، وأمر أم أيتام جعفر بن أبي طالب أن تسترقي لهم، كما في الحديث الصحيح، وهكذا. وكذلك كوى بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، وقال: (الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي) ، وقال: (أنهى أمتي عن الكي) ، فالكي آخر الطب، فإذا تيسر الطب الآخر الأولى، وإذا دعت الحاجة إليه فلا بأس.

الشعر المذموم والممدوح

الشعر المذموم والممدوح Q لقد درجت وشاعت بعض العادات عند القبائل بإحضار من يسمون شعراء المحاورة، مثل أن يأتوا بشاعرين كل واحد منهما من قبيلة، مقابل إعطاؤهم مبلغاً من المال في حفلات العرس ونحوها، ويقوم الشاعران بإحياء الليل كما يقولون، حيث يكون هناك صفان متقابلان من الرجال، وكل شاعر له صف يرددون ترديداً جماعياً ما يقوله الشاعران، بأصوات عالية مع التصفيق والرقص والتمايل، ويفتخر كل شاعر بحسبه ونسبه، ويطعن بالمقابل في الشاعر الآخر، فما الحكم في هذا كله؟ A أما الغناء في العرس من النساء بالدفوف فهذا من إعلان النكاح، فيشرع ضرب الدف في النكاح للنساء خاصة، وليس فيه اختلاط وإنما أغانٍ عادية ليس فيها منكر، فهذا مشروع للنساء، وهو من إعلان النكاح، وكان يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحضره أزواجه وغيرهم. أما الرجال فلا بأس أن يتعاطوا الشعر العربي ويجتمعوا عليه ويسمعونه، الذي ليس فيه محظور، وليس فيه غيبة، ولا سب ولا شتم، ولا يسبب الشحناء والعداوة، وبدون طبل أو أي منكر آخر. أما عيب الناس وعيب قبيلة فلان فهذا مما يسبب الشحناء فلا يجوز، أما إذا حضَّروا شعراً طيباً، كشعر حسان والأشعار الطيبة، والقصائد الطيبة التي فيها الخير والدعوة إلى الخير، أو قام شاعر يدعوهم إلى الخير؛ من الجود والكرم والأعمال الطيبة، وقام شاعر آخر كذلك يدعو إلى الخير ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فلا بأس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر لحكمة) ، وقال لـ حسان: (اهج الكفار، فوالذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل) ، وقال: (اللهم أيده بروح القدس) فكان يهجوهم حسان وأشعاره عظيمة طيبة، وهكذا عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، وهكذا من بعدهم من الشعراء الطيبين. ومن الشعر: نونية ابن القيم التي هي من أعظم الشعر ومن أنفعه، فهي قصيدة طيبة عظيمة نافعة، ونونية القحطاني قصيدة طيبة نافعة في العقيدة، وهكذا الأشعار الطيبة التي فيها الدعوة إلى الخير وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، هذا طيب في العرس وغير العرس. أما أن يقوم شاعران أو أكثر يتناحرون، ويذم بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً، فهذا منكر، أو يسب هذا أهل قبيلة هذا، فهذا منكر، لكن إذا كان الشعر فيما ينفع الناس؛ في الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وطاعة الله ورسوله، وطاعة ولاة الأمور بالمعروف، والحذر من معاصي الله؛ فهذا كله طيب له أثر في النفوس، ولا بأس أن تعطى المغنية في العرس أجرة عملها، أو الشاعر الذي عنده أشعار طيبة، يدعى ليقول الشعر الطيب الذي ينفع الناس ويعطى جائزة، فهذا لا بأس به. أما الذي يدعو إلى غيبة فلان وغيبة فلان وذم فلان، ومدح فلان، لإثارة الشحناء والعداوة والبغضاء بين الناس، فهذا منكر لا يجوز. نسأل الله العافية.

حكم استقبال العزاء في البيوت لمدة ثلاثة أيام

حكم استقبال العزاء في البيوت لمدة ثلاثة أيام Q هل من النياحة اجتماع أهل الميت في بيت واستقبالهم للناس ثلاثة أيام تسهيلاً على الأقرباء؟ A النياحة لا تجوز، لكن إذا جلس الناس في بيت يعزوهم فلا بأس، يجلس في البيت في أوقات مناسبة حتى يزوره أقاربه وغيرهم من المعزين لا بأس بذلك، لكن إذا صنع أهل الميت طعاماً وذبحوا واجتمع الناس عندهم فهذا بدعة لا أصل له، لكن إذا جلس صاحب البيت في الأوقات المناسبة بين المغرب والعشاء، ليزوره إخوانه أو يعزوه، حتى لا يشق عليهم، أو عزوه في الطريق أو في المقبرة أو في المسجد فلا بأس.

حكم نشر التعازي في الصحف

حكم نشر التعازي في الصحف Q ما حكم نشر العزاء في الصحف ورده أيضاً في الصحف، وكتابة الآيات الكريمة التي فيها تزكية للميت؟ A في الصحف فيما بلغني أنه يكلف كثيراً، ويخشى من التكلف ومن النفقات الطائلة بلا حاجة، وإلا لو كتب: (أحسن الله عزاء آل فلان في ميتهم وغفر الله له) لا يضر، لكن بلغني أن فيه كلفة، وتركه أولى إذا كان فيه كلفة، فيكتب لهم رسالة أو برقية ويكفي، إذا كان في الجريدة مشقة ونفقات، وليس هو من النعي الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. فالنعي الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم: كان أهل الجاهلية إذا مات ميت أركبوا إنساناً يطوف بين القبائل ينعى إليهم الميت، وهذا من عمل الجاهلية، أما إذا كتب كتاباً يعزيه، أو كتب في الجريدة: أحسن الله عزاء آل فلان، فلا بأس، إلا إذا كان يكلف وفيه مئونة فالأفضل تركه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وهذا من إضاعة المال، ويكفي كتابة خط إليهم، أو برقية، أو مكالمة هاتفية.

عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر

عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر Q ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر؟ وهل هو على الروح فقط أم على الروح والجسد؟ A من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، فالميت إما أن ينعم وإما أن يعذب، فـ أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا، فقبره إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. فعلى المسلم أن يؤمن بهذا، وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على شخصين يعذبان: أحدهما كان يمشي بالنميمة، والآخر كان لا يتنزه عن البول. فـ أهل السنة يؤمنون بعذاب القبر ونعيمه، وأنه حق على الروح والجسد جميعاً، ولكن نصيب الروح أكثر، كما قال الله جل وعلا في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:46] ، وهكذا الميت الصالح ينعم في قبره، وغير الصالح يعذب في قبره، ويوم القيامة العذاب أشد، والنعيم أعظم بعد البعث والنشور.

الإيمان حقيقة مركبة من الاعتقاد والعمل

الإيمان حقيقة مركبة من الاعتقاد والعمل Q هل يكفي المعتقد الصحيح عن العمل والاستقامة على شرع الله؟ A لا يكفي المعتقد عن العمل، فلابد من عمل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [لقمان:8] لابد من عمل، أن يؤمن بالله ورسوله ويوحد الله ويعمل، يؤدي فرائض الله، وينتهي عن محارم الله، لابد من هذا وهذا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} [لقمان:8] ، فلابد من الإيمان والعمل.

مواجهة العقبات أمام الدعوة

مواجهة العقبات أمام الدعوة Q إنني رجل أقوم بالدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنكار المنكرات على الناس، ولكن هناك من يتصدى لي ويقول: إنك تتدخل فيما لا يعنيك، وإنك تثير فتنة، فما الحكم في ذلك؟ A إذا كان عندك علم تدعو إلى الله على بصيرة فلا تلتفت إلى من ثبطك، بل تدعو إلى الله، وتعلم الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، مع الحلم والصبر والاحتساب وطيب الكلام، كما قال الله جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] ، وقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] ، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ، وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ، فاستمر على ذلك ما دام عندك علم، فاستقم على ذلك ولا تلتفت إلى من ثبطك، لكن عليك بالحكمة، عليك بقال الله ورسوله، ووضع الأشياء في مواضعها، والحلم والصبر، وعدم العجلة في الأمور، وعليك بالرفق وطيب الكلام.

تفسير قوله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى)

تفسير قوله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى) Q يقول بعض المفسرين في تفسير قول الله عز وجل: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] أي: ذكر حيث تنفع التذكرة؟ A هذا ليس بشرط، إنما هو وصف أغلبي يعني تعظم الفرضية والوجوب عند انتفاع الناس بالذكرى، وإنما هو أمر بالتذكير عسى أن ينتفعوا، ولهذا في الآيات الأخرى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] ، فالإنسان يذكِّر والنفع بيد الله، لكن إذا نفعت الذكرى فيكون الوجوب أشد، وتكون الفائدة أعظم، إذا رأى منه الانتفاع والاستفادة؛ فإن الواجب عليه يتضاعف ويقوى ويكبر.

وقت زمن الشح المطاع والهوى المتبع

وقت زمن الشح المطاع والهوى المتبع Q هل هذا العصر هو عصر الشح المطاع، والهوى المتبع، وإعجاب كل ذي برأيه؟ A لا. يوجد هذا، لكن ليس معناه أن الإنسان يترك، ولا يأمر ولا ينهى، يوجد شح مطاع وهوى متبع، وإعجاب بالرأي، ولكن ليس الأصل الذي يقف فيه الإنسان عن دعوته ويعتني بنفسه، فالحمد لله الدعوة مسموعة ومفيدة ونافعة، ويوجد من يستجيب له، فعليه أن يدعو إلى الله، ويحذر شحه المطاع، وهواه المتبع، ولكن لا يقف عن الدعوة إلا إذا جاء وقت يمنع فيها من الدعوة ويعاقب عليها، ولا يسمح لأي أحد من الدعاة من إخوانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس هذا هو وقته والحمد لله، فهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاة إلى الله مسموح أن يدعوا إلى الله، ولكن بعض الناس قد يخطئ، وقد يوقف لأجل خطئه في بعض المسائل وما يمنع من الدعوة، فالإنسان يلزم الطريق، ويستقيم على الطريق السوي، وإذا منع أحد أو وقف أحد لأجل أنه حاد عن السبيل في بعض المسائل، أو أخطأ في بعض المسائل حتى يتأدب ويلتزم، فهذا من حق ولاة الأمور أن ينظروا في هذه الأمور وأن يوقفوا من لا يلتزم بالطريقة التي يجب اتباعها، وعليهم أن يحاسبوا من حاد عن الطريق حتى يستقيم، هذا من باب التعاون على البر والتقوى. وعلى الدولة أن تتقي الله في ذلك، وأن تتحرى الحق في ذلك، وعليها أن تأخذ رأي أهل العلم، وتستشير أهل العلم، وعليها أن تقوم بما يلزم، ولا يترك الحبل على الغارب، كل من شاء يتكلم، لا. قد يتكلم أناس يدعون إلى النار، وقد يتكلم أناس يثيرون الشر والفتن، ويفرقون بين الناس بغير حق، فعلى الدولة أن تراعي الأمور بالطريقة الإسلامية وبالطريقة المحمدية، وبمشاورة أهل العلم حتى يكون العلاج والدواء في محله، وإذا وقع خطأ أو غلط فلا يستنكر، ومن يسلم من الغلط؟ لكن الداعية قد يغلط، والآمر والناهي قد يغلط، والدولة قد تغلط، والقاضي قد يغلط، والأمير قد يغلط، كل بني آدم خطاء، لكن المؤمن يتحرى الدولة تتحرى الحق والأمير يتحرى والقاضي يتحرى والداعية إلى الله يتحرى والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يتحرى وليس معصوماً، فإذا غلط ينبه على خطئه، ويوجه إلى الخير، فإذا عاند فللدولة أن تعمل معه من العلاج أو التأديب أو السجن ما يمنع العناد، إذا عاند الحق وعاند الاستجابة، ومن أجاب وقبل الحق فالحمد لله. السائل: وإذا وجد رجل فيه فساد بين؟ الشيخ: هذا يجب على الدولة أن تمنعه يجب على الدولة أن تمنع نشر الصور من صور المغنين، ومنع نشر الدعوة إلى الباطل، على الدولة وعلى أهل الحسبة أن يقوموا بهذا، وعلى أهل الدعوة أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يبلغوا الدولة، وعلى وزارة الإعلام أن تجتنب ذلك، وأن تحرص على نشر الحق، سواء كان من طريق الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء، يجب على القائمين على وزارة الإعلام أن يتقوا الله، وأن يعملوا ما يرضي الله، وأن يحذروا مما حرم الله، وعلى الدولة أن تقوم بذلك، وعلى المسلمين والعلماء والأخيار أن يساعدوا في ذلك، وأن يتعاونوا في ذلك، وأن يرفعوا للدولة ما قد يقع من الخطأ.

أهمية الجهاد في سبيل الله

أهمية الجهاد في سبيل الله لقد علق الله سبحانه وتعالى النجاة من النار والعزة في الدنيا والآخرة بالجهاد في سبيله، وما ذاك إلا لفضل الجهاد وعظمته في الدين، وفي هذه المادة يتحدث الشيخ رحمه الله عن أهمية الجهاد والحكمة من مشروعيته، متحدثاً عن أطوار تشريع الجهاد وفضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب والسنة، مع بيان أن الجهاد رحمة من الله سبحانه وتعالى على عباده.

الحكمة من مشروعية الجهاد

الحكمة من مشروعية الجهاد الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فلما كان الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال التي يتطوع بها المتطوعون، وكانت له بين الأعمال ميزة عظيمة في إعلاء كلمة الله، وفي حماية شريعة الله، وفي الذود عن حوزة المسلمين، وفي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، رأى القائمون على الندوات والمحاضرات أن تكون مسألة الجهاد من جملة المحاضرات التي تلقى في هذا المكان المبارك ولا سيما في هذا العصر الذي قل فيه الجهاد الصادق في سبيل الله، وكثرت فيه النزاعات الجانبية لأغراض ومقاصد أخرى، وقلّ من يهتم بذلك من الدول الإسلامية، وقل من يناصر من ظُلم وابتلي من المسلمين بغزو الأعداء لبلادهم، فالمحاضرة اليوم موضوعها: "أهمية الجهاد في سبيل الله". وسأتكلم إن شاء الله بما تيسر في هذا الموضوع من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، وما بينه أهل العلم في هذا السبيل، فينبغي أن يعلم أن الجهاد من أهم الفرائض الإسلامية، وأن الله سبحانه شرعه لفوائد جمة ولحكم كثيرة منها: أن فيه إعلاء كلمة الله عز وجل. ومنها: أن فيه حماية حوزة المسلمين والذود عن ديارهم وبلادهم وثغورهم. ومنها: أن في ذلك دعوة الآخرين من غير المسلمين إلى الدخول في دين الله، وإيضاح ما لهم عند الله من الخير العظيم، وما يحصل لهم في الدنيا من الفضل والخير على أيدي المسلمين. ولم يشرع الله الجهاد لمجرد الدفاع فقط كما يظنه بعض الكتبة وبعض من ينتسب إلى العلم، بل شرع الله الجهاد للدفاع والذود عن حياض المسلمين، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإعلاء كلمة الرب عز وجل، ولفسح الطريق وتمهيده للدعاة إلى الإسلام والذائدين عنه والموضحين لمقصوده ومحاسنه. وقد كان المسلمون في أول الإسلام مأمورين بالدعوة إلى الله عز وجل فقط، ولم يفرض عليهم الجهاد لضعفهم وقلتهم، وكانوا في مكة مضطهدين، وقد آذى المشركون رسول الله عليه الصلاة والسلام وآذوا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، بل قتلوا بعضهم، ولم يزل عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله ويرشد الناس إلى ما خلقوا له من توحيد الله والإخلاص له، ويبين للناس بطلان الشرك وأن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله باطلة، وأن الواجب عليهم توجيه القلوب إلى الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى.

أطوار تشريع الجهاد

أطوار تشريع الجهاد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتعلمون من نبيهم عليه الصلاة والسلام، ويسمعون منه ما يدعو إليه، ويذهبون ليرشدوا الناس إلى ما سمعوا من الخير سراً وجهراً، وإذا جهروا فقد يؤذى الكثير منهم لقلتهم وقلة أنصارهم. ثم إن الله جل وعلا شرع الهجرة لإظهار الإسلام، ولإقامة دولة الإسلام، ولنصر المسلمين وتأييدهم وإعلاء كلمة الله في أرضه، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فتم ذلك والحمد لله، فهاجر النبي عليه الصلاة والسلام وهاجر المسلمون إلى المدينة المنورة بعدما هاجر الكثير منهم إلى الحبشة بسبب الاضطهاد العظيم الذي نالهم في مكة، فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة واجتمع إليه من شاء الله من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم أُذن لهم بالجهاد، ونزل في هذا قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج:39-40] فأُذن لهم بالقتال مجرد إذن، ثم لما زادوا وكثروا وصارت عندهم قوة ومنعة أمروا بالقتال وأن يقاتلوا من قاتلهم، وأن يكفوا عمن كف عنهم، وهذا طور ثانٍ من أطوار الجهاد. الطور الأول: مجرد الإذن، والطور الثاني: طور الدفاع والقتال لمن قاتل والكف عمن كف؛ لأن المسلمين في أول الهجرة لم تكن عندهم قدرة كاملة على غزو الناس وابتدائهم بالقتال، فأُذن لهم أن يقاتلوا من قاتلهم وأن يكفوا عمن كف عنهم، كما قال الله عز وجل: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:90-91] فأباح سبحانه وتعالى للأمة القتال لمن قاتل، وأمرهم بالكف عمن كف. وظن بعض الناس أن هذا هو أمر الجهاد، وأن الجهاد استقر على هذا، وأن الجهاد إنما شرع للدفاع فقط، فالإسلام على زعم هؤلاء يقاتل من قاتل ويدافع فقط، ولا ينهضوا لقتال المجرمين وإخراجهم من الظلمات إلى النور والصبر على ذلك، وهذا غلط على إطلاقه، وإنما الصواب أن أعلى دور من أدوار الجهاد وطور من أطوار القتال في وسط الأمر يقاتل المسلمون من قاتلهم ويجاهدون من جاهدهم ويكفون عمن كف عنهم، وهذا الحكم باقي إلى اليوم عند ضعف المسلمين وعند عدم قدرتهم على البدء بالقتال، ليس عليهم إلا أن يقاتلوا من قاتلهم، وأن يكفوا عمن كف عنهم، ثم إن الله جل وعلا فرض القتال فرضاً فقال سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] . فجعل الجهاد فرضاً علينا ولازماً لنا، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] (كتب) أي: فرض، فالجهاد فرض على الأمة الإسلامية فرضاً مع القدرة؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ففرض على المسلمين وجاءت الأوامر بالقتال والجهاد في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فصار بعد الإذن في القتال وبعد قتال من قاتل والكف عمن كف، صار بعد ذلك في طور ثالث وهو: فرض القتال والجهاد مطلقاً، لمن قاتلنا ولمن لم يقاتلنا؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتمكين الإسلام في الأرض، ولإنقاذ النساء والأطفال مما هم عليه من الباطل والكفر، ولفسح الطريق وتمهيد الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية بين الناس في مشارق الأرض ومغاربها. واشترى الله سبحانه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] فاشترى سبحانه وتعالى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فدل ذلك على أن نفس المؤمن مبيعة وماله مبيع اشتراه المولى جل وعلا، وفرض على المسلم الجهاد في سبيل الله عز وجل، وجعل نفسه مبيعة لله وماله لله، هذا ولم يبق عذرٌ في التأخر عن القتال والجهاد، فالأنفس لله والمال لله، والجهاد في سبيل الله، والثمن الجنة والنجاة من النار.

الأدلة على الجهاد

الأدلة على الجهاد

الأدلة من القرآن على وجوب الجهاد

الأدلة من القرآن على وجوب الجهاد بين الله في آيات كثيرات أمره بذلك، فقال سبحانه وتعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:35] فجعل الفلاح معلقاً بالتقوى وقربة إلى الله بطاعته والجهاد في سبيله؛ فدل ذلك على وجوب التقوى، ووجوب التقرب إلى الله بطاعته، وعلى وجوب الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى كما كتب علينا؛ قال عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة:190] أي: الذين من شأنهم القتال كما بين ذلك أهل العلم، بخلاف النساء والأطفال، فليس من شأنهم القتال وبخلاف الرهبان في الصوامع، وبخلاف المشايخ العاجزين، فإنهم ليسوا من أهل القتال؛ ولهذا قال بعد ذلك في نفس السورة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193] فعلم بذلك أن المراد هو قتال الكفرة الذين من شأنهم القتال لا قتال من شأنه العجز عن القتال من النساء والصبيان والعجزة من الشيوخ وأرباب الصوامع، فليسوا من أهل القتال. وقال في الآية الأخرى في سورة الأنفال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] فبين سبحانه وجوب قتالهم حتى تزول الفتنة وهي الشرك بالله عز وجل، ومن ذلك افتتان الناس في دينهم وصدهم عن سبيل الله، ويكون الدين كله لله، ليس فيه عبادة لغيره سبحانه وتعالى، بل يكون الدين كله لله وحده لا يعبد معه صنم ولا قبر، ولا جن ولا كوكب، ولا ملك ولا نبي ولا صالح ولا غير ذلك، بل تكون العبادة لله وحده سبحانه وتعالى قال عز وجل: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36] فأمر أن نقاتلهم جميعاً، فدل ذلك على أن القتال مفروض علينا وأنه لجميع المشركين الذين من شأنهم القتال؛ حتى يدخلوا في دين الله، وحتى يكون الدين كله لله وحده سبحانه وتعالى. وقال جل وعلا في آية أخرى في سورة التوبة: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] فبين سبحانه أنهم يقاتلون حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويتوبوا من شركهم، فعند ذلك يخلى سبيلهم، ولم يقل: أو يكفوا عن القتال، قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] ولم يقل سبحانه: أو يكفوا عنكم أو كفوا عن قتالكم، فدل ذلك على أن الأمر استقر على جهادهم حتى يعبدوا الله وحده ويخلصوا من الشرك ويتوبوا إلى الله منه، وحتى يلتزموا بأحكام الإسلام من الصلاة والزكاة وغير ذلك. في الآية التي بعدها {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:14-15] فأمر بالقتال المطلق فدل ذلك على أن الدور الأخير هو القتال المطلق وهو جهاد أهل الشرك، وهذا مكتوب علينا كتابة، ومفروض فرضاً، وهو فرض كفاية عند أهل العلم إذا قام به من يكفي من المسلمين صار في حق الباقين سنة مؤكدة وفضلاً عظيماً، بل في حق أفراد الناس هو أفضل العمل المتطوع.

الأدلة من السنة على وجوب الجهاد

الأدلة من السنة على وجوب الجهاد أخبر عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أن الجهاد واجب على المسلمين، فقال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) وقال: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) فالجهاد أمره عظيم وشأنه كبير، وهو فرض على المسلمين مع القدرة وإذا تركوه أثموا جميعاً، فالواجب أن تقوم به طائفة من المسلمين من ذوي الكفاية تحصل بهم الكفاية، وتحصل بهم الفريضة من جهاد أهل الشرك بعد دعوتهم إلى الله، وبعد إيضاح السبيل لهم، وبعد إقامة الحجة عليهم. وبين عليه الصلاة والسلام أن الجهاد أفضل الأعمال، قالت عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال: لكنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور) وأقرها على قولها: إنه أفضل الأعمال، ولما سألته: (هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فدل ذلك على فضيلة الجهاد، وأنه في حق النساء الحج والعمرة، وأنهن لسن من أهل الجهاد للأعداء بالمال والنفس أو بالنفس فقط على خلاف، المهم أنهن لسن من أهل الجهاد بالنفس لأعداء الله؛ لأنهن عورة وفتنة، ولكن من شأنهن الجهاد بالحج والعمرة، والجهاد بالمال يعم الجميع أيضاً على ظاهر الآيات.

فضل المجاهدين في الكتاب والسنة

فضل المجاهدين في الكتاب والسنة بين الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرات فضل المجاهدين وما لهم عند الله من المنزلة العظيمة، فقال جل وعلا: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [التوبة:19-22] هذا فضله جل وعلا وجوده سبحانه وتعالى أن أولئك المجاهدين لهم فضل عظيم، ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة:22] سبحانه وتعالى، فالمجاهدون لهم شأن عظيم. وقال جل وعلا: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:95-96] هذا فضله سبحانه وتعالى في فضل المجاهدين، وأن لهم المنزلة العظيمة عند الله، وأنهم لا يستوون مع القاعدين عن الجهاد، وأن لهم عند الله درجات عظيمة ومغفرة منه سبحانه وتعالى، ولهم أجر عظيم عنده جل وعلا. وقد علق الله النجاة من النار بالجهاد والإيمان، وبين أن التجارة المنجية من عذاب الله هي: الإيمان والجهاد؛ فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:10-11] وبين سبحانه أن التجارة المنجية من عذاب الله هي الإيمان والجهاد، والجهاد شعبة من الإيمان وفرض من فروض الإيمان، ولكن نبه الله عليه لعظم شأنه وإلا فالجهاد من جملة الإيمان. فأخبر سبحانه أن التجارة العظيمة المنجية لأهلها هي تجارة المؤمنين المجاهدين: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} [الصف:11] من الدال؟ الله سبحانه وتعالى هو الدال لعباده، والواسطة النبي عليه الصلاة والسلام، المنزل عليه هذا الكتاب العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:10-13] هذا وعده لأولئك المجاهدين، فبين سبحانه أنهم أصحاب التجارة المنجية من عذاب الله، وأن الله أعد لهم مغفرة ومساكن طيبة في دار الكرامة، ومع ذلك نصر من الله وفتح قريب في هذه الدنيا، فالمؤمنون الصابرون المجاهدون موعودون بالجنة والكرامة في الآخرة وبالنصر في الدنيا، كما قال سبحانه وتعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، من نصر الله، قال عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40-41] والجهاد من الأمر بالمعروف ومن النهي عن المنكر، فأنت تأمر المجاهَدين بتوحيد الله والدخول في الإسلام وهذا من أعظم المعروف، وتنهاهم عن المنكر والشرك بالله وعبادة غيره وهذا أعظم المنكر، فالمجاهد آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر. فجدير بأهل الإيمان وجدير بأبناء الإسلام أن يشمروا عن ساعد الجد وأن يشاركوا في الجهاد أينما كانوا، بأنفسهم وبأموالهم، وألا يتأخروا عن ذلك إيثاراً للحياة العاجلة. جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قيل: يا رسول الله! أمن قلة نحن؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم منكم، ويوضع في قلوبكم الوهن، قيل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) فهذا يبين لنا أن أسباب تأخر المسلمين وأسباب طمع الأعداء ونزع المهابة -مهابة المسلمين- من قلوب الأعداء هو حب الدنيا وكراهية الموت، حب الحياة وملذاتها ونعيمها العاجل الزائل، وكراهية الموت، ولهذا تقاعسنا عن الجهاد خوفاً من الموت، والموت لا بد منه، الموت إذا جاء وقته رحل بصاحبه سواء جاهد أم لم يجاهد، كما قال جل وعلا: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] فالموت لابد منه جاهدت أم لم تجاهد. يقول الشاعر: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد فالآجال مضروبة ومحدودة متى جاءت لم ترحل إلا بصاحبها؛ فجدير بالمؤمن أن يموت ميتة شريفة يحبها الله ورسوله ويرتب عليها الجنة والكرامة أولى من ميتة عادية كموت سائر الناس. ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (تكفل الله للمجاهد في سبيله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- إن توفاه أدخله الجنة أو يرده سالماً نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم) (سئل عليه الصلاة والسلام عما يعدل الجهاد؟ فقال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد في سبيل الله أن تصوم ولا تفطر وتقوم فلا تفتر قال: يا رسول الله ومن يطيق ذلك؟ قال: أما إنك لو فعلت ذلك لم تبلغ فضل المجاهد) . فالمجاهد له شأن عظيم وفضله عظيم، قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم والريح ريح المسك) . والمجاهد -كما تقدم- يكون جهاده دفاعاً ويكون جهاده طلباً وابتداءً لإعلاء كلمة الله لا للرياء والسمعة ولا للغنائم والمال وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: (قيل: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى مكانه -وفي لفظ: رياءً- والرجل يقاتل حمية لقومه، من المجاهد في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) فمن جاهد لله وحده ولإعلاء كلمته فله عند الله منزلة عظيمة إن توفاه أدخله الجنة وإن رده رده كريماً مع ما نال من أجر وغنيمة. فجدير بكل مسلم أن يهتم بالجهاد وأن يحرص عليه أينما وجد، وأن يساعد إخوانه المسلمين بماله ونفسه ولسانه، والرد على أعداء الله والنصيحة لأولياء الله وتوجيههم وإرشادهم وتشجيعهم، كما في الحديث السابق: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:72] وفي الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:74] فالمجاهد بماله ونفسه له عند الله فضلٌ عظيم وهو المؤمن حقاً، فجدير بالمجاهد أن يخلص لله وأن يبادر بما يستطيع من الجهاد بالنفس والمال واللسان يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.

أمثلة في الجهاد القائم

أمثلة في الجهاد القائم الآن المجاهدون كثيرون، في أفغانستان إخوان لكم هناك مظلومون مبتلون قد نزلت بساحتهم بجيشها الخبيث الكثيف دولة هي أكفر دولة وألعن دولة: الدولة الشيوعية (السوفيت) وفعلت ما فعلت من التقتيل للنساء والأطفال، وإحراق الزروع، وإتلاف الأموال، وقتل النفوس البريئة، لا لشيء إلا للطمع في البلاد والاستفادة من ثرواتها وخيراتها والتوسع على حساب المسلمين في بلاد المسلمين. وفي أثيوبيا قتال عظيم وجهاد بين المسلمين وبين أعدائهم: الحكم الشيوعي الغاشم الخبيث هناك، فالمسلمون في الحبشة في أثيوبيا يقاتلون ويشردون في نفس أثيوبيا وفي أطرافها وفي إرتيريا التي هي تابعة كلها للحكم الفدرالي المعروف. وفي الفلبين جهاد وقتال بين المسلمين وبين أعدائهم، وفي تايلاند بين إخواننا هناك في تايلاند وما حولها مع أعداء الله البوذيين، وفي سوريا أيضاً قتال عظيم عنيف بين المسلمين وبين الحكومة القائمة النصيرية المعروفة، هذه أنواع من القتال والجهاد بين المسلمين وبين أعدائهم، والمسلمون في أشد الحاجة إلى الدرهم، وإلى الدعوة بالكلمة الطيبة وإلى الجهاد بالنفس. فجدير بأهل الإسلام أن يعرفوا واجبهم وأن يبذلوا وسعهم في نصر أولياء الله، وفي نصر المجاهدين في سبيله، وفي تكثير سوادهم، وفي إعانتهم بالمال والنفس، والكلمة الطيبة التي تنصرهم وتؤيدهم وتشجعهم ضد عدوهم الغاشم.

أهمية مجاهدة النفس حتى تستقيم لجهاد الأعداء

أهمية مجاهدة النفس حتى تستقيم لجهاد الأعداء ثم من أهم الأمور أن يبدأ الإنسان بنفسه، بأن يجاهدها لله، فإن جهاد النفس جهاد عظيم، وإذا صلحت النفس واستقامت صار جهادها للأعداء من أعظم الأسباب في نصرهم وتأييدهم، ومن أعظم الأسباب في استقامة حالهم وتوفيقهم لما فيه رضا الله ولما فيه نصرهم على عدوهم. فنحن بحاجة إلى أن نجاهد أنفسنا، وإلى أن نشارك إخواننا في الجهاد، فالمسلم يجاهد نفسه، وإنما يجاهدها لله حتى تستقيم وحتى تؤدي الفرائض وتدع المحارم، ومع ذلك لا يبخل بالجهاد في سبيل الله بنصر إخوانه المسلمين بماله ونفسه وكلمته الطيبة، فلا يشغله جهاده لنفسه عن جهاده لأعداء الله، ولا يشغله الإنفاق فيما يرضي الله في بلده عن الإنفاق في سبيل الله في غير بلده إن استطاع ذلك، ولا تشغله الدعوة إلى الله في بلده عن الدعوة إلى الله في غير بلده، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه يوم خيبر إلى اليهود، قال له: (ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) وقال عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) يبين عليه الصلاة والسلام أن المقصود هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وليس المقصود سبي نسائهم وذرياتهم وأرضهم وأموالهم، لا، ولهذا قال: (فوالله) وهو الصادق وإن لم يحلف عليه الصلاة والسلام: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) . فالمقصود من الجهاد رحمة الناس، وإنقاذهم مما هم فيه من الباطل وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإخراجهم من ظلمات الكفر والشرك بالله والعبودية لغيره إلى عبادته وحده، وإلى الدخول في عدل الإسلام وسعة الإسلام، وإلى الدخول في أسباب النجاة والسعادة، هذا هو المقصود من الجهاد.

موقف أهل الباطل من الجهاد

موقف أهل الباطل من الجهاد المجرمون الذين يطعنون في الإسلام من أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم يرمون الإسلام ويطعنون في الإسلام بأنه يقاتل للمال وللسبي وللأرض، وقد كذبوا وافتروا، فلم يقاتل المسلمون لهذا الغرض، ولم يذهبوا إلى الروم وإلى الفرس وإلى غيرهم لقصد بلادهم ولا لقصد نسائهم وأموالهم، وإنما ذهبوا إليهم لإنقاذهم مما هم فيه من الباطل، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، وليعلموهم ويرشدوهم إلى ما خلقوا له وما وجب عليهم؛ وليبلغوا دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى الأمم وآخرهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، رسول الله إلى الأمة كلها إلى هذه الأمة التي هي آخر الأمم، فالصحابة رضي الله عنهم حين ذهبوا إلى الروم وإلى فارس وإلى أفريقيا وإلى غيرها لم يذهبوا إليهم طمعاً في أموالهم ونسائهم وذرياتهم لا. ولكنهم ذهبوا إليهم لينفذوا أمر الله حيث قال جل وعلا: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] فهم ذهبوا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وكما قال جل وعلا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:257] فالمسلمون يخرجون الناس من الظلمات إلى النور، ويهدونهم إلى طريق النجاة، ويشرحون لهم وسائل الحق وأسباب النجاة والسعادة حتى يأخذوا بها، وحتى يخرجوا مما هم فيه من الباطل والظلم والبلاء والفساد. قال جل وعلا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] فأمر بقتالهم لهذه الأسباب؛ لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يدينون دين الحق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فلم يُؤمر بقتالهم لأموالهم وسبيهم، ولكن لكفرهم ولضلالهم وعدم إيمانهم وعدم تحريمهم ما حرم الله ورسوله، وعدم دينهم بدين الحق، وهكذا المجوس والوثنيون، وهكذا كل كافر إنما يقاتل لعدم إيمانه ولعدم تحريمه ما حرم الله ورسوله، ولعدم دينه بدين الحق، ولعدم دخوله فيما جاء به الرسول من الحق والهدى، فنحن نقاتل لهذا الأمر، نقاتلهم رحمة لهم وإحساناً إليهم وإنقاذاً لهم مما هم فيه من الباطل والضيق والحرج وكفرهم بالله سبحانه وتعالى؛ وهم بذلك إذا تركوا صاروا وقود النار، صاروا حطب النار. فالمسلمون يقاتلونهم لإخراجهم ولإنقاذهم من هذا البلاء، ولكنَّ أعداء الله وأولياءهم والطاعنون في الإسلام أبوا إلا التشكيك في هذا الأمر والتدليس ولبس الأمور ورمي المسلمين بأنهم يقاتلون للطمع في الأموال والأراضي والنساء والذرية، حاشا وكلا، هذا كلام باطل يقوله أعداء الله وخصوم الإسلام للتنفير من الإسلام، وإلا فأهل الإسلام أولاً وآخراً إنما يقاتلون أعداء الإسلام لكفرهم وظلمهم وعدوانهم؛ ولهذا جاء في الحديث: (قاتلوا من كفر بالله) ويقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] فيقاتلون لشركهم وكفرهم وظلمهم وعدوانهم، فإذا وجهت إليهم الدعوة وأرشدوا وأقيمت عليهم الحجة ثم امتنعوا وأبوا فحينئذٍ يقاتلون حتى يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها كاليهود والنصارى والمجوس، أما غيرهم فلا حتى يسلموا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الجزيرة من العرب ولم يعرض عليهم الجزية، بل قاتلهم حتى يدخلوا في دين الله، وهكذا الصحابة قاتلوا بني حنيفة وغير بني حنيفة؛ قاتلوا أهل هذه الجزيرة حتى دخلوا في دين الله ولم يعرضوا عليهم الجزية، وهكذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوا عباد الأوثان ولم يعرضوا عليهم الجزية، وإنما عرضت الجزية على اليهود والنصارى، والمجوس سُنَّ بهم سنة أهل الكتاب وأخذت منهم الجزية، وهذه الجزية فيها رحمة للجميع، وهي ما يضرب عليهم كل سنة على قدر أحوالهم وغناهم يرغمهم على ذلك ولي الأمر؛ رفعة للمسلمين وذلاً للكافرين حتى يفكروا وينظروا فيما يزال به هذا الذل، وحتى ينقادوا بذلك إلى الدخول في الإسلام، فهذا المال فيه إعانة لهم على الدخول في الإسلام، وفيه رحمة لهم حتى ينظروا ويفكروا لعلهم يعرفون أنهم في ضلال، ومن جملة ضلالهم أن يسلموا الجزية ويبقوا على الكفر بالله عز وجل. فالمسلمون يستفيدون من المال في إعداد العدة وفي مواساة المسلمين وتأليف المسلمين، وتأليف غيرهم ممن يرجى إسلامه، وهذا الذي تؤخذ منه الجزية ينظر لنفسه ويفكر كثيراً لعله يزيل عنه الذلة، ولعله ينتبه للمصلحة فيدخل في دين الله حتى توضع عنه الجزية، وحتى يكون أخاً لنا له ما لنا وعليه ما علينا إذا دخل في دين الله. فالجزية هي خيرٌ لهم ودعوة لهم إلى الدخول في الإسلام وعون للمسلمين، فإذا دخلوا في الإسلام سقطت عنهم، وسائر الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس يدعون ويشرح لهم الأمر ويوضح لهم السبيل وتقام عليهم الحجة، فإن أجابوا فالحمد لله فهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن أبوا قاتلناهم واستعنا بالله سبحانه وتعالى عليهم. وبهذا يعلم المؤمن فضل الجهاد وأنه رحمة من الله سبحانه وتعالى وإحسان منه إلى عباده. يقولون: ليس هذا لنا بل يجب علينا أن نكف عن الناس، فإذا جاء الإسلام يدعو الناس إلى الحق ويبشرهم بالحق وجاء دعاته يدعون الناس إلى الحق والهدى، وجاء المجاهدون في سبيل الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ولإنقاذهم وأولادهم ونسائهم من الكفر بالله، قالوا: الإسلام دين القتال والدماء، دين كذا ودين كذا، حتى ينفروا عنه من أراد الدخول فيه، وحتى يرموه بما هو براء منه وهو دين السلام ودين الإحسان ودين الرحمة ودين الهدى ودين التوجيه إلى الخير، ودين الدعوة الصادقة، ودين الإنفاق والإحسان، لكن يقلبون الحقائق ويلبسون على ضعفاء البصائر؛ حتى ينفروا من الإسلام ويرموه بما هو براء منه، والأمر واضح في ظلم أعداء الله وتجنيهم على الإسلام وفي كذبهم عليه، وهم الظالمون، وهم أهل العدوان وأهل الجرائم الذين يقتلون الناس قتلاً ذريعاً، بل يقتلون الشعوب والأمم الكثيرة بالسلاح الفتاك وبالقنابل المهلكة وبالطائرات التي تهلك الحرث والنسل والنساء والأطفال، لا لرحمة ولا لإحسان بالناس، ولكن ليخضع لهم الناس وليأخذوا بلادهم وليستفيدوا من ثرواتها، وليجبروهم على خدمتهم وطاعتهم، ومع هذا لا يعدون أنفسهم مجرمين ولا ظالمين، وهذا هو الضلال وغاية الظلم والإجرام، والمسلمون إذا جاءوا يجاهدون ويدعون إلى الله لإخراج أولئك المساكين من الظلمات إلى النور ولإنقاذهم ولرحمتهم، لرحمة نسائهم وذرياتهم، قالوا: هذا عدوان وظلم، وهذا دين السلاح ودين الدماء؛ كذبوا وكفروا بذلك.

الجهاد فرض كفاية

الجهاد فرض كفاية والمقصود أن نعلم أن الجهاد هو أفضل الأعمال المتطوع بها، وهو فرض على المسلمين فرض كفاية مكتوب عليهم إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وأن الواجب على الدول الإسلامية وعلى المسلمين جميعاً أن يجاهدوا بأنفسهم وبأموالهم وبألسنتهم، وأن يتقوا الله في ذلك، وأن يرحموا عباد الله ويجتمعوا على الحق والهدى، وأن يتركوا أسباب الذل والهوان، ويوحدوا كلمتهم وصفوفهم ضد الباطل وأهل الباطل، هذا هو الواجب عليهم، ونسأل الله أن يهديهم ويوفقهم لذلك وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمدهم بفضله وإحسانه وحوله وتوفيقه، ويبصرهم بدينهم ويفقههم فيه، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله صدقاً في قلوبهم وصدقاً في أعمالهم، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. لا بد أن نفكر في هذا الأمر بجد وإخلاص وصدق ليعرفوا عدل الإسلام ويعرفوا إحسان الإسلام وفضل الجهاد، وأنه سواء قاتل مدافعاً أو قاتل بادئاً فهو في الأمرين محسن ليس بمسيء ولا ظالم. الإسلام في جهاده ابتداءً للدعوة والإخراج من الظلمات إلى النور، والإحسان إلى الناس، ولإنقاذ النساء والذرية والشيوخ والعباد الجهال؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، إلى الإسلام والعدل والنور، لا شك أنه دين الحق ودين الهدى، وهو دين الإحسان، وهو دين القوة، وهو دين السلام لا دين سفك الدماء ولا دين الظلم والعدوان، وإنما يأتي سفك الدماء عند الحاجة وعند الضرورة وإلا فهو يبدأ بالدعوة، يرشد الناس ويؤلفهم ويقيم عليهم الحجة ولا يقاتلهم إلا عند الامتناع والتعذر، وعند عدم قبول الحق وعدم إعطاء الجزية من أهلها، فحينئذ المسلمون مضطرون إلى أن يجاهدوا؛ لحماية حوزتهم ولتكثير سوداهم، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولتنفيذ أمر الله وتنفيذ أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وللرحمة والإحسان إلى الضعفاء والمساكين من النساء والأطفال الذين إن عاشوا بين أحضان الكفرة عاشوا بين الكفر والضلال وصاروا إلى النار بعد ذلك. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد ذروة سنام الإسلام، فقال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) فما قيمة بعير قد ذهب سنامه، فالإسلام بدون جهاد قد ذهب سنامه، وذهبت قوته، وبقي ضعيفاً ذليلاً بين الناس فلا بد من قيام الجهاد حتى ترفع راية الإسلام وحتى يقوم أولياؤه وأهله بالجهاد الصادق في سبيل الله عز وجل، وبالدعوة والجهاد الصادق لأنفسهم وغيرهم، يبدءون بأنفسهم ويجاهدونها لله حتى يتركوا محارم الله، وحتى يستقيموا على فرائض الله، وحتى يقفوا عند حدود الله صدقاً من قلوبهم وأعمالهم. هكذا المؤمنون يبدءون بأنفسهم، فإن الذنوب شرٌ على الإنسان، الذنوب جندٌ عليك مع عدوك ومن أسباب هزيمتك أمام عدوك، فلابد من أن تبدأ -أيها المسلم- بجهاد نفسك وأن تجاهدها لله حتى تستقيم على الصراط المستقيم، وتدع محارم الله، وتكون صالحاً للتقدم بين يدي الله للجهاد في سبيله والدعوة إلى سبيله. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومنّ على المسلمين في كل مكان بالاستقامة والهداية، والجهاد بالنفس الجهاد الصادق، والجهاد للأعداء جهاداً صادقاً بإخلاص لله ورغبة فيما عنده سبحانه، كما نسأله سبحانه أن ينصر المجاهدين المسلمين في كل مكان، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرزقهم الإخلاص والفقه في دينه، وأن يعيذهم من مكائد أعدائهم، وأن يهزم ويذل أعداءهم وينصرهم عليهم، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه والدعاة إلى سبيله على بصيرة؛ إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الجهاد مع أي جماعة قامت للجهاد في سبيل الله

حكم الجهاد مع أي جماعة قامت للجهاد في سبيل الله Q إذا ضاع الجهاد في الأمة الإسلامية كما هو الآن، فهل يجوز من أي فرد أن يجاهد أعداء الله من خلال جماعة قامت لتجاهد الفساد والكفار حسب ادعائها؟ A نعم. إذا تيسرت راية قائمة في بلاده واستطاع أن يجاهد مع المسلمين جاهد مع المسلمين في أي بلاد لينصرهم ويعينهم، فإن العدو إذا هجم على بلد من بلاد المسلمين وجب على أهل الإسلام نصر المسلمين، إذا هجم العدو على أفغانستان وجب على المسلمين أن يجاهدوا مع المجاهدين في أفغانستان، وإذا هجم العدو على الحبشة كذلك، وإذا هجم العدو على أي بلاد وجب على أهل الإسلام مناصرة المجاهدين.

الجهاد فرض عين مع الاستطاعة

الجهاد فرض عين مع الاستطاعة Q إذا لم تكن هناك فئة تجاهد في سبيل الله من الأمة الإسلامية فهل يكون الجهاد فرض عين على كل مسلم؟ A نعم. فرض عين مع القدرة، وكما سمعت مع القدرة، كل واحد عليه أن يجاهد حسب طاقته، يجاهد نفسه في سبيل الله، ويجاهد مع إخوانه في الله بنفسه أو بماله أو بهما كما ذكرت بقدر المستطاع. السائل: هل الذهاب الآن إلى سوريا أو أفغانستان فرض عين؟ الشيخ: فرض عين مع الاستطاعة؛ لأنه مهجوم عليهم وهم ليس فيهم كفاية، فيحتاجون إلى المدد من إخوانهم المسلمين بالمال والنفس والدعوة إلى الله والكلمة الطيبة.

خطورة المعاصي على المجاهدين

خطورة المعاصي على المجاهدين Q هل يوجد ما يدل على انتصار المسلمين على عدوهم وهم من أهل المعاصي كما هو الآن؟ A نعم. قد ينصرون وإن كان في الذنوب خطر عليهم، وإلا قد ينصرون لأنهم خير من أولئك، المسلم على المعصية خير من الكافر؛ لأن معه الإسلام الذي هو سبب النجاة، والمعاصي من أعظم الأسباب في دخول النار ولكن ليست مثل الكفر، فالعصاة قد ينصرون لأنهم أهون من أولئك، وقد يخذلون بأسباب ذنوبهم، فقد جرى على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما هو معلوم وهو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، ومعه المجاهدون، ومعه أولياء الله من الصحابة وهم أفضل الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما عصى أصحاب الجبل -الرماة- وتأولوا وتركوا الموقف دخل المشركون على المسلمين من ورائهم وصارت الهزيمة، وقتل المسلمون وقال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152] أي: تقتلونهم، كانت الدائرة في أول الأمر على الكفار قال الله: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران:152] أي: سلطوا عليكم، وقال في الآية الأخرى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] أي: أصابتكم أنفسكم، من الذنوب والسيئات والمعاصي؛ لأن الرماة تنازعوا وفشلوا، ثم تأولوا وتركوا الموقف وعصوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وظنوا أنها فيصلة لما رأوا انكشاف الكفار، وأنهم قد انتهوا فجاءوا ليحوزوا الغنائم والرسول عليه الصلاة والسلام قد قال لهم: (لا تبرحوا مكانكم أبداً ولو رأيتمونا نصرنا ولو رأيتم العدو قد انكشف) وأميرهم قال لهم كذلك، ولكنهم تنازعوا ثم أجمعوا أمرهم على ترك المكان وظنوا أن العدو قد انتهى، فإذا كانت المعصية مع التأويل تضر المجاهدين وتسبب الهزيمة، فكيف بالمعصية المتعمدة التي ليس فيها تأويل، وهذه من أعظم أسباب الهزيمة، وكان عمر يكتب إلى جيوشه في بلاد الروم وغيرها كبلاد فارس ويأمرهم بتقوى الله ويحذرهم من الذنوب، ويقول: [إن أخشى ما أخشى عليكم ذنوبكم فإنها جندٌ عليكم، وإنكم لن تغلبوا من قلة، وإني أخشى عليكم الذنوب والمعاصي] فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هزموا أمام العدو بسبب معصية بعضهم فكيف بحال غيرهم.

حكم القتال من أجل الحرية وتحرير الوطن

حكم القتال من أجل الحرية وتحرير الوطن Q القتال في هذه الأزمنة قتال من أجل تحرير الوطن أو الحرية، ما حكم هذا القتال، وما حكم من قاتل معهم؟ A القتال أنواع: أحدها وهو أعلاها: أن يقاتل لإعلاء كلمة الله وهذا هو الجهاد في سبيل الله، وهذا هو الواجب على كل من يقاتل، وإن كان يدافع عن وطنه ويريد بقتاله إعلاء كلمة الله؛ لأن إخراج وطنه من أيدي الكفرة نصر لدين الله وللمسلمين، فينوي بقتاله إعلاء كلمة الله وتوسعة رقعة بلاد المسلمين وتكثير سوادهم، ولا يقاتل لمجرد الوطن فقط، ولكن المفروض إذا قاتل دون نفسه أو دون بيته أو دون حريمه أو دون أولاده أو دون بلاده فهو مظلوم ويعتبر شهيداً، لكن ليس هو المجاهد في سبيل الله، فالمجاهد في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لكن هذا يقاتل؛ لأنه مظلوم للدفاع، فهو مظلوم شهيد إن قتل إذا كان مسلماً، ولكن إنما يكون مجاهداً له فضل المجاهدين إذا قاتل لإعلاء كلمة الله وتكون كلمة الله هي العليا. عرفت أن الجهاد أنواع: الجهاد الذي له فضل عظيم والذي جاءت فيه الآيات والأحاديث هو الجهاد الذي يقاتل صاحبه لإعلاء كلمة الله. وهناك أنواع من القتال والجهاد لا تكون بهذه المثابة؛ لأنه قد يقاتل لحفظ نفسه؛ لأنه اعتدي عليه فيكون شهيداً إن قتل، وقد يقاتل لأنه اعتدي على حريمه وأهله فيقاتلهم للدفاع، إن قتل فهو شهيد ومظلوم، وقد يقاتل لأنه اعتدي على ماله فيقاتل للدفاع على ماله وإن قتل فهو شهيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: (يا رسول الله! الرجل يأتيني يريد مالي؟ فقال: لا تعطه مالك، قال: فإن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلته، قال: هو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد) فدل على أن من يقتل مظلوماً دون ماله أو نفسه أو نسائه فهو شهيد. وهكذا من يقاتل لإخراج الكفرة من بلاده أو لإنقاذ بلاده التي ابتليت بالكفرة، ولمساعدة جماعته على إخراجهم، فهم مظلومون، لكن لا يكون جهادهم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) هذا لون وذاك لون، المقاتل الذي له الشرف الكامل وله فضل الجهاد الكامل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو المجاهد في سبيل الله، الذي تعمه أحاديث فضل الجهاد وما وعد الله به المجاهدين، وهناك أنواع من القتال وأنواع من الجهاد يعتبر صاحبها مدافعاً ومظلوماً وشهيداً من أجل أنه مظلوم لا من أجل أنه قاتل في سبيل الله ولا أنه جاهد في سبيل الله.

حكم مجاهدة الطواغيت في البلاد الإسلامية

حكم مجاهدة الطواغيت في البلاد الإسلامية Q إذا استفحل الشرك بالله في بعض البلاد والحكم بالطاغوت فبأي شيء يبدأ الجهاد في هذه الحالة؟ A يبدأ أولاً بمناصحة ولاة الأمور وإرشادهم إلى الحق، وتبيين ما يجب عليهم من إقامة أمر الله وتحكيم شريعة الله حتى يرجعوا إلى الرشد، فإن أبوا إلا الاستمرار في الكفر بالله وعدم تحكيم شريعته، فللمسلمين ولمن حولهم من الدول الإسلامية المستقيمة المحكمة لشريعة الله أن تجاهدهم، وللقوة الداخلية من الجيش والمسلمين الأقوياء الذين يستطيعون أن يزيلوا حكم هذا الشخص الكافر حتى يحلوا محله حكم الإسلام فلهم ذلك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، قالوا: أفلا نجاهدهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وقال: حتى تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) .

الجهاد فرض عين على المجاهدين

الجهاد فرض عين على المجاهدين Q الجهاد يكون فرض كفاية إذا وجد جيش مسلم منتصر، أما الآن فهل الجهاد فرض كفاية أم يكون واجباً على كل مسلم، علماً أن الدول الإسلامية تغزى من قبل أعداء الإسلام الملاحدة؟ A الجهاد هنا فرض عين على المجاهدين، وعلى الدول الإسلامية فرض كفاية، فعليها أن تجمع قواها وأن تحكم شريعة الله في بلادها، حتى تجاهد في سبيل الله، لكن كيف تجاهد؟ لا بد أن تجاهد في نفسها أولاً وأن تبدأ بنفسها فتحكم شريعة الله وتقيم أمر الله، ثم تجاهد من وراءها ممن كفر بالله عز وجل، والذي عنده قدرة ووجد مجاهدين صادقين يجاهدون لإخراج الكفار ولتثبيت المسلمين فيجاهد معهم، وهو فرض عليه مع القدرة.

من أنواع الجهاد في سبيل الله

من أنواع الجهاد في سبيل الله Q هل تقسيم الجهاد الآتي صحيح: جهاد النفس جهاد الشيطان جهاد أهل الضلال والبدع والباطل والنفاق جهاد الكفار والمشركين؟ A كله صحيح، جهاد النفس، وجهاد العصاة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار المعلنين، كله جهاد شرعي. وهكذا جهاد قطاع الطريق داخل في جهاد العصاة، جهاد قطاع الطريق وجهاد البغاة كله في سبيل الله.

معنى حديث: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)

معنى حديث: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) Q جاء في الحديث: (من لم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبة من شعب النفاق) فما معنى هذا الحديث؟ A كما سمعت، لفظه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) والغزو هو: الجهاد، ومعناه: من لم يشارك في الجهاد ولم يحدث نفسه بذلك صار فيه شعبة من النفاق؛ لأن المنافقين من شأنهم عدم الجهاد من شأنهم أنهم ضد الإسلام وأهله من شأنهم أنهم مع الكفار في الباطن، فالذي لا يغزو ولا يحدث نفسه بالغزو، أي: لا يفكر أن يكون مع المجاهدين بل هو ساهٍٍٍ لاهٍ غافل فيه شعبة من النفاق؛ لأن المنافق لا يحدث نفسه بالجهاد ولا يرى الجهاد، بل يرى ضد الجهاد، بل يرى قتال المسلمين، هذا شأن المنافق.

نصيحة إلى القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام

نصيحة إلى القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام Q علمنا باضطهاد أهل الإسلام للمسلمين، لكن الإذاعات في البلدان الإسلامية تطبل وتزمر في معظم وقتها فيما يخدم أعداء الإسلام ويغفل المسلمين عن واجبهم المقدس، فما هي نصيحتكم؟ A نسأل الله لنا ولهم الهداية، ولا شك أن الإذاعات اليوم هي في أشد الحاجة إلى الإصلاح والتطهير حتى تكون آلة توجيه، وآلة بناء وتعمير، وآلة إخراج من الظلمات إلى النور، ويجب أن تطهر مما يضر الأمة في دينها ودنياها، فهذا هو الواجب على جميع المسئولين في الدول الإسلامية عامة وفي هذه الدولة أو في بلادنا خاصة، فعلى الجميع أن يجعلوا من الإذاعات ووسائل الإعلام وسائل صادقة صالحة تنشر الحق والهدى وتدعو إليه، ويجب أن تطهر من كل ما يخالف الإسلام حسب الإمكان؛ لأن هذا نوع من الجهاد ونوع من الدعوة إلى الله عز وجل لإنقاذ الناس مما هم فيه من الباطل، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتبصيرهم في دينهم وتوجيههم إلى الخير، ووسائل الإعلام في الحقيقة سلاح عظيم فتاك إن وجه إلى الخير نفع الناس، وإن وجه إلى الشر ضر الناس، فوجب على الدول الإسلامية كلها أن تطهر وسائل إعلامها، وأن تتقي الله في نفسها، وأن تُحكَّم شريعة الله، وعلى دولتنا وهي الدولة الإسلامية القائمة الرائدة التي ينظر الناس إليها من كل مكان؛ فعليها أن تكون أسبق الناس إلى كل خير، وأن تحرص غاية الحرص على تطهير وسائل إعلامها من كل ما لا يرضي الله عز وجل، وأن تكون باذلة وسعها في كل ما ينفع المسلمين وفي كل ما يبصرهم بدينهم، وفي كل ما يعينهم على أداء واجبهم حسب الطاقة والإمكان، وقد بذلت جهوداً كبيرة مشكورة جزاها الله خيراً، ولكن المطلوب هنا أكثر وأكبر؛ لأنها الدولة الوحيدة التي ترجى بعد الله لهذا الأمر، وعندها بحمد الله من القدرة ما لا ليس عند غيرها، وعندها من العلم والبصيرة، وعندها من الدعاة والعلماء من يعين على هذا الخير، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه ولما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يوفق حكومتنا ورجالها والعاملين فيها لكل ما يرضي الله، وتقديم ما لديهم لما فيه نصر لدين الله وإقامة شريعته في أرضه.

مدى صحة حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)

مدى صحة حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) Q ما صحة حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قيل: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: هو جهاد النفس، والأصغر هو القتال) ؟ A هذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله بعدما رجع من غزوة تبوك، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وفسره بأن المراد بجهاد النفس هو الجهاد الأكبر وجهاد الكفار هو الجهاد الأصغر، ولكن بين أهل العلم كـ ابن القيم رحمه الله وغيره أن هذا الحديث ضعيف وأنه لا يصح، وأن الجهاد الأكبر هو جهاد الأعداء وجهاد النفس هو الجهاد الأصغر، ولكنه أصل في جهاد الكفار؛ فجهاد النفس أصل أصيل إذا استقام استقام جهاد الكفار، فالواجب على أهل الإسلام أن يبدءوا بأنفسهم ويجاهدوها لله حتى تبرأ من العيوب ومن الذنوب التي قد تغرها وتهلكها وتصدها عن جهاد أعدائها، ولا شك أن الجهاد الأكبر هو جهاد أعداء الله بالسيف والسنان والحجة واللسان.

حكم أخذ المال أو الهدية من الكافر

حكم أخذ المال أو الهدية من الكافر Q عندي أخ عاصٍ متهاون في العبادات ولا يقوم بها، ويدرس في الخارج، ويضع نقوده في البنوك، وقد أخذت منه ملابس فهل يجوز لي لبسها؟ وهل تعتبر محرمة عليِّ أم لا؟ A لا حرج عليك؛ لأن أخذ الهدية من الكافر للانتفاع بها والاستفادة منها لا حرج فيه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في بعض الأحيان قبل الهدية وفي بعضها رد الهدية، إلا إذا كان في ردها مصلحة كأن يكون في ردها تنبيه له وبيان أنه ليس أهلاً لأن يقبل منه، فهذا من باب الدعوة، ومن باب إنكار المنكر، ومن باب الهجر لأهل المعاصي والكفر بالله عز وجل، وإذا أخذها من باب التأليف أو دعت الحاجة إلى أخذها لمصلحة عامة أو لأسباب أخرى فلا بأس، إلا إذا علم أن هذا المال بعينه حرام، وأما مجرد كونه في البنك فلا يكون حراماً بمجرد وجوده في البنك؛ لأن البنك فيه الحلال وفيه الحرام، فالمال الذي لا يرابي فيه ليس بحرام ولو كان في البنك وديعة تؤخذ ويسترده صاحبه وهو ماله، إنما يحرم عليه أن يعامل فيه معاملة ربوية، فإذا جاءه مال من قريبه أو صديقه وهو لا يعلم حقيقته فله أخذه، أما إن علم أنه مال فلان أو أنه ثمن خمر أو أنه ربا فلا يأخذه، أو جاءه من إنسان يستحق الهجر ينبغي أن يهجره، كالذي لا يصلي ينبغي أن يهجر ولا يدعى إلى الوليمة ولا تجاب دعوته ولا يسلم عليه؛ لأنه مجرم كافر، فيجب أن يهجر وألا تقبل منه دعوته لوليمة ولا يدعى لوليمة وألا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، حتى يعود إلى رشده، وحتى يتوب إلى الله من ضلاله وكفره، هذا هو الواجب، إلا إذا كان هناك مصالح إسلامية تقتضي ألَّا يهجر لأجل مصالح إسلامية تتعلق لكونه أميراً أو غير ذلك ممن يكون في عدم هجره مصالح للمسلمين تطلق على يديه.

الهدف من عدم جمع المساعدات علنا في المملكة للمجاهدين في سوريا

الهدف من عدم جمع المساعدات علناً في المملكة للمجاهدين في سوريا Q لماذا لم يكن جمع الدراهم علناً في هذه المملكة حفظها الله من كل شر، لرفع ظلم القتل الجماعي في رجال ونساء وأطفال سوريا؟ A هذا لأسباب سياسية يعلمها ولاة الأمور نسأل الله أن يوفقهم ويصلحهم ويهديهم.

حكم كشف المرأة لوجهها

حكم كشف المرأة لوجهها Q هل هناك آية أو حديث صحيح ينص صراحة على تغطية وجه المرأة، وما صحة حديث أبي داود عن أسماء بنت أبي بكر؟ A الأدلة على وجوب الحجاب كثيرة، ومنها قوله جل وعلا في سورة الأحزاب: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] ولقوله سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] الآية، ثم ذكر القواعد بعد ذلك: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور:60] فأمر غير القواعد بالحجاب، وأباح للقواعد وضع الحجاب، وبين أن استعفافهن خير لهن ولو كن عجائز، فدل ذلك على وجوب الحجاب، وأنه يجب على المرأة أن تستر وجهها وبدنها، وألا تبدي زينتها لغير محارمها حتى القواعد المتبرجات بزينة عليهن الاستتار، فإذا كن قواعد وغير متبرجات بزينة فلا بأس بعدم الحجاب، والحجاب أفضل لهن والاستعفاف خير لهن. وأما حديث أسماء بنت أبي بكر لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فنهاها النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ورأى أن المرأة إذا بلغت المحيض فلا يحل لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه، هو حديث ضعيف عند أهل العلم رواه أبو داود بإسناد منقطع ضعيف، فهو ضعيف لا يحتج به ولا يعول عليه، ولا يحتج به إلا من لا يعرف شأن الحديث، وهو حديث ضعيف جداً فيه انقطاع وفيه راوٍ ضعيف لا يحتج به.

الوفاء بالحقوق (الأجرة)

الوفاء بالحقوق (الأجرة) Q عمل لدي عامل بالأجرة اليومية عدة أيام ولم يأخذ أجرته حيث أني تأخرت عنه، وعندما بحثت عنه لم أجده، فماذا أعمل بأجرته؟ A لو تتأنى بها وتسأل عمن يعرفه، فإن وجدته أو وجدت من يعرفه سلمتها له وإلا تصدقت بها عنه، أو جعلتها في المحكمة وقيدت اسمه عندهم لعله أن يأتي بعد حين فيعطى ماله، وإن تصدقت بها فهي مضمونة عليك، فإذا جاء تعطيه إياها إلا أن يسمح بالصدقة فلا بأس به، والمقصود أنك مخير إما أن تحبسها عندك زمناً طويلاً لعله يأتي، أو تضعها عند المحكمة وتكتب اسمه عند المحكمة حتى يرد إليه ماله إذا جاء أو يتصدق بها عنه للفقراء والمساكين في بعض المشاريع الخيرية مضمونة تكتبها عندك متى جاء ولم يقبل صدقتك تعطيه إياها.

واجب المسلمين تجاه المجاهدين في سوريا

واجب المسلمين تجاه المجاهدين في سوريا Q ماذا يجب على المسلم نحو المجاهدين المسلمين في سوريا الآن؟ A الذي نعلم عن حالهم أنهم مظلومون، وأنهم يستحقون العون والمساعدة؛ لأن الدولة الآن تقتل فيهم تقتيلاً شديداً، وهم إنما طالبوا بحكم الإسلام ولم يطالبوا بغير حكم الإسلام، والدولة دولة كافرة نصيرية علوية رافضية باطنية، فيجب أن ينصروا وأن يعانوا حتى يستنقذوا بلادهم من أيدي عدوهم الكافر الملحد الذي لا يألوا شراً بالمسلمين ولا يألوا خبالاً بالمسلمين.

المجوس ليسوا من أهل الكتاب

المجوس ليسوا من أهل الكتاب Q هل يعتبر المجوس من أهل الكتاب؟ وإن كان غير ذلك فما العبرة بعدم حربهم إذا لم يقبلوا الإسلام؟ A المجوس ليسوا من أهل الكتاب، فلا تباح نساؤهم ولكن تؤخذ منهم الجزية كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب، ولكنهم ليسوا أهل كتاب، فلا تباح نساؤهم ولا ذبائحهم، ولكن تؤخذ الجزية وتحقن دماؤهم إذا بذلوها ولا يقاتلون تنفيذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعملاً بسنته؛ كما درج عليه أصحابه رضي الله عنهم، فالمسلمون متبعون وليسوا مبتدعين.

مقام المرأة حال نفاسها عند أهلها عرف يصطلح عليه

مقام المرأة حال نفاسها عند أهلها عرف يصطلح عليه Q هل يجوز لي أن آخذ زوجتي من عند أهلها بعد الوضع قبل أن تكمل أربعين يوماً؟ A هذه مسائل بين الناس يصطلحون فيها فيما بينهم ولهم عرف فيما بينهم، ولو كانت عنده نفساء فلا بأس أن تجلس عنده وأن تقيم عنده، ولكنه لا يطأها حتى تطهر، والناس في هذا لا يتكلفون في العرف، والغالب أنها تكون عند أهلها ولا سيما إذا كانت جديدة ليس عندها من يقوم عليها، فتكون عند أهلها يلاحظونها ويقومون عليها ويحسنون إليها حتى تطهر من نفاسها، فإذا اصطلح مع أهلها على إبقائها عنده فلا بأس حتى لو ولدت عنده، فلا بأس أن يقوم عليها ويحسن إليها ويخدمها بنفسه أو بواسطة بعض قريباته حتى تطهر من نفاسها، وليس له جماعها حتى تطهر كالحائض سواء بسواء.

العبادة وأثرها على الفرد والمجتمع [2،1]

العبادة وأثرها على الفرد والمجتمع [2،1] لقد أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل، وأقام الحجة من أجل غاية عظمى، وهدف نبيل مقصود، ومطلب منشود ألا وهو عبادة الله سبحانه بمفهومها ومرادها في شرع الله. وقد حث الله هذه الأمة المحمدية على المبادرة إلى العبادات بجميع أنواعها ومراتبها؛ حتى يحوزوا الأجر ويقطفوا الثمار التي بها يفلحون في الدنيا والآخرة، وحذر العاصين المعرضين عن طاعته وعبادته وتوعدهم بمصيرهم الذي سيلاقونه إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى.

مفهوم العبادة

مفهوم العبادة الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ندب الله عباده إلى التوحيد بحقه، والدعوة إلى سبيله، وأرسل الرسل لذلك، وأوجب على الأمة التعلم والتفقه في الدين، قال جل وعلا: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] ، وقال سبحانه: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] ، فالرسل عليهم الصلاة والسلام بعثهم الله مبشرين ومنذرين ومذكرين بحقه، والدعوة إليه، والتحذير مما يغضبه سبحانه وتعالى، والعلماء خلفاؤهم في الدعوة إليه والتبصير بحقه، والإرشاد إلى أسباب النجاة، والتحذير من أسباب الهلاك. والله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل لبيان العبادة، وإيضاح أنواعها وأحكامها والدعوة إلى ذلك، كما قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، فقد خلقهم الله ليعبدوه، وأرسل الرسل لهذا الأمر للدعوة إلى العبادة، وتفسيرها وإيضاحها، والأمر بالتزامها، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] . وكلمتي الآن في بيان العبادة وأثرها في الفرد والمجتمع، فالعبادة هي حق الله على عباده من أولهم إلى آخرهم، ولها خلقوا وبها أمروا، يقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58] ، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] ، وهناك آيات كثيرات، منها قوله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:36] ، ومنها قوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] ، ومنها قوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] ، ومنها قوله عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:2-3] .

تعريف العبادة في الشرع

تعريف العبادة في الشرع العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وبعبارة أخرى: هي ما أمر الله به ورسوله من قول وعمل وعقيدة، كل ذلك يسمى عبادة فحب الله، والإخلاص له، والإيمان به، وخوفه ورجاؤه، كله عبادة، وذلك من أعمال القلوب، وكذلك ذكره، وتسبيحه، وتحميده، وتهليله، والدعوة إليه، كله عبادة، وهكذا الأعمال، من الصلاة، والصوم، والصدقات، والحج، وسائر ما أمر الله به من الأعمال كله عبادة.

مراتب العبادة

مراتب العبادة هذه العبادات منها المستحب ومنها الواجب، فعبادة الله بالإخلاص له، وصرف العبادة لوجهه الكريم، وأداء ما فرض، وترك ما حرم، هذا كله فرض لازم لا بد منه، والاستكثار من النوافل، والتسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، كل ذلك من نوافل العبادات، وهكذا الصدقات غير الواجبة كلها من التطوعات، وهكذا الصوم غير الواجب، والحج غير الواجب، كله من التطوعات ومن النوافل التي يحبها الله، وهي جبر للفرائض وتكميل لها. فجدير بالمؤمن وجدير بالمؤمنة العناية بالعبادة والتفقه فيها، وذلك بالتفقه في الدين عن طريق كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعن طريق أهل العلم، بسؤالهم واستفسارهم، والتفقه عليهم؛ حتى يرشدوك إلى ما قاله الله ورسوله، وحتى يعلموك ما جهلت مما أوجب الله ومما حرم الله، وحتى يوضحوا لك أنواع العبادة، لتكون على بينة وبصيرة، وحتى تعبد الله كما أمر سبحانه وتعالى. وعلى حسب استمساك العبد بعبادة ربه، وأدائه حقه، والمسابقة إلى مراضيه، تكون منزلته عند الله، فمن استكمل الفرائض، واجتنب المحارم؛ فهو من عباد الله الأبرار، ومن عباد الله المتقين، ومن خيرة عباد الله، وممن وعدهم الله بالجنة، والنجاة من النار، وإذا أضاف إلى ذلك المسابقة إلى الطاعات، والاستكثار من الحسنات، والحذر من المكروهات، وما قد يعوقه عما شرع الله له؛ كان بذلك من السابقين ومن المقربين، من الطبقة العليا من عباد الله، فإن الطبقات ثلاث: الطبقة الأولى: الظالم لنفسه، وهو المؤمن العاصي. الطبقة الثانية: المقتصد الذي استقام على أداء الفرائض وترك المحارم، وهو من المقتصدين ومن الأبرار، ولكنه لم يتوسع في الطاعات المستحبة، ولم يستكثر منها، بل اقتصر على الواجبات وترك المحارم، ولم يكن له نشاط في المسابقة إلى أنواع الفضائل، فهذا من الطبقات الوسطى ومن الأبرار، وله الجنة والنجاة من النار. الطبقة الثالثة: طبقة السابقين المقربين، المسابقين في الخيرات، والمنافسين في الطاعات، بكل ما يستطيعون من الطاعات القولية والعملية، من طاعات القلوب وطاعات الجوارح، ومن الطاعات البدنية والقولية والمالية، فهم مسابقون إلى كل خير، ومنافسون في كل طاعة، فهؤلاء هم السابقون المقربون، جعلنا الله وإياكم منهم.

حث الأفراد والمجتمعات على الاعتناء بالعبادة

حث الأفراد والمجتمعات على الاعتناء بالعبادة ينبغي للمؤمن أن يعنى بما أوجب الله عليه، وأن يتفقه في ذلك، وأن يعنى بما حرم الله عليه حتى يدعه على بصيرة، وحتى يحذره على بصيرة؛ لأنه خلق لهذا الأمر خلق ليعبد ربه، وحق الله عليه أن يعبده، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) ، والمعنى: يعبدونه بطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده. وهكذا المجتمعات كلها، إذا استقامت على طاعة الله وترك محارمه، وتعاونت على البر والتقوى، وصارت مجتمعات صالحة حرية بتوفيق الله ونصره وتأييده، وحرية بكل خير؛ لكونها استقامت على طاعة الله، وابتعدت عن محارم الله، ووقفت عند حدود الله، هذا المجتمع الذي قال الله فيه وفي أمثاله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ، وقال فيه سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ، وقال فيه سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] هذه حالة الأخيار والأتقياء والسعداء، وقال الله فيهم وفي أمثالهم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1-11] هذه حال الأخيار من عباد الله، الذين عبدوه كما أمر، فأطاعوا أوامره، وتركوا نواهيه، ووقفوا عند حدوده عن ذل وخضوع، وانكسار وتواضع، يرجون رحمته، ويخشون عقابه سبحانه وتعالى. والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعنى بهذا الأمر في جميع الأوقات حتى يلقى ربه -حتى يموت- كما قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، أي: حتى يأتي الموت، فإذا كان سيد ولد آدم، وأفضل الخلق مأموراً بأن يعبد ربه حتى يلقاه -حتى يموت- فهكذا الناس يجب عليهم أن يلتزموا بالإسلام، وأن يستقيموا على عبادة الله وطاعته وترك معصيته؛ حتى يلقوا ربهم، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ، فأمرهم بالتقوى حق التقوى، وألا يموتوا إلا على الإسلام، (حق تقاته) معناها: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] الآيات تفسر بعضها بعضهاً، والتقوى: هي الدين كله، أي: أن الدين كله تقوى؛ لأنه يقي أهله من عذاب الله وغضبه، ولهذا سماه الله تقوى، فالإيمان بالله ورسوله، بترك ما نهى الله، والالتزام بأمر الله، والوقوف عند حدود الله، والمنافسة في ذلك عن بصيرة وعلم، وعن إخلاص لله وإيمان به، وعن متابعة صادقة لرسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الدين، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان، وهذا هو التقوى، وهذا هو الهدى، فإن ديننا الإسلامي يسمى إيماناً، ويسمى تقوى، ويسمى هدى، ويسمى صلاحاً، ويسمى براً {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} [آل عمران:19] ، أي: هو الإيمان، فالدين عند الله هو الإسلام، هو البر هو التقوى هو الهدى هو الصلاح والإصلاح هو طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله. وسمي إسلاماً؛ لأن أهله يؤدون ما أمر الله به وما نهى الله عنه عن ذل وخضوع وانقياد، فالإسلام انقياد لله ذل له، بترك النواهي وفعل الأوامر، عن إخلاص لله، ومحبة له، وإيمان به، وخوف منه، ورجاء له سبحانه وتعالى، هذا هو الإسلام، أن تسلم قلبك وجوارحك لله، ذليلاً منقاداً لأمر الله، متواضعاً، مطيعاً أوامر ربك، تاركاً لنواهيه، واقفاً عند حدوده تخشاه وترجو رحمته تخلص له العمل، وتقف عند الحدود لا تبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، ولا تقصر بما أوجب الله، فالعاصي مقصر وجاهل، والمبتدع غالٍ وزائد، والواجب الوسط وهو لزوم الحق، فلا زيادة ولا نقصان لزوم طاعة الله ورسوله، والسير على منهج الله ورسوله، وعدم النقص بالمعاصي والجفاء، وعدم الزيادة بالبدع والتنطع والغلو.

ثمار العبادة وآثارها

ثمار العبادة وآثارها بهذه العبادة التي سمعنا إيضاحها وبيانها يرتقي العبد إلى درجة الأخيار، درجة السابقين، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، هم أفضل الناس، وهم الطبقة العليا عليهم الصلاة السلام، ثم يليهم المؤمنون السابقون من عباد الله، الذين جاهدوا أنفسهم لله، وساروا على نهج رسول الله، معظمين لله، موحدين له، مخلصين له، مؤدين ما أوجب، تاركين ما حرم، مسارعين إلى كل خير، ومنافسين في كل طاعة، ومبتعدين عن الشر ووسائله وذرائعه. وأعظم ذلك وأهمه: تحقيق الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل العبادة، وهما أفضل العبادة، وهما الأساس الذي تنبني عليه جميع العبادات، فشهادة أن لا إله إلا الله معناها: إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، وأنه لا معبود بحق سواه جل وعلا، وجميع ما عبده الناس من دون؛ الله، من أصنام، أو أنبياء، أو ملائكة، أو أشجار، أو كواكب، أو أموات في قبورهم، أو غير ذلك كله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] ، وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163] {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [طه:98] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] . فهذه الكلمة هي الأساس، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة بجميع أنواعها عن غير الله بقولك: لا إله، وتثبت العبادة لله وحده في قولك: إلا الله، فهو سبحانه المستحق للعبادة؛ من صلاتك، وصومك، وسجودك، وصدقاتك، وحجك، وصيامك، وجميع سائر العبادات؛ من دعاء، وخوف، ورجاء، واستغاثة، واستعانة وغير ذلك، يجب أن يكون هذا لله وحده، حيث قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ، فالدعاء يكون باللسان، كاغفرلي، وارحمني، وانصرني ونحو ذلك، ويكون بالفعل؛ كالصلاة، والصوم، فإنها دعاء، دعاء عبادة. وقال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [لنساء:36] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] ، أي: وحدوه وخصوه بكل ما أمركم به، عن إيمان به، وعن رغبة فيما عنده، وهكذا ترك ما نهاكم عنه، عن إيمان به، ورغبة فيما عنده، فهو يصلي ليعبد الله، ويرجو فضله وإحسانه، يصوم كذلك يزكي كذلك يتصدق يحج يبر والديه يصل أرحامه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقرأ القرآن إلى غير ذلك، فيعبد الله بذلك، يقصد وجهه الكريم سبحانه وتعالى، ويتقرب إليه يرجو فضله وإحسانه. وهكذا في تركه المحارم، يبتعد عما حرم الله عليه من الزنا، وشرب المسكر، وأكل الربا، والعقوق للوالدين، وقطيعة الرحم، والغيبة، والنميمة إلى غير ذلك من المعاصي، يتركها لله خوفاً من الله، لا من أجل مجاملة الناس، أو رياء الناس، أو لمقاصد أخرى، بل يدع ما حرم الله عن إخلاص لله، وعن تعظيم لله؛ لأن الله حرمها عليه، وأمره بتركها، فهو يدع المحارم إخلاصاً لله، ومحبة له، وتعظيماً له، وطاعة له، كما يؤدي الفرائض طاعة لله وتعظيماً له، ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى. هذه هي العبادة، أوامر تفعل ونواهي تترك، ويضاف إلى ذلك كل ما شرعه الله من العبادة غير الواجبة، من تسبيح وتهليل، وصدقات تطوع، وصيام تطوع، وصلاة تطوع، وحج تطوع، كله تبع العبادة.

الفوز بجنات النعيم

الفوز بجنات النعيم هذه العبادات فرضها ونفلها يجب إخلاصها لله وحده سبحانه وتعالى، وهكذا ترك المحارم يجب أن يكون لله وحده، وبذلك يستكمل المؤمن العبادات، ويستحق فضل ربه سبحانه وتعالى، وهكذا المؤمنة، فإن المؤمن والمؤمنة كليهما مأمور بعبادة الله، مخلوق لذلك، وهكذا أصناف الجن خلقوا لذلك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، فمن أطاع مولاه، واستقام على دينه إخلاصاً ومحبة له، واتباعاً لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورغبة فيما عند الله؛ فله الجنة في يوم القيامة، وله السعادة الأبدية في دار لا تفنى ولا تبيد، في دار النعيم والخير الكثير، والحبرة والسرور، والأنهار الجارية، والثمار اليانعة وغير ذلك من أنواع الخير أبد الآبدين، لا يموت فيها ولا تفنى ولا ينتهي نعيمها، كما في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ من جهة الله: يا أهل الجنة! إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً) هذه حالهم في دار الكرامة، كما قال جل وعلا: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:51-57] ، هذا فضله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:45-48] ، فهم في دار نعيم ودار سرور، رجالهم ونساؤهم في حبرة وسرور وخير عظيم أبد الأبدين، ودهر الداهرين، لا يضعنون عنها ولا تخرب ولا يموتون، بل هم في نعيم دائم، وخير دائم، وسعادة دائمة، وشباب دائم، وصحة دائمة، جعلنا الله وإياكم منهم.

مصير المفرطين والمقصرين في العبادة

مصير المفرطين والمقصرين في العبادة بخلاف أهل النار -والعياذ بالله- الذين عصوا ربهم وتابعوا الهوى، وأطاعوا الشيطان، فلهم النار يوم القيامة، في دار الهوان في دار الأغلال والأنكال في دار الجحيم والزقوم في دارٍ كلها بلاء وكلها شقاء، هم في عذاب دائم {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:30] {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] ، فهم في بلاء وعذاب ونكال إلى ما لا نهاية له، أبد الآبدين، ودهر الداهرين؛ بأسباب كفرهم بالله، وارتكابهم محارمه، وتركهم توحيده والإيمان به سبحانه وتعالى، لما تركوا توحيده والإيمان به، وارتكبوا محارمه وكفروا به، جازاهم بعذابه وغضبه ونكاله سبحانه وتعالى. أما العصاة من المسلمين فهم بين ذلك، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء في الجملة، ولكن نهايتهم ومصيرهم إلى دار النعيم مع إخوانهم المتقين، لكن قد يصيبهم عذاب قبل ذلك، فقد يدخلون النار قبل ذلك بمعاصيهم، فيعذبون قبل دخول الجنة بمعاصيهم التي ماتوا عليها، إلا أن يعفو الله سبحانه وتعالى عمن شاء منهم، كالذي مات على الزنا، أو مات على عقوق الوالدين، أو مات على شرب الخمر، أو مات على أكل الربا، أو مات على غير ذلك من المعاصي التي حرمها الله عليه، فهم تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم وأدخلهم الجنة بتوحيدهم وإيمانهم وأعمالهم الصالحة التي معهم، وإن شاء سبحانه عذبهم على قدر المعاصي التي ماتوا عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار يخرجهم الله من النار إلى الجنة بعد ذلك، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، فما دون الشرك من المعاصي لمن يشاء. وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيراً من العصاة يعذبون في النار، يعذبون على معاصيهم، ثم يشفع فيهم الشفعاء يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويشفع فيهم الشفعاء من الملائكة والمؤمنين والأفراط، فيخرجون من النار بعد امتحاشهم واحتراقهم فيها، بعد تعذيبهم فيها على قدر معاصيهم، يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له: نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة بعد ذلك بإسلامهم الذي ماتوا عليه، وتوحيدهم الذي ماتوا عليه، بعد أن طهروا في النار من معاصيهم وأرجاسهم التي ماتوا عليها ولم يتوبوا منها.

أهمية التناصح على تحقيق العبودية

أهمية التناصح على تحقيق العبودية فجدير بأهل الإيمان من الذكور والإناث، وحق عليهم أن يحذروا صفات العصاة، وأن يبادروا بالتوبة مما فرطوا فيه من المعاصي قبل هجوم الأجل، فإن هذه الدار دار العمل، دار المحاسبة للنفس والجهاد لها، ودار التناصح بين المسلمين، والتواصي بالحق، كما قال عز وجل {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] ، هؤلاء هم الرابحون، أهل الإيمان بالله ورسوله والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر هم الرابحون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) ، وقال جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل رضي الله عنه: [بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم] . فالواجب التناصح بين المسلمين من النساء والرجال، الواجب التناصح دائماً، كل واحد يقول: يا أخي! اتق الله، فعلت كذا وكذا يا أخي! راقب الله، والله إني أخاف عليك من كذا وكذا، والله إني أخاف عليك النار، أخاف عليك من غضب الله، وهكذا الأخت مع أخيها في الله، ومع أختها في الله، مع أبيها مع أمها مع بنتها مع خالتها، والرجل كذلك، يتناصحون، ويتواصون بالحق، فإن هذه الدار دار تناصح دار التواصي بالحق دار التعاون على البر والتقوى، كما قال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، وكل هذا عبادة من عبادات الله التي أمر بها في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] . فالتناصح والتواصي بالحق والتعاون على الخير كله من العبادات التي أمر الله بها عز وجل، وهي من وسائل السعادة، فالمؤمنون إخوة رجالهم ونساؤهم، حقٌ عليهم أن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق، وأن ينصح بعضهم بعضاً، وأن يعين بعضهم بعضاً على الخير، كما قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ، وعدهم الرحمة على أعمالهم الطيبة، على تناصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، وعدهم الرحمة، قال: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] بأعمالهم الطيبة، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] فالأعمال الطيبة هي سبب الرحمة، وهي سبب المغفرة، وهي المعول على عفو الله ورحمته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) ،فالأعمال أسباب لرحمة الله، والمعول على فضله ورحمته سبحانه وتعالى ومغفرته، فأنت تعمل وتجتهد وتسأل ربك القبول والمغفرة والرحمة، ويفسر سبحانه الرحمة في الآخرة بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72] ، هذا وعده للمؤمنين في الدنيا والآخرة، رحمة من الله في الدنيا بها يوفقهم للطاعة ويعينهم عليها، ورحمة في الآخرة بها دخول الجنة والنجاة من النار. فلا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة الغفلة عن أخيه، وتركه على المعصية وعدم نصحه، فالواجب التناصح، والتعاون، والتواصي بالحق، لا ترض أن يكون أخوك في النار وأنت تستطيع أن تنقذه بتوفيق الله بدعوتك ونصيحتك، لا تدعه للشيطان وأنت تستطيع أن تخلصه منه بالدعوة إلى الله، والتوجيه إلى الخير، والتحذير من أسباب الشر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه) ويقول عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، هكذا أنتم، هكذا المؤمنون والمؤمنات مثل الجسد، إذا صلح المجتمع واستقام صار كالجسد الواحد، إذا تألمت عينه تألم كله، وإذا تألم رأسه تألم كله، وإذا تألمت يده تألم كله، وهكذا المجتمع الإيماني إذا تألم أخوك فأنت متألم أيضاً؛ لأنك كالجزء منه، فإذا مرض كأنك المريض، وإذا افتقر كأنك الفقير، وإذا ظُلم كأنك المظلوم، تعينه على الخير، وإذا عصى تعينه على طاعة الله وترك المعصية، ترحمه لأنه أخوك. فالمسلمون فيما بينهم إخوة متراحمون، متناصحون، متواصون بالحق والصبر عليه، رجالهم ونساؤهم، عربهم وعجمهم، كلهم على هذا المنوال، كلهم يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، بنية صالحة رجاء ثواب الله ومغفرته، ورجاء أن ينفع الله بهذا العمل، وأن يهدي الله على يديك أخاك المسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لـ علي رضي الله عنه لما بعثه داعية إلى خيبر: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء) ، فالذي يدعو إلى الهدى له مثل أجور أتباعه، الذي يدعو إلى الصلاة له مثل أجور من صلى بسببه، أو إلى الصيام، أو إلى الحج، أو بر الوالدين، أو صلة الرحم، أو إكرام الضيف، أو صدق الحديث، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غير هذا، يكون له مثل أجور أتباعه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) . والعكس كذلك إذا دعاه إلى الزنا فزنا بسببه صار عليه مثل إثمه، نسأل الله العافية! وإذا دعاه إلى شرب مسكر يكون عليه مثل إثمه، وإذا دعاه إلى أن يعق والديه يكون عليه مثل إثمه، وإذا دعاه إلى الربا يكون عليه مثل إثمه وهكذا نسأل الله السلامة! من دعاه إلى البدعة في الدين يكون عليه مثل إثمه.

العناية بالكتاب والسنة

العناية بالكتاب والسنة فالواجب على أهل الإسلام رجالهم ونسائهم التفقه في الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) متفق على صحته. فالواجب التفقه في الدين، والتعلم والتبصر، والسؤال عما أشكل، والعناية بالقرآن الكريم، فهو أصل الدين وأصل الخير العناية بالقرآن والإكثار من تلاوته، والتدبر والتعقل، فهو الهادي إلى كل خير، وهذا في حق الرجال والنساء، أوصي الجميع بالعناية بالقرآن والإكثار من تلاوته، والتدبر لمعانيه، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت:44] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155] . أيها الإخوة والأخوات في الله: على الجميع العناية بهذا الكتاب العظيم، تلاوةً وتدبراً وتعقلاً، وإنصاتاً لتاليه، حتى تستفيد، وحتى تعلم مراد ربك من هذه الأوامر والنواهي، فتعمل بأوامر الله، وتنتهي عن نواهي الله، وتقف عند حدود الله، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، وهكذا السنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الوحي الثاني، وهي الأصل الثاني، وهي مفسرة لكتاب الله، ومبينة لأحكامه، فأوصي الجميع بالعناية بالسنة، بحفظ ما تيسر منها، وسؤال أهل العلم عما أشكل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] ، يحفظ ما تيسر من الأحاديث عمدة الأحكام وبلوغ المرام كتابان عظيمان نافعان، وهكذا ما تيسر مثل: الأربعين النووية، وتتمته للحافظ ابن رجب، فهي أحاديث مهمة من جوامع الكلم يحفظها ويستفيد منها، ويحفظ كتاب التوحيد وما فيه من الأحاديث، ويحفظ الثلاثة أصول، والعقيدة الواسطية، وكشف الشبهات للشيخ محمد رحمه الله، هذه الكتب وما أشبهها فيها الخير العظيم، وفوائد جمة في العقيدة وفي الحديث الشريف، وفيما يتعلق بكتاب الله عز وجل، كل هذه أسباب للعلم والفقه في الدين، ومن أسباب التعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الله على بصيرة. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يثبتنا وإياكم عليه، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، كما أسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين لكل ما فيه صلاح الأمة ونجاتها وسعادتها في الدنيا والآخرة، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة المسلمين في كل مكان، نسأل الله أن يوفقهم لتحكيم شريعته، والتحاكم إليها، وإلزام الشعوب بها، والثبات عليها حتى الموت، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يصلح جميع المسلمين في كل مكان، وأن يعينهم على كل خير، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، إنه جل وعلا سميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الأسئلة

الأسئلة

حكم إيداع النقود في البنوك الربوية بدون أخذ فوائد

حكم إيداع النقود في البنوك الربوية بدون أخذ فوائد Q فضيلة الشيخ! اختلفت الأقوال حول إيداع النقود في البنوك بدون أخذ فوائد خوفاً عليها من السرقة في البيت، أرجو توضيح القول الراجح في المسألة ولكم جزيل الشكر. A إيداع الأموال في البنوك للضرورة أمر جائز، وقد صدرت منا فتاوى في ذلك ومن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، وذلك للضرورة؛ لأن بعض الناس لا يأمن على أهل البيت، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس بإيداعها في البنوك من دون أخذ فائدة حتى يأخذها، وإذا تيسر إيداعها في مكان آخر أمين غير البنوك فهو الذي ينبغي له والأولى، وإذا لم يتيسر ذلك فلا حرج في إيداعها، وليس معناه المراباة فيها، وليس عليه إثم، فهو إنما أودعها لحفظها حذراً من الخطر عليها، أما من تعاطى الربا فيها فالإثم عليه.

توجيه إلى الأئمة الذين يتركون مساجدهم في رمضان لأجل العمرة

توجيه إلى الأئمة الذين يتركون مساجدهم في رمضان لأجل العمرة Q كثير من الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة في شهر رمضان المبارك، أو يسرع في قراءة القرآن ويختم قبل انتهاء الشهر، ويذهب قبل ليلة سبع وعشرين، فهل يجوز ذلك؟ A هذا فيه تفصيل الإمام الذي جماعته يرغبون في قراءته وهو يفيدهم بعلمه وفضله، وحسن تلاوته، فينبغي له ألا يهملهم، وإذا أراد العمرة ذهب لها يوماً أو يومين ورجع، حتى يجمع بين المصالح، ويصلي بهم ويذكرهم ويعلمهم، أما الإمام الذي قد يجد من هو أفضل منه، أو من يقوم مقامه ويكون مثله، فلا حرج، إذا وجد نائباً يقوم مقامه قد يكون مثله أو أفضل منه فلا بأس في ذلك، فليذهب وليستفد، وذلك إذا قام مقامه من هو أفضل منه في الوعظ والتذكير والصلاة والقراءة ونحو ذلك، فالمسألة مسألة ترجيح المصالح. فالإمام ينظر ويتأمل، فإن كان هناك من يقوم مقامه وقد يكون أفضل منه في العلم والعمل فلا بأس، وإذا كان يصلي بجماعته، وينفعهم ويعينهم على طاعة الله، ويذكرهم بالله، فهذا أفضل من ذهابه إلى هناك؛ لأن هذا نفعه متعدٍ، وذهابه إلى مكة لنفع نفسه، لكنه هنا في مسجده يدعو إلى الله، ويعلم ويرشد، ويعينهم على طاعة الله، هذه أنواع من النفع المتعدية، ولا مانع من العمرة، إن كان القصد العمرة، فبالإمكان أن يذهب يوماً أو يومين يأخذ العمرة ويرجع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (العمرة في رمضان تعدل حجة) ، وهذا الشهر الكريم شهر رمضان، شهر عظيم، تضاعف فيه الأعمال الصالحة، فينبغي للمؤمن أن يكون له الحظ من الاجتهاد في رمضان في أعمال الخير؛ لأنه شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتكفر فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة وأبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، فهو شهر عظيم ينبغي فيه المنافسة على الخيرات، والمسارعة في أنواع الطاعات في كل مكان، في بلده وغير بلده، فإذا تيسرت العمرة في رمضان، أو جلس هناك في رمضان في المسجد الحرام لمضاعفة الصلاة ومضاعفة الأعمال الصالحة، ولا يترتب على ذهابه إلى هناك تركه لما هو أهم فلا بأس، أما إذا كان يترك ما هو أهم في بلده، من صلاته بجماعته وتعليمه لهم، وإعانته إياهم، أو ما يتعلق به من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ونفع الناس، ويروح ويذهب هناك كواحد من الناس يصلي، فجلوسه في بلده لينفع النفع العام أولى من ذهابه إلى هناك ليصلي مع الناس في الحرم الشريف؛ لأن هذا النفع متعدٍ، والعمرة التي يريدها يمكن أن يأتي بها في وقت قصير في يوم أو يومين. والمقصود بمناسبة هذا الشهر الكريم وقربه، ينبغي للمؤمن أن يسأل الله عز وجل أن يبلغه إياه، وأن يبلغه صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، وينبغي لكل مؤمن ومؤمنة في هذا الشهر الكريم -إذا بلغنا الله وإياكم إياه- الاجتهاد فيه، وبذل الوسع في أنواع الخير وأنواع الطاعات؛ لأنه شهر عظيم، وهو سيد الشهور، ينبغي فيه الاستكثار من الحسنات، والأعمال الصالحات، والحذر من السيئات. ومزيداً على ما تقدم كل وقت ينبغي فيه الاستكثار من الحسنات، وينبغي فيه بل يجب فيه ترك السيئات، لكن في رمضان ينبغي للمؤمن أن يضاعف الجهود في طاعة الله، والاستكثار من الحسنات، وأن يحذر غاية الحذر من الإكثار من السيئات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

حكم دفع المرأة زكاة مالها لزوجها

حكم دفع المرأة زكاة مالها لزوجها Q هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاة مالها لزوجها إذا كان مستحقاً؟ A فيه خلاف بين أهل العلم، والصواب أنه لا بأس، إذا كان فقيراً وأعطته زكاة مالها فلا بأس على الصحيح.

حكم تشريح الموتى والتبرع بأعضائهم

حكم تشريح الموتى والتبرع بأعضائهم Q ما هو حكم تشريح الموتى والتبرع ببعض أعضائهم مثل الكليتين والقلب، كما هو معمول به في بعض المستشفيات، وقد وجدنا من يقول بتحريمه وعدم إباحته؟ A تشريح المسلم للعبث لا يجوز، تشريح جثته وهو ميت، بل يجب احترامه، وأن يكفن ويغسل ويصلى عليه ويدفن محترماً، أما الانتفاع بشيء من أجزائه بعد موته فهذا فيه خلاف بين العلماء؛ علماء العصر ومن قبلهم، منهم من أجاز أن ينتفع بشيء منه؛ لأنه يئول إلى التراب ويذهب إلى التراب إذا أوصى بذلك، كأن يوصي بكليته أو يوصي بشيء آخر من أجزاء بدنه، فذلك عند جمع من أهل العلم جائز، وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء بالأكثرية، ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة بالأكثرية، جواز ذلك لمصلحة المسلمين إذا أوصى بشيء لأخيه المسلم، من كلية أو غير ذلك لإتلاف ما به من المرض والخلل في كليته ونحوها، فإذا أوصى بذلك ولم يترتب على هذا فتنة بين الموصى له وبين الورثة، أجاز ذلك الأكثرون من علمائنا الموجودين؛ نظراً للمصلحة العامة، كما يتبرع في صحته بماله ويساعد إخوانه ببدنه، ويدافع عن إخوانه ببدنه وهو حي، فهكذا إذا تبرع لهم بشيء من جسمه الذي سوف يكون إلى التراب وسوف يذهب لينفع به بعض إخوانه. وقال آخرون من أهل العلم: لا يتصرف في جسده، ولا يتبرع منه بشيء؛ لأنه لا يملك جسده فلا يتصرف فيه، ولا يقطع منه شيئاً لا بإذنه ولا بغير إذنه، احتراماً له، والأفضل الأول، ومنهم الأكثر من أهل العلم الذين قد درسوا هذا الموضوع واعتنوا به، ورأوا أن من الصالح العام ومن الفوائد أن يتبرع لأخيه المحتاج إلى شيء من جسمه بعد وفاته، والله جل وعلا أعلم. السائل: وهل يجوز الأخذ من الكافر؟ الشيخ: من باب أولى.

حال حديث: (الدنيا ملعونة) ومعناه

حال حديث: (الدنيا ملعونة) ومعناه Q ما مدى صحة حديث: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه) ؟ وما معنى هذا الحديث؟ وهل اللعن شامل لكل ما في الدنيا من جماد وحيوان وخاصة المستخدم منها في معصية الله؟ A الحديث لا بأس به وإسناده جيد، ومعناه عند أهل العلم: (ملعونة) ، أي: مذمومة، كما قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:43-44] ، وسماها في موضع آخر: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء:60] ، بمعنى: مذمومة فالدنيا مذمومة ومذموم ما فيها، إلا ذكر الله، وتوحيده وطاعته سبحانه، وما والى ذلك من المؤمنين والأخيار المطيعين لله من أهل الإسلام، وعالماًَ ومتعلماً، فما كان لله وفي طاعة الله وفي الخير، وما كان يعين على طاعة الله؛ فليس بمذموم، وما كان في سبيل الكفر والضلال والإعانة على المعاصي فهذا هو المذموم، ولهذا قال: (إلا ذكر الله وما والاه) ، ما والاه من طاعة الله ورسوله، وما يعين العبد على طاعة الله ورسوله، هذا هو الذي ليس بمذموم، وأما ما أعان على طاعة الشيطان ومعصية الرحمن من مال أو غيره فهو المذموم، وهكذا الجاهل الذي يعين على معاصي الله، وهكذا كل شيء يستعان به على معاصي الله فهو مذموم، وإنما الممدوح المثني عليه ما أعان على طاعة الله، ونفع عباد الله من مال وغيره.

حكم تأخير الصلاة إلى بعد انتهاء وقتها تعمدا

حكم تأخير الصلاة إلى بعد انتهاء وقتها تعمداً Q هناك من المسلمين من يقوم بتوقيت الساعة على الساعة السابعة صباحاً، ما حكم هؤلاء حيث أنهم لا يصلون الفجر إلا بعد طلوع الشمس؟ A هذا منكر عظيم، وفساد كبير، وآفة عظمى، لا يجوز للمسلم أن يفعل ذلك؛ لأن معناه: العزم على تأخيرها عن وقتها، وهذا منكر لا يجوز، بل يجب ترك ذلك. ونصيحتي لمن فعل ذلك أن يوقت الساعة على الوقت عند آذان الفجر؛ حتى يصلي مع المسلمين، وحتى يؤدي حق ربه في وقته مع إخوانه المؤمنين، وهكذا المرأة يجب عليها أن تؤدي الصلاة في وقتها، ولا يجوز التأخير إلى بعد طلوع الشمس، ولا غيرها، كالظهر إلى وقت العصر، والعصر إلى وقت المغرب، أو إلى أن تصفر الشمس، كل هذا لا يجوز، وهكذا المغرب لا يجوز تأخيرها إلى أن يغيب الشفق، وهكذا العشاء لا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل، بل يجب أن تؤدى قبل نصف الليل. والمقصود أن الواجب أن تؤدى الصلوات في أوقاتها، ولا يجوز تأخيرها لا للرجل ولا للمرأة، وتأخيرها عن أوقاتها من أكبر الكبائر، وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، وأمر أن تؤدى الصلاة في وقتها، وقال: (إنه يأتي عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فمن أدرك ذلك فليصل الصلاة لوقتها، فإن أدركته الصلاة وهو معهم صلى معهم نافلة) . والمقصود أن الواجب على المؤمنين والمؤمنات أداء الصلوات في أوقاتها، والحذر غاية الحذر من تأخيرها عن أوقاتها، ومن فعل ذلك استحق أن يعزر ويؤدب من جهة ولاة الأمور، ومن جهة أهل الحسبة أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا ثبت أنه يؤخرها عن وقتها استحق أن يؤدب ويعاقب. السائل: ورد أنكم كفَّرتم من تعود على ذلك، فما صحة ذلك؟ الشيخ: من عزم على الترك يكفر على الصحيح من عزم على تركها وليس على تأخيرها، من عزم على تركها بالكلية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) فالذي يعزم على تركها، أو يتركها إلا يوم الجمعة، أو إلا في رمضان؛ فهذا كافر، على الصحيح من قولي العلماء. وقال آخرون من أهل العلم: إنه يكون كافراً كفراً أصغر لا كفراً أكبر إذا لم يجحد الوجوب، أما إذا جحد وجوبها كفر إجماعاً، لكن الصواب والأرجح من القولين: أنه متى تركها عامداً عازماً على تركها فإنه يكفر بذلك وإن لم يجحد وجوبها، ولو فعلها بعض الأحيان، أو فعلها يوم الجمعة، أو فعلها في رمضان، فلا يغنيه ذلك، نسأل الله السلامة والعافية!

حكم الأموال المكتسبة من الحرام

حكم الأموال المكتسبة من الحرام Q ما حكم دخل الذين يبيعون أشرطة الفيديو وأشرطة الأغاني؟ وما حكم دخل من يقوم بتأجيرهم المحلات لهم هداهم الله إلى الصواب؟ A بيع آلات الملاهي وما حرم الله أمر منكر، وثمنه حرام؛ لأنه ثمن لما حرم الله بيعه، وكذلك من يؤجر عليهم وهو يعرف أنهم يفعلون هذه الأشياء فلا يجوز أن يؤجر عليهم، كما لا يجوز أن يؤجر على من يستأجر لجمع البغايا والزناة أو شراب الخمر أو نحو ذلك؛ لأنه معين على معاصي الله، والله يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، فلا يجوز أن يؤجر محله لبيع خمر، أو لتصوير، أو لآلات الملاهي، أو لغيرها من معاصي الله؛ لأنه قد أعانهم على الإثم والعدوان، ومن كان يقبل هذا يأكل سحتاً وإثماً، نسأل الله العافية!

حكم رفع الصوت بالذكر عقب الصلوات

حكم رفع الصوت بالذكر عقب الصلوات Q هل رفع الصوت بالتسبيح بعد الفريضة سنة مثل مشروعية رفع الصوت بالتهليل؟ A الذكر بعد الصلاة يستحب رفع الصوت به، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم] ، وقال: [كنت أعلم أنه انصرف من الصلاة إذا سمعته] ، وقال: [ما كنا نعرف انتهاء صلاة رسول الله إلا بالتكبير] ، أي: إذا أتى الصبيان من عند الأبواب يسمعونهم فيعرفون أنهم قد انتهوا من الصلاة. فالسنة بعد الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، كل هذه يستحب رفع الصوت بها بعد الصلوات الخمس، ويزيد في الفجر تكرار عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، بعد الفجر وبعد المغرب بزيادة، ويكررها بعد السلام وبعد الانصراف إلى الناس إذا كان إماماً عشر مرات، بعد قوله: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، كل هذا مستحب، ويرفع الصوت به كما كان يرفع به في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولأن الناس يحتاجون إلى التنبيه والتعليم والتذكير، فإذا رفع الصوت بذلك ذكر الناس ونبه الجاهل، حتى يشتركوا في ذلك ويتعاونوا عليه. وبعض الناس يظن أن هذا غير مشروع لجهله؛ ولأنه عاش في بيئة لا ترفع، فيظن أنه غير مشروع، والسنة رفع الصوت بذلك، رفعاً متوسطاً ليس فيه إزعاج، بحيث يسمعه من حول الأبواب وحتى يعرفوا أنهم سلموا من الصلاة، هذا هو المشروع، لا يكون سراً بينه وبين نفسه. السائل: في جميع الأوقات؟ الشيخ: يكون في جميع الأوقات الخمسة، لكنه يزيد في الفجر والمغرب تكرار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، زيادة على ما هو معروف في الصلوات الأخرى: الظهر والعصر والعشاء، فإن السنة بعد السلام للإمام والمنفرد والمأموم أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، هذا مشروع للجميع، الرجال والنساء، والإمام والمنفرد والمأموم. ثم بعد ذلك ينصرف الإمام إلى الناس ويعطيهم وجهه، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وهكذا المأموم والمنفرد، يقول هذا الذكر بعد قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، قال ابن الزبير رضي الله عنه:) كان النبي عليه الصلاة والسلام يقولها إذا سلم) ، وهكذا قال المغيرة: (كان إذا سلم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ، والمراد فيما بعد قوله: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام. ولما اشتكى فقراء المهاجرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس عندهم صدقات يتصدقون بها كالأغنياء، وليس عندهم عبيد يعتقون كالأغنياء، قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتوا؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) ، وقال في حديث أبي هريرة: (يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، وفي الحديث: (من قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) ، وهذا وعد عظيم وفضل كبير، ينبغي المحافظة عليه رجاء هذا الوعد، ورجاء حصول المغفرة، مع الاستقامة على طاعة الله، ومع الحذر من معاصيه. السائل: اللهم أجرني من النار، هل العبارة صحيحة؟ الشيخ: هذه تقال في الفجر والمغرب، لكن الحديث في سنده ضعف، وإذا فعله الإنسان فهو حسن إن شاء الله؛ لأن سنده مقارب للحسن، وفيه لين، فإذا فعله الإنسان فلا حرج إن شاء الله.

حكم مشاهدة المصارعة

حكم مشاهدة المصارعة Q ما حكم مشاهدة المصارعة الحرة، مع أنها تظهر الرجال وهم مكشوفين العورة؟ A المصارعة فيها خطر، ولا سيما إذا كان معها ملاكمة، فالملاكمة منكرة؛ لأنها خطر على الناس، وإذا كانت مصارعة بدون ملاكمة فلا بأس به، لكن مع الرفق والبعد عن الخطر الذي يضر به أحدهما الآخر، أما إذا كان فيه بدو عورات فلا يجوز للمتصارعين ولا للمشاهدين، إذا كان مع بدو الأفخاذ أو العورة الشديدة القبيحة فهذا محرم، المقصود أن جنس المصارعة لا بأس بها على الطريقة التي ليس فيها خطر، فقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم يزيد بن ركانة فصرعه، وهذا الأمر معروف عند العرب، وفيها تمرن على القوة، لكن بشرط أن يكون ذلك على طريقة سليمة ليس فيها تعرض لأسباب الهلاك، ولا يكون فيها كشف للعورات، ومشاهدتها لا تجوز إذا كان فيها كشف للعورات، كالفخذ، أو السوأة العظمى، فلا يجوز ذلك. السائل: إذا كان الذين يفعلون المصارعة كفاراً؟ الشيخ: سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، إذا لم تكن فيها ظهور عورات فلا بأس بها والنظر إليها إذا لم تصد عن ذكر الله، ولم تشغل عن صلاة ولا عن واجب.

حكم الوضوء والغسل من تغسيل الميت

حكم الوضوء والغسل من تغسيل الميت Q توفي عندنا طفل صغير، وقامت والدتي بتغسيله وتكفينه، وعندما حضرت الصلاة توضأت للصلاة وصلت، وقيل لها بعد الصلاة: يلزمك أن تغتسلي ولا يكفيك الوضوء، فما قولكم؟ A الوضوء يكفي، والغسل مستحب وليس بواجب، الغسل لمن غسل ميتاً مستحب، والوضوء يكفي وليس بواجب على الصحيح إذا كان المغسل لم يمس عورة الميت، إنما يشرع الوضوء، وقال بعض أهل العلم بوجوبه، ولكن إذا كان المغسل ما مس العورة فليس هناك دليل على الوجوب، فإذا توضأ واغتسل كان ذلك أفضل؛ لأن عائشة رضي الله عنه قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من غسل الميت) ، وكان معروفاً بين الصحابة الغسل من غسل الميت. أما الوضوء فاختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: يجب، وقال بعضهم: لا يجب، والصواب: أنه يجب إذا كان المغسل مس عورة الميت، أما إذا ما مسها فلا يجب، لكن إذا توضأ احتياطاً وخروجاً من خلاف العلماء فإن ذلك يكون أحسن، وليس له أن يمس العورة، بل يغسلها من وراء حائل، المغسل يجعل على يديه خرقه يغسل بها العورة ولا يمسها.

حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين في الثلاثية والرباعية

حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين في الثلاثية والرباعية Q إذا أدركت مع الإمام في الصلاة الرباعية ركعتين، وبعد السلام قمت أكمل ما فاتني، فهل يشرع لي أن أقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من القرآن أم أكتفي بقراءة الفاتحة في الركعتين؟ A باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، أما بعد: فالصواب أنما يدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته، ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك، فإذا أدركت معه ثنتين فهاتان الثنتان اللتان أدركتهما هما أول صلاتك، تقرأ الفاتحة وما تيسر معها إذا أمكنك ذلك، وما تقضيه هو آخر صلاتك؛ لأن الصلاة لا تنعكس، فلا يكون آخرها أولها، فما أدركته فهو أولها، وما تقضيه فهو آخرها، وعلى هذا إذا كنت أدركت ركعتين في الرباعية أو الثلاثية فإنك تقرأ الفاتحة فقط دون الزيادة، هذا هو الأفضل، لكن في الظهر لو زدت شيئاً بعد الفاتحة فلا بأس؛ لأنه جاء في حديث أبي سعيد ما يدل على أن الرسول عليه السلام كان يزيد في الثالثة والرابعة في الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان. والمقصود أن ما أدركته هو أول صلاتك، وما تقضيه هو آخر صلاتك، والسنة في الأخيرتين الفاتحة فقط في العصر وفي العشاء وفي الظهر، وفي المغرب الركعة الأخيرة الفاتحة فقط، لكن لو قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان آيات أو بعض السور القصيرة في الثالثة والرابعة فلا بأس؛ لما جاء في حديث أبي سعيد ما يدل على أنه كان ربما فعله بعض الأحيان. أما أبو قتادة رضي الله عنه فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، كما رواه الشيخان من حديث أبي قتادة.

طلب نشر مجلة البحوث في الأسواق

طلب نشر مجلة البحوث في الأسواق Q لقد سررنا كثيراً بصدور مجلة البحوث، ولكننا تألمنا بما صدر أخيراً وهو ألا تباع إلا بالإفتاء، ولا يخفى على سماحتكم مدى المشقة التي تحصل بهذا؛ لأنه ليس كل الناس يستطيع الحضور للإفتاء، فنأمل من سماحتكم معالجة هذا الأمر. A هذا الأمر قد درسه المجلس الاستشاري، ورأى أن من المصلحة أن تباع عن طريق مكاتب الدعوة ومراكز الدعوة في الرياض وفي غيرها من البلدان، ومن أرادها وجدها عند المراكز، والذي يباع منها قليل، والباقي يوزع، لكن هذا الذي يباع قليل حتى يتمكن من أرادها من وجودها، وإلا فأكثرها يوزع مجاناً، وإنما بيع منها بعض الشيء بثمن يسير ليتيسر للراغبين فيها الحصول عليها ممن لا يجدها بالتبرع.

طلب بنشر تعليقات ابن باز على بلوغ المرام

طلب بنشر تعليقات ابن باز على بلوغ المرام Q سمعنا أن سماحتكم شرح بلوغ المرام، فهل ستسمحون يا سماحة الشيخ بنشر هذا الشرح وفقكم الله؟ A ليس لهذا أصل، لم أشرحه وإنما علقت على أحاديث ولا أزال الآن أتابع ذلك، لكن بعض الإخوان صور تقريري على البلوغ من أوله إلى آخره في الجامع الكبير، فاعتبر هذا شرحاً، ويمكن أنه تكلم بهذا عند بعض الناس، وأنا لم أشرحه، ولكن بعض الطلبة سجل التقرير من أول البلوغ إلى آخره في درس الإخوان في الجامع الكبير، وهو يحتاج إلى عناية، وقد قرأ علي بعضه وأصلحت بعضه، ولكنه حتى الآن لم يقرأ علي منه إلا القليل، ولعل الله يمن بمراجعة هذا التقرير حتى يتم تعديله وإصلاحه، وإزالة ما ينبغي إزالته أو زيادة بعض الأشياء التي تحسن زيادتها، ثم يكون بهذا شرحاً كاملاً، لكن مثلما تقدم أنه يحتاج إلى عناية، ولعل صاحبه يعرضه علي -إن شاء الله- بعد رمضان، وننظر في الموضوع من أوله إلى آخره.

حكم استعمال العادة السرية

حكم استعمال العادة السرية Q ما حكم استعمال العادة السرية؟ وهل هي من كبائر الذنوب مع الدليل، وأرجو أن تنصح من يعمل ذلك؟ A العادة السرية هي الاستمناء، ويسميها بعضهم: (جلد عميره) ، وهي: استخراج المني بيده أو بآلة أخرى، هذه العادة السرية وهي الاستمناء أو (جلد عميره) كلها أسماء لمسمى واحد، وهو إخراج المني عن طريق المعالجة، وهذه لا تجوز، ومنكرة، وفيها ضرر عظيم، قرر الأطباء أن فيها أضراراً كثيرة، مع أنها عادة مخالفة للشرع المطهر، ودليل ذلك قوله جل وعلا في وصف أهل الإيمان: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7] العادون: الظالمون، احتج بهذا جمع من المفسرين وأهل العلم على أن هذه العادة عدوان ولا تجوز؛ لأنها ليست مع الزوجة، ولا مع السرية -مع الأمة- بل هي عدوان زائد، وتصرف بهذا الماء يضر صاحبه وربما أفضى إلى ذهابه بالكلية ونقصه بالكلية، حتى لا يستطيع بعد ذلك الجماع، وحتى لا يحصل له نسل بعد ذلك، فهو من العادات القبيحة، وفيه من الأضرار ما لا يحصى بشهادة الأطباء العارفين بهذه العادة القبيحة. ونصيحتي لكل واحد من الشباب والشابات الحذر؛ لأن هذه العادة يتعاطاها النساء والرجال جميعاً، فيجب الحذر من هذه العادة القبيحة، ولا يجوز تعاطيها لا للرجال ولا للنساء، لا للشباب ولا للشيب، بل يجب تركها والحذر منها؛ لأنها مخالفة لنص كتاب الله؛ ولأنها تشتمل على أضرار كثيرة لا نحصيها الآن، وقد ألف بعض علماء المغرب في ذلك رسالة جيدة شرح فيها أضرار هذه العادة السرية، وهي رسالة مطبوعة موجودة، لعلها موجودة في المكتبات هنا في الرياض، فالمقصود أن أضرارها معروفة عند أهل العلم، وعند أهل الطب.

حكم بيع الدم

حكم بيع الدم Q ما حكم بيع الدم مع أن المستشفيات تبيعه؟ A بيع الدم لا يجوز، ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن ثمن الدم) ، فالدم لا يجوز بيعه؛ لأنه محرم، ولكن لا بأس بالإسعاف به، لا بأس أن يسعف الإنسان أخاه بالدم إذا اضطر إلى ذلك، يسعفه بواسطة الأطباء العارفين، فيأخذ من الصحيح دماً لا يضره لإسعاف المريض المحتاج إلى الدم، لكن بغير الثمن، لكن لو اضطر المسعف لشرائه جاز له وحرم على البائع الثمن، ولو اضطر المريض إلى الإسعاف، ولكنه لم يحصل عليه إلا بثمن جاز له بذل الثمن وحرم على الآخذ البائع الثمن؛ لأنه بيع دم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم. السائل: وما حكم عقد الجوائز على التبرع بالدم؟ الشيخ: هذا أسهل من المبايعة، الهدية التي تهدى إليه أو الجائزة التي تهدى إليه من غير مشارطة بالهدية أمرها أسهل، أجازها جمع من أهل العلم؛ لأنها ليست مشارطة ولا مبايعة، إنما هي هدية، كما يُهدى لصاحب التيس أو الجمل أو الحصان الذي يضرب به ما عنده من الإناث، فإذا أهدى إليه شعيراً أو أهدى إليه قتاً أو شيئاً للدابة هذه من دون أن يشارطه على شيء؛ لأنه لا يجوز بيع عسب الفحل، ولا يجوز بيع غراب الفحل، لكنه لو أهدى إليه شيئاً لتيسه أو حصانه أو ثوره أو جمله، فلا بأس من باب الهدية لا من باب المشارطة.

حكم المسابقات

حكم المسابقات Q ما حكم الاشتراك في المسابقات مثل أسواق العزيزية وألبان المراعي، مع العلم بأن أسئلة أسواق العزيزية تضعها جامعة الإمام؟ A المسابقات فيها تفصيل إذا كانت على وجه الغرر والقمار فلا تجوز، كالذين يعدّون جوائز بالرقم، فمن وافق الرقم يأتي بالجائزة، ويسلم خمسين ريالاً أو مائة ريال أو أكثر يساهم بها، فإذا وجد الرقم في البطاقات التي يحصلها ويشتريها حصل على الجائزة، هذا فيه قمار، وفيه إضاعة للأموال، وفيه غرر، فلا يجوز، وقد صدر منا ومن اللجنة الدائمة فتاوى بذلك، وكتبنا كتابات كثيرة في المنع من هذا. أما جائزة معلومة، من فعل كذا وكذا، من حفظ كذا وكذا فيعطى كذا، من أدرك الجواب الصحيح في حكم كذا وكذا، حتى يفتش وحتى ينظر في الكتب ويستفيد، فهذه ليس فيها غرر، متى أدرك الوصف حصلت له الجائزة.

حكم الجمعيات المنتشرة بين الموظفين

حكم الجمعيات المنتشرة بين الموظفين Q ما رأي فضيلتك في الجمعيات التي انتشرت بين الموظفين، كل شخص يدفع مبلغ ألف ريال وكل شهر يستلمها شخص؟ A هذه جمعية القروض، هذه مسألة معناها الاشتراك في القروض، هذا يقرض وهذا يقرض، يجتمعون وهم عشرة كل واحد منهم يسلم من معاشه ألفين كل شهر، فتكون عشرون ألفاً لكل واحد منهم كل شهر يستفيدون منها، وهذه مسألة اختلف إخواننا العلماء في جوازها وعدم جوازها، وقد عرضت على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الأخيرة التي انتهت في هذه الأيام القريبة، واشتبه أمرها، وحصل فيها بعض التداول للرأي، وأجِّلت إلى ما بعد رمضان إلى دورة آتية بعد رمضان للبت فيها، والأحوط للمؤمن تركها؛ لأنها قرض في قرض، عقد في عقد، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض يشترط فيه فائدة لا يجوز، وأنت حين أقرضت أخاك لم تقرضه إلا بشرط أنه يقرضك، وهكذا كلهم مجتمعون على أن هذا يقرض وهذا يقرض وهذا يقرض، حتى ينتهي العدد، فهي قروض مشروطة، فتركها هو الأحوط وهو الذي ينبغي؛ حذراً من الوقوع فيما حرم الله من العقود الربوية التي جاء المنع فيها، وهو ما أقرضه لله وإنما أقرضه ليقرضه.

حكم من جامع امرأته في نهار رمضان

حكم من جامع امرأته في نهار رمضان Q جامع زوجته في يوم من أيام رمضان بجهالة وبرضاهم الاثنين -أي: الزوج والزوجة- على أنه ليس بالمعصية الكبيرة، ونريد أن تعلمنا ما هو السبيل للتكفير عن ذنوبهما؟ A الجماع في رمضان من الكبائر، ولا يجوز للرجل ولا للمرأة، وإذا أرادها يجب عليها الامتناع، ولو بدفعه بالقوة، ولا يجوز لها أن ترضى بذلك ولا أن تعين على ذلك، وإذا وقع وجبت التوبة والكفارة معاً والقضاء، إذا وقع هذا الجماع وجبت أمور ثلاثة: الأمر الأول: قضاء اليوم الذي وقع فيه الجماع مع الإمساك، فعليهما الإمساك فيه وإتمام الصوم مع القضاء. الأمر الثاني: التوبة إلى الله من ذلك والندم والإقلاع، وعدم العودة إلى ذلك؛ لأنه جريمة وكبيرة، والله حرم على المسلمين الجماع في نهار الصيام، وإنما أحل لهم الجماع في الليل. الأمر الثالث: الكفارة، وقد ثبت أن رجلاً قال: (يا رسول الله! هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: أتجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا ... ) ، رجل فقير، فبين عليه الصلاة والسلام أن الواجب عليه العتق أولاً إن قدر، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ستين يوماً، فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، مقداره كيلو ونصف تقريباً، هذه هي الكفارة في الجماع في رمضان، وفي الظهار إذا حرم زوجته، الكفارة واحدة مرتبة، العتق، ثم الصيام، ثم الإطعام حسب الطاقة. والمرأة كذلك، فالقاعدة: أن الأحكام الثابتة في حق الرجال تثبت في حق النساء، وهكذا العكس؛ ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال، إذا ما قام عليه الدليل بأنه خاص بهذا أو بهذا، وإلا فالأصل أنهما سواء في الأحكام؛ لأنهما مكلفان، فهما سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل. ولو كان عليها أو عليه أيام من رمضان وحصل الجماع في أيام القضاء في شوال أو في أشهر أخرى، فيجب قضاء اليوم الذي فسد بالجماع، وعليهما التوبة، ولكن لا يجب فيه كفارة، إنما الكفارة على الصحيح إذا وقع الجماع في نفس رمضان في زمانه؛ لهتك الحرمة، أما في القضاء فلا تجب الكفارة، لكن يجب القضاء؛ لكونه أفسد الصوم، مع التوبة إلى الله من ذلك.

زكاة حلي النساء

زكاة حلي النساء Q هل الذهب الملبوس للنساء عليه زكاة؟ وكيف يتم ذلك إن كان عليه زكاة؟ A الحُلي من الذهب والفضة للنساء فيه خلاف بين العلماء، منهم من رأى فيه الزكاة، ومنهم من رأى فيه عدم الزكاة، وأنه كالملابس، والفرش، والحيوانات العاملة، والأرجح من حيث الدليل أن فيه زكاة، لذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن فيه زكاة إذا بلغ النصاب، وهو إحدى عشرة جنيه ونصف، فإذا بلغت الحلي هذا النصاب من الذهب وجبت الزكاة فيه وهي ربع العشر، من كل ألف خمسة وعشرون، ومن الألفين خمسون وهكذا إذا بلغ النصاب وحال الحول، كلما حال الحول عليها هي وليس على زوجها، إلا إذا تبرع زوجها بذلك أو أبوها أو أخوها تبرع لها بذلك ووافقت وسمحت، فلا بأس أن ينوبوا عنها في ذلك برضاها. ومن الأدلة على ذلك: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من النار فيكوى به جبينه وجنبه وظهره) ، وحديث عبد الله بن عمرو: (أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد على ابنتها مسكتين من ذهب -أي: سوارين من ذهب- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله) ، وحديث أم سلمة: (أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله! أكنز هذا؟ فقال: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز) ، ولم يقل لها: لا زكاة فيه، وأما حديث: (ليس في الحلي زكاة) ، فهو حديث ضعيف لا يعول عليه. وأما غير الذهب والفضة كالماس والجواهر الأخرى فليس فيها زكاة، إذا كانت للبس فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت للتجارة فهي تزكى زكاة التجارة، أما اللبس من الماس وأشباهها من الجواهر الكريمة التي يلبسها النساء فليس فيها زكاة؛ لأنها ليست للبيع، وإنما هي للبس فلا زكاة فيها، بخلاف الذهب والفضة فإنهما معدنان فيهما الزكاة بالنص.

حكم استعمال حبوب منع الحمل في رمضان وحكم رفع المرأة صوتها على زوجها

حكم استعمال حبوب منع الحمل في رمضان وحكم رفع المرأة صوتها على زوجها Q هل يجوز شرب حبوب منع الحمل في رمضان؟ وما حكم رفع صوت المرأة على زوجها؟ A لا حرج في استعمال، الحبوب في رمضان لأجل الصوم مع الناس والصلاة مع الناس، إذا كانت لا تضرها بعد استشارة الطبيب، فإذا أشار الطبيب بأنها لا تضر، وعرف عنها أنها لا تضر، فلا بأس، حتى تصوم مع الناس، وحتى تصلي مع الناس، فلا حرج في ذلك إن شاء الله. أما رفع صوتها على زوجها، وسوء أدبها مع زوجها فهذا لا يجوز، والواجب عليها السمع والطاعة لزوجها، وحسن الكلام وطيب الكلام منه ومنها، عليه أن يطيب الكلام هو وعليها أن تطيب الكلام، كل منهما عليه ذلك، يقول الله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ، ويقول سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] ، فعلى الزوج أن يخاطبها بالمعروف، وأن يكون طيب الكلام، حسن البشر، لا فظاً ولا غليظاً، ولا عنيفاً، ولا خبيث الكلام واللعن، ولكن يكون طيب الكلام، طيب البشر، طيب الملاقاة، حسن الخلق مع أهله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لنسائهم، وأكملكم إيماناً أحسنكم خلقاً) ، وعليها هي أيضاً حسن الخلق، والكلام الطيب، وحسن الأدب مع زوجها، والتواضع، وعدم التكبر عليه، وعدم العصيان، وإذا طلبها لحاجته أجابت إلى ذلك في الليل أو النهار، وإذا طلبها إلى فراشه وجب عليها الإجابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح) ، وفي اللفظ الآخر: (حتى يرضى عنها) ، فالواجب عليها السمع والطاعة والاستجابة، إلا إذا عجزت لضرر بها أو لمرض بها فالله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، أما أن تعصيه في ذلك من دون عذر فلا يجوز لها لا في الليل ولا في النهار؛ لأنها سكن له، ومن أسباب عفته، وهو من أسباب عفتها أيضاً، فعليهما التعاون فيما يعفهما جميعاً، وفيما يطيب عيشهما، وفيما يريحهما جميعاً، وعليه أن ينصفها من نفسه، وعليها أن تنصفه، كل منهما عليه أن ينصف أخاه في الله عز وجل، بالتعاون على الخير، والكلام الطيب، وحسن الكلام، وعدم السب والعنف، وعدم اللعن لا منه ولا منها، كل منهما يتحرى الخير، ويحرص أن يكون خيراً من الآخر في عشرته وفي أخلاقه وفي جميع شئونه، والله المستعان.

نصائح في طريق الاستقامة والهداية بعد الانتكاسة

نصائح في طريق الاستقامة والهداية بعد الانتكاسة Q أنا شاب كنت مستقيماً وانحرفت عن الطريق المستقيم بسبب أصدقاء السوء، والحمد لله عدت مرة أخرى إلى الطريق المستقيم، وإلى كتاب الله وسنة نبيه، فبماذا تنصحني يا فضيلة الشيخ؟! A أنصحك أولاً: أن تحمد الله على أن هداك ورجعت إلى الصواب، تحمد الله وتثني عليه، وتسأله الثبات على الحق في صلاتك في سجودك في آخر التحيات في آخر الليل بين الأذان والإقامة، في كل وقت تسأل ربك أن يثبتك على الحق، وأن يعيذك من جلساء السوء. وأوصيك ثانياً: بالتفقه في الدين, وطلب العلم، والإكثار من قراءة القرآن، وحفظ ما تيسر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: كتاب التوحيد، وبلوغ المرام، والعقيدة الواسطية، وعمدة الأحكام، والأربعين النووية، وما أشبه ذلك مما ينفعك. وأوصيك ثالثاً: بصحبة الأخيار، والحذر من صحبه الأشرار، عليك بصحبه الأخيار دائماً، والبعد عن الأشرار الذين يجرونك إلى الباطل، فالجلساء لهم خطر عظيم إذا كانوا أشراراً، فيجب الحذر منهم، وعليك بالحرص على التماس الأخيار، فإن لم تجد أصحاباً أخياراً فالزم بيتك، من المسجد إلى بيتك، أو إلى حاجتك في السوق، واحذر صحبة الأشرار، واجلس في بيتك إلا وقت الصلوات ووقت الخروج للحاجات. وعليك أن تتفقه في الدين، وأن تجتهد في التفقه في الدين؛ حتى تكون على بصيرة، مع الدعوة إلى الله، والنصح لعباد الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب علمك وحسب بصيرتك، وسؤال الله الثبات على الحق دائماً دائماً.

حكم من قال لزوجته: أنت حرام علي إذا فعلت كذا ففعلته ناسية

حكم من قال لزوجته: أنت حرام علي إذا فعلت كذا ففعلته ناسية Q سائلة تسأل وتقول: قال لي زوجي في حالة عصبية شديدة: إذا كلمتيني خلال ساعتين فسوف تحرمين علي شهر رمضان كله، وكلمته ناسية، فما الحكم جزاكم الله خيراً؟ A إذا قال: إذا كلمتيني خلال كذا وكذا، ساعة أو ساعتين أو اليوم أو هذه الليلة فأنت حرام علي، وكلمتيه ناسية فلا شيء عليكِ، فالله يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، فلا شيء عليك ولا تقع يمينه، هذا التحريم لا يقع، وهكذا إذا كان قصده منعك وليس قصده تحريمك، وإنما قصده منعك من الكلام فقط، وليس قصده التحريم لو فعلت، أو قال: إذا خرجت من البيت فأنت حرام، أو إذا زرت آل فلان فأنت حرام، وقصده منعك وليس قصده تحريمك، فهذا كله فيه كفارة اليمين ولا يقع به التحريم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، فإذا قال: إن خرجت فأنتِ حرام أو أنتِ طالق، أو كلمت فلاناً فأنت طالق أو أنت حرام، أو إن زرت آل فلان فأنت طالق أو حرام، والمقصود منعك وليس قصده تحريمك ولا طلاقك، إنما قصده أن يمنعك من هذا الشيء، فهذا له نيته والله أعلم بنيته، وعليه كفارة اليمين، إذا فعلتِ ما قال لك وخالفتيه ولا يقع شيء من التحريم، ولا يقع شيء من الطلاق في أصح قولي العلماء رحمهم الله.

نصائح للشاب المراهق الذي لا يستطيع الزواج ولا الصوم

نصائح للشاب المراهق الذي لا يستطيع الزواج ولا الصوم Q شاب في سن المراهقة، فماذا أفعل علماً أني لا أستطيع أن أتزوج، ولا أستطيع الصوم؟ A عليك أن تجتهد في طلب العلم، وصحبة الأخيار، والحرص في حفظ نفسك عن صحبة الأشرار، وعن الذهاب إلى مواضع النساء، أو مواضع الخمور، أو مواضع الفساد، لا تذهب إليها لا وحدك ولا مع الفساق، ابتعد عن مواضع الشر، ومواضع الفسوق، وأصحاب السوء، والزم بيتك ومدرستك، واجتهد في طاعة الله، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، واسأل ربك العافية، وتسلم إن شاء الله. وعليك أن تحرص على الزواج مهما استطعت أنت وأولياؤك، يساعدونك حتى تتزوج، ولو بالاستدانة والله يقضي عنك، ويوفي عنك سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه) ، ويقول: (ثلاثة حق على الله عونهم. وذكر منهم: المتزوج يريد العفاف) ، فبادر بالزواج وأبشر بالخير، واستعن بالله ثم بأهلك من أبيك أو أخيك ولو بالقرض حتى يوفي الله عنك، تتسبب في البيع والشراء، أو تعمل، أو تتوظف ويوفي الله عنك إن شاء الله. السائل: نرجو نصيحة في عدم المغالاة في المهور. الشيخ: ننصح جميع ولاة أمور النساء، وننصح النساء أيضاً ألا يغالوا في المهور، لا الرجل ولا المرأة، لا وليها ولا هي، نوصي الجميع بالتسامح في المهور وفي الولائم حتى يتيسر الزواج، نوصي الجميع بتخفيف المهور وعدم التكلف في ذلك، وتخفيف الولائم، يكفي الوليمة القليلة الشاة والشاتان ويدعو الأقربين ويكفي، إعلان النكاح وإظهاره مطلوب وهو من السنة، ولكن لا ينبغي التكلف الذي يشق على الزوج ويحرجه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) . السائل: التكلف من الأمهات. الشيخ: كله من الرجل والمرأة، على الأم وعلى الخالة والأخت أن يساعدوا على التخفيف والتسهيل في الزواج، وعلى ولي الأمر أيضاً أن يتعاون مع أهل بيته، ولا يطيع امرأته في المغالاة ولا في الولائم، مهما تيسر له ذلك، ونسأل الله لنا ولهم التوفيق.

حكم أخذ الأجرة على إمامة المصلين في رمضان

حكم أخذ الأجرة على إمامة المصلين في رمضان Q هل من أخذ أجرة على إمامة المصلين في رمضان إثم في ذلك؟ وهل ينقص أخذ الأجرة من أجر الإمام؟ A المشارطة لا تجوز، المشارطة على ذلك لا تنبغي، أما إذا صلى بهم وأهدوا إليه شيئاً أو أعطته الأوقاف شيئاً فلا بأس، أما أن يقول: لا أصلي بكم إلا بكذا وكذا، فهذا لا ينبغي، لا ينبغي للمؤمن أن يفعل ذلك، ولكن يحتسب ويصلي بهم، فإن أهدوا إليه شيئاً قبله.

حكم منع الرجل زوجته من مشاهدة التلفاز

حكم منع الرجل زوجته من مشاهدة التلفاز Q سائلة تقول: لدي زوج مستقيم يمنعنا من رؤية التلفاز وغيره من المحاضرات، وهو يرى الفيديو الذي لا يوجد فيه نساء، وكذلك يمنعنا من الذهاب إلى الحدائق. A زوجك مأجور، والأصل أنه صالح، وهو يخاف عليكن من الشر، فهو مشكور على اجتهاده وعلى قصده الصالح، ولكن لا مانع إذا أحضر عندكن أشرطة مفيدة، أو مسجلات مفيدة تنفعكن بدلاً من رؤية التلفاز وما فيه من الشر، وإذا كان عندكن وفتحه ولا شيء ينفعكن وينفعه ثم أغلقه عما يضر فلا بأس بذلك، المقصود أنه يتحرى الشيء الذي ينفعكن ولا يضركن ولا يضره، أو يأتي إليكن بشيء ينفعكن من تسجيلات مفيدة، وأشرطة مفيدة تنفع، وهكذا ينبغي سماع إذاعة القرآن، لأنها مفيدة، ونور على الدرب برنامج مفيد، أرى أن المرأة والرجل يسمعوا ذلك، ولا ينبغي للزوج أن يمنع امرأته من سماع إذاعة القرآن، أو برنامج نور على الدرب، أو المحاضرات المفيدة التي تنفعهن، هذا شيء مطلوب، ينبغي أن يعين على ذلك، ولكن يمنعهن مما يضرهن من سماع الأغاني والملاهي والمسلسلات الخبيثة التي تضرهن وتضر غيرهن، نسأل الله العافية والسلامة.

حكم النكت وحكم سماعها

حكم النكت وحكم سماعها Q ما حكم النكت وحكم سماعها، نرجو التفصيل في هذا الأمر ليتضح لدينا حُكمه، وما حكمها إذا كانت النكتة عامة لا تختص بشعب ولا بفرد ولا بقبيلة؟ A النكت فيها تفصيل إن كانت على سبيل الكذب فلا تجوز، أما إذا كان يحكي أشياء واقعية، أو يصور أشياء لو وقعت كيف الحكم، لو وقع كذا أو صار كذا كيف الحكم، أو يحكي حكايات فيها فائدة للناس وليس من أجل الضحك إنما للفائدة والنصيحة فلا بأس، أما النكت التي مضمونها كذب واختراع أشياء لم تقع كأنها واقعة، فهذا لا أراه جائزاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له) ويقول: (أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ، هذه ثلاثة أشياء أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح جيد لا بأس به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة -أي: ظاهرها وما حولها- لمن ترك المراء وإن كان محقاً -الجدال والمخاصمة الشديدة؛ لأنها قد تفضي إلى العداوة والشحناء والباطل- وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ، حسن الخلق له شأن عظيم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له) .

كيفية التخلص من الأموال المحرمة

كيفية التخلص من الأموال المحرمة Q شخص ساهم في شركة، ثم تبين له بعد ذلك أن تعاملها محرم، فهل يجوز له أن يبيع الأسهم بأسعارها اليوم وهي أكثر مما اشتراها به؟ A يأخذ الأسهم ويبيعها ويتصدق بالزائد إذا كانت الشركة تتعامل بالربا فتيصدق بالزائد، ويأخذ سهمه، وإذا أخذ سهمه كله فهو إنما باع نصيبه وما باع الربا، فلا حرج عليه، لكنه لا يأخذ الأرباح التي جاءت إليه من الربا، فإن دخلت عليه تصدق بها إذا علم أنها ربا، فإذا كان دخل عليه -مثلاً- عشرة آلاف يعرف أن منها ألفاً أو ألفين من الربا، فعليه أن يتصدق بالزائد إذا عرف أنه من الربا.

حكم غسل المرأة إذا جامعها زوجها من غير إيلاج

حكم غسل المرأة إذا جامعها زوجها من غير إيلاج Q إذا جامع الرجل زوجته من غير إيلاج مع حدوث الإنزال، فهل يجب الغسل على المرأة في هذه الحالة؟ A إذا جامع الرجل زوجته وأولج الذكر في فرجها وجب عليه الغسل وصار في حكم الجنب، وهي كذلك عليها الغسل، وهكذا لو فعل ذلك زناً وجب عليه حد الزنا -نسأل الله العافية- مع الغسل، وإذا أنزل وجب عليه الغسل أيضاً وإن لم يولج، إذا لامسها أو دنا منها أو قبلها فأنزل وجب عليه الغسل إذا أنزل المني وإن لم يجامع. أما هي ففيها تفصيل: إن أنزلت مثله فعليها الغسل، وإن لم تنزل فلا غسل عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) ، أي: ماء الغسل من ماء المني، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل) ، وفي لفظ: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) ، أي: إذا مس ختانه ختانها، إذا أولج الحشفة، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) ، أي: وإن لم ينزل المني، فالمجامع تارة ينزل وتارة لا ينزل، وعليه الغسل مطلقاً أنزل أم لم ينزل، إن أنزل وجب الغسل بالأمرين: بالجماع وبالإنزال، صار واجباً بالأمرين، وإن لم ينزل وجب بالإيلاج، وإن أنزل ولم يولج وجب الغسل بالإنزال، فالغسل يجب عليه بالإنزال والإيلاج، وبالإنزال وحده، وبالإيلاج وحده، كلها موجبة للغسل.

حكم أخذ المرأة من شعرها

حكم أخذ المرأة من شعرها Q ما حكم قص قليل من شعر الفتاة من غير قصد التشبه بالرجال؟ A تخفيف شعر الرأس إذا كان ليس لقصد التشبة بالكافرات ولا بالرجال لتخفيف الشعر فلا بأس به، وتركه أولى؛ لأنه جمال، وإن كان لها زوج فلا تقصه حتى تستشيره، وقد ثبت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي صلى الله عليه وسلم قصصن من شعورهن للتخفيف، وتعب المئونة في مشطه ونقضه وفتله ونحو ذلك، فإذا قصته للزينة أو لتخفيف التعب بإذن زوجها إن كان لها زوج فلا بأس، أما للتشبه بالكافرات أو لقصد التشبه بالرجال فلا.

المشروع في كفارة قتل الخطأ

المشروع في كفارة قتل الخطأ Q صدمت طفلة صغيرة قبل سنتين، وقد توفيت مباشرة، وقد تنازل أهلها عن الدية، ولم أستطع الصيام مدة شهرين متتالين، ماذا أعمل جزاكم الله خيراً؟ A عليك العتق، يوجد في بعض أفريقيا عبيد يباعون، فإن كان لك قدرة تكتب إلينا وتخبر مندوبنا هناك أن يشتري لك في حدود عشرة آلاف وما حولها، وإذا كنت لا تستطيع تصوم شهرين متتابعين، فإن عجزت يبقى ديناً في ذمتك حتى تستطيع العتق أو الصيام، ولو بعد مدة، عليك بتقوى الله ما استطعت، بادر بالصيام أو بالعتق، وما دمت عاجزاً فهو دين في ذمتك، وليس في ذلك إطعام، ليس في القتل إطعام.

حكم الزواج من غير المسلمات

حكم الزواج من غير المسلمات Q ما حكم الزواج من غير المسلمات؟ A الزواج بغير المسلمات فيه تفصيل الوثنيات والشيوعيات لا يجوز، وهكذا البوذيات لا يجوز، أما بالكتابيات المحصنات المعروفات بالإحصان والعفة والبعد عن وسائل الزنا، وهن محصنات، فيجوز للمسلم نكاح المحصنة، لكن ترك ذلك أفضل وأولى وأبعد عن الشر؛ لأن زواجها قد يفضي به إلى التنصر، وقد يفضي بأولادها إلى التنصُر، ولهذا كره ذلك عمر وجماعة خوفاً على الإنسان من شر ذلك، وإلا فالأصل أنه حلال، كما قال جل وعلا في كتابه الكريم في سورة المائدة: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة:5] ، فأباح المحصنات من أهل الكتاب، والمحصنة هي الحرة العفيفة المعروفة بالعفة، فمتى يعرف هذا منها؟! متى يعرف أنها عفيفة في أمريكا أو في إنجلترا أو في أي مكان؟! هذا خطر عظيم. النصيحة ألا يتزوجها، لكن لو وجدت امرأة عفيفة مشهود لها بالعفة جاز، لكن ترك ذلك أفضل؛ لأنه وسيلة إلى أن يتنصر بحبه لها، أو يتنصر أولاده بعده في حياته أو بعد وفاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

الإمام ابن باز

الإمام ابن باز لقد فاضت روح سماحة الإمام ابن باز إلى بارئها مودعاً الدنيا؛ بعد أن عاش فترة من الزمن عالماً عاملاً صادقاً مجاهداً، ومفتياً حليماً متواضعاً ورعاً زاهداً، امتدحه الشعراء، وسالت بالثناء عليه أقلام الكتاب، والدعاة والعلماء. لقد مات الذي أحبه الصغير قبل الكبير، بعد أن وهبه الله القبول في الأرض، حتى أحبه القاصي والداني المرأة والرجل العزيز والوضيع، فهو حقاً فرد زمانه، ووحيد عصره وأوانه، إمام في كل شيء، أمة في رجل.

فاجعة موت الإمام ابن باز

فاجعة موت الإمام ابن باز الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه. في يوم الخميس السابع والعشرين من شهر المحرم من عام عشرين وأربعمائة وألف فزعت الأمة الإسلامية بفقد شيخ الإسلام إمام أهل السنة والجماعة العلامة الفقيه الحجة عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء حتى وفاته. كانت وفاة الشيخ الجليل خطباً عظيماً ومصاباً جللاً، فقد توقفت الكلمات، وتحدثت العبرات، وأخبرت الدموع بهول الفاجعة وعِظم المصيبة، لقد انهد جبل من الدين، وحدثت ثلمة عظيمة، نسأل الله أن يجبر مصاب الأمة فيها ويعوضها خيراً، وليس لنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون! ولد الشيخ الفقيد في أسرة علم وفضل عام (1330هـ) وحفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ودرس علوم الشريعة وتمكن منها، فقد بصره عام (1350هـ) وقد منحه الله بصيرة نافذة وحباً للعلم ومجالسة العلماء، ولازم عدداً منهم على رأسهم سماحة الشيخ العلامة مفتي الديار السعودية في زمانه/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لمدة عشر سنوات، وفي عام (1357هـ) تولى القضاء في الدلم وقضى فيها أكثر من أربعة عشر عاماً، ولدى افتتاح المعهد العلمي بـ الرياض درَّس فيه سنة واحدة، ثم درَّس في كلية الشريعة منذ إنشائها عام (1373هـ) حتى عام (1381هـ) حيث أصبح نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بـ المدينة النبوية، ثم رئيساً لها منذ عام (1390هـ) حتى عام (1395هـ) وبعد ذلك عاد إلى الرياض بعد أن صدر الأمر الملكي بتعيينه في منصب الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ثم صدر الأمر الملكي بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية عام (1414هـ) . لقد ترك فقد سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز رحمه الله فراغاً كبيراً وأثّر تأثيراً عظيماً على أحبابه وطلابه وأعيان الناس وعامتهم، صلى عليه مئات الألوف من المصلين حاضراً في المسجد الحرام يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر المحرم وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله وأعز بهم الملة وزادهم شرفاً وتوفيقاً، ومعهم عدد كبير من الأمراء والعلماء والأعيان وعموم المسلمين، وصلى عليه المصلون صلاة الغائب في جميع جوامع المملكة العربية السعودية وعدد كبير من المساجد داخل العالم الإسلامي وخارجه. لقد كان الشيخ العلامة الفقيه صاحب منهج سديد وعقل رشيد، ولسان عفيف، وقلب سليم من الأحقاد والأطماع الزائفة، ولا نزكيه على الله، ولكن هكذا نحسبه يرحمه الله رحمة واسعة، لقد قضى ما يقرب من تسعين عاماً في التعليم والتعلم والدعوة والجهاد والنصح والتوجيه وخدمة المسلمين وقضاء حوائجهم وتبيين الحق لهم. رحم الله فقيد الأمة الإسلامية، ورفع درجته في المهديين، وأسكنه الفردوس الأعلى إنه سميع مجيب. ويسرنا أن تكون حلقتنا لهذا اليوم من برنامج دين ودنيا مخصصة بالحديث عن سماحته رحمه الله، ويسرنا أن يكون معنا في هذه الحلقة معالي الشيخ الدكتور/ عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ثم نتحدث بعد ذلك مع ضيفين كريمين آخرين سيأتيان إلى الإستديو بإذن الله جل وعلا. نبدأ بحديثنا مع فضيلة الشيخ عبد الله التركي، ونشكر لكم تفضلكم في المجيء هذا اليوم للحديث عن سماحة الفقيد رحمه الله. لعلنا نبدأ -فضيلة الشيخ- بالحديث عن ذكرياتكم الخاصة مع سماحة فقيد الأمة الإسلامية رحمه الله!

سجل الذكريات بين الإمام ابن باز والشيخ التركي

سجل الذكريات بين الإمام ابن باز والشيخ التركي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الحديث عن سماحة والدنا وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله وأسكنه فسيح جنته، يعود بالإنسان إلى مجالات عديدة، وإلى موضوعات متنوعة، والذكريات طويلة وعريضة، لقد كان رحمه الله عالماً يمثل نمطاً فريداً في الأمة، يمثل السلف الصالح في علمه ودعوته وتعامله مع الناس، حيث قضى حياته كلها لله سبحانه وتعالى طلباً للعلم وتعليماً لهذا العلم وعملاً به. له آلاف من الطلاب والمحبين وممن تتلمذ عليه واستفاد منه سواء أكان هذا في داخل المملكة العربية السعودية أم في خارجها. علاقتي شخصياً مع سماحته من شقين: 1- علاقة طلب للعلم وتتلمذ عليه. 2- علاقة في مجال العمل وفي مجال التعاون وفي مجالات الخير. أما الدراسة فقد كان سماحته أستاذاً ومربياً وموجهاً لطلاب كلية الشريعة في الرياض، وقد كنت أحد الدارسين فيها، وتتلمذت على سماحته، وكذلك في المعهد العالي للقضاء فقد كان يدرس رحمه الله مادة الفقه، واستفاد الطلاب منه فائدة عظيمة إضافة إلى ما تلقيناه عنه من دروس وعلوم في مجال دروسه في المساجد والمحاضرات التي يلقيها والندوات التي يشترك فيها. أما مجال العمل فقد كان مجالاً رحباً وعلى وجه الخصوص حينما كان سماحته رئيساً للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وقد كنت مسئولاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد كانت الصلة وثقى بينه وبين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فكان حريصاً عليها وعلى أساتذتها وعلى طلابها وعلى مناهجها وعلى ما يتعلق بالجامعة ومعاهدها، سواء هذا أكان في داخل المملكة أو في خارجها. ثم بعد ذلك مجال العمل في وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ومعروفٌ أنه رحمه الله كان رئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكان الجميع مرتبطين به، وكانت الدعوة في داخل المملكة وفي خارج المملكة مرتبطة به، وبعد أن انتقلت قضايا الدعوة والدعاة إلى وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد كان رحمه الله متابعاً لها حريصاً على كثير من قضاياها لا يستطيع الإنسان في هذه العجالة أن يلم بالصلة الخاصة به، لكنها كانت مجالاً للدراسة وللبحث وللاستفادة، تجربة فترة طويلة، أعرفه رحمه الله منذ أكثر من خمسة وأربعين سنة في مجال التعليم في مجال التوجيه في مجال الدعوة إلى الله، وكما قلت يصعب على الإنسان في هذه العجالة أن يتحدث حديثاً وافياً أو شاملاً عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، لأن حياته كلها كانت متجهة للعلم وللدعوة وللعمل الصالح، في الاهتمام بقضايا المسلمين، ولمؤازرة ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية، في الوقوف بجانب المسلمين أينما كانوا في محنهم ومشاكلهم وقضاياهم، كان ملجاً بعد الله سبحانه وتعالى للضعفاء والمساكين والمحتاجين وطلاب العلم. المقدم: لا شك أن مآثره رحمة الله عليه كثيرة ونريد أن نشترك معكم ومع ضيوفنا الكرام وكذلك مع كل المشاهدين بمداخلاتهم واتصالاتهم.

العناية بمؤلفات الإمام ابن باز

العناية بمؤلفات الإمام ابن باز فضيلة الشيخ: قبل أن ننتقل إلى الفقرة التالية لدينا اتصال: تفضل يا أخي الكريم. المتصل: السلام عليكم. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. المتصل: معالي الوزير. الشيخ: نعم. المتصل: لاشك أن لسماحة الشيخ رحمه الله مكانة كبيرة في نفوس كثير من الناس، فيا حبذا لو تقوم وزارة الشئون الإسلامية بجمع وطبع فتاوى الشيخ عبد العزيز رحمه الله في مجلدات، وأيضاً لو تترجم إلى لغات في الخارج. فقد قدر لي وكنت في أمريكا أن صليت الجمعة في إحدى الولايات في أحد المراكز الإسلامية هناك وكانت هناك لوحة خاصة بفتاوى ابن باز رحمه الله، فيا حبذا لو تتبنى الوزارة هذا جزاكم الله خيراً. المقدم: شكراً لاتصالك يا أخي الكريم، تفضل يا معالي الشيخ. الشيخ: فيما يتعلق بمؤلفات سماحة الشيخ عبد العزيز وفتاواه نحمد الله سبحانه وتعالى أن الجزء الأكبر منها قد طبع في حياته وترجم العديد من هذه المؤلفات وهذه الرسائل والفتاوى إلى العديد من لغات العالم الإسلامي، وحتى اللغات العالمية الأخرى، ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لها جهد بارز في هذا الأمر، فأكثر المطبوعات والرسائل التي يتم توزيعها على الحجاج والمعتمرين وتوزع على المراكز الإسلامية وعلى الجمعيات الإسلامية في الخارج هي من مؤلفات سماحته رحمه الله، وقد ترجم كثير منها إلى العديد من اللغات، لا شك أن هذه المؤلفات التي تركها، وهذه الثروة العظيمة من الفتاوى ومن التوجيهات والمحاضرات يهم المسلمين عموماً، ويحرص كل مسلم على الاهتمام بها، فهي محل العناية والاهتمام من قبل الوزارة ومن قبل طلاب العلم ومن قبل الباحثين ومن قبل رئاسة الإفتاء والبحوث العلمية، ومن قبل أبناء سماحته، وفي طلاب العلم أبناء لسماحة الشيخ، ولذلك فإن هذا العلم الذي خلفه وهذا الإرث العظيم الذي تركه ينبغي أن يكون محل عناية من الباحثين والدارسين في الدراسات العليا، وينبغي أن تدرس هذه الآثار وهذه المؤلفات من قبل الناس الذين يعتنون بالدعوة إلى الله، والوزارة بحكم اختصاصها في مجال الدعوة إلى الله حريصة على أن توصل هذه المطبوعات وأن تترجم ما يمكن أن يترجم منها، وأن توزع للمسلمين أينما كانوا، ولدينا برنامج منذ سنوات في أثناء حياته رحمه الله، حيث يحثنا دائماً على طبع الكتب الإسلامية عموماً وخاصة ما يتصل بالعقيدة الإسلامية والتوجيهات الإسلامية، وفي مقدمتها ما تركه من مؤلفات، وهذا الاقتراح وهذا الرأي رأيناه وأرجو إن شاء الله أن تهتم الوزارة به.

جهود الإمام ابن باز في الدعوة إلى الله

جهود الإمام ابن باز في الدعوة إلى الله المقدم: شكراً معالي الوزير، يبدو أن الاتصالات مستمرة ونأخذ هذا الاتصال تفضل أخي: المتصل: السلام عليكم. المقدم: وعليكم السلام يا أخي تفضل. المتصل: معالي الشيخ عظم الله أجركم. الشيخ: الله يعفو عنا وعنه ويخلف على المسلمين خيراً المتصل: نرجو منك معالي الوزير أن تحدثنا عن علاقتك مع سماحة الشيخ وجهوده رحمه الله في داخل المملكة وخارجها في نشر الدعوة سواء كانت الوزارة أيام ارتباطها بسماحة الشيخ أو بعد انفصالها عنه؟ المقدم: شكراً أخي الكريم! حقيقة معالي الشيخ إذا تكرمتم ودمجتم هذا مع منهجه رحمة الله عليه في الدعوة إلى الله لأن هذا في الحقيقة مهم إلى جانب جهوده المعروفة. الشيخ: نجيب السائل أولاً وهو سؤال مهم، جهود سماحة الشيخ في الدعوة إلى الله ليست قريبة لكنها منذ عهد مبكر، فقد جمع رحمه الله بين العلم والعمل والدعوة إلى الله والاهتمام بأمور الدعاة، حينما كان في التدريس والتعليم والقضاء، ثم بعد أن انتقل إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة كان له جهد كبير في تأهيل الدعاة نجد مئات بل آلاف الدعاة المنتشرين في مختلف أنحاء العالم ممن درسوا على سماحته في الجامعة الإسلامية في المدينة تأثروا بمنهجه وبطريقته، وبعد أن انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد كان له الجهد الكبير فيما يتعلق بتعيين الدعاة، وفيما يتعلق بعون الدعاة، لدينا عدد كبير من الدعاة كانت لهم صلة مستمرة بسماحته ينفق عليهم ييسر أمورهم يهتم بقضاياهم يعينهم في مدارسهم في جمعياتهم. أما فيما يتعلق بمنهج سماحته رحمه الله في الدعوة إلى الله فهو منهج إسلامي المنهج العدل المنهج الوسط المنهج الذي يحرص كل الحرص على حياة الناس بحيث تستقيم كما أراد الله سبحانه وتعالى، وأن يعبد الناس ربهم عبادة حقيقية هذه العبادة التي خلقوا من أجلها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] . الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى يمثل المنهج السلفي المعتدل الوسط منهج الإسلام الحق الذي يعتمد على النص من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتابع السلف الصالح، ويبتعد عن الآراء البعيدة وعن النصوص والاجتهادات التي قد تبعد الإنسان عن جو القرآن وعن جو السنة، وعما كان عليه السلف الصالح، هذا المنهج الذي يتسم بالعلم يتسم بالإخلاص لله سبحانه وتعالى يتسم بالرفق باللين بالحرص على مصالح الناس بقضاء حوائجهم، لا شك أن الدعاة بحاجة إلى هذه النماذج في حاجة إلى هذه القدوة، ومنهج سماحته هو المنهج السلفي المعتدل المرتبط بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا المنهج درج عليه والحمد لله علماء المملكة العربية السعودية منذ عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي جدد الدين في نفوس الناس وأقام دعوة إصلاحية عظيمة قائمة على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما كان عليه السلف الصالح. طَبَّقَ سماحة الشيخ عبد العزيز من هذا المنهج منهج الإمام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وعلماء السلف والإمام أحمد والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة، الأئمة الذين حرصوا كل الحرص على أن يصبروا على كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينشروا هذا الهدي وهذا الخير؛ لأن رسالة العلماء ليست رسالة علم مجرد؛ ولكنها عمل وسلوك ينقلون هذا العلم ويطبقونه في أنفسهم ويدعون الناس إليه.

واجب المسلمين عامة ووزارة الأوقاف خاصة نحو الإمام ابن باز

واجب المسلمين عامة ووزارة الأوقاف خاصة نحو الإمام ابن باز المقدم: حقيقة لدينا اتصال آخر تفضل أخي الكريم: المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ: وعليكم السلام. المتصل: معالي الشيخ عبد الله التركي عظم الله أجركم. الشيخ: الله يعفو عنا وعنه ويجزيه عن المسلمين والإسلام خيراً. المتصل: عظم الله أجر المسلمين في فقيد الإسلام عبد العزيز بن باز. الشيخ: آمين. المتصل: فضيلة الدكتور نرجوكم في هذه العجالة أن تفيدونا عما يجب أن يفعله المسلمون تجاه هذا العالم الجليل، ولأمثاله من العلماء الذين افتقدناهم، حتى تبقى ذكراهم في قلوب الأمة الإسلامية، وبارك الله فيك وفي هذه الأمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أهم شيء في هذا المجال أن ندعو وأن يدعو المسلمون لسماحته بالمغفرة والرحمة، وأن يجزيه الله سبحانه وتعالى خير الجزاء عن جهوده العظيمة للإسلام والمسلمين. والشيء المهم فيما يتعلق بالحديث عن العلماء وعن الدعاة أن يحرص الناس على الاقتداء بهم، وعلى تقدير العلم الذي يحملونه والدعوة التي يدعون إليها، العلماء هم ورثة الأنبياء، ولا شك أن قدوتنا وقدوة المسلمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا العلم الإسلامي العلم بكتاب الله وبسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم ورثه العلماء العاملون، هؤلاء العلماء يجب على المسلمين أن يقدروهم ويحترموهم وأن يدعوا للميت منهم بالمغفرة، وللحي بالعون والتوفيق، وأن يحرص المسلم كل الحرص على الاستفادة من آثار هؤلاء العلماء. سماحة الشيخ رحمه الله قدم على ما قدم، وجاهد في سبيل الله، وعمل الكثير في سبيل المسلمين، ولاشك أن من حقه علينا أن ندعو له بالرحمة وبالمغفرة، وأن نحرص كل الحرص على أن نسير على ذات المنهج والطريق الذي سار عليه ودعا إليه، لإنه منهج رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله وفي حب الخير للناس، وهكذا العلماء في كل وقت وفي كل مكان وفي كل مناسبة، العلماء هم ورثة الأنبياء، العلماء يدعون إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين كلفهم الله سبحانه وتعالى ببيان هذا الدين والدعوة إليه، ولذلك حينما نقول: ينبغي أن يقدر العالم، إنما يقدر لعلمه ولما يحمله من خير، ولما يتصف به من صفات عظيمة، ولا شك أن سماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله يتميز بصفات عظيمة تحدث عنها الناس ويعرفها الناس من أهمها: العمل والزهد والتواضع والحرص على نفع الناس، الحرص الكثير على نفع المسلمين، الاهتمام بقضاياهم. المقدم: نود أن نقدم للشيخ موضوعات كثيرة لكن لدينا اتصال آخر. المتصل: السلام عليكم المقدم: وعليكم السلام المتصل: حياك الله المقدم: الله يحييك المتصل: عظم الله أجر الجميع بفقيد الأمة الشيخ: رحمه الله المتصل: الشيخ: المعروف أن أكثر الدعاة في المملكة العربية السعودية وخاصة الذين يتبعون لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد هم أبناء وتلاميذ لسماحة الشيخ عبد العزيز، فهم أقدر الناس على أن يسلكوا المنهج الذي سلكه في دعوتهم وفي خطبهم وفي دروسهم، إضافة إلى أن ما تقوم به الوزارة في مجال النشر والطباعة والأشرطة والتوزيع جزء كبير منها يمثل مؤلفات الشيخ وتوجيهاته رحمه الله والمنهج الذي سار عليه الشيخ، ووزارة الشئون الإسلامية في مجال الدعوة في المملكة العربية السعودية تسير على ذات المنهاج الذي سار عليه سماحة الشيخ عبد العزيز، وكما أشرت إليه سابقاً هو المنهج السلفي، هو المنهج الذي دعا إليه سابقاً الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأئمة الدعوة من بعده ونصرته المملكة العربية السعودية منذ عهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله، والأئمة من آل سعود منذ ذلك العهد إلى عهد الملك عبد العزيز رحمه الله إلى العهد الحاضر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، يحرصون كل الحرص على التقيد بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبرد الناس إلى هذين المصدرين، هذا هو المنهاج الذي صار عليه أئمة هذه الدولة وعلماء هذه الدولة، ولا شك أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على ذات المنهاج وعلى ذات الطريق نفسه. أما فيما يتعلق باقتراح رصد تراثه وجمعه، فلا شك أن الوزارة معنية بهذا الأمر وستسعى إن شاء الله لهذا، لكنه علم واسع وليس محصوراً للوزارة كما أشرت سابقاً، فينبغي أن يتنافس العلماء والدعاة والجامعات والمدارس، وسنرى المئات من الكتابات والأبحاث التي تتحدث في هذا المجال؛ لأنها لا تتحدث عن سماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله كشخص لكنها تتحدث عن الإسلام عن الدعوة إلى الله عن العلم الشرعي عن مكانة العلماء. أما فيما يتعلق بالأنموذج، فلا شك أن سماحة الشيخ رحمه الله يمثل أنموذجاً فريداً في سلوكه، وتواضعه وعفته ورفقه وحرصه على مصالح الناس، وكل هذه الصفات قدوتنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي للعلماء أن يحرصوا على التحلي بهذه الصفات، والخير إن شاء الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وسيستمر الخير ما دام أن القرآن محفوظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، وما دامت السنة قائمة، ومادام العلم الشرعي بين أيدي الناس، فالأمة التي تخرج منها الإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد العزيز بن باز وغيرهم من المشايخ، سيوجد بإذن الله فيها العلماء الذين توجد فيهم القدوة الصالحة، والناس يتفاوتون، وهذا ثبات من الله سبحانه وتعالى وتوفيق، فإذا أخلص الإنسان النية لله وأخذ بالأسباب حقق الكثير مما ينبغي أن يوجد في العالم حتى يكون مرجعاً للناس. المقدم: ماذا لو جعلنا موسوعة لعلماء المملكة العربية السعودية، وعلماء الدعوة السلفية في العالم كله تتبناها الوزارة في هذا المجال؟ الشيخ: هذا الشيء من الأمور المهمة وإن شاء الله نسعى إليه في الوزارة، ولدينا العديد من الترجمات الآن عن علماء المملكة وكثير من الباحثين قدم ترجمات كثيرة سواء الشيخ عبد الله بن بسام، وغيره من المشايخ لهم جهد في هذا المجال، والجامعات الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود فيها العديد من الرسائل عن علماء وأئمة الدعوة منذ عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى الوقت الحاضر، أُخرجت رسائل عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، والشيخ القرعاوي، عملت أبحاث عن الشيخ عبد الله العنقري وعن العديد من مشايخ وعلماء المملكة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حياته ثروة واسعة وفيها الجهد والجهاد العظيم في المجال العلمي الفقهي في مجال القضاء في مجال الأعمال الخيرية في مجالات عديدة في مجال الدعوة إلى الله في خارج المملكة كلها تحتاج إلى تسهيل وإلى دراسة وإلى استفادة من هذه التجربة الكبيرة. المقدم: شكر الله لكم معالي الوزير، ونتمنى أن نستمر معكم ولكن الحقيقة أننا نعرف ظروفكم وارتباطاتكم وبخاصة في هذا اليوم، وقد طلبتم أن تكونوا لجزء يسير في البرنامج، والحقيقة نحن نشكركم شكراً جزيلاً ونعتذر للمشاهدين في ألا تكملوا معنا هذه الحلقة لهذا اليوم ونرجو أن يتسع المجال للقاءات أوسع بإذن الله تعالى. الشيخ: إن شاء الله. المقدم: شكراً جزيلاً معالي الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، والحقيقة لدينا ضيفان آخران كريمان نكمل معهما الحلقة وهما فضيلة الشيخ/ عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء ورئيس محكمة التمييز في مكة المكرمة سابقاً، وفضيلة الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز ابن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله تعالى، فمرحباً بشيخينا الكريمين وأهلاً وسهلاً وحياكم الله لنستكمل الحديث عن سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، يا مرحباً بكما. وفي واقع الأمر سمعتم ما تفضل به معالي الشيخ في الموضوع، وأود أن أبدأ مع فضيلة الشيخ عبد الله وقد قرأت لك رصداً لعلاقتك بسماحة الشيخ الوالد في الكتاب الذي صدر بعنوان الإنجاز في حياة الإمام عبد العزيز بن باز للأخ عبد الرحمن بن يوسف الرحمة، وأشرت فيه إلى علاقتك معه، وأيضاً كان رئيساً لك، وعملت معه سنتين، إضافة إلى الصلة المستمرة في هيئة كبار العلماء ووزارة الأوقاف، فهلا حدثتمونا عن بعض الذكريات الخاصة مع سماحته عليه رحمة الله.

الشيخ ابن منيع وذكرياته الخاصة مع الإمام ابن باز

الشيخ ابن منيع وذكرياته الخاصة مع الإمام ابن باز الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً. الواقع أن الحديث عن شيخنا وإمامنا وحبيبنا رحمة الله عليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الحديث ذو شجون وذو تفرع، وهو في الواقع مما ينتبه له الخاطر وتنساق له النفس، فرحمه الله رحمة واسعة، والواقع أن وفاته رحمة الله عليه أوجدت نقصاً عظيماً، ولكن نسأل الله سبحانه وتعالى القادر على أن يعوض المسلمين بمن فيه الخير والبركة، وأن يرحم شيخنا ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، فهو له فضل كبير على أهل هذه البلاد خاصة وعلى بلاد المسلمين عامة فرحمة الله عليه. أما ما يتعلق بصلتي بسماحته، فالواقع أن صلتي بسماحته صلة متعددة المستويات، أُولى هذه الصلات أنني أحد طلابه في المعهد العلمي عام (1373،1372هـ) كذلك أحد طلابه في الكلية، وفي نفس الأمر كذلك كنت أحد طلابه في المعهد العالي للقضاء، فكان رحمه الله يعطينا من الفوائد العلمية ومن التوجيهات الشيء الكثير الذي نعتز به، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في موازين حسناته. كذلك عملت مع سماحته لا أقول: زميلاً، فأنا لا أجرؤ أن أقول مثل هذا الكلام، ولكني أقول: إنني عملت مع سماحته فأنا أحد المرءوسين، عملت مع سماحته في الإفتاء، حينما كان رئيساً للإفتاء والدعوة والإرشاد، وعملت مع سماحته في اللجنة اللدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ثم بعد ذلك تكرم عليَّ رحمه الله رحمةً واسعة بأن عينني نائباً عاماً له في الإفتاء، عملت مع سماحته قرابة ثلاث سنوات، وأنا في الواقع في منتهى الارتياح والانشراح، فهو رحمه الله لا أقول: إنه رئيساً لي فقط ولكني أقول: بأنه والد حنون؛ فضلاً عما يتمتع به من المعاملة الحسنة في رئاسته، وفي معاملته مع موظفيه رحمة الله عليه رحمة واسعة، وهناك أيضاً مجالات عمل أخرى كما عملت معه في هيئة كبار العلماء منذ أُنشئت الهيئة وهو من أكبر المسئولين فيها، ومحبكم أحد أعضاء الهيئة منذ إنشائها، فعملت معه رحمه الله في مجالات أكثر من خمسة وعشرين عاماً في هيئة كبار العلماء، فكان رحمه الله يعمل موجهاً، وإذا جاء رأيه فهو الرأي الفصل رحمة الله عليه رحمة واسعة. عملت معه رحمه الله في المجلس الأعلى في دار الحديث الخيرية، وفي الواقع هذه الدار التي قامت بتوفيق الله سبحانه وتعالى، ثم بما يبذله رحمه الله من مجهودات عظيمة جعلت الدار تمثل جامعة علمية ولا أقول: جامعة بالمصطلح الجامعي المعروف الذي يعني أن الجامعة مجموعة كليات، ولكني أقول: إنها جامعة تعني المستويات العلمية المختلفة من ابتدائي وثانوي وعالٍ، فهي في الواقع جامعة، فالفضل لله سبحانه وتعالى ثم لسماحته في إيجاد هذه الجامعة، وأنا أعمل مع زملائي في المجلس الأعلى لها، فكان رحمه الله نعم الوالد، ونعم المسئول، ونعم المهتم بشئون هذه الدار.

أبيات في رثاء الإمام ابن باز

أبيات في رثاء الإمام ابن باز المقدم: في الحقيقة أحب أن أقرأ بعض الأبيات التي أرسل بها الأخ محمد المبرد يعزي سماحة الوالد الفقيد عليه رحمة الله، يقول: تفيض الأرض من سيل التعازي وقد قامت على فقد ابن باز فقيد أصبحت تبكيه نجد وتنعى فضله أرض الحجاز فيا شيخاً ثوى في ثوب طهر قضاء لا يدافع باحتراز فهل لك في زمانك من نظير بعلم أو لفضلك من مواز ورثت الأنبياء بغير إرثِ فمن يحظى بإرثك باكتناز وقد شهد الأنام لكم بخير ولكن الإله هو المجازي المقدم: كلمات أراد أن يشارك بها الأخ محمد فنشكره على ذلك.

أحمد بن باز وصلته الخاصة بأبيه

أحمد بن باز وصلته الخاصة بأبيه أنتقل إليك يا فضيلة الشيخ أحمد وأنت أخونا في الله؛ لأننا نشترك في بنوة سماحة والدنا، ولكنك حظيت علينا بأنك كنت ملازماً لسماحة الوالد عليه رحمة الله تعالى، لعلك تحدثنا عن هذه الصلة الخاصة به عليه رحمة الله وكيف أثرت فيك شخصياً. الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في البداية أحب أن أشكر (تليفزيون) السعودية على هذه الحلقة المباركة والموفقة، وأشكركم أيضاً شخصياً على استضافتكم لي في هذا البرنامج. لاشك أن وفاة الوالد كانت مصاباً عظيماً علينا نحن كأبناء وعلى الأمة الإسلامية وعلى جميع الناس، صحيح أنني من أبناء سماحة الشيخ وتربطني به صلة القرابة، وجئت إلى الدنيا وكان سماحة الوالد قد جاوز الستين من العمر، على كبر من سماحة الوالد في عمر مديد من الأعمال والدعوة والفتيا، كان سماحة الوالد مشغولاً بالدعوة إلى الله والتعليم والفتيا، ورغم كل هذا لم يمنعه أن يكون أباً لي، ولجميع إخواني القريبين، وإخواني المسلمين عموماً، كان يهتم بنا رحمه الله تعالى بصلته كأب لنا، يعطينا ما يعطيه الأب لابنه من عطف وحنان ورعاية ونصح وإرشاد وتوجيه ودعوة أيضاً، ويحاول بشتى الطرق والوسائل أن يكون أباً وفياً مع أبنائه رغم انشغاله بأعماله العظيمة.

الشيخ ناصر الزهراني وعلاقته بالإمام ابن باز

الشيخ ناصر الزهراني وعلاقته بالإمام ابن باز المقدم: لعلي أن أتلقى اتصالاً. المتصل: السلام عليكم. المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله. المتصل: أحسن الله عزاءكم وعزاء الجميع في سماحة الوالد عبد العزيز بن باز، أخوكم الدكتور/ ناصر الزهراني من الذين منَّ الله تعالى عليهم بصحبة هذا الشيخ الجليل رحمه الله رحمة واسعة، وسمحت لي الظروف من خلال محبتي له منذ القدم، ومن خلال إمامتي لمسجده في مكة المكرمة ومن خلال عملي وكيلاً عنه لبعض المشاريع الخيرية بـ مكة أن أحظى بالجلوس إليه كثيراً، وأنهل من علمه وأتمتع بتلك الصحبة الجميلة التي تعلمت منها الكثير والكثير، ومثلما ذكر الأحبة حديثاً عن سماحة الشيخ لا تكفي فيه أوقات طويلة ولكن في مثل هذه العجالة الإنسان يحاول أن يذكر ولو طرفاً يسيراً من بعض ما عرفه عن هذا العالم الجليل رحمه الله رحمة واسعة، فمثلما ذكر الأحبة أن الشيخ لم يكن تميزه فقط من الناحية العلمية، وإن كان بلغ فيها شأناً عظيماً؛ لكن التمييز هو بهذه الشمولية العظيمة، سأذكر لكم من خلال صحبتي فقط في آخر قدوم له إلى مكة، وقد لا تكون وصلت إلى عشرة أيام، هذا التنوع والشمول في حياته رحمه الله رحمة واسعة، من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية العلمية، ومن جميع النواحي، فمثلاً من الناحية العلمية كتبت له في آخر مرة قد تكون قبل شهر من الآن عن جماعة سلفية في الهند تطلب دعماً لبعض الكتب، فظننت أن الشيخ رحمه الله لم يتمكن من قراءة الخطاب ووافاه الأجل قبل أن يقرأه فإذا بي أفاجأ أن بعض الشركات يتصلون بي ويرسل ثلاثة طرود مليئة بالكتب من سماحة الشيخ عن طريق ناصر الزهراني ترسل إلى الهند لمن طلبها هناك. ومن الناحية الاجتماعية كتبت له عن امرأة فقيرة كاد بيتها أن يسقط عليها، فإذا بسماحته رحمه الله يرسل إلينا أن انظروا ماذا يكلف البيت وابعثوا لنا بالتكاليف؟ ففعلنا وبعثناه إلى سماحته، ولا أدري هل هي ممن ستحظى بالرد أم أن الشيخ وافته الأجل قبل أن يقرأها؟ المهم أن الشيخ رحمه الله سهل في عظمته متواضع في هيبته فريد في رفعته، وهو مثلما قال البحتري: دان إلى أيدي العفاة وشاسع عن كل ند في العلا وضريب كالبدر أفرط في العلو وضوءه للعصبة السارين جد قريب يطوي الزمان بفعل الجميل من القول والصالح من العمل، ويطوي المكان بشمولية الاهتمام والرعاية لعباد الله في أصقاع الأرض، فهو كالغيث الهني مباركاً أينما كان، إن أصاب الأرض منه ري وإلا فطل، فهو عالمي يعلم أن الأمة واحدة وأن العالم الإسلامي كلٌ لا يتجزأ، وإن تباعدت أقطاره وتناثرت دياره، هو العضو الصالح البار الراشد، ربانيٌ فلا يقول إلا بالوحي نصاً وروحاً، ونصاً ودقة، وهو وليٌ والولاية ظاهرة بالسمت والزي والاستقامة. إيمان عميق، وهمة عالية، وخشوع وخضوع، فرحمه الله رحمة واسعة، اسمحو لي أن أقرأ عليكم أبياتاً من قصيدته المشهورة بازية الدعوة التي قدم لها أربعة علماء وأربعة وزراء ومنهم فضيلة الشيخ معالي الوزير عبد الله حفظه الله أختم هذه المشاركة بهذه الخمسة الأبيات، فهل تأذنون؟ المقدم: تفضل بارك الله فيك. المتصل: في الجود مدرسة في البذل مملكة في العلم نابغة أستاذ أجيال الحق مذهبه والنصح يعجبه والذكر يطربه يحيا به. العلم مؤنسه والله يحرسه ما كان مجلسه للقيل والقال العين دامعة والكف ضارعة والنفس خاشعة من خشية الوالي يا درة العصر يا بحر العلوم فما رأت لك العين من ند وأمثال المقدم: بارك الله فيك في الحقيقة أتحفتنا بقطعتين أدبيتين إحداهما نثرية والأخرى شعرية. المتصل: ليت المجال يسمح وأقول أكثر من هذا، وعندي إن شاء الله تسعون حلقة أذكرها عن الشيخ رحمه الله. المقدم: والله نحن قرأنا عن هذا في الصحف، ونهنئك على هذه الروح وهذا التعب، وشكر الله لك يا (دكتور) ناصر.

منهج الإمام ابن باز في الفتيا

منهج الإمام ابن باز في الفتيا فضيلة الشيخ عبد الله، لا شك أن المزايا كثيرة بسماحة فقيد الأمة الإسلامية لكنكم وقد عملتم معه في مجال البحث والفتيا على وجه الخصوص، لعلكم تحدثونا عن منهجه رحمه الله في هذا الباب وكيف برز وبرع فيه؟ الشيخ: في الواقع أولاً إنني أرى أن سماحته قدوة الأرض، ولكنها قدوة عزيزة المنافع، فهو رحمه الله يمكن أن يقول أي عالم من العلماء: لعلي أحظى بالاقتداء بسماحته وأكون مثله، ولكن أنى ذلك، فهو رحمه الله عالم من علماء الحديث فهو حجة فيه، وعالم من علماء الفقه فهو يقول ما يفهم به، وما يقوله في الفقه على بصيرة من الأمر وبدليل لا يتطرق إليه شك، هو رحمه الله كريمٌ لنفسه كرماً لا يمكن إلا أن يعظم الله سبحانه وتعالى على هذه الهبة العظيمة التي وهبها لهذا العالم الجليل، ولهذا التقي الولي الكريم رحمة الله عليه. كريم في ماله؛ فقد حدثني بعض المسئولين عن شئون بيته الخاصة، بأنه ينفق ما لا يقل عن ألفين وخمسمائة ريال يومياً هذا في الأمور العادية، فمن يكون بمثله عليه رحمة الله، كريم في تواضعه فهو رحمه الله يذكر بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يستمع إلى المرأة {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] فكان صلى الله عليه وسلم يستمع إليها بروح كلها تواضع وكلها أمل فيما يعطيه من كلام، فكان شيخنا رحمة الله عليه مثلاً أو هو في الواقع مقتدٍ الاقتداء الكامل برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مجلسه رحمه الله مجلس تُقى وعلم وصلاة، من حين يبدأ المجلس سواء كان مجلساً من مجالسه الخاصة في بيته، أو كان مجلساً من المجالس التي يُدعى إليها من إخوانه ومن أبنائه، فهو في الواقع بمجرد أن يصل أولاً يبدأ بمن يقرأ من كتاب الله، ثم بعد ذلك يشرح ما يتيسر، ثم بعد ذلك تنهال عليه المسألة، فكل مجلس من مجالسه يعتبر منتدىً علمياً، هذا في الواقع يعتبر قدوة عظيمة وقدوة أستطيع أن أؤكد أنه قدوة صعبة المنال. وكان رحمه الله فيما يتعلق بتعاملنا أو تعلمنا منه رحمة الله عليه في مجالسنا العملية معه، كان يعطي من التأصيل والتقعيد الفقهي لأي مسألة من المسائل ما يمكن أن نصل إلى المطلوب فيها، وهو رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله رحمة واسعة حينما يعطي هذه التوجيهات لنصل إلى نتيجة هي محل اعتبار، وهذا ما نلاحظه في مجلس هيئة كبار العلماء وفي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وفي مجالستنا معه رحمه الله، وفي نفس الأمر ليس متعصباً لرأيه إذا رأى أن رأيه فيه احتمال وأن الرأي الآخر هو الرأي الراجح، فهو في الواقع يترك رأيه ويرجع إلى الرأي الراجح، ويقول بعد ذلك: اللهم اهدنا فيمن هديت، فدائماً يكرر هذه العبارة رحمه الله رحمة واسعة، فالواقع أن الحديث عن سماحته لا ينقضي، ولا يمكن أن تنهيه جلسة أو جلستان من هذه الجلسات.

عبادة الإمام ابن باز وزهده

عبادة الإمام ابن باز وزهده المقدم: بارك الله فيكم على هذا الإيضاح، الشيخ أحمد وأنت كنت لصيقاً لسماحة الوالد وكنت تعيش معه حتى في أخص خصوصياته، بودنا أن نعرف عن عبادته وزهده وقد اشتهر هذا عنه، فهل لك أن تحدثنا، بل إني قد سمعت من نقل إليَّ أنه في ليلة وفاته كان يصلي صلاة الليل التي كان يداوم عليها، فهل لنا أن نتحدث عن هذا الجانب؛ لأن هذا قد يخفى على كثير من الناس، لنعلم عن حياته الخاصة خاصة في شئون العبادة والزهد؟ الشيخ أحمد: في الحقيقة فإن سماحة الوالد رغم ما كان فيه من أعمال في الدعوة إلى الله وفي نشر العلم والفتيا، وفي مجالات الخير عموماً، لم يمنعه هذا من أن يقوم بما يجب عليه وبما هو مندوب في حقه تجاه الله سبحانه وتعالى من العبادة، وسماحة الوالد قد أدرك في هذا قصب السبق، حتى إننا ونحن أبناؤه نجهد معه في أعماله، هذه رغم ما يقوم به من أعمال تجاه المسلمين عموماً. سماحة الوالد لا يجد فرصة لا وقتاً ولا مكاناً قد شرعت فيه العبادة إلا وتجده يبادر إلى عمل تلك العبادة، سواء كانت قولية أو فعلية، حتى دخول المسجد وترديد الذكر، والخروج كذلك، فيسابق إلى المسجد قبل الأذان أحياناً بربع ساعة، ويجلس بعد الصلاة أحياناً نصف ساعة، كل هذه قد يقول القائل: إن هذه من الأمور اليسيرة، لكن كون الإنسان يفعلها يوماً أو يومين قد يكون هناك شيء من السهولة، لكن كونه يعمل هذا أبد الدهر ويستمر على العبادات المتواصلة، والأذكار المتنوعة والنوافل والعبادات، ويستمر على قيام الليل ويستمر على الأذكار، ولا يغفل عن العبادات، تجده أحياناً حتى في أيام مرضه الأخير رحمه الله في لبس الجورب ونزعه ينزع الأيسر قبل الأيمن وهذا من دقائق العبادات، وتجده لا يتركها حتى في أيام مرضه، أشياء قد لا يتذكرها الإنسان بسهولة، هذا يدل على أنه كان يعيش روح العبادة أكثر مما كان يعيش في جزئياتها، ويعمل في مظاهرها الخارجية، فالعبادة كان يلتزم بها ويعايشها روحاً، وتجد حياته كلها عبادة، بعيداً عن مظاهر الدنيا بعيداً عما يتمسك به الناس من هذه المظاهر، لا سيما وأنها قد توافرت له أسباب ذلك من المناصب التي وفرت له الأموال كلها فكانت تحت تصرفه، وثقة الناس به موجودة، رغم كل هذا ما كان هذا ليصرفه عن كونه زاهداً ورعاً عابداً لله. المقدم: هل هناك أمثلة يا شيخ أحمد مباشرة عن زهده رحمه الله مثلاً كما نعلم أنه عندما كان في المدينة المنورة أعطي له منزلاً فجعله لرئيس الجامعة الإسلامية فهذا مثال وغير ذلك ربما كثير أيضاً. الشيخ أحمد: سماحة الوالد رحمه الله رحمة واسعة في بعض الأحيان كانت بعض الأشياء الخاصة إعانة له أو قد يكون محتاجاً لها، برغم هذا كله تجده يذهب بها إلى الجهات الخيرية مثل الدعاة في الخارج أو الدعاة في الداخل إلى بناء المساجد إلى بناء المدارس في خارج المملكة أو في داخلها ويقول عن نفسه: نحن سوف يعوضنا الله، نحن إن شاء الله مستغنون عن هذه الأشياء، ما كان أبداً يهتم بمسألة الأموال، والإنسان الذي لم يعايش الشيخ ولا جلس معه ولا تعامل معه في الأموال قد لا يجد حقيقة زهد الشيخ في هذه الدنيا وبُعده عنها، أجد الكلمات صعبة التعبير فعلاً عن حقيقة الزهد الذي وصل إليه زهد إنه حقيقي زهد القلب زهد النفس عن هذه المظاهر. المقدم: شكر الله لك يا شيخ أحمد.

أبرز مؤلفات الإمام ابن باز

أبرز مؤلفات الإمام ابن باز فضيلة الشيخ عبد الله! وأنتم مجاورون لسماحة الشيخ رحمه الله في مؤلفاته ورسائله العلمية، وكأني علمت أن لديه عشرات الكتب والرسائل الكثيرة، فهلا تحدثنا عن أبرز هذه المؤلفات باختصار، وما الذي كان يركز عليه سماحته رحمه الله في هذا المجال. الشيخ ابن منيع: رحمه الله رحمة واسعة! الواقع أنه موسوعة، وفي نفس الأمر من أنفس ما صدر لسماحته هو مجموع رسائل ومحاضرات وفتاوى سماحته الذي صدر منه حتى الآن الجزء الثالث عشر والذي يشرف عليها وعلى طباعتها الدكتور محمد الشويعر ففي الواقع كنت أتابع قراءة هذه المجلدات وأتحدث مع سماحته بخصوصها، وطرح عليه في أن يعطي هذا الكتاب العظيم ما يستحقه من وقت لعرضه عليه حتى يخرج في حياته، وكان رحمه الله رحمة واسعة يقول: أنا أتمنى أن أجد وقتاً؛ فكل مجال من مجالات عملي تحتاج مني إلى مجهود، وفي الواقع فإن له رحمة الله عليه مجموعة من الفتاوى ومجموعة من الكتب العلمية التي صدرت، ولكني أرى أن من أهم ما صدر منها هو هذا المجموع الذي يتميز بفتاوى، وهي فتاوى في الواقع ليست كالفتاوى التي تصدر من غيره، وإنما هي فتاوى مدعومة بنصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الأمر يتميز ما يتحدث أو ما يستدل به من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمييز هذه الأحاديث، ومعرفة صحيحها من ضعيفها من حسنها، ومن جميع ما يتعلق بها ووجه الاحتجاج بها، فرحمه الله رحمة واسعة، والواقع أن الحديث عن مؤلفاته وعن آثاره العلمية حديث يحتاج إلى مزيد من الإفضاء والإطالة.

اهتمام ولاة أمور المملكة بالعلماء

اهتمام ولاة أمور المملكة بالعلماء المقدم: في واقع الأمر -فضيلة الشيخ- المداخلة قبل قليل من اهتمام ولاة الأمور حفظهم الله بالعلم والعلماء، ولا شك أن ما رأينا من اهتمام خادم الحرمين الشريفين وسمو لي عهده والنائب الثاني وجميع الأمراء بل قد رأينا مثلاً عدداً من الأمراء يحمل جنازة الشيخ، ويصل إلى المقبرة ويذرف الدموع عليه أثناء جنازته وكل هذا مظهر من مظاهر حب العلماء والحمد لله، هل لنا أن نتحدث عن هذا؟ الشيخ: الواقع أن الأمر مثلما هو معروف عن الولاة جزاهم الله خيراً في تقديرهم العلم والعلماء والعناية بهم، وهم منذ أن قام الاتفاق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وبين الإمام محمد بن سعود على العناية بالدعوة ومناصرة الشيخ محمد في دعوته منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، وهي عادة حميدة من ولاة أمورنا بالعناية بالعلماء وبتقديرهم وبالأخذ عنهم، وبعدم التصرف إلا بعد الرجوع إليهم، وفي الواقع هي عادة قديمة من عهد الملك عبد العزيز رحمة الله عليه فقد كان له مجلس أسبوعي هو يوم الخميس، يجتمع فيه بالعلماء ويقرأ في هذا المجلس مجموعة من المسائل التي يهتم بها الملك عبد العزيز ويرغب أن يأخذ رأي العلماء فيها ويصدر رحمه الله رحمة واسعة عما يقوله العلماء فيعمل به، ثم كان أبناؤه الملوك رحمهم الله الملك سعود والملك فيصل والملك خالد وخادم الحرمين الشريفين وكذلك الأمير عبد الله والأمير سلطان كلهم وغيرهم من المسئولين فإنهم في الواقع يحترمون العلماء، ويأخذون عنهم ولا يتصرفون أي تصرف إلا بعد الرجوع إليهم، والتأكد من أن هذا التصرف متفق مع الأمور الشرعية، وذلك فيما يتعلق بصلاح البلاد والعباد، وأتذكر أن في مسألة الخيام التي أقيمت في منى كان هناك إشكال عند الأمير متعب فبعد ذلك دعا كلان من فضيلة الشيخ محمد بن سبيل والشيخ عبد الله بن البسام ومحبكم عبد الله بن منيع فيما أشكل عليه ثم بعد ذلك قال: نحن في الواقع لا نصدر إلا عما تقولونه فنحن ننفذ ما تقولون، وهذا في الواقع يعتبر مثلاً من الأمثلة المتعددة، وهم جزاهم الله خيراً قائمون على الرجوع إلى العلم والعلماء، وهذه في الواقع ميزة وهي أن الله سبحانه وتعالى مكنهم، وأن الله سبحانه أخذ أعداءهم، وأن الله سبحانه وتعالى أيدهم، وذلك مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:51] وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] .

كلمة مفتى المملكة في الإمام ابن باز

كلمة مفتى المملكة في الإمام ابن باز المقدم: سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية حياكم الله وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته المقدم: نعزيكم في سماحة فقيد الأمة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ: غفر الله له ورحمه، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. المقدم: نود أن تقولوا كلمة بهذه المناسبة لبرنامج (دين ودنيا) أكرمكم الله، ومعنا فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع وفضيلة الشيخ أحمد ابن سماحة الشيخ عبد العزيز. الشيخ: الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: في الواقع أن الحديث عن هذا الشيخ رحمه الله يكثر؛ عن وصف فضائله وأخلاقه ومحاسنه، الرجل ذو علم وعمل ودعوة إلى الله وبذل للمعروف والإحسان لعباد الله بكل ما يستطيعه، الرجل غفر الله له كان حريصاً على نفع الأمة، نصحها وتوجيهها وإرشادها، كان حريصاً على تعليم الناس، كان حريصاً على دعوة الخلق إلى الله، كان حريصاً على تبصير الأمة. الشيخ رحمه الله ذو خلق جم وفضائل عديدة وحلم ورفق وسعة أفق وتحمل لكل ما يرد إليه، فهو غفر الله له علم من أعلام الهدى نسأل الله له المغفرة والتجاوز عنا وعنه. المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، ونسأل الله عز وجل أن يعينكم في موقعكم الجديد، ونهنئكم بثقة ولاة الأمور في سماحتكم. الشيخ: نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. المقدم: وشكر الله لكم هذه المشاركة الطيبة، شكراً سماحة الشيخ.

اللحظات الأخيرة من حياة الإمام ابن باز

اللحظات الأخيرة من حياة الإمام ابن باز الشيخ أحمد نريد كلمات عن اللحظات الأخيرة من حياة سماحة الوالد عليه رحمة الله لعلها تعيش معنا ذكرى ونتعرف على أخص خصوصياته عليه رحمة الله. الشيخ أحمد: سماحة الوالد كان في أسبوعه الأخير قد أحس ببعض الآلام في البطن، وتوجه بعد ذلك بعد إلحاح إلى المستشفى للكشف والعناية والعلاج والراحة نوعاً ما، وبعد ذلك أحس بأن الآلام قد خفت وكل يوم نقول له: لعلك غداً ستخرج من باب المستشفى من أجل أن يخفف على نفسه ويستريح، ولا سيما أنه في الأيام الأخيرة أرهق من مزاولة أعماله ومن قلة طعامه، وفي يوم الثلاثاء أصر على الخروج من المستشفى، فما أحببنا أن نلح عليه في البقاء رغبة منا في خروجه، لعله أن يكون أفضل من حالته وحياته الشخصية، فخرج سماحته من المستشفى وعلى عادته استقبل الناس في بيته ظهراً، وكان في تلك الليلة في أحسن حال من ناحية صحته، وفي تلك الليلة ذهب لغرفته واستقبل بعض الأقارب وسلم عليهم وجلس معهم ثم بعد ذلك خرجوا. المقدم: أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يعوضكم فيما أصابكم وأصابنا خيراً، وإن شاء الله أن هناك خيراً في الأمة مازال مستمراً، الحقيقة كنا نود أن نستمر أكثر، ولكن لابد أن نتوقف.

أسئلة وأجوبة

أسئلة وأجوبة

كيفية الصلاة في مكان بال فيه الأطفال

كيفية الصلاة في مكان بال فيه الأطفال Q قد يبول الأطفال أحياناً على فرش البيت، فهل يكتفى بوضع سجادة للصلاة فوق الفرش؟ A إذا وضع على الفراش الذي عليه بول سجادة ليصلي عليها فلا بأس، وإذا غسل الموضع الذي أصابه البول وصب عليه الماء حتى يكاثره بذلك يطهر المكان، وإذا وضع السجادة أو البساط الطاهر على موضع النجاسة كفى.

حكم تسمية سورة الإسراء بسورة بني إسرائيل

حكم تسمية سورة الإسراء بسورة بني إسرائيل Q سورة الإسراء هل يجوز تسميتها سورة بني إسرائيل، كما في بعض المصاحف المطبوعة؟ A ما نرى في هذا شيئاً؛ لأن فيها ذكر بني إسرائيل وذكر الإسراء جميعاً، والسور تسمى بما فيها سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة النساء، سورة المائدة؛ لأن فيها ذكر هذه الأشياء.

مشروعية سجود السهو لمن نسي التشهد الأوسط أو قام للخامسة ثم جلس

مشروعية سجود السهو لمن نسي التشهد الأوسط أو قام للخامسة ثم جلس Q صليت إماماً وعند الجلوس للتشهد الأول نهضت للركعة الثالثة ولم أجلس للتشهد الأول، ولكن سبح عليَّ المؤتمون، وذلك قبل أن أستوي قائماً، ورجعت وجلست للتشهد، فهل عليَّ في هذا سجودٌ للسهو؟ A إذا قام الإنسان إلى الثالثة، ونُبه قبل أن يستتم قائماً يرجع ولا يسجد للسهو، لكن إذا قام وحصل له القيام فإنه قد فعل ما ينقص الصلاة، فوجب عليه سجود السهو إذا انتهى من صلاته، ولم يبق إلا السلام، فيسجد سجدتين قبل أن يسلم. السؤال: صليت إماماً في صلاة الظهر، وفي الركعة الرابعة حدث عندي شك هل أتيت بالرابعة أم لا، ونهضت لأجل آن أتي بالرابعة وسبح المؤتمون وجلست للتشهد، فهل عليَّ سجود للسهو؟ ومتى أسجد؟ الجواب: إذا شك في الرابعة هل هي الرابعة أم الثالثة فقام يأتي بالرابعة ونبه، فإنه يجلس ويتشهد ويكمل ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم؛ لأنه حينئذٍ بنى حين قام على اليقين، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر من بنى على اليقين أن يسجد للسهو قبل أن يسلم. أما الذي صلى الركعة أو الركعتين مثلاً، فهذا الأفضل له أن يكون سجوده للسهو بعد السلام، يكمل صلاته إذا نبه، ثم بعد أن يقرأ التحيات والدعاء يسلم، وبعد ذلك يسجد للسهو سجدتين، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين لما سلم عن ركعتين، وأيضاً لما سلم عن ثلاث كمل صلاته وسلم منها ثم سجد السهو بعد ذلك.

حكم مصافحة النساء الأجنبيات

حكم مصافحة النساء الأجنبيات Q رجل توفي وترك وراءه بنات، وليس له قريب محرماً لهذه البنات إلا رجلٌ صالح من جماعته، فأوصى بالرجل الصالح أن يأخذ بناته ويجعلهن عنده، فأخذ هذه البنات ورباهن وأحسن تربيتهن وزوجهن جزاه الله خيراً، ولكن هذه البنات الآن يسلمن عليه، فهل يجوز ذلك؟ A على كل حال هو مأجور، إذا أوصى رجل ببناته لرجل يتولاهن إذا ما رأى محرماً يتولاهن، فلا بأس، وعليه أن يتولاهن ويحسن إليهن، ولا يخلو بإحداهن، بل يكن عند نسائه وأهله، ويقوم بحاجتهن من دون أن يخلو بواحدة منهن، وإذا أوصاه أن يزوجهن فهو ولي لهن له أن يزوجهن، ولكن ليس محرماً لهن، فلا يسلمن عليه بالمصافحة ولا بالتقبيل، إنما يسلمن عليه بالكلام، ويدعون له بالخير، ويشكرنه على العمل الطيب، ولكن لا يكون محرماً لهن مثل أبيهن أو أخيهن، فلا يصافحنه، ولا يكشفن له، بل يحتجبن عنه كسائر الأجانب، ولا يصافحنه، بل يسلمن عليه بالكلام؛ لأن المصافحة على النساء لا تجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء) ، وقالت عائشة رضي الله عنها: (إنه لما بايع النساء ما مست يده يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام) عليه الصلاة والسلام؛ فالمصافحة لا تكون للأجانب، وإنما للنساء فيما بينهن ومحارمهن، كأخوالهن وإخوانهن وأعمامهن، أما أن يصافحن أخا الزوج، أو زوج الأخت، أو بني العم، سواءً كان عند القدوم من السفر أو غير ذلك، فلا يجوز ذلك، بل هي من أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في المحارم.

حكم إرضاع المرأة الكبيرة للطفل

حكم إرضاع المرأة الكبيرة للطفل Q الرضاع إذا كانت المرأة الكبيرة العجوز درتها على بنت صغيرة وأرضعتها، هل يعتبر رضاعاً شرعياً؟ A إذا أرضعت العجوز طفلاً ودرت عليه قبل أن يفطم، قبل أن يتم عليه الحولان، إذا درت عليه وأرضعته رضاعاً تاماً خمس رضعات أو أكثر صارت أماً له، وصار أخاً لأولادها ذكورهم وإناثهم.

حكم وضع النعال سترة للمصلي

حكم وضع النعال سترة للمصلي Q هل يجوز للمصلي أن يضع نعليه سترةً له في الصلاة؟ A السنة ألا يضعها أمامه، إن تيسر أن يصلي إلى سترة، مثل جدار، أو سارية، أو عمود، أو عصا يطرحها، أو يضع أي شيء، أما النعال فالسنة أن يلبسها ويصلي بها، أو يجعلها بين رجليه ولا يجعلها أمامه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليصلِّ فيهما أو ليجعلهما بين رجليه) ، وإذا كان إماماً أو منفرداً جعلهما عن يساره ولا يجعلهما أمامه.

حكم الأرباح الربوية وكيفية صرفها

حكم الأرباح الربوية وكيفية صرفها Q أفيد سماحتكم أنني مساهم في البنك الأمريكي وهو يتعامل بالربا، وعندما علمت ذلك سحبت بعض الأسهم التي تخصني وفيها بعض النقود من سبب الربا، ما أدري ما معنى هذا؟ A المساهمة في البنوك الربوية لا تجوز؛ لأنها تتعامل بالربا، والمساهمة فيها من باب التعاون على الإثم والعدوان، وإذا جاءه ربح في سهمه فينبغي أن يتصدق بهذا الربح ولا يجعله من ماله، بل يخرجه في وجوه البر، كمواساة بعض الفقراء والمساكين، أو إصلاح دورات المياه، أو ما شابه ذلك مما ينفع الناس، ولا يجعله من ماله.

مدة القصر في السفر

مدة القصر في السفر Q خرجت مع كفيلي إلى البر ونقيم في مزرعة، وقد بقينا حتى الآن مدة شهر وما زلنا، فما حكم القصر والجمع في الصلاة؟ A إذا خرج الإنسان للمزرعة أو للنزهة فعلى تفصيل: إذا أراد إقامة أكثر من أربعة أيام في محله وعزم على هذا، فالذي عليه الجمهور أنه يتم الصلاة الرباعية أربعاً، أما إذا ما كان عنده جزم؛ هل يقيم يومين أو ثلاثة أو أربعة؟ فهذا الأفضل له أن يصلي قصراً، اثنتين اثنتين، ولا بأس أن يجمع، لكن ليس عنده نية جزم هل يقيم يومين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر؟ لا يدري، أو ينتظر أناساً يأتونه، أو يلتمس ضالة قد سافر لها مسافة قصر، أو يطلب خصيماً يبحث عنه، ما عنده جزم في المعلوم، فهذا يقصر، أما إذا عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم أربعاً عند جمهور أهل العلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على إقامة أربعة أيام في مكة يقصر، فدل على أن الأيام الأربعة لا تمنع من القصر، والأصل بعد ذلك الإتمام. السائل: ويجمع إذا أبيح له القصر؟ الشيخ: نعم، يجمع إذا أبيح له القصر، وترك الجمع لهم أفضل إذا كانوا مقيمين وتكون في وقتها أفضل. السائل: إذا مرت عليه أربعة أو خمسة أيام؟ الشيخ: إذا كان غير عازم على شيء معلوم فيقصر ولو مرت سنة، كأن ينتظر -مثلاً- ضالة ذهب يبحث عنها، أو جماعة ينتظرهم، أو عبدٌ آبق، أو خصيم يبحث عنه، أو ما أشبه ذلك.

حال حديث علي رضي الله عنه في الدعاء لحفظ القرآن

حال حديث علي رضي الله عنه في الدعاء لحفظ القرآن Q ورد في تفسير ابن كثير في ذكر الدعاء المأثور لحفظ القرآن حديث عن علي بن أبي طالب، أنه ذكر للرسول أنه يتفلت منه القرآن، فقال له: (صلِّ أربع ركعات ليلة الجمعة في الركعة الأولى الفاتحة ويس) إلى آخر الحديث، فما صحة هذا الحديث؟ A هذا الحديث ضعيف وليس بصحيح.

علاج ضعف الوازع الروحي أمام زحف المادة

علاج ضعف الوازع الروحي أمام زحف المادة Q ما رأي سماحتكم في ضعف الوازع الروحي والوجداني أمام زحف المادة، وضعف رسالة المساجد؟ A هنا المقام يحتاج إلى توعية، الضعف يجب أن يعالج بالبيان، وبكثرة المرشدين، وكثرة الخوف من الله والرغبة في طاعته سبحانه وتعالى، فإن المادة قد تضل الإنسان، وينبغي أن نذكر أن المال لا قيمة له إذا لم يكن على طاعة الله: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] عن قريب يزور المقابر ويشرف على عمله، ويندم غاية الندامة على ما فرط فيه. فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بالمال، وسعته، أو بالوظيفة، أو ما أشبه ذلك، فإنه تاركها وذاهب، وسيسأل عن عمله، وما قدم لآخرته. كذلك يجب التوجيه والإرشاد للمسلمين، وتذكيرهم بالله، والوقوف بين يديه، وأنهم سوف يسألون عما قدموا وعما أخروا: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:82-93] فكثرة الأموال، وقلة العلم، وكثرة الجهل، وجلساء السوء، كلها عوامل شر يجب أن تعالج، ويجب أن ينظر فيها، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يعلم الناس أن أموالهم لا تغني عنهم شيئاً إذا لم يستعملوها في طاعة الله ومرضاته، وحتى يتعلموا ويتفقهوا في دينهم، وحتى يحذروا من جلساء السوء، وبطانة السوء، وحتى يحرصوا على أصحاب الخير، وهناك بحمد الله حياة ونشاطٌ في هذا العصر، وقبل سنوات في آخر القرن الماضي وأول هذا القرن هناك والحمد لله نشاط في الشباب وطلاب العلم. وفي كثير من الناس، بسبب ما يسمعون من المواعظ في الإذاعة وغيرها الإذاعة، وفي الصحافة وغيرها، وفيما يجدونه من كتبٍ ومؤلفاتٍ كثيرة من بعض أهل الخير، وهنا والحمد لله نشاطٌ كبير في بلدان كثيرة وبأعداد كثيرة، نسأل الله أن يثيبهم خيراً، وأن يسهل للناس من يعينهم على الخير، ومن يشجعهم على أسباب النجاة.

حكم الوصية بالثلث للأضحية وكيف يصرف الباقي

حكم الوصية بالثلث للأضحية وكيف يصرف الباقي Q توفي والدي وقد وصى بثلث ماله في أضحية له ولوالديه، حيث أن عنده مالاً قبل الوفاة وله استحقاق من وظيفته، وله دين، السؤال: هل الثلث من جميع هذه الأموال أم من بعضها؟ وهل الثلث لغرض الأضحية حتى ينتهي، أو هل يمكن وضع بعضه في عمارة أو فرش لبعض المساجد؟ A الثلث يكون من جميع المال، كأراضي أو ديون أو حقوق عند الدولة، كل هذا يكون له ثلث فيه مما استحقه عند الدولة، أو اجتمعت له ديون على الدولة أو غير ذلك يكون له حق فيه، أما التقاعد فيكون للورثة وليس له، لكن إذا كان له ديون أو حقوق عند الدولة تعطيه إياه، فهذا يدخل فيه الثلث، وكذلك الدين الذي عند الناس، إذا مات قتيلاً أو مدعوساً، فالدية يؤخذ منها الثلث أيضاً، فالثلث يكون من جميع ما يستحقه ويورث عنه. ثم يدعى في أرض اشتغل، أو في عمارة أو في نخل اشتغل ويضحى منه من غلة، ثم بعد الأضحية يصرف في وجوه البر وأعمال الخير، من تأثيث المساجد، ومواساة الفقراء والمساكين، وقضاء الدين عن المدينين، والمساعدة في الجهاد في سبيل الله، وغير ذلك، إلا إذا كان عين شيئاً بعد الأضحية وقال: الباقي بعد الأضحية يصرف في فقراء الذرية، أو في فقراء المسلمين، أو في ترميم المساجد، فيلتزم بما قال، وإذا سكت فالفاضل بعد الأضحية يصرف في وجوه البر وأعمال الخير كلها، وإذا كان في أقاربه وذريته فقراء أعطوا من ذلك أيضاً.

حكم قضاء صلاة الوتر

حكم قضاء صلاة الوتر Q إذا لم أذكر الوتر إلا بعد يومين أو ثلاثة، فماذا أفعل فيه؟ A إذا نام عن الوتر أو نسيه شرع له أن يصلي من الضحى ما تيسر له، وإذا ذهب الضحى زالت السنة، ولم يبق عليه شيء، ولكن يشرع له أن يعوض عنه في الضحى إن نسيه من الليل، فيصلى من الضحى ركعات، هذه هي السنة. لكن يشفع صلاته ولا يوتر، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شغله عن وتره نومٌ أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) ، وكان وتره في الغالب إحدى عشرة ركعة عليه الصلاة والسلام، وإذا نام عنها أو شغله مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة من ست تسليمات، هذا هو الأفضل. فإذا كنت تصلي من الليل خمس ركعات وفاتك بسبب نوم أو مرض فتصلي من النهار ست ركعات، تزيد ركعة، بثلاث تسليمات، وإذا كانت عادتك سبع ركعات توتر بها فتصلي من النهار ثمان ركعات بأربع تسليمات، وإذا كان عليك ثلاث ركعات توتر بها في الليل ونمت عنها أو انشغلت عنها بمرض أو نحوه، فصلِّ من النهار أربع ركعات بتسليمتين، ومن زاد فلا بأس وهو خير، والقضاء يكون قبل الظهر، فإذا فات هذا الوقت فالظاهر أنه سنة فات محلها.

الفرق بين الصالح والمصلح والفاسد والمفسد

الفرق بين الصالح والمصلح والفاسد والمفسد Q أرجو أن يبين سماحتكم الفرق بين الصالح والمصلح، وبين الفاسد والمفسد. A الصالح من عباد الله ذكر العلماء أنه الذي يقوم بحق الله وبحق عباده، هذا هو الصالح، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فالصالحون هم الذين يقومون بحقوق الله من أداء فرائضه وترك محارمه، وأداء حق العباد من أداء الأمانة والنصح لهم، وعدم غشهم، وبذل السلام، ورد السلام، وأداء الأمانات ونحو ذلك، هذا هو الصالح. والمصلح هو الذي يتولى إصلاح الناس، ويتولى توجيههم وإرشادهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والأخذ على يد السفيه ونحو ذلك، فهذا هو صالح ومصلح، يتقي الله في نفسه، ويجتهد في إصلاح غيره، فهذا صالح مصلح. والفاسد هو الذي فسد دينه بالكفر بالله، أو بالمعاصي والسيئات، والمفسد هو الذي يدعو إلى الفساد والشر، ويدعو للزنا والفواحش، ويشجع عليها وينميها بين الناس، نسأل الله العفو والسلامة.

حكم أخذ الأموال من العمال قبل استقدامهم

حكم أخذ الأموال من العمال قبل استقدامهم Q بعض الأفراد حسب ما نسمع يستقدمون أشخاصاً من الخارج، على أن يدفع ذلك الشخص المستقدم مبلغاً من النقود، مع العلم أنه إذا لم يدفع ذلك المبلغ لا يحصل له الوصول إلى هذا البلد لكي يكسب المعيشة له ولأولاده، فالذي يستقدمه ويأخذ منه مبلغاً هل يدخل في حديث: (من باع حراً وأكل ثمنه ... ) نرجو الإفادة؟ A ليس هذا من بيع الأحرار، ولكن هذه المعاملة ظاهر كلام أهل العلم منعها؛ لأنه أكل مالٍ بغير حق، من استقدم عمالاً لا ليعملوا عنده، ولكن ليعملوا عند غيره، ويعطونه مقابل استقدامهم وكفالتهم شيئاً من المال، هذا محل نظر، وظاهر كلام أهل العلم منع ذلك، ولا نرى في كلام أهل العلم ما يدل على جواز ذلك، وقد بحثنا هذا في هيئة كبار العلماء ودُرِسَ ذلك دراسة وافية، فلم يتضح من كلام أهل العلم ما يدل على جواز هذا العمل، لكن إذا استقدمه ليعمل عنده بأجرٍ معلوم في البناء أو في الزراعة أو غيرها فلا بأس، لكن لا ينبغي أن يستقدم الكافر، فإن هذه الجزيرة لا يبقى فيها دينان، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين واليهود والنصارى من هذه الجزيرة ولا يبقى فيها إلا دينٌ واحد وهو الإسلام، فإذا استقدم فليستقدم مسلماً، من إندونيسيا، من باكستان وغير ذلك، يعمل ويتحرى أن يكون مسلماً طيباً، فإن بعض المسلمين فيه شرٌ كثير، لكن ينبغي له إذا استقدم أحداً أن يتحرى ويسأل عنه حتى لا يستقدم إلا مسلماً طيباً في عمله، وأما استقدامه ليستفيد منه، ويوزعه على الناس، فهذا يسبب استقدام المفسدين والفاسدين والأشرار، فلا ينبغي ذلك، ولا نعلم من كلام أهل العلم ما يسوغ ذلك.

حكم إخراج الزكاة من تأجير البيوت

حكم إخراج الزكاة من تأجير البيوت Q إذا كان للشخص عمارةٌ يؤجرها سنوياً، فهل يخرج الزكاة من دخلها أو من ثمنها؟ A إذا كان يستغلها في الإيجار لا للبيع فإنه يكفي الدخل الإيجار، أما إذا نواها للتجارة وأعدها للتجارة ويؤجرها وهي معدة للتجارة فيزكي عن الجميع، يزكي عن الأجرة ويزكي عن القيمة كل سنة، أما إذا لم يعدها للبيع فإنه يزكي عنها إذا حال عليها الحول.

حكم طاعة الوالدين في ترك النوافل أو ارتكاب المعاصي

حكم طاعة الوالدين في ترك النوافل أو ارتكاب المعاصي Q أنا شاب أرغب في بعض الطاعات كصيام النفل يومي الخميس والإثنين، والذهاب إلى مكة لأداء العمرة وغير ذلك، إلا أن والدي يمنعني، فما موقفي منه؟ A عليك أن تستأذن والدك وأن تستسمحه في ذلك؛ لأن بره واجب، وهذه نوافل، فلا تقدم النوافل على الواجب، بر أبيك واجب، وقد يكون صومك في النهار يعطل عليه بعض المصالح، ويسبب عليه مشاكل، فينبغي لك أن تجتهد في إرضاء والدك واستسماحه حتى يسمح لك بصوم الإثنين والخميس، وحتى يسمح لك بالذهاب للعمرة الغير واجبة، أما العمرة الواجبة والحج الواجب فالواجب عليه أن يسمح لك، وإذا أبى فلك أن تحج الحج الواجب إن كنت قادراً، وتعتمر إذا كنت قادراً ولو لم يسمح لك، لكن هذا في النوافل؛ العمرة النافلة والحج النافلة ونحو ذلك. السائل: حتى لو كان أمر الوالد لولده بحلق لحيته مثلاً؟ الشيخ: هذه معصية، لا يجوز طاعته في حلق اللحية، ولا في جر الثياب، ولا في ترك صلاة الجماعة؛ لأن المعصية لا تجوز طاعته فيها، إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما النوافل فيجتهد مع والده حتى لا يكون بينه وبين والده شر وعقوق ونحوه.

حكم زكاة العمارة إذا كان صاحبها مترددا بين بيعها وتأجيرها

حكم زكاة العمارة إذا كان صاحبها متردداً بين بيعها وتأجيرها Q لدينا فلة من العام الماضي خرجنا منها ونوينا أن نؤجرها أو نبيعها، فما يلزمنا من الزكاة؟ A إذا كنتم صممتم على البيع فهي للتجارة، تزكي كل سنة إذا كلف ثمنها، أما إذا كان تردد بيع أو إيجار، إن جاء مستأجر أجرنا، وإن جاء بائع بعنا، فالزكاة في الإيجار إذا أجرتموه لأنكم لم تصمموا على البيع.

زكاة الغنم

زكاة الغنم Q نرجو من سماحتكم إفادتنا عن زكاة عشرين من الغنم مع واحد لحاله، وعشرين مع واحد آخر لحاله، وهل يجوز إعطاء الزكاة للأخ وهو معه؟ A الزكاة في الغنم ثابتة بالنص والإجماع، وأقل نصابها أربعون، إذا ملك أربعين شاة من الغنم أو المعز سائمة ترعى ولا تعلف، ترعى أغلب الحول؛ وجب عليه الزكاة فيها شاة واحدة من أربعين، إذا كانت مملوكة له ملكاً تاماً، وكانت سائمة ترعى ولا يعلفها؛ وجب عليه الزكاة وهي شاة واحدة في الأربعين، وما فوقها إلى مائة وعشرين ليس فيها إلا شاة واحدة، الأربعون والخمسون والستون إلى المائة والعشرين هذه كلها فيها شاة واحدة، وهذا من تسهيل الله جل وعلا ورحمته، ما أوجب علينا إلا اليسير سبحانه وتعالى، فإذا زادت شاة واحدة إلى مائة وواحدة وعشرين؛ صار فيها شاتان، إلى مائتين ففيها شاتان، وإذا زادت على مائتين إلى مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياة، ثم بعد ذلك في كل مائة شاة، فإذا كانت أربعمائة ففيها أربع شياة، وخمسمائة فقط خمس شياة وهكذا، إذا كانت راعية ترعى في البر، أما إذا كان يعلفها وليس عنده عشب، فلا زكاة فيها. وإذا كانوا شريكين في أربعين شاة مختلطة، هذا عشرون وهذا عشرون، فعليها شاة واحدة كل واحد نصف شاة، وكل واحد منهما يعطي الآخر نصف القيمة، وهكذا إذا كانت بينهما ستون أو سبعون أو ثمانون إلى مائة وعشرين، ففيها شاة واحدة إذا كانت مختلطة في المرعى والمراح، فالزكاة بينهما.

مشروعية التصدق على الأقارب الفقراء

مشروعية التصدق على الأقارب الفقراء Q لي ولد عم وله سبعة أولاد وأنا أعطيه ما كتب الله؛ لأن حالته ضعيفة، ولي امرأة حريصة عليَّ ولا تريد أن أعطيه شيئاً، ومن شدة الغضب تترك الطعام لمدة يومين، ولنا مدة أربعة سنوات ونحن على هذه الحالة، ولي منها أربعة أولاد، فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وعندما تغضب تترك صلاة الفجر؟ A هذا شيءٌ عجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا غريب جداً! تمنعه من الصدقة وتترك الصلاة من أجل ذلك وتعتزل الطعام لأجل ذلك! هذه حالة سيئة عليه أن يستتيبها، وعليه أن يبين لها سوء عملها، وأن هذا العمل منكر، وأن الواجب عليها أن تساعده على الخير، إذا كان ولد عمك فقيراً وله أولاد، فينبغي أن تساعده وتتصدق عليه، وتعطيه ما تيسر من المال، بشرط ألا يضر بالمرأة وأولادها، أن تكون هذه العطية لا تضر بالمرأة وأولادها، فإذا كان عنده فضل يستطيع أن يقوم بواجب الزوجة وأولادها وكسوتها، وأن هذا الذي يعطيه ابن عمه الفقير زائد لا يضره، فعملها هذا منكر ولا يليق منها هذا، وإضرابها عن الطعام منكر، وإضرابها عن صلاة الفجر أنكر وأنكر، فيجب أن يخاطبها بالتي هي أحسن، وأن يبصرها عيبها، ويبين لها خطأها، وإذا كان لها والد أو أخ أو عم جيد فيخبره حتى ينصحها ويبلغها سوء عملها، حتى لو كان مقصراً ما ينبغي منها هذا، فكيف إذا كان عنده مال يسد الحاجة ويفضل حتى يساعد ابن عمه الفقير. على كل حال، هذه أخطأت خطأً كبيراً، فعلى زوجها أن يعالجها ويحاسبها ويخوفها من الله، ويحثها على التقوى، لعلها أن تستقيم، ولعلها أن تهتدي، هذا شيء منكر لا يجوز البقاء عليه. السائل: هل يطلقها؟ الشيخ: التطليق محل نظر، وإذا كان عندها أولاد فلعل تعديلها خير من طلاقها، وإن لم تعتدل فالطلاق عند ذلك فرجٌ له.

حكم طلاق الزوجة التي تترك الصلاة

حكم طلاق الزوجة التي تترك الصلاة Q هل يجوز طلاق الزوجة التي تصر على ترك الصلاة؟ A يجب أن تطلق وليس يجوز فقط؛ لأن ترك الصلاة كفر، من ترك الصلاة من غير عذر فقد كفر، فإذا أصرت على ترك الصلاة فيفارقها ويبعدها، وكذلك الزوجة إذا كان زوجها يصر على ترك الصلاة فتبتعد عنه وتذهب إلى أهلها حتى يتوب إلى الله.

الرد على دعوى التحذير من الزواج المبكر

الرد على دعوى التحذير من الزواج المبكر Q قال أحد وزراء الشئون الاجتماعية لإحدى الدول العربية: إن الزواج المبكر سببٌ في خروج الجنين مشوهاً، فما تعليق سماحتكم على ذلك؟ A هذا ما لا نعرفه له، الزواج المبكر مطلوب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) ، هذا هو المشروع، فإذا زوجه عند أهليته للزواج، وعند وجود الشهوة، فقد أحسن، وليس عليه بذلك بأس، وقول هذا الذي قال تخرص من القول ولا أصل له، أن الجنين يخلق مشوهاً في الزواج المبكر، هذا شيء لا أصل له، وإنما هو تنفير من الزواج المبكر بغير حق وبغير علم، وقد زوجنا وزوج الناس أولادهم مبكرين وما رأوا إلا خيراً، ولا نحمل ذلك على الشر الذي قاله هذا القائل.

ابن باز في ضيافة الشيخ/ ناصر العمر

ابن باز في ضيافة الشيخ/ ناصر العمر في هذه المادة يلتقي عدد من المشايخ والعلماء، فيعلق الشيخ ابن باز على بعض الآيات من كتاب الله، وبعد ذلك يتحدث الشيخ/ ناصر العمر مرحباً بضيوفه الكرام، متناولاً أهمية الالتفاف حول العلماء، وبعد ذلك يتحدث الشيخ ابن باز بنصيحة توجيهية للحضور، ويجيب على بعض أسئلة الحضور، ويأتي الدور إلى الشيخ/ البراك فيتحدث عن الحرص على طلب العلم والعمل به، والدعوة إلى الله والصبر على الأذى، ويختم اللقاء بقصيدة لشاعر الصحوة الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن العشماوي.

في ضلال آيات من سورة آل عمران

في ضلال آيات من سورة آل عمران المقدم: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: سماحة والدنا وشيخنا العزيز! الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، شيوخنا الكرام، علماءنا الأفاضل! نحييكم في مستهل هذا اللقاء الذي نرجو أن يجعله الله سبحانه وتعالى لقاءً مباركاً طيباً، نحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. خير ما نبدأ به هذا اللقاء الطيب تلاوة من كتاب الله الكريم، يتلوها علينا أخونا الفاضل الشيخ صالح الهبدان. {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين * قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:133-141] .

تفسير قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.

تفسير قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ... ) الشيخ ابن باز: في هذه الآيات الكريمات مواعظ وتذكير لأهل الإيمان والتقوى ولغيرهم من ذوي العقول السليمة، يقول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران:133] لما ذكر قصة أحد وما جرى فيها من المصائب العظيمة على المسلمين، وما ذكر فيها من بعض الحكم، ثم نهاهم عن الربا، وأمرهم بالتقوى، قال بعد هذا: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133] أي: لا يمنعكم ما حصل من المصائب، أو لا يضعفكم، أو لا يكسلكم ما حصل من المصائب عن المسارعة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133] أي: إلى أسباب المغفرة، والمسارعة بالمغفرة معناها: المسارعة إلى أسبابها، من طاعة الله وتقواه، والتوبة إليه سبحانه وتعالى. قال تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] ، الله يدعونا إلى أن نسارع إلى أسباب المغفرة وأسباب الجنة، وهي التوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، ثم يبين أن الجنة أعدت للمتقين، كما أن النار أعدت للكافرين، فالجنة أعدها الله للمتقين.

تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون في السراء والضراء.

تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون في السراء والضراء ... ) ثم ذكر بعض أعمال المتقين فقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران:134-135] ، ذكر الله، خمساً من صفاتهم، والمتقي على الإطلاق هو الذي يتقي غضب الله وعقابه بطاعته وترك معصيته، هذا هو المتقي، وهو المؤمن، وهو المهتدي، وهو الصالح، وهو المسلم حقاً، وهو البر الذي يتقي غضب الله ويتقي عقابه بأداء الفرائض وترك المحارم، والوقوف عند الحدود التي حدها الله، هذا هو المتقي وهو المؤمن حقاً. فمن صفاتهم ومن أعمالهم أنهم ينفقون في السراء والضراء، ينفقون من أموالهم ومما أعطاهم الله، في الشدة والرخاء، في السراء والضراء، نفقتهم مطلقة ليست تخص الضراء، بل في السراء والضراء، في وجوه الخير، والمشاريع النافعة، ومساعدة الفقراء والمحاويج، إلى غير هذا من وجوه الخير. قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران:134] يصيبهم ما يصيبهم من النكبات والظلم فيكظمون الغيظ، يصبرون ويحتسبون ويتحملون في سبيل الله هكذا المؤمن، هكذا طالب العلم، يتحمل ويكظم الغيظ يرجو ما عند الله من المثوبة، والإنسان قد يغضب كثيراً لأسباب كثيرة، لكنه إذا عفا وأصلح وكظم الغيظ في محله كان له أجر عظيم، وإذا انتقم واقتص فلا بأس في محله، فالمقصود أن المؤمن بين العفو والسماح وبين القصاص إذا رأى المصلحة في ذلك. قال تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] ، فالكظم غير العفو عن الناس، وفي آية أخرى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:39] إذا دعت المصلحة للانتصار انتصر، وإذا دعت المصلحة للعفو عفا، وكظم الغيظ، فالعفو في محله، والانتصار والقصاص في محله.

تفسير قوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة.

تفسير قوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة ... ) ثم ذكر من صفاتهم المسارعة بالتوبة إذا فعلوا فاحشة، والفاحشة كل ما نهى الله عنه فهو فاحشة، والكبائر أعظم الفواحش، والشرك أعظمها وأكبرها. قال تعالى: {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران:135] أي: بشيء من أنواع الظلم للنفس من سائر المعاصي، فإن الفاحشة تطلق على الصغيرة والكبيرة، أو ظلموا أنفسهم بما يعد ظلماً ويعتبر ظلماًَ من سائر المعاصي {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:153] ذكروا عظمة الله، وذكروا عظيم حقه، وذكروا شدة غضبه، فبادروا بالتوبة والإصلاح، وبادروا بالندم والإقلاع، فاستغفروا لذنوبهم استغفاراً كاملاً معه التوبة والندم وعدم الإصرار فالاستغفار المفيد النافع هو الذي تصحبه التوبة والندم، والإقلاع وعدم الإصرار، أما الاستغفار بالقول من دون عزم صادق على الترك، ومن دون إقلاع، فهذا مجرد كلام، وقد يرد على صاحبه ولا يقبل عقوبة له، فالمقصود أن الاستغفار المفيد العظيم النفع الحقيقي هو الذي تصحبه التوبة والندم وعدم الإصرار، ولهذا قال بعده: {وَلَمْ يُصِرُّوا} [آل عمران:135] أي: استغفروا صادقين، وتابوا صادقين، فلم يصروا على الذنوب، بل استغفروا بالألسنة وصدقوا ذلك بالقلوب، بالندم، والإقلاع، والعزم الصادق ألا يعودوا.

تفسير قوله تعالى: (أولئك جزاؤهم مغفرة.

تفسير قوله تعالى: (أولئك جزاؤهم مغفرة ... ) قال تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ} [آل عمران:136] هذا جزاء التائبين المستغفرين الصادقين غير المصرين: {جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136] هذا فيه رحمة، ودعوة للعاصي بالمبادرة بالتوبة وعدم اليأس من الله، فلا يقنط، ويبادر بالتوبة، والله يتوب على التائبين.

تفسير قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن.

تفسير قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن ... ) ثم يشير إلى السنن التي مضت في العباد من نصر الله للمؤمنين وعقابه للمجرمين، فاحذر أن يصيبك ما أصاب المجرمين، انظر سنة الله في قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط وغيرهم؛ حتى لا يصيبك ما أصاب أولئك، عليك بالحذر فما فعله الله بالمجرمين، وعليك بحسن الظن بالله فيما فعله بالمؤمنين. ثم يبين أن هذا القرآن بيان للناس وبلاغ وهدى وموعظة للمتقين، فالله جعل فيه البيان والهدى، كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} [إبراهيم:52] فالواجب الانتفاع بهذا البيان، والاستفادة من هذا البيان، والحذر من الإصرار على الذنوب.

تفسير قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون.

تفسير قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ... ) ثم يخاطب المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] أي: لا يحملكم ما أصابكم يوم أحد من المصيبة على الوهن والضعف، بل شمروا واصبروا وصابروا، فأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، فهم الأعلون وهم المنصورون إذا استقاموا على الإيمان، ولهذا نصرهم الله، وجمع شملهم بعد أحد، وهزم عدوهم، وجعل لهم العاقبة الحميدة يوم الأحزاب، ويوم خيبر، ويوم الفتح، وصارت العاقبة الحميدة لهم بنصره سبحانه وبحمده {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40-41] .

تفسير قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح.

تفسير قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح ... ) ثم يبين أن القرح ليس حاصلاً بهم، بل قد أصاب عدوهم ما أصابهم: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] يوم بدر {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] الله يداول الأيام بين الناس، يوم لنا ويوم علينا، عبر يمحص الله بها المؤمنين ويبين إيمانهم وصدقهم، ويفضح الله بها المنافقين، ويمحص الله بها ذنوب المسلمين، فلله فيها الحكم العظيمة، فالإنسان لا يقنط إذا نزلت به مصيبة، أو أصابه المرض، أو خسر في سلعة في مال، أو أصابته نكبة في أي شيء، فلا يجزع ولا يقنط، بل يشمر في طاعة الله، ويسأل ربه العون والتوفيق والعوض عما أصابه، وليشمر إلى طاعة الله ورسوله، وليبشر بالعاقبة: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] ، فالله جل وعلا وعد بالعاقبة الحميدة لمن صبر: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120] . وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومنحنا جميعاً وسائر المسلمين الاستقامة على الحق، وحسن الظن بالله، والعافية من أسباب غضبه، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه. المقدم: جزاك الله خيراً يا سماحة الشيخ! ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق هذه الأمة اليقين به، الذي يحقق لها النصر المبين إن شاء الله. والآن مع كلمة لصاحب هذه الدار المباركة أخونا الدكتور ناصر العمر، يرحب فيها بضيوفه الكرام.

كلمة الشيخ/ ناصر العمر

كلمة الشيخ/ ناصر العمر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. سماحة والدنا وشيخنا الشيخ العلامة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، أصحاب الفضيلة العلماء، أيها الإخوة الكرام! نيابة عن والدي وإخواني وأعمامي وأصالة عن نفسي، أرحب بكم في هذه المناسبة المباركة التي شرفنا فيها والدنا الشيخ/ عبد العزيز حفظه الله. إنني لم أستطع أن أعبر عن سروري وشعوري بالغبطة بهذا اللقاء المبارك، حيث إن زيارة سماحة الوالد لهذا البيت لأبنائه في بيتهم تعد إكراماً لنا وتشريفاً لنا، كيف وقد تحقق مع هذه الزيارة أن تفضل عدد من مشايخنا وعلمائنا وإخواننا بزيارتنا في هذا البيت في هذا اليوم المبارك! والله يعلم يا سماحة الوالد! ما نكنه لكم من محبة وتقدير، ووالله إننا لنخصكم بالدعاء لما نعلمه من جهودكم، وما تعلقه الأمة عليكم من آمال بعد الله جل وعلا. إن العلماء هم قادة الأمة الذين يهدونها إلى الصراط المستقيم، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر، ونحسب أنكم يا سماحة الوالد قد أكرمكم الله جل وعلا بعلمٍ غزير استفادت منه الأمة على مر الأجيال ولا زالت تستفيد، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في أنحاء العالم الإسلامي، وهذا من فضل الله عليكم، ثم هو يحملكم مزيداً من التبعة والمسئولية أعانكم الله على حملها. إن هذه البلاد تميزت بميزة لم أجدها في كثير من الدول، تميزت بعلمائها إن المأساة التي تعاني منها كثير من الشعوب في الدول الإسلامية أنها لا تجد لها قائداً يقودها إلى الحق، إلا قلة من الأفراد وبعض العلماء، الذين لم يتح لهم كما أتيح من العلم والقبول لعلمائنا في هذه البلاد المباركة، والناس يا سماحة الوالد! ويا أصحاب الفضيلة! لا أقول في البلاد الإسلامية أو العربية، بل حتى في الدول الأوروبية، بل حتى في دول شرق آسيا، بل حتى في الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، ينظرون لعلماء هذه البلاد نظرة خاصة إذا قالوا فقولهم الفصل، وإذا حكموا فإن الناس ينتظرون إلى قولهم وإلى حكمهم، وهذا يتطلب منا مزيداً من الجهد، ومزيداً من العناية بهؤلاء في أنحاء العالم. أما وقد حباكم الله بهذه المكانة فأقول: هنيئاً لكم، وهنيئاً لعلمائنا بهذه المكانة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] . إن الفتن يا سماحة الوالد! ويا أصحاب الفضيلة! وأيها الإخوة الكرام! تعصف في هذه الأيام بالبلاد الإسلامية وغيرها، ولا نجاة ولا مخرج للأمة من هذه الفتن إلا بما خرجت به في الأزمان الماضية، بكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقد خُتمت النبوة والرسالة بنبينا صلى الله عليه وسلم، وبقي دور من يحمل هذا العلم، يحمل هذا الميراث، ميراث الكتاب والسنة، ميراث النبوة. فأقول: إنني قلما زرت بلداً إلا أجد السؤال عن علماء هذا البلد، وأجد السؤال بصفة خاصة عنكم يا سماحة الوالد، ومن هنا فقد اغتاظ الأعداء عندما رأوا هذه المكانة لعلمائنا، وهذه المنزلة التي هي في سويداء القلب في بلادٍ كثيرة وأخص هذه البلاد، فدأبوا يبثون الفتن والشكوك عندما أعيتهم السبل والحيل لتفريق الأمة أو لعزلها عن علمائها، فبدءوا يبثون الأقاويل، ويرجفون ليل نهار بخيلهم ورجلهم لتشويه صورة علمائنا، ولافتراء الأكاذيب، وللفصل بين العلماء وطلبة العلم، وهذا سيرتد عليهم بإذن الله بخيبة كبيرة، وسيبقى علماء هذه البلاد كباراً وصغاراً وليس فيهم صغير، ستبقى كلمتهم واحدة، ومنهجهم واحد هو منهاج النبوة، منهج سلف هذه الأمة، منهج أهل السنة والجماعة. إنها مناسبة كبيرة وعزيزة أن نلتقي مع سماحة والدنا، ويحضر هذا اللقاء عدد من مشايخنا وإخواننا من طلاب العلم ومن الدعاة إلى الله جل وعلا، إنه شرف لنا أن نكثر من هذه المجالس، وأن تستمر الزيارة والصلة بين علمائنا أو مع علمائنا. إن من حق مشايخنا على تلاميذهم أن يصلوهم وأن يزوروهم، وأن يأخذوا من علمهم، وأن يدافعوا عن أعراضهم، فدفاعهم عن أعراضهم دفاع عن ميراث النبوة. إنني لا أريد أن أستأثر بالحديث، فإن الإخوة ينتظرون، وجاءوا ليستمعوا لكلماتكم، ولينهلوا من علمكم الغزير، فأكرر شكري لكم يا سماحة الوالد، ولصحبكم الكرام، ولجميع الإخوة الحاضرين، فقد شرفتمونا شرفاً لا نجازيكم به إلا بالدعاء في الأوقات الفاضلة، والأزمان الفاضلة، والأماكن الفاضلة، فجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأسأل الله جل وعلا أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يزيدنا علماً ويقيناً وعملاً لما نتعلم. شكراً لكم مرة أخرى، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ ابن باز: جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، وأثابكم الله، وتقبل منا ومنكم، وهدانا جميعاً إلى صراطه المستقيم، وأعاذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأصلح علماءهم، وأعانهم على أداء الواجب في كل زمان ومكان، إنه سميع قريب.

كلمة توجيهية للشيخ/ ابن باز

كلمة توجيهية للشيخ/ ابن باز المقدم: أنقل إلى سماحة والدنا الكريم رغبة الإخوة الحضور في أن يلقي عليهم سماحته كلمة توجيهية بمناسبة هذا الحضور، وهم يعدون ما سبق من كلماته إنما كان تعليقاً على الآيات الكريمات التي قرأها أخونا الشيخ صالح، فيرجون من سماحة الشيخ أن يلقي كلمة توجيهية بهذه المناسبة في هذا اللقاء الطيب.

الاعتناء بالكتاب والسنة

الاعتناء بالكتاب والسنة باسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله. أحسن موعظة وأكبر موعظة هو كتاب الله عز وجل، فيه الهدى والنور، فيه التبصير والتذكير، يقول عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15-16] فأنا أوصي الجميع ونفسي بتقوى الله جل وعلا، والعناية بالقرآن الكريم، والإقبال عليه، والإكثار من تلاوته بالتدبر والتعقل والنية الصالحة للعمل، ليس المقصود مجرد التلاوة، ولكن المقصود هو التدبر والتعقل والعمل، فالتلاوة وسيلة وعبادة يؤجر عليها، لكنها ليست هي المقصود، المقصود هو التدبر والتعقل والعمل، فأنا أوصي الجميع رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، بالعناية بالقرآن، والحرص على تلاوته، وحفظ ما تيسر منه، أو حفظه كله إذا تيسر ذلك، مع القصد الصالح والنية الصالحة، وذلك بالتدبر للعمل، بالتدبر ليعمل بأوامر الله وينتهي عن نواهيه الرجل والمرأة، والكبير والصغير، والشيبة والشاب، يتدبر كتاب ربه، فإن الله أنزله للعمل، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] . فأنا أوصي الجميع بتقوى الله في جميع الأحوال، وأوصي الجميع أيضاً بالعناية بالقرآن؛ لأنه هو الوسيلة العظيمة لمن أصلح الله نيته وأراد الخير، أن يتدبر القرآن، وأن يعمل به في السر والجهر، في الشدة والرخاء، مع العناية بالسنة -سنة النبي صلى الله عليه وسلم- وحفظ ما تيسر منها، ومراجعة كتبها، وسؤال أهل العلم عما أشكل؛ لأن السنة تفسر القرآن وتبين معانيه، وتدل على ما قد يشكل، كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] . فأكرر وصيتي للجميع بالعناية بالقرآن تلاوة وتدبراً، وتعقلاً وعملاً، في الأوقات المناسبة بالليل والنهار، للرجال والنساء، للعالم والطالب، ولغير العالم والطالب، ولجميع المسلمين، مع العناية بالسنة حسب الطاقة، سنة الرسول، صلى الله عليه وسلم وحفظ ما تيسر منها، كـ عمدة الأحكام، والأربعين النووية، وبلوغ المرام، وحفظ ما تيسر من كتب العقيدة مثل: الأصول الثلاثة، وهو كتاب جيد مع اختصاره لكنه عظيم ومفيد، فأنا أوصي كل طالب وكل طالبة بحفظه، وكل مؤمنة تستطيع أن تحفظه، لما فيه من الخير مع كتاب الله عز وجل. وكذلك كشف الشبهات، فهو كتاب عظيم مع صغره، والعقيدة الواسطية، كتاب عظيم في العقيدة.

أهمية التناصح والتواصي بالحق

أهمية التناصح والتواصي بالحق ثم أوصي الجميع بالتناصح والتواصي بالحق والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، في البيت في الطريق في السيارة في القطار في الطائرة في كل مكان، الرجال والنساء جميعاً، يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] هذا أمره سبحانه لجميع الناس، للشيب والشباب، للرجال والنساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] الوقاية بماذا؟ بالتناصح. بالتعاون على البر والتقوى بالدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه هي الوقاية، وليس بالمال، بل الكلام بالنصيحة بالتوجيه إلى الخير بالأمر والنهي، والمال من ذلك إذا دفع المال ليعينه على طاعة الله، ويشجعه على طلب العلم وحفظ القرآن، فهذا حسن، فالمقصود التعاون على البر والتقوى، حتى يقي الإنسان نفسه، ويقي أهل بيته من زوجة وأم وأب وإخوان ذكور وإناث وغيرهم، يقيهم عذاب الله، بالتناصح والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويقول سبحانه في سورة التوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ، أولياء وليسوا أعداءً، أولياء يتناصحون، كل واحد يحب الخير لأخيه لا يؤذيه لا يظلمه في نفسه ولا في ماله ولا في عرضه لا يدعي عليه الدعوى الباطلة، ولا يشهد عليه بالزور، ولا يخونه في المعاملة، ولا يغشه في المعاملة، هذه من الولاية {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] ، لا غل، ولا حقد، ولا غش، ولا خيانة، أحباب وإخوة يتناصحون ويتواصون بالحق والصبر عليه. ثم نبّه على أمرٍ عظيم مما تقتضيه الولاية فقال: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] ، هذا من واجب المحبة في الله، ومن واجب الولاية في الله على الإخوة، لا تمنعك محبتك أخيك أن تأمره بالمعروف لا تمنعك قرابته لا تمنعك صلته لا يمنعك الإحسان إليه أن تأمره بالمعروف وأن تنهاه عن المنكر، فإن هذا من الإحسان إليه، ومن محبته، ومن وقايته عذاب الله، أن تأمره بالمعروف وأن تنهاه عن المنكر. ثم قال: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71] هذا واجب المؤمنين لا يكون إلا بهذا، وإلا يكون إيمانهم معدوم أو ناقص، ثم قال: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71] مع الولاء فيما بينهم مع النصح مع التواصي بالحق مع الأمر بالمعروف مع النهي عن المنكر مع إقامة الصلاة مع إيتاء الزكاة، يطيعون الله في كل شيء من بقية الأوامر يطيعون الله ورسوله في بقية الأوامر والنواهي. {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] وعدهم بالرحمة على هذا العمل الطيب، في الدنيا بالتوفيق والهداية والإعانة، وفي الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء المؤمنين، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يمنحنا الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يصلح ولاة أمرنا، وأن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم دعاة إلى الحق وهداة للخلق، وأن يعينهم على إصلاح ما فسد، وعلى كل خير، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

الأسئلة

الأسئلة المقدم: جزاك الله خيراً يا سماحة الوالد! وقد ورد إلينا عدد من الأسئلة من الإخوة الحضور يرغبون من سماحتكم الإجابة عليها، فهل تأذنون لنا بعرضها عليكم؟ الشيخ: لا بأس.

وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم Q هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند كل مرة يذكر فيها، ولو تكرر في المجلس الواحد عدة مرات؟ A ظاهر الحديث وجوبها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليَّ) وهذا وعيد، بل وفي الحديث الآخر: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ) ولا بأس بإسناده أيضاً، فظاهر الحديث أنه متى ذكر النبي يصلى عليه اللهم صلِّ عليه وعلى آله، دعاء من الله يثني عليه ويرحمه.

ظاهرة انتشار الرقية مع أخذ المبالغ الطائلة عليها

ظاهرة انتشار الرقية مع أخذ المبالغ الطائلة عليها Q كثر الذين يرقون الناس حتى اتخذها بعضهم مهنة وحرفة لا عمل له إلا هذا، وأقحم نفسه في هذا الأمر من لم يتميز عن غيره بعلم ولا صلاح، مع ما يأخذون من الناس من الأموال الكثيرة، وفي نفس الوقت الذي يقصر فيه بعض طلبة العلم، ويحجمون عن أن يكفوا أهليهم في هذا الجانب، فهل من تعليق على هذا الأمر مع بيان الحكم؟ A نعم. هذه مسألة كثرت من الناس، ولعل من أسبابه: الحرص على المال، والتظاهر بأنه يحسن هذا الشيء، فيحصلون على المال بهذه الرقية، وقد نُبهت الداخلية على هذا، وقد شكلت وزارة الداخلية لجنة من العلماء فدرسوا الموضوع وأعدوا بياناً بهذا الشيء، وذكروا فيه الشروط التي ينبغي لمن توفرت فيه الشروط أن يسمح له بالرقية، وجاءتنا صورة منه، واقترحنا عليهم أن هذا لا نستطيع أن نكون نحن المسئولين في هذه المملكة، ولكن اقترحنا عليهم أن يكون هذا إلى الحاكم، وأن تعطى المحاكم صورة مما قررته اللجنة، وكل إنسان يريد الرقية ومعالجة الناس يرفع للمحكمة، والمحكمة تسأل عنه وتعرف حاله، ثم تأذن له إذا كان أهلاً لذلك أو تمنعه؛ لأن المحاكم والحمد لله منتشرة في المملكة، وهي أولى الجهات بأن تكون هي المسئولة عن هذا الشيء، وقد أكدنا على هذا أيضاً مرات في هذه الأيام، وأيضاً أكدنا أنها تبلغ للمحاكم، لأننا لا نستطيع أن نقوم بهذا في جميع المملكة، ونرى أن المحاكم لعل فيها -إن شاء الله- البركة والخير حتى تقوم بهذا الأمر. وينبغي لمن عرف إنساناً لا يصلح أن يكتب عنه لوزير الداخلية أو نائبه، أو لنا، ونحن ننظر في الموضوع إن شاء الله؛ لأن من لا يصلح لا ينبغي أن يقر، والله المستعان. السائل: جزاكم الله خيراً تتمة للسؤال: ما حكم الاحتراف؟ الشيخ: إذا كان عنده معلومات حسنة في الرقية، وله نية صالحة فلا بأس، فإن الصحابة لما جاءهم أصحاب اللديغ رقوه بجعل. السائل: موضع السؤال عن الاحتراف، اتخاذ هذا الشيء والتفرغ له، هذا الآن هو الذي حصل فيه التوسع؛ لأنه يمكن أن يقرأ على مقدار كذا من الماء. الشيخ: والله أنا لا أعرف لهذا أصلاً، أما كونه يقرأ في الماء ويعطيهم فليس فيه شيء. السائل: كونه يقرأ من بعيد لا يقرأ بفيه من بعيد، أو يقرأ على كمية من الماء ثم يفرغه في قوارير ويبيعها وربما أنتم تعرفون أكثر مما أعرف. الشيخ: بلغنا هذا، والرقية في الماء ليس فيها مانع. السائل: بهذا الشكل يا شيخ؟ الشيخ: نعم. السائل: وإذا كان بنية جماعة؟ الشيخ: إذا كانوا جماعة وسمعوا عنده وقرأ وهو ينوي لهم ووزعه عليهم فلا أعلم فيه شيئاً. السائل: وإذا باع هذا المقدار الذي قرأ فيه بالعشرة أو العشرين؟ الشيخ: ينبغي فيه التسامح وعدم التكلف، وإذا كان المبلغ يسيراً فلا بأس، أو إذا كان المبلغ يسيراً عن جلوسه وتعطله لهذا العمل فالأصل فيه قصة اللديغ، وحديث: (إن أحق ما أخذتم عليه الأجر كتاب الله) .

ضابط الإنكار للحاكم والمحكوم

ضابط الإنكار للحاكم والمحكوم Q ما ضابط الإنكار من حيث الإسرار والجهر به، وإذا لم يُجْدِ الإسرار فهل يجهر بالإنكار؟ وهل هنالك فرق بين الحاكم والمحكوم في هذه المسألة؟ وكيف نوجه قصة أبي سعيد الخدري مع الخليفة في تقديم الخطبة على الصلاة، وقصة سلمان مع عمر في قصة القميص وغيرها من الوقائع؟ A الأصل أن المُنكِر يتحرى ما هو الأصلح والأقرب إلى النجاح، فقد ينجح في مسألة مع أمير ولا ينجح مع الأمير الثاني، فالمسلم الناصح يتحرى الأمور التي يرجو فيها النجاح، فإذا كان جهره بالنصيحة في موضع يفوت الأمر فيه، مثل قصة أبي سعيد، والرجل الذي أنكر على مروان إخراج المنبر، وتقديم الصلاة، فهذا لا بأس؛ لأنه يفوت، أما إذا كان الإنكار على أمور واقعة، ويخشى أنه إن أنكر لا يقبل منه أو تكون العاقبة سيئة، فيفعل ما هو الأصلح، فإذا كان في مكان أو في بلد مع أي شخص، ويظهر له ويرتاح إلى أن الأصلح مباشرة الإنكار باللسان والجهر معه فليفعل ذلك، ويتحرى الأصلح؛ لأن الناس يختلفون في هذه المسائل، فإذا رأى المصلحة ألا يجهر، وأن يتصل به كتابة أو مشافهة فعل ذلك؛ لأن هذه الأمور تختلف بحسب أحوال الناس. وكذلك الشخص المعين يحرص على الستر مهما أمكن، ويزوره، أو يكاتبه، وإذا كان يرى من المصلحة أنه إذا جهر قال: فلان فعل كذا، ولم تنفع فيه النصيحة السرية، ورأى من المصلحة أنه ينفع في هذا الشيء فيفعل الأصلح، فالناس يختلفون في هذا، والإنسان إذا جهر بالمنكر فليس له حرمة إذا جهر به بين الناس فليس لمجهر الفسق حرمة في عدم الإنكار عليه، وقد ذكروا أن الغيبة في حق من أظهر الفسق لا تكون غيبة إذا أظهره ولم يستحِ.

مراعاة المصلحة في إظهار الدعوة

مراعاة المصلحة في إظهار الدعوة Q في بعض البلاد يصعب أن يعلن الداعية عن دعوته لما يلحقه من الضرر، لذلك يلجأ إلى السرية في دعوته، فما هو الحكم؟ A مثلما تقدم، هذا هو الأحسن، هذا هو الواجب أن يعمل ما هو الأصلح، في مقام يعلن، وفي مقام يسر، وفي مقام يتصل بفلان الذي ينصح له، وفي مقام يقول على رءوس الأشهاد كذا وكذا، على حسب المصلحة الدينية وليس بالهوى.

منهج السلف في التعامل مع المخالفين

منهج السلف في التعامل مع المخالفين Q كثيراً ما يحصل الخلاف بين طلبة العلم أصحاب المعتقد الواحد في بعض المسائل التي يسوغ الخلاف فيها، سواء العلمية أو الدعوية، فيؤدي هذا الخلاف ببعض المخالفين إلى التجني على المخالف بالكلام والقدح واللمز والتنقص والتبديع، فما هو منهج السلف في التعامل مع الخلاف؟ A هذا لا يجوز، والواجب على العلماء وطلبة العلم في هذه المسائل وإن اختلفوا، أن تكون ألسنتهم لينة وبريئة من اللمز والغمز، وأن يكونوا متناصحين، كل واحد يعذر أخاه، فقد يكون اجتهد في هذا، وهذا له أجران، وهذا له أجر مع النية الصالحة، إذا كان المقام يسوغ فيه الاجتهاد، وليس فيه نص واضح، أما إذا كان فيه نص واضح فالنص يقطع النزاع، الله يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] ، أما إذا كان ليس فيه شيء، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث القضاء: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر) ، والواجب عدم التنابز بالألقاب، وعدم إعلان السب لأخيه، ولكن يتناصحون فيما بينهم، يجتمعون ويتناصحون، يزور هذا هذا، أو يزور هذا هذا، أو يتوسط هذا لهذا، حتى تزول الوحشة، وحتى تحصل الفائدة بالمذاكرة في العلم، وأخذ الدليل على هذا أو هذا، فكل الأئمة اختلفوا الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك، وقبلهم التابعون، وقبلهم الصحابة مع المحبة فيما بينهم، فلا يجوز في هذا اللمز والغمز وتعاطي أسباب الشحناء والعداوة، فهذا منكر.

الأمانة في تقويم اختبار المخالف في العقيدة أو الدين

الأمانة في تقويم اختبار المخالف في العقيدة أو الدين Q الذي يقوم بتدريس أحد من الرافضة، كيف يقومه في الاختبار؟ هل بما يعلمه من عقيدته، أو بما يكتب في الورقة من إجابة؟ علماً بأن هؤلاء الرافضة سيقومون بالتدريس والعمل في مصالح المسلمين؟ A الذي يظهر لي أن هذه أمانة، ينصح في تصحيح الأوراق على حسب حال ما عنده، وأما النصيحة في عدم التوظيف فهذا ليس بيده، هذا شيء آخر، المقصود هنا أن يغش هذا أو ينصح له، حتى لو كان كافراً فلا يغشه، الغش محرم (من غشنا فليس منا) ، لكن ينصح في اختبار الجميع، ويؤدي الحق في اختبار الجميع، ويدعو إلى الله، يدعو هذا المبتدع إلى الله، وكذلك يدعو الكافر، ومسألة الولايات ليست إليه. السائل: هل عليه أن يقوم هذا الشخص بالدرجات؟ الشيخ: يصحح حسب ما عنده، أما التقويم فإلى الله، لكن النصيحة والتصحيح في الاختبار إذا أصاب صوبه وإذا أخطأ خطأه. السائل: وإن كان نصرانياً. الشيخ: والنصراني واليهودي الذي عندك. السائل: تقويم الدرجات من حيث السيرة والسلوك، هل يكون مثل بقية الطلاب؟ الشيخ: السيرة لها شأن آخر، إذا كان هناك شيء يتعلق بالسيرة أو بالإيمان أو العمل الصالح، فيخفض من جهة السيرة لا من جهة العلم. السائل: إذاً الرافضي في السيرة صفر. الشيخ: ليس فيه شيء، الرافضي والكافر صفر، والعاصي بين ذلك.

الانشغال بالدعوة مع التقصير في النوافل وغيرها

الانشغال بالدعوة مع التقصير في النوافل وغيرها Q هل الانشغال بالدعوة والسعي في أمور المسلمين حجة للضعف في العبادة، وهجر القرآن، وترك النوافل، والتقصير في حقوق الأهل؟ A هذا يختلف بحسب حال الداعي إلى الله، إذا كان ذا علم وبصيرة، وليس هناك من يقوم مقامه بهذا الأمر، فهذا واجب عليه مقدم على النوافل، فقراءة القرآن نافلة، ونوافل العبادة نافلة، فإذا كانت النافلة تمنعه من هذا الواجب قدم الواجب، وإذا كان في بلد هو الذي يأمر وينهى، وإذا جلس يقرأ القرآن أو يتنفل الضحى، أو يتنفل قبل الصلاة، تعطل المنكر وما وجد من ينكره، قدم إنكار المنكر؛ لأنه واجب، فالمقصود هنا يختلف بحسب أحوال الناس، وإذا كان هناك من يقوم مقامه ويكفي عنه، فلا يعطل ما شرع الله من الرواتب، أو من الوتر، أو صلاة الضحى، أو قراءة ما تيسر من القرآن، يجمع بين هذا وهذا، لكن إذا تعارض واجب ومستحب قدّم الواجب. السائل: وحقوق الأهل أحسن الله إليكم؟ الشيخ: وحق الأهل فيه تفصيل: إن كان واجباً فلا بد أن يقدم الواجب، وأما المستحب والنوافل والشيء الزائد فيقدم الواجب عليه، يقدم ما هو أهم من مصلحة المسلمين عليه، والجلوس عندهم الوقت الطويل، والمداعبة والمحادثة معهم، والأنس معهم مستحب، لكن إذا كان يضيع مصالح المسلمين العامة فهذا يقدم، أما أداء الواجب من كسوة، ومن حسن خلق، ومن جماع، ومن مبيت، فلا يعطله، ورعاية الأولاد كذلك حق واجب عليه، والله المستعان!

معاملة الخادمات في البيوت

معاملة الخادمات في البيوت Q هنا سؤال عن الخادمات في البيوت يقول: الخادمات في البيوت من احتاج إليهن كيف يصنع، وبخاصة أنهن يستقدمن من غير محرم، وهل يدخل هذا تحت عموم البلوى؟ A الخادمات والخدم من البلايا وكذلك السائقون، كلها من البلوى التي أصيب المسلمون بشرها العظيم، من جهة الخادمات والخدم والسائقين والعمال الذين يتساهلون معهم، فالواجب الحذر، وألا تستجلب الخادمة إلا عند الضرورة والحاجةِ الشديدة، ويتحرى الحذر من الخلوة بها، يكلمها من دون خلوة، ويستعملها من دون خلوة، وكذلك زوج المرأة أو أخوها أو أبوها لا يخلو بها، بل يستعملونها من دون خلوة، مثلما كانت تستخدم عند النبي صلى الله عليه وسلم، ومثلما كانت الخادمة عند فاطمة وغيرها، من غير خلوة، هذا عمل الصحابة وعمل الأخيار إذا استعملوا الخدم يكون من غير خلوة، ومن غير نظر إليهن، ويجب غض البصر عنهن، يجتهد في هذا كله، وإذا استغناه الله فليحذر، ولا يستقدم الكافرات، فلا يستقدم إلا مسلمات، ويتحرى، فلا يستقدم سائقاً كافراً، ولا خادماً كافراً، ولا عاملاً كافراً، يجتهد ألا يستقدم إلا مسلماً أو مسلمة عند الحاجة والضرورة، والسائق كذلك. السائل: ما حكم استقدام الخادمات بدون محرم؟ الشيخ: لا يطيعون، يرسلونها بمحرم، فالذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا بمحرم، لكن إذا استقدمها أهلها وهم الذين أرسلوها فالإثم عليهم، والمستقدم إذا قال: هم الذين أرسلوها، فالواجب عليه ألا يستقدم إلا بمحرم، إلا إذا كانوا هم الذين فعلوا، هذا الذي يظهر لي، ولا يرضى بفعل المعصية.

مراعاة المصلحة في الأعمال

مراعاة المصلحة في الأعمال Q من وجد أن اعتماره أول شهر رمضان أو أوسطه، ثم رجوعه إلى بلده واعتكافه في مسجد حيه، أصلح لحاله وأشرح لصدره، فهل يكون أولى من اعتكافه في المسجد الحرام، وبخاصة أنه يؤدي إلى رعاية أولاده والمحافظة عليهم؟ A الأفضل أن يعمل الأصلح، إذا كان الرجوع أصلح لدينه ولأهل بيته رجع، يأخذ العمرة ويكفي ويرجع، ولا يعتكف هناك، بل يهتم بالبيت وبالأولاد، هذا الاعتكاف منفعة خاصة له، والرجوع منفعة عامة ومصلحة عامة فيرجع.

حكم همز ولمز الدعاة إلى الله

حكم همز ولمز الدعاة إلى الله Q هذا السؤال الأخير طرحه بعض الإخوة، ويقولون: يوجه إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وإلى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ عبد الرحمن البراك، يقول: سمعنا كلاماً في شريط لأحد الأشخاص يصف فيه بعض الدعاة أمثال الشيخ/ سلمان العودة، والشيخ/ سفر الحوالي وغيرهما من طلبة العلم وأمثالهما، يصفهم بأنهم ضلال، ودعاة بدعة، وأنهم أضل من مبتدعة العصور الماضية، ويحذر من سماع أشرطتهم والاغترار بكلامهم. فما رأيكم في مثل هذا الكلام أثابكم الله؟ A هذا غلط قبيح، ولا ينبغي أن يسمح لهذا الشريط، ينبغي أن يتلف هذا الشريط، والمقصود أن هذا لا ينبغي أن يسمع له ولا يتكلم فيه، وينكر عليه. نسأل الله أن يعفي عن الجميع، وأن يجمع قلوبهم على التقوى، وهذا الذي أشرنا له أن الواجب الكلام الطيب، وعدم إشاعة الفاحشة والكلام السيئ، والتنابز بالألقاب، وغيبة الناس بغير الحق، وهذا شر نسأل الله العافية، والله يهدي الجميع، ويعيذ الجميع من الشيطان.

كلمة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله

كلمة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله المقدم: الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله، يتكلم كلمة جزاه الله خيراً. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله أصحاب الفضيلة، سماحة شيخنا! حياكم الله جميعاً في هذا اللقاء الطيب، وإننا نشكر الله على إعانته وتيسيره لهذا الاجتماع الكريم، ثم نشكر أخانا الدكتور ناصر العمر ووالده وإخوته، جزاهم الله خيراً على التسبب في هذا الاجتماع. ثم نشكر شيخنا على كلماته الطيبة، وتوجيهاته الحسنة، فجزاه الله خيراً، وأثابه أجراً في التعليق وفي الإرشاد والتوجيه والإجابة على الأسئلة، نرجو الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا. وفي الحقيقة ليس عليه مزيد، ولكن أحب أن أقول كلمة قصيرة تحتوي على أربعة أشياء، وبيان نتائج تركها:

الحرص على العلم النافع

الحرص على العلم النافع أولاً: يجب علينا الحرص على العلم النافع، الذي ينفعنا عند الله، من كتاب الله ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نتروى بهذا، وأن نكثر من حضور مجالس الذكر وحلق العلم، وأن نحرص على الأخذ من كتاب الله وسنة رسوله، ومن علمائنا الأفاضل، حتى نربي قلوبنا على محبة الله ورسوله.

العمل بالعلم

العمل بالعلم ثانياً: العمل والحرص والجد والاجتهاد على التطبيق، لا نقول: نتسمى بأننا طلبة علم، ثم يتخلف كثير منا عن العمل، فلا يليق من طالب العلم هذا وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن فيجب علينا أن نحرص على التطبيق، وعلى العمل بالعلم؛ حتى نكون قدوة حسنة، وحتى نقود الناس بأفعالنا قبل أقوالنا.

الدعوة إلى الله

الدعوة إلى الله ثالثاً: الدعوة إلى ذلك، والحرص على الدعوة، وأداء هذه المهمة، وهذه الفضيلة التي ساقها الله لك -أيها الأخ الكريم- أن تبذل مما أعطاك الله، وأن تدعو وتعلم، وترشد الناس وتدعوهم إلى الحق، حتى يصلحك الله ويصلح الله بك، لا تقتصر على نفسك، بل تسعى في الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى الخير، وحثهم على التناصح فيما بينهم والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وأن تؤدي زكاة هذا العلم الذي أعطاك الله، ولهذا يقول الشافعي رحمه الله: وأدِ زكاة الجاه واعلم بأنها كمثل زكاة المال تم نصابها فعليك مسئولية عظمى وأمانة كبرى بهذا العلم الذي خصك الله به، أن تسعى بالتعليم، وتسعى في الإصلاح وفي حل مشاكل الناس.

الصبر في طريق الدعوة

الصبر في طريق الدعوة رابعاً: الصبر في طريق الدعوة طريق العمل الصالح، أن يتحمل الإنسان الصبر، وأن يوطن نفسه على الصبر، ويعتبر ذلك رفعة لدرجاته بتوفيق الله، وتكفيراً لسيئاته، ويحتسب ذلك في سبيل الله، ولا يكون صبره تجلداً، فإن التجلد لا يفيده شيئاً؛ بل يكون الصبر بالاحتساب حتى يثيبه الله، ولنا القدوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أوذي ورجم بالحجارة، وأدميت عراقيبه، وقال: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إلى من تكلني! إلى ضعيف يتجهمني، أم إلى قوي ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي) إلى آخر الدعاء المشهور. فيصبر الإنسان على الأذى وما يناله من جرح ونيل وعراقيل، وبغض وعداوة، وسب وشتم، يتحمل ذلك في ذات الله، والله يقول لنبيه الكريم: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] ، فعلينا جميعاً -أيها الإخوة- أن نوطن أنفسنا على الصبر، وتحمل المشقة، ولا يحصل الأجر -يا إخوان- إلا بالصبر، ولهذا يقول ربنا جل وعلا في كتابه الكريم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142] .

خطورة التفريط في الدين

خطورة التفريط في الدين هذه هي الأربع المسائل، وكلكم تعرفونها، ولكني أردت تذكير نفسي وإخواني، والشيء الذي هو ضد هذا هو أننا إذا تخلينا عن أمر ربنا ليس يضر ربنا، وليس نضر ديننا، إنما نضر أنفسنا، ونرجع أذناباً بعد أن كنا دعاة، بعد أن كان لنا السمعة الطيبة، فإذا تهاونا بأمر الله، وضيعنا حقوق الله، فخطير أن نرجع أنقص الناس، كما قال جل وعلا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] . نسأل الله أن يمن على الجميع بهدايته، وأن يوفقنا وإياكم لطاعته، وأن يعيذنا جميعاً من نزغات الشيطان الرجيم، وأن يمن علينا وعليكم وعلى المسلمين بالهداية والتوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قصيدة للدكتور/ عبد الرحمن العشماوي

قصيدة للدكتور/ عبد الرحمن العشماوي الشيخ ناصر العمر: إذا سمحتم يا سماحة الوالد! لعلنا بعد أن استمعنا إلى توجيهاتكم وإجاباتكم، أن نختم به هذا اللقاء المبارك، أن نلبي رغبة كثير من الإخوة الكرام بالاستماع إلى بعض ما لدى شاعرنا حسان هذه الصحوة كما سمي، الشيخ الدكتور عبد الرحمن العشماوي، فلعلكم تأذنون له ببعض ما عنده. الشيخ ابن باز: الله يوفقنا وإياه. الدكتور العشماوي: جزاكم الله خيراً، يعلم الله أنني ما كنت أريد أن أشغل شيئاً من وقتكم، لكن يقول المثل العامي: الضيف في حكم المضيف، فما دام حكم علينا مضيفنا لهذه الليلة وأذن لنا سماحة الشيخ، فألقي عليكم قصيدة عنوانها: "جولة في محيط المشاعر". وهذه القصيدة دعاني إلى إلقائها فضيلة الوالد الشيخ عبد الرحمن الفريان في حفل تحفيظ القرآن الأخير، ولكن حالت ظروف معينة دون إلقائها في ذلك المكان، فلعلها مناسبة طيبة أن ألقيها هنا. أقول في القصيدة مع التحية إلى كل حافظ لكتاب الله: بيني وبينك منهج وكتاب وعقيدة وصلت بها الأسبابُ وشريعة غراء أشرق نورها فظلام ليلك عندها ينجابُ ما زال يسري في البصائر نورها فالكون ميدان لها ورحابُ يا سائلي عن نبض قلبي لا تسل بيني وبين همومه سردابُ قلب الفتى دنيا تقوم بنفسها فيها جبال صلبة وشعابُ فيها محيط من مشاعره له ثبج وموج هادر وعبابُ لا لا تسلني عن بحار مشاعري فالموج فيها هادر صخابُ سلني عن الأشواق عن غايتها فلديّ عن هذا السؤال جوابُ أنا شاعر وقفت قصيدته على غصن وفي نظراتها استغرابُ وقف اليراع على ضفاف دواته متأملاً ما صاغه الكتّابُ ما صاغه الشعراء في زمنٍ له من كل فكر ساقط كُلابُ قد عُلقت فيه الرءوس فما ترى إلا الرءوس تقودها الأذنابُ لا لا تسلني عن بداية رحلتي وعن الطريق تحفه الأتعابُ سلني عن الأرض التي واجهتها بالصرخة الأولى فعز جنابُ بالأمس تأسرني براءة وجهها ويشد قلبي لونها الجذابُ واليوم تأسرني تلاوة قارئٍ تنساب فوق لسانه الأحزابُ يتلو فتنتفض القلوب مهابة إن القلوب الموقنات تهابُ فإذا تلا أم الكتاب تألقت أرواحنا وسما بنا الإعجابُ إياك نعبد لا لغيرك ننثني وبك استعانتنا ومنك ثوابُ يا قارئ القرآن ليلك واحة والأفق عندك منظر خلابُ اقرأ ليذكر من تكبر أنه مهما تطاول في الحياة ترابُ اقرأ ليفهم من يحيد عن الهدى أن الولاء لمن إليه مآبُ اقرأ ليخرس كل فن ساقط يشدو به عبر الأثير غرابُ اقرأ لتنقذ أمة في دربها تتثاءب الأزلام والأنصابُ لعبت بها الأهواء فهي شقية بقعودها وعدوها وثابُ لعبت بها الأهواء فهي ذليلة تشكو وتغلق دونها الأبوابُ اقرأ كتاب الله فهو شريعة من دونها نهر الحياة سرابُ آياته تتلى فتسعد أنفس شقيت ويذهب همها وتثابُ هذا خطاب للعباد فهل وعى قلب وهل غسل العقول خطابُ دين يعيش به الحقيقة موقنٌ ويتيه عن ومضاته المرتابُ دين يذوق به السعادة صادق ويذوق طعم شقائه الكذابُ في القرب منه سعادة ولذاذة والبعد عنه تحسر وعذابُ يا قارئ القرآن لا تركن إلى من سافروا في لهوهم وارتابوا أخلص فأقوال العباد وفعلهم قشر وإخلاص القلوب لبابُ يا قارئ القرآن قلبك عامر وقلوب من هجروا الكتاب خرابُ في الناس من هم كالسوائل مالهم وعي ولكن ما لهم أقتابُ ولرب ذي عقل حصيف راجحٍ أغواه عن درب الهدى الأصحابُ خاطبت نفسي والهموم كبيرة وعلى وجوه الذكريات حجابُ لا تحقري يا نفس منظر عابدٍ فالنحل في نظر العيون ذبابُ ما قيمة الإنسان إلا بالتقى فأمامه تتضاءل الأنسابُ نعطي ونمنع واهنين وإنما يعطي ويمنع ربنا الوهابُ الشيخ ابن باز: لا إله إلا الله! بارك الله فيك، جزاك الله خيراً، لا فض فوك، والبيت الذي فيه الأذناب إن غيرته كان أحسن.

حكم الاحتفال بالمولد

حكم الاحتفال بالمولد لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من خير إلا وقد دلنا عليه، ولا شر إلا وقد حذرنا منه، ولا ترك لنا طائراً يطير في السماء إلا وذكر لنا منه علماً، فكان قرنه خير القرون، ثم قرن صحابته من بعده الذين مضوا على سنته، ثم التابعين من بعدهم، وبعد ذلك انتشرت البدع والخرافات، وسيطر الجهل والضلالات على كثير من بلاد المسلمين، ومن تلك البدع بدعة المولد النبوي، والاحتفال به الذي لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الكرام ولا التابعون لهم بإحسان، وقد أبدلنا الله بأعياد شرعية خير من هذا كالأضحى والفطر ويوم الجمعة، وحذرنا الله على لسان رسوله من الابتداع في الدين وتشريع ما لم يشرعه الله ولا رسوله الأمين.

نعمة إرسال الرسول وإكمال الدين

نعمة إرسال الرسول وإكمال الدين الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام الأَتَمَّان الأكملان على عبده ورسوله وخليله، وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فلا شك أن من أعظم نعم الله على عباده وإحسانه إليهم سبحانه وتعالى أن {بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] كما أخبر عن نفسه عليه الصلاة والسلام. فمن رحمة الله العظيمة وإحسانه العميم أن أرسل إلى الناس نبياً كريماً، ورسولاً عظيماً، وإماماً مقدماً، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، ينتهي نسبه إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعليهما الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. بعثه الله جلَّ وعلا على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، وخفاء من معالم الهدى، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا يسيرة من أهل الكتاب، فأرسل هذا الرسول العظيم؛ ليبين للناس صراط الله المستقيم، وليعلمهم دين الله القويم، وليوضح لهم الإسلام الذي بعث الله به المرسلين، وجعله الله رحمة للعالمين، فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ:28] . فهدى به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وأغنى به بعد العيلة والفقر، وهدى به الأمة إلى الصراط المستقيم، وأحيا به ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فدعا إلى الهدى، وبشَّر وأنذر. وقد بعثه الله في مكة المكرمة على رأس أربعين عاماً من عمره عليه الصلاة والسلام، لما أكمل الله له أربعين عاماً بعثه إلى الناس رحمة وهدىً، فبلَّغ وأنذر، ودعا إلى الله عزَّ وجلَّ، وصبر على الأذى من قومه، وهدى الله على يديه من هدى في مكة المكرمة. ولما اشتد بهم الأذى هاجر جمع غفير منهم إلى الحبشة؛ لأن ملكها ذاك الوقت ملك عادل، لا يُظلم عنده أحد، فهاجروا إليه وهو على النصرانية، فرحب بهم، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب أخو علي رضي الله عنهما، وهذه هي الهجرة الأولى إلى الحبشة، فجلسوا هناك في أمن وأمان، وهدى الله على أيديهم ملك الحبشة النجاشي فأسلم على أيديهم. ولم يزالوا هناك حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى على هجرته في المدينة ست سنين، ثم قدموا عليه عام خيبر من الحبشة هجرة ثانية إلى المدينة. والنبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد به الأذى في مكة، وبأصحابه رضي الله عنهم؛ أذن الله له بالهجرة، فهاجر هو ومن استطاع من أصحابه إلى المدينة، وأظهر الله دينه هناك، ورفع شأن الإسلام، وأقام سوق الجهاد إلى آخر ما هو معروف في السيرة النبوية. وكانت هذه النعمة لا يعادلها نعمة؛ لأن الله جلَّ وعَلا نشر بها دينه، وأعلى بها كلمته، وعرَّف الناسَ بها دينه الذي بعث به الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وهو دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران:19] . فنشر أعلامه وبين معالمه على يدَي هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأنزل عليه القرآن الكريم الذي هو أفضل وأعظم كتاب فيه الهدى والنور فيه الدلالة على كل خير، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والتحذير من الشرك بالله، ومن سائر ما لا يرضي الله من أقوال وأعمال. قال فيه سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ، وقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] ، وقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر:23] أي: يشبه بعضُه بعضاً. فهو أحسن القصص، وهو أحسن الحديث، وهو كتاب الله العظيم، الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] هدى الله به الأمم من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة هداهم الله به إلى أسباب السعادة، وإلى دين الإسلام، وإلى الأخلاق الكريمة، والأعمال الحميدة، وإلى كل خير، وحذَّرهم فيه من كل شر. ونبينا صلى الله عليه وسلم هو أعظم داعٍ، وأفضل وأعظم وأفضل رسول عليه الصلاة والسلام، كمل الله به المرسلين، وختم به عِقْد النبوة، فصار هو خاتم النبيين والمرسلين عليه الصلاة والسلام، وليس بعده نبي، ومن ادَّعى النبوة بعده فهو كافر ضال مضل. فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وهو رسول رب العالمين، ورسالته خاتمة الرسالات، وشريعته أكرم الشرائع عليه الصلاة والسلام شريعته أفضل الشرائع وأهداها، وأحكمها وأعمها، وجعل الله فيها حل كل مشكل، وبيَّن فيها جميع ما يحتاجه العباد، وجعل شريعته بحمد الله سمحة ميسرة، ليس فيها أغلال ولا آصار: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته على الهدى المستقيم، وعلى الصراط القويم، بعدما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة عليه الصلاة والسلام، أنزل الله عليه في حجة الوداع يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ، هذه الآية بيَّن الله فيها أنه أكمل الدين للأمة، وأتم عليهم النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً، فلما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة؛ أخذه إليه وتوفاه، ونقله إلى الرفيق الأعلى إلى دار النعيم والكرامة، فجسدُه في الأرض، وروحه في أعلى عليين، في دار النعيم عليه الصلاة والسلام.

حال الصحابة والقرون المفضلة بعد النبي صلى الله عليه وسلم

حال الصحابة والقرون المفضلة بعد النبي صلى الله عليه وسلم استمر أصحابه رضي الله عنهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعلي المرتضى، كلهم ساروا على نهجه، وعلى طريقه، يدعون إلى الله عزَّ وجلَّ، ويبشرون بالإسلام، ويعلِّمون الناس أحكامه، وهكذا بقية الصحابة جاهدوا في سبيل الله، ونشروا دين الله، وعلَّموه الأمة، ولم يبتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، فعلَّموا الناس دين الإسلام، وأرشدوهم إلى دين الإسلام، وساروا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بالأقوال والأعمال والسيرة، وبلّغوا عن الله رسالته، وعن نبيه ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وصبروا على ذلك وجاهدوا عليه؛ جاهدوا الروم وفارس وغيرها من الأمم الكافرة، ونشروا دين الله في أنحاء الدنيا، وقاتلوا المرتدين، وقضوا على أسباب الردة، وجمع الله بهم الكلمة، وأعز بهم الإسلام، ورفع بهم رايته في الآفاق، رضي الله عنهم وأرضاهم، وصاروا ملوك الناس، وقادتهم، وصارت الكلمة لله وحده، وصار دينه سبحانه وتعالى هو الظاهر سبحانه وتعالى على أيدي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأئمة الهدى من بعدهم، يدعون إلى الله، ويخشونه ولا يخشون أحداً سواه سبحانه وتعالى جاهدوا في سبيله، ونصروا دينه، وأعلوا كلمته، وصبروا على ذلك صادقين مؤمنين موفَّقين نصحوا لله ولعباده، فأعلى الله بهم كلمته، وأعز بهم دينه، ورفع بهم شأن الإسلام، وجعلهم أئمة وهداة وقادة رضي الله عنهم وأرضاهم ومن تبعهم بإحسان. ثم مضى على ذلك القرن الثاني والقرن الثالث مضوا على الهدى والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، ونبغت فيهم نوابغ من أهل البدع؛ ولكن أهل السنة وأهل الحق جاهدوا أهل البدع، وحذَّروا منهم، وبيَّنوا بدعهم وضلالاتهم، وسفَّهوا أحلامهم، وظهر أمر الله بين العباد بسبب أهل العلم والإيمان من أئمة السنة والحديث والفقه الإسلامي، فقد نشروا دين الله، وأنذروا الناس ما ابتدعه المبتدعون في العقيدة وفي غيرها.

بدعة المولد ظهورها وبيان بدعيتها

بدعة المولد ظهورها وبيان بدعيتها ثم لما مضى القرن الثالث من القرون الثلاثة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يُؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ثم يجيء قوم تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه) قد خف عليهم أمور الدين، وسهلت عليهم المخالفات والبدع. فعند هذا التغيُّر وعند هذا الاختلاف وظهور أهل البدع من أئمة الكلام وغيرهم، نبغت نابغة يُقال لهم: الفاطميون، واعتدوا على ولاية المسلمين، وتملكوا بلاد المغرب، ثم امتد ملكهم إلى مصر، وصارت لهم دولة في مصر، ثم ابتدعوا بدعاً كثيرة، منها: بدعة الموالد، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في ربيع الأول، فلابد أن نبتدع احتفالاً بمولده، ومولد فاطمة، ومولد الحسين، ومولد علي رضي الله عنه، فابتدعوا بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، وهم من الشيعة الرافضة، يدَّعون الإسلام وهم في الباطن من الروافض، من المؤيدين للغلو في أهل البيت، وعبادتهم من دون الله عزَّ وجلَّ، فصاروا يحتفلون بهذه الموالد بخمسة موالد: للنبي صلى الله عليه وسلم، ولـ علي، والحسين، والحسن، وفاطمة، ولحاكمهم الموجود في ذلك الوقت ورئيسهم وخليفتهم. ثم بعد ذلك ابتدع من ابتدع الموالد، وصار هؤلاء هم الأئمة لهؤلاء المبتدعين في هذه الموالد التي ابتدعوها، وصاروا هم القادة لهم في هذه البدع، فصار كثير من الناس يبتدعون لكل من يزعمون أنه ولي أو شيخ كبير، فإذا مات جعلوا له عيداً كل سنة لمولده، يجمعون فيه الناس، ويذبحون فيه الإبل والبقر والغنم على حسب ما يتيسر لهم، ويطعمون الطعام، ويقرءون في ذلك ما شاءوا من قصائد أو رسائل أو تراجم لهذا الرجل أو غير ذلك. ومن ذلك: بدعة مولد النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الفاطميين الذين هم ملوك المغرب ومصر ابتدعوا هذه البدعة في القرن الرابع، وتابعهم أناس بعد ذلك، ثم انتشرت هذه البدعة في كثير من بلدان المسلمين، في أفريقيا، وفي آسيا وفي غيرها، وصارت عندهم هذه البدعة عيداً إسلامياً، مثل عيد الفطر والأضحى، يعظِّمونه، ويشرعون له، ويجمعون فيه الناس، ويوجد فيه الأطعمة والموائد الكثيرة، والقصائد التي بعضها فيه شرك أكبر، وبعضها فيه شرك أصغر، وبعضها فيه المنكرات الكثيرة، وقلَّ احتفال من احتفالاتهم أن يسلم من شرك وبدعة ومعصية إلا ما عصم الله، فنفس المولد ونفس الاحتفال بدعة، ثم ينضم إليه بدع كثيرة، مثل: الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في أناس آخرين، وإيجاد منكرات أخرى، من اختلاط النساء بالرجال، وربما وجد في بعض موالدهم شرب الخمور، وأنواع الفسوق، نسأل الله العافية والسلامة.

الاحتفال بالمولد بدعة محدثة

الاحتفال بالمولد بدعة محدثة فالحاصل أن هذه البدعة التي ابتدعها ملوك المغرب في القرن الرابع، ثم تابعهم بعض الناس، ثارت في الناس، وانتشرت في الناس، في أفريقيا وغيرها من بلاد المسلمين، وصارت سنة عندهم، من أنكرها فقد أنكر السنة، ومن خالف فيها فقد خالف السنة؛ لأنهم عاشوا ونشئوا عليها هم وأسلافهم الذين مضوا بعد القرون الثلاثة المفضلة، وبعد ظهور البدعة في القرن الرابع على يد الفاطميين، ثم على يد مَن جاء بعدَهم من بعض الناس، صار بعض الناس الذين نشئوا فيها واعتادوها يعتقدونها سنة، ويعتقدونها عيداً يجب أن يُقام، ويجب أن يُعظَّم، وإنما هو بدعة منكرة ما أنزل الله به من سلطان. ولقد رأيت التنبيه على هذا، وكان الناس في هذه البلاد لا يعرفون هذه الأمور؛ لأنهم -بحمد الله- نشئوا على الطريقة المحمدية، والسيرة التي سار عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ بسبب دعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في القرن الثاني عشر، فإنه دعا إلى السنة، ونَشَر دين الله، وعلَّم الناس ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهكذا أولاده وأتباعه وأنصاره من آل سعود ساروا على هذا النهج، يعلِّمون الناس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته، وأحكام الشريعة، ولا يعرفون هذه الموالد، ولا يقيمونها؛ لأنهم عرفوا من دين الله وعرفوا من أئمة الهدى الذين دعوا إلى الله في هذه البلاد أن هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان، فما كان يحتفلون بذلك، وما كانوا يعرفون ذلك. لكن لما وُجدت الإذاعات والصحف، وانتشرت بين الناس هذه الأمور؛ صار الناس يتبعون هذه الاحتفالات في الإذاعات، ويقرءونها في الصحف، ووُجد بيننا في غرب المملكة مَن قد يحبذ هذا الشيء ويظن أنه قُربة وطاعة. فوجب حينئذٍ على أهل العلم أن يبينوا شرع الله في هذه المسائل، وأن يوضحوا للناس الحقيقة التي سار عليها نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وأئمة الإسلام بعدهم، وأن يوضحوا البدع التي ابتدعها الناس، بلاغاً عن الله وعن رسوله، وأداءً للأمانة، وتحذيراً الأمة من البدع التي ما حدثت في قوم إلا حلَّ بهم الدمار، وانتشرت بينهم الشرور والفساد. البدع مفاتيح الشر، وهي أعظم وأكبر من المعاصي، فإن أعظم المنكرات: الشرك، ثم بعده البدعة، ثم بعده كبائر الذنوب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: فهو مردود عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وكان يخطب صلى الله عليه وسلم في الجمع، فيقول في خطبته: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . وقال عليه الصلاة والسلام لما خطب الناس ذات يوم: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . فوجب على أهل العلم والإيمان أن يبينوا هذه البدع، ويرشدوا الناس إلى ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، وأن الواجب الحذر منها وإنكارها، وعدم الموافقة عليها، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولا أصحابه، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة. فلو كان الاحتفال بالمولد النبوي أو بموالد الأولياء وأفضل الأولياء وأعظمهم: الصدِّيق رضي الله عنه، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المُبَشَّر لهم بالجنة، هؤلاء أفضل أولياء الله بعد الرسل والأنبياء، ومع ذلك لم يحتفلوا بموالدهم، ولم يحتفل بموالدهم بقية الصحابة، ولا التابعون، ولا أتباعهم بإحسان، فكيف يجوز لنا أن نحدث في دين الله ما لم يأذن به الله؟ فلو كان خيراً لسبقونا إليه. والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، وما بقي شيء يقرب من الله إلا دعا إليه، وعلَّم الناس إياه عليه الصلاة والسلام، كما أنه ما بقي شيء يضرنا إلا نهانا عنه عليه الصلاة والسلام، فقد نهانا عن البدع، وحذَّرنا من البدع، وقال: (إياكم ومحدثات الأمور) ، وقال: (شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ، ولَمْ يُقِمْ مولداً له عليه الصلاة والسلام في حياته، ولا أرشد الناس إلى ذلك، ولا أقامه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي ولا غيرهم، ولا معاوية بعدهم، ولا الأئمة بعدهم في القرن الأول، والقرن الثاني، والقرن الثالث، ولا أئمة الهدى بعد ذلك، فكيف يسوغ للمسلمين أن يتابعوا الرافضة وغير الرافضة من أهل البدع أو جهلة الأمراء أو غيرهم ممن أحدثوا البدع؟! بل الواجب على أهل الإسلام والإيمان أن يتقيدوا بالسنة، وأن يستقيموا ويسيروا عليها، وأن يحذروا ما خالفها. والله جلَّ وعَلا بعث رسوله صلى الله عليه وسلم معلماً للناس ومرشداً لهم، وأمره أن يبلغهم ما بعثه به، فلم يمت عليه الصلاة والسلام إلا وقد بلغ كل شيء، ولم يكتم شيئاً عليه الصلاة والسلام، بل بلَّغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده عليه الصلاة والسلام. فلو كان الاحتفال بالمولد في الثاني عشر من ربيع الأول أو قبله أو بعده، أو في غير ذلك لبينه للأمة، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم، فقد نقلوا كل شيء رضي الله عنهم وأرضاهم، ولفعلوه في أنفسهم؛ لأنه لا يوجد بعده نبي يبلغ عنه، فهو خاتم الأنبياء، فالشيء الذي ما بلغنا إياه ولا علَّمنا إياه فليس لنا أن نحدثه. فالدين كامل بحمد الله، قد أكمله الله، فليس لأحدٍ من الناس أن يحدث في الدين أو يشرع فيه ما لم يأذن به الله، والعبادة توقيفية، ليست بالآراء والاختراعات، ولكنها بالتوقيف قال الله وقال رسوله، فما لم يأت عن الله ولا عن رسوله من العبادات فليس لنا أن نتعبد به فيكون بدعة. قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] ، وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [الجاثية:18-19] . ولهذا فإن أهل العلم بينوا أن بدعة الموالد ما أنزل الله بها من سلطان، وما انتشرت بين الناس، كل جماعة لهم شيخ أو كبير يجعلون له مولداً، ويجتمعون له، ويحتفلون بالطعام وغير ذلك في أيامٍ وليالٍ معلومة، وجعلوا من ذلك مولد النبي عليه الصلاة والسلام، فصاروا يحتفلون به في ربيع الأول؛ لأنه مات عليه الصلاة والسلام في الثاني عشر من ربيع الأول، فيوم ربيع الأول مولد ومأتم عند أهل البدع، والله ما شرع لنا لا الاحتفال بالمولد ولا بمأتم وحزن على الأموات، فلا نقيم مولداً ولا مأتماً، وقد جمعت الرافضة بين هذا وهذا، فجعلوا مآتم بموت عظمائهم، وجعلوا موالد لعظمائهم، وتابعهم كثير من الناس على هذه البدع، فجعلوا عاشوراء مأتماً للحسين، وجعلوا في رمضان مأتماً لـ علي، وتابعهم كثير من أهل البدع، فجعلوا المآتم والموالد التي ما أنزل الله بها من سلطان. وأهل السنة والجماعة وقولهم الحق لا يرون أن فعل هؤلاء وهؤلاء حق، ويقولون: يجب التوقف عن كل بدعة، وترك كل بدعة، والسير على منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سار عليه في حياته، وسار عليه أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وسار عليه أئمة الهدى من بعدهم، وقالوا: يجب أن نعمل بقوله عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: فهو مردود عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا -أي: في ديننا- هذا ما ليس منه فهو رد) أي: فهو مردود، وقوله: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) .

الاحتفال بالمولد بين البدعة والشرك

الاحتفال بالمولد بين البدعة والشرك كثير من هؤلاء الذين أحدثوا هذه البدع أحدثوا معها أنواعاً من الشرك، فتجدهم يَغْلُون في الرسول صلى الله عليه وسلم وفيمن يعظمون من الناس، كـ علي والحسين وكـ البدوي في مصر، وكالشيخ/ عبد القادر الجيلاني في العراق، وابن عربي في الشام وآخرين يعظمونَهم ويَرون فيهم عند اجتماعهم حال الاحتفال برئيسهم، وفي غير ذلك. وهذه ثمرات الغلو والبدع: تنتهي بالناس إلى الشرك بالله، وإلى عبادة غيره، فإنهم عند المديح لا يدعهم الشيطان يقفون عند حد، إذا جاء المديح جرهم الشيطان إلى الشرك بالله عزَّ وجلَّ، حتى يمدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من الناس بالشرك بالله الشرك الأكبر. ويقولون: إنه يُستغاث به وإنه يكشف الكربات، ويعلم الغيوب إلى غير هذا من الشرك بالله العظيم، نعوذ بالله من ذلك. هذا من المدح، يجرهم الشيطان في مدحه حتى يقعوا في الشرك الأكبر. وحتى يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه يعلم الغيب، والله هو الذي يعلم الغيب سبحانه وتعالى كما قال عزَّ وجلَّ: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] . وقال سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] سبحانه وتعالى. ويقولون فيه: إنه يغيث الملهوفين، وينصر المسلمين على عدوهم بعد موته عليه الصلاة والسلام، ويفعل ويفعل، حتى قالوا: إنه يعطي الجنة من يشاء ويمنعها عمن يشاء. وقالوا: إنه يعلم اللوح المحفوظ وما فيه، وأن مِن جوده الدنيا وضرتها. هذا كله من الجهل بالله. حتى قال البوصيري في قصيدته المعروفة والمشهورة التي يحفظها كثير من الناس، ويتخذها ورداً في الصباح، وهي الشرك الأكبر، ويقرءونها في الموالد، يقول فيها: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، يخاطبه يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم أي: يوم القيامة. إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ فإن من جودك الدنيا وضرتها أي: الآخرة. ومن علومك علم اللوح والقلمِ أهذا يقوله إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر؟! إلى آخر ما يقول، نعوذ بالله، كل شيء جعله للنبي صلى الله عليه وسلم، ما جعل لله شيئاً. فإن من جودك الدنيا وضرتها الدنيا والآخرة. فالمعنى: فإن من جودك الدنيا والآخرة، والله يقول: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [النجم:25] وهؤلاء يقولون: لا. لمحمد الآخرة والأولى. أهذا يقوله عاقل؟! أهذا يقوله من يفهم الدين؟! ومن علومك علم اللوح والقلمِ أي: كل العلوم عنده يعلمها، وهو صلى الله عليه وسلم نفى ذلك، وأخبر أنه لا يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام. ولما وقع ما وقع على عائشة ورماها المنافقون وبعض الجهلة وبعض من اغتر بالمنافقين، رموها بالفاحشة، توقف عليه الصلاة والسلام، ولم يعلم الحقيقة حتى أنزل الله براءتها في القرآن، في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11] الآية. فالله جلَّ وعَلا أعلمه بذلك، وقد سألها وسأل غيرها، ليس عنده علم بالواقعة حتى أخبره الله سبحانه وتعالى. ولما ضاع عقدها في غزوة من الغزوات، فبعث ليلتمسوه -يبحثون عنه في مكانه- فالتمسوه ولم يجدوه، ولم يعلمه صلى الله عليه وسلم حتى قام البعير، فوجدوه تحت البعير، قام البعير ولا علمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علمه الصحابة وقد صاروا سادات الأولياء وأفضل الأولياء بعد الأنبياء، فالرسول والصحابة والأولياء لا يعلمون الغيب، علم الغيب لله جلَّ وعَلا، لا يعلمه أحد. فهذا محمد عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق وأفضل الأنبياء لم يعلم ما جرى على عائشة، ولم يعلم عقدها الذي ضاع أين هو حتى قام البعير فوجدوه، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أولياء الله بعد الأنبياء، وهم أفضل الناس لم يعلموه حتى قام البعير فوجدوه. فالغيب إلى الله سبحانه وتعالى. فهؤلاء الذين ابتدعوا هذه الموالد يقع عندهم من الشرك الأكبر، ويقع عندهم من الشرور والبدع والخرافات الكثيرة ما يقع. ثم هذه البدعة جرَّتهم إلى بدعٍ كثيرة، فصاروا يبتدعون احتفالات كثيرة لمن يسمونهم بالأولياء في كل مكان، حتى إن في أفريقيا مئات أو آلاف الموالد وفي غيرها من البلدان، كلها بأسباب هؤلاء الضالين الذين أحدثوا هذه البدع، وصاروا أئمة في الشرك والبدع، وهم بنو عبيد القدَّاح، الفاطميون الذين أحدثوا البدعة في مصر في القرن الرابع، ثم تابعهم بعض الناس على ذلك حتى انتشرت هذه البدعة. فوجب علينا وعلى غيرنا من طلبة العلم أن يبينوا للناس ما وقع فيه بعض الجهلة، وما غلا فيه بعض الناس من المنتسبين للعلم اغتراراً بهذه البدعة، واغتراراً بغيرهم، واقتداءً بمن جهل الحق، وراج عليه الباطل، واشتبهت عليه الأمور.

الرد على شبه القائلين بعدم بدعية المولد

الرد على شبه القائلين بعدم بدعية المولد وقد تعلق بعضهم في هذه البدعة بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل عن صوم يوم الإثنين قال: (ذلك يوم وُلدتُ فيه، وبُعثتُ فيه، وأُنزلَ عليَّ فيه) عليه الصلاة والسلام، وهذا لا حجة فيه لأحد لو عقل أهل البدع، فإنه يدل على شرعية صومه فقط، وليس فيه الاحتفال بالمولد، والنبي صلى الله عليه وسلم صام الإثنين والخميس، وقال: (إنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله، وإني أحب أن يُعرض عملي وأنا صائم) فصوم يوم الإثنين يوم عظيم، أنزل الله عليه فيه، وولد فيه، وهو يوم تعرض فيه الأعمال على الله عزَّ وجلَّ، فالذي عظمه النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم، فمن يريد تعظيمه بالصوم فعليه بالصوم كما شرع الله ذلك، يوم الإثنين يوم فاضل، ويوم الخميس يوم فاضل، تعرض فيهما الأعمال على الله عزَّ وجلَّ، فإذا صامه الرجل كما صامه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حسن ومشروع؛ لكن أين الاحتفال؟! هل احتفل به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟! تعظيمه بالصوم الذي شرعه الله، لا في غيره. وبعضهم يتعلق بأن النصارى واليهود يعظمون أنبياءهم بالأعياد، ويقولون كيف لا نعظم نبينا؟! وهذا من الجهل الكبير، نبينا صلى الله عليه وسلم حذَّرنا أن نتشبه بأعداء الله اليهود والنصارى، ونهانا أن نقلد اليهود والنصارى في أعيادهم وفيما هم عليه من الباطل، وقال: (لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه -يحذرنا- قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ؟!) وفي لفظ (قالوا: يا رسول الله، فارس والروم؟ قال: فَمَنْ؟!) أي: هم أولئك الذين أحذركم من اتباعهم وتقليدهم. فالرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من تقليد اليهود والنصارى، والتشبه بهم في عوائدهم وأعيادهم، فإذا أوجدوا أعياداً لعظمائهم أو لأنبيائهم أو لعيسى عليه الصلاة والسلام، فليس لنا أن نقلدهم في باطلهم، وليس لنا أن نتشبه بهم، ولا نعمل أعمالهم، بل نتبرأ من ذلك وننتهي عن ذلك، ونعلم أنهم قد ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، وأن رسولنا صلى الله عليه وسلم نهانا أن نقلدهم أو نتشبه بهم. فالدعوة إلى أن نوجد عيداً للمولد مثل ما للنصارى معناه دعوة للتشبه بالنصارى، ومعناه دعوة إلى تقليد النصارى وأشباههم من اليهود بما أحييتم من البدع. هذه حجة داحضة، وحجة فاسدة، ما لها مصادمة فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، والمعارضة لما حذَّر منه عليه الصلاة والسلام، فهو حذرنا أن نتشبه بأعدائنا، وحذرنا أن نقلد أعداءنا، فكيف نتشبه بهم في الأعياد؟! ثم هذه الأعياد مهما كانت فهي محل الشر والفتن، ومحل البدع، ومحل الغلو والإفراط والزيادة في دين الله، فوجب منعها لكونها بدعة، ولما يترتب عليها في كثير من الأحيان وفي كثير من البلدان من شرور كثيرة، والغلو، والإفراط، والرأي الباطل. ورسولنا عليه الصلاة والسلام بحمد الله لم يزل يُذكر عليه الصلاة والسلام، ولم يزل يُدعى إلى سنته عليه الصلاة والسلام، ليس في حاجة إلى الاحتفال بالمولد، فهو لم يُنْسَ حتى يُذكَّر بمولده عليه الصلاة والسلام، مولده يُدرَّس في المدارس، والسيرة تُدرَّس في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد، لم يُنْسَ عليه الصلاة والسلام، فسيرته وشريعته وأحكامه ودينه كله يُدرَّس في المدارس وفي المعاهد وفي الكليات وفي المساجد، يُعلَّم ويُدرَّس بين الناس، وذكره لم يزل في اليوم والليلة، في الأذان والإقامة، والصلوات؛ أشهد أن محمداً رسول الله في الأذان خمس مرات في اليوم، وفي الإقامة خمس مرات كل يوم على رءوس الأشهاد أشهد أن محمداً رسول الله، لم يُنْسَ بحمد الله، بل يُذكر على المنابر وفي المساجد وفي الدروس وفي التحيات، في الصلاة مرتين؛ الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفي الفجر مرة واحدة، وهو: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله. فالرسول لن ننساه بحمد الله، وليس بحاجة إلى إحداث موالد، إنما يأتي بالموالد من نسي أصحابه، ونسي من يجعل له مولداً فيخلد فيه ذكره، في مولده الذي فعل، وبدعته التي أحدث، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلا يُنسى بحمد الله، فالمسلمون يذكرونه، ويشهدون له بالرسالة، ويصلون عليه دائماً عليه الصلاة والسلام، ويتبعون سنته، بل يعظمون أمره ونهيه، ويدرِّسون سيرته وشريعته في مساجدهم ومدارسهم ومعاهدهم وحلقات العلم في كل مكان بحمد الله يوجد فيها مسلمون. هذه نبذة بما يتعلق بالمولد وبدعة المولد، وليس هذا خاصاً بمولده صلى الله عليه وسلم، بل جميع الموالد كلها بدعة، من البداية بدعة، ومما أحدثه الناس أيضاً تقليداً لأعداء الله: أن بعض الناس يجعلون مولداً لبنته، ولأمه، ولأبيه، ولنفسه، ويقول: هذا مولد فلان. ويجعل وليمة، وعزيمة، هذا من التأسِّي بالنصارى واليهود، وهذا لا أصل له، هذه من البدع المنكرة، فليس لدينا موالد، نحتفل بها ولا تعظَّم، لا للأولياء، ولا للأنبياء، ولا لغيرهم، بل هي مما قلد فيه الناس الأعاجم من النصارى واليهود وأتباعهم. وعلينا أن نتبع ولا نبتدع، والله جلَّ وعَلا يقول: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] هذا جزاء من اتبع الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإحسان، وسار على نهجهم، جزاؤه أن الله يرضى عنه، ويدخله الجنة سبحانه وتعالى. فعلينا أن نتأسى بهم، ونسير على نهجهم. وقال جلَّ وعَلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] فنتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأتباعه بإحسان من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن سار على نهجهم، وليس لنا أن نحدث في الدين ما لم يأذن به الله، وليس لنا أن نقلد أعداء الله فيما أحدثوا في دين الله، بل علينا أن نعظم أمر الله ونهيه، وعلينا أن نبادر بأمر الله، وأن ننتهي عن نهي الله، وندعو الناس إلى دين الله وشريعة الله، وأن نحذرهم فيما ابتدعه الناس في دين الله من الموالد وغير الموالد، هذا واجب على أهل العلم والإيمان في كل مكان وزمان. ولا بد أن منكم من يسمع في الإذاعات بدعاً كثيرة، نسمع المولد في هذا الشهر، والاحتفال في أماكن كثيرة، وتسمعون أيضاً في أوقات أخرى بدعة رجب؛ الإسراء والمعراج، وبدعاً أخرى في أوقات أخرى يبتدعها الناس، فالناس عندهم بدع كثيرة.

أعياد المسلمين المشروعة

أعياد المسلمين المشروعة فينبغي أن يعلم المؤمن أنَّه ليس لنا إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، هذه أعياد المسلمين: فيها الاجتماع على صلاة وذكر، وعبادة لله عزَّ وجلَّ. عيد الفطر بعدما يسر الله لنا صيام رمضان ومنَّ علينا بصيامه وقيامه جاءت صلاة العيد، والفطر في عيد الفطر شكراً لله عزَّ وجلَّ على ما أنعم به سبحانه وتعالى من نعمة الصيام والقيام. ولنا عيد الأضحى بعدما منَّ الله على المسلمين بحج بيته الحرام، وما شرع لهم في أيام العيد من الذكر والتكبير، وما حصل في أيام الحج من إكمال الدين، وتمام الدين، حيث أنزل سبحانه في يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] فجائزة النحر شكراً لله عزَّ وجلَّ على ما أنعم به من نعمة الإسلام ونعمة إكمال الدين، وما شرعه الله لنا في أيام الحج من العبادات، وفي عشر ذي الحجة من الذكر والتكبير والتعظيم لله عزَّ وجلَّ، هو عيد مثل الأيام، وهي أيام الحج كلها أعياد، كلها أيام ذكر ودعاء، وأيام تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، يوم عرفة، وأيام التشريق كلها عيد للمسلمين، فيها الاجتماع على طاعة الله، من الوقوف بـ عرفة، ومزدلفة، ومن رمي الجمار، ومن ذبح الهدايا، ومن ذكر وتكبير، كلها قربات لله سبحانه وتعالى، وكلها فضل من الله علينا جلَّ وعَلا، أما أعياد جديدة تستحدث وتبتدع فليس لها أصل في دين الله عزَّ وجلَّ، ولا يجوز إقرارها، ولا الدعوة إليها، ولا الرضا بها والله المستعان. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يعيذنا من البدع جميعاً، وأن يهدي المسلمين لاتباع سنة نبيه، والاستقامة على دينه، والحذر مما أحدثه المحدثون، والله جلَّ وعَلا أمرنا بالاستقامة على دينه، وحذرنا من البدع والمخالفات، فعلينا أن نستقيم على دينه، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] . ويقول سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] . إنه تعالى جواد كريم. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

الرد على دعوى أن أهل نجد أشد الناس تشددا في تبديع الأمة

الرد على دعوى أن أهل نجد أشد الناس تشدداً في تبديع الأمة Q إن كثيراً من طلاب العلم في هذه الآونة من الزمان يقولون: إن الذي يجتمع في ليلة مولد الرسول، ويداوم كل سنة على قراءة القصائد والمدائح وغيرها من أنواع الاحتفالات دون وجود الاختلاط مع النساء، المقصود أنهم يقولون: إن هذا المبتدع لا يأثم، وإن علماء نجد أشد الناس تشدداً في تبديع هذه الأمة، وإنه بلغ بهم ذلك بتكفير المالكي الذي رد عليه ابن منيع! نرجو الجواب من سماحة الشيخ، فإنا بحاجة إليه حاجة ماسة؟ A علماء نجد وعلماء السلف إنما قالوا ما بلغهم عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ومعهم في هذا علماء القرون الثلاثة، كلهم على هذا المنهج العظيم، وهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبذ البدع، وعدم الإحداث لا في مولد ولا في غيره، ثم تابعهم أهل العلم والإيمان بعد ذلك، تابعوا أهل السنة والجماعة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، تابعهم أهل الإيمان في القرون كلها من أهل البصيرة، وعلى رأسهم في القرن الثامن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنه بين في كتابه: اقتضاء الصراط المستقم أن الاحتفال بالموالد من البدع المنكرة، كما بين بدعة الاحتفال بليلة الرغائب في رجب وغير ذلك، وهكذا الإمام الشاطبي رحمه الله بيَّن بدعة المولد، وهكذا غيرهم من أئمة الإسلام الذين عرفوا هذه المسألة وسمعوا بها، ووُفِّقوا لمعرفة الحقيقة، بينوا أنها بدعة؛ ولا يجوز فعلها ولا إقرارها، والذين تساهلوا في ذلك إنما تساهلوا ظناً منهم أن ذلك لا بأس به، ولم يتفطنوا للأصول المتبعة، والأدلة الصحيحة الصريحة في تحريم البدع، بل غلب عليهم تقليد غيرهم من آبائهم وأسلافهم، والناس إذا عاشوا في شيء ظنوه طيباً، وظنوه سنة؛ لأنهم عاشوا عليه ودرجوا عليه مع أسلافهم، فيصعب عليهم بعد ذلك إنكاره وقد عاشوا عليه ولو كان بدعة منكرة، حتى إن الذين عاشوا على الشرك أقروا الشرك ورضوا به؛ لأنهم عاشوا عليه وعرفوه، فتجدهم عند القبور يستغيثون بأهل القبور، ويقول: يا سيدي فلان انصرني، واشفِ مريضي، وأنا في جوارك، ويرى أن هذا هو الدين، وهو الشرك الأكبر، نعوذ بالله؛ لأنه عاش عليه، وعاش عليه آباؤه وأسلافَه. وفي هذا الزمان، في السنين الأخيرة، منذ سنتين أو ثلاث، ألَّف المدعو/ محمد علوي المالكي كان شاباً وكان يرجى فيه قبل ذلك العلم والخير؛ ولكنه أخيراً أظهر شيئاً ما كنا نظن أنه يظهره، أظهر أنواعاً من الشرك، وأنواعاً من البدع، وألف كتاباً سماه: الذخائر المحمدية، فأوجد فيه أشياء تدل على جهله بالتوحيد، وجهله بالسنة، ولذلك رد عليه أهل العلم، وردت عليه هيئة كبار العلماء، ورد عليه غيرهم من إخواننا في مصر وغير مصر من أهل العلم والإيمان، وذلك أنه ذكر في كتابه هذا قصائد مضمونها الشكوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والفزع إليه، وطلبه الغوث والإجارة مما وقع فيه الناس، فهذا يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الله عزَّ وجلَّ، يفتقرون إليه ويسألونه الغوث والنصر ويلجئون إليه، ويفزعون إليه، ويقولون: مَنْ يجيرنا ومَنْ ينصرنا إذا لم تنصرنا يا محمد، وإذا لم تجرنا؟ فنسوا الله عزَّ وجلَّ ولم يلتفتوا إليه، والتفتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، ورفعوا إليه شكواهم، وطلبوا منه النصر والتأييد، وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا في كتابه: الذخائر المحمدية قصائد موجودة، ذكرناها وبيَّناها للناس. ورد عليه أخونا الشيخ: عبد الله بن سالم المنيع، وبيَّن هذه القصائد. وقد ذكر المالكي في كتابه أيضاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وهذا كفر أكبر آخر، وقال: إنه يدخل الجنة من يشاء، وهذا كفر آخر، فالجنة بيد الله، هو الذي يعطيها من يشاء سبحانه وتعالى، وجعل هذه الموالد من السنن، وجعل من جهله ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، أهذا يقوله عاقل؟ قال: ليلة المولد، ليلة (12) من ربيع أول أفضل من ليلة القدر التي قال فيها الرب عزَّ وجلَّ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] فجعل الليلة التي أنزل الله فيها القرآن وجعلها أفضل ليلة جعل ليلة المولد أفضل منها، وسبقه إلى هذا بعض الجهَّال من بعض المغاربة، هذا كله يدل على جهل عظيم ومطبق، والبعد عن معرفة الدين على الحقيقة، فلهذا رددنا عليه ورد عليه غيرنا من أهل العلم؛ لأجل إيضاح الحق، وبيان الهدى، وطالبنا من الدولة وفقها الله أن تمنعه من الحديث في المسجد الحرام، وفي الإذاعة، وفي غير ذلك، حتى يعلن توبته، وحتى يبين رجوعه عن هذا الباطل، لئلا يتأثر به الناس، ولئلا يعلم الطلَبَة الشرك الأكبر بالله، والبدع والمنكرات. فهذا الذي جرى في هذا الرجل، وألفت فيه المؤلفات في بيان هذا الباطل، وهو رد عليه وعلى غيره من أشباهه، ليس رداً عليه وحده، بل رد عليه وعلى أشباهه، ولا نزال نطلب من ولاة الأمور أن يمنعوه من التدريس في المسجد الحرام، وفي الإذاعة، وفي التلفاز، وفي الصحف، حتى يعلن توبته إلى الله من هذا الشرك الذي وقع فيه، فإذا أعلن توبته من هذا الشرك والبدع فلا بأس، إن أعلن ذلك فهو أخونا في الله، ومتى لم يعلن لنا ذلك فإننا نبرأ إلى الله منه، ونشهد الله على أنه ضل عن السبيل، وكفر بالله بعد الإيمان على ما أحدث من الضلال في كتابه العظيم، ونسأل الله العافية. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدَّل دينه فاقتلوه) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد جاء معاذ ذات يوم إلى أبي موسى في اليمن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى إلى اليمن داعياً ومعلماً ومرشداً، وبعث معاذاً أيضاً إلى اليمن، فقدِّر أن أبا موسى بلغ عن يهودي أسلم ثم ارتد، فدعاه أبو موسى واستتابه أن يرجع إلى الإسلام، فأبى، وإذا جيء به مقيداً يُقتل، إن لم يتب يُقتل، فجاء معاذ فقال: من هذا المقيَّد؟ قالوا: هذا رجل أسلم ثم ارتد إلى دينه الباطل اليهودية. فقال معاذ: لا أنزل من دابتي حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله. فقال أبو موسى: إنما جئنا به ليقتل إن لم يتب. قال: ما أنزل حتى يُقتل، ما دام ما أراد التوبة، فلا أنزل حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله. فالردة عن الإسلام بين المسلمين شأنها خطير، وشأنها عظيم، ونشر الكفر بين الناس في الكتب شأنه خطير، وبلاؤه عظيم. فالعلوي هو العلوي من الناس زيد أو عمرو إذا أظهر الكفر بالله وجب أن يؤخذ على يديه، ووجب أن يُنهى، ولو كان من أولاد الأنبياء، ولو كان من أولاد الحكومة، ولو كان من أولاد علماء البلاد، ولو كان من أعيانهم، إذا ارتد عن دينه وأظهر كفره وجب أن يؤخذ على يديه كائناً من كان، سواءً كان زيداً أو عمراً والله المستعان. نسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يهدي ضال المسلمين جميعاً.

حكم الاحتفال باليوم الوطني وأسبوع الإمام محمد بن عبد الوهاب

حكم الاحتفال باليوم الوطني وأسبوع الإمام محمد بن عبد الوهاب Q ما حكم الاحتفال باليوم الوطني، وكذلك أيضاً أسبوع للإمام محمد بن عبد الوهاب، وإذا كانت ليست بدعاً فما الفرق بينها وبين البدع؟ A اليوم الوطني بدعة، أما أسبوع العلماء من الذي قال: إنه بدعة؟! هذا أسبوع تعرض فيه كتبهم، ما هو باحتفال، هذا أسبوع تُعرض فيه الكتب، إذا قيل: أسبوع لكتاب كذا، وأسبوع لكتاب كذا، وهذا الأسبوع يباع فيه كذا، وأسبوع يباع فيه كذا، ليس هذا احتفالاً، هذا معرض للكتب، وبيان ما ألفه فلان، وما طُبع من كتبه، فإذا قيل: أسبوع لـ محمد، وأسبوع لـ شيخ الإسلام، وأسبوع لـ ابن عبد السلام، وأسبوع للقرطبي، وأسبوع لكذا، تنشر كتبهم، وتباع بين الناس، ليس هذا من البدع، هذا إظهار للكتب وبيع لها ونشر لها بين الناس. أما اليوم الوطني، والاحتفال باليوم الوطني، أو بأي يوم، أو بليلة الرغائب كل هذا بدعة، كلها من البدع، وهو تشبه بأعداء الله.

خطورة الإعلام في محاربة أحكام الشريعة

خطورة الإعلام في محاربة أحكام الشريعة Q هناك برامج تُعرض في الصباح؛ حيث يكون الرجال في عملهم، وتهدف إلى محاربة أحكام الشريعة، كتعدد الزوجات، حيث يوجد مسلسل يُعرض فيه نص: من تزوج باثنتين أصيب بالجنون، فلماذا لا تبلغوا الجماعات العليا بهذه المأساة، ولماذا لا يُعرض ما يهدف إلى تعريف الأمة بطرق التربية الإسلامية الصحيحة؟ A من وجد هذا فليكتب وجزاه الله خيراً، وليبين المسلسل هذا عنوانه، وفي أي ليلة، وفي أي وقت سمع هذا الشيء، حتى نسأل عنه، ونطلب الشريط الذي فيه هذا الشيء حتى نكون على بينة، ينبغي لإخواننا الذين يسمعون هذه الأشياء إذا سمع شيئاً من ذلك أن يبين الوقت والساعة، وعنوان الشريط، إذا كان معه عنوان الشريط، أو عنوان المسلسل، ويعطي ويكتب لنا في ذلك، أو إلى رئيس الهيئات، أو إلى غيره من أهل العلم، أو إلى وزير الداخلية، أو إلى الملك. يجب أن يفعل ما يستطيع من إنكار المنكر.

بعض شبه من يحتج بمشروعية أعياد الموالد

بعض شبه من يحتج بمشروعية أعياد الموالد Q ما هي الشبه التي يوردها مَن يقول بسنية أعياد الموالد، وخاصة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A سمعت شبهتهم التأسي بأعداء الله؛ من اليهود والنصارى، وهؤلاء يفعلون، ونحن نفعل مثلهم! لماذا لا ما نعظم نبينا مثل تعظيمهم للموالد؟! ديننا معظم بحمد الله، بما شرع لنا ربنا على يديه عليه الصلاة والسلام، فنحن نعظمه بالصلاة عليه، واتباع سنته، والشهادة له بالرسالة عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى دينه، وتحذير من خالفه عليه الصلاة والسلام، لا بالبدع وإحياء الموالد.

حكم التهنئة بأعياد الاستقلال ونحوها

حكم التهنئة بأعياد الاستقلال ونحوها Q ما رأي سماحتكم فيمن يرسل رسالة إلى صديقه أو رئيسه يهنئه فيها بذكرى مولده أو ذكرى استقلال بلاده، وذلك بدون احتفال؟ A هذا مما يفعل، وليس له أصل، لأنه من عمل المشركين، وهو شيء جديد، ومحدث لنا. لكن ولي الأمر إذا رأى فيه المصلحة، وصد أهل الفتن، فقد نص أهل العلم أنه يجوز لولي الأمر أن يهنئ الكفار إذا رأى المصلحة الإسلامية في ذلك، وأن يدرأ بها شراً، أو يثبت بها خيراً، من باب درء المفاسد، وجلب المصالح.

حكم عمل المناسبات التي لا تتكرر

حكم عمل المناسبات التي لا تتكرر Q لقد سمعتُ بعض المشايخ في إحدى دروسه في التلفاز يقول بأنه لا بأس من عمل مناسبة لمولود، أو مناسبةٍ مضى عليها عام، وبما عملته جامعة الرياض بمرور ومضي (25) عاماً على تأسيس جامعة الرياض! A إذا لم يتهيئوا إذا تكرر في مناسبة إذا كان لنعمة حدثت فيجمع الناس لأنه قدم من سفر، أو شُفي من مرض، فيدعو أقاربه هذا لا بأس به، العيد لا يتكرر، مثل العادة تتكرر كل سنة أو كل شهر هذا هو العيد، أما إذا أولم وليمة بمناسبة قدومه من سفر، أو مناسبة وليد له يذبح فيه العقيقة يوم السابع، ويدعو بعض مَن شاء مِن أقاربه، أو مناسبة شفاه الله من مرض فيجمعهم ويقيم وليمة، أو ما أشبه ذلك، ليس هذا من البدع؛ هذا من باب شكر الله على نعمه، العيد لا يتكرر، يدور بدور الشهر، أو بدور الأسبوع، أو بدور العام، يُسمى عيداً. السائل: يعني: من هذا إذاً أعياد الجلاء، والأعياد الوطنية! الشيخ: هذه الأعياد تكرر وتسمى أعياداً.

طلب شفاعة الشيخ إلى الوزير بسفر المدرسين الأجانب في العطلة

طلب شفاعة الشيخ إلى الوزير بسفر المدرسين الأجانب في العطلة Q سماحة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. صرَّح معالي وزير المعارف بمنع المدرسين المتعاقدين من السفر إلى بلادهم في إجازة الربيع، ونحن نود أن نسافر إلى أهلنا وزوجاتنا وأولادنا، وذلك على نفقاتنا الخاصة، مع استعدادنا لتقديم كافة الضمانات اللازمة للعودة، نأمل التزكية لدى وزير المعارف وإدارة التعليم بـ الرياض، وجزاكم الله خيراً، حتى نستطيع أن نصل أهلنا وزوجاتنا وأبناءنا. A قد كلمناه في هذا في العام الماضي لا في هذا العام، وقال لنا: إنه لا يستطيع؛ لأنه جرب إخواننا المصريين وغيرهم يراهم يتأخرون عن الدروس، ويضيع بعضهم الدروس، فلم نجد حيلة إلا أن نمنعهم من السفر في العطلة؛ لأن العطلة قصيرة، فلن ينفعنا إلا منعهم من السفر؛ لأنهم إذا سافروا يتأخر كثير منهم، هذا يقول: مرضتُ، وهذا يقول: جرى لزوجتي كذا، وهذا يقول: جرى لي كذا، فيتأخرون عن مواعيد رجوعهم، هذه علتهم في هذا الأمر. وهذا شيء إليهم، نسأل الله أن يوفقهم، وليس لنا فيه دخل، ونسأل الله لهم التوفيق للجميع.

متى يكون العمل بدعة

متى يكون العمل بدعة Q نرجو من سماحتكم توضيحاً مفصَّلاً قدر الإمكان إلى موضوع البدعة، ومتى يكون العمل بدعةً، ومتى يكون سنة حسنة؛ لأن هذا الموضوع يسبب اختلافات كثيرة بين المسلمين؟ A ليس في البدع شيء حسن، كلها ضلالة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) وهو الإمام العادل عليه الصلاة والسلام، وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، قال: (كل بدعة ضلالة) . فلا يجوز لأحد أن يقول: إن بعض البدع ليس بضلالة، فإن هذا معناه الرد على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعناه مخالفة له عليه الصلاة والسلام، فالذين قالوا: إن البدع أقسام قولهم ليس بصحيح. فالبدعة كلها ضلالة، ومما زعموا أن من البدع ما يجب، كجمع المصحف الكريم، فليس هذا من البدع، بل هذا من ضبط القرآن، والعناية بالقرآن، ومما شرعه الله عزَّ وجلَّ. فالحاصل أنه ليس في البدعة شيء حسن، فكلها ضلالة، كما قاله المصطفى عليه الصلاة والسلام: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) والتقسيم غير جائز وغير وارد. وأما ما يروى عن عمر أنه قال في التراويح: [نعمت البدعة هذه] فالعلماء قالوا فيها: إن المراد أنها بدعة من جهة اللغة؛ لأن أهل العربية كل شيء على غير مثال سابق يُسمونه بدعة، فليس مقصوده أنها بدعة في الدين، ولكن جمعه للناس على إمام واحد بعدما كانوا متفرقين، إنه بدعة من جهة اللغة، وإلا فليست بدعة، بل هو سنة، فالتراويح فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهي سنة مؤكدة وليست بدعة.

بيان كفر وضلال المدعو محمد محمود طه

بيان كفر وضلال المدعو محمد محمود طه Q بالنسبة لصلاة التراويح في رمضان، يقول المدعو: محمود محمد طه، وهو رجل ظهر في السودان باسم الدين، إن هذه الصلاة التي يصليها المسلمون جماعة بدعة من البدع، كما يقول بتحريم ذبح الأضحية باعتبار أن الخروف مسلم مثل الإنسان المسلم، نرجو من سماحتكم التكرم في الرد على هذه الدعوات وتوضيحها للمسلمين، كما نرجو من فضيلتكم التكرم بالتعاون مع علماء السودان والعالم الإسلامي والمسئولين السودانيين لوضع حد من نشاط هذا الرجل، خاصة أن السودان أكرمها الله تعالى باختيار الطريق الإسلامي أخيراً! A هذا رجل ضال مضل، محمود محمد طه ضال مضل، وكافر ضال لا إشكال في أمره، وقد كتبنا لنفس الرئيس، النميري، وإلى مجلس تأسيس الرابطة، والمجلس الأعلى الإسلامي، وكتبنا أن هذا يجب أن يُستتاب وإلا قُتل؛ ولكن لم يفعلوا شيئاً؛ ولكن بلغنا الآن أنه مسجون، ولعله يأخذه في السجن إن شاء الله، فهو ضال مضل، ولو هدى الله النميري لَقَتَلَه؛ ولكن إن شاء الله بعدما حكم الشريعة النميري، وبعدما أظهر تحكيم الشريعة نسأل الله له التوفيق، لعله إن شاء الله يقتله إن لم يتب، فهو ضال مضل، يقول: يُعمل بما كان عليه النبي في مكة، ولا يرى الشرائع التي جاءت في المدينة، ولا يرى جلد الزاني، ولا قطع السارق، ولا رجم الزاني، ولا ولا ولا، كل الشرائع يأتي بها وراء ظهره، كل الشرائع التي جاءت في المدينة ينسفها، فهو ضال مضل. ومن جهله إذا كان يقول: إن الخروف مسلم، هذا من جهله الكبير، ومن ضلاله العظيم، الرسول ذبح صلى الله عليه وسلم، وضحى بكبشين أقرنين، فهل يقول هذا عاقل يعلم ما يقول؟! هذا رجل جاهل ومن السفهاء.

مسئولية استقدام العمال الكفار إلى جزيرة العرب

مسئولية استقدام العمال الكفار إلى جزيرة العرب Q تفضلتم سماحتكم الأسبوع الماضي بالرد على سؤال الأخ الذي ذكر أن أحد السائقين الكفرة صاحب إحدى الأُسَر، وكانوا حريماً، اصطحبهن إلى إحدى الأفراح، وبعد انتهاء الفرح ذهب بالسيارة إلى إحدى الشركات كما حدث، نحن نلقي عليكم التبعة واللوم؛ لأنكم في وُسعكم أن تمنعوا استخدام هؤلاء الكفرة داخل البيوت، ولا يكلفكم هذا شيء غير أن تتفضلوا بزيارة ولي الأمر، وسوف يسألكم الله؛ لأنكم أنتم المسئولون الأُوَل عن إقامة شرع الله، وأخذاً بالحديث الذي يقول: (لا يبقى في جزيرة العرب غير مسلم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وجزاكم الله خير الجزاء! A لا شك أني من المسئولين، وقد بذلتُ في هذا ما يعلمه الله من الكتابة والمباشرة، مع الملك، ومع غير الملك، وبينا لهم أن هذا منكر، وأنه لا يجوز استخدامهم، ونشرناه في الصحف، وبينا في المجالس هذه مع الملك وفقه الله، ومع ولي العهد، ومع وزير الداخلية، مشافهةً وكتابةً، ونسأل الله لهم التوفيق، وقد صدر تعميم من وزير الداخلية بمنع استخدام السائقين وغير السائقين من الكفرة، من الخدم والسائقين، وأسأل الله أن يمن بمنع حتى العمال، أسأل الله أن يكفينا شرهم. فالجهود مبذولة، وليس في أيدينا إلا البلاغ، ما في أيدينا المنع، نحن في أيدينا البلاغ فقط، أما المنع فبيد ولاة الأمور، أسأل الله أن يوفقهم ويهديهم.

خطورة مقولة: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس

خطورة مقولة: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس Q ما مدى تأثير هذا الدعاء المذكور في هذه الورقة على العقيدة، وهذه الورقة مأخوذة من تقويم من بنك الرياض، طباعة دار الأصفهاني بـ جدة، فيه يقول: حجَّ أعرابي، فدخل مكة قبل الناس، وتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يَدْهَمَك الناس؟ A على العموم: إما جاهل وإلاَّ لعَّاب، يريد الناس يضحكون عليه. هذا غلط ومنكر، ما يقال للحق: قبل أن يَدْهَمَك الناس، فهذا جاهل جهداً مركباً، أو لاعب مستهتر.

شرح حديث: (من تعلم العلم ليجاري به العلماء)

شرح حديث: (من تعلم العلم ليجاري به العلماء) Q (من تعلم العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار) أرجو أن تشرحوا هذا الحديث شرحاً موجزاً! A هذا الحديث ضعيف الإسناد؛ ولكن معناه صحيح، من تعلم العلم للمباهاة؛ مباهاة العلماء، أو مجاراة السفهاء، أو لأجل أن يثني عليه الناس، ويقولوا: إنه كذا، وإنه كذا، فهذا مراءٍ، ما قصد وجه الله، فيكون مع المرائين، تُسَعَّر بهم النار، نعوذ بالله، ولهذا قال: فالنار النار، نسأل الله العافية. فمعناه صحيح، ويحذر من الرياء، وأن الواجب إذا تعلم العلم لا لمباهاة العلماء، ولا لمماراة السفهاء، ولا لأجل صرف نظر الناس إليه، وثنائهم عليه، وتحيتهم له، لا، ولكن يجب أن يتعلمه ليعرف به دينه، وليعبد الله به، وليعلمه الناس، ويدعو إلى شريعة الله وأحكامه، هكذا يجب التعلم، أما من أجل الرياء والسمعة والمباهاة ومماراة السفهاء، أو لأجل حطام الدنيا، فهذا من الرياء الذي حرمه الله، وتوعَّد عليه بالنار، نعوذ بالله من النار.

صحة حديث: (هلك المتنطعون)

صحة حديث: (هلك المتنطعون) Q ما مدى صحة حديث: (هلك المتنطعون) ؟ A هذا حديث صحيح، رواه مسلم وغيره: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثاًَ عليه الصلاة والسلام، يُقصد به التكلف والتعمق في الشيء والابتداع، هذا من حجة أهل السنة على أهل البدع، لأن هذا تنطُّع وتكلُّف، فالمتنطع والمتكلف والمتعمق الذي يسأل عن أشياء ويأتي بأشياء ما شرعها الله سبحانه وتعالى.

حكم الحلف بالطلاق

حكم الحلف بالطلاق Q إنسان طلّق على أنه لا يقعد عند هذا الشخص، وفي يوم من الأيام ذهب إليه، فما حكم ذلك اليمين؟ A إذا طلق الإنسان لا يقعد عند فلان، أو لا يكلم فلاناً، فله حالات: - إحداهما: أن يقصد منع نفسه ولا يقصد إيقاع الطلاق، إنما قصده منع نفسه من الشيء وشدد على نفسه بالطلاق، ولم يرد إيقاع الطلاق على أهله، وإنما أراد منع نفسه من القعود عنده أو الكلام، فهذا حكمه حكم اليمين على الصحيح، وعليه كفارة اليمين، ولا يقع الطلاق. - أما إذا أراد وقوع الطلاق، نوى أنه إذا قعد عنده فزوجته طالق، فإنه متى كلمه أو قعد عنده تقع طلقة؛ لأنه طلاق معلق على الشرط، مثلما لو قال: إذا دخل رمضان فزوجته طالق، فإنها تَطْلُق، أو قال: إذا نزل المطر فزوجته طالق، أو قال: إذا حاضت فهي طالق وهكذا.

حكم طلاق السكران

حكم طلاق السكران Q شخص طلق وهو في حالة سكر على أن لا يركب السيارة مع أشخاص، ثم ركب معهم؛ ولكن في مقدمة السيارة، والبقية في المؤخرة؟ A السيارة كلها واحدة مقدمتها أو مؤخرتها، إذا كان عقله معه وقع الطلاق إذا قصد الطلاق، وإن كان عقله ليس معه، تكلم وهو غير عاقل؛ زائل العقل، فهو مثل المجنون، لا يقع طلاقه. إذا تكلم وهو غير عاقل مثل المجنون فلا يقع طلاقه، أما إذا كان يعقل، فيُسْتَفْسَر، فإن كان أراد منع نفسه من الركوب، مثلما تقدم فيمن طلَّق ألا يكلم فلاناً ولا يقعد عنده، وإن كان حلف بالطلاق، وليس قصده فراق زوجته، وإنما قصده منع نفسه من الركوب والتشديد على نفسه، فهذا حكمه حكم اليمين، وعليه الكفارة، فإن كان أراد إيقاع الطلاق وركب وقع الطلاق على زوجته، يقع عليها طلقة في ذلك إذا كان عقله معه، سواءً ركب في مقدمها أو في مؤخرها؛ إلا إذا قال: لا أركب في مقدمها أو مؤخرها فعَيَّنَ، فهو على ما عَيَّنَ، وهذا نوع.

حكم قصر الصلاة في مطار الرياض لأهل الرياض

حكم قصر الصلاة في مطار الرياض لأهل الرياض Q ما حكم الصلاة في المطار الجديد، علماً بأنه يبعد عن الرياض نحو (53كم) ، هل نصلي ركعتين أو أربع ركعات؟ A يصلي صلاة مقيم، لأنه مِن توابع الرياض، مِن تَبَعِها، مِن تَبَعِ البلد، والبناء حوله.

حكم الإمام الذي يكثر الحركة في الصلاة

حكم الإمام الذي يكثر الحركة في الصلاة Q إمام كثير الحركة في صلاته، فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ A يُعَلَّم ويُنْصَح، ويُبَيَّن له أنه لا يجوز الحركات الكثيرة المتوالية، وأن الواجب علينا الخشوع والطمأنينة، فإذا كثرت الحركات وتوالت من دون ضرورة بطلت الصلاة. فالواجب أن يُنْصَح ويُوَجَّه إلى الخير ويُنَبَّه، لأن بعض الناس، قد لا ينتبه فيجب أن يُنَبَّه ويُحَذَّر.

حكم من صلى في جورب فيه ثقب

حكم من صلى في جورب فيه ثقب Q رجل يمسح على جوربه، وبعد صلاة الظهر مباشرة وجد فيه ثقباً، ولا يدري كم صلاة صلاها بهذا الثقب! A إذا كان الثقب خفيفاً قليلاً لا يضر فصلاتُه صحيحة، وإن كان الثقب واسعاً كثيراً تعيد الصلاة الأخيرة فقط، يتوضأ ويصلي.

حكم من أحرم للعمرة من جدة وهو ليس من أهلها

حكم من أحرم للعمرة من جدة وهو ليس من أهلها Q ذهبت إلى العمرة واعتمرت من جدة، فهل عليَّ هدي؟ A إذا كنتَ من أهل جدة يكفي، أما إذا كنت جئت من مكان آخر من الرياض أو من الطائف، وأنت تقصد العمرة، ولكن ما أحرمت إلا من جدة، فقد تجاوزت الميقات، فعليك دم لأنك تجاوزت الميقات، إذا كنت جئت من مكان بعيد عن جدة، كأن جئت من الطائف، أو جئت من رابغ، وأنت من أهل رابغ، ولا أحرمت من رابغ، ونويت العمرة وأنت في رابغ، ولا أحرمتَ منه، يكون عليك ذبيحة، تكفيراً لعمرتك وجبراً لها. أما إذا كنت من أهل جدة فلا بأس، أو كنت جئت جدة ما نويت شيئاً، سافرت من الرياض أو من المدينة أو من غيرها إلى جدة، وما عندك نية عمرة، فلما كنت في جدة طرأ وبدا لك أخيراً أن تعتمر فلا بأس، تحرم من جدة ولا شيء عليك، لأنك ما نويت العمرة إلا منها، فلا بأس.

حكم التسمي بنور الدائم ووداعة الله وغلام الله

حكم التسمي بنور الدائم ووداعة الله وغلام الله Q يوجد معنا زميل يسمى: نور الدائم بن وداعة الله بن غلام الله، فهل هذا الاسم جائز؟ وهل يجوز لنا كتابة هذا الاسم في الوثائق والشهادات؟ وماذا يفعل الموظف إذا قابله ذلك الاسم أثناء عمله في المستندات؟ A لا نعرف شيئاً في وداعة الله، وكل الناس وداعة الله، نعم. السائل: وغلام الله يا شيخ؟ الشيخ: غلام الله لا يجوز، ونور الله مثل أي مخلوق، لو غُيِّر يكون أحسن، المقصود كلها من الله، هو الذي خلقها. السائل: هناك جار الله! الشيخ: جار الله كذلك. السائل: وجاب الله؟ الشيخ: وجاب كذلك. السائل: بعض الناس يسمون غلام الرسول من الباكستانية! الشيخ: غلام الرسول لا يجوز، غلام الرسول وعبد الرسول لا يجوز، أما عبد الله وغلام الله، فهذا لا بأس به. السائل: وعبد النبي؟ الشيخ: وعبد النبي لا يجوز، عبد النبي وعبد الحسين، كل هذا لا يجوز، هذا من عمل الرافضة، التعبد بغير الله لا يجوز، أما نور الله فهو تعبير ليس بطيب، ينبغي أن يغيَّر. السائل: نور الدائم؟ الشيخ: نور الدائم إذا كان أراد به الله، الدائم الله، فنور الله ينبغي أن يغيَّر، لئلا يُظَن أنه نور الله الذي هو صفة الله سبحانه وتعالى، فإن النور نورين: - نور هو صفة الله عز وجل، وهذا يختص به سبحانه. - ونور مخلوق، من جنس الأنوار، مثل: الشمس، والقمر، وغير ذلك، هذه أنوار مخلوقة. ونور الإسلام مثل الأنوار المخلوقة، فينبغي له أن يغير هذا الاسم، حتى لا يوهم. السائل: جار الله يا شيخ ليس فيه شيء؟ الشيخ: ليس فيه شيء.

حكم الصور التي تظهر في صفحات المجلات

حكم الصور التي تظهر في صفحات المجلات Q نسأل عن حكم الصور التي تظهر في مجلة الدعوة الإسلامية التي كانت من قبل هي قدوة كل الصحف؛ لأنها خالية من الصور، هل إذا وُضعت في الغرفة مثلاً نخشى ألا تدخل الملائكة علينا فيها؟ A ينبهون إن شاء الله، والأولى والأحسن أن يُقطع الرأس، إذا قُطع الرأس بحبر أو غيره انتهى الموضوع. السائل: أو يُطمس. الشيخ: إذا طُمس الرأس كفى، أو طُمس بالحبر كفى.

حكم ذهاب المرأة إلى طبيبة كتابية للعلاج

حكم ذهاب المرأة إلى طبيبة كتابية للعلاج Q مرضت امرأة ولم تجد في بلدها غير طبيبة كتابية وطبيب مسلم، فأيهما تختار؟ وهل هناك اختلاف لو كانت الكتابية احتمال أن تؤذيها أم لا؟ A إذا كان المقصود يحصل بالطبيبة الطبيبة الكتابية فتختار المرأة؛ لأنها أسهل وأسلم، وتحذر من شرها إن كان هناك شر، وإن ذهبت لطبيب مسلم من باب الاحتياط فالأمر في هذا واسع متقارب؛ لأن هذه كتابية وفيها شر، وهذا رجل والمرأة عورة، فالأمر متقارب؛ ولكن إذا كانت الطبيبة معروفة بالأمانة، ولها معرفة بالطب جيدة، فلا بأس في ذلك.

حكم جلوس الرجال مع النساء غير المحارم

حكم جلوس الرجال مع النساء غير المحارم Q إخوة يجلسون مع بعض زوجاتهم في جلسة واحدة لتناول القهوة أو للذكر، فهل هذا جائز، وإن كان جائزاً فما حكم من لم يكونوا إخوة وهم على هذه الصورة؟ A ليس لزوج الأخت ولا لزوجة الأخ ونحو ذلك الجلوس مع أخي زوجها، وليس للمرأة مع زوج أختها أن تبدي له شيئاً من محاسنها، لا الوجه ولا غيره، بل عليها التستر في ذلك، فإن جلست معهم مع الحجاب والتستر وعدم التبرج فلا بأس، إذا جلست وسلمت عليهم باللسان مع الحجاب الشرعي في وجهها وسائر بدنها فلا بأس ولا حرج، أما أن تجلس وهي تبدي لهم محاسنها فلا يجوز، حتى ولو كانت غير جالسه معهم، ولو كانت في مكان آخر، ليس لها أن تبدي محاسنها، فعليها أن تحتجب عن زوج أختها، وعن أخي زوجها، وعن عم زوجها، وعن سائر أقاربها غير المحارم مطلقاً.

حكم المصافحة بعد الصلوات

حكم المصافحة بعد الصلوات Q ما حكم من يصافح الذي على يمينه وعلى شماله دائماًَ بعد صلاة الرواتب، أي: السنن قبل الفريضة في المسجد؟ A لا حرج، فالسنة عند المقابلة المصافحة، كان الصحابة يصافحون النبي صلى الله عليه وسلم، يقول أنس رضي الله عنه: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) فإذا لقي أخاه في الصف صافحه قبل الصلاة أو بعدما يصلي الراتبة أو تحية المسجد، فهذا سنة. السائل: وإذا كان يقرأ يا شيخ؟ الشيخ: ولو يقرأ، فليصافح أخاه. السائل: لا يا شيخ، إذا تسننتُ أنا ووجدتُ الذي بجانبي يقرأ. الشيخ: تصافحه ولو كان يقرأ، من السنة عند اللقاء أن تسلم على أخيك.

حكم زكاة الأرض المعدة للبيع

حكم زكاة الأرض المعدة للبيع Q اشتريتُ أرضاً بمبلغ (1100) ريال، وبقيت عندي مدة ثمان سنوات، وبعتها الآن بمبلغ قدره (5000) ريال، هل أزكي المبلغ الأصلي لمدة ثمان سنوات، أو المبلغ الحالي الذي هو (5000) ريال لمدة سنة أو ثمان سنوات؟ A إذا كانت الأرض عرضتها للبيع، ونيتك البيع، فزكِّها كل سنة بحسب قيمتها عند أهل المعرفة، سواءً ألفاً أو ألفين أو ثلاثة، على حسب ما يقوله أهل الخبرة في الأراضي التي تجانسها وتشابهها، كل سنة لها حسابها ولها قدرها، وأما أن تزكي عن جميع السنوات فلا، كل سنة لها حكمها، ولها قيمتها، إذا كنت عرضتها للبيع. أما إن كنت شاكاً ما عندك نية للبيع ومتردداً هل تبيعها؟! هل تعْمُرها؟! هل تفعل كذا؟! ما عندك جزم فليس عليك زكاة، أما إذا كنت جازماً لبيعها والتجارة بها، فهذا عليك الزكاة كل سنة حسب قيمة الأرض، رخيصة أو غالية.

حال حديث: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)

حال حديث: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) Q ما صحة حديث: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) ، وحديث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله؛ فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة) ؟ A حديث: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) ليس صحيحاً، موضوع عند أهل العلم، الذي في المهد لا يطلب العلم، ولا يعرف العلم، (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) ليس بصحيح؛ ولكن المعنى: يزيد في طلب العلم، والحث على طلب العلم، وكذلك الحديث الآخر: (اطلبوا العلم ولو في الصين) ليس بصحيح. أما حديث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن ظنه بالله) فهو حديث صحيح، رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن ظنه بالله) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عزَّ وجلَّ: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني) . فالظن بالله حسن طيب، هذا من أهم المهمات؛ ولكن إنما يحصل له ذلك إذا أحسن العمل، فإذا أحسن العمل حسُن ظنه، وأما إذا أساء العمل فلا يستقيم حسن ظنه وقد أساء العمل، فإن سوء العمل يدعوه إلى سوء الظن، كما في قول الشاعر: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه فالمقصود أن من أسباب حسن الظن بالله: الاجتهاد في طاعته، والحذر من معصيته سبحانه وتعالى. فمن أحسن طاعته لله، واستقام على أمر الله، وتباعد عن محارم الله حسُن ظنه بالله، ومن ساءت أعماله ساءت ظنونه، نسأل الله السلامة.

إنكار المنكر الموجود في المعلبات

إنكار المنكر الموجود في المعلبات Q لقد كتبنا لسماحتكم عن الصور الخلاعية التي تأتي في علب جبن البقرة الضاحكة، فماذا فعلتم؟ A لقد كتبنا عن هذا كله، كتبنا إلى الجهات المسئولة، ونسأل الله الإعانة. وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه.

أخلاق العلماء وأثرها في الأمة

أخلاق العلماء وأثرها في الأمة العلماء هم قادة الأمة، وخلفاء الرسل، وورثة الأنبياء، أخذوا على أيدي الأمة من حضيض المستنقعات والرذائل إلى الالتزام بشرع الله والتحلي بالفضائل، لكن لابد للعالم الرباني من أخلاق يتحلى بها حتى يكون قدوة للأمة، كالخشية والخوف من الله، والتواضع، ولزوم طلب العلم والدعوة إلى الله وغير ذلك من الأخلاق.

العلماء خلفاء الرسل

العلماء خلفاء الرسل الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد فنسأل الله تعالى أن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويخذل أعداءه. ثم أشكر القائمين على هذه المؤسسة على دعوتهم لي إلى هذا اللقاء، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يبارك في جهودهم، وأن يعينهم على كل خير، وأن يتغمد الملك فيصل برحمته ورضوانه، وأن يرفع درجاته في المهديين، وأن يصلح ذريته وجميع الأسرة، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين لما فيه رضاه، ولما فيه صلاح المسلمين وسعادتهم في العاجل والآجل، وأن يوفق جميع الأسرة السعودية لكل ما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن ينفع بهم العباد والبلاد. كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين في كل مكان لما فيه صلاح المسلمين، ولما فيه توجيههم إلى الخير، ولما فيه إرشادهم إلى أسباب النجاة، وأن يعينهم على أداء الواجب، وأن يصلح قادة المسلمين جميعاً ويوفقهم لتحكيم شريعته، والالتزام الشرعي بها، والاستقامة عليها، وأن يوفق جميع المسلمين لما فيه صلاحهم وسعادتهم في العاجل والآجل. أما موضوع المحاضرة فكما سمعتم هو: "أخلاق العلماء وأثر ذلك في المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي أيضاً". لا ريب أن العلماء الصالحين المهتدين هم خلفاء الرسل، وهم الدعاة إلى ما جاءت به الرسل من توحيد الله والإخلاص له، واتباع الهدي الذي جاءت به الرسل، وهم القادة في توجيه الناس إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك. ولهذا روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين) ، يبصِّرون بكتاب الله أهل العمى، وينذرونهم عواقب الجهل والظلم، والذود عن أسباب الهلاك، يدعونهم إلى مكارم الأخلاق، ويحذرونهم من مساوئ الأخلاق. المقصود أنه سبحانه وتعالى جعل العلماء هم الخلفاء للرسل، وهم الدعاة إليه، وهم المبصرون لعباده، فجدير بهم أن يؤدوا هذه الأمانة بكل عناية وإخلاص وصدق. والأثر الذي أشرت إليه: (ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين) ذكره ابن عبد البر رحمه الله، وذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح باب السعادة، وأطال فيه رحمه الله، وله طرق. فأهل العلم هم الدعاة إلى الله، وهم المبصرون بكتاب الله أهل العمى، وهم الصابرون على الأذى، وهم النجوم التي يُهتدى بها في ظلمات الجهل والضلال والشكوك والأوهام، وهم -في الحقيقة- أهل خشية الله بعد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فأئمة الهدى ودعاة الحق هم الرسل في الطبقة الأولى، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم يليهم العلماء بالله وبدينه، والهداة إليه، وهم على مراتب وعلى طبقات أيضاً. وكلما كان العالم أعلم بما جاءت به الرسل، وأخلص وأصدق في العمل؛ كان أكثر قياماً بالخلافة، وأكثر تأسياً بالرسل، وأكثر أجراً، وأعظم ذكراً.

من أخلاق العلماء: خشية الله

من أخلاق العلماء: خشية الله رأس العلم خشية الله عزَّ وجلَّ، فإن من خشية الله أن يؤدي العالم ما يجب عليه، وكلما كانت خشيته لله أكمل صار إخلاصه أعظم، وصار أداؤه للأمانة أكمل، يقول عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] أي: العلماء بالله، العارفين به، المعظمين لحرماته، البصيرين بكتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فهم أفضل الناس خشية، وأكثرهم تعظيماً لله، وأقومهم بحقه بعد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فالحصر هنا للكمال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ، أي: الخشية الكاملة، وإلا فمعلوم أن كل مؤمن وكل مسلم يخشى الله، وإن تفاوتت المراتب؛ لكن كل مسلم يخشى الله، ولهذا أسلم لله، وقام بما قام به من حق الله. وكلما كان المؤمن أخشى لله وأعظم خوفاً منه؛ صار قيامه بالواجب أكثر؛ ولكن العلماء بالله، المتبصرون في دينه، الفقهاء في شريعته، هم أفضل وأعظم الناس خشية، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ، أي: إنما يخشاه خشية كاملة العلماءُ به سبحانه وتعالى، القائمون بحقه، الفقهاء في دينه، المتبصرون في شرعه. وعلى حسب خشية العالم لله، وعلى حسب بصيرته، وعلى حسب استحضاره ما يجب عليه من أداء الأمانة؛ يكون توجهه للعلم وطلبه وازدياده من العلم، وعمله بالعلم في نفسه وفي غيره. فمن أخلاق العلماء البارزة العظيمة: الخشية لله سبحانه وتعالى، والتعظيم لحرماته، والنصح له ولعباده، تأسياً بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وسيراً على منهاجهم العظيم، وأكثر الرسل وأعظمهم خشية وبلاغاً ونصحاً هو رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو إمامهم وسيدهم عليهم الصلاة والسلام جميعاً. وأكثر الناس خشية بعده، وأكملهم إمامة أكملهم في الاقتداء به، ومحبته، والسير على منهاجه، وهم صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم، فهم خير الناس بعد الأنبياء، وهم أكمل الناس في خشية الله، والإخلاص له، والصدق في أداء حقه، وفي أداء الأمانة، وفي تبليغ ما علموه من الرسالة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، وأفضلهم وإمامهم: أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعنهم، ثم الفاروق، ثم ذو النورين عثمان، ثم علي رضي الله عنه أبو الحسن، ثم بقية الصحابة على مراتبهم، هم أفضل الناس خشية لله، وأعظمهم قياماً بحقه بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم التابعون وأتباع التابعين على مراتبهم، وهؤلاء العلماء بعدهم، كل على ما منحه الله من العلم والبصيرة، وقوة في الحق، وأداء الأمانة. وكلما عظم الإخلاص والخشية لله عزَّ وجلَّ؛ انتشر العلم والعمل، وازداد الصبر والثبات، وعظُم الأثر في الناس.

من أخلاق العلماء: الإكثار من طلب العلم

من أخلاق العلماء: الإكثار من طلب العلم ومن أخلاق أهل العلم: عنايتهم للزيادة من العلم، وعدم اقتناعهم بالقليل فهم لا يزالون أبداً يطلبون العلم حتى الموت، كما قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] ، فهم يطلبون الزيادة ويسألون الله الزيادة، ويبذلون كل ما يستطيعون في طلب المزيد من العلم من المذاكرة، ومراجعة الكتب، وسؤال أهل العلم، وحضور حلقات العلم، والرحلة في طلب العلم، ولو إلى بلادٍ بعيدة، كما رحل موسى عليه الصلاة والسلام إلى الخضر لطلب المزيد من العلم، وكما رحل جمع من الصحابة إلى مصر والشام وغيرها لطلب العلم. ومن أخلاق أهل العلم: الرحلة في طلب العلم، والجد في طلب العلم وطلب المزيد قولاً وعملاً، فهم يسألون الله المزيد ويعملون في طلب المزيد، من العناية بكتاب الله عزَّ وجلَّ تلاوة وتدبراً وحفظاً وتعقلاً، ومراجعةً لكتب التفسير، ومذاكرةً في ذلك، وهكذا في الحديث النبوي، وأصول الفقه، وأصول المصطلح وهكذا في غير ذلك، هم دائماً وأبداً يطلبون المزيد، ويعملون المزيد من طلب العلم، لعلمهم وشعورهم بشدة الحاجة إلى ذلك، والله سبحانه يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] ، فمهما طلب العلم ومهما اجتهد ومهما حرص، فهو لم يؤتَ إلا القليل، وعلم الله أوسع وأكثر. هكذا ينبغي لطالب العلم، وهكذا ينبغي للعالم المسئول، أن يكون حريصاً على طلب العلم، مع الاهتمام بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعن طريق المذاكرة مع أهل العلم الذين يُرجى أن يكون عندهم من الفائدة ما لا يستغني عنها الشخص.

من أخلاق العلماء: التواضع

من أخلاق العلماء: التواضع ومن أخلاقهم العظيمة: التواضع، وعدم التكبر؛ تأسياً بإمامهم وسيدهم محمد عليه الصلاة والسلام، فالعلماء هم أكثر الناس تواضعاً، اقتداءً بإمام المتقين وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، فقد كان صلى الله عليه وسلم أكمل المتواضعين، وكان لا يستأنف ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمسكين حتى يقضي له حاجته، عليه الصلاة والسلام. وهكذا أهل العلم يتواضعون في طلب العلم، وإبلاغ العلم، وفي قضاء الحاجة للمسلمين، وبذلك نالوا المراتب العالية، والدرجات الرفيعة. يقول مجاهد رحمه الله وهو تابعي جليل: [لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر] ، ذكره البخاري رحمه الله تعليقاً وتبويباً، وقد صدق في ذلك. فجدير بالعالم وطالب العلم أن يكون هكذا حريصاً على طلب العلم، متواضعاً في ذلك، لا يمنعه الحياء من أن يتفقه في الدين، ولهذا قالت أم سليم رضي الله عنها في الحديث الصحيح: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا هي رأت الماء) ، فقدَّمت هذه المقدمة قبل سؤالها: (إن الله لا يستحيي من الحق -ثم سألت- فقالت: يا رسول الله! هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا هي رأت الماء) ، أي: المني، وهكذا الرجل إذا رأى الماء في نومه، ليلاً أو نهاراً، وهكذا إذا خرج المني عن شهوة في غير النوم، مثل: التكفير، أو النظر، أو الملامسة، فعليه الغسل أيضاً. والمقصود من هذا أن الحياء لا ينبغي أن يَمنع من العلم، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها عند سماعها كلام أم سليم: [نِعْم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين] . فلا ينبغي أبداً لمؤمن ولا لمؤمنة أن يمنعهما الحياء من التفقه في الدين، والسؤال عما أشكل، عن طريق الكتابة، أو الهاتف، أو أي طريق.

من أخلاق العلماء: العمل بالعلم

من أخلاق العلماء: العمل بالعلم ومن أخلاق العلماء العظيمة: العمل بالعلم إذ المقصود من العلم هو العمل، وإلا صار حجة على صاحبه، وصار وبالاً وحجة عليه يوم القيامة، وليس بعالم من لم يعمل، فالعلم الحقيقي هو العمل, ولهذا فإن من أعظم أخلاق أهل العلم العمل بالعلم، وأن تُرى عليه آثاره؛ في كلامه، وفي أفعاله، وفي مدخله ومخرجه، وفي سفره وإقامته، وفي سائر أحواله. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (كان يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصِّر الخطبة، ولا يستنكف أن يمشي مع الفقير والمسكين والأرملة حتى يقضي حاجته) ، خرَّجه النسائي بإسناد صحيح. هكذا العالم ينبغي أن يكون عاملاً بعلمه، متواضعاً، حافظاً وقته، كثير الذكر لله عزَّ وجلَّ، قليل الكلام اللاغي، يحفظ وقته من أي كلام لا فائدة فيه، ويجتهد في تطبيق ما علمه من شرع الله من أداء الفرائض، وترك المحارم، والوقوف عند حدود الله عزَّ وجلَّ، وهكذا العالم وطالب العلم الصادق، يحمله علمه وطلبه للعلم على المبادرة والمسارعة والعناية الكاملة بالعمل. ولما تخلف اليهود عن العمل غضب الله عليهم، وفضحهم، بسبب علمهم وعدم عملهم {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة:90] نعوذ بالله! ونزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن صفات اليهود وعن صفات النصارى، فإن اليهود مغضوب عليهم لعدم عملهم بالعلم، ولإيثارهم العاجلة على الآخرة، فباعوا الآخرة بالدنيا، وآثروا الدنيا على الآخرة، وكتموا العلم، فباءوا بغضب على غضب، ولعنهم الله، وفضحهم في كتابه العظيم، والنصارى غلب عليهم الجهل والضلال، وأبوا البصيرة، فوصفهم بالضلالة في قوله في جلَّ وعَلا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6] ؛ وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون) . ونزه الله نبيه عن هذين الوصفين، فقال عزَّ وجلَّ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1-2] ، صاحبنا هو محمد عليه الصلاة والسلام {مَا ضَلَّ) [النجم:2] ؛ لأنه على علم، وعلى هدىً، ليس بِجاهل، بل هو على علم وهدىً من ربه عزَّ وجلَّ {وَمَا غَوَى} [النجم:2] أي: ما خالف ما عنده من العلم، بل علم وعمل. فهو مهتدٍ ليس بضال ولا غاوٍ، عامل بعلمه، قائم بحق الله عليه، داعٍ إلى ذلك عليه الصلاة والسلام، فلهذا قال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2] . فمن غلب عليه الجهل فهو ضال، ومن خالف العلم فهو الغاوي، قال سبحانه وتعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء:91] ، الذين لم يعملوا بالعلم، بل خالفوا معالمه، وآثروا الدنيا على الآخرة، وقدموا شهواتهم وحظوظهم العاجلة على طاعة الله ورسوله. فالواجب على العالم أن يُعنى بالعلم، عملاً وسيرةً في جميع الأحوال، حتى تظهر آثار علمه عليه في أحواله كلها. وعلى طالب العلم أن يتأسى بأهل العلم في ذلك، فيعمل بما علم، ويجتهد في تطبيق أقواله وأعماله وسيرته على ما علم؛ لأنه الآن طالب، وغداً عالم مسئول بين يدي الله.

من أخلاق العلماء: الدعوة إلى الله

من أخلاق العلماء: الدعوة إلى الله ومن أخلاق العلماء العظيمة: التعليم والدعوة إلى الله لأن هذا من العمل، فهم يتقون الله في أنفسهم، ويؤدون فرائضه، ويحذرون محارمه، ويقفون عند حدوده، ومع ذلك أيضاً يبذلون المستطاع لتعليم الناس ودعوتهم إلى الخير، وإرشادهم إلى ذلك، هذا مقتضى العلم، وهذا هو مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنهم علموا وعملوا ودعوا إلى الله. فالعلماء هكذا، يجب عليهم جلب العلم عن إخلاص، وصدق، وصبر، سواءً كانوا ذكوراً أو إناثاً. فالعالم والعالمة، والفقيه والفقيهة، والمدرِّس والمدرِّسة، كلهم عليه واجب، من الدعوة إلى الله، والتعليم، والإرشاد، والصبر على ذلك، وبذلك يظهر العلم وينتشر. وإذا كتم العالم علمه لن يُنتفع به, وصار منبوذاً عند الله وعند عباده. فالواجب إبراز العلم وإظهاره ونشره بين الناس، على حسب القدرة والحاجة. يقول عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ، لا أحسن قولاً من هؤلاء، وهم الرسل وأتباعهم. ويقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] ، فأتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام هم الدعاة إلى الله على بصيرة، هم معلمون ومرشدون وموجهون، هم أتباع الرسل على الحقيقة، علموا وعملوا ودعوا إلى الله عزَّ وجلَّ، وبصَّروا الناس. وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس وذكَّرهم غالباً يقول لهم عليه الصلاة والسلام: (فليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع) ، هكذا ينبغي، فالعالم ينشر العلم، ويحث الناس على نشره أيضاً وتبليغه للناس. يقول جلَّ وعَلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159-160] ، ذكر الوعيد العظيم لمن كتم الحق؛ لأنه ملعون من جهة الله، ومن جهة خلقه، ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:160] ، هؤلاء هم الذين يسلَمون مما وعد الله به من كتم العلم، بتوبته وإصلاحه وبيانه، فلا بد من توبة صادقة، ولا بد من إصلاح في العمل، ولا بد من بيان وعدم كتمان. فمن أخلاق العلماء: البيان، والإرشاد، والإيضاح، والهداية للناس {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] ، فعليهم أن يتبصروا، وعليهم أن يعلموا ويرشدوا ويبلغوا، فهذا من أعمالهم ومن أخلاقهم العظيمة الواجبة. وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ، فالحكمة هي العلم، "قال الله، وقال رسوله" بيان ما أوجب الله على عباده، وما حرم عليهم، وما شرعه لهم بالأدلة. وهكذا بالموعظة الحسنة؛ لأن الناس قد يكون عندهم تثاقل وغفلة وإعراض وتكاسل، فالموعظة الحسنة تحركهم وتشجعهم وتعينهم على أداء الواجب، فالترغيب والترهيب له أثر عظيم في قلوب الناس، وهذا هو الموعظة الحسنة، قد يكون عند بعضهم شُبَه يجادل عنها، ويبديها وينشرها، فهذا يجادَل بالتي هي أحسن، بكشف الشبهة، وإيجاد اللبس، وإيضاح الحق، بالدلائل الواضحة، والجدال الهادف الرفيق، الذي ليس فيه عنف ولا شدة، بل بالتي هي أحسن، كما قال الله سبحانه: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46] ، فنهى عن جدال أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وهم كفرة، وهم اليهود والنصارى، فكيف بجدال أهل الإيمان؟! من باب أولى يكون بالتي هي أحسن، إلا الظالمين، فمن ظلم فله شأن آخر. فعلى العالم أن ينشر علمه، ويبلغه للناس عن بصيرة وعن علم، عمَّا قاله الله ورسوله، لا عن جهل، فلا يتقول على الله بغير علم، فالقول على الله بغير علم من أكبر الكبائر، ومن أعظم المصائب، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ، فجعل القول عليه بغير علم فوق هذه المراتب، فوق الشرك، فدل ذلك على عِظَم الخطر في القول عليه بغير علم، وعِظَم الجريمة. فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا عن علم، وأن يبلغوا عن علم، لا عن جهل. وأخبر سبحانه في آيات أخرى أن الشيطان يأمر الناس بأن يقولوا على الله غير الحق، فالقول على الله بغير علم عصيان له سبحانه وطاعة للشيطان، كما قال عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:168-169] . فأخبر سبحانه أن القول عليه بغير علم مما يأمر به الشيطان ويدعو إليه. فوجب على أهل العلم أن يحذروا ذلك، وأن تكون دعوتهم عن علم وبصيرة.

من أخلاق العلماء: الصبر

من أخلاق العلماء: الصبر وهناك أمر آخر من الأخلاق العظيمة لأهل العلم، وهو: الصبر على علمهم وعملهم ودعوتهم وتبليغهم فإنه قد يَنال العالم بعض الأذى، وقد يتعب في ذلك، قد تحصل له المشاق في دنياه وفي بدنه، وقد تحصل عليه أيضاً مشاق في دينه؛ لكن يجتهد في حفظ دينه، وفي الحرص على القيام بحق الله عليه، ومع ذلك يحرص على القيام بحق عباد الله، ويصبر على الأذى، كما فعل الرسل، فقد أوذوا وصبروا عليهم الصلاة والسلام، فلا بد أيضاًَ من الصبر من أهل العلم، المتأسين بالرسل عليهم الصلاة والسلام، لا بد من الصبر على ما قد يعتري الإنسان من تعب في دنياه، في ماله، وفي عرضه، وفي غير ذلك، لا بد من الصبر، والله جلَّ وعَلا يقول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:35] ، ويقول سبحانه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] ، ويقول سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] ، ويقول عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] .

الصبر من عوامل السعادة وأسباب الخير

الصبر من عوامل السعادة وأسباب الخير وقد جمع الله العلم والعمل والدعوة والصبر في سورة عظيمة قصيرة، وهي سورة العصر، حيث قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] فجمع عوامل السعادة، وعناصر الربح، وأسباب الخير في هذه الأمور الأربعة. فالواجب على أهل العلم، وعلى أتباع أهل العلم، وعلى كل مؤمن أن يأخذ نصيبه من هذه الصفات الأربع، حتى ينجح ويربح، فالناس في خسران في أيامهم ولياليهم وسائر أحوالهم {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] ، هؤلاء هم الرابحون، وهم الناجحون، وهم السعداء، من عالم ومتعلم، ومن سائر المؤمنين والمتخلقين بهذه الأخلاق. وقد أقسم على هذا سبحانه وهو الصادق وإن لم يقسم جلَّ وعَلا، ومع هذا أقسم، فقال: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1] ، والعصر هو الزمان، يقال لليل والنهار: العصران. فالمراد أنه سبحانه أقسم بالليل والنهار اللذَين هما محل أعمال العباد، من خير وشر، أقسم بذلك على أن جنس بني آدم في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] . ومعلوم أن الرب عزَّ وجلَّ له أن يقسم بما شاء من خلقه، لا أحد يتحجر عليه سبحانه وتعالى، فقد أقسم بأشياء كثيرة من مخلوقاته: {وَالطُّورِ} [الطور:1] {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق:1] {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج:1] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:1] ، إلى غير ذلك، لِمَا في هذه المخلوقات من الحكم العظيمة، والدلائل على قدرته سبحانه، وأنه رب العالمين، وأنه يستحق أن يُعْبَد سبحانه وتعالى. لكن المخلوق ليس له أن يقسم إلا بربه، العبد ليس له أن يحلف إلا بالله وحده سبحانه وتعالى، ولا يجوز له أبداً أن يحلف بغير الله لا بالكعبة، ولا بالأنبياء، ولا بالأمانة، ولا بحياة فلان، ولا شرف فلان، بل هذا كله منكر، ومن المحرمات الشركية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) متفق عليه، وفي لفظ: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك) خرَّجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه. وخرج أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فلا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون، قال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، فالحلف بغير الله من المنكرات القبيحة، ومن الجرائم، ومن أنواع الشرك؛ لكنه شرك أصغر في الجملة، وقد يكون شركاً أكبر إذا كان في قلب صاحبه تعظيم المخلوق كتعظيم الله، أو أنه يصبح إلى أن يعبد من دون الله، أو ما أشبه ذلك من العقائد، وإلا فالأصل أنه من المحرمات إذا جرى على اللسان، فهو من الشرك الأصغر، وقد حكى الإمام ابن عبد البر رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، كائناً من كان. والخلاصة: أنه سبحانه أقسم بالعصر أن جميع بني الإنسان في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] ، هؤلاء هم الرابحون، فخصال الخير وأعمال الخير، كلها ترجع إلى هذه الصفات الأربع: - الإيمان بالله ورسوله، ويدخل في ذلك كل عمل صالح، وكل دعوة إلى الخير، وكل قول صالح، وكل ما يتعلق بترك المحارم عن نية صالحة، كله داخل في الإيمان. - ثم أكد ذلك بقوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] ، تأكيداً لدخول ذلك في الإيمان، فالإيمان بالله ورسوله يتضمن تصديق الله ورسوله، وتصديق المرسلين، والإيمان بما جاءوا به، والعمل بمقتضى هذا الإيمان، وتصديق الله بما أخبر، وتصديق رسوله عليه الصلاة والسلام بما أخبر، كله داخل في الإيمان، ثم أكد ذلك بقوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] أي: أدوا فرائض الله، واجتهدوا في طاعته، وتركوا محارمه، عن إيمان وصدق وإخلاص. - ثم كملوا ذلك بالدعوة إلى الله، والتواصي بالحق، والنصيحة للناس، وتعليمهم، وإرشادهم، وتفقيههم في الدين. - ثم كملوا هذا بالصبر على ذلك، وعدم الجزع، وعدم النكول عن العمل، فصبروا واستمروا في الخير. وهذا من آثار العلم بالله، والبصيرة في دينه، والفقه في دينه، فكلما كان العلم أكثر كانت البصيرة أكمل، وصار الانقياد في العمل والجد في العمل أكمل. ولهذا صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) ، بفقهه في الدين، وبالتبصر بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذه من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيراً، والإعراض والغفلة من الدلائل على أنه ما أريد به الخير، نعوذ بالله من ذلك! فكلما كان العبد أفقه بدين الله، وأشد بصيرة، وأكمل عناية؛ صارت حصيلته من هذه الخصال الأربع أكمل وأتم من غيره من الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. وليس هذا خاصاً بالعلماء كما تقدم؛ لكنهم هم الرأس في هذا، وهم القادة والأئمة، وإلا فليتبعهم في ذلك طلبة العلم، وكل مؤمن وكل مؤمنة، كلٌ له نصيبه من هذه الصفات الأربع على حسب اجتهاده وعمله الصالح، ونصيحته لله ولعباده، وتواصيه بالحق، ودعوته إلى الخير، وصبره على ذلك، كلما كان العبد أكمل في هذه الخصال الأربع صار نصيبه من الإيمان والأجر أكثر وأكمل. والله المسئول سبحانه أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا التخلق بهذه الأخلاق العظيمة التي ذكر سبحانه أن أهلها هم الرابحون السالمون من الخسارة. نسأل الله أن يمنحنا وسائر المسلمين النصيب الأوفى، والحظ الأوفر من هذه الخصال العظيمة، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، إنه سميع قريب. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الأسئلة

الأسئلة

الموقف الصحيح من نقد الجماعات الإسلامية

الموقف الصحيح من نقد الجماعات الإسلامية Q نلاحظ أن هناك ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر بين العلماء وطلاب العلم، وهي الطعن في الجماعات الإسلامية المنتشرة في أقطار العالم الإسلامي، والتفريق بين مناهج الدعاة، فنجد هذا يوصَف بأنه ينتهج منهج الجماعة الفلانية، وهذا ينتهج منهج الأخرى، والجرح والتعديل والطعن مستعر في أوساط طلاب العلم، فما هو رأي فضيلتكم في هذه الظاهرة؟ ألا ترون أن لها تأثيراً على الولاء والبراء، وتأثيراً على وحدة المسلمين والدعاة المنشودة؟! A قد كتبنا في هذا غير مرة، وبينا أن الواجب على طلبة العلم والدعاة إلى الله التعاون على البر والتقوى بدلاً من الشتم والعيب والقدْح، فيكون التعاون على البر والتقوى والتناصح، حتى يزول ما هناك من انتقادات، وحتى يكثر الخير. فـ الإخوان المسلمون، وجماعة التبليغ، والجماعات الأخرى على اختلاف أسمائها، يجب أن يكون هدفها اتباع الشريعة، والتمسك بما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأن تبتعد عن كل أهداف سوى ذلك، وبهذا تتقارب القلوب، وتجتمع الجهود، ويقل النزاع، وتصفو القلوب. أما الأهداف الأخرى فهي التي تفرق القلوب، وتفرق الجماعات، من أهداف سياسية، أو أهداف مالية، أو أهداف أخرى خلاف ما شرعه الله، فمن كان عنده نقد لأي جماعة، فينصح لها، ويكتب لها، ولرئيسها، ويوضح ما ينتقده عليها بالأدلة، بالرفق والحكمة، وهكذا تكون المناصحة، والحرص على جلب الخير ودرء الشر، وعلى تأليف القلوب، وعلى كثرة الخير وقلة الشر. أما التنابز بالألقاب وذم هذا وذم هذا؛ فهو يمزق الصف ويفرق الجماعة، ويزيد الطين بلة، ويزيد الشر شراً. فنصيحتي لجميع الجماعات المنتسبة إلى الإسلام، ونصيحتي للإخوان الذين قد يوالون هذه ويعادون الأخرى، أو يسبون الأخرى، أو يكرهون الأخرى، التناصح، وعدم إظهار الشناعة والسب الذي يفرق الناس، إلا إذا كان هناك جماعة معروفة بدعوتها إلى الباطل، وإنكارها الحق، فهذه تنابذ، ويُنبَّه عليها، ويُحذَّر منها، أما من كانت تدعو إلى الإسلام، وتريد الإسلام، وتنشر الإسلام، وقصدها تقريب الناس إلى الخير، وإبعادهم من الشر، فإن الواجب تشجيعها على ما عندها من الخير، وتنبيهها على ما عندها من الشر، وتحذيرها منه، حتى يكثر الخير ويقل الشر.

المقصود بالعلم الذي وردت في فضله الآيات والأحاديث

المقصود بالعلم الذي وردت في فضله الآيات والأحاديث Q الأحاديث التي وردت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم عن العلم ومنازل العلماء، هل هذه المكانة لطالب العلم الشرعي وحده، أم يتعدى ذلك ليشمل كل طالب علم كالعلوم التطبيقية والهندسية؟ A المعروف عند العلماء أن هذه الأخبار كلها في العلم الشرعي، أن يتعلم في الدين، أما العلوم الأخرى فليس لها دخل في ذلك، كالطب، والهندسة، والحساب، والفلك وغير ذلك، ليس له دخل في هذا؛ ولكن على حسب نيات هؤلاء وعملهم الطيب، لكلِّهم أجورهم على حسب نياتهم، فإذا كان المهندس، أو الطبيب، أو الفلكي، أو غيره، يقصد في عمله وعلمه هذا إعانة الناس على الخير، وتوجيههم إلى الخير، وإغنائهم عن عدوهم، وما أشبهها من المقاصد الطيبة، فهو على نيته الصالحة، يؤجر على قدرها، وأما إذا كان قصده الدنيا فقط فليس له إلا قصده، وأما علوم الشريعة وأعمال الشريعة فالناس في أشد الحاجة إليها، والوضوح إليها، لقصد النجاة من النار، وأداء حق الله سبحانه وتعالى، والتقرب إليه، وما جاء من الأحاديث والآيات في مدح العلم وفضله، فهو عند أهل العلم فيما يتعلق بعلم الشرع وما يعين عليه. كما في قوله سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] . وقوله سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] . كل هذا في علماء الشريعة علماء الهدى. كذلك يقول جلَّ وعَلا: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] ، ويقول سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] . كل هذا فيما يتعلق بالعلم الشرعي وهكذا. ويقول عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) . هذا كله في العلم الشرعي علم القرآن والسنة، وما يعين على ذلك من أصول الدين، وأصول المصطلح، وقواعد العربية، ونحو ذلك مما يقصد به صاحبه التفقه في الدين، والاستعانة به على علم الشريعة.

حكم تقليد الأئمة وتتبع الرخص

حكم تقليد الأئمة وتتبع الرخص Q نحن جماعة من طلبة العلم من محبيك في الله إن شاء الله، نقرأ في بعض الكتب الدينية بعض المسائل، فنجد فيها رأياً لكل من المذاهب الأربعة: الشافعي، والمالكي، والحنفي، والحنبلي، فمن أي واحد منهم نأخذ؟ وهل يحق لنا أن نأخذ في كل مسألة على حدة ما نراه موافقاً لظروفنا من رأي أحد الأئمة في هذا؟ وكذلك سؤال مرادف يقول: ما حكم من يسأل أكثر من عالم ليتبع الأسهل، أو يتتبع فتاواهم السهلة؟ A أما مسائل الإجماع فليس لأحد تركها، ما أجمع عليه العلماء رحمهم الله فالواجب الأخذ به والاستقامة عليه؛ لأن الله سبحانه لا يجمعهم على باطل، هذه الأمة لا تجتمع على باطل، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله) ، فإذا اجتمعوا فالطائفة منهم، وهي على الحق. أما في مسائل خلافية عند الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم؛ فليس للإنسان التشهي وتتبع الرخص، واتباع هواه في أخذ ما شاء من أقوالهم عند الاختلاف، أو في أخذ ما جاء من فتاوى أهل عصره لمجرد هواه، بل الواجب أن يتحرى الحق إذا كان من أهل العلم، فما كان أقرب إلى الدليل والحجة أخذ به، لا لأنه قول الشافعي، ولا لأنه قول أبي حنيفة، ولا لأنه قول مالك، ولا لأنه قول أحمد، ولا لأنه قول الظاهرية، أو قول الثوري، أو قول فلان؛ بل يأخذ به لأنه أقرب إلى الحق، وأن الدليل معه أظهر. فهذا هو الواجب على أهل العلم أن يأخذوا بما هو الأقرب إلى الدليل والأظهر للحجة من جميع الأقوال المختلفة الإسلامية، وهكذا الفتاوى في عصره كذلك. أما إن كان عامياً لا يعرف الدليل، ولا يحسن التمييز، فهذا يسأل أهل العلم، ويتحرى أقربه إلى الخير، للاقتداء به في مظهره العلمي وعمله الصالح، يتحرى أقربهم إلى الخير ويستفتيهم ويعمل بذلك؛ لأنه ليس عنده الأدوات التي تعينه على الترجيح.

واجب المسلمين وطلاب العلم تجاه العلماء

واجب المسلمين وطلاب العلم تجاه العلماء Q ابن تيمية رحمه الله عالم جليل وقدوة في هذا المجال، ويتجلى ذلك من خلال ما ترك من أثر واضح في مجتمعه من خلال أخلاقه ومعاملته، ما هو توجيهكم لعلمائنا في هذا الوقت للاقتداء بمثل هذا؟ ثم ما هو واجب الشباب تجاه العلماء من تقديرهم واحترام رأيهم والتأسي بهم؟ A الواجب على طلاب العلم من الشباب والشيوخ، والرجال والنساء، احترام العلماء، وتقديرهم، ومعرفة أنهم هم الطبقة العليا في الناس بعد الرسل، على حسب ما أعطاهم الله من العلم والعمل، فهم متفاوتون، وعلى حسب احترامه وتقديره لهم تكون عنايته أيضاً بأقوالهم والأخذ بها، وترجيح الراجح، والدعوة إلى التمسك بذلك، ومتى سقطوا من عينه لم يأخذ بأقوالهم، ولم يحترم فتاواهم، فالواجب أن يقدرهم ويحترمهم لِمَا حملوه من علم الشريعة، وأن يكون أقربهم إلى الحق، وأصدقهم في اتباع الحق، أعظم منزلة في قلبه من غيره. ثم في الأخذ بالفتاوى يعتمد على ما قام عليه الدليل، وظهرت عليه الحجة، من أقوال أهل العلم في عصره، أو فيما ينقله العلماء في كتبهم عند الاختلاف. ومن أبرز العلماء وأولاهم بالاتباع والعناية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، العلم المشهور، شيخ الإسلام، هذا من أبرز العلماء وأفضلهم، ولا أعلم على حسب ما اطلعتُ عليه لا في زمانه ولا بعد زمانه أعلم بالله ودينه، وأتقى لله منه، فيما ظهر به من كتبه ونشاطه وغيرته لله، رضي الله عنه ورحمه. ثم يليه في هذا تلميذه البار الصادق العلامة ابن القيم رحمه الله، وهو من أكمل الناس علماً وفضلاً وتقوى، وتجده أيضاً بالعناية بكتبه، وقد اعتنيا جميعاً بالأدلة الشرعية، والعلل المرئية، وترجيح الراجح، وتزييف الزائف في مسائل الخلاف بكل عناية، وبكل تجرد، وبُعدٍ عن الهوى، وليسا معصومين، فكلٌّ له أغلاط، وكل له هفوات، لا شيخ الإسلام، ولا العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، ولا غيرهم من أهل العلم، كلٌّ له نصيبه مِمَّا أعطاه الله من العلم والفضل، وكلٌّ له أغلاط، وكلٌّ له أخطاء؛ لكن هي بالنسبة إلى علمهم وفضلهم كقطرة في بحر، وهكذا الأئمة الأربعة، وهكذا أهل العلم، كلٌّ له بعض الأخطاء، وبعض الأغلاط، على حسب بصيرته في كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى أصل ما بلغهم من العلم، فقد يبلغ العالم أكثر مما يبلغ العالم الآخر من الأدلة الحديثية، وقد يفهمون من الكتاب العزيز ومن السنة ما لا يفهمه الآخر؛ فلهذا تفاوتوا، وتفاوتت مراتبهم في العلم، وهم طبقات. وقد صنف أبو العباس ابن تيمية رحمه الله كتاباً في هذا الشأن، سماه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وهو كتاب جدير بالعناية، كتاب مفيد مطبوع يوزع في دار الإفتاء، ويباع في المكتبات، فهو كتاب جيد ومفيد، يعرف به طالب العلم منازل العلماء، وأعذارهم فيما قد يفعلون من الأخطاء والأغلاط. والحاصل: أن أبا العباس ابن تيمية من خيرة أهل العلم، وهو جدير بأن يُعتنى بكتبه وأقواله، وهكذا تلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليه. وهكذا أئمة الدعوة، مثل: محمد بن عبد الوهاب، ومن سار في دعوته، ونصر دعوته، وألَّف فيها، هم أيضاً جديرون بالعناية، يجب أن يُعتنى بكتبهم، وما قرروه في توحيد العبادة، وفي الرد على أهل البدع، وفي نصر السنة، فلهم في هذا حظ وافر، ونصيب عظيم رحمة الله عليهم. ولذا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر في المعنى شيخاً للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، وإن كان بينهما مسافة طويلة من الزمان؛ لكنه في الحقيقة شيخ له، لعكوف الشيخ الإمام محمد على كتبه والاستفادة منها، ومن كتب ابن القيم، ومن أشباههم من أهل العلم والبصيرة. فالحاصل أن هؤلاء الأخيار من أولى الناس بأن يُعتنى بكتبهم وما قرروه من أدلة، كما يُعتنى بالكتب الماضية من كتب أهل العلم في المذاهب الأربعة، والاستفادة منها، والاعتناء بها؛ لأن كل كتاب في الغالب لا يغني عن كتاب، ولا سيما الكتب التي تذكر الأدلة، وتعتني بالخلاف، وتذكر خلاف الأئمة، فإنها تفيد طالب العلم كثيراًَ، فينبغي أن يُعتنى بها، وعلى رأسها كتب المتقدمين، وهكذا كتب الحديث في القمة وفي المنزلة العليا بعد كتاب الله، فيعتني بها بعد كتاب الله، فإن بعد كتاب الله كتب التفسير وكتب الحديث، فهي الأسس وهي الكتب التي تعتبر في القمة على بقية الكتب؛ ولكن كتب أهل العلم يُستفاد منها في تخريج الأدلة وبيانها في محلها، واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما تعارض منها مع ما ظاهره التعارض، وبيان صحيحها من سقيمها، إلى غير ذلك. فطالب العلم يستفيد من هذه وهذه، ومن كتب الأولين والآخرين، ولا يحتقر زيداً أو عمراً ما دام من أهل السنة ومن أهل الحق، وممن يعنى بالدليل، فإنه قد يجد عنده ما لا يجد عند الآخر. ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يحرص على الكتب التي تذكر المسائل الخلافية، وتذكر أدلتها؛ ليستفيد منها حسب طاقته، وحسب وسعه وإمكانه، والله المستعان.

هل علماء العلوم الدنيوية يدخلون في مسمى العلماء شرعا

هل علماء العلوم الدنيوية يدخلون في مسمى العلماء شرعاً Q هذا السؤال تتمة لما سبق أن تفضلتم بالإجابة عليه؛ لكن فيه جديد، وهو من أحد الأساتذة فيما يبدو من الجامعة، يقول: يرى ابن تيمية والغزالي وابن خلدون وابن سينا وغيرهم أن العلوم هي علوم الدين وغيرها حتى العلوم العسكرية، وتستثنى العلوم المرذولة، ولذلك فهل يكون أصحابها أيضاً علماء؟ وهل يكون لهم نفس أخلاق علماء الدين؟ وعلى ذلك فهل أساتذة الجامعة من العلماء الذين يجب أن تكون لهم مثل هذه الأخلاق؟ وهل يرشد علماء الدين في الأخلاق سائر العلماء؟ نرجو ألا يُحرم هذا الصنف من العلماء من فضل الله! A تقدم الجواب عن هذا على حسب نيتهم الصالحة، وعلى حسب رغبتهم في الخير، وعلى حسب نشاطهم في علم الشريعة يكون نصيبهم؛ لكن ليس المهندس والطبيب مثل عالم الشريعة، هذا عالم بالشريعة، وهذا عالم بشيء آخر، فالطبيب والمهندس والفلكي وأشباههم علومهم دنيوية، ليس لها نصيبها من العلم الشرعي إلا بقدر التفاتهم إلى الشرع، وعنايتهم بالشرع، وحرصهم عليه، فإذا اعتنوا بالشرع والتفتوا إليه كان لهم نصيبهم من علم الشرع والفضل في هذا والأجر، وإذا أعرضوا عن ذلك فهم كسائر علوم الدنيا.

أسباب عدم استجابة الدعاء

أسباب عدم استجابة الدعاء Q هذا أحد الإخوان يطرح سؤالاً بدأه بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، فأنا أدعو الله سبحانه وتعالى، وأقوم الليل، وأختار الأوقات المناسبة التي تُستجاب الدعوة فيها، كساعة يوم الجمعة، وغيرها؛ ولكن لا يُستجاب لي الدعاء، فما هو السبب؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً. A عدم الاستجابة لها أسباب قد يدعو الإنسان في آخر الليل، ويدعو بين الأذان والإقامة، وفي سجوده، وفي ساعة الجمعة؛ ولكن لا يستجاب له لأسباب بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تُدَّخر له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من الشر مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله! إذاً نكثر، قال: الله أكثر!) . فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الدعوات قد يستجاب بعضُها معجلاً، وقد يؤجل بعضها، وقد يعوض عنه صاحب هذه الدعوة، ونحن نشاهد هذا، كما قال السائل، كلٌّ يشاهد هذا، يدعو بدعوات لا تحصل له، فلا يظن أن الله غافل عنها، وأنه يخلف الميعاد، لا. فهو الصادق في وعده سبحانه وتعالى، حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، وكما في الحديث الصحيح، في حديث النزول يقول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فيستجاب له، هل من سائل فيُعطى سؤله، هل من مستغفر فيغفر له، هل من تائب فيُتاب عليه ... ) ، هذا وعد من ربنا بالاستجابة؛ ولكنه قد يؤجلها، وقد يعطيه خيراً منها على حسب حكمته وعلمه سبحانه وتعالى. وهذا النزول -وسائره من الصفات- نزول يليق بجلال الله، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، عند أهل السنة والجماعة، وكذلك نقول في الاستواء، والغضب، والرضا، والمجيء يوم القيامة، وغير ذلك: كلها صفات تليق بالله سبحانه وتعالى، لا يساويه فيها خلقه، كما قال مالك رحمه الله، وربيعة، وأم سلمة وغيرهم: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب. وهكذا يقال: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، وهكذا في الغضب، والرضا، والكراهة، والمحبة، والبغضاء، والسمع، والبصر، وغير ذلك، كلها صفات تليق بالله لا يشبهه سبحانه وتعالى فيها مخلوق، كما قال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] . وهكذا الدعوات، يُستجاب بعضُها ويُؤجل بعضُها، ويُمنع بعضُها ويُعطى من الخير شيء آخر، أو يدفع عنه من الشر مثل ذلك أو غير ذلك. وقد تكون له معاصٍ وذنوب استحق بها المنع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه) ، فالإنسان قد يُحرم من الإجابة لأعمالٍ سيئة فعلها، أو ذنب فعله، قد تكون الإجابة حُجبت لأسباب أعمال السائل السيئة ومعاصيه، وقطيعته لرحمه، أو غير ذلك من الآفات، ولهذا قال في الحديث: (ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم) . فالحاصل أن الدعاء يُستجاب؛ ولكن الاستجابة على أقسام: - تارة يستجاب استجابة معجلة. - وتارة يؤجل ذلك المطلوب إلى الآخرة. - وتارة يصرف عنه من الشر مثل ذلك بدلاً من إعطائه سؤله. - وتارة يُمنع لأعماله السيئة، ولتقصيره في أمر الله، ولتعاطيه ما يمنع الإجابة من سيئات وأخطاء مشتركة. ثم أيضاً هناك سبب آخر بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّنه أهل العلم، وهو أنه قد يؤجل ويؤخر ليجتهد في العبادة، ويجتهد في الدعاء، ولعل الله يفتح له أبواباً من الخير في أسباب هذه الحاجة التي يلح فيها، فتكون حاله أصلح من حال الأولى، بسبب هذا اللَّجَأ إلى الله، والاجتهاد في الدعاء، والحرص على طلب الحاجة، فيفتح الله عليه الأبواب الكثيرة من الخير، ويزداد بذلك صلاح قلبه، وقوة إيمانه، ورغبته فيما عند الله، فتكون هذه الحاجة التي طلبها سبب خير كثير، وسبب هداية وصلاح، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت ودعوتُ فلم يستجب لي) ، فيستحسن عند ذلك ألا يدع الدعاء، فينبغي ألا يمل، ولحديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) ، فينبغي أن يُلِحَّ في الدعاء، ويجتهد ولا ييأس، ويحسن الظن بربه، ويرجوه سبحانه أن يعجلها له إذا كان فيها خير، أو يدخرها له إن كان ذلك خيراً له، أو يعطيه خيراً منها إذا كان ذلك خيراً له، وربك أحكم وأعلم سبحانه وتعالى.

نصيحة لمن يدعو إلى الله وهو يرتكب المعاصي

نصيحة لمن يدعو إلى الله وهو يرتكب المعاصي Q ما رأيكم فيمن يدعون إلى الله ويظهر منهم الصدق في عملهم هذا؛ ولكن عندهم بعض مظاهر المخالفات من المعاصي، هل يمنع هذا من الاستفادة منهم ومن علمهم ومن دعوتهم؟ A ليس من شرط الداعية إلى الله والمعلم أن يكون كاملاً، بل ينبغي أن يُستفاد من طالب العلم، ومن المعلم الداعية إلى الله، وإن كان عنده نقص في أخلاقه وأعماله؛ لكن لا يمنع هذا من نصيحته وإرشاده إلى الخير بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، مثل: أن يكون متكاسلاً عن الصلاة في جماعة، فينصح، أو أن يكون مسبلاً ملابسه، فينصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) ، ونهى عن الإسبال، وذمَّ المسبلين، وقال: (إياك والإسبال فإنه من المخيلة) ، كذلك إذا كان يحلق لحيته أو يقصها، يُبَيَّن له ويُنصح ويقال له: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) ، (جزوا الشوارب وأعفوا اللحى) (خالفوا المشركين) (خالفوا المجوس) (قصوا الشوارب ووفروا اللحى، وخالفوا المشركين) كلها أحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كذلك إذا كان عنده تكاسل عن الأعمال الأخرى من الخير، أو عدم العناية بالدرس، أو ما أشبه ذلك، لا يمنع هذا من أخذ الفائدة منه، مع النصيحة. والحاصل: أن العالم قد يكون عنده نقص وتساهل في بعض الأمور؛ سواءً كان مدرساً، أو داعية إلى الله عزَّ وجلَّ، أو قاضياً، أو غير ذلك، فينبغي في هذا المناصحة السرية اللينة الطيبة حتى يحصل المقصود، وحتى يكثر الخير ويقل الشر. وهذا هو المطلوب من المؤمنين فيما بينهم، وهو التناصح: (الدين النصيحة) .

حكم العمل في البنوك الربوية والمساهمة فيها

حكم العمل في البنوك الربوية والمساهمة فيها Q ما رأيكم في حكم العمل في البنوك، مع أنها كما يغلب على الظن تتعامل بالفائدة، مع العلم أن اقتصاد الدول قائم على الفوائد الربوية، فما رأيكم في هذا؟ A هذا قد قلناه مرة أن التعامل مع البنوك بفائدة من الربا الذي لا شك فيه، ولا يجوز التعامل معها بالربا بفائدة، قلَّت أو كثرت (10%) أو (5 %) أو (20%) أو (100%) لا فرق في ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة واضحة في مثل هذا، والنقود الموجودة (العُمل الموجودة) هي مثل الذهب والفضة؛ لأنها هي عيون السلع، وهي ثمن المبيعات، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الذهب بالذهب، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، فلا يباع دولار بدراهم سعودية، أو عملة مصرية، أو عراقية، أو غير ذلك، غالباً، بل يداً بيد، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا منها غائباً بناجز) ، ولا يباع دولار بدولارين؛ لأن هذا ربا الفضل، ولا ريال بريالين، ولا جنيه بجنيهين، هذا ربا الفضل، حتى لو كان يداً بيد، فإذا كان نسيئة صار أعظم في الإثم، صار ربا فضل وربا نسيئة جميعاً، وهكذا الودائع، لأنها قروض، يعطيه قرضاً ويسميها وديعة وهي قرض، يستعملها البنك ويستفيد منها، ويتصرف فيها، وهي قرض عليه، لازمة في ذمته، فإذا كانت هذه الوديعة بـ (10%) أو (5 %) فهذا هو عين الربا. وقد عمل بعض الناس في هذا كتابة حاول فيها حل الربا إلا مسألة واحدة، وهي: إذا كان المدين فقيراً فأمهله الدائن بشرط الفائدة، فقال: هذا هو ربا الجاهلية!! وحاول في رسالته هذه حل الربا، وقد غلط كثيراً وأخطأ خطأً عظيماً، وأتى بمنكر من القول لا وجه له.

حكم الذهاب للجهاد في أفغانستان

حكم الذهاب للجهاد في أفغانستان Q سمعنا في الآونة الأخيرة أن سماحتكم قد أفتيتم بوجوب الجهاد في أفغانستان، وأنه فرض عين، فما صحة ذلك؟ A كنت أفتي بهذا لمن استطاع، وأنه واجب على الدول الإسلامية، وعلى الأغنياء من المسلمين أن يساعدوا إخوانهم، وأن يدعموهم بالمال والنفوس؛ لأنهم محتاجون إلى ذلك، وقد ذكر العلماء أن الجهاد فرض كفاية؛ لكن إذا نزل بالمسلمين عدو ودهمهم في بلادهم صار فرضاً عينياً على المدهومين وعلى من حولهم حتى يساعدوهم، فإذا لم يكفِ مَن حولَهم ساعدهم مَن حولَهم من بعيد، وهكذا حتى تعم المسألة جميع المسلمين؛ للدفع عن إخوانهم وبلادهم. وهذا منطبق على إخواننا المجاهدين في الأفغان، ولكني أقيد أنه لا بد من الاستطاعة، ولا بد من إذن الوالدين، إذا كان هناك والدان أو أحدهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ارجع فاستأذنهما) ، لما استأذن بعض الصحابة للجهاد قال له: (أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد) ، ارجع إلى والديك وبرهما. وفي الأحاديث الصحيحة يقول صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثُم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثُم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فقدم البر. وأنا أفتي بأن الواجب على الولد أن يستأذن والديه، فإن أذنا له جاهد. وبعض الإخوان من أهل العلم المعاصرين يرى أن الأصل على حاله، وأنه فرض كفاية فقط، وأن من حولهم يكفون من الباكستانيين وغيرهم، وفي هذا بعض النظر والتأمل. والأقرب فيما يظهر لي أن الواجب على المسلمين جميعاً أن يساعدوهم، وأنه لا يخص من حولهم؛ لأن الحديث لم يخص، فهم الآن مظلومون، وقد قتل منهم جمع غفير، حتى ذكروا أن المقتول ما بين شيخ وطفل وامرأة ومجاهد يزيد على مليون، هذا أمر عظيم، وقد أُخرجوا من ديارهم، ولجئوا إلى باكستان وغيرها، فإذا كان لا يجب على إخوانهم فمتى يجب؟! هذه داهية عظيمة، وشر عظيم، أصيب به المسلمون في الأفغان؛ فوجب على إخوانهم أن يجاهدوا معهم، وأن يدعموهم بالمال والنفس حسب الطاقة والإمكان {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . فالأقرب وجوب الجهاد معهم ومساعدتهم، وهذا هو الأقرب والأظهر، حسب طاقة المسلمين فيما بينهم.

أهمية إرشاد النساء وتوجيههن

أهمية إرشاد النساء وتوجيههن Q لقد خصص الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً للنساء لتعليمهن أمور دينهن، وكان يُسمح لهن بالحضور خلف الرجال في المسجد لطلب العلم، لماذا لا يعمل العلماء بالاقتداء بالرسول الكريم؟ وإن كانوا قد قاموا ببعض الشيء في هذا فإنه لا يكفي، بل نطلب الزيادة، جزاكم الله خيراً! A لا شك أن هذا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلب منه النساء ذلك وخصص لهن وقتاً واجتمع بهن، وهكذا العلماء بحمد الله، إذا طُلِب منهم ذلك يخصصون، وأنا قد جعلت هذا مرات كثيرة مع جمعيات نسائية هنا، وفي مكة، وفي الطائف، وفي جدة كذلك، وليس عندي مانع من التخصيص في أي مكان، وهكذا إخواني من أهل العلم ليس عندهم مانع، لا في الرياض ولا في غيرها متى طُلب منهم ذلك، وهنا بحمد الله نور على الدرب فتح الله به خيراً كثيراً، فبإمكان المرأة أن تسأل عن طريق هذا البرنامج، تكتب إلى البرنامج، فيأتيها جواب البرنامج، في كل ليلة مرتان في نداء الإسلام، وفي الساعة التاسعة والنصف في إذاعة القرآن الجواب عن الأسئلة، هذا بحمد الله فيه خير كثير للنساء والرجال جميعاً، وهكذا الكتابة إلى دار الإفتاء، إذا لم تكن معدة للإجابة عن الأسئلة، وهكذا القائمون ببرنامج نور على الدرب لو كُتب إليهم، وهكذا غيرهم من العلماء إذا كُتب إليهم حصلت الفائدة أيضاً. ولكن مع هذا ليس عندي مانع، وليس عند إخواننا من أهل العلم فيما أعتقد مانع، إذا طُلب منهم ذلك، هذا بحمد الله حق، وهذا واجب للجميع، فإن العلم ليس للرجال وحدهم، العلم للرجال والنساء جميعاً، فعلى النساء طلب العلم، وعلى الرجال طلب العلم، وهكذا حضور النساء في حلقات العلم خلف الرجال متسترات متحجبات، يسمعن العلم ويستفدنه، لا شك أن هذا واقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، بشرط الحجاب وعدم التبرج. فالمقصود أن إجابة السائلات، وتخصيص وقت لهن لا مانع منه أبداً، لا عندي ولا عند غيري من إخواني أهل العلم، لا في الرياض ولا في مكة ولا في غيرهما.

مشروعية إلقاء المرأة المحاضرات على النساء

مشروعية إلقاء المرأة المحاضرات على النساء Q هل يحق للمرأة أن تخطب في مجموعة نساء معتمدة على كتب ومراجع في ذلك، بالرغم من عدم توافر العلم الكافي لديها؟ وهل عليها إثم في ذلك إذا كان هدفها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً في أماكن تجمع النساء، مثل الجامعة، والتي نجد الكثير من المنكرات في بعض هذه المواضع؟ A نعم، لَها أن تَخطب في النساء، وتذكرهن، وتبيِّن لهن ما يَجب حسب علمها؛ لكن ليس لها أن تدخل فيما لا تعلم. وقد سِمعتم بالمحاضرة آنفاً: خطر القول على الله بغير علم، فإذا كان عندها علم من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وحاضرت بذلك أخواتِها، فهذا خير عظيم، ينفع الله به أخواتها، وهذا من الدعوة إلى الله، ومن تعليم الناس العلم.

حكم قراءة الطالبات القرآن مرتلا على المدرس

حكم قراءة الطالبات القرآن مرتلاً على المدرس Q ما حكم قراءة الطالبات القرآن مرتلاً عند الأستاذ، وذلك بغرض تعلم التجويد، هذا إذا صاحَبَ القراءةَ حُسن صوت وجمال ترتيل؟ A لا أعلم بأساً في ذلك، وليس داخلاً في قوله: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] ، هذا من باب التعلم، تقرأ الآيات، وتقرأ الحديث، وتقرأ القصة، وتقرأ الغزوة، وغير ذلك، هذا لا بأس به؛ لأن هذا من باب التعلم، وليس من باب الخضوع بالقول، والقرآن يحتاج إلى ترتيل، ويحتاج إلى تحسين صوت، فلا مانع من ذلك بقراءتها على الأستاذ، كما تقرأ على المدرسة، وإذا تيسر أن تكون القراءة على مدرسات فهذا أكمل وأفضل.

العلوم التي يجوز للمرأة أن تتخصص فيها

العلوم التي يجوز للمرأة أن تتخصص فيها Q هذه أخت أخرى تسأل عن القدر أو التخصصات التي يجوز للفتاة أن توجِّه عنايتها لتعلُّمه، وهل يدخل في هذا العلوم العلمية كالكيمياء والفيزياء وغيرها؟ A الذي يظهر من الشرع المطهر أنه ليس لها التخصص فيما ليس من شأنها، بل هو من شأن الرجال، فلها التخصص فيما ينفعها وينفع مجتمعها، في سائر الدين، كالتخصص في التفسير، وفي الحديث، وفي الفقه، وفي السيرة النبوية، وفي التاريخ الإسلامي، وفي قواعد العربية، وما أشبه ذلك مما ينفع مجتمعها، أما التخصص في الكيمياء، أو في الفلك، أو في الجغرافيا، أو في الهندسة، أو في العمارة، أو في التجارة، أو ما أشبه ذلك، فهذا يخرجها عمَّا هي فيه، وما هو مطلوب منها، وهذا قد كفيت إياه والحمد الله من جهة الرجال. فينبغي لها أن تقتصر على ما ينفعها وينفع مجتمعها، وأن تَدَعَ الشيء الآخر للرجال، كما أن الرجال يَدَعُون لها ما قد يخصها من مسائل الولادة، وما يتعلق بالنساء في الطب، يخرجن طبيبات للنساء، لهن خصوصية، والطبيب للرجال كذلك، إذا تيسَّر وأمكن أن يُخَصَّ للنساء طبيبات وللرجال أطباء، فهذا هو الواجب، وهذا هو الطريق السليم. فالحاصل أن المرأة يكون لها تخصصها اللائق بها، ويكون للرجل التخصص اللائق به، والرجل معلوماته أوسع، وواجبه أكثر، فإذا خُصِّصت المرأة لطب النساء، والتعلق بعوراتهن، كان هذا أكمل وأولى، ومتى دعت الضرورة إلى أن تشارك الرجل أو تشارك المرأة والعكس هذا شيء آخر من باب الضرورات، وأما من جهة أمور الدين فينبغي لها أن تقتصر على ما يتعلق بدينها، وما يعين على ذلك، وأما الأمور الأخرى من هندسة، وتجارة، وعمارة، وفلك، وجغرافيا، وأشباه ذلك، فهذا للرجال، وهذا هو الأظهر من خلال الأدلة الشرعية.

أهمية تداول الشريط الإسلامي والتفصيل في حكم الأناشيد

أهمية تداول الشريط الإسلامي والتفصيل في حكم الأناشيد Q مِن شقَّين: - ما رأيكم في نشر وتداول وبيع الشريط الإسلامي المشتمل على محاضرات وندوات؟ - وما رأيكم كذلك في النشيد الإسلامي الذي يُتداول بين الشباب لحثهم على الفضيلة واجتذابهم إلى مكارم الأخلاق، وسامي معاليها؟ A الشريط الإسلامي من نعم الله العظيمة الآن، الذي يحفظ للناس المحاضرات والندوات الطيبة والفوائد العظيمة، والشريط الإسلامي جدير بالعناية والحفظ والتداول. أما الأناشيد فمحلها محل تفصيل، إذا كانت أناشيد إسلامية سليمة، ومقصودها الحث على الخير، والنشاط في العلم، والتعاون مع الدولة فيما ينفع المسلمين، وحماية الأوطان، وصيانتها مما يضرها، فهذه لا بأس بها، أما إن كان فيها مما يخالف الشرع أو في غيرها من الأشرطة فلا.

التحذير من اتخاذ الكفار سائقين وخدما

التحذير من اتخاذ الكفار سائقين وخدماً Q يسأل عن قضية انتشار الخدم، والسائقين الكفار، وحكم تشغيلهم في البيوت؟ A هذه من البلاوي العظيمة، والشرٌّ المستطير، والواجب عدم استعمال الكافرات، لا للخدمة ولا لغير الخدمة، لا سائق، ولا عامل، ولا طبيب، إلا عند الضرورة القصوى، وهي للدولة خاصة، الضرورة القصوى التي لا يوجد من يقوم بها من المسلمين، كما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر للضرورة، ثم أجلاهم عمر ونفاهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من هذه الجزيرة) . فاستخدام الكفرة شره عظيم، وعواقبه وخيمة، وإذا كان في البيوت وتربية الأطفال كان أشدَّ شراً. فالذي أنصح به: الحذر، وهو الواجب، ولا سيما في هذه الجزيرة العربية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أجعل إلا مسلماً) ، وأوصى في آخر حياته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من هذه الجزيرة. فالواجب على المسلمين الحذر منهم، وألا يستقدموهم. وإذا كان ولا بد، فلا بد أن يكون من طريق الدولة، بعد مراعاة الضرورة القصوى، فيما يحتاجه المسلمون من طبيب ومهندس ونحو ذلك، بقدر الضرورة القصوى.

الحث على اقتناء كتب العلامة الألباني

الحث على اقتناء كتب العلامة الألباني Q ما رأي سماحتكم في الشيخ/ الألباني من ناحية تصحيحه وتضعيفه للأحاديث، وفقهه لها؟ A ناصر الدين الألباني من خواص إخواننا المعروفين، قد عرفتُه قديماً، وهو من خيرة العلماء، ومن أصحاب العقيدة الطيبة، وممن فرَّغ وقته في الحديث الشريف، وخدمة السنة، فهو جدير بالاحترام والعناية الشرعية، وهو جدير بأن يُنتفع بكتبه ويُستفاد منها، وأنا ممن يستفيد منها، وقد طالعتُ كثيراً من كتبه، فهي كتب مفيدة، وهو أخٌ صالح، وصاحب سنة، وهو ليس معصوماً، مثل غيره من العلماء، قد يصحِّح بعض الأحاديث ويخطئ، وقد يضعِّف ويخطئ؛ لكن في الجملة يغلب على عمله في التصحيح والتضعيف هو الطيب والاستقامة، وهو ولله الحمد من أهل السنة والجماعة، رزقنا الله وإياه الاستقامة وحسن الخاتمة، وكثّر من المسلمين ممن يشاكله في العلم والعمل، والدعوة إلى الخير، والله المستعان. وكذلك لا يُنسى أخونا شعيب، وأخونا عبد القادر الأرناؤوط، وعبد العزيز بن رباح، فكل له جهوده في السنة، وهكذا غيرهم مِمَّن خَدَمَ السنة مِن إخواننا، ومَن خَدَمَ العلم الديني من أبناء المسلمين، وانتفعوا به، نسأل الله لهم الهدى جميعاً. ولكن من نذر نفسه لخدمة السنة فله مزيد الفضل على من أعطاها بعض وقته.

مواعظ بعد صلاة العصر

مواعظ بعد صلاة العصر بالمواعظ تحيا القلوب، وتنشرح الصدور، لا سيما إذا صدرت من عالم رباني عارف بأوامر ربه ونواهيه، وفي هذا الدرس مواعظ تحذر من الظلم، وتبين مصير الظالمين في الدنيا والآخرة، مع التذكير بعدم الاغترار بالدنيا والتكاثر فيها بالأموال والأولاد، وكذا معنى النصيحة ولمن تكون وما هي آدابها، وأخيراً الحث على المسارعة إلى صفات المتقين حتى نكون من الفائزين الناجحين.

التحذير من الظلم وعاقبته

التحذير من الظلم وعاقبته الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) . هذا يدل على أن الظلم والشح عواقبهما وخيمة والظلم هو العدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم، ولهذا حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام، والله جل وعلا حذرنا منه في كتابه، فقال: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} [الفرقان:19] وقال: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [الشورى:8] . فالظلم عاقبته وخيمة، وشره عظيم، وأعظم الظلم الشرك بالله عز وجل، والكفر به سبحانه وتعالى، فهو أعظم الظلم: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] ، فأعظم الظلم وأقبحه الشرك بالله وسائر أنواع الكفر به عز وجل؛ لأن المشرك والكافر ظالم واضع العبادة في غير موضعها، فلما وضع العبادة في غير محلها صار من أظلم الظالمين. ومن الظلم: التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض، إما بقتل أو بجرح وضرب، وإما بخيانة الأموال بالغش والخيانة والسرقة والغصب، وغير هذا من وجوه الخيانات. وهكذا الرشوة كلها من الظلم، فالواجب على المؤمن أن يحذر أنواع الظلم كلها، ينبغي على المؤمن أن يكون في غاية الحذر من جميع أنواع الظلم. ومن الظلم: أن تغش إخوانك في المعاملات؛ سواء كانت المعاملة بيعاً، أو إجارة، أو شركة، أو زراعة، أو مساقاة، أو غير ذلك من أنواع المعاملات، فالذي يجعل ظواهر الأمور غير بواطنها، ويغش الناس في الباطن وفي الظاهر ما يضرهم، هو ظالم وخائن للأمانة والعياذ بالله! وكذلك الأعراض: الغيبة والنميمة، والشتم والسب، كل هذا من ظلم الأعراض، فيجب الحذر، ويجب حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، والسباب والكذب، وغير هذا من أنواع الظلم القولي. وأما الشح فهو شدة الحرص على المال مع البخل به، يكون شديد الحرص على المال وعلى جلبه وتحصيله ووسائل جمعه مع البخل به، وعدم أداء الواجب، هذا هو الشحيح، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] من وقاه الله شح النفس فقد أفلح، فالشحيح جامع بين الحرص على المال بكل وجه بحق وباطل، ومع ذلك بخيل في أداء الواجب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (حملهم -يعني: الشح- على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) فقد يحمل حب المال على سفك الدماء بغير حق، وعلى السرقات والخيانات، وعلى قطيعة الرحم، وعلى عقوق الوالدين، وعلى إيذاء الجار، وعلى غير ذلك من الشرور بأسباب شحه وحرصه على المال. فيجب الحذر، ويجب أن يكون المؤمن نزالاً للمعروف، منفقاً في وجوه الحق، ليس بخيلاً ولا شحيحاً، ينفق المال في وجهه، ويطلبه من وجهه لا يطلبه من طريق الحرام، ولا ينفقه في الحرام، ولا يبخل به عن الحق، بل يكون جواداً كريماً ينفق المال في وجوه الحق، ويطلبه من طريق الحق، لا من طريق الظلم والخيانات والكذب ونحو ذلك مما حرمه الله سبحانه وتعالى. وينبغي أن يكون باذلاً لوالديه وأرحامه وقراباته، في وجوه الخير ووجوه المعروف، هكذا يكون المال، ولا خير في المال إذا كان لا ينفع في هذه الأمور، وأي قيمة للمال إذا كان يشح به صاحبه ويبخل به عن وجوه الحق؟ فسوف يكون وبالاً عليه وشراً عليه في الدنيا والآخرة، فالمال إنما يراد للإنفاق والإحسان وأداء الحق، وحماية الوجه عن الحاجة إلى الناس، قال جل وعلا: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:7] . هكذا المؤمن له أجر عظيم في إنفاقه في وجوه الخير وطرق الحق، وعليه وزر عظيم في الشح والبخل وعدم إنفاق المال في وجهه. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تفسير سورة التكاثر

تفسير سورة التكاثر الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فيقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1-8] . في هذه السورة العظيمة يحذر الله عباده من الاشتغال بالتكاثر حتى يهجم عليهم الأجل، وحتى يزوروا القبور على غفلة، {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] ، تحذير من هذا الأمر العظيم الذي يقع فيه الأكثرون، وهو الالتهاء والاشتغال بالتكاثر في الأموال والأولاد حتى تهجم المنايا، وحتى تنقل الأجساد إلى القبور، ينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، الموت لا بد منه، ولا بد من زيارة القبور شئت أم أبيت، كما زارها من قبلك، ونقل إليها من قبلك، فيجب عليك أن تعد العدة قبل أن تنزل المنية. ثم يقول سبحانه بعد هذا: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3-4] وعيد لهؤلاء، أي: سوف يعلمون مغبة تفريطهم، ومغبة اشتغالهم عن الآخرة والإعداد لها. ثم قال: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] لو تعلمون علم اليقين، وما وراءكم من الأهوال والأخطار والعقوبات الوخيمة لمن شغل بالدنيا عن الآخرة؛ لما فعلتم هذا الأمر، ولما شغلتم بالتكاثر عن الإعداد للآخرة، ولكن جهل الأكثرين بالله، وجهلهم بالعاقبة، وجهلهم بالأخطار العظيمة، هو الذي جرأهم على الاشتغال بالأموال، والتكاثر في الأموال والأولاد عن الإعداد للآخرة، فالأمر عظيم وخطير. ثم يقول بعد هذا: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6] ، الجحيم لا بد أن تراها، يوم القيامة تبرز للناس {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء:91] لابد أن تبرز، وقد جاء في الحديث الصحيح أنها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام بسبعين ألف ملك، يجرونها لإبرازها للناس -نسأل الله السلامة والعافية- وأمرها خطير ولا حول ولا قوة إلا بالله! فينبغي للمؤمن أن يتذكر هذا اليوم وأن يعد له عدته. ثم يقول: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7] مشاهدة بالعين، يشاهدها الإنسان بعينه يوم القيامة. {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] عن نعيم الدنيا، من المآكل والمشارب والمناكح والمراكب وغير ذلك، وما أعطى الله العبد في هذه الدنيا من أنواع النعيم، سوف يسأل يوم القيامة هل أدى حقها؟ هل شكرها أم ضيعها وفرط وتساهل؟ هذا الأمر يوجب للمؤمن الانتباه واليقظة. يقول سبحانه في هذا: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] يبين أنها زيارة للمقابر وليست مقراً، وبعض الناس يقول: انتقل إلى مقره الأخير، ليس هذا مقره الأخير، إنما هو مقر عارض ينقل منه إلى يوم القيامة، هذا القبر ليس مقراً أخيراً؛ إنما هو زيارة ثم ينتقل من هذه الزيارة إلى المحشر إلى يوم القيامة بين يدي الله، ثم ينقل إما إلى الجنة وإما إلى النار، فالمقر الأخير الجنة أو النار. أما القبر فهو برزخ، منزلة من المنازل يزورها الإنسان بعد الموت، ثم ينقل منها إما إلى نار وإما إلى نعيم. فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذه الزيارة، فهي زيارة خطيرة، إما أن تكون زيارة إلى روضة من رياض الجنة، أو إلى حفرة من حفر النار، ثم بعده ما هو أشد منه، فينبغي أن يكون على بال العاقل، وأن ينتبه لهذا الأمر ولهذه الزيارة بعد التشاغل والتكاثر بالأموال والأولاد، وأنها زيارة خطيرة لمن زار هذه القبور: هل يزورها بعمل صالح وتقوى لله أو بتفريط وإضاعة ولهو وتشاغل عما خلق له من طاعة الله وعبادته؟ رزق الله الجميع التوفيق والإعداد، وهدانا وإياكم إلى صراطه المستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

النصيحة وأنواعها

النصيحة وأنواعها باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) . هذا الحديث العظيم الجليل يدل على عظم شأن النصيحة، وأنها الدين؛ لأن المسلمين متى تناصحوا فيما بينهم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه استقام أمرهم، وعلا شأنهم، واتحدت كلمتهم وصفهم، ونصرهم الله على عدوهم، ومتى تخاذلوا، وغش بعضهم بعضاً، وخان بعضهم بعضاً؛ تفرقت الكلمة، وتكدرت القلوب، وحصل التباغض والفرقة والاختلاف، ولهذا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النصيحة، فقال: (الدين النصيحة) والنصيحة هي الإخلاص في الأمور، وعدم الغش فيها والخيانة أن يكون كل واحد ناصحاً في أعماله كلها ناصحاً في عمله لله، وفي عمله في كتاب الله، وفي عمله مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي عمله مع الأئمة والقادة، وفي عمله مع العامة، هكذا يكون المؤمن ناصحاً أينما كان، وفي أي عمل كان. الدين النصيحة، يقال: ذهبٌ ناصح، أي: خالص ليس فيه غش، ويقال: عسل ناصح، أي: مصفى ليس فيه شيء من الغش ولا من الشمع، فالمعنى: الدين الإخلاص والصدق والصفا في كل شيء من أمور العبد مع ربه، ومع القرآن، ومع السنة، ومع العامة ومع الخاصة.

معنى النصيحة لله ولكتابه ولرسوله

معنى النصيحة لله ولكتابه ولرسوله فالنصيحة لله: الإخلاص في العمل، وأداء العمل كما شرع الله في جميع أعماله من صلاة وغيرها، أن يكون ناصحاً لله في كل أعماله في إيمانه بالله، وفي عبادته إياه، وفي جميع الأعمال التي شرعها الله سبحانه وتعالى، يؤديها كما أمر الله كاملة تامة، ليس فيها غش ولا خلل ولا نقص، بل يؤديها بغاية العناية والإخلاص والتمام والكمال. وهكذا ينصح في كتاب الله العزيز، بتدبره والعمل بما فيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، وتنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه، والاعتبار بأمثاله وقصصه إلى غير ذلك، والنصح في القرآن من جميع الوجوه. وهكذا النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يمتثل أوامره، وينتهي عن نواهيه، عن إيمانٍ به وتصديق، وعن اعتقاد أنه رسول الله حقاً، وأن الواجب اتباعه والقيام بما شرع، عن إخلاص وصدق، وعن رغبة ورهبة وصفاء، لا عن غش وخيانة، ولا عن تفريط وإضاعة، بل يعمل بما أمر الله به ورسوله، إيمان المصدق والمخلص، هكذا المؤمن في أعماله كلها، يكون صادقاً مخلصاً، يعتني بعمله، وينقيه من كل عيب، من غش وخيانة وكذب وغير ذلك.

معنى النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم

معنى النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم أما النصيحة لأئمة المسلمين: فبالنصح لهم من جهة طاعته بالمعروف، ومن جهة جمع الناس عليهم حتى يستقيموا على طاعته بالمعروف، ومن جهة الدعاء لهم بظهر الغيب، ومناصحتهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، بالأساليب الحسنة والطريقة التي تكون أقرب إلى النجاح، وهو مع ذلك يفعل ما يستطيع من كل ما يعين على جمع الشمل، ورأب الصدع، وتوحيد الصف، والتعاون على البر والتقوى مع ولاة الأمور، أمير بلده شيخ قبيلته محكمته جميع من لهم شأن، يتعاون معهم بالنصح والتوجيه والإعانة على الخير، وغير هذا من جوه التعاون الذي يترتب عليه صلاح المجتمع. وهكذا النصح للعامة، بنصيحتهم لله، وتعليمهم وإرشادهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر إلى غير هذا مما ينفع العامة ويعينهم على طاعة الله ورسوله. وهذا جماع الدين التناصح بين الجميع لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، من سلطان وأمير وقاضٍ، وداعية إلى الله عز وجل، وشيخ قبيلة وأعيان بلاد وغير ذلك، كل من له أمر، وله إمامة، ويقتدى به؛ فالواجب التناصح معه وإعانته على الخير حتى تستقيم الأحوال، وحتى تتحد الكلمة في طريق الله الذي شرعه لعباده. وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

آداب الجلوس على الطرقات

آداب الجلوس على الطرقات الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . يبين صلى الله عليه وسلم أن الجالس في الطريق ومثله المار في الطريق عليه حقوق ينبغي له أن يعتني بها وأن يؤديها. - غض البصر عن عورات إخوانه. - كف الأذى القولي والعملي. - رد السلام على من سلم عليه. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا من حق الطريق على من كان في الطريق، على بابه، أو في أي مجلسٍ من المجالس على الطريق، أو كان ماشياً في الطريق كذلك، عليه أن يلاحظ هذه الأمور التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي أن يكون غاض البصر، لا ينظر إلى عورات الناس، فإن الطرق تجمع من يعتني بعورته ويتحفظ ومن يتساهل، فالواجب غض البصر وإنكار المنكر، مع كف الأذى لا يؤذي الناس بلسانه، ولا بأعماله قد يكون بعض الناس مبتلىً بالغيبة والكلام السيئ في حق من يمر عليه، وبعض الناس مبتلىً -أيضاً- بالإيذاء بالفعل، بإلقاء ما يؤذي الناس في الطرقات من مياه أو أحجار أو عظام أو غير هذا مما يؤذي الناس. كذلك رد السلام كثير من الناس يتكبر ولا يبالي بالسلام، ويعرض عمن سلم عليه لا يبدأ ولا يرد، وهذا من ضعف الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) فإفشاء السلام من أسباب المحبة في الله، ومن أسباب قوة الإيمان، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده) حلف وهو الصادق، وإن لم يحلف عليه الصلاة والسلام، (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا -أي: الإيمان الكامل- حتى تحابوا -أي: حتى تحابوا في الله- أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) وسئل عليه الصلاة والسلام: (قيل: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) . وقال عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة: (أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام) . وكثير من الناس إنما يسلم على من يعرف من أصحابه، أما من لا يعرف من المسلمين فلا يبالي، فلا يبدأ بالسلام ولا يرد السلام، وهذا لا شك من الجهل ومن ضعف الإيمان ومن قلة الآداب الشرعية. ومن الواجبات -أيضاً- على أهل الطريق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الطرق يقع فيها ما يقع من التقصير، ومن ظهور بعض المنكرات، فالواجب على المؤمن إذا رأى شيئاً في الطريق ألا يسكت، بل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا رأى من هو جالس وقد أذن المؤذن فيقول: اتق الله يا عبد الله، والصلاة الصلاة بارك الله فيك، حتى يشجع غيره على أداء هذا الواجب العظيم على أداء عمود الإسلام في الجماعة، وإذا رآه يتعاطى منكراً من غيبة أو نميمة أو ما أشبه ذلك أنكر عليه إذا ذهب إلى الحلاق ليحلق لحيته أنكر عليه رآه يتعاطى التدخين أنكر عليه رآه يتابع النساء أنكر عليه وهكذا إذا رأى متبرجة من النساء أنكر عليها، وأمرها بالستر والحجاب، والبعد عن أسباب الفتنة وهكذا، وغير ذلك من المنكرات التي تقع في الأسواق. وإذا رآه -أيضاً- قد قصر في معروف أنكر عليه، فإن المؤمن أخو المؤمن، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ولا يسكت، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه) أخوه لا يظلمه في نفس ولا مال ولا عرض، ولا يخذله وهو إسلامه بتركه لمن يظلمه، ولكن يساعده على الخير، ويدافع عنه الشر، ويعينه على طاعة الله ورسوله، ويعينه على ترك معصية الله. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام متابعة المؤتم للإمام في الصلاة

أحكام متابعة المؤتم للإمام في الصلاة الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) . هذا الحديث العظيم يدل على وجوب متابعة المأموم للإمام، وأنه ليس لهم أن يسابقوه ولا أن يوافقوه، بل عليهم أن يتابعوه، فلا مسابقة ولا موافقة، ولكن بالمتابعة المتصلة، فإذا انتهى من التكبير كبروا، وإذا استوى راكعاً ركعوا، وإذا استوى قائماً قاموا وهكذا لا يسابقونه ولا يوافقونه، ولا يشرعون في الركن إلا بعد إنهائه إياه، واستقامته فيه، ولا يكبرون حتى ينقطع صوته، هكذا أمر عليه الصلاة والسلام، وقال: (إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف للسلام) ولكن يتابع الإمام، فإذا كبر وانقطع صوته كبر المأموم، وإذا استوى راكعاً وانقطع صوته ركع المأموم، وإذا رفع وانقطع صوته رفع، وإذا سجد وانقطع صوته سجد، وهكذا إذا سلم سلم بعده. هذا هو الواجب على المأموم مع إمامه، مع العناية بالطمأنينة والخشوع وعدم العجلة، فلا مسابقة ولا عجلة، ولكن يطمئن في صلاته ويخشع فيها لله ولا يسابق إمامه، فالطمأنينة أمر لازم، وفريضة في جميع الصلوات الفرض والنفل، الإمام والمأموم والمنفرد، يجب على الجميع أن يؤدوا الصلاة في غاية من الطمأنينة وعدم العجلة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2] . ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لا يتم صلاته، ولا يتم ركوعها ولا سجودها أمره بالإعادة، وقال: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) ثم علمه كيف يصلي، وهكذا المأموم مع الإمام ليس له مسابقة ولا موافقة، ولكن يطمئن ولا يعجل، ثم يتابع إمامه في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده، متحرياً انقطاع صوته، وانتقاله من ركن إلى ركن ثم يتابع، فلا مسابقة لا في التكبير ولا في غيره ولا موافقة. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

التوبة وشروطها

التوبة وشروطها الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] . يأمر سبحانه عباده المؤمنين بأن يتوبوا إليه من جميع ذنوبهم، ويخبر سبحانه أن في ذلك الفلاح، أي: الظفر والفوز والسعادة، وإذا كان المؤمنون يؤمرون بالتوبة فكيف بحال غيرهم؟ إذا كان المؤمن يؤمر بالتوبة وهو محل الوعد بالجنة؛ لأنه لا يخلو من تقصير وتفريط فكيف بحال غيره من الناس؟ فالتوبة لازمة لجميع المكلفين من الكفرة والمسلمين جميعاً، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام وندمه على ما مضى منه، وعزمه على ألا يعود في ذلك، وهذه أعظم وأكبر نعمة، أن يتوب الكافر من كفره إلى الإسلام، وأن يلتزمه خوفاً من الله، وتعظيماً له، وإخلاصاً له، ومحبة له، وتوحيداً له، واتباعاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تهدم ما قبلها) . ومن أحسن في الإسلام غفر له ما مضى من ذنوبه وسيئاته، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والعاقل يتذكر دائماً أنه لا يعلم ما يعرض له، ولا يعرف متى يهجم عليه الأجل، فلذلك يسارع إلى التوبة ويلازمها في جميع حالاته، وفي جميع زمانه، يخشى أن يلقى الله وهو غير تائب؛ فلهذا يبادر بالتوبة في جميع الأحوال، ولهذا قال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] ، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8] الآية، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135-136] فالتائب يقلع عن الذنوب ولا يصر عليها، فليبادر بالتوبة والإقلاع والندم والعزم الصادق ألا يعود، هكذا التائب. والتوبة الصادقة النصوح تشمل أموراً: 1- الندم على الماضي من السيئات. 2- والإقلاع منها وتركها خوفاً من الله وتعظيماً له. 3- العزم الصادق ألا يعود إليها، لا يصر؛ بل يعزم بقلبه عزماً صادقاً أنه لا يعود إليها، هذه هي التوبة الصادقة النصوح. 4- رد المظالم، إذا كان عنده مظالم لابد من ردها إلى أهلها، أو استحلالهم منها حتى تتم توبته من سرقة، أو خيانة، أو غصب، أو ضرب، أو سفك دماء، أو غير هذا، لا بد من رد المظالم إلى أهلها أو استحلالهم منها، وإلا ستبقى عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والخلاصة أن على المؤمن أينما كان أن يلزم التوبة، ويحاسب نفسه، وأن يندم على سيئات أعماله، وأن يقلع عنها ويتركها ويحذرها خوفاً من الله وتعظيماً له، وأن يعزم عزماً صادقاً ألا يرجع إليها، وبذلك تغفر ذنوبه، وتحط سيئاته، ويقبل الله توبته، إلا أن تكون هناك مظالم في مال أو عرض أو نفس فلا بد من ردها إلى أهلها أو استحلالهم منها. فعليك أيها الأخ في الله عليك أيها المؤمن! أن تتذكر أنك على خطر، وأنك متى أصبحت لا تدري هل تمسي، ومتى أمسيت لا تدري هل تصبح، فالزم التوبة دائماً ولا تمهل ولا تؤجل ولا تسوف، بل بادر بالتوبة دائماً؛ لعل الله أن يتوب عليك. وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

خطورة السخرية والاستهزاء بالمؤمنين

خطورة السخرية والاستهزاء بالمؤمنين الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة مسائل أربع، ويحذر منها جل وعلا:

حرمة السخرية

حرمة السخرية الأولى: السخرية من الرجال بعضهم ببعض، أو النساء، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر السخرية من أخيه والاستهزاء بأخيه، فربما كان المستهزأ به أفضل عند الله وخيراً من هذا المستهزئ الساخر المتنقص، وهكذا النساء مع بعضهن، ولهذا قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ذكرهم بالإيمان الذي يجب أن يمنعهم مما حرم الله {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:11] لا تسخر من فقره، أو دمامته، أو عرجه أو غير هذا من الأسباب، وكذلك المرأة لا تسخر من أختها ولا من أخيها، بل يجب على المؤمن أن يشكر الله إذا حباه فضلاً على غيره، وأن يحمد الله الذي عافاه مما ابتلى به غيره، أما أن يسخر ويستهزئ فذلك من نقص العقل والدين.

حرمة اللمز والعيب

حرمة اللمز والعيب المسألة الثانية: يقول جلا وعلا: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات:11] اللمز: العيب، لا يعب بعضكم بعضاً، لا تعب أخاك بشيء ابتلاه الله به، من نقص في ماله، أو في جاهه، أو في خلقته أو نحو ذلك، فإن هذا يشبه الاستهزاء، فالواجب عليك أن تحمد الله وتشكره على ما أعطاك من النعم، وألا تعيب أخاك وتلمزه. واللمز هو المسمى: العيارة، أن يعيره بشيء فيه من النقص، هذا لا يجوز، وهو من أسباب البغضاء والشحناء، ومن أسباب العداوة والفرقة {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات:11] أي: لا يلمز بعضكم بعضاً ولا يعيب بعضكم بعضاً؛ سواء بأشياء خارجية من فقر أو غير ذلك، أو داخلية من نقص في خلقته يعيبه بذلك.

حرمة التنابز بالألقاب

حرمة التنابز بالألقاب المسألة الثالثة: قال تعالى: ((وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ)) [الحجرات:1] التنابز التداعي بالألقاب القبيحة: يا حمار! يا فاجر! يا كافر! يا قبيح! يا أعرج! يا كذا! يدعوه بألقاب لا يرضاها، هذا -أيضاً- من أسباب الشحناء والعداوة والبغضاء، وربما أفضى إلى القتال والفتن، فالواجب أن يدعوه بالأسماء الطيبة، والأسماء التي يحبها: يا فلان يا محمد يا أبا عبد الله أما أن يدعوه بأسماء أو بعبارات وألقاب يكرهها، فهذا هو التنابز بالألقاب، فيجب الحذر من ذلك؛ لئلا يجر إلى الفتن والشحناء والعداوة والبغضاء، ولهذا قال جل وعلا: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] فبين لنا أن من تعاطى هذه الأمور يكون فاسقاً، فكيف يرضى بحاله أن يكون بعد الإيمان فاسقاً خارجاً عن طاعة الله جل وعلا؟ والفسوق هو الخروج عن الطاعة.

التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي

التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي المسألة الرابعة: ثم قال بعد ذلك: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] يبين سبحانه أن من أصر على المعاصي فهو ظالم، ومن تاب فقد أفلح من أصر على المعصية ولم يتب فهو ظالم لنفسه، متعرض لغضب الله، فالواجب البدار بالتوبة من المعصية، وعدم الإصرار عليها، فمن بادر بالندم والإقلاع وعدم الإصرار والعزم الصادق ألا يعود؛ سلم من شر الذنب وتاب الله عليه، ومن أصر فقد ظلم نفسه، ويبقى عليه إثم ذلك الذنب وخطره لو نزل به الأجل. رزق الله الجميع العافية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المسارعة إلى صفات المتقين

المسارعة إلى صفات المتقين الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد سبق الكلام على شيء من صفات المتقين التي أمر الله جل وعلا بالمسارعة إلى صفاتهم التي هي أسباب المغفرة، وأسباب دخول الجنة، حيث قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133-134] . سبق الكلام على هذه الصفات، وأنه ينبغي للمؤمن أن يسارع إلى هذه الصفات وأن يلزمها، فإن تقواه لله عز وجل وإيمانه بالله سبحانه، كل ذلك يحمله على المسارعة إلى هذه الصفات ولزومها والاستكثار منها. فإن كلاً منها من أسباب المغفرة، ومن أسباب دخول الجنة النفقة في السراء والضراء في الشدة والرخاء، ابتغاء وجه الله، وكتم الغيظ، والعفو عن الناس، هذه صفات جديدة من صفات أهل التقوى والإيمان، ومن صفات الكرماء والنبلاء، أصحاب النفوس الكريمة والهمم العالية، ثم ذكر بعد هذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135-136] وصفهم بالصفات الحميدة الكريمة، ثم وصفهم بالتوبة النصوح والمبادرة إلى ترك المعاصي والسيئات، والاستغفار منها وعدم الإصرار عليها، فهم جمعوا بين العمل الصالح وبين التوبة الصالحة، وهم يسارعون للخيرات، ويندمون على فعل السيئات، ويقلعون منها ولا يصرون عليها هذه صفات أهل الجنة وأهل المغفرة، هذه صفات أهل السعادة، المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والمبادرة بالتوبة من السيئات، والندم عليها وعدم الإصرار، فمن أراد الجنة والكرامة والمغفرة والسعادة فعليه بهذه الصفات الحميدة التي ندب الله إليها عباده، وبين أنها من صفات أهل التقوى الموعودين بالجنة والكرامة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر:45] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم:34] هذه الصفات العظيمة، النفقة في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس مع الإحسان في بقية الأعمال، فهم محسنون في صلاتهم محسنون في زكاتهم محسنون في صومهم محسنون في حجهم في جهادهم في برهم لوالديهم في صلة أرحامهم في سائر أعمالهم، محسنون لجيرانهم إلى غير ذلك، هم أهل الإحسان، وأهل الكرم، وأهل الجود، ومع ذلك متى زلت القدم، وظلموا أنفسهم بشيء من المعاصي؛ بادروا بالتوبة وعدم الإصرار، فوعدهم الله بالمغفرة لذنوبهم، وبإسكانهم الجنات دار الكرامة ودار النعيم. فعليك يا عبد الله! أن تعنى بهذه الصفات، وأن تسارع إليها، وأن تكون أبداً في سباق للخيرات ومسارعة إلى الطاعات، وأن تكون أبداً في توبة صادقة وندم على ما مضى منك من السيئات، وعدم الإصرار، لا تغفل فالموت يأتي بغتة، فقد يهجم عليك الأجل وأنت على سيئ العمل، فبادر بالتوبة النصوح، مع الاستمرار في الخيرات والطاعات والأعمال الصالحات، حتى تكون في غاية من الاستقامة، وفي بعد من أسباب الهلاك والندامة. رزق الله الجميع التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.

التحذير من الإسبال والمن والأيمان الفاجرة

التحذير من الإسبال والمن والأيمان الفاجرة الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) . هذه خصال ثلاث حذر منها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأبدى عظم خطر العقوبة على أهلها، فدل ذلك على أنها من المحرمات الكبيرة، ومن كبائر الذنوب. - الإسبال. - والمن في العطية. - والأيمان الفاجرة. فيجب على المؤمن أن يحذر هذه الخصال الذميمة ويتباعد عنها. أما الإسبال فلما فيه من التكبر والتعاظم والاختيال، فإن الغالب على المسبل أنه يتعاظم في نفسه ويتكبر، هذا شأن الإسبال، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (إياك والإسبال فإنه من المخيلة) أي: من الخيلاء، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) واللفظ الآخر: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) فهو يدل على تحريم الإسبال، وأنه من جملة الخيلاء والكبر، والغالب على أهله أنه يدعوهم إلى التكبر، ويدعوهم ذلك إلى قلة المبالاة بالدين، وعدم المبالاة بالنجاسات والقاذورات، فهو يتلطخ بالنجاسة وبالأوساخ ولا يبالي، مع ما في هذا من كونه يجر إلى الكبر، وإن لم يقصده فهو وسيلة إليه، لكن الغالب على أهله هو التكبر والخيلاء والتعاظم. والحديث الآخر: (من اختال في مشيته وتعاظم في نفسه لقي الله وهو عليه غضبان) فينبغي للمؤمن أن يحذر أسباب التكبر وأسباب الخيلاء والتعاظم في النفس، فإن هذا يجره إلى بلاء كبير، فقد جاء في الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (بينما رجل يمشي في بردين قد أعجبته نفسه خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) فينبغي للمؤمن أن يحذر عقوبات الله جل وعلا، وأن يبتعد عن أسباب الكبر. أما المن في العطية والكذب في الأيمان فشرهما ظاهر، يعطي عطية ويمن بها على صاحبها ويؤذيه، أو يقول له الكلام السيئ ويمن عليه بما أعطاه، وهذا منكر لا يجوز. وهكذا الأيمان التي يروج بها مبيعاته والله إنها بكذا، والله إنها بسعر كذا، والله إنها تساوي كذا، والله إنها علي بكذا، وهو يكذب حتى يروجها بين الناس، وينفقها بين الزبائن، وهذا منكر عظيم ومن كبائر الذنوب، فيجب الحذر من هذه الخصال الذميمة التي حذر الله جل وعلا منها على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام. والملابس يجب أن تكون من منتصف الساق إلى الكعب ولا يزيد عن الكعب، والأفضل ألا يكون فوق منتصف الساق بل يكون من النصف فأقل ما بين النصف إلى الكعب، هذا هو اللباس الشرعي. أما المرأة فينزل عن هذا حتى يغطي قدميها، لكن كثيراً من الناس تشبه بالنساء وأخل بملابس الرجال، فجر ثوبه وأسبل ثيابه، والمرأة رفعت ثيابها، وهذا عكس ما شرعه الله جل وعلا، فيجب الحذر من هذه الخصال الذميمة التي فيها المعاكسة والمضادة لما شرع الله. رزق الله الجميع العافية، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة

التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما -أي: من الأجر- لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) وروي عنه عليه الصلاة السلام أنه قال: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم) . وهذا يفيدنا عظم الخطر في التخلف عن الصلاة في الجماعة، وأن ذلك من صفات المنافقين وأعمالهم، وأنه قد هم عليه الصلاة والسلام أن يحرق عليهم بيوتهم بسبب التخلف، ولهذا روي عنه عليه الصلاة والسلام بيان العلة: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم) فلولا أن التخلف خطير، وأنه منكر يستحق صاحبه العقوبة، لما قال هذا الكلام عليه الصلاة والسلام، ويكفي في الذنب والعيب للمتخلفين عن الصلاة في الجماعة أنهم قد شابهوا بهذا حال المنافقين {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] هذا حالهم نعوذ بالله! وقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر) قيل لـ ابن عباس: [ما هو العذر يا ابن العباس؟ قال: خوف أو مرض] . وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى يستأذنه، فقال: (يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) وفي رواية أخرى قال: (لا أجد لك رخصة) فإذا كان أعمى شاسع الدار كما في الروايات الأخرى، ليس له قائد يلائمه يقال له: ليس لك رخصة في التخلف عن الجماعة في مساجد الله، فكيف بحال من عافاه الله وأعطاه السمع والبصر والصحة؟! فالأمر خطير جداً. وقد بلغني أن كثيراً من المساجد في الفجر لا يصلي فيها أحد، والعياذ بالله! يسهرون على التلفاز وعلى غير التلفاز، فإذا جاء الفجر فإذا هم أموات ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذه من المصائب الكبيرة، فيجب التواصي بالحذر من هذا البلاء، والحذر من أسباب العقوبات العامة، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من كبار الصحابة ومن علمائهم: [من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم -وفي لفظ: لكفرتم- ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض] فهذا يبين لنا أن المحافظة على الصلاة في الجماعة من أسباب الموت على الإسلام، ومن أسباب أنه يلقى الله مسلماً، ومقتضى هذا أن التخلف عن هذه الجماعة والتساهل من أسباب ضد ذلك من أسباب الوفاة على غير الإسلام، نعوذ بالله! فالمصيبة كبيرة، وخطر عظيم، فالمحافظة على صلاة الجماعة من أسباب السعادة وحسن الختام، ومن أسباب التوفيق لكل خير، والتخلف عنها والتشبه بأهل النفاق بأدائها في البيوت فيه خطر عظيم، فيه: أولاً: أنه معصية لله. ثانياً: أنه مشابهة لأهل النفاق. ثالثاً: أنه من أسباب سوء الخاتمة، والعياذ بالله! رزق الله الجميع العافية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.

عظم منزلة الصدق

عظم منزلة الصدق الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فيقول الله جل وعلا في كتابه المبين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] . لما كان الصدق له منزلة عظيمة عند الله وعند أنبيائه ورسله وعند المؤمنين من عباده؛ نبه الله عليه وخصه بالذكر؛ كي يعلم المؤمن هذا الفضل وهذا التخصيص، فيسارع إلى الصدق في أقواله وأعماله، ويبتعد عن الكذب في أقواله وأعماله، فالصدق طريق السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة، وطريق العزة والكرامة، يقول الله جل وعلا: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119] هذا جزاء الصادقين. والصدق يكون في القلب، ويكون في اللسان، ويكون في العمل، فالصادق المؤمن صادق في قلبه في محبته لله، وإخلاصه له، وخوفه، ورجائه، وشوقه إليه، والحذر من محارمه. وصادق في اللسان في ذكره لله، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ودعائه وسائر أذكاره. وصادق في الأعمال، في صلاته وصومه وزكاته وحجه وجهاده وغير ذلك، هكذا يكون المؤمن صادق القول صادق العمل، صادق القلب والإقرار وأعمال القلب. ولهذا قال عز وجل: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119] بعض الناس يصلي ولكنه ليس بصادق، ليس بمقبل على صلاته، لا يعطيها حقها، جسمه مع الناس وقلبه في كل مكان، كذلك يزكي ولكن ليس عنده إخلاص كامل، وطيب النفس بالمال والرضا فيما عند الله يصوم وليس الصوم على ما ينبغي من جهة الصدق فيما عند الله، والرغبة فيما عنده، وهكذا الحج، وبقية العبادات، فالناس في هذا يتفاوتون كثيراً. فعليك يا عبد الله! أن تصدق في أقوالك وأعمالك، وأن تكون عظيم الرغبة فيما عند الله، صادق البذل من قول وعمل، ترجو ثواب الله وتخشى عقابه سبحانه وتعالى. ولهذا لما عدَّ الله سبحانه وتعالى صفات المؤمنين وأخلاقهم وأعمالهم ذكر منها الصدق، فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] هذا جزاء هؤلاء في أعمالهم، في إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم، والقنوت هو الثبات في الطاعة والدوام عليها والاستمرار فيها، وهكذا صدقهم، وهكذا صبرهم، وخشوعهم، وتصدقهم، وصيامهم، وحفظهم فروجهم، وإكثارهم لذكر الله سبحانه وتعالى، فهم صادقون في هذه الأعمال، ولهذا أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (عليكم بالصدق -أي: في القول والعمل- فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) فالكذب عاقبته وخيمة، وهو من خصال أهل النفاق والفجور، والصدق عاقبته حميدة، وهو من خصال أهل الإيمان والصدق، ومن خصال الرسل وأتباعهم الصادقين. جعلنا الله وإياكم من الصادقين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

التحذير من التشاغل بالتكاثر

التحذير من التشاغل بالتكاثر الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1-8] . هذه السورة العظيمة فيها تحذير الله عز وجل عباده من التشاغل والالتهاء بالتكاثر في هذه الدنيا، وأنه ينبغي للمؤمن أن يعد العدة لآخرته، وألا يشتغل بالتكاثر في الأموال والأولاد عما خلق له من طاعة الله وعبادته، الكثير من الناس شغل بالتكاثر في الأموال والأولاد وحظ الدنيا العاجل، ونسي ما خلق له ولم يرفع به رأسه، فخسر الدنيا والآخرة، وندم غاية الندامة، والله جل وعلا يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وأنذرنا سبحانه يوم التلاق، يوم يبرز خلق الله عز وجل يوم القيامة، يوم تعرض عليهم أعمالهم خيرها وشرها، ولهذا قال عز وجل: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-3] ، وهو يوم القيامة سماها قارعة؛ لأنها تقرع أسماع الخلق كلهم، فأمرها عظيم، وشأنها خطير، ثم بينها فقال: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:4-5] هذه الجبال الصلبة العظيمة تصبح كالعهن المنفوش، كالصوف المنفوش، قد ضعفت واندكت، وينسفها الله جل وعلا يوم القيامة، يقول سبحانه: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:105-107] وقال: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] هذه الجبال العظيمة تكون كالهباء وكالعهن المنفوش، وتصبح الأرض مستوية ليس فيها جبال ولا معالم لأحد، يحشر الناس عليها، فجدير بالعاقل أن ينتبه لهذا اليوم وأن يعد له عدته. ثم قال بعدها: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:6-7] أي: بالأعمال الصالحات {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:8-11] . قال الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] فلا ينبغي للعاقل أن يشتغل بالتكاثر عن هذا اليوم العظيم يوم القيامة، يوم هذا شأنه، تسير فيه الجبال وتكون كالعهن المنفوش، ويبرز فيه الناس كالفراش المبثوث، وكالجراد المنتشر، يموج بعضهم في بعض، كل واحد يقول: نفسي نفسي، فيكون الخلق فيه على خطر إلا من رحم الله من أهل الإيمان والتقوى. ولهذا قال بعدها: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] أي: شغلتم حتى نزل الموت، لم تزالوا مشغولين بالتكاثر حتى هجم الأجل وزرتم القبور، فالمعنى: أعدوا العدة قبل نزول الأجل، وقبل أن تنقلوا للقبور، فإن بعد الموت لا عمل، العمل قبل الموت. قال تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] يبين سبحانه أنها زيارة، وأن المقابر ليست مقراً لهم؛ المقابر مرحلة ينقلون منها إما إلى الجنة وإما إلى النار، فليست مقراً لهم دائماً، وإنما هي مرحلة من المراحل بين الحياة الدنيوية وبين الدار الأخروية، إما الجنة وإما النار، فأنت في المقبرة زائر لا مستقر، وسوف تنقل من هذا القبر ومن هذه الحفرة إلى ما أعد الله لك، إن كنت صالحاً فإلى الجنة، وإن كنت سوى ذلك فإلى النار، هذه النهاية، أما المقابر فليست نهاية. وقد يقول بعض الناس: مقره الأخير، وهذا خطأ، ليس مقره الأخير، المقر الأخير إما الجنة وإما النار، هذا هو المقر الأخير، وأما المقبرة فهي مقر فيه رحلة، مقر مؤقت يرتحل منه صاحبه يوم البعث والنشور إما إلى جنة وإما إلى نار. فجدير بالعاقل، وجدير بالرجل الحازم، وجدير بمن يخشى سوء العقاب وسوء الحساب أن يعد العدة، وألا ينشغل بالتكاثر ولا بغير التكاثر عن إعداده لنفسه، وأهبته لآخرته بطاعة الله ورسوله، والحذر مما نهى الله عنه ورسوله، ولهذا توعد الناس فقال سبحانه: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3-4] هذا وعيد، وسوف تعلمون غبَّ ما عملتم، وسوف تندمون على ما فعلتم من هذا التكاثر وهذا الشغل بالتكاثر {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] إذا صارت لكم حال أخرى لو علمتم لغيرتم ولانتبهتم، ولكن العبد في هذه الدنيا يصاب كثيراً بالغرور والغفلة عما أعد له وعما أمامه. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

التحذير من الفتن

التحذير من الفتن لقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن وقوع الفتن وانتشارها في آخر الزمان، وأن ذلك مؤذن بقيام الساعة واقترابها. وهذه الفتن وانتشارها أسباب، منها: بعد الناس عن دين الله، وانتشار الجهل، والظلم والعدوان والاستعباد للآخرين، والمخرج من الفتن معلوم لمن سأل وبحث عنه، ألا وهو الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

خطورة الفتن والتحذير منها

خطورة الفتن والتحذير منها الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وبعد: فإن الفتن لا شك أنها موضوع خطير، وهي تكون بالقتال، وتكون بالشهوات، وتكون بالشبهات، وتكون بالجميع، نسأل الله العافية. وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (تكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، من يستشرفها تستشرفه) . وقال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا؛ وفي لفظ: بعرض من الدنيا قليل) . ونحن في هذا الوقت، وكذلك مضت أوقات أيضاً وقع شيء منها كثير فيما مضى، ولكن في هذا الوقت أكثر، فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن القتال، كلها واقعة.

فتنة الشهوات

فتنة الشهوات فالشهوات المغرية بالمعاصي والمحارم كثيرة شهوة المال شهوة الفاحشة شهوة المسكرات شهوة الملاهي شهوة سفك الدماء إلى غير ذلك، شهوات متنوعة، وشهوة المال والمآكل والمشارب تفضي إلى الترف والكسل والضعف، وعدم المقاومة لما يعرض للناس مما يضرهم في دينهم ودنياهم، وتفضي إلى الميل إلى السعي للمحرمات. فإذا رزق الناس المال وقدروا على مطالبهم من هذه الشهوات المحرمة، فالعصمة قليلة، فمن ابتُلي بالمال الكثير، ولا سيما مع قلة العلم، وقلة البصيرة، وقلة العقل الراجح، وقلة الأخيار وصحبة الذين يوجهون إلى الخير، وكثرة المنحرفين، والذين يقودون الناس إلى أسباب الهلاك من هذه الأسباب يعظم الخطر، وتكثر المصائب في الدين، قال جلَّ وعَلا: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:116] . فالترف له عواقب وخيمة، في الملبس، والمأكل، والمشرب، والمركب، والمسكن وغير ذلك، وهو يفضي إلى غايات خطيرة بانتهاك محارم الله، والضعف عن أداء ما أوجب الله، واقتحام الحدود، وعدم المبالاة بخطر العقوبات، وبغضب الله عزَّ وجلَّ، قال سبحانه في كتابه الكريم: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] . وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم الدنيا، أن تُبسط عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فَتَنافَسُوها كما تَنافَسُوها، فتهلككم كما أهلكتهم) . فالواجب على كل مؤمن أن يحذر الفتن من الشهوات والشبهات، قال عليه الصلاة والسلام: (يتقارب الزمان، ويفشو الزنا، ويُشرب الخمر، ويقل العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: القتل القتل) في آخر الزمان تكثر أسباب القتال والفتن، والقتل بغير حق، باب العدوان والظلم، وهذا واقع في نواحي كثيرة من هذه الدنيا. ومن أسبابه: الظلم والعدوان، وحب المال والجشع في تحصيله وجمعه من الدول والأفراد: - من الدول: الجشع على المال من أنواع المعادن؛ كالبترول وغيره. - ومن الأفراد: كذلك يُفضي بهم إلى السرقات، والخيانات، والغش في المعاملات، وغير هذا من أنواع الضرر والظلم، الذي من أسبابه الجشع على المال والحرص عليه.

فتنة الشبهات

فتنة الشبهات وأما فتن الشبهات، فأشد وأخطر فإن الإنسان بسبب الشبهة كثيراً ما يخرج عن دينه بين وقتٍ وآخر، يصبح مؤمناً، ثم تعرض له شبهة في جريدة أو في كتاب أو من طريق مجادل ومناظر ومخاصم فيضل ويخرج عن دينه بسبب ذلك. - والشُّبَه أنواع متنوعة: بعضها يتعلق بالله سبحانه. وبعضها يتعلق بالرسل عليهم الصلاة والسلام. وبعضها يتعلق بالقرآن. وبعضها يتعلق ببعض الواجبات. وبعضها يتعلق ببعض المحرمات إلى غير ذلك. فلا يزال به أعداء الإسلام يجادلونه، ويبذرون في قلبه بذور الشر، ويشككونه في دينه، ويقولون: لِمَ كذا؟! ولِمَ كذا؟! ولِمَ شُرِع كذا؟! ولِمَ صار كذا؟! وأين كذا؟! وأين الدليل على كذا؟! حتى يضل عن دينه، وحتى يهلك بجهله بالله، وجهله بدينه، ولاستيلاء هذه الشبه على قلبه، حتى لا يجد لها دافعاً من قلبه، ولا يجد لها حالاًّ ومنقذاً من مجالسيه، ومن أصحابه الذين يسمع لهم ويثق بقولهم؛ لأن الأصحاب والجلساء يغلب عليهم في هذه الأوقات الأخيرة الجهل وقلة العلم، ويغلب عليهم أيضاً إيثار الشهوات، وحب العاجلة، والإعراض عن الدين، واستثقاله؛ لأن دين الله يقيدهم عما حرم الله، وهم يجدون في الدين ما يقيدهم عن الزنا، وما يمنعهم من شرب المسكرات، وما يمنعهم من أخذ المال بغير حق بالرشوة، والخيانة، والغش في المعاملة؛ فلهذا يستثقلون الدين، ويودون التملص والتخلص منه، حتى يشبعوا رغباتهم من هذه الشهوات المحرمة. فهذه كلها فتن، حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن القتال، وأسباب القتال، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) والعياذ بالله!

الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة من الفتن

الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة من الفتن ومن أعظم الأسباب التي تقي العبد شر هذه الفتن، وتسبب نجاته وسلامته: إقباله على كتاب الله تلاوة وتعقلاً وتدبراً؛ فإنه يجد في كتاب الله الدعوة إلى أسباب النجاة، والتحذير من أسباب الهلاك. يجد في كتاب الله الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال. يجد في كتاب الله الأدلة القاطعة على وجود ربه، وعلى أسمائه الحسنى، وعلى صفاته العلى، وعلى استحقاقه للعبادة والطاعة. ويجد في كتاب الله الأدلة القاطعة على صحة ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم حق من عند الله عزَّ وجلَّ. يجد في كتاب الله الدلالة القاطعة والبراهين الساطعة على إثبات الآخرة، والجنة والنار، والبعث والنشور، وأن ذلك حق. فإذا تدبر مع ذلك أحوال العالم، وأن هذا العالم فيه الضال، وفيه المهتدي، وفيه الظالم، وفيه الجاهل، وفيه العالم، وفيه أنواع الفساد؛ عرف أن هذا العالم لا بد له من منتهى، ولا بد له من غاية، ولا بد له من لقاء مع ربه، يجازي فيه المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. كثير من هؤلاء الذين ظلموا الناس، وأكلوا أموالهم بغير حق، واعتدوا على حقوقهم كثير منهم يموتون ولم يؤخذ منهم الحق، فلا بد لهم من يوم ومكان تؤخذ منهم الحقوق فيه، ويُنصف المظلومون منهم، ويُلزمون بأداء الحقوق، وذلك اليوم هو يوم القيامة، هو يوم الحشر والجمع، هو يوم التغابن، كما قال جلَّ وعَلا: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42] . وقال جلَّ وعَلا: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] ، وقبلها قوله جلَّ وعَلا: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6] ، فلا بد من عرض أعمالهم، ولا بد من جزائهم عليها. وقوله جلَّ وعَلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] . ويقول جلَّ وعَلا: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7] . فالمقصود أن هناك موعداً مع الله عزَّ وجلَّ يجازي فيه سبحانه المحسن لإحسانه، والمسيء لإساءته. فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاستعداد، والحذر من الفتن، والإقبال على كتاب الله عزَّ وجلَّ، والعناية بذلك. ومن أسباب النجاة: العناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والإقبال عليها، والنظر في سيرته عليه الصلاة والسلام، وسيرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وسيرة سلفنا الصالح، الذين درسوا كتاب الله، وتعقلوه، وتدبروه، وعملوا به، ودرسوا السنة وعظموها، وانقادوا لها، وساروا على ضوئها في حياتهم؛ فإن في دراسة ذلك ما يعين على الأخذ بها، والتمسك بها مع كتاب الله عزَّ وجلَّ، وفي الإعراض والغفلة عن ذلك ما يسبب الهلاك والوقوع في حبائل ومكائد الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

الأسئلة

الأسئلة

كيفية التعريف باللقطة

كيفية التعريف باللقطة Q سماحة الشيخ! إني عثرتُ على ساعة منذ شهر ونصف، وأعلنت عنها في مكانها في نفس اليوم، ومن ذلك الوقت لم يراجعني أي شخص، وعلى أن قيمتها (250) ريالاً تقريباً، فماذا أفعل بها؟ وجزاكم الله خيراً. A عليه أن يعرِّفها سنة كاملة في مجامع الناس، في الشهر مرتين، أو ثلاث، أو أربع: من له الساعة؟ من له الساعة؟ فإذا وجد من يصفها بصفتها الخاصة الدقيقة أعطاه إياها. وإن مضت السنة ولم يعرفها أحد فهي له، كسائر ماله، فإن جاء بعد ذلك من يعرفها ولو بعد سنتين أو ثلاث أو أكثر، أعطاه إياها.

حكم مصافحة الرجل بنت عمه أو بنت خاله

حكم مصافحة الرجل بنت عمه أو بنت خاله Q إن والدي كبير السن، وله ابنة عم، وتسلم على رأسه تقديراً، فهل يجوز لها التسليم؟ A هذا يسأل عن ابنة عمه التي تسلم على والده؛ تقبِّل رأسه، وبعضهن يصافحن، وبعضهن يقبلن الفم، بنات العم، وبنات الخال في كثير من الناس، ولا سيما عند بعض البادية وبعض القرى الجنوبية وغيرها، وهذا لا شك أنه لا يصلح ولا يجوز؛ لأن ابن العم وبنت العم وبنت الخال وبنت الخالة ليسوا محارماً، بل يجوز لابن العم أن ينكح بنت عمه، وبنت خاله، وبنت خالته وبنت عمته، وليس لها أن تقبل رأسه، ولا يده، ولا جبهته، ولا أنفه، ولا تصافحه، بل السلام من بعيد، من دون تقبيل، لا للرأس، ولا لليد، ولا المصافحة، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء، ويقول: (إني لا أصافح النساء) . وقالت عائشة رضي الله عنها: [ما مست يدُه يدَ امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام] . وما يُروى في بعض الأحاديث أن المرأة كانت تقدم يدها للرسول صلى الله عليه وسلم وتبايعه، كلها أحاديث ضعيفة، لا صحة لها عن النبي عليه الصلاة والسلام. فالمرأة الأجنبية وإن كانت ابنة عم لا تقبل ابن عمها، ولو قدم من سفر، لا تقبل رأسه ولا أنفه، ولا جبهته؛ لأنها قد تقبله، وتكون معها روائح فتفتنه. المقصود: أنه ليس من الْمشروع، وليس من الجائز التقبيل للأجنبي، لا لرأسه، ولا جبهته، ولا أنفه، ولا يده، بل ولا تصافحه أيضاً، بل يكون بالكلام: التحية بالكلام، السلام عليكم، كيف حالكَ يا فلان؟ كيف حالكِ يا فلانة؟ وما أشبه ذلك من الكلام الطيب.

حال حديث: (ما رفع المسلم منزله فوق سبعة أذرع)

حال حديث: (ما رفع المسلم منزله فوق سبعة أذرع) Q ما صحة الحديث: [ما رفع المسلم منزله فوق سبعة أذرع إلا قيل له: إلى أين تذهب يا فاجر؟!] . A هذا ليس له أصل، ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا من قول بعض السلف، وليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أتى به. إنما جاء إخبار النبي عليه الصلاة والسلام أن من أشراط الساعة: (التطاول في البنيان) هذا الذي جاء في أشراط الساعة، التطاول في البنيان من أشراط الساعة ولكن ليس فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن من أشراطها: (أن تلد الأمة ربتها) هذا من أشراطها، ويجوز التسري، وللسيد أن ينكح جاريته ويطأها وتلد منه، وهذا واقع من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جملة ذلك: مارية، فإنها جارية، وقد تسراها النبي صلى الله عليه وسلم، وولدت له ابنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالتسري كثرته من أشراط الساعة، وليس بحرام، ولقد وقع من ذلك الشيء الكثير من التسري من الأمراء والأغنياء وغيرهم، زمن كثرة الأرقاء وقيام الجهاد.

حكم اللحوم المستوردة من الخارج

حكم اللحوم المستوردة من الخارج Q ما حكم اللحوم المستوردة من الخارج وخاصة الدجاج؛ حيث يكتب عليه: مذبوح على الطريقة الإسلامية، مع ذكر أهل الكتاب؟ A كذلك اللحوم المصبغة التي تأتي من الخارج فيها تفصيل أما ما يرد من بلاد أهل الكتاب من النصارى أو اليهود، فهذا أصله الحل؛ لأن الله أباح لنا طعامهم، وجعل نساءهم المحصنات وطعامهم حلاً لنا. فما ورد من بلاد النصارى ك الدانمرك، وفرنسا، وإنجلترا، وهولندا، وأشباه ذلك، فالأصل فيه حله لنا، إلا إذا علمنا أن هذا الدجاج أو هذا البقر من مجزرة تذبح ذبحاً غير شرعي، إذا علمنا ذلك يقيناً حرُم علينا ذلك الشيء المعين، أو علمنا أن هذه الذبيحة ذُبحت على غير الوجه الشرعي بالخنق أو بغير ذلك، حتى ولو كان الذابح مسلماً، إذا ذبحها بغير الشرع، أو خنقها، أو ضربها بمثقِّل حتى ماتت فتصير موقوذة؛ فلا تحل، لا من مسلم ولا من كتابي. أما إذا جاءت مذبوحة ولا نعرف، فالأصل في ذبائحهم الحل لنا، كذبائح أهل الإسلام. وأما من عرفناه من شركة أو جزار معين يذبح الذبح غير الشرعي، فإنا لا نأكل ذبيحته. أما ما يَرِد من بلاد الشيوعيين ك الصين الشعبية، وبلغاريا، وكرواتيا، وألبانيا، وأشباه ذلك، هذه البلاد الشيوعية كفرها أعظم من كفر الوثنيين، فذبائحهم لا تحل، وهكذا البلاد الوثنية، مثل: الهند، واليابان، وكوريا، وأشباهها، هذه كذلك؛ لأن البوذيين لا دين لهم. فالحاصل أن بلاد أهل الكتاب أصلها حل لنا، وما كان في بلاد غيرهم من الوثنيين والشيوعيين، فإن الأصل فيه تحريمه، حتى نعلم أنه ذبحها مسلم أو كتابي، فإذا علمنا ذلك أكلناه. السائل: يا شيخ! ما حكم ما جاء من دول شيوعية؛ ولكن مكتوب عليه: ذُبح على الطريقة الإسلامية؟ الشيخ: ما دام أنَّها بلاد شيوعية فلا ينبغي أن يوثق بذلك؛ لأنهم يكذبون ولا يبالون، حتى نعلم من طريق ثابت، ومن طريق الثقات أن هناك هيئة إسلامية تَذْبح في البلاد الشيوعية، في رومانيا، أو بلغاريا، أو ما أشبهها، إذا علمنا أن هناك مسلمين موحدين قد وُكِل لهم الأمر، وأن هذه تأتي من طريقهم، إذا علمنا ذلك جاز لنا، كما يجوز لنا أن نأكل ذبيحة المسلمين وأهل الكتاب.

أثر رضاع الرجل من زوجة أخيه

أثر رضاع الرجل من زوجة أخيه Q إذا كان أبي رضع من امرأة أخيه لمدة تقارب السنة، فهل يجوز لعيال أبي أن يسلموا على بنات عمي في الوجه؟ وكذلك هل يجوز لعيال عمي أن يسلموا على بنات أبي أم لا يجوز؟ A إذا كان أبو السائل قد رضع من زوجة أخيه فإنه يكون ولداً لأخيه، ويكون أخاً له، ويكون ابناً له من الرضاعة، إذا رضع من زوجة أخيه خمس رضعات أو أكثر، ولو لم تكمل السنة، إذا رضع رضاعاً شرعياً في الحولين خمس رضعات أو أكثر، صار ابناً لأخيه، وصار أولاد أخيه إخوة له، وصار أولاده حينئذٍ أبناء ابن لأخيه من الرضاع، وصار أولاد أخيه أعماماً لأولاده، والبنات عمات لأولاده؛ لأن الرضاع كالنسب، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. السائل: هم أصلاً أولاد أخيه حتى بدون الرضاعة محرمات عليه. الشيخ: فقط أبناؤه. السائل: نعم. الشيخ: أبناؤه، أبناء أخيه أبناؤه. السائل: إذا رضعت ابنتي من امرأة أخرى، هل يحق لي أنا أن آخذ بنات المرأة؟ الشيخ: هذا يسأل: إذا رضعت ابنته من امرأة، فإن المرأة تكون أماً للبنت الرضيعة، إذا رضعت خمس مرات فأكثر، ولا حرج عليه أن ينكح من بنات هذه المرضعة؛ لأنه لا تعلق لها بكونهن أخوات لبنتك، لكن نفس أولاد بنته ليس له ذلك؛ لأنه حينئذ تكون بناته خالات لهم، أختاً لأمهم. أما والد البنت فلا حرج عليه أن يتزوج المرضعة، أو يتزوج بناتها؛ لأنه لا تعلق برضاع بنته منها، كي يمنع تزوجه بها وببناتها اللاتي هن غير بنته.

حكم زكاة الحلي

حكم زكاة الحلي Q هل يجوز زكاة ذهب المرأة التي في يدها، والذي يُستعمل كحلي؟ وإذا كانت لا تملك شيئاً غيره، فهل يجوز أن تبيع منه للزكاة؟ A الحلي الذي عند النساء من الذهب والفضة فيه خلاف بين أهل العلم: إذا كانت تستعمل أو تُعار، فبعض الصحابة ومن بعدهم قالوا: لا زكاة فيها، ويكفي لبسها وإعارتها. وقال آخرون من الصحابة ومن بعدهم: فيها الزكاة؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، ولأحاديث خاصة جاءت في الحلي، منها: حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد امرأة مسكتين من ذهب، -أي: سوارين- فقال: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسوِّرك الله فيهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله) . ولما جاء أيضاً في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: (يا رسول الله، أكنز هذا؟ قال: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز) ولم يقل لها: ليس في الحلي زكاة. والصواب: أن فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، من الذهب والفضة، ولو أنها تستعمل أو تعار، هذا هو الصواب من القولين؛ لأن الله جلَّ وعَلا يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] الآية. وقد رددنا هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدناه يأمر بالزكاة في سعر الذهب والفضة، وليس لنا أن نترك الزكاة إلا بدليل يخص شيئاً من ذلك، ولا دليل في هذه المسألة، بل الدليل يقتضي وجوب الزكاة. أما حديث: (ليس في الحلي زكاة) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم. وأما إذا كان الحلي يعد للنفقة والادخار لحاجات الزمان، لا للبس ولا للعارية، فهذه عند الجميع فيها الزكاة، إنما الخلاف فيما إذا كانت للبس أو العارية. وأما إذا أعدت للتجارة أو للحاجات الأخرى، تدخر حتى تباع في وقت الحاجة، فهذه فيها زكاتها عند الجميع. وكذلك الحلي من الماس، أو من اللآلئ، أو ما أشبه ذلك، هذه لا زكاة فيها، ما تلبسه المرأة أو تعده للبس من اللآلئ والماس والجواهر الأخرى غير الذهب والفضة، هذه لا زكاة فيها. السائل: إذا هي تبيع منه هل تؤدي زكاة؟ الشيخ: نعم. السائل: حتى ولو استهلكته. الشيخ: تؤدي منه وإلا من غيره.

حكم النوم بعد صلاة الصبح

حكم النوم بعد صلاة الصبح Q هل ثبت حديث صحيح في كراهية النوم بعد صلاة الصبح؟ A النوم بعد صلاة الصبح ما نعرف فيه حديثاً صحيحاً يدل على كراهته أو النهي عنه.

حكم الالتحاق بكلية عسكرية تأمر أفرادها بحلق اللحية

حكم الالتحاق بكلية عسكرية تأمر أفرادها بحلق اللحية Q أريد أن ألتحق بكلية عسكرية، وأنا ولله الحمد متمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الكلية من شروطها: حلق اللحية، فهل عليَّ ذنب إذا حلقتها من أجل أن أتابع دراستي؟ A ليس لك أن تحلق لحيتك لأجل الدراسة في الكلية؛ لأن هذا إقدام على معصية الله التي نهاك الرسول عليه الصلاة والسلام عنها وقال: (قصوا الشوارب، وأوفوا اللحى) (أرخوا اللحى) (أعفوا اللحى) فليس لك أن تقدم على هذه المعصية، وفي إمكانك أن تدرس في كليات أخرى ليس فيها هذا الشرط، وفي بلادنا ليس هذا الشرط موجوداً، وسألنا المسئولين فقالوا: لا صحة لهذا، قالوا: إن الطالب لا يؤمر بحلق لحيته، ولا يلزم بذلك، وإنما بعض الناس عنده تساهل، فإن رأى زملاءه يحلقون حلق معهم، وإلا فليس بملزم بهذا في هذه البلاد. أما البلاد الأخرى فلا أعلم ذلك، يُقال عنها: إنها تلزِم، ولا ندري عن صحة الأخبار، وأما هنا فقد سألنا بعض الجهات المختصة في الكليات العسكرية فأجابوا بأنه لا يلزم أحدٌ بحلق لحيته. وإذا كان السائل يعلم أن هذه الكلية تأمر بذلك فنرجو منه أن يكتب لنا بذلك، وأن يعرفنا عن هذه الكلية أين وجودها، في الرياض أو في أي مكان، حتى نتكلم مع المسئولين في ذلك.

حكم لبس ساعات الصليب، وكذا خاتم الفضة في اليد اليمنى

حكم لبس ساعات الصليب، وكذا خاتم الفضة في اليد اليمنى Q ما حكم لبس الساعات المعروفة بالصليب؟ وهل الصليب المعني هو الذي يمثل دائرة بداخلها إشارة (+) في ميناء هذه الساعة؟ وما حكم لبس خاتم الفضة في الخنصر الأيمن، ولو كانت الحاجة لا تدعو إليه؟ A صور وساعات الصليب معروفة عند الناس وليس فيها إشكال، فإذا كانت الساعة فيها الصليب فلا يجوز لبسها؛ لأن هذا من شعار النصارى، وهكذا الملابس، الغُتَر، أو القُمُص، أو المشالح، أو غير ذلك، التي فيها شعار النصارى يجب أن يزال، وهو الصليب، فلا يجوز لبس أي ملبس فيه شعارهم إلا بإزالته أو الطمس عليه وجعل بقعة عليه تطمسه وهكذا ساعات الصليب يجب أن يُطمس الصليب، إما بالحت، وإما بوضع مادة عليه تزيله حتى لا يرى، وسواءً كان في الصلاة أو في غير الصلاة لا يلبسها. وأما وضع الخاتم من الفضة في الإصبع اليمنى أو اليسرى فلا حرج في ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبس الخاتم من الفضة في اليسرى واليمنى جميعاً، في خنصر اليمنى واليسرى، وربما لبسه في هذه وربما لبسه في هذه عليه الصلاة والسلام، فلا حرج في ذلك.

حكم التوكيل في رمي الجمار

حكم التوكيل في رمي الجمار Q حججتُ مع والدتي، وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل دفعنا من مزدلفة إلى منى على أساس أن نرمي جمرة العقبة ولكنني بعد وصولي منى خفت على والدتي من الزحام، فتركتها وذهبت، فرميت جمرة العقبة بعد شروق الشمس، فما الحكم؟ A لا حرج إذا رمى الإنسان جمرة العقبة أو غيرها من الجمار عن أمه أو زوجته؛ لأنها لا تستطيع الرمي بسبب الزحام، إذا وكَّلته في ذلك فلا حرج عليه، يرمي عن نفسه وعن موكله في موقف واحد عند كل جمرة، ولا حرج في ذلك؛ لأنه لا ينبغي المخاطرة بالنفس في مثل هذه الأمور، ويكفي التوكيل، والنساء من شأنهن الضعف في رمي الجمار وأشباهها في الزحامات التي مع الرجال، فإذا وكلت المرأة من يرمي عنها، ولا سيما كبيرة السن، والضعيفة، ومن ليس عندها قوة في مثل هذا الأمر، أو تشكو مرضاً، أو حُبلى، أو معها طفل ليس عندها من يصونه ويحفظه حتى ترجع، كل هؤلاء ينبغي لهن أن يوكلن حتى لا يخاطرن بأنفسهن ولا بأطفالهن، والوكيل يقوم مقامهن في الرمي عن نفسه وعن موكلاته، كما يوكل الشيخ الكبير والمريض، وكما يرمي الإنسان عن أطفاله الذين معه وصبيانه إن حج بهم؛ لأنهم لا يستطيعون الزحام في رمي الجمار.

حكم التسمية في الوضوء داخل الحمام

حكم التسمية في الوضوء داخل الحمام Q إذا أراد الإنسان الوضوء في حمام وهو مخصص لقضاء الحاجة، فهل يذكر اسم الله في هذا المجال جهراً أم سراً، أم لا يجوز ذكر اسم الله في حالة الوضوء في الحمامات؟ A إذا دعت الحاجة إلى الوضوء في الحمامات فلا بأس أن يسمي الله؛ لأن التسمية واجبة عند جمع من أهل العلم، فلا يُترك الواجب لشيء مكروه، إذا جاء الواجب زالت الكراهة، فإذا كان في حمام فيه مغسلة ولا يتيسر له الوضوء خارج الحمام، سمَّى عند بدء الوضوء وقال: باسم الله، وبدأ الوضوء، ولا يضره ذلك. أما إذا كان بإمكانه الخروج فله الخروج، ويُسمي خارجاً إذا كان هناك مغسلة خارجية، يغسل ويتوضأ فيها. أما الشهادة بعد الوضوء فالأولى والسنة أن يؤخرها حتى يخرج، إذا فرغ من وضوئه يخرج ويتشهد خارج الحمام الذي يقضي فيه الحاجة، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من عبد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء) -وفي رواية أخرى: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) فهذه سنة بعد الوضوء. فإذا كنت في الحمام فتخرج وتأتي بهذا الذكر بعد الخروج من الحمام، هكذا في السنة. أما عند بدء الوضوء فلا بأس أن تقول: باسم الله، عند البدء ولو في الحمام؛ لأنك مأمور بالتسمية عند بدء الوضوء.

حكم الأدعية عند كل عضو أثناء الوضوء

حكم الأدعية عند كل عضو أثناء الوضوء Q بمناسبة الوضوء كثير من الناس يأتي بأدعية لا ندري عنها، عند كل عضو من الأعضاء، يأتي بدعاء فما حكمها؟ A هذا يسأل عما يفعله بعض الناس عند كل عضو من أعضاء الوضوء، يدعو بدعوات، هل هذا مسنون؟ وذلك أن بعضهم يقول عن غسل الوجه: اللهم بيِّض وجهي يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه. وبعضهم يقول عند غسل اليدين: اللهم أعطني كتابي بيميني، ولا تعطني بشمالي. وبعضهم يقول عند مسح الرأس: اللهم أظلني تحت ظل عرشك، يوم لا ظل إلا ظلك. وبعضهم يقول عند غسل القدمين: اللهم ثبت قدمي عند الصراط. وهذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء.

حكم استقدام العمال وأخذ نسبة منهم كل شهر

حكم استقدام العمال وأخذ نسبة منهم كل شهر Q هناك بعض المؤسسات تستقدم عمالاً على حسابها، ثم تتركهم يعملون بحرية، ثم تأخذ منهم نسبة معينة، فهل هذا حلال؟ A هذا يسأل عما يفعله بعض الناس من استقبال العمال، ويدخلهم تحت كفالته، ويأخذ منهم شيئاً من النسبة المعروفة كالثلث، بكسبهم أو بغير كسبهم، أو ما أشبه ذلك، وهذا قد كثر السؤال عنه، ولم يتضح لنا حِل هذا الشيء، ولا تزال هذه تحت البحث، وإن شاء الله يصدر فيها جواب، ولعله أن يكون قريباً، فإن الظاهر من كلام العلماء أن هذا ممنوع، وأنه لا يجوز، هذا معروف من كلام أهل العلم؛ لأن معناه: أنه أخذ عوضاً عن كفالته لهم، وعن ضمانه لهم، والأصل عند العلماء أن أخذ العوض عن الكفالة والضمان ممنوع، هذا معروف عند أهل العلم. ولكن لا نزال ننظر في الموضوع، ونلتمس الأمر الواضح الذي لا شك فيه في تحريم هذا الشي، أو في حل هذا الشيء، أما الآن فالأظهر والأشهر منعه وعدم حله، ولكن من غير قطع؛ لأنه إلى الآن محل الدراسة ومحل النظر. أما إذا استقدمه بمعاشٍ معلوم على حسابه، كل واحد له معاش معلوم، سواءًَ عنده أو عند غيره، فهذا لا بأس به؛ لأنه قد ملك منافعه، إذا استقدمه من مصر أو من سوريا أو غير ذلك، كل واحد له كذا من الدراهم معلومة، خمسمائة أو ألف كل شهر، ثم صرفهم في الناس كي يعملوا عندهم، بمعاش معلوم له، ويعطيهم معاشهم، ويستعملهم عند الناس بمعاش آخر أقل أو أكثر، فلا حرج في ذلك، حسب الشروط التي بينه وبينهم حتى تنتهي المدة، ولا بد أن يكون في جنس العمل التي تمت المعاقدة عليه، أو في عمل يرضون به، لا يُكرهون عليه، لا يلزمهم إلا العمل إن تم الاتفاق عليه، أو ما يجانسه ويقاربه، ولا يزيد عليه.

حكم استقدام الكفار والذين لا يصلون إلى جزيرة العرب

حكم استقدام الكفار والذين لا يُصلون إلى جزيرة العرب Q بعض العمال لا يصلي، فهل يجوز استقدامهم؟ A لا ينبغي استخدام الكفار لا من النصارى ولا من لا يصلي، بل ينبغي الاستغناء عنهم بالمسلمين؛ لأن هذه الجزيرة حرم الله جلَّ وعَلا أن يكون فيها دينان، يجب ألا يكون فيها إلا دين الإسلام فقط، لكن يجوز استخدام الكافر بصفة مؤقتة عند الحاجة إليه، كما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر عند الحاجة إليهم بسبب شغل المسلمين بالجهاد، وكما استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط المشرك ليدله على طريق المدينة. فالمقصود أنه إذا كان هناك حاجة فلا بأس باستقدام الكافر بصفة مؤقتة، ثم يرجع إلى بلاده. فإذا كان الأمر هكذا؛ فينبغي للمؤمن ألا يستخدم أحداً من الكفرة، ومن لا يصلي؛ لأنه كافر والعياذ بالله! قال النبي عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) . وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) . وقال عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت: (قال عبادة: بايعنا الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، قال: إلا إن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وفي رواية: لما سأله عن قتالهم قال له: (ما أقاموا فيكم الصلاة ... ) فدل ذلك على أن الذين لا يقيمون الصلاة قد كفروا كفراً بواحاً -والعياذ بالله-! فلا يجوز للمؤمن أن يستقدم نصرانياً، أو شيوعياً، أو وثنياً، أو من لا يصلي، من أجل حاجاته الدنيوية التي يمكن أن يستغني عنهم بأناسٍ مسلمين، فإن ذلك هو الواجب، وعلى الأقل هو الذي ينبغي، وطريق الاحتياط إن لم يكن واجباً فإنه متأكِّد، واستقدامهم إما محرم، وإما مكروه، ولا سيما إذا طالت المدة، بخلاف المدة القليلة التي يُستقدمون فيها ثم يرجعون. فينبغي للدولة وللمسلمين جميعاً أن يلاحظوا هذا، وألا يُستقدم من الكفرة إلا من تبدو لهم ضرورة بصفة مؤقتة؛ لأن هذه الجزيرة هي مهد الإسلام، وهي منبع الإسلام، ولا يكون فيها دينان. السائل: وبالنسبة لغير الجزيرة فهل يجوز؟ الشيخ: أما مثل الشام والعراق فلا بأس باستقدام الكفرة، ولا بأس باستعمالهم فيها؛ لأنها مشتركة بين المسلمين وغيرهم لكن بشرط أن يكونوا تحت السيطرة، ولا يكون منهم ضرر، فإذا كان استقدامهم يضر بالمسلمين في أي بلد كان فلا يستقدموا فيه، إذا كان يضر المسلمين، أما إذا استقدموهم في الأجرة، ومع مراعاتهم، ومع منع شرهم، ومنع عدم ظهور شعائرهم الخبيثة، فلا بأس بذلك إذا استقدموا في غير الجزيرة. السائل: وتأجيرهم البيوت، وربما يشربون فيها الخمر، أو يلعبون فيها. الشيخ: في غير الجزيرة لا بأس، وذنبهم عليهم. السائل: ولو شربوا الخمر. الشيخ: ولو شربوا الخمر في بيوتهم، لا يكره الناس غير المسلمين.

حكم أخذ المال بغير رضا صاحبه

حكم أخذ المال بغير رضا صاحبه Q نحن سكان قرية نتسلم من الضمان الاجتماعي، ولنا شيخ قبيلة عمدة، يأخذ من هذا الراتب بحجة أنه يتعب معنا، فهل المال الذي يأخذه حلال؟ A هذا الشيخ إذا كان يأخذ القسط من المال برضى العادات التي رتبت لهم من جهة الحكومة فلا بأس، وإلا فليس له أن يأخذ بغير رضاهم؛ لأنه مكلف في هذه الدولة أن يبلغ هذه الأموال إلى أهلها، وشيخ القبيلة كالأمير، أن يبلغ المسلمين حاجاتهم، وأن يكون واسطة بينهم وبين ولي الأمر، فليس له أن يأخذ من معاشاتهم وما تعطيهم الدولة من الضمان الاجتماعي وغيره، ليس له أن يأخذ شيئاًَ من ذلك، بل عليه بحكم وظيفته أن يوصل المال إلى مستحقه، وألا يأخذ شيئاً أبداً إلا برضاهم، فإذا رضوا وقالوا: لك كذا وكذا من المائة [5] ، أو من المائة [3] إذا رضوا بذلك، فهذه أجرة له برضاهم، فلا بأس. السائل: له أجرة من الدولة، له راتب. الشيخ: المقصود سواء له أجرة أو ليس أجرة، ليس له أجرة إلا برضاهم حتى ولو كان فقيراً.

حكم صلاة أكثر من فرض بوضوء واحد

حكم صلاة أكثر من فرض بوضوء واحد Q هل يجوز أن أصلي صلاتين بوضوء واحد؟ A يجوز أن يصلي الإنسان صلاتين وثلاثاً وأربعاً وخمساً بوضوء واحد، والحمد لله، ما دام على الطهارة فله أن يصلي، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم عدة صلوات بوضوء واحد، عليه الصلاة والسلام.

مشروعية سجود السهو لصلاة النافلة

مشروعية سجود السهو لصلاة النافلة Q هل سجود السهو مشروع في صلاة النفل والرواتب الست؟ A سجود السهو مشروع في جميع الصلوات نافلة أو فريضة، إذا سها في الفريضة أو في النافلة سجد سجود السهو، أما الفريضة فأمر واضح وهكذا في النافلة، لو سلم قبل أن يقرأ التحيات ساهياً ثم ذكر، فيعود فيقرأ التحيات ويسجد السهو، كذلك لو نوى تَنَفُّل ركعتين كالراتبة، ثم جلس في الأولى منها يحسب أنه انتهى، ثم ذكر وقام، فيجلس كمن يصلي ويسجد سجود السهو، أو نسي الركوع، سجد ثم انتبه، يعود فيأتي بالركوع ثم يسجد، ثم إذا انتهت الصلاة يسجد للسهو.

حكم بيع التورق

حكم بيع التورق Q نرجو بيان مسألة التورُّق؛ لأنها وضعت في المناهج الفقهية، مع أن ظاهرها ربا؟ A التورُّق مسألة معروفة، ويسميها العامة (الوِعْدَة) وهو: أن يشتري مالاً من تاجر أو غيره، لا يقصد استعماله وأكله إن كان طعاماً، وإنما يشتريه ليبيعه، ويأخذ نقوده لحاجته إلى الزواج، أو إلى قضاء دين، أو إلى شراء مسكن، أو سيارة، أو ما أشبه ذلك، هذا هو التورق وهو (الوِعْدَة) يذهب إليه يريد العون، فيقول: بِعْنِي مائة طاقة، ومائة كيس سكر، أو سيارة، بِعْنِي إياها إلى أجل معلوم، وقصده من هذا الشراء أن يبيع هذا المبيع في مكان آخر، فيأخذ دراهمه وينتفع بها، فيأخذ السيارة مثلاً، ثم يبيعها في المعرض، ويأخذ دراهمها ليتزوج، أو ليشتري عقاراً، أو ليقضي ديناً، أو ما أشبه ذلك، وهكذا حكم الأكياس التي اشتراها إلى أجل، فيبيعها في أي مكان، ثم يأخذ الثمن، فيَقضي حاجته من زواج أو غيره. هذه مسألة التورق، ويسميها بعض الناس (الوِعْدَة) وهي جائزة في أصح قولي العلماء، أي: المداينة جائزة، وبيع الآجل جائز، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، وهو داخل في قول الله جلَّ وعَلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] . فهي مداينة إلى أجل، بيع إلى أجل، أما كون المشتري يستعمل ذلك أو يبيعه فلا يضر ذلك، المشتري إذا اشترى المال له التصرف فيه، إن شاء باعه، وإن شاء أبقاه إلى وقت آخر، وإن شاء استعمله إذا كان يستعمل، وإن شاء أكله إذا كان يؤكل، هذا إليه، ولا حرج فيه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل الله في كتابه أن على المشتري أن يستأنف الشراء، والتجار يشترون إلى آجال، ويبيعون، ويتصرفون، ويطلبون الربح، وهو تاجر ببضاعتة بالأموال الجزيلة إلى آجال، ثم يتصرف بها ويبيع يطلب الربح، وهكذا صاحب الوِعْدَة وصاحب التورق، يشتري السلعة الكبيرة بالثمن الكبير، ليوفي ديناً أشغله أهله، أو ليتزوج، أو ليشتري بيت سكن له، أو ما أشبه ذلك، ويسدد هذا الثمن على أقساط مما يرزقه الله عزَّ وجلَّ، ففيها سعة للمشتري، وفيها مصلحة للبائع البائع يستفيد من هذا الأجل ما يُعطاه من الزيادة في الثمن، والمشتري ينتفع بهذه السلعة حتى يتوسع بها في زواجه، أو قضاء دينه، أو شراء سكن له، أو نحو ذلك. هذا هو الصواب الذي نفتي به، وهو الحق جاء بالدليل. وهناك مسألة أخرى تسمى: العينة، هي غير التورق، يقال لها: العِينة، وهي من جنس التورق؛ لأنها شراء إلى أجل ولكنها تخالفها؛ لأن المشتري يردها على بائعها بثمن ممقوت، هذا هو الوجه المخالف، فبيع العِينة ممنوع؛ لأنه من الربا، وصفة ذلك: أن تشتري سلعة من إنسان إلى أجل معلوم، مثل أن تشتري سيارة من إنسان بثلاثين ألفاًَ إلى أجل معلوم سنة أو سنتين، أو أقساط، ثم بعد أخذ السيارة التي اشتريتها بثلاثين ألفاً تردها عليه بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً نقداً، تسلمها له، فهذه معناها: حيلة، السيارة حيلة، والحقيقة: أنه أعطاك خمسةً وعشرين ألفاً بثلاثين ألفاً إلى أجل، وباعها نقوداً بنقود ولكن السيارة جعلت واسطة هذا هو الممنوع، وهكذا كأن تشتري الطوائق أو أكياس أرز أو سكر إلى أجل معلوم، ثم تبيعها عليه بأقل من المال الذي اشتريتها به نقداً، هذه هي العينة، وهي ممنوعة. أما إذا بعتها على غيره فلا بأس، إذا أخذت السيارة أو الأكياس من هذا التاجر الذي باعك إياها إلى أجل معلوم، ثم بعتها على غيره بما يشاء الله، كان هذا هو التورُّق إذا كنت أردت المال والثمن. فينبغي العلم بالفرق بين الصفتين، فهذه جائزة وهذه ممنوعة، العينة ممنوعة عند جمهور أهل العلم؛ لأنها وسيلة للربا، ولأنها جُعلت فيها السلعة ذريعة للربا، ووسيلة إلى استحلال ما حرم الله، أما التورق فهي مسألة حصلت للتوسع من المشتري في أداء واجباته التي عليه، وفي قضاء حاجاته من زواج وغيره، أو مصلحة ظاهرة للجميع ضد الربا، وضد الضرر. فليس كل واحد يجد من يقرضه حتى يقضي حاجته، أو حتى يتزوج، ليس كل واحد منا يجب أن يقرضه أو يعطيه أموالاً يتزوج بها، أو يقضي بها دينه، أو يشتري بها مسكناً، أو نحو ذلك؛ فلهذا يحتاج المسلم في بعض الأحيان إلى بيع التورُّق، وشراء السلعة إلى أجل معلوم، ثم يبيعها بالنقد على غير من باع عليه، ويتوسع بالنقد، هذه هي مسألة التورُّق.

حكم الأكل مع العمال الذين لا يصلون

حكم الأكل مع العمال الذين لا يصلون Q يا شيخ! أنا أشتغل، فإذا اشتغلتُ مع واحد ومعه عامل لا يصلي، وعرفتُ أنه لا يصلي فهل يجوز لي إذا جيء بالطعام أن آكل معه أم لا؟ A لا بأس أن يأكل معهم؛ لأن هذا عارض، وليس من دلائل الصحبة، ولا مصادقة، بل هذا من العوارض. فإذا أكل معه عارضاً، وهو يبغضه في الله، وينصحه لله، ويدعوه إلى الله، ويعلمه فيه، فلا حرج عليه؛ بل إنه يستغل الفرصة في نصيحتهم ودعوتهم إلى الله عزَّ وجلَّ.

واجب المسلمين تجاه الكهان والتحذير منهم

واجب المسلمين تجاه الكهان والتحذير منهم Q نحن شبان القرية، ويوجد لدينا كاهن منذ عشر سنوات تقريباً، وطالبنا أهل البلد القرية بالإعراض عنه، أو التبليغ عنه لدى المحكمة فرفضوا، وحجتهم أنه طبيب يعالج المسحورين مثلاً، وكذلك المصابين بالجن، نرجو إرشادنا إلى الطريق الأصوب في ذلك. A إذا كنتَ تعرف أن هذا كاهن فلا تنتظر أن يبلغوا، بلِّغ أنت الحاكم، أو القاضي أو الأمير الذي عندكم، واستعن بالله ثم بالأخيار الذين عندكم، يساعدونك حتى يبلغوا معك، ولا يمكن أن تكون البلاد كلها أشرار، كلهم متفقون على موالاة الكاهن، استعن بالله ثم بالأخيار منهم وبلغوا عنه، حتى يؤدب أو يُنهى من هذا الفعل، من أن يدعي علم الغيب، ومعالجته للمرضى، هذا يؤدب، فإن تاب وإلا وجب قتله؛ لأن السحر كفر بالله جلَّ وعَلا.

حكم من أدى العمرة في أشهر الحج ثم سافر مسافة قصر ثم حج مفردا

حكم من أدى العمرة في أشهر الحج ثم سافر مسافة قصر ثم حج مفرداً Q بعض الناس يؤدون العمرة في شوال ثم يذهبون إلى المدينة للزيارة، وبعد ذلك ينوون الحج مفردين ولا يهدون، فما حكم هذا؟ A هذا يقع كثيراً، بعض الناس من الشام، أو من مصر، أو من أفريقيا، أو من نجد، أو من غير ذلك، يؤدون العمرة في شوال، أو في أول ذي القعدة، أو في أثناء ذي القعدة، فإذا فرغوا من العمرة توجهوا إلى المدينة للزيارة، أو إلى الطائف، أو إلى جدة، أو غير ذلك، يريدون الحج والعمرة جميعاً. فذهب بعض أهل العلم إلى أن من سافر للعمرة مسافة قصر ثم أراد الحج من الميقات الذي يمر عليه، فإنه يكون بهذا قد نقض تمتعه، ويسقط عنه الدم؛ لأن السفر الذي تجاوز به مسافة قصر كذهابه إلى منى وإلى الطائف ونحو ذلك، ورُوي أنه لا ينقض متعته بذلك ما دام جاء للحج، ولكنه استغل الفرصة، وذهب إلى المدينة؛ لأن الوقت فيه سعة، أو إلى الطائف يسكن فيها ويزور فيها أصحاباً له، وقالوا: هذا لا يسقط عنه الدم، بل هو متمتع، وإن ذهب إلى المدينة ورجع بحج مفرد، أو إلى الطائف وجاء إلى الحج لا يسقط عنه الدم، وهذا القول أظهر وأقرب إلى الصواب. فينبغي لمثل هذا أن يهدي وألا يترخص برخص السفر؛ لأنه متمتع، وتعمه الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] وإن تمتع بالعمرة وحل منها، وسافر وأتى أهله فهو متمتع، فينبغي له أن يُهدي، بخلاف الذي رجع إلى بلاده وأقام فيها بنية الحج المفرد، فهذا عند عامة أهل العلم على أنه لا هدي عليه، يأتي إنسان من الشام أو من الرياض عمرة في شوال أو ذي القعدة، ثم رجع إلى بلاده وأقام فيها، ثم جاء بحج مفرد وقت الحج، هذا قول جمهور أهل العلم وأكثرهم على أنه لا هدي عليه؛ لأنه جاء بحج مفرد. وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عليه الهدي ولو رجع إلى بلاده، لكن المعروف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن من ذهب إلى بلاده ثم رجع بحج مفرد لا شيء عليه، وبه قال أكثر أهل العلم، فهذا لا شيء عليه، وإن أهدى تطوعاً أو احتياطاً فحسن.

حكم صبغ اللحية بالسواد، وصفة الجرب الذي يمسح عليه

حكم صبغ اللحية بالسواد، وصفة الجرب الذي يمسح عليه Q ما صحة الحديث في صبغ اللحية بالسواد؟ وما هي صفة الجورب التي يجوز المسح عليها؟ A السنة للمسلم تغيير الشيب، لا يدعه أبيض، يغيره بالصفرة والحمرة، أو بالحمرة والسواد مختلطَين، حتى لا يكون سواداً خالصاً مثل الحناء والكتم، هذا هو السنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير شيبه وهكذا الخلفاء، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يغيرون الشيب بما تيسر من الحناء والزعفران، ونحو ذلك. أما تغيير الشيب إلى السواد الخالص فهذا لا يجوز؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه أمر بتغيير الشيب، وأمر بتجنيبه السواد، ولما رأى والد الصديق رضي الله تعالى عنهما، وهو عثمان بن عامر التيمي، وهو مشهور بـ أبي قحافة، لما رأى رأسه ولحيته قد امتلأت بياضاً قال: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد) أمر أبا بكر أن يغير شيب أبيه، وأن يجنبه السواد، فدل ذلك على أن السنة تغيير الشيب، ولكن لا بالسواد الخالص، بل بغير السواد. وفي المسند وسنن أبي داود بإسناد جيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد يدل على تحريم صبغ الرأس بالسواد الخالص؛ أي: كله، ليس فيه خلط أحمر ولا أصفر ولا غيره، سواد كالح، هذا ممنوع. أما إذا كان مخلوطاً بالحمرة، بالحناء، أو بما يجعله بين السواد والحمرة، فلا بأس. أما المسح على الجورب فلا بأس به، والخف من الجلد، والجورب يكون من القطن أو الصوف أو الشعر إذا كان ساتراً، ولبسه على طهارة، فإنه يمسح عليه، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الجوربين والنعلين، وثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يمسحون على الجوارب؛ ولأنها من جنس ما يستر القدم، وتقيه البرودة، وتقيه الشوك ونحوه، فلا بأس بذلك.

حكم المبيت الليلة الثالثة بمنى أيام التشريق

حكم المبيت الليلة الثالثة بمنى أيام التشريق Q نرجو بيان حكم ما يلي: المبيت الليلة الثالثة بـ منى؟ A المبيت ليس بلازم، من شاء بات ومن شاء نَفَرَ قبل غروب الشمس؛ لأن الله قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] واليومان: يوم الحادي عشر، والثاني عشر، ويوم العيد لا يُعد منها، يوم العيد يظن بعض العامة أنه يُعد، لكنه لا يُعد منها، اليومان: الحادي عشر، والثاني عشر، هذا هو التعجُّل، وإذا شاء أن يجلس للثالث عشر، ولا يلزمه المبيت في ليلة الثالث عشر، لكن إذا غابت عليه الشمس وهو في منى فيلزمه أن يبيت ويبقى حتى تطلع الشمس من اليوم الثالث عشر، فيرمي ثم ينفر بعد ذلك، ثم ينتهي الرجم بعد الثالث عشر، لو بقي في منى بعد ذلك في الرابع عشر فلا يرمي؛ لأن الرمي انتهى في الثالث عشر، إذا رمى بعد الزوال في الثالث عشر تم له الرمي؛ لأنه لم يتعجل، كما أفتى بهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه، ويبقى في الثاني عشر والثالث عشر، ثم يرمي الجمرات الثلاث، ثم ينفر إذا شاء.

حكم التسبيح باليمنى فقط

حكم التسبيح باليمنى فقط Q ما حكم الأذكار باليد اليمنى فقط دون اليسرى؟ A حكم الأذكار باليمنى هو أفضل؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح بيمينه، وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله يعجبه التيمُّن، في تنعله، وطهوره، وترجله، وفي شأنه كله) . فكونه يعد الأذكار باليمين أفضل، وإن عدَّها بالشمال فلا حرج، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك؛ لكن باليُمنى أفضل السائل: هل يكون التيمن في اللبس والخلع سواء؟ الشيخ: عند اللبس تلبس اليمنى قبل اليسرى، وعند الخلع تخلع اليسرى قبل اليمنى، وهكذا تفعل في السراويل، والقميص، تبدأ بالكم الأيمن قبل الأيسر في اللبس، وتبدأ بالأيسر في الخلع، أما النعلان والخفان والملابس التي لها كمان، ففي اللبس تبدأ باليمين، والخلاء تبدأ باليسار، هكذا السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. السؤال: ما حال الأحاديث التي ترد في فضل التسبيح باليمين؟ الجواب: نعم. قد رواها الترمذي وأبو داود وغيرهم ولا بأس بذلك، وهو الأفضل.

راتبة العشاء

راتبة العشاء Q ما هي فضيلة أربع ركعات بعد العشاء؟ A الراتبة ركعتان، وإن صلى أربع ركعات فلا بأس، فقد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً قبل أن ينام) وإذا فعلها الإنسان فلا بأس، وإن اقتصر على ركعتين فهي الراتبة، والراتبة التي كان يحافظ عليها: بعد العشاء ركعتان، ثم ينام، ويقوم في آخر الليل يتهجد عليه الصلاة والسلام.

كيفية الدعوة في البلاد الأجنبية

كيفية الدعوة في البلاد الأجنبية Q كيف يقوم المسلم بالدعوة في البلاد الأجنبية؟ A يقوم بالدعوة بالتجول في المواضع التي يستطيع التجول فيها، بلغة القوم، أو بمترجمين يترجمون له بلغتهم، فيدعوهم، فإن كان القوم وثنيين أو نصارى أو يهود دعاهم إلى الإسلام، وبيَّن لهم دين الإسلام بالأسلوب الحسن، بالأسلوب اللين الواضح، ويبين لهم أن دينهم الذي هو اليهودية أو النصرانية منسوخ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث للناس عامة، وأن الواجب على أهل الأرض جميعهم اتباعه، والانتهاج بشريعته، وأن من مات على اليهودية أو النصرانية فقد مات على غير الإسلام، فيكون من أهل النار، يبين لهم هذا بالأسلوب الواضح وباللغة الواضحة التي يعرفونها؛ ولكن بالحكمة والكلام الطيب وعدم العنف، ويبين لهم ما لهم عند الله من الخير العظيم، وأن هذا الإسلام هو الدين الحق، وديننا ليس يوجد دين سواه، ويبين له بطلان الأديان الأخرى ببعث محمد عليه الصلاة والسلام، وأن شريعته عامة للناس، وأن جميع الشرائع قد نسخت كلها، وهكذا إذا كان في بلاد أخرى مسلمة، وقد شاع بينهم الخمر، والربا، وغير ذلك، أن يبين لهم ما شاع بينهم، وأنه باطل ومحرم ومنكر، بالوسائل الناجعة الجيدة، ويقيم الأدلة من الآيات والأحاديث، ويُرغِّبه في الحق، ويحذره من البقاء على المعاصي، وأن بقاءه عليها من أسباب دخول النار، ومن أسباب مرض القلوب، والانحراف عن الهدى، والزيغ، إلى غير ذلك، وهو يستعمل الأسلوب الناجع مع بيان الأدلة من القرآن والسنة، مع العناية بالترجمة إذا كان المدعو غير عربي، أو كان من العرب وهو غير عربي، فيستعين بالترجمة.

حكم أخذ المال الزائد عن العوض

حكم أخذ المال الزائد عن العوض Q تسببت إحدى الشركات في تلف سيارتي، ودفعوا لي مبلغ ألف وثمانمائة ريال، وذهبتُ فأصلحتها بألف وثلاثمائة، فهل تحل لي الخمسمائة الباقية؟ A لا حرج في ذلك، إذا أعطوه ما يرضيه ألفاً وثمانمائة وما أشبه ذلك، وأصلح الخراب بأقل فلا حرج عليه في الزائد؛ لأنهم أعطوه برضاهم. أما إذا قالوا له: أصلحها، ورد علينا الزائد، فيصلحها ويرد عليهم الزائد. أما إذا أعطوه إياها طيبة من أنفسهم من غير محاكمة ولا غير ذلك، إذا أعطوه طيبة من أنفسهم له، فهو يصلحها بما شاء، أو يأخذها ولا يصلح السيارة.

حكم إقامة صلاة جماعة ثانية في المسجد

حكم إقامة صلاة جماعة ثانية في المسجد Q ما حكم أداء جماعة ثانية لفرض من الفروض في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب؟ A إذا جاء الإنسان وقد صلى الناس ووجد جماعة، فإن السنة أن يصلي جماعة، ولا يصلي فرداً، يصلي جماعة، لأن الجماعة مطلوبة، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث على الجماعة، بغير تقييد للجماعة الأولى، بل عمَّم عليه الصلاة والسلام وأطلق حتى قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين ودرجة) -وفي لفظ آخر: (بخمس وعشرين ضعفاً) - فهذا يدل على العموم. وهكذا حديث أبي بن كعب: (صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع الرجل، وكلما أكثر فهو أحب إلى الله عزَّ وجلَّ) . وهكذا حديث الذي دخل والناس قد صلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الحاضرين: (من يتصدق على هذا ويصلي معه) فقام بعض الصحابة وصلى معه جماعة. وثبت عن بعض الصحابة ك أنس رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان إذا أتى المسجد وقد صلوا صلى بأصحابه جماعة. ورُوي عن بعض السلف أن الأفضل أن يصلي وحده، ويرجع إلى بيته ويستحي، ولكن هذا قول ضعيف، والراجح والأقرب والصواب أنه يصلي مع الجماعة إذا تيسر في المسجد أو في غيره، حسب التيسير، هذا هو الصواب والصحيح من القولين، أن الأولى والذي ينبغي أنه إذا أدرك جماعة يصلي معهم؛ اغتناماً لفضل الجماعة، وعملاً بالحديث الصحيح في ذلك، وعملاً بالآثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وأما قول من قال: إنه يصلي وحده فرداً، ويصلون أفراداً، فهذا قول ضعيف لا وجه له، ولا ينبغي أن يعوَّل عليه.

حكم الحنث في اليمين وتكراره

حكم الحنث في اليمين وتكراره Q حلفت على شخص ألا آكل ذبيحته، ولكن بعدما رأيت أنه قد ذبح قلتُ: أستغفر الله! فهل يلزمني كفارة اليمين؟ وإذا تكرر هذا فهل تتكرر الكفارة أيضاً؟ A إذا وفد إنسان على آخر وتكلف له وليمة، وحلف ألا يأكل منها، أو ألا يأكل ذبيحته، أو طلَّق على ذلك قصد منعه، أو قال: عليَّ الحرام ما آكل، قصد منعه، فإن هذا كله في حكم اليمين، ولو أنه بلفظ الحرام أو الطلاق، ولهذا فإنه إذا كان قصده منعه من هذه الوليمة أو من هذه الذبيحة، وليس قصده تحريم أو فراق أهله، وإنما قصده أن يعظم عليه الأمر حتى يمتنع، فهذه حكمها حكم اليمين؛ لقول الله جلَّ وعَلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2] . والمقصود أن مثل هذا حكمه حكم اليمين، ولو كرر ذلك مرات كثيرة فحكمه يمين واحدة، إذا كان الشيء على واحد إذا كان التكرار على طعام واحد، أو على ذبيحة واحدة، فإن التكرار حكمه حكم الواحدة، فيه كفارة اليمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، من قوت البلد من بر أو غيره، أو كسوتهم، يُعطى كل واحد قميصاً أو إزاراً ورداءً، هذه هي كفارة اليمين، وإن عشاهم أو غداهم بطعام مصنوع جاهز كفى ذلك. السائل: لكن إذا كان الموضوع يختلف، فهل كل موضوع له كفارة؟ الشيخ: أي نعم. إذا حلف على ذبيحة هذا وعلى ذبيحة هذا وعلى ذبيحة هذا، فكل واحد له كفارة. السائل: لو قال بعدما رأى من صاحب الذبيحة: أستغفر الله وأتوب إليه. الشيخ: يأتي ولو استغفر بكفارة يمين. السائل: لا بد من كفارة اليمين؟ الشيخ: لأنه ليس بذنب، هذا ليس بذنب، إنما تركه أولى، أما التحريم فهو ذنب يستغفر ربه منه، ليس للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، يقول: عليَّ الحرام أني ما آكل، وعلي الحرام من بيت فلان، أو كذا، ما ينبغي له، هذا ذنب ومعصية ينبغي له التوبة من ذلك مع كفارة يمين إذا حلف على الترك.

حكم الوفاء بما حلف به

حكم الوفاء بما حلف به Q إذا حلف رجل يميناً وقال: عليَّ صيام سنة أني ما آكل ذبيحتك، ولكن صاحبه ذبح الشاة فأكل هل يلزم صيام السنة أو كفارة اليمين؟ A هذا حكمه حكم اليمين، عليه صيام سنة، أو عليه الحج إلى بيت الله، أو عليه أن يذبح كذا وكذا من الإبل أو الغنم، كل هذا المقصود به النهي، وليس المقصود به التقرب إلى الله، المقصود منعه من التصرف، أو منعه من الذبيحة، فهذا حكمه حكم اليمين، ولا شيء عليه سوى كفارة يمين فقط إذا أكل.

حكم من فرط في رعاية الطفلة الرضيعة حتى ماتت

حكم من فرّط في رعاية الطفلة الرضيعة حتى ماتت Q أم ذهبت لأداء الحج وتركت طفلتها الرضيعة ولها أربعة شهور عند أخواتها الكبار، ولما عادت وجدت الطفلة قد توفيت، فهل عليها شيء، على الرغم من أن أخوات الطفلة لم يقصروا في العناية بها؟ A إذا سافرت امرأة للحج أو غيره، وتركت طفلتها عند أخواتها، أو عند أخت من أخواتها اللاتي يستطعن أن يصنَّ الطفلة ويحسن إليها، فلو ماتت الطفلة بعد ذلك فلا حرج على الوالدة المسافرة، إذا كانت البنت التي بيدها الطفلة قد اعتنت بها، أما إذا كانت البنت التي عندها الطفلة قد قصَّرت وسعت فيما يوجب موت الطفلة، فهذا إثمه على البنت التي ماتت عندها الطفلة، والكفارة عليها لا على المرأة المسافرة، المسافرة ما عليها شيء، إذا تركتها عند من يعتني بها ويقوى على ذلك، لا شيء عليها.

كيفية تشميت العاطس

كيفية تشميت العاطس Q ماذا يقال في تشميت العاطس؟ A إذا عطس الإنسان وحمد الله يقال له: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له: يرحمك الله، فإذا قال: يرحمك الله فليقل له: يهديكم الله ويصلح بالكم) هذه هي السنة، أما إذا لم يحمد الله فيسكت ولا يُشمَّت، فلا يقال: يرحمك الله، حتى يحمد ربه، هذه هي السنة، فينبغي أن يرفع صوته حتى يسمعه من حوله: الحمد لله، حتى يدعو له من حوله، لا يسكت بينه وبين نفسه، بل يظهر صوته حتى يحصل هذا الدعاء من إخوانه، ويقول له: يرحمك الله إذا قال: الحمد لله، وهو يقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم، وبعض الناس يقول: يهدينا ويهديك الله، والأفضل اتباع السنة، أن يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.

حكم المتاجرة مع الدول الكافرة

حكم المتاجرة مع الدول الكافرة Q ما حكم المتاجرة مع الدول التي لا تدين بولاء للإسلام؟ A لا بأس بالمتاجرة معها شراء حاجات شراء طعام، أو ملابس، أو سلاح، لا بأس، هذا لا يلزم الموالاة، يشتري السلاح والحاجات من كل دولة، ولو أنها كافرة؛ لكن بشرط أن يكون ذلك لا يجر إلى موالاتها، ولا يجر إلى استحسان دينها، بل إنما هو تعاون فيما ينفع المسلمين، فهو يشتري منها الطعام والحاجات الأخرى والسلاح، لا يضره ذلك إذا كان لا يتضمن الموالاة لها، ولا فعل ما حرم الله جلَّ وعَلا، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى من الكفار وعاملهم، كما اشترى من يهودي طعاماً، واشترى من أعرابي كافر غنماً، إلى غير ذلك، فالبيع والشراء مع الكفرة لا حرج فيه، المهم الممنوع هو موالاتهم ومحبة دينهم، ومحبتهم ونصرهم على المسلمين، هذا هو الممنوع، أما كونه يشتري منهم أو يتاجر معهم مع بغضهم في الله، فلا حرج في ذلك.

حكم من فاتها قضاء الصيام لعدة أعوام

حكم من فاتها قضاء الصيام لعدة أعوام Q لي أخت مر عليها عدة أعوام ولم تقضِ الأيام التي كانت تفطرها أيام الحيض، والسبب أنها جاهلة بالحكم، وكان الناس العاميون يقولون لها: ليس على المرأة قضاء في الإفطار بسبب الحيض، فماذا عليها أن تفعل إذا ما ذكَرَت الذي فاتَها؟ A على التي أفطرت في رمضان لحيض ولم تقضِ، ومضى عليها سنوات بسبب جهلها، أو بسبب تلبيس بعض النساء عليها، عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه، وعليها أن تصوم ما أفطرت من أيام، وتطعم عن كل يوم مسكيناً مع ذلك؛ لأنها أخرت الصيام بغير حق، فعليها الصوم وقضاء عدد الأيام التي أفطرتها، وعليها مع ذلك إطعام مسكين عن كل يوم، كما أفتى به جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولا يسقط عنها ذلك بقول بعض السفيهات لها: لا عليك شيء، فقد أجمع العلماء على أن المرأة إذا أفطرت في رمضان أنها تقضي الصيام. وأما الصلاة فلا تُقضى، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين. فالمرأة إذا حاضت أو نفست في رمضان، عليها بعد الطهر أن تقضي ما أفطرته من أيام رمضان في بقية السنة قبل رمضان الثاني، فإذا جاء رمضان ولم تقضِ أثمت، وعليها القضاء بعد ذلك، وتُطعم مسكيناً عن كل يوم بعد رمضان. أما الصلاة فلا تقضى، وهذه من رخص الله جلَّ وعَلا، الصلاة في الحيض والنفاس لا تقضى؛ لأنها تتكرر كثيراً، ولو طلب منها القضاء لشق عليها ذلك كثيراً، فمن رحمة الله أن أسقط عنها ذلك، وجعل الصلاة تسقط عن الحائض والنفساء، ولا تقضى، هذا من رحمة الله جلَّ وعَلا، أما الصوم فيجب قضاؤه.

كيفية صلاة المريض

كيفية صلاة المريض Q بعض الناس الذين يمرضون، وتُعْمَل لهم عمليات، تأتي أوقات صلوات ولم يصلوا، فهل يقضونها أم لا؟ A هذا غلط من المرضى، بعض المرضى -كما ذكر السائل- لا يصلي، وهذا غلط، والواجب على المريض أن يصلي على حسب طاقته، إن كان يستطيع القيام صلى قائماً، وإذا لم يستطع القيام صلى قاعداً، وإذا لم يستطع القعود صلى على جنبه، وإذا لم يستطع على جنبه صلى مستلقياًَ، هكذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام، والله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . ولما اشتكى عمران بن حصين للنبي صلى الله عليه وسلم لمرض قال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلق) هذا ما يجب عليك يا عبد الله، ولا يجوز لك التأخير، تقول: أنا الآن مريض، وأنا لا أحسن الطهور، أو كذا أو كذا! لا. صلِّ على حسب حالك، ولو بالتيمم ولو بالتعفُّر بالتراب إذا شق عليك الماء لمرض، أو ما تيسر لك الماء؛ لأن ما عندك أحد يلاحظك، ولم يتيسر من الممرضين أن يجيئوا بالماء، فعليك أن تصلي ولو بالتيمم. وهكذا المرأة عليها الصلاة، إذا كانت مريضة، والصلاة تكون ولو لغير القبلة وأنت على السرير {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، يصلي على حسب حاله، إن تيسر له أن يتوضأ وأن يصلي إلى القبلة، فعلى ذلك وجب عليه ذلك، فإن لم يتيسر ذلك ولم يكن عنده من يلاحظه، صلى في ثيابه التي فيها النجاسة، وعلى فراشه، وليس عليه إلا ذلك. {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . أما إذا تيسر له من ينظفه ويعتني به ويلبسه ثياباً حسنة للطهارة والصلاة، ويغسله من أوساخه، إذا تيسر له ذلك ويستطيع ذلك، ولا يشق على الإنسان المرض وجب عليه ذلك. أما إذا كان الماء يضره ويزيده ألماً، فإنه لا يلزمه الماء، ولكن يؤتى له بتراب في إناء أو في كيس أو أشباه ذلك، ويضرب التراب بيديه، ويمسح وجهه وكفيه، وإن كان يعجز فيُضربُ له التراب بيديه ويُمسحُ بهما وجهه وكفاه ويكتفي بأمره هذا، ثم يصلي على حاله، فإن كان قاعداً صلى إيماءً، وإن لم يستطع السجود في الأرض صلى بالإيماء ويجعل السجود والركوع بالنية، ويخفض رأسه وظهره حسب طاقته، وإن كان لا يستطيع ذلك صلى قاعداً، ونوى الركوع والسجود، وأتى بالأذكار المشروعة في كل وقت، فيكبر ويقرأ في أول الصلاة، ويكبر ويركع بالنية ويقول: سبحان ربي العظيم، ويقول: سمع الله لمن حمده، ويرفع بالنية، ويقول: ربنا ولك الحمد، ويكبر ويسجد بالنية، وهو جالس أو على جنبه أو مستلقٍ بالنية، نية السجود والركوع، وقراءة التحيات، إلى غير ذلك، فيفعل أمور الصلاة بالنية والكلام إذا كان عاجزاً عن الحركة، سواءً كان قاعداً أو على جنبه أو مستلقياً، فينبغي أن نفهم هذا جيداً، وينبغي لكل منا أن يبلغ المرضى ذلك، والذي ترك ذلك بسبب اعتقاده أن هذا أولى، وأنه سيقضي بعد ذلك، فعليه القضاء بعد الصحة، يقضي ما ترك من الصلوات التي تركها، إلا إذا كان قد ذهب عقله، ولم يعرف ما فاته بسبب شدة المرض، أي: ذهب بعقله، كما يقع لكثير من المصابين بالدهس وأشباه ذلك، فإذا كانت الأيام كثيرة سقطت عنه الصلاة، أما إذا كانت يومين أو ثلاثة، بسبب الغشيان الذي أصابه؛ لأن هذا نوع من الإغماء، فإذا كان مدة يسيرة يقضي، أما إذا كانت مدة طويلة فحكمه حكم المجنون والمعتوه لا قضاء عليه. السائل: ترتبيها كيف يكون؟ الشيخ: يرتب كما أمر الله، يبدأ بالفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر، ثم الظهر. وهكذا يرتبها. السائل: والصلاة التي حلت عليه. الشيخ: صلِّ الصلاة في وقتها واقضِ الفروض. السائل: أصلي الوقت هذا؟ الشيخ: صلِّ ما تيسر قبلها، ثم صلِّها، ثم اقض الفروض.

حكم المناديل المعطرة بالكحول

حكم المناديل المعطرة بالكحول Q ما رأي سماحتكم في المناديل المعطرة بالكحول، والتي توزعها وزارة المعارف مع وجبات التغذية اليومية في المدارس؟ A لا أعرف عنها شيئاً، لكن إذا عُرِف أنها معطرة بأشياء مسكرة فلا يجوز استعمالها؛ لأنها نجسة عند أكثر أهل العلم، ولأن هذا فيه استعمال لما حرم الله، فلا ينبغي. هذا إذا ثبت.

حكم التصوير الفوتوغرافي

حكم التصوير الفوتوغرافي Q ما رأيكم في التصوير الفوتوغرافي بالآلة؟ وهل حكمها حكم الصور التي لا ظل لها؟ A التصوير للحيوانات ولذوات الأرواح كله ممنوع، سواء كانت شمسية فوتوغرافية، أو كان بالنحت واليد، أو بأي نوع من أنواع التصوير، كل أنواع التصوير شمسياً أو جسمياً باليد أو بغير اليد، كله ممنوع؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً يعذب بها في جهنم) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) . وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) . ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله، ولعن المصور) . هذه وما جاء في ذلك كلها تدل على تحريم التصوير مطلقاً، ولو كان شمسياً، في قرطاس ونحوه؛ ولأنه لما رأى تصاوير في ستر عند عائشة، هتكه، وتغيَّر وجهه، وقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) وهو ستر، فأخذته عائشة ومزقته وجعلته وسادتين للنبي عليه الصلاة والسلام؛ ولأنه لما رأى صوراً في جدار الكعبة، أخذ ماءً وثوباً وجعل يرش الماء ويزيل هذه الصور بالثوب، حتى محاها من الجدار. هذا هو الواضح من سنته عليه الصلاة والسلام. وأما تساهل الناس اليوم بالتصوير، فقد ملئوا الدنيا بالتصوير، وهذا تساهل لا وجه له، وهو يدل على قلة المبالاة، وعلى ضعف الدين ممن تعاطاه، والله المستعان. السائل: هل هناك فرق بين الراضي وغير الراضي؟ الشيخ: على الفاعل والراضي، إلا إذا كان لضرورة كمن يضطر فهو كالمكره، فإذا اضطر إلى ذلك كأخذ التابعية والجواز، يحتاج إلى جواز السفر، أو رخصة قيادة، هؤلاء المضطرون والمحتاجون هم أشبه الناس بالمكره، فنرجو ألا يكون عليهم بأس إذا كانت قلوبهم غير راضية بهذا الشيء، كارهة، ولكن أخذوه للحاجة، والضرورة دعتهم إلى ذلك. السائل: اللعب التي للأطفال الصغار هل تجوز؟ الجواب: لا يصلح هذا، الصور كلها ممنوعة، لا للكبار ولا للصغار، أما إذا كان لهم لعب عادية ليس فيها صور، فلا بأس، الألعاب العادية التي ليس فيها صور. السائل: ما حكم المال الذي يكتسب من الصور؟ الجواب: المال الذي يُكتسب من الحرام لا يجوز، وما يُكتسب من الحرام كالربا أو الصور أو غيرها، ويحج به فالحج صحيح، وهو آثم، حجه صحيح، وهو آثم. السائل:. الجواب: إثمها عليهم، لا تصور أنت وإثمها عليهم، الذين صوروها عليهم الإثم، وأن تُسأل عن هذا، وعمَّن هذا؟ وعمَّن هذا؟ لكن لا تصور، المصيبة أنهم يطلبون منك أن تصور أنت، فلا تصور. السؤال:! الجواب: الدرس أسهل، إذا كانت لا تصور أسهل، إذا كان يوجد فائدة من منافع هذا الحيوان، تقرأ وتأخذ فوائد من منافع هذا الحيوان، وخواص هذا الحيوان، كما تقرءوه في بعض الكتب الأخرى من فائدة، فأنت لا ترضى التصوير ولا تفعل بالتصوير، وفي كتب الحيوانات قد يصوَّر فيها بعض الحيوانات.

حكم الدعاء للوالدين في الصلاة وكذا قراءة القرآن لهما

حكم الدعاء للوالدين في الصلاة وكذا قراءة القرآن لهما Q إن الدعاء في صلاة الفريضة لا يجوز للوالدين، والقرآن لا يجوز أن يُجعل ثواب الختمة لوالديه، وإذا بدأ يطوف بالكعبة، لا يجوز أن يجعل ثواب السبع لوالديه! أفيدونا. A أما الدعاء في الصلاة فلا بأس أن يكون لنفسه ولوالديه، الدعاء مطلوب للوالدين وللمسلمين، فإذا دعا في الصلاة في سجوده، أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه فلا بأس، بعض العامة يظن أن الدعاء يكون له وحده، وهذا تحجُّيرٌ لواسع، بل يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين، في الصلاة وغيرها، في السجود، وفي التحيات، وفي الفريضة، وفي النافلة، كل هذا لا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) . وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم) ولم يقل: في النافلة فقط، بل عمَّم، وعندما علم أصحابه التحيات قال: (ثم ليختر من الدعاء ما أعجبه ثم يدعو) ، هكذا قال في الصحيحين من حديث ابن مسعود، عندما علمه التشهد، قال: (ثم ليختر من الدعاء ما أعجبه ثم يدعو) ، ولم يقل: لنفسه، فإذا قال: اللهم اغفر لوالدَيَّ، أو اللهم اقض حوائج المسلمين، أو اللهم انصر دينك، أو اللهم وفق ولاة أمر المسلمين، هذا كله طيب، أما ما يقوله بعض العامة أنه لا يدعو إلا لنفسه، فهذا قول لا أساس له. وأما تثويب القراءة في الطواف للوالدين، أو لغيرهم من المسلمين، فهذا محل خلاف بين العلماء: بعض أهل العلم يرى أنه لا بأس به، ويقول: إن هذا من جنس الضحية عنه والصدقة عنه، يجوز الدعاء لهم، وهذا قول الأكثرين، إذ لا بأس أنه يطوف عن الميت ويثوب له الطواف، ويثوب له الصلاة، ويثوب له القراءة، لا بأس. وقال آخرون من أهل العلم: الأولى أنه يقتصر على الوارد، مثل: أن يصوم عن الميت إذا كان يصوم، ومثل الحج عنه، ومثل الدعاء له، ومثل الصدقة عنه، هذا هو الوارد، ومن أراد القراءة له، أو الصلاة أو الطواف، فهذا ما ورد، فتركه أولى. وهذا قولٌ حسن، ولكن لا نقول بالتحريم، نقول: أحسن وأولى، ولا ينبغي التشديد في هذا، لكن يقال: هذا أولى، كونه يقرأ لنفسه ويدعو لوالديه يطوف لنفسه ويدعو لوالديه في الطواف يصلي لنفسه ويدعو لوالديه في الصلاة، هذا طيب، أما أن ينوي الصلاة عن والديه، أو قراءة عن والديه، أو يطلب ثواب صلاته لوالديه، أو ثواب قراءته، هذه لا أصل لها واضح، ولا دليل عليها واضح، وأكثر العلماء قاسوه على الصوم عن الميت، والحج عن الميت، وأنه عن العاجز، والصدقة عن القاصر، وهذا على هذا، وقالوا: إن هذا مثل هذا. وبعض أهل العلم قال: لا وجه للقياس في هذا، والأولى عدم القياس، وأن يُقتصر على الوارد، وهذا أحسن إن شاء الله، ولكن لا نقول: إنه يحرم، أو إنه باطل، لا. لكن نقول: هذا أولى، والاقتصار على الوارد أولى وأحسن وأحوط. والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وجوب العمل بالسنة

وجوب العمل بالسنة إن منزلة السنة من الدين عظيمة، ومكانتها في الشريعة رفيعة، كيف لا وهي مصدر التشريع الثاني بعد القرآن، فما ثبت في سنة نبينا عليه الصلاة والسلام لزمنا العمل به امتثالاً لأمر الله القائل: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، ولو تأملنا حال الصحابة والتابعين الكرام لوجدناهم خير من قام بسنة رسول الله حق القيام.

مكانة السنة في التشريع

مكانة السنة في التشريع الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وأصحابه أجمعين وبعد: اختير لهذا اللقاء أن تكون المحاضرة عن السنة ومكانتها في الإسلام وأصول التشريع. والسنة من المعلوم عند جميع أهل العلم أنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها، أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط؛ فقد ضل ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلاً عظيماً، أمر الله بالرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم، وكذب به وجحده. وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة: الأصل الأول: كتاب الله. والأصل الثاني: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. والأصل الثالث: إجماع أهل العلم. وتنازع أهل العلم في أصولٍ أخرى أهمها: القياس. والجمهور على أنه أصل رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة. أما السنة فلا نزاع ولا خلاف في أنها أصل مستقل، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن الواجب على جميع المسلمين بل على جميع الأمة الأخذ بها، والاعتماد عليها، والاحتجاج بها إذا صح السند عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرات في كتاب الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة، على وجوب الأخذ بها والإنكار على من أعرض عنها أو خالفها. وقد نبغت نابغة في صدر الإسلام أنكرت السنة؛ بسبب تهمتها للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كـ الخوارج؛ فإن الخوارج كفروا كثيراً من الصحابة، وفسقوا كثيراً، وصاروا لا يعتمدون -بزعمهم- إلا على كتاب الله؛ لسوء ظنهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتابعتهم الرافضة فقالوا: لا حجة إلا فيما جاء من طريق أهل البيت فقط، وما سوى ذلك لا حجة فيه.

القرآنيون وموقفهم من السنة والرد عليهم

القرآنيون وموقفهم من السنة والرد عليهم ونبغت نابغة بعد ذلك تسمى هذه النابغة الأخيرة القرآنية ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط، وأن السنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط إلى غير هذا مما قالوا من الترهات والخرافات والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم، فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط، وقد ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً. فإن الله عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به، ولو كان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن للأوامر قيمة، وقد أمر أن تبلغ سنته، وكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة، فدل ذلك على أن سنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع، وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، كما تجب طاعة الله تجب طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.

الرد على القرآنيين من القرآن الكريم

الرد على القرآنيين من القرآن الكريم ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:131-132] فقُرِنت طاعة الرسول بطاعته {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132] فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله. وقال في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] فأمر بطاعته وطاعة رسوله، وكرر الفعل في ذلك: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59] ثم قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وإنما تجب بالمعروف، حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله، ومما لا يخالف أمر الله ورسوله. ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله، فقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] ولم يقل: لأولي الأمر منكم؛ بل قال: {إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] فدل ذلك على أن الرد في منازل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله، قال العلماء: معنى (إلى الله) أي: إلى كتاب الله، ومعنى (والرسول) أي: إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فعلم بذلك أن سنته مستقلة، وأنها أصل متبع، قال جل وعلا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف:158] وقبلها قوله جل وعلا: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157] فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157] فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين. ثم قال بعدها: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام؛ فدل ذلك على وجوب طاعته واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام. وقال عز وجل في آيات أخرى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور:54] عليه الصلاة والسلام، ثم قال جل وعلا في هذه السورة سورة النور: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:56] ، وقال في آخرها: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] فذكر جل وعلا أن مخالفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم على خطر عظيم من أن تصيبهم فتنة بالزيغ والشرك والضلال، أو عذاب أليم. نعوذ بالله! وقال عز وجل في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7] . هذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر؛ فإن القرآن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله، ولم يؤمن به، ولم ينقد له؛ إذ أن كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، فمن زعم أنه يأخذ بالقرآن ويتبعه دون السنة فقد كذب؛ لأن السنة جزء من القرآن، طاعة الرسول جزء من القرآن، ودل على الأخذ بها القرآن، وأمر بالأخذ بها القرآن، فلا يمكن أن ينفك هذا عن هذا، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعاً للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يمكن أن يكون متبعاً للسنة بدون اتباع القرآن، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

الرد على القرآنيين من السنة النبوية

الرد على القرآنيين من السنة النبوية ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة، والعياذ بالله! وفي المسند وسنن أبي داود وصحيح الحاكم بسند جيد، عن المقداد بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه -الكتاب أي: القرآن، ومثله معه أي: السنة الوحي الثاني- ألا لا يوجد رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه) ، وفي لفظ: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يحدث بأمرٍ من أمري مما أمرتكم به أو نهيتكم عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه اتبعناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) عليه الصلاة والسلام. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها وتسير عليها؛ لأنها هي الشارحة والمبشرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والخاصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] فهو يبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه مبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله. وقال تعالى في آية أخرى في سورة النحل: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64] فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة وواجبة الاتباع. وليس هذا خاصاً بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم؛ بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لزمانه ولمن بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ:28] هو رسول الله إلى جميع العالم، إلى الجن والإنس، العرب والعجم الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي، فهو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. وجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة له، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله وسنته أيضاً، فقد جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل ولم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى. فمن ذلك: تفصيل الصلوات تفصيل الركعات تفصيل أحكام الزكاة تفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع، وجاءت السنة ببقية محرمات الرضاع: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة؛ في الجنايات، والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الحج. إلى غير ذلك.

دفاع السلف الصالح عن السنة واعتناؤهم بها

دفاع السلف الصالح عن السنة واعتناؤهم بها ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنه: دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب الله، غضب عمران رضي الله عنه واشتد نكيره، وقال: [لولا السنة كيف نعرف أن الظهر أربع، والعصر أربع، والعشاء أربع، والمغرب ثلاث؟] فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة وتفاصيل الأحكام، ولم يزل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بها، ولما ارتد من ارتد من العرب قام الصديق رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم، فتوقف عمر في ذلك، وقال: كيف نقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) ؟ قال الصديق رضي الله عنه: [أليست الزكاة من حقها؟ -أي: من حق لا إله إلا الله- والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، قال عمر رضي الله عنه: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق] . ثم وافق المسلمون ووافق الصحابة واجتمع رأيهم على قتال المرتدين، فقاتلوهم بأمر الله ورسوله. ولما جاءت جدة تسأل الصديق قال: [لا أجد لك شيئاً في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن سوف أسأل الناس عما جاء في السنة، فسأل الناس، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسدس، فقضى لها بالسدس رضي الله عنه وأرضاه] . وهكذا عمر لما أشكل عليه إملاص المرأة إذا خرج الجنين ميتاً، ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقضى بذلك. ولما أشكل على عثمان عدة حكم المعتدة من الوفاة: هل تكون في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ شهدت عنده الفارعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيتها، فقضى بذلك عثمان رضي الله عنه وأرضاه. ولما سمع علي رضي الله عنه عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج، أحرم علي رضي الله عنه بالحج والعمرة جميعاً، وقال: [لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس] . ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة، ويحتج عليه بقول أبي بكر وعمر أنهما يريان إفراد الحج؛ قال: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر!] . ولما ذكر للإمام أحمد جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري، ويسألونه عما لديه وعما يقول، فتعجب وقال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته -أي: عن الرسول صلى الله عليه وسلم- يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] ! ولما ذكر عند أيوب رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال: دعوه، فإنه ضال. المقصود أن السلف الصالح قد عرفوا هذا الأمر، ونبغت عندهم نوابغ بسبب الخوارج في هذا الباب، فاشتد نكيرهم عليهم، وضللوهم وحذروا منهم، مع أنه إنكار غير الإنكار الموجود الأخير، إنكار له شبهة بالنسبة إلى الخوارج وما اعتقدوه في الصحابة في بعضهم دون بعض. أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية دهياء، ومنكر عظيم، وبلاء كبير، ومصيبة عظمى؛ حيث قالوا: إن السنة برمتها لا يحتج بها كلياً، لا من هنا ولا من هناك، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها، وسار على هذا النهج وأعلنه كثيراً الرئيس القذافي المعروف، فضل وأضل، وهكذا جماعة في مصر وغير مصر، قالوا هذه المقالة؛ فضلوا وأضلوا، وسموا أنفسهم بالقرآنيين. وقد جهلوا ما قام به علماء السنة، وقد احتاطوا كثيراً للسنة، تلقوها -أولاً- عن الصحابة حفظاً، ودرسوها وحفظوها حفظاً كاملاً دقيقاً حرفياً، ونقلوها إلى من بعدهم، ثم ألف العلماء في القرن الثاني، في رأس القرن الأول وفي أثناء القرن الثاني، ثم كثر ذلك في القرن الثالث؛ فقد ألفوا الكتب، وجمعوا فيها الأحاديث، حرصاً على بقائها وحفظها وصيانتها، فانتقلت من الصدور إلى الكتب المحفوظة المتداولة المتناقلة التي لا ريب فيها ولا شك، ثم نقبوا عن الرجال، وعرفوا ثقاتهم من كذابيهم من ضعفائهم، من شيئي الحفظ منهم، حتى حرروا ذلك أتم تحرير، وبينوا من يصلح للرواية ومن لا يصلح لها، ومن يحتج به ومن لا يحتج به، واعتنوا بما قد وقع من بعض الناس من أوهام وأغلاط سجلوها عليه، وعرفوا الكذابين والوضاعين، وألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم؛ فأيد الله بهم السنة، وأقام بهم الحجة، وقطع بهم المعذرة، وزال تلبيس الملبسين، وانكشف ضلال الضالين، فبقيت السنة بحمد الله جلية واضحة لا شبهة عليها ولا غبار. وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيراً، وإذا رأوا من أحدهم أي تساهل بالسنة أو إعراض أنكروا عليه، فقد حدث ذات يوم عبد الله بن عمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فقال بعض أبنائه: والله لنمنعهن. عن اجتهاد، ومقصوده أنهن تغيرن، وقد يتساهلن في الخروج، وليس قصده إنكار السنة، فأقبل عليه عبد الله وسبه سباً سيئاً، وقال: [أقول لك: قال رسول الله، وتقول: والله لنمنعهن!] . ورأى عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه بعض أقاربه يخذف، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنه لا يصيد صيداً، ولا ينكأ عدواً، ثم رآه في وقت آخر يخذف، فقال: أقول لك: إن رسول الله نهى عن ذلك ثم تخذف، لا كلمتك أبداً) . فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعظمون هذا الأمر جداً، ويحذرون الناس من التساهل بالسنة أو الإعراض عنها، أو الإنكار لها لرأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات.

تعظيم الأئمة الأربعة وأهل العلم للسنة النبوية

تعظيم الأئمة الأربعة وأهل العلم للسنة النبوية وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ورحمه في هذا المعنى: إذا جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلى العين والرأس إلى آخر كلامه. وقال مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام. وقال أيضاً: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها وهو اتباع الكتاب والسنة، وهكذا قال غيره من الأئمة. وقال الشافعي رحمه الله: إذا رأيتم حديثاً صحيحاً ثم رأيتموني خالفته فاعلموا أن عقلي قد ذهب. وفي لفظ آخر قال: إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لا تقلدوني، ولا تقلدوا مالكاً ولا الشافعي وخذوا من حيث أخذنا. وسبق قوله رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان! فالأمر في هذا واضح، وكلام أهل العلم في هذا جلي ومتداول عند أهل العلم، وقد تكلم المتأخرون في هذا المقام كلاماً كثيراً؛ كـ أبي العباس ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وغيرهم، وأوضحوا أن من أنكر السنة فقد زاغ عن سواء السبيل، وأن من عظم آراء الرجال فقد ضل وأخطأ، وأن الواجب عرض آراء الرجال مهما عظموا رحمة الله عليهم، يجب عرض آرائهم على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما شهد له منهما بالقبول قبل، وما لا فإنه يرد على قائله. ومن آخر من كتب في هذا الحافظ السيوطي رحمه الله، حيث كتب رسالة سماها: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج بها فقد كفر إجماعاً، ونقل كثيراً من كلام السلف في ذلك.

الرد على من رد أحاديث الآحاد ولم يعمل بها

الرد على من رد أحاديث الآحاد ولم يعمل بها هذه منزلة السنة ومكانتها من الإسلام، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأنها حجة مستقلة قائمة بنفسها يجب الأخذ بها والرجوع إليها، وأنه متى صح السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به مطلقاً، ولا يجب ولا يشترط في ذلك أن يكون متواتراً أو مشهوراً أو مستفيضاً، أو بعدد كذا من الطرق، بل ولو بطريق واحدة، متى استقام الإسناد وجب الأخذ بالحديث مطلقاً، بسند واحد، أو بسندين، أو بثلاثة أو بأكثر؛ سواء سمي خبر تواتر أو خبر آحاد، لا فرق في ذلك، كلها حجة يجب الأخذ بها، مع اختلاف ما تقتضيه من العلم الضروري أو العلم النظري أو الظني، هذا أمر آخر لا يتعلق بالأخذ بها، بل هذا أمر يتعلق بالقلوب يختلف فيه الناس، لكن العمل بها واجب الاتباع، واجب الأخذ بها مطلقاً، متى صح الإسناد وجب الأخذ بذلك، وتحكيم ذلك، وترك ما خالف ذلك. أما كونه متواتراً، أو كونه مشهوراً أو مستفيضاً، أو آحاداً غير مستفيض ولا مشهور، أو غريب، أو غير ذلك؛ هذه أشياء اصطلح عليها أهل السنة في أصول الحديث، وعرفوها في أصول الفقه أيضاً، وهذا يختلف بحسب اختلاف الناس في العلم، فإنه قد يكون هذا الحديث متواتراً عند زيد وعمرو وليس متواتراً عند خالد وبكر؛ لما بينهما من الفرق في العلم واتساع العلم، وقد يروي زيد حديثاً من عشر طرق، أو من ثمان أو من سبع أو من خمس أو ست، ويقطع بأنه متواتر؛ لما اتصل به رواته من العدالة والحفظ والإتقان والجلالة، وقد يروي الآخر حديثاً من عشرين سنداً، ولا يحصل له ما حصل لذاك من العلم اليقيني القطعي بأنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بأنه متواتر. هذه أمور تختلف بحسب ما يحصل للناس من العلم بأحوال الرواة، وعدالتهم، ومنزلتهم في الإسلام، وصدقهم، وحفظهم، وغير ذلك، وهذا شيء يتفاوت فيه الرجال حسب ما أعطاهم الله من العلم بأحوال الحديث ورجاله، وصفاتهم، وطرق الحديث، إلى غير ذلك. لكن أهل العلم أجمعوا على أنه متى صح السند وسلم من العلة وجب الأخذ به، وبينوا أن الإسناد الصحيح هو ما ينقله العدل الضابط عن مثله عن مثله عن مثله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من غير شذوذ ولا علة ولا انقطاع هذا متى جاء الحديث بهذا المعنى، متصلاً لا شذوذ فيه ولا علة؛ وجب الأخذ به والاحتجاج به على المسائل التي يتنازع فيها الناس؛ سواء حكمنا عليه بأنه غريب، أو عزيز، أو مشهور، أو متواتر، أو غير ذلك؛ إذ الاعتبار والحجة في استقامة السند وصلاحه وسلامته، تعددت أسانيده أو لم تتعدد. هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه، وأن يرزقنا الاستقامة على ما يرضيه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه جل وعلا جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

الأسئلة

الأسئلة

أقسام الحديث الضعيف

أقسام الحديث الضعيف Q ما هي أنواع الحديث الضعيف؟ A الضعيف من الحديث له أنواع، وقد قسمها الحافظ ابن حبان إلى أنواعٍ كثيرة، إلى تسعة وأربعين نوعاً، ولكنها في الحقيقة تنقسم إلى قسمين: ضعيف يعتبر حسناً عند الترمذي وأشباهه، وضعيف غير متماسك لا تقوم به الحجة؛ لأن فيه متهماً بالكذب، وإما لأن فيه من هو فاحش الغلط، أو لأن فيه انقطاعاً شديداً، أو ما أشبه ذلك. فالضعيف الذي يعتبر حسناً في اصطلاح أبي عيسى الترمذي رحمه الله، وهو ما خف الضبط في رواته، وليسوا بالرواة الذين قد امتازوا بالحفظ، ولكنهم عدول، والحديث ليس بشاذ ولا منقطع، ولا معلول بعلة قادحة -يقال: معلل أفصح- هذا يحتج به كالصحيح عند أهل العلم. وكان الأولون يقسمون الحديث إلى قسمين: صحيح وضعيف، ويدخل الحسن في الصحيح، ثم رأى الترمذي وجماعة بعد ذلك تقسيمه إلى الأقسام الثلاثة: صحيح وضعيف وحسن، فصار الحسن عندهم ما خف الضبط في رواته، ليس ضبطهم بالكامل، فهذا يسمونه الحسن، إذا استقامت الأحوال الأخرى؛ من عدالة واتصال وعدم شذوذ وعلة. فهذا يحتج به، وهو خير من الآراء والقياس، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث الضعيف أولى من القياس والآراء البشرية. والضعيف هو المتماسك الذي يصلح للاحتجاج؛ لأنه متصل السند، غير معلل ولا شاذ، إلا أن رواته أو بعضهم ليسوا بكاملي الحفظ، بل عندهم في الحفظ نقص، وليسوا بفاحشي الغلط، ولكن يقع لهم أوهام وأخطاء.

حكم من حكم بالقوانين الوضعية

حكم من حكم بالقوانين الوضعية Q هل نقول إن بعض الدول العربية المسلمة تحكم بغير القرآن، فهل يرتكبون بذلك ذنباً ويدخلون في مذهب العلمانية؟ A الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية يعتبر كافراً؛ لأن من عطل الشريعة، ورضي بالقوانين الوضعية وحكمها في رقاب الناس وأعمال الناس ومعاملاتهم، فقد رضي بغير الشريعة، وقد تنقص الشريعة، وزعم أنها غير صالحة للحكم بين الناس، فالذين أوجدوا القوانين والحكم القانوني بآراء البشر؛ من قوانين فرنسية، أو إيطالية، أو أمريكية، أو إنجليزية، أو سوفيتية، أو غير ذلك، هؤلاء قد نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فلا يكونون على الإسلام ولا حكاماً مسلمين؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] وقال سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وقال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] . فالذين لم يرضوا بالشريعة وحكموا القوانين الوضعية، معناه: أنهم لم تطب نفوسهم بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ورأوا أن في القوانين التي ارتضوها لأنفسهم مصلحة، أو أنها أولى من الشريعة، أو أنها مساوية، أو أنها أصلح. على كل حال هذا كفر وضلال. لكن قد توقف بعض الناس في كفرهم وقالوا: إنهم يزعمون ويرون أنهم مخطئون، وأن الواجب تحكيم الشريعة، ولكنهم لا يستطيعون أن يحكموها؛ لما لديهم من عناصر وجيوش لا ترضى بذلك، وأناس مطاعون لا يرضون بذلك، فهم كالمضطرين إلى تحكيم القوانين، وهم لا يعتقدون أن حكمها جائز، ولا يرضون بعزل حكم الله، ولكن لأسباب اضطرتهم إلى ذلك. وهذا محل نظر، والأصل عند أهل السنة والجماعة أن من حكَّم غير الشريعة، وهو يعلم أنه مخطئ، وأنه ظالم لنفسه، وأنه عاصٍ؛ فإنه لا يكفر بذلك، بل يقولون: هذا كفر دون كفر، كما قال ابن عباس، ومجاهد بن جبر التابعي الجليل، وطاوس بن كيسان وغيرهم، قالوا: إنما يكون كافراً وظالماً ظلماً أكبر. قال شيخ الإسلام: إذا استحل ذلك، إذا رأى أنه يجوز له تحكيم غير الشريعة، أما إذا حكّم غير الشريعة حكم بالقانون، أو بالرشوة، أو بكذا وكذا، وهو يعلم أنه عاصٍ، وأنه مخطئ، وأنه خاطئ ضال، ولكن حمله الهوى أو طاعة الرؤساء على أن حكم بغير الشريعة؛ فهذا يكون عاصياً وظالماً وكافراً كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، ولا يخرج بهذا من الشريعة ويكون مرتداً. فهؤلاء الذين تولوا على أمور الناس الآن في غالب أمصار المسلمين، هل يقال فيهم: إنهم لم يستطيعوا حكم الشريعة؟ أو أنهم يعلمون أن الشريعة هي الحكم، وأنهم أخطئوا وعصوا بتحكيم القوانين، وأنهم يعلمون أنهم مخطئون وأنهم عاصون، ولكن تعمدوا ذلك لأسباب ولأهواء، فنقول في حقهم حينئذ: إنهم كفروا كفراً دون كفر، وظلموا ظلماً دون ظلم، وفسقوا فسقاً دون فسق؟ هذا محل نظر، والذي يظهر من تصرفاتهم وأحوالهم وميولهم إلى القوانين ورضاهم بها، الذي يظهر من أحوالهم عند الدراسة والتأمل يتبين أنهم راضون بها، وأنهم مطمئنون إليها، وأنهم يرونها أولى من تحكيم الشريعة، وأنسب للناس وأصلح لهم، أو أرفق بهم، هذا هو ظاهر حالهم، وهذا هو المتبادر من أحوالهم؛ لأنهم يحكمون بغير الشريعة، وهم مطمئنون ليس عندهم في ذلك تألم ولا تبرم لهذا الشيء، ولا تصريحاتهم بأنهم خاطئون وأنهم ظالمون، وسيعودون إلى حكم الشريعة، فالذي يظهر من حالهم هو أنهم راضون بحكم القوانين الوضعية، وأنهم غير راضين بحكم الشريعة، هذا ظاهر أحوالهم، والله أعلم بما في قلوبهم سبحانه وتعالى. والخلاصة: أن نعلم أن من زعم أن القوانين الوضعية، سواء كانت فرنسية، أو إنجليزية، أو إيطالية، أو هولندية، أو أمريكية، أو سوفيتية، أو غير ذلك، من زعم أنه يجوز الحكم بها، ولا بأس بالحكم بها بين الناس، وإن زعم أن الشريعة أفضل؛ فهو كافر ضال بإجماع المسلمين، فإن قال: إنها مساوية للشريعة فهو أكفر وأكفر، وإن قال: إنها أفضل من الشريعة وأولى من الشريعة؛ فهو أكفر وأشد ضلالاً. هذا ينبغي أن يعلم بإجماع المسلمين، حكم القوانين الوضعية كفر بالله وضلال إذا اعتقد صاحبها أنها جائزة، أو أنها مساوية للشريعة، أو أنها أفضل من الشريعة، فهو في هذه الأحوال الثلاث كافر ضال مطلقاً، أما إذا حكم بأي قانون أو لأي إنسان بحكم يخالف شرع الله، وهو يعلم أنه مخالف لشرع الله، ولكن فعل ذلك لهوىً، أو لرشوة، أو لأشياء أخرى من المقاصد الخبيثة؛ فهذا يكون ضالاً ويكون ظالماً ظلماً دون ظلم، وكافراً كفراً دون كفر، كما قال ابن عباس، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم من الجمهور؛ لأنه لم يعتقد حل تحكيم غير الشريعة، وإن حكم بغير الشريعة لهوىً، كما قد يقع لبعض القضاة في المحاكم الإسلامية؛ فقد يضل عن السبيل، وقد يحكم بغير الشريعة لهوىً، إما لرشوة، وإما لقرابة، وإما لعداوة للمحكوم عليه؛ فيحكم عليه بغير الشريعة لهوىً أو لأسباب أخرى خاصة حكم بأسبابها، وهو يعلم أن حكمه يخالف شرع الله، ولكن حمله عليه هوىً وغرض فاسد، فهذا يكون عند أهل العلم ظالماً وعاصياً وفاسقاً، ولكن لا يكون كافراً كفراً أكبر؛ لأنه يعلم أنه عاصٍ، وأن حكم الله بخلاف قوله، وأنه خاطئ في ذلك ظالم فيه، فهو عند الجمهور ليس بكافر كفراً أكبر. وهذه مسألة عظيمة يجب أن نحكمها جيداً.

حكم طواف الوداع للحاج والمعتمر

حكم طواف الوداع للحاج والمعتمر Q هل على المعتمر طواف وداع ولو كان آخر عهده بالبيت؟ وهل الحج مثل ذلك؟ A أما الحج فالصحيح من أقوال العلماء أنه يجب فيه طواف الوداع، وهناك خلاف فيه، حيث ذهب جمع من أهل العلم إلى أن طواف الوداع سنة، ولهذا سقط عن الحائض والنفساء، وقال آخرون: بل يجب؛ ولولا أنه واجب لما سقط عن الحائض والنفساء فقط، ولكان ساقطاً عن الجميع، فالمقصود أن الصحيح أنه واجب في الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحدٌ منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) رواه مسلم في الصحيح.

حكم إقامة النوادي للنساء

حكم إقامة النوادي للنساء Q وردت كثير من الأسئلة تسأل عن فتواكم في بعض الصحف عن إقامة نوادٍ للنساء إذا لم يطلع عليها الرجال، فما حقيقة هذه الفتوى؟ وهل هي صحيحة؟ مع علمنا بما يترتب عليها من أضرار A سئلنا عن هذه المسألة، سألني مندوب الجزيرة في أيامٍ مضت عن مسائل، منها: النوادي التي للنساء، فقلت له: لا أرى مانعاً من نوادي النساء إذا كانت مصونة لا يغشاها إلا النساء، فلا بأس بذلك بهذه الشريطة، وهي أن تكون بين النساء وألا يغشاها إلا النساء، ثم بلغني أنها حملت على النوادي التي اعتادها الشباب، النوادي الخارجية التي يذهبون إليها للكرة وشبهها، فعقبت المقال بمقال آخر نشر في الجزيرة أيضاً، بينتُ مرادي بالنوادي، وأنه ليس مرادي بالنوادي نوادي الرجال أو ما يجانسها، لا، إنما أردت بالنوادي نوادي الخطب والمذاكرة بين النساء مع المدرسات والطالبات، زن المدرسة تقيم نوادي للمحاضرة أو المناقشة بين الطالبات أو بين المدرسات، هذا هو المقصود، أما نوادي مستقلة يذهب إليها النساء من بيوتهن ليجتمعن هناك للعب الكرة وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز عندي؛ لأنه قد يفضي إلى شر كثير قد يفضي إلى الاختلاط، وقد يفضي إلى خروج النساء باسم النوادي، وهن يخرجن إلى شيء آخر، فالذي أرى منع ذلك، وبينته في مقال بعد المقال الأول بيومين أو ثلاثة مع مسائل أخرى.

كتب الحديث وعلومه

كتب الحديث وعلومه Q ما هي الكتب التي تنصحوننا بقراءتها من أجل معرفة مراتب الأحاديث؟ وما رأيك في كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني؟ A الكتب التي ينبغي لطالب العلم قراءتها كثيرة ولا سيما في هذا العصر، فإن المطابع صارت تخرج كتباً كثيرة، وهناك مخطوطات كثيرة لم تطبع، فالذي أرى أن كل طالب يعتني بما يتيسر له من الكتب التي في الحديث، ومن أخص ذلك العناية بـ الصحيحين، فإنهما أشرف الكتب على الإطلاق بعد كتاب الله، فالعناية بـ الصحيحين من طلبة الجامعات، ومن طلبة الثانوية، ومن طلبة الدراسات العليا، لا شك أنها مهمة جداً، وكذلك شروحهما؛ كـ فتح الباري، والعيني، والقسطلاني لشرح صحيح البخاري وشرح النووي لـ صحيح مسلم، والمفهم للقرطبي إذا وجد، وما أشبه ذلك، هذه مفيدة جداً، كذلك الكتب المؤلفة في الأحاديث الموضوعة كـ الفوائد المجموعة للشوكاني، وغيرها مما ألف في هذا، وأسنى المطالب وغير ذلك، وكذلك ما ألف في الأحاديث المشهورة كـ المقاصد الحسنة وكشف الخفا وغير ذلك، ومثل اللآلئ المصنوعة للسيوطي، والموضوعات لـ ابن الجوزي، كل هذه الكتب مفيدة جداً، ومثل المنار المنيف لـ ابن القيم، هذه كتب مفيدة ونافعة، وكذلك زاد المعاد لـ ابن القيم في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بيان سنته عليه الصلاة والسلام، والتنبيه على بعض الأخطاء والأغلاط لـ ابن القيم. وأما كتب أخينا وصاحبنا الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني فهي كتب مفيدة، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وصحيح الجامع الصغير، وتخريج منار السبيل وغير ذلك، كل كتبه مفيدة، وليس معنى ذلك أنه لا يخطئ، كل منا يخطئ، قد يكون هناك أغلاط وأخطاء في بعض الأشياء، لكن كتبه في الجملة مفيدة ونافعة، فأنا أوصي بمطالعتها والاستفادة منها، مع الاستفادة من الكتب الأخرى الطيبة النافعة، فيما يتعلق بمصطلح الحديث، ومقدمة ابن الصلاح والباعث الحثيث وألفية العراقي وشرحها، والكتب التي ألفت في هذا الشأن ينبغي للطالب أن يكون له نصيبٌ منها، يطالعها ويعتني بها، ولو كان لا يقتني إلا بعضها، المهم أن يكون عنده منها شيء يستفيد منه.

حكم مشاهدة التلفاز والفيديو

حكم مشاهدة التلفاز والفيديو Q ما حكم مشاهدة التلفاز؟ A التلفاز عندي خطير جداً، وأنا أوصي بعدم مشاهدته وعدم الجلوس عنده مهما أمكن، لكن إذا كان الإنسان عنده قوة يستفيد من الخير ولا يجره ذلك إلى الشر، فلا مانع إذا كان عنده قوة يعرفها من نفسه، فيسمع الشيء الطيب ويستفيد منه، ويبتعد عن الشيء الخبيث من الأغاني والتماثيل الخبيثة وما يضر المستمع فلا بأس، ولكن في الغالب أنه يجر بعضه إلى بعض، فلهذا أوصي بعدم إدخاله البيوت وعدم مشاهدته؛ لأنه يجر بعضه إلى بعض، ولأن النفس ميالة لمشاهدة الأشياء الغريبة بين يديها، وليس مثل الاستماع، فالاستماع أقل والمشاهد مع الاستماع تكون النفس إليه أميل والتعلق به أكثر. وأشر من هذا الفيديو فهو أخبث إذا سجلت فيه الأفلام الخليعة التي تداولها الناس -والعياذ بالله- الأفلام الخليعة التي في الفيديو هذه شرها عظيم ويجب الحذر منها، ويجب على العاقل إذا وجد شيئاً من ذلك أن يمزق الفيلم، أو يسجل عليه شيئاً يزيل هذا الخبث الذي فيه إذا كان يمكن ذلك، ويستفيد من أشرطته التي يسجل عليها شيئاً نافعاً.

طاعة ولي الأمر بالمعروف

طاعة ولي الأمر بالمعروف Q ورد أكثر من سؤال حول قول سماحتكم: طاعة الأمير واجبة (من أطاع الأمير فقد أطاعني) ، ولكن هل نطيع الأمير في كل شيء؟ A هذا حديث رواه الشيخان عن أبي هريرة: (من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) والله يقول في كتابه العزيز: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] لكن هذا مطلق قيدته السنة، فإن السنة والقرآن يقيدان بعضهما بعضاً، فالمطلق في كتاب الله والسنة مقيدة، وهذه من المواضع التي قيدت في السنة، الله قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وجاءت السنة: (إنما الطاعة في المعروف) فلا يطاع ولاة الأمور إلا في المعروف، ولا الوالد ولا الزوج ولا الأخ الكبير لا يطاعون إلا في المعروف، ولا شيخ القبيلة، كلهم مقيدون، وإن جاءت الأحاديث مطلقة والقرآن مطلق في ولاة الأمر، لكنه مقيد بالأحاديث الصحيحة الأخرى: (إنما الطاعة في المعروف) (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ولما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه يلي عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، قالوا: وما تأمرنا يا رسول الله؟ أفلا ننابذهم بالسيف؟ أفلا نقاتلهم؟ قال: لا. أدوا إليهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم، إلى أن قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وفي رواية: (ما أقاموا فيكم الصلاة) فالسمع والطاعة لولاة الأمور مقيدة بالمعروف.

حكم صرف القلب عن سماع القرآن إلى سماع الغناء

حكم صرف القلب عن سماع القرآن إلى سماع الغناء Q أنا شاب في يوم رأيت إلى شابٍ يستمع للغناء، وأنا أعلم أنه حرام وأحببت أن أنصحه، وبعد أن نصحته سألني يقول: ماذا تستفيد من القرآن؟ فقلت: القرآن عبادة، وقال: أنا أستفيد مثل ما تستفيد من القرآن فما حكم ذلك؟ A نسأل الله العافية! هذا كلام عظيم خطير، إذا كان يستفيد من الأغاني مثل ما يستفيد المؤمن من القرآن هذا ردة عن الإسلام، نعوذ بالله! يستفيد من الأغاني الفاجرة في حب فلانة وفلان، أو في العشق أو الخمر أو القمار أو ما أشبه ذلك من الأغاني تستفيد منها كما يستفيد المؤمن من القرآن! هذا الكلام مجمل وخبيث، فالقرآن كلام الله فيه الهدى والنور، يدل على الخير ويرشد إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والجواب أن يقال: إذا قال: ما تستفيد من القرآن؟ يقول: أستفيد من القرآن ما فيه صلاحي وهدايتي، وما فيه نجاتي وصلاح قلبي وعملي، وما فيه سلامة ديني ودنياي أستفيد منه مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال التي ترضي الله وتقرب إليه، فإن القرآن الكريم يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال يعلمنا فرائض الله التي علينا، ويعلمنا ما نهى الله عنه، ويعلمنا طريق الرسل قبلنا، ويعلمنا صفات الأنبياء والمؤمنين وأخلاقهم يعلمنا صفات أهل الجنة وأخلاقهم، وصفات أهل النار وأخلاقهم، كل هذا في القرآن العظيم، وهل هناك فائدة أكبر من هذه الفائدة؟ هل في الدنيا شيء أفضل من هذه الفوائد؟ أن تعلم ما يرضي الله عنك وما يغضبه عليك، وأن تعلم صفات الأبرار والأخيار والمؤمنين حتى تأخذ بها، وأن تعلم صفات أهل الجنة حتى تأخذ بها، وأن تعلم صفات الأشرار والكفار حتى تحذرها، وأن تعلم صفات أهل النار حتى تحذرها، هل هناك شيء أكبر من هذا؟ أما الغناء فمعناه أنه يستفيد منه مرض قلبه وانحرافه عن الهدى، وزيغه عن الحق، هذه الفائدة من الغناء، قال ابن مسعود رضي الله عنه -فيما صح عنه-: [الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل] هكذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والله يقول في كتابه العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] (من الناس) هذا ذم لبعض الناس (يشتري) يعتاض (لهو الحديث) قال أكثر المفسرين: معناه الغناء، وزاد بعضهم مع الغناء آلات الملاهي والطرب وكل صوت يصد عن الحق، كله داخل في الحديث، ثم قال بعده: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج:9] وقرأ بعضهم: (لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) فدل على أن اعتياد الأغاني فيه ضلال عن سبيل الله وإضلال عن سبيل الله، هذه عاقبة لهو الحديث، الضلال والإضلال، نسأل الله العافية. ثم من فوائده: أنه يتخذ آيات الله هزواً، أي: يدعوه بعد ذلك إلى الاستهزاء بالقرآن وعدم الأنس بقراءته، والاستكبار عن سماعه أيضاً، والعياذ بالله! {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [لقمان:7] هذه فوائد الغناء: الضلال والإضلال، والسخرية بسبيل الله، والاستكبار عن سماع آيات الله، هذه العاقبة والعياذ بالله!

حكم طواف الحائض

حكم طواف الحائض Q امرأة دخلت إلى المسجد الحرام وهي حائض فطافت وسعت وأكملت مناسك الحج، فما عليها؟ A هذه عليها أن تعيد الطواف وتعيد السعي عند جمهور أهل العلم وتعيد التقصير، والصواب أنه لا يلزمها إعادة السعي، فإذا أعادت الطواف كفى، وإذا أعادت السعي خروجاً من الخلاف فحسن، ثم تعيد التقصير، تقصر من رأسها وتكون عمرتها صحيحة. السائل: وادعت يا شيخ وذهبت إلى بلدها؟ الشيخ: إذا ذهبت إلى بلدها عليها أن ترجع إلى مكة وليس لزوجها قربانها، وعليها أن ترجع إلى مكة فتطوف وتسعى وتقصر حتى تكمل عمرتها؛ لأن طوافها الأول غير صحيح، فسعيها وتقصيرها لا يكفي، فعليها أن ترجع حتى تكمل أفعال عمرتها، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: اشتراط الطهارة في الطواف. السائل: لكن يا شيخ ولو عملت محظورات الإحرام؟ الشيخ: ولو عملت ترجع، لكن إن وطأها زوجها تكون العمرة فاسدة عند الجمهور ولو أنها جاهلة، تكون العمرة فاسدة وتكملها فاسدة ثم تقضيها بعد ذلك. وقال بعض أهل العلم: إذا كانت جاهلة فلا تفسد عمرتها بالوطء، وعليها أن تكملها وتصح، ولكن جمهور أهل العلم على أن الوطء يفسدها مطلقاً كما يفسد الحج، مع النسيان ومع الجهل؛ لأن الصحابة الذين أفتوا بفساد حج من وطئ قبل عرفة أو بعد عرفة قبل الرمي، أفتوه بأنه فسد حجه ولم يستفصلوه، هل كان جاهلاً أم ناسياً؟ مع أن الظاهر أنه لا يقدم أحد على وطء إلا جاهلاً أو ناسياً، لا يقدم عليه مؤمن يؤمن بالله، عمداً قبل أن يفيض من عرفة، أو قبل أن يرمي جمرة العقبة، وإنما يقع في هذا غالباً الجهال والناسون.

حكم الصلاة إلى النساء في الحرم وغيره

حكم الصلاة إلى النساء في الحرم وغيره Q صليت ذات مرة في المسعى في الحرم المكي وأمامي نساء في المصابيح بعيداً عني قليلاً، فهل صلاتي صحيحة مع العلم أن بيني وبينهن حاجزاً وارتفاعه متران؟ A لا يضر ذلك وصلاته صحيحة، إذا صلى وأمامه نساء في الصف حتى إن ولم يكن هناك حاجز، حتى ولو كن أمامه مباشرة فإن صلاته صحيحة، وهذا قد يقع في المسجد الحرام والمسجد النبوي أيام الحج للزحام، تكون صفوفهم مختلطة قهراً، فصلاته صحيحة وإن لم يكن هناك حاجز أولاً: لأن الوقوف ليس مروراً، والذي يقطع هو مرورهن لا وقوفهن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأمامه عائشة على السرير، عليه الصلاة والسلام، إنما الذي يقطع الصلاة مرور المرأة بين يدي المصلي أو بينه وبين السترة. ثانياً: أن المأموم له حكم سترة إمامه، فلا يضره مرور المرأة إذا كان يصلي وهو مع الإمام، فإن كان منفرداً في صلاة نافلة أو فريضة وهي واقفة أمامه أو مضطجعة فلا يضره ذلك، إلا إذا مرت وقطعت الطريق بين يديه أو بينه وبين السترة، هذا هو الذي يقطع الصلاة على الراجح. لكن لا ينبغي أن تكون المرأة في الصفوف، بل الواجب أن تؤخر إلى ما وراء الناس، لكن قد يأتي في زحام وأمر لا طاقة لأحد به، إذا جاءت امرأة في الزحام لا يستطيع الجنود ولا غيرهم إخراجها أبداً؛ لأن إخراجها فيه بلاء عظيم، ونقلها من صف إلى صف فيه فساد أيضاً وشر، فجلوسها في الصف وبقاؤها فيه حتى ينفرج الناس أسهل وأيسر.

حكم عدم الوفاء بالعهد

حكم عدم الوفاء بالعهد Q أنا شاب قد عاهدت الله على أن أقرأ من مختصر تفسير ابن كثير عدداً من الصفحات في اليوم ولكنني أوف بهذا العهد، علماً بأني قد حددت هذه المدة وقد انتهت، فماذا يجب علي؟ A عليك أن تجتهد، إن كان العهد بلفظ والله فعليه كفارة يمين، وإن كنت قلت: أعاهد الله لأفعلن كذا، فعليك التوبة والاستغفار والرجوع إلى الحق والخير. أما الكفارة ففيها نظر؛ لأنها ليست بيمين، لكن إن كفَّرت احتياطاً فهو أحسن، ولكن لا يسمى هذا يميناً، العهد ليس بيمين، وإنما اليمين أن تقول: والله أو بالله أو تالله. الحاصل أن هذا ليس بيمين، وإذا قصرت في ذلك فينبغي لك أن ترجع إلى الخير، وأن تريح نفسك بقراءة الصفحات، ولكن لا يلزمك ذلك.

حكم زواج أخي من أمي بأختي من أبي

حكم زواج أخي من أمي بأختي من أبي Q إنني شاب طلق أبي والدتي وتزوج امرأة غيرها، وهي تزوجت رجلاً آخر، فأنجب والدي ولدين وبنتاً، وأنجبت والدتي ولداً وبنتاً، فأراد أخي من الأم أن يتزوج أختي من الأب، فهل يصح ذلك أم لا؟ نرجو إفادتنا فأنا في موقف محرج من هذا الموضوع. A ليس هناك حرج إذا تزوج أخو زيد من الأم أخته من الأب، لا بأس؛ لأنه ليس بينهما قرابة، ولم يكن بينهما رضاع. زيد له أخت من الأب وأخ من الأم، فأخوه من الأم ينكح أخته من الأب، لا بأس به؛ لأنه ليس بينهما قرابة. زيد له أخ من أمه فاطمة، فاطمة لها أولاد من خالد، وزيد ابن لمحمد وله أخت من محمد من زوجة أخرى غير أمه أجنبية اسمها حصة، هذه حصة التي هي بنت محمد أخت زيد من أبيه يريد أن ينكحها أخوه من أمه الذي ليس من أبيه بل من أمه فقط، هو أجنبي من حصة بنت محمد؛ لأنه هو من شخص آخر من أم زيد، فهذا الشخص الآخر الذي هو أخو زيد من أمه بعيد عن بنت محمد أخت زيد من أبيه.

حكم الزواج بأخت الأخ من الرضاع

حكم الزواج بأخت الأخ من الرضاع Q أرجو إخباري عن الحكم في السؤال المشكل عليَّ: لي أخ كبير ورضع من زوجة جاري مع بنت لها ثم أتت لهم بنت أخرى، فهل يصح لي أن أتزوج بها أم لا يصح؟ A إذا كان أخوك الكبير هو الذي رضع من زوجة جارك أما أنت فلا شأن لك، أخوك الكبير رضع من زوجة جارك هو الذي لا يحل له أن يأخذ من بنات الجار من بنات الزوجة وزوجها؛ لأنه صار أخاهم، إذا كان رضاعه تاماً خمس رضعات فأكثر، أما أنت فليس لك دخل في هذا، لم ترضع من زوجة جارك، ورضاع أخيك الكبير لا يسري عليك ولا يتعلق بك، المقصود أن رضاع الإنسان لا يسري على أخوته ولا يعم إخوته، فإذا رضع زيد من زوجة محمد رضاعاً تاماً شرعياً، فزيد تحرم عليه بنات محمد من هذه الزوجة ومن غيرها، وتحرم عليه بنات امرأة محمد من هذا الزوج وغيره إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر، أما إخوة زيد فلا يضرهم ذلك، إخوة زيد لا بأس أن ينكحوا من بنات محمد؛ لأنهم لم يرضعوا من بنات محمد، وهم لم يرضعوا من أم المتزوج.

حكم التصوير للضرورة

حكم التصوير للضرورة Q ما حكم التصوير إذا كان الإنسان مضطراً إلى ذلك؟ أفتونا أثابكم الله. A التصوير إذا دعت الحاجة إليه كصاحب تابعية ورخصة قيادة وما أشبه ذلك، فنرجو ألا يكون فيه شيء، إذا علم الله من قلب الإنسان كراهة ذلك وأنه لا يرضاه ولكن للحاجة فهذا من جنس المكره؛ لأنه يحار بينه وبين مصالح كبيرة، إذا لم يكن عنده تابعية أو ليس عنده رخصة يقود بها السيارة، فمضرته عظيمة، فهو أعظم من المكره، وأشد حاجة من المكره، فلا حرج عليه في ذلك، لكن عند التصوير لا يكون راضي القلب، بل يكون كارهاً من قلبه أثناء ذلك.

بعض أحكام سجود السهو

بعض أحكام سجود السهو Q هناك مسألة حدثت بالأمس. أمنا إمام وصلى بنا الركعة الأولى والثانية، ثم سها فقام للثالثة من غير تشهد وذلك في صلاة الظهر، ثم سبحنا فجلس فتشهد التشهد الأول فأطال، فسبحنا فسجد للسهو ثم ارتج عليه، فتقدم إمام ليكمل الصلاة وصلى بنا، فسجد الإمام الأخير النائب للسهو، مع العلم بأن الأول سجد ثلاث سجدات للسهو؟ A هذا شيء غريب! على كل حال هذا الذي ارتج عليه وجلس في التشهد الأول ولم يقم للثالثة والرابعة واشتبهت عليه الأمور وتردد، فقام إنسان ونوى الانفراد عن الإمام وكبر بالناس وكمل بهم، نرجو أن تكون صلاته صحيحة؛ لأنه أنقذ الموقف، وهذا الإمام اشتبهت عليه الأمور وحار ولم يدرِ كيف يفعل. الشيخ: هو سلم أم لم يسلم؟ السائل: سلم قبل الإمام. الشيخ: الحمد لله، إذاً انتهى الأمر، مادام سلم قبل ما فيها إشكال، إذا سلم وقام واحد منهم وكمل بهم هذا لا إشكال فيه، أما إن كان لم يسلم فهو محل الإشكال، إذا سلم الأول جاز أن يقدم ويصلي بهم ويكمل بهم الصلاة أو يكملوا لأنفسهم، أما إذا كان الأول لم يسلم ارتج عليه وبقي حائراً هذا لو صبروا حتى ينتهي الأمر، لكن لو قدموا إنساناً لأنه ارتج عليه ولم يعرف كيف يفعل، فقدموا إماماً وصلى بهم البقية لا حرج في ذلك؛ لأنهم مضطرون إلى ذلك حتى يكملوا الصلاة، وعليهم أن يكملوها مع الإمام الأخير. السائل: سلام الإمام الأول كان بعد تكبير الإمام الثاني الذي انفرد بنا وصلى بنا. الشيخ: الذي ينبغي لو صبروا حتى ينبهوه حينما سلم ويقولون له: بقي لنا ركعتان، مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سلم لركعتين؛ فلما نبهوه قام وأتى بالركعتين، ثم سلم، ثم سجد للسهو صلى الله عليه وآله وسلم، وسلم، هذا ما ينبغي للجماعة، أنهم ينبهون الإمام بعدما سلم أنه ناقص، وأنه بقي عليه ركعتان فليقم يأتي بها، لو فعلوا هذا لكان هذا الذي ينبغي. السائل: سجوده للسهو الثاني؟ الشيخ: الظاهر أنه يسجد سهو؛ لأنه حصل معهم سهو، حصل لبس من هذا الإمام الذي سلم من صلاته، تردد في الصلاة ولم يعرف كيف يفعل، وهذا الإمام الجديد الذي أنقذ الموقف وصلى بهم حصل في الصلاة نوع من النقص، فإن سجد للسهو لأجل سهو إمامه الذي أناب عنه فلا بأس - إن شاء الله - وإن لم يسجد فلا حرج؛ لأنه ما سها هو، الإمام هو الذي سها وانتهى وراح، لكن إن سجدوا لأن سهو إمامهم نقص عليهم فالظاهر لا حرج إن شاء الله؛ لأنهم مجتهدون في هذا ولا يضرهم.

أهمية إرسال الدعاة لدعوة الناس وتعليمهم

أهمية إرسال الدعاة لدعوة الناس وتعليمهم Q أنا طالب حريص على طلب العلم ولكن لا يوجد في بلدنا علماء، فلماذا لا يتبنى فضيلتكم إرسال علماء إلى جهات المملكة حتى نطلب على أيديهم العلم الصحيح؟ A هذا حق، وينبغي لمن ليس عنده أحد أن يكتب لهذا ويسأل؛ لأن الدعاة موجودون ولكنهم قليل، فبالإمكان أن يكتب للقاضي، وبالإمكان أن يرسل داعية يجلس لهم ويعلمهم، فينبغي لمن كان في قرية أو بلد ليس فيها أحد أن يكتب إليَّ مثلاً أو إلى الدولة يطلب منها أن تعمم على الجهات المسئولة بأن ترسل لهم من يعلمهم، لا مانع من هذا، والقضاة قد يقوموا باللازم، وقد يقوم داعية من الدعاة باللازم، فالحاصل أن الذي لا يجد في قريته من يتعلم منه ينبغي له أن يكتب إما إليَّ مثلاً أو إلى الدولة يطلب منها، أو إلى وزارة العدل يطلب منها إرسال قاضٍ حتى يعلم الناس، المهم ألا يسكتوا.

علاج مشكلة إقامة لعب الكرة أثناء الصلوات

علاج مشكلة إقامة لعب الكرة أثناء الصلوات Q حضرت مباراة من قبل صلاة العصر ولم تنته إلا بعد صلاة العشاء والجمهور بكامله لم يصلِّ، فلماذا فضيلتكم لا يتبنى إيجاد علاج لهذا الشيء؟ A هذا بلاء موجود من سنوات كثيرة، وقد عولج بشتى العلاج مشافهة وكتابة مني ومن غيري من العلماء وجماعات أيضاً، ليس مني وحدي، فمني ومن غيري من جماعات، ومن هيئة كبار العلماء، ومن جماعة من المشايخ، ولكن إلى الآن لم يتيسر السلامة من هذا البلاء، ونرجو من الله أن يسهل الخلاص منه، فهو بلاء كبير وانتشر في المملكة انتشاراً كبيراً، فنسأل الله أن يعين أهل العلم والدولة على علاج الموقف مما ينقذ الناس من هذا البلاء، لاشك أنه بلاء عظيم، ونحن لا شك أننا مقصرون، ولكن مع تقصيرنا قد عالجنا عدة معالجات.

حكم أخذ الأموال الزائدة من العمال

حكم أخذ الأموال الزائدة من العمال Q لدي عمال قدمت بهم من بلدهم في مؤسسة لدي وعددهم اثنا عشر عاملاً، وراتب كل منهم ستمائة ريال في الشهر، وأنا أحصل من الواحد منهم في الشهر أكثر من ألف ريال، مع أني أسكنهم وهم تحت كفالتي وأنا في حيرة من المال الزائد، أرشدوني جزاكم الله خيراً؟ A إذا كان الرجل استقدم عمالاً على حسابه وكفالته براتب معلوم، ثم شغلهم في أعمال أخرى على حسابه، وصاروا يتقاضون رواتب أكثر فلا بأس عليه في ذلك؛ لأنه قد ملك منفعتهم بالعقد الأول، وتكلف استقدامهم ومشقة ما يترتب على ذلك، فهو في هذا لا حرج عليه إذا كان قد عاقدهم على أجرٍ معلوم ستمائة مثلاً، ثم صاروا يعملون برضاهم أعمالاً أخرى ليست عنده من جنس العمل الذي عاقدهم عليه أو من غير جنسه، ولكن قد رضوا به فلا بأس، والزيادة حل له ولا بأس، لأنه قد ملك منفعتهم بالعقد الأول، إنما المشكل ما يفعله بعض الناس وهو أن يستقدمهم للكفالة، ثم يعملون ويأخذ من أجورهم الثلث أو الربع أو شيئاً معيناً، هذا محل إشكال، وهذه مسألة لا تزال تدرس في اللجنة عندنا، وقد عرضت على مجلس هيئة كبار العلماء، وقد حصل فيها نظر، ثم تأجل البت فيها، فالحاصل أن هذه مسألة مشكلة، ونرجو أن تحل وبسرعة إن شاء الله، أما هذه التي سأل عنها السائل، وهي أنه استقدمهم على حسابه براتب معلوم، ثم شغلهم في أعمال برضاهم يسلمون له ما تحصلوا عليه ويعطيهم رواتبهم التي اتفق معهم عليها، فلا بأس بهذا.

مصلحة الاستئذان من القضاة في الدعوة إلى الله

مصلحة الاستئذان من القضاة في الدعوة إلى الله Q نحن نريد الدعوة والنصيحة للناس في المساجد أو في غيرها، ولكن لا يتم ذلك إلا بإذن، والإذن الحصول عليه صعب، فأنا لدي اقتراح لعل فضيلتكم يسعى به، وهو أن يوضع الإذن عند رئيس القضاة في كل بلد، والقاضي يتحرى فيمن يعطيه، والله سبحانه وتعالى يوفق الجميع. A يدرس إن شاء الله، هذا اقتراح جيد جزاك الله خيراً، اقتراح لا بأس به، يدرس إن شاء الله، ويشار به على المسئولين، ولعله ينفع إن شاء الله، نسأل الله أن يسهل أمر الجميع.

الغزو الفكري

الغزو الفكري إن مما يدمي قلوب المؤمنين الصادقين ويفطر أكبادهم؛ انتشار ما يسمى بالغزو الفكري وسيطرته على وسائل الإعلام لدى المسلمين، وبثه لسمومه وقذاراته إلى شباب الأمة، حتى استقبلته عقولهم، وتشربته وأحبته قلوبهم، وإنها والله المهلكة العظمى والمحبطة للدنيا والأخرى، ولا مخرج ولا نجاة من هذا كله إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومقاومة هذا الغزو العارم بكل ما أوتينا من قوة، باليد واللسان والسنان.

نعمة إرسال الرسل

نعمة إرسال الرسل الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن المولى عزَّ وجلَّ بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام بما فيه سعادة العالم في العاجل والآجل، وجعلهم رحمة للعباد، وهدى بهم إلى الحق، وأخرج الناس بهم من الظلمات إلى النور، وجعل خاتَمهم وأفضلهم وإمامهم نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام. أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، كما قال جلَّ وعَلا في كتابه المبين: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:33] . والهدى: هو ما بعثه الله به من العلوم النافعة، والأخبار الصادقة، والمواعظ التي تحيا بها القلوب، والقصص التي تذكر العباد بما لأصحاب الإيمان من السعادة، وبما لأصحاب الكفر والضلال من الشقاوة والعاقبة الوخيمة. والدين الحق: هو ما بعثه الله به من الأحكام الشرعية السمحة، والأحكام العادلة، والتعاليم الناجعة المفيدة. فدعا إلى الله عزَّ وجلَّ، وبشَّر وأنذر، وعلَّم الناس ما فيه سعادتهم، وبلَّغهم البلاغ المبين، فلم يقبضه ربه إلا وقد أكمل هذا الدين على يديه، وأتم به النعمة، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

مفهوم الغزو الفكري

مفهوم الغزو الفكري كان موضوع الندوة هذه الليلة هو الغزو الفكري، ولعل أصحاب الفضيلة الذين التزموا بها حصل لهم عارض، ونسأل الله لهم العافية والتوفيق ولنا ولكم وللمسلمين. والغزو الفكري يُعبِّر به العلماء عما تبثه الإذاعات والصحف والمؤلفات، وكل ما ينشره العالم مما يتعلق بالفكر. فإن أعداء الإسلام لما غاظهم الإسلام، ورأوا دخول الناس في دين الله أفواجاً، ورأوا أن الغزو العسكري لا يحصل به المقصود من تشكيك الناس في دينهم، وإخراجهم من دينهم، عمدوا إلى أنواعٍ من الغزو الفكري عن طريق وسائل الإعلام، من تلفاز، وإذاعة، وصحافة وغير ذلك مما يكتبه أعداء الإسلام، ويتكلمون به في الصد عن دين الله، وتشكيك الناس في دينهم، ولبس الحق بالباطل، كما ذكره الله عن أعدائه من اليهود، كما قال جلَّ وعَلا: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:42] . فصارت وسائل الإعلام التي يقوم عليها أعداء الإسلام تنفث كل شر وبلاء، وتثبط عن الحق، وتدعو إلى الباطل، وتدس السم في الدسم، وتشكك الناس في الدين؛ لتخرج الناس من نور الله ومن هداه إلى ظلمات الكفر والضلال، ولتصدهم عن الحق، ولتشجعهم على الباطل، ويكفيهم أن يحصل الشك والريب والتثبيط عن الحق أو الشك فيه. ثم تبعهم في ذلك فساق المسلمين وجهلتهم، الذين ينشرون المقالات الفاسدة، والدعوات المضللة، ويروجون الأباطيل وما يصد عن الحق، كل ذلك مما يدعو إليه الشيطان في قوله جلَّ وعَلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] حزبه هم الكفار، وكل من دعا إلى ما يصد الناس عن الحق ويرغبهم في الباطل فقد ساعد حزب الشيطان: - تارة بالدعوة إلى الزنا والفواحش. - وتارة بنشر صور النساء. - وتارة بالحث على التبرج وبروز المرأة وظهورها بأحسن صورة؛ ليكون ذلك دافعاً للشباب وغيرهم إلى الفساد. - وتارة بنشر العقائد الفاسدة التي أبطلها الإسلام. -وتارة بالتشكيك فيما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبيان الشبه التي تجعل العاقل حيران. كل ذلك من دعوة أعداء الله، وهم أولياء الشيطان وحزبه.

واجبنا تجاه مقاومة الغزو الفكري

واجبنا تجاه مقاومة الغزو الفكري يجب على كل ذي لب، وعلى كل من يريد السلامة أن ينظر في الطريق الذي يبعده عن هذا التيار الفاسد، وعن هذا الغزو المهلك والمشكك، وأن يلزم الطريق الذي به السعادة والنجاة لعله ينجو، ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الدعوات المضللة، وانتشر فيه أنواع الباطل وأنواع الغزو الفاسد والفكر الملحد، وامتلأت الدنيا من الكتابات الصادة عن الحق، وولى أعداء الله الكتبة الذين يصدون عن الحق، فيكتبون في وسائل الإعلام المقروءة، وينشرون في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ما يصد الناس عن الحق، وما يشغلهم عمَّا فيه نفعهم وهدايتهم ليلاً ونهاراً، وكل من له أدنى علم بهذه الوسائل وما ينشره أعداء الله في صحفهم بسائر اللغات يعلم أن البلاد الإسلامية والمسلمين بوجهٍ أخص مغزوُّون بأنواع الباطل، وصنوف الفكر الضال الملحد للصد عن سبيل الله، والدعوة إلى الأخلاق الذميمة، والصفات التي ترضي الشيطان، والأخلاق التي حرمها الله على عباده، وتزهدهم في الأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، والأعمال الصالحة.

الاعتصام والتمسك بالقرآن الكريم

الاعتصام والتمسك بالقرآن الكريم فوجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحذر هذه الوسائل الخبيثة، إلا بالرد عليها، وبيان باطلها، والتحذير منها، ودعوة الناس إلى العناية بكتاب ربهم؛ لأنه أصل السعادة، وينبوع العلم، وهو الحصن الحصين لمن تمسك به، كما قال عزَّ وجلَّ في كتابه العظيم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] . وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت:44] . وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] . وقال سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155] . وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41-42] . إلى غير هذا مما أثنى به على كتابه العظيم، الذي جعله هدىً ومنارةً وسعادة البشرية. فالواجب على أهل الإيمان أن يتمسكوا به، وأن يكثروا من تلاوته وتدبر معانيه، وعلاج أمراض القلوب، وأمراض المجتمع بهذا الكتاب العظيم، كتابةً ونشراً عن طريق الإذاعة والتلفاز، والمؤلفات المفيدة، والرسائل المختصرة الموجزة الدالة على الحق، دفاعاً عن دين الله ونشراً لدين الله، ورداً على تلك المقالات الضالة والكتب المشككة، وما ينشره أعداء الله، ويبثونه من كل طريق.

الاهتمام والعناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم

الاهتمام والعناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها الله أيضاً هدىً للناس ونوراً لمن تمسك بها، وبياناً لكتاب الله، وإيضاحاً لما قد يخفى من كتاب الله، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] . وقال عزَّ وجلَّ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1-3] هو محمد عليه الصلاة والسلام: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] . و {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [النجم:2] أي: محمد عليه الصلاة والسلام، {وَمَا غَوَى} [النجم:2] . الضال هو: الذي يتكلم على غير هدى على غير علم. والغاوي هو: الذي يخالف العلم، يعلم ولكنه يخالف العلم، كاليهود وأشباههم، وهكذا علماء السوء، يعرفون الحق ويحيدون عنه إلى الباطل إيثاراً للهوى، وإيثاراً للدنيا والشهوات العاجلة. فالله نزَّه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن هذا وعن هذا، ليس بضالٍّ ولا غاوٍ، بل هو عالم ورشيد عليه الصلاة والسلام، عرف الحق، ودعا إليه، واستقام عليه، فجعله الله هادياً مهدياً، ورسولاً كريماً، منذراً للناس من الباطل، ومبشراً لهم بالحق: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45-46] عليه الصلاة والسلام. فمكث ثلاثاً وعشرين سنة كلها دعوة إلى الله وتعليم وإرشاد بالقول والعمل عليه الصلاة والسلام، كلها جهاد وصبر بالبدن، واللسان، والسلاح. مكث ثلاث عشرة سنة في مكة دعوةً وإرشاداً، وصبراً على الأذى، وتوجيهاً للناس إلى الخير بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام. ومكث عشر سنين في المدينة، جهاداً بالسيف وباللسان وبالعمل، وتوجيهاً للخير، هو وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة. فوجب على كل من يريد النجاة، وكل من تعز عليه نفسه، ويحب لها السعادة أن يلزم هذين الوحيين: كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يتمسك بهما، وأن يدعو إليهما، وأن يُعنى بحفظهما وتدبرهما، ونشر ما فيهما من العلم، والعمل بذلك، ودعوة الناس إلى ذلك. وقد مَنَّ الله سبحانه على أصحابه الكرام فالتزموا بذلك، واستقاموا على الكتاب والسنة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجاهدوا في سبيل الله، وفتحوا الفتوحات، ومصَّروا الأمصار، وقاتلوا الروم وفارس وسائر دول الكفر وهزموهم، ونشروا الإسلام في بلادهم، وأخذوا الجزية ممن لم يسلم من اليهود والنصارى والمجوس، ودعوا إلى الله قولاً وعملاً، وصبروا على الأذى والجهاد، حتى أعلى الله بهم دينه، ونصر بهم كلمته، ونشر بهم الحق. هكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سار على نهجهم، ومن ساعدهم وشاركهم في هذا الجهاد العظيم، والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ. ولم يزل أولياء الله وأنصاره في الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، حتى تغيرت الأحوال، وظهر في الناس من ليس منهم، ومن يدعو إلى الباطل، وحصل ما حصل من الانحسار وظهور أنواع من الباطل، حتى صارت الأحوال إلى ما هي عليه الآن من كثرة الشر، ودعاة الباطل، ونشاط دول الكفر، وضعف دول الإسلام، وعدم تحكيم الشريعة إلا القليل، فأغلبهم رضوا بالقوانين التي وضعها الرجال ووضعها أعداء الله، وزُهِد في شريعة الله، وانتشر في بلادهم الشر والفساد والباطل؛ لأسباب إعراضهم وتكاسلهم وتثاقلهم عن الحق، وعدم صبرهم على نشره والدعوة إليه وجهاد من خالفه، حتى وقع الباطل وانتشر. فوجبت العودة إلى الأصل الأصيل، إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذان هما الأصلان اللذان جاهد عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهد عليهما أصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان. ولا سبيل إلى السعادة والنجاة من الغزو الفكري وغير الفكري والنصر على الأعداء إلا بالتمسك بهذين الأصلين: - بكتاب الله. - وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. والاجتماع على ذلك، والتعاون في ذلك، قولاً وعملاً وكتابةًَ وجهاداًَ وغير ذلك من أنواع العمل الذي ينصر الحق ويدعو إليه، ويدحض الباطل ويثبط عنه ويفضحه.

واجب الدعاة وطلاب العلم والكتاب

واجب الدعاة وطلاب العلم والكُتاب وقد ظهر في المسلمين ولله الحمد في أول هذا القرن، وفي آخر القرن الماضي دعاةٌ كثيرون للحق، ونشاط في سبيل الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وظهر شباب صالح حريص على التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأيدهم في ذلك أيضاً من المشايخ والعلماء والأخيار شيباً وشباباً حتى ظهر بحمد الله نصرٌ لدين الله، وحياة جديدة ضد الباطل وإن كثر أهل الباطل. لكن مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلَهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) ، وهم بحمد الله الآن في نشاط وزيادة، وقد انتشر في دول العالم وفي أرجاء الدنيا دعاة الحق، وهداة الخلق، من خريجي الجامعات الإسلامية، والمدارس والمعاهد الإسلامية، والحلقات الإسلامية من كل مكان، ليَسْمَعوا الحق ويدعوا إليه ضد أهل الباطل، وقد غاظ هذا أعداء الله، وسبب لهم كثيراً من النشاط في باطلهم، والحيرة مما رأوا. ولكن نسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يوفق المسلمين جميعاً شيباً وشباباً للتكاتف والتعاون في نصر الحق وتأييده، وتأييد القائمين به، ومساعدتهم، وأن ينصرهم جميعاً على أعداء الله، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله بالسيف والسنان، وبالحجة والبرهان، وأن يثبت أهل الحق على حقهم، وأن يهدي حكام المسلمين ليقوموا بالحق وينصروه، ويحكِّموا شريعة الله فيما بينهم حتى ينصرهم مولاهم، وحتى يعينهم على أعدائهم، وحتى يثبت لهم ما هم فيه من الخير، وحتى يحميهم من مكائد أعداء الله، إنه عزَّ وجلَّ جواد كريم. والواجب على كل طالب علم وعلى كل عالم أينما كان أن يبذل وسعَه في نصر الحق، هذا زمانه، وهذا زمان الدعوة، وهذا زمان الجهاد باللسان، ونشر الحق والدعوة إليه، كتابةً ودعوةً وخطابةً وغير ذلك من أنواع الجهاد: بالقلم، واللسان وبالعمل، والتوجيه، والنصائح الفردية والجماعية الخطابية وغيرها، هكذا يكون الجهاد، وهكذا يكون العالم وطالب العلم أينما كان، في بلاده وغير بلاده، ينشر الحق ويدعو إليه صابراً محتسباً، يريد ثواب الله والدار الآخرة، ينشره في وسائل الإعلام حيثما كان، وحسبما يتيسر له مع التثبت والعناية بمعرفة الحق، فإن الكلام في غير بصيرة يضر كثيراً، فلا بد من البصيرة، ولا بد من العلم، كما قال الله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] بل حرم القول عليه بغير علم. فعلى العلماء والدعاة أن يتبصروا، وأن ينطقوا بالحق، وأن يجتهدوا في هزم الباطل والقضاء عليه، وحماية المسلمين من هذا الغزو الذي نوَّعه أعداء الله عن طريق الإذاعات، والتلفاز، والصحافة، والمؤلفات، والخطب المنبرية، والخطب الجماعية في المحافل إلى غير ذلك. فالشيء يُحارَب بجنسه، فالباطل يُحارَب بجنسه حسب الطاقة والإمكان، وبذلك يؤدي العالم وطالب العلم والمؤمن البصير بدينه ما أوجب الله عليه، ولا ينبغي لعاقل أن يحقر نفسه، كما جاء في الحديث: (لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى شيئاً لله في مقال فلا يقول) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. لا بد أن يتكلم طالب العلم بما يعلم من الحق الذي هو على بصيرة فيه ولا سيما عند ظهور الباطل في أي مكان، وعند التباس الأمور، الله هو الذي أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء جلَّ وعَلا، كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] . هذا الكتاب العظيم وهو القرآن فيه الحجة والبيان فيه الهدى فيه بيان طريق السعادة فيه دحض الباطل والقضاء عليه والرد عليه. فلا يجوز للعالم أن يرضى بالسكوت، أو يرضى بدون ما يستطيع في أي مكان، في الغرب والشرق والجنوب والشمال، في السيارة والطائرة والقطار، في أي مكان كان، وعلى أي وجه استطاع أن يدعو إلى الله، ولا ييئس، ولا يقول: هذا لغيري، ولا يقول: الناس ما فيهم خير، ولا يقبلون، لا، كل هذا لا يَقُلْه، كل هذا مما يحبه الشيطان. ولكن ليتكلم وليقل الحق، وليعمل بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] . الحكمة: العلم، قال الله وقال رسوله، سمى الله العلم حكمة؛ لأنه يردع الناس، ويوقفهم عند حدهم، وكل كلمة وعَظَتْك، وذَكَّرَتك، ورَدَعَتْك عن الباطل ودَعَتْك إلى الحق فهي حكمة. ثم مع ذلك الموعظة؛ لأن بعض القلوب قد تكون قاسية تحتاج إلى عِظَة، قد لا يأخذ منها العلم مأخذه، إذا سمعت العلم فتحتاج إلى الموعظة حتى تلين، وحتى تقبل الحق، يذكرها بالله، وبالدار الآخرة، وبالجنة والنار، وأن هذه الدنيا دار الزوال والفناء، وليست دار إقامة، وأن دار الإقامة أمامك إما الجنة وإما النار، ولا بد من الترغيب فيما عند الله من الجزاء، والتحذير مما عند الله من العقوبات لمن حاد عن سبيله، أو دعا إلى ضده، ولهذا يقول جلَّ وعَلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] . فأنت -يا عبد الله- على حسب حالك، العالم الكبير، وطالب العلم، والمؤمن المتبصِّر الذي عنده من البصيرة ما يستطيع به الدعوة إلى سبيل الله، والدفاع عن دينه ما علم، كلٌّ عليه نصيب، وكلٌّ عليه أداء الواجب الذي يستطيعه، مع تحري الحق، ومع الأسلوب الحسن الذي فيه إيصال الحق إلى القلوب من غير تنفير. فالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن التي أرشد الله إليها، هو الطريق الذي يوصل الحق إلى القلوب، فالعلم قال الله وقال رسوله وشرح لذلك، وبيان لذلك بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والعِظَة الحسنة، وعند الشبه الجدال بالتي هي أحسن، إذا أبدى شكاً وشبهة، وأراد أن يستفيد ما يزيلها، أو أراد الصد عن الحق بها، يجادل بالتي هي أحسن، حتى يتضح الحق للمستمعين، وحتى تزول الشبهة، وحتى يهدي الله بذلك من سبقت له من الله السعادة. والطرق اليوم غير الطرق بالأمس، الطرق اليوم كثيرة، وسائل الدعوة متعددة والناس مقبلون عليها، فوجب على أهل العلم والإيمان أن يعمروها بالخير، وأن يشغلوها بالحق ضد الباطل، ولو بذلوا الأموال في ذلك، فإن هناك صحفاً في الخارج لا تكتب إلا بالمال، أما هنا فقد يستطيع بحمد الله أن يكتب وينشر لغيره ما يمهله؛ لأنه قد يكون في مكان يحتاج إلى مال، وقد تكون هناك صحف معروفة تحتاج إلى مال، فيعطيها من المال ما يسبب نشر الحق، والدعوة إلى الحق، وهكذا الإذاعات تحتاج إلى مال، وهكذا النقلٌ من لغة إلى لغة مع الترجمة، كل هذا يحتاج إلى البذل في سبيل الله، حتى ينشر الحق، وحتى يدعو إليه حسب طاقته باللغة التي يعرفها، وباللغات الأخرى التي يستطيع أن يبذل المال حتى تحصل الترجمة لمقاله إلى اللغة التي يريد. والصحافة تحتاج إلى عناية، وكذلك الإذاعة والتلفاز عندنا وعند غيرنا، وعند غيرنا أكثر، فلا بد من العناية، فالقراء هنا والعلماء هنا، واجبهم أن يُعنوا بذلك، وأن يتَّبعوا ما يكون في الصحافة من خطأ بالتنبيه عليه، وما يقع في الإذاعة من خطأ بالتنبيه عليه، وما يقع في التلفاز من خطأ فينبهوا عليه، ولا يجوز لأحد أن يقول: هذا لفلان، أو هذا يلزم فلاناً، هذا خطأ. على العلماء جميعاً، وعلى الكتَّاب جميعاً الذين لهم قدرة أن يشاركوا في هذا الحق وهذا الخير ضد هذا الغزو الذي قام به أعداء الله ونوابهم، فليس لأحد أن يقول: هذا ليس إليَّ، كل مسلم عليه واجبه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] . {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} [فصلت:33] . {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] . {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] الآية. كل منا عليه واجب، وكذلك كل مسلم في بلاد الله في المشارق والمغارب في جميع أنحاء الدنيا، كل مسلم وكل طالب علم، وكل عالم، وكل مؤمن عليه واجبه من الدعوة إلى دين الله الذي أكرمه الله به ونفي الشُّبه عنه والباطل، والرد على خصومه بالأساليب والطرق التي يراها ناجعة، توصِل إلى الحق، وترغِّب في قبول الحق، وتردع الباطل.

خطر التهرب من المسئولية في مقاومة الغزو الفكري

خطر التهرب من المسئولية في مقاومة الغزو الفكري ومن المصائب العظيمة أن يقول الإنسان: أنا لست مسئولاً هذا على غيري، فهذا منكر عظيم لا يقوله العاقل إلا إذا كان في محل كفاه غيره أو أزاله غيره أو باطل نبه عليه غيره، وزال المحظور. أما ما يتعلق بالرد على خصوم الإسلام، ونشر المقالات المفيدة، وتأليف الرسائل النافعة، والكلام في الإذاعة وفي التلفاز، ونشر ما ينفع في الصحافة، فكلٌّ عليه واجبه، حتى يُنصر الحق على الباطل، وتقوم الحجة على خصوم الإسلام. أهل الباطل يتكاتفون الآن؛ الشيوعيون والنصارى والملحدون، وسائر أنواع أهل الباطل، كلهم يتكاتفون ضد الحق، ويبذلون الأموال وهم على باطل، فهم دُعاة إلى النار، حتى يذهبوا إلى المحلات النائية والغابات الخطيرة يدعون إلى النار، من الشيوعيين والنصارى والقاديانيين، والبهائيين، وغيرهم من دعاة الباطل، والرافضة الآن تنشر دعوتها إلى الباطل في كل مكان، يسبون دين الله فيما يفعلون من نشر الأباطيل، فإن سبهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتهامهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغلوهم في أهل البيت كـ علي والحسين والحسن وغيرهم، كل هذا من أنواع الباطل، والصد عن سبيل الله، وهكذا جميع دعاة الباطل، كلهم على هذا المنوال؛ لكن منهم من باطله ظاهر كالنصارى واليهود والشيوعيين وأشباههم، وبعضهم قد يلتبس أمره، كـ الرافضة وسائر أهل البدع، وكـ القاديانية الذين يتظاهرون بالإسلام، وهم يزعمون أن إمامهم ميرزا غلام، نبي يوحى إليه بعد محمد عليه الصلاة والسلام، فيدعون إلى اتباعه، وهكذا سائر صنوف الضلالة. فالواجب على أهل الإسلام في كل مكان أن ينشروا الحق ضد الباطل الذي عندهم، كل من كان عنده باطل فواجب عليه أن ينشر الحق ضده، وأن يكون نشاطه في صد الباطل الذي عنده أكثر من الباطل الذي هو عنده، حتى يطهر بلاده وقريته وقبيلته من هذا الباطل الذي انتشر فيهم، مع تعليمهم الحق، وإرشادهم إلى الحق والهدى. فالجهود من أهل العلم يجب أن تكون موزعة، فلما عندهم من الباطل نصيب، ولأنواع الباطل الأخرى نصيب؛ لكن الباطل الذي في بلدهم والذي عندهم يجب أن يكون النشاط في إبعاده والقضاء عليه أكثر، حتى تسلم الأمة عندهم من شره وباطله. وينبغي أن يكون أهل الحق أنشط من أهل الباطل وأصبر عليه، إذا كان أهل الباطل يصبرون (100%) ، فالواجب على أهل الحق أن يصبروا (300%) و (400%) و (1000%) ، حتى يكونوا أنشط من أهل الباطل؛ لأن أهل الباطل يدعون إلى النار، وأنت تدعو إلى الجنة والسعادة، ولك مضاعفة الأجور، ففرق عظيم. لكن بعض أهل الباطل نشطوا في باطلهم، ويحسبون أنهم على حق، وأنت تجزم أنك على الحق والحمد لله، قال تعالى في حق أهل الباطل: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف:30] . فالنصارى وأشباههم من العامة يحسبون أنهم على هدى، ويصبرون على الذهاب إلى الغابات، ومشارق الأرض؛ يدعون إلى النصرانية، إلى النار، ويحسبون أنهم على هدى. وهكذا من ضل من هذه الأمة، من المتصوفة، وأنواع أهل البدع، أكثرهم يحسب أنه على هدى، وإن كان دعاتُهم وكبارهم قد تكون لهم أغراض، وهم يعرفون أنهم على باطل؛ ولكن لهم أغراض وأهداف يعملون لها في هذه العاجلة، فواجب على أهل الحق أن يكونوا أنشط وأقوى وأصبر في الدعوة إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والسير على منهج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولزوم طريق أهل السنة والجماعة بفعل ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، والوقوف عند حدود الله، وإرشاد الناس إلى ما يلزمهم من الحق، وتنبيههم على ما عندهم من الباطل حتى يهتدوا. فالناصح للناس هو الذي يرشدهم إلى الحق، يرشد المبتدع إلى السنة، ويقول: عملك هذا خطأ، فعليك بكذا وكذا، قال الله كذا، قال الرسول عليه الصلاة والسلام كذا، وهكذا سائر أهل البدع، يرشدهم ويدلهم على الحق لعل الله أن يهديهم بسببه من سائر صنوف المبتدعة. وفي هذا الشهر شهر ربيع الأول هناك بدعة منتشرة في كثير من البلاد الإسلامية بأسباب عدم نشاط أهل العلم في مكافحتها وهي بدعة الموالد، والاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، وفي بلدان أخرى موالد أخرى يعظمونها، ويحتفلون بها، ويقع بها من الشرك والكفر والضلال ما الله به عليم، وهكذا في مولد النبي عليه الصلاة والسلام يقع فيه بالنسبة إلى بعض الناس من الشرك بالله، والاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ودعوته من دون الله، واللَّجَأ إليه ما هو شرك أكبر؛ نعوذ بالله من ذلك، مع ما فيه من البدعة؛ لأن هذه الاحتفالات بالموالد مما أحدثه الناس بعد القرون المفضلة، فما كان الناس يعرفون بدعة الموالد لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة، ولا في عهد التابعين، لا في المائة الأولى، ولا المائة الثانية، ولا المائة الثالثة، وإنما وقع في المائة الرابعة وما بعدها، لأسباب الرافضة، وتبعهم غيرهم من جهلة أهل السنة.

جهاد أهل البدع والأهواء باللسان والبنان

جهاد أهل البدع والأهواء باللسان والبنان الواجب على جميع المسلمين العناية بالدين، والتفقه في دين الله، والتبصر، وسؤال أهل العلم عما أشكل، والإقبال على القرآن والسنة الصحيحة، حتى يَفْهَم طالب العلم دينه ويكون على بصيرة ويُفَهِّمَه الناسَ من الجماعة الذين عنده من العامة في بلده، أو في قريته، في قبيلته بالبادية، وقد انتشر العلم الآن بالنسبة إلى وسائل الإعلام التي وُفِّقت لنشر الحق، كما قد يُنشر مقالات في صحف هذه البلاد وفي غيرها. وهكذا ما يُنشر من طريق إذاعة القرآن في هذه البلاد، وما يُنشر من طريق برنامج (نور على الدرب) ، يُنشر فيه علم، وقد نفع الله كثيراً من الناس بهذا البرنامج، وبهذه الإذاعة؛ إذاعة القرآن. وهكذا بالمقالات التي يكتبها العلماء في أماكن كثيرة؛ في مصر، والشام، وبلاد المغرب، وبلاد أوروبا، وبلاد أمريكا -ولله الحمد- بقايا من أهل الحق ينصرون الحق في أماكن كثيرة، وينشرون ذلك في الصحف السيارة المعروفة، وإن كانوا قليلين بالنسبة إلى أعداء الله؛ ولكن الله قد نفع بذلك. والمطلوب هو الاستكثار من هذا الخير، وأن يتكلم من لا يتكلم، وأن يكتب من لا يكتب من أهل العلم والبصيرة، وألا يكتفي بهؤلاء، بل عليه أن يجاهد كما جاهدوا، وأن يكتب كما كتبوا، وأن يتتبع ما يُنشر من الباطل في الصحف السيارة والمجلات والإذاعات والتلفاز وغير ذلك مما يُذاع ويُنشر؛ يتتبعه، ويرد الباطل، وينشر الحق، ويصبر على الأذى في ذلك؛ وعلى التعب هذا هو الجهاد. الدعوة إلى الله جهاد، والكتابة في سبيل الله جهاد، والتأليف في ذلك جهاد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) . فالدعوة إلى الله جهاد، وكان حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم يهجو المشركين بشعره رضي الله عنه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اهجهم، والذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل) اللهم صلِّ عليه وسلِّم، ويقول: (اهجهم، فإن روح القدس معك) أي: جبرائيل عليه الصلاة والسلام. فهجاء المشركين بالكتابة وبالشعر الموافق للحق، وبالكلام في الإذاعات وفي الخطب، كل ذلك مما ينصر الله به الحق، وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها كلام خطابة ودعوة، ثم كتب عليه الصلاة والسلام للرؤساء والملوك؛ لكن أكثر دعوته عليه الصلاة والسلام كلها خطب وكلام، في المدينة وفي مكة، وفي غزواته، مع أفعاله التي هي دعوة إلى الله أيضاً؛ لأن فعله دعوة عليه الصلاة والسلام، ويتأسون به عليه الصلاة والسلام في أفعاله، وسيرته، وقيامه وقعوده، ونومه ويقظته. هكذا يجب على العلماء أن يتأسوا به عليه الصلاة والسلام؛ ولكن الله يسر لهم في العصور الأخيرة هذه الوسائل الجديدة التي تبلغ للناس في كل مكان، هذه الإذاعات، وهذه الصحافة تنتشر في العالم تنقل كلمتك، إن كانت حقاً نفع الله بها ما شاء سبحانه وتعالى في سائر الدنيا، وإن كانت باطلاً تضرر بها الكثير، تكتبها في الرياض، وتُتلى في أمريكا وأوروبا وفي كل مكان، تنشرها في مؤلف يُنقل إلى كل مكان، تقولها في إذاعة أو تلفاز ثم يُنشر إلى كل مكان، ليس من جنس الأول، الأول قد تكون كتابةً محدودةً في بلدك أو ما حولها؛ لكن الآن في اليوم الواحد، أو في الليلة الواحدة، أو في الساعة الواحدة تُقال الكلمة ويسمعها العالم، من هاهنا وهاهنا، فإن كانت في حق فيا لها من نعمة، وإن كانت في باطل فيا لها من جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالإنسان ينظر لحالة الناس اليوم، يخطب خطيب في أمريكا يسمعه الناس في كل مكان، يخطب خطيب في مصر يسمعه الناس، وفي مكة، وفي الرياض، وفي أماكن أخرى، بحق أو باطل، فيدعو إلى رشد أو إلى ضلالة يُسمع. وأكثر الخلق مع الضلالة ولا حول ولا قوة إلا بالله أكثر الخلق مع الهوى، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] وأغلب الخلق مع باطلهم وأهوائهم وشهواتهم، ليسوا مع الحق. فلا يصبر على الحق إلا أهل البصائر والعقول، وأهل النظر والتبصر والتدبر والتعقل، الذين يؤثرون الحق على الباطل، ويعرفون العواقب عن إيمان وبصيرة. لكن أكثر الخلق مثلما قال الله جلَّ وعَلا: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] جعلهم أضل من الأنعام، بعض البهائم أهدى من بعض البشر، تنفع الناس، وتسلك طريقها في رعيها وفي غيره ولا تؤذي الناس. أما أكثر الخلق فهم شر من الأنعام، لا ينفع بل يضر -نسأل الله العافية- وهذا فيه عبرة للعاقل أن يأخذ حذره حتى ينفع ولا يضر، إما أن ينفع الناس بكلامه أو فعاله أو ماله أو جاهه، وإما أن يقف فلا يضر الناس. ومن البلايا والمصائب أنه قد يعمل، ويحسب أنه على هدى، ويحسب أنه يفيد وينفع وهو يضر الناس، كما قال الله سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:103-104] . هذه الخسارة العظيمة أن تبذل الأموال والأوقات وصنوف العمل فيما يضره ولا ينفعه، وفيما يُغضب الله عليه، ويصد عن الحق، فهذه خسارة عظمى، نسأل الله العافية.

دعوة للمحاسبة والمراجعة

دعوة للمحاسبة والمراجعة فالعاقل يحاسب نفسه ويجاهدها وينظر، ولا يسكت ولا يغفل، بل ينظر ماذا عمل؟! وماذا قدَّم لآخرته؟! كما يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:18-20] . فالعاقل ينظر ماذا قدَّم لآخرته! ماذا حصل منه ضد الباطل! ماذا عمل لسعادة أهله وأولاده وجيرانه وجماعته! لا يغفل لا بد أن ينظر دائماً هل هو في خسارة أم في ربح! في سعادة أم في شقاء! في هدى أم في ضلال! ينظر ويحاسب نفسه دائماً، ويلزمها بالحق الذي عرفه؛ بالمحافظة على الصلاة في جماعة، بأداء الزكاة، بر الوالدين، صلة الرحم، صدق الحديث، البعد عن أنواع الفساد، صحبة الأخيار، ترك صحبة الأشرار، هكذا يحاسب نفسه، إن كان يتعاطى مسكرات حاسب نفسه وترك المسكرات، وإن كان يجالس الأشرار حاسب نفسه وابتعد عنهم، ينظر هل يستفيد أم يتضرر! هل هو يعمل لآخرته أم يعمل للنار! يحاسب نفسه. الوقت وقت خطر عظيم، أينما كنتَ ترى الباطل، وتسمع الباطل في كل مكان، أينما كنتَ فالمذياع حاضر، والتلفاز حاضر، والصحافة حاضرة، فيها من الشر ما لا يعلمه إلا الله، وأنت تسمع بأذنك، وترى ببصرك، وتكتب بقلمك، أو تقرأ، فانظر ماذا حصَّلت منه! وماذا تكسب من سماع الإذاعة ومن مشاهدة التلفاز ومن قراءة الصحف؟! هل أنت تكسب خيراً منها أو تكسب شراً؟ فإذا كنتَ تكسب شراً فاحذر، قف! فإن كنت تكسب خيراً فاحمد الله، واستمر على الخير، واحذر الباطل، ثم لا تقتصر على نفسك، بل انصح أخاك، وزوجتك، وأباك، وأمك، وولدك، وجارك، وصديقك، تنصحه عما ترى وعما تشاهد من الباطل الذي قد يضره كما قد يضرك، والمسلم أخو المسلم. يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ويقول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) . إذا كانت النصيحة قبل هذا الوقت وقبل هذه الحوادث واجبة؛ فهي اليوم أوجب وأوجب. وإذا كانت الدعوة قبل مائة عام أو مائتي عام واجبة؛ فهي اليوم أوجب وأوجب وهكذا. فالآن طفح الشر وزاد وانتشر، فوجب أن تضاعف الجهود في مضادته ومكافحته، وهذا هو الغزو الفكري الذي يقولون عنه، وهو ما يأتيك من طريق الصحافة والإذاعة والتلفاز والمؤلَّفات، كل هذا وفكري، وإلحادي، فهو غزو ضار إلا ما رحم ربك فأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يرزقنا جهاد هذه النفس ومحاسبتها؛ حتى تستقيم على الحق، وحتى تَدَعَ الباطل، وأن يرزقنا وإياكم صحبة الأخيار، والبطانة الصالحة، وأن يعيذنا والمسلمين جميعاً من صحبة الأشرار، ومن البطائن الضارة، وأن يوفق علماء المسلمين في كل مكان لنصرة الحق والقيام بما يجب عليهم من الدعوة إليه، والصبر على ذلك، وأن يوفق حكام المسلمين في جميع الدنيا لِما فيه رضاه، وأن يعينهم على نشر الحق، وعلى الحكم بالحق، وعلى قمع الباطل، وعلى جهاد الباطل وأهله أينما كانوا، وأن يعيذهم من طاعة الهوى والشيطان، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم. ونسأله بوجهه الأكرم أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يعينهم على إصلاح وسائل الإعلام؛ حتى يزول منها الشر، وحتى يثبت فيها الخير، وحتى تكون أداة خير وإصلاح من جميع الوجوه، وأن يرفع الله عنا كل بلاء، وأن يوفق علماءنا وعلماء المسلمين في كل مكان لأداء الواجب، ونصر الحق، وأن يوفق عامة المسلمين للتبصر والنظر والثبات على الحق، والسؤال عن الحق وترك الباطل، والتواصي بالحق فيما بينهم، إنه سميع قريب. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.

الأسئلة

الأسئلة

أهمية الإذن بالتصريح للداعية بالدعوة إلى الله

أهمية الإذن بالتصريح للداعية بالدعوة إلى الله Q ذكرتم في بيانكم أن على جميع طلبة العلم أن يتكلموا ويتحركوا لدين الله، وهذا صحيح -جزاكم الله خيراً- أن هناك غفلة من قبل طلبة العلم خاصة؛ ولكن هناك نقطة مهمة وهي: أنه لا يجوز لهم بأن يتكلموا إلا بموجب تصريح، وإلا فسيتعرضون للأذى، وللخطابة شروط، لا تتوفر لدى أي طالب علم، لذا يجب أن يُترك المجال لكل مَن يجد مِن نفسه الكفاية، فما رأيكم في هذا؟! A التصريح مُيَسَّر بحمد الله، وكل مَن عُرِف بالخير يعطى التصريح، ولا يعطى الكلام لكل من هبَّ ودب، حتى يتكلم دعاة الباطل لنشر باطلهم، لكن هذا والحمد لله ميسَّر، مَن عُرِف بعلم أو التخرُّج من كلية الشريعة أو كلية أصول الدين، أو شهد له العلماء بالخير ولو عالماً واحداً يعطى التصريح، ويتكلم ويخطب، والحمد لله.

الرد على دعاة الاختلاط في المدارس

الرد على دعاة الاختلاط في المدارس Q من أهداف الغزو الفكري: إنشاء فصول مختلطة بين الذكور والإناث، وقد قرأتُ في الصحف أن الرئاسة العامة لتعليم البنات قد درست إنشاء فصول مختلطة من المرحلة الابتدائية، فما رأيكم في ذلك؟ A هذا سمعناه البارحة؛ ولكن لا يكون إن شاء الله، سوف يُعالج، هذا له دعاة من قديم، ومن سنوات كثيرة، يدعون إلى أن تكون الدراسة الابتدائية مختلطة، وبعضهم يقول: الأولى والثانية، وبعضهم يقول: الأولى والثانية والثالثة؛ لأنهم صغار، في سن ست سنين وسبع سنين؛ ولكن مقصودهم ما وراء ذلك، مقصودهم فتح الباب حتى يكون ما وراء ذلك في المتوسط، ثم الثانوي، ثم الجامعي، دعاةُ الباطل لهم مقاصد خبيثة، ولهم أهداف بعيدة؛ لكن نسأل الله أن يبطل كيدهم، ويعين عليهم، ويكفينا شرهم.

دعوة مكافحة دعاة التنصير

دعوة مكافحة دعاة التنصير Q في إحدى الشركات المحلية وجد أحد الإخوان الطيبين رسالة معلقة على الحائط موجهة من أحد دعاة بـ النصرانية، واكتَشَفْتُ أن هذا المبشِّر يعمل بالشركة، وهو إنجليزي، وقد حاولت تصوير هذه الرسالة التي ارتسم الصليب على بدايتها، وهي بالإنجليزية؛ ولكنها ليست معنا الآن، فما رأيكم تجاه هذا العمل؟ وهل علينا إيصال هذه الرسالة إلى سماحتكم؟ A نعم، مَن وجد شيئاً منشوراً بالصليب، على الجدران، أو من يوزّع الصليب، فجزى الله خيراً من يوصِّل لنا ذلك أو للهيئة أو لوزارة العدل، أو مجلس القضاء، أي جهة يراها مفيدة يتصل بها.

واجبنا تجاه المنكرات المنتشرة

واجبنا تجاه المنكرات المنتشرة Q ما رأي سماحتكم، وماذا نستطيع أن نفعله! هناك من المنكرات ما لا نستطيع أن ننكره، حتى ولا باللسان، مثال ذلك: الاختلاط والتبرج في مستشفى الملك فيصل التخصصي؛ حيث يوجد هناك من المنكرات ما لا نستطيع ذكره في هذا المجال، نرجو من سماحتكم الإجابة على هذا السؤال! كما نرجو أن يكون الاتصال مع كبار المسئولين لإزالة هذا المنكر؟ A هذا فيه اتصالات كثيرة، نسأل الله أن ينفع بالأسباب، والمؤمن يتكلم بالحق ويدعو إليه ولو ما قُبِل منه، هكذا مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) يقول الإنسان: أنا تكلمت فما سمعوا، لا، كل واحد يتكلم ولو ما قُبِل منه لا يسكت، يتكلم بالحق ويدعو إليه ولو ما قُبِل، ويكتب للناس المسئولين، لمحكمة بلاده، أو الهيئة في بلاده، لي أنا مثلاً لأني مسئول عن الدعوة، لمجلس القضاء، وزارة العدل، وزير الداخلية، نائب وزير الداخلية، لأمير بلده، يفعل الأسباب، لا يتساهل ولا يضعف.

أهمية نشر أشرطة المناظرات بين المسلمين والنصارى

أهمية نشر أشرطة المناظرات بين المسلمين والنصارى Q سماحة الشيخ، يقول الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] بفضل الله ونصرة من الله قامت في أمريكا مناظرة في قاعة كبيرة حضرها فريق من المسلمين، وعلى رأسهم عالم مسلم من أفريقيا، مع النصارى وعلى رأسهم قسيس أمريكي، ودار الحوار بين الفريقين، وقد كسب العالم المسلم المناظرة وبيَّن بالأدلة مما يزعمون أن بين أيديهم الأناجيل وهي المحرفة، وقد سُجِّلت على شرائط فيديو، وقد استُؤذن بتداولها، وحصلت الموافقة، أليس هذا دعوة للإسلام، ونصرة لله؟ والسؤال: لماذا لم يُنسخ هذا الشريط ويُباع ويُهدى لغير المسلمين؟ وهو مترجم بالعربي، والحديث باللغة الإنجليزية في المناظرة، أليس هذا دعوة للإسلام كما يُبَث في شرائط الفيديو من السفور والتبرج إلى آخره مما نراه، إذا رغبتم في الشريط فهو تحت أمر سماحتكم؟ A نعم، نحب أن نطلع عليه، وهذا لم يبلغنا، وجزاك الله خيراً، سنطلع عليه وإذا كان طيباً فلا بأس. الحمد لله مثلما قال الله جلَّ وعَلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] . ويقول جلَّ وعَلا: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:40-41] . المهم أن ينصر الله، وأن يكون بصيراً بدين الله.

خطورة التبرج والاختلاط في الحدائق وغيرها

خطورة التبرج والاختلاط في الحدائق وغيرها Q في حديقة السويدي، يوجد فيها اختلاط وتبرج ومغازلة بين الرجال والنساء، فنرجو من سماحتكم التنبيه على ذلك جزاكم الله خيراً! A مسألة الحدائق خطرها عظيم! والحدائق يجب أن يحذر المسلم من شرها، فإذا كانت الحديقة فيها اختلاط فالواجب الحذر، وألا يذهب إليها، لا بنفسه ولا بأهله، حتى يزول ذلك، وحتى يجد حديقة سليمة ليس فيها شر، فيذهب إليها، أو يذهب إليها مع أهله، مع أن السلامة ترك ذلك. فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في هذه الأمور، كثير من الناس لا يبالي ولا يهمه أن تكون زوجته أو بنته أو أخته مع الناس في هذه الأشياء المختلطة لعدم الغيرة. الواجب على المؤمن أن تكون له غيرة، وأن يُنكر ما يرى من الباطل، وأن يكتب إلى المسئولين في بلاده، فإذا جاءت من هذا ومن هذا ومن هذا عرف الناس أن هناك غيرة، وأن هناك نشاطاً في الحق، أما السكوت فهو طريق الشيطان، هذا الذي يحبه الشيطان، ويسكت الناس على الباطل حتى ينتشر.

نصيحة لمن يتساهل في صلاة الجماعة

نصيحة لمن يتساهل في صلاة الجماعة Q عندي جيران لا أراهم يخرجون إلى المساجد للصلاة مع الجماعة ويصلون في بيوتهم، وقد نصحت بعضهم فقال: إني أصلي في البيت. فلا أدري ما أعمل معهم، أرجو أن توجهوا النصيحة إلى أمثال هؤلاء؟ A الواجب على من يعرف من جيرانه عدم الصلاة في المساجد أن يتصل بهم هو وبعض إخوانه، لا يكون وحده، هو وبعض إخوانه أنفع، يكونون اثنين أو ثلاثة من إخوانه، فيذهبون إلى جارهم أو جيرانهم وينصحونهم: ما رأيناكم في المسجد، لماذا لا نراكم يا إخوان؟ فالواجب أن تحضروا مع إخوانكم؛ لحديث: (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا لعذر) وقد استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى، قال: (يا رسول الله، هل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، وأنا رجل أعمى ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فقال له المصطفى عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب) وهو أعمى، ما عنده قائد يلائمه، ومع هذا قال: أجب، فكيف بحال البصير الصحيح؟! الواجب على الإخوان الذين حولهم جيران لا يشهدون الصلاة أن ينصحوهم بنصيحة جماعية؛ لأن الواحد قد يحتقرونه، أو يتكبرون عليه، أو يقابل مقابلة رديئة؛ لكن إذا كانوا جماعة يكون أقرب إلى النجاح، ثلاثة أو أربعة أو خمسة يذهبون، ويزورون الشخص، أو يقابلونه في الطريق وينصحونه، حتى تكون النصيحة لها ثمرة كبيرة إن شاء الله، والزيارة إلى البيت في الوقت المناسب تكون جيدة: جئناك يا أخي للدعوة، لإنقاذك وبراءة ذمتنا وهكذا. وهكذا غير الصلاة، إذا علموا من جارهم شيئاً واضحاً من المنكر نصحوه، ولا يسكتون عن الباطل، ولا يرضون لأخيهم بالنار، ولا بطاعة الشيطان، (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبَّك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام) . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) هكذا المسلمون، إذا اشتكت عينك من الألم عم الألم كل البدن، والنوم يذهب، والسهر يعم، وهكذا إذا اشتكت رجلك أو يدك أو غير ذلك. وهكذا أخوك المؤمن، ولا سيما جيرانك وأقاربك، هم في أشد الحاجة إلى النصيحة، والتألم لهم، حتى ينشطوا في الحق، وحتى يَدَعوا الباطل إذا رأوا من إخوانهم النشاط والنصيحة.

الواجب تجاه دعوة الجاليات وتعريفهم بالإسلام

الواجب تجاه دعوة الجاليات وتعريفهم بالإسلام Q أغلب عمال الصيانة والنظافة المجودون بالوزارات مسلمون، ولكنهم لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، بل أغلبهم لا يصلي بالكلية، وبعضهم يصلي يوم الجمعة فقط، وأنا رأيت هذا الشيء ولمسته وبحثت فيه، وهم بحاجة إلى التعريف الكامل بالإسلام، إما بإرسال مرشدين من قبلكم، أو عمل مكتبات صغيرة تحتوي على الكتب التي تعرفهم بالإسلام متعددة اللغات، وكل وزارة يُرسل إليها مرشد أو كتب حسب الجنسيات الموجودة لديهم. هذا رأيي من جهة، وسؤالي من جهة أخرى بصفتي أدعو إلى الله لا أستطيع أن أبين لهم باللغة العربية، وذلك لاختلاف اللغة، هل علي إثم إذا تركتهم وشأنهم، حيث إنني اتقيتُ الله ما استطعت؟ A الواجب عليك أن تفعل ما تستطيع، وتستعين بإخوانك الذين يفهمون اللغة، يذهب معك أخوك الذي يفهم اللغة، حتى تحصل الدعوة من الجميع بالتعاون. وكذلك مناصحة من عندهم هؤلاء الذين لا يصلون، وهذا لا بد أن يُعمم إن شاء الله من جهتي، لأن هؤلاء كثيرون، فلا بد من التعميم -إن شاء الله- حتى يوجَّهوا إلى الخير، وحتى يرشدوا إلى الخير، وحتى تنتبه لهم الجهات المعنية، فيوجهوهم إلى الخير، ويعلِّموهم، ولدينا من الدعاة من هو ملتزم بهذا الشيء، ودعاة الجاليات بلغاتهم موجودة في كل مكان، هذا مما يَهُمُّ، ويجب العناية به، كل طائفة تُدعى بلسانها. نسأل الله أن يعيننا على ذلك، وأن يوفق المسلمين للقيام بواجبهم، وهذا ليس خاصاً بموظف، كل من كان عنده بصيرة، أو عنده قدرة فليبذل ما يستطيع في هذا السبيل.

دور الشريط الإسلامي

دور الشريط الإسلامي Q ما هو دور الشباب والعلماء تجاه الشريط الإسلامي، وهل ترون أنه وسيلة عظيمة لنشر الدعوة ودحض الغزو الفكري؟ A نعم، الشريط الإسلامي طيب ومهم ونافع إذا كان من أهل العلم الذين يُعرفون بالحق والخير، فإن الله ينفع بالشريط، وينفع بالكتابة التي يصدر منه.

واجبنا تجاه التبرج والسفور في القنوات الفضائية

واجبنا تجاه التبرج والسفور في القنوات الفضائية Q نرى في التلفاز دعايات تخرج فيها بعض النساء شبه عاريات، وكذلك بعض المجلات العربية والأجنبية، ويعلم الله يا شيخ أنني رأيت رجلاً يقبل امرأة في القناة الثانية للتلفاز، فما رأي فضيلتكم؟ A هذا نبهنا عليه قبل قليل، فالواجب إنكار هذه المسائل، والجهود فيها مبذولة، لكن نسأل الله أن يوفق المسئولين عليها حتى يستقيموا، وحتى يزول ما بها من نقص وباطل.

الرد على من نفى التفريق بين السنة والشيعة

الرد على من نفى التفريق بين السنة والشيعة Q ما تقولون في رجل قال: ليس هناك فرق بين سني وشيعي، بل كلهم مسلمون، وهو مفتٍ في إحدى ديار المسلمين؛ حيث أجريت معه مقابلة في إحدى المجلات منذ شهر، ويقول: حرام علينا أن نقول: هذا سني وهذا شيعي، فهل هذا الكلام لا بأس به؟ أو ماذا ترون فيه؟ A هذا الكلام فيه إجمال وخطأ، لأن الشيعة أقسام وليسوا قسماً واحداً، وقد ذكر الشهرستاني أنهم اثنتان وعشرون فرقة، فهم يختلفون، فيهم من بِدعتُه تكفِّره، وفيهم من بدعته لا تكفره، مع أنهم في الجملة مبتدعون، وأدناهم من فضل علياً على الصدِّيق وعمر، قد أخطأ وخالف الصحابة؛ ولكن أخطرهم الرافضة أصحاب الخميني، هؤلاء أخطرهم، وهكذا النصيرية أصحاب حافظ الأسد وجماعته في سوريا، فـ الباطنية التي في سوريا والباطنية التي في إيران والباطنية في الهند وهم الإسماعيلية، هذه الطوائف الثلاث هي أشدهم وأخطرهم، وهم كفرة، لأنهم والعياذ بالله يضمرون الشر للمسلمين، ويرون المسلمين أخطر عليهم من الكفرة، ويبغضون المسلمين أكثر من بغضهم للكفرة، ويرون أهل السنة دماءهم وأموالهم حلاً لهم، وإن جاملوا في بعض المواضيع التي يجادلون فيها، ويرون أن أئمتهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون، ويُعبَدونهم من دون الله، كالاستغاثة بهم، والذبح والنذر لهم، هذا حالهم مع أئمتهم. فـ الرافضة الذين هم الطائفة الإثنا عشرية، ويقال لهم: الجعفرية، ويُقال لهم الآن: الخمينية، الذين يدعون إلى الباطن من شر الطوائف، وهكذا طائفة النصيرية من شر الطوائف، وهكذا طائفة الإسماعيلية، هؤلاء باطنية، في الباطن يرون إمامة الصدِّيق وعمر وعثمان باطلة، ويرون الصحابة كفاراً مرتدين عن الإسلام إلا نفراً قليلاً مثل: علي، والحسن، والحسين، وعمار بن ياسر، واثنين أو ثلاثة أو أربعة من بقية الذين يرون أنهم يوالون علياً فقط، وأما بقية الصحابة فعندهم أنهم مرتدون قد خرجوا عن الإسلام وظلموا علياً، إلى غير هذا مما يقولون، نسأل الله العافية، مع ما عندهم من غلو في أهل البيت، ودعواهم أنهم يعلمون الغيب، وأن الواجب إمامتهم، وأن هذه الإمامات التي بعد علي وقبل علي كلها باطلة، وأن ما عندهم التي هي حق إلا ولاية علي والحسن فقط، وأما هذه الولايات التي من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا كلها باطلة عند الرافضة، نسأل الله السلامة. المقصود: أن الشيعة أقسام، وليسوا قسماً واحداً، ومنهم الزيدية المعروفة في اليمن، عندهم التفضيل، ليسوا بالكفار إلا من عَبَدَ الأوثان منهم، وغلا في أهل البيت ودعاهم من دون الله، أما مجرد تفضيل علي على الصدِّيق وعمر لا يكون كفراً؛ ولكنه بدعة وخطأ، والواجب تفضيل الصدِّيق، ثم عمر، ثم عثمان على علي. علي هو الرابع رضي الله عنه، هذا هو الحق الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالذي يفضل علياً عليهم يكون قد أخطأ، ولا يكون كافراً، وإنما الكفار منهم الرافضة، والنصيرية، والإسماعيلية الذين يغلون في أهل البيت، ويعبدونهم من دون الله، ويرون أن ولايتهم جائزة، وأن أئمتهم يعلمون الغيب، إلى غير هذا مما يقولون، نسأل الله السلامة. فالحاصل أنه ينظر في عقائدهم بالتفصيل، ولا يقال: الشيعة كلهم كفار، لا، بل فيهم تفصيل، وهم أقسام كثيرة. السائل: وحجهم إلى بيت الله الحرام، يعني: كيف يتم بناءً على هذه العقيدة التي يؤمنون بها؟ الشيخ: لا بد أن يُنظر في أمرهم في المستقبل، نسأل الله أن يوفق الدولة لكل خير ويعينها. السائل: لماذا هم يبغضون تسمية أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعائشة، وحفصة، وحبيبة؟ يعني: الاسم هذه الأسماء مبغوضة عندهم أشد البغض! الشيخ: معروف؛ لأنهم يرون أن الصدِّيق كافر، وعمر كافر، وعثمان كافر، ويرون أنهم ظلموا علياً، ويتهمون عائشة إلى غير هذا من عقائدهم الباطلة، نسأل الله العافية. نسأل الهداية لنا ولجميع المسلمين. المقصود أن من قال: إنه لا فرق بين الشيعة وبين السنة هذا قول باطل وخطأ، الشيعة فيهم تفصيل، لا يجوز أن يقال: إنهم كالمسلمين، وإنهم سواء، هذا باطل، بل فيهم تفصيل، وهكذا الصوفية أقسام وفيهم تفصيل، وهم والشيعة على حد سواء.

دعوة للنظر في كتاب في ظلال القرآن

دعوة للنظر في كتاب في ظلال القرآن Q سمعتُ من سماحتكم منذ أسبوعين تقولون لنا: إنه يوجد من يراجع كتاب في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب، لما فيه من بعض الأخطاء، وذلك عن طريق اللجنة من دار الإفتاء. فهل نأمل من الله ثم منكم في طبع هذه الملاحظات والتوضيحات على هذا الكتاب في كتاب، حتى يمكننا أن نقتنيه في أسرع وقت؛ ليكون بجانب الكتاب الأصلي الذي يوجد في معظم البيوت؟ A يُنظر في هذا إن شاء الله.

حال حديث: داعب ولدك سبعا

حال حديث: داعب ولدك سبعاً Q ما رأي سماحتكم في الحديث الذي يقول: (داعِب ولدك سبعاً، وأدِّبه سبعاً، وعلِّمه سبعاً. وفي رواية: ثم اترك حبله على غاربه) ؟ A ليس له أصل، وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) .

حكم مشاركة الدعاة في التلفاز

حكم مشاركة الدعاة في التلفاز Q قرأنا لأحد الكُتَّاب في كتاب نصائح إسلامية بأنه لا يجوز للعلماء للعلماء الظهور في التلفاز أو غيره؛ لأنه إعانة لأهل الباطل، فما مدى صحة قوله؟ A الخروج في التلفاز إذا أراد به نصر الحق نرجو ألا يكون عليه حرج إن شاء الله إذا كان في ندوة لنصرة الحق؛ لأن التلفاز مما عمَّت به البلوى الآن، يشاهده الناس في كل مكان، فإذا لم ظهر فيه أهل الحق صار يظهر فيه أهل الباطل فقط، فينتشر الباطل، فإذا ظهر دعاة الحق وكلمات الحق في التلفاز ونُشرت فهذا مما ينفع الله به الناس، فمن ظهر فيه لقصد الحق، ولقصد القضاء على الباطل، ودعوة الناس إلى الخير، نرجو ألا يكون فيه حرج عليه للضرورة.

مشروعية تراص الصفوف في الصلاة

مشروعية تراص الصفوف في الصلاة Qبعض الإخوة في الصلاة يفتح قدميه بمسافة تزيد على الذراع، ولا يلصق منكبه بمن هو بجواره، وبعضهم يضع يده قريباً من عنقه، فما رأي سماحتكم في هذا؟ A الواجب على المسلمين تراص الصفوف والتقارب، وأن يقرب بين رجليه، لا يؤذي إخوانه، ولا يفسح، وليقارب بين قدميه، ويسد الخلل فيما بينه وبين إخوانه، وتكون اليدين على الصدر تحت ترقوته فقط، هذا هو الأفضل. السائل: أحسن الله إليك، إذا أنا نصحتُه وقلت: فُك -يعني قليلاً- قال: يمكن! الشيخ: هذا يُعلَّم لأنه جاهل، ولو يُعلَّم، لحصل خير إن شاء الله. السائل: يقولون: الضيق في القبر، يعني: يوسِّع قليلاً. الشيخ: لا يصلح، الفسحة لا تصلح لأنها تؤذي، وتفتح الفُرَج.

حكم إدخال الصور إلى البيوت

حكم إدخال الصور إلى البيوت Q يوجد في المناهج الدراسية صور عُملت باليد، فما حكم دخولها إلى المنزل؟ وعندنا طلاب وطالبات يجبرهم مدرس الرسم برسم بعض ما يجدونه في كتبهم من الرسومات، فما رأي سماحتكم؟ A أما وجود الصور في البيت فهذا يجب طمسه من البيت، ولا تُعلق لا في جدران ولا في غيرها، أما ما يقع في المدارس فهذا له علاج آخر، ما يكون في المدارس بينهم وبين المدرسين هذا له علاج آخر من طريق التعليم.

خطورة تهميش مادة القرآن في المناهج الدراسية

خطورة تهميش مادة القرآن في المناهج الدراسية Q النظام الجديد التطويري الذي حصل في الثانوية العامة، هو نظام بالساعات، يوجد فيه مادة القرآن اختياري، بينما الإنجليزي والرياضيات إجباري؟ A هذا لا يصلح، لا بد من الجبر على القرآن، حتى يستقيم الناس؛ لأن جعله اختيارياً معناه إضاعته، نسأل الله لنا ولهم الهداية، يُنظر في هذا إن كان صحيحاً.

حكم العجز عن الوفاء باليمين

حكم العجز عن الوفاء باليمين Q جدة زوجتي كانت عند مستشفى الشميسي، ورغبت أن تركب سيارة هي وأختها وعندما أوقفت صاحب السيارة اتضح لها أنه قريب لها، وركبت هي وأختها معه، وأعطوه الأجرة فرفض أن يأخذها منها، وحلفت بأن عليها صوم سنة كاملة إذا لم يأخذ الأجرة منها؛ ولكنه رفض، فما حكم هذه اليمين التي حلفتها على نفسها بأن تصوم سنة كاملة؟ A عليها كفارة اليمين، هذه اليمين مكروهة، وعليها كفارة يمين فقط؛ لأنه ليس مقصودها الصوم، مقصودها تريد أن تلزمه، وعليها إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، ويكفي.

حكم الذهاب للجهاد في سبيل الله إذا سمح الوالدان

حكم الذهاب للجهاد في سبيل الله إذا سمح الوالدان Q ما رأي سماحتكم في شخص أذن له أبوه وأمه بالجهاد في أفغانستان، هل صار عليه الجهاد واجباً في هذه الحالة؟ A يصبح مشروعاً له الجهاد، أما الوجوب ففيه نظر؛ لكنه مشروع له ما داما سمحا له، فينبغي أن يجاهد إذا استطاع، أما إذا كان لا يستطيع فالله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .

واجب العلماء تجاه الحاكم الذي لا يصلي

واجب العلماء تجاه الحاكم الذي لا يصلي Q إذا كان هناك حاكم يدَّعي الإسلام ولكنه لا يصلي، فما حكم العلماء تجاهه؟ وماذا يجب عليهم في هذا؟ A ترك الصلاة كفرٌ أكبر -والعياذ بالله- سواءًَ كان كبيراً أو صغيراً، المقصود مَن تَرَك الصلاة وهو مكلف، فترك الصلاة كفر أكبر على الصحيح، بعضهم يراه كفراً أصغر، وأنه يكون عاصياً، ولكن الصحيح أنه كفر أكبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) . ويقول صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) . لكن جماعة من أهل العلم يقولون: إنها كفر دون كفر؛ ولكنه قول ضعيف. أما إذا جحد وجوبها فهذا كفر أكبر عند جميع العلماء، نسأل الله العافية.

صعوبة مراقبة أجهزة الكمبيوتر

صعوبة مراقبة أجهزة الكمبيوتر Q في أشرطة الكمبيوتر مواد تعليمية وأشرطة تحتوي على مسابقات ثقافية ودينية، وفيها أسئلة عن الغناء والمغنين، وأخبار عن السلف الصالح، فنرجو مراقبة هذه الأشرطة؛ حتى لا تنشر معلومات غير صحيحة عن الدين أو عن السلف الصالح! A في الحقيقة هذه صعبة؛ لكن نسأل الله أن ينفع بالرقابة، نسأل الله أن ينفعنا وينفعهم.

رخص السفر للمسافر دائما

رخص السفر للمسافر دائماً Q بعض السواقين دائماً في سفر، هل يجوز لهم قصر الصلاة والإفطار في رمضان؟ A المسافر له قصر الصلاة، ولو كان يسافر دائماً، له القصر وله الفطر في رمضان؛ لكنه ما دام مستمراً في السفر إذا صام مع الناس يكون أنشط له وأسهل حتى لا يثقل عليه الصوم بعد ذلك، وإذا وصل إلى بلده وجب عليه الإتمام؛ يصلي أربعاً، ووجب عليه الصوم إذا كان في رمضان، وهكذا إذا أقام أربعة أيام، أو نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام في البلد وجب عليه أن يتم أربعاً، وأن يصوم إن كان في رمضان، وإلا فيرخص له إذا أفطر في السفر مثل غيره من الناس، أو صلى ركعتين ولو كان يسافر دائماً فما دام في السفر فله الفطر وله القصر، ولكن متى وصل إلى بلده أتمَّ وصام في رمضان، وهكذا إذا نوى في أي بلد إقامة طويلة أكثر من أربعة أيام أتمَّ وصام.

حكم زواج الصغيرة ثم طلاقها بعد العقد لمصلحة

حكم زواج الصغيرة ثم طلاقها بعد العقد لمصلحة Q رجل له بنت عمرها سنتان، وهو دائماً مغترب، فعقد بابنته لأحد الجيران ليكون هذا الرجل محرماً لزوجته، ويقوم هذا الرجل نيابة عن الرجل بما يلزم أثناء غياب ذاك الرجل، فهل هذا جائز؟ علماً بأن ذلك الرجل طلق بعد العقد مباشرة؟ A على كل حال الزواج يجوز، ما دام دون التسع يجوز أن يعقد عليها لمصلحة إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك، كما زوج الصدِّيق ابنته عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، هذا مستثنى، أما إذا بلغت تسعاً فليس له أن يزوجها إلا بإذنها، أو كانت أكبر من التسع لا بد من إذنها، أما ما دونها إذا رأى المصلحة وليس هو من أجل المال، بل لأجل المصلحة الشرعية، إذا كان الإنسان طيباً، وأحب أن يحصنه، وأن يلزمه قبل أن يفوت، وقصده الصلاح لابنته هذا لا حرج فيه، إذا كانت دون التسع.

حكم الخروج للدعوة وترك الأهل والأولاد

حكم الخروج للدعوة وترك الأهل والأولاد Q من أراد الخروج لإعلاء كلمة الله في بلدان العالم كيف يتم له ذلك؟ وهل يجب أن تتوفر شروط لذلك؟ وما هي الشروط؟ أقصد الخروج بنفسي، وترك من أعول لله سبحانه وتعالى بعد أن وفرت لهم ما يحتاجون إليه؟ A إذا كان من أهل العلم والبصيرة والالتزام، وكان معروفاًَ بالخير، ويَعْرِف نفسَه بالقوة على الدعوة إلى الله عنده علم، فلا بأس أن يخرج خروجاً لا يضر أهله، يخرج أوقاتاً معينة ثم يرجع للدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، حتى لا يهمل أهله، فيقوم عليهم حتى يؤدي حقهم، فيجمع بين مصلحتين، وإذا كان معه إخوان له يساعدونه، ويذهبون جميعاً ويرجعون جميعاًَ يكون أولى من الذهاب لمفرده. فإذا كان عنده علم وبصيرة واتزان ومضى عليه من السن ما يجعله من الثابتين الذين لا يُخشى عليهم الفساد والفتنة في البلاد التي فيها الشر فله ذلك. السائل: هل للعوام أن يخرجوا؟ الشيخ: العوام لا يذهبون إلى بلاد الكفر، العوام في بلادهم فقط، يسمعون الفائدة فقط. السائل: أوروبا يا شيخ؟ الشيخ: لا يذهب إلا العلماء المعروفون بالعلم والفضل والبصيرة، أما العامة فلا يجوز.

حكم الاستماع للموسيقى في المعسكرات

حكم الاستماع للموسيقى في المعسكرات Q إنني رجل عسكري، وعندنا ساعة يوم الخميس في كل أسبوع نمشي فيها على الموسيقى، هل علينا شيء في ذلك؟ A الموسيقى من آلات الملاهي، والواجب تركها، وأمكن أن يكون التعليم من دون حاجة إلى موسيقى. وفق الله الجميع، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه.

لقاء الخير

لقاء الخير لقد دعا الله سبحانه أمة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى التعاون على البر والتقوى، والتعاضد والتماسك فيما بينهم، وأرشد إلى الحفاظ على وحدتهم بترك الاختلاف والشقاق والنزاع، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي المسببة إلى تفريق الأمة.

حقيقة التعاون على البر والتقوى

حقيقة التعاون على البر والتقوى الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإني أشكر الله عزَّ وجلَّ على ما منّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله في هذه الدار، وبأبناء كرام، فأسأله سبحانه أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمنحنا التوفيق لما يرضيه، والعافية من أسباب غضبه، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، كما أسأله عزَّ وجلَّ أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعيذهم من بطانة السوء، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، وأن يمن على خادم الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل، والتوفيق لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد؛ إنه جل وعلا جواد كريم. ثم أشكر إدارة هذه الدار على دعوتي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك في الجميع، وأن يجعل القائمين على هذه الدار من إداريين ومدرسين من أنصار دينه، ومن الدعاة إلى سبيله على بصيرة، وأن يوفق أبنائي الطلبة لكل خير، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يصلح أحوالهم ويجعلهم من أنصار الحق، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم. أيها الإخوة والأبناء! يقول الله جلَّ وعَلا في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] * {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) . فوصيتي لنفسي ولكم أيها الإخوة جميعاً ولأبنائي الطلبة: تقوى الله، وأن يستقيم الجميع على دينه، وأن يتفقهوا في دينه، وأن يؤدوا ما أوجب الله عليهم، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم، ويتواصوا بهذا في جميع الأحوال، في الليل والنهار، في السفر والإقامة، في الصحة والمرض، علينا أن نتواصى بطاعة الله ورسوله، وبأداء حق الله وترك محارمه، وأن نتواصى بكل خير، وبترك كل شر، كما أوجب الله علينا ذلك في قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] وفي قوله: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] أي: جميع الناس في خسران، من جن وإنس، عرب وعجم، شباب وشيب، رجال ونساء؛ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] . هؤلاء هم الرابحون، من الجن والإنس، من الرجال والنساء، من العرب والعجم، من الشباب والشيوخ، الرابحون الناجون السعداء هم {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] آمنوا بالله ورسوله، صدّقوا الله، وأنه ربهم ومعبودهم الحق، وصدّقوا رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام، وأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وصدّقوا كل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة، من الجنة والنار والحساب والجزاء، وغير ذلك، هكذا المؤمنون، يؤمنون بالله رباً ومعبوداً بالحق، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ومن سواه لا يُعبد، ويؤمنون بأن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ويؤمنون بكل ما أخبر الله به ورسوله، مما كان وما يكون، ثم يعملون، وهكذا المؤمنون، إيمان وعمل، وذلك بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، وذلك من الإيمان، ولكن الله نص عليه؛ لأنه أمرٌ مهم، قد يظن بعض الناس أن الإيمان مجرد التصديق بالقلوب، بل الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، لا بد من الإيمان بالقلوب، ولا بد من الإيمان بالألسنة، ولا بد من الإيمان بالعمل، بأداء فرائض الله وترك محارم الله، الإيمان عن تصديق وإخلاص لله عن محبة وتعظيم عن متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم صادقة، فيؤدي فرائض ربه، ويدع محارمه، فلا يتم الإيمان إلا بهذا، وإذا تيسر للعبد المسارعة إلى الخيرات علاوة على الفرائض، كان ذلك من الدرجات الرفيعة، ومن أسباب أن يكون من المقربين السابقين. ثم من العمل: التواصي بالحق، وهو من الإيمان أيضاً؛ لكن الله نص عليه لعظم شأنه، وإلاَّ فهو من الإيمان، وهو من العمل؛ ولكن لما كان التواصي له شأنه العظيم في منفعة الناس، وفي نقل العلم، وفي توجيه الناس إلى الخير، نص الله عليه، قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] فيجب على أهل الإيمان التواصي بالحق، ولا سيما العلماء، وطلاب العلم والقائمون على دور العلم، لا بد من التواصي بالحق والتناصح، فالأستاذ ينصح، والمدير ينصح، وكل موظف وعامل ينصح في عمله، وفيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، وهكذا الطالب ينصح في أن يجتهد في تحصيل المعلومات التي طُُلبت منه بكل صدق وبكل إخلاص، ثم يعمل ويجتهد في طلب العلم، ويجتهد في تحقيق ما أُريد منه عن نية صالحة، وعن إخلاص لله، يرجو أن ينفع الله به أمته، ويرجو أن ينفع به نفسه، فينقذها من عذاب الله، بطاعة أوامر الله، وترك نواهي الله.

أهمية التفقه في الدين مع المحاسبة والتوبة من المعاصي

أهمية التفقه في الدين مع المحاسبة والتوبة من المعاصي فأنتم أيها الأبناء! مطالبون بالجد في طلب العلم، والتفقه في الدين، والعناية بما أُسند إليكم عن صدق وإخلاص، ترجون ثواب الله، وتخشون عقاب الله، وعليكم أن تحاسبوا أنفسكم، وأن تتوبوا إلى الله من كل ما مضى من تقصير وخلل، فالله جلَّ وعَلا قد فتح باب التوبة إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وهو القائل سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] . وهو القائل سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25] . وهو القائل جلَّ وعَلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] . وهو القائل سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53] أي: بالذنوب والمعاصي والشرك {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فهو يدعو عباده سبحانه إلى ألا يقنطوا، يقول لهم: لا تقنطوا، أي: احذروا القنوط، والقنوط هو: اليأس من رحمة الله، واليأس منكر ولا يجوز، والله يقول: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف:87] فلا يجوز القنوط مهما عظمت الذنوب، فباب التوبة مفتوح من الشرك وما دونه، ولكل أحد؛ من الرجال والنساء، من العرب والعجم، من الجن والإنس، فباب التوبة مفتوح. فالواجب البدار بالتوبة من كل ذنب، والتوبة حقيقتها: 1- الندم على الماضي من الذنوب. 2- الإقلاع منها وتركها والحذر منها. 3- العزم الصادق على ألا يعود فيها، تعظيماً لله، وإخلاصاًَ له، ومحبة له، وحذراً من عقابه وغضبه جلَّ وعَلا هكذا التوبة. التوبة ندم على الماضي من سيئاتك أيها العبد، وإقلاع منها وترك لها تعظيماً لله وخوفاً منه سبحانه وتعالى، وعزم صادق ألا تعود فيها عن إيمان ورغبة وإخلاص لله، وعن صدق وتعظيم. وهذه التوبة بهذه الشروط يمحو الله بها الذنوب، ويكفرها سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها) . وهناك شرط رابع للتوبة إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين، وهو تحللهم أو إعطاؤهم حقوقهم، كالنهب والسرقة والغصب والقتل، وغير ذلك من حقوق المخلوقين، لا بد من إعطائهم حقوقهم، إن كان قتلاً، فلا بد من تمكينهم من القصاص، أو إعطائهم الدية إذا سمحوا، وإن كان مالاً أعطاهم حقهم من المال أو قيمته إذا تراضوا عليه، وهكذا جميع حقوق المخلوقين لا بد أن تؤدى إليهم، ولا تتم التوبة إلا بذلك؛ إلا إذا رضوا وسمحوا. وهذه الدار هي دار العمل هي دار التوبة هي دار الإصلاح هي دار النظر فيما سلف منك حتى تستدرك، وبعده لا إصلاح ولا حيلة، أنت الآن في دار العمل والواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة، وعلى كل ذكر وأنثى، وعلى الجن والإنس، الواجب على الجميع أن يحاسبوا أنفسهم، وأن ينظروا في عيوبهم وتقصيرهم وذنوبهم، وأن يتوبوا إلى الله من ذلك توبة الصادقين، توبةً نصوحاً؛ بالندم على الماضي، والإقلاع من الذنوب، والعزم الصادق على ألا يعود فيها؛ عن إيمان، وعن رغبة، وعن خوف من الله، وعن محبة وتعظيم، لا مجرد مجاملة، ولا تقليداًَ للناس، ولا رياءً وسمعة، ولكن عن صدق وإخلاص لله، ومحبة وتعظيم، يرجو ثوابه، ويخشى عقابه، وهو يدَع الذنوب خوفاً من الله وتعظيماً له، ويندم على ما مضى منها خوفاً من الله وتعظيماً له، ويعزم ألا يعود فيها عزماً صادقاً خوفاًَ من الله وتعظيماً له، ويؤدي الحقوق إلى أهلها من المخلوقين خوفاًَ من الله وتعظيماً له، أو يستحلهم منها إذا سمحوا وهم مكلفون مرشدون، فيسقط حقهم بالسماح.

نصائح وتوجيهات للشباب

نصائح وتوجيهات للشباب ثم أنتم أيها الشباب لكم مستقبل، واجب عليكم أن تجتهدوا في طلب العلم النافع، والتفقه في الدين، وأن تسألوا الله أن يصلح أحوالكم، وأن يمن عليكم بالتوفيق، وأن يجعلكم هداة مهتدين، حتى ينفع الله بكم الأمةَ، وحتى تكونوا هداةً للأمة في مستقبلها. الشباب تُعَلَّق عليه آمال كبيرة في نفع الأمة، إذا أصلحه الله؛ الشيوخ يذهبون ويأتي الشباب بدلهم، فإذا أصلح الله الشباب حلوا محل آبائهم وأسلافهم الطيبين، في نصر الحق والدعوة إليه، والقيام بشئون المسلمين، والتوجيه إلى ما فيه صلاحهم ونجاتهم، والتحذير مما فيه هلاكهم وشقاؤهم.

الشباب والتوبة إلى الله

الشباب والتوبة إلى الله فوصيتي لكم أيها الشباب والإخوة جميعاً ولنفسي: أن نتقي الله، وأن نحاسب أنفسنا، وأن نعد العدة لمستقبلنا، نجتهد في الدروس الحاضرة في هضمها، وفي النجاح فيها، ونعتني بالدروس الدينية عناية خاصة، ونسأل عما أشكل علينا، ونتذاكر، وما سبق من ذنبٍ نبادر بالتوبة منه، كل ذنب عسى الله أن يغفره إذا تاب العبد منه، وقد قال الله جل وعلا في حق المشركين والقاتلين والزناة، قال فيهم جلَّ وعَلا: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68-69] ، ثم قال سبحانه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] مع التوبة يبدل السيئات حسنات، إذا تاب العبد توبة صادقة، وعمل صالحاً محا الله عنه الذنوب، وجعل مكانها حسنات فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى، {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70] . ويقول سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] . فالوصية لي ولكم ولكل مسلم: التوبة الصادقة، التوبة النصوح، الصادرة من القلوب عن إخلاص لله ومحبة وتعظيم، وعن ندم عما مضى من السيئات، وعن عزم صادق على ألا نعود فيها، وأن نجتهد في أداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، وفي العناية بالدروس حتى نهضمها ونفهمها ونعمل بها، وحتى نكون دعاة للحق، وهداة للخلق، نعمل بطاعة الله، ونستعين بالله على ما فيه نفع العباد، ونحذر معاصيه.

الشباب والنية الصالحة

الشباب والنية الصالحة وهكذا طالب العلم الصالح، يؤسس نية صالحة أنه يعمل بعد تخرجه وإدراكه العلم في توجيه الناس إلى الخير؛ في أمرهم بالمعروف، وفي نهيهم عن المنكر، في نصيحتهم، وفي إسداء الخير إليهم، وفي تحذيرهم من الشر، سواء كان موظفاً أو غير موظف، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . فالوصية: أن نؤسس النية الصالحة، وأن نعمل عن نية صالحة في دروسنا، وفي سائر أعمالنا، نريد وجه الله والدار الآخرة، نريد أن ننفع عباد الله، نريد أن نوجههم إلى الخير حسب طاقتنا، نريد أن نعينهم على الخير، نريد أن نحذرهم من الشر، تعمل وتنصح، تكون قدوة صالحة بالعمل والقول جميعاً، أنت تعمل حتى يُقتدى بك، وتقول وتنصح حتى يُنتفع بقولك، هكذا العالم، وهكذا طالب العلم، وهكذا المؤمن الصادق، يعمل ويقول، ينصح لله، ويدعو إلى الله، ويبشر بالخير، ويحذر من الشر.

الشباب والمسارعة إلى الخيرات

الشباب والمسارعة إلى الخيرات الشباب من أسبق الناس إلى الخيرات، ومن أبعدهم عن السيئات، فهو قدوة في القول قدوة في العمل، كما قال جلَّ وعَلا عن الرسل وأتباعهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] . وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61] سارعوا وسبقوا. قالت عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله، أرأيت قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)) [المؤمنون:60] أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: لا؛ ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يُقبل منه) أي: يجتهد في الخيرات، ويعمل، ومع هذا هو خائف، لا يُعجب بعمله، ولا يمن بعمله، بل هو خائف، يعمل ويخاف ألا يُقبل منه، يخاف أن يكون قد قصَّر، يخاف أن يكون ما أدى الواجب على الكمال، هكذا المؤمن يعمل، يصلي ويخاف، يصوم ويخاف، يزكي ويخاف، يجتهد ويقول: أخشى أني قصرتُ، أخشى أني ما فعلتُ، أتى بالواجب وهو على وجل وخوف، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12] . ويقول جلَّ وعَلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] . فخشيته الكاملة من الرسل وأتباعهم، وهم العلماء، كل مسلم يخشى الله؛ لكن الخشية الكاملة من الرسل وأتباعهم من أهل العلم والإيمان، فالمؤمن يعمل، ويجتهد، ويخشى الله. قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] . وقال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم:14] . وقال جلَّ وعَلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:7-8] ثم قال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8] . الخشية لا بد منها، عن صدق وإخلاص، تخشى الله في أعمالك كلها، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه، وتخلص له، الطالب والأستاذ والشيخ والعجوز وغير ذلك، كل واحد واجب عليه، الشباب والشيب، الرجال والنساء، الكبار والصغار، من المكلفين، الكل يجب عليه أن يخشى الله، وأن يراقب الله في أعماله، وأن يجتهد في أداء فرائض الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، مع التعاون الصادق على البر والتقوى، ومع التواصي بالحق والصبر عليه.

صفات المؤمنين والمؤمنات

صفات المؤمنين والمؤمنات لقد ذكر الله في سورة التوبة صفات المؤمنين والمؤمنات على أكمل وجه، فقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] هذه صفة المؤمنين والمؤمنات، وهذه أخلاقهم، أكمل أخلاق. {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ} [التوبة:71] : الرجال والنساء. {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] أي: بعضهم ولي أخيه وأخته في الله، والولي ضد العدو، الولي هو: الحبيب، وهو الصاحب، والناصح، يحب له الخير، ويكره له الشر، لا يغشه، ولا يخونه، ولا يكذب عليه، ولا يظلمه، هكذا المؤمن والمؤمنة أولياء، لا غش ولا خداع، ولا كذب ولا ظلم، ولا غير هذا من آثار السوء، بل هم أولياء متحابون في الله، متواصون بالحق، متعاونون على البر والتقوى. {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] : مع كونهم أولياء وأحبة لا يسكتون، إذا رأى من أخيه نقصاً أو منكراً أنكر عليه، أو تقصيراً في واجب أنكر عليه، هذا من مُوْجَب الولاية، ومن مقتضى الإيمان أن تنصح لأخيك، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر. ثم الصلاة يقيمونها كما أمر الله، يحافظون عليها في أوقاتها في جماعة، ويؤدونها كاملة تامة بما فرض الله فيها، هكذا المؤمنون، شباباً وشيباً، يقيمون الصلاة كما أمر الله في أوقاتها في جماعة، ويؤدون الزكاة كما أمر الله. {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71] نص على الصلاة والزكاة؛ لأنهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والبقية تابعة؛ رمضان، والحج، والجهاد، وغيرها، كله تابع متى وحَّد الله وصدَّق رسوله صلى الله عليه وسلم، واستقام على الصلاة والزكاة أدَّى البقية، أي: إيمانه يدعوه إلى ذلك، ويمنعه مما حرم الله جلَّ وعَلا، قال تعالى: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71] أي: في جميع ما أمر الله ورسوله. ذكر الصلاة والزكاة، ثم نص على الطاعة بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد إخباره عنهم بأنهم أولياء، هم أولياء متحابون في الله، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ثم هم مع هذا يطيعون الله ورسوله في كل شيء في الجهاد، وفي بر الوالدين، وفي صلة الرحم، وفي ترك المعاصي، في غير هذا من وجوه الخير، قال تعالى: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71] . ثم قال سبحانه: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] وعدهم الرحمة على أعمالهم الطيبة وترك المعاصي، المؤمن يترك المعصية ويؤدي الواجب، فوعدهم الله الرحمة التي منها توفيقهم في الدنيا، وإعانتهم في الدنيا على الخير، ومنها: إدخالهم الجنة، ونجاتهم من النار في الآخرة. فالمؤمنون مرحومون من ربهم بسبب إيمانهم بالتوفيق في الدنيا، وبالنجاة والسعادة في الآخرة. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح جميع المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الأسئلة

الأسئلة

تكفير التوبة للمعاصي والسيئات

تكفير التوبة للمعاصي والسيئات Q كنت غارقاً في المعاصي؛ لا أصلي ولا أصوم بالرغم من أنه قد وجب عليَّ فيما مضى صلوات مفروضة، وصيام مفروض، والآن وقد تبت إلى الله، وبدأت أصلي بنفس مقبلة، وأصوم الإثنين والخميس، فهل يجب عليَّ أداء ما فاتني من صلاة وصوم قبل التوبة؟ وكيف أكفر ذلك؟ A جميع ما مضى يُمحى عنك بالتوبة والحمد لله، متى صدقت التوبة وصحت التوبة، محا الله عنك ما مضى، فليس عليك إعادة، لا صلاة، ولا صوم، ولا غير ذلك، التوبة تجبُّ ما قبلها، والحمد لله، يقول سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] .

خطر الخوض في آيات الله والاستهزاء بالدين وأهله

خطر الخوض في آيات الله والاستهزاء بالدين وأهله Q إذا كنتُ في مجلس يحدث فيه خوض في آيات الله، واستهزاء بالدين وأهله، ولم أشارك في الحديث؛ لكنني كنتُ أضحك أحياناً، وأحياناً أسكت، فهل أنا ممن ذكرهم الله من أهل النار في قوله: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:45] ؟ A سمعتم ما ذكر الله عن المجرمين لما سألهم الملائكة: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] وهي: النار {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:43-45] فالذي يخوض مع الناس في الباطل وفي خلاف الشرع، أو يسكت وهو حاضر أو يضحك شريك لهم، نسأل الله العافية، فالواجب الحذر، فإذا حضرتَ مجلساً فيه الخوض فأنكر عليهم، فإن تركوا، وإلا فقم عنهم، ولا تجلس معهم، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68] هكذا الواجب على المؤمن، إما أن ينصحهم وينكر عليهم، وإما أن يقوم إذا لم يستجيبوا، ينصح ويأمر وينهى، فإن استجابوا فالحمد لله، وإلا فارقهم.

كيفية التخلص من السرقات والمظالم

كيفية التخلص من السرقات والمظالم Q قمت بسرقات عديدة، بعضها أعرف أصحاب المال المسروق، وبعضها لا أعرفه، وصرفت بعض المال وبقي بعضه، فكيف أكفر عن ذلك، وهل يلزمني إرجاع المال المسروق بعد أن صدر بحقي حكم شرعي؟ A يلزمك أن تؤدي الحقوق إلى أهلها، إذا عرفته يلزمك أن تؤدي الحقوق إليه على حسب الطاقة، كل ما تيسر لك شيء تعطهم حقوقهم بأي طريق، ولو ما علموا أنها منك، أرسلها إليهم، وقل لوكيلك أن يقول لهم: هذا مال لكم عند إنسان أمرني بإيصاله إليكم، والحمد لله. أما إذا كنت لا تعرفه فتصدق به بالنية عنهم، إذا كان لفلان مائة، ولآخر ألف، ولآخر ألفان، فتصدق به عنهم، إذا كنت لا تعرفهم فأعطه الفقراء بالنية عنهم. أما من تعرفهم، فتُرْسَل إليهم ولو بطريقة لا يعرفون أنها منك، بطريقة شخص مؤتمن يعطيهم، ويقول: هذا من إنسان يعترف أن لكم عنده مالاً، وهذا مالكم أعطاني إياه لكم.

علاج مرض النظر إلى المردان لشهوة

علاج مرض النظر إلى المردان لشهوة Q هذا يقول: إنه شاب مبتلى بالنظر إلى المردان، وإنه يحاول أن يتخلص من هذا المرض؛ ولكن -كما يزعم- دون جدوى، وهو يدعو الله أن يجعله غاض البصر عن الحرام، ويسألك التوجيه؟ A الواجب عليه غض البصر، فلا يقوم بإطلاق النظر للمردان أو للنساء وعليك الجهاد في هذا، وسؤال الله أن يعينك، وأن يكفيك شر نفسك وهواك، تسأل ربك وتتضرع إليه، وهو القائل سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وهو القائل جلَّ وعَلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] فتضرع إلى الله صادقاً في سجودك، وفي آخر الصلاة قبل أن تسلم، وفي ساعة الجمعة بعد عصر يوم الجمعة وأنت تنتظر صلاة المغرب اسأل ربك، وفي آخر الليل تضرع إلى الله أن يعيذك من شر نفسك، وشر بصرك، وأن يصلح قلبك وعملك، تلجأ إلى الله، وأبشر بالخير.

كيفية التوبة من السرقات وإرجاع الحقوق إلى أهلها

كيفية التوبة من السرقات وإرجاع الحقوق إلى أهلها Q هل إنكاري بمشاركة زميل لي شاركني في قضية السرقة، أو في قضية أخرى، مع أنه شارك في الفعل، وهناك حق خاص يترتب أداؤه، هل إنكاري بمشاركة زميلي -وهو إنكار غير صحيح- يعتبر شهادة زور، أم ماذا يكون حكمه؟ A عليك التوبة من ذلك، وعليك أن تنصحه بأن يتوب إلى الله مثلك، وأن يؤدي الحق إلى أهله إن كان يعرفهم، وإن كان لا يعرفهم يتصدق بما أخذ على الفقراء بالنية عن أهله، ومن تاب تاب الله عليه، عليك أن تنصحه، وأن تتوب إلى الله من تقصيرك، ومن جَحْدِك، وأبشر بالخير إن شاء الله.

حكم تشبيه اليوم العظيم على الشخص بيوم القيامة

حكم تشبيه اليوم العظيم على الشخص بيوم القيامة Q ما حكم من قال: إن يوم القبض عليه من قبل الشرطة يشبه يوم القيامة من هوله، وهل يجوز استخدام مثل هذه العبارات فيما ينشأ في البشر من العوارض؟ A هذه أمرها بسيط، لشدة الروعة بالنسبة إليه قد يظنها؛ لأنه قد أجرم جريمة عظيمة، فلما عُثِر عليه أصابه من الخوف والوجل ما يُشَبَّه بيوم القيامة، بالنسبة إليه، فإذا استعظم هذا الأمر صار أقرب إلى أن يجنح ويتوب إلى الله، وكلما عَظُمَ في نفسه هذا الأمر صار أقرب إلى أن يجنح، وأن يتوب إلى الله، وأن يصدق في التوبة؛ لِعِظَم الأمر وعِظَم الهول، ويوم القيامة هوله عظيم؛ لكن لا حيلة يوم القيامة ولا توبة. أما اليوم إذا استعظم الأمر واشتد عليه وقوعه صار أقرب إلى النجاح، بأن يتوب ويقلع ويؤدي الحقوق إلى أهلها.

واجب أئمة المساجد أوقات الأمطار

واجب أئمة المساجد أوقات الأمطار Q مع ما أفاء الله به على بلادنا من نعمة الأمطار المتوالية هذه الأيام، لوحظ كثرة الاختلاف والجدل في المساجد حول القيام بأداء الصلوات في جماعة، فمن مؤيد ومن معارض، كما أنه قام بعض الأئمة والمؤذنين بإحلال الصلاة في الرحاب والبيوت، كما أن بعضاً من الأئمة جمع بين صلاة الجمعة والعصر لشدة المطر، لذا فقد يرى سماحتُكم إيضاح المسألة وفق مضمون السنة منعاً للجدل في المساجد، وتحقيقاً لأداء الصلوات على الوجه المطلوب! A قد بينا هذه كثيراً في هذه الأيام، والواجب على أئمة المساجد أن يتقوا الله، وأن يتحروا الحكم الشرعي، فإذا كانت الحارة عنده فيها مسجد وجاء مطر يؤذي الناس ويشق عليهم، أو سيول في الأرض، فلا بأس بالجمع بين الصلاتين، ولا سيما المغرب والعشاء، أما الظهر والعصر فتركه أحوط؛ لأن فيه خلافاً كبيراً، ولو جُمع بين العصر والظهر صحَّ؛ لكن الأولى والأحوط ترك ذلك خروجاً من الخلاف الشديد في ذلك؛ لأن النهار أسهل في التخلص. لكن بكل حال الواجب على الأئمة وأعيان المسجد أن ينظروا في الأمر، وألا يتسرعوا في الجمع، بل يتأملوا، فإن كان هناك علة بينة فيها المشقة في الطرقات، أو مطر متتابع في حارتهم فليجمع وإلا ترك، هذا هو المشروع، الجمع يكون للعذر؛ مثلما أن المسافر إذا كان نازلاً لا يجمع، وإذا كان سائراً له الجمع، والأفضل له عدم الجمع إذا كان نازلاً، يتحرى قاصداً المصلحة؛ لكن المقيم في بلد، ليس له الجمع إلا بعذر شرعي، ممنوع عليه الجمع، فعليه أن يتحرى وينظر، فإن وُجد العذر الشرعي من طين وزلق ومياه أو مطر ينزل عليهم ويتأذون به جمع والحمد لله. وإن أذن وقال: الصلاة في الرحاب فلا بأس، إذا أذن وقال: يا أيها الناس، صلوا في بيوتكم؛ لأجل المشقة، والمشقة موجودة فلا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كما قال ابن عباس. السائل: والجمع بين الجمعة والعصر؟ الشيخ: لا، لا ينبغي جمعهما، صلاة العصر مع الجمعة لا نعلم له أصلاً، فالواجب تركها. السائل: والذين صلوا جمعة وعصراً؟ الشيخ: الذين صلوا العصر ينبغي أن يعيدوا، ولشيخنا الشيخ/ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه: فتوى بهذا، إعادة العصر لمن صلاها مع الجمعة، وهو قول طويل فيه خروج من الخلاف.

كيفية التوبة من عقوق الوالدين

كيفية التوبة من عقوق الوالدين Q سائل يسأل ويقول: إنه كان عاصياً لوالده عاقاً له، يعامله معاملة سيئة، ثم إن والده توفي، فندم أشد الندم كيف يمكن أن يكفر عن هذا الخطأ الفادح؟ A عليه التوبة إلى الله والندم، والدعاء لوالده بالمغفرة والرحمة، والصدقة عنه، كل هذا خير، التوبة الصادقة، والندم، وإذا دعا لوالده وتصدَّق عنه كان هذا من أفضل القربات، نسأل الله للجميع الهداية.

الأسباب المعينة على قيام الليل

الأسباب المعينة على قيام الليل Q أرى بعض زملائي في الدار يصلون صلاة التهجد ليلاً، وأحب مشاركتهم؛ ولكن يمنعني الكسل وحب النوم، فما هو حكم الصلاة ليلاًَ لعلي أعزم على الصلاة؟ A كلها سنة، التهجد من الليل سنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد بالليل، وقال الله جلَّ وعَلا: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17-18] ، وقال: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:64] وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] فالسنة التهجد بالليل بثلاث ركعات، بخمس ركعات، بسبع، بتسع، بإحدى عشرة، أقله واحدة، يصلي ويقرأ القرآن، ويطيل في الركوع والسجود والقراءة حسب طاقته، حسب التيسير، ثم يوتر بواحدة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنىً مثنىً، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى) ، فيصلي ما تيسر اثنتين اثنتين ويسلم، ثم إذا خاف الصبح أو أحب أن ينتهي، صلى ركعة واحدة، ثم نام بعدها إن بقي ليل، وإن كان الفجر قد قرب فالحمد لله، يصلي ركعة، ثم يستريح، يضطجع على يمينه، فإذا أذن توجه إلى المسجد، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من التهجد يضطجع على يمينه للاستراحة.

حكم الاستنجاء عند كل وضوء

حكم الاستنجاء عند كل وضوء Q هل دخول الحمام للاستنجاء واجب عند كل وضوء؟ أم يكفي الوضوء الخارجي فقط؟ A إذا كان حصل له بول أو غائط يستنجي، وإن كان مثلاً الريح، أي: الفساء والضراط، ومس الفرج، أو مثلاًَ أكل لحم الإبل، هذا ما فيه إلا الوضوء، يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه، هذا يسمى الوضوء، لا يحتاج إلى دخول الحمام، أما إذا كان فيه بول أو غائط من الدبر، هذا يدخل إلى الحمام ليستنجي، لا بد أن يتبول ويستنجي.

حكم وصف الحكم الشرعي بأنه ظلم وعدوان

حكم وصف الحكم الشرعي بأنه ظلم وعدوان Q ما حكم من قال على الحكم الشرعي الصادر في حقه: إن هذا ظلم وعدوان، وهو يعلم أنه قد ارتكب القضية التي حُكم عليه بسببها؟ A هذا خطأ، ولا يجوز، بل هو معصية لله، يقول على الحكم الذي يعلم أنه صدر منه ظلم وعدوان؟! هذا يُخشى عليه من الردة، نسأل الله العافية، كونه يصف الحكم الشرعي أنه ظلم وعدوان، أي: يصف أحكام الله بأنها عدوان، أما إذا كان القاضي قد أخطأ عليه في شيء، فهذا شيء آخر، لكن كونه يصف حكم الله كأن يقول: رجم الزاني ظلم وعدوان، أو جلد الزاني ظلم وعدوان، أو قطع يد السارق كذا، هذا كفر وردة عن الإسلام، نسأل الله العافية؛ لأنه كره حكم الله، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] ونسب الله إلى الظلم، وهذا كفر، نسأل الله العافية.

حكم قراءة القرآن بلا وضوء وقول صدق الله العظيم بعد القراءة

حكم قراءة القرآن بلا وضوء وقول صدق الله العظيم بعد القراءة Q ما حكم قراءة القرآن بلا وضوء؟ وما حكم قول: صدق الله العظيم بعد الانتهاء من القراءة؟ A قراءة القرآن إذا كان عن ظهر قلب، فلا بأس به بلا وضوء، إلا الجنب لا يقرأ حتى يغتسل، أما إذا كان ليس بجنب؛ ولكنه ليس على وضوء، فله أن يقرأ عن ظهر قلب، أما من المصحف فلا بد من الطهارة، لا يمس المصحف إلا عن طهارة، وأما إذا كان على غير طهارة؛ ولكن يقرأ من صدره فلا بأس، يقرأه حفظاً، والجنب لا يقرأ حتى يغتسل، لا حفظاً ولا من المصحف. أما قول: صدق الله العظيم فتركها أولى لأنه لا دليل عليها، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها ولا الصحابة، وإذا فرغ من القراءة لا يحتاج أن يقول: صدق الله، هذا ليس له أصل فيما نعلم.

حكم حلق اللحية حتى تخرج من جديد مستوية

حكم حلق اللحية حتى تخرج من جديد مستوية Q هل يجوز لي أن أحلق لحيتي كي تخرج من جديد بشكل أطول وأكثر تحسيناً؟ A ليس لك حلق اللحية، يقول صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب واعفوا اللحى) ، (قصوا الشوارب ووفروا اللحى، خالفوا المشركين) لا يجوز لك؛ ولكن تسأل الله أن يحسنها ويعدلها.

حكم حلق العانة والإبط وغسل الجمعة

حكم حلق العانة والإبط وغسل الجمعة Q هل حلق العانة والإبط إذا تعدت أربعين يوماً واجب أم سنة؟ وهل غسل الجمعة واجب أم سنة؟ A الرسول صلى الله عليه وسلم وقَّت للناس في قص الشارب، وقلم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط ألا يُترك أكثر من أربعين ليلة، ينبغي للمؤمن أن يلاحظ ذلك، يلاحظ في أقل من أربعين، نتف الإبط، وحلق العانة، وقص الشارب، كل هذا يوقت بأقل من أربعين ليلة. السائل: هل غسل الجمعة واجبٌ أم سنة؟ غسل الجمعة سنة مؤكدة، وقال بعضهم: إنه واجب، والمشهور عند جمهور أهل العلم أنه سنة مؤكدة.

حكم الصلاة في مسجد يوجد فيه قبر

حكم الصلاة في مسجد يوجد فيه قبر Q إذا لم يوجد في قريتي التي أعيش فيها، وبخارج المملكة غير مسجد واحد، وبه قبر، فهل تجوز الصلاة فيه؟ A لا تصلِّ فيه، ما دام فيه قبور. السائل يقول: لا يوجد في القرية سواه. الشيخ: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) افعلوا، واجتهدوا في إيجاد مسجد آخر، واتركوا هذا، وإن تيسر أن يُهدم، أو يُنقل القبر، مثلاً القبر جديد، يُنقل عنه إلى المقبرة، وإذا نُقل صلوا في المسجد إن كان القبر هو الجديد. أما إن كان المسجد هو الذي بني على القبر فيُهدم، وابنوا مسجداً آخر. أما إذا كان القبر جديداً، والمسجد قديماً، فالقبر يُنقل إلى المقبرة، ويُصلى في المسجد، والحمد لله. وأما إذا كنت لا تستطيع ذلك فصلِّ في بيتك، لا تصلِّ معهم، حتى يهديهم الله، ويعملوا الشرع، ينقلوا القبر إن كان جديداً، أو يهدموا المسجد، ويبنوا مسجداً آخر في محل آخر. نسأل الله للجميع الهداية.

حكم إيداع الأموال في البنوك بغير أخذ فوائد

حكم إيداع الأموال في البنوك بغير أخذ فوائد Q ما حكم إيداع المال في بنك بدون أخذ فائدة عليه ولكن لحفظه؟ A إذا تيسر إيداعه في محل آخر فذلك أحسن، إذا تيسر إيداعه عند تاجر آخر غير البنوك فهو أحسن. وأما إذا لم يتيسر فلا بأس أن يودع في البنك؛ لكن بدون مشاركة في الربا، يُحفظ أو يُجعل في صندوق عندهم، يقفل عليه عندهم حتى يحفظوه، المقصود إذا كان ما هو بالربا لا بأس عند الحاجة، وإن تيسر إيداعه في مكان آخر فهو أسلم وأحوط.

حكم ترك دعاء الاستفتاح في الصلاة

حكم ترك دعاء الاستفتاح في الصلاة Q إذا دخلت مع الإمام قبيل الركوع بقليل، فهل أترك دعاء الاستفتاح لأتمكن من قراءة الفاتحة أم ماذا؟ A نعم، تبدأ بالفاتحة أهم؛ لأن الاستفتاح مستحب، حتى لعلك تدركها، فإن فاتت مع الإمام فلا بأس. المأموم لا حرج عليه، إذا لم يدرك الفاتحة يركع مع الإمام وتجزئه الركعة، والحمد لله، كما جاء في حديث أبي بكرة رضي الله عنه. وفق الله الجميع، وأصلح أعمال الجميع. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.

أسباب الثبات أمام الفتن

أسباب الثبات أمام الفتن إن أعظم ما نقدم به على الله عز وجل هو الحق الذي أوجبه علينا، وأنزل من أجله الكتب، وأرسل الرسل، وهو عبادته سبحانه وتعالى. وإن من الأمور المثبتة على العبادة تواصي المؤمنين فيما بينهم بدوام عبادة الله وتقواه، ومحاسبة أنفسهم على كل تقصير، والمجاهدة في لزوم طاعة الله، والدعوة إلى استغلال الأوقات فيما يقرب إلى الله، والشعور بالمسئولية الملقاة على عاتق كل مؤمن، وكل هذا يتحصل بالحرص على العمل بأسباب السعادة الدنيوية والأخروية.

الغاية من خلق العباد

الغاية من خلق العباد الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء مع إخوة في الله في بيت من بيوت الله، للتناصح والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتعاون على البر والتقوى، وأسأله عز وجل أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه، والنصح له ولعباده، وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، ونزغات الشيطان، إنه جل وعلا جواد كريم. أيها الإخوة في الله: تعلمون أن الله عز وجل إنما خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، لم يخلقهم عبثاً ولا سدى، ولكن خلقهم لأمرٍ عظيم، خلقهم ليعبدوه ويعظموه وينقادوا لأمره، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] أي: معطلاً لا يؤمر ولا ينهى، كلا! وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] ، ينكر عليهم ذلك سبحانه وتعالى، ويقول جل وعلا: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] لم يخلقها باطلاً، بل خلقها لأمر عظيم وحكمة عظيمة، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] خلقهم ليتقوه وليعبدوه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58] . وقد أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام بهذا الأمر العظيم، فقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس، أن يعبدوه ويعظموه، وينقادوا لشرعه، ويتواصوا بذلك، خلقوا لهذا وأمروا بهذا، فالواجب على جميع الرجال والنساء، والجن والإنس، والعرب والعجم، والأغنياء والفقراء، الجميع يجب عليهم أن يعبدوا الله وأن يعظموه وينقادوا لشرعه، وعليهم أن يتفقهوا في هذه العبادة، وأن يعرفوها ويعلموها، ولا طريق إلى ذلك إلا باتباع الكتاب والسنة، والتفقه في الكتاب والسنة؛ حتى تعرف العبادة التي أنت مخلوق لها، وأنت مأمور بها، وهي توحيد الله وطاعته وهي الإسلام والإيمان هي الهدى والبر والتقوى هي طاعة الله والانقياد لشرعه. هذه العبادة التي أنت مخلوق لها سميت إسلاماً، وسميت إيماناً، وسميت عبادة، وسميت طاعة لله ولرسوله، وسميت تقوى وبراً وهدى، وحقيقة الأمر أنها فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، هذه العبادة التي أنت مأمور بها أصلها وأساسها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هاتان الشهادتان هما أعظم الأوامر، وهما أساس العبادة، وهما أساس التوحيد، أن تعبد ربك وحده وأن تخصه بالعبادة، وأن تعلم يقيناً أنه هو المعبود بالحق دون كل ما سواه، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] ، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] ، وقال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:36] ، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] ، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ، لما أثنى على نفسه في الفاتحة التي هي أعظم سورة قال بعدها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3-4] ، علَّم عباده أن يقولوا هكذا، ثم يقول القارئ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أي: إياك وحدك نعبد وإياك وحدك نستعين. فالعبادة حقه وحده دون كل ما سواه، فمن عبد مع الله ملائكة، أو أنبياء، أو أصحاب القبور، أو الأصنام، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الجن يدعوهم، أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يعبدهم بشيء من العبادة؛ فقد كفر بالله، وناقض قول لا إله إلا الله، وخالف ما خلق له. فالواجب على الجميع أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصوه بدعائهم، وخوفهم، ورجائهم، وصلاتهم، وصومهم، وذبحهم، ونذرهم، وحجهم وغير ذلك، فالعبادة حق الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] .

أهمية التواصي والتناصح بين المؤمنين

أهمية التواصي والتناصح بين المؤمنين على الجميع أن يتواصوا بهذا، وأن يتناصحوا في ذلك، كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، والبر والتقوى توحيد الله وطاعته واتباع شريعته، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ، هذه أوصاف المؤمنين هذه أخلاق المؤمنين والمؤمنات، بعضهم أولياء بعض، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، ووحدوا الله، وانقادوا لشرعه، فهم المؤمنون بالله، من صفاتهم: أنهم أولياء، كل واحد ولي أخيه لا يغشه، ولا يكذب عليه، ولا يظلمه، ولا يخونه في الأمانة، ولا يغشه في المعاملة، بل ينصح له في كل حال؛ لأنهم إخوه في الله بعضهم أولياء بعض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) ، ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] ، ويقول عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] ، ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8] ، هذا هو وصف المؤمنين، يرعون الأمانات والعهد ولا يخونون، بل هم أولياء أحباء متناصحون، متواصون بالحق، متعاونون على البر والتقوى، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، هذه صفات أولياء الله، هذه أخلاق المؤمنين والمؤمنات، كما سمعتم في قوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ، ليسوا أعداء، فمن تعدى على أخيه بظلم، في نفس، أو مال، أو عرض، أو خيانة في أمانة، أو غش في معاملة؛ فقد خالف هذه الآية، وخالف النص، ودخل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] . فالواجب أداء الأمانة، والنصح لله ولعباده، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] ، أقسم سبحانه وهو الصادق وإن لم يقسم، أقسم بالعصر، وهو الزمان الذي هو النهار، أن الإنسان في خسران، جميع بني آدم في خسران، وهكذا بنو الجان كلهم في خسران من ذكور وإناث {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] هؤلاء هم الرابحون، والسعداء، والله يقسم بما يشاء من خلقه، كما أقسم بالذاريات، والطور، والليل إذا يغشى، والضحى ونحو ذلك، لا أحد يتحجر عليه سبحانه، بل يقسم بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم جل وعلا، أما العبد فليس له أن يحلف إلا بالله، المخلوق ليس له أن يحلف إلا بربه، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقال: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وقال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) . فبهذه الآيات العظيمة يقسم بالعصر أن الإنسان في خسران، أي: أن جنس بني آدم في خسران، وهكذا بنو الجان كلهم في خسران، الجن والإنس كلهم في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] هؤلاء هم الرابحون، هم السعداء، هم المؤمنون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، المتحابون في الله، المتعاونون على البر والتقوى، الصادقون في أقوالهم وأعمالهم، هؤلاء أولياء الله هؤلاء هم المؤمنون هؤلاء أحباء الله هؤلاء أصحاب الجنة، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7] خير الخليقة {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8] لمن خاف الله وراقبه.

أهمية المحاسبة والمجاهدة

أهمية المحاسبة والمجاهدة أيها الإخوة: علينا أن نحاسب أنفسنا ونجاهدها؛ حتى نستقيم على هذه الأخلاق التي جعلها الله صفات الرابحين، وهي الإيمان بالله ورسوله، الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة والجنة والنار، وغير هذا، عليك أن تؤمن بالله، وأنه ربك ومعبودك الحق، وتؤمن برسوله، وأنه مبعوث إليك لتوحيد الله وطاعته واتباع شريعته، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه رسول الله إلى الجميع، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف:158] أرسله الله إلى الجن والإنس، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ:28] ، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ، وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] ، وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) ، فهو رسول الله إلى الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، فالواجب اتباعه، والانقياد لشرعه، وتعظيم أمره ونهيه، والسير على منهاجه هذا هو الواجب على الجميع، كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:13-14] ، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63] أي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] ، وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] . فعلينا جميعاً أن نوحد الله، وأن نستقيم على دينه، وأن نخصه بالعبادة، وأن نطيع أوامره، وأن ننتهي عن نواهيه، وأن نطيع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ونتبع ما جاء به هذا هو الواجب على الجميع، طاعة الله ورسوله، واتباع ما جاء به رسول الله من الهدى ودين الله، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:33] (بالهدى) بالعلم النافع والأخبار الصادقة، (ودين الحق) الشريعة الكاملة والعمل الصالح، أرسل الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالهدى ودين الحق، فالواجب اتباعه، والانقياد لشرعه، وتعظيم أمره ونهيه، والإيمان بأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام. فعلى كل مؤمن ومؤمنة، وعلى كل مكلف أن يحاسب نفسه: هل هو مستقيم على هذا الخلق وعلى هذا الطريق؟ هل هو من المؤمنين بالله ورسوله؟ هل عمل بشرع الله؟ هل نصح لله ولعباده؟ هل أمر بالمعروف؟ هل نهى عن المنكر؟ هل تواصى مع إخوانه بطاعة الله ورسوله؟ هل صبر على ذلك؟ يحاسب نفسه، وينظر، فإن هذه الدار دار محاسبة. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن] أي: تأملوا وتدبروا واعملوا، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] تأمل! هل أنت ولي أخيك أم أنك تخاصمه وتعاديه وتظلمه وتغشه وتخونه في الأمانة؟ تأمل وحاسب نفسك وجاهدها، ثم قال: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] هل أنت من هؤلاء؟ هل جاهدت نفسك؟ هل أمرت بالمعروف؟ هل نهيت عن المنكر؟ ثم قال: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [التوبة:71] أي: يؤدونها كما أمر الله، يحافظون عليها في جميع الأوقات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، هكذا يجب على المؤمن أن يحافظ عليها في الجماعة في مساجد الله، في جميع الأوقات الخمسة، وعليه أن يتقدم في النوم ولا يسهر؛ حتى يؤدي صلاة الفجر مع الجماعة. وهكذا النساء عليهن هذا الأمر، عليهن أن يتقين الله، وأن يحذرن الغش والخيانة لزوج أو غيره عليهن أن يؤدين الأمانة، وألا يخن الله ورسوله، وعليهن النصيحة لأزواجهن ولغير أزواجهن {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ، فلا تخون زوجها، ولا أهل زوجها، ولا غيرهم، بل تنصح لله ولعباده. وعلى كل واحد من المؤمنين والمؤمنات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو الواجب على الجميع، يقول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان في أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) .

اغتنام الحياة بالأعمال الصالحة والتحلي بالصبر

اغتنام الحياة بالأعمال الصالحة والتحلي بالصبر أيها الإخوة في الله: هذه الدار دار العمل دار المناصحة دار التعاون على البر والتقوى دار التواصي بالحق، وليست دار نعيم ولا دار خلد، ولكنها دار فناء وزوال، أنت منتقل طال عمرك أو قصر، فليست دارك، بل أنت منتقل إلى الدار الأخرى إما إلى الجنة وإما إلى النار، وأمامك حساب وجزاء، وجنة ونار، وكتب توزع، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، وميزان هذا يرجح، ميزان هذا يخف {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:6-9] {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:7-9] . المقصود أن الله جل وعلا حذرنا من هذا المقام وهذا اللقاء، وذكرنا به جل وعلا، فأنت على خطر، قد تعطى كتابك بشمالك، وقد يخف ميزانك، فاحذر يا عبد الله! أعد العدة في هذه الدار، حاسب نفسك وجاهدها، تأمل أسباب النجاة واعمل بها، وتأمل أسباب الهلاك واحذرها، هكذا المؤمن، ولهذا قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:1-3] إيمان صادق بالله ورسوله، وعملٌ صالح، والعمل الصالح: أداء فرائض الله وما شرع الله، وترك ما نهى الله عنه وما كره سبحانه، هذه الأعمال الصالحة، أن تعمل بطاعة ربك، وأن تستقيم على دينه، وأن تدع ما نهى الله عنه {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] وأن يكون من أعمالك وإيمانك التواصي بالحق مع إخوانك، التواصي والتناصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، لا تغفل، اغتنم الحياة، اغتنم الفرصة. ولابد من الصبر أيضاً، هذه أمور لا بد فيها من الصبر، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [وجدنا خير عيشنا بالصبر] ، ويقول علي رضي الله عنه: [الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ثم يرفع صوته ويقول: ألا لا إيمان لمن لا صبر له] ، فلابد من الصبر، يقول الله سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] ، ويقول جل وعلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] ، ويقول عز وجل: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] ، فلابد من الصبر على أداء فرائض الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولابد من الصبر على بر الوالدين، وصلة الرحم، وغير هذا من وجوه الخير. فلابد أن تصبر، ولابد أن تحاسب نفسك، هذه الدار دار الصبر دار التواصي بالحق والتواصي بالصبر دار التعاون على البر والتقوى، دار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الآخرة فهي دار جزاء، كل واحد يجزى بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] ، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] ، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] . فأنت -يا عبد الله- في حاجة إلى عملك الصالح، بل في ضرورة أن تحاسب نفسك، وجاهدها في هذه الدار قبل الموت، فإنك لا تدري متى يهجم الأجل، لا تدري متى تنقل إلى حفرتك كم من خازن بيت لم يعد! كم من ممسٍ لم يصبح! كم من مصبح لم يمس! فحاسب نفسك -يا عبد الله- وجاهدها لعلك تستقيم فكر كثيراً فيما أوجب الله عليك وفيما حرم عليك، وسارع إلى الخيرات، وابتعد عن جلساء السوء، واحذرهم، وعليك بصحبة الأخيار الذين يعينونك على طاعة الله ورسوله، واحذر صحبة الأشرار الذين يثبطونك عن الخير ويعينونك على معصية الله ورسوله، احذر أولئك الأشرار، وعليك بصحبة الأخيار، فقد جاء في الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك-أي: يعطيك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، وأما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) ، فعليك بصحبة الأخيار (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) ويقول الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي فالمقصود أن صحبة الأخيار لها أثرها العظيم، وصحبة الأشرار لها خطرها العظيم، والله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، ويقول: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] ، ويقول سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] ، ويقول عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ، هذه صفات الأخيار، هذه صفات خيرية الأمة الإيمان الصادق بالله ورسوله، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو داخلٌ في التواصي بالحق والصبر، والناس في حاجة إلى التواصي والتناصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل واحد في حاجة إلى أخيه أن يعينه على الخير، فالتناصح مطلوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) . يقول جرير بن عبد الله البجلي أحد الصحابة رضي الله عنهم: [بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم] ، عاهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا أن يقيم الصلاة كما أمر الله، ويؤدي الزكاة كما أمر الله، وينصح لكل مسلم، هذا هو الواجب على الرجال والنساء، وعلى المرأة كذلك أن تنصح لله ولعباده، أن تقيم الصلاة كما أمر الله في بيتها في الوقت بطمأنينة وخشوع وعدم استعجال، وأن تقوم على أهل بيتها من بنات وأولاد وغيرهم كالرجل، والرجل والمرأة عليهم بالتعاون فيما يتعلق بالبيت وإصلاحه مع الأولاد، ومع الأيتام، ومع الخدم والخادمات، لابد من التعاون على البر والتقوى، ولابد من العناية، وهكذا الأمير، وهكذا شيخ القبيلة هذا واجبه الأمير يعتني برعيته، فيجتهد فيما يصلحها، ويتعاون مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في إصلاح الرعية، وهكذا شيخ القبيلة ورؤساء القبيلة، عليهم أن يتعاونوا في إصلاح قبيلتهم، في أمرهم بالمعروف، وفي نهيهم عن المنكر، وفي الأخذ على يد السفيه، هكذا يجب على المؤمنين التعاون والتواصي بالحق والتناصح.

الشعور بالمسئولية واجب الجميع

الشعور بالمسئولية واجب الجميع يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] . كل واحد يجتهد في أن يقي نفسه وأهل بيته عذاب الله، وهكذا يجتهد في أن يقي شعبه وجماعته وقومه من عذاب الله، فشيخ القبيلة عليه مسئوليته، وأمير البلاد عليه مسئوليته، والسلطان عليه مسئوليته، وصاحب البيت عليه مسئوليته، كل واحد عليه مسئوليته، وعليه أن يتقي الله، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92-93] ، وقال جل وعلا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف:6-7] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام على الناس راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والعبد راعٍ في مال سيده ومسئول في رعيته) ، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) . ويدل على هذا المعنى قوله جل وعلا: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92-93] فأنت مسئول، فحاسب نفسك وأعد الجواب هل أديت المسئولية؟ هل قمت بالواجب مع أهل بيتك؟ مع جيرانك؟ مع جلسائك؟ مع زملائك؟ مع إخوانك المسلمين؟ {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92-93] (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ * وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:6-9] .

الحرص على أسباب السعادة والحذر من أسباب الشقاوة

الحرص على أسباب السعادة والحذر من أسباب الشقاوة احذر يا أخي هذا الموقف! احذر أن يخف ميزانك! احذر أن تعطى كتابك بيسارك! إنها مصيبة عظيمة، واحرص على أسباب السعادة والنجاة، وأن يثقل ميزانك، وأن تعطى كتابك بيمينك، وأن تكون من السعداء الرابحين الناجين. هذه الدار دار المحاسبة، فحاسب نفسك، وانظر في أعمالك ليلاً ونهاراً ودائماً حتى تموت، فإن كنت مستقيماً فاحمد الله، واشكره، واصبر وصابر، واسأل ربك التوفيق والثبات، أما إن كنت قد قصرت وأهملت في بعض الأشياء فحاسب نفسك، وتب إلى الله، واستقم، وراجع ما فرطت فيه، واستقم على أوامر الله، وابتعد عن نواهي الله، عن نية صادقة، وعن إخلاص لله، وعن رغبة فيما عند الله، وعن صدق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] فالصدق لابد منه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] ، ويقول سبحانه في آخر سورة المائدة: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119] ، هذا حال الصادقين، من صدق مع الله في أداء الحق، وترك ما نهى الله عنه، وفي مجاهدة النفس بالخير، والمسارعة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق، والنصح لله ولعباد الله من جاهد نفسه وجد العاقبة الحميدة، حمد العاقبة وربح في الدنيا والآخرة، ومن أضاع وأهمل ندم العاقبة. فالواجب الحذر، وأن تحاسب نفسك في ليلك ونهارك: ماذا فعلت؟ ما الذي قصرت فيه؟ حتى تعرف مالك وما عليك. واحذر صحبة الأشرار الذين يثبطونك عن الخير ويعينونك على الشر، وعليك بصحبة الأخيار الذين إن ذكرت أعانوك، وإن نسيت ذكروك بالخير وجاهدوا معك، وصبروك وأعانوك وشجعوك على الخير عليك بصحبة الأخيار، فالمرء على دين جليسه، وعلى دين خليله، فاحرص على صحبة الأخيار الطيبين، الذين يعينونك على الخير، ويذكرونك إذا نسيت، ويشجعونك إذا كسلت عليك بصحبة الأخيار، واحذر صحبة الأشرار، الذين يثبطونك عن الحق ويجرونك إلى الباطل احذر صحبتهم. فالمؤمن على حسب حاله، إن نصح لله ولعباده وصحب الأخيار سعد غاية السعادة، وإن فرط وأضاع ندم غاية الندامة، فأنت -يا عبد الله- تخلّق بأخلاق المؤمنين والزمها {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) ، من أطاع الله ورسوله دخل الجنة وفاز بالسعادة، ومن عصى الله ورسوله فقد أبى وتعرض لغضب الله وعقابه. فالواجب الحذر، والواجب جهاد النفس، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ، وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] ، فلابد من المجاهدة، ولا بد من الصبر، قال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6] ، جاهد نفسك لعلك تنجو، فأنت في خطر، هذه الدار دار خطر، دار الغرور، دار الفتنة، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] أنت في دار الغرور، دار الفتن، دار الشهوات، دار الإغراء بما حرم الله، فعليك بالحذر ما دمت في هذه الدار، جاهد نفسك، واصبر على طاعة ربك، واحذر عصيانه، والزم الأخيار، واحذر الأشرار، هذا هو طريق السعادة هذا هو طريق النجاة هذا هو سبيل الخير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) ، فعليك بالتعلم، تفقه في الدين وتبصر.

الاهتمام بالقرآن والعناية به

الاهتمام بالقرآن والعناية به الوصية العناية بالقرآن، القرآن كتاب الله، أعظم وأصدق كتاب، فأوصيكم بالقرآن أكثروا من تلاوته وتدبر معانيه، والاستماع له، ففيه الخير العظيم وفيه النجاة، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155] ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:1] . عليكم بالقرآن، وأكثروا من تلاوته وتدبر معانيه، والاستماع لمن يقرأ بإحضار قلب وخشوع؛ لأن فيه الهدى، ولأنه طريق الهدى، {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} [إبراهيم:52] {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] فعليكم بالقرآن. الوصية أيها الأخوة وأيها الأخوات في الله! الوصية بالقرآن، الإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه؛ لأن فيه الدعوة إلى كل خير، والتحذير من كل شر، كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت:44] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] ، وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] فكتاب الله فيه الهدى والنور فيه الرحمة فيه الذكرى فيه الدعوة إلى كل خير فيه التحذير من كل شر. وأوصيكم بإذاعة القرآن، اسمعوها ففيها نصائح ومحاضرات، وفتاوى نور على الدرب فيه مصالح كثيرة، فأوصيكم بإذاعة القرآن، بالإقبال عليها، والاستماع لها؛ لما فيها من الخير والفوائد العظيمة. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، نسأل الله أن يصلح أحوالهم في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلحهم. كما أسأله سبحانه أن يصلح ولاة الأمر في هذه المملكة، نسأل الله أن يوفقهم لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن ينصر بهم دينه، وأن يسخر لهم أعوانه في الخير، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الأسئلة

الأسئلة

أسباب الثبات أمام الفتن

أسباب الثبات أمام الفتن Q إني أحبك في الله ما هي أسباب الثبات أمام الفتن؟ A المحبة في الله من الخصال العظيمة المرضية، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتاحبين فيه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله جل وعلا: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتباذلين في، والمتجالسين في) ويقول صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) ، فالمتحابون بجلال الله عليهم التعاون بالبر والتقوى، وعليهم التواصي بالحق، وعليهم التناصح. ومن أسباب الثبات: الاستقامة على دين الله، ومحاسبة النفس وجهادها عليك أن تحاسبها، وأن تذكر قدومك على الله، ونقلك إلى القبر، فإن هذا مما يعينك على الثبات والاستقامة، وعليك بتدبر القرآن والإكثار من تلاوته، وهذا مما يعينك على الثبات على الحق والاستقامة عليه، فإن هذه الدار هي دار الفتن ودار المحن، فالواجب على المؤمن أن يثبت على الحق ويستقيم، وأن يتعاطى أسباب الثبات، وذلك بتدبر القرآن، والإكثار من تلاوته، وذكر الآخرة والجنة والنار، وصحبة الأخيار، والبعد عن صحبة الأشرار، كل هذه من أسباب السلامة والعافية والثبات على الحق.

حكم الزواج بنية الطلاق

حكم الزواج بنية الطلاق Q سبق وأن أفتى سماحتكم بجواز الزواج بنية الطلاق، وقد رأينا اليوم من يسافر إلى الخارج من أجل هذا الزواج، فيعقد على امرأة هناك لمدة أسبوعين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، ثم يطلق ويعود، فما حكم ذلك؟ A ذهب الجمهور من أهل العلم إلى جواز هذه النية، ولكن ترك هذه النية أفضل، فيتزوج ومتى شاء أن يطلق فلا أحد يحاسبه على الطلاق، يتزوج ومتى شاء الطلاق فعليه الطلاق، وقد ينقلها إلى بلده، فالمقصود أن كونه بنية الطلاق لا يضر، لكن ترك هذه النية أولى وأحوط، والأفضل له أن يتزوجها بنية إن ناسبته أبقاها وإلا تركها.

حكم التداوي مع التوكل على الله

حكم التداوي مع التوكل على الله Q يرى بعض الناس أن التداوي بالأدوية ينافي كمال التوحيد المستحب أو الواجب، ما قولكم يا سماحة الشيخ؟ A التداوي لا بأس به، ولا حرج فيه، ولا ينقص الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله) ، لكن ترك طلب الاسترقاء هو الذي جاء في الحديث: (ولا يسترقون) أي: لا يطلبون من يرقي لهم ويقرأ عليهم (ولا يكتوون) ، فترك الكي أفضل إلا عند الحاجة فلا بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شربة عسل، أو شرطة محجم، وما أحب أن أكتوي) ، فإذا دعت الحاجة إلى الكي أو الاسترقاء أو نحو ذلك فلا بأس به، فالتداوي مطلوب (ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له شفاء) . لكن مع التداوي يعتمد على الله، ويسأل ربه الشفاء، ويعلم أنه سبحانه هو الشافي وبيده الأمر. والتداوي من الأسباب، فالعلاج عند الأطباء أو عند القراء كلها أسباب، والتوفيق والشفاء بيد الله جل وعلا.

مفهوم مصطلح الإرهاب والتطرف

مفهوم مصطلح الإرهاب والتطرف Q كثيراً ما نسمع عن مصطلحات مثل: الإرهاب، والتطرف، ويتكلم في ذلك من هب ودب، فما هو المعيار الصحيح لذلك؟ أي: لمعنى هذه المصطلحات، أو بمعنى آخر: متى يكون الرجل إرهابياً أو متطرفاً؟ A التطرف هو الأخذ بالرخص التي لا وجه لها ولا دليل عليها، والإرهاب هو الذي يتعدى على الناس بالضرب أو بالقتل بغير حق وبغير دليل، عن جهل وقلة بصيرة، هؤلاء هم الإرهابيون الذين يقتلون الناس بغير حق، وبغير حجة شرعية، فيغيرون على الناس أمنهم، ويسببون المشاكل بينهم وبين دولهم، هؤلاء هم الإرهابيون، أما من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر حسب طاقته فليس إرهابياً، فيأمر بالمعروف حسب طاقته مع أهله، ومع أولاده بيده، في سلطانه، كونه أميراً أو رئيس هيئة، أو موظفاً، فإنه مأمور حسب ما أمر به، وحسب ما عنده من الصلاحيات، والذي لا يستطيع فإنه ينكر بلسانه يا عبد الله! اتق الله، هذا لا يجوز، هذا واجب عليك، بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ، وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] . فإن عجز فيكره المنكر بقلبه ولا يحضر المنكر، فالذين يقتلون أو يضربون الناس بغير وجه شرعي هؤلاء هم الإرهابيون، هم المفسدون، هم الذين يخلّون بالأمن ويفسدون على الناس مجتمعاتهم، ولكن لا يغير بيده إلا إن كان عنده صلاحية من جهة ولاة الأمور، وإلا فليرفع الأمر إلى ولاة الأمور، إذا رأى المنكر وعجز عنه يرفع الأمر إلى ولاة الأمور، ولكن ينصح بالكلام والدعوة إلى الله والترغيب والترهيب، أما مع أهل بيته، مع زوجته وأولاده، مع من تحت سلطانه فلا بأس به، له الأمر باليد حسب ما عنده من الصلاحية وفق الله الجميع.

الواجب تجاه من لا يعرف أحكام الإسلام

الواجب تجاه من لا يعرف أحكام الإسلام Q قد ذهبنا إلى إحدى الجمهوريات الإسلامية التي كانت تحت الاحتلال الروسي الشيوعي، فوجدنا الناس لا يعرفون من الدين إلا الشهادتين، فلا يعرفون أن الصلاة واجبة، وكذلك الزكاة والصوم وغيرهما من الشرائع، وأكثرهم لا يصلون ولا يصومون، والسؤال: هل يجوز اعتبارهم مسلمين، بمعنى: هل يجوز لنا إلقاء السلام عليهم، وأكل ذبائحهم ومناكحتهم والصلاة على موتاهم؟ A الواجب نصحهم وتوجيههم للخير ودعوتهم إلى الله، وتبصيرهم فيما جهلوا، هذا واجب الدعاة في البوسنة وغيرها، عليهم تبصيرهم ودعوتهم إلى الله، وإعلامهم بما شرع الله، وتوجيههم للخير، وإذا كانوا لا يصلون فلا تحل ذبيحتهم، أو كان عندهم الشرك؛ حتى يتوبوا، فإن تابوا فلا بأس، أما ماداموا لا يصلون، أو يتعاطون الشرك، فلا تؤكل ذبائحهم، ولكن يعلمون وينصحون، فإذا تابوا إلى الله ورجعوا أكلت ذبائحهم وصاروا إخوة لنا في الله. فعلى الدعاة أن يوجهوهم ويرشدوهم ويعلموهم، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع أهل المدينة، وكما فعلوا في مغازيهم في الشام والعراق وغير ذلك، فلابد من الدعوة والتوجيه والصبر.

حكم شراء سيارة بالإيجار المنتهي بالتمليك

حكم شراء سيارة بالإيجار المنتهي بالتمليك Q ما حكم شراء سيارة بالإيجار الشهري المنتهي بالتمليك والمنتشر حالياً بين تجار بيع السيارات؟ A هذا البيع حتى الآن لم يتم لنا فيه فتوى، وهو لدى مجلس هيئة كبار العلماء للنظر فيه، وإذا صدرت فيه فتوى نشرت إن شاء الله، ولكن ننصح بترك هذا الأمر؛ لأنه محل شبهة، فننصح بترك هذه المعاملة، وأن يشتري شراءً جازماً ليس فيه شبهة.

حكم وضع سجادة مستقلة للإمام وحكم حجز المكان في المسجد

حكم وضع سجادة مستقلة للإمام وحكم حجز المكان في المسجد Q ما حكم وضع سجادة مستقلة للإمام في المسجد، خصوصاً مع انتشار هذه الظاهرة عند أئمة المساجد، بل تجد بعضهم يضع عدة سجادات بعضها فوق بعض بشكل ملفت للنظر؟ كذلك ما حكم استخدام السجادات المزخرفة سواء للإمام أو المأمومين؟ A وضع السجادة للإمام لا بأس بها، علامة على أن هذا محل إمام، وأن هذا هو موقف الإمام؛ حتى يعرف الصف الموقف، وحتى إن كان كثيفاً ينتفع بهذه السجادة في صلاته، ولكن لا تكون مزخرفة؛ لأن النقوش قد تشغل المصلين، والأولى ألا يكون منقوشاً نقشاً يؤذي المصلين ويشق عليهم ويشوش عليهم، ولا يجوز الحجز للناس، بل الصف لمن تقدم، من تقدم فهو أولى بالصف الأول وهكذا، ولا يجوز الحجز حتى يتأخر، ولكن من تقدم فهو أولى.

حكم بيعتين في بيعة وبيع وشرط

حكم بيعتين في بيعة وبيع وشرط Q ما حكم من باع عقاراً بمبلغ معلوم بأقساط سنوية وفي وقت محدود، واشترط في عقد البيع أنه إذا انفسخ العقد لعدم السداد بالمبلغ أن يكون المشتري مستأجراً للعقار بمبلغ محدد عن كل سنة مضت؟ A هذا عقد في عقد لا يصح، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ونهى عن بيعتين في بيعة، وألا يحل سلف وبيع، ولكن يبيع بيعاً جازماً، فإذا أعسر أو حصل شيء فعنده المحاكم وعنده الأمراء، يشكو عليهم إذا تعذر عليه تسليم حقه، إذا كان البيع جازماً بأقساط معلومة، هذا هو الواجب.

أحكام السقط

أحكام السقط Q السقط يكثر السؤال عنه في الآونة الأخيرة متى يصلى عليه؟ ومتى تكون المرأة نفساء؟ بعض أهل العلم يرى الصلاة عليه إذا تم ثمانين يوماً، أي: إذا دخل في الأربعين الثالثة، ما رأي فضيلتكم؟ A إنما يصلى عليه إذا ولد في الخامس ونفخت فيه الروح، فهو إنما يتحرك في الخامس، فيصلى عليه إذا ولد في الشهر الخامس أو السادس وما بعده، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، أما قبل ذلك فليس له حكم الإنسان، ولكن يدفن في أرض طيبة ولا بأس، ولا يحتاج إلى صلاة ولا غير ذلك، حتى يكون في الشهر الخامس فما بعد، ويعق عنه أيضاً ويسمى. والمرأة تكون نفساء بوجود ما يدل على أنه إنسان، فإذا ولد في الطور الثالث أو الثاني وفيه علامات إنسان، رجل أو رأس أو يد، فتكون نفساء، لكنه لا يغسل ولا يصلى عليه؛ لأنه ليس بإنسان، لكن هذه علامات النفساء، فعليها أن تدع الصلاة مدة النفاس ما دام الدم معها، فإذا انقطع الدم قبل الأربعين طهرت وصلت، وإلا فلها أن تجلس حتى تكمل الأربعين أو ترى الطهارة، مادام هناك علامات إنسان وجد فيه رجل أو رأس أو نحو ذلك مما يدل على تخلقه، أما إذا كان دماً فليس بنفاس إنما يكون دم فساد، حكمها حكم الاستحاضة، فتصلي وتتوضأ لكل صلاة، أما إذا وجد ما يدل على أن هذا إنسان من رأس أو يد أو رجل أو نحوه مما يدل على أنه طفل، فإنها تكون نفساء، لا تصلي ولا تصوم حتى ترى الطهارة أو تكمل الأربعين، أما هو فلا يغسل ولا يصلى عليه إلا إذا كان في الخامس وما بعده.

بيان خطأ من حصر الكفر في التكذيب والجحود

بيان خطأ من حصر الكفر في التكذيب والجحود Q هناك من يقول: إن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب والجحود، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل:106] الآيتين، فهل هذا صحيح؟ وما هو مذهب أهل السنة في هذه المسألة؟ A ليس هذا بصحيح، بل ذكر أهل العلم في باب حكم المرتد أنواع الردة، فمن أتى بالكفر قولاً أو عملاً أو اعتقاداً كفر، هذا هو المعروف عند أهل العلم في باب حكم المرتد، إلا المكره. فإذا سب الدين، أو سب الله، أو سب الرسول، أو ترك الصلاة، أو سجد لغير الله، أو دعا غير الله؛ فقد كفر، ولو قال: إني لا أستبيحها، متى فعلها كفر، فمن يدعو الأموات ويستغيث بالأموات ولو قال: لا أستحلها؛ فهو كافر، والذي لا يصلي فهو كافر، ولو قال: ما جحدت وجوبها، هذا هو الصحيح، وهكذا من سب الله وسب الرسول، أو استهزأ بالدين كفر، ولو قال: ما أستحلها فلا يصدق، بل حكمه حكم الكفر كما صرح العلماء بذلك، وليس في هذا نزاع بين أهل العلم.

علاقة العمل بمسمى الإيمان

علاقة العمل بمسمى الإيمان Q من الناس من يقول: إن الأعمال ليست ركناً من أركان الإيمان، وإنما هي من مكملاته، فما مدى صحة هذا القول؟ A الأعمال فيها تفصيل، منها ما هو أصل في الإيمان، ومنها ما هو من مكملاته، فالإيمان قول وعمل يزيد وينقص، الإيمان عند أهل السنة قول وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فالصلاة إيمان، والزكاة إيمان، والصوم إيمان، والحج إيمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيمان وهكذا، لكن بعضها إذا تركه صار عاصياً، فمن لم يزكِ صار عاصياً وليس بكافر، أو أفطر في رمضان من غير عذر أصبح عاصياً وليس بكافر على الصحيح، أو أخر الحج وهو مستطيع صار عاصياً وليس بكافر، أما من ترك الصلاة فهو كافر على الصحيح، أو سجد لغير الله فهو كافر، أو سب الله أو سب رسوله فهو كافر، أو ذبح لغير الله فهو كافر، نسأل الله العافية.

وجوب العدل بين النساء في الحج وغيره

وجوب العدل بين النساء في الحج وغيره Q إذا كان للرجل زوجتان وحج بأحدهما، فهل يحق للزوجة الأخرى المطالبة بالسفر بها نفس المدة التي استغرقها الحج مع ضرتها، مع العلم أن المبيت كان خلال الحج ليس في نفس المكان، أي أن الزوج مع الرجال والزوجة مع النساء؟ A كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فأيتهن قرعت خرج بها، فإذا أراد الحج أو غيره يقرع بينهن، فمن ترجح لها القرعة خرج بها، ثم الثانية فهي كذلك يحج بها بعد ذلك، إلا إذا تراضين وقالت: أنا موافقة أن تذهبي قبلي، فلا بأس، وإلا فالواجب القرعة حتى يخرج بمن قرعت في الحج وفي غيره؛ لأن العدل واجب (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج قرعتها سافر بها) .

حكم الدكاكين المبنية بجوار المسجد

حكم الدكاكين المبنية بجوار المسجد Q بعض المساجد يوجد بها دكاكين مفتوحة على الشارع وهي ضمن مباني المسجد، فهل هذا داخل في النهي عن اتخاذ المساجد أماكن للبيع والشراء، مع أن إيجارها لصالح المسجد؟ A إذا كانت خارج السور فلا، وأما إذا كانت من السور فهي تبع المسجد، يجوز الاعتكاف فيها والصلاة فيها، أما إذا كانت خارج سور المسجد فليست داخلة في المسجد.

حكم الإشهاد في الرجعة من الطلاق

حكم الإشهاد في الرجعة من الطلاق Q إذا طلّق الرجل زوجته ثم راجعها في نفس اليوم، فهل يجب عليه الإشهاد على الرجعة؟ وإذا كان واجباً فماذا يصنع من راجع زوجته بدون إشهاد؟ A السنة الإشهاد على الطلاق والرجعة، يشهد على طلاقها ورجعتها، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] ، هذا يعم الطلاق والرجعة، هذا هو السنة، ومن راجع بغير إشهاد صحت الرجعة لكنه ترك المشروع.

حكم استخدام الباروكة للنساء

حكم استخدام الباروكة للنساء Q هناك امرأة مصابة بمرض الصلع حيث لا يوجد على رأسها شعر بالكلية، فهل يجوز لمثل هذه المرأة أن تستخدم شعراً مستعاراً، أي: ما يسمى بالباروكة؟ A الذي يظهر أنه لا يجوز؛ لأن هذا فيه تشبه بأهل الكتاب، كما خطب معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ نسائهم مثل هذا، وأشار على قبة من شعر يلبسها نساؤهم) من جنس الباروكة، فلا يجوز وصل الشعر ولا لبس الباروكة، ونسأل الله العافية.

خطورة انتشار الفضائيات على أخلاق الأمة

خطورة انتشار الفضائيات على أخلاق الأمة Q انتشر في الآونة الأخيرة الفضائيات انتشاراً فاحشاً، وفيها تأثير خطير على أخلاق الأمة، فنرجو من سماحتكم النصيحة في ذلك. A الواجب الحذر من هذه (الدشوش) وأشباهها، والواجب على المسلم وعلى أهله الحذر من مطالعتها، فإن فيها شراً عظيماً، ويؤدي إلى شر عظيم، فالواجب الحذر؛ لأن فيها مشاهدات تضر الإيمان، وتدعو إلى الفسق والعصيان، نسأل الله العافية، فالواجب الحذر منها جميعاً.

حكم الذهاب إلى المحاكم الوضعية لاستخلاص الحقوق

حكم الذهاب إلى المحاكم الوضعية لاستخلاص الحقوق Q يحتاج كثير من المسلمين في البلدان التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية إلى الذهاب إلى المحاكم الوضعية لاستخلاص حقوقهم، فما حكم ذلك؟ وهل يتغير الحكم إذا لم يكن مضطراً إلى ذلك؟ ومتى يكفر المسلم بهذا الفعل؟ A إذا تيسر البعد من ذلك فلا بأس، أما إذا أُخذ حقه فله أن يخاصم في رد حقه ولا يأخذ زيادة، إنما يخاصم بطلب حقه الذي غصب منه وظلم فيه، لا بأس أن يطلب من الدولة -ولو كانت كافرة- يطلب منها رد حقه، ولا يأخذ زيادة، ولا يظلم الناس، بل يأخذ حقه الذي ظلم فيه فقط ولا حرج في ذلك.

حكم اشتراط مبدأ التحكيم عند النزاع في بعض العقود التجارية

حكم اشتراط مبدأ التحكيم عند النزاع في بعض العقود التجارية Q يكثر اليوم في كثير من العقود التجارية اشتراط مبدأ التحكيم عند النزاع، وصورته: أنه إذا وقع نزاع بين المتعاقدين فإنه يرشح كل طرف شخصاً يحكم من طرفه، ويتفقان على الثالث ليكون رئيساً للجنة التحكيم، ويكون حكمهم للأغلبية وملزماً للطرفين، ويتقاضى الثلاثة المحكمون أتعاب التحكيم من طرفي العقد، فما حكم ذلك؟ وهل من ضوابطٍ شرعية لذلك؟ A هذا لا يجوز، هذا يفعله بعض البادية، أما الصلح والتراضي بينهم فلا بأس، لكن أن يحكِّم حكاماً يحكمون أو يلزمون فلا يجوز، إلا لحكام الشرع في المحاكم الشرعية، أما أناس جهلة يحكمون بالهوى أو العرف أو بالدولة أو بالقبيلة فهذا لا يجوز، فالواجب أن يرجعوا إلى شرع الله، إلا إذا أصلحوا بالتراضي فلا بأس، إذا عفا بعضهم عن بعض من بين القبيلة أو من غير القبيلة، أشاروا عليهم بالتصالح والرضا، والتسامح عن ضربته أو ما أشبه ذلك، فلا بأس بالصلح والرضا من غير إلزام، أما الإلزام فعلى المحاكم الشرعية.

حكم تشريع القوانين الوضعية وإلزام الناس بها

حكم تشريع القوانين الوضعية وإلزام الناس بها Q هل تشريع القوانين الوضعية كفر مخرج من الملة؟ وهل الحكم بها وإلزام الناس بها كذلك أيضاً؟ A من استباح الحكم بغير ما أنزل الله أو شجع عليه كفر -نسأل الله العافية- لأن الواجب تحكيم شرع الله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ، فمن رضي بحكم غير الله أو شجع عليه أو دعا إليه كفر، أما إذا حكم لشبهة أو لهوى، بغير الشرع كـ (البقشيش) أو القريب أو ما أشبه ذلك، فيكون عاصياً، ويكون كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، أما من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فقد كفر عند جميع أهل العلم، نسأل الله العافية.

حكم تقنين الشريعة بدعوى الضرورة

حكم تقنين الشريعة بدعوى الضرورة Q يثير البعض ضرورة تقنين الشريعة في هذا الزمان، ويقول هؤلاء: إن عدم تقنين الشريعة خاصة في بعض المجالات، هو الذي دفع كثيراً من الدول إلى تشريع قوانين وضعية، وذلك لحاجة العصر إلى تشريعات مقننة خاصة في التعامل مع العالم الخارجي، ما مدى صحة هذا القول؟ A هذا قد يقع فيه غلط، قد يغلط المقننون، ولكن تقنين الشريعة بالكتب التي فيها بيان الأحكام الشرعية لتنفع القضاة، كـ الطرق الحكمية لـ ابن القيم، وما أشبهها، كتب توضح فيها الأحكام الشرعية، وبيان أحكام الدعاوى هذه تقرب للقضاة، أما إيجاد قوانين تلزم الناس فقد يغلط المقننون، فلا يلزم الناس إلا بالقرآن والسنة بشرع الله.

حكم استخدام الصور في المادة الإعلامية لمواجهة الإعلام الإباحي والعلماني

حكم استخدام الصور في المادة الإعلامية لمواجهة الإعلام الإباحي والعلماني Q يطالب عدد من متخصصي الإعلام الإسلامي بضرورة استخدام الصور والتصوير في المادة الإعلامية المرئية والمقروءة، وأنها أصبحت ضرورة لمواجهة الإعلام الإباحي والعلماني، فهل توافقون على هذا القول؟ وإذا كان الجواب بالمنع فما هو الحل العملي الواقعي لمواجهة الهجمة الإعلامية الضاربة من خلال الفضائيات وغيرها؟ A لا يجوز التصوير، بل يجب الحذر من ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مصور في النار) ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله، والواشمة والمستوشمة، ولعن المصورين، وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) ، فلا يجوز استخدام الصور لذوات الأرواح، ولكن الذي كفى الأولين يكفي الآخرين، الإعلام وغير الإعلام بغير صور، فعل فلان كذا وكذا، أو هذا يجوز وهذا القول لا يجوز، فما كفى عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وعصر الخلفاء الراشدين، وعصر الصحابة، وعصر القرون المفضلة والعصور الماضية يكفي لآخره، كما قال مالك رحمه الله: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فالواجب على الآخرين هو ما وجب على الأولين، وهو التمسك بشرع الله والحذر مما يخالف ذلك، قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف:43] ، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] ، وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] ، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] .

حكم الأعياد والمناسبات الوطنية والتهنئة بها

حكم الأعياد والمناسبات الوطنية والتهنئة بها Q يجري في بعض البلاد أعياد بمناسبة الاستقلال مثلاً، أو بما يسمى بالعيد الوطني، فهل هي أعياد مشروعة أو مباحة، وما حكم التهنئة بها؟ كذلك ما حكم التهنئة بدخول السنة الهجرية؟ A كل هذه الأعياد مبتدعة، وكلها باطلة من موالد أو غيرها، لا يجوز فعلها، ولا الاحتفال بها، بل يجب ترك ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فالواجب ترك ذلك، أما إذا هنأك إنسان وقال لك: جزاك الله خيراً، نسأل الله التوفيق، فلا بأس به، لكن الأفضل ألا تبدأ بالتهنئة بالعام الجديد أو ما أشبه ذلك، لكن إذا قال لك: مبارك، وجزاك الله خيراً، وبارك الله فيك، فلا بأس إن شاء الله، أما الاحتفال ووجود اجتماعات أو طعام أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز.

حال حديث: (يا عباس يا عماه)

حال حديث: (يا عباس يا عماه) Q ما صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: (يا عباس يا عماه! ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل لك عشر خصال. الحديث) ؟ A هذا حديث ضعيف لا يصح.

§1/1